الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج4
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السابع:
أبــو طـــالــب
البحث الأول
أبو طالب × مؤمن قريش
إيمان أبي طالب × عند أهل البيت ^:
لا بد لنا هنا من الحديث بإيجاز عن موضوع ما زال بين أخذ ورد بين المسلمين ألا وهو إيمان أبي طالب "رحمه الله"، فمن مؤيد، ومن منكر.
فأما أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم، فإنهم مجمعون على إيمانه وإسلامه "عليه السلام"([1])، بل في بعض الأحاديث عنهم "عليهم السلام": أنه من الأوصياء([2])، وأن نوره يطغى في يوم القيامة على كل نور، ما عدا نور النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، والأئمة "عليهم السلام"، والسيدة فاطمة الزهراء "عليها السلام"([3]).
أهل البيت ^ أدرى:
والأحاديث الدالة على إيمانه، والواردة عن أهل بيت العصمة "عليهم السلام" لا تنحصر بما ذكرناه في هذه الدراسة، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة([4]).
وقد ذكر العلامة المجلسي في كتابه العظيم "بحار الأنوار" والطبسي في كتاب "منية الراغب" وكذلك الخنيزي في كتاب "أبو طالب مؤمن قريش" وصاحب كتاب: "مواهب الواهب" وغيرهم الشيء الكثير جداً مما يدل على إيمانه صلوات الله وسلامه عليه..
ونحن سوف نقتصر في هذا المعرض على أقل القليل من ذلك ونحيل من أراد التوسع إلى كتاب البحار الآنف الذكر، وإلى غيره..
غير أننا نقول هنا: إن هذه الأخبار هي من الكثرة والصراحة بحيث تعطي الانطباع الحاسم عما لأبي طالب من شأن عظيم، ومقام كريم عند الله تعالى.
وواضح: أن أهل البيت أدرى بما فيه من كل أحد.
يقول ابن الأثير: "وما أسلم من أعمام النبي "صلى الله عليه وآله" غير حمزة والعباس، وأبي طالب عند أهل البيت"([5]).
تآليف في إيمان أبي طالب ×:
وعدا عن ذلك، فما أكثر الأدلة الدالة على إيمانه، وقد أُلف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء.
وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً، ومنها كتاب: "أبو طالب مؤمن قريش" للأستاذ عبد الله الخنيزي، الذي كاد أن يدفع مؤلفه حياته ثمناً له، حين حاول الوهابيون اتخاذ ذلك ذريعة للتخلص منه، فتداركه الله برحمته، وتخلص من شرهم.
هذا عدا عن البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات، ونخص بالذكر هنا ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الأميني قدس سره..([6]).
وقد نقل العلامة الأميني عن جماعة من أهل السنة: أنهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك، كالبرزنجي في أسنى المطالب([7]) والأجهوري، والإسكافي، وأبي القاسم البلخي، وابن وحشي في شرحه لكتاب: شهاب الأخبار، والتلمساني في حاشية الشفاء، والشعراني، وسبـط ابن الجـوزي، والقـرطبـي، والسبـكي، وأبي طـاهـر، والسيوطي، وغيرهم.
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والأجهوري، والتلمساني ـ بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر، أو من يذكره بمكروه فهو كافر([8]).
من أدلة إيمان أبي طالب ×:
ونحن نذكر فيما يلي طرفاً من الأدلة على إيمان أبي طالب، فنقول:
أهل البيت ^ أعرف:
وقد تقدم بعض ما روي عن الأئمة "عليهم السلام"، والنبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" مما يدل على إيمانه، وقد قلنا:
إن أهل البيت أدرى بما فيه، وأعرف بأمر كهذا من كل أحد.
التضحيات والمواقف:
ويدل على ذلك أيضاً: ما تقدم من مناصرته للنبي "صلى الله عليه وآله"، وتحمله المشاق والصعاب العظيمة، وتضحيته بمكانته في قومه، وحتى بولده، وتوطينه نفسه على خوض حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في سبيل هذا الدين..
ولو كان كافراً؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟!
ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد "صلى الله عليه وآله"؟!.
واحتمال: أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم.
يرده: أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده، وعشيرته في سبيل هذا الدين.
تشنيع الأعداء:
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي "عليه السلام" كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه، والزبيريون وأعوانهم، وسائر أعدائه "عليه السلام"، مع أنه "عليه السلام" كان يذمهم، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات، ورذالة النسب([9]).
أشعاره الصريحة بالإيمان:
أما تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه.
ويمكننا أن ندَّعي: أن هذه التصريحات قد جاءت بعد قضية إسلام حمزة، أو بعد الهجرة إلى الحبشة.
أما قبل ذلك فكان "عليه السلام" يعمل بالتقية أمام قريش على الخصوص.
ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر، من حيث مجموعها([10]).
فمن الشواهد على توحيده، قوله:
مليـك النــاس ليس لــه شريـك هو الــوهــاب، والمبـدي المعـيـد
ومـن تـحـت الســماء لــه بحـق ومـن فـوق الـسـمــاء لــه عبيـد
ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، نذكر:
1ـ ألم تعلمـوا: أنـا وجـدنـا محمداً نبيـاً كمـوسى خط في أول الكتب
2ـ نـبـي أتـاه الـوحي من عند ربه ومن قـال: لا، يقرع بهـا سن نادم
3ـ يــا شـاهـد الله علي فـاشـهــد إنـي عـلى ديــن النبي أحــمـــد
4ـ أنـت الرسـول رسول الله نعلمه عليـك نــزل من ذي العزة الكتب
5ـ أنــت الـــنــبـي مــحــمــد قـــــرم أغـــــر مــــســــــوَّد
6ـ أو تـؤمنـوا بكتاب منزل عجب على نبي كمـوسى أو كـذي النون
7ـ وظـلم نبي جاء يدعو إلى الهدى وأمر أتى من عند ذي الـعرش قيم
8 ـ لـقـد أكـرم الله النـبـي محـمـداً فـأكـرم خـلـق الله في الناس أحمـد
9ـ وخــيــر بنـي هــاشـم أحمــد رســول الإلـــه عـلـى فــتــرة([11])
10ـ والله لا أخــذل الــنــبـي ولا يــخــذلـه مـن بـني ذو حـسـب
11ـ وقال "رحمه الله" يخاطب ملك الحبشة، ويدعوه إلى الإسلام:
أتعلـم مـلك الحبش أن محمـداً نبياً كـمـوسى والمسيح ابـن مــريــم
أتـى بـالهـدى مثل الـذي أتيـا بــه فكـل بـأمــر الله يهــدي ويعصـم
وإنــكـم تتلـونـه في كـتـابـكـــم بصدق حديث لا حديث الترجـم
فــلا تجـعـلـوا لله نــداً فــأسلمـوا فــإن طـريــق الحـق ليس بمظلم
12ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة "رحمه الله":
فـصـبراً أبـا يـعـلى عـلى ديـن أحمد وكن مظهراً للـديـن وفقت صابرا
وحـط مـن أتـى بـالحـق مـن عنـد ربه بصدق وعـزم لا تكن حمز كـافـرا
فـقـد سـرني أن قلت: إنـك مؤمن فكن لـرســول الله في الله نــاصرا
وبـاد قـريشــاً في الـذي قـد أتـيـته جهـاراً، وقل: ما كان أحمد ساحر
13 ـ نصرت الرسول رسول المليك ببـيض تـلالاً كـلــمع الـــبـروق
أذب وأحــمــى رســول الإلــــه حـمـايــة حــام عـلـيــه شـفـيق
14 ـ لقد علموا: أن ابننا لا مكذب لدينـا ولا نعبـأ بقـول الأبــاطــل
15ـ أقـيـم عـلى نـصـر النبي محمد أقـاتـل عنه بـالقنـا والقـنـــابــل
16ـ أنـت ابـن آمـنـة النبي محمــد عـنـدي بمـثـل مــنــازل الأولاد
17ـ ألا إن أحـمـد قـد جــاءهـم بحق ولـم يــأتــهــم بـالـكـذب
18ـ أوصـي بـنـصر نبي الخير مشهده علياً ابني وشيخ القـوم عبــاس
19ـ ودعـوتـنـي وعلمت أنك صادق ولـقــد صدقت وكنت ثـم أمين
ولـقـد عـلـمـت بأن دين محمد من خــيـر أديــان الـبــريــة ديـن
وأشعار أبي طالب "عليه السلام" الناطقة بإيمانه كثيرة، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل، ويقال في هذا الموضوع.
مدائح أبي طالب × للنبي ':
قال المعتزلي: "قلت: كان صديقنا علي بن يحيى البطريق "رحمه الله" يقول: لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب، وهو شيخ قريش، ورئيسها، وذو شرفها، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجارٍ مجرى أولاده بمثل قوله:
وتـلقـوا ربـيـع الأبطحـين محـمـداً عـلى ربـوة في رأس عـنقـاء عيطل
وتــأوي إلـيـه هــاشـم إن هـاشماً عـرانـين كـعـب آخـر بـعـد أول
ومثل قوله:
وأبـيـض يـسـتـسقى الغمام بوجهه ثـمـال اليـتـامى عصمـة للأرامـل
يـطـيـف بـه الهـلاك مـن آل هاشم فـهـم عـنـده في نـعمة وفـواضـل
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء.
فإذا تصورت: أنه شعر أبي طالب، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره غلاماً، وعلى عاتقه طفلاً، وبين يديه شاباً، يأكل من زاده، ويأوي إلى داره، علمت موضع خاصية النبوة وسرها، وأن أمره كان عظيماً"([12]).
كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها:
وأبـيـض يـسـتـسـقى.. الخ.. ......
وهي طويلة، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم([13])، فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير، وغيرهما.
وهي ظاهرة الدلالة على عظمة الرسول "صلى الله عليه وآله" في نفس أبي طالب "عليه السلام"، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له "صلى الله عليه وآله"، وتعامله معه تعامل التابع، المؤمن المصدق، والمسرور بهذا الإيمان، والمبتهج بذلك التصديق، والملتذ بذلك الانقياد.
النار محرمة على أبي طالب ×:
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه "صلى الله عليه وآله": أن الله عز وجل قال له على لسان جبرائيل: حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك.
أما الصلب فعبد الله، وأما البطن فآمنة، وأما الحجر فعمه، يعني أبا طالب "عليه السلام"، وفاطمة بنت أسد، وبمعناه غيره مع اختلاف يسير([14]).
النبي ' يحب عقيلاً حبين:
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه: حب النبي "صلى الله عليه وآله" إياه، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال: قال علي "عليه السلام" للنبي "صلى الله عليه وآله": إنك لتحب عقيلاً.
قال: إي والله إني لأحبه حبين، حباً له، وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك.. الخ..([15]).
ورسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يحب أعداء الله سبحانه، ولا يحب إلا من يحبه الله.
كان على دين الله:
وكان الإمام علي "عليه السلام" يعجبه أن يروى شعر أبي طالب "عليه السلام"، وأن يدوَّن، وقال: تعلموه، وعلموه أولادكم، فإنه كان على دين الله، وفيه علم كثير([16]).
المسلم المؤمن:
وعن أبي بصير عن الإمام الباقر "عليه السلام"، قال: مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً([17]).
خلاصة جامعة:
وبعد كل ما تقدم نقول: إن إسلام أي شخص أو عدمه، إنما يستفاد من أمور أربعة:
1 ـ من مواقفه العملية، ومعلوم أن مواقف أبي طالب "عليه السلام"، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين.
2 ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين، وقد تقدم قدر كبير من ذلك في شعره وفي غيره في المناسبات المختلفة.
3 ـ من موقف نبي الإسلام ورائد الحق الذي لا ينطق عن الهوى، والموقف الرضي هذا أيضاً ثابت منه "صلى الله عليه وآله" تجاه أبي طالب "عليه السلام" على أكمل وجه.
4 ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب، وعن حس، كأهل بيته، ومن يعيشون معه.
وقد قلنا: إنهم مجمعون على ذلك.
بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية، حاولوا: أن يخدعوا العامة بكلام مبهم، لا معنى له؛ فقالوا: "إنه لم يكن منقاداً"!!([18]).
كل ذلك رجماً بالغيب، وافتراء على الحق والحقيقة، من أجل تصحيح ما رووه عن المغيرة بن شعبة وأمثاله من أعداء آل أبي طالب "عليه السلام"، كما سنشير إليه حين ذكر أدلتهم الواهية إن شاء الله تعالى.
رواياتهم تدل أيضاً على إيمانه:
ومن أجل أن نوفي أبا طالب "عليه السلام" بعض حقه، نذكر بعض ما يدل على إيمانه من الروايات التي رويت في مصادر غير الشيعة عموماً ونترك سائره، وهو يعد بالعشرات، لأن المقام لا يتسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة، نجملها في العناوين التالية:
النبي ' يرجو الخير لأبي طالب ×:
قال العياض: يا رسول الله، ما ترجو لأبي طالب؛ قال: كل الخير أرجوه من ربي([19]).
أبو بكر فرح بإسلام أبي طالب ×:
جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقوده، وهو شيخ أعمى، يوم فتح مكة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ألا تركت الشيخ في بيته حتى نأتيه؟!
قال: أردت أن يؤجره الله، لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك الخ([20]).
والعلامة الأميني في الغدير، لا يوافق على أن يكون الرسول "صلى الله عليه وآله" قد قال لأبي بكر: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه.
ونحن نوافقه على ذلك أيضاً، فإن الشيوخ الذين أسلموا على يديه "صلى الله عليه وآله" كثيرون، وكان إسلام كثير منهم أصح من إسلام أبي قحافة.
وربما تكون هذه العبارة زيادة من بعض المتزلفين، كما عودونا في أمثال هذه المناسبات.
التشهد قبل الموت:
قال المعتزلي: "روي بأسانيد كثيرة، بعضها عن العباس بن عبد المطلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: أن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله"([21]).
وتقدم في شعره تصريحات كثيرة بذلك أيضاً.
استغفار النبي ' لـه:
وفي المدينة حينما استسقى النبي "صلى الله عليه وآله" لأهلها، فجاءهم الغيث، ذكر "صلى الله عليه وآله" أبا طالب "عليه السلام"، وقال "صلى الله عليه وآله":
لله در أبي طالب، لو كان حياً لقرت عينه، من ينشدنا قوله.. فأنشده الإمام علي "عليه السلام" من قصيدته أبياتاً فيها قوله:
وأبيض يستسقى الغمــام بوجهـه ثمـال اليتـامى عصمة لــلأرامــل
ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يستغفر لأبي طالب "عليه السلام" على المنبر([22]).
تشييع جنازته ومراسم دفنه:
ولما مات أبو طالب "عليه السلام" تبع رسول الله "صلى الله عليه وآله" جنازته، مع أنهم يروون أن ثمة نهياً عن المشي في جنازة المشرك.
كما أنهم يروون أنه "صلى الله عليه وآله" أمر الإمام علياً "عليه السلام" بأن يغسله ويكفنه ويواريه([23]).
وحين التشييع اعترض النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" نعشه، وقال برقة وحزن وكآبة: وصلت رحماً، وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً([24]).
لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟:
وإنما لم يأمر علياً "عليه السلام" بالصلاة عليه، لأن صلاة الجنازة لم تكن فرضت بعد.
ولأجل ذلك قالوا: إن خديجة لم يصل عليها النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" حينما توفيت، مع أنها سيدة نساء العالمين.
وقد فصلت ذلك: الرواية التي رواها علي بن ميثم، عن أبيه عن جده: أنه سمع علياً "عليه السلام" يقول: تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته، وأوصاني أن أدفنه في قبره، فأخبرت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك، فقال: اذهب فواره، وانفذ لما أمرك به.
فغسلته، وكفنته، وحملته إلى الجحون، ونبشت قبر عبد المطلب، فرفعت الصفيح عن لحده، فإذا هو موجه إلى القبلة، فحمدت الله تعالى على ذلك، ووجهت الشيخ، وأطبقت الصفيح عليهما، فأنا وصي الأوصياء وورثت خير الأنبياء.
قال ميثم: والله ما عَبَدَ علي، ولا عَبَدَ أحد من آبائه غير الله تعالى، إلى أن توفاهم الله تعالى([25]).
رثاء علي × لأبيه:
وقد رثاه ولده الإمام علي "عليه السلام" حينما توفي بقوله:
أبــا طــالـب عـصـمـة المستجـير وغـيـث المحول ونـور الـظـلــم
لقـد هــدّ فـقـدك أهــل الحـفـاظ فـــصــلى عــليـك ولـي النـعم
ولــقـــاك ربـــك رضــــوانـــه فـقـد كنت للطهر مـن خير عم([26])
ولا أبو سفيان كأبي طالب ×:
وكتب أمير المؤمنين "عليه السلام" رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها:
"ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق"([27]).
فإذا كان أبو طالب "عليه السلام" كافراً وأبو سفيان مسلماً، فكيف يفضل الكافر على المسلم، ثم لا يرد عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟.
ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ فإن أبا سفيان هو الذي قال: "إنه لا يدري ما جنة ولا نار" كما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم في أواخر غزوة أحد([28]).
ويلاحظ هنا أيضاً: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" يشير في كلامه الآنف الذكر إلى عدم صفاء نسب معاوية، ولهذا البحث مجال آخر.
أبو طالب × الداعية إلى الإسلام:
كما أن أبا طالب "عليه السلام" الذي يدعو ملك الحبشة إلى الإسلام، هو الذي دعا ولده جعفر إلى ذلك، وأمره بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة([29]).
وهو أيضاً الذي دعا زوجته فاطمة بنت أسد إلى الإسلام([30]).
وأمر حمزة بالثبات على هذا الدين، وأظهر سروره بإسلامه ومدحه على ذلك.
وكذلك الحال بالنسبة لولده أمير المؤمنين "عليه السلام".
الاعتراف بممارسة التقية:
وقد صرح أبو طالب "عليه السلام" في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قريش، وأن ما جاء به الرسول "صلى الله عليه وآله" قد قبله الجنان وأنكره اللسان؛ مخافة الشنآن، وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول، ومتابعته على أمره، ففي ذلك الرشاد والسعادة([31]).
موقف النبي ' من أبي طالب ×:
ثم هناك ترحم النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" عليه، واستغفاره له باستمرار، وجزعه عليه عند موته([32]).
ولا يصح الترحم إلا على المسلم، ولأجل ذلك قال "صلى الله عليه وآله" لسفانة بنت حاتم الطائي: لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه([33]).
أنا على دين أبي طالب ×:
وحمل محمد بن الحنفية يوم الجمل على رجل من أهل البصرة، قال: فلما غشيته قال: أنا على دين أبي طالب، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه([34]).
شفاعة النبي ' لـه:
وورد عنه "صلى الله عليه وآله" أيضاً قوله: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي، وأمي، وعمي أبي طالب، وأخ لي كان في الجاهلية([35]).
فإن الشفاعة لا تحل لمشرك، كما سيأتي.
إقراره على زواجه بمسلمة:
وسئل الإمام السجاد "عليه السـلام" عن إيـمان أبي طـالب "عليه السلام"، فقال: واعجباً، إن الله نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات([36]).
ونزول آية النهي عن الإمساك بعصم الكوافر في المدينة لا يوجب بطلان هذه الرواية، لإمكان أن يكون النهي عن ذلك نهياً قولياً على لسانه "صلى الله عليه وآله"، قبل نزول القرآن.
وعدم خضوع بعض المسلمين لذلك حينئذ ربما كان لظروف معينة فرضت عليهم ذلك.
من لم يقر بإيمان أبي طالب ×:
وأخيراً، فقد كتب بعضهم يسأل الإمام علي بن موسى الرضا "عليه السلام" عن إسلام أبي طالب "عليه السلام"، فإنه قد شك في ذلك، فكتب "عليه السلام" إليه: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بعد ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ?([37]).
وبعدها: إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار([38]).
دفاع النبي ' عن أبي طالب ×:
وسيأتي في غزوة بدر: أن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" لم يقبل من شهيد بدر عبيدة بن الحارث أن يعرض بعمه أبي طالب "عليه السلام"، ولو بمثل أن يقول: إني أولى بما قال منه.
بعد قتل الفرسان الثلاثة:
وفي بدر العظمى، وبعد قتل عتبة وشيبة والوليد، وقطع رجل عبيدة بن الحارث، حمل حمزة والإمام علي "عليهما السلام" عبيدة بن الحارث من المعركة، وأتيا به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وألقياه بين يديه، وإن مخ ساقه ليسيل، فاستعبر، وقال: يا رسول الله، ألست شهيداً؟!
قال: بلى، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته "صلى الله عليه وآله"، وهكذا كان).
فقال عبيدة: أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه، قال: وأي أعمامي تعني؟
قال: أبو طالب، حيث يقول:
كــذبـتــم وبـيـت الله يُبْـزى محمد ولمـا نطــاعـن دونــه وننـاضــل
ونـســلــمــه حتى نـصـرع دونـه ونــذهـل عـن أبنـائنـا والحـلائل
فقال "صلى الله عليه وآله": أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!.
قال: يا رسول الله، أسخطت علي في هذه الحالة؟
قال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي، فانقبضت لذلك([39]).
وبلغ عبيدة مع النبي "صلى الله عليه وآله" الصفراء، فمات، فدفن بها..
وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها.
قالوا: ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى: ?هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ?([40]).
وفي البخاري: أن أبا ذر كان يقسم: أنها نزلت فيهم([41]).
ونزل في علي، وحمزة، وعبيدة أيضاً قوله تعالى: ?مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ?([42]).
وقيل: نزلت في علي وحده([43]).
وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين "عليه السلام"([44]) فراجع.
غضب النبي ' لأبي طالب ×:
ونقول:
إنه إذا كان الرسول "صلى الله عليه وآله" يغضب لذكر عمه، ولو بهذا النحو من التعريض المهذب، والمحدود، فماذا سيكون موقفه ممن يرمي أبا طالب "عليه السلام" بالشرك والكفر، ويعتبره مستحقاً للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟! وفي ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟!
فهل تراه سوف يكون مسروراً ومرتاحاً لهذا الكلام، الذي لا سبب له إلا السياسة، وما أدراك ما السياسة؟!
وما لأحد عنده من نعمة تجزى:
ثم إننا نجد النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه يقول: "اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة"([45]).
كما أنه "صلى الله عليه وآله" قد رد هدية حكيم بن حزام؛ لأنه كان مشركاً، قال عبيد الله:
حسبت أنه قال: إنا لا نقبـل من المشركين شيئـاً، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن([46]).
ورد أيضاً هدية عامر بن الطفيل، لأنه لم يكن قد أسلم بعد.
ورد أيضاً هدية ملاعب الأسنة، وقال: لا أقبل هدية مشرك([47]).
عن عياض المجاشعي: أنه أهدى إلى النبي هدية فأبى قبولها، وقال: إني نهيت عن زبد المشركين([48]).
ولم يكن ذلك منه "صلى الله عليه وآله" إلا لأن قبولها يوجب احتراماً ومودة من المهدى إليه بالنسبة لمن أهدى.
ملاحظة: معالجة رواية الكشي:
إلا أن الكشي ذكر رواية تقول: "إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني"([49]).
وهذا إن صح فهو يشير إلى الفرق بين هدية الكتابي وهدية المشرك، فكان "صلى الله عليه وآله" يرد هدية الثاني، دون الأول، وذلك يدل على عدم صحة قوله لهم: إنه "صلى الله عليه وآله" في هدنة الحديبية قد استهدى أبا سفيان أدماً([50]).
البحث الثاني
أبو طالب × المظلوم المفترى عليه
الأدلة الواهية:
لقد حاول الذين يشتهون إثبات كفر أبي طالب "عليه السلام" أن يتشبثوا بطحالب واهية زعموا: أنها أدلة، نشير ههنا إليها، فنقول:
1 ـ حديث الضحضاح:
عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد ذكر عنده عمه، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح([51]) من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه.
وحسب نص آخر: أن العباس قال للنبي "صلى الله عليه وآله": ما أغنيت عن عمك؟! فوالله كان يحوطك ويغضب لك!!.
قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار([52]).
ونقول:
أولاً: لقد ناقش كل من الأميني والخنيزي جميع أسانيد هذه الرواية، وبيَّنا وهنها وضعفها، وتناقض نصوصها العجيب، إلى حد أن بعض الروايات تجزم بأنه قد جعل في ضحضاح من نار، وأن الشفاعة قد نفعته فعلاً.
لكن بعضها الآخر يقول: لعله تنفعه شفاعتي، فيجعل في ضحضاح يوم القيامة.
ونحن نحيل القارئ الذي يرغب في التوسع إلى ما ذكره الأميني والخنيزي في كتابيهما حول هذا الموضوع([53]).
ثانياً: إنه إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد نفع أبا طالب "عليه السلام"، وأخرجه من الدرك الأسفل إلى الضحضاح؛ فلماذا لا يتمم معروفه هذا، ويخرجه من هذا الضحضاح أيضاً؟!.
ثالثاً: لقد رووا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد طلب من أبي طالب حين حضرته الوفاة: أن يقول كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ليستحل له بها الشفاعة يوم القيامة، فلم يعطه إياها.
فهذا يدل على أنه قد أناط "صلى الله عليه وآله" مطلق الشفاعة بكلمة لا إله إلا الله([54]).
فلماذا استحل هذه الشفاعة، مع أنه لم يعطه الكلمة التي توجب حليتها؟!.
رابعاً: إنهم يروون: أن الشفاعة لا تحل لمشرك، فلماذا حلت لهذا المشرك بالذات، بحيث أخرجته من الدرك الأسفل إلى الضحضاح؟([55]).
خامساً: قال المعتزلي: إن الإمامية والزيديـة "قالوا: وأما حديث الضحضاح، فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد، وهو المغيرة بن شعبة، وبغضه لبني هاشم، وعلي "عليه السلام" بالخصوص مشهور ومعلوم، وقصته وفسقه غير خاف"([56]).
غير أننا نقول: إنه يمكن المناقشة في ذلك بأنهم قد رووا ذلك عن غير المغيرة أيضاً، فراجع البخاري وغيره.
فلعل رواية غير المغيرة قد حدثت في وقت متأخر بهدف تكذيب الشيعة، ونقض استدلالهم، فتلقفها البخاري.
وذلك لأن من غير المعقول أن يورد الشيعة على غيرهم بذلك إن لم يكن له واقع..
وقد سكت المعتزلي عن هذا الرد، وعن جوابه، وكأنه يحتمل ما احتملناه، ولو وسعه التأكيد على الرد لفعل.
سادساً: سئل الإمام الباقر "عليه السلام" عما يقوله الناس: إن أبا طالب في ضحضاح من نار؟
فقال: لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان، وإيمان هذا الخلق في كفة أخرى لرجح إيمانه.
ثم قال: ألم تعلموا: أن أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" كان يأمر أن يحج عن عبد الله، وابنه، وأبي طالب في حياته، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم([57])؟!
سابعاً: سئل الإمام علي "عليه السلام" في رحبة الكوفة عن كون أبيه معذباً في النار أو لا، فقال للسائل: مه، فض الله فاك!! والذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم. أبي معذب في النار، وابنه قسيم الجنة والنار؟!([58]).
ثامناً: روى عبد العظيم بن عبد الله العلوي: أنه كان مريضاً، فكتب إلى أبي الحسن الرضا "عليه السلام": عرفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي: أن أبا طالب في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه.
فكتب إليه الرضا "عليه السلام": بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أما بعد، إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار([59]).
تاسعاً: بالإسناد إلى الكراجكي، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟!
قلت: جعلت فداك، يقولون هو في ضحضاح من نار، وفي رجليه نعلان من نار، تغلي منها أم رأسه.
فقال "عليه السلام": كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً([60]).
وفي رواية أخرى عنه "عليه السلام": كذبوا، والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان، وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان، لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم([61]).
2 ـ إرث عقيل لأبي طالب ×:
واستدلوا: بأن ولده عقيل هو الذي ورثه، ولم يرثه الإمام علي وجعفر "عليهما السلام"، لأنه كان مشركاً، وهما مسلمان.
فهما من ملتين مختلفتين، وأهل ملتين لا يتوارثان([62]).
ولكن ذلك لا يصح أيضاً.
فأولاً: من أين ثبت لهؤلاء أن الإمام علياً وجعفر "عليهما السلام" لم يرثاه.
ثانياً: إن قوله أهل ملتين لا يتوارثان.
نقول بموجبه؛ لأن التوارث تفاعل، ولا تفاعل عندنا في ميراثهما، واللفظ يستدعي الطرفين، كالتضارب، فإنه لا يكون إلا من اثنين، ولأجل ذلك نقول: إن الصحيح هو مذهب أهل البيت "عليهم السلام"، من أن المسلم يرث الكافر، ولا يرث الكافر المسلم([63]). فالإرث إذاً من طرف واحد، لا من طرفين!.
ثالثاً: لقد روي عن عمر قوله: "أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا"([64]).
وقد حكم كثير من العلماء بأن ميراث المرتد للمسلمين لا يصح؛ وقالوا: نرثهم ولا يرثونا([65]).
رابعاً: إنهم يقولون: إن الميراث في وقت موت أبي طالب لم يكن قد فرض بعد، وإنما كان الأمر بالوصية؛ فلعل أبا طالب قد أوصى بماله لعقيل محبة له، أو لما يراه من فقره وخصاصته، فأنفذ أولاده وصيته.
أو أن علياً وجعفر قد تركا لأخيهما نصيبهما من الإرث على سبيل الإيثار له، لما يرونه من حاجته، وضيق ذات يده.
بل قد يكون أبو طالب قد تنازل عن ماله لعقيل في حال حياته، فلم يبق شيء لكي يرثه علي وجعفر بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين([66]).
3 ـ آية: ?وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ?:
لقد ذكروا: أن آية: ?وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ..?([67]).. قد نزلت في أبي طالب "عليه السلام"، الذي كان ينهى الناس عن أذى الرسول، وينأى عن أن يدخل في الإسلام([68]).
ونقول:
أولاً: لقد تحدث الأستاذ الخنيزي حول أسانيد هذه الرواية بما فيه الكفاية([69]) فليراجعه من أراد.
ثانياً: إن هذه الآية لا تنطبق على أبي طالب "عليه السلام" بأي وجه؛ لأن الله تعالى يقول قبلها:
?وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولينَ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ?([70]).
فضمائر الجمع، وهي كلمة: "هم"، وفاعل "ينهون" و "ينأون" ترجع كلها إلى من ذكرهم الله في تلك الآية، وهم المشركون، الذين إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، ويجادلون الرسول في هذه الآيات، ويصفونها من عنادهم بأنها أساطير الأولين.
ولا يقف عنادهم عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى أنهم: ينهون الناس عن الاستماع إلى النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، كما أنهم هم أنفسهم يبتعدون عنه.
وهذه الصفات كلها لا تنطبق على أبي طالب "عليه السلام"، الذي لم نجد منه إلا التشجيع على اتباع النبي "صلى الله عليه وآله"، والنصرة له باليد واللسان. وقد حض أشخاصاً بأعيانهم على أن يدخلوا في هذا الدين، وأن يصبروا عليه، كما كان الحال بالنسبة لزوجته، وحمزة، وجعفر، وعلي، وملك الحبشة، حسبما تقدم.
كما أن المفسرين قد فهموا من الآية عمومها لجميع الكفار، وأن معناها: ينهون عن استماع القرآن، واتباع الرسول، ويتباعدون عنه.
وهذا هو المروي عن ابن عباس، والحسن، وقتـادة، وأبي معاذ، والضحاك، وابن الحنفية، والسدي، ومجاهد، والجبائي، وابن جبير([71]).
ثالثاً: ويقول الأميني "رحمه الله": إن هذه الرواية تقول: إن آية سورة الأنعام: وهي قوله تعالى: ?وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ..? قد نزلت حين وفاة أبي طالب "عليه السلام".
مع أن ثمة رواية أخرى تقول: إن آية سورة القصص، وهي قوله: ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ..?([72]) قد نزلت حين وفاته أيضاً.
مـع أن سورة القصص قد نزلت قبل الأنعام ـ التي نزلت جمـلـة واحـدة ـ ([73]) بخمس سور.
وهذا يدل: على أن سورة الأنعام قد نزلت بعد وفاة أبي طالب "عليه السلام" بمدة، فما معنى قولهم: إنها نزلت حين وفاة أبي طالب "عليه السلام" أعني السنة العاشرة من البعثة؟!
بل إن البعض قد ذكر: أن سورة القصص هي من آخر ما نزل من القرآن في المدينة (ولعله استند في ذلك إلى بعض ما ورد في شأن نزول بعض آياتها) فإذا تم هذا، فإن نزولها في أبي طالب "عليه السلام" يصبح غير مقبول أيضاً، لأن أبا طالب "عليه السلام" مات في عنفوان الإسلام، والنبي "صلى الله عليه وآله" في مكة([74]).
رابعاً: إنهم يقولون: إن سورة الأنعام قد نزلت دفعة واحدة وكانت أسماء بنت يزيد الأنصارية ممسكة بزمام ناقته "صلى الله عليه وآله"([75]) وذلك إنما كان بعد بيعة العقبة، التي كانت بعد وفاة أبي طالب "عليه السلام"، بمدة طويلة.
4 ـ آية النهي عن الاستغفار للمشرك:
روى البخاري ومسلم، وغيرهما: عن ابن المسيب، عن أبيه، ما ملخصه: أن النبي محمداً "صلى الله عليه وآله" طلب من أبي طالب "عليه السلام" حين وفاته أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، ليحاج بها له عند الله.
فقال له أبو جهل، وعبد الله بن أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!
فلم يزل الرسول يعرضها عليه، ويقولان له ذلك، حتى قال أبو طالب آخر كلمة: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك.
فأنزل الله: ?مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بعدما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ?([76]).
ونقول:
إننا لا نريد أن نناقش في أسانيد هذه الرواية([77])المقطوعة، ولا أن نفيض في إيراد الدلائل والشواهد على أن ابن المسيب، فضلاً عن غيره، متهم في ما يرويه مما له ارتباط بالإمام علي "عليه السلام"، كما نص عليه البعض([78]).
ولكننا نشير فقط إلى ما يلي:
أولاً: إن آية النهي عن الاستغفار للمشرك قد وردت في سورة التوبة، ولا ريب في كونها من أواخر ما نزل عليه "صلى الله عليه وآله" في المدينة، بل لقد ادَّعى البعض أنها آخر ما نزل([79]).
ولا يعقل أن تكون هذه الآية قد بقيت أكثر من عشر سنوات معلقة في الهواء، والقرآن ينزل، حتى إذا نزلت سورة التوبة، أضيفت إليها، لأن الآيات التي كانت تلحق بالسور ـ لو صح أنها كانت تلحق بها بعد أن لم تكن منها ـ فإنما تلحق بما نزل سابقاً عليها، وكان ذلك في الأكثر في السور الطوال، التي كانت تنزل أجزاء متتابعة دون سائر السور التي كانت تنزل دفعة واحدة.
فلا بد إذاً من أن نقول: إن النهي عن الاستغفار إنما حصل بعد نزول سورة التوبة، فكيف بقي "صلى الله عليه وآله" يستغفر لأبي طالب "عليه السلام" طيلة هذه المدة، ويترحم عليه؟!
ثانياً: إن الاستغفار للمشرك، والترحم عليه من أظهر مصاديق المودة للكافر، وقد نهى الله عن مودتهم في آيات كثيرة، نزلت قبل سورة التوبة، كما في قوله تعالى: ?لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ?([80]).
وقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ?([81]).
وقوله تعالى: ?الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً?([82]).
وقوله تعالى: ?لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ المُؤْمِنِينَ?([83]) إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.
ثالثاً: قال تعالى: في سورة المنافقين، التي نزلت في غزوة بني المصطلق، سنة ست على ما هو المشهور، ونزلت قبل سورة التوبة على كل حال:
?سَوَاء عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهَ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?([84]).
فإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" يعرف أن الله لن يغفر للمنافق سواء استغفر له أم لا.. والمنافق هو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، فإنه يعرف أيضاً: أن الله لا يغفر لمن كان يبطن الشرك، ويظهره، ويأبى عن أن يعترف بإسلام أو بإيمان..
فلماذا يتعب نفسه في أمر يعرف أنه لا نتيجة له؟
فإن ذلك أمر لا يقره العقلاء، ولا يقدمون عليه.
رابعاً: ذكر الشريف النسابة العلوي، المعروف بالموضح، بأسناده:
أن أبا طالب لما مات لم تكن الصلاة على الموتى، فما صلى النبي عليه، ولا عـلى خـديجـة، وإنما اجتازت جنازة أبي طـالب، وعلي وجعفر([85]) وحمزة جلوس، فقاموا، وشيعوا جنازته، واستغفروا له.
فقال قوم: نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشركين أيضاً ـ ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً؛ لأنه كان يكتم إيمانه ـ فنفى الله عن أبي طالب الشرك، ونزه نبيه، والثلاثة المذكورين رحمهم الله عن الخطأ في قوله: ?مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أوْلِي قُرْبَى?([86]).
فمن قال بكفر أبي طالب "عليه السلام" فقد حكم على النبي بالخطأ، والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله الخ..([87]).
خامساً: لقد روي بسند صحيح ـ كما يقول الأميني ـ عن علي: أنه سمع رجلاً يستغفر لأبويه، وهما مشركان؛ فذكر الإمام علي "عليه السلام" ذلك للنبي "صلى الله عليه وآله"، فنزلت آية النهي عن الاستغفار للمشركين([88]).
وفي أخرى: أن المسلمين قالوا: ألا نستغفر لآبائنا؟ فنزلت([89]).
وأما القول: بأنها نزلت حينما استأذن "صلى الله عليه وآله" الله في الاستغفار لأمه فلم يأذن له، ونزلت الآية، فسأله أن يزور قبرها، فأذن لـه([90]).
فهو لا يصح: حيث تقدم في بحث إيمان آباء النبي "صلى الله عليه وآله": أن أم النبي "صلى الله عليه وآله" كانت مؤمنة موحدة.
وعلى هذا فإن الجزم بأن الآية المذكورة قد نزلت في أبي طالب يصبح في غير محله، خصوصاً إذا أضيف إليه ما قدمناه من شواهد وأدلة على إيمان شيخ الأبطح، وأضيف إليه أيضاً أن الآية بصدد نهي طائفة من المؤمنين عن الاستغفار لأقاربهم من أهل الشرك، ويكون ذكر النبي "صلى الله عليه وآله" في جملتهم من أجل طمأنتهم، وتأنيسهم، والرفق بهم، والمداراة لهم، لا لأنه "صلى الله عليه وآله" كان يفعل كفعلهم، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليقدم على أمر حتى يعرف رضا الله به، ويستأذنه سبحانه وتعالى فيه.
مـلاحظـة:
قد أثبتنا في كتابنا هذا إيمان آبائه "صلى الله عليه وآله" إلى آدم وكانت أمه "صلى الله عليه وآله" موحدة، بل إن الروايات التي تحدثت عن أنه لا يريد أن تكون لكافر أو مشرك عنده نعمة تجزى تدل على ذلك أيضاً.
فإن تربية أبي طالب للنبي "صلى الله عليه وآله" من النعم، والأيادي عنده، التي تستوجب منه الشكر والجزاء.
وهذا ما يجعلنا نعتقد: أن الرواية الأخيرة التي ذكرت كفر والدة النبي "صلى الله عليه وآله" بعيدة عن الصحة أيضاً.
سادساً: إن آية النهي عن الاستغفار للمشركين قد جاءت عامة ولا يظهر منها أنها تتحدث عن أمر قد حصل أصلاً، ولو سلمنا: أنها تشير إلى واقعة من نوع ما، فلا يمكن أن تكون هي استغفار النبي "صلى الله عليه وآله" لأمه، لأنه "صلى الله عليه وآله" لا يفعل إلا ما يعلم أنه مرضي لله تعالى، ولا يقدم على أي فعل من تلقاء نفسه.
على أنه لا بد من الإجابة على السؤال عن السبب الذي جعل النبي "صلى الله عليه وآله" ينسى الاستغفار لأمه إلى آخر أيام حياته؟
سابعاً: إن قول أبي طالب: بل على دين عبد المطلب، هو من أدلة إيمانه، لا من أدلة كفره؛ إذ إن عبد المطلب لم يكن كافراً ولا مشركاً، بل كان مؤمناً على دين الحنيفية.
وقد صرح المسعودي في بعض كتبه أيضاً بأنه قد مات مسلماً([91]).
فقول أبي طالب "عليه السلام": بل على ملة عبد المطلب، قد جاء على سبيل التورية، حيث إنه بذلك يكون قد أثبت إيمانه، وأقر به من جهة، ثم يكون قد عمّى الأمر على فراعنة قريش، لمصالح يراها، لا بد له من ملاحظتها في تلك الفترة، من جهة أخرى.
5 ـ ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ?:
ويقولون: إن الله تعالى قد أنزل في أبي طالب "عليه السلام": ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء?([92])، حيث ادَّعى الزجَّاج إجماع المسلمين على نزول هذه الآية في أبي طالب "عليه السلام"([93]).
ونقول في الجواب:
أولاً: قد تقدم: النهي عن موادة من حاد الله، وعن اتخاذ الكافرين أولياء.
ثانياً: قد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دعا الله، وتعامل مع الناس كلهم على قاعدة: أن لا يجعل لكافر ولا لمشرك نعمة عنده.
ثالثاً: إن آية: ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ? يقال: إنها نزلت يوم أحد، حينما كسرت رباعيته، وشج وجهه "صلى الله عليه وآله"، فقال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فأنزل الله: ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ? الخ..([94]).
وقيل: إنها نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، الذي كان الرسول "صلى الله عليه وآله" يرغب في إسلامه، بل لقد ادعي الإجماع على ذلك([95]).
رابعاً: إذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" يحب إيمان أبي طالب "عليه السلام"، فالله يحب ذلك أيضاً، لأن الرسول لا يحب إلا ما أحب الله.
وقولهم: كان "صلى الله عليه وآله" يكره إيمان وحشي، ثم آمن، لا يصح، لأنهما لو لم يتوافقا فإنه يدخل في دائرة التضاد بين الرسول وبين مرسله، لأن الرسول "صلى الله عليه وآله" يكره إيمان شخص ومرسله يحب إيمان ذلك الشخص نفسه.. وإذا توافقا، بأن كان الله ورسوله يكرهان إيمان ذلك الشخص، فإن السؤال هو: كيف يمكن أن يكره الله ورسوله إيمان أحد؟! ([96]).
خامساً: إن قوله تعالى: ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ? لا يمنع من إيمان أبي طالب "عليه السلام"، فإن الله قد شاء الهداية لأبي طالب "عليه السلام" أيضاً كما دلت عليه النصوص.
والآية إنما تريد تعليم النبي "صلى الله عليه وآله": أن محبته لهداية شخص غير كافية، بل لا بد معها من مشيئة الله سبحانه.
وأما دعوى إجماع المسلمين على نزول هذه الآية في أبي طالب "عليه السلام"، فيكذبها: أن الأئمة "عليهم السلام" وشيعتهم، وأكثر الزيدية، وكثير من علماء السنة يثبتون إيمان أبي طالب "عليه السلام"، وتآليفهم في هذا الصدد كثيرة وشهيرة..
6 ـ ?وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ?:
زعموا: أن قوله تعالى: ?إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ?([97]).. قد نزلت في أبي طالب "عليه السلام".
ونقول:
إن سياق الآيات قبلها وبعدها يعطي أن الآية إنما نزلت في اليهود.. وهذا كاف في رد هذه المزعمة.
وقد قال النقدي في كتابه مواهب الواهب في فضائل أبي طالب: وأما ما قيل من أن قوله تعالى: ?إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ? نزلت في أبي طالب فقد قال ابن دحلان: هو ضعيف جداً كالقول بأنها نزلت في أبوي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فإن ذلك ضعيف أيضاً، بل قيل: إن ذلك باطل لا أصل له والآية إنما نزلت في اليهود.
قال أبو حيان في البحر: وسوابق الآيات ولواحقها تدل على ذلك الخ..([98]).
7 ـ الذي ينجي من الوسوسة:
زعموا: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" قال لأبي بكر، حول ما ينجي من الوسوسة: "ينجيكم من ذلك: أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت؛ فلم يفعل.
يعني شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"([99]).
وفي رواية عن عمر: إن كلمة التقوى التي ألاص([100]) عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت: شهادة الخ..([101]).
ونقول: إنه فضلاً عن سقوط الرواية من ناحية السند، نلاحظ:
أولاً: إن من الواضح: أن الذين يسألونه "صلى الله عليه وآله" عما ينجي من الوسوسة كانوا يقولون تلك الكلمة، ويشهدون الشهادتين، ولكنهم كانوا ـ مع ذلك ـ مبتلين بالوسوسة، فكيف يأمرهم "صلى الله عليه وآله" بقولها للنجاة من ذلك؟!.
إلا أن يقال: إن المراد هو: كثرة التلفظ بها وتكرارها.
غير أننا نقول: إن إرادة هذا المعنى بعيدة عن مساق الرواية، فإن ما طلبه من أبي طالب ـ لو صحت الرواية ـ هو مجرد التلفظ بالشهادتين..
ثانياً: إن نفس هذه الرواية مروية بسند صحيح، وتفيد:
أن الخلاف كان بين سعد وعثمان، وأن الذي حكم بينهما هو عمر بن الخطاب، وذكر: دعوة ذي النون: ?لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّيِ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ?([102]). ولم يذكر أبا طالب "عليه السلام"([103]).
أبو بكر حين أسلم أبوه:
وزعموا أيضاً: أنه لما مد أبو قحافة يده ليسلم، بكى أبو بكر، فقال له "صلى الله عليه وآله": ما يبكيك؟!
قال: لأن تكون يد عمك مكان يده، ويسلم، ويقر الله به عينك أحب إلي من أن يكون([104]).
ونقول:
أولاً: قد تقدمت هذه الرواية بنحو يدل على إيمان أبي طالب "عليه السلام" عن عدد من المصادر، فلا نعيد. وتلك الرواية هي التي تنسجم مع هذا الحشد الهائل من دلائل إيمانه صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: قد جاء أنه لما أسلم أبو قحافة لم يعلم أبو بكر بإسلامه، حتى بشره النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك([105]) فكيف يكون أبو بكر قد قال ذلك حين مد أبو قحافة يده؟!.
أبو طالب × الشيخ المهتدي:
وزعموا أيضاً: أنه لما توفي أبو طالب، جاء علي "عليه السلام" إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وقال له: إن عمك الشيخ الضال قد توفي.
بل في رواية: أن الإمام علياً "عليه السلام" رفض ما أمره به النبي "صلى الله عليه وآله" من تغسيله، ودفنه، فأمر أن يتولى ذلك غيره([106]).
ونقول:
أولاً: قد روى أحمد في مسنده هذه الرواية، وفيها: إن عمك الشيخ قد توفي، من دون ذكر كلمة "الضال"([107]).
ثانياً: إن نفس أن يخاطب علي "عليه السلام" رسول الله "صلى الله عليه وآله" بهذه الطريقة: "إن عمك الشيخ الضال.. الخ.." لهو أمر لا ينسجم مع أدب الخطاب مع الرسول، في الوقت الذي كان يمكن له يقول: إن أبي الشيخ الضال قد توفي.
ولا يمكن أن يحتمل أحد أن يصدر من علي "عليه السلام" ما ينافي الآداب مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" أو مع غيره.
ثالثاً: لو لم يكن مؤمناً فلماذا يأمره بتغسيله؟. فهل يغسل الكافر؟!
رابعاً: كيف يتناسب هذا مع كونه "صلى الله عليه وآله" قد حزن، وترحم عليه، ودعا له، وعارض جنازته، ومشى فيها، وغير ذلك مما تقدم، مع أنهم يروون: أنه لا يجوز المشي في جنازة المشرك؟!([108]).
خامساً: ماذا يصنع هؤلاء بما ورد في كثير من المصادر، من أن الإمام علياً "عليه السلام" هو الذي تولى تغسيل أبي طالب ودفنه، واغتسل بعد تغسيله إياه غسل المس الواجب على من مس أي ميت مسلم([109]).
هل صلى أبو طالب ×؟:
قالوا: إنه لم ينقل عن أحد: أن أبا طالب "عليه السلام" قد صلى، وبالصلاة يمتاز المؤمن عن الكافر([110]).
ونقول في الجواب:
أولاً: إنه لم ينقل أيضاً عن كثير من الصحابة أنهم قد صلوا.. فهل يمكن الحكم عليهم بأنهم لم يسلموا؟! فإن عدم نقل ذلك لا يعني عدم حدوثه.
ثانياً: إنه إذا كان مثل أبي طالب "عليه السلام" كمثل مؤمن آل فرعون، الذي كان يكتم إيمانه، فعلينا أن لا نتوقع مجاهرة أبي طالب "عليه السلام" بالصلاة، أو بغيرها من الشعائر الدينية أمام الملأ، فإن ذلك لا يتلاءم مع كتمان الإيمان.
أبو طالب × خير الأخيار:
وزعموا: أن محمد بن عبد الله بن الحسن قد كتب إلى المنصور يقول مفتخراً: أنا ابن خير الأخيار، وأنا ابن شر الأشرار.
وهذه الرسالة هي التي أوجبت توقف ابن أبي الحديد المعتزلي في إيمان أبي طالب "عليه السلام"، كما زعم في شرحه لنهج البلاغة([111]).
ونقول:
أولاً: إن أبا طالب "عليه السلام" لم يكن شر الأشرار، إذ إنه "عليه السلام" لم يكن أشر من أبي لهب ولا من أبي جهل، ولا من ابن ملجم، ولا من الشمر، ولا.. ولا..
فهذا كذب صريح، هل يمكن صدوره من مدَّعي المهدية.. الذي يطالب الناس بالبيعة له؟!
ثانياً: ما معنى أن يفتخر إنسان بأنه ابن شر الأشرار؟! فهل في هذا مفخرة لأحد؟
ثالثاً: إنه ليس في الرواية ما يدل على أن المقصود بهذا الكلام هو أبو طالب "عليه السلام"، إذ لعل المقصود به طلحة بن عبيد الله، الذي هو أبو أم إسحق، جدة محمد بن عبد الله بن الحسن، أو لعله يقصد زمعة بن الأسود، أو عبد العزى؟! أو غير هؤلاء من آبائه..
رابعاً: لماذا أخذ المعتزلي بشهادة محمد بن عبد الله بن الحسن، الذي قتل في أواسط القرن الثاني للهجرة، ولم يأخذ بشهادة الإمام علي أمير المؤمنين "عليه السلام" في حق أبيه، وهو القائل: والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن أبي لو شفع في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله، بالإضافة إلى كثير من النصوص الأخرى التي سلفت عنه "عليه السلام" في حقه؟
هذا فضلاً عن شهادات الإمام السجاد، والباقر، والصادق "عليهم السلام".
ألم يكن عهد هؤلاء الأطهار "عليهم السلام" بأبي طالب "عليه السلام" أقرب من عهد محمد بن عبد الله بن الحسن؟!..
خطابيات وأرجاز المديني:
وبعد ما تقدم، فإنه إذا كان أبو طالب "عليه السلام" مسلماً مصدقاً؛ فلا يصغى لأرجاز وخطابيات أمثال المديني، التي لا توافق العقل والدين مهما حاول أن يتظاهر هو بالصلاح، أو أن يسطر التملقات الباردة، مثل أن يقول:
"وددت أن أبا طالب كان أسلم، فسر به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأني كافر"!!([112]).
البحث الثالث
مـؤمـن آل فـرعـون
سرية إيمان أبي طالب ×:
إننا إذا تتبعنا سير الدعوة، ومواقف أبي طالب "عليه السلام" فإننا نجد: أنه كان بادئ ذي بدء يكتم إيمانه، تماما كمؤمن آل فرعون، والظاهر أنه قد استمر يظهر ذلك تارة، ويخفيه أخرى إلى أن حصر الهاشميون في الشعب، فصار يكثر من إظهار ذلك وإعلانه.
وقد ورد عن الإمام الصادق "عليه السلام" قوله:
"إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان، وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين"([113]).
وعن الشعبي، يرفعه، عن أمير المؤمنين "عليه السلام" قال:
كان والله أبو طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه؛ مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش.
وكذا عن ابن عباس([114]).
وقد تقدم: أن محمد بن الحنفية حمل في حرب الجمل على رجل من أهل البصرة، قال: فلما غشيته قال: أنا على دين أبي طالب، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه([115]).
وثمة أحاديث أخرى عديدة بهذا المعنى لا مجال لذكرها([116]).
لا بد من كتمان الإيمان:
ونستطيع أن نقول: إن سرية إيمان أبي طالب "عليه السلام" كانت ضرورة لا بد منها؛ لأن الدعوة كانت بحاجة إلى شخصية اجتماعية قوية تدعمها، وتحافظ على قائدها، شرط أن لا تكون طرفاً في النزاع.
فتتكلم من مركز القوة لتتمكن الدعوة من الحركة، مع عدم مواجهة ضغط كبير يشل حركتها، ويحد من فاعليتها.
قال ابن كثير وغيره:
"إذ لو كان أسلم أبو طالب ـ ونحن نقول لابن كثير: إنه قد أسلم، ولكنه كتم إيمانه وإسلامه مدة ـ لما كان له عند مشركي قريش وجاهة، ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه، ولاجترؤوا عليه، ولمـدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه"([117]).
مفارقات محيِّرة:
وكيف يحكمون لزيد بن عمرو بن نفيل ابن عم عمر بن الخطاب، ولولده سعيد بن زيد، ولورقة بن نوفل، وقس بن ساعدة، ولأبي سفيان الذي ما فتئ كهفاً للمنافقين، والذي ذكرنا لمحة عن تصريحاته ومواقفه في أواخر غزوة أحد في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله".
نعم، كيف يحكمون لهؤلاء بالإسلام؟! بل يروون عنه "صلى الله عليه وآله": أنه قال عن أمية بن أبي الصلت: أنه كاد أن يسلم في شعره([118]).
ويقول الشافعي عن صفوان بن أمية: "وكان كأنه لا يشك في إسلامه"، لأنه حين سَمع يوم حنين قائلاً يقول: غلبت هوازن، وقُتل محمد، قال له:
"بفيك الحجر، فوالله، لرب قريش أحب إلي من رب هوازن".
نعم، كيف يحكمون لكل هؤلاء بالإسلام، أو بالاقتراب منه، وهم لم يدركوا الإسلام، أو أدركوه ولم يسلموا، أو أظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر؟
ثم يحكمون بالكفر على أبي طالب "عليه السلام"، الذي ما فتئ في الفترة الأخيرة، ربما بعد الهجرة إلى الحبشة يؤكد ويصرح عشرات المرات في أقواله وفي أفعاله، ويعلن بالشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه "صلى الله عليه وآله" بالنبوة والرسالة؟!.
ذنب أبي طالب × الذي لا يغفر:
ولكننا رغم كل ذلك نقول:
إنه يؤخذ على أبي طالب "عليه السلام" شيء واحد، هو من أكبر الذنوب، وأعظم السيِّئات والعيوب، التي يستحق من يتلبس بها ـ شاء أم أبى ـ الحساب العسير، ولا بد أن يحرم لأجلها من كل امتياز، ويسلب منه كل وسام.
وهذا الذنب العظيم والجسيم هو أنه كان أباً لذلك الرجل الذي تكرهه قريش، ويبغضه الحكام، ويشنؤه أهل الباطل.. وكانوا وما زالوا يتمنون له كل سوء، وكل ما يسوء، وقد قطعوا رحمه، وجهدوا للحط من شأنه، وصغَّروا عظيم منزلته، لا لشيء سوى أنه كان قد قتل آباءهم وإخوانهم على الشرك والكفر، وهو يدافع عن دين الله سبحانه، ويجاهد في سبيل الله، بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وهذا الرجل هو ـ بصراحة ـ ابن عم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وزوج ابنته، وأبو سبطيه، وهو المسمى بـ "علي" أمير البررة، وقاتل الكفرة الفجرة، الذي كان مدينة علم النبي "صلى الله عليه وآله"، وكان الولي والوصي صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبيه، وعلى الأئمة الأطهار من بنيه.
فكان لا بد ـ بنظرهم ـ من نسبة كل عظيمة إليه، وإلى أبيه أبي طالب "عليه السلام"، ووضع الأحاديث المكذوبة في حقهما، وتزوير تاريخهما، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
فحفلت مجاميعهم الحديثية والتاريخية بألوان من الدجل والتزوير، وأفانين من الكذب والبهتان، والأفائك والأباطيل، حتى لقد نسبوا إلى أبي طالب "عليه السلام" الكفر ـ والعياذ بالله ـ ولو كان ثمة شيء أعظم من الكفر لنسبوه إليه، ووصموه به، كيداً منهم لعلي، وسعياً منهم للنيل من مقامه، وهو الذي كان ولا يزال الشوكة الجارحة في أعين الأمويين، والزبيريين، وجميع الحاقدين على الحق وأهله، فظهرت منهم أنواع من الافتراءات عليه، وعلى أخيه جعفر، وأبيه أبي طالب، وعلى كل شيعتهم ومحبيهم، والمدافعين عنهم.
وحين بدا لهم أن ذلك لا يشفي صدورهم شفعوه بنوع آخر من الكيد والتجني، حين سعوا إلى إطراء أعدائه، أعداء الله ورسوله، وأعداء الحق، فنسبوا فضائل أولياء الله إلى أعداء الله، حتى إنك لا تكاد تجد فضيلة ثبتت لعلي "عليه السلام" بسند صحيح عند مختلف الفرق الإسلامية، إلا ولها نظير في مخالفيه، ومناوئيه، والمعتدين عليه، ولكنها ـ في الأكثر ولله الحمد ـ قد جاءت بأسانيد ضعيفة وموهونة، حتى عند واضعيها..
هذا، ويلاحظ: أن هذه الأفائك الظالمة في حق أبي طـالب "عليه السلام" قد ظهرت بعد عشرات السنين من وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، الذي كان المدافع الأول عن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، كما يظهر من كثير من المواقف له "صلى الله عليه وآله"، حدثنا عنها التاريخ، وحفظتها لنا كتب الحديث والرواية، رغم ما بذله الحاقدون من جهود لطمسها، وطمس سواها من الحقائق الناصعة، والشواهد والبراهين الساطعة.
ولو أن أبا طالب "رحمه الله" كان أباً لمعاوية مثلاً، أو لمروان، أو لأي من الذين تصدوا للحكم من المناوئين والمنحرفين عن أهل البيت "عليهم السلام"، وعن خطهم ومنهجهم، لرأيت ثم رأيت من آيات الثناء عليه ما يتلى آناء الليل، وأطراف النهار، ولوجدت الأوسمة تلاحقه، وتنهال عليه من كل حدب وصوب، وبلا كتاب ولا حساب، ولألفيت الذين ينبزونه بتلكم الأكاذيب والأباطيل، ويرمونه بالبهتان، هم أنفسهم حملة رايات التعظيم والتبجيل، والتكبير والتهليل له "رحمه الله".
ولوجدت من الأحاديث في فضائله ومناقبه وما له من كرامات وشفاعات إن دنيا، وإن آخرة، ما يفوق حد الحصر، وما يزيد ويتضاعف باطراد في كل عصر ومصر..
ولربما تجد من يدَّعي: أن أبا طالب "عليه السلام" قد آمن بالنبي حتى قبل أن يبعث "صلى الله عليه وآله"، كما ادَّعوه لبعض من يوالونهم ويحبونهم!!
ولعل بعضهم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقول فيه كما قالوه في بعض أسلافهم: لو لم أبعث فيكم لبعث فلان!! أو ما شاكل ذلك.
هذا إن لم يدَّعوا له مقام النبوة، أو ما هو أعظم من ذلك كما ادَّعوا ذلك ليزيد لعنه الله، قاتل الإمام الحسين "عليه السلام"، وهادم الكعبة.
ولكننا نقول: إن أبا طالب "عليه السلام" قد كان محظوظاً جداً، حيث لم يكن قريباً لهؤلاء، ولا لمن يتولاه هؤلاء، فنجا من أن تنسب إليه فضائل مكذوبة، ومن أن يعطى أوسمة لا حقيقة لها، إذ يكفي هذا الرجل من الفضائل والأوسمة ما كان قد ناله عن جدارة واستحقاق بجهاده، وبإخلاصه، وبعمله الصالح الذي نال به رضا الله سبحانه، وذلك هو الفضل العظيم، والحظ الأسعد، والمقام الأمجد.
مفارقات.. ذات دلالة:
والغريب في الأمر: أن من هؤلاء القوم، من يرى أن قاتل عمار بن ياسر من أهل الجنة، وأن ابن ملجم مجتهد في قتله الإمام علياً "عليه السلام"، ثم هم يدافعون عن يزيد بن معاوية لعنه الله، ويعتبرونه من أهل الجنة، بل ادَّعى له بعضهم النبوة قبحهم الله وإياه.
كما أن البعض كابن عربي يرى: أن فرعون مؤمن، وأن عبدة العجل موحدون مؤمنون، إلى غير ذلك من ترهات وأباطيل وأضاليل.
هذا عدا عن أنهم قالوا: إن حاتم الطائي يدخل النار لكنه لا يعذب بها لجوده، وأن كسرى لا يعذب لعدله، وأن أبا سفيان، أبا معاوية الذي يقول لعثمان حينما صارت إليه الخلافة:
قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار([119]).
إن أبا سفيان هذا، مؤمن تقي عادل، معصوم، وأبو طالب "عليه السلام" ـ أو فقل: أبو الإمام علي "عليه السلام" ـ كافر مشرك، وفي ضحضاح من نار، يبلغ كعبه، ويغلي منه دماغه!!
نعم.. ما عشت أراك الدهر عجباً!!.
حال أبي طالب × حال رسول الله ':
وبعد.. فإن حال أبي طالب "عليه السلام" مع الأمويين وأشياعهم، ومن افترى عليه بغضاً منه بولده علي "عليه السلام".. يشبه إلى حد كبير حال النبي "صلى الله عليه وآله" مع المشركين، الذين حكى القرآن حالهم بقوله:
?وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأتِيَ بِالله وَالمَلآئِكَةِ قَبِيلاً، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً?([120]).
إن مبغضي أبي طالب يقولون: لن نقر بإيمان هذا الرجل، ولو تضافرت على ذلك كل الأدلة والشواهد، وحتى لو نص الله ورسوله عليه.
