عون المعبود
العظيم آبادي ج 7

[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء السابع : تتمة كتاب الصيام كتاب الجهاد - كتاب الضحايا . الطبعة الثانية 1415 ه‍ . 1995 دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
باب في الصائم يحتلم نهارا في رمضان (لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم) قال الخطابي إن ثبت هذا فمعناه من قاء غير عامد ولكن في إسناده رجل لا يعرف وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن عبد الرحمن ضعفه أهل الحديث وقال أبو عيسى أخطأ فيه عبد الرحمن ورواه غير واحد عن زيد ابن أسلم مرسلا وعبد الرحمن ذاهب الحديث وقال يحيى بن معين حديث بني زيد بن أسلم ليس بشئ انتهى وقال المنذري هذا لا يثبت وقد روي من وجه آخر ولا يثبت أيضا وأخرجه الدارقطني من حديث هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد
[ 4 ]
الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام وهشام بن سعيد وإن كان قد تكلم فيه غير واحد فقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري وقد رواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا وأخرجه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه وقال إنه غير محفوظ وذكر أن عبد الرحمن ابن زيد يضعف في الحديث والله أعلم باب في الكحل عند النوم (عن أبيه) النعمان بن معبد (عن جده) أي جد عبد الرحمن وهو معبد بن هوذة صحابي قليل الحديث (أنه أمر بالإثمد) وقد استدل بهذا الحديث ابن شبرمة وابن أبي ليلى فقالا إن الكحل يفسد الصوم وخالفهم الفقهاء وغيرهم فقالوا الكحل لا يفسد الصوم وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف لا ينتهض للاحتجاج به واستدل ابن شبرمة وابن أبي ليلى بما أخرجه البخاري تعليقا ووصله البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة من حديث ابن عباس بلفظ الفطر مما دخل والوضوء مما خرج قال وإذا وجد طعمة فقد دخل ويجاب بأن في إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا وفيه أيضا شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف وقال ابن عدي الأصل في هذا الحديث أنه موقوف وقال البيقهي لا يثبت مرفوعا ورواه سعيد بن منصور موقوفا من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة قال الحافظ وإسناده أضعف من الأول ومن حديث ابن عباس مرفوعا
[ 5 ]
واحتج الجمهور على أن الكحل لا يفسد الصوم بما أخرجه ابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم وفي إسناده بقية عن الزبيدي عن هشام عن عروة والزبيدي المذكور اسمه سعيد بن أبي سعيد ذكره ابن عدي وأورد هذا الحديث في ترجمته وكذا قال البيهقي وصرح به في روايته وزاد أنه مجهول والإثمد بكسر الهمزة وهو حجر للكحل كما في القاموس (المروح) بضم الميم وتشديد الواو المفتوحة وآخر الحروف وسلم حاء مهملة أي المطيب بالمسك كأنه جعل له رائحة تفوح بعد أن لم تكن له رائحة قال المنذري وعبد الرحمن قال يحيى بن معين ضعيف وقال أبو حاتم الرازي صدوق (عن أنس) سكت عنه المنذري (عن الأعمش) سكت عنه المنذري باب الصائم يستقئ عامدا (من ذرعه قئ) بالذال المعجمة أي غلبه وسبقه في الخروج (وهو صائم فليس عليه قضاء) لأنه لا تقصير منه (وإن استقاء) أي من تسبب لخروجه (فليقض) قال ابن الملك
[ 6 ]
والأكثر على أنه لا كفارة عليه وفي شرح السنة عمل بظاهر هذا الحديث أهل العلم فقالوا من استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه فلا قضاء عليه لم يختلفوا فيه وقال ابن عباس وعكرمة بطلان الصوم مما دخل وليس مما خرج روى أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن معاوية عن رزين البكري قال حدثتنا مولاة لنا يقال لها سلمى من بكر بن وائل أنها سمعت عائشة رضي الله عنها تقول دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هل من كسرة فأتته بقرص فوضعه على فيه فقال يا عائشة هل دخل بطني منه شئ كذلك قبلة الصائم إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج ولجهالة المولاة لم يثبته بعض أهل الحديث كذا في المرقاة وفي النيل والحديث يدل على أنه لا يبطل صوم من غلبة القئ ولا يجب عليه القضاء ويبطل صوم من تعمد إخراجه ولم يغلبه ويجب عليه القضاء وقد ذهب إلى هذا علي وابن عمر وزيد بن أرقم وزيد بن علي والشافعي وحكى ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القئ يفسد الصيام وقال ابن مسعود وعكرمة وربيعة إنه لا يفسد الصوم سواء كان غالبا أو مستخرجا ما لم يرجع منه شئ باختياره قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس وقال محمد يعني البخاري لا أراه محفوظا قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل قال ليس من ذا شئ قال الخطابي يريد أن الحديث غير محفوظ
[ 7 ]
(معدان) بفتح الميم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء) أي عمدا الكبير لما عنه تقدم من أن من ذرعه قئ ليس عليه قضاء (في مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم ويكسر وهو لا ينصرف وقيل منصرف أي في مسجد الشام (قال) أي ثوبان (صدق) أي أبو الدرداء (وضوءه) بالفتح أي ماء وضوءه قال الخطابي لا أعلم خلافا بين أهل العلم في أن من ذرعه القئ فإنه لا قضاء عليه ولا في أن من استقاء عامدا أن عليه القضاء ولكن اختلفوا في الكفارة فقال عامة أهل العلم ليس عليه غير القضاء وقال عطاء عليه القضاء والكفارة وحكي ذلك عن الأوزاعي وهو قول أبي ثور وقال ويدخل في معنى من ذرعه القئ كل ما غلب الإنسان من دخول الذباب ودخول الماء جوفه إذا دخل ماء غمر وأشبه ذلك فمنه لا يفسد صومه شئ من ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي وقد جود حسين المعلم هذا الحديث وحديث حسين أصح شئ في هذا الباب وقال الإمام أحمد بن حنبل حسين المعلم يجوده باب 33 القبلة للصائم (يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم) قال النووي إن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها ولا يقال إنها مكروهة له وإنما قال الشافعي إنها خلاف الأولى في حقه مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها لأنه صلى الله عليه وسلم يؤمن في حقه مجاوزة القبلة ويخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة كان أملككم لإربه وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح قال القاضي قد قال بإباحتها للصائم مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود وكرهها على الإطلاق مالك وقال ابن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي
[ 8 ]
والشافعي تكره للشاب دون الشيخ الكبير وهي رواية عن مالك وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في صوم النفل دون الفرض ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل المني بالقبلة واحتجوا له بالحديث المشهور في السنن وهو قوله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت ومعنى الحديث أن المضمضة مقدمة الشرب وقد علمتم أنها لا تفطر وكذا القبلة مقدمة للجماع فلا تفطر وحكى الخطابي وغيره عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب أن من قبل قضى يوما مكان يوم القبلة ومعنى المباشرة ههنا اللمس باليد وهو من التقاء البشرتين (ولكنه كان أملك لأربه) هذا اللفظة رووها على وجهين أشهرهما رواية الأكثرين إربه بكسر الهمزة وإسكان الراء وكذا نقله الخطابي والقاضي عن رواية الأكثرين والثاني بفتح الهمزة والراء معناه بالكسر الوطر والحاجة وكذا بالفتح ولكنه يطلق المفتوح أيضا على العضو قال الخطابي في معالم السنن هذه اللفظة تروى على وجهين الفتح والكسر قال ومعناهما واحد وهو حاجة النفس ووطرها يقال لفلان على فلان أرب وإرب وأربة ومأربه أي الحاجة قال والأرب أيضا العضو قال العلماء معنى كلام عائشة أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استباحتها لأنه يملك نفسه ويأمن من الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك وأنتم لا تأمنون ذلك فطريقكم الانكفاف عنها وفيه جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة وأما في غير حال الضرورة فمنهى عنه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي جمعا وإفرادا وأخرجه ابن ماجه من حديث القاسم بن محمد عن عائشة
[ 9 ]
(عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني) قال المنذري وأخرجه النسائي (هششت) بشينين معجمتين أي نشطت وفرحت لفظا ومعنى أي بالنظر إلى امرأتي والهشاش في الأصل الارتياح والخفة والنشاط كذا في القاموس (قال أرأيت لو مضمضت من الماء) فيه إشارة إلى فقه بديع وهو أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه فكذلك القبلة لا تنقضه وهي من دواعي الجماع وأوائله التي تكون مفتاحا له والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع كما ثبت عند عمر أن أوائل الشرب لا تفسد الصيام كذلك أوائل الجماع لا تفسده وقال الخطابي في هذا إثبات القياس والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعهما في الشبه وذلك أن المضمضة بالماء ذريعة لنزوله الحلق ووصوله إلى الجوف فيكون فيه فساد الصوم كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد لصومه يقول فإذا كان أحد الأمرين منهما غير مفطر للصائم فالآخر بمثابته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فمه) أي فماذا للاستفهام فأبدل الألف هاء للوقف والسكت قال المنذري وأخرجه النسائي وقال هذا حديث منكر وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن عمر من هذا الوجه 34 الصائم يبلع الريق إن (يمص) بفتح الميم ويجوز ضمه (لسانها) قال في المرقاة قيل إن ابتلاع ريق الغير يفطر
[ 10 ]
إجماعا وأجيب على تقدير صحة الحديث أنه واقعة حال فعلية محتملة أنه عليه الصلاة والسلام كان يبصقه إلا ولا يبتلعه وكان يمصه ويلقي جميع ما في فمه في فمها والواقعة الفعلية إذا احتملت لا دليل فيها ولا يخفى أن الوجه الثاني مع بعده إنما يتصور فيما إذا كانت غير صائمة والله أعلم قال المنذري في إسناده محمد بن دينار الطاحي البصري قال يحيى بن معى ضعيف وفي رواية ليس به بأس ولم يكن له كتاب وقال غيره صدوق وقال ابن عدي الجرجاني قوله يمص لسانها في المتن لا يقوله إلا محمد بن دينار وهو الذي رواه في إسناده أيضا سعد بن أوس قال ابن معين بصري ضعيف
[ 11 ]
35 كراهيته للشاب فيه (عن المباشرة للصائم) ومعنى المباشرة ههنا اللمس باليد وهو التقاء البشرتين والحديث سكت عنه المنذري 36 من أصبح جنبا في شهر رمضان (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا) قال النووي وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء وفيه خلاف الأشهر امتناعه قالوا لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه فالمراد يصبح جنبا من جماع ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه أما حكم المسألة فقد أجمع أهل هذه الأعصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع وبه قال جماهير الصحابة
[ 12 ]
والتابعين وحكى عن الحسن بن صالح بن حي إبطاله وكان عليه أبو هريرة والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به في رواية مسلم وقيل لم يرجع عنه وليس بشئ وحكي عن طاووس وعروة والنخعي إن علم بجنابته لم يصح وإلا فيصح وحكى مثله عن أبي هريرة وحكى أيضا عن الحسن البصري والنخعي أنه يجزئه في صوم التطوع دون الفرض وحكى عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والنخعي والحسن بن صالح يصومه ويقضيه ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول وحديث عائشة وأم سلمة حجة على كل مخالف والله أعلم وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما ووجب عليهما إتمامه سواء تركت الغسل عمدا أو سهوا بعذر أم بغيره كالجنب وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا نعلم صح عنه أم لا انتهى كلام النووي بتغيير قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي مختصرا ومطولا قال أبو داود ما أقل من يقول هذه الكلمة يعني يصبح جنبا في رمضان وإنما الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم هذا آخر كلامه وقد وقعت هذه الكلمة في صحيح مسلم وفي كتاب النسائي وفيها رد على إبراهيم والنخعي والحسن البصري في قولهما ولا يجزئه صومه في الفرض ويجزئه في التطوع (ما أقل) صيغة تعجب (من يقول هذه الكلمة) المروية في رواية عبد الله الأذرمي (يعني يصبح جنبا في رمضان) وهذه الجملة مشار إليها لقوله هذه الكلمة فعبد الله الأذرمي يقول في روايته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم وغير عبد الله الأذرمي يقول يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم أي من غير ذكر في رمضان (وإنما الحديث) المروي من طرق كثيرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم) أي من غير
[ 13 ]
ذكر رمضان فيشبه أن يكون مراد المؤلف أن الحديث مروي بلفظين أحدهما بإطلاق الصوم حالة الجنابة من غير ذكر رمضان كما رواه غير عبد الله الأذرمي وثانيهما صومه على تلك الحالة مقيدا بصوم رمضان كما رواه الأذرمي لكن الرواة لرواية تقييد الصوم برمضان أقل قليل جدا من الرواة لرواية إطلاق الصوم حتى صارت قلة رواة التقييد في محل التعجب والحاصل أن رواة الإطلاق أكثر وأشهر ورواة التقييد أقل القليل جدا والأذرمي صلى تفرد في حديث مالك بذكر رمضان لكن قال المنذري قد وقعت هذه الكلمة في صحيح مسلم وفي
[ 14 ]
كتاب النسائي انتهى يعني وإن كان رواة التقييد برمضان بالنسبة إلى رواة الإطلاق قليلة لكن ليست القلة بحيث تفضي إلى العجب بل رواية التقييد في صحيح مسلم أيضا من غير طريق الأذرمي وكذا في النسائي فكيف يقال إن رواة التقييد قليلة جدا والله أعلم (وهو) أي الرجل (واقف على الباب) ولفظ مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب (أصبح) من الإصباح (جنبا) سمي به لكون الجنابة سببا لتجنب الصلاة والطواف نحوهما في حكم الشرع وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين وفي معناه الحائض والنفساء (والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيه إشكال لأن الخوف والخشية حالة تنشأ من ملاحظة شدة النقمة الممكن وقوعها بالخائف وقد دل القاطع على أنه صلى الله عليه وسلم غير معذب وقال الله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه فكيف يتصور منه سنة الخوف فكيف أشد الخوف والجواب أن الذهول جائز عليه صلى الله عليه وسلم فإذا حصل الذهول عن موجبات نفي العقاب حديث له الخوف ولا يقال إن إخباره بشدة الخوف والخشية يدل على أنه أكثر ذهولا لأنا نقول المراد بشدة الخوف وأعظم الخشية عظم بالنوع لا بكثرة العدد أي إذا صدر الخوف منه ولو في زمن فرد كان أشد من خوف غيره قاله السيوطي وقال بعض العلماء بل يقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم عملا بقوله تعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وأيضا هو إمام لأمته فلا بد أن يعلمهم هيئات الخير كلها ومن جملتها هيئات الخوف بالله تعالى انتهى وقال الشيخ المحدث ولي الله الدهلوي رحمه الله ويمكن أن يقال أراد بالخشية لازمها وهو الكف عما لا يرضاه الله تعالى ويمكن أن يقال هذه الخشية خشية هيبة وإجلال لا خشية توقع مكروه انتهى وفي قوله لأرجو لعل استعماله الرجاء من جملة الخشية وإلا فكونه أخشى وأعلم متحقق قطعا قاله السندي (وأعلمكم) عطف على قوله أخشاكم (بما أتبع) أي بما
[ 15 ]
أعمل من وظائف العبودية قاله السندي ولفظ مسلم أعلمكم بما أتقي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأبو يونس القرشي المدني التميمي مولى عائشة رضي الله عنها ولا يعرف له اسم انفرد مسلم بإخراج حديثه 37 كفارة من أتى أهله في رمضان (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة (قال مسدد) في روايته دون محمد بن عيسى (قال) سفيان (أخبرنا الزهري) أي حدثنا الزهري بصيغة التحديث وأما محمد بن عيسى فقال عن الزهري بالعنعنة (ما شأنك) أي ما حالك (وقعت على امرأتي) أي جامعتها (رقبة) بالنصب بدل من ما (أن تطعم ستين مسكينا) أي أن لكل مسكين مدا من طعام ربع صاع (فأتي) بضم الهمزة بصيغة المجهول (بعرق) بفتح العين المهملة والراء ثم قاف قال الزركشي ويروى بإسكان الراء أي المكتل والزنبيل (ما بين لابتيها) تثنية لابة بخفة الموحدة وهي الحرة والحرة الأرض التي فيها حجارة سود ويقال فيها لوبة ونوبة بالنون وهي غير مهموزة (أنيابه) جمع ناب وهو الذي بعد
[ 16 ]
الرباعية قال الخطابي في هذا الحديث من الفقه أن على المجامع متعمدا في نهار شهر رمضان القضاء والكفارة وهو قول عامة أهل العلم غير سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة فإنهم قالوا عليه القضاء ولا كفارة ويشبه أن يكون حديث أبي هريرة لم يبلغهم والله أعلم وفيه أن من قدر على عتق الرقبة لم يجزه الصيام ولا الإطعام لأن البيان خرج فيه مرتبا فقدم العتق ثم نسق عليه الصيام ثم الإطعام كما رتب ذلك في كفارة الظهار وهو قول أكثر العلماء إلا أن مالك بن أنس زعم أنه مخير بين عتق رقبة وصوم شهرين والإطعام وحكي عنه أنه قال الإطعام أحب إلي من العتق وفيه دلالة من جهة الظاهر أن الكفارة لإطعام مد واحد لكل مسكين لأن خمسة عشر صاعا إذا قسمت بين ستين لم يخص كل واحد منهم أكثر من مد وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه يطعم كل مسكين نصف صاع وفي قوله وصم يوما واستغفر الله بيان أن صوم ذلك اليوم هو القضاء لا يدخل في صيام شهرين قال فإن كفر بالعتق أو بالإطعام صام يوما مكانه وقال أيضا وفي أمره الرجل بالكفارة لما كان منه من الجنابة دليل على أن المرأة عليها كفارة مثلها لأن الشريعة قد سوت بين الناس في الأحكام إلا موضع قام عليه دليل التخصيص فإذا لزمها القضاء لأنها أفطرت بجماع متعمدة كما وجب على الرجل وجبت عليها الكفارة لهذه العلة كالرجل سواء وهذا مذهب أكثر العلماء وقال الشافعي يجزئهما كفارة واحدة وهي على الرجل دونها وكذلك قال الأوزاعي إلا أنه قال إن كانت الكفارة بالصيام كان على كل واحد منهما صوم شهرين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه
[ 17 ]
(فلو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير) قال الخطابي وهذا من الزهري دعوى لم يحضر عليها برهانا ولا ذكر فيها شاهدا وقال غيره هذا منسوخ ولم يذكر في نسخه خبرا يعلم به صحة قوله فأحسن ما سمعت فيه قول أبي يعقوب البويطي وذلك أنه قال هذا للرجل وجبت عليه الرقبة فلم يكن عنده ما يشتري رقبة فقيل له صم فلم يطق الصوم فقيل له إطعام ستين مسكينا فلم يجد ما يطعم فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بطعام ليتصدق به فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج منه وقد قال صلى الله عليه واله وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى فلم ير له أن يتصدق على غيره ويترك نفسه وعياله فلما نقص من ذلك بقدر ما أطعم أهله لقوت يومهم صار طعاما لا يكفي ستين مسكينا فسقطت عنه الكفارة في ذلك الوقت وكانت في ذمته إلا أن يجدها وصار
[ 18 ]
كالمفلس يمهل ويؤجل وليس في الحديث أنه قال لا كفارة عليك وقد ذهب بعضهم إلى أن الكفارة لا تلزم الفقير واحتج بظاهر هذا الحديث انتهى (رواه ابن جريج) والحاصل أن سفيان بن عيينة والليث بن سعد والأوزاعي ومنصور
[ 19 ]
وعراك كلهم قالوا عن الزهري بلفظ أهلكت ووقعت على امرأتي وبلفظ فأطعمه إياهم وزاد الأوزاعي واستغفر الله وأما مالك بن أنس وابن جريج فقالا عن الزهري بلفظ أن رجلا أفطر في رمضان والله أعلم وحديث معمر بن مالك وهشام بن سعد كلهم عن الزهري سكت عنه المنذري رحمه الله
[ 20 ]
(احترقت) وهو المحترق بالجناية دون غيره وهذا تأويل قوله هلكت في حديث أبي هريرة (لجياع) جمع جائع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه وليس فيه قدر الصاع 38 التغليظ فيمن أفطر عمدا (حدثنا سليمان بن حرب) هذا الإسناد هكذا في النسخ لصحيحة وكذا في تحفة الأشراف وفي بعض نسخ الكتاب تحريف واختلاف وهو غلط قطعا قال المزي المطوس
[ 21 ]
ويقال أبو المطوس واسم أبي المطوس يزيد بن المطوس انتهى كذا في الغاية (في غير رخصة) كسفر ومرض مبيح للإفطار (لم يقض عنه) أي عن ثواب ذلك اليوم (صيام الدهر) أي صومه فيه فالإضافة بمعنى في نحو مكر الليل قال الطيبي أي لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النفل وإن سقط قضاؤه بصوم يوم واحد وهذا على طريق المبالغة والتشديد وقال بعض العلماء الظاهر أن صوم الدهر كله بنية القضاء عما أفطره من رمضان لا يجزئه قال به علي وابن مسعود والذي عليه أكثر السلف أنه يجزئه يوم بدل يوم وإن كان ما أفطره في غاية الطول والحر وما صامه بدله في غاية القصر والبرد ولا يكره قضاء رمضان في زمن وشذ من كرهه في شهر ذي الحجة ومن أفطر لغير عذر يلزمه القضاء فورا عقب يوم عيد الفطر ولعذر يسن له ذلك ولا يجب انتهى كلام ذلك البعض بتلخيص قال القاري والظاهر أن الصلاة في معنى الصوم فإنه لا فرق بينهما بل هي أفضل منه عند جمهور العلماء والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وذكره البخاري تعليقا قال ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمعت محمدا يعني البخاري يقول أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث وقال البخاري أيضا تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا نعرف له غيره ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا وقال أبو الحسن علي بن خلف فهو حديث ضعيف لا يحتج بمثله وقد صحت الكفارة بأسانيد صحاح ولا يعارض بمثل هذا الحديث وقال الإمام الشافعي قال ربيعة من أفطر من رمضان يوما قضى اثني عشر يوما لأن الله جل ذكره اختاره شهرا من اثني عشر شهرا فعليه أن يقضي بدلا من كل يوم اثني عشر يوما قال الشافعي يلزمه من يترك الصلاة ليلة القدر فعليه أن يقضي تلك
[ 22 ]
الصلاة ألف شهر لأن الله عزوجل يقول ليلة القدر خير من ألف شهر هذا اخر كلامه وروى هذا الحديث عن أبي هريرة يقال فيه أبو المطوس والمطوس وابن المطوس وقال أبو حاتم بن حبان لا يجوز الاحتجاج بما في الفرد من الروايات (قال فلقيت ابن المطوس) أي قال حبيب بن أبي ثابت فلقيت ابن المطوس قاله المزى ولفظ الترمذي عن حبيب بن أبي ثابت قال حدثني أبو المطوس عن أبيه 39 من أكل ناسيا (أخبرنا حماد) هو ابن سلمة (عن أيوب) السختياني (وحبيب) ابن الشهيد (وهشام) ابن حسان ثلاثتهم عن محمد بن سيرين قاله المزي وقوله حبيب معطوف على قوله أيوب (إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم) وقد روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت فقال لا بأس قال ثم دخلت إلى إنسان فنسيت فطعمت وشربت قال لا بأس الله أطعمك وسقاك قال ثم دخلت على
[ 23 ]
اخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام ويروى أو شرب واقتصر عليهما دون باقي المفطرات لأنهما الغالب وقد أخرج ابنا خزيمة وحبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة فصرح بإسقاط القضاء والكفارة قال الدارقطني تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري وأجيب بأن ابن خزيمة أخرجه أيضا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه عن طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة ثم علل كون الناسي لا يفطر بقوله (فقال أطعمك الله وسقاك) وفي رواية البخاري إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وقال الطيبي إنما للحصر أي ما أطعمه أحد ولا سقاه إلا الله فدل على أن هذا النسيان من الله تعالى ومن لطفه في حق عباده تيسيرا عليهم ودفعا للحرج وقال الخطابي النسيان ضرورة والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها ولا يؤاخذ بها وهذا الحديث دليل على الإمام مالك حيث قال إن الصوم يبطل بالنسيان ويجب القضاء قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 40 تأخير قضاء رمضان (إن كان) هي مخففة من المثقلة أي أن الشأن واحدا لكونين وقال زائد قاله السندي (فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان) لشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية للبخاري
[ 24 ]
قال النووي وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه بحديث أبي هريرة المروي في صحيح مسلم وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض وسفر يجب على التراخي ولا يشترط المبادرة به في أول الامكان لكن قالوا لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الآتي فصار كمن أخره إلى الموت وقال داود تجب المبادرة في أول يوم بعد العيد من شوال وحديث عائشة هذا يرد عليه قال الجمهور ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه فإن إخره فالصحيح عند المحققين أنه يجب العزم على فعله وكذلك القول في جميع الواجب الموسع إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله حتى لو أخره بلا عزم عصى وقيل لا يشترط العزم وأجمعوا على أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركته عن كل يوم مد من طعام هذا إذا كان تمكن القضاء فلم يقض فأما من أفطر في رمضان بعذر ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه ولايطعم عنه ولا يصام عنه ومن أراد قضاء صوم رمضان ندب مرتبا متواليا فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا جاز عندنا وعند الجمهور لأن اسم الصوم يقع على الجميع وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر يجب تتابعه كما يجب الأداء انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وفيه حجة أن قضاء رمضان ليس واجبا على الفور خلافا لداود في إيجابه ثاني شوال وأنه اثم متى لم يقضه وقال بعضهم فيه دليل على أن من أخر القضاء إلى أن
[ 25 ]
يدخل رمضان من قابل وهو مستطيع له فإن عليه الكفارة قال ولولا ذلك لم يكن في ذكرها شعبان وحصرها موضع القضاء فيه فائدة من بين سائر الشهور وذهب إلى إيجاب ذلك جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي يقضي وليس عليه فدية وإليه ذهب أصحاب الرأي وقال سعيد بن جبير وقتادة يطعم ولا يقضي وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله البهي عن عائشة وقال حسن صحيح 41 فيمن مات وعليه صيام (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) قال الخطابي هذا فيمن لزمه فرض الصوم إما نذرا وإما قضاء عن فائت مثل أن يكون مسافرا ويقدم وأمكنه القضاء ففرط فيه حتى مات أو يكون مريضا فيبرأ ولا يقضي وإلى ظاهر هذا الحديث ذهب أحمد وإسحاق وقالا يصوم عنه
[ 26 ]
وليه وهو قول أهل الظاهر وتأوله بعض أهل العلم معناه أن يطعم عنه وليه فإذا فعل عنه فقد صام عنه وسمي الإطعام صياما على سبيل المجاز والاتساع إذا كان الطعام قد ينوب عنه ومنه قول الله سبحانه أو عدل ذلك صياما فدل على أنهما يتناوبان في الحكم وذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يجوز صيام أحد عن أحد وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقاسوه على الصلاة ونظائرها من أعمال البدن التي لا مدخل للمال فيها واتفق أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض والسفر ثم لم يفرط في القضاء حتى مات فإنه لا شئ عليه ولا يجب الإطعام عنه غير قتادة فإنه قال يطعم عنه وحكي ذلك أيضا عن طاووس انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (وإن نذر قضي عنه وليه) في النيل وتمسك القائلون بأنه يجوز في النذر دون غيره بأن
[ 27 ]
حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مرفوعا الذي عند الشيخين كما سيجئ مقيد فيحمل عليه ويكون المراد بالصيام صيام النذر قال في الفتح وليس بينهما تعارض حتى يجمع فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة
[ 28 ]
عامة وقد وقعت اشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قال في اخره فدين الله أحق أن يقضى انتهى وإنما قال إن حديث ابن عباس صورة مستقلة يعني أنه من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده انتهى قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عباس قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته كان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري بنحوه
[ 29 ]
42 الصوم في السفر (إني رجل أسرد الصوم) قال في الفتح أي أتابعه واستدل به على أن لا كراهية في صيام الدهر ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد بل الجمع بينهما واضح (أفأصوم في السفر) قال ابن دقيق العيد ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر قال الحافظ هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب لكن في رواية أبي مراوح التي عند مسلم أنه قال يارسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يارسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا علي فقال أي ذلك شئت يا حمزة انتهى (قال صم إن شئت وأفطر إن شئت) قال الخطابي هذا نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار وفيه بيان جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه وهو قول عامة أهل العلم إلا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال إن صام في السفر قضي في الحضر وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لا يجزئه وذهب إلى هذا من المتأخرين داود بن علي ثم اختلف أهل العلم بعد هذا في أفضل الأمرين منهما فقالت طائفة أفضل الأمرين الفطر وإليه ذهب سعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال أنس بن مالك وعثمان بن أبي العاص أفضل الأمرين الصوم في السفر وبه قال النخعي وسعيد بن جبير وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وقالت فرقة ثالثة أفضل الأمرين أيسرهما على المرء لقوله سبحانه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر فإن كان الصيام أيسر عليه صام وإن كان الفطر أيسر فليفطر وإليه
[ 30 ]
ذهب مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إني صاحب ظهر) أي مركب (أعالجه) أي أستعمله (ربما صادفني) أي أدركني (فأجد بأن أصوم) أي أجد حالي على هذا النهج قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي مراوح عن حمزة بن عمرو بنحوه (من المدينة إلى مكة) أي عام الفتح (حتى بلغ عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين هو موضع على مرحتلين أنه من مكة (ثم دعا بإناء) أي طلبه (ليريه الناس) أي ليعلموا جوازه أو ليختاروا متابعته وعند الشيخين ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة قال الطيبي دل على أن من أصبح صائما في السفر جاز أن يفطر (فمن شاء صام ومن شاء أفطر) أي لا حرج على أحدهما وفي شرح السنة لا فرق عند عامة أهل العلم بين من ينشئ السفر في شهر رمضان وبين من يدخل عليه شهر رمضان وهو مسافر وقال عبيدة السلماني إذا أنشأ السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار لظاهر قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا الحديث حجة على القائل ومعنى الآية الشهر كله فأما من شهد بعضه فلم يشهد الشهر قال علي القاري والأظهر أن معنى الآية فمن شهد منكم شيئا منه من غير مرض وسفر واختلف أي يوم خرج صلى الله عليه وسلم للفتح فقيل لعشر خلون من رمضان بعد العصر وقيل لليلتين خلتا من رمضان وهو الأصح انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 31 ]
(فلم يعب الصائم على المفطر إلخ) قال محمد رحمه الله في الموطأ من شاء صام في السفر ومن شاء أفطر والصوم أفضل لمن قوي عليه انتهى أي لقوله تعالى وأن تصوموا خير لكم وبه قال مالك والشافعي وقال أحمد والأوزاعي الفطر أحب مطلقا لحديث ليس من البر الصيام في السفر وقال بعض أهل الظاهر لا يصح الصوم في السفر تمسكا بالحديث المذكور والجمهور حملوه على مسافر ضره الصوم ويؤيده ما ورد من سبب أي في حديث جابر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه الحديث قاله علي القاري في شرح الموطأ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم) فيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم وأما إذا كان لقاء العدو متحققا فالإفطار عزيمة لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران ولا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان ولا يخفى ما في ذلك من اهانة لجنود المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين واعلم أن المسافة التي يباح الإفطار فيها هي المسافة التي يباح القصر فيها والخلاف هنا كالخلاف هناك قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 32 ]
43 اختيار الفطر (رأى رجلا) هو أبو اسرائيل واسمه قيس وقيل قشير وقيل قيصر وهو الأصح ذكره ميرك (يظلل عليه) بصيغة المجهول أي جعل عليه ظل اتقاء عن الشمس أو إبقاء عليه للإفاقة لأنه سقط من شدة الحرارة أو من ضعف الصوم أو من الإغماء قال في التتمة إنه كان في غزوة تبوك في ظل شجرة هكذا هو في مسند الشافعي وقال الشيخ ابن حجر هو في غزوة الفتح كما بين في رواية أخرى (والزحام عليه) بكسر الزاي أي مزاحمة في الاجتماع على غرض الاطلاع (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) قال الخطابي هذا كلام خرج على سبب فهو مقصور على من كان في مثل حاله كأنه قال ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره عام الفتح وبديل خبر حمزة الأسلمي وتخييره إياه بين الصوم والإفطار ولو لم يكن الصوم برا لم يخيره فيه والله أعلم وفي الفتح أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو
[ 33 ]
أعرض من قبول الرخصة أفضل من الصوم وإن لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر وقد اختلف السلف في هذه المسألة وأطال الكلام فيه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم النسائي (عن أنس بن مالك رجل إلخ) قال في المرقاة هو من بني عبد الله بن كعب على ما جزم به البخاري في ترجمته وجرى عليه أبو داود فقال رجل من بني عبد الله بن كعب إخوه قشير فهو كعبي لا قشيري خلافا لما وقع لابن عبد البر لأن كعبا له ابنان عبد الله جد أنس هذا وقشير وهو أخو عبد الله وأما أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فهو أنصاري خزرجي انتهى (اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام إلخ) قال الخطابي فيه أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر مفترقة في الحكم وذلك أن الشطر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يسقط في السفر ترخيصا للمسافر ثم يلزمه القضاء إذا أقام والحامل والمرضع يفطران إبقاء على الولد ثم يقضيان ويطعمان من أجل أن إفطارهما كان من أجل غير أنفسهما وممن أوجب على الحامل والمرضع مع القضاء اطعام مجاهد والشافعي وأحمد بن حنبل وقال مالك الحبلي تقضي ولا تكفر لأنها بمنزلة المريض والمرضع تقضي وتكفر وقال الحسن وعطاء يقضيان
[ 34 ]
ولا يطعمان كالمريض وهو قول الأوزاعي والثوري وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه (وضع شطر الصلاة) أي رفع نصف الصلاة الرباعية ابتداء عن المسافر ولا قضاء عليه (أو نصف الصلاة) شك من الراوي (والصوم) بالنصب عطف على شطر الصلاة (فتلهفت نفسي) أي تأسفت وهو (أن لا أكون أكلت) أي على ترك أكلي من طعامه صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد هذا اخر كلامه وأنس هذا كنيته أبو أمية وفي الرواية أنس بن مالك خمسة اثنان صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنس بن مالك والد امام مالك بن أنس بن مالك روي عنه حديث في إسناده نظر والرابع شيخ حمصي حدث والخامس كوفي حدث عن حماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهما والله أعلم
[ 37 ]
43 من اختار الصيام (حدثتني أم الدرداء) الصغرى واسمها هجيمة التابعية وليست الكبرى المسماة خيرة الصحابية وكلتاهما زوجتا أبي الدرداء (عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي (في بعض غزواته) زاد مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز هذا في شهر رمضان وليس ذلك في غزوة الفتح لأن عبد الله بن رواحة المذكور في هذا الحديث المذكور أنه كان صائما استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف لا في غزوة بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم (ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) وهذا مما يؤيد أن هذا السفر لم يكن في غزوة الفتح لأن الذين استمروا على الصيام من الصحابة كانوا جماعة وفي هذا أنه ابن رواحة وحده قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (سنان بن سلمة بن المحبق) بفتح الموحدة المشددة وبكسر قال الطيبي بكسر الباء
[ 38 ]
وأهل الحديث يفتحونها قال القاري قلت قول المحدثين أقوى من من اللغويين وأحرى كما لا يخفى (من كانت له حمولة) بفتح الحاء أي مركوب كل ما يحمل عليه من إبل أو حمار أو غيرهما وفعول يدخله الهاء إذا كان بمعنى مفعول أي من كان له دابة (تأوي) أي تأويه فإن اوى لازم ومتعد على لفظ واحد وفي الحديث يجوز الوجهان والمعنى تؤوي صاحبها أو تأوي بصاحبها (إلى شبع) بكسر الشين وسكون الموحدة ما أشبعك وبفتح الباء المصدر والمعنى الأول هنا أظهر والثاني يحتاج إلى تقدير مضاف وهو في الرواية أكثر يعني من كانت له حمولة تأويه إلى حال شبع ورفاهية أو إلى مقام يقدر على الشبع فيه ولم يلحقه في سفره وعثاء ومشقة وعناء (فليصم رمضان حيث أدركه) أي رمضان قال الطيبي الأمر فيه محول على الندب والحث على الأولى والأفضل للنصوص الدالة على جواز الإفطار في السفر مطلقا وقال المظهر يعني من كان راكبا وسفره قصير بحيث يبلغ إلى المنزل في يومه فليصم رمضان وقال داود يجوز الإفطار في السفر أي قدر كان قاله علي القاري قال المنذري في إسناده عبد الصمد بن حبيب الأزدي العوذي المصري قال يحيى ابن معين ليس به بأس وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه وليس بالمتروك وقال يحيى من كبار الضعفاء قال البخاري لين الحديث ضعفه أحمد وقال البخاري أيضا عبد الصمد بن حبيب منكر الحديث ذاهب الحديث ولم يعد البخاري هذا الحديث شيئا وقال أبو حاتم الرازي لين الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وذكر له أبو جعفر العقيلي هذا الحديث وقال لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به والله أعلم 45 متى يفطر المسافر إذا خرج صلى الله عليه وسلم (عبيد الله بن عمر) البصري القواريري (حدثني عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن
[ 39 ]
المصري نزيل مكة (أخبرنا عبد الله بن يحيى) المعافري البرلسي (المعنى) أي معنى حديث عبد الله بن يزيد وعبد الله بن يحيى واحد (حدثني) أي قال كل واحد منهما حدثني سعيد بن أبي أيوب (زاد جعفر) أي قال جعفر بن مسافر في روايته عن عبد الله بن يحيى (والليث) بالرفع أي حدثني سعيد والليث (قال) أي سعيد بن أبي أيوب وكذا قال الليث (حدثني يزيد بن أبي حبيب) والحاصل أن في رواية عبيد الله بن عمر واسطة سعيد بن أبي أيوب بين عبد الله بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وفي رواية جعفر واسطة الليث بن سعد أيضا بين عبد الله بن يحيى ويزيد بن أبي حبيب وأخرج أحمد في مسنده من طريق أبي عبد الرحمن حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني يزيد بن أبي حبيب أن كليب بن ذهل أخبره فذكر الحديث نحوه وأخرج أحمد حديثا اخر غير هذا الحديث من طريق حجاج ويونس قالا حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب فذكره (عن عبيد) بغير ذكر نسب هكذا في رواية عبيد الله بن عمر (قال جعفر) بن مسافر في روايته (ابن جبر) أي عبيد بن جبير ولفظ جبر هكذا وقع بفتح الجيم
[ 40 ]
مكبرا في نسخ الكتاب وهكذا في الخلاصة وأما في الميزان والتقريب فبضم الجيم مصغرا قال الحافظ هو القبطي مولى أبي بصرة وذكر يعقوب بن سفيان في الثقات وقال ابن خزيمة لا أعرفه انتهى (في سفينة من الفسطاط) بضم الفاء أو كسرها فسكون السين المدينة التي فيها مجمع الناس ويقال لمصر والبصرة الفسطاط قاله السندي وفي النيل هو اسم علم لمصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص انتهى والجار والمجرور صفة سفينة أي خرجت السفينة من الفسطاط وفي رواية لأحمد قال ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى اسكندرية في سفينة وفي رواية له ركبت مع أبي بصرة السفينة وهو يريد اسكندرية (فرفع) بالراء بصيغة المجهول أي رفع أبو بصرة ومن كان معه على السفينة وفي رواية لأحمد فدفع بالدال وهو الواضح وفي رواية له فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت (غداؤه) أي طعام أول النهار (قال) أبو بصرة (اقترب) أي لأجل الطعام وفي رواية لأحمد ثم دعاني إلى الغداء (ألست ترى البيوت) وفي رواية لأحمد ما تغيب عنا منازلنا بعد (أترغب عن سنة رسول الله) وأخرج الترمذي من حديث محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر أو قد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة فقال سنة ثم ركب انتهى وقول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صرح هذان الصحابيان بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة قال الخطابي فيه حجة لمن رأى للمقيم ذي الصيام إذا سافر من يومه أن يفطر وهو قول الشعبي وإليه ذهب أحمد بن حنبل وعن الحسن أنه قال يفطر إن شاء وهو في بيته يوم يريد أن يخرج وقال إسحاق بن راهويه إذا وضع رجله في الرحل فله أن يفطر وحكاه عن أنس بن مالك وشبهوه بمن أصبح صائما ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر من أجل المرض قالوا فكذلك من أصبح صائما ثم سافر لأن كل واحد من الأمرين سبب للرخصة حدث بعد ما مضى شئ من النهار قلت والسفر لا يشبه المرض لأن السفر من فعله وهو الذي ينشئه باختياره والمرض شئ يحدث عليه لا باختياره فهو يعذر فيه ولا يعذر في السفر الذي فعل نفسه ولو كان في الصلاة فمرض كان له أن يصلي قاعدا ولو سافر وهو صائم لم يكن له أن يفطر وقال أبو حنيفة وأصحابي لا يفطر إذ سافر يومه ذلك وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وروى ذلك عن
[ 41 ]
النخعي ومكحول والزهري قلت وهذا أحوط الأمرين والإقامة إذا اختلط حكمها بحكم السفر غلب حكم المقام انتهى كلامه وقال الشوكاني والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات وأخرج البيهقي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه 46 قدر مسيرة ما يفطر فيه (أن دحية بن خليفة) الكلبي صحابي جليل نزل المزة كذا في التقريب (خرج من قرية) له يقال لها مزة بكسر الميم وتشديد الزاي هي قرية كبيرة في سفح الجبل من أعلى دمشق كذا في المراصد (من دمشق) أي قرية كائنة من أعمال دمشق وعند أحمد أنه خرج من قريته (إلى قدر قرية عقبة) بفتح العين المهملة وبفتح القاف بإضافة قرية إلى عقبة (من الفسطاط) واعلم أن
[ 42 ]
ظاهر العبارة يدل على أن عقبة قرية من الفسطاط ومن المعلوم أن الفسطاط يقال لمصر والبصرة فعلى هذا المسافة التي بين قرية عقبة وبين الفسطاط هي مقدار المسافة التي كانت بين مزة وبين الموضع الذي خرج إليه دحية الكلبي والمسافة بين عقبة وبين الفسطاط هي ثلاثة أميال كما ذكره الراوي لكن لفظ أحمد في مسنده من طريق حجاج ويونس قالا حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي عن دحية بن خليفة أنه خرج من قريته إلى قريب من قرية عقبة في رمضان فذكر الحديث وهذا رواه أحمد في مسند أبي بصرة الغفاري لا في مسند دحية الكلبي ومعنى الحديث على رواية أحمد أن دحية الكلبي خرج من قريته مزة إلى قريب من قرية عقبة فتكون المسافة بين مزة وبين عقبة ثلاثة أميال والله أعلم كذا في الشرح (ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس) قال الخطابي في هذا حجة لمن لم يجد السفر الذي يترخص فيه الإفطار إلا في سفر يجوز فيه القصر وهو عند أهل العراق ثلاثة أيام وعند أكثر أهل الحجاز ليلتان أو نحوهما وليس الحديث بالقوي وفيه رجل ليس بالمشهور ثم إن دحية لم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر في قصر السفر وإنما قال قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلهم إنما رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار أصلا وقد يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر وقد خالفه غير واحد من الصحابة وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنن انتهى
[ 43 ]
قال المنذري قال الخطابي وليس الحديث بالقوي في إسناده رجل ليس بالمشهور وهو بشير بن أبي منصور الكلبي فإن رجال اسناد جميعهم ثقات يحتج بهم في الصحيح سواه وهو مصري روى عنه أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني ولم أجد من رواه عنه سواه فيكون مجهولا كما ذكره الخطابي ولم يزد فيه البخاري على منصور الكلبي وقال ابن يونس في تاريخ المصريين منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبي وقال البيهقي والذي روينا عن دحية الكلبي ذلك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر وأراد بقوله رغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قبول الرخصة لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه (ابن عمر كان يخرج إلى الغابة) وهو موضع قريب من المدينة من عواليه كذا في مجمع البحار وقال في المراصد موضع قرب المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة من طرفائه إذا صنع منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بريد منها انتهى والحديث سكت عنه المنذري 47 من يقول صمت رمضان كله (لا يقولن أحدكم) النهي ليس راجعا إلى ذكر رمضان بلا شهر وإنما هو راجع إلى نسبة الصوم إلى نفسه فيه كله مع أن قبوله عند الله تعالى في محل الخطر (فلا أدري) قائل هذا القول الحسن البصري بينه أحمد قال حدثنا يزيد أخبرنا همام عن قتادة عن الحسن عن أبي بكر مرفوعا لا يقولن أحدكم صمت رمضان كله ولا قمته كله قال الحسن والله أعلم أخاف على أمته التزكية إذ لا بد من راقد أو غافل وقال أحمد وقال يزيد مرة قال قتادة والحديث أخرجه أحمد من عدة طرق من طريق يحيى بن سعيد عن مهلب بن أبي حبيبة كما عند المؤلف وليس فيه ذكر القائل ومن طريق محمد بن جعفر وعبد الوهاب كلاهما عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا لا يقولن أحدكم قمت رمضان كله قال فالله تبارك وتعالى أعلم
[ 44 ]
أخشى على أمته أن تزكي أنفسها قال عبد الوهاب فالله أعلم أخشى التزكية على أمته أو قال لا بد من نوم أو غفلة ومن طريق يزيد وعفان كلاهما عن همام أخبرنا قتادة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا لا يقولن أحدكم قمت رمضان كله قال قتادة فالله تبارك وتعالى أعلم أخشى على أمته التزكية قال عفان أو قال لا بد من راقد أو غافل ومن طريق بهز حدثنا همام أخبرنا قتادة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا قال لا يقولن أحدكم إني قمت رمضان كله قال قتادة فالله أعلم أخشى التزكية على أمته أو يقول لا بد من راقد أو غافل وفي هذه الروايات أن قائله قتادة (لا بد من نومة أو رقدة) قال السندي لا يخفى أن النوم لا ينافي الصوم فهذا التعليل يفيد منع أن يقول صمته وقمته جميعا لا أن يقول صمته ويمكن أن يكون وجه المنع أن مدار الصيام والقيام على القبول وهو مجهول ولفظ النسائي من هذا الوجه أو قال لا بد من غفلة ورقدة أي فيعصي في حال الغفلة بوجه لا يناسب الصوم فكيف يدعي بعد ذلك الصوم لنفسه قال المنذري وأخرجه النسائي 48 في صوم العيدين (أما يوم الأضحى فتأكلون) خبر اليوم (من لحم نسككم) بضم السين ويجوز سكونها أي أضحيتكم قال في فتح الباري وفائدة وصف اليومين اشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهي الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر وقوله هذين فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذلك فلما أن جمعهما اللفظ قال هذين تغليبا للحاضر على الغائب قاله القسطلاني قال النووي وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين لكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما قال الشافعي والجمهور لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما الهديوقال فقال أبو حنيفة ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال
[ 45 ]
فإن صامهما أجزأه وخالف الناس كلهم في ذلك والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه أتم منه (عن لبستين الصماء) بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمد قال الفقهاء أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه وتعقب هذا التفسير بأنه لا يشعر به لفظ الصماء والمطابق له ما نقل عن الأصمعي وهوأن يشتمل بالثوب يستر به جميع بدنه بحيث لا يترك فرجة يخرج منها يده حتى لا يتمكن من إزالة شئ يؤذيه بيديه (وأن يحتبئ الرجل) زاد اسماعيلي لا يواري فرجه بشئ (في ساعتين بعد) صلاة (الصبح) حتى ترتفع الشمس (وبعد) صلاة (العصر) حتى تغيب الشمس إلا لسبب قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وقد تقدم الكلام على الصماء والاحتباء والصلاة 49 صيام أيام التشريق (يأمرنا بإفطارها وينهي عن صيامها) قال النووي فيه دليل لمن قال لا يصح صومها بحال وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما وقال جماعة من العلماء يجوز صيامها لكل أحد تطوعا وغيره حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه يجوز
[ 46 ]
صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولا يجوز لغيره واحتج هؤلاء بحديث البخاري في صحيحه عن ابن عمر وعائشة قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (قال مالك وهي أيام التشريق) ويقال لها أيضا الأيام المعدودات وأيام منى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة واختلفوا في تعيين أيام التشريق والأصح أن أيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها وهو تقديرها ونشرها في الشمس (أهل اسلام) نصب على الاختصاص (وهي أيام أكل وشرب) قال الخطابي وهذا أيضا كالتعليل في وجوب الإفطار فيها فإنها مستحقة لهذا المعنى فلا يجوز صيامها ابتداء تطوعا ولا نذرا ولاعن صوم التمتع إذا لم يكن المتمتع صام الثلاثة الأيام في العشر وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وعطاء وغالب مذهب الشافعي وقال مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه يصوم المتمتع أيام التشريق إذا فاتته الثلاث في العشر وروى ذلك عن ابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير رضي الله عنهم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح 50 النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم (لا يصم أحدكم يوم الجمعة) بلفظ النهي (إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده) قال في فتح
[ 47 ]
الباري ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان انتهى قال النووي قال العلماء والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه ليكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سامة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
[ 48 ]
النهي أن يخص يوم السبت بصوم (يزيد بن قبيس) بموحدة ومهملة مصغر بن سليمان الشامي ثقة كذا في التقريب (من أهل جبلة) بالتحريك قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال اللاذقية قرب حلب كذا في المراصد (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين (قال يزيد) بن قبيس دون حميد بن مسعدة (الصماء) أي عن اخته الصماء فالصماء اسم أخت عبد الله بن بسر وقال في المرقاة الصماء بتشديد الميم اسمها بهية وتعرف بالصماء (لا تصوموا يوم السبت) أي وحده (إلا فيما افترض) بصيغة المجهول (عليكم) أي ولو بالنذر قال الطيبي قالوا النهي عن افراد كما في الجمعة والمقصود مخالفة اليهود فيهما والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور وما افترض يتناول
[ 49 ]
المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا وزاد ابن الملك وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود فإن المنهى عنه شدة الاهتمام والعناية به حتى كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود قلت فعلى هذا يكون النهي للتحريم وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه بمجرد المشابهة قال الطيبي واتفق الجمهور على أن هذا النهي والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه لا تحريم (فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب) هكذا في بعض النسخ وفي بعضها عنبة قال في القاموس العنب معلوم واحدته عنبة انتهى واللحاء أي بكسر اللام قال التوربشتي اللحاء ممدود وهو قشر الشجر والعنبة هي الحبة من العنب وفي المرقاة قشر حبة واحدة من العنب استعارة من قشر العود (أو عود شجرة) عطفا على اللحاء (فليمضغه) بفتح الضاد ويضم في القاموس مضغه كمنعه ونصره لاكه بأسنانه وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم قاله علي القاري قال المنذري قال أبو داود هذا الحديث منسوخ وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن هذا اخر كلامه وقيل إن الصماء أخت بسر وروي هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال النسائي هذه أحاديث مضطربة انتهى كلام المنذري والحديث أخرجه أحمد والدارمي وصححه الحاكم على شرط البخاري وقال النووي صححه الأئمة (قال أبو داود هذا الحديث منسوخ) ذهب إلى نسخه المؤلف وقد طعن في هذا الحديث
[ 50 ]
جماعة من الأئمة مالك بن أنس وابن شهاب الزهري والأوزاعي والنسائي فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وإن ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان
[ 53 ]
52 باب الرخصة في ذلك (عن أبي أيوب) اسمه يحيى بن مالك ذكره مسلم في صحيحه في بيان أوقات الصلاة وهكذا في التهذيب وهو أبو أيوب المراغي العتكي البصري روى عن جويرية وسمرة وعنه عمران الجوني وقتادة وثقه العجلي ووهم القسطلاني فقال أبو أيوب هذا هو الأنصاري (العتكي) صفة أبي أيوب أي قال حفص بن عمر في روايته عن أبي أيوب العتكي (عن جويرية) تصغير جارية (بنت الحارث) المصطلقية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (وهي صائمة) جملة حالية (أصمت أمس) بهمزة الاستفهام وكسر سين أمس على لغة الحجاز أي يوم الخميس (تريدين أن تصومي غدا) أي يوم السبت (فأفطري) بقطع الهمزة وزاد أبو نعيم في روايته إذا قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وأخرجه أيضا النسائي (أنه) أي ابن شهاب (إذا ذكر) بصيغة المجهول (له) أي لابن شهاب الزهري (نهي) بصيغة المجهول (هذا حديث حمصي) يريد
[ 54 ]
تضعيفه لأن في حديث عبد الله بن بسر راويان حمصيان أحدهما ثور بن يزيد وثانيهما خالد بن معدان تكلم فيهما بعض ووثقهما بعض وقال السندي في فتح الودود كأنه يريد تضعيفه وقول مالك هذا كذب أصرح في ذلك وأبلغ لكن قال الترمذي حديث حسن والظاهر أن سبب ما ذكروا عدم ظهور المعنى حتى قال بعضهم منسوخ وبعضهم ضعيف والله أعلم 53 في صوم الدهر تطوعا (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله) قال العلماء سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه وكان يقتضي حاله أكثر منه وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله لصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه ولئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي الضرر في حق بعضهم وكان حق السائل أن يقول كم أصوم وكيف أصوم فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما تقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم والله أعلم قاله النووي (لا صام ولا
[ 55 ]
أفطر) معناه لم يصم ولم يفطر وقد توضع لا بموضع لم كقوله سبحانه فلا صدق ولا صلى أي لا تصدق ولم يصل وقد يحتمل أن يكون معناه الدعاء عليه كراهة لصنعه وزجرا له عن ذلك ويشبه أن يكون الذي نهى عنه من صوم الدهر هو أن يسرد الصيام أيام السنة كلها لا يفطر منها الأيام المنهى عن صيامها وقد سرد الصوم دهره أبو طلحة الأنصاري وكان لا يفطر في سفر ولا حضر فلم يعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نها عن ذلك كذا في المعالم (وددت أني طوقت) بصيغة المجهول (ذلك) يحتمل أن يكون إنما خاف العجز عن ذلك للحقوق التي تلزمه لنسائه لأن ذلك يخل بحظوظهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام في هذه المدة انتهى كلام الخطابي قال النووي قيل معناه وددت أن أمتي تطوقه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه وكان يواصل
[ 56 ]
ويقول إني لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني أو يقال إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين والمتعلقين به والقاصدين إليه (وصيام عرفه إني أحتسب على الله الخ) معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين قالوا والمراد به الصغائر وإن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر فإن لم يكن رفعت درجات وحاصل الحديث بيان رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم وإرشادهم إلى مصالحهم وحثهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق والأكثار من العبادات التي يخفف عليهم الملل بسببها أو تركها أو ترك بعضها وقد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل وفي الحديث اخر أحب العمل إليه ما داوم صاحبه عليه وقد ذم الله تعالى قوما أكثروا العبادة ثم فرطوا فيها فقال تعالى ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وفي هذه الرواية النهي عن صيام الدهر واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر لظواهر هذه الأحاديث قال القاضي وغيره ذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهى عنها وهي العيدان والتشريق ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيد والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه قال
[ 57 ]
المنذري وفي رواية قال يارسول الله أرأيت يوم الاثنين والخميس قال فيه ولدت وفيه أنزل علي القران وأخرجه مسلم وقال وفي هذا الحديث من رواية شعبة قال وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومفرقا (فيه ولدت) أي في يوم الاثنين (وفيه أنزل علي القران) أي في يوم الاثنين (ألم أحدث) بصيغة المجهول (لا أفضل من ذلك) قال النووي اختلف العلماء فقال المتولي وغيره هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه وتقديره لا أفضل من هذا في حقك ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلى يوم ويوم ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والله أعلم وقال السندي ظاهره أنه أفضل من صوم يومين وإفطار يوم ومن صيام يوم الدهر بلا صيام أيام الكراهة وبه قال بعض أهل العلم وهو أشد الصيام على النفس فمنه لا يعتاد الصوم ولا افطار فيصعب عليه كل منهما انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 58 ]
54 في صوم أشهر الحرم (ثم قال صم شهر الصبر) قال الخطابي شهر الصبر هو شهر رمضان وأصل الصبر الحبس فسمي الصيام صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام ومنعها عن وطء النساء وغشيانهن في نهار (صم من الحرم) بضمتين أي الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وهي شهر رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وقيل لأعرابي كم الأشهر الحرم فقال أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد انتهى (وقال بأصابعه الثلاثة) أي صم منها ما شئت وأشار بالأصابع الثلاثة إلى أنه لا يزيد على الثلاث المتواليات وبعد الثلاث يترك يوما أو يومين والأقرب أن الإشارة لإفادة أنه يصوم ثلاثا ويترك ثلاثا والله أعلم قاله السندي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه إلا أن النسائي قال فيه عن مجيبة الباهلي عن عمه وقال ابن ماجه عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عمه وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال فيه عن مجيبة يعني الباهلية قالت حدثني أبي أو عمي وسمى أباها عبد الله بن الحارث فقال سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقال في موضع اخر أبو مجيئة الباهلية أو عمها سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولم يسمه وذكر هذا الحديث وذكره ابن قانع في معجم الصحابة وقال فيه عن مجيبة عن أبيها أو عمها وسماه أيضا
[ 59 ]
عبد الله بن الحارث هذا اخر كلامه وقد وقع فيه هذا الاختلاف كما ترى وأشار بعض شيوخنا إلى تضعيفه لذلك وهو متوجه ومجيبة بضم الميم وكسر الجيم وسكون الياء اخر الحروف وبعدها باء موحدة مفتوحة وتاء تأنيث انتهى 55 في صوم المحرم (عن أبي بشر) بكسر الباء هكذا في أكثر النسخ وكذا في الأطراف وفي بعض النسخ أبو بشير بزيادة الياء ولا يصح (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم وأما إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم فجوابه من وجهين أحدهما لعله إنما علم فضله في اخر حياته والثاني لعله يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما (وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل) فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي ومن وافقه صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة وقال أكثر العلماء الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض والأول أقوى وأوفق والله أعلم ذكره النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان يصوم حتى نقول لا يفطر حتى نقول لا يصوم) قال النووي الظاهر أن مراد
[ 60 ]
سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور ولم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب ولا نهي لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه 56 في صوم شعبان (كان أحب الشهور) خبر كان لكونه صفة وشعبان اسمه (أن يصومه) وفيه وجهان الأول أنه بدل من أحب الشهور والضمير المنصوب فيه عائد إلى أحب الشهور (شعبان) اسم كان بحذف المضاف تقديره كان شعبان أي صومه صوم أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني أن قولها أن يصومه منصوب بنزع الخافض والضمير المنصوب فيه عائد إلى أحب الشهور تقديره كان شعبان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يصوم أحب الشهور وحاصله أن كون شعبان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على اطلاق بل في أمر الصوم فقط فيجوز أن يكون أحب الشهور إليه صلى الله عليه وسلم في غير أمر الصوم غير شعبان والوجه الأول هو القوي قال ابن رسلان فإن قيل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم فالجواب أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم كما قال النووي أفضل الشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم وأفضلها المحرم ويلي المحرم في الفضل رجب والأظهر كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شعبان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على صومه أو صوم أكثره فيكون قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم محمولا على التطوع المطلق وكذا أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن والرواتب التي قبل الفرض وبعده خلافا لبعض الشافعية فكذلك ما كان قبل رمضان أو بعده من شوال تشبيها له بالسنن والرواتب انتهى والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 61 ]
57 في صوم شوال (إن لأهلك عليك حقا) والصوم يضعف انسان فلا يقدر على أداء حق الأهل وفى إشعار بأن صوم الدهر من شأنه أن يفتر الهمة عن القيام بحقوق الله وحقوق عباده فلذاكره (صم رمضان والذي يليه) قيل أراد الست من شوال وقيل أراد به شعبان (وكل أربعاء) بالمد وعدم الانصراف (وخميس) بالجر والتنوين (فإذا) بالتنوين (أنت قد صمت الدهر) قال الطيبي الفاء جزاء شرط محذوف أي إن فعلت ما قلت لك فقد صمت وإذا جواب جئ لتأكيد الربط قاله على القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث غريب وروى بعضهم عن هارون بن سلمان عن مسلم بن عبيد الله عن أبيه وقد أخرج النسائي الروايتين الرواية الأولى والثانية التي أشار إليها الترمذي 58 في صوم ستة أيام من شوال (قال من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) وقد استدل به وغيره من الأحاديث
[ 62 ]
المذكورة في هذا الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم وقال أبو حنيفة ومالك يكره صومها واستدل لهما على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها وهو باطل في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة وأيضا يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به واستدل مالك على الكراهة بما قال في الموطأ من أنه ما رأى أحدا من أهل العلم يصومها ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة لم يكن تركهم دليلا ترد به السنة قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم
[ 63 ]
الفطر قال فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى اخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه أتبعه ستا من شوال قال قال العلماء وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين وقد جاء هذا الحديث مرفوعا في كتاب النسائي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 71 ]
59 كيف يصوم النبي صلى الله عليه وسلم (يصوم حتى نقول لا يفطر) فيه أنه يستحب أن لا يخلى شهرا من صيام وأن صوم النفل غير مختص بزمان معين بل كل السنة صالحة له إلا رمضان والعيد والتشريق قيل كان يصوم شعبان كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من اخره وتارة بينهما وما يخلي منه شيئا بلا صيام لكن في سنين وقيل في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترتفع فيه أعمال العباد وقيل غير ذلك فإن قيل تقدم أن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون
[ 72 ]
المحرم فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في اخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما قال العلماء وإنما يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (زاد كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله) أي لغاية قلة المتروك قال المنذري وهذه الزيادة أخرجها مسلم في صحيحه وفي البخاري أيضا كان يصوم شعبان كله 60 في صوم الاثنين والخميس (يحيى) هو ابن أبي كثير قاله المزي (عن مولى قدامة) مجهول لا يعرف لكن قال المزي روى عن أبي عبيد الله مولى قدامة بن مظعون غير هذا الحديث (عن مولى أسامة)
[ 73 ]
مجهول وقال المزي وروى عن حرملة مولى أسامة بن زيد حديث غير هذا (إلى وادي القرى) واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كذا في المراصد (فقال إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس) والحديث يدل على استحباب صوم يوم الاثنين والخميس لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال قال في فتح الودود قد جاء في الصحيحين يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل فيحتمل أنه يعرض عليه تعالى أعمال العباد كل يوم ثم يعرض أعمال الجمعة في يوم الاثنين والخميس ثم أعمال السنة في شعبان ولكل عر ض حكمة ويحتمل أنها تعرض كل يوم تفصيلا وفي الجمعة إجمالا أو بالعكس (كذا قال هشام الدستوائي) أي كما روى أبان عن يحيى بن أبي كثير عن عمر بن أبي الحكم هكذا روى هشام الدستوائي أيضا عن يحيى بن أبي كثير وأما معاوية بن سلام فروى عن يحيى حدثني مولى قدامة ولم يذكر عمر بن أبي الحكم وروى الأوزاعي عن يحيى عن مولى لأسامة بن زيد ولم يذكر عمر ولا مولى قدامة قاله المزي في الأطراف كذا في الشرح قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده رجلان مجهولان 61 في صوم العشر أي عشر ذي الحجة
[ 74 ]
(ويوم عاشوراء) بالمد على المشهور وحكي فيه القصر قاله في الفتح قال العيني وهو اليوم العاشر عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذهب ابن عباس إلى أن عاشوراء هو اليوم التاسع وقال بعض الصحابة هو اليوم الحادي عشر وصام أبو إسحاق ثلاثة أيام وقال إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني وسمي به لأنه عاشر المحرم وهذا ظاهر وقيل لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء عليهم السلام (أول اثنين) بالنصب بدل من قوله وثلاثة أيام (والخميس) با فراد هكذا في رواية المؤلف وكذا في رواية للنسائي وفي رواية للنسائي وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين بالتثنية وكذا في رواية لأحمد قاله النووي قال المنذري وأخرجه النسائي واختلف على هنيدة بن خالد في إسناده فروى عنه كما أوردناه وروى عنه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عن أمه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا (إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ) أي قتل في سبيل الله قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه
[ 75 ]
62 في فطر العشر أي فطر عشر ذي الحجة (عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط) قال العلماء هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر ههنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة قالوا وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة وقد جاءت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني العشر الأوائل من ذي الحجة فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيه ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 63 في صوم عرفة بعرفة (نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) قال الخطابي هذا نهي استحباب لا نهي إيجاب فإنما نهى المحرم عن ذلك خوفا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفا فصوم ذلك اليوم أفضل له إن شاء الله وقد قال صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها وقد اختلف الناس في صيام الحاج يوم عرفة فروي عن عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كانا يصومانه وقال أحمد بن حنبل إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك
[ 76 ]
يوم يحتاج فيه إلى قوة وكان إسحاق يستحب صومه للحاج وكان عطاء يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف وكان مالك وسفيان الثوري يختاران افطار للحاج وكذلك الشافعي وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أصومه أنا انتهى قال الشوكاني واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة عند مسلم وأصحاب السنن مرفوعا صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة الحديث أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا وظاهر حديث عقبة بن عامر عند أهل السنن غير ابن ماجه يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل اسلام الحديث أنه يكره صومه مطلقا لجعله قريبا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق وتعليل ذلك أنها عيد وأنها أيام أكل وشرب وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يجوز صومه بعرفات فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا والحكمة في ذلك أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك والقيام بأعمال الحج وقيل الحكمة أنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده حديث أبي قتادة وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أفطر فيه لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم ويرد هذا حديث أبي هريرة المصرح بالنهي عن صومه مطلقا انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده مهدي الهجري قال يحيى بن معين لا أعرفه وقال الخطابي هذا نهي استحباب لا نهي إيجاب (عن أم الفضل) أي زوجة العباس (أن ناسا تماروا) أي اختلفوا (فشرب) فيه دليل على جواز الأكل والشرب في المحافل من غير كراهة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 77 ]
64 في صوم يوم عاشوراء (كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية) عن ابن عباس أن يوم عاشوراء هو التاسع من المحرم ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء ابل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعا وكذا باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشرا وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ وأما تقدير أخذه من اظماء فبعيد ثم إن حديث ابن عباس اتي في الباب التالي يرد عليه لأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه فقال إنه في العام المقبل يصوم التاسع وهذا صريح بأن الذي كان يصومه ليس هو التاسع فتعين كونه العاشر قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق واخرون يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع قال بعض العلماء ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر قاله النووي (وأمر
[ 78 ]
بصيامه) اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب واختلفوا في حكمه في أول اسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان فقال أبو حنيفة كان واجبا واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين أشهرهما أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يكن واجبا قط في هذه الأمة ولكنه كان متأكد الاستحباب فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب والثاني كان واجبا كقول أبي حنيفة انتهى كلام النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (هذا يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه) قال النووي معناه أنه ليس متحتما فأبو حنيفة يقدره ليس بواجب والشافعية يقدرونه ليس متأكدا أكمل التأكيد وعلى المذهبين هو سنة مستحبة ان من حين قال النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض السلف يقول كان صوم عاشوراء فرضا وهو باق على فرضيته لم ينسخ قال وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض وإنما هو مستحب وروى عن ابن عمر كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه للأحاديث وأما قول ابن مسعود كنا نصومه ثم ترك فمعناه أنه لم يبق كما كان من الوجوب وتأكد الندب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (وجد اليهود يصومون فسئلوا عن ذلك) بصيغة المجهول أي اليهود وفي رواية لمسلم فسألهم (أظهر الله) أي نصره (فيه) في ذلك اليوم (له) أي لذلك اليوم (نحن أولى بموسى) صلى الله عليه وسلم أي نحن أثبت وأقرب لمتابعة موسى صلى الله عليه وسلم منكم فإنا موافقون له في أصول الدين
[ 79 ]
ومصدقون لكتابه وأنتم مخالفون لهما في التغيير والتحريف (وأمر بصيامه) ضبطوا أمر هنا بوجهين أظهرهما بفتح الهمزة والميم والثاني بضم الهمزة وكسر الميم ولم يذكر القاضي عياض غيره كذا ذكره النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه 65 ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع تقدم انفا وجهه وتأويله فليرجع إليه (فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) أي فقط أو مع العاشر فيكون مخالفة في الجملة والأول أظهر ومع هذا ما كان تاركا لتعظيم اليوم الذي وقع فيه نصرة الدين لأنهم كانوا يصومون شكرا ويجوز تقديم الشكر سيما على وجه المشارفة على مثل زمان وقوع النعمة فيه بل صوم العاشر أيضا فيه التقدم عليه إذ الفتح كان في اثناء النهار والصوم ما يصح إلا من أوله ولو أراد صلى الله عليه وسلم مخالفتهم بالكلية لترك الصوم مطلقا والله أعلم قال الطيبي لم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القابل بل توفي في الثاني عشر من ربيع
[ 80 ]
الأول فصار اليوم التاسع من المحرم صومه سنة وإن لم يصمه لأنه عزم على صومه قال التوربشتي قيل أريد بذلك أن يضم إليه يوما اخر ليكون هديه مخالفا لأهل الكتاب وهذا هو الوجه لأنه وقع موقع الجواب لقولهم إنه يوم يعظمه اليهود وروى عن ابن عباس أنه قال صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود وإليه ذهب الشافعي وبعضهم إلى أن المستحب صوم التاسع فقط وقال ابن همام يستحب صوم يوم عاشوراء ويستحب أن يصوم قبله يوما أو بعده يوما فإن أفرده فهو مكروه للتشبه باليهود وروى أحمد خبر صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله وبعده يوما وظاهره أن الواو بمعنى أو لأن المخالفة تحصل بأحدهما وأخذ الشافعي بظاهر الحديث فيجمعون بين الثلاثة والله أعلم ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه مسلم (معاوية بن غلاب) بفتح الغين المعجمة وتخفيف اللام (قال كذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم يصوم) لعله أراد أنه عزم على ذلك اخرا فكأنه صام قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[ 81 ]
66 في فضل صومه (أن أسلم) قبيلة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أصمتم يومكم هذا) أي يوم عاشوراء (فأتموا بقية يومكم واقضوه) قال الخطابي أمره صلى الله عليه وسلم للاستحباب وليس بإيجاب وذلك لأن لأوقات الطاعة ذمة ترعى ولا تهمل فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم إلى ما فيه الفضل والحظ لئلا يغفلوه عند مصادفتهم وقته وقد صار هذا أصلا في مذهب العلماء في مواضع مخصوصة قال أبو حنيفة وأصحابه إذا قدم المسافر في بعض نهار الصوم أمسك عن الأكل بقية يومه وقال الشافعي فيمن لا يجد ماء ولا ترابا وكان محبوسا في خش أو مصلوبا على خشبة أنه يصلي على حسب ما يمكنه مراعاة لحرمة الوقت وعليه اعادة إذا قدر على الطهارة والصلاة قلت وقد يحتج أبو حنيفة وأصحابه بهذا الحديث في جواز تأخير نية صيام الفرض عن أول وقته إلا أن قوله صلى الله عليه وسلم واقضوه يفسد هذا الاستدلال انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 84 ]
67 في صوم يوم وفطر ثنا يوم (كان) داود عليه السلام (ينام نصفه) أي نصف الليل من أوله (ويقوم) بعد ذلك (ثلثه) بضم اللام وسكونه وهو السدس الرابع والخامس (وينام سدسه) بضم الدال ويسكن أي سدسه الأخير ثم يقوم عند الصبح قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
[ 85 ]
68 في صوم الثلاث من كل شهر (يأمرنا أن نصوم البيض) أي أيام الليالي البيض (قال) أي ملحان القيسي (وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (هن) أي صيامهن (كهيئة الدهر) أي كأنها صيام الدهر كله قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه واختلف في ابن ملحان هذا فقيل هو قتادة بن ملحان القيسي وله صحبة والحديث من مسنده وقال يحيى بن معين وهو الصواب وقيل إنه منهال بن ملحان القيسي والد عبد الملك قال ابن معين وهو خطأ قال أبو عمر النمري وحديث همام أيضا خطأ والصواب ما قال شعبة وليس همام ممن يعارضني به شعبة وذكر خلاف هذا في موضع اخر فقال يقال إن شعبة أخطأ في اسمه إذ قال فيه منهال بن ملحان قال وقال البخاري حديث همام أصح من حديث شعبة قال ومنهال بن ملحان لا يعرف في الصحابة والصواب قتادة بن ملحان القيسي تفرد بالرواية عنه ابنة عبد الملك وقتادة يعد في أهل البصرة وقال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة المنهال أبو عبد الملك بن منهال رجل من
[ 86 ]
بني قيس بن ثعلبة نزل البصرة وذكر عنه هذا الحديث وقال في حرف القاف قتادة بن ملحان القيسي سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وذكر عبد الملك بن منهال القيسي عن أبيه وقال بعضهم لعل أبا داود أسقط اسمه لأجل هذا الاضطراب (عبد الله) وهو ابن مسعود رضي الله عنه (من غرة كل شهر ثلاثة أيام) أي الأيام البيض الليالي بالقمر وهي ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر قاله السيوطي وقال علي القاري من غرة كل شهر أي أوله قيل لا منافاة بين هذا الحديث وحديث عائشة وهو أنه لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم لأن هذا الراوي وجد الأمر على ذلك في غالب ما اطلع عليه من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم فحدث بما كان يعرف من ذلك وعائشة رضي الله عنها اطلعت من ذلك على ما لم يطلع عليه هذا الراوي فحدثت بما علمت فلا تنافي بين الأمرين وفي القاموس الغرة من الهلال طلعته فيمكن أن يقال كلما طلع هلال صام ثلاثة أيام ولا يلزم منه أن يكون الصوم من أوله فيوافق بقية الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب وفي حديث الترمذي قل ما كان يفطر يوم الجمعة وفي حديث النسائي قلما رأيته يفطر يوم الجمعة 69 من قال يصوم ثلاثة من كل شهر (الاثنين والخميس) وفي الباب السابق الصوم الثلاث في أيام الليالي البيض ولا منافاة بينهما فإنه كان مرة كذا ومرة كذا (عن حفصة) قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 87 ]
(أولها) بالرفع (الاثنين) بضم النون وكسرها وفتحها (والخميس) بالحركات الثلاث على التبعية قال الأشرف والظاهر الاثنان فقيل أعرب بالحركة لا بالحرف وقيل المضاف إليه على حاله وتقديره أولها يوم الاثنين وقيل إنه علم كالبحرين هذا والأعلام لا تتغير عن أصل وضعها باختلاف العوامل وقال الطيبي أولها منصوب لكن بفعل مضمر أي اجعل أولها الاثنين والخميس يعني والواو بمعنى أو وعليه ظاهر كلام الشيخ التوربشتي حيث قال صوابه الاثنين أو الخميس والمعنى أنها تجعل أول الأيام الثلاثة الاثنين أو الخميس وذلك لأن الشهر إما أن يكون افتتاحه من الأسبوع في القسم الذي بعد الخميس فتفتح صومها في شهرها ذلك بالاثنين وإما أن يكون بالقسم الذي بعد الاثنين فتفتح شهرها ذلك بالخميس وكذلك وجدت الحديث فيما يرويه من كتاب الطبراني كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي 70 من قال لا يبالي من أي الشهر أي من أي أيام الشهر يصوم (قالت نعم) أي وهذا أقل ما كان يقتصر عليه (من أي شهر كان يصوم) أي هذه الثلاثة من أولها أو أوسطها أواخرها متصلة أو منفصلة قالت (ما كان يبالي) أي يهتم للتعيين (من أي أيام الشهر كان يصوم) أي كان يصومها بحسب ما يقتضي رأيه
[ 88 ]
الشريف قال العلماء ولعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعينها قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه 71 النية في الصوم (من لم يجمع الصيام) من اجماع أي لم ينو قال الخطابي معنى اجماع إحكام النية والعزيمة يقال أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد وفيه بيان أن من تأخرت نيته للصوم
[ 89 ]
عن أول وقته فإن صومه فاسد وفيه دليل على أن تقديم نية الشهر كله في أول ليلة منه لا يجزئه عن الشهر كله لأن صيام كل يوم من الشهر صيام مفرد متميز عن غيره فإذا لم ينوه في الثاني قبل فجره وفي الثالث كذلك لا يجزئه وهو قول عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما وإليه ذهب الحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا نوى للفرض قبل زوال الشمس أجزأه وقالوا في صوم النذر والكفارة والقضاء إن عليه تقديم النية قبل الفجر وقال إسحاق بن راهويه إذا قدم للشهر النية أول ليلة أجزأه للشهر كله وإن لم يجدد النية كل ليلة وقد زعم بعضهم أن هذا الحديث غير مسند لأن سفيان ومعمرا قد أوقفاه على حفصه قلت هذا لا يضر لأن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قد أسنده وزيادات الثقات مقبولة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال أبو داود رواه الليث وإسحاق بن حازم أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر مثله يعني مرفوعا وأوقفه على حفصة معمر والزبيدي وابن عيينة ويونس الأيلي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روى عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح وقال الدارقطني رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري وهو من الثقات الرفعاء وقال الخطابي عبد الله بن أبي بكر بن عمرو قد أسنده وزيادات الثقات مقبولة وقال البيهقي وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الأثبات هذا اخر كلامه وقد روى من حديث عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبت الصيام قبل طلوع الفجر أخرجه الدارقطني وقال تفرد عبد الله بن عباد عن المفضل يعني ابن فضالة بهذا اسناد وكلهم ثقات وقوله من لم يجمع بضم الياء اخر الحروف وسكون الجيم من اجماع إحكام النية والعزيمة يقال أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد وروى يبيت بضم الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة أي ينويه من الليل وروي بيت بفتح الياء اخر الحروف وضم الباء الموحدة أي لم ينوه ويجزم به فيقطعه من الوقت الذي لا صوم فيه وهو الليل وروى من لم يورضه ثم الليل أي لم يهيئه بالنية من أرضت المكان إذا سويته انتهى
[ 90 ]
72 باب في الرخصة فيه ي في ترك النية بالليل (هل عندكم طعام فإذا قلنا لا قال إني صائم الخ) قال الخطابي فيه نوعان من الفقه أحدهما جواز تأخير نية الصوم عن أول النهار إذا كان تطوعا والآخر جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعا به ولم يذكر في الحديث إيجاب القضاء وكان غير واحد من الصحابة يذهب إلى ذلك منهم ابن مسعود وحذيفة وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وكان ابن عمر لا يصوم تطوعا حتى يجمع من الليل وقال جابر بن زيد لا يجزئه في التطوع حتى يبيت النية وقال مالك بن أنس في صوم النافلة لا أحب أن يصوم أحد إلا أن يكون قد نوى الصيام من الليل (حيس) هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق (أدنيه) من ادناء أي قربيه قال المنذري وأخرجه
[ 91 ]
مسلم والترمذي والنسائي وفي رواية لمسلم فإني إذا صائم وأخرجه البيهقي وفيه قال إني أصوم وقال وهذا إسناد صحيح (الوليدة) أي الأمة (فناولته) أي الجارية والضمير المنصوب له صلى الله عليه وسلم والمفعول الثاني مقدر وهو اناء (أكنت تقضين) أي بهذا الصوم (شيئا) أي من الواجبات عليك (فلا يضرك) أي ليس عليك إثم في فطرك (إن كان) أي صومك (تطوعا) وهو للتأكيد قاله القاري قال الخطابي في هذا بيان أن القضاء غير واجب إذا أفطر في تطوع وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وقال أبو حنيفة وأصحابه يلزمه القضاء إذا أفطر وقال مالك بن أنس إذا أفطر من غير علة يلزمه القضاء قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وفي إسناده مقال ولا يثبت وفي إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائي وقال الترمذي في إسناده مقال والله أعلم
[ 92 ]
73 من رأى عليه القضاء (لا عليكما) أي لا بأس عليكما في افطار (صوما مكانه يوما اخر) قال الخطابي وقد جاء في هذا الحديث رواية ابن جريج عن الزهري عن عروة قال ابن جريج قلت للزهري أسمعته من عروة قال إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان فيشبه أن يكون ذلك الرجل هو زميل هذا ولو ثبت الحديث أشبه أن يكون إنما أمرهما بذلك استحبابا لأن بدل الشئ في أكثر الأحكام الأصول يحل محل أصله وهو في الأصل مخير فكذلك في البدل قال المنذري وأخرجه النسائي وقال زميل ليس بالمشهور وقال البخاري لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد ابن الهاد من زميل ولا تقوم به الحجة وقال الخطابي إسناده ضعيف وزميل مجهول
[ 93 ]
74 المرأة تصوم بغير إذن زوجها (لا تصوم امرأة) أي نفلا لئلا يفوت على الزوج الاستمتاع بها (وبعلها شاهد) أي زوجها حاضر معها في بلدها (إلا بإذنه) تصريحا أو تلويحا (ولا تأذن) أحدا من الأجانب أو الأقارب حتى النساء وقال ابن حجر المكي يصح رفعه خبرا يراد به النهي وجزمه على النهي (في بيته) أي في دخول بيته (إلا بإذنه) وفي معناه العلم برضاه قال المنذري وأخرجه مسلم وأخرج البخاري فصل الصوم خاصة وليس في حديثهما غير رمضان (ويفطرني) بالتشديد أي يأمرني با فطار (فإنها تقرأ بسورتين) أي تقرأ بسورتين طويلتين
[ 94 ]
في ركعة أو في ركعتين (وقد نهيتها) أي عن تطويل القراءة وإطالة الصلاة (قال) أبو سعيد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كانت) اسمه يعود إلى مصدر تقرأ أي لو كانت القراءة بعد الفاتحة (سورة واحدة) أي أي سورة كانت ولو أقصرها وقال الطيبي لو كانت القراءة سورة واحدة وهي الفاتحة (لكفت الناس) أي لأجزأتهم كفتهم جمعا وأفرادا كذا في المرقاة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها) قال الخطابي في هذا الحديث من الفقه أن منافع المتعة والعشرة من الزوجة مملوكة للزوج في عامة الأحوال وأن حقها في نفسها محصور في وقت دون وقت وفيه أن للزوج أن يضربها ضربا غير مبرح إذا امتنعت عليه من إيفاء الحق وإجمال العشرة وفيه دليل على أنها لو أحرمت بالحج كان له منعها وحصرها لأن حقه عليها معجل وحق الله متراخ وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح ولم يختلف العلماء في أن له منعها من حج التطوع (فإنا أهل بيت) أي أنا أهل صنعة لا ننام الليل (قد عرف لنا ذلك) أي عادتنا ذلك وهي أنهم كانو يسقون الماء في طول الليالي (لا نكاد نستيقظ) أي إذا رقدنا اخر الليل (قال فإذا استيقظت فصل) ذلك أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده ومن لطف نبيه صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة فصار كالشئ المعجوز عنه وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه فعذر فيه ولم يثرب عليه ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه ويبعثه من المنام فيتمادى به النوم حتى تطلع الشمس دون أن يكون ذلك منه في عامة الأحوال فإنه يبعد أن يبقى الانسان على هذا في دائم الأوقات وليس بحضرته أحد لا يصلح هذا القدر من شأنه ولا يراعي مثل هذا من حاله ولا يجوز أن يظن به الامتناع من الصلاة في وقتها ذلك مع زوال العذر بوقوع التنبيه ويقاظ ممن يحضره ويشاهده والله أعلم (عن أبي المتوكل) الناجي البصري والحاصل أن أبا صالح ليس بمتفرد بهذه الرواية عن أبي سعيد بل تابعه أبو المتوكل عنه ثم الأعمش ليس بمتفرد أيضا بل تابعه حميد أو ثابت وكذا جرير ليس بمتفرد بل تابعه حماد بن سلمة وفي هذا كله رد على
[ 95 ]
امام أبي بكر البزار وسيجئ كلامه قال المنذري قال أبو بكر البزار هذا الحديث كلامه منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ولو ثبت احتمل إنما يكون إنما أمرها بذلك استحبابا وكان صفوان من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أتى نكرة هذا الحديث أن الأعمش لم يقل حدثنا أبو صالح فأحسب أنه أخذه عن غير ثقة وأمسك عن ذكر الرجل فصار الحديث ظاهر إسناده حسن وكلامه منكر لما فيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدح هذا الرجل ويذكره بخير وليس للحديث عندي أصل 75 في الصائم يدعي إلى وليمة رسول (إذا دعي أحدكم فليجب) أي الدعوة (فإن كان مفطرا فليطعم) أي فليأكل ندبا وقيل وجوبا قاله ابن حجر والأظهر أنه يجب إذا كان يتشوش خاطر الداعي ويحصل به المعادة إن كان الصوم نفلا وإن كان يعلم أنه يفرح بأكله ولم يتشوش بعدمه فيستحب وإن كان الأمران مستويين عنده فالأفضل أن يقول إني صائم سواء حضر أو لم يحضر (وإن كان صائما فليصل) قال الطيبي أي ركعتين في ناحية البيت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم أخرجه البخاري وقيل فليدع لصاحب البيت بالمغفرة وقال ابن الملك بالبركة أقول ظاهر حديث أم سليم أن يجمع بين الصلاة والدعاء قال المظهر والضابط عند الشافعي أنه إن تأذى المضيف بترك افطار أفطر فإنه أفضل وإلا فلا كذا في المرقاة قال المنذري قال هشام وهو ابن حسان والصلاة الدعاء وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي 76 ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام وجد هذا الباب في بعض النسخ
[ 96 ]
(إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم) قال النووي محمول على أنه يقوله اعتذارا له وإعلاما بحاله فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل والفرق بين الصائم والمفطر منصوص عليه في الحديث الصحيح كما هو معروف في موضعه وأما الأفضل للصائم فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه استحب له الفطر وإلا فلا هذا إذا كان صوم تطوع فإن كان صوما واجبا حرم الفطر ومعنى هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا كان دعت إليه حاجة والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة وفيه ارشاد إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه قال المنذري أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 77 الاعتكاف قال النووي هو في اللغة الحبس والمكث واللزوم وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة ويسمى الاعتكاف جوارا ومنه الأحاديث الصحيحة منها حديث عائشة رضي الله عنها في أوائل الاعتكاف في صحيح البخاري قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض وقد جاءت الأحاديث في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان والعشر الأول من شوال ففيها استحباب الاعتكاف وتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان وقد أجمع المسلمون على استحبابه وأنه ليس بواجب وعلى أنه متأكد في العشر الأواخر من رمضان ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف بل يصح اعتكاف المفطر ويصح اعتكاف ساعة واحد ولحظة واحدة وضابطه عند أصحابنا مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة ولنا وجه أنه يصح اعتكاف المار في المسجد من غير لبث والمشهور الأول فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار صلاة أو لشغل اخر من اخرة أو دنيا أن ينوي الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه ما لم يخرج من المسجد فإذا خرج ثم دخل
[ 97 ]
جدد نية أخرى وليس للاعتكاف ذكر مخصوص ولا فعل اخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف ولو تكلم بكلام دنيا أو عمل صنعة من خياطة أو غيرها لم يبطل اعتكافه وقال مالك وأبو حنيفة والأكثرون يشترط في الاعتكاف الصوم فلا يصح اعتكاف مفطر (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله) قال القسطلاني وفيه دليل على أنه لم ينسخ وأنه من السنن المؤكدة خصوصا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر (ثم اعتكف أزواجه من بعده) فيه دليل على أن النساء كالرجال في الاعتكاف وقد كان عليه السلام أذن لبعضهن وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد اذن كما في الحديث الصحيح فلمعنى اخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بأبنيتهم وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) قال الخطابي فيه من الفقه أن النوافل المعتادة تقضى إذا فاتت كما تقضى الفرائض ومن هذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 98 ]
بعد العصر الركعتين اللتين فاتتاه لقدوم الوفد واشتغاله بهم وفيه مستدل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم ينشئه له وذلك أن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر لأن الوقت مستحق له وقد اختلف الناس في هذا فقال الحسن البصري إن اعتكف من غير صيام أجزأه وإليه ذهب الشافعي وروى عن علي وابن مسعود أنهما قالا إن شاء صام وإن شاء أفطر وقال الأوزاعي ومالك لا اعتكاف إلا بصوم وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه الخ) قال الخطابي فيه من الفقه أن المعتكف يبتدئ اعتكافه من أول النهار ويدخل في معتكفه بعد أن صلى وإليه ذهب الأوزاعي وبه قال أبو ثور وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل عليه القضاء في الاعتكاف قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر بعينه وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وفيه دليل على أن الاعتكاف إذا لم يكن نذرا كان للمعتكف أن يخرج منه أي وقت يشاء قلت وفي الحديث دليل على جواز اعتكاف النساء وفيه أنه ليس للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها وعلى أن للزوج أن يمنعها من ذلك بعد الإذن فيه وفيه دلالة على أن اعتكاف
[ 99 ]
المرأة في بيتها جائز وقد حكى جوازه عن أبي حنيفة وأما الرجل فلم يختلفوا أن اعتكافه في بيته غير جائز وإنما شرع الاعتكاف في المساجد وكان حذيفة بن اليمان يقول لا يكون الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس وقال عطاء لا يعتكف إلا في مسجد مكة والمدينة وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يجوز أن يعتكف إلا في الجامع وكذلك قال الزهري والحكم وحماد وقال سعيد بن جبير وأبو قلابة والنخعي يعتكف في مساجد القبائل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وإليه ذهب مالك والشافعي انتهى وقال النووي احتج به من يقول يبدأ الاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد يدخل فيه قبيل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر أو اعتكاف عشر وأولوا على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف بل كان من قبل المغرب معتكفا لابثا في جملة المسجد فلما صلى الصبح انفرد (فأمر ببنائه فضرب) بصيغة المجهول وفيه دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعا من المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس وإذا أخذه يكون في اخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل في انفراده (فقال ما هذه) الأخبية التي أراها (البر) بهمزة الاستفهام ممدودة على وجه الانكار والنصب على أنه مفعول مقدم لقوله (تردن) بضم الفوقية وكسر الراء وسكون الدال من ارادة أي أمهات المؤمنين (فقوض) بالقاف المضمومة والضاد المعجمة من التفعيل أي أزيل وقلع (ثم أخر الاعتكاف) ولفظ البخاري فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال أي قضاء عما تركه من الاعتكاف في رمضان على سبيل الاستحباب لأنه إذا عمل عملا أثبته ولو كان للوجوب لا عتكف معه نساؤه أيضا في شوال ولم ينقل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 100 ]
78 أين يكون الاعتكاف (قال نافع وقد أراني عبد الله المكان الذي كان الخ) فيه أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لا سيما النساء لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر وهذا الذي ذكرناه من اختصاصه بالمسجد وأنه لا يصح في غيره هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور سواء الرجل والمرأة وقال أبو حنيفة يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ من بيتها لصلاتها قال ولا يجوز للرجل في مسجد بيته وكمذهب أبي حنيفة قول قديم للشافعي ضعيف عند أصحابه وجوزه بعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي للمرأة والرجل في مسجد بيتهما ثم اختلف الجمهور المشترطون المسجد العام فقال الشافعي ومالك وجمهورهم يصح الاعتكاف في كل مسجد وقال أحمد يختص بمسجد تقام الجماعة الراتبة فيه وقال أبو حنيفة يختص بمسجد تصلى فيه الصلوات كلها وقال الزهري واخرون يختص بالجامع الذي تقام فيه الجمعة ونقلوا عن حذيفة بن اليمان الصحابي اختصاصه بالمساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجدي المدينة والأقصى وأجمعوا على أنه لاحد لأكثر الاعتكاف قاله النووي وتقدم ذلك من كلام الخطابي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وليس في حديث البخاري قول نافع (عن أبي بكر) هو ابن عياش المقري (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد هو عثمان بن عاصم قاله القسطلاني (عشرة أيام) وفي رواية يحيى بن ادم عن أبي بكر بن عياش عند النسائي يعتكف العشر الأواخر من رمضان (فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما) لأنه علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من الأعمال الصالحة تشريعا لأمته أن يجتهدوا في
[ 101 ]
العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أعمالهم ولأنه عليه الصلاة والسلام اعتاد من جبريل عليه السلام أن يعارضه بالقران في كل عام مرة واحدة فلما عارضه في العام الأخير مرتين اعتكف فيه مثل ما كان يعتكف ذكره القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه 79 المعتكف يدخل البيت لحاجته لم (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة انسان) قال الخطابي فيه بيان أن المعتكف لا يدخل بيته إلا لغائط أو بول فإن دخله لغيرهما من طعام أو شراب فسد اعتكافه وقد اختلف الناس في ذلك فقال أبو ثور لا يخرج إلا لحاجة الوضوء الذي لا بد منه وقال إسحاق بن راهويه لا يخرج إلا لغائط أو بول غير أنه فرق بين الواجب من الاعتكاف والتطوع فقال في الواجب لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة وفي التطوع يشترط ذلك حين يبتدئ وقال الأوزاعي لا يكون في الاعتكاف شرط وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجة ما خلى الجمعة والغائط والبول فأما سوى ذلك من عيادة مريض وشهود جنازة فلا يخرج له وقال مالك والشافعي لا يخرج المعتكف في عيادة مريض ولا شهود جنازة وهو قول عطاء ومجاهد وقالت طائفة للمعتكف أن يشهد الجمعة ويعود المريض ويشهد الجنازة وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قول سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وكذلك رواه يونس) أي كما روى الليث عن الزهري عن عروة وعمرة كليهما معا عن
[ 102 ]
عائشة كذلك رواه يونس والحاصل أن الليث ويونس جمعا بين عروة وعمرة ورواه معمر وزياد عن الزهري عن عروة وحده من غير ذكر عمرة ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة عن عائشة قال أبو داود ولم يتابع أحد مالكا على هذه الزيادة والله أعلم (فيناولني رأسه من خلل الحجرة) خلل بفتحتين الفرجة بين الشيئين والجمع خلال مثل جبل وجبال (فأرجله) من الترجيل بالجيم المشط والدهن وفيه دليل على أنه يجوز للمعتكف التنظيف والطيب والغسل والحلق والتزيين إلحاقا بالترجل والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد وعن مالك يكره الصنائع والحرف حتى طلب العلم وفيه دليل على أن من أخرج بعض بدنه من المسجد لم يكن ذلك قادحا في صحة الاعتكاف قال الخطابي فيه من الفقه أن المعتكف ممنوع من الخروج من المسجد إلا لغائط أو بول وفيه أن ترجيل الشعر مباح للمعتكف وفي معناه حلق الراس وتقليم الاظفار وتنظيف الابدان من الشعث والدرن وفيه أن بدن الحائض طاهر غير نجس وفيه أن من حلف لا يدخل بيتا فأدخل رأسه فيه وسائر بدنه خارج لم يحنث انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (فأتيته أزوره) من الزيارة (فانقلبت) أي إلى بيتي (فقام معي ليقلبني) أي يردني إلى بيتي (على رسلكما) بكسر الراء أي على هيئتكما الرسل السير السهل وجاء فيه الكسر والفتح بمعنى التؤدة وترك العجل (سبحان الله) إما أي حقيقة تنزه الله تعالى عن أن يكون رسوله متهما بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) وفي رواية البخاري يبلغ من انسان مبلغ الدم أي كمبلغ حدثنا الدم ووجه التشبيه بين طرفي التشبيه
[ 103 ]
شدة الاتصال وعدم المفارقة قال الشافعي معناه أنه خاف عليهما الكفر لو ظنا به ظن التهمة فبادة إلى إعلامهما بمكانها نصيحة لهما قاله العيني وقال الخطابي حكي لنا عن الشافعي أنه قال كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم شفقة عليهما لأنهما لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادة إلى إعلامهما ذلك لئلا يهلكا وفيه أنه خرج من المسجد معها ليتبلغ منزلها وفي هذا حجة لمن رأى أن الاعتكاف لا يفسد إذا خرج في واجب وأنه لا يمنع المعتكف من إتيان المعروف قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه 80 المعتكف يعود المريض (يمر بالمريض وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (معتكف) والمريض خارج عن المسجد (فيمر كما هو) قال الطيبي الكاف صفة لمصدر محذوف وما موصولة ولفظ هو مبتدأ والخبر محذوف والجملة صلة ما أي يمر مرورا مثل الهيئة التي هو عليها فلا يميل إلى الجوانب ولا يقف (ولا يعرج) أي لا يمكث بيان للمجمل لأن التعريج اقامة والميل عن الطريق إلى جانب (يسأل عنه) بيان لقوله يعود على سبيل الاستئناف (إن كان) مخففة من المثقلة قال المنذري في إسناده ليث بن أبي سليم وفيه مقال (السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا) قال الخطابي قولها السنة إن كانت أرادت
[ 104 ]
بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا فهي نصوص لا يجوز خلافها وإن كانت أرادت به الفتيا على معاني ما عقلت من السنة فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور والصحابة إذا اختلفو في مسألة كان سبيلها النظر على أن أبا داود قد ذكر على إثر هذا الحديث أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيها إنها قالت السنة فدل ذلك على احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ويشبه أن تكون أرادت بقولها لا يعود مريضا أي لا يخرج من معتكفه قاصدا عيادته وأنه لا يضيق عليه أن يمر به فيسأله غير معرج عليه كما ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القاسم بن محمد (لا يمس امرأة) تريد الجماع وهذا لا خلاف فيه أنه إذا جامع امرأته فقد بطل اعتكافه قاله الخطابي وقد نقل ابن المنذر اجماع على ذلك (ولا يباشرها) فقد اختلف فيها فقال عطاء والشافعي إن باشر أو قبل لم يفسد اعتكافه وإن أنزل وقال مالك يفسد وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه قاله الخطابي وفي النيل المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول اية ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت انتهى (إلا لما بد منه) ولا يتصور فعلها في المسجد فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها (ولا اعتكاف إلا بصوم) وفيه دليل أنه لا يصح الاعتكاف شكإلا ابن بصوم وأنه شرط وهو قول ابن عباس وابن عمر من
[ 105 ]
الصحابة ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وقال ابن مسعود رضي الله عنه والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق إنه ليس بشرط قالوا يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة وهذا هو الحق للأدلة الصحيحة القائمة على ذلك لا كما قال امام الحافظ ابن القيم إن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) يحتمل أن يكون معناه نفي الفضيلة والكمال وإنما يكره الاعتكاف في غير الجامع لمن نذر اعتكافا أكثر من جمعة لئلا تفوته صلاة الجمعة فأما من كان اعتكافه دون ذلك فلا بأس به والجامع وغيره سواء في ذلك والله أعلم (جعله قول عائشة) وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها انتهى وكذلك رجح ذلك البيهقي ذكره ابن كثير في ارشاد وقال المنذري وأخرجه النسائي من حديث يونس بن زيد وليس فيه قالت السنة وأخرجه من حديث امام مالك وليس فيه أيضا ذلك وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المديني يقال له عباد قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم
[ 109 ]
(أن عمر رضي الله عنه جعل عليه) أي على نفسه (أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما) شك الراوي (فقال اعتكف وصم) (فقال اعتكف وصم) قال الخطابي فيه من الفقه أن نذر الجاهلية إذا كان على وفاق حكم الإسلام كان معمولا به وفيه دليل على أن من حلف في كفره ثم أسلم فحنث أن الكفارة واجبة عليه وهذا على مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا تلزمه الكفارة وفيه أيضا دليل على وقوع ظهار الذمي ووجوب الكفارة عليه فيها والله أعلم وقال في فتح الباري وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن إسنادها ضعيف وقد زاد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اعتكف وصم أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل وهو ضعيف وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار ورواية من روى يوما شاذة وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عند البخاري فاعتكف ليلة فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين انتهى
[ 110 ]
(هو معتكف) أي عمر بن الخطاب (فقال) عمر (ما هذا) الصوت بالتكبير (يا عبد الله) بن عمر (قال) عمر (وتلك الجارية) من سبايا هوازن التي عند عمر كيف تحبس (فأرسلها) عمر بن الخطاب الجارية (معهم) الذين أعتقوا قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي المكي وهو ضعيف وقال ابن عدي ولا أعلم ذكر في هذا اسناد الصوم مع الاعتكاف إلا من رواية عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار وقال الدارقطني تفرد به ابن بديل عن عمرو وهو ضعيف الحديث وقال الدارقطني أيضا سمعت أبا بكر النيسابوري يقول هذا حديث منكر لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه يعني الصوم منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم وابن بديل ضعيف الحديث 81 المستحاضة تعتكف قوله (امرأة من أزواجه) ولأبي ذر امرأة مستحاضة من أزواجه وهي أم سلمة كما في سنن سعيد بن منصور (فكانت ترى الصفرة) فيه جواز صلاتها كاعتكافها له لكن مع الأمن من التلويث كدائم الحدث ذكره القسطلاني وقال الشوكاني في النيل والحديث يدل على جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عن أمن التلويث ويلحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه
[ 111 ]
أول كتاب الجهاد بكسر الجيم لغة المشقة يقال جهدت جهادا بلغة المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار أو البغاة 82 ما جاء في الهجرة وسكنى البدو ذلك في القاموس البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وليس في بعض النسخ لفظ وسكنى البدو (عن الهجرة) أي أن يبايعه على اقامة بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل الفتح (ويحك) كلمة ترحم وتوجع لمن وقع في هلكة لا يستحقها (إن شأن الهجرة) أي القيام بحق الهجرة (شديد) لا يستطيع القيام بها إلا القليل ولعلها كانت متعذرة على السائل شاقة عليه فلم يجبه إليها (صدقتها) أي زكاتها (قال نعم) لي إبل أؤدي زكاتها (من وراء البحار) بموحدة ومهملة أي من وراء القرى والمدن وكأنه قال إذا كنت تؤدي فرض الله عليك في نفسك ومالك فلا تبال أن تقيم في بيتك ولو كنت في أبعد مكان قال في النهاية
[ 112 ]
والعرب تسمي المدن والقرى البحار (لن يترك) بكسر المثناة الفوقية من وتر يتر أي لن ينقصك قال في القاموس وتره ماله نقصه إياه قال الخطابي والمعنى أنك قد تدرك بالنية أجر المهاجر وإن أقمت من وراء البحر وسكنت أقصى الأرض وفيه دلالة على أن الهجرة إنما كان وجوبها على من أطاقها دون من لم يقدر عليها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن البداوة) أي الخروج إلى البدو والمقام به وفيه لغتان بكسر الباء وفتحها قاله الخطابي (يبدو) أي يخرج إلى البادية لحصول الخلوة وغيرها قال في الصحاح بدا القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم (إلى هذه التلاع) بكسر الفوقية مجاري الماء من أعلى الأرض إلى بطون الأودية واحدتها تلعة بفتح فسكون وقيل هو من الأضداد يقع على ما انحدر من الأرض وما ارتفع منها (ناقة محرمة) بفتح الراء من التحريم قال الخطابي الناقة المحرمة التي لم تركب ولم تذلل فهي غير وطئة ويقال أعرابي محرم إذا كان جلفا لم يخالط أهل الحضر انتهى (ارفقي) أي لا تصعبي محمد على الناقة (إلا زانه) من الزينة (إلا شانه) من الشين بمعنى العيب قال المنذري وأخرجه مسلم بمعناه 83 في الهجرة هل انقطعت إلى (عن حريز) بفتح الحاء المهملة اخره زاي هو ابن عثمان (لا تنقطع الهجرة إلخ) في هذا
[ 113 ]
الحديث دلالة على أن الهجرة غير منقطعة وحديث ابن عباس اتي يدل على أنه لا هجرة بعد فتح مكة وقد اختلف في الجمع بينهما فقال الخطابي في المعالم كانت الهجرة في أول الإسلام فرضا ثم صارت مندوبة وذلك في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة نزل حين اشتد أذى المشركين على المسلمين بمكة ثم وجبت الهجرة على المسلمين عند انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمروا بالانتقال إلى حضرته ليكونوا معه فيتعاونوا ويتظاهروا كان إن أحزبهم أبو أمر وليتعلموا منه أمر دينهم وكان عظم الخوف في ذلك الزمان من أهل مكة فلما فتحت مكة ونجعت أو بالطاعة زال ذلك المعنى وارتفع وجوب الهجرة وعاد الأمر فيها إلى الندب والاستحباب فالهجرة المنقطعة هي الفرض والباقية هي الندب فهذا وجه الجمع بين الحديثين على أن بين الإسنادين ما بينهما إسناد حديث ابن عباس رضي الله عنه متصل صحيح وإسناد حديث معاوية رضي الله عنه فيه مقال انتهى باختصار يسير وفي شرح السنة يحتمل الجمع بأن يكون قوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة وقوله لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال الخطابي إسناده حديث معاوية فيه مقال (فتح مكة) بالجر بدل من الفتح (لا هجرة) أي واجبة من مكة إلى المدينة (ولكن جهاد ونية) أي الهجرة بسبب الجهاد في سبيل الله والهجرة بسبب النية الخالصة لله تعالى كطلب العلم والفرار من الفتن باقيان مدى الدهر (وإذا استنفرتم) بضم الفوقية وكسر الفاء (فانفروا) بكسر الفاء الثانية أي إذا طلب منكم امام الخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه وجوبا فيتعين على من عينه امام كذا في إرشاد الساري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (المسلم) أي الكامل (والمهاجر من هجر) أي ترك قال العلقمي والهجرة ضربان ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان والظاهرة الفرار