فبئس الخلف من الأمويين وأشياعهم، ومن الزبيريين وأتباعهم، ومن كل شانئ لعلي، ومصغر لشأنه، لبِئس السلف من طواغيت الجاهلية وعتاتها، ومن قتلة الأنبياء وفراعنة الأرض، وجبابرتها.
أبو لهب ونصرة النبي ':
ثم إننا نشير أيضاً هنا إلى أنهم يذكرون: أنه بعد أن توفي أبو طالب "عليه السلام" أعلن أبو لهب استعداده لنصرة النبي "صلى الله عليه وآله".
فاحتالت قريش، فأخبرته أنه يقول: إن أباك عبد المطلب في النار، فسأله عن ذلك، فأخبره بما طابق ما أخبروه به؛ فتخلى عن نصرته، وانقلب ليكون عدواً له ما عاش([121]).
ونقول:
إننا لا نشك في كذب هذه القضية.
أولاً: كيف لم يعلم أبو لهب طيلة عشر سنين من عدائه للنبي، ومحاربته له: أن هذا هو رأيه "صلى الله عليه وآله" ورأي الإسلام في كل من يموت مشركاً بالله تعالى؟! وعلى أي شيء كان يحاربه طيلة هذه المدة إذن؟!.
بل إن أبا لهب كان من أهم الشخصيات القوية التي كانت تدير حركة الصراع ضد الإسلام العظيم، ونبيه الكريم، فكيف يمكن أن يجهل حملة لواء الشرك هذا الأمر، ويعرفه غيرهم؟!
ثانياً: لماذا عاداه في حياة أبي طالب "عليه السلام"، ثم عاد إلى حمايته ونصرته بعد وفاته؟!.
أو لماذا لم يفعل أبو لهب مثل فعل أبي طالب "عليه السلام"؟!
ثالثاً: قد أسلفنا أن عبد المطلب لم يكن مشركاً، بل كان على دين الحنيفية مؤمناً صادق الإيمان.
سر افتعال الرواية:
ولعل سر افتعال هذه الرواية هنا هو إظهار: أن حماية أبي طالب "عليه السلام" للرسول قد كانت بدافع العصبية والحمية القبلية، أو الحب الطبيعي.
ولكن أين كانت حمية وعصبية أبي لهب قبل هذا الوقت، وأين كان حبه الطبيعي لابن أخيه؟
ولا سيما حينما حصرت قريش الهاشميين في الشعب، وكادوا يهلكون جوعاً؟!.
وأين ذهبت حميته بعد ذلك؟
وهو الذي كان يتتبع النبي محمداً "صلى الله عليه وآله" من مكان إلى مكان يؤذيه، ويصد الناس عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
الباب الثالث:
من وفاة أبي طالب × حتى الهجرة إلى المدينة
الفصل الأول: الهجرة إلى الطائف
الفصل الثاني: حتى بيعة العقبة
الفصل الثالث: بيعة العقبة
الفصل الأول:
الهجرة إلى الطائف
لا بد من تحرك جديد:
لقد فقد النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" بوفاة أبي طالب نصيراً قوياً، دافع عن النبي "صلى الله عليه وآله"، وعن دعوته الإلهية، بيده ولسانه، وشعره، وولده، وعشيرته، وكل مواهبه وطاقاته، وضحى من أجله بمركزه وماله وعلاقاته الاجتماعية ـ كما قدمنا ـ فاعتقدت قريش أنه "صلى الله عليه وآله" سيضعف عزمه عن مواصلة جهوده، بعد أن مات ناصره، فنالته بعد وفاة شيخ الأبطح بأنواع الأذى، مما عجزت عنه في حياة عمه العظيم، ووجدت الفرصة للتنفيس عن حقدها، وصب جام غضبها على ذلك الذي ترى فيه سبباً لكل مشاكلها ومتاعبها.
ورأى "صلى الله عليه وآله" أن الدعوة الإسلامية تتعرض لضغوط قوية تمنع من انتشارها، ومن دخول الآخرين فيها، ما داموا لا يرون في ذلك الدخول إلا العذاب والنكال، وإلا الذل والمهانة.
بل يمكن أن يتعرض ما حصل عليه، وجاهد من أجله وفي سبيله لأخطار بما لا يكون في وسعه مواجهتها وتجاوزها بنجاح تام.
ومن هنا فقد كان لا بد من تحرك جديد، يعطي للدعوة دفعة جديدة، ويجعلها أكثر حيوية، وأكثر قدرة على مواجهة الأخطار المحتملة وإذا كان بقاؤه "صلى الله عليه وآله" في مكة ـ إن لم يكن فيه خطر على الدعوة ـ معناه جمودها، وتحجيمها، وشل حركتها، فإن من الطبيعي أن يبحث عن مكان آخر تتوفر فيه له حرية الحركة، والدعوة إلى الله، بعيداً عن أذايا قريش ومكائدها، ويتوفر فيه متنفس لهؤلاء المسلمين الذين تنالهم قريش بمختلف أنواع العذاب والتنكيل، قبل أن يتطرق اليأس إلى نفوسهم، وينهاروا أمام تلك الضغوط التي يتعرضون لها باستمرار.
فكان كل ذلك وسواه دافعاً إلى الهجرة إلى الطائف.
الهجرة إلى الطائف في كلمات المؤرخين:
فبعد أن أذن الله له "صلى الله عليه وآله" بالخروج من مكة إذ قد مات ناصره؛ خرج إلى الطائف، ومعه علي "عليه السلام"([122]) ـ أو زيد بن حارثة أو هما معاً([123]) على اختلاف النقل ـ وذلك لليال بقين من شوال سنة عشر.
فأقام في الطائف عشرة أيام، وقيل: شهراً، لا يدع من أشرافهم أحداً إلا جاءه، وكلمه، فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم؛ فطلبوا منه أن يخرج عنهم، وأغروا به سفهاءهم؛ فجلسوا لـه في الطريق صفين، يرمونـه بالحجارة، وعلي "عليه السلام" يدافع عنه، حتى شج في رأسه، أو أن الذي شج في رأسه هو زيد بن حارثة.
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" التجأ إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وجلس في أحد جوانبه، فتحركت عاطفة ابني ربيعة، وهما يريان ما به من الجهد، فأرسلا إليه غلامهما عداساً ـ وهو نصراني من أهل نينوى ـ بعنب، فوضعه بين يديه، فمد إليه يده، وقال: ?بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ?، فتعجب عداس من أن يكون بهذا البلد أحد يذكر الله، وجرت بينهما مكالمة انتهت بإسلام عداس.
فقال أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك.
ثم انصرف "صلى الله عليه وآله" راجعاً إلى مكة، فاستعد أعداؤه للقائه بأنواع من الأذى لم يعرفها من قبل.
ولكنه "صلى الله عليه وآله" كان مصمماً على مواجهة كل الاحتمالات؛ حيث قال لرفيقه علي "عليه السلام"، أو زيد: إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه.
فطلب من الأخنس بن شريق أن يجيره ليتمكن من دخول مكة، فرفض على اعتبار أنه حليف، والحليف لا يجير على الصميم([124]).
ثم طلب من سهيل بن عمرو أن يجيره، فرفض أيضاً، لأنه من بني عامر فلا يجير على بني كعب، فدخل مكة بجوار المطعم بن عدي، الذي تجهز ومن معه بالسلاح لحمايته؛ فأمضت قريش جواره.
ويقول البعض: إنه رد عليه جواره من أول يـوم وصوله، وقال آخرون: بل استمر في جواره مدة.
هكذا باختصار يروي المؤرخون قضية الهجرة إلى الطائف، ثم العودة منها.
هجرات أخرى له ':
ويقولون أيضاً: إنه بعد وفاة عمه خرج إلى بني صعصعة، ومعه علي؛ فلم يجيبوه، وغاب عن مكة عشرة أيام، وهاجر أيضاً مع علي وأبي بكر إلى بني شيبان، وغاب ثلاثة عشر يوماً، فلم يجد عندهم نصرة([125]).
ولا بد لنا هنا من وقفات لبيان بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم، ونراها هامة، إلى حد ما، وهي التالية:
1 ـ ما ذكر عن عداس:
إننا نشك فيما ذكر من دور عداس، وأكله "صلى الله عليه وآله" العنب المهدى إليه، وذلك لما يلي:
أولاً: ما تقدم في الفصل السابق من أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يقبل هدية مشرك، ولا يرضى بأن يكون له أي فضل أو نعمة عليه، يستحق بها المكافأة.
فكيف قبل هدية ابني ربيعة المشركين، ورضي بأن يكون لهما فضل عليه؟!
إلا أن يقال: إنما قبل هدية عداس، ولعله لم يكن يعلم أن ابني ربيعة هما اللذان أرسلاه.
ثانياً: إن هذه الرواية تنص على أن عداساً قد أسلم، مع أن البعض ينص على أنه "صلى الله عليه وآله" قد عاد من الطائف محزوناً، لم يستجب له رجل ولا امرأة([126]).
إلا أن يقال: إن المراد: أنه لم يستجب لـه أحـد من الأحرار، أو لم يستجب له أحد من أهل نفس البلد، وعداس من أهل نينوى.
ثالثاً: كان قد مضى على دعوة الرسول "صلى الله عليه وآله" الناس إلى الإسلام حوالي عشر سنوات، وكانت شهرة دعوته قد تجاوزت مكة إلى غيرها من الأقطار والأمصار.
وأصبح ذكره وذكر ما جاء به على كل شفة ولسان.
كما أنه قد مضى على وجود النبي "صلى الله عليه وآله" في الطائف نفسها عشرة أيام، أو شهر وهو يدعو الناس إلى الله، لا يفتر ولا يمل فكيف إذاً يتعجب عداس من ذكر الله في ذلك البلد؟!.
فهل من المعقول: أن يكون عداس لم يسمع بذكره "صلى الله عليه وآله" ولا بدعوته هذه المدة كلها، سواء مدة وجوده في الطائف، أو مدة دعوته إلى الله في المنطقة؟!.
وقد قدمنا بعض الكلام عن عداس في مناقشتنا لروايات بدء الوحي فلا نعيد.
2 ـ دخوله ' مكة بجوار:
وتقدم: أن الأخنس بن شريق، وسهيل بن عمرو لم يقبلا أن يجيرا النبي "صلى الله عليه وآله" ليدخل مكة، واحتج الأخنس بأنه حليف، والحليف لا يجير على الصميم.
فدخل "صلى الله عليه وآله" بجوار المطعم بن عدي، ونحن نشك في ذلك أيضاً.
أولاً: قد قدمنا: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يقبل أن يكون لمشرك عنده يد يستحق الشكر عليها، وهذه يد ولا شك.
ثانياً: كيف لم يعلم النبي الذي بلغ من العمر حوالي خمسين عاماً، ويعيش بين العرب، كيف لم يعلم طيلة هذه المدة: أنه ليس للحليف أن يجير على الصميم عندهم؟!!
وأن بني عامر لا تجير على بني كعب؟!
ثالثاً: أليس هذا يعتبر ركوناً للظالمين، ولغير أهل دينه؟ والله تعالى يقول: ?وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ?([127]).
ويقول: ?وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ?([128]).
إلا أن يجاب عن هذا: بالنفي، فإن هذا المقدار من الركون ليس بمقصود في الآية.
رابعاً: إننا نجد عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد بن المغيرة، رغبة منه في مواساة أصحابه؛ فهل يعقل أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" أقل من ابن مظعون في ذلك؟! ولا يستطيع الصبر على تحمل المشاق والأذى الذي استعدت قريش لتناله به؟ إن ذلك لعجيب حقاً!!.
ثم لماذا لم يخف من الأذى حين رد على المطعم جواره، لا سيما إذا كان قد رده عليه من أول يوم؟!.
وأما أنه كان يخشى على نفسه القتل فلذلك طلب الجوار؛ فجوابه أنه كان يعلم: أن قريشاً لا تستطيع ذلك.
وأنها تعرف: أنه في غير صالحها في تلك الظروف، وبالأخص إذا كان ذلك علناً، ثم أين كان عنه الهاشميون في تلك الساعة؟
ولماذا لا يحمون كبيرهم وسيدهم حتى يحتاج إلى جوار الآخرين؟!
وأين كان عنه أسد الله وأسد رسوله، الذي فعل بأبي جهل ما فعل كما تقدمت الإشارة إليه؟!.
3 ـ إسلام نفر من الجن:
ويذكر هنا: أنه وهو "صلى الله عليه وآله" منصرف من الطائف إلى مكة، التقى ببعض الجن، فقرأ عليهم القرآن فآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم، مبشرين ومنذرين، فقص الله خبرهم في سورة الجن، فقال: ?قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ?([129]).
ولكن الظاهر: أن قضية الجن قد كانت في أوائل البعثة؛ حيث إن الرواية تذكر: أنه لما بعث النبي "صلى الله عليه وآله" حيل بين الجن وبين استراق السمع في السماء، وأرسلت عليهم الشهب، ففهموا: أن ذلك إنما هو لحدث جرى في الأرض فعادوا إليها، وبحثوا عن الأمر، فوجدوا أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد بعث، فاستمعوا القرآن وآمنوا، فنزلت الآية([130]).
وفي رواية أخرى: أن إبليس أرسل جنوده ليكشفوا له الأمر، فعادوا إليه بنبأ بعثته "صلى الله عليه وآله"([131]).
وإلى ما ذكرناه من كون ذلك في أوائل البعثة ذهب ابن كثير أيضاً([132]).
ويدل على ذلك أيضاً: أن عدداً من الروايات تذكر: أن ابن مسعود كان معه "صلى الله عليه وآله" ليلة الجن([133]).
وابن مسعود من المهاجرين إلى الحبشة، فلا بد أن تكون القضية قد حدثت قبل هجرته إليها، أي قبل الخامسة من البعثة.
4 ـ الطائف وعلاقاتها بمن حولها:
إن أهل الطائف كانوا مرتبطين اقتصادياً بأهل مكة ومن حولهم، لأنهم كانوا يصدرون الفاكهة التي هي عمدة محاصيلهم إلى مكة وغيرها من الأطراف المحيطة بهم.
فهم يرون مصيرهم مرتبطاً اقتصادياً واجتماعياً بغيرهم، وهم بحاجة إلى التقرب والتزلف إلى هؤلاء، واستجلاب محبتهم ورضاهم، حتى لا يتعرضوا للضغط الاجتماعي، أو إلى حصار اقتصادي ـ كما جرى لبني هاشم ـ من قبل من يحيط بهم، لا سيما من المكيين، حيث السوق الرئيس لمنتجاتهم.
ثم إنه قد كان لهم صنم يقال له اللات ـ وكان له سدنة، ويزوره العرب([134]) إذ كانت لهم مكانـة دينية أيضاً بين العرب ـ يهتمون جداً بالمحافظة عليه.
ومن هذا وذاك، نعرف السر في أنهم كانوا أشداء في مواجهة النبي "صلى الله عليه وآله"، وحريصين على إخراجه من بينهم بسرعة.
ويشار هنا: إلى أن أهل الطائف الذين قتلوا عروة بن مسعود الداعي إلى الإسلام قد تأخر إسلامهم إلى أواخر حياة النبي "صلى الله عليه وآله" فوفدوا عليه "صلى الله عليه وآله" في سنة تسع، سنة الوفود ولم يؤمنوا إلا بعد أن أدركوا: أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، فلا يخرج لهم مال إلا نُهب، ولا إنسان إلا أُخذ؛ فلما رأوا عجزهم اجتمعوا وأرسلوا الخ..([135]).
5 ـ الإسلام دين الفطرة:
إننا نلاحظ، أن أهل الطائف قد خافوا على أحداثهم من دعوة النبي "صلى الله عليه وآله"، رغم أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقم بينهم سوى فترة قصيرة جداً.
الأمر الذي يؤكد على أن الإسلام كان يجد سبيله بيسر وسهولة إلى العقول الصافية والنفوس البريئة وينسجم مع الفطرة السليمة، التي لم تتلوث بعد بالمفاهيم المنحرفة، ولم تطغ عليها عوامل المصالح الشخصية، والعواطف القبلية، وغير ذلك.
وكيف لا يجد سبيله إليها بيسر، وهو الدين القائم على الدليل والبرهان العقلي، والمنسجم مع الفطرة، وهو دين الضمير والوجدان الحي.
ومن هنا، فإننا نلاحظ: أنهم لم يمكنهم الرد عليه ومناقشته، بل طلبوا منه أن يخرج من بينهم، وحاولوا أن يشوهوا صورته في أذهان أولئك الذين استمعوا إليه ـ وفي أذهان الصغار الذين أغروهم به "صلى الله عليه وآله" والذين يمكن أن تؤثر فيهم دعوته ـ بما استعملوه ضده من أساليب غير منطقية، وإنما تتميز بالإهانة والأذى، ثم السخرية والاستهزاء الجارح والمهين.
6 ـ هل كانت هذه سفرة فاشلة؟!.
ولربما يتساءل البعض: عن الفائدة لهذه الرحلة الفاشلة؟ وفي جوابه نقول: إن هذه الرحلة لم تكن فاشلة، كما ربما يتصور البعض، فإن من الطبيعي أن تترك هذه الحادثة آثاراً إيجابية من نوع ما في أذهان من التقى بهم، وكلمهم، وأن تثمر فيما بعد ثمارها المطلوبة والمرجوة منها، حيث قد أثرت بشكل واضح في تهيئة الجو لإيمان ثقيف فيما بعد ذلك عندما قويت شوكة الإسلام، ولم تعد تخشى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها ممن حولها، ولا سيما من قريش بل أصبح الضغط من جانب المسلمين؛ لأن القبائل كانت تفد إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فتعلن عن إسلامها، ويكتب لها كتاباً، ويشترط قطع العلاقات مع المشركين فأخافهم ذلك وأرعبهم.
وقد كانت قريش تشيع عن النبي "صلى الله عليه وآله": أنه مجنون أو ساحر، أو كاهن إلخ، فها هو "صلى الله عليه وآله" يتصل بالناس مباشرة، ويلمسون بأنفسهم حقيقة الأمر، ويتعرفون عن قرب على شخصيته وخصائصه، بحيث تسقط كل الإشاعات الكاذبة والمغرضة؛ وليصير الإيمان به وبرسالته وبنبوته أسهل وأيسر، وليصبح أكثر قوة وعمقاً ورسوخاً.
الفصل الثاني:
حتى بيعة العقبة
المجاعة:
ثم هاجت الأزمة، وهي الجوع في قريش وأهل مكة ـ وكان ذلك بدعاء النبي "صلى الله عليه وآله" الذي دعا عليهم ـ حتى أكلوا العلهز([136])، والقد، وحتى أحرقوا العظام فأكلوها وأكلوا الكلاب الميتة، والجيف، ونبشوا القبور، وأكلت المرأة طفلها.. وحتى كان الرجل يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان؛ فشغل ذلك الناس بأنفسهم وبمشاكلهم، فأتيحت الفرصة للنبي "صلى الله عليه وآله" ـ ولو لفترة قصيرة ـ ليتحرك في سبيل دينه ورسالته داعياً إلى الله، ومجاهداً في سبيله.
فلما دخلت سنة إحدى عشرة من البعثة، جاء أبو سفيان إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: يا محمد، جئت بصلة الرحم، وقومك قد هلكوا جوعاً، فادع الله لهم، فدعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهم؛ فكشف عنهم، يقول الله عز وجل: ?إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ?([137]).
فإن الظاهر هو أن هذه الآية قد جاءت جواباً لقولهم: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون. ثم تحدث عنهم تعالى بأسلوب الغائب مشيراً إلى ما صدر منهم سابقاً مما يدل على عدم وثوقه في وعدهم، ثم عاد إلى خطابهم بالآية الآنفة الذكر، متوعداً إياهم بالعذاب الأليم في الآخرة في صورة عودتهم إلى العناد.
ونشير هنا: إلى أن رجوع أبي سفيان إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليؤكد على أن المشركين كانوا يعرفون أن ما جاء به "صلى الله عليه وآله" هو الحق، ولكنهم جحدوا ذلك استكبـاراً وعتواً، وعلواً، وحفاظاً على الامتيازات الظالمة التي جعلوها لأنفسهم.
ومن الجهة الثانية، فإننا نجده "صلى الله عليه وآله" يستجيب لطلب أبي سفيان، ولكن ليس فقط لأجل ما ذكره من لزوم صلة الرحم؛ لأن الإسلام هو الصلة الحقيقية بين أبناء البشر جميعاً، وعلى أساسه تكون الأخوة بينهم.
وإنما يستجيب له ليعطيه دليلاً جديداً على أحقية ما جاء به، وليقيم الحجة عليه، وعلى كل من يرى رأيه؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وليمنح الفرصة للذين يعيشون بعيداً عن الأضواء، وليس لهم مصالح دنيوية كبيرة، ليفكروا بموضوعية وتجرد؛ بعيداً عن الأجواء المصطنعة.
عرض الإسلام على القبائل:
لقد كان النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" يغتنم الفرصة في مواسم الحج؛ فيعرض على القبائل، قبيلة قبيلة، أن تعتنق الإسلام، وتعمل على نشره وتأييده، وحمايته ونصرته، بل كان لا يسمع بقادم إلى مكة، له اسم وشرف، إلا تصدى له، ودعاه إلى الإسلام.
ولكن عمه أبا لهب كان يتبعه أنى توجه، ويعقب على كلامه، ويطلب منهم أن لا يقبلوا منه ولا يطيعوه في شيء.
هذا بالإضافة إلى اتهامه بالجنون، والسحر والكهانة، والشعر، وغير ذلك.
وكان الناس في الغالب يسمعون من قريش، إما خشية من سلطانها ونفوذها، وإما حفاظاً على مصالحهم الاقتصادية في مكة، لا سيما في مواسم الحج، وعكاظ.
كما أن تصدي أبي لهب عم النبي "صلى الله عليه وآله" بالذات لإفساد الأمر عليه "صلى الله عليه وآله" كان أبعد تأثيراً في ذلك، على اعتبار: أنه عمه، وأعرف الناس به.
ولقد أفادت تحركات النبي "صلى الله عليه وآله" هذه، حيث إنهم بعد أن ذهبت شوكة قريش، وخمد عنفوانها، وأصيب نفوذها بنكسة قوية بسبب ظهور دعوته وانتشار دينه "صلى الله عليه وآله"، وتوالي انتصاراته عليها، ولا سيما بعد فتح مكة.
بدأت وفادات العرب تترى إلى المدينة، بعد أن أمنوا غائلة عداء قريش، ليعلنوا عن ولائهم ومساندتهم، لأن دعايات قريش وإشاعاتها الكاذبة قد ذهب أثرها، وبطل مفعولها، لأنهم قد رأوا هذا النبي عن قرب، وعرفوا فيه رجاحة العقل، واستقامة الطريقة، منذ اجتمعوا به في تلك المواسم، وعرض دعوته عليهم.
وقد صرح المؤرخون بأن العرب كانوا ينتظرون بإسلامهم قريشاً و كانوا إمام الناس، وأهل الحرم، وصريح ولد إسماعيل لا تنكر العرب ذلك.
فلما فتحت مكة واستسلمت قريش عرفت العرب أنها لا طاقة لها بحرب رسول الله ولا عداوته، فدخلوا في الدين أفواجاً([138]).
بل إنه "صلى الله عليه وآله" حينما كان يعرض دعوته على القبائل كانوا يردون عليه أقبح الرد، ويقولون: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك([139]).
وهذا يدل على أن الخوف من قريش لم يكن هو الدافع الوحيد للامتناع عن الدخول في الإسلام، لا سيما وأن الكثيرين من العرب كانوا بعيدين عن مكة، ولا يخشون سطوتها.
ونقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي أن تحرك النبي "صلى الله عليه وآله" وعرض دين الله على القبائل، وهجراته المتعددة في سبيله ليعتبر إدانة للمنطق القائل: إن على صاحب الدعوة: أن يجلس في بيته، ولا يتحرك، وعلى الناس أن يقصدوه ويسألوه عما يهمهم، ويحتاجون إليه.
بنو عامر بن صعصعة، ونصرة النبي ':
ونشير هنا إلى واقعة هامة، حدثت في خلال عرض النبي "صلى الله عليه وآله" دعوته على القبائل، وهي:
أن رسول "صلى الله عليه وآله" قد أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم دعوته فقال لهم رجل منهم، اسمه: "بيحرة بن فراس": والله، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال: الأمر لله، يضعه حيث يشاء.
فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك.
فأبوا عليه، فلما صدر الناس، رجع بنو عامر إلى شيخ لهم؛ فسألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه، ونقوم معه، ونخرج به إلى بلادنا.
فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب؟ والذي نفس فلان بيده، ما تقولها إسماعيلي قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم!([140]).
ومثل ذلك جرى له "صلى الله عليه وآله" مع قبيلة كندة، كما ذكره أبو نعيم في دلائل النبوة([141]).
ونحن نسجل هنا ما يلي:
1 ـ الأمر لله:
لقد نصت الرواية على أن الأمر لله يضعه حيث يشاء، ونستفيد من ذلك:
أ ـ إن الرسول لم يعط هؤلاء وعداً بما طلبوه منه، من جعل الأمر لهم بعده، بل أجابهم بأن الأمر لله، يضعه حيث يشاء أي أنه لا يمكن أن يعد بما لا يعلم قدرته على الوفاء به، تماماً على العكس من السياسيين الذين عرفناهم في عصرنا الحاضر، وعلى مر العصور الذين لا يتورعون عن إغداق الوعود المعسولة على الناس، حتى إذا وصلوا إلى غايتهم، وجلسوا على كرسي الزعامة فإنهم ينسون كل ما قالوه، وما وعدوا به.
ولكن نبي الإسلام الأكرم "صلى الله عليه وآله" رغم أنه كان بأمس الحاجة إلى من يمد له يد العون لا سيما من قبيلة كبيرة تملك من العدد والعدة ما يمكنها من حمايته، والرد عنه، إلا أنه يرفض أن يعد بما لا يملك الوفاء به، حتى ولو كان هذا الوعد يجر عليه الربح الكثير فعلاً.
ب ـ إن جواب النبي "صلى الله عليه وآله" لهم بقوله: "الأمر لله يضعه حيث يشاء" يؤيد ما يذهب إليه أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم الأبرار رضوان الله تعالى عليهم، من أن خلافة النبوة ليست من المناصب التي يرجع البت فيها إلى الناس، بل هي منصب إلهي، والأمر لله فيها، يضعه حيث يشاء.
2 ـ سمو الهدف، والنظرة الضيقة:
وإن عرض هذه القبيلة مساعدتها على النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" بهذا النحو، إنما يدل على أنها لا تريد في مساعدتها له وجه الله سبحانه، ولا تنطلق في موقفها ذاك من قاعدة إيمانية قوية، وقناعة عقائدية راسخة، ولا طمعاً بثواب الله، ولا خوفاً من عقابه.
وإنما تنطلق في ذلك من نظرة ضيقة، مصلحية تجارية بالدرجة الأولى، وتريد من نصرها له أن تأكل به العرب، وتحصل على المجد والسلطان.
ومن الواضح ـ بناء على هذا ـ أن نصرها له لسوف ينتهي عندما تجد: أن مصلحتها قد انتهت، وحصلت على كل ما تريد، أو حينما ترى: أن تجارتها الدنيوية قد خسرت، بل لربما تنقلب عليه إذا رأت فيه عائقاً يمنعها من تحقيق أهدافها، أو الاحتفاظ بالامتيازات الظالمة التي تفرضها لنفسها.
وهكذا يتضح: أن الاعتماد على من يفكر بعقلية كهذه، ويتعامل من منطلق كهذا ليس إلا اعتماداً على سراب، إن لم يجر على من يعتمد عليه البلاء والعذاب.
3 ـ الدين والسياسة:
وقد لاحظ بعض المحققين هنا: أن هذا العربي، وهو من بني عامر بن صعصعة، لما أخبروه بما يدعو إليه النبي "صلى الله عليه وآله"، ونقلوا إليه ما جرى لهم معه قد أدرك: أن هذا الدين ليس مجرد ترهب في الصوامع، وصلاة، ودعاء، وأوراد، وأذكار، بل هو دين يشتمل على التدبير والسياسة، والحكم، ولأجل هذا قال: "لو أني أخذت هذا الفتى (يعني محمداً بما له من الدعوة الشاملة) لأكلت به العرب".
ولقد سبقه إلى إدراك هذه الحقيقة شيخ الأنصار أسعد بن زرارة، لما قدم إلى مكة، وعرض عليه النبي "صلى الله عليه وآله" ما يدعو إليه، فرأى: أن فيه وفي دعوته ما يصلح مجتمعه، ويعالج مشاكلهم المستعصية بينهم وبين إخوانهم من الأوس، وعلى هذا كانت الهجرة([142]).
وقد أدرك ذلك أيضاً نفس أولئك الذين اشترطوا على النبي "صلى الله عليه وآله" أن يكون لهم الأمر من بعده، فرفض "صلى الله عليه وآله" طلبهم.
وسيأتي ذلك عن عامر بن الطفيل، في غزوة بئر معونة، فما أبعد ما بين فهم هؤلاء للإسلام، ولدعوة القرآن، حتى إن هذا الفهم هو الذي مهد لإسلام الأنصار، ثم الهجرة، وكذلك لبيعتهم (بيعة العقبة الأولى والثانية)، واختيار النقباء والكفلاء على المبايعين وبين ذلك الذي يعتبر الدين منفصلاً عن السياسة، وأن السياسة أمر غريب عن الدين، فإن ذلك ولا شك من إلقاءات الاستعمار، ومن الفكر المسيحي الغريب المستورد، كما هو ظاهر.
4 ـ نتائج عرضه ' دعوته على القبائل:
ويمكننا أن نستفيد مما تقدم:
1 ـ ما تقدمت الإشارة إليه، من أن مقابلة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" للناس، والتحدث معهم مباشرة كان من شأنه: أن يعطي الناس الانطباع الحقيقي عن شخصية الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"، وحقيقة ما جاء به، ويدفع كل الدعايات والإشاعات الكاذبة، والمغرضة، التي كانت تبثها قريش وأعوانها، ككونه ساحراً، أو كاهناً، أو شاعراً، أو مجنوناً، أو غير ذلك من ترهات.
2 ـ إن ما جرى في قضية بني عامر ليدل دلالة واضحة: على أن عرضه "صلى الله عليه وآله" دعوته على القبائل، قد أسهم في الدعاية لهذا الدين، ونشر صيته في مختلف الأنحاء، والأرجاء، فقد كـان من الطبيعي أن يتحدث الناس، إذا رجعوا إلى بلادهم بما رأوه وسمعوه في سفرهم ذاك ولم يكن ثمة خبر أكثر إثارة لهم من خبر ظهور هذا الدين الجديد، وفي مكة بالذات.
زواج النبي ' بسودة وعائشة:
ويقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تزوج بسودة بنت زمعة، وعقد على عائشة بنت أبي بكر وكان ذلك بعد عشر سنوات من البعثة.
ولا نجد لسودة دوراً هاماً في التاريخ، ولا في حياة النبي "صلى الله عليه وآله" أو بعده وكل الاهتمامات مركزة على عائشة، حتى لقد حكموا باستحباب العقد في شوال، لأنه "صلى الله عليه وآله" قد تزوج عائشة في شوال!!([143]) مع أنه "صلى الله عليه وآله" نفسه تزوج غيرها في أشهر أخرى!!.
وعلى كل حال، فإننا لن نستطيع أن نُلِمَّ في هذه العجالة بجميع ما قيل، أو يقال حولها؛ فإن ذلك متعسر، بل متعذر ولذلك فنحن نكتفي بذكر أمرين لهما صلة بموضوع زواجه "صلى الله عليه وآله" بها، ولربما تأتي إن شاء الله بحوث أخرى لجوانب أخرى مما يرتبط بها.
وهذان الأمران هما: سن عائشة وجمالها وحظوتها عند النبي "صلى الله عليه وآله" فنقول:
1 ـ سن عائشة:
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد عقد على عائشة، وهي بنت ست سنين، أو سبع، ثم انتقلت إلى بيته بعد هجرته إلى المدينة، وهي بنت تسع. وهذا هو المروي عنها([144]).
ونحن نقول: إن ذلك غير صحيح، وأن عمرها كان أزيد من ذلك بكثير، ونستند في ذلك إلى ما يلي:
أولاً: إن ابن إسحاق قد عد عائشة في جملة من أسلم أول البعثة، قال: وهي يومئذٍ صغيرة، وأنها أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً فقط([145]).
فلو جعلنا عمرها حين البعثة سبع سنين مثلاً فإن عمرها حين العقد عليها كان 17 سنة، وحين الهجرة 20 سنة.
ويؤيد ذلك: أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين، وقد بقي جماعة لم يهاجروا، والهجرة إلى الحبشة كانت بعد خمس سنوات من البعثة.. فيكون إسلام عائشة التي أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً بعد البعثة بوقت يسير.
ومما يزيد الأمر وضوحاً أنهم يقولون:
أن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما أسلم أبي جاء إلى منزله، فما قام حتى أسلمنا، وأسلمت عائشة وهي صغيرة([146]).
وقالوا أيضاً: إن أسماء أسلمت بعد سبعة عشر إنساناً([147]).
وقد ماتت سنة 73([148]).
وقد بلغت أو جازوت المائة([149]).
وإن حاول بعضهم أن يجتهدوا ويقول غير ذلك([150]).
كما أنهم قد صرحوا: بأن أسماء ولدت قبل البعثة بسبع وعشرين سنة([151]).
أو قبل مبعثه بسبع عشرة سنة([152]).
وكانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنوات([153]).
وحين ولدت كان عمر أبيها إحدى وعشرين سنة([154]).
فتكون النتيجة هي: أن عمر عائشة حين البعثة حوالي أربع سنوات، إذ المفروض ـ حسب قولهم ـ: أنها ولدت قبل الهجرة بسبع عشرة سنة.
غير أننا نقول:
بل كانت أكبر من ذلك أيضاً، إذ قد دلت الروايات على أن إسلام أسماء كان يوم إسلام أبيها، بعد سبعة عشر إنساناً، ثم أسلمت عائشة بعدها مباشرة، لأن إسلامها كان بعد ثمانية عشر إنساناً ـ كما قلنا أيضاً.
فإذا كانوا يدَّعون أن أبا بكر كان أول من أسلم، فتكون النتيجة هي أن عائشة قد أسلمت في أول أو ثاني يوم من البعثة.
ومعنى ذلك: أن ولادتها قد كانت قبل البعثة بسنوات كبرت فيها عائشة، وأصبحت مميزة وعاقلة، ويقبل منها الإسلام.. وتدخل في لائحة المسلمين الأوائل لتأخذ موقعها التاريخي الذي يريدونه لها.
ثانياً: وفي مقام رفع التنافي بين قوله "صلى الله عليه وآله" لفاطمة: إنها سيدة نساء العالمين، وبين ما نسب إليه "صلى الله عليه وآله" من أنه لم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام([155]).
يقول الطحاوي: "قد يحتمل أن يكون ما في هذا الحديث قبل بلوغ فاطمة، واستحقاقها الرتبة التي ذكرها رسول الله "صلى الله عليه وآله" لها، إلى أن قال: وإن كل فضل ذكر لغير فاطمة، مما قد يحتمل أن تكون فضلت به فاطمة، محتملاً لأن يكون وهي حينئذٍ صغيرة، ثم بلغت بعد ذلك إلخ"([156]).
لقد قال الطحاوي هذا، بعد أن جزم قبل ذلك بقليل، بأن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها كان عمرها حين توفيت خمساً وعشرين سنة([157]).
وهذا يعني أنها قد ولدت قبل البعثة بسنتين، والفرض: أن فاطمة كانت صغيرة حينما كانت عائشة بالغة مبلغ النساء.
ثالثاً: يذكر ابن قتيبة أن عائشة قد توفيت سنة 58 ـ وعند غيره سنة 57 ه‍ ـ وقد قاربت السبعين([158]) ولضم ذلك إلى ما يقوله البعض من أن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بثلاث، أو بأربع، أو بخمس سنين ثم ما روي عن عائشة من قولها: تزوجني رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأنا بنت تسع سنين([159]).
ولعل هذه الرواية هي الأقرب بقرينة ما قدمناه، ولكثرة الخلط بين كلمتي "سبع" و "تسع" بسبب عدم نقط الكلمات في السابق. بل إن هذا الرقم أيضاً مشكوك فيه لما تقدم، ولأن المرأة تميل إلى تقليل مقدار عمرها عادة.
فكلام ابن قتيبة والذي بعده يدل على أنها قد ولدت إما سنة البعثة أو قبلها، وهذا الثاني هو الأرجح لما قدمناه. في المستند الأول والثاني.
إذن، فيكون عمر عائشة حين عقد النبي "صلى الله عليه وآله" عليها في سنة عشر من البعثة أكثر من ست سنين بكثير، أي ما بين ثلاث عشرة إلى سبع عشرة سنة.
من طرائف الروايات الموضوعة:
ومن الموضوعات الغريبة في هذا المجال، ما جاء عن أبي هريرة: من أن النبي "صلى الله عليه وآله" لما دخل المدينة، واستوطنها طلب التزويج؛ فقال لهم: أنكحوني؟! فأتاه جبرائيل بخرقة من الجنة فيها صورة لم ير الراؤون أحسن منها، وأبلغه أمر الله له: أن يتزوج على تلك الصورة.
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": أنا من أين لي مثل هذه الصورة يا جبرائيل؟
فقال له: إن الله يقول لك: تزوج بنت أبي بكر الصديق، فمضى رسول الله إلى منزل أبي بكر، فقرع الباب، ثم قال: يا أبا بكر، إن الله أمرني أن أصاهرك، فعرض عليه بناته الثلاث فقال: إن الله أمرني أن أتزوج هذه الجارية وهي عائشة، فتزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله"([160]). انتهى باختصار.
وعدا عما في سند هذه الرواية، فإننا نقول:
أولاً: لم نفهم كيف يتصرف النبي "صلى الله عليه وآله" تصرفاً لا يصدر عن العقلاء الذين يحترمون أنفسهم، فيطلب التزويج من الناس، ويقول لهم: أنكحوني!!. إلا أن يكون صبياً صغيراً، لا حياء عنده، ولا عقل لديه!!
والغريب في الأمر: أنه لم يبادر أحد لإجابة طلبه هذا، بل عاملوه بالجفاء، وأهملوا تنفيذ طلبه، حتى جاء جبرائيل "عليه السلام" فتولى حل مشكلته.
ثانياً: هل صحيح: أن عائشة كانت من الحسن بهذه المثابة: حتى إن صورتها لم ير الراؤون أحسن منها؟!!
لعل في ما سيأتي مقنعاً وكفاية لمن أراد الرشد، والحق، والهداية.
ثالثاً: لقد تزوج النبي "صلى الله عليه وآله" عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولم يتزوجها في المدينة، وإجماع المؤرخين على ذلك ظاهر للعيان.
رابعاً: لم نعرف البنات الثلاث اللواتي عرضهن أبو بكر على النبي "صلى الله عليه وآله" فأسماء كانت تحت الزبير، وقدمت المدينة وهي حامل بولدها عبد الله وعائشة قد تزوجت النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة وأم كلثوم قد ولدت بعد وفاة أبي بكر([161])، ولم يولد له غيرهن.
وأخيراً، فإن لقب (الصديق) قد جاء إلى أبي بكر بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" من محبي الخليفة الأول، كما ربما نشير إليه حين الكلام على قضية الغار إن شاء الله تعالى.
2 ـ جمال عائشة وحظوتها:
ونسجل هنا: أن أكثر، إن لم يكن كل ما يقال عن جمال عائشة، وعن حظوتها، وحب النبي "صلى الله عليه وآله" لها، إنما هو مروي عنها نفسها، أو عن ابن أختها عروة، ونحن نقطع بعدم صحة ذلك كله من الأساس.
أولاً: لماذا لم يرو ذلك كله إلا من طريق عائشة، أو عروة ابن أختها كما يظهر من تتبع الروايات؟!.
ثانياً: إن ابن عباس يواجهها بعد حرب الجمل بحقيقة: أنها لم تكن أحسن نساء النبي "صلى الله عليه وآله" وجهاً، ولا بأكرمهن حسباً([162]).
كما أن عمر إنما يصف زينب بالحسن، دون عائشة؛ فإنه لم يشر إليها في قليل ولا كثير؛ كما سيأتي.
ثالثاً: قال علي فكري: "وما رواه ابن بكار: من أن الضحاك بن أبي سفيان الكلابي كان رجلاً دميماً قبيحاً؛ فلما بايعه النبي "صلى الله عليه وآله" "قال: إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء (يريد عائشة، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب)؛ أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟ وعائشة جالسة تسمع؛ فقالت: أهي أحسن أم أنت؟
فقال: بل أنا أحسن وأكرم.
فضحك رسول الله "صلى الله عليه وآله" من سؤالها إياه "لأنه كان دميماً قبيح الوجه"([163]).
رابعاً: قال عباد بن العوام لسهيل بن ذكوان: صف لي عائشة. قال: كانت أدماء.
وقال يحيى: قلنا لسهيل بن ذكوان: رأيت عائشة؟ قال: نعم.
قيل: صفها.
قال: كانت سوداء([164]).
إذاً، فما يقال عنها أنها كانت شقراء، ثم الاستشهاد على ذلك بقول رسول الله "صلى الله عليه وآله" لها: "يا حميراء".. يصبح موضع شك وريب كبير.
ولعل قول النبي "صلى الله عليه وآله" لها ذلك قد جاء على سبيل التلطف والرفق بها.
أو لعله إشارة إلى قول العرب: شر النساء الحميراء المحياض([165]) فقال لها "صلى الله عليه وآله" ذلك على سبيل المداعبة والتلطف والمزاح.
وخامساً: إن من يتتبع سيرة زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" يجد: أن عائشة هي التي كانت تحسد وتغار من كل زوجة وسُرّيّةٍ له "صلى الله عليه وآله".
ويدرك بما لا مجال معه للشك: أن أكثرهن ـ إن لم يكن كلهن ـ كن أكثر حظوة لدى النبي "صلى الله عليه وآله" منها.
إن لم نقل أنهن أجمل وأضوء منها أيضاً؛ فإن من الطبيعي أن نجد الدميم هو الذي يحسد على الجمال ويغار، أما الجميل فليس من الطبيعي أن يحسد الدميم، وأن يغار منه.
كما أنه ليس من الطبيعي أن يكون الميل لغير ذات الجمال أكثر منه للجميلة الوضيئة، وقد ذكر في حديث الإفك على لسان أم المؤمنين عائشة قولها: "فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها".
ولو صدقنا: أنها كانت هي ذات الحظوة لدى الرسول، وأنه كان يحبها أكثر من غيرها، فلماذا هذه الغيرة، وهذا الحسد منها لهن؟
فإن الحسد لا بد أن يكون على شيء يفقده الحاسد، ويتمنى زواله عن المحسود، وانتقاله إليه، وإليك بعض موارد غيرة وحسد عائشة لضرائرها.
3 ـ حسد وغيرة عائشة:
أ ـ خديجة ÷:
عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة كما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها. ولكن لكثرة ذكر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إياها، وإن كان ليذبح الشاة؛ فيتبع بذلك صدائق خديجة يهديها لهن([166]).
وللحديث عبارات وأسانيد مختلفة لا مجال لها الآن.
وقد ذكر النبي "صلى الله عليه وآله" خديجة يوماً، فغارت أم المؤمنين، فقالت: هل كانت إلا عجوزاً أبدلك الله خيراً منها؟
وفي لفظ مسلم: "وما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، أبدلك الله خيراً منها"؟ فغضب "صلى الله عليه وآله"، حتى اهتز مقدم شعره، ثم قال: لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها الخ.. الرواية([167]).
وقال العسقلاني والقسطلاني: "وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، لكن كانت تغار من خديجة أكثر"([168]).
ولعمري، لقد كان هذا بعد الوفاة، فكيف لو كانت خديجة على قيد الحياة؟!
وإذا كانت غيرة أم المؤمنين قد بلغت الأموات، فما حالها مع الأحياء، وكيف كانت معاملتها لهن؟!.
ب ـ زينب بنت جحش.
لقد اعترفت عائشة في حديث الإفك بأن زينب هي التي كانت تساميها من أزواج النبي "صلى الله عليه وآله".
واعترفت عائشة أيضاً: أنها قد أخذها ما قرب وما بعد، حينما أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يتزوج زينب، لما كان يبلغهم من جمالها([169]).
وما فعلته عائشة وحفصة مـع زينب، في قضية المغافير مشهور ومسطور، حتى ليقولون: إن هذا هو سبب نزول آية التحريم([170])، وإن كنا نعتقد أنها نزلت في غير هذه القضية.
واعترف عمر بن الخطاب بجمال زينب عندما قال لابنته: ليس لك حظوة عائشة، ولا حسن زينب([171]).
فلو كانت عائشة موصوفة بالحسن لقدمها على زينب في هذا الأمر.
أما الفقرة الأولى فنحن نشك في صحتها، ونعتقد أنها سياسة من عمر تجاه أم المؤمنين، أو من تزيّد([172]) الرواة لحاجة في النفس، وذلك لما تقدم وسيأتي.
ومهما يكن من أمر، فإن أم سلمة تذكر: أن زينب كانت معجِبة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان يستكثر منها([173]).
ج ـ أم سلمة:
كانت أم سلمة "رحمها الله تعالى" من أجمل الناس([174]).
وعن الإمام الباقر: أنها أجمل نساء النبي "صلى الله عليه وآله". ويذكرون أن قصة المغافير من عائشة وحفصة كانت معها([175]).
كما أن عائشة قد اعترفت بأن أم سلمة وزينب كانتا أحب نسائه "صلى الله عليه وآله" إليه بعدها([176]).
تقول عائشة: "ولما تزوج رسول الله "صلى الله عليه وآله" أم سلمة حزنت حزناً شديداً، لما ذكر لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها؛ فرأيت والله أضعاف ما وصفت إلخ"([177]).
وقال ابن حجر: "كانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ.. إلخ"([178]).
د ـ صفية بنت حيي بن أخطب:
قالت أم سنان الأسلمية: "كانت من أضوأ ما يكون من النساء"([179]).
ولما قدمت المدينة جئن نساء الأنصار ينظرن إلى جمالها، وعائشة متنقبة معهن.
فلما سألها رسول الله: كيف رأيت يا عائشة؟
قالت: رأيت يهودية.
فنهاها "صلى الله عليه وآله" عن قولها ذاك([180]).
وعندما وقعت في السبي جعلوا يمدحونها، ويقولون: رأينا في السبي امرأة ما رأينا ضربها([181]).
ولما أرسلت صفية قصعة فيها طعام إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وهو في بيت عائشة أخذتها رعدة حتى استقلها أفكل، وضربت القصعة، فرمت بها الخ..([182]).
وقد أكد لها رسول الله "صلى الله عليه وآله": أنها خير من حفصة وعائشة([183]).
هـ ـ جويرية بنت الحارث:
تقول عائشة إنها كانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه؛ فأتت رسول الله "صلى الله عليه وآله" تستعينه في كتابتها.
قالت عائشة: فوالله ما هي إلا أن رأيتها، فكرهتها، وقلت: يرى منها ما قد رأيت، فلما دخلت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخ..([184]).
و ـ مارية القبطية:
قالت عائشة: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فاعجب بها رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وكان أنزلها أول ما قدمت في بيت لحارثة بن النعمان؛ فكانت جارتنا؛ فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت، فحوّلها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا([185]).
وعن جعفر "عليه السلام": أنه "صلى الله عليه وآله" قد حجب مارية "وكانت ثقلت على نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، وغرن عليها، ولا مثل عائشة"([186]).
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعجب بمارية، "وكانت مارية بيضاء جعدة، جميلة"([187]). وكانت حسنة الدين([188]).
وتنافست الأنصار فيمن يرضع إبراهيم، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي "صلى الله عليه وآله"، لما يعلمون من هواه فيها([189]).
ولعل مما زاد في غيرة عائشة قضية ولادة إبراهيم منها، حتى تجرأت على نفي شبهه برسول الله، رغم تأكيد النبي "صلى الله عليه وآله" لها على ذلك([190]) وحتى كان ما كان من نزول آية التحريم، كما عن السيوطي وغيره.
ز ـ سودة بنت زمعة:
كانت عائشة تقول: ما من الناس امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة، إلا أنها امرأة فيها حسد([191]).
وليراجع ما فعلته حفصة بسودة، وضحكها هي وعائشة عليها([192]).
ح ـ أسماء بنت النعمان:
كانت أجمل أهل زمانها وأشبّه، وقد حسدنها نساء النبي "صلى الله عليه وآله" وخدعنها، وكانت الخديعة لها من عائشة وحفصة معاً، حتى قالت للنبي "صلى الله عليه وآله": أعوذ بالله منك، فطلقها([193]).
ط ـ مليكة بنت كعب:
كانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة، فقالت لها: أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك، فاستعاذت من رسول الله "صلى الله عليه وآله": فطلقها([194]).
ي ـ أم شريك:
وهبت نفسها للنبي "صلى الله عليه وآله"، فقبلها "صلى الله عليه وآله"، فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك: فأنا تلك، فسماها الله مؤمنة؛ فقال: ?وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ?([195])، فلما نزلت هذه الآية، قالت عائشة للنبي "صلى الله عليه وآله": إن الله ليسرع لك في هواك([196]).
ك ـ شراف بنت خليفة:
خطب رسول الله "صلى الله عليه وآله" امرأة من كلب؛ فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت، ثم رجعت، فقال لها رسول الله: ما رأيت؟
فقالت: ما رأيت طائلاً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لقد رأيت طائلاً، لقد رأيت خالاً بخدها، اقشعرت كل شعرة منك.
فقالت: يا رسول الله، ما دونك سر(2).
ل ـ حفصة بنت عمر:
بل إن عائشة كانت تغار حتى من رفيقتها حفصة، ويقال: إن قضية المغافير كانت لها معها([197]).
نهاية المطاف:
هذه كانت حالة عائشة مع زوجات النبي "صلى الله عليه وآله"، وأكثر هذه المشاكل كانت فيما يبدو بسبب غيرتها منهن، لجمالهن البارع، وحسنهن الرائع كما قدمنا، ولم نجد لأي من زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" معشار ما وجدناه لعائشة من المشاكل والتجاوزات ـ اللهم إلا رواية أو روايتان مرويتان عن عائشة نفسها!! فهذا السيل العارم منها ـ خاصة ـ دون غيرها منهن، يكشف عن أن ثمة ما يبرز منها وهو أنها تحس بالنقص في نفسها تجاههن من حيث الجمال على الأقل.
وهكذا، تسقط جميع الادعاءات والروايات التي عن عروة وغيره وعنها، والتي تدعي حظوتها ومكانتها لدى النبي "صلى الله عليه وآله"، أو على الأقل تصير محل شك وريب.
وأما ما يقال في حديث الإفك فإنه أيضاً باطل وقد فصلنا القول في ذلك في الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.
وملاحظة أخيرة نسجلها هنا، وهي: أننا نجد عائشة تكثر من أحاديث تقبيل النبي "صلى الله عليه وآله" ومباشرته لها وهي حائض واغتسالها وإياه من إناء واحد، وغير ذلك من الأحاديث التي تتخذ طابع الجنس، والإغراء، واللذة.
ولا نجد من ذلك الشيء الكثير عند غيرها من نسائه "صلى الله عليه وآله"، ولعل ذلك يرجع إلى أنه لم يكن ثمة ما يربطها برسول الله بصورة قوية، حيث لم يكن لها ولد منه "صلى الله عليه وآله" وليس لديها من المستوى الفكري والثقافي والعملي ما يصلح أن يكون نقطة اشتراك ويجعل لها به ارتباطاً خاصاً ووثيقاً خصوصاً وأن اهتماماتها ليس من جنس اهتماماته وتطلعاتها لا تلتقي مع تطلعاته "صلى الله عليه وآله".
وإن حاولت أن تتعاطى مع الأمور على أساس أن تعطي نفسها الدور الريادي في مختلف المجالات من موقع الطموح العارم، للحصول على الامتيازات والمغانم، دون أن يكون لديها أي حرج يرفد هذا التوجه بالادعاءات العريضة، والاندفعات الحماسية في أكثر من اتجاه.
وماذا بعد؟!
هذا وإننا لا نجد مبرراً لتحمل النبي "صلى الله عليه وآله" من عائشة جرأتها، وتجاوزاتها المتكررة وإيذاءها له في أخيه علي، وفي زوجاته، إلا أنه لم يكن يستطيع أن يتخذ القرار النهائي بالنسبة إليها، لأن السياسة كانت تقضي عليه بتحمل كل هذه المشاق.
ويدلنا على أن النبي "صلى الله عليه وآله": كان يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج، لا من جو بيت الزوجية:
قول عمر لحفصة ـ عندما تظاهرت على النبي "صلى الله عليه وآله" مع عائشة واعتزلهن ـ : والله، لقد علمت أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله "صلى الله عليه وآله"([198]).
هذا، ولم يكن ثمة من يستطيع الجهر بالحقيقة، وإظهار الواقع، لأن الجهاز الحاكم كله كان يمسك بركاب عائشة، ويعلي قدرها، ويرفع من شأنها؛ لأنه كان يستفيد منها أعظم الفوائد، وأسناها.
وكان ثمة خطة مرسومة لإظهار عظيم منزلتها، وإغداق الأوسمة عليها بثمن، أو بغير ثمن!!
وكانت هي تستغل موقعها كزوجة للنبي "صلى الله عليه وآله"، وكأم للمؤمنين إلى أقصى الدرجات، كما أنها كانت تستفيد من حاجة الهيئة الحاكمة إليها، وكل ذلك يفسر لنا السر في أنها كانت توحي للناس بانها أقرب زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" إليه، وآثرهن لديه؛ لجمالها، ولكونه "صلى الله عليه وآله" قد تزوجها بكراً حسب دعواها.
وكأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يهتم للبكارة وللجمال (مع نقاش لنا في ذلك).
ولا ندري ما هو السر في تواضع أم المؤمنين إلى هذا الحد؟ حتى إنها لم تر في نفسها المؤهلات لأن تعتز بالدين، وبالمعاني الإنسانية النبيلة أو لعلها كانت ترى أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا ينطلق في حبه وبغضه من الدين والأخلاق، وإنما من الشهوة، فصورته للمسلمين على أنه رجل شهواني لا أكثر.
دخول الإسلام إلى المدينة:
وثمة خلاف بين المؤرخين في من؟ ومتى؟ وكيفية إسلام أول دفعة من أهل المدينة.
ولكننا نستطيع أن نؤكد على أن الإسلام قد دخل المدينة على مراحل. فأسلم أولاً: أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد القيس، حينما كان المسلمون محصورين في الشعب، ثم أسلم خمسة، أو ثمانية، أو ستة نفر بعد ذلك، ثم كانت بيعة العقبة الأولى، ثم كانت بيعة العقبة الثانية، وهذا هو ما يظهر من مغلطاي([199]) وغيره.
ولذلك فهم يقولون: إن أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد القيس الخزرجيين قدما مكة في أحد المواسم، حينما كانت قريش تحاصر الهاشميين في الشعب (شعب أبي طالب)، بهدف طلب الحلف من عتبة بن ربيعة على الأوس.
فرفض عتبة ذلك، وقال: بعدت دارنا عن داركم، ولنا شغل لا نتفرغ لشيء.
فسأله عن هذا الشغل؛ فأخبره بخروج النبي "صلى الله عليه وآله" فيهم، وأنه أفسد شبابهم، وفرق جماعتهم ثم حذره من الاتصال به، فإنه ساحر يسحره بكلامه.
وأمره إذا أراد الطواف أن يضع القطن في أذنيه، حتى لا يسمع ما يقوله النبي "صلى الله عليه وآله"، الذي كان آنئذٍ يجلس في الحجر مع طائفة من بني هاشم.
وكانوا قد خرجوا من شعبهم ليشهدوا الموسم، وجاء أسعد للطواف، ورأى النبي "صلى الله عليه وآله" جالساً في الحجر، فقال في نفسه: ما أجد أجهل مني، أن يكون هذا الحديث في مكة فلا أتعرفه، حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم، ثم أخذ القطن من أذنيه فرمى به، وجاء إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فسلم عليه، وكلمه؛ فعرض عليه "صلى الله عليه وآله" ما جاء به فأسلم، وأسلم بعده ذكوان.
وفي رواية: أنه لما التقى النبي "صلى الله عليه وآله" بأسعد بن زرارة وذكوان، قال أسعد للنبي "صلى الله عليه وآله": يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنا من أهل يثرب، من الخزرج، وبيننا وبين أخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك، ولا أجد أعز منك، ومعي رجل من قومي، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك.
والله يا رسول الله، لقد كنا نسمع من اليهود خبرك، ويبشروننا بمخرجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن يكون دارنا دار هجرتك عندنا، فقد أعلمنا اليهود ذلك؛ فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.
ثم أقبل ذكوان، فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به، وتخبرنا بصفته؛ فهلم فأسلم؛ فأسلم ذكوان إلخ([200]).
ثم في سنة إحدى عشرة من النبوة خرج النبي "صلى الله عليه وآله" في الموسم، يعرض على القبائل دعوته، ويطلب منهم نصرته؛ فالتقى على العقبة برهط من الخزرج؛ فدعاهم إلى الله والإسلام، وقرأ عليهم القرآن فآمنوا به، وكانوا ستة نفر، وهم: أسعد بن زرارة، وجابر بن عبد الله بن رئاب، وعوف بن الحارث ورافع بن مالك، وعقبة وقطبة ابنا عامر.
وقيل: ثمانية نفر وقيل غير ذلك (وثمة اختلاف في أسمائهم، وذكر أشخاص آخرون مكان بعض من قدمنا أسماءهم، ولا مجال لتحقيق ذلك).
ورجع أولئك النفر إلى قومهم في المدينة، فذكروا لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودعوهم إلى الإسلام.
ثم كانت بيعة العقبة الأولى في سنة اثنتي عشرة من البعثة أي قبل الهجرة بسنة([201]).
ولعل أسعد بن زرارة كان قد كتم إسلامه هو وذكوان، حتى كان لقاء هؤلاء الستة أو الثمانية معه "صلى الله عليه وآله" قبل الهجرة بسنة فاعلنوا ذلك ونحن قبل أن نمضي في الحديث نشير إلى ما يلي:
1 ـ إخبارات أهل الكتاب:
يفهم مما تقدم: أن أهل المدينة كانوا يسمعون من اليهود خبر ظهور النبي عن قريب، وأن ذلك قد جعلهم مهيئين نفسياً لقبول الدين الذي جاء به هذا النبي "صلى الله عليه وآله".
2 ـ المشاكل بين الأوس والخزرج:
لقد كانت ثمة حروب هائلة بين الأوس والخزرج، كانت آخرها وقعة بعاث التي انتصرت فيها قبيلة الأوس، حينما كان الهاشميون والنبي "صلى الله عليه وآله" محصورين في شعب أبي طالب.
وكانت الحالة بين القبيلتين صعبة للغاية، حتى ليذكرون: أنهم ما كانوا يضعون السلاح لا في الليل ولا في النهار([202]) مما يعني أنهم يعانون من أقسى الحالات التي يمكن أن يواجهها من يملك إمكانات معيشية محدودة مثلهم.
وحتى لقد كان واضحاً: أنهم كانوا يتطلعون بشوق إلى الخروج من هذه الحالة المأساة.
ويأملون في وصل الحبال المقطوعة فيما بينهم، كما عبر عنه أسعد بن زرارة، الذي كان يعمل من أجل عقد حلف مع عتبة بن ربيعة ضد الأوس.
فأهل المدينة إذاً قد ذاقوا مرارة الانحراف والظلم، وهم يريدون المنقذ الحقيقي لهم، وقد وجدوه في نبي الإسلام الأعظم "صلى الله عليه وآله" الذي جاءهم بتعاليم الشريعة السهلة السمحاء.
ولذلك فقد قالوا لرسول الله "صلى الله عليه وآله": "نرجع إلى قومنا، ونخبرهم بالذي كلمتنا به، فما أرغبنا فيك.
إنا قد تركنا قومنا على خلاف فيما بينهم، لا نعلم حياً من العرب بينهم من العداوة ما بينهم، وسنرجع إليهم بالذي سمعنا منك، لعل الله يقبل بقلوبهم، ويصلح بك ذات بينهم، ويؤلف بين قلوبهم"([203]).
3 ـ تعاليم الشريعة السمحاء:
إن تعاليم الإسلام لهي التعاليم الموافقة للفطرة السليمة، وبلا تعقيد أو إبهام فيها، فهي بسيطة وسهلة، لا يحتاج إدراك حقانيتها إلى تفكير عميق، أو إجهاد في فهم مراميها، والتكهن بنتائجها.
ولذلك نجد أهل المدينة يدركون بسرعة قدرة هذه الدعوة على حل مشاكلهم، فيسارعون إلى قبولها، بمجرد سماعهم لأهدافها، ومبادئها.
ومن الواضح: أن أهل المدينة كانوا لا يعانون من ظروف أهل مكة، الذين يحاربون الإسلام لأنهم رأوا فيه خطراً على مصالحهم الشخصية، وامتيازاتهم الظالمة التي فرضوها لأنفسهم، وأهوائهم وانحرافاتهم، كما أوضحناه في غير موضع.
إن أهل المدينة بالإضافة إلى إخبارات اليهـود لهم، قـد رأوا منذ اللحظات الأولى في الإسلام وتعاليمه المنقذ لهم، والمخرج من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ورأوا فيه الموافقة للفطرة والعقل السليم، سواء على صعيد العقائد أو التشريع، أو على صعيد اتخاذ القرار الاجتماعي والسياسي، فقد سألوا النبي "صلى الله عليه وآله" عما يدعو إليه، فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأدعوكم إلى: ?أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?([204]).
ولأجل ذلك اعتقدوا بهذه الدعوة، وحاربوا قريشاً والعرب من أجلها وفي سبيلها.
4 ـ المدنيون والمكيون:
إن الوثنية التي كان أهل المدينة يدينون بها لم تستطع أن تحل مشاكلهم الداخلية، على اختلافها، ولا حتى أن تخفف من حدتها.
كما أنها لم تكن تجلب لهم امتيازات اجتماعية، ولا اقتصادية ولا غيرها، ولذلك فقد ضعفت ووهنت، وزاد في ضعفها ووهنها مخالفتها للفطرة السليمة، والعقل القويم.
ثم جاءت إخبارات اليهود لهم بقرب ظهور نبي يخبر عن الله لتزيد من ذلك الضعف والوهن إلى حد بعيد.
وهذا تماماً على عكس الحال في مشركي مكة؛ فإنهم كانوا يستفيدون من وثنيتهم اجتماعياً واقتصادياً.
وجعلوا من أنفسهم محوراً تلتقي عليه سائر الفئات والقبائل في المنطقة، وكرسوا لأنفسهم الكثير من الامتيازات الظالمة، ولم يكونوا على استعداد للتخلي عن هذه الامتيازات من أجل خدمة الحق والإنسان، بل كانوا يضحون بالإنسان والحق في سبيل امتيازاتهم، وانحرافاتهم، ومصالحهم تلك.
هذا، ولا بد من ملاحظة ما قدمناه حين الكلام على العوامل التي ساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره، لنجد:
أن شخصية الرسول العظيمة، وأخلاقه الكريمة، وكونه من أرفع بيت في قريش والعرب ـ ويضيف البعض: رابطة القربى، التي كانت تربطه ببني النجار الخزرجيين، عن طريق آمنة بنت وهب ـ([205]).
كل ذلك وسواه مما تقدم قد أسهم في إقبال أهل المدينة على الإسلام، وتقبل دعوته، والتضحية في سبيله.
الفصل الثالث:
بيعة العقبة
بيعة العقبة الأولى:
يقول المؤرخون:
إنه حينما عاد أولئك النفر المدنيون الذين أسلموا إلى المدينة ذكروا لأهلها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله "صلى الله عليه وآله".
حتى إذا كان العام المقبل أي في السنة الثانية عشرة من البعثة، وافى الموسم اثنا عشر رجلاً اثنان منهم أوسيان، والباقون من الخزرج، فالتقوا مع الرسول "صلى الله عليه وآله" في العقبة، وبايعوه على بيعة النساء، أي البيعة التي لا تشتمل على حرب، أي:
"على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقون، ولا يزنون، ولا يقتلون أولادهم، ولا يأتون ببهتان يفترونه من بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة وإن غشوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله عز وجل، إن شاء عذب، وإن شاء غفر".
ولما رجعوا إلى المدينة أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" معهم مصعب بن عمير ليقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، فكان يسمى المقري، وألحقه بابن أم مكتوم([206]) كما قيل.
وأقام مصعب أول صلاة جمعة في المدينة!!. وقد نجح مصعب، ومن معه ممن أسلم في الدعوة إلى الله تعالى، وأسلم سعد بن معاذ، الذي كان السبب في إسلام قومه بني عمير بن عبد الأشهل، حيث إنه حين أسلم على يد مصعب رجع إلى قومه، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعرفون أمري فيكم؟
قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نفساً وأمراً.
قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
قال: فوالله، ما أمسى في دار قبيلة بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً، أو مسلمة([207])، فأسلموا كلهم في يوم واحد، (إلا عمرو بن ثابت، فإنه تأخر إسلامه إلى أحد، فأسلم، ثم استشهد قبل أن يسجد لله سجدة واحدة، كما قيل).
وأقام مصعب بن عمير يدعو الناس إلى الإسلام، حتى أسلم الرجال والنساء من الأنصار باستثناء جماعة من الأوس، اتبعوا في ذلك أحد زعمائهم، الذي تأخر إسلامه إلى ما بعد هجرة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"([208]).
ولنا هنا وقفات، فلنقف أولاً مع:
دعوة سعد بن معاذ قومه:
إن الدعوة إلى الله ليست مختصة بالأنبياء والأوصياء بل هي شاملة لكل مكلف بحسب ما يملك من طاقات وقدرات.
وهي من الأمور التي يلزم بها العقل الفطري السليم، ويوجبها على كل إنسان، ولا تحتاج إلى جعل شرعي؛ فإن العقل يدرك أن في ارتكاب المنكرات، وترك الواجبات، والانحراف في الفكر والعقيدة والسلوك ضرراً جسيماً على المجتمعات وعلى الأجيال ولذلك فهو يحكم بلزوم الدعوة إلى الالتزام بالخط الفكري الصحيح، وترك المنكر، وفعل المعروف.
وهذا هو ـ بالذات ـ ما يفسر لنا اندفاع سعد بن معاذ في الدعوة إلى الله تعالى، حتى إنه على استعداد لقطع كل علاقة مع قومه إذا كانوا ضالين منحرفين.
وإن عظمة هذا الموقف لتتضح أكثر إذا عرفنا مدى ارتباط سعادة ومصير الإنسان العربي في تلك الفترة بقبيلته ومدى ارتباطه بها فهو حين يضحي بعلاقاته القبلية، فإنه يكون قد ضحى بأمر عظيم وأساسي في حياته وفي مصيره، ومستقبله، في سبيل دينه.
وقد جاء القرآن مؤيداً لحكم العقل والفطرة هذا؛ ففرض على كل من كان له بصيرة في أمر الدين أن يدعو إلى الله، قال تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي?([209]).
كما أننا لا بد أن نشير أيضاً: إلى أن من عرف الحق، وذاق حلاوة الإيمان، فإنه لا يملك نفسه من الاندفاع في محاولة لجلب الآخرين نحو هذا الحق، وجعلهم يؤمنون به، ويستفيدون منه، ويلتذون به ويشعرون بحلاوته.
ولذلك نجد الإمام علي بن الحسين "عليه السلام"، الذي كان يخشى على شيعته، الذين هم الصفوة في الأمة الإسلامية، والذين كانوا يتعرضون لمختلف أنواع الاضطهاد، والبلايا في الدولة الأموية، وبعدها في الدولة العباسية كان يظهر تذمره من عدم مراعاة الشيعة للظروف والمناسبات، وهو يرى حدة اندفاعهم نحو إظهار أمرهم، بسبب شعورهم بحلاوة الإيمان، وضرورة إبلاغ كلمة الحق، قال الإمام السجاد "عليه السلام": "وددت أني افتديت خصلتين في الشيعة ببعض لحم ساعديّ: النزق وقلة الكتمان"([210]).
أضف إلى ذلك: أن التراحم فيما بين المؤمنين، والشدة على الكافرين يصبح أمراً طبيعياً، كما قال تعالى: ?أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ?([211]).
البيعة:
ونجد: أن نص البيعة قد تضمن الخطوط العريضة، وأهم المبادئ التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، وهي تتضمن جانباً عقائدياً، وآخر عملياً، وقد حملهم "صلى الله عليه وآله" مسؤوليات معينة في علاقاتهم مع بعضهم بعضاً.
وجعل التزامهم هذا قائماً على إعطاء تعهد من قبلهم، يرون مخالفته تتنافى مع شرف الكلمة وقدسيتها؛ وذلك تحت عنوان: "البيعة" التي تعني إعطاء كلمة الشرف بالالتزام بتلك المبادئ.
ولكنه لم يقرر عقاباً عنيفاً لمن ينقض هذا العهد، ويتجاوز ويغش فيه؛ فإن الوقت حينئذٍ لم يكن مناسباً لقرار كهذا.
بل أوكل ذلك إلى الوجدان والضمير الشخصي لكل منهم، مع ربطه بالمبدأ العقيدي، ومع إعطاء الفرصة له للعودة لإصلاح الخطأ إن كان؛ حيث أبقى الأمل حياً لدى ذلك الذي يمكن أن يغش، وأوكل أمره إلى الله، إن شاء عذب، وإن شاء غفر.
صلاة الجمعة:
وقد تقدم في الحديث: أن مصعب بن عمير قد جمع بالمسلمين في المدينة قبل الهجرة([212]).
وربما يشكل على ذلك: بأن سورة الجمعة قد نزلت بعد هجرته "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة؛ فكيف صلى مصعب الجمعة قبل تشريعها؟
والجواب: أننا لو سلمنا أن المراد بجمع، صلى الجمعة.
إذ من المحتمل: أن يكون المراد صلى جماعة ـ لو سلمنا ذلك ـ فإن قوله تعالى في سورة الجمعة: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله? ليس المقصود به تشريع إقامة الجمعة، وإنما هو يوجب السعي إلى الجمعة التي تقام، فلعل وجوب إقامتها كان قبل ذلك قد جاء على لسانه "صلى الله عليه وآله" في مكة، ولكن لم يكن يمكن إقامتها، أو كان يقيمها سراً ولم يصل ذلك إلينا.
ويؤيد ذلك قوله تعـالى: ?وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لهَواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ?([213])؛ فإن ذلك يشير إلى أن الجمعة كانت قد شرعت قبل ذلك، وأن هذا كان سلوكهم معه "صلى الله عليه وآله".
ويؤيد ذلك: ما أخرجه الدارقطني، عن ابن عباس، قال: أذن النبي "صلى الله عليه وآله" الجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع أن يجمع بمكة؛ فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله بركعتين.
قال: فهو أول من جمع، حتى قدم النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة، فجمع بعد الزوال من الظهر، وأظهر ذلك([214]).
وثمة روايات تفيد: أن أول من جمع بهم هو أسعد بن زرارة([215]) وسيأتي بعض الكلام أيضاً حول صلاة الجمعة في آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى.
بيعة العقبة الثانية:
وعاد مصعب بن عمير من المدينة إلى مكة، فعرض على النبي "صلى الله عليه وآله" نتائج عمله؛ فسر بذلك نبي الإسلام سروراً عظيماً([216]).
وفي موسم حج السنة الثالثة عشرة من البعثة أتى من أهل المدينة جماعة كبيرة بقصد الحج، ربما تقدر عدتهم بخمس مئة([217])، فيهم المشركون، وفيهم المسلمون المستخفون من حجاج المشركين من قومهم، تقية منهم.
والتقى بعض مسلميهم بالرسول "صلى الله عليه وآله" ووعدهم اللقاء في العقبة في أواسط أيام التشريق ليلاً، إذا هدأت الرجل، وأمرهم أن لا ينبهواً نائماً، ولا ينتظروا غايباً.
ويلاحظ هنا: ما لهذا التوقيت من أهمية، فلو انكشف أمرهم، فسيكون ذلك بعد تمام حجهم، ومفارقتهم للبلد، ولا يبقى من ثم مجال للضغط عليهم بشكل فعال.
ويلاحظ كذلك: أمره "صلى الله عليه وآله" لهم بأن لا ينبهوا نائماً، ولا ينتظروا غائباً، وذلك كي لا ينكشف أمرهم إذا لاحظ غيرهم عدم طبيعية تصرفاتهم.
وفي تلك الليلة بالذات ناموا مع قومهم في رحالهم، حتى إذا مضى ثلث الليل بدؤوا يتسللون إلى مكان الموعد، واحداً بعد الآخر، ولا يشعر بهم أحد حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة، وهم سبعون أو ثلاثة وسبعون رجلاً، وامرأتان.
والتقوا بالرسول "صلى الله عليه وآله" هناك في الدار التي كان "صلى الله عليه وآله" نازلاً فيها، وهي دار عبد المطلب، وكان معه حمزة وعلي، والعباس([218]).
وبايعوه على أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم، وأهليهم وأولادهم، وأن يؤووهم، وينصروهم، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وأن يقولـوا في الله، ولا يخافـوا لـومة لائم، وتدين لهم العجم، ويكونون ملوكاً، وعند آخرين ـ والنص لمالك ـ عن عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله "صلى الله عليه وآله" على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول (أو نقوم) بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم"([219]).
قال السيوطي: "يريد الملك والإمارة"([220]).
وقد أدرك العباس بن نضلة خطورة الموقف، ولا سيما من قوله "صلى الله عليه وآله": "وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكاً"، وأنهم مقدمون على مواجهة ومقاومة، ليس فقط مشركي مكة أو الجزيرة العربية، وإنما العالم بأسره، فأحب أن يستوثق من الأمر، ويفتح عيون المبايعين ليكونوا على بصيرة من أمرهم، حتى لا يقولوا في يوم ما: لو كنا نعلم أن الأمر ينتهي إلى هذا لم نقدم.
فقال لهم: يا معشر الأوس والخزرج، تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون على حرب الأحمر والأبيض، وعلى حرب ملوك الدنيا؛ فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه، فلا تغروه فإن رسول الله، وإن كان قومه خالفوه، فهو في عز ومنعة.
فقال عبد الله بن حزام، والد جابر، وأسعد بن زرارة، وأبو الهيثم بن التيهان: مالك وللكلام؟!
يا رسول الله، بل دمنا بدمك، وأنفسنا بنفسك، فاشترط لنفسك، ولربك ما شئت([221]).
ويذكر أيضاً: أن أسعد بن زرارة قد قال في بيعة العقبة: يا رسول الله، إن لكل دعوة سبيلاً، إن لين، وإن شدة، وقد دعوت اليوم إلى دعوة متجهمة للناس، متوعرة عليهم: دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك على دينك، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك.
ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام، القريب والبعيد، وتلك رتبة صعبة؛ فأجبناك إلى ذلك.
ودعوتنا، ونحن جماعة في دار عز ومنعة، لا يطمع فيها أحد: أن يرأس علينا رجل من غيرنا، أفرده قومه، وأسلمه أعمامه، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك الخ..([222]).
ويذكر المؤرخون هنا أيضاً: أن العباس بن عبد المطلب قد حضر بيعة العقبة وأنه أراد أن يستوثق لابن أخيه فبدأ هو الكلام، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وقد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
وفي رواية، أنه قال لهم: قد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد، وبصر في الحرب، واستقلال بعداوة العرب قاطبة، ترميكم عن قوس واحدة فروا رأيكم، وائتمروا بينكم إلخ..
وبعد أن استمع إلى إجابتهم، طلب "صلى الله عليه وآله" منهم: أن يخرجوا له اثني عشر نقبياً، أي كفيلاً يكفل قومه، فأخرجوا له تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس؛ فكانوا نقباء وكفلاء قومهم، وعرفت قريش بالاجتماع؛ فهاجت، وأقبلوا بالسلاح، وسمع الرسول "صلى الله عليه وآله" النداء؛ فأمر الأنصار بالتفرق، فقالوا: يا رسول الله، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا، فعلنا.
فقال: لم أؤمر بذلك، ولم يأذن الله لي في محاربتهم، فقالوا: يا رسول الله، فتخرج معنا؟
قال: أنتظر أمر الله..
فجاءت قريش على بكرة أبيها، قد حملوا السلاح، وخرج حمزة، ومعه السيف، هو وعلي بن أبي طالب "عليه السلام".
فلما نظروا إلى حمزة قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟.
فعمل حمزة بالتقية من أجل الحفاظ على النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين والإسلام، فقال: ما اجتمعنا، وما ههنا أحد، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلا ضربته بسيفي، فرجعوا، وغدوا إلى عبد الله بن أبي، فقالوا له: قد بلغنا أن قومك بايعوا محمداً على حربنا، والله، ما من حي أبغض من أن ينشب الحرب بيننا وبينه منكم.
فحلف لهم عبد الله: أنهم لم يفعلوا، ولا علم له بذلك، وأنهم لم يطلعوه على أمرهم؛ وتفرقت الأنصار، ورجع رسول الله إلى مكة.
ولكن قريشاً قد تأكدت بعد ذلك من صحة الخبر؛ فخرجت في طلب الأنصار؛ فأدركوا سعد بن عبادة، والمنذر بن عمير، فأما المنذر فأعجزهم.
وأما سعد فأخذوه، وعذبوه.
فبلغ خبره جبير بن مطعم، والحارث بن حرب بن أمية، فأتياه وخلصاه؛ لأنه كان يجير لهما تجارتهما، ويمنع الناس من التعدي عليها([223]).
ولنا قبل المضي في الحديث ههنا وقفات.
فنشير أولاً: إلى دور العباس في بيعة العقبة:
تذكر بعض الروايات: أن العباس كان في بيعة العقبة مع النبي، ولم يكن أحد غيره معه، ويقولون: إنه وإن كان حينئذٍ مشركاً، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له. وقد قدمنا ما ينسب إليه من قول في هذه المناسبة.
ولكننا نشك في صحة ذلك.
أولاً: إن في الكلام المنسوب إلى العباس تخذيلاً واضحاً عن النبي "صلى الله عليه وآله"، وليس توثيقاً لأمره كما يقولون، ولا سيما قوله: "واستقلال بعداوة العرب قاطبة، ترميكم عن قوس واحدة إلخ" إلا أن يقال: إن هذا الكلام من العباس، إنما هو لبيان الحقيقة، ليكون الأنصار على بصيرة من أمرهم، حتى لا يكون منهم أي تعلل في المستقبل.
ثانياً: إن في كلامه ما يخالف الحقيقة، ولا سيما قوله: "قد أبى محمد الناس كلهم غيركم"؛ فإن معناه: أن الناس كلهم غير الأنصار قد وافقوا النبي "صلى الله عليه وآله"، وقبلوا مناصرته، ولكنه هو رفضهم.
مع أن الأمر على عكس ذلك تماماً، باستثناء قبيلة شيبان بن ثعلبة التي رضيت بحمايته مما يلي مياه العرب، دون ما يلي مياه كسرى([224]) وقبيلة شيبان ليست هي "الناس كلهم".
واحتمال إرادة خصوص عشيرته لا يتلاءم مع التعبير بـ "الناس كلهم".
واحتمال أن تكون العبارة: "أبى محمداً الناس" ليس له ما يؤيده، لأن النص الموجود بين أيدينا خلافه.
ثالثاً: إن موضوع الهجرة إلى المدينة لم يكن قد طرح بعد، ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أُري دار هجرتهم ولا أخبرهم برؤياه تلك، فمن أين علم العباس أن النبي "صلى الله عليه وآله" سوف يهاجر إلى المدينة؟
فهل نزل عليه الوحي في ذلك؟!
لست أدري!! ولكننا نقرأ في كلامه قوله: "وقد أبى إلا الانحياز لكم، واللحوق بكم.
إلى أن قال: وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه إلخ..". إلا أن يكونوا قد طلبوا منه "صلى الله عليه وآله" أن يخرج إليهم، فظهر منه "صلى الله عليه وآله" الميل إلى إجابة طلبهم، وإن كان قد جاء ذلك بصيغة: لم أؤمر بذلك، أي بالهجرة، ولكنه احتمال بعيد ولا شاهد له.
رابعاً: إن ما ينسب إلى العباس لا يصدر إلا عن مسلم مؤمن تام الإيمان.
ولم يكن العباس قد أسلم بعد بل بقي على شركه إلى وقعة بدر، وخرج لحرب النبي "صلى الله عليه وآله" فيها مكرهاً، وأسلم كما سيأتي، بل سوف يأتي أنه لم يسلم إلى فتح مكة.
إلا أن يكون قد قال ذلك محاماة عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بدافع الحمية والعصبية، ولكننا لم نر لهذه الحمية كبير أثر في مواقف العباس قبل وبعد ذلك، وهذا أمر يثير العجب حقاً.
والذي نرجحه: هو أن الذي كان حاضراً وتكلم بكلام يهدف منه إلى شد العقدة له "صلى الله عليه وآله" هو العباس بن نضلة الأنصاري([225]) وليس العباس بن عبد المطلب.
ولذا يلاحظ مدى التشابه بين كلاميهما المنقول والمنسوب إليهما، فلعل الأمر قد اشتبه على الراوي بين العباسين؛ لتشابه الاسمين، أو لعل العباسيين أرادوا إثبات فضيلة جليلة لجدهم، بهدف الحصول على مكاسب من نوع معين، ولعل، ولعل.
أبو بكر في العقبة:
وتذكر بعض الروايات الشاذة: أن أبا بكر قد حضر العقبة، وقد جعله العباس على فم الشعب.
ونحن لا نطيل في بيان بطلان هذا، بعد أن كانت سائر الروايات تنص على أنه لم يكن إلا حمزة، وعلي، والعباس.
مع الشك في هذا الأخير أيضاً، وأن حمزة وعلياً قد خرجا إلى فم الشعب حينما علمت قريش بالأمر، وهاجت بالسلاح وذلك في أواخر لحظات الاجتماع، حسبما تقدم.
حمزة وعلي ' في العقبة:
إن كون الاجتماع في دار عبد المطلب ليقرب صحة ما ورد من أن حمزة وعلياً قد حضرا بيعة العقبة، خصوصاً وأنه كان ثمة حاجة إليهما، ليقفا ذلك الموقف البطولي الرائع في وجه قريش وخيلائها وجبروتها؛ ليمنعاها من دخول الشعب، ويعطيا الفرصة للمجتمعين للتفرق([226]).
حتى إذا دخلت قريش الشعب لم تجد أحداً؛ فترفع الأمر إلى ابن أبي؛ فينكر ذلك.
ولولا موقفهما ذاك لكانت قد جرت الأمور على غير ذلك النهج، ولوقع المسلمون في مأزق حرج وخطير جداً.
والغريب في الأمر: أننا نجد عدداً من الروايات لا تذكر حضور أمير المؤمنين "عليه السلام"، وأسد الله وأسد رسوله، مع أنها هي نفسها تذكر قضية تجمهر وهياج قريش، وغضبها من الاجتماع!!
وإن كانت تسكت عن هجومها على الشعب، ودفع حمزة وعلي لها، بل تكتفي بذكر لقائها مع ابن أبي، ثم تتبعها للمسلمين، وظفرها بابن عبادة إلى آخر ما تقدم، وقد فات هؤلاء: أن قريشاً التي عرفت بالاجتماع بعد انفضاضه فغضبت، وهاجت، ثم اتصلت بابن أبي، فأنكر ذلك، ثم بعد انصراف الحاج لحقت بالمسلمين، وآذت سعد بن عبادة إلخ، لا يمكن أن تسكت عن الهجوم على محل الاجتماع، وأخذ الأنصار والنبي "صلى الله عليه وآله" بالجرم المشهود، وتكون حينئذٍ معذورة أمام من تريد الاعتذار منهم، فلماذا سكتت هنا، وغضبت وتصرفت بعنف هناك؟
وعلى كل حال، فقد عودنا هؤلاء أن نرى منهم كثيراً من أمثال هذه الخيانات للحق وللدين؛ لأهداف دنيوية رخيصة، وصدق المثل الذي يقول: "لأمر ما جدع قصير أنفه".
ولعلك تقول: كيف يمكن لرجلين: أن يقفا في وجه قريش ويرداها على أعقابها؟! وهي في إبان غضبها، وأعلى درجات تحمسها.
والجواب: أن الرجل الواحد أيضاً كان يكفي لرد كيد قريش، وذلك لأن هذا الرجل أو هذين الرجلين يقف أو يقفان على فم الشعب، حيث لا يمكن أن يعبر إلا أفراد أو جماعات صغيرة يمكن ردها على أعقابها برد الفئة الأولى منها.
وقد كان يقال: إن عمرو بن عبد ود ـ الذي قتله أمير المؤمنين "عليه السلام" ـ يعد بألف فارس، وذلك لأنه وقف على فم الوادي، ومنع ألف فارس من ورودها، ولم يمكن دخول الألف إلا متفرقين بسبب ضيق المكان.
سرية الاجتماع، والتقية.
إن المحافظة على سرية الاجتماع، التي بلغت الحد الذي لم يستطع حتى من كانوا ينامون مع المسلمين: أن يشعروا بشيء، ولا عرفوا بغيبة رفقائهم، وكذلك الحال في موعد الاجتماع ومكانه، والطريقة التي تم بها، رغم ضخامته، واتساع نطاقه ـ إن كل ذلك ـ ليعتبر مثلاً رائعاً، ودليلاً قوياً على مدى وعي أولئك المسلمين ويقظتهم، وحسن تدبيرهم.
كما أنه برهان آخر على أن اللجوء إلى عنصر السرية لا يعتبر تخاذلاً، إذا كان المسلمون لا يملكون مقومات الدفاع عن أنفسهم في مقابل قوى الظلم والطغيان.
وهو دليل آخر على أن التقية التي يقول بها الشيعة وأهل البيت، ونزل بها القرآن وتحكم بها الفطرة والعقل السليم هي الأسلوب الصحيح في التعامل مع الواقع بمرونة، ووعي، حينما يكون الباطل هو القوي مادياً ولا يملك أهل الحق ما يدفع عنهم أو يمنع.
وقد تحدثنا عن موضوع التقية فيما سبق فلا نعيد.
شروط البيعة:
ونجد هنا: أن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد أخبرهم بما سوف يعترض طريقهم من مشاكل وصعوبات في سبيل نشر الدعوة، والدفاع عنها، ليكونوا على علم مسبق بذلك، وعلى بصيرة من أمرهم، ومن دون أي إبهام أو غموض، حتى لا يترك لهم في المستقبل مجالاً للاعتذار بأنهم ما كانوا يعرفون: أن الأمر سوف ينتهي بهم إلى ما انتهى إليه من مصاعب ومتاعب.
بل هو لا يريد أن يشعروا في أنفسهم بالغبن، أو حتى أن يمر ذلك في وهمهم وخيالهم على الإطلاق.
وهو بذلك يدلل لكل أحد على أنه لا يريد أن يخدع أحداً بالوعود الخلابة، ولا أن يجعلهم يعيشون الآمال والأحلام الفارغة لأن الوسيلة عنده جزء من الهدف، رغم أنه في أمس الحاجة إلى نصرتهم، بل هو لم يجد طيلة فترة دعوته غيرهم.
لماذا النقباء؟!
وإن من طبيعة العربي الالتزام بالعهد، والوفاء بالذمار وتعتبر كل قبيلة: أنها مسؤولة عن الوفاء بما يلتزم به أحد أفرادها، أو حلفائها عليها.
وعندما بايع الأنصار النبي على الإيمان والنصرة ـ حسبما تقدم ـ أراد أن يلزمهم ذلك بشكل محدد، بحيث يستطيع أن يجد في المستقبل من يطالبه بالوفاء بالالتزامات والعهود، وكان أولئك النقباء هم الذين يتحملون مسؤولية الوفاء بتلك الالتزامات.
وهم الذين يمكن مطالبتهم بذلك، لأنهم هم الكفلاء لقومهم، برضى منهم ومن قومهم على حد سواء.
أما إذا ترك الأمور في مجاريها العامة، فلربما يمكن لكل فرد أن يتملص ويتخلص من التزاماته، ويلقي التبعة على غيره، ويعتبر أن ذلك غير مطلوب منه، ولا يمكن بحسب تصوره أن يكون هو كفردٍ مسؤولاً عنه، وأما بعد أن التزم ذلك أفراد معينون، كل واحد منهم من قبيلة.
فإن المسؤولية قد أصبحت محدودة، ويمكن مطـالبتهم بالوفاء بالتزاماتهم، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، لا سيما في مواقف الحرب والدفاع.
وبذلك تبتعد القضية عن الأهواء الشخصية، والأهم من ذلك عن الفوضى في المواقف العامة، وتدخل مراحل التنظيم والبناء الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة.
المشركون في مواجهة الأمر:
يلاحظ: أن المشركين قد اهتموا لأمر هذه البيعة جداً، حتى إنهم تهددوا أهل المدينة بالحرب، مستغلين بذلك ضعف المجتمع المدني، وتفككه بسبب الحروب الداخلية بين الأوس والخزرج.
نعم، إنهم يهددونهم بالحرب، رغم أن حرباً كهذه لسوف تجر عليهم أخطاراً جسيمة من وجهة نظر اقتصادية، لأن قوافلهم إلى الشام، محل تجارتهم المفضل، كان طريقها على المدينة.
مما يعني: أن المشركين كانوا يرون في هذه البيعة خطورة قصوى، تجعلهم يضطرون إلى التضحية بعلاقاتهم الحسنة مع كل من يتقبل هذه الدعوة ويناصرها، حتى ولو كانوا أهل المدينة، الذين كانوا يكرهون جداً أن تنشب الحرب فيما بينهم وبينهم، كما تقدم قولهم ذلك لابن أبي.
كما أن ذلك يدلنا على مدى ما كان يتعرض له المسلمون في مكة من ظلم واضطهاد.
منازعة الأمر أهله:
قد تقدم أن من جملة ما اشترطه الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" على أهل المدينة في ضمن نص البيعة، هو أن لا ينازعوا الأمر أهله.
وإن اشتراط ذلك في نص بيعةٍ حساسة جداً في تاريخ الإسلام، ويتقرر مصير الإسلام على نجاحها وعدمه، وتعريض هذه البيعة لخطر الرفض والانفصام، فيما لو رفضوا الالتزام بذلك ـ كما كان الحال بالنسبة لبني عامر، حسبما تقدم ـ إن ذلك لمما يدل على أن هذا الأمر كان له أهمية قصوى بالنسبة للرسول "صلى الله عليه وآله" الذي كان رأيه يمثل رأي الإسلام الواقعي.
ويوضح أنه لن يتنازل عنه ولو تعرض لأعظم الأخطار، مما يعني: أن هذا الأمر ليس له، وإنما هو لله يضعه حيث يشاء، وأن هذا هو الأمر الذي إذا لم يبلِّغه فما بلغ رسالة ربه سبحانه وتعالى.
ويمكن أن نفهم من ذلك أيضاً: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" كان من أول الأمر يمهد السبيل لجهة معينة وإلا، فكيف ينهى الناس عن منازعة الأمر أولئك الأهل المخصوصين والمؤهلين للملك والخلافة، ثم ينسى أن يعيّن شخص ذلك الخليفة منهم وليعطف ذلك على ما تقدم من تعيينه ذلك الشخص حين إنذار عشيرته الأقربين؟!.
ثم على ما يأتي بعد من مواقف وتصريحات وكنايات له "صلى الله عليه وآله"، ولا سيما في قضية الغدير.
النبي ' لم يؤمر بالحرب بعد:
كما أننا نجده "صلى الله عليه وآله" لا يأذن للمجتمعين في العقبة بأن يميلوا على قريش بأسيافهم؛ لأن معنى ذلك هو القضاء على هذا الدين، وعلى حماته الأبرار، ولا سيما مع قلتهم، وكونهم في الموسم، الذي تجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب، وكلهم على نهج وطريقة ومذاق قريش، ويدورون في فلكها دينياً وعقائدياً وفكرياً، وحتى مصلحياً أيضاً.
ولن تكون هناك أية فرصة لانتصار الأنصار على عدوهم في بلاده، وقريش التي ترى في المـدينـة أهمية خاصـة لأنهـا على طريق قوافلهـا إلى الشـام ـ ولأجل ذلك أطلقت سعد بن عبادة ـ، لن تسكت على موقف الأنصار هذا.
ويكون لها كل الحق أمام أهل الموسم، وحتى أمام المدنيين المشركين في أن تضربهم الضربة القاصمة والقاضية، لأنهم في موقف المعتدي، وعلى قريش أن ترد هذا الاعتداء بالكيفية وبالحجم الذي تراه مناسباً.
الباب الرابع:
من مكة إلى المدينة
الفصل الأول: إبتداء الهجرة إلى المدينة
الفصل الثاني: هجرة الرسول الأعظم '
الفصل الثالث: إلى قباء
الفصل الرابع: حتى المدينة
الفصل الأول:
ابتداء الهجرة إلى المدينة
حب الوطن من الإيمان:
لقد ورد عنهم "عليهم السلام" أن "حب الوطن من الإيمان"([227]) وإننا بغض النظر عن سند هذا الحديث.
لربما يصعب علينا ـ لأول وهلة ـ تصور معنى سليم ومقبول لهذه الكلمة؛ إذ لماذا يكون حب الوطن من الإيمان؟!
وهل يمكن أن يكون لهذا التراب بما هو تراب، ولد الإنسان عليه، وعاش في أجوائه، مهما كان وضعه الجغرافي سيئاً، قيمة واحترام إلى حد أن يعتبر حبه من الإيمان؟ وبسوى هذا الحب، فإن الإيمان يكون ناقصاً، وليس فيه تلك الفاعلية المتوخاة؟.
وإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال، نقول: إن هذا الحب الذي يهتم به الإسلام لا يمكن أن يكون حباً عشوائياً، لا هدف له، ولا فائدة منه، ولا في خط مخالف للإسلام.
وإنما هو حب منسجم مع أهداف الإسلام العليا، ومن منطلق إيماني واقعي إلهي، فإنه "من الإيمان".
كما أن الوطن الذي يعتبر الإسلام حبه من الإيمان، ليس هو محل ولادة الإنسان، وإنما هو الوطن الإسلامي الكبير، الذي يعتبر الحفاظ عليه حفاظاً على الدين والإنسانية، لأن به يعز الدين، وتعلو كلمة الله، وهو قوة للإسلام، لأنه محل استقرار وهدوء، وموضع بناء القوة فكرياً وروحياً ومادياً، ثم الحركة على صعيد التنفيذ للانتقال إلى الوضع الأفضل والأمثل.
أما حيث الغربة وعدم الاستقرار، فهناك الضياع، وهدر الطاقات، وحيث لا يجد الإنسان الفرصة للتأمل والتفكير في واقعه، ولا في مستقبله، ولو أنه استطاع ذلك، فلسوف لا يستطيع تنفيذ قراراته، لعدم المركزية التي تمنحه الحركة المنظمة، والثابتة، ثم التركيز والاستمرار.
نعم، إن الوطن ليس إلا وسيلة للدفاع عن الدين والحق، وللوصول إلى الأهداف الخيّرة والنبيلة، فالدين والإنسان هو الأصل، والوطن وغيره لا بد أن يكون في خدمة هذا الدين، ومن أجل ذلك الإنسان.
فمن يحافظ على وطنه، ويحبه بدافع الحفاظ على الإسلام وحبه، فإن حفاظه وحبه هذا يكون من الإيمان.
وأما إذا كان الوطن وطن الشرك والكفر والانحراف، والانحطاط بإنسانية الإنسان:
فإن الحفاظ على وطن كهذا وحبه يكون حفاظاً على الشرك وتقوية له، كما أن حبه هذا يكون من الكفر والشرك، لا من الإيمان والإسلام.
ومن أجل ذلك فقد حكم الإسلام والقرآن على من كان في بلاد الشرك، وكان بقاؤه فيها موجباً لضعف دينه وإيمانه: أن يهاجر منها إلى بلاد الإيمان والإسلام، إلى حيث يستطيع أن يحتفظ بدينه قوياً فاعلاً، وبإنسانية خلاقة نبيلة، قال تعالى:
?إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً?([228]).
بل إن محل ولادة الإنسان إذا كان يحارب الدين الحق، ويسعى في إطفاء نور الله، فإنه يجب تدميره على كل أحد حتى على نفس هذا الذي ولد وعاش فيه([229]).
ومن هنا نعرف: أن هجرة النبي "صلى الله عليه وآله" وأصحابه من مكة إلى المدينة كانت هجرة طبيعية ومنسجمة مع مقتضيات الفطرة والعقل السليم والفكر الصحيح، الذي يلاحظ سمو الهدف ونبل الغاية، ويقيم كل شيء انطلاقاً من ذلك الهدف، وعلى طريق الوصول والحصول على تلك الغاية.
وليكن هذا تمهيداً للحديث عن ظروف الهجرة وعواملها وأحداثها، في حدود ما يتناسب مع هذا الكتاب، فنقول:
دوافع الهجرة من مكة إلى المدينة:
إننا بالنسبة لدوافع الهجرة من مكة إلى المدينة يمكننا الإشارة إلى ما يلي:
أولاً: إن مكة لم تعد أرضاً صالحة للدعوة، فقد حصل النبي "صلى الله عليه وآله" منها على أقصى ما يمكن الحصول عليه، ولم يبق بعد أي أمل في دخول فئات جديدة في الدين الجديد، في المستقبل القريب على الأقل.
وقد كان ثمة مبرر لتحمل الأذى والمصاعب، حينما كان يؤمل أن تدخل في الإسلام جماعات تقويه، وتشد من أزره.
أما بعد أن أعطت مكة كل ما لديها فأخرجت جماعات من شبان المؤمنين، ومن المستضعفين، ولم يبق فيها إلا ما يوجب الصد عن سبيل الله، ويضع الحواجز والعراقيل الكثيرة أمام تقدم هذا الدين، ويمنع من انتشاره واتساعه؛ فإن البقاء في مكة ليس فقط لا مبرر له، بل هو خيانة للدعوة الإسلامية، ومساعدة على حربها، والقضاء عليها، ولا سيما بعد أن جندت قريش كل طاقاتها للصد عن سبيل الله، وإطفاء نوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
نعم، لقد كان لا بد من الانتقال إلى مركز آخر، تضمن الدعوة فيه لنفسها حرية الحركة، في القول والعمل، بهدوء بال، واطمئنان خاطر، بعيداً عن ضغوط المشركين، وفي منأى عن مناطق سيطرتهم ونفوذهم.
وقد رأينا: أنهم كانوا يلاحقون تحركات النبي "صلى الله عليه وآله"، ويرصدونها بدقة، ويتهددون، بل ويعذِّبون كل من يدخل في هذا الدين الجديد، ويخيفون كل من يحتمل دخولهم فيه.
ثانياً: إن الإسلام وممثله وداعيته الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" لا يمكن له أن يقتنع بهذا النصيب المحدود من التقدم، لأن دينه دين البشرية جمعاء: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ?([230]).
وما حصل عليه حتى الآن لا يمكّنه من تطبيق تشريعات الإسلام كافة، وتحقيق كامل أهدافه، ولا سيما بالنسبة إلى ذلك الجانب، الذي يعالج مشاكل الناس الاجتماعية وغيرها، مما يحتاج إلى القوة والمنعة في مجال فرض القانون والنظام.
ومن الناحية الأخرى: إنه إذا كان بنو عبد المطلب والهاشميون قد استطاعوا أن يؤمنوا الحماية لشخص الرسول من اعتداءات الآخرين على شخصه الكريم، فإنهم لم ولن يستطيعوا أن يؤمنوا له القدرة على حماية أصحابه، الذين دخلوا في هذا الدين، وقبلوا رسالة السماء.
فضلاً عن أن يتمكنوا من تأمين الحد الأدنى من الحماية له، فيما لو أراد أن يتوسع في نشر رسالة الإسلام، وفرض هيمنة هذا الدين وسلطانه، إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وأما بعد وفاة أبي طالب "رحمه الله" فإن الأمور قد تطورت بشكل مخيف، حتى بالنسبة إلى شخص النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، كما رأينا وسنرى.
ثالثاً: ولقد صمد أولئك الذين أسلموا سنوات طويلة في مواجهة التعذيب والظلم والاضطهاد، حتى لقد فر قسم منهم بدينه إلى بلاد الغربة، وبقي الباقون يواجهون محاولات فتنتهم عن دينهم، بمختلف وسائل القهر تارة، وبأساليب متنوعة من الإغراء أخرى.
وإذا استثنينا أشخاصاً معدودين، كحمزة أسد الله وأسد رسوله، وبعض من كانت لهم عشائر تمنعهم([231])، فإن بقية المسلمين كانوا غالباً من ضعفاء الناس، الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يجدون سبيلاً إلا الصبر، وتحمل الأذى.
وإذا فرض عليهم أن يستمروا في مواجهة هذه الآلام والمشاق، دونما أمل أو رجاء؛ فمهما كانت قناعتهم بهذا الدين قوية وراسخة؛ فإن من الطبيعي ـ والحالة هذه ـ أن يتطرق اليأس إلى نفوسهم، ثم الهروب والملل من حياة كهذه.
وقد تستميلهم بعض الإغراءات العاجلة، فيهلكون ويهلكون؛ فإنه ليس بمقدورهم أن يقضوا حياتهم بالآلام والمتاعب.
بل إن بعضهم ـ كما سيأتي ـ يهم بالعودة إلى الشرك، ويتطلب السبل لمصالحة مشركي مكة، حينما أشيع في غزوة أحد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" وسلم قد قتل. وقد نزل في ذلك قرآن يتلى إلى يوم القيامة: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ?([232]).
رابعاً: لقد رأت قريش أخيراً: أنها قد اهتدت للطريقة التي تستطيع بواسطتها أن تقتل النبي "صلى الله عليه وآله"، دون أن تكون مسؤولة أمام الهاشميين بشكل محدد، أو بالأحرى دون أن يستطيع الهاشميون أن يطالبوا بدم النبي "صلى الله عليه وآله"، وذلك بأن يقتله عشرة، كل واحد منهم من قبيلة، فيضيع دمه في القبائل، ولا يستطيع الهاشميون مقاومتها جميعاً؛ لأنهم إما أن يقاتلوا القبائل كلها، وتكون الدائرة عليهم، وإما أن يقبلوا بالدية، وهو الأرجح.
وإذا قتل النبي "صلى الله عليه وآله"، فإن القضاء على غيره من أتباعه يكون أسهل وأيسر، ولا يشكّل لقريش مشكلة ذات شأن.
بل وحتى لو تركوهم على ما هم عليه، فإن أمرهم لسوف يصير إلى التلاشي والاضمحلال.
هكذا كانت تفكر قريش وتخطط، وهو تفكير محكوم بالعصبية القبلية، ولكنه ذكي جداً.
وبالإمكان تحقيق الأهداف الشريرة تجاه الرسول والرسالة من خلاله.
ولكن عناية الله سبحانه وإن كانت تشمل النبي "صلى الله عليه وآله" وترعاه، إلا أن من الواضح: أن إقدام قريش على تنفيذ مخططاتها ـ فشلت أو نجحت ـ لسوف يعرض علاقاتها مع الهاشميين لنكسة خطيرة، ولسوف تزيد مضاعفاتها بشكل مخيف ببقاء النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة.
كما أن سنة الله قد جرت على أن لا يحول بين أحد وبين تنفيذ إرادته، بشكل قهري وقسري، إلا بنحو من العنايات والألطاف التي تشمل ذلك النبي الذي يكون حفظه ضرورياً لحفظ الدين والإنسان.
فإرادة الإنسان حرة طليقة، ولكن الله يسدد ويلهم ويؤيد من تستهدفه تلك الإرادة بالشر والأذى.
وبعد كل ما تقدم يتضح: أنه كان لا بد للنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، ولمن معه من المسلمين من الخروج من مكة إلى مكان أمن وسلام لا يشعرون فيه بأي ضغط، يملكون فيه حرية الحركة، وحرية الكلمة، وحرية التخطيط لبناء مجتمع إسلامي يكون فيه النبي "صلى الله عليه وآله" قادراً على القيام بنشر دعوته، وإبلاغ رسالته، على النحو الأفضل والأكمل.
سر اختيار المدينة:
وأما عن سر اختيار النبي "صلى الله عليه وآله" ـ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى ـ للمدينة بالذات داراً لهجرته، ومنطلقاً لدعوته، دون غيرها كالحبشة مثلاً؛ فذلك يرجع إلى عدة عوامل، نذكر منها ما يلي:
1 ـ إن مكة كانت ـ كما قدمنا ـ تتمتع بمكانة خاصة في نفوس الناس، وبدون السيطرة عليها، والقضاء على نفوذها الوثني، واستبداله بالنفوذ الإسلامي؛ فإن الدعوة تعتبر فاشلة، وكل الجهود تبقى بدون جدوى؛ فإن الدعوة كانت بحاجة إلى مكة، بنفس القدر الذي كانت مكة بحاجة فيه إلى الدعوة.
فلا بد من اختيار مكان قريب منها، يمكن أن يمارس منه عليها رقابة، ونوعاً من الضغط السياسي والاقتصادي، وحتى العسكري إن لزم الأمر في الوقت المناسب، حينما لا بد له من أن يفرض سلطته عليها.
والمدينة، هي ذلك الموقع الذي تتوفر فيه مقومات هذا الضغط، فهي تستطيع مضايقة مكة اقتصادياً؛ لوقوعها على طريق القوافل التجارية المكية، وقريش تعيش على التجارة بالدرجة الأولى.
كما أن ذلك يهيئ للنبي "صلى الله عليه وآله" الفرصة لعرض دعوته على القوافل التي تتجه من بلاد الشام والأردن وفلسطين وغيرها إلى مكة، والتمهيد لإفشال كثير من الدعايات التي يمكن للمكيين أن يطلقوها ضد الإسلام وأهله.
وقد تقدم قول المشركين لعبد الله بن أبي، حين بيعة العقبة: "ما من حي أبغض من أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم".
وتقدم أيضاً: أنهم لما أخذوا سعد بن عبادة بعد بيعة العقبة وعذبوه، جاء الحارث بن حرب وجبير بن مطعم وخلصاه، لأنه كان يجير لهما تجارتهما.
وإذا كانت قريش قد لقيت من أبي ذر ما لقيت، حين أخذ عليها طريق تجارتها، فإن ما سوف تلقاه من أهل المدينة سيكون أشد، وأعظم خطراً، وأبعد أثراً، ولا سيما إذا عقد الرسول "صلى الله عليه وآله" تحالفات مع سائر القبائل المقيمة في المنطقة، كما حصل بالفعل، وكانت المعاهدة بصورة تجعلهم مضطرين لقطع علاقاتهم بالمشركين([233]).
2ـ لقد عرفنا مما تقدم: أن الهجرة إلى المدينة هي الحل المفروض، الذي لا خيار معه؛ وذلك لأن الهجرة إلى الطائف لم تكن بالتي تجدي نفعاً، بعد أن رأينا: أن أهلها رفضوا الاستجابة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" حينما هاجر إليهم، لأنهم يرون: أن مكة هي التي تستطيع أن تضايقهم اقتصادياً، وهم إليها أحوج منها إليهم.
ولأجل ذلك فإنهم لا يستطيعون في المستقبل المنظور على الأقل إلا أن يدوروا سياسياً في فلكها، وأن يخضعوا لسيطرتها.
وأما سائر قبائل العرب؛ فلا يجدون في أنفسهم القدرة على ذلك، وقد جرب أن يعرف مدى استعدادهم لقبول دعوته، والدفاع عنها؛ فوجد ما لا ينقع غلة، ولا يبل صدى، إن لم نقل إنه وجد ما يزيد الطين بلة، والأمر خطورة.
وأما اليمن، وفارس، والروم، وبلاد الشام وغيرها؛ فقد كانت خاضعة لسلطة الدولتين العظميين، اللتين لن يكون نصيب الرسول والرسالة منهما سوى المتاعب والأخطار الجسيمة.
وقد تكلمنا عن شيء من ذلك عند الحديث عن عوامل انتصار الإسلام وانتشاره في أواخر الباب الأول من هذا الكتاب.
ولسوف نرى أن كسرى قد حاول أن يقوم بعملية خطيرة تجاه الرسول ورسالته حينما أرسل إليه "صلى الله عليه وآله" يدعوه إلى الإسلام.
وأما الحبشة فهي بحكم موقعها الجغرافي مفصولة عن مكة، كما أنها بحكم واقعها الاجتماعي، والسياسي، والبشري، والعنصري، وبحكم كونها بلداً أفريقياً، فإنها ليست بلداً قادراً على أن يقود عملية التغيير العالمية الشاملة، لا اقتصادياً، ولا سياسياً، ولا عسكرياً، ولا حتى فكرياً، واجتماعياً.
أضف إلى ذلك: أن مهاجمة مكة بجيش من الحبشة لسوف يدفع العرب كافة إلى الوقوف إلى جانب قريش ضده، بخلاف ما لو كانت عملية التغيير منطلقة من الداخل حينما يؤمن بدعوته الفقراء، والمستضعفون، ويواجه هؤلاء الملأ والمستكبرين من قومهم بالذات.
وهكذا يتضح: أنه ليس ثمة إلا المدينة، والمدينة فقط، موقعاً مناسباً للهجرة فكانت الهجرة إليها.
3 ـ ومن الجهة الأخرى، فإن المدينة كانت أغنى من مكة زراعياً، أي أنها لو فرض عليها أن تتعرض لضغط تجاري من نوع ما ـ مع أنه ليس باستطاعة مكة أن تفعل شيئاً من ذلك ـ فإنها تستطيع أن تقاوم هذا الضغط، وتحتفظ لنفسها بنوع من الحياة، ولو بصعوبة ما، من دون أن تستسلم لإرادة الآخرين، وتنساق وراء رغباتهم، كما كان الحال بالنسبة لغيرها.
هذا عدا عن أن الدعوة التي تحتاج إلى نشاط واسع، وجهد شامل، لأنها تريد أن تقود عملية التغيير الشامل على مستوى عالمي ـ هذه الدعوة ـ تحتاج إلى استقرار اقتصادي داخلي، يستطيع أن يوفر الفرصة لحملة هذه الرسالة للحركة في سبيل نشر دينهم، وبث رسالتهم.
4 ـ وإذا كان الحج من أهم تشريعاث الإسلام؛ فما دامت مكة في أيـدي الوثنيين؛ فإنه سوف يفقد أثره وفعاليته في مجال التربية السياسية، والاجتماعية، وفي غير ذلك من مجالات، وأيضاً، فما دامت مكة في أيدي الوثنيين، فلسوف يبقى لهم نفوذ واسع في القبائل العربية، وقدسية من نوع ما في نفوسهم.
فلا بد إذاً من إخراجها من أيديهم؛ لينتهي ما لهم من رصيد معنوي في نفوس الناس، ولتنفتح القلوب بكل ما لديها على الدين الجديد، وليتمكن المسلم من أن يؤدي إحدى أعظم شعائره ـ الحج ـ بحرية تامة، دونما رادع أو زاجر.
ويدل على ذلك، ما يرويه الطبراني وغيره: أنه لما عرض النبي الإسلام على ذي الجوشن الضبابي، أبى أن يدخل فيه إلا أن يرى النبي "صلى الله عليه وآله" قد غلب على الكعبة.
وفي رواية أخرى، أنه قال له: "رأيت قومك قد كذبوك، وأخرجوك، وقاتلوك، فانظر ماذا تصنع؛ فإن ظهرت عليهم آمنت بك، واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك"([234]).
وبعد هذا، فإن أقرب المواقع إلى مكة هو المدينة، وهي التي تملك إلى جانب قوتها الاقتصادية كثافة سكانية جيدة، تستطيع أن تقوم بالمهمة التي توكل إليها تجاه مكة على أكمل وجه، ولا توجد هذه الميزة في أي من المناطق القريبة إلى مكة.
ونلاحظ: أن إيجاب الهجرة على من يسلم، قد جعل المدينة ـ بعد هجرة الرسول "صلى الله عليه وآله" إليها ـ في حالة نمو سكاني مستمر، يؤهلها لتحمل مسؤولية بناء دولة، وحماية منجزاتها على المدى المنظور.
5 ـ إن أهل المدينة كانوا في الأصل من مهاجري اليمن، التي كانت تمتلك شيئاً من الحضارة البدائية في قديم الزمان، فهم ليسوا أعراباً؛ لتكون قلوبهم ممعنة في القسوة.
ولا كان ثمة زعامات ومصالح خطيرة لهم في المنطقة، كما كان الحال بالنسبة لقريش، ولا كانوا يعيشون في تلك الأجواء النفسية المعينة، كما كانت تعيش قريش؛ نتيجة لموقعها النسبي في العدنانية، ولموقعها في زعامة مكة، وحجابة البيت.
ثم هناك التنافس الظاهر بين العدنانية والقحطانية، حيث لا يسع القحطانيين، حتى ولو لم تكن ثمة دوافع دينية وعقيدية: أن يسلِّموا النبي "صلى الله عليه وآله" إلى أعدائه.
ويشهد لهذا: أننا نجد بقايا هذا التنافي حتى إلى ما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" ؛ فنجد أن عمر بن الخطاب قد فضل العدنانية على القحطانية في العطاء، الأمر الذي مهد السبيل أمام الأمويين لاستغلال هذه الروح وإشعال الفتن بين اليمانية والقيسية، إبان حكمهم البغيض.
بينما نجد أمير المؤمنين "عليه السلام" لم يكن يرى لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلاً. (ولهذا البحث مجال آخر).
6 ـ ثم إن أهل المدينة قد ذاقوا مرارة الانحراف كأشد ما يكون، وقد أنهكتهم الحروب وأكلتهم، ويعيشون في رعب دائم وخوف مستمر، حتى إنهم ما كانوا يضعون السلاح لا في الليل ولا بالنهار([235]).
وتقدم: أن الخزرج ذهبوا إلى مكة يطلبون الحلف من القرشيين فلم تلب قريش طلبهم.
وكانوا يتمنون من كل قلوبهم: أن يجدوا مخرجاً من المأزق الذي يرون أنفسهم فيه، حتى إن أسعد بن زرارة لا يخفي لهفته على هذا الأمر؛ حيث قال للنبي "صلى الله عليه وآله" حينما دعاه إلى الإسلام: "إنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك، ولا أحد أعز منك الخ.."([236]).
ثم وبعد أن دخل الإسلام إلى المدينة، فقد كان لا بد أيضاً من الحفاظ على المسلمين فيها، وشد أزرهم، حتى يمكن لهم الاستمرار في نصرة هذا الدين، وإعلاء كلمة الله.
7 ـ لقد كانت بشائر اليهود بقرب ظهور نبي في المنطقة قد جعلت الكل مستعدين لقبول هذا الدين.
ولكنهم يحتاجون إلى مناسبات دافعة، إلى ظروف مشجعة؛ فلماذا يهملهم الرسول "صلى الله عليه وآله"، ولا يهيئ لهم الفرصة لذلك؟!.
8 ـ هذا كله، عدا عن أن أهل المدينة أنفسهم قد طلبوا ذلك من النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" وبايعوه بيعة العقبة، ووعدوه النصر، والنبي "صلى الله عليه وآله" إنما يتصرف وفق الإرادة الإلهية التي لا تغيب عنها تلك المصالح وسواها.
فالله هو الذي يرعاه ويسدده، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، هذا ما رأينا الإشارة إليه في هذا الصدد.
المؤاخاة بين المهاجرين:
وكتمهيد لعملية الهجرة، حيث يفترض أن يواجه المسلمون الكثير من المصاعب، التي تحتاج إلى التعاون والتعاضد بأعلى مراتبه، كانت عملية المؤاخاة التي أريد بها السمو بعلاقات هذا الإنسان عن المستوى المصلحي، وجعلها علاقة إلهية تصل إلى درجة الأخوة؛ ليكون أثرها في التعامل بين المسلمين أكثر طبيعية، وانسجاماً، وبعيداً عن النوازع النفسية التي ربما توحي للمعين والمعان بأمور من شأنها أن تعقد العلاقات بينهما نفسياً على الأقل.
وقد رأينا: أن البعض يتوهم ترتب التوارث على هذه المؤاخاة دون الرحم، وذلك يدل على عمق تأثير هذا الحدث في المسلمين؛ في روحياتهم وفي علاقاتهم على حد سواء.
وعلى كل حال، فلقد آخى الرسول "صلى الله عليه وآله" قبل الهجرة فيما بين المهاجرين، على الحق والمواساة؛ فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان و عبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود وبين عبادة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطلحة، وبين علي "عليه السلام" ونفسه "صلى الله عليه وآله"، وقال: أما ترضى أن أكون أخاك؟.
قال: بلى يا رسول الله رضيت.
قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة([237]).
وسيأتي إن شاء الله في الجزء الرابع من هذا الكتاب: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة.
ولسوف نذكر طائفة من مصادر حديث المؤاخاة هناك إن شاء الله ونذكر إنكار ابن تيمية وغيره لحديث مؤاخاة مهاجري لمهاجري، وجوابه، ثم نعلق على حديث المؤاخاة بما نراه مناسباً؛ فإلى هناك.
إبتداء هجرة المسلمين إلى المدينة:
ويقول المؤرخون: إن بيعة العقبة الثانية قد كانت قبل هجرة الرسول "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة بثلاثة أشهر.
ويقولون أيضاً: إنه بعد أن عقد النبي "صلى الله عليه وآله" بيعة العقبة الأولى ـ على الظاهر ـ مع أهل المدينة ولم يقدر أصحابه أن يقيموا بمكة بسبب إيذاء المشركين، ولم يصبروا على جفوتهم، رخص لهم "صلى الله عليه وآله" بالهجرة إلى المدينة.
وبقي "صلى الله عليه وآله" بمكة ينتظر أن يؤذن له.
فخرجوا أرسالاً، حتى أذن الله سبحانه لنبيه الأكرم "صلى الله عليه وآله" بالهجرة، كما سيأتي.
المثل الأعلى:
وجدير بالتسجيل هنا: أن نرى المسلم الحقيقي يضحي بوطنه الذي نشأ وعاش فيه، وبكل ما يملك من متاع الحياة الدنيا، وبعلاقاته الاجتماعية، وروابطه النسبية ويقدم على معاداة الناس كلهم، حتى آبائه، وإخوانه وأبنائه.
ويخرج من بلده ومسقط رأسه ليواجه مستقبلاً يعرف أنه مليء بالأحداث والأخطار، كل ذلك في سبيل هدفه ودينه وعقيدته.
وهو أروع مثل نستفيده من عملية الهجرة، سواء في ذلك الهجرة إلى المدينة، أو الهجرة إلى الحبشة.
هجرة عمر بن الخطاب:
ومما يلفت النظر هنا ما يقال عن كيفية هجرة عمر بن الخطاب، حيث يروون عن علي "عليه السلام" أنه قال: ما علمت أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد بسيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يديه أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة؛ فقال: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، فمن أراد أن تثكله أمه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي.
قال علي رضي الله عنه: فما تبعه أحد، ثم مضى لوجهه([238]).
ونحن نقطع بعدم صحة هذا الكلام، لأن عمر لم يكن يملك مثل هذه الشجاعة، وذلك:
أولاً: لما تقدم في حديث إسلامه عن البخاري وغيره، من أنه حين أسلم اختبأ في داره خائفاً، حتى جاءه العاص بن وائل، فأجاره، فخرج حينئذٍ.
وفي بدر تكلم وأساء الكلام، حيث كان يجبّن النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين.
ثانياً: إن مواقفه الحربية كانت عموماً غير مشجعة لنا على تصديق مثل هذا الكلام فلقد فر في أحد، وفر في حنين، رغم أنه يرى الخطر يتهدد الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" فلا يلتفت إليه، ولا يفكر إلا في الحفاظ على نفسه.
وأما فراره في خيبر فهو أعجب وأعجب حيث إنه كان معه من يدافع ويحامي عنه.
أما في واقعة الخندق ففر فيها أيضاً كما أنه لم يجرؤ على الخروج إلى عمرو بن عبد ود.
وحينما أخذ النبي "صلى الله عليه وآله" سيفاً في أحد، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟! فطلبه أبو بكر وعمر، فلم يعطهما إياه. وأعطاه أبا دجانة. إلى غير ذلك مما لا مجال له هنا، ولسوف نشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى حين الكلام عن الغزوات المشار إليها.
والغريب في الأمر: أننا لم نر ولم نسمع: أن عمر، وأبا بكر، وعثمان قد قتل واحد منهم أحداً، أو بارز إنساناً، وما ذكر من ذلك قد ثبت عدم صحته.
كما أنه لم يجرح أي من هؤلاء ولا دميت له يد ولا رجل في سبيل الله، مع أن أعاظم صحابته "صلى الله عليه وآله" قد أصيبوا في الله وضحوا في سبيله، الأمر الذي يشير إلى أن هؤلاء كانوا شجعاناً في الرخاء، غير شجعان عند اللقاء.
ثالثاً: لقد أشرنا فيما سبق إلى أنه لم يجرؤ على أن يأخذ رسالة النبي "صلى الله عليه وآله" للمكيين في عام الحديبية، بحجة: أن بني عدي لا ينصرونه إن أوذي!!
فمن كانت هذه فعاله في تلك المواقع الصعبة هل يحتاج إلى بني عدي، أو إلى غيرهم؟!.
رابعاً: قال أبو سفيان في فتح مكة للعباس، حينما كانا يستعرضان الألوية، فمر عمر وله زجل: "يا أبا الفضل، من هذا المتكلم؟! قال: عمر بن الخطاب.
قال: لقد أَمِرَ أَمْرُ بني عدي بعد ـ والله ـ قلة وذلة.
فقال العباس: يا أبا سفيان إن الله يرفع من يشاء بما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام([239]).
خامساً: إنهم متفقون على أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" كان أشجع البشر دون استثناء، بل سيأتي أن بعضهم يحاول ادعاء أشجعية أبي بكر على سائر الصحابة ـ وإن كان سيأتي أن العكس هو الصحيح ـ ونحن نرى في حديث الهجرة أن النبي "صلى الله عليه وآله" يختفي في الغار، حذراً من المشركين، كما أن أبا بكر يخاف ويبكي، رغم كونه مع النبي الأعظم، الذي يتولى الله رعايته وحمايته، وظهرت له آنئذٍ الكثير من المعجزات الدالة على ذلك.
وقد ذكر الله خوف وحزن أبي بكر في القرآن، فكيف يخاف أبو بكر ويحزن مع أنه إلى جانب رسول الله "صلى الله عليه وآله" الذي يتولى الله حمايته ورعايته، مع ادعاء محبي أبي بكر أنه أشجع الصحابة بعد الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" ـ نعم كيف يخاف أبو بكر ولا يخاف عمر؟!
ولماذا يعمل الرسول بالحزم، ويراعي جانب الحذر من قريش، ولا يفعل ذلك عمر بن الخطاب؟!
ولماذا لم يحم عمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى يخرجه من مكة إلى المدينة؟!.
ولماذا يرضى عمر للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يتحمل كل هذه الصعاب والمشاق، حتى يتمكن من التخلص من الورطة التي هو فيها؟!
بل إذا كان لعمر هذه الشجاعة والشدة؛ فلماذا يضطر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الهجرة؟ فليحمه هذا البطل الشجاع، وليرد عنه بعض ما كانت قريش تؤذيه به؟
مع أنه تقدم: أنه حينما أسلم لم يستطع أن يحمي نفسه حتى أجاره خاله، من مواصلة إلحاق الأذى به.
ثم إننا لا ندري لماذا لم يحدثنا التاريخ عن موقف مماثل لحمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله، الذي شج رأس أبي جهل شجة منكرة، وعز المسلمون بإسلامه؟!.
ولماذا يترك النبي والهاشميين محصورين في الشعب، يكادون يهلكون جوعاً، ولا يجرؤ أحد على أن يوصل لهم شيئاً من طعام؟!.
لأن عمر عند هؤلاء قد أسلم قبل الحصر في الشعب، وإن كنا أثبتنا في ما تقدم بشكل قاطع: أنه قد أسلم قبل الهجرة بقليل. إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد لها عند هؤلاء الجواب المقنع والمفيد.
ما هي الحقيقة إذاً؟!
ولكن الحقيقة هي: أن هذا التهديد والوعيد إنما كان من أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، حينما هاجر، ولحقه سبعة من المشركين في ضجنان وسيأتي تفصيل القضية حين الكلام على هجرة أمير المؤمنين علي "عليه السلام" بعد هجرة النبي "صلى الله عليه وآله".