[ 114 ]
بالدين من الفتن وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك لأن حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي 84 في سكنى الشام (هجرة بعد هجرة) قال الخطابي معنى الهجرة الثانية الهجرة إلى الشام يرغبها في القيام بها وهي مهاجر إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وعلى الهما وسلم (مهاجر إبراهيم) بفتح الجيم وهو الشام (تلفظهم) بكسر الفاء أي تقذفهم وترميهم يقال قد لفظ الشئ يلفظه لفظا إذا رماه (أرضوهم) جمع أرض (تقذرهم) بفتح الذال المعجمة أي تكرههم (نفس الله) بسكون الفاء أي ذاته تعالى قال الخطابي تأويله أن الله يكره خروجهم إليها ومقامهم بها فلا يوفقهم لذلك فصاروا بالرد وعدم القبول في معنى الشئ الذي تقذره نفس انسان وذكر النفس ههنا مجاز واتساع في الكلام وهذا شبيه بمعنى قوله سبحانه وتعالى ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين انتهى قال في النهاية يقال قذرت الشئ أقذره إذا كرهته واجتنبته) انتهى (وتحشرهم النار مع القردة والخنازير) أي تجمعهم وتسوقهم النار
[ 115 ]
فيفرون هؤلاء والشرار مخافة النار مع البهائم من القردة والخنازير والنار لا تفارقهم بحال وليس هذا حشر يوم القيامة وإلا قيل تحشر شرار أهلها إلى النار ولا يقال تحشرهم النار ولقوله في بعض الروايات تقيل معهم فإنه يدل على أن النار ليست حقيقة بل نار الفتنة وهذه القيلولة والبيتوتة هي المرادة في قوله ستكون هجرة بعد هجرة إلى قوله تحشرهم النار مع القردة تبيت معهم إذا باتوا انتهى كلام الطيبي ملخصا محررا والله أعلم قال المنذري شهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد وروى من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب بإسناد أمثل من هذا
[ 116 ]
(حدثني بحير) بكسر المهملة ابن سعيد السحولي أبو خالد وثقه النسائي (عن ابن أبي قتيلة) بالقاف والمثناة مصغرا (عن ابن حوالة) بفتح المهملة وتخفيف الواو وهو عبد الله رضي الله عنه (جنودا مجندة) أي مختلفة وقيل مجتمعة والمراد ستصيرون فرقا ثلاثة (خر لي) أي خر لي خير تلك الأماكن ومعناه بالفارسية يسندكن عبد براي من بهترين ازين امكنه (فإنها) أي الشام (خيرة الله) بفتح التحتية بوزن عنبة أي مختارته (خيرته من عباده) أي المختارين منهم (إذا أبيتم) أي امتنعتم من التزام الشام (فعليكم بيمنكم) أي فالزموا اليمن (من غدركم) كصرد جمع غدير وهو الحوض (توكل) أي تكفل وتضمن (لي بالشام) بأن لا يخربه بالفتنة (وأهله) أي تكفل لي بأهل الشام بأن لا تصيبه الفتنة ولا يهلك الله بالفتنة من أقام بها والحديث سكت عنه المنذري
[ 117 ]
85 في دوام الجهاد (على الحق) أي على تحصيله وإظهاره (ظاهرين) علي غالبين منصورين (على من ناواهم) أي على من عاداهم وفي شرح مسلم هو بهمزة بعد الواو وهو مأخوذ من ناء إليهم ونأوا إليه أي نهضوا للقتال وفي النهاية النواء والمناواة عليه المعاداة (حتى يقاتل اخرهم) أي المهدي وعيسى عليه السلام وأتباعهما قال النووي وأما هذه الطائفة فقال البخاري هم أهل العلم وقال أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم قال القاضي عياض إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث قال النووي ويحتمل أن هذه الطائفة متفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وامرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض قال النووي وفيه دليل لكون اجماع حجة وهو أصح ما يستدل به له من الحديث وأما حديث لا تجتمع أمتي على ضلالة فضعيف انتهى (المسيح الدجال) ويقتله عيسى عليه السلام بعد نزوله من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق بباب له من بيت المقدس حين حاصر المسلمين وفيهم المهدي وبعد قتله لا يكون الجهاد باقيا أما على يأجوج ومأجوج فلعدم القدرة عليهم وبعد إهلاك الله إياهم لا يبقى على وجه الأرض كافر ما دام عيسى عليه السلام حيا في الأرض كذا في المرقاة والحديث سكت عنه المنذري
[ 118 ]
86 في ثواب الجهاد (في شعب) هو ما انفرج بين جبلين وقيل الطريق فيه والمراد الاعتزال في أي مكان قاله في المجمع (قد كفى الناس شره) أي وقاهم شره قال القسطلاني الشعاب بكسر الشين المعجمة وهو ما انفرج بين الجبلين وليس بقيد بل على سبيل المثال والغالب على الشعاب الخلو عن الناس فلذا مثل بها للعزلة وفيه فضل العزلة لما فيها من السلامة من الغيبة واللغو ونحوهما وهو مقيد بوقوع الفتنة أما عند عدم الفتنة فمذهب الجمهور أن الاختلاط أفضل لحديث الترمذي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 87 في النهي عن السياحة أبي من ساح في الأرض يسيح إذا ذهب فيها والمراد مفارقة الأمصار وسكنى البراري وترك الجمعة والجماعات (إن سياحة أمتي الخ) قال في السراج المنير كأن هذا السائل استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب في الأرض قهرا لنفسه بمفارقة المألوفات والمباحات واللذات وترك الجمعة والجماعات وتعليم العلم ونحوه فرد عليه ذلك كما رد على عثمان بن مظعون التبتل انتهى قال المنذري القاسم هذا تكلم فيه غير واحد
[ 119 ]
88 في فضل القفل في الغزو القفل الرجوع (عن ابن شفى) بضم المعجمة وفتح الفاء اسمه حسين (قفلة) هي المرة من القفول وهو الرجوع من سفر (كغزوة) يعني أن أجر الغازي في انصرافه كأجره في ذهابه لأن في قفوله إراحة للنفس واستعدادا بالقوة للعدو وحفظا لأهله برجوعه إليهم كذا في السراج المنير قلت وهذا هو الظاهر في معنى الحديث وذكروا فيه وجوها أخر والحديث سكت عنه المنذري فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم (عن فرج) بفتح الفاء والراء وبالجيم (عن عبدالخبير بن ثابت بن قيس) ثابت بن قيس جد عبدالخبير لا أبوه قال الحافظ في التقريب عبدالخبير بن قيس بن ثابت بن قيس بن شماس ووقع عند أبي داود منسوبا إلى جده انتهى (وهي متنقبة) أي مختمرة وهو من باب التفعل وفي بعض النسخ من باب الافتعال (إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي) بتقديم المهملة على بناء المفعول اخره همزة من الرزء وهي المصيبة بفقد الأعزة أي إن أصبت بابني وفقدته فلم أصب بحيائي (كذا في فتح الودود قال المنذري كذا قال وجد عبدالخبير هو ثابت بن
[ 120 ]
قيس لا قيس بن شماس قال البخاري عبدالخبير عن أبيه عن جده ثابت بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه فرج بن فضالة حديثه ليس بالقائم منكر الحديث وقال ابن عدي وعبد الخبير ما ليس بالمعروف باب في ركوب البحر في الغزو (قال إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله) فيه رد على من قال إن البحر عذر لترك الحج والصواب ما قاله الفقيه أبو الليث السمرقندي من أنه إذا كان الغالب السلامة ففرض عليه يعني وإلا فهو مخير كذا في المرقاة وقال الخطابي في هذا دليل على أن من لم يجد طريقا إلى الحج غير البحر فإن عليه أن يركبه وقال غير واحد من الفقهاء إن عليه ركوب البحر في الحج إذا لم يكن له طريق غيره وقال الشافعي لا يبين لي أن ذلك يلزمه وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث انتهى (فإن تحت البحر الخ) قيل هو على ظاهره فإن الله على كل شئ قدير وقال الخطابي تأويله تفخيم أمر البحر وتهويل شأنه وذلك أن الآفة تسرع إلى راكبه ولا يؤمن الهلاك عليه في كل وقت كما لا يؤمن الهلاك في ملابسة النار ومداخلتها والدنو منها انتهى قال المنذري في هذا الحديث اضطراب روي عن بشير هكذا وروى عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو وروى عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو وقيل غير ذلك وقال أبو داود رواته مجهولون وذكره البخاري في تاريخه وذكر له هذا الحديث وذكر اضطرابه وقال لم يصح حديثه وقال الخطابي وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث
[ 121 ]
91 فضل الغزو في البحر (أم حرام) بفتح الحاء والراء المهملتين هي خالة أنس بن مالك رضي الله عنه (بنت ملحان) بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة (أخت أم سليم) صفة ثانية لأم حرام (قال) من القيلولة أي نام واستراح في وسط النهار (وهو يضحك) أي فرحا وسرورا لكون أمته تبقى بعده متظاهرة أمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر والجملة الحالية (ممن يركب ظهر هذا البحر) أي يركب السفن التي تجري على ظهره (كالملوك على الأسرة) جمع سرير قال النووي قيل هو صفة لهم في الآخرة إذا دخلوا الجنة والأصح أنه صفة لهم في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم (أنت من الأولين) قال النووي هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنه عرض فيه غير الأولين (فصرعتها) أي أسقطتها (فاندقت) أي انكسرت (فماتت) في الطريق لما رجعوا من غزوهم بغير مباشرة للقتال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد رواه مسلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 122 ]
(إلى قباء) بضم قاف وخفة موحدة مع مد وقصر موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة مصروف على الصحيح (تفلي رأسه) بفتح الفوقية وسكون الفاء وكسر اللام من باب ضرب يضرب أي تفتش رأسه لتستخرج قمله قال النووي اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره كانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وقال اخرون بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار (بقبرس) بضم القاف والراء وسكون الموحدة بينهما قال في القاموس جزيرة عظيمة للروم بها توفيت أم حرام بنت ملحان انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (الرميصاء) بضم الراء وفتح الميم وسكون التحتية بدل من أخت أم سليم والرميصاء هذه هي أم حرام بنت ملحان والرمص اجتماع القذي في مؤخر العين وفي هدبها وقيل استرخاؤها وانكسار الجفن وكذلك الغمص بالغين المعجمة (قال أبو داود والرميصاء أخت أم سليم من الرضاعة) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ واعلم أن أم حرام وأم سليم شقيقتان فقال الحافظ في التقريب أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية خالة أنس صحابية مشهورة وقال أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك اشتهرت بكنيتها وكانت من الصحابيات الفاضلات ثم اعلم أنه يقال لأم حرام الرميصاء ولأم سليم الغميصاء فقال الحافظ في فتح الباري أم حرام هي خاله أنس وكان يقال لها الرميصاء ولأم سليم الغميصاء بالغين المعجمة
[ 123 ]
والباقي مثله قال عياض وقيل بالعكس وقال ابن عبد البر الغميصاء والرميصاء هي أم سليم ويرده ما أخرج أبو داود بسند صحيح عن عطاء بن يسار عن الرميصاء أخت أم سليم فذكر نحو حديث الباب انتهى كلام الحافظ وإذا عرفت هذا ظهر لك أن قول أبي داود الرميصاء أخت أم سليم من الرضاعة ليس بصحيح والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري وهو طرف من الحديث المتقدم (الجوبري) بجيم وموحدة بوزن جعفر كذا في التقريب (المائد في البحر) أي الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج من الميد وهو التحرك والاضطراب (والغرق) قال في النهاية هو بكسر الراء الذي يموت بالغرق وقيل هو الذي غلبه الماء ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق ورده في المشارق وقال الغرق والغريق كلاهما واحد والله أعلم كذا في مرقاة الصعود قال المنذري في إسناده هلال بن ميمون الرملي قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوي يكتب حديثه (ثلاثة كلهم ضامن على الله) قال الخطابي معناه مضمون على الله فاعل بمعنى مفعول كقوله سبحانه في عيشة راضية أي مرضية وقوله كلهم يريد كل أن واحد منهم وأنشدني أبو عمر عن أبي العباس في كل بمعنى كل واحد فكلهم لا بارك الله فيهم إذا جاء ألقى خده يتسمعا على (خرج غازيا) أي حال كونه مريدا للغزو (ورجل راح) أي مشى (ورجل دخل بيته
[ 124 ]
بسلام) قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما أن يسلم إذا دخل منزله كقوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم الآية والوجه اخر أن يكون أراد بدخول بيته بسلام لزوم البيت من الفتن يرغب بذلك في العزلة ويأمر في اقلال من المخالطة انتهى قال المنذري وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي 92 في فضل من قتل كافرا (لا يجتمع في النار إلخ) قال النووي قال القاضي يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافرا في الجهاد فيكون ذلك مكفرا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها أو يكون بنية مخصوصة أو حال مخصوصة ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير الناس كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولا ولا يدخل النار أو يكون إن عوقب بها في غير موضع عقاب الكفار ولا يجتمعان في إدراكها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والله أعلم 93 في حرمة نساء المجاهدين على القاعدين (على القاعدين) أي من الجهاد في بيوتهم (كحرمة أمهاتهم) قال النووي هذا في شيئين أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك والثاني في برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل بها إلى ريبة (يخلف رجلا) بضم اللام أي يصير خليفة له وينوبه (في أهله) أي في إصلاح حال عيال ذلك الرجل المجاهد وقضاء حاجاتهم والمراد ثم يخونه كما في رواية مسلم (إلا نصب)
[ 125 ]
بصيغة المجهول أي وقف الخائن (له) أي للرجل ولأجل ما فعل من سوء الخلافة للغازي (فقال وما ظنكم) أي ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام أي لا يبقى منها شئ إن أمكنه والله أعلم ذكره النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب في السرية تخفق الله من اخفاق وهوأن يغزو فلا يغنم شيئا قال أهل اللغة اخفاق أن يغزوا فلا يغنموا شيئا وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل فقد أخفق ومنه أخفق الصائد إذا لم يقع له صيد والسرية قطعة من الجيش تبعث للجهاد (ما من غازية) أي جماعة غازية (إلا تعجلوا ثلثي أجرهم) بضم اللام ويسكن أي استوفوا ثلثي أجرهم في الدنيا (من اخرة) أي من أجرها (تم لهم أجرهم) أي أجرهم باق بكماله لم يستوفوا منه شيئا فيوفر عليهم بتمامه في اخرة قال النووي معناه أن الغزاة إذا سلموا وغنموا يكون أجرهم أقل من أجر من سلم ولم يغنم وأما الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وأطال النووي الكلام في هذا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 126 ]
95 في تضعيف الذكر الخ (عن زبان) بفتح الزاي وتشديد الموحدة (والذكر) أي من تلاوة وتسبيح وتكبير وتهليل وتحميد قال العلقمي كل ذلك في أيام الجهاد (يضاعف على النفقة في سبيل الله) أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله قاله العزيزي (بسبع مائة ضعف) قال المناوي أي إلى سبع مائة ضعف على حسب ما اقترن به من اخلاص في النية والخشوع وغير ذلك انتهقال المنذري في إسناده زبان بن فائد وسهل بن معاذ وهما ضعيفان وأبوه معاذ بن أنس له صحبة كان بمصر وبالشام وله ذكر في أهل مصر وأهل الشام
[ 127 ]
96 فيمن مات غازيا (عن ابن ثوبان) هو عبد الرحمن بن ثابت (يرد إلى مكحول إلى عبد الرحمن بن غنم) أي يبلغ ثوبان الحديث إلى مكحول وهو يبلغه إلى عبد الرحمن بن غنم (من فصل) أي خرج من منزله ومنه قوله تعالى فلما فصل طالوت بالجنود (في سبيل الله) أي للجهاد ونحوه (أو وقصه) أي صرعه فدق عنقه (أو لدغته) بالدال المهملة والغين المعجمة أي لسعته (هامة) بتشديد الميم قال الخطابي هي إحدى الهوام وهي ذوات السموم من القاتلة كالحية والعقرب ونحوهما (أو بأي حتي ف) بفتح وسكون أي أي نوع من الهلاك قال المنذري في إسناده بقية ابن الوليد وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهما ضعيفان في فضل الرباط قال أي ارتباط الخيل في الثغر والمقام فيه (عن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة (كل
[ 128 ]
الميت يختم على عمله) المراد به طي صحيفته وأن لا يكتب له بعد موته عمل وفي رواية الترمذي كل ميت بغير اللام وهو الصواب من جهة اللفظ لأن كلمة كل إذا أضيفت إلى نكرة فهي لاستغراق إفرادها كقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت وإذا أضيفت إلى مفرد معرفة فمقتضاها استغراق إجزائه قاله الشيخ ولي الدين العراقي (إلا المرابط) هو الملازم للثغر للجهاد قال بعض الأئمة أصل المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معد لصاحبه فسمي المقام في الثغور رباطا (ينمو) أي يزيد (إلى يوم القيامة) يعني أن ثوابه يجري له دائما ولا ينقطع بموته (ويؤمن) بضم ففتح فتشديد (من فتان القبر) بفتح الفاء وتشديد الفوقية للمبالغة من الفتنة وقيل بضم فتشديد جمع فاتن قاله في فتح الودود وقال العزيزي أي فتانيه وهما منكر ونكير قال العلقمي يحتمل أن يكون المراد أن الملكين لا يجيئان إليه ولا يختبرانه بل يكفي موته مرابطا في سبيل الله شاهدا على صحة إيمانه ويحتمل أنهما يجيئان إليه لكن لا يضرانه ولا يحصل بسبب مجيئهما فتنة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح 98 في فضل الحرس إلخ الحرس بالفتح والحراسة بالكسر نكاهباني من كردن (أخبرنا معاوية يعني ابن سلام) بتشديد اللام (عن زيد) هو أخو معاوية المذكور (سمع أبا سلام) اسمه ممطور وهو جد معاوية وزيد المذكورين (سهل بن الحنظلية) صحابي أنصاري والحنظلية أمه واختلف في اسم أبيه قاله الحافظ (فأطنبوا السير) أي بالغوا فيه وتبع بعض الإبل بعضا قال الجوهري أطنب في الكلام بالغ فيه وأطنبت الإبل إذا تبع بعضهم بعضا في السير انتهى (عشية بالنصب) على أنه خبر كان واسمها محذوف أي كان الوقت عشية كذا ضبطناه في أصلنا كذا في مرقاة الصعود (فارس)
[ 129 ]
أي راكب الفرس (طلعت جبل كذا) أي علوته (فإذا أنا بهوازن) قبيلة (على بكرة ابائهم) بفتح الموحدة وسكون الكاف أي أنهم جاؤوا جميعا لم يتخلف أحد منهم قال الخطابي وابن الأثير كلمة للعرب يريدون بها الكثرة والوفور في العدد وأنهم جاؤوا لم يتخلف منهم أحد وليس هناك بكرة في الحقيقة وهي التي يستقى عليها الماء كذا في مرقاة الصعود وقال في المجمع على بمعنى مع وهو مثل وأصله أن جمعا عرض لهم انزعاج فارتحلوا جميعا حتى أخذوا بكرة أبيهم (بظعنهم) الظعن النساء واحدتها ظعينة (ونعمهم) النعم بفتحتين وقد يسكن عينه ابل والشاء أو خاص بالإبل (وشائهم) جمع شاة (هذا الشعب) بكسر أوله وسكون المعجمة ما انفرج بين الجبلين (ولا تغرن) بصيغة المتكلم مع الغير على البناء للمفعول عن الغرور في اخره نون ثقيلة أي لا يجيئنا العدو من قبلك على غفلة كذا في فتح الودود وفي بعض النسخ لا يغرن والظاهر هو الأول (هل أحسستم) من احساس وهو العلم بالحواس وهي المشاعر الخمس الظاهرة (فثوب بالصلاة) أي أقيمت (يتلفت) من باب التفعل أي يلتفت وفي بعض النسخ من باب الافتعال (أو قاضيا حاجة) أي من بول وغائط (قد
[ 130 ]
أوجبت) أي عملت عملا يوجب لك الجنة (فلا عليك الخ) أي لا ضرر ولا جناح عليك في ترك العمل بعد هذه الحراسة لأنها تكفيك لدخول الجنة قال المنذري أخرجه النسائي والله أعلم 99 كراهية ترك الغزو (عن سمي) بالتصغير (ولم يحدث نفسه) بالنصب على أنه مفعول به أو بنزع الخافض أي في نفسه وبالرفع على أنه فاعل (على شعبة من نفاق) أي على نوع من أنواعه وفي رواية مسلم في اخر الحديث قال عبد الله بن المبارك فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل وقد قال غيره إنه عام والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فمن ترك الجهاد أحد شعب النفاق انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وفي مسلم قال عبد الله بن المبارك فنرى شأن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجرجسي) بجيمين مضمومتين بينهما راء ساكنة ثم مهملة (أصابه الله بقارعة) أي بداهية مهلكة قرعه أمر إذا أتاه فجأة وجمعها قوارع كذا في المجمع قال المنذري وأخرجه ابن ماجه والقاسم فيه مقال
[ 131 ]
(جاهدوا المشركين إلخ) قال في السبل الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعاؤهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه النسائي 100 في نسخ نفير العامة بالخاصة النفير بفتح النون وكسر الفاء الخروج إلى قتال الكفار وأصل النفير مفارقة مكان إلى مكان لأمر حرك ذلك (إلا) بإدغام نون إن الشرطية في لا (تنفروا) تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد وهذه الآية في سورة التوبة (ما كان لأهل المدينة) وبعده ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله إذا غزا وهذه الآية أيضا في سورة التوبة في اخرها (نسختها) أي الآية وما كان لأهل المدينة إلخ مع الآية إلا تنفروا إلخ وكان الظاهر أن يقول نسختها (الآية التي تليها) الضمير المنصوب راجع إلى وما كان لأهل المدينة الآية (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) أي ليخرجوا إلى الغزو جميعا وبعده (فلولا) أي فهلا (نفر) أي خرج (من كل فرقة) أي قبيلة (طائفة) جماعة ومكث الباقون (ليتفقهوا) أي الماكثون (في الدين) الآية وقال في معالم التنزيل اختلفوا في حكم هذه الآية يعني وما كان لأهل المدينة الآية قال قتادة هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه فلم يكن لأحد أن يتخلف عنه إلا لعذر فأما غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلف عنه إذا لم يكن للمسلمين إليه ضرورة وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعيد بن
[ 132 ]
عبد العزيز يقولون في هذه الآية إنها لأول هذه الأمة واخرها وقال ابن زيد هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلف لمن شاء فقال وما كان المؤمنون لينفروا كافة انتهى وقال الطبري يجوز أن يكون (ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) خاصا والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع قال الحافظ والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة والحديث سكت عنه المنذري (فأمسك) بصيغة المجهول (وكان) أي إمساك المطر (عذابهم) بالنصب خبر كان والحديث سكت عنه المنذري 101 الرخصة في القعود من العذر (فغشيته) أي سترته وغطته (السكينة) يريد ما عرض له من السكون عند نزول الوحي قاله في المجمع (أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان ثقل فخذه الشريفة من ثقل الوحي (ثم سري) أي كشف وأزيل ما نزل به من برحاء الوحي (فلما قضي) أي ابن مكتوم (الآية كلها) أي
[ 133 ]
قرأ الآية كلها (فأنزلها) أي غير أولي الضرر (فألحقتها) أي كتبتها في موضعها (إلى ملحقها) بضم الميم أو فتحها أي موضع الحاق أو اللحوق (عند صدع) أي شق وكأن الكتف كان فيه شق قاله في فتح الودود قال القسطلاني إن استثناء أولي الضرر يفهم التسوية بين القاعدين للعذر وبين المجاهدين إذا الحكم المتقدم عدم الاستواء فيلزم ثبوت الاستواء لمن استثنى ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد تكلم فيه غير واحدة ووثقه الإمام مالك وقد استشهد به البخاري وقد أشار مسلم إلى حديث زيد بن ثابت هذا والمتابعة وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب بنحوه (إلا وهم معكم فيه) أي في ثوابه (حبسهم العذر) أي منعهم عن الخروج قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله بنحوه 102 ما يجزئ من الغزو (من جهز غازيا) أي هيأ له أسباب سفره وما يحتاج إليه مما لا بد منه (فقد غزا) أي حكما
[ 134 ]
وحصل له ثواب الغزاة (ومن خلفه في أهله) قال القاضي يقال خلفه في أهله إذا قام مقامه في إصلاح حالهم ومحافظة أمرهم أي من تولى أمر الغازي وناب منابه في مراعاة أهله زمان غيبته شاركه في الثواب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (بعث) أي جيشا (إلى بني لحيان) بكسر اللام (كان له مثل نصف أجر الخارج) فإن قلت الحديث المتقدم يدل على أن لمن خلف الغازي في أهله مثل أجره فما التوفيق بين الحديثين قلت قال القرطبي لفظة نصف يحتمل أن تكون مقحمة من بعض الرواة وقال الحافظ لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم 103 في الجرأة والجبن في (شح هالع) قال الخطابي أصل الهلع الجزع والهالع بن ههنا ذو الهلع ويقال إن الشح أشد من البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع انتهى وقال في المجمع الهلع أشد الجزع والضجر (وجبن خالع) أي شديد كأنه يخلع فؤاده
[ 135 ]
من شدة خوفه والمراد به ما يعرض من نوازع الأفكار وضعف القلب عند الخوف كذا في المجمع وقوله شر ما في رجل مبتدأ وخبره قوله شح هالع قال المنذري قال محمد بن طاهر وهو إسناد متصل وقد احتج مسلم بموسى بن علي عن أبيه عن جماعة من الصحابة 104 باب في قوله عزوجل ولا تلقوا بأيديكم أي أنفسكم والباء زائدة إلى التهلكة أي الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم كذا في الجلالين (غزونا) أي خرجنا بقصد الغزو (نريد القسطنطينية) في القاموس قسطنطينة أو قسطنطينية بزيادة ياء مشددة وقد يضم الطاء الأولى منها دار ملك الروم (وعلى الجماعة) أي أميرهم هذا لفظ المؤلف وعند الترمذي وعلى أهل مصر عقبة بن عامة وعلى الجماعة فضالة بن عبيد (والروم ملصقو ظهورهم بحائط) أي بجدار (المدينة) أي القسطنطينية والمعنى أن أهل الروم كانوا مستعدين للقتال ومنتظرين هذه لخروج المسلمين ملصقين ظهورهم بجدار البلدة (مه مه) أي اكفف (معشر الأنصار) بالنصب على الاختصاص (هلم) أي تعال مركبة من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك إلينا يستوي فيه الواحد والجمع والتذكير والتأنيث عند الحجازيين (وندع الجهاد) بفتح النون والدال أي نتركه وفي الحديث أن المراد بالإلقاء إلى التهلكة هو الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد وقيل هو
[ 136 ]
البخل وترك الإنفاق في الجهاد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وفي حديث الترمذي فضالة بن عبيد بدل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد انتهى كلام المنذري 105 في الرمي (بالسهم الواحد) أي بسبب رميه على الكفار قال في المصباح السهم واحد من النبل وقيل السهم نفس النصل وقال النبل السهام العربية وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها بل الواحد سهم فهي مفردة اللفظ مجموعه المعنى (ثلاثة نفر الجنة) بالنصب فيهما على المفعولية (صانعه) بدل بعض من ثلاثة (يحتسب في صنعته الخير) أي حال كونه يطلب في صنعة السهم الثواب من الله تعالى (والرامي به) أي كذلك محتسبا وكذا قوله (ومنبله) بتشديد الموحدة ويخفف أي مناول النبل ففي النهاية نبلت الرجل بالتشديد إذا ناولته النبل ليرمي به وكذلك أنبلته سنة قال الخطابي وقد يكون ذلك على وجهين أحدهما أن يقوم مع الرامي بجنبه أو خلفه ومعه عدد من النبل فيناوله واحدا بعد واحد والوجه الآخر أن يرد عليه النبل المرمي به (ليس من اللهو إلا ثلاث) قال الخطابي يريد ليس المباح من اللهو إلا ثلاث قال في مرقاة الصعود وعلى هذا ففيه حذف اسم ليبس ولم يجزه النحاة ولا حذف خبرها والاقتصار على الاسم وقد روى الترمذي هذا الحديث بلفظ كل شئ يلهو به الرجل فهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق وهذه الرواية لا إشكال فيها وبها يعرف أن الأول من تصرف الرواة وقال ابن معن في التنقيب في شرح اللفظ الأول يعني ليس من اللهو المستحب انتهى (تأديب الرجل فرسه) أي تعليمه إياه بالركض والجولان على نية الغزو
[ 137 ]
(رغبة عنه) أي إعراضا عنه (أو قال كفرها) شك من الراوي أي ستر تلك النعمة أو ما قام يشكرها من الكفران ضد الشكر قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة عن مرثد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من علم الرمي ثم تركه فليس منا وقد عصى (ما استطعتم من قوة) قال الطيبي ما موصولة والعائد محذوف ومن قوة بيان له فالمراد هنا نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلى أن هذه العدة لا تستتب بدون المعالجة والإدمان الطويل وليس شئ من عدة الحرب وأداتها أحوج إلى المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي بها ولذلك كرر صلوات الله وسلامه عليه تفسير القوة بالرمي بقوله (ألا) للتنبيه (إن القوة الرمي) أي هو العمدة قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه 106 فيمن يغزو ويلتمس الدنيا (الغزو غزوان) أي نوعان (ابتغى وجه الله) أي طلب رضاه (وأنفق الكريمة) أي النفيسة الجيدة من كل شئ قاله في المجمع وقال القاري أي المختارة من ماله وقتل نفسه والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية (وياسر الشريك) من المياسرة بمعنى المساهلة أي ساهل
[ 138 ]
الرفيق وعامله باليسر (ونبهه) بفتح النون أي انتباهه (كله) ضبط بالرفع والنصب فالرفع على أنه مبتدأ خبره مقدم عليه والجملة خبر إن أي كل ما ذكر أجر مبالغة كرجل عدل والنصب على أنه تأكيد لاسم إن أتي به بعد الخبر قال القاري وفي جوازه محل نظر وقال الطيبي التقدير أعني كله فيكون جملة مؤكدة (فإنه لم يرجع بالكفاف) أي لم يرجع لا عليه ولا له من ثواب تلك الغزوة وعقابها بل يرجع وقد لزمه اثم لأن الطاعات إذا لم تقع بصلاح سريرة انقلبت معاصي والعاصي آثم قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال (عن ابن مكرز) قيل هو أيوب بن عبد الله بن مكرز بكسر الميم والصحيح يزيد بن مكرز كما قاله أحمد بن حنبل ذكره في الخلاصة (وهو يبتغي) أي يطلب والواو للحال (عرضا من عرض الدنيا) بفتح المهملة والراء أي متاعها وحطامها (فأعظم) أي استعظم (ذلك) أي قوله صلى الله عليه وسلم لا أجر له (عد) أمر من العود (فلعلك لم تفهمه) من باب التفعيل في القاموس استفهمني قبل فأفهمته يحيى وفهمته والضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد عد سؤالك فلعله صلى الله عليه وسلم لم يفهمه والله تعالى أعلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 139 ]
باب من قاتل الخ (إن الرجل يقاتل للذكر) أي ليذكر بين الناس (ليحمد) بصيغة المجهول أي ليوصف الرحمن بالشجاعة (ليرى) بصيغة المعلوم من الإراءة والضمير للرجل (مكانه) بالنصب على المفعولية أي مرتبته في الشجاعة (كلمة الله) أي كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله (فهو في سبيل الله) أي لا غير قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن حنان بن خارجة) بفتح الحاء المهملة وتخفيف النون (صابرا محتسبا) أي طالبا أجرك من الله تعالى وقال القاري أي خالصا لله تعالى وهما حالان مترادفان أو متداخلان (بعثك الله صابرا محتسبا) أي متصفا بهذين الوصفين (وإن قاتلت مرائيا مكاثرا) قال الطيبي التكاثر التباري في الكئرة وكان والتباهي بها وقال ابن الملك قوله مكاثرا أي مفاخرا وقيل هو أن يقول الرجل لغيره أنا أكثر منك مالا وعددا أي غزوت ليقال إنك أكثر جيشا وأشجع أن ينادى عليك يوم القيامة من هذا غزا وفخرا ورياء لا محتسبا كذا في المرقاة والحديث سكت عنه المنذري
[ 140 ]
108 في فضل الشهادة (لما أصيب إخوانكم) أي من سعادة الشهادة (في جوف طير خضر) أي في أجواف طيور خضر (ترد) من الورود (وتأوي) أي ترجع (إلى قناديل من ذهب معلقة) أي بمنزلة أو كار الطيور (فلما وجدوا) أي الشهداء (طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم) بفتح فكسر أي مأواهم ومستقرهم والثلاثة مصادر ميمية ولا يبعد أن يراد بها المكان والزمان وأصل المقيل المكان الذي يؤوى إليه للاستراحة وقت الظهيرة والنوم فيه (قالوا) جواب لما (من يبلغ) من التبليغ أو الابلاغ ضبط بالوجهين أي من يوصل (إخواننا) أي الذين في الدنيا من المسلمين (عنا) أي عن قبلنا (لئلا يزهدوا) أي إخواننا بل ليرغبوا (ولا ينكلوا) بالنون وضم الكاف أي لا يجبنوا وقد أطال الكلام فيه القرطبي في التذكرة قال المنذري وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري
[ 141 ]
في صحيحه وذكر الدارقطني أن عبد الله بن إدريس تفرد به عن محمد بن إسحاق وغيره يرويه عن ابن إسحاق لا يذكر فيه سعيد ابن جبير وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود (الصريمية) بفتح الصاد وكسر الراء (حدثنا عمي) هو أسلم بن سليم قاله الحافظ (والمولود) قال الخطابي هو الطفل الصغير والسقط ومن لم يدرك الحنث (والوئيد) هو الموؤد روى أي المدفون في الأرض حيا وكانو يئدون البنات ومنهم من كان يئد البنين أيضا عند المجاعة والضيق يصيبهم قاله الخطابي قال المنذري عم حسناء هو أسلم بي سليم وهم ثلاثة إخوة الحارث بن سليم ومعاوية بن سليم وأسلم بن سليم رضي الله عنهم 109 في الشهيد يشفع ولم (الذماري) بكسر معجمة عند أكثر المحدثين وفتحها عند بعضهم وخفة ميم نسبة إلى قرية باليمن وقيل هي صنعاء كذا في المغني (ونحن أيتام) جمع يتيم (يشفع) بصيغة
[ 142 ]
المجهول من التشفي أي يقبل شفاعته (في سبعين) أي إنسانا (من أهل بيته) أي من أصوله وفروعه وزوجاته وغيرهم قال المناوي والظاهر أن المراد بالسبعين الكثرة لا التحديد (صوابه رباح بن الوليد) أي لا الوليد بن رباح قال الحافظ في التقريب رباح بن الوليد بن يزيد بن نمران وقلبه بعضهم فقال الوليد بن يزيد بن رباح انتهى والحديث سكت المنذري 110 في النور يرى بصيغة المجهول (عند قبر الشهيد) أي لبعض الشهيد دون بعض وكانت شهادته بأي وجه من وجوه الشهادة (لا يزال يرى) بصيغة المجهول (على قبره) أي قبر النجاشي قال في فتح الودود ولعل النجاشي مات بوجه من وجوه الشهادة انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن عبد الله بن ربيعة) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر التحتانية المشددة هو ابن فرقد السلمي ذكر في الصحابة ونفاها أبو حاتم ووثقه ابن حبان (اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين)
[ 143 ]
أي جعل بينهما أخوة (فقتل) بصيغة المجهول (وألحقه بصاحبه) أي المقتول (فأين صلاته) أي الآخر (بعد صلاته) أي المقتول قال في المجمع فإن قيل كيف يفضل زيادة عمله بلا شهادة على عمله معها قلت قد عرف صلى الله عليه وسلم أن عمله بلا شهادة ساوى عمله معها بمزيد إخلاصه وخشوعه ثم زاد عليه بما عمله بعده وكم من شهيد لم يدرك درجة الصديق انتهى (إن بينهما) أي بين الذي قتل وبين الذي مات بعده والحديث يطابق ترجمة الباب من حيث أن رؤية النور عند كل شهيد ليس بلازم ولا يخلو هذا من التعسف والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي 11 في الجعائل في الغزو جمع جعل بالضم وهو ما يجعل للعامل على عمله من الأجر (وأنا لحديثه) أي لحديث محمد بن حرب (أتقن) أي أضبط وأحفظ (سليمان بن سليم) بالتصغير (ستكون) أي توجد وتقع (جنود) جمع جند أي أعوان وأنصار (مجندة) بتشديد النون المفتوحة أي مجتمعة وفي النهاية أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة وفي نسخة الخطابي ستكونون جنودا مجندة (يقطع) بصيغة المجهول أي يعين ويقدر (فيها) أي في تلك الجنود (بعوثا) كذا في بعض النسخ ولا يظهر له وجه وفي بعضها بعوث بالرفع وهو الصواب وهو جمع بعث بمعنى الجيش يعني يلزمون أن يخرجوا بعوثا تنبعث من كل قوم إلى الجهاد قال المظهر يعني إذا بلغ الإسلام في كل ناحية يحتاج الإمام إلى أن يرسل في كل ناحية جيشا ليحارب من يلي
[ 144 ]
تلك الناحية الكفار كيلا يغلب كفار تلك الناحية على من في تلك الناحية من المسلمين (البعث) أي الخروج إلى الغزو بلا أجرة (فيتخلص من قومه) أي يخرج من بين قومه ويفر طلبا للخلاص من الغزو (ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم) أي يتفحص عنها ويتساءل فيها والمعنى أنه بعد أن فارق هذا الكسلان قومه كراهية الغزو يتتبع القبائل طالبا منهم أن يشرطوا له شيئا ويعطوه (من أكفه) كذا في بعض النسخ بحذف الياء ولا وجه له وفي بعضها أكفيه بالياء وهو الصواب والمعنى من يأخذني أجيرا أكفيه جيش كذا ويكفيني هو مؤنتي (ألا) للتنبيه (وذلك) مبتدأ (الأجير) خبره وتعريف الخبر للحصر أي ذلك الرجل الذي كره البعث تطوعا أجير وليس بغاز فلا أجر له (إلى آخر قطرة من دمه) أي إلى القتل يعني أنه وإن قتل فهو أجير ليس غازيا قال التوربشتي أراد بقوله هذا من حضر القتال رغبة فيما عقد له من المال لا رغبة في الجهاد ولهذا سماه أجيرا قال الخطابي فيه دليل على أن عقد الإجارة على الجهاد غير جائز وقد اختلف الناس في الأجير يحضر الوقعة هل يسهم له فقال الأوزاعي المستأجر على خدمة القوم لا سهم له وكذلك قال إسحاق بن راهوية قال سفيان الثوري يسهم له إذا غزا وقاتل وقال مالك وأحمد بن حنبل يسهم له إذا شهد وكان مع الناس عند القتال انتهى والحديث سكت عنه المنذري 112 الرخصة في أخد الجعائل أهل (عن الليث) حجاج بن محمد وابن وهب كلاهما يرويان عن الليث بن سعد (عن ابن شفي) بالفاء مصغرا (للغازي أجره) أي الذي جعله الله له على غزوه (وللجاعل) قال المناوي أي المجهز الغازي تطوعا لا استئجارا لعدم جوازه (أجره) أي ثواب ما بذل من المال (وأجر
[ 145 ]
الغازي) أي مثل أجرة لاعانته على القتال كذا في السراج المنير وقال ابن الملك الجاعل من يدفع جعلا أي أجره إلى غاز ليغزو وهذا عندنا صحيح فيكون للغازي أجر سعيه وللجاعل أجران أجر إعطاء المال في سبيل الله وأجر كونه سببا لغزو ذلك الغازي ومنعه الشافعي وأوجب رده إن أخذه ذكره القاري والحديث سكت عنه المنذري
[ 146 ]
113 في الرجل يغزو بأجر الخدمة (السيباني) بفتح السين المهملة والموحدة وبينهما تحتانية وسيبان بطن من حمير كذا في الخلاصة (أن يعلى ابن منية) بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة وهي أمه وفي بعض النسخ يعلى بن أمية وهو أبوه (أذن) ضبط بتشديد الذال المعجمة من التأذين وقال القاري بالمد أي أعلم أو نادى (بالغزو) أي بالخروج للغزو (فالتمست) أي طلبت (وأجري) من اجراء أي أمضي (له سهمه) أي كسائر الغزاة (فلما دنا) أي قرب (أتاني) أي الرجل (ما) استفهامية مبتدأ (السهمان) بالضم جمع سهم خبر المبتدأ (فسم) أمر من التسمية أي عين (فلما حضرت غنيمته) وفي بعض النسخ غنيمة بغير الضمير (أمره) أي أمر الرجل في شرح السنة اختلفوا في الأجير للعمل وحفظ الدواب يحضر الواقعة هل يسهم له فقيل لا سهم له قاتل أو لم يقاتل إنما له أجرة عمله وهو قول الأوزاعي وإسحاق وأحد قولي الشافعي وقال مالك وأحمد يسهم له وإن لم يقاتل إذا كان مع الناس عند القتال وقيل يخير بين الأجرة والسهم انتهى والحديث سكت عنه المنذري 114 الرجل يغزو وأبواه كارهان حديث (جئت أبايعك على الهجرة إلخ) قال الخطابي إن كان الخارج فيه متطوعا فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين فأما إذا تعين عليه فرض الجهاد فلا حاجة إلى إذنهما هذا إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين يخرج بدون إذنهما فرضا كان الجهاد أو تطوعا انتهى محصلا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (ففيهما) أي في خدمتهما قال الطيبي فيهما متعلق بالأمر قدم للاختصاص قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (أن دراجا) بتثقيل الراء واخره جيم (أبا السمح) بمهملتين الأولى مفتوحة والميم ساكنة (وإلا فبرهما) أي أطعهما واخدمهما عند قال المنذري في زإسناده دراج أبو السمح المصري وهو ضعيف
[ 147 ]
115 في النساء يغزون لأنه (يغزو) أي يسافر للغزو (بأم سليم) أي مصاح بها (ليسقين الماء) أي للغزاة (ويداوين الجرحى) جمع جريح أي المجروحين منهم قال النووي هذه المداواة لمحارمهن وأزواجهن وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مس بشرة إلا في موضع الحاجة انتهى قال الخطابي في هذا الحديث دلالة على جواز الخروج بهن في الغزو لنوع من الرفق والخدمة قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي 116 في الغزو مع أئمة الجور أخبرنا (أخبرنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف صدوق يهم في حديث الزهري كذا في التقريب (عن يزيد بن أبي نشبة) بضم النون وسكون المعجمة مجهول من الخامسة قاله في التقريب (ثلاث) أي ثلاث خصال (من أصل ايمان) أي من أساسه وقاعدته (الكف عمن قال لاإله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله فمن قالها وجب الامتناع عن التعرض بنفسه وماله (ولا تكفره) بالتاء فهي وفي بعض النسخ بالنون فهو نفي والتكفير والإكفار نسبة أحد إلى الكفر (ولا تخرجه) بالوجهين (بعمل) أي ولو كبيرة سوى الكفر خلافا للمعتزلة في إخراج صاحب الكبير إلى منزلة بين المنزلتين (والجهاد ماض) أي والخصلة الثانية كون الجهاد ماضيا ونافذا وجاربا يا ومستمرا الر (منذ بعثني الله) أي من ابتداء زمان بعثني الله
[ 148 ]
(إلى أن يقاتل اخر أمتي) يعني عيسى أو المهدي (الدجال) مفعول وبعد قتل الدجال لا يكون الجهاد باقيا أما على يأجوج ومأجوج فلعدم القدرة عليهم وعند ذلك لا وجوب عليهم بنص اية الأنفال وأما بعد إهلاك الله إياهم لا يبقى على وجه الأرض كافر ما دام عيسى عليه الصلاة والسلام حيا في الأرض وأما على من كفر من المسلمين بعد عيسى عليه الصلاة والسلام فلموت لو المسلمين كلهم عن قريب بريح طيبة وبقاء الكفار إلى قيام الساعة قاله القاري لا يبطله إلخ بضم أوله والمعنى لا يسقط الجهاد كون الإمام ظالما أو عادلا وهو صفة ماض أو خبر بعد خبر (وا يمان بالأقدار) أي بأن جميع ما يجري في العالم هو من قضاء الله وقدره وهذه هي الخصلة الثالثة والحديث سكت عنه المنذري (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير) أي مسلم (برا كان أو فاجرا) أي وإن عمل الكبائر وإثمه على نفسه والإمام لا يعزل بالفسق (والصلاة) أي المكتوبة (واجبة عليكم خلف كل مسلم) أي اجتمعت فيه شروط الإمامة (برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر) والاقتداء بغيره أفضل (والصلاة) أي صلاة الجنازة (واجبة على كل مسلم) أي ميت ظاهر الإسلام قال العزيزي فالجهاد وصلاة الجماعة وصلاة الجنازة من فروض الكفايات انتهى قلت كون صلاة الجماعة فرض كفاية بعيد غاية البعد عن شعار الإسلام وطريق السلف العظام لأنه يؤدي إلى أنه لو صلى شخص واحد مع إمام في مصر تسقط عن الباقين كذا قيل وكون الجهاد فرض كفاية ليس على الإطلاق بل يكون في بعض الحالات فرض عين وقد أطال الكلام في إسناد هذا الحديث الإمام الزيلعي في نصب الراية وفي معنى هذا الحديث علي القاري في المرقاة وشرح الفقه الأكبر قال المنذري هذا منقطع مكحول لم يسمع من أبي هريرة
[ 149 ]
117 الرجل يتحمل بمال غيره يغزوه ويقال تحمل الحمالة أي حملها وقيل وضعوا أحمالهم على الإبل يريدون الرحيل ومنه لامرئ القيس كأني غداة البين يوم تحملوا والمعنى الرجل يركب على بعير غيره لإرادة الغزو (عن نبيح) بضم النون وفتح الموحدة واخره مهملة (العنزي) بفتح المهملة والنون ثم زاي (فليضم أحدكم إليه) أي إلى أحدكم (فما لأحدنا من ظهر) أي مركوب (يحمله) صفة ظهر (إلا عقبة) العقبة بالضم ركوب مركب واحد بالنوبة على التعاقب (كعقبة يعني أحدهم) بالجر وهو المضاف إليه لعقبة ووقع لفظ يعني بين المضاف والمضاف إليه وليس في بعض النسخ لفظ يعني (كعقبة أحد) وفي بعض النسخ كعقبة أحدهم والمعنى لم يكن لي فضل في الركوب على الذين ضممتهم إلي بل كان لي عقبة من جملي مثل عقبة أحدهم والحديث سكت عنه المنذري 118 في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة (على أقدامنا) أي راجلين ليس لنا مركب وهو حال من الضمير في بعثنا أي أرسلنا
[ 150 ]
لنأخذ الغنيمة رجالا غير ركاب (وعرف الجهد) أي المشقة والتعب (لا تكلهم) من وكل إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه (فأضعف عنهم) أي عن مؤنتهم (فيعجزوا عنها) أي عن مؤنة أنفسهم (فيستأثروا عليهم) أي يختاروا أنفسهم عليهم عدل عن قوله فيعجزوا إشعارا بأنهم ما يكتفون بإظهار العجز بل يتبادرون إلى إن يختاروا الجيد لأنفسهم والردئ لغيرهم قال الطيبي المعنى لا تفوض أمورهم إلي فأضعف عن كفاية مؤنتهم ولا تفوضهم إلى أنفسهم فيعجزوا عن أنفسهم لكثرة شهواتها وشرورها ولا تفوضهم إلى الناس فيختاروا أنفسهم على هؤلاء فيضيعوا بل هم عبادك فافعل بهم ما يفعل السادة بالعبيد (أو على هامتي) شك من الراوي في القاموس الهامة رأس كل شئ (إذا رأيت الخلافة) أي خلافة النبوة (قد نزلت أرض المقدسة) أي من المدينة إلى أرض الشام كما وقعت في إمارة بني أمية قاله القاري (فقد دنت) أي قربت (والبلابل) قال الخطابي البلابل الهموم والأحزان وبلبلة يكون الصدر وسواس الهموم واضطرابها قال وإنما أنذر أيام بني أمية وما حدث من الفتن في زمانهم انتهى قال المنذري ابن زغب بضم الزاي وسكون الغين المعجمة وبعدها باء موحدة ذكر الأمير أبو نصر أن له صحبة وحكى عن أبي زرعة الدمشقي أن اسمه عبد الله هذا اخر كلامه وعبد الله بن حوالة هذا أزدي له صحبة كنيته أبو حوالة وقيل أبو محمد نزل الأردن وقيل إنه سكن دمشق وقدم مصر مع مروان بن الحكم وحوالة في اسم أبيه وكنيته بفتح الحاء المهملة وبعدها واو مفتوحة ولام مفتوحة وتاء تأنيث
[ 151 ]
119 في الرجل يشري نفسه (عجب ربنا) قال المناوي أي رضي واستحسن وقال في النهاية أي عظم عنده وكبر لديه وإطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا يخفى عليه أسباب الأشياء والعجب ما خفي سببه ولم يعلم (فعلم ما عليه) قال المناوي من حرمة الفرار (حتى أهريق) بضم الهمزة وفتح الهاء الزائدة أي أريق (دمه) نائب الفاعل (فيقول الله عزوجل لملائكته) أي مباهيا به (فيما عندي) أي من الثواب (وشفقة) أي خوفا (مما عندي) أي من العقاب قال العلقمي في الحديث دليل على أن الغازي إذا انهزم أصحابه وكان في ثباته للقتال نكاية مع للكفار فيستحب الثبات لكن لا يجب كما قاله السبكي وأما إذا كان الثبات موجها للهلاك المحض من غير نكاية فيجب الفرار قطعا انتهى والحديث سكت عنه المنذري 120 فيمن يسلم ويقتل سعيد الخ (أن عمرو بن أقيش) بضم الهمزة وفتح القاف وسكون المثناة التحتية وشين معجمة (فلبس لامته) أي درعه أو سلاحه (إليك) أي نح (سليه) أمر من السؤال (حمية
[ 152 ]
لقومك) أي قاتلت كفار قريش لحمية قومك (أو غضبا لهم) أي للقوم على أعدائهم قال المنذري ذكر الدارقطني أن حماد بن سلمة تفرد به باب الرجل يموت بسلاحه أي بجرح أصابه بسلاحه (قال أحمد) هو ابن صالح شيخ أبي داود (كذا قال هو الخ) حاصله أن عبد الله بن وهب وعنبسة بن خالد قالا في روايتهما عبد الرحمن وعبد الله بن كعب بن مالك بواو العطف بين عبد الرحمان وعبد الله بن كعب والصواب عبد الرحمن ابن عبد الله بدون الواو بزيادة لفظ الابن (قاتل أخي) اسمه عامر بن الأكوع (فقتله) أي قتل سيف أخي أياه (وشكوا فيه) أي في حكم موته (رجل مات) أي قالوا هو رجل مات الخ (مات جاهدا مجاهدا) اسما فاعلين أي مجتهدا في طاعة الله وغازيا وقيل هما للتأكيد قاله في المجمع قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي أتم منه
[ 153 ]
(أغرنا) من الإغارة (رجلا منهم) أي من جهينة (نفسه) أي نفس الرجل المسلم (أخوكم) أي قوموا لخبره (فابتدره الناس) أي أسرعوا إله (وأنا له شهيد) أي شاهد والحديث سكت عنه المنذري 122 الدعاء عند اللقاء (ثنتان) أي دعوتان ثنتان (لا تردان) بصيغة المجهول (عند النداء) أي الأذان (وعند البأس) بهمزة بعد الموحدة أي القتال (حين يلحم بعضهم بعضا) قال في مرقاة الصعود بالحاء المهملة المكسورة وأوله مضموم انتهى وقال في فتح الودود من لحم كسمع إذا قتل انتهى والمعنى حين يشتبك الحرب بينهم ويقتل بعضهم بعضا (وحدثني رزق) بكسر أوله وسكون الزاي ويقال له رزق مجهول كذا في التقريب (وتحت المطر) أي ودعاء من دعا تحت المطر أي وهو نازل عليه لأنه وقت نزول الرحمة قال المنذري في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بالقوي وقال يحيى بن معين ثقة وقال أبو داود السجستاني صالح له مشائخ مجهولون والبأس بالهمز الشدة في الحرب والنداء ممدود وهو الأذان بالصلاة وقوله يلحم بعضهم بعضا بفتح الياء وسكون اللام وفتح الحاء المهملة أي يشتبك
[ 154 ]
الحرب بينهم ويلزم بعضهم بعضا يقال لحمت الرجل إذا قتلته ويقال ألحمه القتال ولحمه إذا غشيه وكذا إذا نشب فيه فلم يبرح والملحمة الحرب وموضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس واختلافهم كاشتباك لحمة الثوب بالسدا قد وقيل مأخوذ من اللحم لكثرة القتل فيها انتهى كلام المنذري 123 فيمن سأل الله الشهادة (يرد إلى مكحول إلى مالك بن يخامر) بفتح التحتانية والمعجمة وكسر الميم كذا ضبطه في التقريب وقال في الخلاصة بضم أوله وفتح المعجمة أي يبلغ ثوبان الحديث إلى مكحول وهو يبلغه إلى مالك بن يخامر (فواق ناقة) بالفتح والضم ما بين الحلبتين يعني قدر مدتي الضرع من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب ثانية (صادقا) أي بصدق قلبه (ومن جرح) بصيغة المجهول (جرحا) بضم الجيم وبالفتح هو المصدر أي جراحة كائنة في سبيل الله (أو نكب) بصيغة المجهول أي أصيب (نكبة) بالفتح قيل الجرح والنكبة كلاهما واحد وقيل الجرح ما يكون من فعل الكفار والنكبة الجراحة التي أصابته من وقوعه من دابته أو وقوع سلاح عليه قال القاري هذا هو الصحيح وفي النهاية نكبت إصبعه أي نالتها الحجارة والنكبة ما يصيب الإنسان من الحوادث (فإنها) أي النكبة قال الطيبي قد سبق شيئان الجرح والنكبة وهي ما أصابه في سبيل الله من الحجارة فأعاد الضمير إلى النكبة دلالة على أن حكم النكبة إذا كان بهذه المثابة فما ظنك بالجرح بالسنان والسيف ونظيره قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها انتهى قال القاري أو يقال إفراد الضمير باعتبار أن مؤداهما واحد وهي المصيبة الحادثة في سبيل الله (كأغزر ما كانت) أي كأكثر أوقات أكوانها في الدنيا قال الطيبي الكاف زائدة وما مصدرية والوقت مقدر يعني حينئذ
[ 155 ]
تكون غزارة دمه أبلغ من سائر أوقاته (خراج) بضم الخاء المعجمة ما يخرج في البدن من القروح والدماميل (فإن عليه طابع الشهداء) بفتح الموحدة ويكسر أي الخاتم يختم به على الشئ يعني عليه علامة الشهداء وأماراتهم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح وحديث الترمذي وابن ماجه صحيح (يعني وأما إسناد أبي داود ففيه بقية بن الوليد وهو يتكلم فيه كذا في هامش المنذري) 124 في كراهية جز نواصي الخيل وأذنابها وفي الجز القطع والنواصي جمع ناصية وهي شعر مقدم الرأس (وأخبرنا خشيش) بمعجمات مصغرا (لا تقصوا) أي لا تقطعوا من القص وهو القطع والجز (نواصي الخيل) أي شعر مقدم رأسها (ولا معارفها) بكسر الراء جمع معرفة بفتحها الموضع الذي ينبت عليه عرف الفرس من رقبته وعرف الفرس بضم فسكون شعر عنقه قال القاضي أي شعور عنقها جمع عرف على غير قياس وقيل هي جمع معرفة وهي المحل الذي ينبت عليها العرف فأطلقت على الأعراف مجازا قال في اللسان عرف الديك والفرس والدابة وغيرها منبت الشعر والريش من العنق والجمع أعراف وعروف كل والمعرفة بالفتح منبت عرف الفرس من الناصية إلى المنسح وقيل هو اللحم الذي ينبت عليه العرف انتهى (مذابها) بفتح الميم والذال المعجمة وبعد الألف باء موحدة مشددة جمع مذبة بكسر الميم وهي ما يذب به الذباب والخيل تدفع بأذنابها ما يقع عليها من ذباب وغيره (ومعارفها) بالنصب عطف على أذنابها وبالرفع على أنه مبتدأ وخبره (دفاؤها) بكسر الدال أي كساؤها الذي تدفأ به (ونواصيها) بالوجهين (معقود فيها الخير) أي ملازم بها كأنه معقود فيها قال المنذري في إسناده رجل مجهول
[ 156 ]
125 فيما يستحب من ألوان الخيل (الجشمي) بضم وفتح (عليكم) اسم فعل بمعنى ألزموا (بكل كميت) بضم الكاف مصغرا هو الذي في لونه الحمرة والسواد يستوي فيه المذكر والمؤنث (أغر) أي الذي في جبهته بياض كثير (محجل) أي أبيض القوائم (أو أشقر) أي أحمر والشقرة الحمرة الصافية قال الطيبي الفرق بين الكميت والأشقر بقترة تعلو الحمرة وبسواد العرف والذنب في الكميت (أو أدهم) أي أسود من الدهمة وهي السواد على ما في القاموس وأو فيهما للتنويع قال المنذري وأخرجه النسائي (عليكم بكل أشقر إلخ) في هذه الرواية قدم ذكر أشقر بخلاف الرواية المتقدمة (وسألته) أي عقيلا (لم فضل) بصيغة المجهول من التفضيل والحديث سكت عنه المنذري (ابن عباس) بدل عن جده (يمن الخيل) أي بركتها (في شقرها) بضم أوله جمع أشقر
[ 157 ]
وهو أحمر قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث شيبان يعني ابن عبد الرحمن 126 هل تسمى الأنثى إلخ ليس هذا الباب في بعض النسخ (كان يسمي الأنثى إلخ) أن يطلق اسم الفرس على الأنثى أيضا والحديث سكت عنه المنذري 127 ما يكره من الخيل (يكره الشكال) بكسر أوله (أو في يده اليمنى وفي رجله اليسرى) أي بياض وأو للتنويع والظاهر أن تفسير الشكال هذا من كلام الراوي وليس من لفظ النبوة وإلا لكان نصا في المقصود وما وقع الإشكال في تفسير الشكال قاله القاري قال الخطابي هكذا جاء هذا التفسير من هذا الوجه وقد يفسر الشكال بأن يكون يد الفرس وإحدى رجليه محجلة والرجل الأخرى مطلقة ولعله سقط من الحديث حرف والله أعلم انتهى وذكر النووي في تفسير الشكال أقوالا أخر من شاء الوقوف فليراجع إليه ووجه الكراهة لكونه كالمشكول لا يستطيع المشي وقيل يحتمل أن
[ 158 ]
يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة والأولى أن يفوض وجه الكراهة إلى الشارع قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 128 ما يؤمر إلخ والمراد من القيام على الدواب تعاهدها وأداء حقوقها (قد لحق ظهره ببطنه) أي من الجوع (في هذه البهائم) جمع بهيمة وهي كل ذات أربع قوائم ولو في الماء وكل حي لا يميز قاله في القاموس (المعجمة) أي التي لا تقدر على النطق قال العلقمي والمعنى خافوا الله في هذه البهائم التي لا تتكلم فتسأل ما بها من الجوع والعطش والتعب والمشقة (وكلوها صالحة) أي حال كونها صالحة للأكل أي سمينة قاله العزيزي والحديث سكت عنه المنذري (فأسر) من اسرار أي الكلام على وجه لا يطلع عليه غيره (لحاجته) أي الحاجة الإنسانية (هدفا) بفتحتين كل بناء مرتفع مشرف (أو حائش نخل) بحاء مهملة وشين معجمة هو النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه بعضا وعين كلمته واو ولا واحدا له من لفظه قاله في مرقاة الصعود وقال الخطابي الحائش جماعة النخل الصغار (حائطا) أي بستانا (فإذا) للمفاجأة (فلما رأى) أي الجمل (النبي) بالنصب على المفعولية (حن) أي رجع صوته وبكى (وذرفت) بإعجام الذال وفتح الراء أي جرت (عيناه) أي عينا الجمل (ذفراه) بكسر
[ 159 ]
الذال المعجمة وسكون الفاء وراء مقصورة قال الخطابي الذفرى من البعير مؤخر رأسه وهو الموضع الذي يعرف من قفاه وقال في النهاية ذفرى البعير أصل أذنه وهي مؤنثة وهما ذفريان وألفها للتأنيث (وتدئبه) أي تكرهه وتتعبه وزنا ومعنى ويقال دأب يدأب دأبا وأدأبه كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه وليس في حديثهما قصة الجمل (فإذا كلب يلبث) أي يخرج لسانه من شدة العطش (يأكل الثرى) أي التراب الندي (من العطش) أي بسببه (لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب مفعول بلغ وفاعله مثل الذي إلخ (بفيه) أي بفمه (حتى رقى) أي صعد من قعر البئر (في كل ذات كبد) بفتح فكسر (رطبة) أي من رطوبة الحياة قال النووي إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ويلحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان وقال ابن التيمي لا يمتنع إجراؤه على عمومه يعني فيسقى ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة ذكره العزيزي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 160 ]
129 نزول المنازل فلا ليس هذا الباب في نزول المنازل (لا نسبح حتى نحل الرحال) قال الخطابي أي لا نصلي سبحة الضحى حتى نحط الرحال ونجم المطي وكان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل حتى يعلف الدابة وأنشدني بعضهم فيما يشبه هذا المعنى حق المطية أن تبدأ بحاجتها لا أطعم الضيف حتى أعلف الفرسا انتهى وفي بعض النسخ لا ننيخ منه مكان لا نسبح من اناخة وهو بالفارسية فروخوا بانيدن شترو : الحديث سكت عنه المنذري 130 في تقليد الخيل بالأوتار غير جمع وتر بفتحتين وهو بالفارسية زه كمان (حسبت أنه) أي عباد بن تميم (والناس في مبيتهم) الواو للحال (لا يبقين) بصيغة المجهول من الإبقاء (قلادة) بكسر القاف وهي نائب الفاعل (من وتر) بفتحتين واحد أوتار القوس (ولا قلادة) أي مطلقا (إلا قطعت) أي قلعت (قال مالك أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن ذلك من أجل العين) وذلك أنهم كانوا يشدون بتلك الأوتار والقلائد التمائم ويعلقون عليها العوذ يظنون أنها تعصم من الآفات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها واعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا كذا في شرح السنة قال الخطابي وقال غير مالك إنما أمر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس وقال بعضهم لئلا تختنق بها عند شدة الركض انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 161 ]
131 إكرام الخيل إلخ ليس هذا الباب في بعض النسخ (ارتبطوا الخيل) أي بالغوا في ربطها وإمساكها عندكم قاله القاري وقيل هو كناية عن تسمينها للغزو (وامسحوا بنواصيها) أي تلطفا بها وتنظيفا لها (وأعجازها) جمع عجز وهو الكفل (أو قال أكفالها) جمع كفل بفتحتين وهو ما بين الوركين وهذا شك من الراوي قال ابن الملك يريد بهذا المسح تنظيفها من الغبار وتعرف حالها من السمن (وقلدوها) قال القاري أي اجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق وقيل معناه اجعلوا في أعناق الخيل ما شئتم (ولا تقلدوها الأوتار) أي لا تجعلوا أوتار القوس في أعناقها لأن الخيل ربما رعت الأشجار أو حكت بها عنقها فيتشبث الأوتار ببعض شعبها فيخنقها أحمد قاله القاري وقيل في وجه النهي غير ذلك كما سبق وقال الخطابي يحتمل أن يكون أراد عين الوتر خاصة دون غيره من السيور والخيوط وغيرها وقيل معناه لا تطلبوا عليها الأوتار والذحول (الذحل هو الحقد) ولا تركضوها بعد في درك الثأر على ما كان من عادتهم في الجاهلية انتهى قلت فعلى هذا الأوتار جمع وتر بكسر فسكون وهو الدم وطلب الثأر قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 162 ]
132 في تعليق الأجراس يقول جمع جرس بفتحتين هو الجلجل الذي يعلق في عنق الدواب (لا تصحب الملائكة رفقة) بضم الراء وكسرها الجماعة المرافقون الذي في السفر قال الشيخ ولي الدين يحتمل أن يكون المراد أنها لا تصحبهم أصلا ويحتمل أنها لا تصحبهم بالكلأ والحفظ والاستغفار من قوله اللهم أنت الصاحب في السفر أي الحافظ والكالئ وإن كان هو مع العبد حيث كان في كل حال قال والظاهر أن المراد بهم غير الحفظة فإن الحفظة لا يفارقون بني ادم (جرس) قيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس وقيل سببه كراهة صوته ويؤيده قوله في الرواية الآتية مزمار الشيطان وقيل لأنه يدل على صاحبه بصوته وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن لا يعلم العدو حتى يأتيهم بغتة قال المنذري وأخرجه النسائي (لا تصحب الملائكة رفقة فيها الكلب) اختلف في علة ذلك فقيل إنه لما نهى عن اتخاذ الكلب عوقب متخذه بتجنب الملائكة عن صحبته فحرم من بركتهم واستغفارهم وإعانتهم على طاعة الله وقيل لكونه نجسا وهم المطهرون المقدسون (أو جرس) أو للتنويع قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (قال في الجرس مزمار الشيطان) أي قال في شأن الجرس إنه مزمار الشيطان وفي رواية
[ 163 ]
مسلم قال الجرس مزامير الشيطان قال في المرقاة وأضاف إلى الشيطان لأن صوته لم يزل يشغل الانسان من الذكر والفكر انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي 133 في ركوب الجلالة بتشديد اللام الأولى هو من الحيوان ما تأكل العذرة والجلة البعر جلت الدابة الجلة واجتلتها فهي جالة وجلالة إذا التقطتها (نهي) بصيغة المجهول (عن ركوب الجلالة) قال الخطابي كره صلى الله عليه وسلم ركوبها كما نهى عن أكل لحومها ويقال إن الإبل إذا اجتلت أنتن روائحها إذا عرقت كما أنتن لحومها انتهى والحديث سكت عنه المنذري (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة إلخ) والحديث سكت عنه المنذري 134 في الرجل يسمي دابته (يقال له عفير) قال في مرقاة الصعود قال الخطابي وابن الأثير هو تصغير ترخيم لأ عفر من العفرة ولون التراب كما قالوا في أسود سويد وتصغيره غير مرخم أعيفر وقد انتهى قال الخطابي في معالم السنن ولتسمية الدواب شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتها وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب وكان سيفه صلى الله عليه وسلم يسمى ذو الفقار ورايته العقاب ودرعه
[ 164 ]
ذات الفضول وبغلته دلدل وبعض أفراسه السكت وبعضها البحر انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا في النداء أي نداء الإمام (عند النفير) نفر إلى الشئ أسرع إليه ويقال للقوم النافرين لحرب أو غيرها نفير تسمية بالمصدر (يا خيل الله اركبي) قال في النهاية هذا على حذف المضاف أراد يا فرسان علي خيل الله اركبي وهذا من أحسن المجازات وألطفها انتهى وقال السيوطي يشير إلى ما أخرجه العسكري في الأمثال عن أنس أن حارثة بن النعمان قال يا نبي الله أدع لي بالشهادة فدعا له فنودي يوما يا خيل الله اركبي فكان أول فارس ركب وأول فارس استشهد وقال الراغب الخيل أصله للأفراس والفرسان ويستعمل لكل منفرد نحو يا خيل اركبي فهو للفرسان وعفوت لكم عن صدقة الخيل أي الأفراس انتهى (خيلنا) أي فرساننا (إذا فزعنا) أي خفنا (يأمرنا إذا فزعنا) قال الحافظ العراقي يحتمل أن يكون معناه إذا خفنا وأن يكون معناه إذا أغثنا قال وقد ذكر الجوهري أن الفزع يطلق بالمعنيين جميعا وفي النهاية الفزع في الأصل الخوف فوضع موضع الاغاثة والنصر لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذر انتهى (بالجماعة) متعلق بقوله يأمرنا (والصبر والسكينة) معطوف على قوله بالجماعة (وإذا قاتلنا) قال العراقي يدل على أن الفزع هنا غير المقاتلة فيحمل على خوف أو يقال لا يلزم من الاستغاثة المقاتلة فقد يغيث ولا يترتب عليه قتال انتهى أي يأمرنا إذا قاتلنا بالجماعة والصبر السكينة والحديث سكت عنه المنذري
[ 165 ]
136 النهي عن لعن البهيمة (ضعوا عنها) أي ضعوا رحالها وأعروها لئلا تركب وزعم بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بذلك فيها لأنه قد استجيب لها الدعاء عليها باللعن واستدل على ذلك بقوله فإنها ملعونة وقد يحتمل أن يكون إنما فعل عقوبة لصاحبتها لئلا تعود إلى مثل قولها انتهى (فكأني أنظر إليها) أي إلى تلك الراحلة (ناقة) بالنصب على الحالية (ورقاء) أي في لونها سواد قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي 137 في التحريش بين البهائم (عن التحريش بين البهائم) هو الاغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الكباش والديوك وغيرها ووجه النهي أنه إيلام للحيوانات وإتعاب له بدون فائدة بل مجرد عبث قال المنذري وأخرجه الترمذي مرفوعا ومرسلا وحكى أن المرسل أصح
[ 166 ]
138 في وسم الدواب الوسم والسمة داغ حتى كردن ونشان كردن (ليحنكه) حنك الصبي وحنكه أي مضغ تمرا ودلك به حنكه (فإذا) للمفاجأة (هو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في مربد) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة هو الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم من ربد بالمكان إذا أقام فيه وربده تعالى إذا حبسه (يسم غنما) بفتح فكسر من الوسم أي يعلم عليها بالكي (أحسبه) أي أنسا وهذا مقول هشام (قال) أي أنس (في اذانها) أي في اذان الغنم وهو متعلق بيسم قال الخطابي في هذا دلالة على أن الأذن ليس من الوجه لأنه قد نهي عن وسم الوجه وضربه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم 139 النهي عن الوسم إلخ هذا البال ليس في النسخ (مر) بصيغة المجهول (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم (قد وسم) بالبناء للمفعول وفي الحديث دليل على تحريم وسم الحيوان في وجهه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من فعل محرما وكذلك ضرب الوجه قال النووي وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب وربما شأنه وربما اذى بعض الحواس قال وأما الوسم
[ 167 ]
في الوجه فمنهي عنه بالإجماع وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه انتهى باختصار قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي بمعناه 140 في كراهية الحمر تنزي على الخيل من أنزى الحمر على الخيل حملها عليه قال في المصباح نزا الفحل نزوا من باب قتل ونزوانا وثب والاسم النزاء مثل كتاب وغراب يقال ذلك في الحافز والظلف والسباع ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال أنزاه صاحبه ونزاه تنزية انتهى (عن ابن زرير) بتقديم الزاي مصغرا وهو عبد الله ثقة رمى بالتشيع (أهديت) بصيغة المجهول (فكانت لنا مثل هذه) أي البغلة وجواب لو مقدر أي لكان حسنا أو للتمني (إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون) أي أحكام الشريعة ويحتمل أن يجري مجرى اللازم للمبالغة أي الذين ليسوا من أهل المعرفة في شئ قال الخطابي يشبه أن يكون المعنى والله أعلم أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع نماؤها وتعطلت منافعها والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والطلب والجهاد وإحراز الغنائم ولحمها مأكول وغير ذلك من الفوائد وليس للبغل شئ من هذه فأحب أن يكثر نسلها ليكثر الانتفاع بها كذا في النهاية قال الطيبي لعل الإنزاء غير جائز والركوب والتزين به جائزان كالصور فإن عملها حرام واستعمالها في الفرش والبسط مباح انتهى قلت وكذا تخليل خل الخمر حرام وأكل خل الخمر جائز على رأي بعض الأئمة كما هو مبسوط في الرسالة المسماة بالقول المحقق لكن قال القاري وفي تنظير الطيبي نظر والحديث سكت عنه المنذري
[ 168 ]
141 في ركوب ثلاثة على دابة (عن مؤرق) بضم أوله وشدة الراء المكسورة (عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (استقبل بنا) بصيغة المجهول والضمير المرفوع النبي صلى الله عليه وسلم أي استقبله أولياؤنا بنا (بحسن أو حسين) شك من الراوي (وإنا لكذلك) جملة حالية أي حال كوننا راكبين على دابة واحدة بالترتيب المذكور قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وفيه جواز الارتداف وجواز ركوب ثلاثة على دابة إذا كان ذلك لا يضر بها انتهى كلام المنذري 142 في الوقوف على الدابة (السيباني) بالسين المهملة (إياي) المشهور في التحذير الخطاب وقد يكون بصيغة
[ 169 ]
المتكلم قاله في فتح الودود (أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر) قال القاري والمعنى لا تجلسوا على ظهورها فتوقفونها فإن وتحدثون بالبيع والشراء وغير ذلك بل انزلوا واقضوا حاجاتكم ثم اركبوا قال الطيبي كناية عن القيام عليها لأنهم إذا خطبوا على المنابر قاموا انتهى (لتبلغكم) أي لتوصلكم عمر (بالغيه) أي واصلين إليه (إلا بشق الأنفس) بكسر أوله أي مشقتها وتعبها (وجعل لكم الأرض) أي بساطا وقرارا (فعليها) أي على الأرض لا على ظهور الدواب (فاقضوا حاجاتكم) قال الطيبي الفاء الأولى للسببية والثانية للتعقيب أي إذا كان كذلك فعلى الأرض اقضوا حاجاتكم ثم عقبه بقوله فاقضوا حاجاتكم تفسيرا للمقدر انتهى قال الخطابي ما محصله إنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب على راحلته واقفا فدل على أن الوقوف على ظهورها إذا كان الإرب أو بلوغ وطر لا يدرك مع النزول إلى الأرض جائز وأن النهي انصرف إلى الوقوف عليها لا لمعنى يوجبه بأن يستوطنه الإنسان ويتخذه مقعدا فيتعب الدابة ويضر بها من غير طائل انتهى قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال 143 في الجنائب جمع جنيبة النبي قال في القاموس جنبه جنبا محركة قاده إلى جنبه فهو جنيب ومجنوب ومجنب وخيل جنائب (تكون) أي توجد (إبل الشياطين) يريد بها المعدة للتكاثر والتفاخر ولم يقصد بها أمرا مشروعا (وبيوت الشياطين) أي إذا كانت زائدة على قدر الحاجة أو للرياء والسمعة (بجنيبات) جمع جنيبة وهي الدابة التي تقاد والمراد التي ليس عليها راكب كذا في فتح الودود وفي بعض النسخ بنجيبات جمع نجيبة وهي الناقة المختارة (فلا يعلو) أي لا يركب (ويمر) أي في
[ 170 ]
السفر (بأخيه) أي في الدين (وقد انقطع به) على صيغة المجهول أي كل عن السير فالضمير للرجل المنقطع وبه نائب الفاعل والجملة حال (فلا يحمله) أي أخاه الضعيف عليها (كان سعيد) هو ابن أبي هند التابعي الراوي عن أبي هريرة (لا أراها) بضم الهمزة أي لا أظنها (إلا هذه الأقفاص) أي المحامل والهوادج التي يتخذها المترفون في الأسفار واعلم أنه قال القاضي إن قوله فأما إبل الشياطين إلى قوله فلم أرها من كلام أبي هريرة لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم قال عين الصحابي من أصناف هذا النوع من الإبل صنفا وهو جنيبات هو سمان يسوقها الرجل معه في سفره فلا يركبها ولا يحتاج إليها في حمل متاعه ثم إنه يمر بأخيه المسلم قد انقطع به من الضعف والعجز فلا يحمله وعين التابعي صنفا من البيوت وهو الأقفاص المحلاة بالديباج وقال في الأشراف ليس في الحديث ما يدل عليه بل نظم الحديث دليل على أن جميعه إلى قوله فلم أرها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم قال فأما إبل الشيطان فقد رأيتها إلى قوله فلا يحمله وأما بيوت الشيطان فلم أرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير من الهوادج والمحامل التي يأخذها المترفون في الأسفار كذا في المرقاة قال المنذري قال أبو حاتم الرازي سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة وفي كلام البخاري ما يدل على ذلك 144 في سرعة السير إلخ (في الخصب) بكسر الخاء المعجمة أي زمان كثرة العلف والنبات (فأعطوا الإبل حقها) أي حظها من نبات الأرض يعني دعوها ساعة فساعة ترعى إذ حقها من الأرض رعيها فيه (في الجدب) أي القحط (فأسرعوا السير) ليحصل الاستراحة بالخروج من أرض الجدب ولتبلغكم
[ 171 ]
إلى المنزل قبل أن تضعف (التعريس) أي النزول في اخر الليل (فتنكبوا) أي اجتنبوا (عن الطريق) زاد في رواية مسلم فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (ولا تعدوا المنازل) أي لا تجاوزوا المنزل المتعارف إلى اخر استسراعا عنه لأن فيه إتعاب الأنفس البهائم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وذكر علي بن المديني وأبو زرعة الرازي وغيرهما أن الحسن لم يسمع من جابر بن عبد الله 145 في الدلجة إن (عليكم بالدلجة) بضم فسكون اسم من أدلج القوم بتخفيف الدال إذا ساروا أول الليل ومنهم من جعل ادلاج سير الليل كله وكأنه المعنى به في الحديث لأنه عقبه بقوله فإن الأرض تطوى بالليل بصيغة المجهول أي تقطع بالسير في الليل وقال المظهر يعني لا تقنعوا بالسير نهارا بل سيروا بالليل أيضا فإنه يسهل بحيث يظن الماشي أنه سار قليلا وقد سار كثيرا كذا في المرقاة قال المنذري في إسناده أبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان وقد وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد 146 رب الدابة أحق بصدرها إلا صدرها من ظهرها ما يلي عنقها
[ 172 ]
(بريدة) بدل من أبي (وتأخر الرجل) أي وأراد أن يركب خلفه متأخرا عنه (لا) أي لا أركب على الصدر (أنت أحق بصدر دابتك) تعليل للا (إلا أن تجعله) أي الصدر (قال) أي الرجل (فركب) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدرها قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب 147 في الدابة تعرقب في الحرب من عرقب كدحرج أي يقطع عرقوبها والعرقوب بالضم عصب خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع ومن الإنسان فويق الكعب كذا في فتح الودود (غزاة موتة) بدل من تلك الغزاة ومؤتة بضم الميم وسكون الواو بغير همز وقيل يهمز موضع بالشام (حين اقتحم عن فرس) أي رمى نفسه عنها (شقراء) أي حمراء (فعقرها) قال في النهاية أصل العقر ضرب قوائم الانسان بالسيف وهو قائم قال الخطابي وهذا يفعله الناس في الحرب إذا أرهق وأيقن أنه مغلوب لئلا يظفر به العدو فيتقوى به على قتال المسلمين (ثم قاتل) أي جعفر قال المنذري قال أبو داود هذا الحديث ليس بالقوي
[ 173 ]
148 في السبق (لا سبق) قال الخطابي : السبق بفتح الباء ما يجعل للسابق على سبقه من جعل ونوال فأما السبق بسكون الباء فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقا والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء يريد أن الجعل والعطاء لا يستحق إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما وفي النصل وهو الرمي وذلك أن هذه الأمور عدة في قتال العدو وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه قال وأما السباق بالطير والرجل وبالحمام وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز انتهى (إلا في خف أو حافر) قال في المجمع الخف للبعير كالحافر للفرس (أو نصل) هو حديد السهم والرمح والسيف ما لم يكن له مقبض قال الطيبي لا بد فيه من تقدير أي ذي نصل وذي خف وذي حافر انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن (قد أضمرت) بضم أوله والإضمار أن تلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري قاله الحافظ (من الحفياء) بفتح الحاء وسكون الفاء بمد ويقصر موضع خارج المدينة (وكان أمدها) بفتحتين أي غايتها (ثنية الوداع) موضع وأضيف الثنية إلى الوداع لأنها موضع التوديع وبين الحفياء وثنية الوداع ستة أميال كما في رواية مسلم (من الثنية) أي من ثنية الوداع (إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء وبين الثنية والمسجد ميل كما في رواية مسلم قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى
[ 174 ]
الأقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب في الحرب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (كان يضمر) ضبط من الإضمار والتضمير وهما لغتان قال في القاموس الضمر بالضم وبضمتين الهزال ولحاق البطن وضمر الخيل تضميرا فيه علفها القوت بعد السمن كأضمر صلى وفي الحديث جواز إضمار الخيل قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (سبق) من التفعيل (وفضل) من التفعيل أيضا (القرح) بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة جمع قارح وهو من الخيل ما دخل في السنة الخامسة كذا في فتح الودود والحديث سكت عنه المنذري 149 في السبق على الرجل (عن أبيه) عروة (وعن أبي سلمة) فهشام يرويه عن شيخيه عروة وأبي سلمة (فسابقته) أي غالبته في السبق أي في العدو والجري (فسبقته) أي غلبته وتقدمت عليه (على رجلي) أي لا على دابة (فلما حملت اللحم) أي سمنت (سابقته) أي مرة أخرى (هذه) أي هذه السبقة والمعنى تقدمي عليك في هذه النوبة في مقابلة تقدمك في النوبة الأولى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 175 ]
150 في المحلل صيغة اسم الفاعل من التفعيل وسيجئ تفسيره (من أدخل فرسا بين فرسين) قال ابن الملك هذا إشارة في المحلل وهو من جعل العقد حلالا وهو أن يدخل ثالثا بينهما (وهو) أي من أدخل (لا يؤمن أن يسبق) كلاهما بصيغة المجهول أي لا يعلم ولا يعرف هذا منه يقينا (وقد أمن أن يسبق) كلاهما بصيغة المجهول قال الطيبي وتبعه ابن الملك أي يعلم ويعرف أن هذا الفرس سابق غير مسبوق (فهو قمار) بكسر
[ 176 ]
القاف أي مقامرة قال المظهر اعلم أن المحلل ينبغي أن يكون على فرس مثل فرس المخرجين أو قريبا من فرسيهما في العدو فإن كان فرس المحلل جوادا بحيث يعلم المحلل أن فرسي المخرجين لا يسبقان فرسه لم يجز بل وجوده كعدمه وإن كان لا يعلم أنه يسبق فرس المخرجين يقينا أو أنه يكون مسبوقا جاز وفي شرح السنة ثم في المسابقة إن كان المال من جهة الإمام أو من جهة واحد من عرض الناس شرط للسابق من الفارسين مالا معلوما فجائز وإذا سبق استحقه وإن كان من جهة الفارسين فقال أحدهما لصاحبه إن سبقتني فلك علي كذا وإن سبقتك فلا شئ لي عليك فهو جائز أيضا فإذا سبق استحق المشروط وإن كان المال من جهة كل واحد منهما بأن قال لصاحبه إن سبقتك فلي عليك كذا وإن سبقتني فلك علي كذا فهذا لا يجوز إلا بمحلل يدخل بينهما إن سبق المحلل أخذ السبقين وإن سبق فلا شئ عليه وسمي محللا لأنه محلل للسابق أخذ المال فبالمحلل يخرج العقد عن أن يكون قمارا لأن القمار يكون الرجل مترددا بين الغنم والغرم فإذا دخل بينهما لم يوجد فيه هذا المعنى ثم إذا جاء المحلل أولا ثم جاء المستبقان معا أو أحدهما بعد الآخر أخذ المحلل السبقين وإن جاء المستبقان معا ثم المحلل فلا شئ لأحد وإن جاء أحد المستبقين أولا ثم المحلل والمستبق الثاني إما معا أو أحدهما بعد الآخر أحرز السابق سبقه وأخذ سبق المستبق الثاني وإن جاء المحلل وأحد المستبقين معا ثم جاء الثاني مصليا أخذ السابقان سبقه كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (بإسناد عباد) أي ابن العوام المذكور في الإسناد السابق (قال أبو داود رواه معمر إلخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ
[ 177 ]
151 في الجلب على الخيل في السباق أي المسابقة (لا جلب ولا جنب) كلاهما بفتحتين قال في النهاية الجلب في الزكاة مر معناه وفي السباق أن يتبع الرجل فرسه رجلا فيزجره ويصيح حثا له على الجري والجنب في السباق أن بجنب فرسا إلى فرسه الذي سابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب انتهى (زاد يحيى) أي ابن خلف (في حديثه في الرهان) أي قال في روايته لا جلب ولا جنب في الرهان بزيادة لفظ في الرهان وأما مسدد فلم يذكر في روايته هذا اللفظ ثم الرهان والمراهنة المراد منه المخاطرة والمسابقة على الخيل ذكره صاحب القاموس قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن صحيح هذا آخر كلامه وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره من الأئمة أن الحسن البصري لا يصح له سماع من عمران بن حصين رضي الله عنهم (عن قتادة قال الجلب إلخ) قال المنذري وقد ذكر غيره أن ذلك في الزكاة
[ 178 ]
152 في السيف يحلى وقال (كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة) قال الخطابي قبيعة السيف الثومة التي فوق المقبض انتهى وفي القاموس قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديدة قال في شرح السنة فيه دليل على جواز تحلية السيف بالقليل من الفضة وكذلك المنطقة واختلفوا في اللجام والسرج فأباحه بعضهم كالسيف وحرم بعضهم لأنه من زينة الدابة وكذلك اختلفوا في تحلية سكين الحرب والمقلمة بقليل من الفضة فأما التحلية بالذهب فغير مباح في جميعها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب وهكذا روى عن همام عن قتادة عن أنس وقد روى بعضهم عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة قال النسائي وهذا حديث منكر والصواب قتادة عن سعيد انتهى كلام المنذري (عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن قال كانت إلخ) قال المنذري وأخرجه النسائي وقد أشار إليه الترمذي (قال قتادة) في هذه العبارة اختصار مخل للمقصود وهذا من مقولة المؤلف أبي داود وحق العبارة أي هكذا قال قتادة يعني في رواية جرير بن حازم متصلا وفي رواية هشام الدستوائي مرسلا (وما علمت أحدا) من أصحاب قتادة وهذا من بقية مقولة المؤلف (تابعه) الضمير المنصوب يرجع إلى جرير بن حازم لا إلى سعيد بن أبي الحسن (على ذلك) أي الاتصال من مسندات أنس وقال شيخنا حسين بن محسن في بعض إفاداته أنه ما ملخصه ففيه إشارة من أبي داود إلى تفرد جرير بن حازم بذلك ويؤيد ذلك قول أبي داود أقوى هذه الأحاديث حديث سعيد بن أبي الحسن والباقية ضعاف ويؤيده أيضا قول الدارمي في مسنده وهذه عبارته باب قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 179 ]
حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة قال عبد الله يعني الدارمي هشام الدستوائي خالفه فقال قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ انتهى فمال كلام أبي داود والدارمي واحد ومما يقوي ذلك أيضا الحافظ المنذري وأخرجه النسائي وقد أشار إليه الترمذي فإن ذلك يدل صريحا على أن صواب العبارة قال أبو داود لا قال قتادة فإنه لم يعهد من مثل قتادة استعمال هذه العبارة وإنما يستعملها متأخرو المحدثين الذين دونوا قواعد الرواية وآدابها قال الحافظ ابن حجر في نكته علي بن الصلاح الذي يبحث عنه المحدثون إنما هو زيارة بعض الرواة من التابعين فمن بعدهم فإنه يدل صريحا على أن قوله ولا أعلم أحدا تابعه على ذلك من قول أبي داود لا من قول قتادة ويحتمل على بعد أن تكون هذه العبارة من قول قتادة وكأنه لما ثبت عند قتادة سماعه لذلك من أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمع قتادة سعيد بن أبي الحسن حدث به مرسلا حصل له إنكار لذلك فقال ما علمت أحدا تابعه على ذلك فعلى هذا يكون الضمير في تابعه عائدا إلى سعيد بن أبي الحسن انتهى كلام الشيخ قلت إرجاع الضمير إلى سعيد بن أبي الحسن محل نظر وقال الزيلعي قال النسائي هذا حديث منكر والصواب قتادة عن سعيد بن أبي الحسن وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم انتهى وقال الحافظ في تهذيب التهذيب جرير بن حازم بن زيد البصري ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه قال أحمد حديث جرير عن قتادة عن أنس قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة خطأ والصواب عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن انتهى لكن قال الحافظ ابن القيم إن حديث قتادة عن أنس محفوظ لاتفاق جرير بن حازم وهمام على قتادة عن أنس والذي رواه عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن مرسلا هو هشام الدستوائي وهشام وإن كان مقدما في أصحاب قتادة فليس همام وجرير إذا اتفقا بدونه انتهى كذا في غاية المقصود شرح سنن أبي داود مختصرا والله أعلم
[ 180 ]
(عن عثمان بن سعد عن أنس بن مالك إلخ) قال المنذري عثمان بن سعد هو أبو بكر التميمي البصري الكاتب تكلم فيه غير واحد (قال أبو داود أقوى هذه الأحاديث إلخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ 153 في النبل يدخل في المسجد النبل بفتح النون وسكون الموحدة السهام العربية وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها (يتصدق بالنبل) فيه جواز التصدق في المسجد (إلا وهو اخذ بنصولها) جمع نصل وهو حديدة السهم والواو للحال قال المنذري وأخرجه مسلم (في مسجدنا) أي المؤمنين فليس المراد مسجد المدينة فقط (أو في سوقنا) تنويع من
[ 181 ]
الشارع لا شك من الراوي (على نصالها) جمع نصل (أو قال فليقبض كفه أي على نصالها أو قال فليقبض بكفه) أي على نصالها وأوفى هذين الموضعين للشك من الراوي (أن تصيب) أي مخافة أن تصيب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه 154 في النهي أن يتعاطى السيف مسلولا السل بركشيدن شمشير وكارد وجزان صلى الله عليه وسلم (نهي أن يتعاطى) بصيغة المجهول من التعاطي وهو التناول (السيف مسلولا) فيكره مناولته كذلك لأنه قد يخطئ في تناوله فيجرح شيئا من بدنه أو يسقط على أحد فيؤذيه قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب 155 النهي أن يقد السير بين إصبعين إذا (نهي أن يقد) بصيغة المجهول والقطع طولا كالشق (السير) بفتح فسكون ما يقد من الجلد أي نهي أن يقطع ويشق قطعة الجلد بين إصبعين لئلا تعقره الحديدة وهو يشبه نهيه عن تعاطي السيف مسلولا كذا في فتح الودود قال المنذري قد اختلف في سماع الحسن من سمرة
[ 182 ]
156 في لبس الدروع (ظاهر يوم أحد بين درعين) أي لبس أحدهما فوق الآخر والتظاهر بمعنى التعاون والتساعد (أو لبس درعين) شك من الراوي والحديث سكت عنه المنذري 157 في الرايات والألوية جمع لواء والرايات جمع راية قال في المغرب اللواء علم الجيش وهو دون الراية لأنه شقة ثوب يلوى ويشد إلى عود الرمح والراية علم الجيش ويكنى أم الحرب وهو فوق اللواء وقال التوربشتي الراية هي التي يتولاها صاحب الحرب ويقاتل عليها وتميل المقاتلة إليها واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار وفي شرح مسلم الراية العلم الصغير واللواء العلم الكبير كذا في المرقاة (بعثني) أي أرسلني (كانت سوداء) قال القاضي أراد بالسوداء ما غالب لونه سواد بحيث يرى من البعيد أسود لا ما لونه سواد خالص لأنه قال (من نمرة) بفتح فكسر وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب فيها تخطيط من سواد وبياض ولذلك سميت نمرة تشبيها بالنمر ذكره القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة وأبو يعقوب الثقفي اسمه إسحاق بن إبراهيم هذا آخر كلامه وأبو يعقوب الثقفي هذا كوفي وقال ابن عدي الجرجاني روى عن الثقات ما لا يتابع عليه قال أيضا وأحاديثه غير محفوظة
[ 183 ]
(الدهني) بضم الدال المهملة (كان لواه) كذا في بعض النسخ وفي بعضها لواؤه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك قال وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح المهملة (عن سماك) وهو ابن حرب (عن اخر منهم) أي من قومه (قال رأيت الخ) قال المنذري في إسناده رجل مجهول وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي مجلز عن ابن عباس قال كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض وفي إسناده يزيد بن حبان أخو مقاتل بن حبان قال البخاري عنده غلط كثير وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية يزيد هذا مختصرا على الراية وأخرج النسائي من حديث قتادة عن أنس أن ابن مكتوم كانت معه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث حسن 158 الانتصار برذل الخيل والضعفة الانتصار طلب النصرة والرذل الدون الخسيس أو الردئ من كل شئ على ما في القاموس والخيل بالفارسية سواران واسيبان ثنا والضعفة جمع ضعيف (إبغوني به) قال في
[ 184 ]
الصراح بغيتك الشئ طلبته لك ووقع في بعض النسخ إبغوالي هذا قال العلقمي قال ابن رسلان بهمزة وصل مكسورة لأنه فعل ثلاثي أي اطلبوا لي (الضعفاء) أي صعاليك المسلمين وهم من يستضعفم ثم الناس لرثاثة حالهم أستعين بهم فإذا قلت ابغني بقطع الهمزة فمعناه أعني على الطلب يقال أبغيتك الشئ أي أعنتك عليه انتهى قال شيخنا الزركشي والأول المراد بالحديث كذا في السراج المنير (وتنصرون) أي تعاونون على عدوكم (بضعفائكم) أي بسببهم أو ببركة دعائهم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وقد أخرجه البخاري والنسائي من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفي حديث النسائي زيادة تبين معنى الحديث قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إنما نصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ومعناه أن عبادة الضعفاء ودعاءهم أشد إخلاصا لجلاء قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وجعلوا همهم واحد فأجيب دعاؤهم وزكت أعمالهم انتهى كلام المنذري 159 في الرجل ينادي بالشعار رسول قال في القاموس الشعار ككتاب العلامة في الحرب والسفر (كان شعار المهاجرين) أي علامتهم التي يتعارفون بها في الحرب (عبد الله) أي لفظ عبد الله قال المنذري في إسناده الحجاج بن أرطاة ولا يحتج بحديثه (فكان شعارنا أمت أمت) قال ابن الأثير هو أمر بالموت والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل انتهى والتكرار للتأكيد أو المراد أن اللفظ كان مما يتكرر قيل المخاطب هو
[ 185 ]
الله تعالى فإنه المميت فالمعنى يا ناصر ولا أمت العدو وفي شرح السنة يا منصور أمت فالمخاطب كل واحد من المقاتلين ذكره القاري قال المنذري وأخرجه النسائي (عن المهلب بن أبي صفرة) بضم المهملة وسكون الفاء (إن بيتم) بصيغة المجهول أي إن بيتكم العدو أي قصدوكم بالقتل ليلا واختلطتم معه قال ابن الأثير تبييت العدو هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة وهو البيات انتهى (حم لا ينصرون) قال الخطابي معناه الخبر ولو كان بمعنى الدعاء لكان مجزوما أي لا ينصروا وإنما هو إخبار كأنه قال والله إنهم لا ينصرون وقد روى عن ابن عباس أنه قال حم اسم من اسماء الله فكأنه حلف بالله أنهم لا ينصرون وقال في النهاية معناه اللهم لا ينصرون ويريد به الخير لا الدعاء وقيل إن السور التي أولها حم سور لها شأن فنبه أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر بها على استنزال النصر من الله وقوله لا ينصرون كلام كأنه حين قال قولوا حم قيل ماذا يكون إذا قلناها فقال لا ينصرون كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وذكر الترمذي أنه روى عن المهلب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا 160 ما يقول الرجل إذا سافر (اللهم أنت الصاحب في السفر) أي الحافظ والمعين (والخليفة في الأهل) الخليفة من يقوم مقام أحد في إصلاح أمره (من وعثاء السفر) بفتح الواو وسكون العين المهملة أي مشقته وشدته (وكآبة) هي تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن يقال كئب كآبة واكتئاب فهو كئيب ومكتئب لم كذا في النهاية (المنقلب) مصدر ميمي
[ 186 ]
قال الخطابي أي ينقلب من سفره إلى أهله كئيبا حزينا غير مقضي الحاجة أو منكوبا ذهب ماله أو أصابته افة في سفره أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم أو ما أشبه ذلك من المكروه (اطو لنا الأرض) أمر من الطي أي قربها لنا وسهل السير فيها (وهون) أي يسر قال المنذري وأخرجه النسائي وقد أخرج مسلم في صحيحه أتم منه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد أخرج أيضا من حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه طرفا منه (استوى على بعيره) أي استقر على ظهر مركوبه (سخر) أي ذلل (هذا) أي المركوب فانقاد لأضعفنا حدثنا (وما كنا له مقرنين) أي مطيقين قبل ذلك أو المعنى ولولا تسخيره ما كنا جميعا مقتدرين على ركوبه من أقرن له إذا أطاقه وقوي عليه قاله القاري (لمنقلبون) أي راجعون واللام للتأكيد (البر) أي الطاعة لل (والتقوى) أي عن المعصية أو المراد من البر الإحسان إلى الناس أو من الله إلينا ومن التقوى ارتكاب الأوامر واجتناب النواهي (ومن العمل ما ترضى) أي به عنا (قالهن) أي الكلمات المذكورة وهي اللهم إنا نسألك إلخ (ايبون) أي نحن راجعون من السفر بالسلامة إلى الوطن (وإذا علوا الثنايا) جمع ثنية قال في القاموس الثنية العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريقة فيه أو إليه (فوضعت الصلاة على ذلك) حيث وضع فيها التسبيح حال الركوع والسجود والتكبير وقت الرفع قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي واخر حديثهم حامدون
[ 187 ]
161 في الدعاء عند الوداع (عن قزعة) بزاي وفتحات وهو ابن يحيى البصري (هلم) أي تعال وفي الحجاز يستوي فيه الواحد وغيره ويبنى على الفتح وفي تميم يثنى ويجمع قاله في المجمع (أستودع الله دينك) أي أستحفظ وأطلب منه حفظ دينك (وأمانتك) قال الخطابي الأمانة ههنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناهما وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر وقد يصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سببا لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق فيهما انتهى وقال في فتح الودود قوله أمانتك أي ما وضع عندك من الأمانات من الله أو من أحد من خلقه أوما وضعت أنت عند أحد أو ما يتعلق بك من الأمانات (وخواتيم عملك) جمع خاتم أي ما يختم به عملك أي أخيره والجمع لإفادة عموم أعماله قال المنذري وأخرجه النسائي (السيلحيني) بفتح المهملة واللام بينهما تحتية ساكنة ثم مهملة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم نون قرية قرب بغداد بينه وبينها مقدار ثلاثة فراسخ كذا في المراصد (إذا أراد أن يستودع الجيش) أي العسكر المتوجه إلى العدو قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 188 ]
162 ما يقول الرجل إذا ركب ابن (وأتي) بصيغة المجهول أي جئ (ثم ضحك) أي علي رضي الله عنه (يعجب) بفتح الجيم (من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي) قال الطيبي أي يرتضي هذا القول ويستحسنه استحسان المعجب قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح 163 ما يقول الرجل إذا نزل المنزل (ربي وربك الله) أي فهو المستحق أن يتعوذ به من شرك (أي من شر ما حصل من ذاتك من الخسف والزلزلة والسقوط عن الطريق والتحير في الفيافي) ذكره الطيبي (وشر ما فيك) أي ما استقر فيك من الصفات والأحوال الخاصة بطباعك قوله أي العادية كالحرارة والبرودة (وشر ما
[ 189 ]
خلق فيك) أي من الهوام وغيرها من الفلذات له قاله القاري (وشر ما يدب عليك) بكسر الدال أي يمشي ويتحرك من الحيونات والحشرات مما فيه ضرر (من أسد وأسود) في القاموس الأسود الحية العظيمة (ومن الحية والعقرب) تعميم بعد تخصيص وليس الواو العاطفة في بعض النسخ فعلى هذا من بيانية (ومن ساكني البلد) قيل الساكن هو الإنس سماهم لأنهم يسكنون البلاد غالبا وقيل هو الجن والمراد بالبلد الأرض قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه (ومن والد وما ولد) قال الخطابي ويحتمل أن يكون أراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين انتهى وقيل هما عامان لجميع ما يوجد في التوالد من الحيوانات قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال 164 في كراهية السير في أول الليل (فواشيكم) جمع فاشية وهي الماشية (فحمة العشاء) بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة وهي إقبال الليل وأول سواده تشبيها بالفحم (تعيث) أي تفسد والعيث افساد وفي بعض النسخ تعبث بالموحدة (قال أبو داود الفواشي الخ) قال الخطابي الفواشي جمع الفاشية وهي ما يرسل من الدواب في الرعي ونحوه فينشر ويفشو انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 190 ]
165 في أي يوم يستحب السفر (إلا يوم الخميس) قال في الفتح لعل سببه ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم بورك لأمتي في يوم الخميس وهو حديث ضعيف قال وكونه يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي 166 في الابتكار في السفر (في بكورها) أي صباحها وأول نهارها والإضافة لأدنى ملابسة (وكان يبعث تجارته) أي مالها (فأثرى) أي صار ذا ثروة أي مال كثير (وكثر ماله) عطف تفسير قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث صخر الغامدي حديث حسن ولا نعرف لصخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث هذا اخر كلامه وعمارة بن حديد بجلي سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال لا نعرف وقال أبو القاسم البغوي لا أعلم روى صخر الغامدي غير هذا وذكر أبو علي بن السكن أنه أزدي غامدي ذلك سكن الطائف ويعد في أهل الحجاز وقال روى عنه عمارة بن حديد وحده حديثا واحدا أو عمارة مجهول لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء الطائفي وذكر أنه روى من حديث مالك مرسلا وقال النمري
[ 191 ]
صخر بن وادعة الغامدي وغامد في الأزد سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز وروى عنه عمارة بن حديد وهو مجهول لم يرو عنه غير يعلى الطائفي ولا أعلم لصخر غير حديث بورك لأمتي في بكورها وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا اخر كلامه وروى بعضهم أنه روى حديثا اخر وهو قوله لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء انتهى كلام المنذري 167 في الرجل يسافر وحده (الراكب شيطان والراكبان شيطانان) قال الخطابي معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان وهو شئ يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه وكذلك الاثنان فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب أي جماعة وصحب قال والمنفرد في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه ولا عنده من يوصى إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله ويورد خبره إليهم ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها انتهى ويجئ بعض البيان بعد البابين والحديث صححه الحاكم وابن خزيمة وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه قال المنذري وأخرجه النسائي 168 في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم أي يجعلون أحدهم أميرا عليهم (فليؤمروا أحدهم) قال الخطابي إنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعا ولا يتفرق بهم الرأي ولا يقع بينهم الاختلاف انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 192 ]
(إذا كان ثلاثة) أي مثلا والمعنى أنه إذا كان جماعة وأقلها ثلاثة (فليؤمروا أحدهم) أي فليجعلوا محمد أحدهم أميرا عليهم قال الخطابي فيه دليل على أن الرجلين إذا حكما رجلا بينهما في قضية بينهما فقضى بالحق نفذ حكمه انتهى والحديث سكت عنه المنذري 169 في المصحف يسافر به إلى أرض العدو (أن يسافر بالقران) أي بالمصحف (قال مالك أراه) بضم الهمزة أي أظن (أن يناله) أي القران واعلم أن هذا التعليل قد جاء في رواية ابن ماجه وغيرها مرفوعا قال الحافظ ولعل مالكا كان يجزم به ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير تفسير نفسه قال قال ابن عبد البر أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في الكبير المأمون عليه فمنع مالك أيضا مطلقا وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودا وعدما انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والله أعلم 170 في ما يستحب بصيغة المجهول (والرفقاء) جمع رفيق ما يستحب من الرفقاء والصحابة في السفر
[ 193 ]
(خير الصحابة) بالفتح جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة غير هذا كذا في النهاية (أربعة) قال الغزالي المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدا فيتردد في السفر بلا رفيق فلا يخلو عن ضيق القلب لفقد الأنيس ولو تردد اثنان كان الحافظ للرحل وحده فلا يخلو عن الخدر وعن ضيق القلب فإذا ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود والخامس زيادة بعد الحاجة وفيه دليل على أن خير الصحابة أربعة أنفار وظاهره أن ما دون الأربعة من الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر والحضر ولكنه حديث عمرو بن شعيب المتقدم ظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام والحق أن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك كأرسال الجاسوس والطليعة كذا في النيل (وخير السرايا) جمع سرية وهي القطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه قاله النووي قال ابن رسلان قال إبراهيم الحربي هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها قالوا سميت بذلك لأنها تسري في الليل وتخفى ذهابها فعيلة بمعنى فاعلة سري وأسرى إذا ذهب ليلا وضعف ابن الأثير ذلك وعبارته وهي الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو والجمع السرايا سموا بذلك لأنهم كانو خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السري النفيس سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية قال ابن رسلان ولعل السرية إنما خصت بأربعمائة كما تقدم عن الحربي لأن خير السرايا وهي عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر فعلى هذا خير السرايا من ثلاثمائة إلى الأربعمائة ومن أربعمائة إلى خمسمائة قاله العلقمي (ولن يغلب) بصيغة المجهول أي لن يصير مغلوبا (من قلة) معناه أنهم لو صاروا مغلوبين لم يكن للقلة بل لأمر اخر كالعجب بكثرة العدد والعدد وغيره قال العلقمي أي إذا بلغ الجيش اثنا عشر ألفا لن يغلب من جهة قلة العدد قال ابن رسلان زاد أبو إلى يعلى الموصلي إذا صبروا واتقوا وكذا زاد ابن عساكر وزاد العسكري وخير
[ 194 ]
الطلائع أربعون بل يكون الغلب من سبب اخر كالعجب بكثر العدد وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك ألا ترى إلى وقعة حنين فإن المسلمين كان عدتهم فيها اثني عشر ألفا أو قريبا منها فأعجبهم كثرتهم واعتمدوا عليها وقالوا لن نغلب اليوم عن قلة فغلبوا عند ذلك واستدل بهذا الحديث على أن عدد المسلمين إذا بلغ اثني عشر ألفا أنه يحرم الانصراف وإن زاد الكفار على مثليهم قال القرطبي وهو مذهب جمهور العلماء لأنهم جعلوا هذا مخصصا للآية الكريمة انتهى كلام ابن رسلان ملخصا قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا يسنده كثير أحد وذكر أنه روي عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا 171 في دعاء المشركين أي دعوتهم إلى الإسلام (في خاصة نفسه) أي في حق نفسه خصوصا وهو متعلق بتقوى الله وهو متعلق بأوصاه (وبمن معه من المسلمين خيرا) نصب على انتزاع الخافض أي أوصاه بخير بمن معه من المسلمين (أو خلال) شك من الراوي والخصال والخلال بكسرهما جمع الخصلة والخلة وهما بمعنى واحد (فأيتها) وفي بعض النسخ أيتهن والضمير للخصال (أجابوك إليها) أي قبلوها منك (وكف عنهم) أي امتنع عن إيذائهم (ادعهم إلى الإسلام) هذه إحدى الخصال الثلاث (ثم ادعهم إلى التحول) أي الانتقال (إلى دار المهاجرين) أي المدينة وهذا من توابع الخصلة الأولى بل قيل إن الهجرة كانت من أركان الإسلام قبل فتح مكة (وأعلمهم) أي أخبرهم (ذلك) أي التحول (أن لهم ما للمهاجرين) أي من الثواب واستحقاق مال الفئ
[ 195 ]
قال الخطابي إن المهاجرين كانوا أقواما من قبائل مختلفة تركوا أوطانهم وهجروها في الله تعالى واختاروا المدينة وطنا ولم يكن لأكثرهم بها زرع ولا ضرع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليهم مما أفاء الله عليه أيام حياته ولم يكن للأعراب وسكان البدو في ذلك حظ إلا من قاتل منهم فإذا شهد الوقعة أخذ سهمه وانصرف إلى أهله فكان فيهم (وأن عليهم ما على المهاجرين) أي من الجهاد والنفير أي وقت دعوا إليه لا يتخلفون والأعراب من أجاب منهم وقاتل أخذ سهمه ومن لم يخرج في البعث فلا شئ له من الفئ ولا عتب عليه ما دام في المجاهدين كفاية قاله الخطابي (فإن أبوا) أي عن التحول (كأعراب المسلمين) أي الذين يسكنون في البوادي (يجرى عليهم) بصيغة المجهول (حكم الله) من وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما والقصاص والدية ونحوهما (في الفئ والغنيمة) الغنيمة ما أصيب من مال أهل الحرب وأوجف عليهم المسلمون بالخيل والركاب والفئ هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد (فإن هم أبوا) أي عن قبول الإسلام (فادعهم إلى إعطاء الجزية) هذه هي الخصلة الثانية (فإن أجابوا) أي قبلوا بذل الجزية (فاقبل منهم) أي الجزية (فإن أبوا) أي عن الجزية (فاستعن بالله وقاتلهم) هذه هي الخصلة الثالثة (وإذا حاصرت أهل حصن) أي من الكفار (فأرادوك) أي طلبوا منك (على حكم الله) أي على ما يحكم الله فيهم (بعد) مبني على الضم أي بعد إنزالهم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وحديث النعمان بن مقرن أخرجه ابن ماجه
[ 196 ]
(باسم الله) أي مستعينين بذكر اسمه (ولا تغدروا) بكسر الدال المهملة أي لا تنقضوا عهدكم (ولا تغلوا) بضم الغين المعجمة وتشديد اللام أي لا تخونوا في الغنيمة (ولا تمثلوا) من باب التفعيل هو المشهور رواية ويروى لا تمثلوا من باب نصر كذا قيل وفي تهذيب النووي مثل به يمثل كقتل إذا قطع أطرافه وفي القاموس مثل بفلان مثلة بالضم نكل كمثل تمثيلا (وليدا) أي صبيا قال المنذري وهو طرف من الذي قبله (عن خالد بن الفرز) بكسر الفاء وفتحها وسكون الراء بعدها زاي مقبول من الرابعة كذا في التقريب (لا تقتلوا شيخا فانيا) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي وقد صح أمره عليه السلام بقتل زيد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر وقد جئ به في جيش هوازن للرأي قاله القاري (ولا طفلا ولا صغيرا) وفي بعض النسخ ولا طفلا صغيرا بدون واو العطف وكذلك في المشكاة قال القاري الظاهر أنه بدل أو بيان أي صبيا دون البلوغ واستثنى منه ما إذا كان ملكا أو مباشرا للقتال (ولا امرأة) أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة (وضموا) أي اجمعوا (وأصلحوا) أي أموركم (وأحسنوا) أي فيما بينكم قال المنذري قال يحيى بن معين خالد ابن الفزر ليس بذاك هذا اخر كلامه وهيصم كان بفتح الهاء وسكون الياء اخر الحروف وبعدها صاد مهملة وميم ومقرن بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المهملة وكسرها ونون والفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة
[ 197 ]
172 في الحرق في بلاد العدو (حرق) من التحريق (نخيل بني النضير وهم طائفة من اليهود (وقطع) أي أمر بقطع نخيلهم وتحريقها (وهي البويرة) بالتصغير موضع كان به نخل بني النضير (ما قطعتم من لينه) أي أي شئ قطعتم من نخله وتمام الآية أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين والحديث يدل على جواز إفساد أموال الحرب بالتحريق والقطع لمصلحة في ذلك قال في سبل السلام وقد ذهب الجماهير إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي وأبو ثور واحتجا بأن أبا بكر رضي الله عنه وصى جيوشه أن لا يفعلوا ذلك وأجيب بأنه رأى المصلحة في بقائه لأنه قد علم أنها تصير للمسلمين فأراد بقاءها لهم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال عروة) ولفظ ابن ماجه من طريق وكيع عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسامة بن زيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية يقال لها أبنى فقال ائت أبنى صباحا ثم حرق (أغر) أمر من الإغارة (على أبنى) بضم الهمزة والقصر اسم موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة قاله القاري (صباحا) أي حال غفلتهم وفجاءة نبهتهم وعدم أهبتهم (وحرق) بصيغة الأمر أي زروعهم وأشجارهم وديارهم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (الغزي) بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر بينها
[ 198 ]
وبين عسقلان فرسخان (قيل له) أي لأبي مسهر (هي يبنا فلسطين) قال بالتحتية بدل الهمزة قال في المجمع أبنى موضع من فلسطين ويقال يبنى 173 في بعث العيون أبو جمع عين بمعنى الجاسوس (بسيسة) بالتصغير اسم رجل (عينا) أي جاسوسا (عير أبي سفيان) أي قافلته قال في القاموس العير بالكسر القافلة مؤنثة قال المنذري وأخرجه مسلم وبسبسة بضم الباء الموحدة وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء بواحدة مفتوحة وسين مهملة مفتوحة وتاء تأنيث ويقال بسبس ليس فيه تاء تأنيث وقيل فيه تأنيث وقيل فيه أيضا بسيسة بضم الباء الموحدة وياء اخر الحروف ساكنة بين السينين وتاء تأنيث وهو بسبسة بن عمرو ويقال ابن بشر انتهى كلام المنذري 174 في ابن السبيل يأكل الخ (على ماشية) في القاموس الماشية الإبل والغنم (فإن كان فيها) أي في الماشية
[ 199 ]
(فليصوت) أي فليناد (ولا يحمل) أي ليذهب به قال الخطابي هذا في المضطر الذي لا يجد طعاما وهو يخاف على نفسه التلف فإذا
[ 200 ]
كان كذلك جاز له أن يفعل هذا الصنيع وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن هذا شئ قد ملكه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فهو مباح له لا يلزم له قيمة وذهب أكثر الفقهاء إلى أن قيمته لازمة له يؤديها 2 إليه إذا قدر عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه انتهى قال
[ 201 ]
المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب وذكر أن علي بن المديني قال سماع الحسن من سمرة صحيح قال وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقال إنما يحدث عن صحيفة سمرة
[ 205 ]
(أصابني سنة) أي مجاعة وقحط (حائطا) أي بستانا (ففركت) قال في القا فرك السنبل دلكه انتهى وهو من باب نصر (فجاء صاحبه) أي مالك الحائط (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي لصاحب الحائط (ما علمت) من التعليم (إذا كان جاهلا) أي فكان اللائق بك تعليمه أولا (أو قال ساغبا) أي جائعا والشك من الراوي قال الخطابي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم عذره بالجهل حين حمل الطعام ولام صاحب الحائط إذ لم يطعمه إذ كان جائعا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد قيل إنه ليس لعباد بن شرحبيل اليشكري العنبري سوى هذا الحديث وذكر أبو القاسم البغوي أنه سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا لم يحدث به غير أبي بشر جعفر بن إياس وذكر له هذا الحديث (رجلا منا) بدل من عباد (من بني غبر) على وزن زفر قبيلة من يشكر كذا في التاج (بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق 175 من قال إنه يأكل مما سقط لم يوجد هذا الباب إلا في بعض النسخ
[ 206 ]
(أرمي نخل الأنصار) أي أرمي الحجارة عليها ليسقط ثمرها فاكلها (وكل ما يسقط في أسفلها) فيه دليل لما ترجم به المصنف رحمه الله قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن غريب صحيح 176 فيمن قال لا يحلب أو أي ماشية الغير بلا إذنه (أيحب أحدكم أن تؤتى) بصيغة المجهول والاستفهام للانكار (مشربته) بفتح الميم وسكون الشين وضم الراء وفتحها قال النووي هي كالغرفة يخزن فيها الطعام وغيره انتهى (خزانته) بكسر الخاء هي مثل المخزون (فينتثل) بصيغة المجهول وبالنون والثاء المثلثة من باب الافتعال أي ينثر ويستخرج وفي بعض النسخ ينتقل من الانتقال (فإنما تخزن لهم) من باب نصر يقال خزن المال أي أحرزه (ضروع مواشيهم) فاعل تخزن (أطعمتهم) جمع طعام مفعول (فلا يحلبن الخ) كرر النهي للتأكيد قال القاري والمعنى أن ضروع مواشيهم في حفظ اللبن بمنزلة خزائنكم التي تحفظ طعامكم فمن حلب مواشيهم فكأنه كسر خزائنهم وسرق منها شيئا في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذنه إلا إذا اضطر في مخمصة وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضا إذا لم يكن المالك حاضرا فإن أبا بكر رضي الله عنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم رجل من قريش يرعاها عبد له وصاحبها غائب في هجرته إلى المدينة ولحديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى
[ 207 ]
أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها الحديث وقد رخص بعضهم لابن السبيل في أكل ثمار الغير لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا ليأكل غير متخذ خبنة فلا شئ عليه وعند أكثرهم لا يباح إلا بإذن المالك إلا لضرورة مجاعة كما سبق انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم 177 في الطاعة أي طاعة الأمراء (وأولي الأمر منكم) قال النووي المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم وقيل هم العلماء وقيل الأمراء والعلماء وأما من قال الصحابة خاصة فقد أخطأ انتهى (عبد الله بن قيس) بالرفع على أنه مبتدأ وخبره قوله بعثه والمعنى نزلت تلك الآية في شأنه وفي بعض النسخ في عبد الله بن قيس وهو ظاهر وفي رواية مسلم نزل يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في عبد الله بن حذافة بن قيس إلخ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (وأمر عليهم رجلا) قيل هو علقمة بن مجزز وقيل إنه عبد الله بن حذافة السهمي
[ 208 ]
(فأجج) بجيمين أوليهما مشددة أي أوقد (أن يقتحموا) أي يدخلوا (إنما فررنا من النار) أي بترك دين ابائنا (أو دخلوا فيها) شك من الراوي (لم يزالوا فيها) قال الحافظ الاحتمال الظاهر أن الضمير للنار التي أوقدت لهم أي ظنوا أنهم إذا دخلوا بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا فماتوا فلم يخرجوا انتهى وذكر له توجيهات في الفتح (لا طاعة في معصية الله) قال الخطابي هذا يدل على أن طاعة الولاة لا تجب إلا في المعروف كالخروج في البعث إذا أمر به الولاة والنفوذ لهم في الأمور التي هي الطاعات ومصالح للمسلمين فأما ما كان منها معصية كقتل النفس المحرمة وما أشبههه فلا طاعة لهم في ذلك ( إنما الطاعة في المعروف) لا في المنكر والمراد بالمعروف ما كان من الأمور المعروفة في الشرع هذا تقييد لما أطلق في الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولي الأمر على العموم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 209 ]