ولكن أعداء علي "عليه السلام" لم يستطيعوا أن يتحملوا أن يروا هذه الكرامة له، ولا سيما بعدما أثبت صحتها بمبيته على فراش النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الهجرة.
وكما كان يبيت على فراش رسول الله "صلى الله عليه وآله" مدة ثلاث سنين، يقيه بنفسه حينما كانوا محاصرين في شعب أبي طالب "رحمه الله".
فلما لم يكن إلى إنكارهم مبيته على الفراش سبيل أغاروا على فضيلته الأخرى ـ كعادتهم ـ فاستولوا عليها، ونسبوها إلى غيره ـ وعظموا من شأن أبي بكر في الغار ـ كما سيأتي حين الكلام على الهجرة إن شاء الله تعالى.
بل إنهم لم يرضوا إلا أن تكون فضيلة عمر على لسان عليٍّ نفسه، كما عودونا في مناسبات كهذه، فإن ذلك أوقع في النفس، وأبعد عن الشبهة، وأدعى إلى القبول. ولكن الله تعالى يقول: ?بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ?([240])، وهكذا كان.
ماذا عن الهجرة إلى المدينة؟
لقد أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه بالهجرة إلى المدينة، تمهيداً لخروجه هو "صلى الله عليه وآله" إليها أيضاً، وقال لهم: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها، فهاجر إليها المسلمون، بعضهم سراً، وبعضهم علانية، مضحين بوطنهم، وبعلاقاتهم، وكثير منهم بثرواتهم، ومكانتهم الاجتماعية وكل شيء؛ في سبيل دينهم، وعقيدتهم.
وهذا معناه: أن الدين والعقيدة فوق وأغلى من كل شيء؛ فالوطن، والمال، والجاه، وكل شيء لا قيمة له، إذا كان الدين مهدداً بالخطر؛ لأن الحفاظ على الدين الصحيح، معناه الحفاظ على الوطن والمال وكل شيء، وبدونه يكون كل شيء في معرض الزوال، إن لم يكن عبئاً، أو فقل: خطراً يتهدد هذا الإنسان في كثير من الظروف والأحوال.
قريش والهجرة:
وقد قدمنا بعض الكلام حول الهجرة، وموقف قريش منها حين الكلام على هجرة الحبشة فلا نعيد، وإذا كانت قريش قد قاومت الهجرة إلى الحبشة بذلك الشكل القوي، حتى لقد حاولت استرجاع المسلمين من أرض الحبشة، فماذا عساها يكون موقفها من الهجرة إلى المدينة، والتي ترى فيها أعظم الخطر على مصالحها، وعلى وجودها ومستقبلها؟!.
لقد حاولت أن تمنع المسلمين من الهجرة بمختلف الوسائل، فكانت تحبس من تظفر به منهم، وتفتنه عن دينه، وتمارس ضده مختلف أساليب القهر والقسوة، فلم تنجح ولم تفلح وهي من الجهة الأخرى ترى نفسها عاجزة عن التصفية الجسدية لأكثر المسلمين؛ لأن المهاجرين كانوا ـ عموماً ـ من القبائل المكية، وليس قتل أي منهم إلا سبباً في إثارة حرب أهلية بين المشركين أنفسهم، وهذا ولا شك ليس في مصلحة قريش في أي حال.
ويشهد لما ذكرناه ما حصل لأبي سلمة حينما خرج بزوجته وولده، فقام إليه رجال من بني المغيرة فأخذوا زوجته منه؛ لأنها منهم، فثار بنو عبد الأسد، قبيلة الزوج؛ فانتزعوا سلمة من أمه([241]).
وأدركت قريش: أن هذه الهجرة الواسعة سوف تعقبها هجرة الرسول الأعظم نفسه؛ ليمارس بحرية تامة عملية الريادة، والقيادة، والهداية بشكل أوسع وأعمق.
ولسوف يحميه المدنيون بكل ما لديهم، فلم يكن لديها همّ إلا المنع من تحقق ذلك بأي وسيلة تقدر عليها، أو حيلة تهتدي إليها.
الفصل الثاني:
هجرة الرسول الأعظم '
المؤامرة:
واجتمع أشراف قريش في دار الندوة، ولم يتخلف منهم أحد: من بني عبد شمس، ونوفل، وعبد الدار، وجمح، وسهم، وأسد، ومخزوم وغيرهم، وشرطوا: أن لا يدخل معهم تهامي، لأن هواهم كان مع محمد "صلى الله عليه وآله"([242]).
كما أنهم قد حرصوا: على أن لا يكون عليهم من الهاشميين، أو من يتصل بهم عين أو رقيب([243]).
وتذكر الروايات: أن إبليس قد دخل معهم بصفة شيخ نجدي([244])، وتشاوروا فيما بينهم ما يصنعون بمحمد؟ فذكروا الحبس في الحديد، فرأوا أن من الممكن أن يتصل بأنصاره، ويطلقوا سراحه، وذكروا النفي إلى بعض البلاد فرأوا أن ذلك يمكن الرسول من نشر دينه، فاستقر رأيهم أخيراً على اقتراح أبي جهل، أو إبليس بأن يأخذوا من كل قبيلة شاباً جلداً قوياً، حسيباً في قومه، نسيباً، وسطاً، ويعطى كل منهم سيفاً صارماً، ويدخلوا على النبي "صلى الله عليه وآله" بأسيافهم؛ فيضربونه ضربة رجل واحد، فيقتلونه ويتفرق دمه في القبائل، لأن بني عبد مناف لا يقدرون على حرب قومهم جميعاً، فيضطرون إلى القبول بالدية، فيعطونهم إياها، وينتهي الأمر.
ومن الواضح: أنه حين يكون القاتل واحداً ومن قبيلة بعينها، فإنه حتى لو أرادت بعض القبائل أن تتحالف مع قبيلة القاتل ضد الهاشميين، فسوف يجد بنو هاشم أيضاً من القبائل الأخرى من يتحالف معهم، كما كان الحال بالنسبة لحلف المطيبين، مقابل حلف لعقة الدم.
لا سيما أن المواصفات المتقدمة التي اعتبروها في الرجال العشرة، إنما هي من أجل أن لا تفكر أية قبيلة في تسليم صاحبها، لأنهـا لو سلمته فسوف يصبح الهاشميون أكثر قدرة على ضرب قريش، مهما كانت الضربة محدودة.
كما أن هذه المواصفات التي ذكرت للقتلة، تجعل الذين يقدمون على اقتراف تلك الجريمة أكثر ثقة وإقداماً على هذا الأمر الخطير، الذي لا يجوز التردد ولا الضعف والوهن فيه.
وعلى كل حال، فقد أخبر الله تعالى نبيه بهذه المؤامرة عن طريق الوحي، ونزل قوله تعالى: ?وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ?([245]).
والمكر الإلهي هنا: هو التدبير السري لإفشال عمل يعزم عليه الغير.
مبيت علي ×، وهجرة النبي ':
ويقول المؤرخون: إن أولئك القوم الذين انتدبتهم قريش، اجتمعوا على باب النبي "صلى الله عليه وآله"، ـ وهو باب عبد المطلب على ما في بعض الروايات([246]) ـ يرصدونه، يريدون بياته.
وفيهم: الحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وأبو لهب وأبو جهل وأبو الغيطلة وطعمة بن عدي، وأبي بن خلف، وخالد بن الوليد، وعتبة، وشيبة، وحكيم بن حزام، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج([247]).
لقد اختارت قريش من قبائلها العشر، أو الخمس عشرة، عشرة أو خمسة عشر رجلاً، بل أكثر، على اختلاف النقل، ليقتلوا النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" بضربة واحدة بسيوفهم، بل قيل: إنهم كانوا مئة رجل([248]).
ونحن نستبعد هذا العدد الأخير، وذلك لمخالفته لسائر الروايات الأخرى، مع أن ما ذكرته الرواية من أن عدد القبائل كان مئة قبيلة، لا نجد له ما يؤيده. واحتمال أن يكون قد خرج من كل قبيلة أكثر من واحد ينافيه التصريح بأن الخارجين كانوا واحداً من كل قبيلة.
ومهما يكن من أمر فإن المتآمرين تهيأوا واجتمعوا، فأخبر الله تعالى نبيه "صلى الله عليه وآله" بمكرهم.
فأمر "صلى الله عليه وآله" أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" بالمبيت على فراشه، بعد أن أخبره بمكر قريش، فقال علي "عليه السلام": أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال: نعم.
فتبسم علي "عليه السلام" ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لله، فنام على فراش النبي "صلى الله عليه وآله"، واشتمل ببرده "صلى الله عليه وآله" الحضرمي.
ثم خرج النبي "صلى الله عليه وآله" في فحمة العشاء، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون.
خرج "صلى الله عليه وآله"، وهو يقرأ هذه الآية: ?وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ?([249]).
وكان بيده "صلى الله عليه وآله" قبضة من تراب، فرمى بهـا في رؤوسهم، ومر من بينهم، فما شعروا به، وأخذ طريقه إلى غار ثور.
ولعل هذه القبضة من تراب قد أشغلتهم بأنفسهم، وصرفت قلوبهم عن التدقيق في رصد موضوع خروج النبي "صلى الله عليه وآله"، لا سيما مع وجود ظلمة قوية، فإنهم كانوا في فحمة العشاء، وتحتاج الرؤية فيها إلى المزيد من التنبُّه إلى إحداد النظر في نقطة بعينها..
وعلى كل حال، فإن الرواة قد زعموا: أن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين علي "عليه السلام" نائم، فقال: يا نبي الله، وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله قال: فقال له علي: إن نبي الله، قد انطلق نحو بئر ميمونة، فأدركه، فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار([250]).
ولعل الصحيح هو الرواية التي تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد لقي أبا بكر في الطريق، وكان أبو بكر قد خرج ليتنسم الأخبار، وربما يكون استصحبه معه، لكي لا يسأله سائل إن كان قد رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فيقر لهم بأنه رآه، ثم يدلهم على الطريق التي سلكها خوفاً من أن يتعرض لأذاهم، أو خطأ، أو لأي داع آخر.
نقول هذا: إذ لا موجب لترجيح تلك الرواية على هذه، ولأننا لم نجد، ما يدل على علم علي "عليه السلام" بالمكان والجهة التي توجه إليها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وليس ثمة ما يؤيد احتمال أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد أخبره بشيء من ذلك.
على أن السؤال الأهم هو: كيف دخل أبو بكر إلى علي "عليه السلام"؟!
ومن أين؟!
وكيف لم يره خمسة عشر رجلاً يرصدون البيت وقد طافوا بالدار؟!
وإذا كانوا يرصدون، وينظرون من خلل الباب إلى النائم، ورأوه كيف يتضور وهم يرمونه ببعض الحصى، فكيف لم يروا أبا بكر حين دخل إليه؟!
وإذا كانوا قد رأوه، فهل سمعوا كلامه؟!
وإذا كانوا قد سمعوه، وهم قريبون منه إلى حد أنهم يرمونه بالحصى، فلماذا لم يلحقوا بالنبي "صلى الله عليه وآله" كما لحق به أبو بكر؟!
وحين دخل أبو بكر هل كشف له عليّ "عليه السلام" رأسه، أم بقي مغطى، وإذا كان قد كشفه فهل رآه المشركون أم لا؟
ولماذا لم يروه ؟! وإذا كانوا قد رأوه، فلماذا انتظروا إلى الصباح؟!
وإذا كانوا قد سمعوا صوت عليّ ورأوه فكيف لم يعرفوه، ولم يميزوا بين الرجلين ولا بين الصوتين؟!
وكيف رأوا تضوره ولم يروا شخصه.. وبعد الاجتماع بين أبي بكر وعليٍّ "عليه السلام" من أين خرج أبو بكر، وهل رأوه حين خرج أم لم يروه؟!
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد الجواب المقنع والمقبول.
وعلى كل حال، فقد روى الشيخ الطوسي: "أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر أبا بكر، وهند بن أبي هالة: أن ينتظرا في طريقه إلى الغار بمكان عينه لهما"([251]).
وذكر الراوندي: "أنه مشى وهم لا يرونه، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس من خبره، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم، فأخرجه معه إلى الغار"([252]).
وإذا صح هذا؛ فيرد سؤال: كيف لم يخبر أبو بكر النبي بأمرهم؟! إلا أن يقال: إنه إنما جاء ليخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك.
ولكن الأهم من ذلك: كيف أطلعت قريش أبا بكر على تدبيرها مع حرصها الشديد على التكتم فيه، عن كل من له بالنبي أدنى صلة كما تقدم تصريح الدياربكري وغيره بذلك؟
قالوا: وجعل المشركون يرمون علياً "عليه السلام" بالحجارة، كما كانوا يرمون رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو يتضور (أي يتلوى ويتقلب)، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، فهجموا عليه، فلما بصر بهم عليّ "عليه السلام" قد انتضوا السيوف، وأقبلوا عليه، يقدمهم خالد بن الوليد، وثب له عليّ "عليه السلام"، فختله، وهمز يده، فجعل خالد يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، وأخذ من يده السيف، وشد عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمـامه إجفال النعم إلى خـارج الدار، وتبصروه، فإذا علي.
قالوا: وإنك لعلي؟
قال: أنا علي.
قالوا: فإنا لم نردك؛ فما فعل صاحبك؟
قال: لا علم لي به([253]).
فكان من الطبيعي أن يتراجعوا عنه، وأن يسرعوا إلى قومهم لإخبارهم بما جرى ليتدبروا الأمر قبل فوات الأوان.
وهكذا كان فقد هبت قريش لتدارك الموقف.
قريش في طلب النبي ':
فأذكت قريش العيون، وركبوا في طلب النبي "صلى الله عليه وآله" الصعب والذلول، واقتفوا أثره، حتى وصل القائف([254]) إلى نقطة لحوق أبي بكر به، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه هنا رجل آخر.
واستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار، الذي كان مغطى بأغصان الشجرة.. فصرفهم الله عنه؛ حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار، وباضت في مدخله حمامة وحشية، كما يذكرون، وغير ذلك فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور، لم يدخله أحد، وإلا لتخّرق النسج، وتكسّر البيض، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه([255]).
الراحلتان بالثمن:
وأمهل أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى الليلة القادمة؛ فانطلق تحت جنح الظلام، هو وهند بن أبي هالة، حتى دخلا الغار على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأمر الرسول هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين.
فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين ترتحلهما إلى يثرب.
فقال: إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.
قال: فهي لك بذلك.
فأمر علياً "عليه السلام" فأقبضه الثمن([256]).
أداء الأمانات:
ثم أوصاه بحفظ ذمته، وأداء أماناته، وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي "صلى الله عليه وآله"، ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم، وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً: "من كان له قبل محمد أمانة، فليأت، فلنؤد إليه أمانته".
وقال "صلى الله عليه وآله" لعلي حينئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عن النبي "صلى الله عليه وآله": إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي؛ فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما.
نفقات الهجرة:
فأمر "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" أن يبتاع رواحل له وللفواطم، ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم.
قال أبو عبيدة: فقلت لعبيدالله (يعني ابن أبي رافع): أو كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يجد ما ينفقه هكذا؟.
فقال: إني سألت أبي عما سألتني عنه ـ وكان يحدث لي هذا الحديث ـ فقال: وأين يذهب بك عن مال خديجة "عليها السلام"؟.
قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة.
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة([257]).
وبعد أن أقام رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الغار ثلاثاً، إنطلق يؤم المدينة([258]).
شعر علي × بمناسبة المبيت:
وقال أمير المؤمنين "عليه السلام" يذكر مبيته على الفراش، ومقام رسول الله "صلى الله عليه وآله":
وقيت بنفسي خير من وطا الحصـا ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لمـا خـاف أن يمـكــروا بـه فـوقاه ربـي ذو الـجلال من المكـر
وبـت أراعـيـهــم متى ينشرونني وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبـات رسول الله في الـغــار آمناً هنـاك وفـي حفظ الإلـه وفي ستـر
أقـام ثـلاثــاً، ثـم زمت قـلائص قـلائص يفرين الحصـا أيما يفري
كل ما تقدم يذكره المؤرخون وأهل الحديث في كتبهم ومؤلفاتهم فليراجعها من أراد.
ولسوف يأتي إن شاء الله بعض الكلام حول سفره، ووروده قباء، وغير ذلك بعد الكلام على بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم؛ فنحن نسجل هنا الأمور التالية:
المثل الأعلى للتضحية:
يقول بعضهم: "وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية، فالشجعان والأبطال يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم، يدافعون بما لديهم من سلاح وعتاد مع أنصارهم وأعوانهم، وقد تضطرهم المعارك إلى أن يثبتوا في مقابل العدو، لا منفردين.
أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعاً مطمئناً بدون سلاح ولا عتاد، وكأنه يخرج ليعانق غادة حسناء، فينام على فراش تحف به المخاطر والأهوال، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه، وثقته بربه، وحرصه على سلامة القائد، كما حدث لعلي "عليه السلام"، حينما عرض عليه ابن عمه محمد "صلى الله عليه وآله" أمر المبيت على فراشه؛ ليتمكن هو من الفرار، والتخلص من مؤامرة قريش؛ فهذا ما لم يحدث في تاريخ البطولات، وما لم يعرف من أحد في تاريخ المغامرات، في سبيل المبدأ والعقيدة".
ويقول: "ولم يكن مبيت عليٍّ ليلة الهجرة هي المرة الأولى؛ فلقد كان أبو طالب في أيام الحصار في الشعب يُنِيم علياً على فراش النبي، حتى إذا حصلت حادثة اغتيال، كان في عليٍّ دون النبي، ولم يكن ليمانع في ذلك أبداً بل كان يقدم عليه برضا نفس، وطيبة خاطر"([259]).
ونقول: إننا لا نوافق على هذا التعبير الجاف الذي يقول: "ليتمكن هو من الفرار.." فإنه "صلى الله عليه وآله" لا يفر، ولكنه يهاجر لجمع القوى، ويعود ظافراً فاتحاً بعد ثمان سنوات..
المبيت، والخلافة:
والغريب هنا: أن نجد أحد من عرف بنصبه، وبالعداء لشيعة عليٍّ "عليه السلام" أو محبيه، يضطر لأن يعترف بأن قضية مبيته "عليه السلام" على فراش النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الهجرة، من الإشارات الواضحة إلى خلافته، فيقول:
"هذا الذي كان من عليٍّ في ليلة الهجرة، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث التي عرضت للإمام عليٍّ في حياته بعد تلك الليلة؛ فإنه يرفع لعيني الناظر إمارات واضحة، وإشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن عارضاً بالإضافة إلى عليّ، بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها، فلنا أن نسأل:
أكان لإلباس الرسول "صلى الله عليه وآله" شخصيته لعلي تلك الليلة ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وبين علي أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟.
وهل لنا أن نستشف من ذلك أنه إذا غاب شخص الرسول كان علياً (كذا) هو الشخصية المهيأة لأن تخلف، وتمثل شخصه، وتقوم مقامه؟. وأحسب أن أحداً قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه، ولم يقف عنده وقفتنا تلك حتى شيعة علي" ([260]).
قريش وعلي ×:
1 ـ ونشير هنا: إلى أن الملاحظ: أن قريشاً لم تصر على أمير المؤمنين في استنطاقها له عن مكان ابن عمه.
وما ذلك إلا لأنهم قد علموا: أنهم إنما يحاولون عبثاً، ويطلبون مستحيلاً، فإن من كان يحمل مثل هذا الإخلاص، ومثل هذه التضحية النادرة في التاريخ لن يفشي لهم سراً قد ضحى بنفسه في سبيل كتمانه، لذلك نراهم قد أطلقوه وانصرفوا عنه يائسين([261]).
2 ـ لقد كان علي في موقفه تجاه النبي "صلى الله عليه وآله" مثلاً أعلى للإنسانية الكاملة، فقد عرف الناس معنى الإخلاص، وماهية التضحية، وحقيقة الإيمان.
حيث إنه يرى نفسه مقتولاً على كل حال، إما لظن المشركين أنه رسول الله، فيخبطوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، وإما انتقاماً منه، حيث كان سبباً لخلاص من سفه أحلامهم، وعاب آلهتهم، وفرق جماعتهم، وهم يعرفون أيضاً حب النبي "صلى الله عليه وآله" له ومنزلته منه، فإذا قتلوه فإنما يقتلون أخاه وابن عمه، والرجل المخلص الذي يفديه بنفسه([262]).
وأما انصرافهم عنه، بعد ظهور الأمر، فهو إما خوفاً منه، بعد أن رأوا ما فعله بخالد، وإما من أجل توفير الفرصة للبحث عن غريمهم الأصلي والأهم بالنسبة إليهم.
بقي هنا سؤال:
وهو أنه إذا كان علي "عليه السلام" يعلم بأن حديث الدار يدل على أنه "عليه السلام" لن يقتل في هذه الحادثة، بل هو سوف يعيش إلى ما بعد الرسول "صلى الله عليه وآله" ليكون وصيه وخليفته من بعده، فلا تبقى له فضيلة في مبيته على فراش النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الهجرة.
والجواب:
أولاً: إن ذلك لا يمنع من حصول البداء في هذا الأمر حسبما أشرنا إليه في أوائل هذا الكتاب.
ثانياً: إن ذلك لا يمنع من تعرضه "عليه السلام" للجراح وقطع الأعضاء والأسر والتعذيب البالغ.
وهو أمر يتجنبه ويخشاه الناس وسيأتي بعد صفحات ما يؤيد الجواب الأول وأنه "عليه السلام" قد كان موطناً نفسه على القتل والأسر ومعنى ذلك هو أنه كان لا يقطع بالبقاء إلى ما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، لأجل إمكانية حصول البداء في هذا الأمر لما قلنا.
قريش والمبيت:
ويقول البعض أيضاً: "إن هذا الذي كان من علي ليلة الهجرة في تحديه لقريش هذا التحدي السافر، وفي استخفافه بها، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح إن ذلك لا تنساه قريش لعلي أبداً.
ولولا أنها وجدت في قتله يومئذ إثارة فتنة تمزق وحدتها، وتشتت شملها، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمد "صلى الله عليه وآله" ـ لولا ذلك ـ لقتلته، وشفت ما بصدرها منه، ولكنها تركته، وانتظرت الأيام لتسوي حسابها معه"([263]).
ولقد كان حساباً عسيراً حقاً، ولا سيما بعد أن أضاف إلى ذلك: أنه قتل رجالها، وجندل صناديدها، وبقي اليد الطولى لابن عمه يضرب بها هنا وهناك كل متكبر جبار، أين وأنى شاء.
وقد بدأ هذا الحساب العسير فور استشهاده "صلى الله عليه وآله"، وحتى قبل أن يغسل ويكفن ويدفن.
مقايسة:
قلنا: إن مبيت أمير المؤمنين "عليه السلام" هذا قد ضيع الفرصة على قريش، وأفشل ما كانت دبرته في النبي "صلى الله عليه وآله"، وكان أيضاً سبباً لتمكين الدين، وإعلاء كلمة الحق.
وأما أن يقاس ذلك بقضية ذبح إسماعيل، فلا يصح ذلك، لان إسماعيل قد استسلم لوالد شفيق رحيم، يجد في عطفه وحنانه ما يسليه عما ينزل به، ولا يجد منه أياً من أنحاء التنكيل، والقسوة والخشونة.
أما علي "عليه السلام"، فإنما استسلم لعدوه الذي لا يرحمه، ومن لا يشفي غليله إلا سفك دمه، وصب أقسى أنواع العذاب والتنكيل عليه، مع شماتة قاتلة، وحقد هائل.
وقد تكلم الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ حول هذه القضية فراجعه([264])، ولو أردنا استقصاء الكلام حول هذه النقطة لطال بنا المقام.
إرادة الله:
لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الغار، وإلى مبيت علي "عليه السلام" على فراشه، وذلك عن طريق آيات باهرة، وعنايات ومعجزات قاهرة.
وقد ظهر أنه قادر على ذلك من خلال ما صنعه لرسوله "صلى الله عليه وآله" من نسج العنكبوت، ومن إنبات الشجر على باب الغار، ثم تردد الحمامة الوحشية على مكان قريب تنفر منه بحسب العادة.
ولكن لا، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على سجيتها، وعلى وفق أسبابها الطبيعية، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور الخارجة عن حدود الطاقة، وليكون ذلك مثلاً لنا جميعاً ودرساً مؤثراً في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها، فاستحق اللطف الإلهي، وتحقق مصداق قوله تعالى: ?وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ?([265]) و?إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ?([266]).
وأما السبب في أنه تعالى لم يخطط لنبيه على أساس التدخل المباشر، والإعجاز: هو أنه حين يرتبط الأمر بحرية اختيار الناس لأعمالهم فلا بد من الحذر من أن يفهم الأمر بطريقة خاطئة، وهو أنهم مسلوبو الاختيار، وأن لا قدرة لهم على التصرف؛ ولأجل ذلك فإن التدخل الإلهي يقتصر على ما يكون من خارج دائرة اختيارهم، فهم قد فعلوا كل ما خطر في بالهم، فلم يمنع أعينهم من النظر والرؤية، ولا أصم آذانهم عن السمع، ولا منع لسانهم من الحركة، والتفاهم، ولا شل حركة أيديهم عن حمل السلاح، ولا أقعدهم عن المشي في أي اتجاه أحبوا.
بل تصرف خارج دائرة اختيارهم، فخلق الشجرة التي تحتاج في الحالات الطبيعية إلى سنوات، ونسجت العنكبوت ـ التي يستغرق نسجها إلى شهور ـ في وقت يسير.. تماماً كما تدخل في قضية حرق النبي إبراهيم "عليه السلام" في خارج دائرة الاختيار، فقال للنار: ?يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً? بعد أن فعل الناس كل ما راق لهم فجمعوا الحطب وجاؤوا بالمنجنيق، وأضرموا النار و.. الخ..
لماذا التدخل الإلهي؟!
والذي نلاحظه: أن الله تعالى قد تدخل لحفظ نبيه "صلى الله عليه وآله" بطريقة تحفظ للناس اختيارهم وإطلاق إرادتهم، غير أن السؤال عن السبب في هذا التدخل الذي يأتي على درجة من الندرة في حياة الأنبياء، فقد رأينا بني إسرائيل يقتلون الأنبياء، ولا يتدخل الله لمنعهم من ذلك.
ونقول في الجواب: إن تكرر هذا التدخل من شأنه أن يعطي الانطباع بأن لا قيمة لجهد وجهاد أهل الإيمان لحفظ الدعوة، والدفاع عن رمزها..
وهذا ما يؤدي إلى الخمول والتخاذل وإهمال الواجب، وطمع أهل الباطل بأهل الحق، وإعطائهم الفرصة للعبث وإثارة المتاعب أمامهم..
مع ملاحظة: أن هذا التدخل قد انحصر في حالة واحدة هي حين يكون الخطر يتهدد الرمز الأعظم الذي يكون إسقاطه إسقاطاً للمشروع الإلهي كله.. مثل إبراهيم "عليه السلام" ونبينا الأعظم محمد "صلى الله عليه وآله".. دون غيرهما من الأنبياء "عليهم السلام".
فكان لا بد من التدخل الإلهي؛ لأن القضية لا تختص بقوم دون قوم، بل الخسارة تكون للبشرية جمعاء..
ولا يمكن التفريط في أمر كهذا لمنافاته اللطف الإلهي الذي يفرض إقامة الحجة على جميع البشر، والرحمة لهم، بحفظ باب الهداية مفتوحاً أمامهم، وإقامة الحجة، وتوفير البيانات والحجج لهم.
وهذا حق محفوظ لهم، ولا يمكن حرمانهم من ذلك.
ولعلك تقول: ألا تعد غيبة الإمام "عليه السلام" حرماناً للبشر من حق لهم، بسبب تفريط جماعة صغيرة من الناس حين استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليه..
فالجواب: أن غيبة الإمام وإن كانت في البداية بسبب فعل مجموعة من الناس في وقت بعينه لكن استمرار موجبات هذه الغيبة إنما هو بفعل نفس الناس الموجودين في كل عصر، لأن بإمكانهم إزالة هذه الموجبات، وفسح المجال أمام إشراقة شمس ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.
بين النظرة المصلحية والواقع:
ولقد وقع المشركون في تناقض عجيب، فهم في نفس الوقت الذي يصرون فيه على تكذيب النبي "صلى الله عليه وآله"، والافتراء عليه، حتى إنهم كانوا يقولون عنه: إنه مجنون، ساحر، شاعر، كاهن، الخ.. نراهم يأتمنونه على أموالهم وودائعهم إلى الحد الذي يحتاج معه إلى أن يترك ابن عمه ينادي في الناس ثلاثة أيام؛ ليأتوا إليه ويأخذوا ودائعهم، وهل يؤمّن المجنون، والكذاب، والكاهن، والعدو؟!.
فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن عدم إيمان المشركين بما يدعوهم إليه ليس إلا استكباراً وعناداً، لا عن قناعة بعدم صحة ما جاءهم به، وقد قال تعالى: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ?([267]).
أي أنهم كانوا يجحدون بما جاءهم به، إما زعماً منهم أن في ذلك حفاظاً على مصالحهم الشخصية ومستقبلهم، وإما تقليداً أعمى للضالين من آبائهم وأجدادهم، وإما حفاظاً على امتيازاتهم، أو حسداً، أو غير ذلك.
وإن إبقاء علي "عليه السلام" في مكة ليؤدي للناس أماناتهم وودائعهم، في ظروف حساسة وخطيرة جداً كهذه الظروف، لهو من أروع الأمثلة للإنسان الكامل، الذي يلتزم بمبادئه، ويحترم قناعاته، ولا يحيد عما رسمه الله له قيد شعرة، ولا يبحث عن المعذرات والفرص، وإنما هو يعيش من أجل مبادئه العليا، وتحقيق أهدافها، ولا يعتبر المبدأ وسيلة لتحقيق مآربه وأهدافه.
نعم، لقد كان "صلى الله عليه وآله" أميناً عندهم، وسموه ب‍ "الأمين". وكان ذلك من أبرز صفاته الشخصية حتى قبل نبوته، وها هو يؤدي إليهم أماناتهم، مع أنهم يريدون نفسه ودمه، ومحو كل آثاره من الوجود، وتشويه كل ما يرتبط به.
ولكن ذلك لا يحول بينه وبين أن يهتم بأمانات الناس، برهم وفاجرهم، وقد كان له كل العذر لو أنه لم يردها عليهم.
وبالمناسبة فإننا نعطي بعض المحققين الحق في أن يتعجب أو يستغرب، كيف لا يرى أحاديث عامة أهل السنة تهتم بهذه الصفة العظيمة، صفة الأمانة التي هي أساس إنسانية الإنسان؟
ولكن لا عجب من ذلك ولا غرابة فيه؛ فإن أحاديث "الحكمة" قد محيت أيضاً وذهبت منذ استشهد "صلى الله عليه وآله" بعناية وتعمد تام من قبل الخلفاء الحكام، وإلا فأين هذا الأمر الذي يخبر الله في أكثر من سبع آيات: أنه كان من جملة مهمات ووظائف النبي "صلى الله عليه وآله" في أيام رسالته: ?وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ?([268]).
فقد عرفنا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد علم الناس الكتاب، وقد بقي هذا الكتاب بحفظ من الله: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?([269]).
ولكن أين هي تلك الحكمة التي علمها النبي "صلى الله عليه وآله" لأمته، ونحن نرى: أنه لم يبق منها عند علماء الإسلام ومن يهتم بالأحاديث سوى نحو من خمس مئة حديث في أصول الأحكام ومثلها في أصول السنن([270]) وهل كان من بينها شيء في الحكمة يا ترى؟.
نعم، نحن نجد في أحاديث الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام الكثير من الحكمة، ومن بينها الكثير من الأحاديث في الأمانة والصدق الذي هو شعبة منها، وقد جعلوها محوراً للأخلاق العملية، واهتموا بها بصورة عجيبة وظاهرة.
الأرض والمبدأ:
لقد رأينا: أن الأرض ليست هدفاً في نظر الإسلام، وإنما الهدف هو الإسلام نفسه، فإن المقام في الأرض والاحتفاظ بها، إذا كان معناه الذل والقهر، والحرمان، وعدم تحقيق الأهداف الدينية السامية الكبرى، التي تكون بها سعادة الإنسان، فيجب ترك هذه الأرض والتخلي عنها إلى غيرها، من أجل الصلاح والإصلاح، وبناء المستقبل، والحصول على السعادة والكرامة الحقيقية.
فالإنسان أولاً، وكل ما عداه فإنما هو من أجله، وفي خدمته.
ومن معطيات الهجرة أيضاً:
وبعد هذا، فإن قضية الهجرة تعطينا: وجوب نصر المسلمين بعضهم بعضاً حيث رأينا أن المهاجرين قد استعانوا بإخوانهم الأنصار فأعانوهم ونصروهم على أعدائهم.
كما أنها تعطينا وجوب أن يكون المسلمون يداً واحدة على من سواهم، من دون أن يكون للروابط القبلية أي تأثير في ذلك، ووجوب أن يكون المنطلق لهم في تعاونهم وتوادهم، وتراحمهم، والتأسي في المعاش فيما بينهم، هو الدين والعقيدة، لا الروابط القبلية، أو المصلحية، أو غير ذلك.
ثم هي تعطينا حسن التدبير، ودقة التخطيط الذي اتبعه "صلى الله عليه وآله" في تلك الظروف الحرجة والعصيبة، فإن مبيت أمير المؤمنين "عليه السلام" هو الذي جعل قريشاً تطمئن إلى وجوده "صلى الله عليه وآله" على فراشه، حينما جاء من أخبر المحيطين بالبيت بأنه "صلى الله عليه وآله" قد خرج وانطلق لحاجته([271]).
أبو طالب × في حديث الغار:
وقد جاء في بعض الروايات: أن أبا طالب "عليه السلام" قال للنبي "صلى الله عليه وآله" حينما ائتمروا به: هل تدري ما ائتمروا بك؟
قال: يريدون أن يسجنوني، أو يقتلوني، أو يخرجوني.
قال: من حدثك بهذا؟
قال: ربي.
قال: نعم الرب ربك الخ..([272]).
ونقول: إن هذه الرواية لا يمكن أن تصح، لأن ائتمارهم به "صلى الله عليه وآله" قد كان بعد بيعة العقبة الثانية، وقبل الهجرة بقليل، أي في السنة الثالثة عشرة بعد البعثة، وأبو طالب قد توفي في السنة العاشرة من البعثة، أي بعد خروج المسلمين من الشعب.
إلا أن يقال: إن من الممكن أن يكونوا قد ائتمروا أن يفعلوا به ذلك أكثر من مرة، فأخبر الله تعالى نبيه بذلك، ثم عزموا على تنفيذ مؤامرتهم في وقت متأخر، ولعل الرواية المذكورة آنفاً تؤيد ذلك.
مع آية الغار:
قال تعالى: ?إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?([273]).
ربما يقال: إن هذه الآية تدل على فضل أبي بكر، لأمور:
منها: أنه عبر عن أبي بكر بأنه ثاني اثنين،بدعوى أنه أحد اثنين في الفضل، ولا فضل أعظم من كون أبي بكر قريناً للنبي "صلى الله عليه وآله".
ومنها: أنه جُعل صاحباً للنبي "صلى الله عليه وآله"، والصحبة في هذا المقام العظيم منزلة عظمى.
ومنها: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال له: ?إِنَّ اللهَ مَعَنَا? أي أنه معهما بلحاظ نصرته ورعايته، ومن كان شريكاً للنبي "صلى الله عليه وآله" في نصرة الله له، كان من أعظم الناس.
ومنها: قوله تعالى: ?فَأَنزَلَ اللهَ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ? فإن السكينة قد أنزلت على أبي بكر؛ لأنه هو المحتاج إليها، لما تداخله من الحزن، دون النبي "صلى الله عليه وآله": لأنه عالم بأنه محروس من الله سبحانه وتعالى([274]).
ولكن ذلك كله لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ إن عائشة تقول: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، غير أن الله أنزل عذري([275]) وحتى عذرها هذا قد ثبت أنه لا يمكن أن يكون قد نزل فيها، كما أثبتناه في كتابنا حديث الإفك.
2 ـ أما كونه ثاني اثنين، فليس فيه إلا الإخبار عن العدد، وهو لا يدل على الفضل، إذ قد يكون الثاني صبياً، أو جاهلاً، أو مؤمناً، أو فاسقاً الخ..
والفضيلة في القرآن منحصرة بالتقوى: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ أَتْقَاكُم?([276])، لا بالثانوية.
ويزيد العلامة المظفر: أنه لو كان المراد الإثنينية في الفضل والشرف، لكان أبو بكر أفضل لأنه هو الأول، والنبي هو الثاني بمقتضى الآية!!([277]).
3 ـ من الواضح: أن الهدف في الآية هو الإشارة إلى أن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" كان في موقف حرج، ولا من يرد عنه أو يدفع، أما رفيقه فليس فقط لا يرد عنه، وإنما هو يمثل عبئاً ثقيلاً عليه، بحزنه وخوفه ورعبه، فبدل أن يخفف عن النبي "صلى الله عليه وآله"، ويشد من أزره، يحتاج هو إلى أن يخفف نفس النبي "صلى الله عليه وآله" عنه، ويسليه!! أو على الأقل لم يكن له أي أثر في الدفاع عن الرسول، والتخفيف من المشقات التي يتحملها، إلا أنه قد زاد العدد، وصار العدد بوجوده اثنين.
4 ـ أما جعله صاحباً للنبي "صلى الله عليه وآله"، فهو أيضاً لا فضيلة فيه؛ لأن الصحبة لا تدل على أكثر من المرافقة والاجتماع في مكان واحد، وهو قد يكون بين العالم وغيره، والكبير والصغير، وبين المؤمن وغيره، قال تعالى: ?وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ?([278])، وقال: ?قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ?([279]).
فالصحبة من حيث هي لا فضل فيها.
5 ـ أما قوله تعالى: ?إِنَّ اللهَ مَعَنَا?؛ فقد جاء على سبيل الإخبار لأبي بكر؛ والتذكير له بأن الله تعالى سوف يحفظهم عن أعين المشركين، وليس في ذلك فضيلة له، بل فيه إخبار بأن الله ينجيهم من أيدي أعدائهم، ولسوف ينجي الله أبا بكر مقدمة لنجاة نبيه، ما دام أن هذا متوقف على ذاك.
وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول: ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ?([280]) إذن، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبي، أو لأجل وجود مؤمن مقيم فيما بينهم لا يوجب فضلاً للمشركين.
6 ـ إن هذا الحزن قد صدر منه ـ كما يقول المؤرخون ـ بعد ما رأى من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة، التي توجب اليقين بأن الله يرد عن نبيه، ويحفظه من أعدائه.
فهو قد عرف بخروجه من بين القوم، وهم لا يرونه، ورأى نسج العنكبوت على باب الغار، ورأى الحمامة تبيض، وتقف على باب الغار، وغير ذلك، كما أنه "صلى الله عليه وآله" كان يخبر المسلمين بأنه ستفتح على يديه كنوز كسرى وقيصر، وأن الله سيظهر دينه، وينصر نبيه، فحزن أبي بكر في مقام كهذا لا يمكن أن يكون على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لأنه قد عرف بعد رؤيته لتلك الآيات أن الله سبحانه حافظ لنبيه، فإن كان بعد كل هذا غير مصدق بحفظ الله لنبيه غير واثق بنصرته له مع رؤيته لكل هذه الآيات فسيكون أمره مريباً، وفي غاية الغرابة، ويكون حزنه معصية يجب أن يردع عنها ويمنع منها، والنهي عنها مولوي، وهو يكشف عن عدم رسوخ قدم له في معرفة جلال وعظمة الله، ولا نقول أكثر من ذلك.
وإن كان أبو بكر على يقين من نصرة الله لنبيه، لكنه حزن على نفسه، خوفاً من أن يلحق به أذى من قبل قريش فإنه يحتاج في هذه الحال إلى التطمين، الذي أكد له أن الله تعالى عارف بحاله وبمطالبه الشخصية، وهو مع الرسول "صلى الله عليه وآله" في مكان واحد، ويحتاج حفظ الرسول إلى حفظ من يكون معه، لأن التدخل الإلهي فيما يرتبط بإبعاد المشركين عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإيجاد الشجرة، ونسج العنكبوت إنما يسير من ناحية المشركين، وفقاً للسنن الطبيعية، ولا يمكن وفقاً لهذه السنن أن يفسح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر إلا إذا رأوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى جانبه.
وفي هذا تفريط بالرسول وإفساد للخطة الإلهية، فظهر أن حفظ الرسول يستلزم حفظ من اجتمع معه في المكان أيضاً.
لأن إفساح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر سوف يمكنهم من رؤية الرسول "صلى الله عليه وآله" إلا إذا طمس على أعينهم بتدخل إلهي مباشر وفي هذا ظلم لهم لما فيه من سلب لاختيارهم.
وأخيراً.. فإننا نذكر القارئ بالفرق بين من يحزن خوفاً على نفسه، وبين من يضحي بنفسه من أجل نجاة رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولا يسأل عما سوف يصيبه إذا كتب الله لنبيه النجاة.. حتى استحق أن يباهي الله به ملائكته وأن ينزل فيه آية قرآنية تبين كيف باع نفسه لله، وهو قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ?([281]).
وقد قيل: إن أبا بكر قال: يا رسول الله، إن حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": ?إِنَّ اللهَ مَعَنَا?([282]).
7 ـ أما قولهم إن النصر كان من الله لهما معاً، فهو شريك للنبي في نصرة الله لهما، وهذا فضل عظيم.
فهو أيضاً باطل، ويدفعه صريح الآية، فإنها قد خصت نصر الله تعالى ـ ولعله بمعنى أنه تعالى نجى نبيه من الكفار ـ بالرسول، قال تعالى: ?إِلاَّ تَنصُرُوهُ (الضمير يرجع إلى النبي "صلى الله عليه وآله") فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ..?. فالنصر إذن ثابت لخصوص النبي "صلى الله عليه وآله"، وأبو بكر تابع محض، والتبعية في النصرة إنما هي لأجل اجتماعهما في مكان واحد، وذلك لا يدل على فضل لأبي بكر([283]).
أو فقل: إن حفظه لأبي بكر إنما هو مقدمة لحفظ شخص النبي "صلى الله عليه وآله" كما قلنا.
8 ـ وأما قضية السكينة، فلا يصح قولهم: إنها نزلت على أبي بكر، بل هي نازلة على خصوص النبي "صلى الله عليه وآله"، لأن الضمائر المتأخرة والمتقدمة في الآية كلها ترجع إليه "صلى الله عليه وآله" بلا خلاف، وذلك في الكلمات التالية: تنصروه، نصره، يقول، أخرجه، لصاحبه، أيده، فرجوع ضمير في وسطها إلى غير النبي "صلى الله عليه وآله" يكون خلاف الظاهر، ويحتاج إلى قرينة قاطعة.
ويلاحظ هنا: أن ثمة تجاهلاً ظاهراً لأبي بكر في هذه الآيات المباركة، يوحي بما ربما لا يروق للكثيرين أن يفكروا به.
كلام الجاحظ، وما فيه:
وناقش الجاحظ([284]) وغيره فقالوا: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن بحاجة إلى السكينة لتنزل عليه، وكأنه يريد أن يجعل من ذلك قرينة لصرف اللفظ عن ظاهره.
ولكنه كلام باطل.
أولاً: قال تعالى في سورة التوبة في الآية 26 عن قضية حنين: ?ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ?. وقال في سورة الفتح في الآية 26: ?فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ?.
فهاتان الآيتان: تدلان على نزول السكينة عليه "صلى الله عليه وآله"، فلا يصح ما ذكره الجاحظ.
ومن جهة ثانية نرى: أنه تعالى قد ذكر نزول السكينة على المؤمنين فقال: ?هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً..?([285]).
وقال: ?فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً?([286]).
وهنا قد يتساءل البعض عن سر إخراج أبي بكر من السكينة، ولم حرم منها هنا، مع أن الله قد أنزلها على النبي "صلى الله عليه وآله" هنا وعليه وعلى المؤمنين في غير هذا الموضع؟!!
وأقول: لربما يمكن الجواب: بأن إنزالها على الرسول هنا يكفي؛ لأن في نجاته نجاة لصاحبه، وفي خلاصه خلاصه.
ولكنه جواب متهالك، لأن السكينة إنما توجب اطمينان القلب، وذهاب القلق، وهو أمر آخر غير النجاة والخلاص.
فيبقى السؤال الآنف بانتظار الجواب.
ثانياً: إن السكينة هي: نعمة من الله تعالى: ولا يجب في نزول النعمة الاتصاف بما يضادها، ولذلك تنزل الرحمة بعد الرحمة، وقد يكون نزول السكينة يهدف إلى زيادة الإيمان قال تعالى مشيراً إلى ذلك: ?هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً..?.
ثالثاً: من أين علموا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن بحاجة إلى السكينة مع عدم وجود ما يدل عليه في الآية، فلتكن كآية حنين بمعنى أن هذه السكينة بمثابة الإعلام بأن مرحلة الخطر القصوى قد انتهت؟!
ولماذا لا يظن النبي "صلى الله عليه وآله": أن حزن أبي بكر، ورعبه وخوفه، وبكاءه، قد كان لمشاكل أخرى وهو "صلى الله عليه وآله" وإن كان يعلم: أنه سوف ينجو منها في النهاية، إلا أنها تشكل على الأقل عراقيل وموانع، تؤخر وصوله إلى هدفه الأقصى والبعيد.
رابعاً: يرى العلامة الطباطبائي: أن الآية مسوقة لبيان نصر الله تعالى لنبيه، حيث لم يكن معه أحد يتمكن من نصرته، ومن هذا النصر إنزال السكينة عليه، وتقويته بالجنود، ويدل على ذلك تكرار كلمة "إذ" ثلاث مرات، كل منها بيان لما قبله بوجه، فتارة لبيان وقت النصر، وأخرى لبيان حالته "صلى الله عليه وآله"، وثالثة لبيان وقت هذه الحالة؛ فالتأييد بالجنود كان لمن نزلت السكينة عليه([287]).
ويقول بعض الأعلام([288]): "إن أبا بكر لما لم يستجب لطلب النبي "صلى الله عليه وآله" في أن لا يحزن ولا يخاف، فإن السكينة نزلت على النبي "صلى الله عليه وآله"، وبقي أبو بكر على عدم سكينته، الأمر الذي يدل على أن أبا بكر لم يكن مؤهلاً لهذا التفضل والتكرم من الله تعالى".
ماذا يقول المفيد هنا، وبماذا يجيبون؟!
ويقول المفيد، وغيره: إن حزن أبي بكر إن كان طاعة لله؛ فالنبي "صلى الله عليه وآله" لا ينهى عن الطاعة؛ فلم يبق إلا أنه معصية([289]).
وأجاب الحلبي وغيره: بأن الله خاطب نبيه بقوله: ?وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ? فنهي الله لنبيه لم يكن إلا تأنيساً وتبشيراً له، وكذلك نهي النبي لأبي بكر([290]).
ونحن نرى أن جواب الحلبي هذا في غير محله، وذلك:
لأن حزن أبي بكر، وشكه في نصر الله، الذي يشير إليه قوله "صلى الله عليه وآله" له: ?إِنَّ اللهَ مَعَنَا? كان مما لا يجمل ولا يحسن؛ إذ كان عليه أن يثق بنصر الله سبحانه وتعالى لنبيه "صلى الله عليه وآله"، بعد ما رأى المعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، الدالة على أن الله تعالى سوف ينجي نبيه من كيد المشركين.
وعليه فلا يمكن أن تكون الآية واردة في مقام مدحه وتقريظه، ولا بد من حمل النهي على ما هو ظاهر فيه، ولا يصرف عن ظاهره إلا بقرينة، بل ما ذكرناه يكون قرينة على تعين هذا الظاهر.
ولا يقاس حزن أبي بكر بحزن النبي "صلى الله عليه وآله"، والمشار إليه بقوله تعالى: ?وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ? وغيرها، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما كان يحزن من أجل ما يراه من العوائق أمام دعوته، والموانع التي تعترض طريق انتشار وانتصار دينه، لما يراه من استكبار قومه، ومقامهم على الكفر والطغيان.
فالنهي له "صلى الله عليه وآله" في الآية المتقدمة، ولموسى "عليه السلام" في آية أخرى، ليس نهي تحريم، وإنما هو تأنيس وتبشير بالنصر السريع لدينه، وللتنبيه على عدم الاعتناء بقولهم، وعدم استحقاقهم للحزن والأسف.
فحزن النبي "صلى الله عليه وآله" هنا يدل على عمق إيمانه، وفنائه في ذات الله تعالى، وهو لا يقاس بحزن من يحزن من أجل نفسه، ومن أجل نفسه فقط.
والآيات صريحة فيما نقول: فنجد آية تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" كان يحزن لمسـارعة قومه في الكفر: ?وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ..?([291]) و?وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ?([292]) وأخرى تقول إنه يحزن لما بدا له من تكذيبهم إياه: ?قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ..?([293]).
وثالثة تقول: إنه كان يحزن لاتخاذهم آلهة من دون الله ?فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ?([294]). وهكذا سائر الآيات، كما لا يخفى على من لاحظها.
فالآيات على حد قوله تعالى: ?فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ?([295]) فهو حزن حسن منه "صلى الله عليه وآله"، وهو يدل على كمال صفاته، وسجاحة([296]) أخلاقه، صلوات الله عليه وآله الطاهرين.
أضف إلى كل ما تقدم: أننا لو لم نعرف واقع حزن أبي بكر، فإننا لا يمكن أن نقيسه على حزن النبي المعصوم، بل علينا أن نأخذ بظاهر النهي، وهو التحريم، ولا يعدل عن ظاهره إلا بدليل.
سؤال يحتاج إلى جواب:
وإذا كان أبو بكر يحزن مع ما يرى من الآيات والمعجزات، ولا يصبر لينال أجر الصابرين الموقنين، فكيف تكون حالته لو أراد أن ينام في مكان أمير المؤمنين علي "عليه السلام" في تلك الليلة المهولة؟! وهل من الممكن أن لا يضعف وينهار أمام كيد قريش، ويستسلم لجبروتها في اللحظـات العسيرة، ولتنقلب من ثم مجريات الأمور رأساً على عقب؟.
هذا السؤال يطرح نفسه، وربما لا، ولن يجد الجواب الكافي والشافي في المستقبل القريب على الأقل.
سؤال آخر: وهو أنه هل يمكن أن نصدق بعد هذا ما يدعى من أشجعية أبي بكر بالنسبة لسائر الصحابة؟!
وسيأتي إن شاء الله تعالى حين الكلام على غزوة بدر، بعض ما يرتبط بهذا السؤال الثاني، فإلى هناك.
تحير أبي بكر في حراسته للنبي ':
ويقولون: إن أبا بكر كان في الطريق إلى الغار، تارة يمشي أمام النبي "صلى الله عليه وآله"، وأخرى خلفه، وثالثة عن يمينه، ورابعة عن يساره؛ فسأله رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن ذلك، فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك([297]).
وهذا كلام لا يصح.
أولاً: لأن حزنه في الغار، وخوفه وهو يرى الآيات والمعجزات التي يذكرها نفس هؤلاء الراوين لهذه الرواية قد زاد في كدر النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، حتى لقد احتاج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى أن ينزل الله سكينته عليه.
ثانياً: عدا عن ذلك فإنه لا معنى لتخوف الرصد، فقد كانت قريش مطمئنة إلى أنها تحاصر النبي "صلى الله عليه وآله"، وتحيط به، وأنه لن تكون له نجاة من مكرها وكيدها، ثم هل كان لديه سلاح يدفع به عن النبي "صلى الله عليه وآله"، أو عن نفسه؟!.
ثالثاً: أضف إلى ذلك كله: فراره في أحد، وحنين، وخيبر، كما سنرى إن شاء الله تعالى، ولم يؤثر عنه فيما سوى ذلك أي موقف شجاع يذكر، وقد يكون للقصة أصل إذا كان يفعل ذلك من جهة خوفه على نفسه، فكان يبحث عن موقع يشعر فيه بالأمن فلا يجده!! ثم حرفت وحورت حتى صارت كما ترى، فتبارك الله أحسن الخالقين!!
التأكيد على موقف أبي بكر.
وإننا نكاد نطمئن إلى أن الهدف من هذا وسواه هو تعويض أبي بكر عما فقده، في مقابل مبيت علي "عليه السلام" على فراش النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، حيث باهى الله به ملائكته، وهو مقام ناله علي "عليه السلام" بجهاده وصبره، وإخلاصه.
من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟!
قد ورد: أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.
فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد "صلى الله عليه وآله"؛ فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوه.
فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائكة؟
فأنزل الله عزوجل: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ?([298]).
قال الإسكافي: "وقد روى المفسرون كلهم: أن قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله..? نزلت في علي "عليه السلام" ليلة المبيت على الفراش"([299]).
كذبة مفضوحة:
وبما ذكرناه من المصادر لنزول آية الشراء في علي "عليه السلام"، وبما ذكره الإسكافي أيضاً يظهر كذب ما ذكره فضل بن روزبهان، من أن أكثر المفسرين يقولون: إن الآية قد نزلت في الزبير والمقداد، حيث أرسلهما النبي "صلى الله عليه وآله" إلى مكة لينزلا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها، وكان حول خشبته أربعون من المشركين، فخاطرا بنفسيهما حتى أنزلاه، فأنزل الله الآية([300]).
ويذكر المظفر: أن المفسرين لم يذكروا ذلك، حتى السيوطي، والرازي، والكشاف، مع أن الرازي قد جمع في تفسيره كل أقوالهم، والسيوطي جمع عامة رواياتهم.
وذكر في الإستيعاب في ترجمة خبيب: أن الذي أرسله النبي "صلى الله عليه وآله" لإنزاله هو عمرو بن أمية الضمري([301]).
وسيأتي: عدم صحة ذلك في الجزء السادس من هذا الكتاب.
وابن تيمية ماذا يقول؟!
وقد أنكر "ابن تيمية" على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي "عليه السلام" وقال: "كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له: لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، فلم يكن فيه فداء بالنفس، ولا إيثار بالحياة، والآية المذكورة في سورة البقرة، وهي مدنية باتفاق.
وقد قيل: إنها نزلت في صهيب "رضي الله عنه" لما هاجر"([302]).
ونقول:
1 ـ إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى علي "عليه السلام"، فهي أيضاً مدنية بالنسبة إلى صهيب، فما يقال هناك يقال هنا.
2 ـ لقد أجاب الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام": لن يصل إليك شيء تكرهه! فقال:
"هذا هو الكذب الصراح، والإدخال في الـروايـة ما ليس منها، والمعروف المنقول أنه "صلى الله عليه وآله" قال له: "فاضطجع في مضجعي، وتغش ببردي الحضرمي، فإن القوم سيفقدونني، ولا يشهدون مضجعي، فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك، حتى يصبحوا، فإذا أصبحت فاغد في أمانتي".
ولم ينقل ما ذكره الجاحظ، وإنما ولده أبو بكر الأصم، وأخذه الجاحظ، ولا أصل له.
ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع الاتفاق على أنه ضرب، ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو، حتى تضور، وأنهم قالوا له: رأينا تضورك الخ.."([303]).
هذا وقد تقدم في أوائل هذا الفصل: أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما قال لعلي "عليه السلام": إنه لا يصل إليه شيء يكرهه، بعد مبيته على الفراش، وذلك حينما التقى معه في الغار، وأمره برد ودائعه، وأن ينادي في مكة بذلك، وطمأنه إلى أن نداءه هذا لن يتسبب له بمتاعب وصعوبات وليس المقصود: أنه لن يناله مكروه من أي مشرك في جميع الأحوال والأزمان.
3 ـ ويدل على أنه كان موطناً نفسه على القتل ما يلي:
أ ـ إنه لو صح ما ذكره ابن تيمية لم يكن معنى للافتخار بموقفه ذاك؛ فقد روي أن عائشة فخرت بأبيها، ومكانه في الغار مع الرسول "صلى الله عليه وآله"، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: وأين أنت من علي بن أبي طالب، حيث نام في مكانه، وهو يرى أنه يقتل؟ فسكتت، ولم تحر جواباً([304]).
ب ـ وعن أنس: أنه "عليه السلام" كان موطناً نفسه على القتل([305]).
ج ـ إن علياً "عليه السلام" نفسه قد أكد على هذا، ودفع كل شبهة فيه، حينما قال شعره المتقدم:
وقيت نفسي خير من وطـأ الثرى .......
إلى أن قال:
وبـت أراعـيـهـم متـى يثبتـوننـي وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبـات رسـول الله في الغـار آمنــاً هنـاك وفي حفظ الإلـه وفي سـتر([306])
د ـ وعنه "عليه السلام": "وأمرني أن أضطجع في مضجعه، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له، مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى "صلى الله عليه وآله" لوجهه، واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي "صلى الله عليه وآله"، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي؛ فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس.
ثم أقبل على أصحابه، فقال: أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين"([307]).
وقيل إنهم ضربوا علياً، وحبسوه ساعة، ثم تركوه([308]).
ملاحظة:
يمكن أن يفهم مما تقدم: أن الحديث الذي يقول: إنه "عليه السلام" قد حاربهم بسيف خالد موضع شك وريب، لأنه إنما حاربهم بسيفه هو لا بسيف خالد.
إلا أن يقال: أن نسبته إليه لا تدل على ملكيته له.
وقد يكون حاربهم بسيفه أولاً، ثم سيف خالد ثانياً بعد أن أخذه منه وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً.
4 ـ وبعد، فإن قيمته "عليه السلام" إنما هي قائمة في عمق ذاته، من حيث صفاء جوهره، وكامنة في عمق ذاته، تماماً كما هي قيمة الذهب والجوهر، والألماس بالقياس إلى الحديد والنحاس، فإنك تستخدم الحديد، وتستفيد منه ليل نهار، أما الجوهر والألماس، فإنه يحتفظ بقيمته العالية رغم أنه في أعماق الخزائن، وقد يستفاد منه في شيء من الأعمال إلا ما شذ وندر، وهو في معرض المدح والثناء، ولا يلتفت إليه.
ولأجل ذلك نقول: إن نزول الآية لتعظيم أمير المؤمنين "عليه السلام" يكون أمراً عادياً وصحيحاً، حتى لو لم يكن علي حاضراً في واقعة ليلة الهجرة، لأن علياً يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله دون كل أحد سواه.
5 ـ وأما دعوى ابن تيمية: أن حديث حراسة جبرائيل وميكائيل له "عليه السلام"، ونزول الآية فيه، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
فلا تصح أصلاً، فإننا لم نجد أحداً منهم صرح بكذب هذه الرواية سواه، فهو يدعي عليهم ما لا يعرفون، وينسب إليهم ما هم منه بريئون.
بل عرفت تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث، وتقدم أيضاً طائفة كبيرة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ، من دون غمز فيه أو لمز.
إلا أن يكون شيطان ابن تيمية قد أوحى إليه بأن ينسب إليهم ما هم منه براء.
6 ـ وأجاب الحلبي عن كلام ابن تيمية بقوله: "..لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعلي ما ذكر؛ أي لن يصل إليك شيء تكرهه وعليه فيكون فداؤه للنبي بنفسه واضحاً.
ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي، وفي حق صهيب. وحينئذٍ يكون "شرى" في حق علي "رضي الله عنه" بمعنى باع، أي باع نفسه بحياة المصطفى، وفي حق صهيب بمعنى اشترى، أي اشترى نفسه بماله.
ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية؛ لأن الحكم يكون للغالب"([309]). انتهى.
ولكن بعض ما أجاب به الحلبي محل نظر؛ فإن استعمال شرى بمعنى باع تارة وبمعنى اشترى أخرى محل نظر؛ لأنه يلزم منه استعمال المشترك في أكثر من معنى، وقد منعه طائفة من العلماء.
وإن كنا نحن نرى: أنه لا مانع من ذلك؛ إلا ما كان من قبيل الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معاً، وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب، فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن للآية، وكيفية فهمنا لها.
هذا عدا عن أن صهيباً لا خصوصية له في بذله ماله، فإن كثيراً من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فراراً بدينهم.
وعن قضية صهيب نقول:
لقد رووا: أنه لما أراد رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثاً إلى صهيب فوجده يصلي، فكره أن يقطع صلاته، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر، فسأل عن أخويه: النبي "صلى الله عليه وآله" وأبي بكر، فأخبروه بما جرى، فأراد الهجرة وحده، ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال "صلى الله عليه وآله": ربح صهيب ربح صهيب، أو ربح البيع، فأنزل الله: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ..?([310]).
وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره.. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر: أن الآية نزلت لما أخذ المشركون صهيباً ليعذبوه، فقال لهم: إني شيخ كبير لا يضر، أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني؟ ففعلوا([311]).
ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير المؤمنين حين هجرته، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه؛ فراجع([312]).
ولكنها قصة لا تصح:
أولاً: لأن إرسال النبي "صلى الله عليه وآله" أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول، لا سيما وهم يدَّعون: أن قريشاً كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي "صلى الله عليه وآله"، وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به([313])، وإن كنا نعتقد بعدم صحة ذلك كما سنرى، ولكن قريشاً ولا شك إنما كانت تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر.
أضف إلى ما تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يخبر أحداً بهجرته تلك الليلة، بل يروون: أنه "صلى الله عليه وآله" إنما صادف أبا بكر وهو في طريقه إلى الغار.
ثانياً: إن كلامه معه وهو في الصلاة، وإخباره بالأمر، لا يوجب قطع صلاة صهيب، إذ باستطاعته أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته كما أنه يمكن أن ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته، فيخبره بما يريد، ويمكن أيضاً أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد إبلاغها إلا إذا كان لم يثق بهم.
إلا أن يدَّعى: أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف، أو أنه كان يرى حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي، وكلاهما غير محتمل في حقه، أو لا يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل، وباقي الفروض الآنفة تبقى على حالها. هذا بالإضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو ثلاثاً، وهو لا يزال يصلي!!.
ثالثاً: لماذا يهتم النبي "صلى الله عليه وآله" بصهيب خاصة، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين، الذين كانت قريش تمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى؛ فلا يرسل إليهم، ولو مرة واحدة، ولا نقول ثلاث مرات؛ وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي "صلى الله عليه وآله"، وعطفه الشديد على أمته؟.
إلا أن يقال: لعل غير صهيب كان مراقباً من قبل المشركين، أو أن صهيباً كان أشد بلاء من غيره، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل عليها، ولا شاهد لها.