(السمع والطاعة) أي ثابتة أو واجبة للإمام أو نائبه (ما لم يؤمر) أي المرء المسلم (فإذا أمر) بضم الهمزة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (من رهطه) أي من قومه (فسلحت) بتخفيف اللام وإن شددته فللتكثير والتكثير ههنا غير مناسب كذا في فتح الودود والمعنى أعطيت يقال سلحته عبد إذا أعطيته سلاحا (منهم) أي من الغزاة (سيفا) ليقتل المشركين (فلما رجع) ذلك الرجل بعد ما قتل رجلا الذي أظهر إيمانه كما سيجئ (ما لامنا) من اللوم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بيان للومه النبي صلى الله عليه وسلم (فلم يمض لأمري) قال في المجمع في مادة مضى وفيه إذا بعثت رجلا فلم يمض أمري أي إذا أمرت أحدا أن يذهب إلى أمر أو بعثته لأمر ولم يمض عصاني فاعزلوه عليه (أن تجعلوا) أي أعجزتم من أن تجعلوا وأورد ابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة من رواية النسائي والبغوي وابن حبان وغيرهم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال أتينا بشر بن عاصم فقال حدثنا عقبة بن مالك وكان من رهطه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم فشد من القوم رجل فأتبعه من السرية رجل معه سيف شاهر فقال له الشاد إني مسلم فلم ينظر إلى ما قال فضربه فقتله فنما الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فبلغ القاتل فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل والله ما كان الذي قال إلا تعوذا من القتل فأعرض عنه فعل ذلك ثلاثا فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه تعرف المساءة في وجهه فقال إن الله عزوجل أبى علي فيمن قتل مؤمنا ثلاث مرات انتهى قال المنذري ذكر أبو عمر النميري وغيره أن عقبة هذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا
[ 210 ]
178 ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته (يزيد بن قبيس) بموحدة ومهملة مصغرا ثقة (ساحل حمص) بدل من جبلة (مسلم بن مشكم) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الكاف (أبا عبيد الله) كنية مسلم بن مشكم (قال عمرو) هو ابن عثمان (في الشعاب) بكسر أوله جمع الشعب وهو الطريق في الجبل أو ما انفرج بين الجبلين (والأودية) جمع الوادي وهو المسيل مما بين الجبلين (إنما ذلكم) أي تفرقكم (من الشيطان) أي ليخوف أولياء الله ويحرك أعداءه (فلم ينزل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ فلم ينزلوا أي الناس (بعد ذلك) أي القول (لو بسط) بصيغة المجهول (لعمهم) أي لشمل جميعهم قال المنذري وأخرجه النسائي (عن أسيد بن عبد الرحمن) بفتح الهمزة وكسر المهملة (فضيق الناس المنازل) أي على غيرهم بأن أخذ كل منزلا لا حاجة له فيه أو فوق حاجته (وقطعوا الطريق) أي بتضييقها على المارة (فلا جهاد له) فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر بها الناس ونفى جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير وكذلك لا يجوز تضييق المنازل التي ينزل
[ 211 ]
فيها المجاهدون لما في ذلك من اضرار بهم قال المنذري سهل بن معاذ ضعيف وفيه أيضا إسماعيل وفيه مقال 179 في كراهية تمني لقاء العدو (وكان) أي سالم (كاتبا له) أي لعمر بن عبيد الله (كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) فاعل كتب ولفظ مسلم من طريق ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن أبي أوفى فكتب إلى عمر بن عبيد الله حين سار إلى الحرورية وعمر بن عبيد الله بن معمر هو التيمي وكان أميرا على حرب الخوارج ذكره ابن أبي حاتم وذكر له رواية عن بعض التابعين ولم يذكر فيه جرحا كذا في الفتح (إلى الحرورية) بفتح الحاء وضم الراء وهم طائفة من الخوارج نسبوا إلى حر وراء بالمد والقصر وهو موضع قريب من الكوفة (لا تتمنوا لقاء العدو) قال ابن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن وقال غيره إنما نهي عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك يبائن (الاحتياط والأخذ بالحزم وقيل يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر وإلا فالقتال فضيلة وطاعة ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله (وسلوا الله العافية) قال النووي وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة فاصبروا أي اثبتوا ولا تظهروا التألم من شئ يحصل لكم فالصبر في القتال هو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولا جزع وهو
[ 212 ]
الصبر الجميل (أن الجنة تحت ظلال السيوف) قال الخطابي معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه بظل سيفه لا يولي عنه ولا ينفر منه وكل ما دنا منك فقد أظلك وقال في النهاية هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه وقال النووي معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها (منزل الكتاب) جنسه أو القران (وهازم الأحزاب) أي أصناف الكفار السابقة من قوم نوح وثمود وعاد وغيرهم (اهزمهم) أي هؤلاء الكفار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم 180 ما يدعي عند اللقاء أي لقاء العدو (اللهم أنت عضدي) بفتح مهملة وضم معجمة أي معتمدي فلا أعتمد على غيرك وقال في القاموس العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي (ونصيري) أي معيني عطف تفسيري (بك أحول) أي أصرف كيد العدو وأحتال لدفع مكرهم من حال يحول حيلة وأصله حولة قاله القاري (وبك أصول) أي أحمل على العدو حتى أغلبه وأستأصله ما ومنه الصولة بمعنى الحملة (وبك أقاتل) أي أعداءك قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب والله أعلم
[ 213 ]
181 في دعاء المشركين أي إلى الإسلام عند القتال (إن ذلك) أي دعاء المشركين إلى الإسلام (بني المصطلق) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف بطن شهير من خزاعة (وهم غارون) بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار أي غافلون فأخذهم على غزة والجملة حال (فقتل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (مقاتلتهم) بكسر التاء جمع مقاتل والتاء باعتبار الجماعة والمراد بها ههنا من يصلح للقتال وهو الرجل البالغ العاقل (وسبى سبيهم) أي نساءهم وصبيانهم قال في السبل الحديث دليل على جواز المقاتلة قبل الدعاء إلى الإسلام في حق الكفار الذين قد بلغتهم الدعوة من غير إنذار وهذه أصح الأقوال الثلاثة في المسألة وهي عدم وجوب الإنذار مطلقا والثاني وجوبه مطلقا والثالث يجب إن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم ولكن يستحب قال ابن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم وعلى معناه تظافرت الأحاديث الصحيحة انتهى (هذا حديث نبيل) أي جيد يقال فلان نبيل الرأي أي جيده ولم يشركه فيه أحد أي ابن عون تفرد بهذا الحديث قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (وكان يتسمع) بشدة الميم من باب التفعل أي يضع أذنه ويتوجه بسمعه إلى صوت الأذان (أمسك) أي امتنع من اغارة (وإلا) أي وإن لم يسمع الأذان (أغار) لكونه علامة الكفر
[ 214 ]
قال الخطابي فيه بيان أن الأذان شعار لدين الإسلام فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه ذكره القاري قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (إذا رأيتم مسجدا) أي في ديار العدو (أو سمعتم مؤذنا) أي أذانه قال في النيل فيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منه الأذان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر سراياه بالاكتفاء بأحد الأمرين إما وجود مسجد أو سماع الأذان قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب والله أعلم 182 المكر في الحرب (الحرب خدعة) قال النووي فيها ثلاث لغات مشهورات اتفقوا على أن أفصحهن خدعة بفتح الخاء وإسكان الدال قال ثعلب وغيره وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بضم الخاء وإسكان الدال والثالثة بضم الخاء وفتح الدال واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء أحدها في الحرب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (أخبرنا ابن ثور) هو محمد بن ثور قاله المزي وفي بعض النسخ أبو ثور وهو غلط (ورى غيرها) من التورية وهي أن يريد الانسان شيئا فيظهر غيره كذا في مرقاة الصعود قال ابن
[ 215 ]
الملك أي سترها بغيرها وأظهر أنه يريد غيرها لما فيه من الحزم وإغفال العدو والأمن من جاسوس يطلع على ذلك فيخبر به العدو انتهى والحديث سكت عنه المنذري (قال أبو داود إلخ) لم توجد هذه العبارة في أكثر النسخ 183 في البيات لا معناه بالفارسية شبخون أن وقال في القاموس بيت العدو أوقع بهم ليلا (سبعة أهل أبيات) أي سبعة عشائر وتقدم شرح هذا الحديث في باب الرجل ينادي بالشعار قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه 184 لزوم الساقة على قال في القاموس ساقه الجيش مؤخرة (فيزجي) بضم الياء وسكون الزاي وكسر الجيم أي يسوق (الضعيف) أي مركبه ليلحقه
[ 216 ]
بالرفاق قاله القاري (ويردف) من الإرداف أي يركب خلفه الضعيف من المشاة والحديث سكت عنه المنذري 185 على ما يقاتل المشركون (أمرت) أي أمرني الله (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله وهو غاية لقتالهم (فإذا قالوها) أي كلمة لا إله إلا الله (إلا بحقها) أي الدماء والأموال والباء بمعنى عن يعني هي معصومة إلا عن حق الله فيها كردة وحد وترك صلاة وزكاة أو حق ادمي كقود فنقنع منهم بقولها ولا نفتش عن قلوبهم قاله العزيزي (وحسابهم على الله) أي فيما يسترونه من كفر وإثم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وأن يستقبلوا قبلتنا) إنما ذكره مع اندراجه في قوله وأن يصلوا صلاتنا لأن القبلة أعرف إذ كل أحد يعرف قبلته وإن لم يعرف صلاته ولأن في صلاتنا ما يوجد في صلاة غيره واستقبال قبلتنا مخصوص بنا (ذبيحتنا) فعيلة بمعنى مفعولة والتاء للجنس كما في الشاة قاله القاري (وأن يصلوا صلاتنا) أي كما نصلي ولا توجد إلا من موحد معترف بنبوته ومن وقد اعترف به فقد اعترف بجميع ما جاء به وفي الحديث أن أمور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه
[ 217 ]
(إلى الحرقات) بضم الحاء وفتح الراء المهملتين ثم قاف اسم لقبائل من جهينة (فنذروا) بكسر الذال المعجمة أي علموا وأحسوا (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة) أي من يعينك إذا جاءت تلك الكلمة بأن يمثلها الله في صورة رجل مخاصم أو من يخاصم لها من الملائكة أو من تلفظ بها (مخافة السلاح) بالنصب أي لأجل خوفه (من أجل ذلك) أي المخافة حتى وددت أني لم أسلم إلا يؤمئذ وإنما ود ذلك لأن الإسلام يحط ما فعل قبله قال الخطابي فيه من الفقه أن الرجل إذا تكلم بالشهادة وإن لم يصف الإيمان وجب الكف عنه والوقوف عن قتله سواء كان ذلك بعد القدرة عليه أو قبلها وفي قوله هلا شققت عن قلبه دليل على أن الحكم إنما يجري على الظاهر وأن السرائر موكولة إلى الله تعالى انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (أرأيت) أي أخبرني (فضرب) أي الرجل (ثم لاذ) بالذال المعجمة أي اعتصم (أسلمت لله) أي دخلت في الإسلام (بعد أن قالها) أي بعد قوله أسلمت لله (فإنه بمنزلتك) أي في عصمة
[ 218 ]
الدم (وأنت بمنزلته) أي في إباحة الدم قال الخطابي قال الخوارج من يذهب مذهبهم في التكفير بالكبائر يتأولونه على أنه بمنزلته في الكفر وهذا تأويل فاسد وإنما وجهه إنما جعله بمنزلته في إباحة الدم لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم بحق الدين فإذا أسلم فقتله قاتل فإن قاتله مباح الدم بحق القصاص انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي 186 النهي عن قتل من اعتصم بالسجود قال (إلى خثعم) قبيلة (فأمر لهم بنصف العقل) أي بنصف الدية قال في فتح الودود لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين الكفرة فكانوا كمن هلك بفعل نفسه وفعل غيره فسقط حصة جنايته (بين أظهر المشركين) أي بينهم ولفظ أظهر مقحم (لا ترايا ناراهما) كذا كتب في بعض
[ 219 ]
النسخ وفي بعضها لا تراءى قال في النهاية أي يلزم المسلم ويجب عليه أن يتباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بالموضع الذي إن أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر للمشرك إذا أوقدها في منزله ولكنه ينزل مع المسلمين وهو حث على الهجرة والترائي تفاعل من الرؤية يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى الشئ أي ظهر حتى رأيته وإسناد الترائي إلى النار مجاز من قولهم داري تنظر من دار فلان أي تقابلها يقول ناراهما تختلفان هذه تدعو إلى الله وهذه تدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان والأصل في تراءى تتراءى فحذف إحدى التائين تخفيفا وقال الخطابي في معناه ثلاثة وجوه قيل معناه لا يستوي حكمهما وقيل معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يراها وقيل معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وذكر أبو داود أن جماعة رووه مرسلا وأخرجه الترمذي أيضا مرسلا وقال وهذا أصح وذكر أن أكثر أصحاب إسماعيل يعني ابن أبي خالد لم يذكروا فيه جرير أو ذكر عن البخاري أنه قال الصحيح مرسل ولم يخرجه النسائي إلا مرسلا والله أعلم 187 في التولي يوم الزحف أي الفرار يوم الجهاد ولقاء العدو في الحرب والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون قاله في المجمع (عن الزبير بن خريت) بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية
[ 220 ]
ساكنة ثم مثناة فوقية ثقة من صغار التابعين (يغلبوا مائتين) أي من الكفار والمعنى ليقاتل العشرون منكم المائتين معهم ويثبتوا منهم (فشق ذلك) أي الحكم المذكور (الآن خفف الله عنكم) وبعده (وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) أي لتقاتلوا مثيلكم عن وتثبتوا لهم (قال فلما خفف الله عنهم إلخ) وهذا قاله ابن عباس توقيفا عى ما يظهر ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء قاله الحافظ واستدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما سواء طلباه أو طلبهما سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس قاله الحافظ والحديث سكت عنه المنذري (فحاص الناس) بإهمال الحاء والصاد أي جالوا جولة يطلبون الفرار قاله السيوطي وفي المرقاة للقاري أي مالوا عن العدو ملتجئين إلى المدينة ومنه قوله تعالى ولا يجدون عنها محيصا أي مهربا ويؤيد هذا المعنى قول الجوهري حاص عنه عدل وحاد ويقال للأولياء حاصوا عن الأعداء وللأعداء انهزموا وفي الفائق حاص حيصة أي انحرف وانهزم انتهى (وبؤنا بالغضب) من باء يبوء على وزن قلنا أي رجعنا بغضب من الله (فنثبت فيها) أي في المدينة وفي بعض النسخ فنبيت من البيتوتة وفي بعضها فنتثبت منها وفي رواية الترمذي فأتينا المدينة فاختفينا بها لنذهب أي إلى الجهاد مرة ثانية (أقمنا) أي في المدينة (فجلسنا) أي
[ 221 ]
مترصدين (بل أنتم العكارون) أي أنتم العائدون إلى القتال والعاطفون عليه يقال عكرت على الشئ إذا عطفت عليه وانصرفت إليه بعد الذهاب عنه قال الأصمعي رأيت أعرابيا يفلي ثيابه فيقتل البراغيث ويترك القمل فقلت لم تصنع هذا قال أقتل الفرسان ثم أعسكر على الرجالة (أنا فئة المسلمين) في النهاية الفئة الجماعة من الناس في الأصل والطائفة التي تقوم وراء الجيش فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليه انتهى وقال الخطابي يمهد بذلك عذرهم وهو تأويل قول الله سبحانه أو متحيرا إلى فئة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد هذا اخر كلامه ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة (ومن يولهم يومئذ) أي يوم لقائهم (دبره) بعده (إلا متحرفا لقتال أو متحيرا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) ومعنى قوله تعالى متحرفا لقتال أي منعطفا له بأن يريهم الفرة مكيدة وهو يريد الكرة وقوله (أو متحيرا) أي منضما وقوله (إلى فئة) أي جماعة من المسلمين ويستنجد بها أي يستعين بالفئة أو يقوى بها كذا في تفسير الجلالين قال المنذري وأخرجه النسائي اخر السادس عشر من أصل الخطيب والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد واله انتهى كلام المنذري 188 في الأسير يكره على الكفر (عن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى هو ابن الأرت (متوسد بردة) أي كساء مخططا والمعنى جاعل البردة وسادة له من توسد الشئ جعله تحت رأسه
[ 222 ]
(فشكونا) أي الكفار (ألا تدعو الله لنا) أي على المشركين فإنهم يؤذوننا (محمرا وجهه) أي من أثر النوم ويحتمل أن يكون من الغضب وبه جزم ابن التين قاله الحافظ (فيحفر له) بصيغة المجهول أي يجعل له حفرة (بالمنشار) بكسر الميم هو الة يشق بها الخشبة (فيجعل فرقتين) أي يجعل الرجل شقين يعني يقطع نصفين (ما يصرفه ذلك) أي لا يمنعه ذلك العذاب الشديد (ويمشط) بصيغة المجهول (بأمشاط الحديد) جمع المشط وهو ما يتشط من به الشعر وهو بالفارسية شانه (ما دون عظمه من لحم وعصب) والمعنى ما عند عظمه ومن بيانية وفي رواية للبخاري ما دون لحمه من عظم أو عصب قال القاري أي ما تحت لحم ذلك الرجل أو غيره وهو الظاهر وقال الطيبي من بيان لما وفيه مبالغة بأن الأمشاط لحدتها وقوتها كانت تنفذ من اللحم إلى العظم وما يلتصق به من العصب (والله) الواو للقسم (ليتمن الله) بضم حرف المضارعة وكسر التاء (هذا الأمر) أي أمر الدين (الراكب) أي رجل أو امرأة وحده (ما بين صنعاء) بلد باليمن (وحضرموت) هو موضع بأقصى اليمن وهو بفتح الميم غير منصرف للتركيب والعلمية وقيل اسم قبيلة وقيل موضع حضر فيه صالح عليه السلام فمات فيه وحضر جرجيس فمات فيه كذا في المرقاة (ما يخاف إلا الله) لعدم خوف السرقة ونحوه (والذئب على غنمه) أي ما يخاف إلا الذئب على غنمه ولا يخفى ما فيه من المبالغة في حصول الأمن وزوال الخوف (ولكنكم تعجلون) أي سيزول عذاب المشركين فاصبروا على أمر الدين كما صبر من سبقكم قال ابن بطال أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة وأما غير الكفر فإن أكره على أكل الخنزير مثلا فالفعل أولى انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي
[ 223 ]
189 في حكم الجاسوس إذا كان مسلما (الحسن بن محمد بن علي) أي ابن أبي طالب (وكان) أي عبيد الله (أنا) كذا في جميع النسخ الحاضرة وكذا في صحيح البخاري والظاهر إياي قال القاري فكأنه من باب استعارة المرفوع للمنصوب (والزبير) أي ابن العوام (والمقداد) بكسر الميم وهو ابن عمرو الكندي (روضة خاخ) بخائين معجمتين مصروفا وقد لا يصرف موضع بإثني عشر ميلا من المدينة وقيل بمهملة وجيم وهو تصحيف كذا في المجمع والمرقاة (ظعينة) أي امرأة اسمها سارة و قيل أم سارة مولاة لقريش (معها كتاب) أي مكتوب من أهل المدينة إلى أهل مكة (تتعادى) أي تتسابق وتتسارع من العدو (هلمي الكتاب) أي أعطيه (لتخرجن) بفتح لام فضم فسكون فكسرتين في وتشديد نوع أي لتظهرن (أو لتلقين) بفتح فضم مثناة فوقية فسكون فكسر ففتح فتشديد نون كذا في بعض النسخ بإثبات التحتية المفتوحة قال القاري في شرح المشكاة قال ميرك كذا جاءت الرواية بإثبات الياء مكسورة ومفتوحة فإن قلت القواعد العربية تقتضي أن تحذف تلك الياء ويقال لتلقن قلت القياس ذلك وإذا صحت الرواية بالياء فتأويل الكسرة أنها لمشاكلة لتخرجن والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة انتهى والمعنى لترمين الثياب وتتجردين بن عنها ليتبين لنا الأمر وفي بعض النسخ لنلقين بالنون بصيغة جمع المتكلم وهو ظاهر (من عقاصها) بكسر العين جمع عقيصة وهي الشعر المضفور قال الحافظ والجمع بينه وبين رواية أخرجته من حجزتها أي معقد الإزار لأن عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها (فإذا هو) أي الكتاب (ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ وفي مرسل عروة يخبرهم بالذي أجمع عليه
[ 224 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم (لا تعجل علي) أي في الحكم بالكفر ونحوه (ملصقا) بصيغة المجهول أي حليفا (في قريش) أي فيما بينهم قال النووي وكان حليف الزبير بن العوام (من أنفسها) الضمير لقريش (وإن قريشا لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة) ولفظ الشيخين الذي وقع في المشكاة هكذا وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة قال القاري قوله قرابة أي ذوو قرابة أي أقارب أو قرابة مع ناس (يحمون) أي الأقارب أو الناس الذين أقاربهم يحفظون ويراعون (بها) أي بتلك القرابة (أموالهم) أي أموال المهاجرين انتهى قلت ويمكن أن يرجع الضمائر إلى المهاجرين وبهذا كله تنحل لك عبارة الكتاب إن شاء الله تعالى (ذلك) أي القرب من النسب فيهم (أن أتخذ) مفعول أحببت (يدا) أي نعمة ومنة عليهم (قرابتي) أي التي بمكة (بها) أي بتلك اليد (صدقكم) بتخفيف الدال أي قال الصدق (دعني) اتركني (وما يدريك) أي أي شئ يعلمك أنه مستحق للقتل (اطلع) بتشديد الطاء أي أقبل (على أهل بدر) ونظر إليهم نظر الرحمة والمغفرة (ما شئتم) أي من الأعمال الصالحة قليلة أو كثيرة (فقد غفرت لكم) المراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (قد سار إليكم) أي للغزو (فأنخناها) من الإناخة وهو بالفارسية فروخوا بانيدن شتر وفي بعض النسخ فابتحثناها هذه من البحث أي
[ 225 ]
فتشناها سنة وفي بعضها فانتحيناها قال المنذري أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الله بن حبيب كوفي من كبار التابعين حكى عطاء عنه أنه قال صمت ثمانين رمضان في الجاسوس الذمي (حدثني محمد بن محبب) بفتح المهملة والموحد الأولى كمعظم (عن حارثة بن مضرب) بتشديد الراء المكسورة (عن فرات بن حيان) بتحتانية وكان عينا لقريش فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ثم أسلم فحسن إسلامه كذا في الخلاصة (وكان عينا) أي جاسوسا وسمي الجاسوس عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا (نكلهم) يقال وكلت الأمر إليه وكلا من باب وعد ووكولا فوضته إليه واكتفيت به (إلى أيمانهم) القائلين بأننا من المسلمين ونصدقهم على هذا القول واعلم أن هذا الحديث وقع في منتقى الأخبار براوية أحمد ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وكان ذميا وكان عينا لأبي سفيان وحليفا لرجل من الأنصار فمر إلخ وبهذا ظهر مناسبة الحديث بالباب والحديث يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي وفي فتح الباري قتل الحربي الكافر يجوز بالاتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية فيه خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض بالاتفاق انتهى قال المنذري في إسناده أبو همام الدلال محمد بن محبب ولا يحتج بحديثه وهو رواه عن سفيان الثوري وقد روى هذا الحديث عن الثوري بشر بن السري البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه ورواه عن الثوري عباد بن موسى الأزرق العباداني وكان ثقة وفرات بضم الفاء وراء مهملة وبعد الألف تاء ثالث الحروف وفرات هذا له صحبة وهو عجلي سكن الكوفة وكان هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض فنزل الكوفة
[ 226 ]
191 في الجاسوس المستأمن كان الأولى التعبير بالجاسوس بغير أمان كما بوب عليه ا لبخاري رحمه الله تعالى بقوله باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان قاله بعض شيوخنا ويؤيده قول ابن رسلان الآتي قلت ومقصود المؤلف أن الكافر الحربي طالبا للأمن إذا دخل دار الإسلام حالة الأمن فظهر بعد ذلك أنه جاسوس يحل قتله والله أعلم (عين) فاعل أتى (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم والواو للحال (فجلس) أي الجاسوس قال ابن رسلان في شرح السنن أي جلس عند أصحابه بغير أمان فإن البخاري بوب عليه باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان انتهى قال في الفتح قوله بغير أمان أي هل يجوز قتله وهي من مسائل الخلاف قال مالك يخير فيه الإمام وحكمه حكم أهل الحرب وقال الأوزاعي والشافعي إن ادعى أنه رسول قبل منه وقال أبو حنيفة وأحمد لا يقبل ذلك منه قال ابن المنير ترجم البخاري بالحربي إذا دخل بغير أمان وأورد الحديث المتعلق بعين المشركين وهو جاسوسهم وحكم الجاسوس مخالف لحكم الحربي المطلق الداخل بغير أمان فالدعوى أعم من الدليل وأجيب بأن الجاسوس المذكور أوهم أنه ممن له أمان فلما قضى حاجته من التجسس انطلق مسرعا ففطن له فظهر أنه حربي دخل بغير أمان انتهى (ثم انسل) أي انصرف (وأخذت سلبه) بفتحتين أي ما كان عليه من الثياب والسلاح سمي به لأنه يسلب عنه (فنفلني) بتشديد الفاء ويجوز تخفيفه أي أعطاني (إياه) أي سلبه قال الطيبي فنفلني أي أعطاني نفلا وهو ما يخص به الرجل من الغنيمة ويزاد على سهمه قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وفيه عن إياس عن أبيه
[ 227 ]
(إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية (نتضحى) أي يأكل في وقت الضحى كما يقال نتغدى كذا في النيل (وعامتنا مشاة) جمع ماش (وفينا ضعفة) قال النووي ضبطوه على وجهين الصحيح المشهور بفتح الضاد وإسكان العين أي حالة ضعف وهزال والثاني بفتح العين جمع ضعيف (فانتزع) أي أخرج (طلقا) بفتح الطاء واللام وبالقاف وهو العقال من جلد (من حقو البعير) في القاموس الحقو الكشح وهو بالفارسية تهيكاه (ورقة ظهرهم) بكسر الراء وتشديد القاف أي قلة مراكبهم (خرج) أي الرجل (يعدو) في الصراح العدو دويدن خواستن (يركضه) في القاموس الركض استحثاث الفرس للعدو وهو بالفارسية اسب تاختن عمرو (من أسلم) اسم قبيلة (ورقاء) أي في لونها سواد كالغبرة (هي أمثل ظهر القوم) أي أفضل مراكبهم (عند ورك الجمل) في القاموس الورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ والورك محركة عظمها (بخطام الجمل) بكسر أوله أي بزمامه (اخترطت سيفي) أي سللته من غمده (فندر) أي سقط ووقع (أقودها) أي أجرها (في الناس) أي في جملة الناس (مقبلا) بوجهه (له سلبه أجمع) أي كله قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 228 ]
192 في أي وقت يستحب اللقاء (يعني ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون (حتى تزول الشمس الخ) ظاهر هذا أن التأخير ليدخل وقت الصلاة لكونه مظنة الإجابة وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث النعمان بن مقرن قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم قال في الفتح لكن فيه انقطاع قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي 193 فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء الصمت السكوت (عن قيس بن عباد) بضم مهملة وتخفيف موحدة هو من تابعي البصرة (يكرهون الصوت قال القاري أي بغير ذكر الله وفي النيل فيه دليل على أن رفع الصوت حال القتال وكثرة اللغط والصراخ مكروهة ولعل وجه كراهتهم لذلك أن التصويت في ذلك الوقت ربما
[ 229 ]
كان مشعرا بالفزع والفشل بخلاف الصمت فإنه دليل الثبات ورباط الجأش قال المنذري عباد بضم العين المهملة وبعدها باء موحدة مخففة وبعد الألف دال مهملة 194 في الرجل يترجل عند اللقاء أي يمشي على الرجل (يوم حنين) بمهملة ونونين مصغرا واد إلى جنب ذي المجاز قريب الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات خرج النبي صلى الله عليه وسلم لست خلون من رمضان قاله القسطلاني (فانكشفوا) أي انهزموا (فترجل) أي مشى على الرجل وفي كتب اللغة ترجل نزل عن ركوبته ومشى انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي أتم منه في أثناء الحديث الطويل 195 في الخيلاء في الحرب الخيلاء التكبر (فالغيرة في الريبة) نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرما فإن الغيرة
[ 230 ]
في ذلك ونحوه مما يحبه الله وفي الحديث الصحيح ما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الزنا (فالغيرة في غير ريبة) نحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها وكذلك سائر محارمه فإن هذا مما يبغضه الله تعالى لأن ما أحله الله تعالى فالواجب علينا الرضى به فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا (فاختيال الرجل نفسه عند القتال) لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله والتنشيط لأوليائه (واختياله عند الصدقة) فإنه ربما كان من أسباب الاستكثار منها والرغوب فيها فاختيال الرجل عند القتال هو الدخول في المعركة بنشاط وقوة وإظهار الجلادة والتبختر فيه والاستهانة والاستخفاف بالعدو لإدخال الروع في قلبه والاختيال في الصدقة أن يعطيها بطيب نفسه وينبسط بها صورة ولا يستكثر ولا يبالي بما أعطى (فاختياله في البغى) نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا وأخذ ماله ظلما أو يصدر منه الاختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه (قال موسى) هو ابن إسماعيل (والفخر) بالجر أي قال موسى في روايته في البغي والفخر ولم يذكر مسلم بن إبراهيم في روايته لفظ والفخر واختيال الرجل في الفخر نحو أن يذكر ما له من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الافتخار ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك فإن هذا الاختيال مما يبغضه الله تعالى قال المنذري وأخرجه النسائي 196 الرجل يستأسر بصيغة المجهول أي يؤخذ أسيرا أي أخذه العدو أسيرا فماذا يفعل فهل يسلم نفسه أو ينكر وإن قتل (عشرة عينا) أي جاسوسا (وأمر عليهم عاصم بن ثابت) أي جعله أميرا (فنفروا) أي
[ 231 ]
خرجوا واستعدوا (لهم) أي لقتال العيون (هذيل) بدل من الضمير في نفروا (فلما أحس بهم) أي راهم (إلى قردد) قال في القاموس كمهدد قبل جبل وما ارتفع من الأرض وقال في النهاية هو الموضع المرتفع من الأرض كأنهم تحصنوا به (فأعطوا بأيديكم) أي انقادوا (بالنبل) أي السهام (في سبعة نفر) أي في جملتهم (منهم خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى بينهما تحتية ساكنة (وزيد بن الدثنة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتحها وفتح النون قاله القسطلاني (ورجل اخر) هو عبد الله بن طارق البلوي (فلما استمكنوا منهم) أي قدروا عليهم (أطلقوا) أي حلوا (أوتار قسيهم) أوتار جمع وتر وقسى جمع قوس (إن لي بهؤلاء) أي القتلى (لأسوة) بالنصب اسم إن أي اقتداء (حتى أجمعوا) أي عزموا (فاستعار) أي طلب (موسى) هي ما يحلق بها (يستحد بها) الاستحداد حلق شعر العانة (أركع) أي أصلي (لولا أن تحسبوا ما بي جزعا) أي لولا أن تظنوا الذي متلبس بي من أداء الصلاة فزعا من القتل والجزع نقيض الصبر وقوله ما بي مفعول أول لتحسبوا وقوله جزعا مفعوله الثاني (لزدت) جواب لولا قال الحافظ في رواية بريدة ابن سفيان لزدت سجدتين أخريين قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي
[ 232 ]
197 في الكمناء يحيى جمع كمين ككرماء جمع كريم والكمين المختفي والمراد من يختفي في الحرب للأعداء كذا في فتح الودود (على الرماة) جمع رام (عبد الله بن جبير) بالنصب مفعول جعل والمعنى أمره عليهم (تخطفنا الطير) كناية عن الهزيمة والقتل (فلا تبرحوا) أي لا تفارقوا (وأوطأناهم) أي غلبناهم (يسندن) بضم أوله وسكون المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة أي يصعدن يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد وفي بعض النسخ يشتددن أي يسرعن في الصعود يقال اشتد في مشيه إذا أسرع (الغنيمة) بالنصب على الإغراء (ظهر أصحابكم) أي غلبوا (فصرفت وجوههم) قال الحافظ أي تحيروا فلم يدروا أين يتوجهون انتهى وذلك عقوبة لعصيانهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي 198 في الصفوف (حدثنا أبو أحمد الزبيري) هو محمد بن عبد الله بن الزبير (عن حمزة بن أبي أسيد)
[ 233 ]
بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء وبالدال المهملة (عن أبيه) هو أبو أسيد واسمه مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي (إذا أكثبوكم) بمثلثة ثم موحدة أي قاربوكم بحيث يصل إليهم سهامكم قال الخطابي معناه غشوكم وأصله من الكثب وهو القرب يقول إذا دنوا منكم فارموهم ولا ترموهم على بعد انتهى وفي القاموس أكثبه دنا منه (بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة أي بالسهم العربي الذي ليس بطويل كالنشاب كذا في النهاية (واستبقوا نبلكم) استفعال من البقاء قال في المجمع أي لا ترموهم عن بعد فإنه يسقط في الأرض أو البحر فذهبت السهام ولم يحصل نكاية وقيل أرموهم بالحجارة فإنها لا تكاد تخطئ إذا رمى الجماعة انتهى وقيل معناه أرموهم ببعض النبل دون الكل قال المنذري وأخرجه البخاري 199 في سل السيوف عند اللقاء السل انتزاعك الشئ وإخراجه في رفق (وليس) أي إسحاق بن نجيح هذا (بالملطي) بل إسحاق بن نجيح هذا غير الملطي واعلم أن إسحاق بن نجيح رجلان أحدهما إسحاق بن نجيح الراوي عن مالك بن حمزة والثاني إسحاق بن نجيح الأزدي الملطي فزعم بعضهم أن إسحاق بن نجيح الأول هو الملطي فمقصود أبي داود رحمه الله من قوله وليس بالملطي الرد عليه (لا تسلوا السيوف) أي لا تخرجوها من غلافها (حتى يغشوكم) بفتح الشين أي حتى يقربوكم الرحمن قربا يصل سيفكم إليهم والحديث سكت عنه المنذري
[ 234 ]
200 في المبارزة قال في القاموس برز بروزا خرج إلى البراز أي الفضاء وبارز القرن مبارزة وبرازا برز إليه وفي اللسان البراز بالفتح المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع وإذا خرج الإنسان إلى ذلك الموضع قيل قد برز يبرز بروزا أي خرج إلى البراز والمبارزة في الحرب وقد تبارز القرنان والقرن بالكسر الكفؤ والنظير في الشجاعة والحرب (عن حارثة بن مضرب) بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة (تقدم) أي من الكفار (وتبعه ابنه) أي الوليد (وأخوه) أي شيبة (فنادى) أي عتبة (فانتدب) يقال ندبته فانتدب أي دعوته فأجاب كذا في النهاية (له) أي لعتبه وكان (شباب) جمع شاب (بني عمنا) أي القرشيين من أكفائنا (قم يا عبيدة روى بن الحارث) بضم العين وفتح الموحدة وسكون الياء وبفتح التاء وضمها ففي الكفاية العلم الموصوف بابن مضافا إلى علم اخر يختار فتحه وأما ابن فمنصوب لا غير (فأقبل حمزة إلى عتبة) أي إلى محاربته فقتله (وأقبلت إلى شيبة) أي فقتلته (واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان) أي ضرب كل واحد منهما صاحبه تعاقبا (فأثخن) أي جرح وأضعف (صاحبه) أي قرنه (ثم ملنا) بكسر الميم من الميل في شرح السنة فيه إباحة المبارزة في جهاد الكفار ولم يختلفوا في جوازها إذا أذن الإمام واختلفوا فيها إذا لم تكن عن إذن الإمام فجوزها جماعة وإليه ذهب مالك والشافعي انتهى وقال الخطابي ما حاصله إن الحديث يدل على جواز المبارزة بإذن الإمام وبغيره لأن مبارزة حمزة وعلي كانت بالإذن والأنصار كانوا قد خرجوا ولم يكن لهم إذن ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 235 ]
201 في النهي عن المثلة يقال مثلت بالقتيل رجدعت ولم أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم المثلة (عن شباك) بكسر الشين وتخفيف الموحدة ثم كاف الضبي الكوفي الأعمى ثقة وكان يدلس من السادسة كذا في التقريب (عن هني) بنون مصغرا (بن نويرة) بنون مصغرا (عن عبد الله) أي ابن مسعود (أعف الناس قتلة) بكسر القاف هيئة القتل أي أكفهم وأرحمهم من لا يتعدى في هيئة القتل التي لا يحل فعلها من تشويه المقتول وإطالة تعذيبه (أهل الإيمان) لما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والشفقة لجميع خلقه بخلاف أهل الكفر كذا في السراج المنير وقوله أعف أفعل التفضيل من عف عفا وعفافا وعفة أي كف عما لا يحل ولا يجمل قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (عن الهياج) بفتح أوله والتحتانية المشددة ثم جيم مقبول كذا في التقريب (أن عمران) هو ابن حصين (فجعل لله عليه) أي نذر (يحثنا) أي يحضنا ويرغبنا بين (وينهانا عن المثلة) قال الخطابي المثلة تعذيب المقتول بقطع أعضائه وتشويه خلقه قبل أن يقتل أو بعده وذلك مثل أن يجدع أنفه أو أذنه أو تفقأ عينه أو ما أشبه ذلك من أعضائه ثم قال ما حاصله إن النهي إذا لم يمثل الكافر بالمقتول المسلم فإن مثل بالمقتول جاز أن يمثل به ولذلك قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أعينهم وكانوا فعلوا ذلك برعائه أهل صلى الله عليه وسلم وكذلك جاز في القصاص بين المسلمين إذا كان القاتل قطع أعضاء المقتول وعذبه قبل القتل فإنه يعاقب بمثله وقد قال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والحديث سكت عنه المنذري
[ 236 ]
باب في قتال النساء (فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) فيه أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال وقال الشافعي والكوفيون إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (عن جده رباح) بفتح الراء والموحدة (بن ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وفي التقريب رباح بن الربيع بفتح أوله والموحدة أخو حنظلة الكاتب ويقال بكسر أوله وبالتحتانية صحابي له حديث (على امرأة قتيل) أي مقتولة وإذا ذكر الموصوف يستوي في الفعيل بمعنى المفعول المذكر والمؤنث قاله القاري (ما كانت هذه لتقاتل) اللام هي الداخلة في خبر كان لتأكيد النفي كقوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب (وعلى المقدمة) بكسر الدال ويفتح (ولا عسيفا) بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى قال القاري ولعل علامته أن يكون بلا سلاح انتهى قال الخطابي في الحديث دليل على أن المرأة إذا قاتلت قتلت ألا ترى أنه جعل العلة في تحريم قتلها لأنها لا تقاتل فإذا قاتلت دل على جواز قتلها والعسيف الأجير والتابع
[ 237 ]
انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه ورباح هذا بالباء الموحدة ويقال فيه بالياء اخر الحروف وقال الدارقطني ليس في الصحابة أحد يقال له رباح إلا هذا على اختلاف فيه أيضا بكسر الراء (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) قال الخطابي الشرخ ههنا جمع شارخ يقال شارخ وشرخ كما قالوا راكب وركب وصاحب وصحب يريد بهم الصبيان ومن يبلغ مبلغ الرجال والشيوخ ههنا المسان وإذا قيل شرخ الشباب كان معناه أول الشباب قال حسان إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا وقال في المجتمع أراد بالشيوخ الرجال المسان أهل الجلد والقوة على القتال لا الهرمى والشرخ صغار لم يدركوا ولا ينافي حديث لا تقتلوا شيخا فانيا وقيل أراد بالشيوخ الهرمى الذين إذا سبوا لم ينتفع بهم في الخدمة وأراد بالشرخ الشباب أهل الجلد وشرخ الشباب أوله وقيل نضارته وقوته قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب وقد تقدم أن حديث الحسن عن سمرة كتاب إلا حديث العقيقة على المشهور (تعني بني قريظة هذا تفسير للضمير المجرور في نسائهم من بعض الرواة (بالسوق) وفي بعض النسخ بالسيوف (إذ هتف هاتف) أي صاح صائح ونادى مناد (قالت حدث أحدثته)
[ 238 ]
قال الخطابي يقال إنها كانت شتمت النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحدث الذي أحدثته وفيه دلالة على وجوب قتل من فعل ذلك وحكي عن مالك أنه كان لا يرى لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم توبة ويقبل توبة من ذكر الله بسبب أو شتم ويكف عنه انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن الصعب) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين (بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (عن الدار) أي عن أهل الدار وفي رواية البخاري عن أهل الدار قال الحافظ أي المنزل (يبيتون) بفتح المثناة المشددة بعد الموحدة مبنيا للمفعول أي يغار عليهم ليلا بحيث لا يعرف رجل من امرأة (فيصاب) أي بالقتل والجرح (من ذراريهم) في شرح مسلم الذراري بالتشديد أفصح وهي النساء والصبيان انتهى والمراد هنا الأطفال والولدان من الذكور والإناث (هم منهم) أي الذراري والنساء من أهل الدار من المشركين قال القسطلاني ليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل إذا لم يوصل إلى قتل الرجال إلا بذلك قتلوا وإلا فلا تقصد الأطفال والنساء بالقتل مع القدرة على ترك ذلك جمعا بين الأحاديث المصرحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان وما هنا انتهى (وكان عمرو الخ) قائله سفيان (قال الزهري ثم نهى إلخ) قال الحافظ في الفتح كأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب انتهى واستدل به من قال إنه لا يجوز قتل النساء والصبيان مطلقا واعلم أن هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي ولم يذكر هذه الزيادة غير أبي داود وأخرجها اسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهي عن قتل النساء والصبيان وأخرجه أيضا ابن حبان مرسلا كأبي داود كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 239 ]
203 في كراهية حرق العدو بالنار (أمره) من التأمير أي جعله أميرا (الا رب النار) أي الله تعالى وهو خبر بمعنى النهي وهو نسخ لأمره السابق قال القسطلاني قد اختلف السلف في التحريق فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان بسبب كفر أو قصاصا وأجازه علي وخالد بن الوليد وقال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع وقد سمل عليه الصلاة والسلام أعين العرنيين بالحديد المحمى وحرق أبو بكر رضي الله عنه اللائط بالنار بحضرة الصحابة وتعقب بأنه لا حجة فيه للجواز فإن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي غيره انتهى والحديث سكت عنه المنذري (فذكر معناه) أي معنى الحديث السابق قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (قال غير أبي صالح عن الحسن بن سعد) أي بذكر اسمه واسم أبيه فقال الحسن بن سعد وأما أبو صالح فقال في روايته عن ابن سعد بغير ذكر اسمه (عن أبيه) هو عبد الله بن
[ 240 ]
مسعود رضي الله عنه (حمرة) بضم الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة وقد يخفف طائر صغير كالعصفور (معها فرخان) تثنية الفرخ قال في القاموس الفرخ ولد الطائر (فجعلت تفرش) كذا في بعض النسخ وفي بعضها تعرس حديث وفي نسخة الخطابي تفرش أو تعرش قال في اللمعات بفتح التاء وضم الراء من فرش الطائر إذا فرش جناحيه وبفتحها وتشديد الراء أي تفرش فحذف إحدى التائين أي ترفرفت بجناحيها وتقربت من الأرض انتهى قال الخطابي قوله تفرش أو تعرش معناه ترفرف والتفريش مأخوذ من فرش الجناح وبسطه والتعريش أن ترتفع فوقهما وتظلل عليهما انتهى (من فجع) بفتح الفاء وتشديد الجيم كذا ضبط قال في القاموس فجعه كمنعه أوجعه كفجعه عند انتهى وقال غيره الفجع أن يوجع الإنسان بشئ يكرم عليه فيعدمه لأنه يقال فجع في ماله وأهله وبماله وأهله مجهولا فهو مفجوع وفجعه بشدة الجيم مثل فجعه انتهى (قرية نمل) أي موضع نمل قال الخطابي في الحديث دلالة على أن تحريق بيوت الزنابير مكروهة وأما النمل فالعذر فيه أقل وذلك أن ضرره قد يزول من غير إحراق قال والنمل على ضربين أحدهما مؤذ ضرار فدفع عاديته جائز والضرب الآخر الذي لا ضرر فيه وهو الطوال الأرجل لا يجوز قتله قال المنذري ذكر البخاري وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي أن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه وصحح الترمذي حديث عبد الرحمن عن أبيه في جامعه 204 في الرجل يكري دابته على النصف أو السهم (السيباني) بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة وسيبان بطن من حمير (وقد
[ 241 ]
خرج) الواو للحال (فطفقت في المدينة أنادي) أي أخذت وشرعت في النداء (ألا من يحمل رجلا له) الضمير المجرور لمن (سهمه) أي سهم الرجل (عقبة) أي رديفا (فأصابني قلائص) جمع قلوص في القاموس القلوص من الإبل الشابة أو الباقية على السير أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثني ثم هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث قلائص وقلص وجمع قلاص (على حقيبة) في القاموس الحقيبة الرفادة في مؤخر القتب وكل ما شد في مؤخر رحل أو قتب فقد احتقب (فقال) أي الشيخ (قال) أي واثلة (إنما هي) أي القلائص (فغير سهملك أردنا) قال الخطابي يشبه أن يكون معناه أني لم أرد سهمك من المغنم إنما أردت مشاركتك في الأجر والثواب والله أعلم قال اختلف الناس في هذا فقال أحمد بن حنبل فيمن يعطي فرسه على النصف مما يغنمه في غزاته أرجو أن لا يكون به بأس وقال الأوزاعي ما أراه إلا جائزا وكان مالك بن أنس يكرهه وفي مذهب الشافعي لا يجوز أن يعطيه فرسا على سهم من الغنيمة فإن فعل فله أجر مثله ركوبه انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 242 ]
205 في الأسير يوثق يا (عجب ربنا) قال في النهاية أي عظم ذلك عنده وكبر لديه أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمي من الشئ إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده وقيل معنى عجب ربك أي رضي وأثاب فسماه عجبا مجازا وليس بعجب في الحقيقة والأول الوجه انتهى (من قوم يقادون) بصيغة المجهول أي يجرون (في السلاسل) حال من الضمير في يقادون قال القاري والمعنى أنهم يؤخذون أسارى قهرا وكرها في السلاسل والقيود فيدخلون في دار الإسلام ثم يرزقهم الله الإيمان فيدخلون به الجنة فأحل الدخول في الإسلام محل دخول الجنة لإفضائه إليه انتهى وقال الكرماني وتبعه البرماوي لعلهم المسلمون الذين هم أسارى في أيدي الكفار فيموتون أو يقتلون على هذه الحالة فيحشرون عليها ويدخلون الجنة كذلك قال المنذري وأخرجه البخاري (عن جندب) بضم أوله والدال تفتح وتضم (ابن مكيث) بوزن فعيل اخره مثلثة كذا في التقريب (في سرية) هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا (وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد) قال الخطابي أصل الشن الصب يقال شننت لو الماء إذا صببته صبا متفرقا والشنان ما يفرق من الماء انتهى وقال في فتح الودود الملوح بوزن اسم الفاعل من التلويح والكديد بفتح الكاف والمعنى أمرهم أن يفرقوا الغارة عليهم من جميع جهاتهم انتهى (حتى إذا كنا بالكديد) في
[ 243 ]
النهاية الكديد التراب الناعم إذا وطئ ثار ترابه (فشددناه وثاقا) الوثاق ما يوثق به الأسرى قال الخطابي في الحديث دلالة على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر بالرباط والغل والقيد وما يدخل في معناها إن خيف انفلاته ولم يؤمن شره إن ترك مطلقا انتهى قال المنذري والصواب غالب بن عبد الله انتهى كلام المنذري (خيلا) أي فرسانا والأصل أنهم كانوا رجالا على خيل قاله الحافظ (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي حذاءه وجانبه والنجد ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق قاله في المجمع (فجاءت) أي الخيل (ثمامة) بمثلثة مضمومة (بن أثال) بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة (بسارية) أي استوانة يكون (من سواري المسجد) أي المسجد النبوي (ماذا عندك) أي أي شئ عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك (قال عندي يا محمد خير) أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن (إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر) هذا تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر قال النووي قوله ذا دم فيه وجوه أحدها معناه إن تقتل تقتل صاحب دم لدمه موقع يشتفي بقتله قاتله بثأره أي لرياسته وفضله وحذف هذا لأنهم يفهمونه في عرفهم وثانيها إن تقتل تقتل من عليه دم مطلوب به وهو مستحق عليه فلا عتب عليك وثالثها ذا ذم بالذال المعجمة وتشديد الميم أي ذا ذمام وحرمة في قومه ورواها بعضهم في سنن أبي داود كذلك قال القاضي وهي ضعيفة لأنها تقلب المعنى فإن احترامه يمنع القتل قال الشيخ
[ 244 ]
ويمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول أي تقتل رجلا جليلا يحتفل قاتله بقتله بخلاف ما إذا قتل حقيرا مهينا فإنه لا فضيلة ولا يدرك به قاتله ثأره كذا في المرقاة قلت قوله رواها بعضهم أي بعض الرواة وهو عيسى بن حماد المصري شيخ أبي داود وقوله كذلك أي بلفظ ذا ذم بالذال المعجمة وتشديد الميم وذكر أبو داود رواية عيسى هذه في اخر الحديث (تعط) بصيغة المجهول (منه) أي من المال وهو بيان لقوله ما شئت (حتى إذا كان الغد) أي وقع (فأعاد مثل هذا الكلام) أي المذكور أي إن تقتل تقتل الخ (حتى كان بعد الغد) قال الطيبي اسم كان ضمير عائد إلى ما هو مذكور حكما أي حتى كان ما هو عليه ثمامة بعد الغد (أطلقوا ثمامة) أي حلوه وخلوا سبيله (فانطلق إلى نخل) بالخاء المعجمة تقديره انطلق إلى نخل فيه ماء قاله النووي وفي رواية ابن خزيمة في صحيحه فانطلق إلى حائط أبي طلحة قاله الحافظ (قال عيسى) أي ابن حماد المصري (وقال ذا ذم) بكسر الذال المعجمة وتشديد الميم أي ذا ذمام وحرمة في قومه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (قدم) بصيغة المجهول أي أتى (بالأسارى) جمع أسير أي في غزوة بدر (عند ال عفراء) بفتح العين وسكون الفاء وبعدها راء اسم امرأة (في مناخهم) المناخ بضم الميم مبرك الإبل (على عوف ومعوذ) على وزن اسم الفاعل من التفعيل أي عند عوف ومعوذ وهذه الجملة بدل من
[ 245 ]
قولها عند ال عفراء (ابني عفراء) المشهور في الروايات أن ابني عفراء الذين قتلا أبا جهل هما معاذ ومعوذ (عليهن) أي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتيت) أي من عند ال عفراء إلى مجمع الناس (مجموعة يداه إلى عنقه بحبل) هذا هو موضع الترجمة (انتدبا) أي أجابا والحديث سكت عنه المنذري 206 في الأسير ينال منه ويضرب قال في القاموس نال من عرضه سبه (ندب أصحابه) أي دعاهم (فإذا هم) أي الصحابة التقوا (بروايا قريش) جمع راوية وهي الإبل التي يستقى عليها وأصل الراوية المزادة فقيل للبعير راوية لحمله المزادة قاله
[ 246 ]
الخطابي (وهو يسمع ذلك) الواو للحال (فلما انصرف) من صلاته وفي رواية مسلم فلما رأى ذلك انصرف قال النووي معنى انصرف سلم من صلاته ففيه استحباب تخفيفها إذا عرض أمر في أثنائها انتهى (هذه قريش) هذا مقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أقبلت لتمنع أبا سفيان) أي ليدفعوا تعرضكم عنه (فسحبوا) بصيغة المجهول أي جروا في القاموس سحبه كمنعه جره على الأرض وقال الخطابي السحب الجر العنيف (في قليب بدر) قال الخطابي القليب البئر التي لم تطو وإنما هي حفيرة قلب ترابها فسميت قليبا وفي الحديث دليل على جواز ضرب الأسير الكافر إذا كان في ضربه طائل انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم أتم منه 207 في الأسير يكره على الإسلام (وهذا لفظه) أي لفظ ابن بشار (عن شعبة) أي أشعث وابن أبي عدي ووهب بن جرير كلهم عن شعبة (مقلاتا) بكسر الميم وسكون القاف المرأة التي لا يعيش لها ولد وأصله من القلت وهو الهلاك كذا في مرقاة الصعود (فتجعل على نفسها) أي تنذر (أن تهوده) بفتح أن
[ 247 ]
مفعول تجعل فإذا عاش الولد جعلته في اليهود كذا في معالم التنزيل (فلما أجليت) بصيغة المجهول جلا عن الوطن يجلو وأجلى يجلي إذا خرج مفارقا وجلوته سعيد أنا وأجليته كلاهما لازم ومتعد (بنو النضير) قبيلة من يهود (فقالوا) أي الأنصار (لا ندع) أي لا نترك (لا إكراه في الدين) أي على الدخول فيه (قد تبين الرشد من الغي) أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي قال في معالم التنزيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد خير أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم وإن اختاروهم فأجلوهم معهم انتهى قال الخطابي في الحديث دليل على أن من انتقل من كفر وشرك إلى يهودية أو نصرانية قبل مجئ دين الإسلام فإنه يقر على ما كان انتقل إليه وكان سبيله سبيل أهل الكتاب في أخذ الجزية منه وجواز مناكحته واستباحة ذبيحته فأما من انتقل من شرك إلى يهودية أو نصرانية بعد وقوع نسخ اليهودية وتبديل ملة النصرانية فإنه لا يقر على ذلك وأما قوله سبحانه وتعالى لا إكراه في الدين فإن حكم الآية مقصور على ما نزلت فيه من قصة اليهود وأما إكراه الكافر على دين الحق فواجب ولهذا قاتلناهم على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية ويرضوا بحكم الدين عليهم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي 208 قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام (زعم السدي) بضم السين وتشديد الدال المهملة اسمه إسماعيل (امن) أي أعطاهم الأمان (وابن أبي سرح) وهذا رابع أربعة نفر (فذكر الحديث) ولفظ النسائي في باب الحكم في
[ 248 ]
المرتد امن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن الهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا فقال عكرمة والله لئن لم ينجني من البحر إلا اخلاص لا ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن اتي محمدا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ الحديث (اختبأ) بهمزة أي اختفى (فقال) عثمان (بايع) صيغة أمر (عبد الله) بن سعد بن أبي السرح (فرفع) النبي صلى الله عليه وسلم (رأسه) الكريمة (فنظر إليه) أي إلى عبد الله بن سعد (ثلاثا) يحتمل أن يكون ثلاث مرات وأن يكون ثلاثة أيام (يأبى) أي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايع بن أبي سرح (فبايعه بعد ثلاث) وعند النسائي من قول بن عباس أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان على مصر كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به أن يقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفي أسد الغابة ففر عبد الله بن سعد إلى عثمان بن عفان فغيبه عثمان حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال نعم (ثم أقبل) النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) وفي أسد الغابة فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه (رجل رشيد) قال الخطابي معنى الرشيد ههنا الفطنة لصواب الحكم في قتله انتهى وفيه أن التوبة عن الكفر في حياته صلى الله عليه وسلم كانت موقوفة على رضاه صلى الله عليه وسلم وأن الذي ارتد واذاه صلى الله عليه وسلم إذا امن سقط قتله قاله السندي (ألا) أي هلا كما عند النسائي قال ابن الأثير وأسلم ذلك اليوم فحسن إسلامه ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر عليه وهو أحد العقلاء الكرماء من قريش ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين ففتح الله على يديه افريقية وكان فتحا عظيما بلغ سهم الفارس ثلاثة الاف مثقال ذهبا وسهم الراجل ألف مثقال وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص انتهى
[ 249 ]
من غاية المقصود ملخصا (أومأت إلينا بعينك) معناه بالفارسية جرانه اشاره فرمودي بكر بسوئ قد ما يجشم خود (خائنة الأعين) قال الخطابي معنى خائنة الأعين أن يضمر بقلبه غير ما يظهر للناس فإذا كف بلسانه وأومى بعينه إلى خلاف ذلك وكان ظهور تلك الخيانة من قبل عينه فسميت خائنة الأعين قال وفي الحديث دليل على أن ظاهر السكوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ يراه يصنع بحضرته يحل محل الرضى به والتقرير له قال وعبد الله بن أبي السرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فارتد عن الدين فلذلك غلظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما غلظ على غيره من المشركين انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده إسماعيل بن عبد الرحمن السدي وقد احتج به مسلم وتكلم فيه غير واحد وفيه أيضا أسباط بن نصر وقد احتج به مسلم في صحيحه وتكلم فيه غير واحد (لا أو منهم) أي لا أعطيهم الأمان (وقينتين) القينة أمه غنت أو لم تغن والماشطة وكثيرا ما تطلق على المغنية من الإماء (لمقيس) أي ابن صبابة (فقتلت) بصيغة المجهول (وأفلتت) بصيغة المجهول أي أطلقت (لم أفهم إسناده) أي إسناد هذا الحديث (من ابن العلاء) هو محمد بن العلاء شيخ أبي داود قال المنذري أبو جده وهو سعيد بن يربوع المخزومي كان اسمه الصدي فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سعيدا
[ 250 ]
(وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الفاء المفتوحة راء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة (جاءه رجل) هو أبو برزة الأسلمي (فقال) أي الرجل (ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة اخره لام اسمه عبد الله أو عبد العزي (فقال اقتلوه) أي ابن خطل قال الخطابي وكان ابن خطل بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه مع رجل من الأنصار وأمر الأنصاري عليه فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله وذهب بماله فلم ينفذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمان وقتله بحق ما جناه في الإسلام وفيه دليل على أن الحرم لا يعصم من إقامة حكم واجب ولا يؤخره عن وقته انتهى (وكان أبو برزة الأسلمي) وتقدم من رواية النسائي أن سعيد بن حريث قتله والتوفيق أن كلا من الثلاثة أي سعيد وعمار وأبي برزة قتلوه بعضهم باشر بالقتل وبعضهم أعان على القتل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 209 في قتل الأسير صبرا وفي قتل الصبر أن يمسك بحي ثم يرمى بشئ حتى يموت وأصل الصبر الحبس كذا في مختصر النهاية (أراد الضحاك بن قيس) أي ابن خالد الفهري الأمير المشهور شهد فتح دمشق وتغلب عليها بعد موت يزيد ودعا إلى البيعة وعسكر بظاهرها فالتقاه مروان بمرج راهط سنة أربع وستين فقتل كذا في الخلاصة (أن يستعمل مسروقا) أي أن يجعله عاملا (فقال له عمارة بن عقبة) أي ابن أبي معيط بمهملتين مصغرا وعقبة هذا هو الأشقى الذي ألقى سلا الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة (من بقايا قتلة عثمان) جمع قاتل (وكان) أي
[ 251 ]
عبد الله بن مسعود (لما أراد قتل أبيك) الخطاب لعمارة بن عقبة وهذا هو محل ترجمة الباب لأن عقبة قتل صبرا صرح به الحافظ في الفتح (قال) أي أبوك عقبة بن أبي معيط (من للصبية) بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي والمعني من يكفل بصبياني كل ويتصدى لتربيتهم وحفظهم وأنت تقتل كافلهم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (النار) يحتمل وجهين أحدهما أي يكون النار عبارة عن الضياع يعني إن صلحت النار أن تكون كافلة فهي هي وثانيهما أن الجواب من الأسلوب الحكيم أي لك النار والمعنى اهتم بشأن نفسك وما هيئ لك من النار ودع عنك أمر الصبية فإن كافلهم هو الله تعالى وهذا هو الوجه ذكره الطيبي قال القاري والأظهر أن الأول هو الوجه فإنه لو أريد هذا المعنى لقال الله بدل النار (فقد رضيت لك إلخ) كأن مسروقا طعن عمارة في مقابلة طعنه إياه مكافأة له والحديث سكت عنه المنذري 210 في قتل الأسير بالنبل هي السهام العربية ولا واحد لها من لفظها وإنما يقال سهم ونشابة كذا في النهاية (عن ابن تعلى) بكسر المثناة وإسكان المهملة ثم لام مكسورة اسمه عبيد الطائي الفلسطيني وثقه النسائي (فأتي) بصيغة المجهول (بأربعة أعلاج) جمع علج قال في مختصر النهاية العلج الرجل القوي الضخم والرجل من كفار العجم جمعه أعلاج وعلوج (فأمر) أي عبد الرحمن (فقتلوا) بصيغة المجهول (صبرا) قال في مرقاة الصعود القتل صبرا هو أن يمسك من ذوات الروح بشئ حيا ثم يرمى بشئ حتى يموت وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا (قال بالنبل صبرا) أي قال قتلوا بالنبل صبرا (فبلغ ذلك) أي قتل الأعلاج صبرا
[ 252 ]
(فبلغ ذلك عبد الرحمن) المشار إليه قول أبي أيوب قال المنذري ابن تعلى بكسر التاء ثالث الحروف وسكون العين المهملة 211 في المن على الأسير بغير فداء فلا (هبطوا) أي نزلوا عام الحديبية (من جبال التنعيم) في القاموس التنعيم موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت (سلما) قال النووي ضبطوه بوجهين أحدهما بفتح السين والام والثاني بإسكان اللام مع كسر السين وفتحها قال الحميدي ومعناه الصلح قال القاضي في المشارق هكذا ضبطه الأكثرون قال فيه وفي الشرح الرواية الأولى أظهر ومعناها أسرهم والسلم الأسير وجزم الخطابي بفتح اللام والسين قال والمراد به الاستسلام والإذعان كقوله تعالى وألقوا إليكم السلم أي الانقياد وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع قال ابن الأثير هذا هو الأشبه بالقصة فإنهم لم يؤخذوا صلحا وإنما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا قال وللقول الآخر وجه وهو أنه لما لم يجر معهم قتال بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم فرضوا بالأسر فكأنهم قد صولحوا على ذلك انتهى قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (ثم كلمني) أي شفاعة (في هؤلاء النتنى) جمع نتن بالتحريك بمعنى منتن كزمن
[ 253 ]
وزمنى وإنما سماهم نتنى منه إما لرجسهم الحاصل من كفرهم على التمثيل أو لأن المشار إليه أبدانهم وجيفهم الملقاة في قليب بدر قاله القاري (لأطلقتهم له) أي لتركتهم لأجله يعني بغير فداء وإنما قال صلى الله عليه وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد وهي أنه صلى الله عليه وسلم دخل في جواره لما رجع من الطائف وذب المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم فأحب أنه إن كان حيا فكافأه عليها بذلك والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث قال الخطابي في الحديث إطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء قال المنذري وأخرجه البخاري 212 في فداء الأسير بالمال (أنزل الله) جواب لما (أسرى) جمع أسير (حتى يثخن في الأرض) أي يبالغ في قتل الكفار وتمام الآية (تريدون) أي أيها المؤمنون عرض الدنيا أي حطامها بأخذ الفداء (والله يريد الآخرة) أي ثوابها بقتلهم (والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق) أي بإحلال الغنائم والأسرى لكم (لمسكم فيما أخذتم) أي من الفداء عذاب عظيم (من الفداء) ليس هذا من الآية بل هو تفسير وبيان لما في قوله فيما أخذتم من بعض الرواة قال المنذري وأخرجه مسلم بنحوه في أثناء الحديث الطويل (قال أبو داود سمعت إلخ) هذه العبارة ليست في بعض النسخ (أيش تصنع باسمه) أي ما تفعل باسمه وفي بعض النسخ أي شئ مكان أيش
[ 254 ]
(جعل فداء أهل الجاهلية إلخ) أي جعل فداء كل رجل ممن يؤخذ منه الفداء أربعمائة درهم قال المنذري وأخرجه النسائي انتهى قلت ورجاله ثقات إلا أبا عنبس وهو مقبول (لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم) جمع أسير وذلك حين غلب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقتل بعضهم وأسر بعضهم وطلب منهم الفداء (بعثت زينب) أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (في فداء أبي العاص) أي زوجها (بقلادة) بكسر القاف هي ما يجعل في العنق (كانت) أي القلادة (أدخلتها) أي أدخلت خديجة القلادة (بها) أي مع زينب (على أبي العاص) والمعنى دفعتها إليها حين دخل عليها أبو العاص وزفت إليه (فلما راها) أي القلادة (رق لها) أي لزينب يعني لغربتها ووحدتها وتذكر عهد خديجة وصحبتها فإن القلادة كانت لها وفي عنقها (قال) أي لأصحابه (إن رأيتم أن تطلقوا لها) أي لزينب (أسيرها) يعني زوجها (الذي لها) أي ما أرسلت قال الطيبي المفعول الثاني لرأيتم وجواب الشرط محذوفان أي إن رأيتم الإطلاق والرد حسنا فافعلوهما : (قالوا نعم) أي رأينا ذلك (أخذ عليه) أي على أبي العاص عهدا (أن يخلي سبيل زينب إليه) أي يرسلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويأذن بالهجرة إلى المدينة قال القاضي وكانت تحت أبي العاص زوجها منه قبل المبعث (كونا) أي قفا (ببطن يأجج) بفتح التحتية وهمزة ساكنة وجيم مكسورة ثم جيم وهو موضع قريب من التنعيم وقيل موضع أمام مسجد عائشة وقال القاضي بطن يأجج من بطون الأودية التي حول الحرم
[ 255 ]
والبطن المنخفض من الأرض كذا في المرقاة (حتى تمر بكما زينب) أي مع من يصحبها (حتى تأتيا بها) أي إلى المدينة وفيه دليل على جواز خروج المرأة الشابة البالغة مع غير ذي محرم لضرورة داعية لا سبيل لها إلا إلى ذلك كذا في الشرح قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (قال وذكر عروة بن الزبير) وفي رواية البخاري في الشروط من طريق معمر عن الزهري أخبرني عروة (أن مروان) بن الحكم (والمسور بن مخرمة) قال الكرماني صح سماع مسور من النبي صلى الله عليه وسلم (حين جاءه وفد هوازن) الوفد الرسول يجئ من قوم على عظيم وهو اسم جنس وهوازن قبيلة مشهورة وكانوا في حنين وهو واد وراء عرفة دون الطائف وقيل بينه وبين مكة ليال وغزوة هوازن تسمى غزوة حنين وكانت الغنائم فيها من السبي والأموال أكثر من أن تحصى (مسلمين) حال (أن يرد إليهم أموالهم) كذا في النسخ الحاضرة وفي رواية البخاري أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم (معي من ترون) من السبايا غير التي قسمت بين الغانمين وفي كتاب الوكالة من صحيح البخاري في ترجمة الباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن حين سألوه المغانم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصيبي لكم وعند ابن إسحاق في المغازي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله وقالت الأنصار وما كان لنا فهو لرسول الله والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم برد ما عنده صلى الله عليه وسلم في ملكه (وأحب الحديث) كلام إضافي مبتدأ وخبره هو قوله (أصدقه) أي أصدق الحديث فالكلام الصادق والوعد الصادق أحب إلي فما قلت لكم هو كلام صادق وما وعدت بكم فعلي إيفاؤه ولفظ البخاري في كتاب العتق فقال إن معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف الحديث ومعنى قوله استأنيت بهم أي أخرت قسم السبي ليحضروا وفد هوازن فأبطأوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم
[ 256 ]
هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم بضع عشرة ليلة كذا في غاية المقصود ملخصا (فاختاروا) أمر من الاختيار (فقام) أي خطيبا (جاؤوا تائبين) أي من الشرك راجعين عن المعصية مسلمين منقادين (قد رأيت) من الرأي (أن يطيب ذلك) أي السبي يعني رده وقال القسطلاني بضم أوله وفتح الطاء وتشديد التحتية المكسورة قال الحافظ أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض (على حظه) أي نصيبه قال الحافظ أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطى عوضه (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفئ الله) من الإفاءة والفئ ما أخذ من الكفار بغير الحرب كالجزية والخراج (قد طيبنا) بتشديد الياء وسكون الباء (ذلك) أي الرد (من أذن منكم ممن لم يأذن) أي لا ندري بطريق الاستغراق من رضي ذلك الرد ممن لم يرض أو من أذن لنا ممن لم يأذن (عرفاؤكم) أي رؤساؤكم ونقباؤكم غير (أنهم) أي الناس كلهم قاله القاري (وأذنوا) أي له صلى الله عليه وسلم أن يرد السبي إليهم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي مختصرا ومطولا (في هذه القصة) أي السابقة (ردوا عليهم) أي على وفد هوازن (فمن مسك بشئ) قال الخطابي يريد من أمسك يقال مسكت الشئ وأمسكته بمعنى واحد وفيه إضمار وهو الرد كأنه قال من أصاب شيئا من هذا الفئ فأمسكه ثم رده (ست فرائض) جمع فريضة وهي البعير المأخوذ في الزكاة ثم اتسع فيه حتى سمي البعير في غير الزكاة كذا في النهاية (من أول شئ يفيئه الله علينا) قال الخطابي يريد الخمس من الفئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق منه على أهله
[ 257 ]
ويجعل الباقي في مصالح الدين ومنافع المسلمين وذلك بمعنى قوله إلا الخمس والخمس مردود عليكم (ثم دنا) أي قرب (وبرة) بفتحات أي شعرة (ولا هذا) يشير إلى ما أخذ قال الطيبي ولا هذا تأكيد وهو إشارة إلى الوبرة على تأويل شئ (ورفع إصبعيه) أي وقد رفع إصبعيه اللتين أخذ بهما الوبرة (إلا الخمس) ضبط بالرفع والنصب فالرفع على البدل والنصب على الاستثناء (والخمس مردود عليكم) أي مصروف في مصالحكم من السلاح والخيل وغير ذلك (فأدوا الخياط) بكسر الخاء أي الخيط أو جمعه (والمخيط) بكسر الميم وسكون الخاء هو ابرة قال الخطابي فيه دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد منه بشئ وإن قل إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة وهذا قول الشافعي انتهى مختصرا (في يده كبة) بضم الكاف وتشديد الموحدة أي قطعة مكبكبة أحمد من غزل شعر (برذعة) بفتح الموحدة والدال المهملة وقيل بالمعجمة وفي القاموس إهمال الدال أكثر وفي المغرب هي الحلس الذي تحت رحل البعير قاله القاري (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك) أي أما ما كان نصيبي ونصيبهم فأحللناه بعد لك وأما ما بقي من أنصباء الغانمين فاستحلاله ينبغي أن يكون منهم (فقال) أي الرجل (أما إذا بلغت) أي وصلت الكبة (ما أرى) أي إلى ما أرى من التبعة والمضايقة أو إلى هذه الغاية (فلا أرب) بفتح الهمزة والراء أي لا حاجة (ونبذها) أي ألقاها وأحاديث الباب تدل على ما ترجم به أبو داود قال الخطابي ما محصله إن في حديث جبير وحديث ابن عباس وحديث ابن مسعود دليلا على أن الإمام مخير في الأسارى البالغين إن شاء من عليهم وأطلقهم من غير فداء وإن شاء فاداهم بمال معلوم وإن شاء قتلهم يفعل ما هو أحفظ للإسلام وأصلح لأمر الدين وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري وقال أبو حنيفة وأصحابه إن شاء قتلهم وإن شاء فاداهم وإن شاء استرقهم ولا يمن عليهم فيطلقهم بغير عوض وزعم بعضهم أن المن خاص للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره قال والتخصيص لا يكون إلا بدليل وقوله تعالى إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد
[ 258 ]
وإما فداء) اية عام لجماعة الأمة كلهم ليس فيه تخصيص للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن للإمام أن يمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء وقال الأوزاعي بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله فإما منا بعد وإما فداء نسخها قوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادى أحب إليك قال إن قدر أن يفادي فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا قال إسحاق بن براهيم الإثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا فأطمع به الكثير انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي يقول في الإمام يقيم عند الظهور على العدو بعرصتهم الذي بفتح العين والصاد المهملتين بينهما راء أي بقعتهم الواسعة التي لا بناء بها من دار وغيرها (أقام بالعرصة) أي عرصة القتال وساحته من أرضه (ثلاثا) أي ثلاث ليال لأن الثلاث أكثر ما يستريح المسافر فيها أو لقلة احتفالهم كأنه يقول نحن مقيمون فإن كانت لكم قوة فلهموا إلينا (قال أبو داود إلخ) لم توجد هذه العبارة إلى اخر الباب في بعض النسخ (كان يحيى بن سعيد) هو القطان (لأنه ليس من قديم حديث سعيد) أي ابن أبي عروبة الراوي عن قتادة (لأنه)
[ 259 ]
أي سعيدا (تغير) أي حفظه (إلا باخره) أي باخر عمره (إن وكيعا حمل عنه) أي سمع الحديث من سعيد بن أبي عروبة (في تغيره) أي في زمان تغيره قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي 214 في التفريق بين السبي (فرق) من التفريق (بين جارية وولدها) أي ببيع أحدهما (عن ذلك) أي التفريق قال الخطابي لم يختلف أهل العلم أن التفريق بين الولد الصغير ووالدته غير جائز إلا أنهم اختلفوا في الحد بين الصغير الذي لا يجوز معه التفريق وبين الكبير الذي يجوز معه فقال أبو حنيفة وأصحابه الحد في ذلك الاحتلام وقال الشافعي إذا بلغ سبعا أو ثمانيا وقال الأوزاعي إذا استغنى عن أمه فقد خرج من الصغر وقال مالك إذا أشعر وقال أحمد بن حنبل لا يفرق بينهما بوجه وإن كبر الولد واحتلم ولا يجوز عند أبي حنيفة التفريق بين الأخوين إذا كان أحدهما صغيرا والآخر كبيرا فإن كان صغيرين جاز وأما الشافعي فإنه يرى التفريق بين ذوي
[ 260 ]
الأرحام في البيع واختلفوا في البيع إذا وقع على التفريق فقال أبو حنيفة هو ماض وإن كرهناه وغالب مذهب الشافعي أن البيع مردود وقال أبو يوسف البيع مردود واحتجوا بخبر علي رضي الله عنه هذا إلا أن إسناده غير متصل كما ذكره أبو داود انتهى مختصرا (وميمون) هو ابن أبي شبيب (قتل) بصيغة المجهول أي ميمون (والجماجم سنة ثلاث وثمانين) كذا في عامة النسخ وفي بعضها ثلاث وثلاثين وهو غلط قال الحافظ في التقريب ميمون بن أبي شبيب صدوق كثير الإرسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين في وقعة الجماجم وفي شرح القاموس والجمجمة القدح يسوى من خشب ودير الجماجم قرب الكوفة قال أبو عبيدة سمي به لأنه يعمل فيه الأقداح من خشب وبه كانت وقعة ابن الأشعث مع الحجاج بالعراق (والحرة سنة ثلاث وستين) قال في تاريخ الخلفاء وفي سنة ثلاث وستين بلغه يعني يزيد أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاؤوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة انتهى قال الإمام ابن الأثير يوم الحرة يوم مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذي ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين وأمر عليهم مسلم بن عقبة المزي في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد والحرة هذه أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة وكانت الوقعة بها قال المنذري قال أبو داود وميمون لم يدرك عليا وذكر الخطابي إسناده غير متصل كما ذكره أبو داود 215 الرخصة في المدركين يفرق بينهم المراد من المدركين البالغون (وأمره) أي أبا بكر (فزارة) قبيلة (فشننا الغارة) شن الغارة هو إتيان العدو من جهات
[ 261 ]
متفرقة قال في فتح الودود أي فرقنا النهب عليهم من جميع جهاتهم (إلى عنق من الناس) بضم المهملة والنون أي جماعة منهم قاله في مرقاة الصعود (فقاموا) أي توقفوا ولم يتيسر لهم أن يصعدوا الجبل (وعليها قشع) بكسر القاف وفتحها وسكون الشين أي جلد يابس كذا في فتح الودود وقال في القاموس القشع بالفتح الفر والخلق ثم قال ويثلث والنطع أو قطعة من نطع (وما كشفت لها ثوبا) كناية عن عدم الجماع (لله أبوك) قال أبو البقاء هو في حكم القسم كذا في مرقاة الصعود (وفي أيديهم) أي أهل مكة (أسرى) جمع أسير الأخيذ والأسير المقيد والمسجون جمعه أسارى وأسرى قال الخطابي في الحديث دليل على جواز التفريق بين الأم وولدها الكبير خلا ف ما ذهب إليه أحمد بن حنبل انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم 216 في المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة أي هل يأخذه لأنه أحق به أو يكون من الغنيمة
[ 262 ]
(أبق) أي هرب (فظهر عليه) أي غلب على العدو (فرده) أي الغلام الحديث فيه دليل للشافعية وجماعة على أن أهل الحرب لا يملكون بالغلبة شيئا من مال المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها وعند مالك وأحمد واخرين إن وجده مالكه قبل القسمة فهو أحق به وإن وجده بعدها فلا يأخذه إلا بالقيمة رواه الدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعا لكن إسناده ضعيف جدا وبذلك قال أبو حنيفة إلا في الآبق فقال مالكه أحق به مطلقا قاله القسطلاني (وقال غيره) أي غير يحيى بن أبي زائدة (رده عليه خالد بن الوليد) أي مكان رده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر والمراد من غيره هو ابن نمير وروايته مذكورة بعد هذا الحديث والحاصل أن في رواية يحيى بن أبي زائدة أن قصة العبد كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي رده إلى ابن عمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية غير يحيى وهي رواية ابن نمير الآتية أن قصته كانت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي رده إلى ابن عمر هو خالد بن الوليد والحديث سكت عنه المنذري (ذهب فرس له) أي نفر وشرد إلى الكفار (فأخذها) أي الفرس والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث كما في الصحاح والقاموس (فظهر) أي غلب (عليهم) أي على العدو وهو يطلق على المفرد والجمع (فرد) بصيغة المجهول (عليه) أي على ابن عمر قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه
[ 263 ]
217 في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون علي (خرج عبدان) بكسر العين وضمها وسكون الباء جمع عبد بمعنى المملوك وجاء بكسر العين والباء وتشديد الدال لكن قيل الرواية في الحديث بالتخفيف كذا في فتح الودود (فكتب إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (مواليهم) أي أسيادهم (هربا) بفتحتين أي خلاصا (فقال ناس) أي جمع من الصحابة (صدقوا) أي مواليهم (ردهم) أي عبيدهم (إليهم) أي إلى مواليهم (فغضب) قال التوربشتي وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هربا من الرق لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام أحرارا لا يجوز ردهم إليهم فكان معاونتهم لأوليائهم تعاونا على العدوان (ما أراكم) بضم الهمزة أي ما أظنكم وبفتح الهمزة أي ما أعلمكم حتى (تنتهون) أي عن العصبية أو عن مثل هذا الحكم وهو الرد (على هذا) أي على ما ذكر من التعصب أو الحكم بالرد (وقال هم عتقاء الله) قال الطيبي هذا عطف على قوله وقال ما أراكم وما بينهما قول الراوي معترض على سبيل التأكيد قال المنذري وأخرجه الترمذي أتم منه وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي وقال أبو بكر البزاز لا نعلمه يروى عن علي إلا من حديث ربعي عنه رحمه الله تعالى
[ 264 ]
218 في إباحة الطعام في أرض العدو (غنموا) بكسر النون (طعاما وعسلا) تخصيص بعد تعميم أو أراد بالطعام أنواع الحبوب وما يؤخذ منها (فلم يؤخذ منهم الخمس) أي فيما أكلوا منها والحديث سكت عنه المنذري (عن عبد الله بن مغفل) بالغين المعجمة والفاء بوزن محمد (دلي) بصيغة المجهول من التدلية أي رمي (جراب) بكسر الجيم أي وعاء من جلد (من شحم) أي مملوء من شحم وفي رواية البخاري فرمى إنسان بجراب فيه شحم (فالتزمته) أي عانقته وضممته إلي (لا أعطي من هذا أحد اليوم شيئا) قال الطيبي في قوله اليوم إشعار بأنه كان مضطرا إليه وبلغ الاضطرار إلى أن يستأثر نفسه على الغير ولم يكن ممن قيل فيه ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فالتفت) أي نظرت (يتبسم إلي) زاد أبو داود الطيالسي في اخره فقال هو لك كذا في الفتح والحديثان يدلان على إباحة الطعام في أرض العدو قال النووي قال القاضي أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب على قدر حاجتهم ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه ولم يشترط أحد من العلماء استئذان الإمام إلا الزهري انتهى وفي الحديث جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وروي عنه وعن أحمد تحريمه كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 265 ]
219 في النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو قال الخطابي النهبى اسم مبني على فعل من النهب كالرغبى تعالى من الرغبة انتهى والمراد بالنهبى فإن أخذ مال الغنيمة بلا تقسيم (بكابل) كامل من ثغور طخارستان قاله في القاموس (فانتهبوها) أي أخذوها بلا تقسيم (فقام) أي عبد الرحمن بن سمرة (ينهي عن النهب) قال الخطابي إنما نهى عن النهب لأن الناهب إنما يأخذ ما يأخذه على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي ذلك إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه وأن يبخس بعضهم حقه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللرجل سهم فإذا انتهبوا الغنيمة بطلت القسمة وعدمت التسوية انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن محمد بن أبي مجالد) بضم الميم وكسر اللام (قال قلت) أي لبعض الصحابة (هل كنتم تخمسون) من التخميس (فقال) أي بعض الصحابة والحديث سكت عنه المنذري
[ 266 ]
(فانتهبوها) أي أخذوا منها قبل القسمة (فأكفأ قدورنا) في القاموس كفأ كبه وقلبه كأكفأه (ثم جعل يرمل اللحم بالتراب) أي يلطخه به قال في القاموس أرمل الطعام جعل فيه الرمل (إن النهبة ليسب بأحل من الميتة) النهبة بضم النون المال المنهوب والمعنى أن النهبة والميتة كلاهما حرامان ليس بينهما فرق في الحرمة (الشك من هناد) هو ابن السري والحديث سكت عنه المنذري 220 في حمل الطعام من أرض العدو (أن ابن حرشف) قال الحافظ ابن حرشف الأزدي كأنه تميمي الذي روى عن قتادة وهو مجهول من السادسة (كنا نأكل الجزر) قال في النيل بفتح الجيم جمع جزور وهي الشاة التي تجزر أي تذبح كذا قيل وفي القاموس في مادة جزر ما لفظه والشاة السمينة ثم قال والجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة ثم قال وما يذبح من الشاة انتهى وقد قيل إن الجزر في الحديث بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو ما تقدم تفسيره انتهى كلام الشوكاني ووقع في بعض النسخ الجزور وكذلك في المشكاة قال القاري بفتح الجيم أي البعير انتهى وفي بعضها كنا نأكل الحزر بالحاء المهملة والزاي ثم الراء قال في النهاية لا تأخذوا من جزرات عمر أموال الناس أي ما يكون قد أعد للأكل والمشهور بالحاء المهملة انتهى (إلى رحالنا) أي منازلنا في المدينة وهو الظاهر من تبويب المؤلف وقال القاري المراد من الرحال منازلهم في سفر الغزو (وأخرجتنا) بفتح الهمزة وكسر الراء على وزن أفعله جمع خرج بالضم
[ 267 ]
وهي الجوالق في القاموس الأخرجة جمع الخرج والخرج بالضم وعاء معروف قاله القاري (منه) أي من الجزر (مملأة) أي ملآنة قال واختلفوا فيما يخرج به المرء من الطعام من دار الحرب فقال سفيان الثوري يرد ما أخذ منه إلى الإمام وكذلك قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وقال في موضع اخر له أن يحمله لأنه إذا ملكه في دار الحرب فقد صار له فلا معنى لمنعه من الخروج وإلى هذا ذهب الأوزاعي إلا أنه قال لا يجوز له أن يبيعه إنما له الأكل فقط فإن باعه وضع ثمنه في مغانم المسلمين وكان مالك بن أنس يرخص في القليل منه كاللحم والخبز ونحوهما قال لا بأس أن يأكل في أهله وكذلك قال أحمد بن حنبل انتهى قال المنذري القاسم تكلم فيه غير واحد 221 في بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو (من أهل الأردن) ضبط في بعض النسخ بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال وتشديد النون قال في القاموس الأردن بضمتين وشد النون النعاس وكورة بالشام منها عبادة بن نسي انتهى وفي المغنى في النسب الأردني بمضمومة وسكون راء وضم دال فنون مشددة (عن عبادة بن نسي) بضم النون وفتح المهملة وتشديد الياء (عن عبد الرحمن بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون مختلف في صحبته كذا في التقريب (رابطنا مدينة قنسرين) قال في القاموس قنسرين وقنسرون بالكسر فيهما كورة بالشام وتكسر نونهما انتهى والرباط الإقامة على جهاد العدو بالحرب كذا في مختصر النهاية (مع شرحبيل بن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم الكندي الشامي جزم ابن سعد بأن له وفادة ثم شهد القادسية وفتح حمص وعمل عليها لمعاوية كذا في التقريب (فلما فتحها) أي مدينة قنسرين والضمير المرفوع لشرحبيل
[ 268 ]
(فقسم فينا إلخ) قال الخطابي قوله قسم فينا طائفة أي قدر الحاجة للطعام وقسم البقية بينهم على السهام والأصل أن الغنيمة مخموسة ثم الباقي بعد ذلك مقسوم إلا أن الضرورة لما دعت إلى إباحة الطعام للجيش والعلف لدوابهم صار قدر الكفاية منها مستثنى ببيان النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد على ذلك مردود إلى المغنم انتهى والحديث سكت عنه المنذري 222 في الرجل ينتفع من الغنيمة بشئ (مولى تجيب) بضم المثناة وكسر الجيم (عن حنش) بفتح أوله وفتح النون الخفيفة بعدها معجمة (من فئ المسلمين) أي غنيمتهم المشتركة (حتى إذا أعجفها) أي أضعفها وأهزلها (ردها فيه) أي في الفئ (حتى إذا أخلقه) بالقاف أي أبلاه والإخلاق بالفارسية كهنة كردن قال في السبل يؤخذ منه جواز الركوب ولبس الثوب وإنما يتوجه النهي إلى الاعجاف والإخلاق للثوب فلو ركب من غير إعجاف ولبس من غير إخلاق وإتلاف جاز انتهى قال في الفتح وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعني أهل الحرب ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع المذكور قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه
[ 269 ]
223 في الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة النبي (حدثني أبو عبيدة) هو ابن عبد الله مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه (صريع) أي مقتول (قد ضربت) بصيغة المجهول (رجله) حال أو بيان لقوله صريع (قد أخزى الله الآخر) بوزن الكبد أي الأبعد المتأخر عن الخير وقيل هو بمعنى الأرذل وقيل بمعنى اللئيم وقوله الآخر هو مفعول أخزى المراد به أبو جهل (قال) عبد الله بن مسعود (ولا أهابه) أي ولا أخاف أبا جهل في تلك الحالة لأنه مجروح الرجل لا يقدر على شئ وفي رواية أحمد قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فنفلني بسلبه انتهى (فقال أبعد من رجل قتله قومه) قال الخطابي هكذا رواه أبو داود وهو غلط وإنما هو أعمد بالميم بعد العين كلمة للعرب معناها كأنه يقول هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل بها من هلاك حكاها أبو عبيد عن أبي عبيدة معمر بن المثنى وأنشد لابن ميادة وأعمد من قوم كفاهم أخوهم صدام الأعادي حين فلت بيوتها يقول هل زادنا على أن كفينا إخواننا انتهى وقال في النهاية في مادة بعد أي أنهى وأبلغ لأن الشئ المتناهي في نوعه يقال قد أبعد فيه وهذا أمر بعيد أي لا يقع مثله لعظمه يريد أنك استبعدت قتلي واستعظمت شأني فهل هو أبعد من رجل قتله قومه والصحيح رواية أعمد بميم انتهى وقال في مادة عمد أي هل زاد على رجل قتله قومه وهل كان إلا هذا أي أنه ليس عليه بعار وقيل أعمد بمعنى أعجب أي أعجب من رجل قتله قومه وقيل أعمد بمعنى أغضب من قولهم عمد عليه إذا غضب وقيل معناه أتوجع وأشتكي وإن من قولهم عمدني
[ 270 ]
الأمر فعمدت أي أوجعني فوجعت والمراد بذلك كله أن يهون على نفسه ما حل به من الهلاك وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه (بسيف غير طائل) قال الخطابي أي غير ماض وأصل الطائل النفع والفائدة انتهى وفي النهاية أي غير ماض ولا قاطع كأنه كان سيفا دونا بين السيوف وكفن غير طائل أي غير رفيع ولا نفيس (فلم يغن) من باب ضرب أي لم يصرف ولم يكف أبو جهل عن نفسه (شيئا) من وقعة السيف عليه مع أنه ضربته بسيف غير قاطع قال في النهاية أغن عني شرك أي اصرفه وكفه وفي حديث عثمان أن عليا بعث إليه بصحيفة فقال للرسول أغنها عنا أي اصرفها وكفها ومنه قول ابن مسعود وأنا لا أغني لو كانت لي منعة أي لو كان معي من يمنعني لكفيت شرهم وصرفتهم انتهى (فضربته به) أي بسيفه (حتى برد) أي مات وأصل الكلمة من الثبوت يريد سكون الموت وعدم حركة الحياة ومن ذلك قولهم برد لي على فلان حق أي ثبت وفيه أنه قد استعمل سلاحه في قتله وانتفع به قبل القسم قاله الخطابي قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه 224 في تعظيم الغلول (فذكروا ذلك) أي خبر موته (صلوا على صاحبكم) والمعنى أنا لا أصلي عليه (لذلك) أي لامتناعه من الصلاة عليه حيث لم يعرفوا سببه (خرزا) بفتحتين ما ينتظم من جوهر ولؤلؤ وغيرهما قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 271 ]
(والاموال) يعني المواشي والعقار والأرض والنخيل (فوجه) من التفعيل بمعنى توجه أي أقبل وقصد (وقد أهدي) بصيغة المجهول (يقال له مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملة أهداه رفاعة بن زيد (يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يضعه عن ظهر مركوبه (كلا) للردع أي ليس الأمر كما تظنون (إن الشملة) وهي كساء يشتمل به الرجل (لم تصبها المقاسم) قال ابن الملك الجملة حال من منصوب أخذها أي غير مقسومة أي أخذها قبل القسمة فكان غلولا لأنها كانت مشتركة بين الغانمين (ذلك) أي الوعيد الشديد (بشراك) بكسر أوله أحد سيور النعل التي تكون على وجهها ذكره في النهاية (أو شراكين) شك من الراوي (شراك من نار أو شراكان من نار) قال في فتح الودود أي لولا رددت أو لأنه رد في وقت ما يمكن قسمته انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي والشراك بكسر الشين المعجمة أحد سيور النعل التي تكون على وجهها 225 في الغلول إذا كان يسيرا يتركه الإمام ولا يحرق رحله (فيجيئون بغنائمهم) الباء للتعدية أي يحضرونها (فيخمسه) من باب نصر كذا في فتح
[ 272 ]
الودود وقال القاري بتشديد الميم وتخفف والضمير المنصوب لما يجيئون به (بعد ذلك) أي بعد التخميس (بزمام) بكسر الزاي أي بخطام (من شعر) بفتح العين ويسكن (ثلاثا) أي ثلاث مرات في يوم أو أيام (فاعتذر إليه) أي للتأخير اعتذارا غير مسموع (كن أنت تجئ به يوم القيامة) قال الطيبي والأنسب أن يكون أنت مبتدأ وتجئ خبره والجملة خبر كان وقدم الفاعل المعنوي للتخصيص أي أنت تجئ به لا غيرك (فلن أقبله عنك) قال الطيبي هذا وارد على سبيل التغليظ لا أن توبته غير مقبولة ولا أن رد المظالم على أهلها أو الاستحلال منهم غير ممكن انتهى وقال المظهر وإنما لم يقبل ذلك منه لأن جميع الغانمين فيه شركة وقد تفرقوا وتعذر إيصال نصيب كل واحد منهم منه إليه فتركه في يده ليكون إثمه عليه لأنه هو الغاصب كذا في المرقاة قال المنذري كان هذا في اليسير فما الظن بما فوقه 226 في عقوبة الغال هو (قال النفيلي الأندراوردي) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الدال الأولى وتفتح الواو بعد الألف كذا ضبط في بعض النسخ أي قال النفيلي في روايته حدثنا عبد العزيز بن محمد الأندراوردي بذكر نسب عبد العزيز بن محمد ولم يذكره سعيد بن منصور وذكر نسبه في التقريب والخلاصة بلفظ الدراوردي (قال أبو داود وصالح هذا أبو واقد) أي كنيته صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد (فأتي) بصيغة المجهول (فسأل) أي مسلمة (سالما) أي ابن
[ 273 ]
عبد الله بن عمر رضي الله عنه (عنه) أي عن حكم الرجل الغال (فقال) أي سالم (سمعت أبي) أي عبد الله بن عمر (مصحفا) أي قرانا قال الحافظ في الفتح وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف وقال الطحاوي لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث وقال محمد يعني البخاري وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال فأمر فيه بحرق متاعه هذا اخر كلامه وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل إنه تفرد به وقال البخاري وعامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشئ وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مع الوليد بن هشام) أي ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم (وطيف به) بصيغة المجهول من الطواف (هذا أصح الحديثين) المعنى أن هذا الحديث الموقوف أصح من الحديث المرفوع الذي قبله (وضربه) عطف على أحرق قال المنذري قال أبو داود هذا أصح الحديثين إلخ
[ 274 ]
(حرقوا) بتشديد الراء بمعنى أحرقوا (قال أبو داود وزاد فيه) أي في الحديث (علي بن بحر) فاعل زاد (ولم أسمعه) أي الحديث أو ما زاد (منه) أي من علي بن بحر (ومنعوه سهمه) مفعول زاد أي لم يعطوا الغال سهمه والحديث سكت عنه المنذري (وحدثنا به) أي بحديث إحراق متاع الغال (قال حدثنا الوليد) أي ابن مسلم (عن عمرو بن شعيب قوله) أي موقوفا عليه (لم يذكر) أي في هذا الحديث الموقوف (عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم (الحوطي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو (منع سهمه) مفعول لم يذكر أي لم يذكر عبد الوهاب في هذا الحديث الموقوف منع سهم الغال كما ذكره علي بن بحر عن الوليد في الحديث المرفوع المتقدم بلفظ ومنعوه سهمه والحديث سكت عنه المنذري 227 النهي عن الستر على من غل (من كتم غالا) أي ستر غلول غال ولم يظهره عند الأمير فهو مثل الغال في الإثم والعقوبة والحديث سكت عنه المنذري
[ 275 ]
228 في السلب يعطى القاتل السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب قاله الحافظ (في عام حنين) بالحاء المهملة والنون مصروفا بوزن زبير واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكان في السنة الثامنة (فلما التقينا) أي نحن والمشركون (جولة) بفتح الجيم وسكون الواو أي تقدم وتأخر وعبر بذلك احترازا عن لفظ الهزيمة وكانت هذه الجولة في بعض الجيش لا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله قاله القسطلاني وقال السيوطي أي غلبه من جال في الحرب على قرنه يجول انتهى (قد علا رجلا من المسلمين) أي ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه (فاستدرت) من استدار بمعنى دار من الدور (عل حبل عاتقه) بكسر الفوقية وهو ما بين العنق والكتف وفي إرشاد الساري بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق أو ما بين العنق والمنكب (فضمني) أي ضغطني عنه وعصرني (وجدت منها ريح الموت) استعارة عن أثره أي وجدت شدة كشدة الموت (فلحقت عمر بن الخطاب) في السياق حذف تبينه الرواية الأخرى من حديثه في البخاري وغيره بلفظ ثم إن قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر ابن الخطاب (ما بال الناس) أي منهزمين (قال أمر الله) أي كان ذلك من قضائه وقدره أو ما حال المسلمين بعد الانهزام فقال أمر الله غالب والنصرة للمسلمين (له) أي للقاتل (عليه) أي على قتله للمقتول (بينه) أي شاهد ولو واحدا (من يشهد
[ 276 ]
لي) أي بأني قتلت رجلا من المشركين فيكون سلبه لي (مالك يا أبا قتادة) أي تقوم وتجلس على هيئة طالب لغرض أو صاحب غرض (صدق) أي أبو قتادة (فأرضه منه) أمر من باب الإفعال والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي فأعطه عوضا عن ذلك السلب ليكون لي أو أرضه بالمصالحة بيني وبينه قال الطيبي من فيه ابتدائية أي أرض أبا قتادة لأجلي ومن جهتي وذلك إما بالهبة أو بأخذه شيئا يسيرا من بدله (لاها الله) بالجر أي لا والله أي لا يفعل ما قلت فكلمة ها بدل من واو القسم (إذا يعمد إلى أسد من أسد الله) بضم الهمزة وسكون السين وقيل بضمهما جمع أسد والمعنى إن فعل ذلك فقد قصد إلى إبطال حق رجل كأنه أسد في الشجاعة وإعطاء سلبه إياك قال النووي في جميع روايات المحدثين في الصحيحين وغيرهما إذا بالألف قبل الذال وأنكره الخطابي وأهل العربية وقال الخطابي في معالم السنن قوله لاها الله إذا هكذا يروى والصواب لاها الله ذا بغير الألف قبل الذال ومعناه لا والله يجعلون الهاء مكان الواو ومعناه لا والله لا يكون ذا انتهى وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام في تصويب ما في روايات المحدثين وتصحيح معناه واعلم أنه وقع في جميع نسخ أبي داود الحاضرة إذا يعمد وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما إذا لا يعمد بالنفي فمعنى ما في رواية أبي داود ظاهر وإن شئت انكشاف ما في رواية الصحيحين وغيرهما فعليك بشروحهما إلا لا سيما فتح الباري للحافظ فإنه يعطيك الثلج إن شاء الله تعالى (يقاتل عن الله وعن رسوله) أي لرضاهما ولنصرة فيه دينهما (صدق) أي أبو بكر الصديق (فأعطه) أي أبا قتادة والخطاب للذي اعترف بأن السلب عنده (إياه) أي سلبه (فبعت الدرع ) بكسر الدال وسكون الراء ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه هو حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواقي (فابتعت) أي اشتريت (مخرفا) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء أي بستانا (في بني سلمة) بكسر اللام (تأثلته) أي تكلفت جمعه وجعلته أصل مالي وأثل كل شئ أصله وفي الحديث دليل على أن السلب للقاتل
[ 277 ]
أنه لا يخمس وللعلماء فيه اختلاف وذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (يعني يوم حنين) تفسير من بعض الرواة (وأخذ أسلابهم) فيه أن السلب للقاتل وإن كثر المقتول وليس لغيره فيه نزاع (ومعها خنجر) كجعفر ويكسر خاؤه سكين كبير (أبعج) أي أشق من باب فتح قال المنذري وأخرجه مسلم قصة أم سليم في الخنجر بنحوه (قال أبو داود) وجدت هذه العبارة في بعض النسخ (أردنا بهذا) أي الحديث (الخنجر) مفعول أردنا أي أردنا جواز استعمال الخنجر والله أعلم 229 في الإمام يمنع القاتل السلب الخ (في غزوة مؤتة) بضم الميم وهمزة ساكنة ويجوز ترك الهمز كما في نظائره وهي قرية معروفة في طرف الشام عند الكرك قاله النووي (ورافقني) أي صار رفيقي (مددي) يعني رجل
[ 278 ]
من المدد الذين جاؤوا يمدون جيش مؤتة ويساعدونهم (جزورا) أي بعيرا (طائفة) أي قطعة (كهيئة الدرق) قال في الصراح درقة بفتحتين سير جمعه درق (أشقر) أي أحمر (مذهب) بضم وسكون أي مطلي بالذهب (يفري) بالفاء والراء كيرمي أي يبالغ في النكاية والقتل يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر وفي بعض النسخ يغري بالغين من الإغراء أي يسلط الكفرة على المسلمين ويحثهم على قتالهم (فقعد له) أي للرومي (فعرقب فرسه) أي قطع قوائمها (وعلاه) أي علا المددي الرومي (وحاز) أي جمع (استكثرته) أي زعمته كثيرا (أو لأعرفنكها) من التعريف أي لأجازينك بها حتى تعرف سوء صنيعك وهي كلمة تقال عند التهديد كذا في المجمع وفي بعض الحواشي المنصوب للفعلة أي أجعلنك صلى عارفا بجزائها (دونك) أي خذ ما وعدتك (هل أنتم تاركون لي) وفي بعض النسخ تاركولي بحذف النون قال النووي هذا أيضا صحيح وهي لغة معروفة (أمرائي) أي الأمراء الذين أمرتهم عليكم منهم خالد بن الوليد تتركونهم بمخالفتهم وعدم متابعتهم وليس صنيعكم هذا لائقا بشأن الأمراء (لكم صفوة أمرهم) بكسر الصاد خلاصة الشئ وما صفا منه قاله الخطابي (وعليهم) أي على الأمراء (كدره) الكدر بالتحريك ضد الصافي ولفظ مسلم فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما
[ 279 ]
ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركولي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم انتهى قال النووي معناه أن الرعية يأخذون صفو الأمور فتصلهم أعطياتهم بغير نكد وتبتلي الولاة بمقاساة الناس وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم وإنصاف بعضهم من بعض ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس انتهى وفي الحديث دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره وفيه أن الفرس والسلاح من السلب قال المنذري وأخرجه مسلم 230 في السلب لا يخمس أنه (ولم يخمس السلب) والمعنى أنه دفع السلب كله إلى القاتل ولم يقسمه خمسة أقسام بخلاف الغنيمة وفيه دليل لمن قال إنه لا يخمس السلب قال المنذري في إسناده ابن عياش وقد تقدم الكلام عليه
[ 280 ]
231 من أجاز على جريح وهو الخ قال في القاموس أجزت على الجريح أجهزت وقال جهز على الجريح كمنع وأجهز أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وقال فيه أثخن في العدو بالغ في الجراحة فيهم وحاصل الترجمة أن من أسرع قتل الجريح المثخن الذي به رمق يعطى شيئا من سلبه (نفلني) بتشديد الفاء أي أعطاني نفلا زائدا على سهم الغنيمة (كان) ابن مسعود (قتله) أي أبا جهل يعني حز رأسه وبه رمق وإلا فقد قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وهذا من كلام الراوي ويحتمل أن يكون من كلامه على التجريد أو الالتفات وفي الحديث دليل لما ترجم به أبو داود قال المنذري وقد تقدم أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي نحوه (بعد أن فتحها) أي بعد فتح خيبر (وإن حزم خيلهم) بمهملة وزاي مضمومتين جمع حزام بالكسر وهو ما يشد به الوسط ومعناه بالفارسية تنك ستور (ليف) بالكسر معناه بالفارسية بوست درخت خرما (فقال أبان أنت بها) قال الخطابي م عناه أنت المتكلم بهذه الكلمة وفي رواية البخاري وأنت بهذا قال الحافظ أي وأنت تقول
[ 281 ]
بهذا أو أنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده (ياوبر) بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية (تحدر) أي تدلى وهبط (من رأس ضال) بتخفيف اللام قال الخطابي يقال إنه جبل أو موضع وفي فتح الباري أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع وأنه قليل القدرة على القتال انتهى قال الخطابي وفي الحديث من الفقه أن الغنيمة لمن شهد الوقعة دون من لحقهم بعد إحرازها وقال أبو حنيفة من لحق الجيش بعد أخذ الغنيمة قبل قسمها فهو شريك الغانمين وقال الشافعي الغنيمة لمن حضر الوقعة وكان ردءا لهم فأما من لم يحضرها فلا شئ له وهو قول مالك وأحمد بن حنبل انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا (وسأله) الضمير المنصوب إلى الزهري وفي رواية البخاري في المغازي عن علي عن سفيان سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية فقال أخبرني عنبسة بن سعيد الحديث (أن يسهم لي) أي من غنائم خيبر (بعض ولد سعيد بن العاص) هو أبان بن سعيد (هذا) أي أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) بقافين على وزن جعفر واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم وقوقل لقب ثعلبة وأصرم وعند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة فاستشهد ذلك اليوم فقال النبي لقد رأيته في الجنة وما به عرج قاله القسطلاني (فقال سعيد بن العاص) كذا في جميع النسخ الحاضرة وفي رواية البخاري فقال ابن سعيد بن العاص وهو الصحيح (يا عجبا) وفي رواية البخاري واعجبا قال القسطلاني بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب وإن لم ينون فأصله واعجبي فأبدلت كسرة الباء فتحة والياء ألفا كما فعل في يا أسفي ويا حسرتي صلى الله عليه وسلم (لوبر) بلام مكسورة قاله القسطلاني وتقدم معنى الوبر (قد تدلى) أي انحدر (من قدوم ضال) بفتح القاف
[ 282 ]
وضم الدال المخففة أي طرفه وفسر البخاري الضال بالسدر البري وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري وفي رواية البخاري من رأس ضان بالنون قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة كذا في النيل (أكرمه الله) أي بالشهادة (على يدي) بتشديد التحتية تثنية يد (ولم يهني) من الإهانة (على يديه) بأن يقتلني كافرا فأدخل النار وقد عاش أبان حتى تاب وأسلم قبل خيبر وبعد الحديبية إذا قال المنذري وأخرجه البخاري وقال فيه فقال ابن سعيد بن العاص وهذا هو الصحيح قال أبو بكر بن الخطيب هكذا روى أبو داود هذا الحديث عن حامد بن يحيى وقال فيه فقال سعيد بن العاص وإنما هو ابن سعيد بن العاص واسمه أبان وهو الذي قال لا تسهم له يارسول الله هذا اخر كلامه ووقع في هذا الحديث أن أبا هريرة سأل رسول الله أن يسهم له وأن ابن سعيد بن العاص قال للنبي لا تسهم له وفي الحديث الذي قبله أن أبان بن سعيد هو الذي سأل رسول الله أن يقسم لهم فإن أبا هريرة القائل لا تسهم له وذكر أبو بكر الخطيب أن الصحيح أن أبا هريرة هو السائل لرسول الله انتهى كلام المنذري (بريد) بالتصغير (قدمنا) أي من الحبشة (فوافقنا) أي صادفنا (أو قال فأعطانا منها) أي غنائم خيبر وأو للشك (إلا لمن شهد معه) استثناء منقطع للتأكيد (إلا أصحاب سفينتنا) استثناء متصل من قوله لأحد ذكره الطيبي قال القاري وقيل جعله بدلا أظهر ويرده أن الرواية بالنصب انتهى (جعفر وأصحابه) عطف بيان لأصحاب السفينة والمراد بهم جعفر بن أبي طالب مع جماعة من أصحاب النبي كانوا هاجروا إلى الحبشة حين كان النبي بمكة فلما سمعوا بهجرة النبي وقوة دينه رجعوا وكانوا راكبين في السفينة فوافق قدومهم فتح خيبر (فأسهم لهم) أي لجعفر وأصحابه (معهم) أي من شهدوا مع النبي في فتح خيبر قال الخطابي يشبه أن يكون النبي إنما أعطاهم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة انتهى وفي النيل وقال ابن التين يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش وبهذا
[ 283 ]
جزم موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي مختصرا ومطولا (يعني يوم بدر) تفسير من أحد الرواة (في حاجة الله وحاجة رسوله) أي في خدمتهما وسبيلهما وأمر دينهما وعثمان رضي الله عنه تخلف في المدينة لتمريض رقية بنت رسول الله وهي زوجته وماتت ودفنت وهو ببدر (وإني أبايع له) أي لأجله وبدله فضرب بيمينه على شماله وقال هذه يد عثمان رضي الله عنه وهذا فيه إشكال وإني أراه وهما من بعض الرواة ووجه الإشكال إن رسول الله إنما بايع عن عثمان في غزوة الحديبية كما في عامة كتب الحديث والسير لا في غزوة بدر والذي وقع في بدر أن النبي خلفه على ابنته رقية وكانت مريضة فقال له رسول الله إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه كما في صحيح البخاري في باب مناقب عثمان قال جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم قال هؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر إني سائلك عن شئ فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم فقال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال نعم قال الرجل هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال الله أكبر قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله وكانت مريضة فقال له رسول الله إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان فقال له ابن عمر اذهب بها ان معك انتهى فكانت بيعة الرضوان في غزوة الحديبية لا في غزوة بدر والسبب في ذلك أن النبي بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة
[ 284 ]
وروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي (ص) عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة (فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم) قال الخطابي : هذا خاص بعثمان لانه كان يمرض ابنة رسول الله (ص) انتهى . (فضرب) أي جعل وبين له أي لعثمان وقد استدل بهذا الحديث علي أنه يسهم الامام لمن كان غائبا في حاجة له بعثه لقضائها . أما من كان غائبا عن القتال لا لحاجة للامام وجاء بعد الوقعة فذهب الشافعي ومالك والاوزاعي والثوري واللليث إلى أنه لاسهم له ، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل إحرازها إلى دار اسلام كذا في النيل : والحديث سكت عنه المنذري . باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة بصيغة المجهول أن يعطيان قال في القاموس الحذوة بالكسر العطية (عن يزيد بن هرمز) بضم الهاء والميم غير مصروف وقيل مصروف (نجدة) بفتح نون وسكون جيم رئيس الخوارج (لولا أن يأتي أحموقة) بضم همزة وميم أي لولا أن يفعل فعل الحمقى ويرى رأيا كرأيهم قاله في فتح الودود (فكان يحذى) أي يعطي وفيه أن العبد يحذى له ولا يسهم له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء وقال مالك لا يحذى له وقال الحسن وابن سيرين والنخعي والحكم إن قاتل أسهم له قاله النووي (فكن يداوين الجرحى) جمع جريح والحديث سكت عنه المنذري
[ 285 ]
(الحروري) بفتح فضم نسبة إلى قرية بظاهر الكوفة نسبة الخوارج إليها لأنها كانت محل اجتماعهم حين خرجوا على علي رضي الله عنه (فأنا كتبت) هو قول يزيد بن هرمز الراوي (وقد كان يرضخ لهن) بصيغة المجهول أي يعطى قليلا من الرضخ بضم الراء وبالمعجمتين وهو إعطاء القليل وفيه أن المرأة تستحق الرضخ ولا تستحق السهم وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والليث والشافعي وجماهير العلماء وقال الأوزاعي تستحق السهم إن كانت تقاتل أو تداوي الجرحى وقال مالك لا رضخ لها وهذان المذهبان مردودان بهذا الحديث الصحيح الصريح قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا (حدثني حشرج) بوزن جعفر (نغزل الشعر) عن الغزل وهو بالفارسية رشتن من باب ضرب يضرب (أسهم لنا كما أسهم للرجال) قال الخطابي ذهب أكثر الفقهاء إلى أن النساء
[ 286 ]
والعبيد لا يسهم لهم وإنما يرضخ لهم إلا أن الأوزاعي قال يسهم لهن وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث وإسناده ضعيف لا تقوم الحجة بمثله انتهى (قالت تمرا) قال الحافظ ابن القيم رحمه الله قولها أسهم لنا كما أسهم للرجال تعني به أنه أشرك بينهم في أصل العطاء لا في قدره فأرادت أنه أعطانا مثل ما أعطى الرجال لا أنه أعطاههن ثنا بقدره سواء انتهى وفي فتح الودود الظاهر أنه عليه السلام قسم بينهم شيئا من التمر فسوى بينهم في القسمة انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وجدة حشرج هي أم زياد الأشجعية وليس لها في كتابيهما سوى هذا الحديث وذكر الخطابي أن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث وإسناده ضعيف لا تقوم به الحجة هذا اخر كلامه وحشرج بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة وجيم انتهى وفي التلخيص في إسناده حشرج وهو مجهول (مولى ابي اللحم) اسم فاعل من أبى يأبى ويأتي وجه التسمية به في اخر الحديث (شهدت) أي حضرت (مع ساداتي) وفي بعض النسخ مع سادتي أي كبار أهلي (فكلموا في) أي في شأني وحقي بما هو مدح لي أو بأن يأخذني للغزو (فأمر بي) وفي بعض النسخ فأمرني أي أمرني بأن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة (فقلدت) بصيغة المجهول من التقليد (فإذا أنا أجره) أي أسحب السيف على الأرض من صغر سني أو قصر قامتي (فأخبر) بصيغة المجهول والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم (من خرثي المتاع) بضم المعجمة وسكون الراء وكسر المثلثة وتشديد الياء أي أثاث البيت وأسقاطه به كالقدر وغيره (قال أبو داود معنها إلخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 287 ]
(أبي سفيان) المكي هو طلحة بن نافع (عن جابر) هو ابن عبد الله قاله المنذري (كنت أميح) مضارع من ماح ميحا إذا نزل في ماء قليل فملأ الدلو بيده قاله السندي وقال ابن الأثير في النهاية في حديث جابر فنزلنا فيها ستة ماحة هي جمع مائح وهو الذي ينزل في الركية إذا قل ماؤها فيملأ الدلو بيده وقد ماح يميح ميحا انتهى والحديث لا يدل على ترجمة الباب وإنما هو من متعلقاته والله أعلم باب في المشرك إلخ (قال يحيى) هو ابن معين (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم اتفقا) يعني مسددا ويحيى بن معين (فقالا) أي مسدد ويحيى في روايتهما (إنا لا نستعين بمشرك فلما لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم على استعانة المشرك فكيف يسهم له سهم) قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه 235 في سهمان الخيل جمع سهم واعلم أنه اختلف العلماء في سهم الفارس والراجل من الغنيمة فقال الجمهور يكون للراجل سهم واحد وللفارس ثلاثة أسهم سهمان بسبب فرسه وسهم بسبب
[ 288 ]
نفسه وقال أبو حنيفة للفارس سهمان فقط سهم لها وسهم له قالوا ولم يقل بقوله هذا أحد إلا ما روي عن علي وأبي موسى قاله النووي (سهما له وسهمين لفرسه) قال المظهر اللام في له للتمليك وفي لفرسه للتسبب أي لأجل فرسه وفي شرح السنة لفنائه في الحرب إذ مؤنة فرسه إذا كان معلوفا تضاعف على مؤنة صاحبه كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ولفظ الترمذي ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللراجل سهما ولفظ البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما وفي لفظ اخر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما قال فسره نافع فقال إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم فإن لم يكن له فرس فله سهم لفظ ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم انتهى كلام المنذري (وأعطى الفرس سهمين) فصار للفارس ثلاثة أسهم سهم لنفسه وسهمان لأجل فرسه قال المنذري في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عقبة بن عبد الله بن مسعود وفيه مقال وقد استشهد به البخاري (إلا أنه قال ثلاثة نفر) أي مكان أربعة نفر والحديث سكت عنه المنذري 236 فيمن أسهم له أي للفرس (سهما) واحدا كما ذهب إليه الحنفية (أخبرنا مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة وكذا مجمع بن جارية
[ 289 ]
(يذكر) أي يعقوب (عن عمه) الضمير المجرور يرجع إلى يعقوب (عن عمه مجمع) والضمير المجرور يرجع إلى عبد الرحمن بن يزيد بن جارية (قال) عبد الرحمن (وكان) أي مجمع بن جارية (قال) أي مجمع (شهدنا الحديبية) أي صلح الحديبية سنة ست في ذي القعدة والحديبية بتخفيف الياء وتشديدها وهي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة وقال الطبري قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم وهي على تسعة أميال من مكة كذا في المواهب اللدنية (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان معه صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمائة نفر من الصحابة خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن معه من الصحابة إلى مكة المكرمة لأداء العمرة فلما كانوا بذي الحليفة أحرم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالعمرة حتى وصلوا بالغميم وتعرض المشركون بالمسلمين فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى مكة وقال أخبرهم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا وادعهم إلى الإسلام فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل فدعا إلى البيعة فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه ولما تمت البيعة رجع عثمان من مكة سالما وأخبر بديل بن ورقاء وكان ممن كتم إيمانه أن المشركين نزلوا مياه الحديبية وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فجاء عروة بن مسعود الثقفي وغيره وكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر البيت وصدوه عن البيت ومنعوه عن أداء العمرة وصالحوه على أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم البيت في العام المقبل وكتب الكتاب في ذلك بين المسلمين والمشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب يارسول الله على ما تعطي الدنية في ديننا ونرجع إلى المدينة بغير أداء العمرة ولم يحكم الله تعالى بيننا وبين أعدائنا فقال إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا وانحروا ثم احلقوا لكن ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكلم أحدا ونحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأى الناس ذلك قاموا وفعلوا مثله (فلما انصرفنا عنها) أي عن الحديبية ورجعنا إلى المدينة (يهزون) بضم الهاء والزاي أي يحركون رواحلهم قاله السيوطي قال في القاموس هزه وبه حركه (الأباعر) جمع بعير والمعنى يحركون ويسرعون رواحلهم