رابعاً: إننا نجد بعض الروايات تقول: إن أبا بكر ـ وليس النبي "صلى الله عليه وآله" ـ هو الذي قال لصهيب: ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها بحديث الغار([314]) والبعض يذكر القضية، ولكنه لا يذكر نزول الآية فيه([315]).
خامساً: إن الآية إنما تتمدح من يبذل نفسه في مرضاة الله، لا أنه يبذل المال في مرضاته، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.
سادساً: قد قلنا آنفاً: إن صهيباً لم يكن الوحيد الذي بذل ماله في سبيل دينه، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم؟
سابعاً: إنهم يذكرون: أنه لم يتخلف مع النبي "صلى الله عليه وآله" أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علياً وأبا بكر([316]).
ثامناً: إن الرواية القائلة بأن صهيباً كان شيخاً كبيراً لا يضر المشركين، أكان معهم أم مع غيرهم لا تصح؛ لأن صهيباً قد توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة([317])؛ فعمره يكون حين الهجرة واحداً أو اثنين وثلاثين سنة، فهو قد كان في عنفوان شبابه، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة.
هذا كله، عدا عن تناقضات روايات صهيب.
وعدا عن أن عدداً منها لا يذكر نزول الآية في حقه.
كما أنها عموماً إما مروية عن صهيب نفسه، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي، كعكرمة، وابن المسيب، وابن جريج، وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فقط.
ويجب أن يُعلم: أن صهيباً كان من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي "صلى الله عليه وآله"، وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين، وكان يعادي أهل البيت "عليهم السلام"([318]).
فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك، بمنحه هذه الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين "عليه السلام"، فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن علياً يخسر وخصومه يربحون.
6 ـ بقي في كلام ابن تيمية المتقدم قوله: إن سورة البقرة مدنية، ولو صح نزولها في علي "عليه السلام" لكانت مكية.
وجوابه واضح: فإن نزول الآية لو سلم أنه كان في نفس ليلة المبيت، فمن الواضح أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان حينئذٍ في الغار، وليس معه سوى أبي بكر؛ فلم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلا بعد وصوله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، واستقراره فيها، ثم إتاحة الفرصة له في الظرف المناسب لإظهار هذه الفضيلة العظيمة لابن عمه ووصيه.
فلا بأس أن تعد بهذا الاعتبار مدنية، وتجعل في سورة البقرة، التي كان نزولها في مطلع الهجرة، كما هو معلوم.
هذا بالإضافة إلى أن وجود آية مكية في سورة مدنية ليس بعزيز.
وأما ما ذكره الحلبي من تكرر نزول الآية فلا دليل عليه، بل الأدلة الآنفة تدفعه وتنافيه.
تسمية أبي بكر بالصديق:
يرى البعض: أن الله تعالى قد سمى أبا بكر بالصديق في قضية الغار، كما في شواهد النبوة، حيث قد روي: أنه حين أذن الله تعالى لنبيه بالهجرة، قال لجبرائيل: من يهاجر معي؟
قال جبرائيل: أبو بكر الصديق([319]).
ولكننا نشك في صحة ذلك:
أولاً: لتناقض الروايات في تسمية أبي بكر بالصديق، وسبب ذلك وزمانه؛ فمن قائل: إن ذلك كان في قضية الغار كما هنا.
ومن قائل: إنه كان حينما رجع النبي "صلى الله عليه وآله" من رحلة الإسراء، وتصديق أبي بكر له في ذلك، وحين وصف النبي "صلى الله عليه وآله" لقومه بيت المقدس([320]).
وقول ثالث: إن ذلك كان حين بعثة النبي "صلى الله عليه وآله"، حيث صدقه أبو بكر، فسمي الصديق([321]).
وقول رابع: إن ذلك كان حين رحلة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى السماء، حيث روي عنه "صلى الله عليه وآله" قوله: لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوباً محمد رسول الله أبو بكر الصديق([322]) فأي ذلك هو الصحيح؟!
ثانياً: لدينا العديد من الروايات الصحيحة والحسنة سنداً، والمروية في عشرات المصادر، تنص على أن "الصديق" هو أمير المؤمنين "عليه السلام"، دون أبي بكر، ونذكر منها:
1 ـ عن علي "عليه السلام"، بسند صحيح على شرط الشيخين، أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين([323]).
وقال غير مرة: "أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته"([324]).
والظاهر أن المراد: أنه "عليه السلام" كان يتعبد مع النبي "صلى الله عليه وآله" على دين الحنيفية ـ حتى قبل بعثته ـ من حين تمييزه، إلى أن علم الدين، ونزل قوله تعالى: ?فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ?، بل وقبل ذلك أيضاً. وبذلك يبطل قول ابن كثير: "كيف يتمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين؟ هذا لا يتصور أصلاً "([325]).
2 ـ وأخرج القرشي في شمس الأخبار رواية طويلة عن النبي "صلى الله عليه وآله" أن الله قد سمى علياً ب‍ "الصديق الأكبر" في ليلة الإسراء([326]).
3 ـ عن ابن عباس، عن النبي "صلى الله عليه وآله": الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم.
وقريب منه ما روي عن أبي ليلى الغفاري، بسند حسن، كما نص عليه السيوطي([327]).
وكذا عن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى([328]).
فحصر النبي "صلى الله عليه وآله" للصديقين بالثـلاثة، ينافي تسمية أبي بكر ب‍ "الصديق" على النحو المتقدم، وإلا كانوا أربعة، ولم يصح الحصر.
4 ـ عن معاذة قالت: سمعت علياً، وهو يخطب على منبر البصرة، يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر([329]).
وظاهره: أنه في صدد نفي صديقية أبي بكر، التي شاعت بين الناس.
5 ـ عن أبي ذر، وابن عباس، قالا: سمعنا النبي "صلى الله عليه وآله" يقول لعلي: أنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل([330])، وقريب منه عن أبي ليلى الغفاري.
6 ـ عن أبي ذر، وسلمان: إن الرسول "صلى الله عليه وآله" أخذ بيد علي، فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل الخ([331]).
7 ـ وفي خطبة طويلة لأم الخير بنت الحريش، أوردتها في صفين، وصفت فيها أمير المؤمنين "عليه السلام" بـ "الصديق الأكبر"([332]).
8 ـ وقال محب الدين الطبري: "إن رسول الله سماه صديقاً"([333]).
9 ـ وقـال الخجندي: "وكان يلقب بيعسوب الأمـة، وبالصديق الأكبر"([334]).
10 ـ وجاء في رواية أخرى: "فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب الخ.."([335]).
11 ـ إن آية: ?أوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ?([336]) نزلت في علي "عليه السلام" وكذا آية: ?وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ?([337])، وآية: ?فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ?([338]).
12 ـ وفي رواية عن أنس: "وأما علي فهو الصديق الأكبر الخ.."([339]). وثمة روايات أخرى؛ فلتراجع في مصادرها([340]).
وبعدما تقدم نعرف: أن لقب "الصديق" خاص بالإمام علي "عليه السلام"، ولا يمكن إثباته لغيره.
هذا وقد ذكر العلامة الأميني روايات تدل على أن الصديق هو أبو بكر، ثم فندها بما لا يدع مجالاً للشك في كذبها وافتعالها؛ حيث حكم كبار النقاد والحفاظ عليها بالوضع والكذب من أمثال: الذهبي، والخطيب، وابن حبان، والسيوطي، والفيروزآبادي، والعجلوني، ومن أراد أن يقف على ذلك، فعليه بالرجوع إلى كتاب الغدير؛ فإن فيه ما ينقع الغلة، ويزيح الشبهة.
متى كان وضع هذه الألقاب:
والظاهر أن سرقة هذا اللقب، وغيره من الألقاب، قد حصلت في وقت متقدم، حتى اضطر الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى الإعلان على منبر البصرة([341]): أنه "عليه السلام" هو الصديق الأكبر، وليس أبا بكر، وأن كل من يدعي هذا اللقب لنفسه فهو كذاب مفتر، وقد كرر "عليه السلام" ذلك كثيراً.
ولكن السياسة التي حكمت الأمة، وهيمنت على فكرها واتجاهاتها استطاعت أن تحتفظ بهذه الألقاب لمن تريد الاحتفاظ لهم بها، ولم يكن ثمة أية قوة تستطيع أن ترد أو أن تمنع، أو حتى أن تعترض ولو بشكل سلمي بحت، لا سيما وأن وضع مثل هذه الأمور قد تم وحصل على أيدي علماء من وعاظ السلاطين.
الراحلتان:
ويقولون: إنه بعد أن بدأ المسلمون بالهجرة إلى المدينة، وأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" أبا بكر: أنه يرجو أن يؤذن له، حبس نفسه على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واشترى راحلتين بثمانمائة درهم ـ وكان أبو بكر رجلاً ذا مال ـ وعلفهما ورق السمر، أو الخبط أربعة أشهر([342])، أو ستة أشهر([343])، على اختلاف النقل.
ولما أراد "صلى الله عليه وآله" الهجرة عرض أبو بكر الراحلتين على الرسول "صلى الله عليه وآله"؛ فأبى أن يقبلهما إلا بثمن.
وإذا أغمضنا النظر عما يظهر من النص السابق من أن الهدف هو إظهار أبي بكر على أنه متفضل على النبي "صلى الله عليه وآله"، فإننا نقول: إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ إن علفه للراحلتين أربعة أشهر أو ستة غير معقول؛ لأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر أصحابه بالهجرة قبل هجرته هو "صلى الله عليه وآله" بثلاثة أشهر فقط، بل يقول البعض: إن ذلك كان قبل هجرته بشهرين ونصف على التحرير([344]).
بل يقول البعض إن بيعة العقبة قد كانت قبل الهجرة بشهرين وليال([345]).
وقد أمر "صلى الله عليه وآله" أصحابه بالهجرة بعد بيعة العقبة، كما هو معلوم؛ فكيف يكون أبو بكر قد علف الراحلتين أربعة، أو ستة أشهر، بعد أمره "صلى الله عليه وآله" لأصحابه بالهجرة؟!.
وأما تخيل أن يكون أبو بكر قد عرف بنية النبي "صلى الله عليه وآله" في هذا المجال، قبل أن يصدر منه "صلى الله عليه وآله" الأمر بالهجرة فليس له ما يؤيده لا من عقل ولا من نقل، سوى هذا النص الذي هو موضع البحث.
بالإضافة إلى أن الاذن بالهجرة إنما كان بعد بيعة العقبة كما تقدم.
2 ـ إن ثمة نصاً يقول: إن أمير المؤمنين "عليه السلام" قد اشترى للنبي "صلى الله عليه وآله" ثلاثاً من الإبل، واستأجر الأريقط بن عبد الله، وأرسل الإبل معه إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الخروج من الغار([346]).
فلعله اشترى الإبل من أبي بكر، واستلمها وأرسلها إلى النبي "صلى الله عليه وآله" مع الأريقط.
ما هي الحقيقة؟!
والحقيقة هي: أنهم لما رأوا: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يقبل الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن، ورأوا في ذلك تضعيفاً للخليفة الأول، وفي مقابل ذلك هم يرون: أن علياً يبذل نفسه في سبيل الله، وتنزل في حقه الآيات، عوضوا أبا بكر عن ذلك بأنه قد علف الراحلتين هذه المدة الطويلة.
وبعدما تقدم نقول: إن شراء الرسول للراحلتين، أو شراء أمير المؤمنين للرواحل يبين: أن أبا بكر قد هاجر على نفقة الرسول "صلى الله عليه وآله"، وليس على نفقة نفسه.
الخروج من خوخة أبي بكر للهجرة:
ويقولون: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد خرج إلى الغار من خوخة لبيت أبي بكر([347]).
وعند البخاري: أنه "صلى الله عليه وآله" ذهب إلى أبي بكر ظهراً، ومن ثم ذهبا إلى الغار([348]).
ونقول:
1 ـ لقد كذب الحلبي ذلك، وقال: "والأصح: إنما كان خروجه من بيت نفسه"([349]).
2 ـ تقدم في أوائل هذا الفصل: أن أبا بكر جاء إلى بيت النبي فوجد علياً نائماً مكانه؛ فأخبره علي "عليه السلام" بذهاب النبي "صلى الله عليه وآله" نحو بئر ميمون؛ فلحقه في الطريق: فكيف يكون قد خرج إلى الغار من خوخة أبي بكر؟! وكيف يكون قد خرج إلى الغار ظهراً؟.
3 ـ إن سائر الروايات نص على أن المشركين قد جلسوا على باب النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الصباح، فخرج من بينهم في فحمة العشاء، وبقي علي "عليه السلام" نائماً مكانه، وهذا يكذب أنه قد خرج ظهراً.
4 ـ كيف يكون قد خرج من بيت أبي بكر، مع أنهم يقولون: إن القائف كان يقص أثر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى بلغ مكاناً؛ فقال: هنا صار مع محمد آخر.
بل البعض يصرح: أنهم قد عرفوا أنها قدم ابن أبي قحافة([350]). واستمروا على ذلك حتى بلغوا إلى فم الغار، وبذلك كله يعلم أيضاً عدم صحة ما روي من أنه "صلى الله عليه وآله" مشى ليلته على أطراف أصابعه؛ لئلا يظهر أثر رجليه حتى حفيت رجلاه، (كأن المسافة بعيدة إلى هذا الحد!!)، فحمله أبو بكر على كاهله، حتى أتى على فم الغار، فأنزله.
وفي رواية: أنه ذهب إلى الغار راكباً ناقته الجدعاء ابتداء من منزل أبي بكر([351]).
ولا ندري من الذي أرجع الناقة إلى موضعها الأول، فإن وجودها على مدخل الغار لن يكون في صالحهم، إلا أن يكون قد خبأها في مكان ما، ولكن أين يمكن أن تخبأ الناقة يا ترى؟!
قريش في طلب أبي بكر:
يقولون: إن قريشاً قد بذلت في النبي "صلى الله عليه وآله" مئة بعير، وفي أبي بكر مثلها([352]) ذكر ذلك الجاحظ وغيره.
وأجاب الإسكافي المعتزلي فقال: ".. فما بالها بذلت في أبي بكر مئة بعير أخرى؟ وقد كان رد الجوار، وبقي بينهم فرداً لا ناصر له، ولا دافع عنده، يصنعون به ما يريدون، إما أن يكونوا أجهل البرية كلها، أو يكون العثمانية أكذب جيل في الأرض، وأوقحه وجهاً.
وهذا مما لم يذكر في سيرة، ولا روي في أثر، ولا سمع به بشر، ولا سبق الجاحظ به أحد"([353]).
ونزيد نحن هنا: إنه إذا كانت قبيلته قد منعته أولاً كما يقولون، فلماذا تخلت عنه الآن؟ وإذا كان أبو بكر من أذل بيت في قريش، كما سبق بيانه حين الكلام على هجرته إلى الحبشة؛ تحت عنوان: هل كان أبو بكر رئيساً، فلماذا تبذل فيه قريش مئة بعير، كما تبذل في النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه؟.
ولماذا لم تضع عليه الأرصاد والعيون، ولم ترسل إليه فتبيته، كما أرادت أن تبيت النبي "صلى الله عليه وآله"؟
ولماذا تبذل في أبي بكر هذا المقدار، مع أن الذي فوت عليها ظفرها بالنبي "صلى الله عليه وآله" ـ وهو عليٌّ ـ آمن فيما بينهم يغدو ويروح، ولا من يعترض ولا من يتكلم؟
ولكن الحقيقة هي: أن الهدف من ذلك هو الارتفاع بأبي بكر ليساوي الرسول الأعظم منزلة وخطراً، فضلاً عن أن يذهب بكل آثار مبيت أمير المؤمنين على الفراش، حتى لا يلتفت إليه ولا يهتم به أحد في قبال عظمة وخطر أبي بكر!!.
الانتظار إلى الصباح:
وأما لماذا انتظر المشركون إلى الصباح في ليلة الغار؟.
فقيل: إنهم أرادوا أن يقتحموا عليه الجدار، فصاحت امرأة من الدار؛ فقال بعضهم لبعض: إنها لسبة في العرب: أن يتحدث عنا: أنا تسورنا الحيطان على بنات العم([354]).
وقيل: إن أبا لهب لم يرض بقتله "صلى الله عليه وآله" ليلاً؛ لما فيه من الخطر على النساء والأطفال([355]).. ولعله للأمرين معاً، ولعله ليشاهد الناس قتله من قبل جميع القبائل، ليكون ذلك حجة على بني هاشم، فلا يتم لهم الطلب بثأره!([356]).
شراء أبي بكر للموالي!! ونفقاته!!
ويقولون: إنه لما خرج أبو بكر احتمل معه ماله كله، وهو خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فدخل أبو قحافة على أهل بيت ولده، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.
قالت أسماء: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً.
فأخذتُ أحجاراً فوضعتُها في كوة في البيت، الذي كان أبي يضع ماله فيه، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال.
قالت: فوضع يده عليه.
فقال: "لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم"، ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك([357]).
ويذكرون أيضاً: أن عامر بن فهيرة كان يعذب في الله، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، فكان يروح عليهما ـ وهما في الغار ـ بمنحة غنم من غنم أبي بكر، فكان يرعاها؛ فيمر عليهما في المساء ليحلب لهما، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام([358]).
وعن عائشة: أنفق أبو بكر على النبي "صلى الله عليه وآله" أربعين ألف درهم.
وفي لفظ: دينار([359]).
ويروون أنه "صلى الله عليه وآله" قال: ما من أحد أمنّ عليَّ في صحبته، وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟([360]).
أو قال: ليس أحد أمنّ عليَّ في أهل ومال من أبي بكر.
وفي رواية أخرى: إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر([361]).
وعن عائشة في حديث الغار: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب ـ يقول الواقدي: كان في السفرة شاة مطبوخة ـ فقطعت أسماء بنت أبي بكر نطاقها قطعتين، فشدت فم الجراب بواحدة، وفم قربة الماء في الأخرى، فسميت: ذات النطاقين([362]).
وفي الترمذي: عنه "صلى الله عليه وآله"، أنه قال: إن أبا بكر زوجه ابنته، وحمله إلى دار الهجرة، وصحبه في الغار.
وفي رواية: ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً، الله يكافئه بها يوم القيامة([363]).
ونحن نقول: إن كل ذلك محل شك وريب، بل هو لا يصح إطلاقاً، وذلك لما يلي:
1 ـ عامر بن فهيرة:
أما كون عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر، فقد تقدم كلام ابن إسحاق، والواقدي، والإسكافي وغيرهم فيه، حيث قالوا: إن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي اشتراه وأعتقه، وليس أبا بكر.
2 ـ أبو قحافة الأعمى:
وأما رواية: أن أسماء قد وضعت الأحجار في المكان الذي كان أبوها يضع فيه ماله، ليتلمسها أبو قحافة الأعمى ليطمئن ويسكن فيكذبها:
أ ـ قال الفاكهي بن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال عبد الله: لما خرج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الغار، ذهبت أستخرج وأنظر هل أحد يخبرني عنه، فأتيت دار أبي بكر، فوجدت أبا قحافة، فخرج عليَّ ومعه هراوة، فلما رآني اشتد نحوي، وهو يقول: هذا من الصباة الذين أفسدوا علي ابني([364]).
فهذه الرواية توضح أن أبا قحافة لم يكن حينئذٍ قد عمي بعد، وسندها معتبر عندهم.
ب: لم نفهم لماذا لم يترك أبو بكر لأهل بيته شيئاً؟ وما هذا الجفاء منه لهم؟!
ومن أين علم أبو قحافة الضرير بأنه قد حمل ماله معه حتى قال لهم: إنه قد فجعهم بنفسه وماله؟!
ج: ولماذا هذا الدور لأسماء؟
ألم تكن زوجة للزبير حينئذٍ، وألم تهاجر معه إلى المدينة قبل ذلك، حيث لم يبق من أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله"، في مكة سوى علي وأبي بكر، ومن يفتن ويعذب؟!
وأين كانت زوجات أبي بكر عن ذلك كله؟!
3 ـ مع أدوار لأسماء أيضاً وغيرها
وأما بالنسبة لما زعموه من أن أسماء كانت إذا أمست تذهب بالطعام إليهما إلى الغار، وأنها هي التي هيأت الزاد لهما حين سفرهما إلى المدينة، وأنها هي التى أرسلت إليه الراحلتين، وأن تسميتها بذات النطاقين قد كان في هذه المناسبة..
فيرد عليه:
أولاً: إنهم يقولون في مقابل ذلك: إنه بعد غياب النبي "صلى الله عليه وآله" وأبي بكر مضت ثلاث ليال ولا يدرون أين توجه الرسول "صلى الله عليه وآله"، حتى علموا ذلك من هاتف الجن في أبيات أنشدها.
والقول: إن المراد: بعد ثلاثة أيام من خروجه من الغار، إذ قد صرحوا بأنهم علموا بخروجه إلى المدينة في اليوم الثاني من خروجه من الغار([365]) هكذا ذكر الحلبي الشافعي والعهدة في ذلك عليه.
ويقول مغلطاي: "ولم يعلم بخروجه عليه الصلاة والسلام إلا علي وأبي (كذا) بكر رضي الله عنه؛ فدخلا غاراً بثور الخ.."([366]).
ثانياً: لقد ورد: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" هو الذي كان يأتي النبي "صلى الله عليه وآله" بالطعام والشراب إلى الغار([367]).
بل لقد ورد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل إلى علي ليرسل إليه بزاد وراحلة ففعل، وأرسل ذلك إليه.
وأرسل أبو بكر لابنته، فأرسلت إليه بزاد وراحلتين، أي له ولعامر بن فهيرة كما في الرواية، ولعلها هي التي اشتراها منه علي أيضاً([368]).
وقد احتج "عليه السلام" بذلك يوم الشورى، فقال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله الطعام وهو في الغار، ويخبره الأخبار غيري؟
قالوا: لا([369]).
وبهذا يعلم أيضاً عدم صحة ما قيل من أن عبد الله بن أبي بكر كان هو الذي يأتيهما بالأخبار من مكة إلى الغار([370])، وعدم صحة ما قيل عن وجود غنم لأبي بكر، كان يأتي بها عامر بن فهيرة إلى الغار؛ فيشرب النبي "صلى الله عليه وآله" وأبو بكر من لبنها.
ثالثاً: وأما حديث النطاق والنطاقين، فبالإضافة إلى تناقض رواياته([371]) نجد: أن المقدسي بعد أن ذكر القول الأول قال: "ويقال: لما نزلت آية الخمار ضربت يدها إلى نطاقها، فشقته نصفين، واختمرت بنصفه"([372]).
ويقولون أيضاً: إنها قالت للحجاج: "كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله "صلى الله عليه وآله" من النحل، ونطاق لا بد للنساء منه"([373]).
4 ـ حديث سد الأبواب، وخلة أبي بكر:
وأما حديث باب وخلة أبي بكر، وهو قوله "صلى الله عليه وآله": لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، فلا نريد التوسع في الكلام عليه بل نكتفي بما ذكره المعتزلي هنا، فإنه قال:
"إن البكرية قد وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: لو كنت متخذاً خليلاً، فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه لعليٍّ "عليه السلام"، فقلبته البكرية إلى أبي بكر الخ.."([374]).
ومع ذلك فيعارض هذا الحديث ما رووه من أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اتخذ أبا بكر خليلاً بالفعل([375]).
فأيهما نصدق يا ترى؟!.
هذا، وسوف نتكلم عن حديث سد الأبواب في هذا الكتاب في فصل قضايا وأحداث في المجال العام، وعن حديث الخلة حين الكلام على حديث المؤاخاة الآتي إن شاء الله تعالى فإلى هناك.
5 ـ ثروة أبي بكر:
وأما عن ثروة أبي بكر، وأنه قد أنفق أربعين ألف درهم، أو دينار على النبي "صلى الله عليه وآله" وغير ذلك مما يذكرونه، فنقول:
إننا بالإضافة إلى ما قدمناه من عدم صحة ما جرى بين أسماء وأبي قحافة حين الهجرة وغير ذلك من أمور أشرنا إليها آنفاً نسجل هنا ما يلي:
أولاً: إن حديث: إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، وأنه لم يكافئه على اليد التي له عليه، والله هو الذي يكافئه عليها، لا يصح، وذلك بملاحظة ما يلي:
أ ـ بماذا كافأ النبي "صلى الله عليه وآله" أبا طالب وخديجة على تضحياتهما، ونفقاتهما، وما قدماه في سبيل الدين والإسلام، وعلى مواساتهما بالنفس والمال والولد؟!
ألم يكن ما أنفقاه وقدماه للإسلام أعظم مما قدمه وأنفقه أي إنسان آخر في سبيل الإسلام؟..
ثم كانت خدمات علي "عليه السلام" الجلى لهذا الدين، والتي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد معاند.
ب ـ وحديث المنة على الرسول عجيب، فإنه لم يكن في مكة بحاجة إلى أحد؛ إذ قد كانت عنده أموال خديجة، وحتى أموال أبي طالب([376]) وكان ينفق منها على المسلمين إلى حين الهجرة، وكان ينفق على علي "عليه السلام" في بدء أمره، تخفيفاً على أبي طالب كما يدعون.
وقد عير عمر أسماء بنت عميس: بأن له هجرة ولا هجرة لها، فقالت له: "كنتم مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم"، ثم اشتكته إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبرها: "أن للمهاجرين إلى الحبشة هجرتين ولأولئك هجرة واحدة"([377]).
ج ـ ويكفي أن نذكر هنا أنه "صلى الله عليه وآله" لم يقبل منه البعير أو البعيرين حين هجرته إلا بالثمن، الذي نقده إياه فوراً وهو "صلى الله عليه وآله" في أحرج الأوقات.
وإذا صح حديث رد رسول الله "صلى الله عليه وآله" هبة أبي بكر هذه وهو مما استفاض نقله، فإنه يأتي على كل ما يروونه في إنفاق المال من قبل أبي بكر على النبي "صلى الله عليه وآله".
د ـ هذا كله عدا عن أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يجهز في مكة جيشاً، ولا أسعر حرباً؛ ليحتاج إلى النفقة الواسعة في تجهيز الجيوش، وإعداد الكراع([378]) والسلاح.
كما أنه لم يكن يتفكه ويتنعم بإنفاق الأموال.
وأما بعد الهجرة إلى المدينة، فإن أبا بكر قد ضن بماله، الذي كان خمسة أو ستة آلاف درهم ـ كما يقولون ـ عن كل أحد، حتى عن ابنته أسماء التي كانت في أقسى حالات الفقر والجهد، حينما قدمت المدينة، حتى لقد كانت تخدم البيت، وتسوس الفرس وتدق النوى لناضحه، وتعلفه، وتستقي الماء، وتنقل النوى على رأسها من بعد ثلثي فرسخ، حتى أرسل إليها أبوها خادماً كفتها سياسة الفرس، كما ادَّعت([379]).
كما أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد مر في سنوات ضيق شديدة وصعبة، ولا سيما قبل خيبر، حتى لقد كان ربما يبقى اليومين أو الثلاثة بلا طعام، حتى يشد على بطنه الحجر([380]) وكان الأنصار يتعاهدونه بجفان الطعام، فأين كانت عنه أموال أبي بكر وآلاف دراهمه، التي بقيت إلى تبوك، حيث يدَّعون: أنه جاء بجميع ماله، وهو أربعة آلاف درهم حينئذٍ؟!([381]).
هذا كله: لو كان مرادهم المنة على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالإنفاق عليه.
ثانياً: إن كان المراد المن على الرسول "صلى الله عليه وآله" بالإنفاق في سبيل الله سبحانه، فهو أيضاً لا يصح، إذ لم نجد في التاريخ ما يدل على ذلك.
بل لقد وجدنا ما يدل على خلافه، فإن أبا بكر قد ضن بماله إلى حد أنه لم يتصدق ولو بدرهمين في قصة النجوى، ولم يفعل ذلك سوى أمير المؤمنين "عليه السلام"، حتى أنزل الله تعالى قرآناً يؤنب فيه الصحابة ويلومهم على ذلك ثم تاب عليهم، قال تعالى: ?ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ..? الآية"([382]).
ولو أن أبا بكر تصدق بدرهمين لم يكن ممن توجه إليهم هذا العتاب منه تعالى.
ثالثاً: والأهم من ذلك: أنه لا معنى لأن يكون الإنفاق لوجه الله، ثم يمن المنفق على الرسول "صلى الله عليه وآله"، كما أخبر "صلى الله عليه وآله" عنه كما تزعم الرواية، بل المنة لله ولرسوله عليه في ذلك.
وقد نهى الله عن المن، فقال: ?لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى..?([383])، وقال: ?وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ?([384]).
ولذلك فإننا لا يمكننا أن نقبل: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يمدح هذا المنَّان عليه (أي على المن) ويقرضه لأجله ولا سيما وهو أمنّ الناس عليه في صحبته وماله.
إشارة عامة:
ولذلك فإن بالإمكان الاستنتاج من ذلك: أن الظاهر: هو أن النبي "صلى الله عليه وآله" بعد أن لم يستطع إقناع أبي بكر بالكف عن المن عليه بأنه قد ترك أمواله وداره في مكة، وأنه رافقه إلى الغار، وتحمل الأخطار، وحزن وجزع خوفاً من الأعداء، بعد أن لم يستطع إقناعه بذلك اضطر "صلى الله عليه وآله" إلى أن يخبر الناس بحالة أبي بكر هذه، علَّه يكف عن بعض ما كان يفعل، وذلك كأسلوب اضطراري أخير من أساليب التربية والتوجيه، لا سيما وأن ما يمن به عليه لم يكن أبو بكر متفرداً به؛ فإن الكل كان قد هاجر وترك ماله، وأرضه ووطنه، والكل قد تحمل الأخطار والمتاعب، وكثير منهم تعرض إلى أقسى أنواع التعذيب والتنكيل.
وعن مقامه معه في الغار، فإن الخطر على أمير المؤمنين كان أعظم من الخطر على أبي بكر؛ فلماذا إذن هذا المن منه، حتى عده النبي "صلى الله عليه وآله" أمنّ الناس عليه؟!.
رابعاً: وإذا كان أبو بكر ـ كما يقول الطوسي والمفيد ـ في أول أمره معلماً للأولاد، ثم صار خياطاً، ولم يكن قسمه إلا كواحد من المسلمين، ولذا احتاج إلى مواساة الأنصار له.
وكان أبوه صياداً، ثم صار ينش الذباب، وينادي على مائدة ابن جدعان بشبع بطنه، وستر عورته([385]).
فإن من الطبيعي أن لا تكون لأبي بكر ثروة من هذا القبيل لا خمسة آلاف، ولا ستة آلاف، فضلاً عن أربعين ألف درهم أو دينار؛ لأن مثل هذه الثروات إنما تجتمع لدى الإنسان من التجارة، أو الزراعة، لا من قبيل صناعات أبي بكر؛ فكيف يقولون إذاً: إنه كان سيداً من سادات قريش، ومن ذوي المال والثروة والجاه فيها؟!
ولماذا يترك أباه عند ابن جدعان، وهو بهذه الحالة فضلاً عن ابنته أسماء؟!.
وإذا كانت ثروة أبي بكر في تلك الفترة في أربعة آلاف بل أكثر، كما تقدم حين الكلام حول عتق بلال؛ فإنه لا بد أن يكون أثرى رجل في مكة في تلك الفترة، إذ قد ورد أنه بعد أن انتشر الإسلام، وفتحت البلاد جاء أنس بن مالك بمال إلى عمر بعد موت أبي بكر، فبايع عمر، ثم أخبره بأنه قد جاء بأربعة آلاف وأعطاه إياها، قال أنس: "فكنت أكثر أهل المدينة مالاً"([386]).
خامساً: إن أمير المؤمنين "عليه السلام" حينما تصدق بمال قليل جداً ـ كما في إطعامه المسكين، واليتيم، والأسير ـ قد نزلت فيه آية قرآنية وهي قوله تعالى: ?وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله..? الآية([387]).
وحينما تصدق بخاتمه نزل فيه قوله تعالى: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?([388]).
وحينما تصدق بدرهم سراً وآخر جهراً، وثالث ليلاً، ورابع نهاراً، نزل فيه قوله تعالى: ?الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ?([389]).
كما أنه لم يعمل بآية النجوى سوى علي "عليه السلام"([390]).
وأبو بكر ينفق ماله كله، أربعين ألف درهم أو دينار وتكون له يد عند النبي "صلى الله عليه وآله"، الله يكافئه عليها، وما نفع النبي "صلى الله عليه وآله" مال كما نفعه مال أبي بكر، ثم لا يذكر الله من ذلك شيئاً، ولا يحدثنا التاريخ ولا الحديث عن مورد واحد من ذلك بالتحديد؛ بحيث يمكن إثباته؟
أم أن المحدثين والمؤرخين وهم في الأكثر شيعة لأبي بكر، قد تجاهلوا عمداً فضائل أبي بكر، التي تصب في هذا الاتجاه؟
ولماذا إذن لم يتجاهلوا ما لعلي "عليه السلام" في ذلك أيضاً؟!.
أم أن أبا بكر قـد ظُلِم وتجنى عليه الحكـام والملوك، وأتباعهم، والمزيفون من العلماء، كما تجنوا على أمير المؤمنين علي "عليه السلام"؟! فمنعوا الناس من ذكر فضائله وروايتها.
وغاية ما ذكروه لأبي بكر هنا عتقه الرقاب من الضعفاء والمعذبين في مكة، ولكن قد تقدم أن إثبات ذلك غير ممكن، وقد أنكره الإسكافي المعتزلي عليه، وقال: إن ثمنها في ذلك العصر لا يبلغ مئة درهم، لو فرض صحة الرواية.
أم أن عدالة الله تعالى قد اقتضت ذكر نفقات أمير المؤمنين علي "عليه السلام" ـ على قلتها ـ في القرآن، وعلى لسان النبي "صلى الله عليه وآله"، وإهمال نفقات أبي بكر، التي تبلغ الآلاف الكثيرة؟!
وهل هذا عدل؟! تعالى الله الملك الحق العدل المبين، الذي لا تظلم عنده نفس بمثقال ذرة فما فوقها.
أم يصح أن يقال: إن نفقات أبي بكر لم تكن خالصة لوجه الله تعالى، وإنما جرت على وفق سجيته وطبعه في الكرم والجود؟! وكان ذلك هو سر إهمال الله لها؟ فلماذا لا يمدح الله هذه السجية؟
وإذا كان لا فضل فيها؛ فلماذا يقول الرسول: إن الله سوف يكافئه عليها؟! ولماذا؟ ولماذا؟! إلى آخر ما هنالك من الأسئلة التي لن تجد لها جواباً مقنعاً ومفيداً ومقبولاً.
وبعدما تقدم: فإن الحديث عن ثروة أبي بكر منقول ـ كما يقول الشيخ المفيد ـ عن خصوص ابنة أبي بكر عائشة، وفي طريقه من هم من أمثال الشعبي المعروفين بالعصبية، والتقرب إلى بني أمية بالكذب، والتخرص، والبهتان([391]).
اللصوص المهرة:
وبعد، فإن مما يضحك الثكلى ما ذكره البعض، من أن اللصوص أخذوا لأبي بكر أربع مئة بعير، وأربعين عبداً، فدخل عليه النبي "صلى الله عليه وآله" فرآه حزيناً، فسأله، فأخبره، فقال: ظننت أنه فاتتك تكبيرة الإحرام الخ..([392]).
ولست أدري كيف استطاع اللصوص إخفاء هذه الكمية الهائلة من العبيد والجمال؟! وأين ذهبوا بها؟ وكيف لم يهرب واحد من العبيد ليخبر أبا بكر بالأمر.
وكيف لم يستيقظ أحد من أهل مكة والمدينة على أصوات حركة أكبر قافلة عرفها تاريخ ذلك الزمان؟!
ولا أدري أيضاً.. من أين حصل أبو بكر على هذه الثروة الهائلة؟ وكيف لم يشتهر في جميع الأقطار والآفاق على أنه أكبر متمول في الجزيرة العربية؟ ولا ندري أخيراً هل استطاع أبو بكر استرداد ما سرق منه أم لا؟!.
كلمة أخيرة حول ما يقال عن ثروة أبي بكر:
ونعتقد: أن ما يقال عن ثروة لأبي بكر، أنه أنفقها على النبي "صلى الله عليه وآله" قد كان نتيجة ردة الفعل العنيفة من قبل أنصار الخليفة الأول، حينما رأوا أنه "صلى الله عليه وآله" يأبى أخذ الراحلة منه إلا بالثمن([393]) ويرون في مقابل ذلك الآيات النازلة في علي "عليه السلام"، ونفقاته وتضحياته ليلة المبيت وغيرها.
فكان لا بد أن يتحركوا لإثبات فضائل لأبي بكر، وتضحيات له جسام.
ثم يوجهون قضية الراحلة بأنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن تكون هجرته لله تعالى: بنفسه وماله([394]).
ولكنهم يعودون فينسون هذا التوجيه حينما يذكرون الأمور التي تقدمت الإشارة إليها مثل جراب الزاد والشاة المطبوخة، ومنحة الغنم حين الهجرة وغير ذلك، ويغفلون عن التناقض الظاهر بين كونه أراد الهجرة بنفسه وماله وبين إنفاقاته الكبيرة من مال أبي بكر وزاده ومنحته و.. و.. الخ..
ولا بأس بالتناقض في أقوال النبي "صلى الله عليه وآله" وأفعاله، ما دام أنه لم تنقض فضيلة لأبي بكر، ولم يحرم منها!!.
التزوير، والتحوير:
ولكن الصحيح هو: أن ما قاله "صلى الله عليه وآله" إنما كان بالنسبة لأموال خديجة: "ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال خديجة" ـ كما تقدم ـ وقد حور لصالح أبي بكر، وصيغ بصيغ مختلفة.
والعبارات التي تصب في مجرى واحد، وتشير إلى هدف فارد، وهو إثبات فضيلة لأبي بكر وأبي بكر فقط كثيرة شأنها شأن كثير من الأحاديث التي أشار إليها المعتزلي في شرحه للنهج، وذكر أنها من وضع البكرية في مقابل فضائل أمير المؤمنين "عليه السلام"، وكما يظهر لكل أحد بالتتبع والمقارنة.
تجلي الله لأبي بكر:
عن أنس: لما خرج "صلى الله عليه وآله" من الغار أخذ أبو بكر بغرزه([395])؛ فنظر "صلى الله عليه وآله" إلى وجهه، فقال: يا أبا بكر ألا أبشرك؟
قال: بلى فداك أبي وأمي.
قال: إن الله يتجلى يوم القيامة للخلائق عامة، ويتجلى لك خاصة([396]).
ومع أننا لم ندر ما معنى هذا التجلي، إلا أن يكون على مذهب المجسمة الضالة، فإننا نجد: أن الفيروزآبادي قد عد هذا الحديث من أشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر، ومن المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل، وحكم الخطيب بوضعه عند ذوي المعرفة بالنقل، وحكم أيضاً بوضعه وبطلانه كل من: الذهبي، والعجلوني، وابن عدي، والسيوطي، والعسقلاني، والقاري وغيرهم([397]).
كلام هام حول الفضائل:
يقول المدائني: "كتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي شهادة، وكتب إليهم:
أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان، ومحبيه، وأهل ولايته، الذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، وعشيرته ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات، والكساء، والحباء، والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي.
فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجد امرؤ من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه، وقربه، وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد جهر وفشا في كل مصر، وكل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة، والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، ورويت أحاديث كثيرة في مناقب الصحابة، مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقي إلى معلمي الكتاب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم، ونساءهم، وخدمهم، وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة: أنه يحب علياً، وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد وأكثر منه بالعراق، ولاسيما بالكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة: ليكتمن عليه.
فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة، والولاة، وكـان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المـراؤون، والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث حتى يحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا في مجالسهم، ويكسبوا به الأموال والضياع، والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها فرووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا: أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي "عليه السلام"، فازداد البلاء والفتنة الخ"..([398]).
ما أنت إلا إصبع دميت:
وفي رواية: إن أبا بكر صار يسد كل حجر وجده في الغار، فأصاب يده ما أدماها، فصار يمسح الدم عن إصبعه ويقول:
مــا أنــت إلا اصـــبـــع دمـيـت وفي سـبـيــل الله مـــا لـقـيـت([399])
وهذا لا يصح؛ لأن هذا البيت هو لعبد الله بن رواحة، قاله في جملة أبيات له في غزوة مؤتة، وقد صدمت إصبعه فدميت([400]).
وفي الصحيحين: عن جندب بن سفيان: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال ذلك في بعض المشاهد، أو في الغار، حينما دميت إصبعه([401]).
وذكر آخرون: أنه "صلى الله عليه وآله" قال ذلك حينما لحقه أبو بكر، لظنه "صلى الله عليه وآله" أنه بعض المشركين، فأسرع؛ فأصابه حجر، ففلق إبهامه([402]).
ولعله "صلى الله عليه وآله" قد قرأ "دميت ولقيت" بفتح ياءيهما، وسكون تاءيهما حتى لا يكون شعراً، لأنه لا يقول الشعر ولا ينبغي له، كما ذكرته الآية الكريمة: ?وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ?([403]).
إلا أن يكون المراد بها: أنه "صلى الله عليه وآله" ليس بشاعر، لا أنه لا يتلفظ بالشعر، ولا يتمثل به.
وفي بعض المصادر: أن قائله هو الوليد بن الوليد بن المغيرة، حين فر من المشركين حين هجرته، أو حينما ذهب ليخلص هشام بن العاص وعباس بن ربيعة([404]).
وقيل: إن أبا دجانة قال ذلك في غزوة أحد([405]).
ولعل الجميع قد قالوا هذا البيت، لكن على سبيل التمثل به، والتمثل بالشعر شائع عند العرب، وهكذا يتضح أن هذا الشعر إن كان قد قيل في الغار، فإن قائله هو النبي "صلى الله عليه وآله" كما في الصحيحين.
وقد نسب ذلك إلى أبي بكر تصنعاً وتزلفاً ليس إلا، وذلك لا يسمن ولا يغني من جوع.
عمدة فضائل أبي بكر:
ومما يلفت النظر، ويقضي بالعجب: أن تكون صحبة أبي بكر لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكونه معه في الغار، وكبر سنه، هما عمدة ما استدلوا به يوم السقيفة لأحقية أبي بكر بالخلافة دون غيره، فقد قال عمر يوم السقيفة: "من له مثل هذه الثلاث: ?ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا?.
وقال: إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكر السباق المسن.
وقال يوم البيعة العامة: "إن أبا بكر رحمه الله صاحب رسول الله وثاني اثنين، أولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه"([406]).
وعن سلمان: "أصبتم ذا السن فيكم، ولكنكم أخطاتم أهل بيت نبيكم".
وحينما طلب اليهود من أبي بكر أن يصف لهم صاحبه قال: "معشر اليهود، لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتين الخ..".
وعن عثمان: "إن أبا بكر الصديق (يبدو أن كلمة الصديق زيادة من الرواة لما تقدم) أحق الناس بها؛ إنه لصديق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله" هكذا عن أبي عبيدة.
وعن علي، والزبير: "الغار، وشرفه، وكبره، وصلاته بالناس"([407]).
وأخيراً: فقد قال العسقلاني عن قضية الغار: "هي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة بعد النبي "صلى الله عليه وآله"، ولذلك قال عمر بن الخطاب: إن أبا بكر صاحب رسول الله، ثاني اثنين، فإنه أولى المسلمين بأموركم".
وإذا كانت أعظم فضائله التي استحق بها الخلافة، وإذا كانوا لم يتمكنوا من ذكر فضيلة أخرى له، مع أنهم في أحرج الأوقات، وفي أمس الحاجة إلى التشبث بكل حشيش في مقابل الأنصار؛ فماذا عساهم أن يصنعوا في مقابل علي وفضائله العظمى التي هي كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار؟
وهل يمكنهم أن يحتجوا بشيء ذي بال في مقابله؟!.
وهل يبقى أمامهم من مخـرج سـوى اللجوء إلى أسالـيـب الـعنف والإرهاب؟! وهكذا كان!!.
وإذا أفقده البحث المنطقي والعلمي هذه الفضيلة، وبقي صفر اليدين، حتى لقد كان بلال يفضل عليه، حتى اضطر بلال ـ ولعله لدوافع لم يستطع التاريخ أن يفصح عنها ـ لأن يستنكر ذلك ويقول: كيف تفضلوني عليه، وأنا حسنة من حسناته؟([408]).
نعم، إذا أفقده النقد الموضوعي هذه الفضيلة، كما قد رأينا ذلك فيما تقدم، فما الذي يبقى أمام أبي بكر للحفاظ على ماء وجهه ومنصبه؟!.
إننا نترك الجواب على ذلك للقارئ الفطن والمنصف.
عثمان حين قضية الغار:
وأخرج ابن مندة بسند واه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كنت أحمل الطعام إلى أبي، وهو مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالغار، فاستأذنه عثمان في الهجرة، فأذن له في الهجرة إلى الحبشة([409]).
ولكن من الواضح: أن عثمان قد هاجر إلى الحبشة قبل قضية الغار بثمان سنين؛ لأن هجرة الحبشة إنما كانت في السنة الخامسة من البعثة.
أضف إلى ذلك: أن كون أسماء هي التي كانت تحمل الطعام إلى الغار، لا يصح؛ فقد تقدم أنه "صلى الله عليه وآله" لم يقبل أن يأخذ الناقة من أبي بكر إلا بالثمن حتى لا يكون لأحد منة عليه "صلى الله عليه وآله".
هذا كله عدا عما تقدم من عدم صحة قولهم: إن أسماء كانت تأتيهم بالطعام إلى الغار.. فإن علياً "عليه السلام" كان هو الذي يحمل الطعام إلى الغار؛ وليس أسماء بنت أبي بكر.
وكون المراد غاراً آخر، يحتاج إلى شاهد ودليل، ولم نجد في التاريخ ما يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" قد دخل غاراً آخر، ولبث فيه مع أبي بكر مدة.
يوم الغار، ويوم الغدير:
قال ابن العماد وغيره: "تمادت الشيعة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء، وباللطم والعويل، وبنصب القباب، والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير؛ فعمدت غالية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير، الغار، وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" وأبا بكر اختفيا حينئذٍ في الغار.
وهذا جهل وغلط؛ فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر، وفي أول شهر ربيع الأول الخ.."([410]).
وقد كان عليه أن يقول: "وهذا نصب وجهل، قد أعمى أبصارهم وبصائرهم"، وهل ليوم الغار الذي أظهر فيه أبو بكر ضعفه، وشكه، وعرف كل أحد أنه "صلى الله عليه وآله" لم يأخذ منه البعير إلا بالثمن، أن يكون كيوم الغدير، الذي جعل فيه أهل البيت أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما، وجعل علي "عليه السلام" فيه مولى للمؤمنين وإماماً لهم بعد الرسول "صلى الله عليه وآله"، إلى غير ذلك مما نقله جهابذة العلماء، وأعاظم الحفاظ؟!.
ولا بأس بمراجعة كتابنا: "صراع الحرية في عصر المفيد"، ففيه تفصيلات حول هذا الموضوع.
وأخيراً فما أحرانا: أن نتمثل هنا بقول الشاعر:
مـن كــان يـخــلـق مــا يـقـــو ل فـحـيــلــتـي فـيـه قـلـيـلـــة
الكلمة الأخيرة في حديث الغار:
وحسبنا ما ذكرناه هنا حول الأكاذيب التي جادت بها قرائحهم، حول قضية الغار.
وقد يلاحظ القارئ: أننا لم نكثر المصادر للنصوص التي ذكرناها هنا، وعذرنا في ذلك هو أننا لم نر حاجة إلى ذلك، لأننا رأينا أنها متوفرة جداً في مختلف الكتب الحديثية والتاريخية، ولن يجد القارئ كبير عناء في البحث عنها، واستخراجها.
ولعل القارئ يجد في هذا الذي ذكرناه مقنعاً وكفاية، وهو يكشف له زيف الكثير مما لم نذكره لوضوح كذبه وفساده، وقد آن الأوان للعودة إلى الحديث عن سائر أحداث السيرة العطرة للرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله".
فإلى ما يلي من فصول..
الفصل الثالث:
إلـــــــــى قبــــــــــاء
في الطريق إلى المدينة:
عن أبي عبد الله "عليه السلام": إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما خرج من الغار متوجهاً إلى المدينة، وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مئة من الإبل، خرج سراقة بن جشعم فيمن يطلب، فلحق رسول الله، فقال "صلى الله عليه وآله": اللهم اكفني سراقة بما شئت، فساخت قوائم فرسه، فثنى رجله ثم اشتد، فقال: يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك، فادع الله أن يطلق الي فرسي، فلعمري، إن لم يصبكم خير مني لم يصبكم مني شر.
فدعا رسول الله "صلى الله عليه وآله": فأطلق الله عز وجل فرسه، فعاد في طلب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما أطلقت قوائم فرسه في الثالثة، قال: يا محمد، هذه إبلي بين يديك فيها غلامي، فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه، وهذا سهم من كنانتي علامة، وأنا أرجع فأرد عنك الطلب.
فقال: لا حاجة لي فيما عندك.
ولعل رفض النبي "صلى الله عليه وآله" ما عرضه عليه سراقة قد كان من منطلق: أنه لا يريد أن يكون لمشرك يد عنده.
وقد تقدمت بعض النصوص الدالة على ذلك في فصل أبو طالب مؤمن قريش، وسيأتي في هذا الكتاب بعض من ذلك أيضاً.
وسار "صلى الله عليه وآله" حتى بلغ خيمة أم معبد، فنزل بها، وطلبوا عندها قرى، فقالت: ما يحضرني شيء، فنظر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى شاة في ناحية قد تخلفت من الغنم لضرها، فقال: أتأذنين في حلبها؟
قالت: نعم، ولا خير فيها.
فمسح يده على ظهرها، فصارت من أسمن ما يكون من الغنم، ثم مسح يده على ضرعها، فأرخت ضرعاً عجيباً، ودرت لبناً كثيراً، فطلب "صلى الله عليه وآله" العس، وحلب لهم فشربوا جميعاً حتى رووا.
ثم عرضت عليه أم معبد ولدها الذي كان كقطعة لحم، لا يتكلم، ولا يقوم، فأخذ تمرة فمضغها، وجعلها في فيه، فنهض في الحال، ومشى، وتكلم، وجعل نواها في الأرض فصار نخلة في الحال، وقد تهدل الرطب منها، وأشار إلى جوانبها فصار مراعي.
ورحل "صلى الله عليه وآله" فلما توفي "صلى الله عليه وآله" لم ترطب تلك النخلة، فلما قتل علي "عليه السلام" لم تخضر، فلما قتل الحسين "عليه السلام" سال منها الدم([411]).
فلما عاد أبو معبد، ورأى ذلك سأل زوجته عن سببه قالت: مر بي رجل من قريش ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة (أو نخلة) ولم تزر به صحلة (أو صقلة) وسيم في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أكمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأعلاه من قريب، حلو المنطق فصل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين وهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً.
إلى أن قالت: محفود محشود لا عابس ولا مفند. (ووصف أم معبد له "صلى الله عليه وآله" معروف ومشهور).
فعرف أبو معبد أنه النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم قصد بعد ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، فآمن هو وأهله([412]).
الكرامات الباهرة بعد الظروف القاهرة:
وليس ذلك كله بكثير على النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" وكراماته الظاهرة، ومعجزاته الباهرة، فهو أشرف الخلق وأكرمهم على الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.
ومن الجهة الثانية: فإن حصول هذه الكرامات بعد مصاعب الهجرة مباشرة إنما يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً:
من أنه قد كان من الممكن أن تتم الهجرة بتدخل من العناية الإلهية، ولكن الله تعالى أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها وليكون هذا الرسول "صلى الله عليه وآله" هو الاسوة الحسنة، والقدوة لكل أحد، في مواجهة مشاكل الحياة، وتحمل أعباء الدعوة إلى الله بكل ما فيها من متاعب، ومصاعب وأزمات، فإن للأزمات التي يمر بها الإنسان دوراً رئيساً في صنع خصائصه، وبلورتها، وتعريفه بنقاط الضعف التي يعاني منها وهي تبعث فيه حيوية ونشاطاً، وتجعله جدياً في مواقفه، فإنه إذا كان هدف الله سبحانه هو إعمار هذا الكون بالإنسان، فإن الإنسان الخامل الذي يعتمد على الخوارق والمعجزات لا يمكنه أن يقوم بمهمة الإعمار هذه.
والخلاصة:
إن ذلك لمما يساعد على تربية الإنسان وتكامله في عملية إعداده ليكون عنصراً فاعلاً وبانياً ومؤثراً، لا منفعلاً ومتاثراً وحسب، إلى غير ذلك مما يمكن استفادته من الأحداث الآنفة الذكر.
هجرة أمير المؤمنين ×:
واستمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" في هجرته المباركة حتى قرب من المدينة، فنزل بادئ ذي بدء في قباء في بيت عمرو بن عوف، فأراده أبو بكر على دخول المدينة، وألاصه فأبى، وقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي، وابنتي، يعني علياً وفاطمة "عليهما السلام"([413]).
فلما أمسى فارقه أبو بكر، ودخل المدينة، ونزل على بعض الأنصار، وبقي رسول الله بقباء، نازلاً على كلثوم بن الهدم([414]).
ثم كتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أخيه علي "عليه السلام" كتاباً يأمره بالمسير إليه وقلة التلوم، وأرسل الكتاب مع أبي واقد الليثي.
فلما أتاه كتاب النبي "صلى الله عليه وآله" تهيأ للخروج والهجرة، فأعلم من كان معه من ضعفاء المؤمنين، وأمرهم أن يتسللوا، ويتخفوا تحت جنح الليل إلى ذي طوى، وخرج "عليه السلام" بفاطمة بنت الرسول، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأبو واقد، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فأمره "عليه السلام" بالرفق فاعتذر بخوفه من الطلب.
فقال أمير المؤمنين "عليه السلام": إربع عليك، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لي: (أي حين سفره من الغار كما تقدم) يا علي أما إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه.
وأدركه الطلب قرب ضجنان، وهم سبع فوارس متلثمون، وثامنهم مولى للحارث بن أمية، يدعى جناحاً.
فأنزل علي "عليه السلام" النسوة، وأقبل على القوم منتضياً السيف، فأمروه بالرجوع، فقال: فإن لم أفعل؟
قالوا: لترجعن راغماً، أو لنرجعن بأكثرك شعراً، وأهون بك من هالك.
ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها، فحال علي "عليه السلام" بينهم وبينها فاهوى جناح بسيفه، فراغ علي "عليه السلام" عن ضربته، وتختله علي "عليه السلام" فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضياً فيه، حتى مس كاثبة فرسه، وشد عليهم بسيفه، وهو يقول:
خـلــوا سبيل الـجاهـد المجـاهــد آلـيـت لا أعـبـد غـيـر الـواحــد
فتصدع القوم عنه وقالوا: أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب.
قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله بيثرب، فمن سره أن أفري لحمه، وأهريق دمه، فليتبعني، أو فليدن مني، ثم أقبل على صاحبيه، فقال لهما: أطلقا مطاياكما.
ثم سار ظاهراً حتى نزل بضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة الرسول "صلى الله عليه وآله" فعبدوا الله تلك الليلة قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر، فصلى بهم علي "عليه السلام" صلاة الفجر ثم سار بهم، فجعلوا يصنعون ذلك في كل منزل، حتى قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم.
?الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..?.
إلى قوله: ?فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثَى..?([415]).
ولما بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" قدومه "عليه السلام"، قال: ادعوا لي علياً.
قيل: يا رسول الله، لا يقدر أن يمشي.
فأتاه "صلى الله عليه وآله" بنفسه، فلما رآه اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً.
وقال "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": يا علي، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهداً برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن قلبه للإيمان ولا يبغضك إلا منافق أو كافر([416]).
إذن، فالهجرة العلنية، والتهديد بالقتل لمن يعترض سبيل المهاجر قد كانا من علي "عليه السلام"، وليس من عمر بن الخطاب، وقد تقدم في فصل ابتداء الهجرة إلى المدينة بعض ما يدل على عدم صحة نسبة ذلك إلى عمر، وإنما نسبوا ما كان من أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى غيره، شأن الكثير من فضائله ومواقفه "عليه السلام".
السياسة الحكيمة:
وبعد.. فإن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أننا نجد أمير المؤمنين علياً وكذلك أبناءه من بعده "عليهم السلام" يحاولون تفويت الفرصة على مزوري التاريخ من أعداء الدين والحق والإيمان، فقد روى عبد الواحد بن أبي عون:
أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حينما توفي أمر علي "عليه السلام" صائحاً يصيح: "من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني".
فكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتى توفي علي، ثم كان الحسن بن علي يفعل ذلك حتى توفي، ثم كان الحسين يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، رضوان الله تعالى عليهم وسلامه.
قال ابن عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى علي بحق ولا باطل إلا أعطاه([417]).
كتاب تبع الأول:
ويذكر البعض: أن تبعاً الأول قد آمن بالنبي "صلى الله عليه وآله" قبل ولادته "صلى الله عليه وآله" بمئات السنين في قصة طويلة، نرغب عن ذكرها، لأننا لم نتأكد من صحتها، فمن أراد التحقيق حولها، فليراجعها في مصادرها([418]).
أبو بكر شيخ يعرف:
قد جاء في بعض المرويات: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أقبل إلى المدينة وكان أبو بكر رديف النبي "صلى الله عليه وآله"، وأبو بكر شيخ يُعرَف، والنبي "صلى الله عليه وآله" شاب لا يُعرَف، فيلقى الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر من هذا الذي بين يديك؟
وفي لفظ أحمد: من هذا الغلام بين يديك، فيقول: يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير.
وفي التمهيد: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" كان رديف أبي بكر، فكان إذا قيل لأبي بكر: من هذا وراءك؟ الخ.
وصرح القسطلاني: بأن ذلك كان حين الانتقال من بني عمرو بن عوف، أي من قباء إلى المدينة.
وفي نص آخر: أنه لما قدم "صلى الله عليه وآله" المدينة تلقاه المسلمون؛ فقام أبو بكر للناس، وجلس النبي "صلى الله عليه وآله" وأبو بكر شيخ، والنبي "صلى الله عليه وآله" شاب، فكان من لم ير النبي يجيء أبا بكر زاعماً أنه هو، فيعرفه النبي "صلى الله عليه وآله" حتى أصابت الشمس رسول الله، فجاء أبو بكر فظلل عليه بردائه، فعرفه الناس حينئذٍ([419]).
ولكن ذلك لا يمكن أن يصح وذلك للتالي:
أولاً: إن كون أبي بكر يُعرَف، والنبي لا يُعرَف، لا يمكن قبوله، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يعرض دعوته على مختلف القبائل التي كانت تقدم مكة، طيلة سنوات عديدة وقد سار ذكره في الآفاق، وبايعه من أهل المدينة أكثر من ثمانين ورآه حوالي خمسمئة من أهل المدينة قدموا مكة، قبل ثلاثة أشهر فقط كما تقدم.
فكيف يكون أبو بكر يعرف، والنبي "صلى الله عليه وآله" لا يعرف؟!([420]).
ومن جهة أخرى: فلم يكن أحد يهتم بسفر أبي بكر أو يحس به ولا يجد أي من الناس دافعاً للتعرف عليه.
هذا كله، عدا عن أن أبا بكر قد فارق الرسول "صلى الله عليه وآله" حينما وصلا إلى قباء، ولم يبق معه إلى حين دخول المدينة.
وأما ما ذكر أخيراً: من أن من لم ير النبي "صلى الله عليه وآله" كان يجيء أبا بكر زاعماً أنه هو فهو ينافي قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان شاباً لا يعرف وأبو بكر شيخ يعرف.
ثانياً: لقد كان الناس من أهل المدينة ينتظرون قدومه "صلى الله عليه وآله" بفارغ الصبر، وقد استقبله منهم حين قدومه حوالي خمسمئة راكب([421]) بظهر الحرة وكان النساء والصبيان والشبان وغيرهم يهزجون ـ كما قيل ـ :
طلـع البــدر عـلـيـنـــا مـــن ثـنـيـات الــــوداع
وجب الشـكر عـلـيـنــا مـــــــا دعـــــــا لله داع
أيهـا المبـعـوث فـيــنـــا جئـت بـالأمـر الـمطــاع
وكان قد مكث في قباء أياماً يستقبل الناس؛ فهل يمكن أن يكون متنكراً حين قدومه من قباء إلى المدينة، كما يقول القسطلاني؟!([422]).
أو هل يمكن أن يكون قد دخل المدينة ولم يكن معه أحد من أهل قباء، ولا من أهل المدينة وأين كان عنه علي حينئذٍ؟!
وألم يكن أهل المدينة قد أتوا زرافات ووحداناً إلى قباء ليتشرفوا برؤيته؟! ولماذا لم يدل العارفون به أولئك الذين يشتبهون في أمره عليه؟!
ثالثاً: لقد كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يكبر أبا بكر بسنتين وعدة أشهر؛ لأنه "صلى الله عليه وآله" ولد عام الفيل، وأبو بكر استكمل بخلافته سن رسول لله "صلى الله عليه وآله"، حيث توفي ـ كما يدعون ـ بسن النبي "صلى الله عليه وآله" عن ثلاث وستين سنة([423]).
إذاً فكيف يصح قولهم: إنه شيخ والنبي "صلى الله عليه وآله" شاب؟
ومما ذكرناه نعرف: عدم صحة ما روي عن يزيد بن الأصم ـ المتوفى بعد المئة عن 73 سنة ـ من أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت؟
قال: لا، بل أنت أكبر مني وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك([424]).
وأما الاعتذار عن ذلك: بأن الشيب كان في وجه أبي بكر ولحيته كثيراً بخلافه "صلى الله عليه وآله"([425]) ـ أو أن أبا بكر كان تاجراً، يعرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام ـ فلا يصح؛ لأن الشيب وعدمه لا يخفي الشيخوخة والشباب، حتى لقد ورد التعبير في بعض تلك المرويات بـ "ما هذا الغلام بين يديك"؟
فما معنى التعبير بالغلام عن رجل يزيد عمره على خمسين سنة؟
إلا أن يقال: الغلام يطلق على الشيخ والشاب فهو من الأضداد.