[ 290 ]
لتجتمع في مكان واحد (نوجف) أي نسرع ونركض هذا (عند كراع الغميم) بضم الكاف والعين المهملة والغميم بالغين المعجمة موضع بين مكة والمدينة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال ابن قتيبة قضينا لك قضاء عظيما وقال مجاهد هو ما قضى الله له بالحديبية انتهى وكانت قصة الحديبية مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي أعز الله به رسوله وجنده ودخل الناس به في دين الله أفواجا فكانت واقعة الحديبية بابا ومفتاحا ومؤذنا بين يديه وهذه عادة الله سبحانه في الأمور العظام أن يوطئ لها بين يديها مقدمات وتوطئات تؤذن بها وتدل عليها وكانت هذه الواقعة من أعظم الفتوح فإن الناس أمن بعضهم بعضا واختلط المسلمون بالكفار ونادوهم بالدعوة وأسمعوهم القران وناظروهم على الإسلام جهرة امنين وظهر من كان مختفيا بالإسلام ودخل فيه في تلك المدة من شاء الله أن يدخل ولذا سماه الله تعالى فتحا مبينا قاله الحافظ ابن القيم (فقال رجل) هو عمر بن الخطاب كما في زاد المعاد (قال نعم) فقال الصحابة هنيا لك ثم يارسول الله فما لنا فأنزل الله عزوجل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين (إنه لفتح) أي خبر لفتح مكة أو فتح خيبر الذي وقع بعد صلح الحديبية متصلا به (فقسمت خيبر) أي غنائمها وأراضيها (على أهل الحديبية) الذين كانوا في صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم ألف وخمس مائة نفس كما في هذه الرواية (فأعطى الفارس) أي صاحب فرس مع فرسه (وأعطى الراجل) بالألف أي الماشي والمعنى جعل كل السهام على ثمانية عشر سهما فأعطى لكل مائة من الفوارس سهمين وكان ثلاث مائة فارس على هذه الرواية فصارت سهامهم ستة سهام وبقي اثني عشر سهما وكانت الرجالة اثني عشر مائة فكان لكل مائة من الرجالة سهم واحد وهذا معنى هذا الحديث لكن هذه الرواية ضعيفة وسيجئ بيانه وقال ابن القيم في زاد المعاد وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فكانت ثلاثة الاف وستمائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمان مائة سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين وعزل النصف اخر وهو ألف وثمان مائة سهم لنوائبه وما نزل به من أمور المسلمين
[ 291 ]
وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب عنها وكانوا ألفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس لكل فرس سهمان فقسمت على ألف وثمان مائة سهم ولم يغب عن خيبر من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها وقسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وكانوا ألفا وأربعمائة وفيهم مائتا فارس هذا هو الصحيح الذي لا ريب فيه انتهى (قال أبو داود حديث أبي معاوية) أي المتقدم المذكور في باب سهمان الخيل (أصح) أي من حديث مجمع بن جارية (والعمل) أي عند أكثر أهل العلم (عليه) أي على حديث أبي معاوية قال الإمام الشافعي ومجمع بن يعقوب يعني راوي هذا الحديث عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية شيخ لا يعرف فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ولم ير له مثله خبرا يعارضه ولا يجوز رد خبر إلا بخبر مثله قال البيهقي والذي رواه مجمع بن يعقوب بإسناده في عدد الجيش وعدد الفرسان قد خولف فيه ففي رواية جابر وأهل المغازي أنهم كانوا ألفا وأربعمائة وهم أهل الحديبية وفي رواية ابن عباس وصالح بن كيسان وبشير بن يسار وأهل المغازي أن الخيل كانت مائتي فرس وكان للفرس سهمان ولصاحبه سهم ولكل راجل سهم وقال أبو داود حديث أبي معاوية أصح وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس والله أعلم انتهى ملخصا من غاية المقصود شرح سنن أبي داود 237 في النفل قال الخطابي النفل ما زاد من العطاء على قدر المستحق منه بالقسمة ومنه النافلة وهي الزيادة من الطاعة بعد الفرض انتهى وفي القاموس النفل محركة الغنيمة والهبة والجمع أنفال ونفال انتهى وفي النهاية النفل بالتحريك الغنيمة وجمعه أنفال والنفل بالسكون وقد يحرك الزيادة ولا ينفل الأمير من الغنيمة أحدا من المقاتلة بعد إحرازها حتى تقسم كلها ثم ينفله إن شاء من الخمس فأما قبل القسمة فلا انتهى
[ 292 ]
(فله من النفل) بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة (الفتيان) جمع فتى بمعنى الشاب (ولزم المشيخة) بفتح الميم هو جمع شيخ ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشائخ كذا في النيل (الرايات) جمع راية علم الجيش يقال أصلها الهمز لكن العرب اثرت تركه تخفيفا ومنهم من ينكر هذا القول ويقول لم يسمع الهمز كذا في المصباح (فلم يبرحوها) أي لم يزالوا عند الرايات يقال ما برح مكانه لم يفارقه وما برح يفعل كذا بمعنى المواظبة والملازمة (كنا ردءا لكم) بكسر الراء وسكون الدال مهموز على وزن حمل أي عونا وناصرا لكم (فئتم إلينا) أي رجعتم إلينا وفي الدر المنثور من رواية الحاكم والبيهقي وغيرهما من حديث ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ولو كان منكم شئ للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فقسم الغنائم بينهم بالسوية انتهى (فلا تذهبون) بالمغنم هو مصدر بمعنى الغنيمة أي فلا تأخذون بالغنيمة كلها أيها الشبان (ونبقى) نحن فما نأخذه (فأبى الفتيان) وأخرج عبد الرزاق في المصنف من حديث ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين فقال يارسول الله إنك قد وعدتنا فقام سعد بن عبادة فقال يارسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شئ وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزل القران يسألونك عن الأنفال إلى قوله وأصلحوا ذات بينكم فيما تشاجرتم به فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في إثرهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على الغنائم يحوزونه و يجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو
[ 293 ]
وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال الآية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين وفي لفظ له فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بيننا على سواء (يسألونك) يا محمد (عن الأنفال) الغنائم لمن هي (قل) لهم الأنفال لله والرسول يجعلانها حيث شاء (إلى قوله كما أخرجك ربك الخ) وتمام الآية فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين إنما المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم اياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنين حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق متعلق بأخرج وما مصدرية والكاف نعت لمصدر محذوف تقديره الأنفال ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك أي ثبوتا بالحق كإخراجك من بيتك بالحق يعني أنه لامرية في ذلك أو أنها في محل رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه الحال كحال إخراجك بمعنى أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب والحاصل أنه وقع للمسلمين في وقعة بدر كراهتان كراهة قسمة الغنيمة على السوية وهذه الكراهة من شبانهم فقط وهي لداعي الطبع ولتأويلهم بأنهم باشروا القتال دون الشيوخ والكراهة الثانية كراهة قتال قريش وعذرهم فيها أنهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة ولم يتهيأوا للقتال فكان ذلك سبب كراهتهم للقتال فشبه الله إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهة قاله سليمان الجمل (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) الخروج وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبي وسار إلى بدر فشاور صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له (يقول) أي ابن عباس في تفسير قوله تعالى (فكان ذلك خيرا لهم) أي كان الخروج إلى بدر خيرا لهم لما ترتب عليه من النصر والظفر (فكذلك
[ 294 ]
أيضا) أي فهذه الحالة التي هي قسمة الغنائم على السوية بين الشبان والمشيخة وعدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء النفل لمن أراده مثل الخروج في أن الكل خير لهم (فأطيعوني) في كل ما أقول لكم ولا تخالفوني (بعاقبة هذا) أي إعطاء النفل (منكم) وأنتم لا تعلمون قال المنذري وأخرجه النسائي (قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء) فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع قال ابن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيد إن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا هو بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى وسيجئ بعض البيان في الباب الآتي وقوله في مسند أحمد فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين وقيل المراد فضل في القسمة فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته أي لإيفاء الوعد وهذا أقرب وهذا الباب لإثبات النفل والأبواب الآتية لأحكام محل النفل ولمن هو المستحق له كذا في الشرح (إن الله قد شفى صدري) ولفظ البيهقي وغيره كما في الدر المنثور قد شفاني الله اليوم
[ 295 ]
من المشركين (يعطاه) بصيغة المجهول والضمير المنصوب هو مفعوله الثاني ونائب فاعله هو قوله من لم يبل (اليوم) ظرف ليعطي (من لم يبل) بصيغة المجهول والمعنى أي لم يعمل مثل عملي في الحرب كأنه أراد أن في الحرب يختبر الرجل فيظهر حاله وقد اختبرت أنا فظهر مني ما ظهر فأنا أحق لهذا السيف من الذي لم يختبر مثل اختباري قاله السندي (فهو لك) وفي رواية لمسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال أخذ أبي من الخمس شيئا فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال هب لي هذا فأبى فأنزل الله يسألونك الآية وفي رواية له أصبت سيفا فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله نفلنيه فقال ضعه ، ثم قال فقال يا رسول الله نفلينه فقال ضعه ثم قال فقال يارسول الله نفلنيه الحديث وأخرج عبد بن حميد عن سعد قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نفلني هذا السيف فأنا من علمت فقال رده من حيث أخذته الحديث وعند ابن مردويه عن سعد قال نفلني النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفا ونزل في النفل قال المنذري سعد هو ابن أبي وقاص وأخرجه مسلم مطولا بنحوه وأخرجه الترمذي والنسائي انتهى 238 في النفل للسرية تخرج من العسكر السرية طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو
[ 296 ]
(قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فكان سهمان الجيش) بضم السين المهملة وسكون الهاء جمع سهم بمعنى النصيب (اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا) أي كان هذا القدر لكل واحد من الجيش (ونفل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أهل السرية) أي أعطاهم زائدا على سهامهم (فكانت سهمانهم) أي مع النفل فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له من العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز قال في القتح وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك فروى عنه أنه من أصل الغنيمة وروى عنه أنه من الخمس وروى عنه أنه من خمس الخمس والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس قال ابن عبد البر إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وان انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى وقال الخطابي في الحديث أن السرية إذا انفصلت من الجيش فجاءت بغنيمة فإنها تكون مشتركة بينهم وبين الجيش لأنهم ردء لهم واختلفوا في هذه الزيادة التي هي النفل من أين أعطاهم إياها فكان ابن المسيب يقول إنما ينفل الإمام من الخمس يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس من الغنيمة وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو عبيد وقال غيرهم إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفل من الغنيمة التي يغنموها كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة قال وعلى هذا دل أكثر ما روي من الأخبار في هذا الباب انتهى مختصرا والحديث سكت عنه المنذري (حدثت ابن المبارك بهذا الحديث) المذكور من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع
[ 297 ]
(قلت) هذا أيضا مقولة الوليد بن مسلم (وكذا حدثنا ابن أبي فروة) هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ضعيف جدا قال البخاري تركوه وقال أحمد لا تحل الرواية عنه أي حدثنا به ابن أبي فروة كما حدثنا به شعيب (قال) عبد الله بن المبارك مجيبا للوليد (لا يعدل) بصيغة المضارع الغائب كذا في أكثر النسخ وفي بعضها بصيغة النهي الحاضر أي لا يساوي في الضبط والإتقان والحفظ (من سميت) بصيغة الخطاب أي من ذكرت اسمه وهو شعيب وابن أبي فروة وهذه الجملة فاعل لا يعدل (بمالك) بن أنس الإمام فشعيب دون مالك في الحفظ وابن أبي فروة ضعيف (هكذا أو نحوه) أي قال ابن المبارك هكذا بهذا اللفظ أو نحو هذا اللفظ (يعني مالك بن أنس) هذا تفسير من أحد الرواة أي أراد ابن المبارك بمالك مالك بن أنس وأما معنى كلام ابن المبارك فهو أن في رواية شعيب وابن أبي فروة فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر وأما مالك بن أنس الإمام فرواه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا بالشك أو أحد عشر بعيرا كما في الموطأ من رواية يحيى الليثي قال ابن عبد البر اتفق رواة المؤطأ على روايته بالشك إلا الوليد بن مسلم فرواه عن شعيب ومالك جميعا فقال اثني عشر فلم يشك وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب وهو منه غلط وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية ا لليث والقعنبي إنما رواه في الموطأ على الشك فلا أدري أمن القعنبي جاء هذا حين خلط حديث الليث بحديث مالك أم من أبي داود وقال سائر أصحاب نافع اثني عشر بعيرا بلا شك لم يقع الشك فيه إلا من قبل مالك كذا في شرح الموطأ للزرقاني فصار الاختلاف في عدد السهام وفي رواية شعيب نفل أهل السرية وفاعل نفل هو النبي صلى الله عليه وسلم وقال مالك في روايته ونفلوا بعيرا بعيرا فالاختلاف بينهما في الموضعين والله أعلم وقوله نفلوا بضم النون مبني للمفعول أي أعطى كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق له بعيرا بعيرا واعلم أنه اختلفت الرواة في القسم والتنفيل هل كانا معا من أمير الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما فلأبي داود عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن القسمة
[ 298 ]
من النبي صلى الله عليه وسلم والتنفيل من الأمير وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته إن ذلك الجيش كان أربعة الاف أي الذي خرجت منه السرية الخمسة عشر كما عند ابن سعد وغيره وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وأجازه لأنه قال فيه ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عنده أيضا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وهذا يحمل على التقدير فتجتمع الروايتان معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت نسبته لكل منهما قال في الاستذكار في رواية مالك إن النفل من الخمس لا من رأس الغنيمة وكذلك رواه عبد الله وأيوب عن نافع وفي رواية ابن إسحاق عنه أنه من رأس الغنيمة لكنه ليس كهؤلاء في نافع انتهى وذهبت تلك السرية في شعبان سنة ثمان قبل فتح مكة قاله ابن سعد وذكر غيره أنها كانت في جمادي الأولى وقيل في رمضان من السنة وكان أميرها أبو قتادة وكانوا خمسة عشر رجلا وكان عبد الله بن عمر في تلك السرية قاله الحافظ كذا في الشرح لأبي الطيب وأطال الكلام فيه (فأصبنا نعما كثيرا) النعم بالتحريك وقد يسكن عينه الإبل والشاء أو خاص بالإبل كذا في القاموس (بالذي أعطانا صاحبنا) أي أميرنا (ولا عاب) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على أميرنا (بعد ما صنع) أي الأمير (بنفله) أي مع نفله قال الخطابي في هذا بيان ظاهر أن النفل إنما أعطاهم من جملة الغنيمة لا من الخمس
[ 299 ]
الذي هو سهمه ونصيبه فظاهر حديث ابن عمر أنه أعطاهم هذا النفل قبل الخمس كما نفلهم السلب قبل الخمس وإلى هذا ذهب أبو ثور والحديث سكت عنه المنذري (فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا) وفي بعض النسخ اثنا عشر بعيرا وهو صحيح على لغة من جعل المثنى بالألف سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا وهي لغة أربع قبائل من العرب قاله النووي (فلم يغيره) أي لم يغير ما فعله أميرنا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه (ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويفهم من الرواية السابقة أن المنفل هو أمير السرية والجمع بينهما أن أمير السرية نفلهم فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجوز نسبته إلى كل واحد منهما والحديث سكت عنه المنذري (رواه برد) بضم الموحدة وسكون الراء (بن سنان) بكسر أوله (إلا أنه قال ونفلنا) ضبط في بعض النسخ بصيغة المعروف والمجهول (حدثني حجين) بضم المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية بعدها نون ابن المثنى
[ 300 ]
اليمامي ثقة (النفل) بالتحريك ويسكن بالنصب مفعول (والخمس واجب في ذلك كله) بالجر تأكيد لقوله في ذلك وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم قاله النووي وقال في فتح الودود يفيد أن الخمس يؤخذ أولا من الغنيمة ثم ينفل من الباقي ثم يقسم ما بقي انتهى والحديث سكت عنه المنذري (اللهم إنهم حفاة) جمع حاف من الحفاية رسول وهو المشي بغير خف ولا نعل (عراة) جمع عار (جياع) جمع جائع (بجمل أو جملين) هو محل الترجمة لأن الغنائم تقسم بالسوية وما يفضل أحد على أحد إلا بالنفل والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري 239 فيمن قال الخمس قبل النفل (ينفل الثلث بعد الخمس) قال الخطابي في هذا الحديث أنه أعطاهم ذلك بعد أن خمس الغنيمة ويشبه والله أعلم أن يكون الأمران معا جائزين وفيه أنه بلغ بالنفل الثلث وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مكحول والأوزاعي لا يجاوز بالنفل الثلث وقال الشافعي ليس في النفل حد لا يجاوز إنما هو اجتهاد الإمام انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 301 ]
(كان ينفل الربع) أي في البدأة (بعد الخمس) أي بعد أن يخرج الخمس (والثلث) أي وينفل الثلث (إذا قفل) قيد للمعطوف أي إذا رجع من الغزو والحديث سكت عنه المنذري (فما خرجت من مصر وبها علم) من الكتاب والسنة (إلا حويت) بصيغة المتكلم (عليه) أي على العلم أي ما تركت بمصر علما إلا أخذته قال في النهاية يقال حويت الشئ إذا جمعته (ثم أتيت الحجاز) أي مكة والمدينة والطائف واليمن وغيرها (ثم أتيت العراق) أي الكوفة والبصرة والبغداد وغيرها (فيما أرى) بضم الهمزة أي في ظني (فغربلتها) أي كشفت حال من بها كأنه جعلهم في غربال ففرق بين الجيد والردئ قاله في النهاية (نفل الربع في البدأة الخ) قال الخطابي رواية عن ابن المنذر أنه صلى الله عليه وسلم إنما فرق بين البدأة والقفول حين فضل أحد العطيتين على الأخرى لقوة الظهر عند دخولهم وضعفه عند خروجهم ولأنهم وهم داخلون أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدو وأجم وهم عند القفول يضعف دوابهم وأبدانهم وهم أشهى للرجوع إلى أوطانهم وأهاليهم لطول عهدهم بهم وحبهم للرجوع فيرى أنه زادهم في القفول لهذه العلل قال الخطابي كلام ابن المنذر هذا ليس بالبين لأن فحواه
[ 302 ]
يوهم أن الرجعة هي القفول إلى أوطانهم وليس هو معنى الحديث والبدأة إنما هي ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا وقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع وتشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشد لكون العدو على حذر وحزم انتهى قال في السبل وما قاله الخطابي هو الأقرب وقال ابن الأثير أراد بالبدأة ابتداء الغزو وبالرجعة القفول منه والمعنى كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت بهم نفلها الربع مما غنمت وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر نفلها الثلث لأن الكرة الثانية أشق عليهم والخطر فيها أعظم وذلك لقوة الظهر عند دخولهم وضعفه عند خروجهم وهم في الأول أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدو وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهى للرجوع إلى أوطانهم فزادهم لذلك انتهى قال المنذري أنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد وقد قال في حديثه هذا شهدت النبي صلى الله عليه وسلم كنيته أبو عبد الرحمن وكان يسمى حبيب الروم لكثرة مجاهدته الروم وأخرجه ابن ماجه بمعناه 240 في السرية ترد بصيغة المعروف أي ما تغنمه من الأموال (على أهل العسكر) الذي خرجت منه السرية فتكون السرية وأهل العسكر في أخذ الغنيمة والقسمة سواء وسيجئ بيانه (تتكافأ) بالهمز في آخره أي تتساوى (دماؤهم) أي في القصاص والديات لا يفضل شريف على وضيع كما كان في الجاهلية (يسعى بذمتهم) أي بأمانهم (أدناهم) أي عددا وهو الواحد أو منزلة قال في شرح السنة أي أن واحدا من المسلمين إذا امن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه وإن كان هذا المجير أدناهم مثل أن يكون عبدا أو امرأة أو عسيفا تابعا أو نحو ذلك فلا يخفر ذمته (ويجير عليهم أقصاهم) قال الخطابي معناه أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار إذا عقد للكافر عقدا لم يكن لأحد منهم أن ينقضه وإن كان أقرب دار من المعقود له (وهم يد على من سواهم) قال
[ 303 ]
أبو عبيدة أي المسلمون لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل وقال الخطابي معنى اليد المظاهرة والمعاونة إذا استنفروا وجب عليهم النفير وإذا استنجدوا أنجدوا ولم يتخلفوا ولم يتخاذلوا انتهى وفي النهاية أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا كأنه جعل أيديهم يدا واحدة وفعلهم فعلا واحدا انتهى يرد مشدهم على مضعفهم قال الخطابي المشد المقوى الذي دوابه شديدة قوية والمضعف من كانت دوابه ضعافا انتهى وفي النهاية يريد أن القوي من الغزاة يساهم الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة أنتهى وقال السيوطي وجاء في بعض طرق الحديث المضعف أمير الرفقة أي يسيرون سير الضعيف لا يتقدمونه فيتخلف عنهم ويبقى بمضيعة انتهى (ومتسريهم) بالتاء الفوقانية وبعدها سين ثم الراء ثم الياء التحتانية وفي بعض النسخ متسرعهم بالعين المهملة بعد الراء قال السيوطي هو غلط وقال الخطابي المتسري هو الذي يخرج في السرية ومعناه أن يخرج الجيش فينحوا لم بقرب دار العدو ثم ينفصل منهم سرية فيغنموا فإنهم يردون ما غنموا على الجيش الذي هو ردء لهم لا ينفردون به فأما إذا كان خروج السرية من البلد فإنهم لا يردون على المقيمين شيئا في أوطانهم (لا يقتل مؤمن بكافر الخ) يأتي شرح هذه الجملة في كتاب الديات في باب إيقاد المسلم بالكافر (ولاذو عهد في عهده) أي لا يقتل معاهد ما دام في عهده (القود) بفتح القاف وفتح الواو القصاص وقتل القاتل بدل القتيل والمراد به قوله لا يقتل مؤمن بكافر قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (عن أبيه) سلمة بن الأكوع (قال أغار عبد الرحمن بن عيينة) بن حصن الفزاري رئيس المشركين (على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال أهل المغازي والسير إنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة وهي ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة ترعى بالغابة تارة وترعى بذي قرد تارة (فقتل راعيها) أي الإبل وكان أبو ذر وابنه وامرأته فيها قاله في المواهب
[ 304 ]
وفي زاد المعاد في غزوة الغابة أغار عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله بن غطفان على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة فاستاقها وقتل راعيها وهو رجل من غفار واحتملوا امرأته قال عبد المؤمن بن خلف وهو ابن أبي ذر وهو غريب جدا انتهى (وخرج) عبد الرحمن (يطرد الإبل ويسوقها وأناس معه في خيل) أي فرسان قال ابن سعد أغار عبد الرحمن في أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر وأسروا المرأة (قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الباء أي نحوها (يا صباحاه) كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح فكأن المستغيث يقول قد غشينا العدو وقيل هو نداء المقاتل عند الصباح يعني وقد جاء وقت الصباح فتهيئوا للقتال وفي البخاري ومسلم عن سلمة خرجت قبل أن يؤذن بالأولى وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال غطفان وفزارة فصرخت ثلاث صرخات يا صاحباه يا صباحاه فأسمعت ما بين لابتي المدينة الحديث فنودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها قاله ابن سعد وركب صلى الله عليه وسلم في خمسمائة وقيل سبعمائة واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة يحرسون المدينة وكان قد عقد لمقداد حدثنا بن عمرو وكان أول من أقبل إليه وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له لواء في رمحه وقال له امض حتى تلحقك الخيول وأنا على أثرك فأدرك أخريات العدو (ثم اتبعت القوم) العدو وذلك بعد صريخه وقبل أن تلحقه فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعند ابن إسحاق صرخ واصباحاه ثم خرج يشتد في اثار القوم فكان مثل السبع حتى لحق بالقوم وهو على رجليه فجعل يرميهم بالنبل (فجعلت أرمي) بالسهام (وأعقرهم) أي أقتل مركوبهم وأجعلهم راجلين بعقر دوابهم (فإذا رجع إلي فارس) من العدو (جلست في أصل شجرة) أي مختفيا عنه وعند مسلم وغيره فما زلت أرميهم وأعقرهم فإذا رجع إلي فارس منهم أتيت شجرة فجلست في إصلها ابن ثم رميته فعقرت به فإذا تضايق الجبل فدخلوا في مضائقه قوله علوت الجبل فرميتهم بالحجارة الحديث (من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم) أي من إبله التي أخذوها يريد أن جميع ما أخذوه من إبله صلى الله عليه وسلم أخذته عنهم وتركته وراء ظهرنا وفيه دليل على أنه استنقذ جميع اللقاح وهكذا في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع قال الشامي وهو المعتمد لصحة سنده
[ 305 ]
وفي رواية محمد بن إسحاق وابن سعد والواقدي فاستنقذوا عشر لقاح وهو مخالف لرواية الصحيحين وقال ابن القيم وهذا غلط بين والذي في الصحيحين أنهم استنقذوا اللقاح كلها ولفظ مسلم في صحيحه عن سلمة حتى ما خلق الله من شئ من لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري وأسلبت منهم ثلاثين بردة انتهى (وحتى ألقوا) أي طرحوا (بردة) كساء صغير مربع ويقال كساء أسود صغير (يستخفون) بتشديد الفاء أي يطلبون الخفة منها ليكونوا أسرع في الفرار (ثم أتاهم عيينة) بن حصن والد عبد الرحمن (مددا) أي من ينصر لهم ويعينهم من الأعوان والأنصار وفي رواية أخرى فأتوا مضيقا فأتاهم عيينة ممدا لهم فجلسوا يتغذون وجلست على رأس قرن فقال من هذا قالوا لقينا من هذا الشدة والأذى ما فارقنا السحر حتى الآن وأخذ كل شئ في أيدينا وجعله وراء ظهره (فقال) عيينة (ليقم إليه) أي إلى سلمة بن الأكوع (فلما أسمعتهم) أي قدرت على إسماعهم بقربهم مني (فيفوتني) فقال رجل منهم أظن فرجعوا (فما برحت) أي ما زلت مكاني (إلى فوارس) جمع فارس (يتخللون الشجر) أي يدخلون من خلائلها أي بينها (أولهم الأخرم الأسدي) قال محمد بن إسحاق هو أول فارس لحق بالقوم (فيلحق) أي لحق وصيغة المضارع حضار تلك الحالة (فعقر الأخرم) فاعل عقر (عبد الرحمن) مفعول عقر أي قتل الأخرم الأسدي دابة عبد الرحمن (وطعنه) أي الأخرم (عبد الرحمن) فاعل طعن (فقتله) أي قتل عبد الرحمن رئيس المشركين الأخرم الأسدي (فعقر) أي عبد الرحمن (بأبي قتادة) أي قتل
[ 306 ]
دابته (جليتهم عنه) هكذا في بعض النسخ الصحيحة بالجيم وتشديد اللام أي نفيتهم له وأبعدتهم عنه وفي بعض النسخ حلأتهم بالحاء المهملة وبالهمز في اخره وفي نسخة الخطابي حليتهم بالحاء المهملة وبالياء مكان الهمزة وهذه النسخة هي المعتمدة قال الخطابي معناه طردتهم عنه وأصله الهمزة ويقال حلأت الرجل عن الماء إذا منعته الورود انتهى وقال في النهاية وفي حديث سلمة بن الأكوع حليتهم عنه بذي قرد هكذا جاء في الرواية غير مهموز فقلب الهمزة ياء وليس بالقياس لأن الياء لا تبدل من الهمزة إلا أن يكون ما قبلها مكسورا نحوه بئر وائلاف ذلك وقد شذ قريت في قرأت وليس بالكثير والأصل الهمز انتهى (ذو قرد) بفتح القاف والراء والدال المهملة اخره قال الحافظ وحكي الضم فيهما قال الحازمي الأول ضبط أصحاب الحديث والضم عن أهل اللغة وقال البلاذري الصواب الأول وهو ماء على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان وقيل على مسافة يوم قال السندي فذو قرد اسم ذلك الماء وقال السيوطي هو بين المدينة وخيبر (فأعطاني سهم الفارس والراجل) ولفظ أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفار س وسهم الراجل فجعلهما لي جميعا قال الخطابي يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل حسب لأن سلمة كان راجلا في ذلك اليوم وأعطاه الزيادة نفلا لما كان من حسن بلائه انتهى وهذا هو محل ترجمة الباب لأن سلمة بن الأكوع إنما استنقذ منهم أكثر من ثلاثين رمحا وثلاثين بردة وقال قائل من المشركين وأخذ كل شئ في أيدينا وجعله وراء ظهره ومع ذلك لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع أكثر من سهم الراجل والفارس ولم يخص أهل السرية كأبي قتادة وسلمة وغيرهما بهذه الأموال كلها فلم ترد تلك الأموال إلا على أهل العسكر كله والله أعلم كذا في الشرح لأخينا أبي الطيب قال المنذري وأخرجه مسلم أتم من هذا انتهى قلت وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد وفي المغازي
[ 307 ]
241 في النفل من الذهب والفضة هل يجوز أم لا فدل الحديث على الجواز (ومن أول مغنم) أي يكون النفل من أول الغنيمة التي يغنمها المجاهدون وليس النفل فيما يؤخذ من مباحات دار الحرب بعد القتال والحرب بل انها تكون بين الغانمين سواء لا يختص بها أحد (عن أبي الجويرية) بضم الجيم وفتح الواو اسمه حطان بن خفاف تابعي مشهور (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء (جرة) بفتح الجيم وتشديد الراء ظرف معروف من الخزف (في إمرة معاوية) بكسر الهمزة وسكون الميم أي في زمان إمارته (وعلينا رجل) أي أمير (من بني سليم) بالتصغير (معن) بفتح الميم وسكون العين المهملة (فأتيته بها) أي فجئت إلى معن بالجرة (فقسمها) أي الدنانير (بين المسلمين) أي من الغزاة (لولا أني سمعت الخ) يريد أن الحديث يدل على أن النفل يكون من الغنيمة لأنه محل الخمس وهذا ليس بغنيمة قاله في فتح الودود وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي قوله لا نفل إلا بعد الخمس وههنا ليس بخمس لأن هذا المال لم يكن غنيمة أخذت عنوة بل فئ وليس فيه الخمس فلا نفل والنفل أيضا إنما يكون في القتال انتهى وفي المرقاة قال القاضي ظاهر هذا الكلام يدل على أنه إنما لم ينفل أبا الجويرية من الدنانيز محمد التي وجدها لسماعه قوله صلى الله عليه وسلم لا نفل إلا بعد الخمس وأنه المانع لتنفيله ووجهه أن ذلك يدل على أن النفل إنما يكون من الأخماس الأربعة التي هي للغانمين كما دل عليه حديث حبيب بن مسلمة الفهري عند أبي داود ولعل التي وجدها كانت من عداد الفئ فلذلك لم يعط النفل منه انتهى (لأعطيتك) هو محل ترجمة الباب وهي جواز النفل من الذهب والفضة
[ 308 ]
وأن يكون النفل من أول الغنيمة والله أعلم (ثم أخذ يعرض علي من نصيبه) أي شرع عرض نصيبه علي (فأبيت) أي من أخذ نصيبه قال المنذري في إسناده عاصم بن كليب وقد قال علي بن المديني لا يحتج به إذا تفرد وقال الإمام أحمد لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال النسائي ثقة واحتج به مسلم (حدثنا هناد) هكذا في جميع النسخ الحاضرة وقال المزي في الأطراف حديث أصبت جرة فيها دنانير أخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي صالح محبوب بن موسى عن أبي إسحاق الفزاري عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية فذكره وعن هناد بن السري عن ابن المبارك عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب بمعناه قال أبو بكر الخطيب في نسختين مرويتين عن أبي داود هذا الحديث عن أبي إسحاق الفزاري عن ابن المبارك عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب انتهى 242 في الإمام يستأثر كان معنى يستأثر يختار (من الفئ) أي من الغنيمة (عمرو بن عبسة) بفتحات (إلى بعير) أي متوجها إليه والمعنى جعله سترة له (وبرة) بفتحات أي شعرة قال في فتح الودود الوبرة بفتحتين واحد من صوف الغنم (مثل هذا) إشارة إلى الوبرة
[ 309 ]
على تأويل شئ (والخمس مردود فيكم) أي مصروف في مصالحكم من السلاح والخيل وغير ذلك فيه أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وأنها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشوكاني لا يأخذ الإمام من الغنيمة إلا الخمس ويقسم الباقي منها بين الغانمين والخمس الذي يأخذه أيضا ليس هو له وحده بل يجب عليه أن يرده على المسلمين على حسب ما فصله الله تعالى في كتابه بقوله واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وروى الطبراني في الأوسط وابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قسم خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ واعلموا أنما غنمتم من شئ الآية فجعل سهم الله وسهم رسوله واحدا وسهم ذوي القربى هو والذي قبله في الخيل والسلاح وجعل سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا نعطيه غيرهم ثم جعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمان ولراكبه سهم وللراجل سهم وروى أيضا أبو عبيد في كتاب الأموال نحوه وفي حديث الباب دليل على أنه لا يستحق الإمام السهم الذي يقال له الصفي واحتج من قال بأنه يستحقه بما أخرجه المؤلف في باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الخراج والإمارة ويجئ هناك بيانه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت بنحوه وروي أيضا من حديث جبير بن مطعم والعرباض بن سارية رضي الله عنهم 243 في الوفاء بالعهد (إن الغادر) الغدر ضد الوفاء أي الخائن لإنسان عاهده أو أمنه (ينصب له لواء) أي علم خلفه تشهيرا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس الأشهاد (فيقال) أي ينادى عليه يومئذ (هذه غدرة فلان بن فلان) أي هذه الهيئة الحاصلة له مجازاة غدرته قاله العزيزي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 310 ]
244 في الإمام يستجن أبو بصيغة المجهول (به) أي بالإمام (في العهود) والميثاق والصلح والأمان وفي بعض النسخ باب يستجن بالإمام في العهود قال الراغب أصل الجن الستر عن الحاسة انتهى وفي لسان العرب جن الشئ يجنه جنا ستره وكل شئ ستر عنك فقد جن عنك وأجنه ستره وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ومنه سمي الجنين لاستتاره أو في بطن أمه واستجن فلان إذا استتر بشئ انتهى والمعنى أن الإمام يستتر به وأنه محل العصمة والوقاية للرعية فالإمام كالمجن والترس فإن من استتر بالترس فقد وقى نفسه من أذية العدو فكذا الإمام يستتر به في العهود والميثاق والصلح والأمان فالإمام إذا عقد العهد وصالح بين المسلمين وبين غير أهل الإسلام إلى مدة فالمسلمون يسيرون ويمرون في بلاد أهل الشرك ولا يتعرض لهم مخالفوهم بأذية ولا فساد في أنفسهم وأموالهم لأجل هذا الصلح وكذا يسيرون أهل الشرك في بلاد الإسلام من غير خوف على أنفسهم وأموالهم فالستر والمنع عن الأذى والفساد لا يحصل إلا بعهد وأمان الإمام والله أعلم كذا في الشرح (إنما الإمام جنة) بضم الجيم قال النووي أي كالساتر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض ويحمي بيضة الإسلام انتهى قال الخطابي معناه أن الإمام هو الذي يعقد العهد والهدنة بين المسلمين وبين أهل الشرك فإذا رأى ذلك صلاحا لهم وهادنهم فقد وجب على المسلمين أن يجيزوا أمانه لهم ومعنى الجنة العصمة والوقاية وليس لغير الإمام أن يجعل لأمة بأسرها من الكفار أمانا انتهى (يقاتل) بالبناء للمفعول (به) أي برأيه وأمره قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 311 ]
(ألقي) بصيغة المجهول أي أوقع (لا أخيس) بكسر الخاء المعجمة بعدها تحتية أي لا أنقض العهد من خاس الشئ في الوعاء إذا فسد (ولا أحبس) بالحاء المهملة والموحدة (البرد) بضمتين وقيل بسكون الراء جمع بريد وهو الرسول قال الخطابي يشبه أن يكون المعنى في ذلك أن الرسالة تقتضي جوابا والجواب لا يصل إلى المرسل إلا مع الرسول بعد انصرافه فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه قال وفي قوله لا أخيس بالعهد أن العهد يراعى مع الكافر كما يراعى مع المسلم وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان فقد وجب عليك أن تؤمنه ولا تغتاله في دم ولا مال ولا منفعة انتهى (فإن كان) أي ثبت (في نفسك) أي في مستقبل الزمان (الذي في نفسك ان) يعني الإسلام (فارجع) أي من الكفار إلينا (قال بكير) هو ابن الأشج (وأخبرني) أي الحسن بن علي (قبطيا) أي عبدا قبطيا (واليوم لا يصلح) أي لا يصلح نسبته إلى الرق تعظيما لشأن الصحابة رضي الله عنهم كذا في بعض الحواشي وهذا ليس بشئ والصحيح ما قاله الشيخ ابن تيمية في المنتقي معناه والله أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاء ه منهم مسلما انتهى وقال في زاد المعاد وكان هديه أيضا أن لا يحبس الرسول عنده إذا اختار دينه ويمنعه اللحاق بقومه بل يرده إليهم كما قال أبو رافع فذكر حديثه قال أبو داود وكان هذا في المدة التي شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم من جاء منهم وإن كان مسلما وأما اليوم فلا يصلح هذا وفي قوله لا أحبس البرد إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقا وأما رده لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلما فهذا إنما يكون مع الشرط كما قال أبو داود وأما الرسل فلهم حكم اخر ألا تراه لم يتعرض لرسولي مسيلمة وقد قالا له في وجهه ما قالاه انتهى كذا في الشرح قال المنذري وأخرجه النسائي قال أبو داود هكذا كان في ذلك الزمان فأما اليوم لا يصلح هذا اخر كلامه وأبو رافع اسمه إبراهيم ويقال أسلم ويقال ثابت ويقال هرمز
[ 312 ]
245 في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير) إليه (عن سليم) بالتصغير (وكان يسير نحو بلادهم) أي يذهب معاوية قبل انقضاء العهد ليقرب من بلادهم حين انقضاء العهد (على فرس أو برذون) بكسر الموحدة وفتح الذال المعجمة قال الطيبي المراد بالفرس هنا العربي وبالبرذون عبد التركي من الخيل (يقول الله أكبر الله أكبر) أي تعجبا واستبعادا (وفاء لا غدر) بالرفع على أن لا للعطف أي الواجب عليك وفاء لا غدر (فإذا عمرو بن عبسة) بفتح العين المهملة والباء الموحدة والسين المهملة وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك لأنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في وطنه فقد صارت مدة مسيره بعد انقضاء المدة المضروبة كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم فيها فإذا سار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه قعد ذلك عمرو غدرا وأما إن نقض أهل الهدنة بأن ظهرت منهم خيانة فله أن يسير إليهم على غفلة منهم (لا يشد عقدة ولا يحلها) بضم الحاء من الحل بمعنى نقض العهد والشد ضده والظاهر أن المجموع كناية عن حفظ العهد وعدم التعرض له ولفظ الترمذي فلا يحلن عهدا ولا يشدنه قال في المرقاة أراد به المبالغة عن عدم التغيير وإلا فلا مانع من الزيادة في العهد والتأكيد والمعنى لا يغيرن عهدا ولا ينقضنه بوجه وفي رواية فيشده ولا يحله قال الطيبي هكذا بجملته عبارة عن عدم التغيير في العهد فلا يذهب على اعتبار معاني مفرداتها وقال ابن الملك أي لا يجوز نقض العهد ولا الزيادة على تلك المدة والله أعلم (أمدها) بالأمد بفتحتين بمعنى الغاية (أو ينبذ) بكسر الباء أي يرمي عهدهم (إليهم) بأن يخبرهم بأنه نقض العهد على تقدير خوف الخيانة منهم (على سواء) أي ليكون خصمه مساويا معه في النقض كي لا يكون ذلك منه غدرا لقوله تعالى وإما تخافن
[ 313 ]
من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء قال الطيبي قوله (على سواء) حال انتهى قال المظهر أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح قد ارتفع فيكون الفريقان في علم ذلك سواء قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال الترمذي حسن صحيح 246 في الوفاء للمعاهد عليه بفتح الهاء أشهر (وحرمة) بالضم ما لا يحل انتهاكه (ذمته) قال في المصباح وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وسمي المعاهد ذميا نسبة إلى الذمة بمعنى العهد انتهى (من قتل معاهدا) قال في النهاية يجوز أن يكون بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر والمعاهد من كان بينك وبينه عهد وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما انتهى (في غير كنهه) قال في النهاية كنه الأمر حقيقته وقيل وقته وقدره وقيل غايته يعني من قتله في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله انتهى وقال العلقمي أي في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله (حرم الله عليه الجنة) أي لا يدخلها مع أول من يدخلها من المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر قال المنذري وأخرجه النسائي 247 في الرسل جمع الرسول (كان مسيلمة) بضم الميم الأولى وفتح السين وكسر اللام وهو الكذاب
[ 314 ]
المشهور بدعوة النبوة (يقول لهما) أي لرسولي مسيلمة (حين قرأ) بالتثنية أبي أي الرسولان (نقول كما قال) أي مسيلمة بأنه رسول الله وهو كفر وارتداد منهما في حضرته صلى الله عليه وسلم ولذلك قال فيهما ما قال (أما) بالتخفيف للتنبيه (لولا أن الرسل الخ) ولفظ أحمد في مسنده عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال سمعت حين قرئ كتاب مسيلمة الكذاب قال للمرسولين (فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما فيه دليل على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام والحديث سكت عنه المنذري (عن حارثة بن مضرب) بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة (أنه أتى عبد الله) أي ابن مسعود (فقال) أي حارثة (حنة) بكسر الحاء المهملة وفتح النون المخففة أي عداوة وحقد قال الخطابي واللغة الصحيحة إحنة بالهمزة وفي القاموس الإحنة بالكسر الحقد والغضب والمواحنة المعاداة (فاستتابهم) أي طلب التوبة منهم (غير ابن النواحة) بفتح النون وتشديد الواو بعد الألف مهملة (قال) أي عبد الله (له) أي لابن النواحة (فأنت) الخطاب لابن النواحة (فأمر) أي عبد الله (قرظة) بفتحات (فضرب) أي قرظة (عنقه) أي عنق ابن النواحة (من أراد أن ينظر الخ) أي فلينظره في السوق قال الخطابي ويشبه أن يكون مذهب ابن مسعود في قتله من غير استتابة أنه رأى قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا أنك رسول لضربت عنقك حكما منه بقتله لولا علة الرسالة فلما ظفر به ورفعت العلة أمضاه فيه ولم يستأنف له حكم سائر المرتدين انتهى وعند أحمد في مسنده عن ابن مسعود قال جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى
[ 315 ]
النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما أتشهدان أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما قال عبد الله فمضت السنة أن الرسل لا تقتل انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي 248 في أمان المرأة (أجارت رجلا) أي أمنته من الإجارة بمعنى الأمن (وآمنا من امنت) أي أعطينا الأمان لمن أعطيته قال الخطابي أجمع عامة أهل العلم أن أمان المرأة جائز وكذلك قال أكثر الفقهاء في أمان العبد غير أن أبا حنيفة وأصحابه فرقوا بين العبد الذي يقاتل والذي لا يقاتل فأجازوا أمانة إذا كان ممن يقاتل ولم يجيزوا أمانه إن لم يقاتل فأما أمان الصبي فإنه لا ينعقد لأن القلم مرفوع عنه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه (إن كانت) إن مخففة من المثقلة (لتجير على المؤمنين) قال في اللمعات ومعنى علي باعتبار منعهم منه يقال أجار فلان علي فلان إذا أعانه عليه ومنعه منه انتهى قال قال المنذري وأخرجه النسائي 249 في صلح العدو (زمن الحديبية) بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة قال في النهاية قرية قريبة من
[ 316 ]
مكة سميت ببئر هناك وهي مخففة الياء وكثير من المحدثين يشددونها وقال الحافظ هي بئر سمي المكان بها قال ووقع عند ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي العقدة (في بضع عشرة مائة) البضع بكسر الموحدة وبفتح ما بين الثلاثة إلى التسعة وقد وقع اختلاف في عدد أهل الحديبية ، ذكره الحافظ في الفتح المغازي ، فقد جاء أنهم كانوا أربع عشر مائة أو خمس عشر مائة وذكروا في التوفيق أنهم أول ما خرجوا كانوا ألفا وأربعمائة ثم زادوا قاله السندي (قلد الهدي وأشعره) تقليده أن يعلق شئ على عنق البدنة ليعلم أنها هدي وإشعاره أن يطعن في سنامه الأيمن أو الأيسر حتى يسيل الدم منه ليعلم أنه هدي قاله ابن مالك بالثنية بتشديد التحتية وهي الجبل الذي عليه الطريق (التي يهبط) بصيغة المجهول (عليهم) أي على أهل مكة (منها) أي من الثنية (بركت به) أي بالنبي صلى الله عليه وسلم والباء للمصاحبة (حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إيذا ما تركت السير وقال الخطابي إن قلت حل واحدة فالسكون وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بح ذكره الحافظ (خلأت) بفتح الخاء المعجمة واللام والهمزة أي بركت من غير علة وحرنت (القصوى) كذا في بعض النسخ وفي بعضها القصواء بالمد قال الحافظ هو اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كان طرف أذنها مقطوعا والقصو قطع طرف الأذن قال وكان القياس أن تكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر وزعم الداؤدي أنها لا تسبق فقيل لها القصواه لا لأنها بلغت من السبق أقصاه (ما خلأت) أي القصواء قال القاري أي للعلة التي تظنونها أن انتهى (وما ذلك) أي الخلاء وهو للناقة كالحران للفرس (لها بخلق بضمتين ويسكن الثاني أي بعادة ولكن حبسها حابس الفيل) زاد ابن إسحاق في روايته عن مكة أي حبسها الله عزوجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم ويستخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس
[ 317 ]
منهم بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله ولولا رجال مؤمنون الآية كذا في فتح الباري (لا يسألوني) بتخفيف النون ويشدد وضمير الجمع لأهل مكة والمعنى لا يطلبونني (خطة) بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة (يعظمون بها حرمات الله) أي من ترك القتال في الحرم قال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء كذا في النيل (إلا أعطيتهم إياها) أي أجبتهم إليها والضمير المنصوب للخطة (ثم زجرها) أي القصواء (فوثبت) أي قامت بسرعة (فعدل عنهم) أي مال عن طريق أهل مكة ودخولها وتوجه غير جانبهم قاله القاري (بأقصى الحديبية) أي باخرها من جانب الحرم (على ثمد) بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل وقوله قليل الماء تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول إن الثمد الماء الكثير قاله الحافظ (فجاءه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بديل) بالتصيغر على (ثم أتاه) الضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم وفاعله عروة بن مسعود كما فسره الراوي (أخذ بلحيته) أي لحية النبي صلى الله عليه وسلم وكان عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه لا سيما عند الملاطفة (قائم على النبي صلى الله عليه وسلم) أي بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو (فضرب) أي المغيرة (يده) أي يد عروة حين أخذ لحية النبي صلى الله عليه وسلم إجلالا له لأن هذا إنما يصنع النظير بالنظير وكان عروة عم المغيرة (بنعل السيف) هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها (أي غدر) بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر (أو لست أسعى في غدرتك) أي في دفع شر غدرتك وفي إطفاء شرك وجنايتك ببذل المال قال ابن هشام في السيرة أشار عروة بهذا إلى ما وقع للمغيره قبل إسلامه وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا
[ 318 ]
وفي القصة طول قال الحافظ وقد ساق ابن الكلبي والواقدي القصة وحاصلها أنهم كانوا خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم (لا حاجة لنا فيه) لكونه مأخوذا على طريقة الغدر ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا وإنما تحل بالمحاربة والمغالبة كذا في فتح (فذكر الحديث) أي ذكر الراوي الحديث بطوله وقد اختصر المصنف الحديث في مواضع فعليك أن تطالعه بطوله في صحيح البخاري في كتاب الشروط والمغازي (أكتب أي يا علي هذا ما قاضي) بوزن فاعل من قضيت الشئ أي فصلت الحكم فيه وفي صحيح البخاري فجاء سهيل بن عمرو فقال هات أكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب الخ قال الحافظ في رواية ابن إسحاق فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القول حتى وقع بينهما الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم بعضا وأن يرجع عنهم عامهم هذا (وعلى أنه) عطف على مقدر أي على أن لا تأتينا في هذا العام وعلى أن تأتينا العم المقبل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل الخ والحديث قد اختصره المؤلف وهو في صحيح البخاري مطولا (فلما فرغ) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو علي رضي الله عنه (ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات الآية) كذا في النسخ والظاهر أنه سقط بعض الألفاظ من هذا المقام وفي المشكاة برواية الشيخين ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أيها الذين امنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية قال الحافظ ظاهره أنهم جئن إليه وهو بالحديبية وليس كذلك وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة (فنهاهم الله أن يردوهن) نسخا لعموم الشرط أو لأن الشرط كان مخصوصا بالرجال كذا في فتح الودود (وأمرهم) أي الصحابة (الصداق) أي صداقهن إلى أزواجهن من
[ 319 ]
المشركين ذكره الطيبي (ثم رجع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر الصاد المهملة (رجل من قريش) بدل من أبو بصير وزاد في رواية البخاري وهو مسلم (يعني فأرسلوا) أي أهل مكة رجلين (في طلبه) أي في طلب أبي بصير ولعل هذه الجملة أعني قوله فأرسلوا في طلبه كانت محذوفة في لفظ حديث الراوي الأول كذا في بعض الحواشي (فدفعه) أي دفع النبي صلى الله عليه وسلم أبا بصير جريا على مقتضى العهد (فاستله الآخر) أي صاحب السيف أخرجه من غمده (أرني) أمر من الإراءة (فأمكنه) أي أقدره ومكنه (منه) أي من السيف (برد) أي مات والمعنى أنه سكنت منه حركة الحياة وحرارتها (يعدو) أي مسرعا خوفا من أن يلحقه أبو بصير فيقتله (ذعرا) بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة أي فزعا (قتل) بصيغة المجهول (وإني لمقتول) أي قريب من القتل (فقال) أي أبو بصير لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أوفى الله ذمتك) أي فليس عليك منهم عقاب فيما صنعت أنا (ويل أمه) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل وقال في المرقاة قوله ويل امه بالنصب على المصدر وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف ومعناه الحزن والمشقة والهلاك وقد يرد بمعنى التعجب وهو المراد هنا على ما في النهاية فإنه صلى الله عليه وسلم تعجب من حسن نهضته للحرب وجودة معالجته لها مع ما فيه خلاصه من أيدي العدو انتهى (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة هو بالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها قال الخطابي كأنه يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها كذا في فتح الباري وقال القاري ويرفع أي هو من يحمي الحرب ويهيج القتال انتهى وفي المنتقي مسعر حرب أي موقد حرب والمسعر والمسعار ما يحمى به النار من خشب ونحوه انتهى (لو كان له
[ 320 ]
أحد) جواب لو محذوف يدل عليه السابق أي لو فرض له أحد ينصره سعار الله الحرب لأثار الفتنة وأفسد الصلح فعلم منه أنه سيرده إليهم إذ لا ناصر له قاله الكرماني وقال الحافظ وفي رواية الأوزاعي لو كان له رجال فلقنها أبو بصير فانطلق وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلى المشركين ورمز إلى من بلغه ذلك من المسلمين أن يلحقوا به (فلما سمع) أبو بصير (ذلك) أي الكلام المذكور (عرف أنه سيرده إليهم) قال القاضي إنما عرف ذلك من قوله مسعر حرب لو كان له أحد فإنه يشعر بأنه لا يؤويه ولا يعينه وإنما خلاصه منهم بأن يستظهر بمن يعينه على محاربتهم (سيف البحر) بكسر السين وسكون الياء أي ساحله (وينفلت) أي تخلص من أيدي المشركين وفي تعبيره بالصيغة المستقبلة إشارة إلى مشاهدة الحال (عصابة) أي جماعة من المؤمنين الذين خرجوا من مكة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي مختصرا ومطولا عن المسور ومروان بن الحكم (اصطلحوا) أي صالحوا (على وضع الحرب) أي على تركه (وعلى أن بيننا عيبة) بفتح العين المهملة وسكون التحتية وبالموحدة ما يجعل فيه الثياب (مكفوفة) أي مشدودة ممنوعة قال في النيل أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم (وأنه لا إسلال ولا إغلال) أي لا سرقة ولا خيانة يقال أغل الرجل أي خان والإسلال من السلة وهي السرقة والمراد أن يأمن الناس بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا والحديث سكت عنه المنذري (إلى ذي مخبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة (عن
[ 321 ]
الهدنة) بوزن اللقمة أي الصلح هل هو جائز بين المسلمين وبين أهل الكتاب وأهل الشرك (ستصالحون الروم) الخطاب للمسلمين (صلحا) مفعول مطلق (امنا) بالمد صفة صلحا أي صلحا ذا أمن (وتغزون أنتم) أي فتقاتلون أيها المسلمون (وهم) أي الروم المصالحون معكم (عدوا من ورائكم) أي من خلفكم وسيجئ هذا الحديث في كتاب الملاحم في باب ما يذكر من ملاحم الروم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه 250 في العدو يؤتي قال بصيغة المجهول (على غرة) أي غفلة فيدخل الرجل المسلم على العدو الكافر ويقتله على غفلة منه والحال أن العدو لا يعلم بعزم قتله ولا يقف على إرادته (ويتشبه) أي المسلم الداخل على العدو (بهم) أي بالأعداء في ظاهر الحال وقلبه مطمئن بالإيمان فيتشبه بهيئتهم وآدابهم وأخلاقهم والتلفظ بالكلمات التي فيها تورية بل بالكلمات المنكرة عند الشرع كما قال محمد بن مسلمة إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنانا فإن التلفظ بأمثال هذه الكلمات لا يجوز قطعا في غير هذه الحالة وفي رواية محمد بن إسحاق فقال محمد بن مسلمة أنا لك به يارسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك قال يا رسول الله لا بد لنا أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حال من ذلك انتهى فأباح له الكذب لأنه من خدع الحرب قال الحافظ وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوه في أن يشكوا منه وأن يعيبوا دينه انتهى قال ابن المنير هنا لطيفة هي أن النيل من عرضه كفر ولا يباح إلا بإكراه لمن قلبه مطمئن بالإيمان وأين الإكراه هنا وأجاب بأن كعبا كان يحرض على قتل المسلمين وكان في قتله خلاصهم فكأنه أكره الناس على النطق بهذا الكلام بتعريضه إياهم للقتل فدفعوا عن أنفسهم بألسنتهم مع أن قلوبهم مطمئنة بالإيمان انتهى وهو حسن نفيس والمقصود من عقد هذا الباب أن هذه الأفعال والخديعة وأشباهها تجوز لقتل العدو الكافر لكن لا يجوز ذلك بالعدو بعد الأمان
[ 322 ]