وأيضاً: فقد روي عن ابن عباس بسند صحيح: أن أبا بكر قال للنبي "صلى الله عليه وآله": يا رسول الله قد شبت؟ قال: شيبتني هود والواقعة والخ..
وروى الحفاظ مثله عن ابن مسعود، وعن أبي جحيفة، قالوا: يا رسول الله، نراك قد شبت، قال: شيبتني هود وأخواتها([426]).
وإذا كانت السور المذكورة مكية كما هو معلوم، فيستفاد من ذلك: أن الشيب قد بان فيه "صلى الله عليه وآله" في مكة على خلاف الطبيعة، وأسرع فيه، حتى صار الناس يسألونه عنه، وعما أثره([427]) ولم يكن مجرد شعرات قليلة لا تلفت النظر، ولا يلتفت إليها.
وأما أن أبا بكر كان تاجراً يختلف إلى الشام، فقد تقدم: أنه كان في الجاهلية معلماً للأولاد، وبعد ذلك صار خياطاً، وكما كان أبو بكر يختلف إلى الشام، فقد كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" أيضاً يختلف إلى الشام، وكان التعرف عليه أدعى وأولى، بملاحظة ما كان له من الشرف والسؤدد في قريش والعرب، وكان له في أهل المدينة قرابة أيضاً.
هذا، عدا عما أسلفناه من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يعرض دعوته على القبائل التي تقدم مكة لعدة سنوات.
وأيضاً: فإن صفات النبي "صلى الله عليه وآله" كانت تدل عليه، وقد وصفته أم معبد لزوجها فعرفه.
أما أبو بكر، فقد تقدمت صفته عن عائشة وغيرها في بعض الفصول.
وأخيراً: فإن ركوب النبي "صلى الله عليه وآله" وأبي بكر على ناقة واحدة لم نجد له ما يبرره، بعد أن كان لدى كل منهما ناقة تخصه كما تقدم.
رأي العلامة الأميني:
ويرى الأميني "قدس سره": أن قضية: أنت أكبر مني وأنا أسن منك تنقل عن النبي "صلى الله عليه وآله" مع سعيد بن يربوع المخزومي، الذي توفي سنة أربع وخمسين عن مئة وعشرين سنة.
ويرى أيضاً: أن حجة أبي بكر يوم السقيفة على مخالفيه قد كانت كبر سنه، فحاول محبوه تأييد هذه الدعوى بما ذكرنا من كونه أسن من النبي "صلى الله عليه وآله" والنبي أكبر منه، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان شاباً، بل غلاماً، لا يعرف!! وأبو بكر كان شيخاً يعرف!!([428]).
النفاق في مكة:
وقبل أن نبدأ الحديث عما بعد الهجرة نرى أن من المناسب الإشارة إلى أمر يرتبط بالحياة المكية، والحكم على بعض الظواهر فيها، مع ارتباط له وثيق أيضاً بالحياة في المدينة بعد الهجرة، وهو موضوع:
هل كان يوجد فيمن أسلم قبل الهجرة من المكيين منافقون يبطنون خلاف ما يظهرون أم لم يكن؟!
وهل كانت أجواء مكة صالحة لظهور أشخاص من هذا القبيل يعتنقون الإسلام ويبطنون الكفر، أم لا؟!.
يقول العلامة الطباطبائي "رحمه الله" ما مفاده:
إنه ربما يقول البعض: لا، لم يكن في مكة منافقون، إذ لم يكن للنبي "صلى الله عليه وآله" ولا للمسلمين قوة ولا نفوذ، يجعل الناس يهابونهم، ويتقونهم، أو يرجون منهم نفعاً مادياً، أو معنوياً من نوع ما، فلماذا إذاً يتقربون لهم ويتزلفون؟ ولماذا يظهرون لهم الإسلام، مع انطوائهم على خلافه؟.
بل كان المسلمون في مكة ضعفاء مضطهدين، معذبين؛ فالمناسب أن يتقي المتقي ـ رغباً أو رهباً ـ من صناديد قريش وعظمائها، لا منهم.
وأما في المدينة فقد قوي أمر النبي "صلى الله عليه وآله" وظهر أمر المسلمين، وأصبحوا قوة يمكنها الدفع والمنع، وكان له "صلى الله عليه وآله" في كل بيت أتباع وأنصار يطيعون أوامره، ويفدونه بكل غال ونفيس، والقلة القليلة الباقية لم يكن يسعهم الإعلان بالخلاف؛ فداروا أمرهم بإظهار الإسلام، وإبطان الكفر ـ على أن يكيدوا ويمكروا بالمسلمين، كلما سنحت لهم الفرصة لذلك.
هكذا استدل البعض لإثبات عدم وجود منافقين بين المسلمين الأولين.
ولكنه كما ترى كلام لا يصح.
وذلك لأن النفاق في مكة كانت له أسبابه، ومبرراته، ومناخاته، ونذكر هنا ما يلي:
أولاً: إن أسباب النفاق لا تنحصر فيما ذكر، من الرغبة والرهبة لذي الشوكة ومنه، إذ أننا كثيراً ما نجد في المجتمعات فئات من الناس مستعدة لقبول أية دعوة، إذا كانت ذات شعارات طيبة، تنسجم مع أحلامهم وآمالهم، وتعدهم بتحقيق رغائبهم، وما تصبو إليه نفوسهم، فيناصرونها، رغم أنهم في ظل أعتى القوى وأشدها طغياناً، وهم في غاية الضعف والوهن يعرضون أنفسهم لكثير من الأخطار، ويحملون المشاق والمصاعب من أجلها وفي سبيلها.
كل ذلك رجاء أن يوفقوا يوماً ما لتحقيق أهدافهم، والوصول إلى مآربهم، التي يحلمون بها، كالعلو في الأرض، والحصول على الثروات، والجاه العريض، وغير ذلك.
إنهم يقدمون على كل هذا، مع أنهم ربما كانوا لا يؤمنون بتلك الدعوة إلا بمقدار إيمانهم بضرورة الحصول على تلك المآرب والأهداف الآنفة الذكر.
ومن الواضح: أن المنافق الطامع الذي من هذا القبيل يكون ـ فيما لو نجحت الدعوة ـ أشد خطراً على تلك الدعوة من أعتى أعدائها؛ لأنه إذا وجد أن الدعوة لا تستطيع أن تمنحه كل ما يريد ـ ولو لاقتضاء المصلحة لذلك ـ فإنه سوف يمكر ويغدر([429])، كما أنه يكون هو الأقدر على الانحراف بهذه الدعوة، وإخراجها عن نهجها القويم، وصراطها المستقيم إلى المتاهات التي يستطيع في ظلماتها وبهمها أن يحصل على ما يريد دون رادع أو وازع، وهو الذي يملك كل المبررات لذلك مهما كانت سقيمة وتافهة.
وأما إذا فشلت الدعوة: وكان قد أحكم أمره؛ فإنه يستطيع أن يقول لمن هم على شاكلته: إنا كنا معكم؛ إنما نحن مستهزئون.
فإنه إذا كان النفاق في المدينة قد كان في أكثره لدوافع أمنية، أو للحفاظ على المصالح والعلاقات المعينة، فإن النفاق المكي لسوف يكون أعظم خطراً، وأشد محنة وبلاء على الإسلام والمسلمين، حسبما أوضحنا آنفاً.
وعلى هذا، فإن من القريب جداً.. أن يكون بعض من اتبع النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة لم يكن مخلصاً للدعوة، وإنما كان مخلصاً لنفسه فقط، لا سيما إذا لاحظنا: أن دعوة الرسول قد كانت مقترنة من أول يوم بدئها بالوعود القاطعة بأن حامليها لسوف يكونون ملوك الأرض، ولسوف يملكون كنوز كسرى وقيصر([430])، فقد سأل عفيف الكندي العباس بن عبد المطلب عما يراه من صلاة النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي وخديجة "عليهما السلام"، فقال له العباس:
هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، زعم أن الله أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح على يديه، فكان عفيف يتحسر على أن لم يكن أسلم يومئذ، ليكون ثانياً لعلي "عليه السلام" في الإسلام([431]).
وحينما سأله عمه أبو طالب عن سبب شكوى قومه منه، قال "صلى الله عليه وآله": إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية([432]).
وينقل عنه "صلى الله عليه وآله" أنه قال لبكر بن وائل، حينما كان يعرض دينه على القبائل: فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم الخ..
وقال قريباً من هذا لشيبان بن ثعلبة، ومثل ذلك قال أيضاً حينما أنذر عشيرته الأقربين([433]).
بل إن مما يوضح ذلك بشكل قاطع، ما قاله أحد بني عامر بن صعصعة لما جاء رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعرض عليهم قبول دعوته: "والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب"، وقد تقدم بعض المصادر لذلك.
ثم إنه إذا كان هذا النفاق يهدف إلى استخدام الدعوة لأهداف شخصية، فهو بالتالي مضطر إلى الحفاظ على هذه الدعوة بمقدار اضطراره إلى الحفاظ على مصالحه وأهدافه تلك، ما دام يرى أو يأمل منها أن تتمكن من تحقيق ما يتمناه، وتوصله إلى أهدافه التي يرجوها.
وهكذا يتضح: أنه ليس من الضروري أن يكون المنافق مهتماً بالكيد للدعوة التي لا يؤمن بها، والعمل على تحطيمها وإفسادها، بل ربما يكون حريصاً عليها كل الحرص، يفديها بالمال والجاه ـ لا بالنفس ـ إذا كان يأمل أن يحصل على ما هو أعلى وأغلى فيما بعد، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في بعض مسلمي مكة، الذين كانوا يواكبون الدعوة ويعاونونها ما دام لم تصل النوبة إلى التضحية بالنفس والموت، فإذا كان ذلك فإنهم يفرون، وينهزمون، ويتركون النبي وشأنه، وقد رأينا ذلك في كثير من المواقف.
نعم، ربما يتمكن الدين تدريجياً من نفوس بعضهم، وتحصل لهم قناعة تدريجية به، ولسوف نشير إلى ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى، ولربما حين الكلام على غزوة أحد.
وخلاصة الأمر: أن الميزان لدى البعض هو أهدافه هو؛ فما دامت الدعوة في خدمتها فهو معها، وأما إذا وجد أنها سوف تكون عقبة في طريقها، وتشكل خطراً عليها فإنه لا يألو جهداً ولا يدع وسيلة في الكيد لها، والعمل على هدمها وتحطيمها.
ثانياً: ما أشار إليه العلامة الطباطبائي "رحمه الله" أيضاً: أنه لا مانع من أن يسلم أحدهم في أول البعثة، ثم يعرض له ما يزلزل إيمانه، ويرتاب، ويرتد عن دينه، ولكنه يكتم ذلك، حفاظاً على بعض المصالح الهامة بنظره كالخوف من شماتة أعدائه، أو حفاظاً على بعض علاقاته القبلية، أو التجارية، أو للعصبية والحمية، وغيرها مما يربطه بالمسلمين أو ببعضهم، أو للحفاظ على جاه من نوع معين، أو أي شيء آخر بالنسبة إليه([434]).
ولربما يشهد لذلك: أننا قد رأينا البعض يعترف أنه كان كثيراً ما يشك في هذا الأمر، حتى اعترف في الحديبية أنه ارتاب ارتياباً لم يرتبه منذ أسلم([435]) وفي غزوة أحد، حينما سمعوا أنه "صلى الله عليه وآله" قد قتل فروا من المعركة، وقال بعضهم: "نلقي إليهم بأيدينا، فإنهم قومنا وبنو عمنا"([436]).
ثالثاً: وقد أشار العلامة الطباطبائي أيضاً إلى بعض الآيات الدالة على وجود النفاق في مكة، وذلك كقوله تعالى: ?وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً?([437]) حيث قد وردت هذه الآية في سورة المدثر وهي مكية، وكذا قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ?([438]). فإن سورة العنكبوت مكية أيضاً، والآية مشتملة على حديث الإيذاء والفتنة في الله، وذلك إنما كان في مكة لا في المدينة، وقوله تعالى: ?وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ? لا يدل على نزول الآية في المدينة لأن النصر له مصاديق ومراتب كثيرة.
وأضيف هنا: أن الله تعالى إنما يحكي حالة المنافقين المستقبلية بشكل عام.
ثم قال العلامة الطباطبائي: احتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقع بمكة بعد الهجرة، غير ضائر؛ فإن هؤلاء المفتونين بمكة بعد الهجرة إنما كانوا من الذين آمنوا بالنبي "صلى الله عليه وآله" قبل الهجرة، وإن أوذوا بعدها([439]).
ملاحظة هامة على ما تقدم:
هذا، ويلاحظ العلامة الطباطبائي أخيراً: أننا لم نزل نسمع ذكراً للمنافقين إلى حين وفاة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" وقد تخلف عنه "صلى الله عليه وآله" في تبوك أكثر من ثمانين منهم، وانخذل ابن أبي في أحد في ثلاثمائة، ثم انقطعت أخبارهم عنا مباشرة، ولم نعد نسمع عن دسائسهم، ومكرهم، ومكائدهم للإسلام وللمسلمين شيئاً، فهل انقلبوا بأجمعهم ـ بمجرد وفاته "صلى الله عليه وآله" ـ عدولاً أتقياء وأبراراً أوفياء؟!
وإذا كان كذلك، فهل كان وجود النبي "صلى الله عليه وآله" فيما بينهم مانعاً لهم من الإيمان، وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين؟! نعوذ بالله من التفوه بالعظائم، وبما يسخط الرب، أم أنهم ماتوا بأجمعهم، وهم يعدون بالمئات بمجرد موته "صلى الله عليه وآله"؟ وكيف لم ينقل لنا التاريخ ذلك؟!
أم أنهم وجدوا في الحكم الجديد ما يوافق هوى نفوسهم، ويتلاءم مع أهوائهم، ومصالحهم؟! أم ماذا؟! ما هي الحقيقة؟!
لست أدري! ولعل الذكي يدري.
الفصل الرابع:
حتى المدينة
بـدايـة:
وفي المدينة بدأت عملية بناء المجتمع الإسلامي، وإرساء قواعد الدولة، والتخطيط لنشر الإسلام في مختلف أرجاء العالم، وانتقلت الدعوة من مرحلة بناء الفرد إلى مرحلة بناء المجتمع، وتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة، ومحو كل آثار الجاهلية في العالم أجمع.
وإذا أردنا أن نلم بكل الخطوات التي خطاها القائد الأعظم "صلى الله عليه وآله" في سبيل ذلك، فإننا لن نتمكن الآن من استقصاء ذلك ولسوف يصرفنا عن متابعة الأحداث الرئيسة في السيرة العطرة، ولذا فنحن نترك هذا المجال للآخرين، مكتفين بالتعرض إلى ما يهم الباحث التعرض له ابتداء، من دون تركيز على الجزئيات والتفاصيل إلا بالمقدار الذي نراه لازماً ومقبولاً، فنقول:
غناء أهل المدينة، والنبي ' يرقص بأكمامه:
ويذكرون: أن أهل المدينة ما فرحوا بشيء فرحهم برسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعن عائشة:
لما وصل "صلى الله عليه وآله" المدينة صارت النساء والولائد يقلن:
طلـع البــدر عـلـيـنـــا مـــن ثـنـيـات الــــوداع
وجب الشـكر عـلـيـنــا مـــــــا دعــــــا لله داع
أيهـا المبـعـوث فـيــنـــا جئـت بـالأمـر الـمطــاع
فعدل ذات اليمين، حتى نزل بقباء([440]).
وفي رواية: فجعل رسول الله يرقص بأكمامه([441]).
وبعد أن مكث في قباء أياماً، وتوجه إلى داخل المدينة، خرجت نساء من بني النجار بالدفوف يقلن:
نـحـن نـسـاء مـن بـنـي النجـار يــا حـبـذا مـحـمـد مـن جـــار
فقال لهن رسول الله "صلى الله عليه وآله": أتحببنني ,في رواية (أتحبوني)؟
قلن: نعم، يا رسول الله.
فقال: والله وأنا أحبكن، قالها ثلاثاً([442]).
قال الحلبي: "وهذا دليل واضح لسماع الغناء على الدف لغير العرس"([443]).
واستدل ابن كثير برواية الصحيحين الآتية على جواز الغناء في الأعراس ولقدوم الغياب([444]).
المناقشة:
ولكن ذلك لا يصح لما يلي:
1 ـ ثنية الوداع من جهة الشام:
إن ثنيات الوداع ليست من جهة مكة بل من جهة الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام([445]).
وذكر السمهودي: أنه يوجد مسجد على يسار الداخل إلى المدينة المنورة من طريق الشام([446]).
بل هو يقول: "ولم أر لثنية الوداع ذكراً في سفر من الأسفار التي بجهة مكة"([447]).
والظاهر: أن مستند من جعلها من جهة مكة ما سبق من قول النسوة، وأن ذلك عند القدوم من الهجرة([448]).
ويدل على كون ثنية الوداع من جهة الشام، ما ورد في قدوم النبي "صلى الله عليه وآله" وخروجه من وإلى تبوك وحين قدم من خيبر، ومن الشام وإلى مؤتة، وغزوة العالية، والغابة، وكذا ما ورد عنه في حديث السباق في أمد الخيل المضمرة([449]).
وحاول السمهودي تصحيح ما تقدم: بأنهم قد ذكروا أنه "صلى الله عليه وآله" قد مر بدور الأنصار، حين قدم المدينة من قباء، حتى مر بدور بني ساعدة وإنما هي في شامي المدينة، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية([450]).
وهو كلام عجيب، فإن مروره في دور بني ساعدة لا يقتضي دخول المدينة من ناحيتهم، إذ يمكن أن يدخلها من جهة قباء، ثم تجول به ناقته في دور الأنصار، كما هو صريح ما ذكره، حتى تصل إلى دور بني ساعدة.
كما أن احتماله هذا يدفعه تصريحهم في رواية: طلع البدر علينا، بأنهم لاقوه بهذا الشعر، ثم عدل بهم ذات اليمين إلى قباء، كما تقدم، فإن هذا إنما يتناسب مع قدومه من مكة إلى المدينة، لا من قباء إلى المدينة، كما يقول السمهودي.
فالصحيح: هو أنهم قد لاقوه بهذا الشعر حينما قدم من تبوك لا من مكة كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
2 ـ استدلال عجيب:
إن استدلال الحلبي بتلك الرواية على تجويز الغناء عجيب وغريب؛ فإن الرواية لا تتضمن إلا أنهم قد أنشدوا الشعر لمقدمه، ولم يكن يصاحب ذلك شيء من المحرمات، بل لم تذكر الرواية: أنه كان هناك ترجيع أم لا.
وإنشاد الشعر ليس بحرام، ولهذا قال بعضهم: "وتعلق أرباب الغناء الفسقة به (أي برواية: طلع البدر) كتعلق من يستحل شرب الخمر المسكر قياساً على أكل العنب، وشرب العصير الذي لا يسكر، ونحو هذا من القياسات، التي تشبه قياس الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا"([451]).
ولو سلم حرمة سماع صوت الأجنبية، فلا دليل على أن ذلك كان قد شرع حينئذٍ، فإن كثيراً من الأحكام كانت تشرع تدريجاً، كما قالوه في الخمر مثلاً.
كما أنه لا دليل على وجود من يحرم سماع صوته في المنشدين.
ولو سُلِّم، فلعل لم يكن بالإمكان منعهم في ظرف كهذا، أو لا يمكن تبليغهم الحكم الشرعي حينئذٍ؛ فسكوت النبي "صلى الله عليه وآله" عنهم لعله لمصلحة اقتضت السكوت، ولا يدل ذلك على إمضائه لفعلهم ذاك.
3 ـ ترقيص الأكمام:
وأما ترقيص أكمامه "صلى الله عليه وآله"، فهو ينافي المروءة كما اعترف به فضل بن روزبهان([452]).
ويقول العلامة المظفر "رحمه الله": "إن هذا العمل سفه ظاهر، وخلاعة بينة، ومن أكبر النقص بالرئيس، وأعظم منافيات الحياء والمروءة في تلك الأوقات وأشد المباينات للرسالة لإرشاد الخلق بتهذيبهم عن السفه والنقائص، وتذكيرهم بمقربات الآخرة"([453]).
هذا، مع غض النظر عن نواهيه "صلى الله عليه وآله" القاطعة عن كل لهو وغناء ورقص، وسنشير فيما يلي إلى بعض من ذلك إن شاء الله.
وبعد ما تقدم: فإننا نعرف ما في الاستدلال بالرواية الأخرى حول غناء نساء بني ساعدة، وضربهم بالدفوف حين استقباله.
ولا بأس بعرض كل ما استدلوا به على حلية الغناء والرقص، ثم مناقشته، ثم طرح القول الحق في المسألة مع بعض أدلته، فنقول:
أدلة حلية الغناء:
وقد استدل على حلية الغناء والرقص، بالإضافة إلى ما تقدم بـ :
1 ـ قول الحلبي: "عن أبي بشير: أن النبي "صلى الله عليه وآله" مر وأبا بكر بالحبشة، وهم يلعبون، ويرقصون، ويقولون: يا أيها الضيف المعرج طارقاً.
إلى أن قال: ولم ينكر عليهم، وبه استدل أئمتنا على جواز الرقص، حيث خلا عن التكسر؛ فقد صحت الأخبار، وتواترت الآثار بإنشاد الأشعار بين يديه "صلى الله عليه وآله"، بالأصوات الطيبة، مع الدف وبغيره، وبذلك استدل أئمتنا على جواز الضرب بالدف، ولو فيه جلاجل"([454]).
2 ـ عن بريدة: خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بعض مغازيه؛ فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: إني كنت نذرت: إن ردك الله صالحاً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال "صلى الله عليه وآله": "إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا"، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر، وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت أستها، ثم قعدت عليها، فقال "صلى الله عليه وآله": "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب، ثم دخل أبو بكر وهي تضرب الخ.."([455]).
3 ـ عن جابر، قال: دخل أبو بكر على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكان يضرب بالدف عنده، فقعد ولم يزجر، لما رأى من رسول الله، فجاء عمر "رض" فلما سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله" صوته كف عن ذلك.
فلما خرجا قالت عائشة: يا رسول الله، كان حلالاً فلما دخل عمر صار حراماً؟
فقال "صلى الله عليه وآله": يا عائشة، ليس كل الناس مرخى عليه([456]).
4 ـ روى البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة: دخل علي رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ـ وعند مسلم: تغنيان وتضربان ـ فاضطجع على الفراش، وحول وجهه.
ودخل أبو بكر، فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
فأقبل عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: دعهما.
وفي رواية لمسلم: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد([457]).
وزاد في بعض النصوص ـ كما في البخاري ـ وليستا بمغنيتين.
5 ـ في رواية: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" استدعى عائشة لترى حبشية ترقص، فجاءت فوضعت لحيها على منكب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وجعلت تنظر، فقال "صلى الله عليه وآله" لها: أما شبعت؟ أما شبعت؟ أما شبعت؟ وهي تقول: لا، لتنظر منزلتها عنده؛ إذ طلع عمر، فارفض الناس عنها؛ فقال "صلى الله عليه وآله": إني لأنظر شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر([458]).
6 ـ عن ابن عباس: إن أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله" جلسوا سماطين، وجارية معها مزهر تغنيهم وتقول:
هــل عـلـي ويـحـكـم إن لـهـوت مـن حــرج
فتبسم "صلى الله عليه وآله" وقال: لا حرج إن شاء الله تعالى([459]).
7 ـ عن الربيع بنت معوذ: أنها لما زفت إليه "صلى الله عليه وآله" دخل عليها، وجلس، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائها في بدر، حتى قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال "صلى الله عليه وآله": لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين([460]).
8 ـ في رواية: أنه "صلى الله عليه وآله" كان جالساً وعنده جوار يغنين ويلعبن؛ فجاء عمر، فاستأذن؛ فأسكتهن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى قضى حاجته وخرج، فسألته عن هذا الذي كلما دخل قال "صلى الله عليه وآله": اسكتن، وكلما خرج قال "صلى الله عليه وآله": عدن إلى الغناء، فقال "صلى الله عليه وآله": هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل([461]).
9 ـ في رواية: أن امرأة دخلت على عائشة، فقال "صلى الله عليه وآله": يا عائشة أتعرفين هذه؟
قالت: لا يا نبي الله.
قال: هذه قينة بني فلان، تحبين أن تغنيك؟
قالت: نعم. فأعطاها طبقاً فغنتها.
فقال "صلى الله عليه وآله": قد نفخ الشيطان في منخريها([462]).
وعن ابن أبي أوفى: استأذن أبو بكر "رض" على النبي "صلى الله عليه وآله" وجارية تضرب بالدف فدخل، ثم استأذن عمر "رض" فدخل، ثم استأذن عثمان "رض" فأمسكت.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إن عثمان رجل حيي([463]).
ويقول شاعر النيل ـ محمد حافظ إبراهيم ـ كما هو موجود في ديوانه، في مقام عده لفضائل الخليفة الثاني:
أخـاف حتى الـذراري في ملاعبهـا وراع حتى الـغـوانـي في مـلاهيه
أرأيـت تلـك التي لله قـد نــذرت أنشــودة لـرســـول الله تـهـديه
قـالت : نـذرت لئن عـاد النبي لنـا مـن غـزوة لـعـلى دفـي أغـنـيه
ويممت حضرة الهادي وقد ملأت أنـوار طـلـعـتـه أرجـاء واديـه
واستـأذنت ومشت بالدف وانـدفعت تـشـجي بـألحانها ما شاء مشجيه
والـمـصطـفى وأبـو بـكـر بجانبه لا يـنـكـران عـلـيـهـا مـا أغـانيه
حـتـى إذا لاح عـن بعد لهـا عمـر خارت قواها وكاد الخوف يـرديه
وخبـأت دفها في ثـوبهــا فـرقـــاً مـنـه وودت كوَنَّ الأرض تطويه
قد كـان علم رسـول الله يؤنسهــا فجاء بـطـش أبـي حفص يخشيه
فـقـال مـهـبـط وحي الله مبتســماً وفـي ابـتسـامـتـه مـعـنى يواسيه
قـد فـر شيطانها لما رأى عـمـــراً إن الشياطين تخشى بأس مخـزيه
كان ذلك هو عمدة ما استدل به القوم لحلية الغناء، ونحن نرى أنه كله لا يسمن ولا يغني من جوع ولتوضيح ذلك نقول:
نقض أدلة حلية الغناء:
وما دمنا بصدد الحديث عما في تلك الروايات من الوهن والضعف فإننا نرى لزاماً علينا أن نغض النظر عن التكلم في أسانيدها؛ فإن ذلك حديث يطول ولربما يتخيل البعض: أنه ليس لأحد الحق في الخدشة فيما في الصحاح، ولا سيما صحيحي البخاري ومسلم، وبعض ما تقدم موجود فيهما.
ونحن وإن كنا نعتقد أن هذا خيال باطل، وقد تكلم فيه العلماء وفندوه بما لا مزيد عليه([464]).
إلا أننا ـ مع ذلك ـ نغض الطرف هنا عن البحث في الأسانيد، استجابة لرغبة هؤلاء، وتجاوباً مع عاطفتهم، ونعطف النظر إلى البحث في المضمون..
فنقول:
أولاً: إن نصوص بعض تلك الروايات متناقضة كثيراً، ولا سيما الرواية المتقدمة تحت رقم [2] والرواية التي تحت رقم [4] التي عن الصحيحين وغيرهما.
ثانياً: إن الكثير من هذه الروايات تدل على حرمة الغناء، لا على حليته؛ فمثلاً:
أ ـ قوله في الرواية رقم [2]: "إن الشيطان ليخاف ـ أو ليفرق ـ منك يا عمر" يدل على الحرمة، إذ لو كان مباحاً ـ ولا سيما إذا كان وفاء للنذر ـ لم يصح منه "صلى الله عليه وآله" تهجين عملها، واعتباره من الشيطان.
ب ـ والرواية رقم [3] تدل على ذلك بملاحظة اعتراض عائشة وجوابه "صلى الله عليه وآله" لها.
ج ـ في الرواية الرابعة اعتبر ذلك من مزامير الشيطان، ومعنى ذلك: أنه حرام ومرجوح، فيرد سؤال: لماذا يرتكب النبي "صلى الله عليه وآله" أمراً هذه صفته؟!.
أجاب ابن روزبهان: إنه فعله لضرورة التشريع.
ولكنه كلام لا يصح: إذ قد كان من الممكن الاكتفاء بالتشريع بالقول، فإنه أخف وأيسر.
وأيضاً لو صح ذلك لاقتضى أن يفعل ذلك أمام عامة الناس، لا أن يجلس في بيته وحده ويستمع.
ثم كيف يتصور حلية ما يعتبره العقلاء من مزامير الشيطان؟!.
د ـ وفي الرواية الخامسة: قال "صلى الله عليه وآله": إني لأنظر شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر، فإذا كان ذلك مجمعاً للشياطين، فلا بد أن يكون حراماً لا حلالاً.
ح ـ في الرواية الثامنة قال "صلى الله عليه وآله": "هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل"، فما هو حلال أو مكروه لا يوصف بالباطل.
ط ـ في الرواية الأخيرة قال "صلى الله عليه وآله" عن المغنية: "قد نفخ الشيطان في منخريها"، وهو يدل على الحرمة أيضاً، حيث جعل الغناء من نفخ الشيطان، ولا ينفخ الشيطان ما هو حلال.
ثالثاً: لا بد أن نسأل: ما هذا الشيطان الذي يخاف أو يفرق من عمر، ولا يخاف من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
وكيف ينعقد النذر لشيء يكون فيه شيطان يفرق من عمر؟ مع أنه يشترط في النذر كون متعلقه طاعة وراجحاً، أو على الأقل أن لا يكون مرجوحاً، كما لا يخفى على من راجع أبواب النذر في كتب الحديث، كالبيهقي، والترمذي، وغير ذلك.
وكيف يؤثر النبي "صلى الله عليه وآله" سماع الباطل، ولا يؤثره عمر؟! وكيف أصبح عمر هنا أشد التزاماً من الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"؟!.
وكيف تكون تلك القينة قد نفخ الشيطان في منخريها، ثم يعرض "صلى الله عليه وآله" على عائشة أن تسمع غناءها؟ وهل تصدر مثل هذه المتناقضات عن عاقل؟ فضلاً عن نبي معصوم؟!.
وكيف يتستر هذا النبي "صلى الله عليه وآله" في بعض أعماله عن البعض، ويعتبر أن اطلاعه عليه هتك للستر المرخى، وموجب للحط من كرامته وشأنه، ولا يتستر بها عن البعض الآخر؟!
ألا يدلنا ذلك: على أنها من الأعمال القبيحة، أو على الأقل غير اللائقة!!. وأبو بكر نراه يزجر عن الغناء في رواية، ولكنه لا يزجر عنه في رواية أخرى، بل عمر هو الذي يزجر!!.
رابعاً: كيف يدعو "صلى الله عليه وآله" عائشة لتنظر إلى لعب السودان بالدرق والحراب وخده على خدها، وهو يشجعهم بقوله: دونكم يا بني أرفدة؟!([465]). أفلا ينافي ذلك ما هو معروف عنه "صلى الله عليه وآله" من الحياء؟ حتى لقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها كما ورد، وهل هذا يناسب من يعتبر الحياء من الإيمان، ومن كان ضحكه التبسم؟!.
وهل ينسجم مع منعه لزوجتيه من النظر إلى الأعمى، وقال لهما: أفعمياوان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟!([466]).
خامساً: ما هي المناسبة بين الضرب بالدف، وبين رثاء قتلى بدر؟ وهل إن سكوت النبي "صلى الله عليه وآله" عن هذا الأمر كما في الرواية الأولى ـ لو صحت ـ يدل على رضاه به؟! ولا سيما إذا كان الأمر مما يحتاج إلى التدرج في المنع.
ومن قال: إن هؤلاء الذين كانوا يفعلون ذلك كانوا يحترمون أوامره "صلى الله عليه وآله"؟ بل لم يثبت كونهم من المسلمين.
سادساً: وأخيراً، إن لدينا روايات كثيرة جداً صريحة في حرمة الغناء، وهي متواترة بلا ريب، ونحن نكتفي منها بذكر ما يلي:
أ ـ عنه "صلى الله عليه وآله": ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخمر، والحرير، والمعازف([467]).
ب ـ عن أنس مرفوعاً: صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما، صوت مزمار، ورنة شيطان عند نغمة مرح، ورنة عند مصيبة.
وفي لفظ عبد الرحمن بن عوف: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة الخ..
ومثل ذلك عن الحسن([468]).
ج ـ عن عمر بن الخطاب: ثمن القينة سحت، وغناؤها حرام، والنظر إليها حرام، وثمنها من ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت([469]).
د ـ الدف حرام، والمعازف حرام، والكوبة حرام، والمزمار حرام([470]).
هـ ـ عن ابن عباس، وأنس، وأبي أمامة، مرفوعاً: ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف([471]).
و ـ عن أنس، وأبي أمامة مرفوعاً: بعثني الله رحمة للعالمين، وبعثني بمحق المعازف والمزامير، وأمر الجاهلية([472]).
ز ـ عن أبي هريرة مرفوعاً: يمسخ قوم في آخر الزمان قردة وخنازير، فسألوه "صلى الله عليه وآله" عن سر ذلك، فقال: اتخذوا المعازف، والدفوف، والقينات، الخ.. وروى نحوه من طريق: عبد الرحمن بن سابط، والغازي بن ربيعة وصالح بن خالد، وأنس بن أبي أمامة، وعمران بن حصين([473]).
ح ـ أخرج الترمذي من حديث علي مرفوعاً: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء (فذكر منها): إذا اتخذت القينات والمعازف، ومثله عن أبي هريرة([474]).
ط ـ عن صفوان بن أمية: كنا عند النبي "صلى الله عليه وآله" إذ جاء عمر بن قرة، فقال: يا رسول الله، إن الله كتب علي شقوة، فلا أنال الرزق إلا من دفي بكفي؛ فأذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال النبي "صلى الله عليه وآله": لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة، كذبت أي عدو الله، لقد رزقك الله طيباً؛ فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله، أما إنك لو قلت بعد هذه المقالة لضربتك ضرباً وجيعاً([475]).
وعلق الحلبي على هذه الرواية بقوله: "إلا أن يقال: إن هذا النهي ـ إن صح ـ محمول على من يتخذ ضرب الدف حرفة، وهو مكروه تنزيهاً، وقوله: اخترت ما حرم الله عليك للمبالغة في التنفيرعن ذلك"([476]).
ولكن قد فات الحلبي: أنه إذا كان اتخاذه حرفة مكروهاً تنزيهاً؛ فلماذا يتهدده بالضرب الوجيع؟!. ولماذا يعتبره عدواً لله تعالى؟!.
كما أن مقابلة ما حرم الله بالطيب دليل على أن المراد بما حرم الله هو الخبيث وهو المحرم بنص القرآن: قال تعالى: ?وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَآئِثَ?"([477]).
ي ـ عن أبي أمامة: لا تبيعوا القينات ولا تشروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي..?.
وفي لفظ آخر: لا يحل تعليم المغنيات، ولا بيعهن، وأثمانهن حرام، وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية الخ..([478]).
ك ـ وعن عائشة مرفوعاً: إن الله تعالى حرم القينة، وبيعها، وثمنها، وتعليمها، والاستماع إليها، ثم قرأ: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ?([479]).
ل ـ وسئل ابن مسعود عن قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ?، فقال: هو والله الغناء.
وفي لفظ: هو والله الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
وعن جابر في الآية: هو الغناء والاستماع له.
وفسر الآية بالغناء كل من: ابن عباس، وابن عمر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وميمون بن مهران، وقتادة، والنخعي، وعطاء، وعلي بن بذيمة، والحسن([480]).
م ـ وفي قوله تعالى لإبليس: ?وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ?([481])، قال ابن عباس، ومجاهد: إنه الغناء، والمزامير واللهو([482]).
ن ـ وقد عد الحسن البصري سيئات يزيد فقال: إنه سكير خمير، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير([483]).
وكان من جملة ما نقمه أهل المدينة على يزيد: أنه يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان([484]).
س ـ وعن ابن عباس في قوله تعالى: ?وَأَنتُمْ سَامِدُونَ?: سامدون: هو الغناء بلغة حِمْيَر([485]).
ع ـ عن جابر، عنه "صلى الله عليه وآله": "كان إبليس أول من ناح، وأول من غنى"([486]).
ف ـ عن علي "عليه السلام"، عنه "صلى الله عليه وآله": "كسب المغني والمغنية حرام، وكسب الزانية سحت، وحق على الله أن لا يدخل الجنة لحماً نبت من سحت"([487]).
ص ـ عن علي "عليه السلام": إن النبي "صلى الله عليه وآله" نهى عن ضرب الدف، ولعب الطبل، وصوت المزمار([488]).
وحسبنا ما ذكرناه هنا، ومن أراد المزيد، فليراجع المصادر المشار إليها في الهوامش([489]).
أقوال العلماء في الغناء:
وقد ذكر في الغدير: أن إمام الحنفية قد حرم الغناء، وهو مذهب مشايخ أهل الكوفة: سفيان، وحماد، وإبراهيم، والشعبي وعكرمة.
ونهى مالك عن الغناء، واعتبره من العيوب التي ترد بها الجارية، وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحده.
ونقل التحريم عن جماعة من الحنابلة، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: أنه سأل أباه عن الغناء، فقال: ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق.
وعن أصحاب الشافعي العارفين بمذهبه القول بتحريمه كالمزني وغيره، وأنكروا على من نسب إليه حلّه، كالقاضي أبي الطيب، وله في ذم الغناء والمنع عنه كتاب مصنف ولأبي بكر الطرطوشي كتاب في الغناء، وأيضاً حرمه الطبري، والشيخ أبو إسحاق في التنبيه، ونص على حرمته المحاسبي، والنحاس، والقفال ونهى عنه القاسم بن محمد، والضحاك، والوليد بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم ممن لا يمكن حصرهم.
ونقل ابن الصلاح إجماع أهل الحل والعقد من المسلمين على تحريمه.
وذكر الطبري إجماع أهل الأمصار على كراهته، والمنع عنه سوى إبراهيم بن سعد، و عبد الله العنبري([490]).
الغناء عند أهل الكتاب:
وإذا كان الغناء أمراً غريباً عن الإسلام، فلا بد أن نتساءل من أين تسرب هذا الأمر إلى بعض المسلمين، حتى أصروا على حليته، وممارسته وحتى أصبح من شعار الصوفية، كما هو معلوم؟!
والجواب: أن ذلك قد تسرب إليهم من أهل الكتاب.
فقد قال ابن كثير: وهو يتحدث عن مريم أخت عمران التي كانت في زمان موسى: "وضربها بالدف في مثل هذا اليوم، الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد"([491]) ثم يحكم ابن كثير بالجواز في الأعياد وعند قدوم الغياب، تماماً على وفق ما استنبطه من رواية مريم!!.
سر الوضع والاختلاق:
ولربما يكون سر الإصرار على نسبة ذلك إلى نبي الأمة "صلى الله عليه وآله" وإلى الإسلام هو:
1 ـ أننا نجد: أن عائشة وعمر بن الخطاب كانا يحبان الغناء واللهو ويستمعان إليه.
أما بالنسبة لعائشة: "فقد روى البخاري وغيره: أنها كانت تشجع على ذلك، وتقول: "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو"([492]).
كما وأنها قد أذنت لمغن (رجل!!) يغني لبعض الجواري اللواتي خفضن، وإن كانت قد عادت فأمرت بإخراجه([493]).
وبالنسبة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فقد قال ابن منظور: "قد رخص عمر في غناء الأعراب"([494]).
واستأذنه خوات بن جبير بأن يغني، فأذن له؛ فغنى، فقال عمر: أحسن خوات، أحسن خوات([495]).
وسمع رباح بن المغترف يغني، فسأل عن ذلك، فأخبروه، فقال: فإن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب، وقريب من ذلك جرى له مع خوات أيضاً([496]).
وعن العلاء بن زياد: أن عمر كان في مسيره؛ فتغنى، فقال: هلا زجرتموني إذ لغوت؟!([497]).
وقد عده الشوكاني والعيني: أنه ممن أباح الغناء هو وعثمان([498]).
وقد استعاد غناء زيد بن سلم، وعاصم بن عمر، وأبدى رأيه فيه، كما ذكره ابن قتيبة فراجع([499]).
فلعل جعل الإنكار على الجواري اللواتي كن يغنين في بيت الرسول "صلى الله عليه وآله" من قبل عمر بالذات في أكثر المرويات السابقة ـ لعله ـ يهدف إلى التشكيك في هذا الذي شاع عنه، أو للتخفيف من قبح نسبته إليه، حين يرى الناس أن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" نفسه يستمع الغناء، ويجعل مزامير الشيطان في بيته، ويؤثر سماع الباطل!! فلا غضاضة بعد على غيره إن هو فعل شيئاً من ذلك.
2 ـ إن أكثر تلك المنقولات التي تريد إثبات حلّية الغناء تحاول التأكيد على دور عائشة، حتى إنها وهي تنظر إلى الحبشة كان "صلى الله عليه وآله" يقول لها: أما شبعت؟
فتقول: لا؛ لتنظر منزلتها عنده، وذلك يوحي لنا بأن ثمة يداً تحاول إثبات فضيلة لأم المؤمنين، والإشارة إلى أنه "صلى الله عليه وآله" كان يراعيها ويحبها.
ثم إن في الروايات إشارات واضحة إلى الاهتمام بإثبات فضائل لعمر، وأبي بكر، وعثمان، وإثبات مدى تمسكهم بالدين، ومحاماتهم عنه، حتى وإن كان ذلك عن طريق النيل من كرامة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، والطعن في نزاهته وعصمته!!.
3 ـ إننا لا نريد أن نبرئ أيضاً يد الأمويين والعباسيين من عملية الدس، والوضع والاختلاق على النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، فقد كان ثمة من يهتم بإضفاء صفة الشرعية والقداسة على كل فعل من أفعالهم.
ويوضح ذلك: قصة المهدي مع غياث بن إبراهيم، حينما دخل عليه فوجده يلعب بالحمام، فروى له حديث:
لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر، وزاد فيه كلمة: "أو جناح"، إرضاء لرغبة المهدي، فأمر له المهدي ببدرة، فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب([500]).
ولا زلنا نقرأ في كتب التاريخ والأدب العجائب والغرائب حول اهتمام خلفاء بني أمية وبني العباس في أمر الغناء واللهو.
وكانوا يعطون المغنين أعظم الجوائز، بالعشرات وبمئات الألوف([501]) حتى لقد قال إسحاق الموصلي شيخ المغنين: "لو عاش لنا الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة"([502]).
نزول رسول الله ' في قباء:
ويقول أهل الحديث والتاريخ: إنه بعد أن استقبل النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك الاستقبال الحافل عدل إلى قباء، ونزل في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم.
وفي ذلك اليوم أصر عليه أبو بكر ليدخل المدينة، فرفض وأخبره: أنه لا يريم حتى يقدم عليه ابن عمه، وأخوه في الله، وأحب أهل بيته إليه، الذي وقاه بنفسه، على حد تعبيره "صلى الله عليه وآله".
فغضب أبو بكر، واشمأز، وفارق النبي "صلى الله عليه وآله"، ودخل المدينة في تلك الليلة، وبقي "صلى الله عليه وآله" ينتظر أمير المؤمنين "عليه السلام" حتى وافاه بالفواطم، وأم أيمن([503]) في النصف من ربيع الأول([504]). ونزل مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" على كلثوم بن الهدم([505]).
ويرى البعض: أن الذي قدم بالعيال هو زيد بن حارثة وأبو رافع، ورفع الحلبي التنافي باحتمال أن يكون الكتاب الذي أرسله إلى علي "عليه السلام" حين كان "صلى الله عليه وآله" في قباء كان معهما، ثم رافقا علياً في الطريق، وعادا معه([506]).
فنسب البعض المجيء بالعيال إليهما، وتجاهل دور أمير المؤمنين "عليه السلام" الرائد، وموقفه في الدفاع عنهما لحاجة في نفسه قضاها.
تأسيس مسجد قباء:
وخلال إقامته "صلى الله عليه وآله" في قباء أسس مسجد قباء المعروف، ويبدو أن صاحب الفكرة، والمباشر أولاً في وضع المسجد هو عمار بن ياسر([507]).
ومسجد قباء هو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى: ?لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ..?([508]).
ولسوف نتحدث عن ذلك في غزوة تبوك، إن شاء الله تعالى.
أحجار الخلافة:
وتذكر هنا: رواية "أحجار الخلافة" المكذوبة، ويذكرونها أيضاً حين تأسيس مسجد المدينة، ولذا فنحن نرجئ الحديث عنها إلى هناك.
أول مسجد في الإسلام:
ومسجد قباء هو أول مسجد بني في الإسلام، كما صرح به ابن الجوزي وغيره([509]).
وقد تقدم حين الكلام على هجرة أبي بكر إلى الحبشة، وإرجاع ابن الدغنة له، عدم صحة قولهم: إن أبا بكر هو أول من بنى مسجداً في الإسلام، فراجع.
ويبدو أن بعض النساء قد شاركن في بناء مسجد قباء؛ فعن ابن أبي أوفى لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها، فإنها كانت تحمل ـ ومواليها ـ بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين([510]).
وبعد.. فإن الظاهر: هو أن تأسيس مسجد قباء كان بعد قدوم أمير المؤمنين "عليه السلام"؛ إذ قد ورد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر أبا بكر بأن يركب الناقة، ويسير بها ليخط المسجد على ما تدور عليه؛ فلم تنبعث به، فأمر عمر فكذلك، فأمر علياً "عليه السلام"، فانبعثت به؛ ودارت به، فأسس المسجد على حسب ما دارت عليه، وقال "صلى الله عليه وآله": إنها مأمورة([511]).
صلاة الجمعة في قباء:
ويذكرون هنا أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" قد صلى الجمعة في قباء، أو في طريقه منها إلى المدينة([512]).
بل لقد قال بعضهم: "إن الجمعة قد فرضت في مكة، لكنهم لم يقيموها لعدم تمكنهم من ذلك"([513]).
ولعل إلى هذا ينظر ابن غرس، حيث يقول: "إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط"([514]).
بل ربما يشك في ذلك في المدينة أيضاً، في هذا الوقت المبكر على اعتبار: أن سورة الجمعة قد نزلت بعد الهجرة بسنوات، بل هي من أواخر ما نزل من القرآن([515]).
لكن من المعلوم: أن سورة الجمعة إنما تتحدث عن لزوم السعي إلى الجمعة التي تقام، وليست ناظرة إلى أصل تشريع صلاة الجمعة، فلعلها كانت مشروعة قبل ذلك، وكانت تقام، لكن بعض المسلمين كان يتهاون بالسعي إليها فنزلت آيات سورة الجمعة لأجل ذلك.
ولعل هؤلاء المتهاونين هم الذين هددهم النبي "صلى الله عليه وآله" بإحراق بيوتهم إن استمروا على مقاطعة صلاة الجمعة([516]) فراجع كتب الحديث والتاريخ.
وأما الإشكال على ذلك بأن إقامتها في قباء معناه أنه "صلى الله عليه وآله" قد صلاها في السفر.
فهو في غير محله، إذ من الممكن أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد نوى الإقامة في قباء إلى حين قدوم الإمام علي "عليه السلام" بالفواطم مع علمه بأن ذلك سيمتد إلى أكثر من عشرة أيام وقد ذكروا أنه "صلى الله عليه وآله" قد أقام في قباء خمسة عشر يوماً([517]).
كما أن من الممكن أن تكون قباء في ذلك الزمان في محيط المدينة بحيث تعد من محلاتها، ومن وصل إليها فكأنه وصل إلى المدينة، ولا يعد مسافراً بعد. وقد تقدم بعض الكلام عن صلاة الجمعة في فصل بيعة العقبة، فراجع.
القسم الرابع:
من الهجرة إلى بدر
الباب الأول: في المدينة وقضايا أخرى
الباب الثاني: أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة
الباب الثالث: تشريعات وأحكام
الباب الأول:
في المدينة وقضايا أخرى
الفصل الأول: النبي ' في المدينة
الفصل الثاني: قضايا وأحداث غير عسكرية
الفصل الأول:
الـنـبـي ' فـي المديـنـة
ورود النبي ' المدينة:
بعد خمسة عشر يوماً([518]) من إقامته "صلى الله عليه وآله" في قباء، تحرك إلى داخل المدينة.
وقد اختلف المؤرخون في التاريخ الدقيق لخروجه "صلى الله عليه وآله" من مكة ودخوله قباء ثم المدينة اختلافاً كثيراً، مع اتفاقهم على أنه قد دخلها في أوائل ربيع الأول([519]).
وقد حقق العلامة المجلسي: أن هجرته "صلى الله عليه وآله" كانت في يوم الإثنين، أول ربيع الأول، ووروده المدينة في يوم الجمعة الثاني عشر منه، كما ذهب إليه المفيد، وادَّعى البعض الإجماع عليه([520]).
وتقول رواية: إنه "صلى الله عليه وآله" وصل قبل بزوغ الشمس، وكان هو وأبو بكر يلبسان ثياباً بيضاً متشابهة، فكان يشتبه الأمر على الناس، فيسلمون على أبي بكر، يظنونه النبي "صلى الله عليه وآله"، حتى بزغت الشمس، وأصابت النبي "صلى الله عليه وآله"، فظلل عليه أبو بكر، فعرفه الناس حينئذٍ([521]).
ولكن هذه الرواية غير صحيحة قطعاً، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" قد وصل إلى المدينة في حر الظهيرة، كما نص عليه المؤرخون([522]).
ولو قلت: لعل المراد أنه وصلها في طريقه من مكة، حيث عدل إلى قباء، حين الظهيرة، فإن الجواب هو:
1 ـ إنه قد تقدم: أن أهل المدينة كانوا يأتون كل يوم أفواجاً إلى قباء، فيسلمون عليه "صلى الله عليه وآله"، وذلك يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" قد كان معروفاً عند أهل المدينة قبل قدومه إليها، فكيف يدعى: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يشتبه على الناس بأبي بكر حتى ظلل أبو بكر عليه؟!
ومع غض النظر عن ذلك، فإن شخصية النبي "صلى الله عليه وآله" كانت تدل عليه، وكانت تختلف كثيراً عن شخصية أبي بكر، وقد وصفته أم معبد لزوجها حتى عرفه([523]). وتقدمت صفة أبي بكر على لسان ابنته عائشة.
2 ـ ثم إنه قد تقدم القول بأنه "صلى الله عليه وآله" قد صلى الجمعة، وهو في طريقه إلى المدينة([524]).
وهذا معناه: أنه "صلى الله عليه وآله" قدمها بعد الظهر بقليل، فإن المسافة بين قباء والمدينة ليست كبيرة، كما هو معلوم.
3 ـ أضف إلى كل ما تقدم: أنه إذا كان "صلى الله عليه وآله" أكبر من أبي بكر بسنتين، فما معنى قولهم لأبي بكر: من هذا الغلام بين يديك؟!([525]) وهل يقال لمن بلغ ثلاثاً وخمسين سنة: إنه غلام؟!
إلا أن يجاب عن هذا: بأن الغلام قد يطلق على الكبير كما على الصغير على حد سواء.
ولكن يبقى سؤال: أنهم كانوا على علم بهجرته "صلى الله عليه وآله" فما معنى سؤال أبي بكر عنه، وقد تقدم أن المئات منهم قد خرجوا يستقبلونه؟
منزل النبي ' في المدينة:
وفي يوم الجمعة ركب "صلى الله عليه وآله" راحلته، وتوجه إلى المدينة، وعلي "عليه السلام" معه لا يفارقه، يمشي بمشيه، ولا يمر ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول: خلوا سبيل الناقة، فإنها مأمورة.
فانطلقت به، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" واضع لها زمامها، حتى انتهت إلى موضع مسجد النبي "صلى الله عليه وآله"، فوقفت هناك، وبركت، ووضعت جرانها على الأرض، وذلك بالقرب من باب أبي أيوب الأنصاري، أفقر رجل بالمدينة([526]).
فأدخل أبو أيوب ـ أو أمه ـ الرحل إلى منزلهم، ونزل "صلى الله عليه وآله" عنده، وعلي "عليه السلام" معه، حتى بنى مسجده ومنازله([527]).
فقيل: مكث عند أبي أيوب سنة تقريباً.
وقيل: سبعة أشهر، وقيل: شهراً واحداً([528]).
ونحن نستقرب هذا الأخير، إذ يبعد أن يستمر العمل في المسجد طيلة هذه المدة والأنصار والمهاجرون يعملون في البناء بجد واجتهاد، وهو "صلى الله عليه وآله" يعمل معهم.
أما سائر المهاجرين، فقد تنافس فيهم الأنصار، حتى افترقوا عليهم بالسهمان([529]).
ابن سلام والإسلام:
ويقول المؤرخون وأهل الحديث من غير مدرسة أهل البيت "عليهم السلام": إن عبد الله بن سلام اليهودي لما سمع الضجة، حين قدوم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، أسرع إليه، فلما رآه وسمع كلامه، عرف أن وجهه ليس بوجه كذاب([530]).
ويقولون أيضاً: إنه سأله حينئذٍ ثلاث مسائل لا يعلمها إلا نبي، فأجابه "صلى الله عليه وآله" عنها، فأسلم، ثم طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يسأل اليهود عنه قبل أن يعلموا بإسلامه، فسألهم عنه، فقالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فلما علموا بإسلامه، قالوا: شرنا وابن شرنا([531]).
ويقولون أيضاً: إن عبد الله بن سلام هذا هو الذي أنزل الله تعالى فيه: ?قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللهَِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ..?([532]).
ونزل فيه أيضاً: ?قُلْ كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ?([533]).
إلى غير ذلك مما يقولونه في هذا الرجل مما لا مجال لذكره هنا.
ونحن نسجل هنا النقاط التالية:
أولاً: إنه عدا عن التناقض الظاهر في الروايات التي تتحدث عن كيفية إسلام ابن سلام، كما لا يخفى على من راجعها، فإننا نجد البعض يقول: إنه قد "تأخر إسلامه إلى سنة ثمان، قال قيس بن الربيع، عن عاصم، عن الشعبي، قال: أسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" بعامين"([534]).
وقد ضعف العسقلاني هذه الرواية سنداً بقيس بن الربيع، وغلطها([535]).
ولكننا نقدر: أن مستنده في ذلك هو الروايات المتقدمة الدالة على أنه أسلم أول الهجرة.
ونحن لا نستطيع قبول ذلك منه، فإن الشعبي أقرب عهداً من العسقلاني، وقد عين لنا سنة إسلامه بشكل يدل على أنه لا يرسل الكلام على عواهنه.
ثم إنه لو كانت لابن سلام كل تلك العظمة التي أشارت إليها روايات إسلامه وغيرها، فلماذا لم نسمع عنه في تلك السنين الطويلة منذ الهجرة، وإلى سنة ثمان أي قول أو رأي، أو موقف!! مع أن التاريخ قد ذكر لنا كثيراً من مواقف صغار الصحابة ممن أسلم عام الفتح، بل وحتى الذين لم يروا النبي "صلى الله عليه وآله" إلا في طفولتهم، فكيف سكت عن هذا الرجل الخطير!! برأيهم؟!.
أما تضعيف العسقلاني لقيس بن الربيع، فهو في غير محله، فإنه هو نفسه قد نقل توثيقه من قبل: عفان بن قيس، والثوري، وشعبة، وأبي الوليد، وابن عدي، وأثنى عليه يعقوب وعثمان ابنا أبي شيبة، وأبو حاتم، وشريك، وابن حبان، والعجلي، وأبو حصين، ويحيى بن سعيد، ومعاذ بن معاذ، وابن عيينة، وأبو نعيم وغيرهم([536]).
ولكن سر الطعن عليه من العسقلاني، أو من غيره، هو ما أشار إليه أحمد، حيث قال: "كان يتشيع، ويخطئ في الحديث"([537]).
رغم أنهم يذكرون: أن عامة رواياته مستقيمة([538]) والذي يذكر هذا الطعن عليه بالتشيع هو أحمد بن حنبل، وليس ذلك غريباً عنه، فإنه عاش في زمن المتوكل الناصبي، الذي فعل بابن السكيت ما فعل، حيث أمر بأن يسل لسانه من قفاه، ففعل به ذلك فمات، لأنه لم يرض بتفضيل ولديه على الحسنين "عليهما السلام"([539]).
كما أنه قد أمر المغنين بأن يغنوا نكاية بولده المنتصر، الذي لم يرض بتنقصه لأمير المؤمنين علي "عليه السلام":
غـــار الــفـــتــى لابــن عمـه رأس الــفـــتـــى في حــرّ أمه([540])
وقد ضرب رجلاً ألف سوط، لأنه روى رواية واحدة في فضل علي "عليه السلام".
وهو الذي حرث قبر الحسين "عليه السلام" ومنع الناس من الوفود إلى زيارته([541]).
نعم، هذه هي بعض أفاعيل المتوكل، وقد كان لأحمد بن حنبل عند المتوكل هذا منزلة عظيمة، حتى إنه يدفع إليه ولده المعتز وسائر أولاده وولاة عهده ليقوم على تعليمهم([542]).
قال ابن كثير: "وكان لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد"([543]).
فبماذا استحق أحمد عند هذا الرجل الطاغية هذه المنزلة العظمى يا ترى؟ أما نصب الحنابلة فهو موضوع آخر لا مجال للتعرض له هنا([544]).
وثانياً: بالنسبة لآية: ?وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ?، نشير إلى ما يلي:
أ ـ لقد روي: أن هذه الآية قد نزلت في ميمون بن بنيامين، في قصة شبيهة بالقصة المنقولة عن ابن سلام تقريباً([545]).
وروي عن الزهري، ومجاهد، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وعمر، وقتادة خلاف ذلك أيضاً، فراجع([546]).
ب ـ لقد ورد عن الشعبي، أنه قال: ما نزل في عبد الله أي ابن سلام شيء من القرآن([547]).
ج ـ قال عكرمة: "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله: ليس بعبد الله بن سلام، هذه الآية مكية.
فيقول: من آمن من بني إسرائيل، فهو كمن آمن بالنبي "صلى الله عليه وآله"، وأقسم مسروق على مثل ما جاء عن عكرمة.
وكذلك قال الشعبي أيضاً.
وأنكر ذلك أيضاً أبو عمر استناداً إلى نفس حجة عكرمة([548]).
وجعل هذه الآية مدنية استناداً إلى رواية ابن سلام ليس له ما يبرره، بعد إنكار هؤلاء الذين هم أقرب إلى زمن النبي "صلى الله عليه وآله" لذلك وبعدما تقدم عن الشعبي وغيره.
د ـ إن ظاهر الآية هو أنها خطاب للمشركين الذين استكبروا، مع كون بعض بني إسرائيل الذين يعتمدون على أقوالهم، قد آمن، ولا يناسب أن تكون خطاباً لليهود، لأنهم هم أيضاً من بني إسرائيل، إذ كان الأنسب أن يقول لهم: "منكم".
وهذا يؤيد ما تقدم عن عكرمة، والشعبي، ومسروق، وغيرهم.
هـ ـ لقد صرح الطحاوي بأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يصرح بنزولها في ابن سلام، وإنما مالك هو الذي استنبط ذلك([549]).
وثالثاً: بالنسبة إلى قوله تعالى: ?وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ?، نقول:
أ ـ قد تقدم أنه قد روي عن الزهري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وابن عمر، وقتادة، وعمر ما يخالف هذا القول، الذي لم يرد إلا عن جندب، وكذا عن ابن عباس ومجاهد في إحدى الروايتين عنهما.
ب ـ قد تقدم عن الشعبي: أنه لم ينزل في ابن سلام شيء من القرآن.
ج ـ قد أنكر ذلك أيضاً كل من عكرمة، والحسن، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير، استناداً إلى أن السورة مكية، وإسلام ابن سلام كان بعد([550]).
د ـ إنهم يقولون: إن عمر بن الخطاب قد أسلم بعد نزول هذه الآية؛ لأنه سمع النبي "صلى الله عليه وآله" يقرؤها مع آيات أخر في صلاته، فانتظر عمر حتى سلم، فأسرع في أثره وأسلم([551]). وإنما أسلم عمر في مكة كما هو معلوم.
هـ ـ هناك روايات متواترة تنص على أن المقصود ب‍ ?مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ? هو أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، وأنه هو العالم بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والحلال والحرام.
وهذه الروايات مروية عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس، ومحمد بن الحنفية، والإمام محمد الباقر "عليه السلام"، والسدي، وزيد بن علي رحمه الله، والإمام موسى بن جعفر "عليه السلام"، وأبي صالح([552]).
ومن الطريف هنا ما جاء عن أبي صالح، في قوله عز وجل: ?وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ?، قال: رجل من قريش، هو علي ولكن لا نسميه([553]).
لماذا لا تسميه أيها الرجل؟ ولماذا تكتم الحق، وأنت تعلم؟ أليس ذلك خوفاً من الرمي بالتشيع، المساوي للرمي بالزندقة، ثم البلاء والشقاء من أعداء علي وأهل بيته، الذين كانوا هم أصحاب الملك والسلطان؟! حتى لقد قال الشاعر:
ومـتـى تـولـى آل أحـمـد مسلـم قـتـلـوه أو وصـمـوه بـالإلحاد([554])
ملاحظتان:
الأولى: إننا لا نستبعد أن يكون معاوية وحزبه الذين كان ابن سلام يهتم في دعمهم وتأييد سلطانهم، قد كانوا وراء إعطاء هذه الفضيلة لعبد الله بن سلام.
ويدل على ذلك: ما روي عن قيس بن سعد بن عبادة، قال: ?وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ?: علي.
قال معاوية بن أبي سفيان: هو عبد الله بن سلام.
قال سعد: أنزل الله: ?إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ? وأنزل: ?أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ?. فالهادي من الآية الأولى، والشاهد من الآية الثانية، عليّ، لأنه نصّبه "صلى الله عليه وآله" يوم الغدير، وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". فسكت معاوية، ولم يستطع أن يردها([555]).
الثانية: إن مما يلفت النظر هنا: أن نجد هذا الذي تنسب إليه فضائل أمير المؤمنين "عليه السلام"، ويدعى زوراً: أنه هو المعني بها ـ نجده ـ على الدوام من أعوان خصوم علي "عليه السلام"، ومن الممالئين لأعدائه، ولم يبايع له حينما بويع بالخلافة([556]).
ولعل هذا هو السر في الاهتمام بشأنه، وإظهاره على أنه شخصية لها شأن ومقام، وقدم، بل وفضل، في إثبات صدق النبي "صلى الله عليه وآله"، وصحة ما جاء به.
ويذكر أبو رية: أن ابن سلام هذا كان يدخل من إسرائيلياته في الإسلام([557]).
وقد كان اليهود يبغضون جبرائيل "عليه السلام"، ولعل هذا هو السر في أن عبد الله بن سلام يفسر اللهو في آية ?وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهواً انفَضُّوا إِلَيْهَا?.
فيقول: كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله، فقد ورد: أن جبرائيل كان يأتي إلى النبي "صلى الله عليه وآله" في صورة دحية هذا([558]).
هذا، ويجب التذكير بأن بعض الخلفـاء، ولا سيما عثمان، كانوا يستشيرونه في أمور هامة، فيشير عليهم بما يراه.
وقد دافع عن عثمان وهو محصور بلسانه ولكنه لم ينصره بيده([559]) رغم وعده له بذلك.
وقد اعتبره المحاصرون لعثمان أنه لا يزال على يهوديته، فحاول أن ينفي ذلك عن نفسه([560]).
بل كان هو وكعب الأحبار، وغيرهما من زعماء اليهود والنصارى، الذين أظهروا الإسلام، مصدراً للكثير من المواقف الخطيرة في الدولة الإسلامية، وكانا بمثابة مستشارين للهيئة الحاكمة في كثير من الشؤون.
وبعد.. فإننا نسأل الله أن يوفقنا لنشر كتاب يرتبط بأثر أهل الكتاب في السياسة والعقائد، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغير ذلك.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل السابع: أبو طالب × .................................. 5 ـ 68
الباب الثالث: من وفاة أبي طالب × حتى الهجرة إلى المدينة
الفصل الأول: الهجرة إلى الطائف .............................. 71 ـ 84
الفصل الثاني: حتى بيعة العقبة ............................... 85 ـ 120
الفصل الثالث: بيعة العقبة ................................. 121 ـ 144
الباب الرابع: من مكة إلى المدينة
الفصل الأول: إبتداء الهجرة إلى المدينة ...................... 147 ـ 172
الفصل الثاني: هجرة الرسول الأعظم ' ................. 173 ـ 266
الفصل الثالث: إلى قباء ..................................... 267 ـ 290
الفصل الرابع: حتى المدينة ................................. 291 ـ 322
القسم الرابع: من الهجرة إلى بدر
الباب الأول: في المدينة وقضايا أخرى
الفصل الأول: النبي ' في المدينة......................... 327 ـ 342
الفهارس .................................................. 343 ـ 358
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1;عنوان7 Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char;1;عنوان4 Char Char;1;عنوان6 Char;1;عنوان6;1"
الفصل السابع: أبو طالب ×
البحث الأول: أبو طالب × مؤمن قريش
إيمان أبي طالب × عند أهل البيت ^:........................................ 7
أهل البيت ^ أدرى:.............................................................. PAGEREF _Toc100116353 \h 8
تآليف في إيمان أبي طالب ×:.................................................. PAGEREF _Toc100116354 \h 9
من أدلة إيمان أبي طالب ×:.................................................. PAGEREF _Toc100116355 \h 10
أهل البيت ^ أعرف:........................................................... PAGEREF _Toc100116356 \h 10
التضحيات والمواقف:......................................................... PAGEREF _Toc100116357 \h 10
تشنيع الأعداء:................................................................... PAGEREF _Toc100116358 \h 11
أشعاره الصريحة بالإيمان:................................................... PAGEREF _Toc100116359 \h 11
مدائح أبي طالب × للنبي ':................................................. PAGEREF _Toc100116360 \h 13
النار محرمة على أبي طالب ×:............................................. PAGEREF _Toc100116361 \h 15
النبي ' يحب عقيلاً حبين:.................................................... PAGEREF _Toc100116362 \h 15
كان على دين الله:............................................................... PAGEREF _Toc100116363 \h 16
المسلم المؤمن:................................................................... PAGEREF _Toc100116364 \h 16
خلاصة جامعة:................................................................. PAGEREF _Toc100116365 \h 17
رواياتهم تدل أيضاً على إيمانه:.............................................. PAGEREF _Toc100116366 \h 18
النبي ' يرجو الخير لأبي طالب ×:........................................ PAGEREF _Toc100116367 \h 18
أبو بكر فرح بإسلام أبي طالب ×:.......................................... PAGEREF _Toc100116368 \h 18
التشهد قبل الموت:.............................................................. PAGEREF _Toc100116369 \h 19
استغفار النبي ' لـه:........................................................... PAGEREF _Toc100116370 \h 19
تشييع جنازته ومراسم دفنه:.................................................. PAGEREF _Toc100116371 \h 20
لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟:................................................. PAGEREF _Toc100116372 \h 21
رثاء علي × لأبيه:............................................................. PAGEREF _Toc100116373 \h 22
ولا أبو سفيان كأبي طالب ×:................................................ PAGEREF _Toc100116374 \h 22
أبو طالب × الداعية إلى الإسلام:............................................ PAGEREF _Toc100116375 \h 23
الاعتراف بممارسة التقية:.................................................... PAGEREF _Toc100116376 \h 24
موقف النبي ' من أبي طالب ×:............................................ PAGEREF _Toc100116377 \h 24
أنا على دين أبي طالب ×:.................................................... PAGEREF _Toc100116378 \h 25
شفاعة النبي ' لـه:............................................................. PAGEREF _Toc100116379 \h 25
إقراره على زواجه بمسلمة:.................................................. PAGEREF _Toc100116380 \h 25
من لم يقر بإيمان أبي طالب ×:.............................................. PAGEREF _Toc100116381 \h 26
دفاع النبي ' عن أبي طالب ×:............................................. PAGEREF _Toc100116382 \h 26
بعد قتل الفرسان الثلاثة:....................................................... PAGEREF _Toc100116383 \h 27
غضب النبي ' لأبي طالب ×:.............................................. PAGEREF _Toc100116384 \h 29
وما لأحد عنده من نعمة تجزى:.............................................. PAGEREF _Toc100116385 \h 29
ملاحظة: معالجة رواية الكشي:.............................................. PAGEREF _Toc100116386 \h 31
البحث الثاني: أبو طالب × المظلوم المفترى عليه
الأدلة الواهية:.................................................................... PAGEREF _Toc100116387 \h 33
1 ـ حديث الضحضاح:.............................................. PAGEREF _Toc100116388 \h 33
2 ـ إرث عقيل لأبي طالب ×:..................................... PAGEREF _Toc100116389 \h 38
3 ـ آية: ?وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ?:.............................................. PAGEREF _Toc100116390 \h 39
4 ـ آية النهي عن الاستغفار للمشرك:............................. PAGEREF _Toc100116391 \h 43
مـلاحظـة:.................................................... PAGEREF _Toc100116392 \h 48
5 ـ ?إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ?:..................................... PAGEREF _Toc100116393 \h 49
6 ـ ?وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ?:............................ PAGEREF _Toc100116394 \h 51
7 ـ الذي ينجي من الوسوسة:....................................... PAGEREF _Toc100116395 \h 52
أبو بكر حين أسلم أبوه:........................................................ PAGEREF _Toc100116396 \h 53
أبو طالب × الشيخ المهتدي:.................................................. PAGEREF _Toc100116397 \h 54
هل صلى أبو طالب ×؟:...................................................... PAGEREF _Toc100116398 \h 55
أبو طالب × خير الأخيار:.................................................... PAGEREF _Toc100116399 \h 56
خطابيات وأرجاز المديني:.................................................... PAGEREF _Toc100116400 \h 57
البحث الثالث: مؤمن آل فرعون
سرية إيمان أبي طالب ×:..................................................... PAGEREF _Toc100116401 \h 59
لا بد من كتمان الإيمان:....................................................... PAGEREF _Toc100116402 \h 60
مفارقات محيِّرة:................................................................ PAGEREF _Toc100116403 \h 61
ذنب أبي طالب × الذي لا يغفر:............................................. PAGEREF _Toc100116404 \h 62
مفارقات.. ذات دلالة:.......................................................... PAGEREF _Toc100116405 \h 65
حال أبي طالب × حال رسول الله ':...................................... PAGEREF _Toc100116406 \h 66
أبو لهب ونصرة النبي ':..................................................... PAGEREF _Toc100116407 \h 66
سر افتعال الرواية:............................................................. PAGEREF _Toc100116408 \h 67
الباب الثالث: من وفاة أبي طالب × حتى الهجرة إلى المدينة
الفصل الأول: الهجرة إلى الطائف
لا بد من تحرك جديد:.......................................................... 73
الهجرة إلى الطائف في كلمات المؤرخين:................................. PAGEREF _Toc100116415 \h 74
هجرات أخرى له ':........................................................... PAGEREF _Toc100116416 \h 76
1 ـ ما ذكر عن عداس:.............................................. PAGEREF _Toc100116417 \h 76
2 ـ دخوله ' مكة بجوار:........................................... PAGEREF _Toc100116418 \h 78
3 ـ إسلام نفر من الجن:............................................. PAGEREF _Toc100116419 \h 79
4 ـ الطائف وعلاقاتها بمن حولها:................................ PAGEREF _Toc100116420 \h 81
5 ـ الإسلام دين الفطرة:............................................. PAGEREF _Toc100116421 \h 82
6 ـ هل كانت هذه سفرة فاشلة؟!................................... PAGEREF _Toc100116422 \h 83
الفصل الثاني: حتى بيعة العقبة
المجاعة:.......................................................................... PAGEREF _Toc100116424 \h 84
عرض الإسلام على القبائل:.................................................. PAGEREF _Toc100116425 \h 84
بنو عامر بن صعصعة، ونصرة النبي ':................................. PAGEREF _Toc100116426 \h 84
1 ـ الأمر لله:........................................................... PAGEREF _Toc100116427 \h 84
2 ـ سمو الهدف، والنظرة الضيقة:................................ PAGEREF _Toc100116428 \h 84
3 ـ الدين، والسياسة:................................................. PAGEREF _Toc100116429 \h 84
4 ـ نتائج عرضه ' دعوته على القبائل:........................ PAGEREF _Toc100116430 \h 84
زواج النبي ' بسودة وعائشة:............................................... PAGEREF _Toc100116431 \h 84
1 ـ سن عائشة:........................................................ PAGEREF _Toc100116432 \h 84
من طرائف الروايات الموضوعة:...................... PAGEREF _Toc100116433 \h 84
2 ـ جمال عائشة وحظوتها:........................................ PAGEREF _Toc100116434 \h 84
3 ـ حسد وغيرة عائشة:............................................. PAGEREF _Toc100116435 \h 84
أ ـ خديجة ÷:................................................ PAGEREF _Toc100116436 \h 84
ب ـ زينب بنت جحش...................................... PAGEREF _Toc100116437 \h 84
ج ـ أم سلمة:................................................. PAGEREF _Toc100116438 \h 84
د ـ صفية بنت حيي بن أخطب:.......................... PAGEREF _Toc100116439 \h 84
هـ ـ جويرية بنت الحارث:................................ PAGEREF _Toc100116440 \h 84
و ـ مارية القبطية:.......................................... PAGEREF _Toc100116441 \h 84
ز ـ سودة بنت زمعة:....................................... PAGEREF _Toc100116442 \h 84
ح ـ أسماء بنت النعمان:................................... PAGEREF _Toc100116443 \h 84
ط ـ مليكة بنت كعب:....................................... PAGEREF _Toc100116444 \h 84
ي ـ أم شريك:................................................ PAGEREF _Toc100116445 \h 84
ك ـ شراف بنت خليفة:.................................... PAGEREF _Toc100116446 \h 84
ل ـ حفصة بنت عمر:...................................... PAGEREF _Toc100116447 \h 84
نهاية المطاف:................................................................... PAGEREF _Toc100116448 \h 84
وماذا بعد؟!....................................................................... PAGEREF _Toc100116449 \h 84
دخول الإسلام إلى المدينة:.................................................... PAGEREF _Toc100116450 \h 84
1 ـ إخبارات أهل الكتاب:........................................... PAGEREF _Toc100116451 \h 84
2 ـ المشاكل بين الأوس والخزرج:............................... PAGEREF _Toc100116452 \h 84
3 ـ تعاليم الشريعة السمحاء:........................................ PAGEREF _Toc100116453 \h 84
4 ـ المدنيون والمكيون:.............................................. PAGEREF _Toc100116454 \h 84
الفصل الثالث: بيعة العقبة
بيعة العقبة الأولى:.............................................................. PAGEREF _Toc100116456 \h 84
دعوة سعد بن معاذ قومه:..................................................... PAGEREF _Toc100116457 \h 84
البيعة:............................................................................. PAGEREF _Toc100116458 \h 84
صلاة الجمعة:................................................................... PAGEREF _Toc100116459 \h 84
بيعة العقبة الثانية:............................................................... PAGEREF _Toc100116460 \h 84
أبو بكر في العقبة:.............................................................. PAGEREF _Toc100116461 \h 84
حمزة وعلي ' في العقبة:..................................................... PAGEREF _Toc100116462 \h 84
سرية الاجتماع، والتقية........................................................ PAGEREF _Toc100116463 \h 84
شروط البيعة:.................................................................... PAGEREF _Toc100116464 \h 84
لماذا النقباء؟!.................................................................... PAGEREF _Toc100116465 \h 84
المشركون في مواجهة الأمر:................................................ PAGEREF _Toc100116466 \h 84
منازعة الأمر أهله:............................................................. PAGEREF _Toc100116467 \h 84
النبي ' لم يؤمر بالحرب بعد:................................................ PAGEREF _Toc100116468 \h 84
الباب الرابع: من مكة إلى المدينة
الفصل الأول: إبتداء الهجرة إلى المدينة
حب الوطن من الإيمان:....................................................... PAGEREF _Toc100116475 \h 84
دوافع الهجرة من مكة إلى المدينة:........................................... PAGEREF _Toc100116476 \h 84
سر اختيار المدينة:.............................................................. PAGEREF _Toc100116477 \h 84
المؤاخاة بين المهاجرين:...................................................... PAGEREF _Toc100116478 \h 84
إبتداء هجرة المسلمين إلى المدينة:........................................... PAGEREF _Toc100116479 \h 84
المثل الأعلى:.................................................................... PAGEREF _Toc100116480 \h 84
هجرة عمر بن الخطاب:....................................................... PAGEREF _Toc100116481 \h 84
ما هي الحقيقة إذاً؟!............................................................. PAGEREF _Toc100116482 \h 84
ماذا عن الهجرة إلى المدينة؟.................................................. PAGEREF _Toc100116483 \h 84
قريش والهجرة:................................................................. PAGEREF _Toc100116484 \h 84
الفصل الثاني: هجرة الرسول الأعظم '
المؤامرة:......................................................................... PAGEREF _Toc100116486 \h 84
مبيت علي ×، وهجرة النبي ':............................................. PAGEREF _Toc100116487 \h 84
قريش في طلب النبي ':...................................................... PAGEREF _Toc100116488 \h 84
الراحلتان بالثمن:................................................................ PAGEREF _Toc100116489 \h 84
أداء الأمانات:.................................................................... PAGEREF _Toc100116490 \h 84
نفقات الهجرة:................................................................... PAGEREF _Toc100116491 \h 84
شعر علي × بمناسبة المبيت:................................................. PAGEREF _Toc100116492 \h 84
المثل الأعلى للتضحية:........................................................ PAGEREF _Toc100116493 \h 84
المبيت، والخلافة:.............................................................. PAGEREF _Toc100116494 \h 84
قريش، وعلي ×:............................................................... PAGEREF _Toc100116495 \h 84
قريش والمبيت:................................................................. PAGEREF _Toc100116496 \h 84
مقايسة:........................................................................... PAGEREF _Toc100116497 \h 84
إرادة الله:......................................................................... PAGEREF _Toc100116498 \h 84
لماذا التدخل الإلهي؟!.......................................................... PAGEREF _Toc100116499 \h 84
بين النظرة المصلحية والواقع:............................................... PAGEREF _Toc100116500 \h 84
الأرض والمبدأ:................................................................. PAGEREF _Toc100116501 \h 84
ومن معطيات الهجرة أيضاً:.................................................. PAGEREF _Toc100116502 \h 84
أبو طالب × في حديث الغار:................................................ PAGEREF _Toc100116503 \h 84
مع آية الغار:..................................................................... PAGEREF _Toc100116504 \h 84
كلام الجاحظ، وما فيه:........................................................ PAGEREF _Toc100116505 \h 84
ماذا يقول المفيد هنا، وبماذا يجيبون؟!..................................... PAGEREF _Toc100116506 \h 84
سؤال يحتاج إلى جواب:....................................................... PAGEREF _Toc100116507 \h 84
تحير أبي بكر في حراسته للنبي ':......................................... PAGEREF _Toc100116508 \h 84
التأكيد على موقف أبي بكر................................................... PAGEREF _Toc100116509 \h 84
من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟!........................................ PAGEREF _Toc100116510 \h 84
كذبة مفضوحة:................................................................. PAGEREF _Toc100116511 \h 84
وابن تيمية ماذا يقول؟!........................................................ PAGEREF _Toc100116512 \h 84
وعن قضية صهيب نقول:.................................................... PAGEREF _Toc100116513 \h 84
تسمية أبي بكر بالصديق:...................................................... PAGEREF _Toc100116514 \h 84
متى كان وضع هذه الألقاب:.................................................. PAGEREF _Toc100116515 \h 84
الراحلتان:........................................................................ PAGEREF _Toc100116516 \h 84
ما هي الحقيقة؟!................................................................. PAGEREF _Toc100116517 \h 84
الخروج من خوخة أبي بكر للهجرة:........................................ PAGEREF _Toc100116518 \h 84
قريش في طلب أبي بكر:...................................................... PAGEREF _Toc100116519 \h 84
الانتظار إلى الصباح:.......................................................... PAGEREF _Toc100116520 \h 84
شراء أبي بكر للموالي!! ونفقاته!!.......................................... PAGEREF _Toc100116521 \h 84
1 ـ عامر بن فهيرة:.................................................. PAGEREF _Toc100116522 \h 84
2 ـ أبو قحافة الأعمى:............................................... PAGEREF _Toc100116523 \h 84
3 ـ مع أدوار لأسماء أيضاً وغيرها............................... PAGEREF _Toc100116524 \h 84
4 ـ حديث سد الأبواب، وخلة أبي بكر:........................... PAGEREF _Toc100116525 \h 84
5 ـ ثروة أبي بكر:.................................................... PAGEREF _Toc100116526 \h 84
إشارة عامة:..................................................................... PAGEREF _Toc100116527 \h 84
اللصوص المهرة:............................................................... PAGEREF _Toc100116528 \h 84
كلمة أخيرة حول ما يقال عن ثروة أبي بكر:.............................. PAGEREF _Toc100116529 \h 84
التزوير، والتحوير:............................................................. PAGEREF _Toc100116530 \h 84
تجلي الله لأبي بكر:............................................................. PAGEREF _Toc100116531 \h 84
كلام هام حول الفضائل:...................................................... PAGEREF _Toc100116532 \h 84
ما أنت إلا إصبع دميت:....................................................... PAGEREF _Toc100116533 \h 84
عمدة فضائل أبي بكر:......................................................... PAGEREF _Toc100116534 \h 84
عثمان حين قضية الغار:...................................................... PAGEREF _Toc100116535 \h 84
يوم الغار، ويوم الغدير:........................................................ PAGEREF _Toc100116536 \h 84
الكلمة الأخيرة في حديث الغار:.............................................. PAGEREF _Toc100116537 \h 84
الفصل الثالث: إلى قباء
في الطريق إلى المدينة:........................................................ PAGEREF _Toc100116539 \h 84
الكرامات الباهرة بعد الظروف القاهرة:.................................... PAGEREF _Toc100116540 \h 84
والخلاصة:............................................................. PAGEREF _Toc100116541 \h 84
هجرة أمير المؤمنين ×:....................................................... PAGEREF _Toc100116542 \h 84
السياسة الحكيمة:................................................................ PAGEREF _Toc100116543 \h 84
كتاب تبع الأول:................................................................. PAGEREF _Toc100116544 \h 84
أبو بكر شيخ يعرف:........................................................... PAGEREF _Toc100116545 \h 84
رأي العلامة الأميني:........................................................... PAGEREF _Toc100116546 \h 84
النفاق في مكة:.................................................................. PAGEREF _Toc100116547 \h 84
ملاحظة هامة على ما تقدم:................................................... PAGEREF _Toc100116548 \h 84
الفصل الرابع: حتى المدينة
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc100116550 \h 84
غناء أهل المدينة، والنبي ' يرقص بأكمامه:............................. PAGEREF _Toc100116551 \h 84
المناقشة:.......................................................................... PAGEREF _Toc100116552 \h 84
1 ـ ثنية الوداع من جهة الشام:..................................... PAGEREF _Toc100116553 \h 84
2 ـ استدلال عجيب:.................................................. PAGEREF _Toc100116554 \h 84
3 ـ ترقيص الأكمام:.................................................. PAGEREF _Toc100116555 \h 84
أدلة حلية الغناء:................................................................. PAGEREF _Toc100116556 \h 84
نقض أدلة حلية الغناء:....................................................... 303
أقوال العلماء في الغناء:..................................................... 313
الغناء عند أهل الكتاب:...................................................... 314
سر الوضع والاختلاق:...................................................... 315
نزول رسول الله ' في قباء:............................................... 318
تأسيس مسجد قباء:........................................................... 319
أحجار الخلافة:............................................................... 320
أول مسجد في الإسلام:...................................................... 320
صلاة الجمعة في قباء:...................................................... 321
القسم الرابع: من الهجرة إلى بدر
الباب الأول: في المدينة وقضايا أخرى
الفصل الأول: النبي ' في المدينة
ورود النبي ' المدينة:....................................................... 329
منزل النبي ' في المدينة:................................................... 331
ابن سلام والإسلام:........................................................... 333
ملاحظتان:..................................................................... 340
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. 345
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. 347
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) روضة الواعظين ص138، وأوائل المقالات ص13 والطرائف لابن طاووس ص298 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص165، والبحار ج35 ص138 والغدير ج7 ص384 عنهم، وعن: التبيان ج2 ص398، وكتاب الحجة لابن معد ص13، ومجمع البيان ج2 ص287.
([2]) الغدير ج7 ص389.
([3]) الغدير ج7 ص387 وكنز الفوائد للكراجكي ص80 وأمالي الطوسي ص305 و 702 ط مؤسسة البعثة والإحتجاج (ط مطبعة النعمان) ج1 ص341 والبحار = = ج35 ص69 و 110 وبشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص312 وكشف الغمة للإربلي (ط دار الأضواء) ج2 ص42 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص174.
([4]) ومن هذه الكتب كتاب: منية الراغب في إيمان أبي طالب للشيخ الطبسي ومواهب الراهب في إيمان أبي طالب، وغير ذلك.
([5]) البحار ج35 ص139 والغدير ج7 ص369.
([6]) الغدير ج7 وج8.
([7]) الغدير ج7 ص6 و 10.
([8]) راجع: الغدير ج7 ص382 و 383 وغير ذلك.
([9]) راجع: أبوطالب مؤمن قريش (ط سنة 1398 هـ.) ص272 و 273 عن تذكرة الخواص.
([10]) شرح النهج ج14 ص78 والبحار ج35 ص165.
([11]) وقيل: إن قائل هذا البيت هوطـالب بن أبي طالب، راجع: شرح النهج للمعتزلي ج14 ص78، إلا أن يقال: إنه قاله على سبيل التمثل بشعر أبيه (رحمه الله).
([12]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص63 وماذا في التاريخ ج3 ص196و 197 عنه.
([13]) مقاتل الطالبيين ص396.
([14]) أصول الكافي ج1 ص371 والبحار ج35 ص109 والتعظيم والمنة للسيوطي ص27 وراجع: روضة الواعظين ص139 وشرح النهج ج14 ص67 والغدير ج7 ص378 عنهم، وعن: كتاب الحجة لابن معد ص8، وتفسير أبي الفتوح ج4 ص210.
([15]) البحار ج22 ص288 وج44 ص288 والعوالم للبحراني ص349 ومعجم رجال الحديث للخوئي ج19 ص166 عن أمالي الصدوق وقاموس الرجال ج6 ص322 عن أمالي الصدوق أيضاً.
([16]) راجع: البحار ج35 ص115 والغدير ج7 ص394 والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج1 ص109.
([17]) البحار ج35 ص116 وأبو طالب حامي الرسول "صلى الله عليه وآله" لنجم الدين العسكري ص191 والغدير ج7 ص390.
([18]) راجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص44 و 47، والإصابة ج4 ص116 و 119.
([19]) الأذكياء ص128 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص68، وطبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 قسم1 ص79، والبحار ج35 ص151 و 109.
([20]) مجمع الزوائد ج6 ص174 عن الطبراني والبزار، وحياة الصحابة ج2 ص344 عن المجمع، والإصابة ج4 ص116 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص69.
([21]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص71، وراجع: الغدير ج7 ص369 عن البداية والنهاية ج3 ص123، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص87 والإصابة ج4 ص116، وعيون الأثر ج1 ص131، والمواهب اللدنية ج10 ص71 والسيرة الحلبية ج1 ص372 والسيرة النبوية لدحلان بهامشها ج1 ص89، وأسنى المطالب ص20 ودلائل النبوة للبيهقي، وتاريخ أبي الفداء ج1 ص120 وكشف الغمة للشعراني ج2 ص144.
([22]) راجع: عيون الأنباء ص705 وشيخ الأبطح ص55 و 56 عن شرح النهج للمعتزلي ج3 ص316.
([23]) راجع في كل ذلك: تذكرة الخواص ص8 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص81، والسيرة الحلبية ج1 ص147 والمصنف ج6 ص38، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص87، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص35، وطبقات ابن سعدج1 ص78 وتاريخ بغداد للخطيب ج3 ص126، وج13 ص196 والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص125، والطرائف لابن طاووس ص305 عن الحنبلي في نهاية الطلب والبحار ج35 ص151 والتعظيم المنة ص7 ولسان الميزان ج1 ص41، والإصابة ج4 ص116، والغدير ج7 ص372 و 374 و 375 عمن ذكر، وعن شرح شواهد المغني للسيوطي ص136، وأعلام النبوة للماوردي ص77، وبدايع الصنايع = = ج1 ص283، وعمدة القاري ج3 ص435، وأسنى المطالب ص15 و 21 و 35 وطلبة الطالب ص43، ودلائل النبوة للبيهقي والبرزنجي، وابن خزيمة، وأبي داود، وابن عساكر.
([24]) راجع: البحار ج35 ص125و163، وراجع شرح النهج للمعتزلي ج14 ص76 والإصابة (ط مصر سنة 1325 هـ) ج7 ص113 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج2 ص557 والغدير ج7 ص386 والدرجات الرفيعة لابن معصوم ص62.
([25]) سفينة البحار ج5 ص321.
([26]) تذكرة الخواص ص9.
([27]) صفين لنصر بن مزاحم ص471 والفتوح لابن أعثم ج3 ص260، ونهج البلاغة الذي بهامشه شرح الشيخ محمد عبده ج3 ص18 الكتاب رقم 17 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص117 والإمـامة والسيـاسة ج1 ص118، والغـدير ج3 ص254 عنهم، وعن: ربيع الأبرار للزمخشري باب 66، وعن مروج الذهب ج2 ص62. وراجع أيضاً: مناقب الخوارزمي الحنفي ص180.
([28]) الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" ج7 ص284.
([29]) راجع: الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص154، وروضة الواعظين ص140 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص269 والسيرة الحلبية ج1 ص269 وأسنى المطالب ص17 والإصابة ج4 ص116 وأسد الغابة ج1 ص287 والغدير ج7 ص357.
([30]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص272.
([31]) الروض الأنف ج2 ص171 وثمرات الأوراق ص94 وتاريخ الخميس ج1 ص301 و 302 والسيرة الحلبية ج1 ص352 والبحار ج35 ص107 والغدير ج7 ص366 عن مصادر أخرى.
([32]) تذكرة الخواص ص8.
([33]) السيرة الحلبية ج3 ص205 وكنز العمال ج3 ص664 وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج11 ص359 وج69 ص203 والبداية والنهاية ج5 ص80 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص132 وسبل الهدى والرشاد للشامي ج6 ص377 وشجرة طوبى ج2 ص400.
([34]) طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج5 ص67.
([35]) ذخائر العقبى ص7 عن تمام الرازي في فوائده، والدرج المنيفة للسيوطي ص8 ومسالك الحنفا ص14 عن أبي نعيم وغيره وذكر أن الحاكم صححه، وتفسير القمي ج1 ص380 وتفسير البرهان ج2 ص358 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص35 وتاريخ الخميس ج1 ص232.
([36]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص68، والغدير ج7 ص381 و 389 عنه وعن: كتاب الحجة ص24، والدرجات الرفيعة، وضياء العالمين، وادَّعي تواتر هذا الحديث عندنا.
([37]) الآية 115 من سورة النساء.
([38]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص68 والغدير ج7 ص381 و 394 عن الكراجكي ص80، وكتاب الحجة لابن معد ص16، والدرجات الرفيعة والبحار وضياء العالمين.
([39]) راجع: تفسير القمي ج1 ص265، والبحار ج19 ص255، وفي شرح النهج للمعتزلي ج14 ص80: أن رسول الله استغفر له ولأبي طالب يومئذ. والغدير ج7 ص316.
وفي نسب قريش لمصعب ص94 : أن عبيدة قال: "يا رسول الله ليت أبا طالب حياً = = حتى يرى مصداق قوله إلخ".
وربما يقال: إن هذا هوالأنسب بأدب عبيدة وإخلاصه، ولكن لا، فإن قوله الآنف لا يضر في أدبه ولا في إخلاصه، حيث يرى نفسه قد ضحى بنفسه في سبيل الدين، فلا مانع من أن يقول ذلك.
([40]) الآية 19 من سورة الحج.
([41]) البخاري (ط الميمنية) ج3 ص4، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص118 عن مسلم، من دون قسم أبي ذر، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج2 ص386، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والغدير ج7 ص202 عن: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص212، وتفسير ابن جزي ج3 ص38، وتفسير الخازن ج3 ص698، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص25 و 26، وصحيح مسلم ج2 ص550، وبهذا قال ابن عباس، وابن خثيم، وقيس بن عباد، والثوري، والأعمش، وسعيد بن جبير، وعطاء.
([42]) الآية 23 من سورة الأحزاب، الصواعق المحرقة ص80.
([43]) مناقب الخوارزمي ص188، والكفاية للخطيب ص122.
([44]) المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص118 وغيره.
([45]) راجع أبوطالب مؤمن قريش للخنيزي.
([46]) مستدرك الحاكم ج3 ص484 وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة، وصححاه. وحياة الصحابة ج2 ص258 و 259 و 260 عن كنز العمال وعن مجمع الزوائد ج8 ص278 وكنز العمال ج6 ص57 و 59 عن أحمد والطبراني، والحاكم وسعيد بن منصور، والتراتيب الإدارية ج2 ص86 ويلاحظ هنا: أنه (صلى الله عليه وآله) حين الهجرة لا يقبل ناقة أبي بكر إلا بالثمن.
([47]) كنز العمال (طبعة أولى) ج3 ص177 عن ابن عساكر و (ط ثانية) ج6 ص57 عن الطبراني والمصنف لعبد الرزاق ج1 ص446 و 447 وفي الهامش عن مغازي ابن عقمة ومجمع البيان المجلد الأول ص535.
([48]) كنز العمال ج6 ص57 و 59 عن أبي داود والترمـذي وصححه وأحمد والطيالسي والبيهقي، وراجع ما عن عمران بن حصين في الكنز نفس المجلد والصفحة والمصنف لعبد الرزاق ج10 ص447 وفي الهامش عن أبي داود وأحمد وعن الترمذي ج2 ص389، وراجع الوسائل ج12 ص216 عن الكافي والمعجم الصغير ج1 ص9.
([49]) اختيار معرفة الرجال للكشي (ط جامعة طهران) ص610 والبحار ج50 ص107 والوسائل ج12 ص217.
([50]) راجع التراتيب الإدارية ج1 ص198 عن الإستيعاب.
([51]) الضحضاح: القلقل، وهنا المكان القليل العمق من النار.
([52]) صحيح البخاري ط سنة 1309 ج2 ص209، وج4 ص54، والمصنف ج6 ص41، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص29 و 30. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص79، ومسند أحمد ج1= = ص256 و 207، والبداية والنهاية ج3 ص125، والغدير ج8 ص23 عن بعضهم، وعن عيون الأثر ج1 ص132، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص66.
([53]) راجع: الغدير ج8 ص23 و 24 وأبو طالب مؤمن قريش.
([54]) الترغيب والترهيب ج4 ص433 عن أحمد بسندين صحيحين، وعن البزار، والطبري بأسانيد أحدها جيد وابن حبان في صحيحه وراجع: الغدير ج8 ص8 فما بعدها.
([55]) مستدرك الحاكم ج2 ص336، وتلخيصه للذهبي وصححاه والمواهب اللدنية ج1 ص71 والغدير ج8 ص24 عنهما وعن كنز العمال ج7 ص128، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج1 ص291 وكشف الغمة للشعراني ج2 ص124، وتاريخ أبي الفداء ج1 ص120.
([56]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج14 ص70 والبحار ج35 ص112.
([57]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص68، والدرجات الرفيعة ص49، والبحار ج35 ص112 والغدير ج8 ص380 ـ 390 عنهما وعن كتاب الحجة لابن معد ص18 من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق، والفتوني في ضياء العالمين.
([58]) البحار ج25 ص69 وج35 ص110 والإحتجاج (ط مطبعة النعمان) ج1 ص341 وكنز الفوائد للكراجكي (ط حجرية) ص80 وكشف الغمة للإربلي (ط دار الأضواء) ج2 ص42 والغدير ج7 ص387.
([59]) البحار ج35 ص111 وإيمان أبي طالب للمفيد ص4 وسفينة البحار ج5 ص315 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص447 و 558 وراجع الغدير ج7 ص395.
([60]) البحار ج35 ص111 وكنز الفوائد للكراجكي ص80 والغدير ج7 ص393.
([61]) البحار ج35 ص112 وإيمان أبي طالب للمفيد ص4 ومستدرك الوسائل ج8 ص69 ومدينة المعاجز ج7 ص535 والغدير ج7 ص390 وسفينة البحار ج5 ص316.
([62]) المصنف ج6 ص15، وج10 ص344، وفي هامشه أي هامش السادس عن البخاري ج3 ص293، وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص79.
([63]) راجع شرح النهج للمعتزلي ج14 ص69.
([64]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج10 ص339 وج6 ص106.
([65]) المصنف لعبد الرزاق ج6 ص105 و 106 و 107 وج10 ص338 حتى ص341.
([66]) راجع: أسنى المطالب ص62.
([67]) الآية 26 من سورة الأنعام.
([68]) الإصابة ج4 ص115، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص127، وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص78، وبهجة المحافل ج1 ص116 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص26 والغدير ج8 ص3 عنهم وعن: تفسير الخازن ج2 ص11، وتفسير ابن جزي ج2 ص6، وعن الطبري والكشاف، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج2 ص340 و 341.
([69]) أبوطالب مؤمن قريش ص305 و 306.
([70]) الآيتان 25 و 26 من سورة الأنعام.
([71]) راجع: مجمع البيان ج3 ص278، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص127 والغدير ج8 ص3، والدر المنثور ج3 ص8 و 9 كلهم ـ كلاً أو بعضاً ـ عن القرطبي، والطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة وابن مردويه وعبد بن حميد، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص406.
([72]) الآية 56 من سورة القصص.
([73]) الدر المنثور ج2 ص3، وفتح القدير ج2 ص96 و 97، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص122 والغدير ج8 ص5 عنهم وعن تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص382 و 383 كلهم عن: أبي عبيد، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والنحاس.
([74]) راجع: البحار ج35 ص152.
([75]) الدر المنثور ج3 ص2 عن الطبراني، وابن مردويه.
وقد ذكر في الدر المنثور ج3 ص2 و 3 نزولها جملة واحدة في مكة، أو باستثناء آية أو آيتين ليست الآية المذكورة واحدة منها، وقد قال: إن ذلك رواه عشرات الحفاظ، مثل البيهقي في شعب الإيمان، والخطيب في تاريخه، وأبي الشيخ، وابن المنذر، والنحاس في ناسخه، وعبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وإسحق بن راهويه، والكلبي، وأبي عبيد، والطبراني، وابن الضريس، وابن مردويه، والسلفي في الطيورات، والإسماعيلي، والحاكم وصححه، وراجع: الإتقان ج1 ص37 والسيرة الحلبية ج1 ص260.
([76]) الآية 113 من سورة التوبة.
([77]) راجع في ذلك: أبو طالب مؤمن قريش 313 ـ 345 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص25 و 26 ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج2 ص342 و 343.
([78]) الغارات للثقفي ج2 ص569.
([79]) الغدير ج8 ص10 وأبو طالب مؤمن قريش ص341 عن: البخاري، والكشاف، والبيضاوي، وتفسير ابن كثير والإتقان، وابن أبي شيبة والنسائي وابن الضرير، وابن المنذر، والنحاس، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
([80]) الآية 22 من سورة المجادلة، وقد نزلت قبل التوبة بسبع سور كما في الإتقان ج1 ص11 وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص329، وفتح القدير ج5 ص186 والغدير ج8 ص10 عنهم وعن تفسير الآلوسي ج28 ص37 وأخرجه ابن أبي حاتم، والطبراني والحاكم والبيهقي وأبونعيم: أنها نزلت في بدر أو في أحد.
([81]) الآية 144 من سورة النساء.
([82]) الآية 139 من سورة النساء.
([83]) الآية 28 من سورة آل عمران.
([84]) الآية 6 من سورة المنافقون.
([85]) لقد كان جعفر بالحبشة، فإما أن يكون قد جاء في زيارة قصيرة ثم رجع. وإما أن يكون الراوي قد ذكره من عند نفسه سهواً أوعمداً.
([86]) الآية 113 من سورة التوبة.
([87]) الغدير ج7 ص399 عن كتاب الحجة لابن معد ص68.
([88]) الغدير ج8 ص12، وغيره عن: الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وأبي يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء في المختارة، والإتقان، وأسباب النزول، وتفسير ابن كثير، والكشاف، وأعيان الشيعة، وأسنى المطالب ص18، وأبو طالب مؤمن قريش، وشيخ الأبطح ومسند أحمد ج1 ص130 و 131.
([89]) مجمع البيان ج5 ص76 عن الحسن، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص393، وأبو طالب مؤمن قريش ص348، عنهما وعن الأعيان ج39 ص158 و 159 عن ابن عباس والحسن، والكشاف ج2 ص246.
([90]) جامع البيان للطبري ج11 ص31، والدر المنثور ج3 ص283، وإرشاد الساري ج7 ص282 و 158 عن مسلم في صحيحه، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص394 وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، والبيهقي، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه والكشاف ج2 ص49، وأبو طالب مؤمن قريش ص349.
([91]) الروض الأنف ج2 ص170و 171.
([92]) الآية 56 من سورة القصص، والرواية في صحيح البخاري ط سنة 1309 ج3 ص111، وغير ذلك.
([93]) راجع: شيخ الأبطح ص82.
([94]) راجع التراتيب الإدارية ج1 ص198 عن الإستيعاب، وأبو طالب مؤمن قريش ص368 عن أعيان الشيعة ج39 ص259 والحجة ص39.
([95]) أبو طالب مؤمن قريش ص369 وشيخ الأبطح ص82 عن أسباب النزول لابن رشادة الواعظي الواسطي، وراجع: البحار ج35 ص151 وفيه: الحارث بن نعمان بن عبد مناف.
([96]) راجع هامش أنساب الأشراف ج2 ص28 عن الدكتور زرزور في مقدمته على تفسير الحاكم الجشمي.
([97]) الآية 119 من سورة البقرة.
([98]) مواهب الواهب في فضائل أبي طالب للنقدي ص130 ط حجرية النجف الأشرف سنة 1341هـ.
([99]) حياة الصحابة ج2 ص140و 545 وكنز العمال ج1 ص259 و 260 و 261 عن أبي يعلى والبوصيري في زوائده، وعن طبقات ابن سعد ج2 ص312.
([100]) الأص فلاناً على الشيئ: أداره عليه وأراده منه.
([101]) مجمع الزوائد ج1 ص15، وكنز العمال ج1 ص262 و 263 عن أبي يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان والبيهقي وغيرهم كثير جداً.
([102]) الآية 87 من سورة الأنبياء.
([103]) مجمع الزوائد ج7 ص68 عن أحمد ورجاله رجال الصحيح، باستثناء إبراهيم بن محمد بن سعد وهو ثقة، وحياة الصحابة عنه وعن الترمذي وعن كنز العمال ج1 ص298 عن أبي يعلى والطبراني ـ وصُحِّح.
([104]) الإصابة ج4 ص116 والحاكم وصححه على شرط الشيخين، وعن عمر بن شبة وأبي يعلى، وأبي بشر سفويه في فوائده، ونصب الراية ج6 ص281 و 282 عن عدد من المصادر في هامشه، والمصنف ج6 ص39، وفي هامشه عن ابن أبي شيبة ج4 ص142 و 95، ومسند أحمد ج1 ص131.
([105]) المحاسن والمساوئ ج1 ص57.
([106]) المصنف ج6 ص39 وراجع كنز العمال ج17 ص32 و 33 ونصب الراية ج2 ص281 و 282 وفي هامشه عن عدد من المصادر.
([107]) مسند الإمام أحمد ج1 ص129 و 130 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص24 وفيه: أنه أمره هو فواراه.
([108]) قد تقدمت بعض مصادر ذلك في أوائل هذا البحث، وعن عدم جواز المشي في جنازة المشرك، راجع كتب الحديث كسنن البيهقي وغيره.
([109]) تاريخ الخميس ج1 ص301.
([110]) راجع: شيخ الأبطح.
([111]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص82.
([112]) عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص263.
([113]) أمالي الصدوق ص551، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص70، وأصول الكافي ج1 ص373، وروضة الواعظين ص139، والبحار ج35 ص72 و 111 والغدير ج7 ص380 ـ 390 عنهم وعن: الحجة لابن معد ص17 و 115 وتفسير أبي الفتوح ج4 ص212، والدرجات الرفيعة، وضياء العالمين.
([114]) الغدير ج7 ص388 عن كتاب الحجة ص24 و 94 و 115. وراجع أمالي الصدوق ص550.
([115]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص67.
([116]) راجع الغدير ج7 ص338 ـ 390 عن: الفصول المختارة ص80 وإكمال الدين ص103، وكتاب الحجة لابن معد عن أبي الفرج الأصفهاني.
([117]) البداية والنهاية ج3 ص41، وراجع السيرة النبوية لدحلان ج1 ص46.
([118]) صحيح مسلم ج7 ص48 و 49، والأغاني (ط ساسي) ج3 ص190، والتراتيب الإدارية ج1 ص213.
([119]) النزاع والتخاصم ص20 والصحيح من سيرة النبي الأعظم ج7 ص284.
([120]) الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء.
([121]) راجع على سبيل المثال: البداية والنهاية ج3 ص134 عن ابن الجوزي وتاريخ الخميس ج1 ص302.
([122]) سيرة المصطفى ص221 و 222 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص97 عن الشيعة.
([123]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص127 عن المدائني وسيرة المصطفى ص221 و 222.
([124]) قد تقدمت مصادر ذلك حين الكلام على هجرة أبي بكر، ثم دخوله مكة بجوار ابن الدغنة.
([125]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص126.
([126]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 القسم الأول ص142.
([127]) الآية 73 من سورة آل عمران.
([128]) الآية 113 من سورة هود.
([129]) الآيتان 1 و 2 من سورة الجن.
([130]) راجع: الدر المنثور ج6 ص270 و 275، عن: البخاري، ومسلم، وعبد بن حميد، وأحمد، والترمذي والنسائي، والحاكم، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل وغير ذلك. وتاريخ الخميس ج1 ص303 و 304 ويقال: إن آيات سورة الأحقاف قد نزلت حين رجوعه من الطائف بهذه المناسبة. ولكن يدفع ذلك ما في الدر المنثور ج6 ص45 عن مسلم، وأحمد، والترمذي، وعبد بن حميد وغيرهم.
([131]) تاريخ الخميس ج1 ص304.
([132]) تاريخ الخميس ج1 ص303 عن المواهب اللدنية.
([133]) تاريخ الخميس ج1 ص304.
([134]) الأصنام للكلبي ص16، والسيرة النبوية لدحلان مطبوع بهامش الحلبية ج3 ص11 وتاريخ الخميس ج2 ص135.
([135]) راجع: الكامل في التاريخ ج2 ص283 وراجع أيضاً: السيرة النبوية لدحلان ج3 ص9 مطبوع بهامش الحلبية والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص183 وتاريخ الخميس ج2 ص135.
([136]) العلهز: دم يابس يدق به أوبار الإبل في المجاعات ويؤكل.
([137]) الآية 15 من سورة الدخان، راجع: البدء والتاريخ ج4 ص157، وتفسير البرهان ج4 ص160 عن المناقب لابن شهر آشوب.
([138]) راجع الكامل في التاريخ ج2 ص286 و 287.
([139]) السيرة الحلبية ج2 ص3.
([140]) راجع: سيرة ابن هشام ج2 ص66، والثقات لابن حبان ج1 ص89 ـ 91، وبهجة المحافل ج1 ص128، وحياة محمد لهيكل ص152 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص147، والسيرة الحلبية ج2 ص3، والروض الأنف ج1 ص180، والبداية والنهاية ج3 ص139 و 140، وعن دلائل النبوة لأبي نعيم ص100 وحياة الصحابة ج1 ص78 و 79.
([141]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص140.
([142]) راجع: البحار ج19 ص9 وإعلام الورى ص57 عن القمي.
([143]) نزهة المجالس ج2 ص137.
([144]) راجع فيما ذكرناه: طبقات ابن سعد ج8 ص39، والإصابة ج4 ص359، وتاريخ الطبري ج2 ص413 وتهذيب التهذيب ج12، وأسد الغابة ج5 وغير ذلك وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 لكنه ناقض نفسه ص191 فقال: إنها توفيت سنة 57 ه‍. وعمرها 64 سنة، وهذا يعني أنها كان عمرها حين الهجرة سبع سنوات فقط.
([145]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص271، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص351 و 329 عن ابن أبي خيثمة في تاريخه عن ابن إسحاق، والبدء والتاريخ ج4 ص146.
([146]) كنز الفوائد للكراجكي ص124.
([147]) عمدة القاري ج2 ص93 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وأسد الغابة ج5 ص392 وعن الإصابة ج8 ص12 ـ 13 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1783 وتهذيب التهذيب ج12 ص348 وتهذيب الكمال ج35 ص124 وإمتاع الأسماع ج6 ص203 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي الأنصاري اليمني ص488 ومرقاة المفاتيح ج1 ص331 وتهذيب الأسماء ج2 ص597.
([148]) إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي ص27 وعمدة القاري ج2 ص93 وج5 ص298 والمعجم الكبير ج24 ص77 وفيض القدير للمناوي ج1 ص102 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 و 10 و 29 و 30 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص379 والمستدرك للحاكم ج4 ص15 والطبقات الكبرى ج8 ص249 و 255 وتاريخ خليفة بن خياط ص269 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص228 و (ط دار الجيل) ص1782 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص355 وتقريب التهذيب ج2 ص628 ومستدركات علم رجال الحديث للنمازي ج8 ص546 وأسد الغابة = = ج5 ص393 وتهذيب الكمال ج35 ص125 وشرح الزرقاني ج1 ص174 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال، والوافي بالوفيات ج9 ص36 ومرقاة المفاتيح ج1 ص331 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 وراجع: البداية والنهاية ج8 ص381 والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج2 ص502.
([149]) إسعاف المبطأ برجال الموطأ ص127 ومجمع الزوائد ج9 ص260 وج7 ص254 وعمدة القاري ج2 ص93 وج5 ص298 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 و 10 و 27 و 28 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وسير أعلام النبلاء ج3 ص379 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص355 والبداية والنهاية ج5 ص381 وذيل المذيل لتاريخ الطبري ص108 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة ج4 ص224 والمستدرك للحاكم ج3 ص551 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1783 وتقريب التهذيب ج2 ص628 وتهذيب التهذيب ج2 ص348 والتنبيه والإشراف ص271 ووفيات الأعيان ج3 ص69 و 75 وأسد الغابة ج5 ص393 وتهذيب الكمال ج35 ص125 وشجرة طوبى ج1 ص124 والإمامة والسياسة ج2 ص24 و 39 وشرح الزرقاني ج1 ص174 والوافي بالوفيات ج9 ص36 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج2 ص502 وشجرة طوبى ج1 ص124 .
([150]) سير أعلام النبلاء ج3 ص380 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354.
([151]) مجمع الزوائد ج9 ص260 وعمدة القاري ج2 ص93 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 و 597 و 598 وأسد الغابة ج5 ص392 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج8 ص14.
([152]) المعجم الكبير للطبراني ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص9 .
([153]) الإستيعاب ج2 ص616 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص204 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص380 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص82 وتهذيب التهذيب ج2 ص398 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354 والبداية والنهاية ج8 ص381 و 346 ومرقاة المفاتيح ج1 ص731 وراجع: أسد الغابة ج5 ص392.
([154]) مجمع الزوائد ج9 ص260 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص9 و 10 وسير أعلام النبلاء ج2 ص289 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 و 598 والمعجم الكبير للطبراني ج24 ص77 وأسد الغابة ج5 ص392.
([155]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص137.
([156]) مشكل الآثار ج1 ص52.
([157]) مشكل الآثار ج1 ص47. وقد حمل بعض العلماء حديث فضل عائشة كفضل الثريد إلخ.. على المزاح منه "صلى الله عليه وآله" معها؛ لأن جوها لا ينسجم مع جو التفضيل كما في قوله "صلى الله عليه وآله": فاطمة سيدة نساء العالمين، ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية إلخ.. ولا سيما بملاحظة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن من المهتمين بأمور الأطعمة واللذيذ منها ليأتي بها كمثال على تفضيل في أمر حساس كهذا.
([158]) المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص59.
([159]) راجع: حديث الإفك ص93 والجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.
([160]) تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص194، وميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص44، وقد كذبا (الخطيب والذهبي) هذا الحديث الذي جميع رجال أسناده ثقات باستثناء محمد بن الحسن الدّعّاء الأصم، وراجع: الغدير ج5 ص321.
([161]) راجع: نسب قريش لمصعب الزبيري ص275 ـ 278 لتعرف من ولدهم أبو بكر.
([162]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص337 ط الهند.
([163]) السمير المهذب ج2 ص8 ـ 9.
([164]) الضعفاء الكبير للعقيلي ج2 ص155.
([165]) ربيع الأبرار ج4 ص280 وروض الأخيار ص130.
([166]) صحيح البخاري ج9 ص292، وج5 ص48، وج7 ص47، وج8 ص10، وصحيح مسلم ج7 ص134 و 133، وأسد الغابة ج5 ص438، والمصنف ج7 ص493، والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص286، وصفة الصفوة ج2 ص8، عن البخاري، ومسلم، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص153، والبداية والنهاية ج3 ص128.
([167]) صحيح مسلم ج7 ص134، لكنه لم يذكر جوابه "صلى الله عليه وآله" وأسد الغابة ج5 ص557 و 558 و 438 والإصابة ج4 ص283، والاستيعاب هامشها ج4 ص286 و 287، وصفة الصفوة ج2 ص8، ومسند أحمد ج6 ص117، وليراجع البخاري (ط سنة 1309 هـ) ج2 ص202 والبداية والنهاية ج3 ص128 وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص96.
([168]) فتح الباري ج7 ص102، وإرشاد الساري ج6 ص166 وج8 ص113.
([169]) الإصابة ج4 ص314، وطبقات ابن سعد ج8 ص72، والدر المنثور ج5 ص202 عن ابن سعد، والحاكم.
([170]) طبقات ابن سعد ج8 ص76، وحياة الصحابة ج2 ص761 عن البخاري ومسلم.
([171]) طبقات ابن سعد ج8 ص137، 138.
([172]) طبقات ابن سعد ج8 ص73، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص347.
([173]) المواهب اللدنية ج1 ص205 وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362.
([174]) راجع طبقات ابن سعد ج8 ص122، والدر المنثور ج6 ص239.
([175]) طبقات ابن سعد ج8 ص81.
([176]) الإصابة ج4 ص459، وطبقات ابن سعد ج8 ص66.
([177]) الإصابة ج4 ص459.
([178]) الإصابة ج4 ص347، وص463 وطبقات ابن سعد ج8 ص87.
([179]) الإصابة ج4 ص347، وطبقات ابن سعد ج8 ص90..
([180]) طبقات ابن سعد ج8 ص88.
([181]) مسند أحمد ص277 ج6، والبخاري باب الغيرة، أواخر كتاب النكاح، لكنه لم يصرح باسم عائشة!!!.
([182]) أسد الغابة ج5 ص491.
([183]) الإصابة ج4 ص265، والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص259، وصفة الصفوة ج2 ص50.
([184]) الإصابة ج4 ص405، وطبقات ابن سعد ج8 ص153، ولتراجع: البداية والنهاية ج3 ص303 و 304 ووفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص826.
([185]) طبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص86 والسيرة الحلبية ج3 ص309.
([186]) طبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص86، والإصابة ج4 ص405.
([187]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص355، وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص86 والبداية والنهاية ج3 ص303.
([188]) ذخائر العقبى ص54 والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص42، وطبقات ابن سعد ج8 ص153.
([189]) طبقات ابن سعد ج1 ص88 والدر المنثورج6 ص240 عن ابن مردويه والبداية والنهاية ج3 ص305 وقاموس الرجال ج11 ص305 عن البلاذري. وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص309 ومستدرك الحاكم ج4 ص39 وتلخيصه للذهبي بهامشه وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص87.
([190]) طبقات ابن سعد ج8 ص37، والبداية والنهاية ج8 ص70.
([191]) حياة الصحابة ج2 ص560 ومجمع الزوائد ج4 ص316.
([192]) طبقات ابن سعد ج8 ص104 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص415، 416 دون تصريح باسم من خدعها.
([193]) طبقات ابن سعد ج8 ص106، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص416.
([194]) طبقات ابن سعد ج8 ص112.
([195]) الآية 50 من سورة الأحزاب.
([196]) طبقات ابن سعد ج8 ص115.
([197]) راجع: حياة الصحابة ج2 ص762 عن البخاري ومسلم وعن تفسير ابن كثير ج4 ص387 وعن جمع الفوائد ج1 ص229 وعن طبقات ابن سعد ج8 ص85.
([198]) صحيح مسلم ج4 ص189. ولسوف يأتي مزيد توضيح لذلك في البحث عن سبب كثرة زوجاته قبل واقعة أحد في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
([199]) راجع سيرة مغلطاي ص29.
([200]) البحار ج19 ص9 وإعلام الورى ص57 عن علي بن إبراهيم.
([201]) البحار ج19 ص9 وإعلام الورى ص57 عن علي بن إبراهيم.
([202]) البحار ج19 ص8 و 9 و 10 وإعلام الورى ص55.
([203]) الثقات لابن حبان ج1 ص90 و91.
([204]) الآيتان 52 و 53 من سورة الأنعام.
([205]) ولكنه تعليل لا شاهد له، ما دام أن مجرد وجود رابطة كذلك لا توجب ما ذكر.
([206]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص151 و 152 والسيرة الحلبية ج2 ص9 وفيه أن الواقدي ذكر أن ابن أم مكتوم إنما قدم المدينة بعد بدر بقليل، وفي كلام ابن قتيبة أنه قدم المدينة مهاجراً بعد بدر بسنتين. ثم جمع الحلبي بين الأقوال باحتمال: أن يكون قد علَّم أهل المدينة ثم عاد إلى مكة، ثم عاد فهاجر بعد بدر.. وهو احتمال وجيه لا بأس به.
([207]) راجع ما تقدم: في سيرة ابن هشام ج2 ص79 ـ 80 والسيرة الحلبية ج2 ص14 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص90 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص184.
([208]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص184 وراجع تاريخ الأمم والملوك ج2 ص90 والسيرة لابن هشام ج2 ص79 ـ 80 والسيرة الحلبية ج2 ص14.
([209]) الآية 108 من سورة يوسف.
([210]) سفينة البحار ج1 ص733 والبحار ج75 ص69 و 72 عن الخصال ج1ص24 والكافي ج2 ص221.
([211]) الآية 29 من سورة الحج.
([212]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص9 والتعليق المغني (مطبوع بهامش سنن الدار قطني) ج2 ص5 عن الطبراني في الكبير والأوسط.
([213]) الآية 11 من سورة الجمعة.
([214]) الدر المنثور ج6 ص218 عن الدارقطني. والسيرة الحلبية: ج2 ص12.
([215]) الدر المنثور ج6 ص218 عن أبي داود، وابن ماجة وابن حبان، والبيهقي، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر ووفاء الوفاء ج1 ص226، والسيرة الحلبية ج2 ص59 وص9 وسنن الدار قطني ج2 ص5 و 6 وفي التعليق المغني على الدار قطني (مطبوع بهامش السنن) ص5 قال: الحديث أخرجه أبوداود، وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي في سننه.
([216]) وفي البحار ج19 ص12: أن مصعباً قد كتب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك وكذا في إعلام الورى ص59.
([217]) طبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص149.
([218]) إعلام الورى ص59، وتفسير القمي ج1 ص273، والبحار ج19 ص12 ـ 13 و 47 عنهما، وعن قصص الأنبياء، وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص16، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص152.
([219]) الموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج2 ص4 وراجع سير أعلام النبلاء ج2 ص7 ومسند أحمد ج5 ص314 و 316 وسنن النسائي ج7 ص138 و 139 وصحيح البخاري ج4 ص156 والبداية والنهاية ج3 ص164 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص97 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص452 ط دار الكتب العلمية والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص204 وصحيح مسلم ج6 ص16 و 17.
([220]) تنوير الحوالك: ج2 ص4.
([221]) راجع ما تقدم في البحار ج19 ص12 و 13 عن إعلام الورى، وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص450 ط دار الكتب العلمية وتاريخ الخميس ج1 ص318 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص88 والبداية والنهاية ج3 ص162 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص201 والسيرة الحلبية ج2 ص17.
([222]) حياة الصحابة: ج1 ص88 ودلائل النبوة لأبي نعيم: ص105.
([223]) راجع فيما تقدم أي كتاب تاريخي أو حديثي شئت مثل: البحار ج19 ص12 و 13 وإعلام الورى ص57 وتفسير القمي ج1 ص272 و 273 وتاريخ الخميس ج1 ص318 و 319 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص450 والبداية والنهاية ج3 ص158 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص193 و210 والسيرة الحلبية ج2 ص17 وما قبلها وما بعدها والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص88 وقبلها وبعدها، وغير ذلك كثير.
([224]) السيرة الحلبية ج2 ص5 و 16 وراجع السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص168.
([225]) الإصابة: ج2 ص271، والبحار: ج19، والسيرة الحلبية: ج2 ص17، والسيرة النبوية لدحلان: ج1 ص153.
([226]) ويحتمل البعض: أن بعض سفهاء قريش ـ وليس كل قريش ـ قد حاولوا دخول الشعب فصدهم علي وحمزة ولكننا نقول لا مانع من تجمهر قريش.. ولكن علياً وحمزة أعاقا وصولها إلى مكان الاجتماع إلى حين تفرق المجتمعين.
([227]) سفينة البحار ج2 ص668.
([228]) الآية 97 من سورة النساء.
([229]) ويرى العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي: أن معنى حب الوطن من الإيمان: أن من يحب وطنه فإنه يسعى إلى تنقيته من الانحرافات، وحل مشاكله، وهداية مجتمعه إلى طريق الحق والإيمان والإسلام، لأن الإيمان هو الذي يدفعه إلى ذلك، كما هومعلوم.
([230]) الآية 28 من سورة سبأ.
([231]) وحتى هؤلاء فإنهم لم يسلموا من الاضطهاد النفسي والمقت الاجتماعي المر، ولربما يكون ذلك بالنسبة لبعضهم أشد من التعذيب الجسدي، تبعاً لنسبة الوعي والشعور المرهف الذي كان يمتاز به بعضهم على غيره.
([232]) الآية 144 من سورة آل عمران.
([233]) راجع: وثيقة المدينة الآتية في الجزء التالي من هذا الكتاب؛ آخر فصل: أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة. فقد جاء فيها ما يلي: "وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن". وراجع: نشأة الدولة الإسلامية: ص289 ـ 295.
([234]) مجمع الزوائد ج6 ص68، وقال: "رواه عبد الله بن أحمد، وأبوه، ولم يسق المتن، والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وروى أبو داود بعضه" انتهى.
([235]) البحار: ج19 ص8 و 9 و 10، وأعلام الورى: ص55.
([236]) البحار: ج19، وإعلام الورى: ص57.
([237]) السيرة الحلبية ج2 ص20 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155 عن الإستيعاب. وراجع ايضاً: تاريخ الخميس ج1 ص353 ومستدرك الحاكم ج3 ص14 وتلخيصه للذهبي.
([238]) منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج4 ص387 عن ابن عساكر، والسيرة الحلبية ج2 ص21 و 22، وأشار إلى ذلك في نور الأبصار ص15. وكنز العمال ج14 ص221 و 222 عن ابن عساكر.
([239]) مغازي الواقدي ج2 ص821 وعن كنز العمال ج5 ص295 عن ابن عساكر من طريق الواقدي.
([240]) الآية 18 من سورة الأنبياء.
([241]) البداية ج3 ص169 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص112 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص215 و 216.
([242]) تاريخ الخميس ج1 ص321 والسيرة الحلبية ج2 ص25، وراجع نور الأبصار ص15.
([243]) راجع المصادر السابقة.
([244]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص68 والبداية والنهاية ج3 ص175 وتاريخ الخميس ج1 ص321 و 322.
([245]) الآية 30 من سورة الأنفال.
([246]) البحار ج19 ص73 عن الخرائج والجرائح.
([247]) لقد وردت أسماء هؤلاء كلاً أو بعضاً في روايات مختلفة، في السيرة الحلبية ج2 والبحار ج19 ص72 و 31 ومجمع البيان.