والصلح والذمة وعليه يحمل حديث أبي هريرة المذكور في الباب وبعد الأمان يجوز ذلك بمن نقض العهد وأعان على قتل المسلمين كما فعل بكعب اليهودي وقصته كما عند ابن إسحاق وغيره أن كعبا كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذاه وقد كان عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن لا يعين عليه أحدا فنقض كعب العهد وسبه وسب أصحابه وكان من عداوته أنه لما قدم البشيران عن بقتل من قتل ببدر وأسر من أسر قال كعب أحق هذا أترون أن محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها فلما أيقن الخبر ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل وخرج إلى قريش يبكي على قتلاهم ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى اذاهم كذا في شرح المواهب للزرقاني وقال بعضهم إن قتل كعب كان قبل النهي كما سيجئ هذا ملخص من شرح أبي داود لأبي الطيب (من لكعب بن الأشرف) أي من الذي ينتدب إلى قتله (قد اذى الله ورسوله) لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا (فأذن لي أن أقول شيئا) أي قولا غير مطابق للواقع يسر كعبا لنتوصل به إلى التمكن من قتله وإنه استأذن أن يفتعل شيئا يحتال به (فأتاه) أي أتى محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف (إن هذا الرجل) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (وقد عنانا) بالمهملة وتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب (قال) أي كعب بن الأشرف (وأيضا) أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك قوله (لتملنه) بفتح المثناة والميم وتشديد اللام المضمومة وبالنون المشددة من الملال أي ليزيدن ملالتكم من وضجركم عنه (أن ندعه) أي نتركه إلى أي شئ يصير أمره أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي يغلب الناس أو يغلبه الناس كذا في فتح الودود (أن تسلفنا) السلف والسلم والقرض (وسقا) الوسق بفتح الواو وكسرها ستون صاعا والصاع أربعة أمداد (أي
[ 323 ]
شئ ترهنوني) أي أي شئ تدفعونه إلي يكون رهنا (قال) كذا في بعض النسخ وفي بعضها قالوا وهو الظاهر (نساءكم) بالنصب أي أريد نساءكم (يسب) بصيغة المجهول (رهنت) بصيغة المجهول (اللأمة) باللام وسكون الهمزة (يريد السلاح) هذا تفسير اللأمة من بعض الرواة وقال أهل اللغة اللأمة الدرع فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض وفي النهاية اللأمة مهموزة الدرع وقيل السلاح ولأمة الحرب أداته وقد يترك الهمز تخفيفا انتهى (ينضخ رأسه) أي يفوح منه ريح الطيب (جاء معه) أي مع محمد بن مسلمة (قال دونكم) أي قال محمد بن مسلمة لأصحابه خذوه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (حدثنا محمد بن حزابة) بضم الحاء المهملة ثم زاي خفيفة وبعد الألف موحدة (الإيمان قيد الفتك) بفتح فاء وسكون فوقية قال في المجمع هو أن يأتي صاحبه وهو غافل فيشد عليه فيقتله وقال فيه في مادة قيد قيد الإيمان الفتك أي الإيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القيد عن التصرف فكأنه جعل الفتك مقيدا قال في النهاية الفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله والغيلة أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي انتهى قلت معنى الحديث أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدرا كما يمنع القيد من التصرف والله أعلم (لا يفتك مؤمن) قال في فتح الودود على بناء الفاعل بضم التاء وكسرها والخبر في معنى النهي ويجوز جزمه على النهي وقتل كعب وغيره كان قبل النهي أو هو مخصوص قال
[ 324 ]
في المجمع أي إيمانه يمنعه عن الفتك قال المنذري في إسناده أسباط بن بكر الهمداني واسماعيل بن عياش السدي وقد أخرج لهما مسلم وتكلم فيهما غير واحد من الأئمة 251 في التكبير على كل شرف في المسير الشرف في بفتحتين المكان مرتفع (إذا قفل) أي رجع (ائبون) أي راجعون (وهزم الأحزاب وحده) قال الطيبي الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فهزمهم الله بغير قتال قال القاري ويمكن أن يراد بهم أنواع الكفار الذين غلبوا بالهزيمة والفرار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي 252 في الإذن في القفول بعد النهي القفول الرجوع لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر وبعده أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين وقبله عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين وكان صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد منه فنزلت هذه الآية عتابا له وقدم العفو تطمينا لقلبه (التي في النور) أي الآية التي في سورة النور إنما المؤمنون الذين امنوا بالله
[ 325 ]
ورسوله وبعده وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال انتهى وأخرج عبد الرازق عن عمرو بن ميمون الأودي قال اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشئ إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر قال هذا تفسير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال فاستأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله قال نسختها الآية التي في سورة النور إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله إن الله غفور رحيم فجعل الله النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء انتهى قال الخازن في تفسير سورة البراءة (إنما يستأذنك) يعني في التخلف عن الجهاد معك يا محمد من غير عذر الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وهم المنافقون لقوله وارتابت قلوبهم يعني شكت قلوبهم في الإيمان فهم في ريبهم يترددون يعني أن المنافقين متحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين وقد اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآيات فقيل إنها منسوخة با ية التي في سورة النور وهي قوله سبحانه إن الذين يستأذنونك الآية وقيل إنهما محكمات كلها ووجه الجمع بين هذه ايات أن المؤمنين كانوا يسارعون إلى طاعة الله وجهاد عدوهم من غير استئذان فإذا عرض لأحدهم عذر استأذن في التخلف فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيرا في الإذن لهم بقوله تعالى فأذن لمن شئت منهم وأما المنافقون فكانوا يستأذنون في التخلف من غير عذر فعيرهم الله تعالى بهذا الاستئذان لكونه بغير عذر وقال الخازن في تفسير سورة النور إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر جامع أي يجمعهم من حرب أو صلاة حضرت أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل لم يذهبوا أي لم يتفرقوا عنه ولم ينصرفوا عما اجتمعوا له حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم أي أمرهم (فأذن لمن شئت منهم) أي في الانصراف والمعنى إن شئت فائذن وإن شئت فلا تأذن انتهى
[ 326 ]
253 في بعثة البشراء بن جمع بشير (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه (ألا) بالتخفيف للتنبيه (تريحني) من الإراحة (من ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة قال الحافظ والخلصة اسم للبيت الذي كان فيه الصنم وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وفي رواية للبخاري وكان بيتا في خثعم يسمى الكعبة اليمانية (فأتاها) الضمير المرفوع لجرير والمنصوب لذي الخلصة (من أحمس) اسم قبيلة (يكنى) بصيغة المجهول والضمير للرجل (أبا أرطاة) بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف تاء تأنيث قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو أرطاة اسمه الحصين بن ربيعة له صحبة 254 في إعطاء البشير هذه (وقص ابن السرح الحديث) الحديث مذكور بطوله في صحيح البخاري في الجزء الثامن عشر منه (أيها الثلاثة) بالرفع وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس (إذا طال على) زمان ولا يكلمني أحد (تسورت) أي علوت سور الدار
[ 327 ]
(جدار حائط أبي قتادة) أي جدار بستانه (يهرول) أي يسرع بين المشي والعدو (وهنأني) قال في فتح الودود بهمزة في اخره أي قال هنيئا لك توبة الله عليك أو نحوه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي مختصرا ومطولا والله أعلم 255 في سجود الشكر (أمر سرور) بالإضافة (أو بشر به) بصيغة الماضي المجهول من التبشير وأو للشك من الراوي وفي بعض النسخ يسر به بصيغة المضارع المجهول من السرور والحديث دليل على شرعية سجود الشكر قال في السبل ذهب إلى شرعيته الشافعي وأحمد خلافا لمالك ورواية أبي حنيفة بأنه لا كراهة فيها ولا ندب والحديث دليل للأولين
[ 328 ]
واعلم أنه قد اختلف هل يشترط لها الطهارة أم لا فقيل يشترط قياسا على الصلاة وقيل لا يشترط وهو الأقرب انتهى وقال في النيل وليس في أحاديث سجود الشكر ما يدل على التكبير انتهى وفي زاد المعاد وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصحابة وهو سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة وقد سجد أبو بكر الصديق لما جاءه قتل مسيلمة الكذاب وسجد علي لما وجد ذا الثدية مقتولا في الخوارج وسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بشره جبرائيل أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا وسجد حين شفع لأمته فشفعه الله فيهم ثلاث مرات وأتاه بشير فبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فقام فخر ساجدا وقال أبو بكرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره خر لله ساجدا وهي اثار صحيحة لا مطعن فيها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز هذا اخر كلامه وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة فيه مقال وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وغير ذلك (قال أبو داود) هو المصنف (وهو) أي ابن عثمان (من عزورا) بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو وفتح الراء المهملة بالقصر ويقال فيها عزور ثنية بالجحفة عليها الطريق من المدينة إلى مكة كذا في النهاية وفي المراصد عزور بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو واخره راء مهملة موضع أو ماء قريب من مكة وقيل ثنية المدينتين إلى بطحاء مكة و قيل هي ثنية الجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة انتهى (ذكره أحمد) هو ابن صالح الراوي
[ 329 ]
(فأعطاني الثلث الآخر) بكسر الخاء وقيل بفتحها قال التوربشتي أي فأعطانيهم فلا يجب عليهم الخلود وتنالهم سنة شفاعتي فلا يكونون كالأمم السالفة فإن من عذب منهم وجب عليهم الخلود وكثير منهم لعنوا لعصيانهم أنبيائهم فلم تنلهم الشفاعة والعصاة من هذه الأمة من عوقب منهم نقي وهذب ومن مات منهم على الشهادتين يخرج من النار وإن عذب بها وتناله الشفاعة وإن اجترح الكبائر ويتجاوز عنهم ما وسوست به صدورهم ما لم يعملوا أو يتكلموا إلى غير ذلك من الخصائص التي خص الله تعالى هذه الأمة كرامة لنبيه صلى الله عليه وسلم انتهى كذا في المرقاة وفي الحديث دليل على استحباب رفع اليدين في الدعاء إلا فيما ورد الأثر بخلافه قال المنذري في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وفيه مقال 256 في الطروق عمرو وهو الدخول ليلا لمن ورد من سفر (طروقا) بضم الطاء أي ليلا وكل ات في الليل فهو طارق قاله النووي وفي رواية للشيخين إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه
[ 330 ]
(إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إلخ) قيل ما موصولة والراجع إليه محذوف والمراد به الوقت الذي دخل فيه الرجل ويحتمل أن تكون مصدرية على تقدير مضاف أي إن أحسن دخول الرجل دخول أول الليل قال الطيبي والأحسن أن تكون موصوفة أي أحسن أوقات دخول الرجل على أهله أول الليل قيل التوفيق بينه وبين الذي قبله أن يحمل الدخول على الخلو بها وقضاء الوطر منها لا القدوم عليها وإنما اختار ذلك أول الليل لأن المسافر لبعده عن أهله يغلب عليه الشبق فإذا قضى شهوته أول الليل سكن نفسه وطاب نومه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه (لكي تمتشط الشعثة) بفتح فكسر أي تعالج بالمشط المتفرقة الشعر (تستحد المغيبة) بضم الميم وكسر الغين أي التي غاب زوجها قال السيوطي أي تحلق شعر العانة وقال النووي الاستحداد استفعال من استعمال الحديدة والمراد إزالته كيف كان قال ومعنى هذه الروايات أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلا بغتة فأما من كان سفره قريبا تتوقع امرأته إتيانه ليلا فلا بأس وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهى بسببه فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك انتهى مختصرا (الطرق بعد العشاء) أي الطروق المنهى هو بعد العشاء وبه يحصل التوفيق ويمكن أن يقال المراد هو أن لا يدخل على الأهل فجأة بل يدخل عليهم بعد الإخبار بالمجئ ليستعدوا كما يدل عليه التعليل بقوله لكي تمتشط الخ كذا في فتح الودود (قال أبو داود وبعد المغرب الخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ قال المنذري وأخرجه النسائي وفي البخاري ومسلم معناه
[ 331 ]
257 في التلقي (من غزوة تبوك) بتقديم التاء قبل الباء الموحدة قال في المصباح باكت قبل الناقة تبوك بوكا سمنت فهي بائك يحيى بغير هاء وبهذا المضارع سميت غزوة تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزاها في رجب سنة تسع فصالح أهلها على الجزية من غير قتال فكانت خالية عن البؤس فأشبهت الناقة التي ليس بها هزال ثم سميت البقعة تبوك بذلك وهو موضع من بادية الشام قريب من مدين الذين بعث الله إليهم شعيبا انتهى (على ثنية الوداع) قال في القاموس الثنية العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه انتهى قال في القاموس أيضا ثنية الوداع بالمدينة سميت لأن من سافر إلى مكة كان يودع ثم ويشيع إليها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي باب 258 ما ستفهامية الرحمن (يستحب) بصيغة المجهول (من إنفاد الزاد) أي من أجل فناء الزاد وانقطاعه قال في المصباح نفد ينفد من باب تعب نفادا فنى وانقطع (إذا قفل) أي رجع عن الغزو فثبت بالحديث أن من يريد السفر للغزو وليس عنده ما يكفيه وما يتهيأ به للغزو فله أن يسأل غيره لإنجاح هذا الأمر ولما جاز له ذلك فسؤاله عن غيره وقت فناء الزاد عند المراجعة عن الغزو إلى الوطن يجوز له بالطريق الأولى لأن احتياجه في السفر أشد وقطع مسافة السفر عليه أشق وليس له أنيس إلا من هو يطلب منه ويسأل عنه هذا ما يفهم من تبويب المؤلف كذا في الشرح (من أسلم) قبيلة (ليس لي مال أتجهز به) أي أتهيأ به للغزو (ما جهزتني به) قال في
[ 332 ]
المجمع تجهيز الغازي تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه وقال القاموس جهاز المسافر ما يحتاج إليه وقد جهزه تجهيزا فتجهز (ولا تحبسي) أي لا تمنعي (فوالله لا تحبسين منه) أي مما جهزتني قال النووي وفيه أن ما نوى الإنسان صرفه في جهة بر فتعذرت عليه تلك الجهة يستحب له بذله في جهة أخرى من البر ولا يلزمه ذلك ما لم يلزمه بالنذر انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم 259 في الصلاة عند القدوم من السفر (حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني) أورد هذا الحديث في الأطراف ثم قال حديث العسقلاني والخلال في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى وليس عند اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره (لا يقدم) بكسر الدال أي لا يرجع يقال قدم من سفر قدوما أي عاد (قال الحسن) هو ابن علي (في الضحى) بالضم والقصر وهو وقت تشرق الشمس (فركع فيه ركعتين) أي قبل أن يجلس (ثم جلس فيه) أي قبل أن يدخل بيته ليزوره المسلمون وهذا الحديث ليس في نسخة المنذري
[ 333 ]
(فأناخ) أي أجلس ناقته وفي الحديثين دلالة على أن المسافر إذا قدم من السفر فالمسنون له أن يبتدأ بالمسجد ويصلي ركعتين قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديثه وقد جاءت هذه السنة في أحاديث ثابته انتهى كلام المنذري 260 في كراء المقاسم بفتح الميم وكسر السين جمع مقسم بفتح الميم وسكون القاف وكسر السين مصدر ميمي بمعنى القسمة وفي كتب اللغة صاحب المقاسم نائب الأمير وهو قسام الغنائم انتهى أي هذا باب في أخذ الأجرة لصاحب المقاسم أي لقسام الغنائم والله أعلم (التنيسي) بكسر مثناة فوق وقيل بفتحها وكسر نون مشددة فمثناة تحت وسين مهملة (عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة) كذا في بعض النسخ وكذلك في الأطراف وكذا نسبه في التهذيب والتقريب وفي بعض النسخ الحاضرة عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن عبد الله بن سراقة بزيادة ابن عبد الله بين عبد الله بن سراقة (إياكم والقسامة) قال الخطابي القسامة مضمومة القاف اسم لما يأخذه القسام لنفسه في القسمة كالفضاضة وكان لما يفضل والعجالة لما يعجل للضيف من الطعام وليس في هذا تحريم لأجرة القسام إذا أخذها بإذن المقسوم لهم وإنما جاء هذا فيمن ولي أمر قوم وكان عريفا أو نقيبا فإذا قسم بينهم سهامهم أمسك منها شيئا لنفسه يستأثر به عليهم وقد جاء بيان ذلك في الحديث الآخر أي الذي يأتي بعد هذا وقال في النهاية هي بالضم ما يأخذه القسام من رأس المال من أجرته لنفسه كما يأخذه السماسرة رسما مرسوما لا أجرا معلوما كتواضعهم
[ 334 ]
أن يأخذوا من كل ألف شيئا معينا وذلك حرام انتهى (يكون بين الناس) للقسمة (فينتقص) القسام (منه) أي من ذلك الشئ فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا لنفسه قال المنذري في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وفيه مقال (نحوه) أي نحو الحديث السابق (الرجل يكون على الفئام) قال الخطابي الفئام الجماعات قال الفرزدق فئام ينهضون إلى فئام قال المنذري هذا مرسل 261 في التجارة في الغزو (أخبرنا معاوية يعني ابن سلام) بالتشديد (عن زيد) هو أخو معاوية بن سلام (أنه سمع أبا سلام) اسمه ممطور وهو جد معاوية وزيد المذكورين (حدثني عبيد الله بن سلمان) بضم العين وفتح الموحدة كذا في بعض النسخ بالتصغير وكذا هو في الأطراف وذكر حديثه في المبهمات وكذا هو في التقريب ففيه عبيد الله بن سلمان عن صحابي فتح خيبر وعنه أبو سلام مجهول وفي بعض النسخ عبد الله بن سلمان بالتكبير وهو غلط (من المتاع والسبي) بيان لغنائمهم ولم (قال ويحك) كلمة ترحم وتوجع (وأبتاع) أي أشتري (ثلاث مائة أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء وهي أربعون درهما (أنا أنبئك) أي أخبرك (بعد الصلاة) أي المفروضة
[ 335 ]
والحديث سكت عنه المنذري وأخرج ابن ماجه من حديث خارجة بن زيد قال رأيت رجلا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا وفي إسناده سنيد بن داود المصيصي وهو ضعيف لكن يشهد له حديث عبيد الله بن سلمان المذكور في الباب وفيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الاتجار في سفر الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزل الله تبارك وتعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قاله الشوكاني في حمل السلاح وآلات الحرب (إلى أرض العدو) أعم من أن يكون يحمل السلاح مسلم إلى أرض العدو أو يعطيه مسلم كافرا ليذهب به إلى دار الحرب فهل يجوز ذلك فدل الحديث على جواز الصورة الثانية صريحا وعلى الصورة الأولى استنباطا (يونس) هو ابن أبي إسحاق ولفظ أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن جده عن ذي الجوشن الضبابي (رجل من الضباب) بدل من ذي الجوشن والضباب بكسر الضاد هو ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي ثم الضبابي وإنما قيل له ذو الجوشن لأن صدره كان نائيا ويقال إنه لقب ذا الجوشن لأنه دخل على كسرى فأعطاه جوشنا فلبسه فكان أول عربي لبسه هو والد شمر بن ذي الجوشن (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) أي قبل أن يسلم (يقال لها) أي للفرس والفرس يذكر ويؤنث (القرحاء) بفتح القاف وسكون الراء هذا لقب لفرسه (لتتخذه) أي ابن الفرس عني مجانا وتجعله لنفسك وتستعمله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا حاجة لي فيه) أي في ابن الفرس وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يستعين
[ 336 ]
بأهل الشرك ولا يأخذ عنه مجانا (أن أقيضك به) أي بابن الفرس قال ابن الأثير أي أبدلك به وأعوضك عنه وقد قاضه يقيضه وقايضه مقايضة في البيع إذا أعطاه سلعة وأخذ عوضها سلعة انتهى وقال الخطابي معناه أبدلك به وأعوضك منه والمقايضة في البيوع المعاوضة أن يعطى متاعا ويأخذ اخر لا نقد فيه انتهى (المختارة) أي الدرع المختارة والمنتقاة بين والنفيسة قال في المصباح درع الحديد مؤنثة في الأكثر (من دروع بدر) الدرع ثوب ينسج من ذرد أهل الحديد يلبس في الحرب وقاية من سلاح العدو وجمعها أدرع ودراع حديث ودروع ومصغرها دريع بلا تاء (فعلت) هذا هو محل ترجمة الباب أي أقبل واخذ منك ابن الفرس عوضا للدرع مني ولكن ما رضي به ذو الجوشن وأجاب بقوله (ما كنت أقيضه) أي أبدل ابن الفرس (بغرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء أي بفرس فكيف أبدل بالشئ الآخر هو دون الفرس أي الدرع قال الخطابي رحمه الله فيه أن يسمي الفرس غرة وأكثر ما جاء ذكر الغرة في الحديث إنما يراد بها التسمية من أولاد ادم عبدا أو أمة انتهى وفي النهاية سمي الفرس في هذا الحديث غرة وأكثر ما يطلق على العبد والأمة ويجوز أن يكون أراد بالغرة النفيس من كل شئ فيكون التقدير ما كنت لأقيضه بالشئ النفيس المرغوب فيه انتهى قلت هذا المعنى حسن جدا (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فلا حاجة لي فيه) أي في ابن الفرس مجانا بغير عوض وزاد في أسد الغابة من رواية ابن أبي شيبة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ذا الجوشن ألا تسلم فتكون من أول هذه الأمة قال قلت لا قال ولم قال قلت لأني قد رأيت قومك قد ولعوا بك قال وكيف وقد بلغك مصارعهم قال قلت بلغني قال فأنى يهدى بك قلت أن تغلب على الكعبة وتقطنها قال لعل عشت أن ترى ذلك ثم قال يا بلال خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة فلما أدبرت قال إنه من خير فرسان بني عامر قال فوالله إني بأهلى بالعودة إذا أقبل راكب فقلت من أين قال من مكة فقلت ما الخبر قال غلب عليها محمد وقطنها قال قلت هبلتني أمي لو أسلمت يومئذ قال ابن الأثير قيل إن أبا إسحاق لم يسمع منه وإنما سمع حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن عنه انتهى قال المنذري ذو الجوشن اسمه أوس وقيل شرحبيل وقيل عثمان وسمي ذو الجوشن من أجل أن صدره كان ناتئا وقيل أن أبا إسحاق لم يسمع منه وإنما سمع من ابنه شمر وقال أبو قاسم البغوي ولا أعلم لذي الجوشن غير هذا الحديث ويقال أن أبا إسحاق سمعه من شمر بن ذي الجوشن عن أبيه والله أعلم هذا اخر كلامه والحديث لا يثبت فإنه دائر بين الانقطاع أو رواية من لا يعتمد على روايته والله أعلم انتهى كلامه كذا في الشرح
[ 337 ]
263 في الإقامة بأرض الشرك هل يجوز للمسلم (سليمان بن موسى أبو داود) بدل من سليمان فسليمان اسمه وأبو داود كنيته وهو الزهري الكوفي خراساني الأصل نزل الكوفة ثم الدمشق قال أبو حاتم محله الصدق صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات قال الذهبي صويلح الحديث وقال ابن حجر فيه لين ووهم العلامة المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير فقال حديث سمرة بن جندب حسنه السيوطي وفيه سليمان بن موسى الأموي الأشدق قال في الكاشف ليس بالقوي وقال البخاري له مناكير انتهى وقد عرفت أن سليمان بن موسى الذي وقع في سنده هو أبو داود الزهري وليس هو سليمان الأموي الأشدق (سليمان بن سمرة) بدل من أبيه (من جامع) بصيغة الماضي على وزن قاتل هكذا في جميع النسخ وهو المحفوظ قال أصحاب اللغة جامعه على كذا اجتمع معه ووافقه انتهى (المشرك) بالله والمراد الكفار ونص على المشرك لأنه الأغلب حينئذ والمعنى من اجتمع مع المشرك ووافقه ورافقه ومشى معه قال المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير وقيل معناه نكح الشخص المشرك يعني إذا أسلم فتأخرت عنه زوجته المشركة حتى بانت منه فحذر من وطئه إياها ويؤيده ما روي عن سمرة بن جندب مرفوعا لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم انتهى وقد ضبط بعضهم هذا الجملة بلفظ من جاء مع المشرك أي أتى معه مناصرا وظهيرا له فجاء فعل ماض ومع المشرك جار ومجرور قاله أيضا المناوي قال الشارح في غاية المقصود والصحيح المعتمد لفظ من جامع المشرك فالمشرك هو مفعول جامع وأيضا معناه الأول هو القوي (وسكن معه) أي في ديار الكفر (فإنه مثله) أي من بعض
[ 338 ]
الوجوه لأن الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفر قال الزمخشري وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة العدو متنافيان وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين والمؤمن أولى بموالاة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد يا أيها الذين امنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين ولا يضرهم أن يبارزوا من يحاربهم من الكافرين وفي الزهد لأحمد عن ابن دينار (أوحى الله إلى نبي من الأنبياء قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي) كذفي فتح القدير للمناوي وقال العلقمي في الكوكب المنير شرح الجامع الصغير حديث سمرة إسناده حسن وفيه وجوب الهجرة على من قدر عليها ولم يقدر على إظهار الدين أسيرا كان أو حربيا فإن المسلم مقهور مهان بينهم وإن انكفوا عنه فانه لا يأمن بعد ذلك أن يؤذوه أو يفتنوه عن دينه وحق على المسلم أن يكون مستظهرا بأهل دينه وفي حديث عند الطبراني أنا برئ من كل مسلم مع مشرك وفي معناه أحاديث انتهى قال الإمام ابن تيممية عند المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة والمشابهة في الهدى الظاهر توجب مناسبة وائتلافا وإن بعد الزمان والمكان وهذا أمر محسوس فمرافقتهم ومساكنتهم ولو قليلا سبب لنوع ما من انتساب أخلاقهم التي هي ملعونة وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به وأدير التحريم عليه فمساكنتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات فيصير مساكن الكافر مثله وأيضا المشاركة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا مما يشهد به الحسن فإن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم بموجب الطبع وإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في الأمور الدينية فالموالاة للمشركين تنافي الإيمان ومن يتولهم منكم فإنه منهم انتهى كلامه
[ 339 ]
وقال ابن القيم في كتاب الهدى النبوي ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة من بينهم وقال أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يا رسول الله ولم قال لا تراءى ناراهما وقال من جامع مع المشرك وسكن معه فهو مثله وقال لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وقال ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها يلفظهم لأنه أرضوهم تقذرهم نفس الله ويحشرهم الله مع القردة والخنازير انتهى قال المنذري بعد إيراد حديث سمرة قد تقدم نحوه والكلام عليه في حديث جرير بن عبد الله انتهى
[ 340 ]
أول كتاب الضحايا جمع ضحية كعطايا جمع عطية وهي ما يذبح يوم النحر على وجه القربة قال النووي فيها أربع لغات أضحية وإضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياه وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها ضحايا والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى قيل سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار انتهى 264 ما جاء في إيجاب الأضاحي (يزيد) هو ابن زريع (بشر) هو ابن المفضل وكلاهما يرويان عن عبد الله بن عون قاله المزي (أنبأنا مخنف) بالخاء المعجمة كمنبر (ابن سليم) بالتصغير (وعقيرة) بفتح العين
[ 341 ]
المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية قال النووي اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا كذا في النيل وفي المرقاة وهي شاة تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والمسلمون في صدر الإسلام قال الخطابي وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم الدين وأما العتيرة التي يعترها أهل الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام ويصب دمها على رأسها وفي النهاية كانت العتيرة بالمعنى الأول في صدر الإسلام ثم نسخ انتهى (الرجبية) أي الذبيحة المنسوبة إلى رجب لوقوعها فيه (العتيرة منسوخة هذا خبر منسوخ) قد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه منسوخ بالأحاديث الآتية في باب العتيرة وادعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على
[ 342 ]
ذلك ولكنه لا يجوز الجزم به إلا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت وقال جماعة بالجمع بين الحديث وبين الأحاديث الآتية وهو الأولى وسيأتي وجه الجمع في كلام المنذري على هذا الحديث والحديث يدل على وجوب الأضحية قال الخطابي واختلفوا في وجوب الأضحية فقال أكثر أهل العلم إنها ليست بواجبة ولكنها مندوب إليها وقال أبو حنيفة هي واجبة وحكاه عن إبراهيم وقال محمد بن الحسن هي واجبة على المياسير قلت وهذا الحديث ضعيف المخرج وأبو رملة مجهول انتهى كلام الخطابي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي
[ 343 ]
وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون هذا اخر كلامه وقد قيل إن هذا الحديث منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم لا فرع ولا عتيرة وقيل لا فرع واجبة ولا عتيرة واجبة ليكون جمعا بين الأحاديث وقال الخطابي هذا الحديث ضعيف المخرج وأبو رملة مجهول وقال أبو بكر المعافري حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به هذا اخر كلامه ولم يره منسوخا وأبو رملة اسمه عامر وهو بفتح الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة ولام مفتوحة وتاء تأنيث وقال البيهقي رضي الله عنه في حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب وقد جمع بينها وبين العتيرة والعتيرة غير واجبة بالإجماع هذا اخر كلامه وقد قال الخطابي وقد كان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في شهر رجب ويروي فيها شيئا وقال اليحصبي وقال بعض السلف ينفى حكمها (القتياني) بكسر القاف وسكون المثناة (أمرت بيوم الأضحى) أي بجعله (جعله الله) أي يوم الأضحى (لهذه الأمة) أي عيدا (أرأيت) أي أخبرني (إلا منيحة) في النهاية المنيحة أن يعطي الرجل للرجل ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها وكذا إذا أعطي لينتفع بصوفها ووبرها زمانا ثم يردها وقال الطيبي ولعل المراد من المنيحة ههنا ما يمنح بها وإنما منعه لأنه لم يكن عنده شئ سواها ينتفع به (أنثى) قيل وصف منيحة بأنثى يدل على أن المنيحة قد تكون ذكرا وإن كان فيها علامة التأنيث كما يقال حمامة أنثى وحمامة ذكر (فتلك) أي الأفعال المذكورة (تمام أضحيتك تامة بنيتك الخالصة ولك بذلك مثل ثواب الأضحية) ثم ظاهر الحديث وجوب الأضحية إلا على العاجز ولذا قال جمع من السلف تجب حتى على المعسر قاله
[ 344 ]
القاري وقال في الفتح قال ابن حزم لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة على الكفاية وفي وجه للشافعية من فروض الكفاية وعن أبي حنيفة تجب على المقيم الموسر وعن مالك مثله وقال أحمد يكره تركها مع القدرة وعن محمد بن الحسن هي سنه غير مرخص في تركها قال الطحاوي وبه نأخذ انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي 265 الأضحية عن الميت (عن حنش) بفتح الحاء المهملة وبالنون المفتوحة والشين المعجمة (أوصاني أن أضحي عنه) أي بعد موته إما بكبشين على منوال حياته أو بكبشين أحدهما عنه والآخر عن نفسي قال القاري في المرقاة وفي رواية صححها الحاكم أنه كان يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه أبدا فأنا أضحي عنه أبدا قال الترمذي في جامعه قد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحي عنه وقال عبد الله بن المبارك أحب إلي أن يتصدق عنه ولا يضحي وإن ضحى فلا يأكل منها شيئا ويتصدق بها كلها انتهى وهكذا في شرح السنة للإمام البغوي قال في غنية الألمعي قول بعض أهل العلم الذي رخص في الأضحية عن الأموات مطابق للأدلة وقول من منعها ليس فيه حجة فلا يقبل كلامه إلا بدليل أقوى منه ولا دليل عليه والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وأهل بيته ولا يخفى أن أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ كان كثير منهم موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكثير منهم توفوا في عهده صلى الله عليه وسلم فالأموات أخبرنا والأحياء كلهم من أمته صلى الله عليه وسلم دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم والكبش الواحد كما كان للأحياء من أمته كذلك للأموات من أمته صلى الله عليه وسلم بلا تفرقة وهذا الحديث أخرجه الأئمة من حديث جماعات من الصحابة عائشة وجابر وأبي طلحة وأنس وأبي هريرة وأبي رافع وحذيفة عند مسلم والدارمي وأبي داود وابن ماجه وأحمد والحاكم وغيرهم ولم
[ 345 ]
ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأضحية التي ضحى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه وأهل بيته وعن أمته الأحياء والأموات تصدق بجميعها أو تصدق بجزء معين بقدر حصة الأموات بل قال أبو رافع إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وال محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منها فمكثنا سنين ليس الرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم رواه أحمد وكان دأبه صلى الله عليه وسلم دائما الأكل بنفسه وبأهله من لحوم الأضحية وتصدقها للمساكين وأمر أمته بذلك ولم يحفظ عنه خلافه وأخرج الشيخان عن عائشة وفيه قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وأدخروا وتصدقوا وأخرج مسلم عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلوا ما بدالكم وأطعموا وادخروا فكما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنعه من غير فرق حتى يقوم الدليل على الخصوصية فإن أضحي كبشا أو كبشين أم ثلاث كباش مثلا عن نفسي وأهل بيتي وعن الأموات ليكفي عن كل واحد لا محالة ويصل ثوابها لكل واحد بلا مرية وما بدا لي اكل من لحمها وأطعم غيري وأتصدق منها فإني على خيار من الشارع نعم إن تخص الأضحية للأموات من دون شركة الأحياء فيها فهي حق للمساكين والغرباء كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى والله أعلم انتهى كلامه قال المنذري حنش هو أبو المعتمر الكناني الصنعاني وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك هذا اخر كلامه وحنش تكلم فيه غير واحد وقال ابن حبان البستي وكان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن علي بأشياء لا يشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به وشريك هو ابن عبد الله القاضي فيه مقال وقد أخرج له مسلم في المتابعات 266 الرجل يأخذ من شعره في العشر الخ أي في أول عشر ذي الحجة
[ 346 ]
(ذبح) بكسر الذال اسم لما يذبح من الحيوان (فإذا أهل هلال ذي الحجة) أي ظهر ففي القاموس هل الهلال ظهر كأهل وأهل واستهل بضمهما (فلا يأخذن الخ) استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي قال النووي واختلف العلماء في ذلك فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إنه يحرم عليه أخذ شئ من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وقال أبو حنيفة لا يكره وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب انتهى
[ 347 ]
قال الخطابي واختلف العلماء في القول بظاهر هذا الحديث فكان سعيد بن المسيب يقول به ويمنع المضحي من أخذ أظفاره وشعره أيام العشر من ذي الحجة وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وإليه ذهب أحمد وإسحاق بن راهويه وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الندب والاستحباب ورخص أبو حنيفة وأصحابه في ذلك قال الخطابي
[ 348 ]
وفي حديث عائشة رضي الله عنها دليل على أن ذلك على سبيل الندب وليس على الوجوب قولها فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها ثم بعث بها ولم يحرم عليه كل شئ أحله الله له حتى نحر الهدي وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدل على أن ذلك على سبيل الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه
[ 349 ]
وفي لفظ لمسلم فلا يمس من شعره وبشره شيئا وقال بعضهم أراد بالشعر شعر الرأس وبالبشر بشر (شعر) البدن فعلى هذا لا يدخل فيه قلم الأظفار ولا يكره وقيل أراد بالشعر جميع الشعر وبالبشر الأظفار ويؤيد هذا أن لفظ الحديث عند مسلم وعند جميع من ذكر معه مشتمل على الشعر والظفر 267 ما يستحب من الضحايا (عن ابن قسيط) بضم القاف مصغرا هو يزيد بن عبد الله بن قسيط (أمر بكبش) أي بأن يؤتى به إليه والكبش فحل الضأن في أي سن كان واختلف في ابتدائه فقيل إذا أثنى وقيل إذا أربع قاله الحافظ (أقرن) أي الذي له قرنان معتدلان قاله السيوطي وقال النووي الأقرن الذي له قرنان حسنان (يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد) أي يطأ الأرض ويمشي في سواد والمعنى أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود قاله النووي (فضحى به) وفي رواية مسلم ليضحي به وهو الظاهر من حيث المعنى (هلمي المدية) أي هاتيها وهي بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين قاله النووي (اشحذيها) بالشين
[ 350 ]
المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها (فذبحه وقال بسم الله الخ) أي أراد ذبحه وفي رواية مسلم ثم ذبحه ثم قال الخ قال النووي هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلا باسم الله اللهم تقبل من محمد وال محمد وأمته مضحيا به ولفظه ثم هنا متأولة على ما ذكرته بلا شك (ثم ضحى به) قال القاري أي فعل الأضحية بذلك الكبش قال وهذا يؤيد تأويلنا قوله ثم ذبحه بأنه أراد ذبحه وقال الطيبي نقلا عن الأساس أي غدى والظاهر أنه مجاز والحمل على الحقيقة أولى مهما أمكن ثم معنى غدى أي غدى الناس به أي جعله طعام غداء لهم انتهى وفي الحديث استحباب التضحية بالأقرن وإحسان الذبح وإحداد الشفرة وإضجاع الغنم في الذبح قال النووي واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار انتهى والحديث فيه دليل على جواز الأضحية الواحدة عن جميع أهل البيت قال المنذري وأخرجه مسلم (بدنات) جمع بدنة وهي الواحدة من الإبل سميت بها لعظمها وسمنها من البدانة وهي كثرة اللحم وتقع على الجمل والناقة وقد تطلق على البقرة كذا في النهاية (أملحين) قال الخطابي الأملح من الكباش هو الذي في خلال صوفه الأبيض طاقات سود وفي المرقاة للقاري الأملح أفعل من الملحة وهي بياض يخالطه السواد وعليه أكثر أهل اللغة وقيل بياضه أكثر من سواده وقيل هو النقي البياض قال المنذري وأخرج البخاري قصة الكبشين فقط بنحوه
[ 351 ]
(ويكبر ويسمي) أي يقول بسم الله والله أكبر (على صفحتها) أي على جانب وجهها والصفحة عرض الوجه وفي النهاية صفح كل شئ جهته وناحيته قال الحافظ وفي الحديث استحباب التكبير مع التسمية واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (موجئين) بضم الميم وسكون الواو وفتح الجيم بعدها همزة مفتوحة وفي بعض النسخ موجيين بالياء مكان الهمزة وفي بعضها موجوئين أي خصيين قال في النهاية الوجاء أن ترض أي تدق أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب شهوة الجماع وقيل هو أن يوجأ العروق والخصيتان بحالهما (فلما وجههما) أي نحو القبلة (للذي فطر السماوات والأرض) أي إلى خالقهما ومبدعهما (على ملة إبراهيم) حال من الفاعل أو المفعول في وجهت وجهي أي أنا على ملة إبراهيم يعني في الأصول وبعض الفروع (حنيفا) حال من إبراهيم أي مائلا عن الأديان الباطلة إلى الملة القويمة التي هي التوحيد الحقيقي (إن صلاتي ونسكي) أي سائر عباداتي أو تقربي بالذبح قال الطيبي جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى فصل لربك وانحر (ومحياي ومماتي) أي حياتي وموتي وقال الطيبي أي وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح انتهى (اللهم منك) أي هذه الأضحية عطية ومنحة واصلة إلى منك (ولك) أي مذبوحة وخالصة لك قال الخطابي وفي هذا دليل على أن الخصي في الضحايا غير مكروه وقد كرهه
[ 352 ]
بعض أهل العلم لنقص العضو وهذا النقص ليس بعيب لأن الخصاء يزيد اللحم طيبا وينفي فيه الزهومة وسوء الرائحة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه وعياش بفتح العين المهملة وبعدها ياء اخر الحروف مشددة مفتوحة وبعد الألف شين معجمة (فحيل) بوزن كريم قال الخطابي هو الكريم المختار للفحلة وأما الفحل فهو عام في الذكورة منها وقالوا في ذكورة الفحل فحال فرقا بينه وبين سائر الفحول من الحيوان انتهى قال في النيل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي (ينظر في سواد الخ) معناه أن ما حول عينيه وقوائمه وفمه أسود قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث 268 ما يجوز في الضحايا من السن (إلا مسنة) بضم الميم وكسر السين والنون المشددة قال ابن الملك المسنة هي
[ 353 ]
الكبيرة بالسن فمن الإبل التي تمت لها خمس سنين ودخلت في السادسة ومن البقر التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة ومن الضأن والمعز ما تمت لها سنة انتهى قال القدوري والأضحية من الإبل والبقر والغنم قال ويجزى من ذلك كله الثني فصاعدا إلا الضأن فإن الجذع منه يجزي قال صاحب الهداية والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر في مذهب الفقهاء والثني منها ومن المعز ابن سنة انتهى وفي النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر كذلك ومن الإبل في السادسة والذكر ثني وعلى مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية ومن البقر في الثالثة انتهى وفي الصحاح الثني الذي يلقي ثنيته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة وفي المحكم الثني من الإبل الذي يلقي ثنيته وذلك في السادسة ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة تيسا كان أو كبشا وفي التهذيب البعير إذا استكمل الخامسة وطعن في السادسة فهو ثني وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي وكذلك من البقر والمعزى فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي وإنما سمي البعير ثنيا لأنه ألقى ثنيته انتهى من لسان العرب وشرح القاموس وفي فتح الباري قال أهل اللغة المسن الثني الذي يلقي سنه ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة وقال ابن فارس إذا دخل ولد الشاة في الثالثة فهو ثني ومسن انتهى فالمسنة يا والثني من الضأن والمعز عند الحنابلة والحنفية ما تمت لها سنة وعند الشافعية وأكثر أهل اللغة ما استكمل سنتين (إلا
[ 354 ]
أن يعسر) أي يصعب (عليكم) أي ذبحها بأن لا تجدوها أو أداء ثمنها (فتذبحوا جذعة) بفتحتين (من الضأن) قال في المصباح الضأن ذوات الصوف من الغنم والمعز اسم جنس لا واحد له من لفظه هي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة وهي مؤنثة والغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز انتهى واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن وهم الجمهور في سنه على اراء أحدها أنها أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية وهو الأشهر عند أهل اللغة ثانيها نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة ثالثها سبعة أشهر وحكاه صاحب الهداية عن الزعفراني رابعها ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع وقيل ثمانية وقيل عشرة وقيل إن كان متولدا بين شابين فستة أشهر وإن كان بين هرمين فثمانية وفي الحديث تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة لكن قال النووي ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فان عجزتم فجزعة لو ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب انتهى قلت التأويل الذي ذكره النووي هو المتعين لحديث أبي هريرة رضي اللهعنه المرفوع نعمت الأضحية الجذع من الضأن أخرجه الترمذي وفي سنده ضعف ولحديث أم بلال بنت هلال عن أبيها رفعه يجوز الجذع من الضأن أضحية أخرجه ابن ماجه ولحديث مجاشع الذي
[ 355 ]
عند المؤلف ولحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن أخرجه النسائي قال الحافظ سنده قوي وغير ذلك من الأحاديث المقتضية للتأويل المذكور والحاصل أن الجذع من الضأن يجوز والجذع من المعز لا يجوز قال الترمذي وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال الحافظ ولكن حكى غيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزي مطلقا سواء كان من الضأن أم من غيره وممن حكاه عن ابن عمر ابن المنذر في اشراف وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف وأطنب في الرد على من أجازه انتهى قلت والصحيح ما ذهب إليه الجمهور والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه المسنة من البقر ابنة ثلاث ودخلت في الرابعة وقيل هي التي كما دخلت في الثالثة (حدثنا محمد بن صدران) بضم الصاد المهملة وسكون الدال المهملة (فأعطاني عتودا) في النهاية بفتح العين المهملة هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي وأتى عليه حول (جذعا) صفة عتودا وتقدم معنى الجذع قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه ورواه أحمد بن خالد الوهبي عن ابن إسحاق فقال فيه فقلت إنه جذع من المعز وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من رواية عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما فقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضح به أنت وقد وقع لنا حديث عقبة هذا من رواية يحيى بن بكير عن الليث بن سعد وفيه ولا رخصة لأحد بعدك قال البيهقي فهذه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة له كما رخص لأبي بردة بن نيار وعلى مثل هذا يحمل معنى حديث زيد بن خالد الجهني الذي أخرجه أبو داود ههنا وقال غيره حديث عقبة منسوخ بحديث أبي قتادة لقوله ولن تجزي عن أحد بعدك وفيما قاله نظر فإن في حديث عقبة أيضا ولا رخصة لأحد فيها بعدك وأيضا فإنه لا يعرف المتقدم منهما من المتأخر وقد أشار البيهقي إلى الرخصة أيضا لعقبة وزيد بن خالد كما كانت لأبي بردة والله أعلم انتهى كلام المنذري
[ 356 ]
(فعزت الغنم) قال في القاموس عز الشئ قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز (أن الجذع يوفي) مضارع مجهول من التوفية وقيل من الإيفاء يقال أوفاه حقه ووفاه أي أعطاه وافيا أي تاما قاله القاري (مما يوفي منه الثني) الثني بوزن فعيل هو بمعنى المسنة قال القاري أي الجذع يجزئ مما يقترب به من الثني أي من المعز والمعنى يجوز تضحية الجذع من الضأن كتضحية الثني من المعز انتهى وقال في النيل أي يجزئ كما تجزئ الثنية قال المنذري وأخرجه ابن ماجه عاصم بن كليب قال ابن المديني لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وأخرج له مسلم (ونسك) أي ضحى مثل أضحيتنا يكون (فقد أصاب النسك) أي تم نسكه (فتلك شاة لحم) قال النووي معناه ليست ضحية ولا ثواب فيها بل هي لحم لك تنتفع به (فقام أبو بردة بن نيار) بكسر النون بعدها تحتانية (عناقا) بفتح العين وهي الأنثى من المعز إذا قويت ما لم
[ 357 ]
تستكمل سنة وجمعها أعنق وعنوق قاله النووي (لن تجزئ عن أحد بعدك) فيه أن الجذع من المعز لا يجزئ عن أحد ولا خلاف أن الثني من المعز جائز قال الخطابي وقال أكثر أهل العلم إن الجذع من الضأن يجزئ غير أن بعضهم اشترط أن يكون عظيما وحكي عن الأزهري أنه قال لا يجزئ من الضأن إلا الثني فصاعدا كالأبل والبقر وفيه من الفقه أن من ذبح قبل الصلاة لم يجزه عن الأضحية واختلفوا في وقت الذبح فقال كثير من أهل العلم لا يذبح حتى يصلي الإمام ومنهم من شرط انصرافه بعد الصلاة ومنهم من قال ينحر الإمام وقال الشافعي وقت الأضحى قدر ما يدخل الإمام في الصلاة حين تحل الصلاة وذلك إذا نورت الشمس فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبتين خفيفتين فإذا مضى من النهار مثل هذا الوقت حل الذبح وأجمعوا أنه لا يجوز الذبح قبل طلوع الشمس انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (إن عندي داجن) كذا في النسخ الحاضرة برفع داجن وفي رواية البخاري أن عندي داجنا بالنصب وهو الصواب من حيث العربية قال الحافظ الداجن التي تألف البيوت وتستأنس وليس لها سن معين ولما صار هذا الاسم علما على ما تألف البيوت اضمحل الوصف عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث انتهى والحديث سكت عنه المنذري 269 ما يكره من الضحايا (وأصابعي أقصر من أصابعه) قال ذلك أدبا (فقال أربع) أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه
[ 358 ]
(بين) أي ظاهر (عورها) بالعين والواو المفتوحتين وضم الراء أي عماها في عين وبالأولى في العينين (والمريضة) وهي التي لا تعتلف قاله القاري (بين ظلعها) بسكون اللام ويفتح أي عرجها وهو أن يمنعها المشي (الكسير) قال ابن الأثير وفي حديث الأضاحي لا يجوز فيها الكسير البينة الكسر أي المنكسرة الرجل التي لا تقدر على المشي فعيل بمعنى مفعول انتهى (التي لا تنقى) من انقاء أي التي لا نقى لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ (في السن) بالكسر بالفارسية دندان قال الخطابي في الحديث دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه ألا تراه يقول بين عورها وبين مرضها وبين ظلعها فالقليل منه غير بين فكان معفوا عنه انتهى وقال النووي وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز عن البراء (قال أخبرنا) أي قال إبراهيم بن موسى الرازي في روايته أخبرنا عيسى بن يونس وقال علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس فابراهيم وعلي كلاهما يرويان عن عيسى قاله المزي (ذو مصر) بكسر الميم وسكون المهملة لقب يزيد (غير ثرماء) بالمثلثة والمد هي التي سقطت من أسنانها الثنية والرباعية وقيل هي التي انقلع منها سن من أصلها مطلقا قاله في مرقاة الصعود (أفلا جئتني بها) وفي رواية أحمد ألا جئتني أضحي بها (عن المصفرة) على بناء المفعول من
[ 359 ]
اصفر وهي ذاهبة جميع الأذن (والمستأصلة) هي التي أخذ قرنها من أصله (والبخقاء) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة بعدها قاف (والمشيعة) قال في القاموس ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم لضعفها وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها لعجفها انتهى وقال في النهاية المشيعة هي التي لا تزال تتبع الغنم عجفا أي لا تلحقها فهي أبدا تشيعها أي تمشي وراءها هذا إن كسر ت الياء وإن فتحتها فلأنها يحتاج إلى من يشيعها أي يسوقها لتأخرها عن الغنم انتهى (التي تستأصل) بصيغة المجهول (حتى يبدو سماخها) بالسين المهملة وفي بعض النسخ صماخها بالصاد قال في الصراح صماخ بالكسر كوش وسوراخ كوش والسين لغة فيه (التي تبخق عينها) أي يذهب بصرها قال في النهاية أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وفي القاموس البخق محركة أقبح العور وأكثره غمصا أو أن يلتقي شفر عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر انتهى وقال الخطابي بخق العين فقؤها انتهى (عجفا) في القاموس العجف محركه ذهاب السمن والحديث سكت عنه المنذري (وكان) أي شريح بن نعمان (رجل صدق) ضبط بالرفع فيهما أي رجل صادق وهو بالشين المعجمة أول الحروف والحاء المهملة اخر الحروف وثقة ابن حبان (أن نستشرف العين والأذن) أي ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من رفة تكون بهما كالعور والجدع (بعوراء) يقال عور الرجل يعور عورا ذهب حس إحدى عينيه فهو أعور وهي عوراء (ولا مقابلة) بفتح الباء أي التي قطع من قبل أذنها شئ ثم ترك معلقا من مقدمها قاله القاري وفي القاموس هي شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة (ولا مدابرة) وهي التي قطع من دبرها وترك معلقا من
[ 360 ]
مؤخرها (ولا خرقاء) أي التي في أذنها خرق مستدير (ولا شرقاء) أي مشقوقة الأذن طولا قال القاري وقيل الشرقاء ما قطع أذنها طولا والخرقاء ما قطع أذنها عرضا (أذكر) بهمزة الاستفهام أي شريح ابن نعمان (عضباء) يأتي تفسيرها في الحديث الآتي (يقطع طرف الأذن) أي من مقدمها (تخرق أذنها) بصيغة المجهول وبرفع أذنها على أنه مفعول ما لم يسم فاعله (للسمة) أي للعلامة وفي بعض النسخ السمة بغير اللام مرفوعا على الفاعلية بنصب أذنها ويكون تخرق على هذه النسخة بالبناء للفاعل قال في فتح الودود أي الوسم أي وسمت وسما نفذ إلى الجانب الآخر انتهى وفي القاموس الوسم أثر الكي جمعه وسوم وسمه يسمه وسما وسمة فاتسم سعيد والوسام بكر والسمة بكسرهما ما وسم به الحيوان من ضروب الصور انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (عن جري) تصغير جرو (بن كليب) تصغير كلب (بعضباء الأذن والقرن) بعين مهملة وضاد معجمة وموحدة أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن قال في النيل فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن والقرن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبا وقال في البحر إن أعضب القرن المنهى عنه هو المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أو عضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف الأذن وفي القاموس أن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر أن مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو يكون دون النصف إن صح أن التقدير بالنصف المروي عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 361 ]
(قال النصف فما فوقه) أي ما قطع النصف من أذنه أو قرنه أو أكثر وسكت عنه المنذري 270 البقر والجزور عن كم تجزئ الجزور قد بفتح الجيم وهو ما يجزر أي ينحر من الإبل خاصة ذكرا كان أو أنثى (تذبح البقرة الخ) قال في النيل وقد اختلف في البدنة أي الإبل فقالت الشافعية والحنفية والجمهور إنها تجزئ عن سبعة وقال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة إنها تجزئ عن عشرة وهذا أي إجزاء الإبل عن عشرة هو الحق في الأضحية لحديث ابن عباس كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة رواه أصحاب السنن وعدم إجزاء الإبل عن عشرة هو الحق في الهدي وأما البقرة فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 362 ]
(البقرة عن سبعة) أي تجزئ عن سبعة أشخاص (والجزور) أي البعير ذكرا كان أو أنثى وعند الشيخين من وجه اخر عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة وفي لفظ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتركوا في الإبل والبقر كل سبعة في بدنة رواه البرقاني على شرط الشيخين وفي رواية قال اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر أيشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن رواه مسلم قال المنذري وأخرجه النسائي (بالحديبية البدنة) قال في المصباح قالوا البدنة هي ناقة أو بقرة وزاد الأزهري أو بعير ذكر قال ولا تقع البدنة على الشاة وقال بعض الأئمة البدنة هي الإبل خاصة ويدل عليه قوله تعالى فإذا وجبت جنوبها سميت بذلك لعظم بدنها وإنما ألحقت البقرة با بل بالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ففرق الحديث بينهما بالعطف إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها لأن المعطوف غير المعطوف عليه وفي الحديث ما يدل عليه قال اشتركنا مع انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 362 ]
(البقرة عن سبعة) أي تجزئ عن سبعة أشخاص (والجزور) أي البعير ذكرا كان أو أنثى وعند الشيخين من وجه اخر عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة وفي لفظ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتركوا في الإبل والبقر كل سبعة في بدنة رواه البرقاني على شرط الشيخين وفي رواية قال اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر أيشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن رواه مسلم قال المنذري وأخرجه النسائي (بالحديبية البدنة) قال في المصباح قالوا البدنة هي ناقة أو بقرة وزاد الأزهري أو بعير ذكر قال ولا تقع البدنة على الشاة وقال بعض الأئمة البدنة هي الإبل خاصة ويدل عليه قوله تعالى فإذا وجبت جنوبها سميت بذلك لعظم بدنها وإنما ألحقت البقرة با بل بالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ففرق الحديث بينهما بالعطف إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها لأن المعطوف غير المعطوف عليه وفي الحديث ما يدل عليه قال اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر أنشترك وفي في البقرة ما نشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن والمعنى في الحكم إذ لو كانت البقرة من جنس البدن لما جهلها أهل اللسان ولفهمت كل عند الإطلاق أيضا انتهى (والبقرة عن سبعة) قالفي السبل دل الحديث على جواز الاشتراك في البدنة والبقرة وأنهما يجزيان عن سبعة وهذا في الهدى ويقاس عليه الأضحية بل قد ورد فيها نص فأخرج الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة تم بحمد الله - الجزء السابع