([248]) السيرة الحلبية ج2 ص280 ونور الأبصار ص15.
([249]) الآية 9 من سورة يس.
([250]) راجع في الفقرات الأخيرة: مناقب الخوارزمي الحنفي ص73 ومستدرك الحاكم ج3 ص133 وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه، ومسند أحمد ج1 ص321، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص34، وشواهد التنزيل ج1 ص99 و 100 و 101، وتاريخ الطبري ج2 ص100، وتفسير البرهان ج1 ص207، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص30 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ط النجف ص63، والسيرة الحلبية ج2 ص35، ومجمع الزوائد ج9 ص120 عن أحمد ورجاله رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة، وعن الطبراني في الكبير والأوسط، والبحار ج19 ص78 و 93 عن الطبري وأحمد، والعياشي، وكفاية الطالب، وفضائل الخمسة ج1 ص231، وذخائر العقبى ص87، وكفاية الطالب ص242. وقال: إن ابن عساكر ذكره في الأربعين الطوال، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام"، من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج1 ص186 و 190، ونقله المحمودي في هامشه عن: الفضائل لأحمد بن حنبل، حديث291 وعن غاية المرام ص66، عن الطبراني ج3 في الورق 168/ب وفي هامش كفاية الطالب عن: الرياض النضرة ج2 ص203. وأما الفقرات الأخرى فهي موجودة في مختلف كتب الحديث والتاريخ.
([251]) أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 81 والبحار ج19 ص61.
([252]) راجع: البحار ج19 ص73 عن الخرائج والجرائح.
([253]) أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 82 و 83.
([254]) القائف: الذي يتتبع الآثار.
([255]) تاريخ الخميس ج1 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص37 والبداية والنهاية ج3 ص181 و 182.
([256]) البحار ج19 ص62 وأمالي الطوسي ج2 ص83 وعدم قبوله "صلى الله عليه وآله" الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن لا يكاد يخلو منه كتاب يؤرخ للسيرة النبوية الشريفة وراجع وفاء الوفاء ج1 ص237.
([257]) ولكن نفس هذا النص يرويه أصحاب الأهواء والتعصبات، ويبدلون فيه كلمة (خديجة) بكلمة (أبي بكر) ليثبتوا له فضيلة لا تؤيدها أي من النصوص والوقائع بل هي على خلافها أدل كما أثبتناه.
([258]) أمالي الطوسي ج2 ص81 و 82 والبحار ج19 ص61 و 62.
([259]) راجع: سيرة المصطفى ص250 و 252.
([260]) علي بن أبي طالب، لعبد الكريم الخطيب 105 و 106.
([261]) راجع حياة أمير المومنين ص105 و 106.
([262]) المصدر السابق ص107 و 108.
([263]) علي بن أبي طالب لعبد الكريم الخطيب ص106.
([264]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 والعثمانية للجاحظ في أواخرها.
([265]) الآية 40 من سورة الحج.
([266]) الآية 7 من سورة محمد.
([267]) الآية 14 من سورة النمل.
([268]) الآية 164 من سورة آل عمران.
([269]) الآية 9 من سورة الحجر.
([270]) مناقب الشافعي ج1 ص419 وعن الوحي المحمدي ص243.
([271]) تاريخ الطبري ج2 ص100.
([272]) الدر المنثور ج3 ص279 عن سنيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
([273]) الآية 40 من سورة التوبة.
([274]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص404 و 405.
([275]) صحيح البخاري ط سنة 1309 ج3 ص121، وتفسير ابن كثير ج4 ص159، وفتح القدير ج4 ص21، والدر المنثور ج6 ص41 وراجع الغدير ج8 ص247.
([276]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([277]) دلائل الصدق ج2 ص404.
([278]) الآية 22 من سورة التكوير.
([279]) الآية 37 من سورة الكهف.
([280]) الآية 33 من سورة الأنفال.
([281]) الآية 207 من سورة البقرة.
([282]) راجع ما تقدم في كنز الفوائد للكراجكي ص 204 و 205.
([283]) دلائل الصدق ج 2 ص 405.
([284]) العثمانية ص107.
([285]) الآية 4 من سورة الفتح.
([286]) الآية 18 من سورة الفتح.
([287]) راجع: تفسير الميزان ج9 ص280 ط بيروت.
([288]) هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني "رحمه الله".
([289]) الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين علي "عليه السلام" ص119 وكنز الفوائد للكراجكي ص203.
([290]) السيرة الحلبية ج2 ص38.
([291]) الآية 176 من سورة آل عمران، والآية 41 من سورة المائدة.
([292]) الآية 23 من سورة لقمان.
([293]) الآية 33 من سورة الأنعام.
([294]) الآية 76 من سورة يس.
([295]) الآية 8 من سورة فاطر.
([296]) السجاحة: السهولة واللين والإعتدال.
([297]) تاريخ الخميس ج1 ص326، والسيرة الحلبية ج2 ص34.
([298]) الآية 207 من سورة البقرة.
والرواية في: أسد الغابة ج4 ص25، والمستجاد للتنوخي ص10، وثمرات الأوراق ص303، وتفسير البرهان ج1 ص207، وإحياء العلوم ج3 ص258، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص 39، وكفاية الطالب ص239، وشواهد التنزيل ج1 ص97، ونور الأبصار ص86، والفصول المهمة لابن الصباغ ص31، وتذكرة الخواص ص35 عن الثعلبي، وتاريخ الخميس ج1 ص325 و 326، والبحار ج19 ص39 و 64 و 80 عن الثعلبي في كنز الفوائد وعن الفضائل لأحمد ص124 و 125، وعن الروضة ص119.
وهي أيضاً في: المناقب للخوارزمي ص74 وينابيع المودة ص92 عن ابن عقبة في ملحمته وقال في حبيب السير ج2 ص11: إن ذلك مذكور في كثير من كتب السير والتاريخ.
والرواية في تاريخ الخميس ج1 ص325 و 458 والتفسير الكبير ج5 ص204 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص21 والسيرة الحلبية ج3 ص168، وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص159 وفرائد السمطين ج1 ص330 ومستدرك الحاكم ج3 ص4 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس الصفحة، ومسند أحمد ج1 ص331 وترجمة الإمام علي "عليه السلام"، من تاريخ دمشق تحقيق المحمودي ج1 ص137 و 138، والمناقب للخوارزمي ص74 ودلائل الصدق ج2 ص81 و 82 والأمالي للطوسي ج2 ص84 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص310 وراجع ص178 و 82. وراجع الإرشاد للمفيد ص31 وروضة الواعظين ص107 وخصائص الـوحـي المـبـين ص94 و 93 وراجع ص91 = = والعمدة لابن البطريق ص240 وراجع ص238 ورواه في: غرائب القرآن للنيسابوري بهامش جامع البيان ج2 ص291 وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص60 ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل ج1 ص97 عن غاية المرام ص346 باب45 وعن تفسير أبي الفتوح الرازي ج2 ص152 ونقله المرعشي في ملحقات إحقاق الحق والتعليقات عليه ج3 ص24 ـ 34 وج8 ص339 وج6 ص479 و 481 وج20 ص109 ـ 114 وج14 ص116 عن عدد ممن قدمنا.
وعن المصادر التالية: اللوامع ج2 ص376 و 375 و 377 عن المجمع والمباني، وعن أبي نعيم والثعلبي وغيرهم وعن البحر المحيط ج2 ص118 وعن معارج النبوة ج1 ص4 وعن مدارج النبوة ص79 وعن مناقب المرتضوي ص33، وعن روح المعاني ج2 ص73 عن الإمامية وبعض من غيرهم وعن مرآة المؤمنين ص45 وعن تلخيص المتشابه في الرسم، للخطيب البغدادي ج1 ص414 وعن إمتاع الأسماع ص38، وعن مقاصد الطالب ص7 وعن وسيلة النجاة ص78 وعن المنتقى للكازروني ص79 مخطوط. وعن روض الأزهر ص371 وعن أرجح المطالب ص70 و 507 و 407 وعن إتحاف السادة المتقين ج8 ص202 وعن مفتاح النجا في مناقب آل العبا: ص23 مخطوط وعن روض الأحباب للهروي ص185 وعن تفسير الثعلبي وعن السيرة المحمدية للكازروني مخطوط وعن مكاشفة القلوب ص42 وعن توضيح الدلائل ص154 مخطوط وعن الكوكب المضي ص45 مخطوط وعن غاية المرام في رجال البخاري سيد الأنام ص71 مخطوط وعن الكشف والبيان وعن المختار في مناقب الأخيار ص4 مخطوط وعن مناهج الفاضلين للحمويني مخطوط.
وقال ابن شهرآشوب: إن هذا الحديث قد رواه الثعلبي، وابن عاقب في ملحمته وأبو السعادات في فضائل العشرة، والغزالي في الإحياء، وفي كيمياء السعادة عن عمار، وابن بابـويـه، وابن شـاذان والكليني، والطـوسي، وابن عقدة، والبرقي، وابن = = فياض، والعبدلي، والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس، وأبي رافع وهند بن أبي هالة. والغدير ج2 ص48 عن بعض من تقدم، وعن: نزهة المجالس ج2 ص209 عن السلفي، ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل عن بعض من تقدم وعن أبي الفتوح الرازي ج2 ص152 وغاية المرام باب45 ص346. وأشار إليه مغلطاي في سيرته31، والمستطرف، وكنوز الحقائق ص31. وراجع دلائل الصدق ج2 ص81 و 82 .
([299]) راجع: شرح النهج ج13 ص262.
([300]) سيأتي ذلك مع مصادره ومع ما فيه من وجوه ضعف في هذا الكتاب في فصل: جثة خبيب.
([301]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص82.
([302]) السيرة الحلبية ج2 ص27.
([303]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص263.
([304]) أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص62، والبحار ج19 ص56 عنه.
([305]) المصدران السابقان.
([306]) نور الأبصار ص86، وشواهد التنزيل ج1 ص102، ومستدرك الحاكم ج3 ص4 وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وأمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83، وتذكرة الخواص ص35، وفرائد السمطين ج1 ص330، ومناقب الخوارزمي ص74 و 75، والفصول المهمة لابن الصباغ ص31، والبحار ج19 ص63، وتاريخ الخميس ج1 ص325. والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) والمصادر لهذا الشعر كثيرة جداً لا مجال لتتبعها.
([307]) البحار ج19 ص45 عن: الخصال ج2 ص14 و 15.
([308]) تاريخ الخميس ج1 ص325.
([309]) السيرة الحلبية ج2 ص27.
([310]) الآية 202 من سورة البقرة، الإصابة: ج2 في ترجمة صهيب، والسيرة الحلبية ج2 ص23 و 24 والدر المنثور ج1 ص204 عن ابن سعد، وابن أبي أسامة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية، وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.
([311]) السيرة الحلبية ج3 ص168.
([312]) السيرة الحلبية ج3 ص168.
([313]) تاريخ الخميس ج1 ص330 والسيرة الحلبية ج2 ص39 والبداية والنهاية ج3 ص182 وإرشاد الساري ج6 ص218.
([314]) راجع: صفين للمنقري ص325. ومجمع البيان ج6 ص361، والبحار ج19 ص35 عنه، والسيرة الحلبية ج2 ص24.
([315]) سيرة ابن هشام ج2 ص121.
([316]) سيرة ابن هشام ج2 ص123، وسيرة مغلطاي ص31.
([317]) الإصابة ج2 ص196.
([318]) راجع ذلك وغيره في ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137.
([319]) تاريخ الخميس ج1 ص323 عن شواهد النبوة، والسيرة الحلبية ج2 ص29.
([320]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص29 وج1 ص273، وغير ذلك. وقد أشرنا إلى ذلك حين الكلام على الإسراء والمعراج، وذكرنا بعض مصادره هناك، فراجع.
([321]) نفس المصدر السابق.
([322]) كشف الأستار ج3 ص163 ومسند أحمد ج4 ص343 ومجمع الزوائد ج9 ص41 وتهذيب التهذيب ج5 ص38 والغدير ج5 ص326 و 303 عن تاريخ الخطيب.
([323]) مستدرك الحاكم ج3 ص112 وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة، والأوائل ج1 ص195، وفرائد السمطين ج1 ص248، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228، وراجع ج1 ص30 والبداية والنهاية ج3 ص26، والخصائص للنسائي ص46 بسند رجاله ثقات، وسنن ابن ماجة ج1 ص44، بسند صحيح، وتاريخ الطبري ج2 ص56، والكامل لابن الأثير ج2 ص57، وذخائر العقبي ص60 عن الخلفي والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم 235)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم 497) ج1 وتذكرة الخواص ص108 عن أحمد في المسند وفي الفضائل وفي هوامش ترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي، ج1 ص44 و 45 عن: مصنف ابن أبي شيبة، ج6 الورق 155/أ وكنز العمال (ط 2) ج15 ص107 عن ابن أبي شيبة، والنسائي، وابن أبي عاصم في السنة، والعقيلي والحاكم وأبي نعيم وعن العقيلي في ضعفـائـه ج6 الورق 139، ومعرفة الصحـابة لأبي نعيم ج1 = = الورق 22/أ، وتهذيب الكمال للمزي ج14 الورق 193/ب وعن تفسير الطبري، وعن أحمد في الفضائل الحديث 117 ورواه في ذيل إحقاق الحق ج4 ص369 عن ميزان الإعتدال ج1 ص417 وج2 ص11 و 212، والغدير ج2 ص314 عن كثير ممن تقدم وعن الرياض النضرة ص155 و 158 و 127 وراجع: اللآلي المصنوعة ج1 ص321.
([324]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص22 وعن المعارف لابن قتيبة ص167 وكلام الإسكافي في العثمانية ص300.
([325]) البداية والنهاية ج3 ص26.
([326]) الغدير ج2 ص313 و 314.
([327]) الجامع الصغير ج2 ص50، عن أبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن النجار، وابن عساكر، والصواعق المحرقة ط المحمدية ص123، وتاريخ بغداد ج14 ص155، وشواهد التنزيل ج2 ص224، وذخائر العقبى ص56، وفيض القدير ج4 ص137، وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام علي "عليه السلام") بتحقيق المحمودي ج2 ص282 وج 1 ص80 وكفاية الطالب ص123 و 187 و 124، والدر المنثور ج5 ص262 عن تاريخ البخاري، وعن أبي داود، وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر، والرازي في تفسير سورة المؤمن، ومناقب الخوارزمي ص219، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص246 و 247، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپو سراي رقم 497 ونقله في هامش كفاية الطالب عن كنز العمال أيضاً ج6 ص152 عن الطبراني وابن مردويه والرياض النضرة ج2 ص152 وبعض من تقدم، ونقله المحمودي في هامش ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ج1 ص79 و 80 عن بعض من تقدم وعن: السيف اليماني المسلول ص49 والفتح الكبير ص202 وغاية المرام ص417 و 647 ومناقب علي من كتاب الفضائل لأحمد الحديث 194 و 239 والسلفي في مشيخة البغدادية، الورق 9/ب و 10/ب، والغدير ج2 ص312، عن بعض من تقدم، وهوامش شواهد التنزيل عن الروض النضير ج5 ص368.
([328]) مناقب الخوارزمي الحنفي ص219.
([329]) ذخائر العقبى ص56 عن ابن قتيبة، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228، وأنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي ج2 ص146، والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم 235)، والبداية والنهاية ج7 ص334، والمعارف لابن قتيبة ص73 و 74، والغدير ج2 ص314 عن بعض من تقدم وعن ابن أيوب والعقيلي، عن كنز العمال ج6 ص405 طبعة أولى، وليراجع الغدير ج3 ص122 عن الإستيعاب ج2 ص460 وعن مطالب السؤل ص19 وقال: كان يقولها في كثير الأوقات والطبري ج2 ص312 وعن الرياض النضرة ج2 ص155 و 157 وعن العقد الفريد ج2 ص275، وراجع في حديث ابن عباس وأبي ليلى الغفاري الإصابة ج4 ص171 وهامشها في الإستيعاب ج4 ص170 وميزان الإعتدال ج2 ص3 و 417.
([330]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص228، وفرائد السمطين ج1 ص140 وترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج1 ص76 و 77 و 78 بعدة أسانيد وفي هامشه عن الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ المطبوع معها في مصر ص290 واللآلي المصنوعة ج1 ص324 و 325 وملحقات إحقاق الحق ج4 ص29 ـ 31 و 34 والغدير ج2 ص313 عن الرياض النضرة ج2 ص155 عن الحاكمي، وعن شمس الأخبار للقرشي ص30، وعن المواقف ج3 ص276، وعن نزهة المجالس ج2 ص205 وعن الحمويني.
([331]) مجمع الزوائد ج9 ص102 عن الطبراني والبزار، والغديرج 2 ص313 وج 10 ص49 عنه وعن: كفاية الطالب ص187 من طريق ابن عساكر وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228 وعن إكمال كنز العمال ج6 ص156 عن البيهقي وابن عدي عن حذيفة، وعن أبي ذر وسلمان وعن الإستيعاب ج2 ص657 وعن الإصابة ج4 ص171.
([332]) العقد الفريد ط دار الكتاب ج2 ص117، وبلاغات النساء ص38، والغدير ج2 ص313 عنهما وعن صبح الأعشى ج1 ص250 ونهاية الأرب ج7 ص241.
([333]) الغدير ج2 ص312 عن الرياض النضرة ج2 ص155 وغيرها.
([334]) نفس المصدر السابق.
([335]) كنز العمال ط 2 ج15 ص134.
([336]) الآية 33 من سورة الزمر.
([337]) الآية 15 من سورة الحجرات.
([338]) الآية 69 من سورة النساء، راجع على سبيل المثال: شواهد التنزيل ج1 ص153 و 154 و 155 وج 2 ص120 وفي هوامشه مصادر كثيرة، وترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ج2 ص418، وهوامشه، ومناقب ابن المغازلي ص269، وغاية المرام ص414، وكفاية الطالب ص333، ومنهاج الكرامة للحلي، ودلائل الصدق للشيخ المظفر ج2 ص117 والدر المنثورج 5 ص328، وعشرات المصادر الأخرى.
([339]) مناقب الخوارزمي الحنفي ص32.
([340]) راجع على سبيل المثال: اللآلي المصنوعة ج1 ص322.
([341]) راجع: الغدير ج5 ص327 و 328 و 321 و 334 و35 وج 7 ص244 و245.
([342]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص237، والثقات لابن حبان ج1 ص117 والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص387 وغير ذلك كثير، وعن كون أبي بكر رجلاً ذا مال راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص128.
([343]) نور الأبصار ص16 عن: الجمل على الهمزية، وعن كنز العمال ج8 ص334 عن البغوي بسند حسن عن عائشة.
([344]) فتح الباري ج7 ص183 و 177 والسيرة الحلبية ج2 ص25 و 55 عنه.
([345]) سيرة مغلطاي ص32 وفتح الباري ج7 ص177 وراجع الثقات لابن حبان ج1 ص113 وغير ذلك.
([346]) ترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1ص138 والدر المنثور، وتيسير المطالب ص75 لكن فيه: أنه قد استأجر الرواحل الثلاث.
([347]) تاريخ الخميس ج1 ص324 وتاربخ الأمم والملوك ج2 ص103 والسيرة الحلبية ج2 ص34 والبداية والنهاية ج3 ص178.
([348]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص153 والبداية والنهاية ج3 ص178 وتاريخ الخميس ج1 ص323 والسيرة الحلبية ج2 ص30 والبخاري كما في إرشاد الساري ج6 ص17.
([349]) السيرة الحلبية ج2 ص34 عن سبط ابن الجوزي.
([350]) البحار ج19 ص74 وعن الخرايج والجرائح وليراجع ص77 و 51 وليراجع أيضاً إعلام الورى ص63، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128، وتفسير القمي ج1 ص276.
([351]) السيرة الحلبية ج2 ص34 ـ 38 وراجع، تاريخ الخميس ج1 ص328. والدر المنثور.
([352]) تاريخ الخميس ج1 ص330 والبداية والنهاية ج3 ص182 والسيرة الحلبية ج2 ص39.
([353]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص269.
([354]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص28، والروض الأنف ج2 ص229 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص127، أنظر الهـامش، وتاريـخ الهجرة النبوية للببـلاوي ص116.
([355]) البحار ج19 ص50.
([356]) السيرة الحلبية ج2 ص28 و 26.
([357]) سيرة ابن هشام ج2 ص133 وكنز العمال ج22 ص209، والبداية والنهاية ج3 ص179، والأذكياء لابن الجوزي ص219، وحياة الصحابة ج2 ص173 و 174، ومجمع الزوائد ج6 ص59 عن الطبري، وأحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.
([358]) تاريخ الخميس ج1 ص330 والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 40 والتراتيب الإدارية ج2 ص87 وستأتي مصادر أخرى لذلك.
([359]) تاريخ الخميس ج1 ص326 والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 40 والتراتيب الإدارية ج2 ص87 وستأتي مصادر أخرى لذلك إن شاء الله.
([360]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص32، وراجع لسان الميزان ج2 ص23 وغيره.
([361]) راجع: صحيح البخاري كما في إرشاد الساري ج6 ص214 و 215 مع اختلاف يسير والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص608 و 609 والمصادر الآتية قبل الحديث عن عامر بن فهيرة.
([362]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص33 وتاريخ الخميس ج1 ص323 و 330 وستأتي مصادر أخرى إن شاء الله تعالى.
([363]) راجع: في كل ما تقدم من أول العنوان إلى هنا: تاريخ الخميس ج1 ص330 ـ 323، والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 33 و 0 4 و 39 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص609 والسيرة النبوية لابن هشام ج2، وصحيح البخاري باب الهجرة، وفتح الباري ج7 وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، والدر المنثور، والفصول المهمة لابن الصباغ، والسيرة النبوية لابن كثير ولسان الميزان ج2 ص23 والبداية والنهاية ج5 ص229 ومجمع الزوائد ج9 ص42 عن الطبراني والغدير، وغير ذلك كثير لا مجال لتتبعه.
([364]) الإصابة ج2 ص460 و 461 وهذه الرواية تدل على أن أبا قحافة يرى أن ابنه أبا بكر قد صار من الصباة وأنه قد أسلم بعد جماعة عبد الله منهم، وهذا ينافي ما تقدم من أنه كان أول من أسلم.
([365]) السيرة الحلبية ج2 ص51.
([366]) سيرة مغلطاي ص32.
([367]) تاريخ دمشق، ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص138، وإعلام الورى ص190، والبحار ج19 ص84 عنه وتيسير المطالب في أمالي الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" ص75.
([368]) إعلام الورى ص63، والبحار ج19 ص70 و 75 عنه وعن الخرائج وعن قصص الأنبياء.
([369]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص204.
([370]) السيرة الحلبية ج2 ص39، وسيرة ابن هشام، وكنز العمال ج22 ص210 عن البغوي وابن كثير.
([371]) راجع لبعض موارد التناقض لا كلها: الإصابة ج4 ص230، والإستيعاب بهامشها ج4 ص233.
([372]) البدء والتاربخ ج5 ص78.
([373]) الإصابة ج4 ص230، والإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص233.
([374]) شرح النهج للمعتزلي ج11 ص49، وراجع الغدير ج5 ص311.
([375]) الرياض النضرة ج1 ص126، وإرشاد الساري ج6 ص86 عن الحافظ السكري والغديرج 8 ص34 عنهما وعن كنز العمال ج6 ص138 و 140 عن الطبراني وأبي نعيم.
([376]) قد تقدم في أول البحث: أن أبا طالب كان ينفق في الشعب على الهاشميين من أمواله. وأما أموال خديجة، فأمرها أشهر وأعرف. وقد تقدم كلام ابن أبي رافع حولها.
([377]) راجع: الأوائل ج1 ص314، والبداية والنهاية ج4 ص205 عن البخاري، وصحيح البخاري ج3 ص35 ط سنة 1309 ه‍. وصحيح مسلم ج7 ص172، وكنز العمال ج22 ص206، عن أبي نعيم والطيالسي، وليراجع فتح الباري ج7 ص372، ومسند أحمد ج4 ص395 و 412. وحياة الصحابة ج1 ص361.
([378]) الكراع: اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير.
([379]) راجع: حديث الإفك ص152 وراجع: عنوان "لا مال لأبي بكر لينفق على أحد" في الجزء الثالث عشر وفي الجزء الثاني عشر الطبعة الرابعة.
([380]) وقد وصفت عائشة حالته هو وأهل بيته بما يقرح القلوب، فراجع: طبقات ابن سعد ج 1 قسم 2 ص120 وليراجع من ص112 حتى ص120.
([381]) حياة الصحابة ج1 ص429 عن ابن عساكر ج1 ص110.
([382]) الآية 13 من سورة المجادلة، وراجع دلائل الصدق ج2 ص120، والأوائل ج1 ص297، وهامش تلخيص الشافي ج3 ص235 و 37، عن العديد من المصادر.
([383]) الآية 264 من سورة البقرة.
([384]) الآية 6 من سورة المدثر.
([385]) تلخيص الشافي ج3 ص238، ودلائل الصدق ج2 ص130، والإفصاح ص135 وراجع الغدير ج8 ص51. ويشك المحقق السيد مهدي الروحاني في = = كون أبي بكر كان معلماً، على اعتبار أن جمع الأطفال في المكتب وتعليمهم أمر مستحدث، ولم يكن معهوداً في مكة في الجاهلية ويتساءل عن تلامذة أبي بكر من هم، ولماذا لم يوجد في مكة سوى عدد ضئيل ممن كان يعرف القراءة والكتابة كما مر في أول الكتاب. بل لقد ذكر جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن: أنه لم يكن في مكة حين بعث النبي "صلى الله عليه وآله" سوى سبعة أشخاص يعرفون الكتابة.
([386]) كنز العمال ج5 ص405 عن ابن سعد، وحياة الصحابة ج2 ص235.
([387]) الآية 8 من سورة الإنسان، والحديث موجود في المصادر التالية: المناقب للخوارزمي ص189 ـ 195، والرياض النضرة ج3 ص208 و 209 والتفسير الكبير ج30 ص234 و 244 عن الواحدي، والزمخشري، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج29 ص112 و 113 والكشاف ج4 ص670 ونـوادر الأصول ص64 و 65 والجامع لأحكام القرآن ج19 ص131 عن النقاش، والثعلبي، والقشيري، وغير واحد من المفسرين، واللآلي المصنوعة ج1 ص372 ـ 374 ومدارك التنزيل للنسفي (مطبوع بهامش تفسير الخازن) ج4 ص339 وكشف الغمة ج1 ص169 وتفسير نور الثقلين ج5 ص469 ـ 477 عن أمالي الصدوق، والقمي، والطبرسي، وابن شهر آشوب وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص749 ـ 752 وتفسير فرات ص521 ـ 528 وذخائر العقبى ص89 وتفسير القمي ج2 ص398 و 399 والبرهان (تفسير) ج4 ص412 ووسائل الشيعة ج16 ص190، وفرائد السمطين ج2 ص54 ـ 56 ومجمع البيان ج10 ص404 و 405 والمناقب لابن المغازلي ص273 والإصابة ج4 ص378 وينابيع المودة ص93 و 94 وروضة الواعظين ص160 ـ 163 ونزهة المجالس ج1 ص213 وربيع الأبرار ج2 ص147 و 248 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص21، وأسد الغابة ج5 ص530 و 531 والبحار ج35 ص237 حتى 254 وإحقاق الحق ج9 ص110 ـ 123 وج 3 ص157 ـ 170 عن مصادر كثيرة.
([388]) الآية 55 من سورة المائدة، والحديث موجود في المصادر التالية: الكشاف ج1 ص649 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص93 عن الطبراني، وابن جرير، وأسباب النزول ص113 ونفسير المنار ج6 ص442، وقال: رووا من عدة = = طرق وتفسير نور الثقلين ج1 ص533 ـ 337 عن الكافي، والإحتجاج، والخصال، والقمي، وأمالي الصدوق، وجامع البيان ج6 ص186، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج6 ص167 والتفسير الكبير ج12 ص26 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص71 والدر المنثور ج2 ص293 و 294 عن أبي الشيخ وابن مردويه، والطبراني، وابن أبي حاتم، وابن عساكر، وابن جرير، وأبي نعيم، وغيرهم، وفتح القدير ج2 ص53 عن الخطيب في المتفق والمفترق، وراجع مـا عن: عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وغيرهم ممن تقدم ذكره. ولباب التأويل للخازن ج1 ص475 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص221 والكافي ج1 ص228 وشواهد التنزيل ج1 ص173 ـ 184 والخصال ج2 ص580 وكفاية الطالب ص229 وكنز العمال ج15 ص146 والفصول المهمة لابن الصباغ ص108 ومجمع الزوائد ج7 ص17 ومعرفة علوم الحديث ص102 وتذكرة الخواص ص15 والمناقب للخوارزمي ص186 و187 ونظم درر السمطين ص86 و87 والرياض النضرة ج3 ص208 وذخائر العقبى ص102 عن الواقدي، وأبي الفرج ابن الجوزي، والبداية والنهاية ج7 ص358 ونور الأبصار ص77 وفرائد السمطين ج1 ص188 وتأويل الآيات الظاهرة ج1 ص151 ـ 154 والبحار ج35 ص183 ـ 203 عن مصادر كثيرة وربيع الأبرار ج2 ص148 والمناقب لابن المغازلي ص312 و 313 وروضة الواعظين ص92 والعمدة لابن بطريق ص119 ـ 125 وإثبات الهداة ج2 ص47 والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص2 ـ 10 وكشف الغمة ج1 ص166 و 167 والأمالي للصدوق ص109 و 110، ووسائل الشيعة ج6 ص334 و 335 وسعد السعود ص96 والبرهان (تفسير) ج1 ص480 ـ 485 ومجمع البيان ج3 ص310 ـ 312 وإحقاق الحق ج20 ص3 ـ 22 وراجع ج3 ص502 ـ 511 وج 2 ص399 ـ 408 عن مصادر كثيرة.
([389]) الآية 274 من سورة البقرة، والحديث موجود في المصادر التالية: الكشاف ج1 ص319 وتفسير المنار ج3 ص92 عن عبد الرزاق، وابن جرير، وغيرهما والتفسير الكبير ج7 ص83 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص347 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص326 عن ابن جرير، وابن مردويه وابن أبي حاتم وفتح القدير ج1 ص294 عن عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والطبراني، وابن عساكر وغيرهم والدر المنثور ج1 ص363 ولباب النقول ص50 ط دار إحياء العلوم، وأسباب النزول ص50 وتفسير نور الثقلين ج1 ص341 عن العياشي والفصول المهمة لابن الصباغ ص107 ونظم درر السمطين ص90 وذخائر العقبى ص88 والبرهان (تفسير) ج4 ص412 والمناقب لابن المغازلي ص280 وينابيع المودة ص92، وروضة الواعظين ص383 و 105 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص21.
([390]) راجع المصادر التالية: المناقب للخوارزمي ص196 والرياض النضرة ج3 ص180 والصواعق المحرقة ص129 عن الواقدي، ونظم درر السمطين ص90 و 91 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص327 و 326 وجامع البيان ج28 ص14 و 15 وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص24 و 25 وكفاية الطالب ص136 و 137 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص428 ومستدرك الحاكم ج2 ص482 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) ج2 ص482 وتفسير نور الثقلين ج5 ص264 و 265 وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص673 ـ 675 ولباب التأويل ج4 ص224 ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش لباب التأويل) ج4 ص224 وأسباب النزول ص235 وشواهد التنزيل ج2 ص231 ـ 240 والدر المنثور ج6 ص185 = = عن ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، والحاكم وصححه، وسعيد بن منصور، وابن راهويه، وفتح القدير ج5 ص191 والتفسير الكبير ج29 ص271 والجامع لأحكام القرآن ج17 ص302 والكشاف ج4 ص494 وكشف الغمة ج1 ص168 وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج3 ص129 و 140 وج14 ص200 و 217 وج20 ص181 و 192 عن بعض من تقدم، وعن مصادر كثيرة أخرى، وإعلام الورى ص188.
([391]) الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين علي "عليه السلام" ص131 ـ 133.
([392]) نزهة المجالس ج1 ص116.
([393]) صحيح البخاري ط مشكول ج5 ص75 وتاريخ الطبري ج2 ص104، وسيرة ابن هشام ج2 ص131 وطبقات ابن سعدج1 قسم1 ص153 والبداية والنهاية ج3 ص184 ـ 188، ومسند أحمد ج5 ص245، والكامل لابن الأثير، وغير ذلك كثير، والسيرة الحلبية ج2 ص32.
([394]) فتح الباري ج7 باب الهجرة، ص183 والسيرة الحلبية ج2 ص32.
([395]) الغرز: ركاب الرحل.
([396]) الغدير ج5 ص301 و 302 والمصادر الآتية في الهامش التالي والسيرة الحلبية ج2 ص41.
([397]) راجع: تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص288 وج12 ص19، وكشف الخفاء ج2 ص419، واللآلي المصنوعة ج1 ص148، ولسان الميزان ج2 ص64 وميزان الإعتدال ج2 ص21 و 232 و 269 وج3 ص336 والغدير ج5 ص302 عمن تقدم، وعن أسنى المطالب ص63.
([398]) النصائح الكافية ص72 و 73 عن المدائني، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص44.
([399]) حلية الأولياء ج1 ص22، والبداية والنهاية ج3 ص180، والسيرة الحلبية ج2 ص35 و 36.
([400]) السيرة الحلبية ج2 ص69 و 36.
([401]) صحيح مسلم ج5 ص181 و 182، وصحيح البخاري ج2 ص89 الميمنية، وحياة الصحابة ج1 ص518.
([402]) راجع البحار ج19 ص93 عن مسند أحمد، وعن تاريخ الطبري ج2 ص100 والسيرة الحلبية ج2 ص36 عن ابن الجوزي.
([403]) الآية 69 من سورة يس.
([404]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص324، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص447، وسيرة ابن هشام ج2 ص220.
([405]) البدء والتاريخ ج4 ص202.
([406]) راجع هذه النصوص في: مجمع الزوائد ج5 ص182 عن الطبراني ورجاله ثقات وبعضه عن ابن ماجة، وسيرة ابن هشام ج4 ص311، والبداية والنهاية ج5 ص248 عن البخاري، والسيرة الحلبية ج3 ص359، وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص8 والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص438، والغدير ج7 ص92 عن بعض من تقدم وعن الرياض النضرة ج1 ص162 ـ 166.
([407]) راجع في ما تقدم كلا أو بعضاً: شرح النهج للمعتزلي ج6 ص8، ومستدرك الحاكم ج3 ص66، وسنن البيهقي ج8 ص153، وذكر ذلك في الغدير ج5 ص369 وج7 ص92 وج10 ص7 كلاً أو بعضاً عن المصادر التالية: مسند أحمد ج1 ص35، وطبقات ابن سعد ج3 ص128، ونهاية ابن الأثير ج3 ص247، وصفة الصفوة ج1 ص97، والسيرة الحلبية ج3 ص386، والصواعق المحرقة ص7، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص131 وج2 ص17، والرياض النضرة ج2 ص195، وكنز العمال ج3 ص140 عن الأطرابلسي في فضائل الصحابة ونقل أيضاً عن الكنز ج3 ص139 و 136 و 140 عن ابن أبي شيبة وابن عساكر، وابن شاهين، وابن جرير، وابن سعد، وأحمد، ورجاله رجال الصحيح.
([408]) الغدير ج10 ص13، وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص317.
([409]) كنز العمال ج22 ص208 عن ابن عساكر، والإصابة ج4 ص304.
([410]) شذرات الذهب ج3 ص130، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص94 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص145 والمنتظم لابن الجوزي ج7 ص206 والبداية والنهاية ج11 ص325 والخطط المقريزية ج1 ص389 والكامل في التاريخ ج9 ص155 ونهاية الأرب للنويري ج1 ص185 وذيل تجارب الأمم لأبي شجاع ج3 ص339 و 340 وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 381 ـ 400) ص25.
([411]) تاريخ الخميس ج1 ص335 عن ربيع الأبرار.
([412]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص334 والبحار ج19 ص41 و 42 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص279 والسيرة الحلبية ج2 ص49 و 50 وغير ذلك من المصادر. وحديث أم معبد مشهور بين المؤرخين، والنص المذكور من أول العنوان إلى هنا هو للبحار ج19 ص75 و 76 عن الخرائج والجرائح.
([413]) راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص35 من دون ذكر للاسم، وأمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83، وإعلام الورى ص66، والبحار ج19 ص64 و 106 و 115 و 116 و 75 و 76 وج22 ص366 عن الخرائج والجرايح.
([414]) إعلام الورى ص66، والبحار ج19 ص106 عنه.
([415]) الآيات 191 ـ 195 من سورة آل عمران.
([416]) راجع فيما ذكرناه: أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83 ـ 86، والبحار ج19 ص64 ـ 67 و85 وتفسير البرهان ج1 ص332 و 333 عن الشيباني في نهج البيان، وعن الاختصاص للشيخ المفيد، والمناقب لابن شهر آشوب ج1 ص183 و 184، وإعلام الورى ص190 وراجع: امتاع الاسماع للمقريزي ج1 ص48.
([417]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 قسم 2 ص89 .
([418]) ثمرات الأوراق ص290 و 291 عن القرطبي.
([419]) راجع في ذلك كلاً أو بعضاً: إرشاد الساري ج6 ص214 والسيرة الحلبية ج2 ص41، وصحيح البخاري ط مشكول باب الهجرة ج6 ص53 وسيرة ابن هشام ج2 ص137، ومسند أحمد ج3 ص287، والمواهب اللدنية ج1 ص86، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج2 ص202، والمعارف له ص75 والندير ج7 ص258 عن كثير ممن تقدم وعن الرياض النضرة ج1 ص78 و 79 و 80، وعن طبقات ابن سعد ج2 ص222.
([420]) راجع: الندير ج7 ص258.
([421]) الثقات لابن حبان ج1 ص131، ودلائل النبوة ج2 ص233، ووفاء الوفاء ج1 ص255، عن التاريخ الصغير للبخاري، والسيرة الحلبية ج2 ص52، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج1 ص325، وتاريخ الخميس ج1 ص326.
([422]) إرشاد الساري ج6 ص214.
([423]) المعارف لابن قتيبة ص75، مدعياً الاتفاق على ذلك، وأسد الغابة ج3 ص223، ومرآة الجنان ج1 ص65 و 69 ومجمع الزوائد ج9 ص60 والإصابة ج2 ص341 ـ 344، والغدير ج7 ص271 عمن تقدم وعن المصادر الآتية: الكامل لابن الأثير ج1 ص185 وج 2 ص176، وعيون الأثر ج1 ص43 والسيرة الحلبية ج3 ص396 والطبري ج2 ص125 وج 4 ص47 والإستيعاب ج1 ص335، وقال: لا يختلفون أن سنه انتهى حين وفاته ثلاثاً وستين سنة، وسيرة ابن هشام ج1 ص205.
([424]) الغدير ج7 ص270 عن الإستيعاب ج2 ص226، والرياض النضرة ج1 ص127 وتاريخ الخلفاء ص72 عن خليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل وابن عساكر.
([425]) فتح الباري ج7 ص195، وراجع الغدير ج7 ص260 و 261.
([426]) مستدرك الحاكم ج2 ص343 وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة واللمع لأبي نصر ص280 وتفسير ابن كثير ج2 ص435، والغدير ج7 ص261 عنهم وعن تفسير القرطبي ج7 ص1 وتفسير الخازن ج2 ص335 وعن جامع الحافظ الترمذي، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وأبي يعلى، والطبراني، وابن أبى شيبة.
([427]) الغدير ج7 ص261.
([428]) الغدير ج7 ص271.
([429]) راجع: تفسير الميزان ج19 ص289.
([430]) أشار إلى هذا أيضاً العلامة الطباطبائي في الميزان ج19 ص289.
([431]) ذخائر العقبي ص59، ودلائل النبوة ج1 ص416، ولسان الميزان ج1 ص395 وعن أبي يعلى، وخصائص النسائي، والكامل لابن الأثيرج 2 ص57 ط صادر، وتاريخ الطبري ج2 ص57 وراجع حياة الصحابة ج1 ص33.
([432]) سنن البيهقي ج9 ص88 ومستدرك الحاكم ج2 ص432، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، وتفسير ابن كثيرج 4 ص28، وحياة الصحابة ج1 ص33 عن الترمذي، وتفسير الطبري، وأحمد، والنسائي، وابن أبي حاتم.
([433]) راجع: الثقات ج1 ص88 والبداية والنهاية ج3 ص140 وراجع ص142 و 145 عن دلائل النبوة لأبي نعيم والحاكم والبيهقي وحياة الصحابة ج1 ص72 و 80 عن البداية والنهاية وعن كنز العمال ج1 ص277.
([434]) تفسير الميزان ج19 ص289.
([435]) مغازي الواقدي ج2 ص607.
([436]) السيرة الحلبية ج2 ص227، وبقية الكلام على هذا مع مصادره يأتي إن شاء الله تعالى في غزوة أحد.
([437]) الآية 31 من سورة المدثر.
([438]) الآية 10 من سورة العنكبوت.
([439]) راجع: تفسير الميزان ج20 ص90 و 91.
([440]) تاريخ الخميس ج1 ص341 و 342 عن الرياض النضرة، والسيرة الحلبية ج2 ص54، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص233، ووفاء الوفاء للسمهودي ج1 ص244 وج 4 ص1172 و 1262 وفتح الباري ج7 ص204.
([441]) نهج الحق الموجود في دلائل الصدق ج1 ص389، ولم يعترض عليه فضل بن روزبهان، بل حاول توجيهه وتأويله.
([442]) وفاء الوفاء ج1 ص263، وفتح الباري ج7 ص204، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص234 و 235، وتاريخ الخميس ج1 ص341، والسيرة الحلبية ج2 ص61 والبداية والنهاية ج3 ص200.
([443]) السيرة الحلبية ج2 ص61.
([444]) البداية ونهاية ج1 ص276.
([445]) زاد المعاد ج3 ص10 وراجع: وفاء الوفاء للسمهودي ج4 ص1170 والتراتيب الإدارية ج2 ص130.
([446]) وفاء الوفاء ج3 ص845.
([447]) وفاء الوفاء ج4 ص1172.
([448]) وفاء الوفاء ج4 ص1172.
([449]) وفاء الوفاء ج4 ص1168 و 1169 و 1172 وج3 ص857 و 858 عن البخاري، وابن أبي شيبة، والطبراني في الأوسط، وأبي يعلى، وابن حبان، وابن إسحاق، وابن سعد والبيهقي الخ. وراجع حياة الصحابة ج1 ص603 و 207 والسنن الكبرى ج9 ص175 و 85.
([450]) راجع وفاء الوفاء ج4 ص1170.
([451]) زاد المعاد لابن القيم ج3 ص17 و 18.
([452]) راجع: دلائل الصدق ج1 ص390 و 393 على الترتيب.
([453]) نفس المصدر السابق.
([454]) السيرة الحلبية ج2 ص62.
([455]) أسد الغابة ج4 ص64، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ص58، ومسند أحمد ج5 ص353 و 354 باختلاف ودلائل الصدق ج1 ص390 و 291 عن الترمذي ج2 ص293 وصححه هو والبغوي في مصابيحه وليراجع: الغدير ج8 ص64 و 65، والسيرة الحلبية ج2 ص62 وسنن البيهقي ج10 ص77 والتراتيب الإدارية ج2 ص131.
([456]) نيل الأوطار ج 8 ص271 ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ص138، والغدير ج8 ص64 و 65 عن مشكاة المصابيح ص55 وبعض من تقدم.
([457]) صحيح البخاري ج1 ص111 ط الميمنية، وصحيح مسلم ج3 ص22 ط مشكول، والسيرة الحلبية ج2 ص61 ـ 62 وهامش إرشاد الساري ج4 ص195 ـ 197 ودلائل الصدق ج1 ص389 وسنن البيهقي ج10 ص224، واللمع لأبي نصر ص274، والبداية والنهاية ج1 ص276 والمدخل لابن الحاج ج3 ص109 والمصنف ج11 ص4 وراجع تهذيب تاريخ دمشق ج2 ص412.
([458]) دلائل الصدق ج1 ص390، والتاج الجامع للأصول ج3 ص314، والغدير ج8 ص65 عن صحيح الترمذي ج2 ص294، وصححه وعن مصابيح السنة ج2 = = ص271، وعن مشكاة المصابيح ص550 وعن الرياض النضرة ج2 ص208 وحياة الصحابة ج2 ص760 و 761 عن منتخب كنز العمال ج4 ص393 عن ابن عساكر وابن عدي، والمشكاة ص272. عن الشيخين.
([459]) السيرة الحلبية ج2 ص61 والتراتيب الإدارية ج2 ص131 و 132 عن العقد الفريد وغيره. وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص136.
([460]) البخاري بهامش فتح الباري ج7 ص244.
([461]) نهج الحق في ضمن دلائل الصدق ج1 ص402 عن الغزالي.
([462]) مسند أحمد ج3 ص449.
([463]) مسند أحمد ج4 ص353 و 354.
([464]) راجع أضواء على السنة المحمدية، والعتب الجميل، والغدير، وغير ذلك.
([465]) البخاري (ط الميمنية) ج1 ص111.
([466]) راجع: مسند أحمد ج6 ص296، وطبقات ابن سعد ومصابيح البغوي (ط دار المعرفة) ج2 ص408 والجامع الصحيح ج5 ص102 وسنن أبي داود ج4 ص63 و 64.
([467]) سنن البيهقي ج10 ص221 عن البخاري في الصحيح، والغديرج 18 ص70 وعنه عن تفسير الآلوسي ج21 ص76، وقال: أخرجه أحمد، وابن ماجة، وأبو نعيم، وأبو داود بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها، وصححه جماعة آخرون.
([468]) راجع فيما تقدم: المصنف ج11 ص6 ونيل الأوطار ج8 ص268، وتفسير الشوكاني ج4 ص236 والدر المنثور ج5 ص160 والغدير ج 8 ص69 عنهم ما عدا الأول وعن: كنز العمال ج7 ص333، ونقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص248، وتفسير القرطبي ج14 ص530.
([469]) نيل الأوطار ج8 ص264، وإرشاد الساري ج9 ص163 عن الطبراني والغدير ج8 ص69 و 70 عنهما.
([470]) سنن البيهقي ج10 ص222.
([471]) الدر المنثور ج2 ص324 والغدير ج8 ص70 عنه وعن تفسير الآلوسي ج21 ص76 ورواه الطبراني، وأحمد وابن أبي الدنيا.
([472]) جامع بيان العلم ج1 ص153 ونيل الأوطار ج8 ص262 والدر المنثور ج2 ص324 والغدير ج8 ص70 و 71 عنهم.
([473]) الدر المنثور ج2 ص324، واخرجه ابن أبي الدنيا، وابن أبي شيبة، وابن عدي، والحاكم، والبيهقي، وأبو داود، وابن ماجة والمدخل ج3 ص105 والغدير ج8 ص71.
([474]) نيل الأوطار ج8 ص263 والمدخل ج3 ص105 والغدير ج8 ص71 عنه وعن: نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص249، وتفسير القرطبي ج14 ص53.
([475]) السيرة الحلبية ج2 ص63 عن ابن أبي شيبة.
([476]) السيرة الحلبية ج2 ص62.
([477]) الآية 157 من سورة الأعراف.
([478]) نيل الأوطار ج8 ص263، وتفسير الشوكاني ج4 ص234، والدر المنثور ج5 ص159، وتفسير ابن كثير ج3 ص442، وإرشاد الساري ج9 ص163 والمدخل لابن الحاج ج3 ص104 وتفسير الطبري ج21 ص39 والغدير ج8 ص67 عنهم وعن: تفسير القرطبي ج14 ص51 ونقد العلم والعلماء ص247، وتفسير الخازن ج3 ص36 وتفسير الآلوسي ج21 ص68 والترمذي كتاب 12 باب 51، ونقلوا أن الحفاظ التالية أسماؤهم قد أخرجوه: سعيد بن منصور، وأحمد، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة، وابن مردويه، والطبراني، وابن أبي الدنيا.
([479]) الدر المنثور ج4 ص228 والغديرج 8 ص67 عنه وعن تفسير الآلوسي ج21 ص68.
([480]) راجع سنن البيهقي ج10 ص122 و 223 و 225 ومستدرك الحاكم ج2 ص411 وتفسير الطبري ج21 ص39 و 40 والمدخل لابن الحاج ج3 ص104 وتفسير ابن كثير ج 3 ص441 وإرشاد الساري ج9 ص163 والدر المنثور ج5 ص159 و 160 وفتح القدير ج4 ص34، ونيل الأوطار ج8 ص163 والغدير ج8 ص68 عمن تقدم وعن تفسير القرطبي ج14 ص51 ـ 53 ونقد العلم والعلماء ص246، وتفسير الخازن ج3 ص46 وبهامشه وتفسير النسفي ج3 ص460 وتفسير الآلوسي ج21 ص67. وأخرجه ابن أبي الدنيا، وابن أبي شيبة وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والفريابي، وابن عساكر.
([481]) الآية 64 من سورة الإسراء.
([482]) راجع: جامع البيان ج15 ص81 و (ط دار الفكر) ص147 وزاد المسير ج5 ص48 وتفسير القرطبي ج10 ص288 وج14 ص51 والغدير ج8 ص69 وتفسير ابن كثير ج3 ص49 و (ط دار المعرفة) ص53 أحكام القرآن للجصاص ج3 ص266 وتفسير السمعاني ج3 ص258 وتفسير الثعالبي ج3 ص484 وتفسير الأندلسي ج3 ص470.
([483]) الغدير ج10 ص225 عن تاريخ ابن عساكر ج5 ص412 وتاريخ الطبري ج6 ص157 وتاريخ ابن الأثير ج4 ص209 والبداية والنهاية ج8 ص130 ومحاضرات الراغب ج2 ص214 والنجوم الزاهرة ج1 ص141.
([484]) الغدير ج10 ص255 عن تاريخ الطبري ج7 ص4 والكامل لابن الأثير ج4 ص45 والبداية والنهاية ج8 ص126 وفتح الباري ج13 ص59.
([485]) المدخل لابن الحاج ج3 ص104 ـ 107.
([486]) نفس المصدر السابق.
([487]) نفس المصدر السابق.
([488]) نفس المصدر السابق.
([489]) راجع: المدخل لابن الحاج ج3 من ص96 ـ 115، وتفسير الطبري ج28 ص48 والـزهـد والـرقائق، قسم مـا رواه نعيم بن حمـاد ص12 ونيـل الأوطـار ج8 ص264 و 263، وسنن البيهقي ج10 ص222، وفتح القدير ج4 ص228 = = وج 5 ص115، وتفسير ابن كثير ج 2 ص96 وج 4 ص260، والفائق للزمخشري ج1 ص305، والدر المنثور ج2 ص317 و 324، وج 5 ص159، والغدير ج8 ص64 فما بعدها عنهم وعن: القرطبي ج7 ص122 وج 14 ص53 و 54، والكشاف ج2 ص211، وتفسير الآلوسي ج7 ص72 وج 21 ص68، وإرشاد الساري ج9 ص164، وبهجة النفوس لابن أبي حجرة ج2 ص74، وتاريخ البخاري ج4 قسم 1 ص234، ونقد العلم والعلماء ص246 و 248، ونهاية ابن الأثير ج2 ص95 وتفسير الخازن ج3 ص460 وج 4 ص212 والنسفي بهامشه، ج3 ص460. وأخرجها سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وعبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن أبي الدنيا، وابن مردويه، وأبو الشيخ، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي.. وأما قول ابن الزبير: ما أعلم رجلاً من المهاجرين إلا قد سمعته يترنم، أو نحو ذلك المصنف ج1 ص5 و 6 وسنن البيهقي ج10 ص225، فإنما المقصود هو الترنم والتغني بإنشاد الشعر، وليس الغناء، كما ذكره ابن الحاج ج3 ص98 و 109.
([490]) ذلك كله في كتاب: الغدير ج8 ص72 ـ 74 والمدخل لابن الحاج ـ ج3 ص96 ـ 110، وفي هذا الأخير زيادات هامة لم نذكرها روماً للاختصار.
([491]) البداية والنهاية ج1 ص276.
([492]) مصنف عبد الرزاق ج10 ص465، وصحيح البخاري ط مشكول ج9 ص223 و 270 وحياة الصحابة ج2 ص761 عن المشكاة ص272 عن الشيخين، ودلائل الصدق ج1 ص393.
([493]) سنن البيهقي ج10 ص224.
([494]) لسان العرب ج15 ص137 مادة: غنا.
([495]) الغدير ج8 ص79 عن كنز العمال ج7 ص335.
([496]) نسب قريش لمصعب ص448 وسنن البيهقي ج10 ص224 والإصابة ج2 ص209 والغدير ج8 ص79 عن البيهقي، وعن الإستيعاب ج1 ص86، و 170 وعن الإصابة ج1 ص502 و 457 وج 8 ص209 وعن كنز العمال ج7 ص335، وتاريخ ابن عساكر ج7 ص35.
([497]) الغدير ج8 ص80 عن كنز العمال ج7 ص335.
([498]) نيل الأوطار ج8 ص266، والغديرج 7 ص78 عنه وعن عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ج5 ص160.
([499]) عيون الأخبار ج1 ص322.
([500]) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للقاري ص469، واللآلي المصنوعة ج2 ص470، وراجع: الموضوعات لابن الجوزي ج1 ص42، ولسان الميزان ج4 ص422، وميزان الإعتدال ج3 ص338 والمجروحون ج1 ص66 وتاريخ الخلفاء ص275 والمنار المنيف ص107.
([501]) راجع: ربيع الأبرار ج1 ص675 ففيه أن الرشيد اعطى ابراهيم الموصلي مئة ألف لإحسانه في الغناء، وحسبك بعض ما أورده أبو الفرج في كتابه: الأغاني فراجعه.
([502]) راجع كتاب: حياة الإمام الرضا السياسية "عليه السلام" (للمؤلف) ص118 عن الأغاني (ط دار الكتب بالقاهرة) ج5 ص163.
([503]) راجع فيما ذكرناه كتاب: البحار ج19 ص106 و 115 و 116 و 75 و 76 و 64 عن روضة الكافي ص340، وإعلام الورى ص66 والخرائج والجرائح، وراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ ص35 وأمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83.
([504]) راجع إمتاع الأسماع ص48.
([505]) راجع البحار ج19 والبداية والنهاية ج3 ص197.
([506]) السيرة الحلبية ج2 ص53.
([507]) وفاء الوفاء ج1 ص250، والسيرة الحلبية ج2 ص55. عن ابن هشام وغير ذلك.
([508]) الآية 108 من سورة التوبة.
([509]) وفاء الوفاء ج1 ص250 والسيرة الحلبية ج2 ص55 وراجع: التراتيب الإدارية ج2 ص76.
([510]) مجمع الزوائد ج2 ص10 عن البزار، وحياة الصحابة ج3 ص112 عنه.
([511]) وفاء الوفاء ج1 ص251، وتاريخ الخميس ج1 ص338 وراجع تاريخ جرجان 144 لكن في العبارة سقط.
([512]) السيرة الحلبية ج2 ص59 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص68.
([513]) السيرة الحلبية ج2 ص9 و 12 و 59.
([514]) الإتقان ج1 ص37، والسيرة الحلبية ج2 ص59.
([515]) الإتقان ج1 ص13 و 11.
([516]) سيأتي ذلك مع مصادره في غزوة بني النضير، في فصل: القرار والحصار.
([517]) البحار ج19 ص106 عن إعلام الورى والسيرة الحلبية ج2 ص55 عن البخاري وراجع ص59 وعن مسلم: أنه أقام أربعة عشر يوماً وقيل غير ذلك.
([518]) البحار ج19 ص106 عن إعلام الورى، والسيرة الحلبية ج2 ص55 عن البخاري، وعن مسلم: أنه أقام 14 يوماً، وقيل غير ذلك.
([519]) راجع: البحار ج58 ص366، والمواهب اللدنية ج1 ص67، وتاريخ الخميس ج1 ص337.
([520]) راجع أدلته في البحار ج8 ص366 و 367.
([521]) تاريخ الخميس ج1 ص337. وثمة ما يشير إلى ذلك في المصادر التالية: السيرة الحلبية ج2 ص52، دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص498 و 499، البداية والنهاية ج3 ص186 وراجع السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص137.
([522]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص336 و 337، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص137، وصحيح البخاري ط سنة 1309 هـ. ج2 ص213، والسيرة الحلبية ج2 ص52.
([523]) تاريخ الخميس ج1 ص334 و 335، السيرة الحلبية ج2 ص49 ـ 55، دلائل النبوة ج 1 ص279.
([524]) المواهب اللدنية ج1 ص67، سيرة ابن هشام ج2 ص139، تاريخ الخميس ج1 ص339 والبحار ج8 ص367، ودلائل النبوة ج2 ص500.
([525]) الغدير ج7 ص258، عن مصادر كثيرة، السيرة الحلبية ج2 ص41، مسند أحمد ج3 ص287.
([526]) البحار ج19 ص121، وراجع: مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص185.
([527]) روضة الكافي ص339 و 340، والبحار ج19 ص116 عنه.
([528]) البدء والتاريخ ج4 ص178، ووفاء الوفاء ج1 ص265، والسيرة الحلبية ج2 ص64.
([529]) السيرة الحلبية ج2 ص64.
([530]) الإصابة ج2 ص320 عن أحمد وأصحاب السنن والإستيعاب بهامشها ج2 ص382 ومستدرك الحاكم ج3 ص13 وتلخيصه للذهبي نفس الصفحة.
([531]) البخاري هامش الفتح ج7 ص212 و 213 برواية ابن سلام نفسه، والإصابة ج2 ص321، والإستيعاب بهامشها ج2 ص382.
([532]) الآية10 من سورة الإحقاف، أسد الغابة في معرفة الصحابة ج3 ص176 صحيح البخاري هامش الفتح ج7 ص97 والإستيعاب هامش الإصابة ج2 ص383 عن بعض المفسرين، والدر المنثورج4 ص69 عن: أبي يعلى، وابن جرير، والحاكم، والنسائي، وابن المنذر، وابن مردويه، والترمذي، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن عساكر.
([533]) الآية 43 من سورة الرعد، الإصابة ج2 ص321، والإستيعاب بهامشه ج2 ص383، والدر المنثور ج4 ص69 عن: ابن مردويه، وابن جرير، وابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن المنذر.
([534]) الإصابة ج2 ص320.
([535]) الإصابة ج2 ص320 وفتح الباري ج7 ص97.
([536]) تهذيب التهذيب ج8 ص392 ـ 395.
([537]) تهذيب التهذيب ج2 ص394.
([538]) تهذيب التهذب ترجمة قيس ج8.
([539]) الكنى والألقاب ج1 ص314 و 315 وراجع: وفيات الأعيان ج6 ص395 و 396 و 400 و 401 وتاريخ الخلفاء ص348.
([540]) الكامل لابن الأثير ج7 ص55.
([541]) الكامل لابن الأثير ج7 ص55.
([542]) مناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي ص385 و 364، وأحمد بن حنبل والمحنة ص190، وحلية الأولياء ج9 ص209.
([543]) البداية والنهاية ج10 ص316.
([544]) للاطلاع على شطر من ذلك راجع كتاب: بحوث مع أهل السنة والسلفية.
([545]) راجع: الدر المنثور ج6 ص40 عن عبد بن حميد، وفتح الباري ج7 ص98، والإصابة ج3 ص471.
([546]) الدر المنثور ج4 ص69 عن مصادر كثيرة، وراجع: مشكل الآثار ج1 ص137.
([547]) مشكل الآثار ج1 ص137، وفيه أن سعيد بن جبير قد وافق الشعبي في نفي نزول الآية في ابن سلام، والدر المنثور ج4 ص69، وج6 ص39/40 عن ابن المنذر، ودلائل الصدق ج2 ص135 عنه، والميزان ج11 ص389.
([548]) الإستيعاب (هامش الإصابة) ج2 ص383، وفتح الباري ج7 ص98، والدر المنثور ج6 ص39 عن ابن جرير، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر.
([549]) مشكل الآثار ج1 ص139.
([550]) مشكل الآثار ج1 ص137 و 138، والإستيعاب هامش الإصابة ج2 ص383، والدر المنثور ج4 ص69 عن النحاس في ناسخه، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، ودلائل الصدق ج2 ص135 عن الدر المنثور، وغرائب القرآن للنيسابوري ج13 ص100 (مطبوع بهامش جامع البيان)، والإتقان ج1 ص12، وإحقاق الحق ج3 ص280 ـ 284، والجامع لأحكام القرآن ج9 ص336، وينابيع المودة ص104 و 103.
([551]) الدر المنثور ج4 ص69 عن عبد الرزاق، وابن المنذر عن الزهري.
([552]) راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص308 و310 و307، ومناقب ابن المغازلي الحديث رقم361، والخصائص ص26، وغاية المرام ص357 و 360 = = و 104 عن تفسير الثعلبي والحبري مخطوط، ودلائل الصدق ج2 ص135 عن ينابيع المودة ص102 ـ 105 ونقل عن أبي نعيم، وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص362 ـ 365 وج3 ص451 و 452 متنا وهامشا، وج3 ص280 ـ 285 متناً وهامشاً، وج20 ص75 ـ 77 عن العديد من المصادر، والعمدة لابن بطريق ص124، والجامع لأحكام القرآن ج9 ص336.
([553]) شواهد التنزيل ج1 ص310. وإحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص364.
([554]) راجع كتاب: حياة الإمام الرضا السياسية للمؤلف، فصل سياسة العباسيين ضد العلويين، ورسالة الخوارزمي لأهل نيسابور في مجموعة رسائل الخوارزمي.
([555]) ينابيع المودة ص104 وكتاب سليم بن قيس.
([556]) راجع: بالنسبة لعدم بيعته لعلي "عليه السلام": شرح النهج للمعتزلي ج4 ص9.
([557]) راجع: شيخ المضيرة، وأضواء على السنة المحمدية.
([558]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص190.
([559]) راجع أقواله في: المصنف للصنعاني ج11 ص444 و 445 و 446، وفي هامشه عن ابن سعد في طبقاته ج3 ص83، وحياة الصحابة ج3 ص540، ومجمع الزوائد ج9 ص92 و 93 وراجع الإصابة ج2 ص321.
([560]) راجع: الفتوح لابن أعثم ج2 ص223 و 224.