نور العين في مشهد الحسين (ع)
أبو اسحاق الاسفرايني
[ 1 ]
نور العين في مشهد الحسين رضي الله عنه تأليف الاستاذ ابي اسحق الاسفرايني ويليه قرة العين في اخذ ثار الحسين للامام عبد الله بن محمد طبع على نفقة التجانى المحمدى صاحب مطبعة ومكتبة المنار مطبعة المنار - تونس
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الحمد لله الذي خلق محمدا صلى الله عليه وسلم قبل خلق الاولين وجمله اواختتاره واصطفاه من سائر العالمين ، وجعله بشيرا ونذيرا وشافعا في خلفه اجمعين ، وفضله بالحمد على سائر الامم السابقين ، وجعله صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل المكرمين ، وجعل وفاته عبرة للمعتبرين ، واصطفى عترته واهل بيته وجعلهم خير الاولين والاخرين ، وجعلهم طاهرين فاخرين ، ورضى الله عن الصحابة السادة الراشدين ، وجعل من احبه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه وعمل بسنته يوم القيامة من الفائزين ، ومن خلفه أو ابغضه أو ابغض احدا من اله واصحابه وعترته من الخاسرين ، وجعل من ابغض اولاده من الهالكين ، واوعد قاتل اولاد ابنته بالوعد المبين ، واوعدهم يوم القيامة بالحسرة والندامة والعذاب المهين . (حمده) سبحانه وتعالى واشكره على ما هدانا الى الصراط المستببن ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من العذاب المبين ، واشهد ان سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الصادق الوعد الامين ، صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وازواجه وذريته واهل بيته صلاة وسلاما دائمين متلازمين الى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا امين . (اما بعد) فيقول الامام العالم العلامة أبو اسحق الاسفرايني : انه طلب مني ان اروى ما ورد في مصرع الحسين رضى الله تعالى عنه فالفت هذا الكتاب " وسميته .
[ 3 ]
نور العين في مشهد الحسين روي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال . خبر القرون القرن الذين راوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وامنوا به لقوله تعالى (كنتم خير امة اخرجت للناس) وقيل المراد بذلك جميع القرون ، اي كنتم في الاول خير امة اخرجت للناس . ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " قال محمد بن حسين فلا ادري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا ، وقبد المصنف رحمه الله تعالى الخبرية بالايمان لانه متعين لان كثيرا من الكفار كانوا في القرن الاول الذين راوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تنفعهم رؤيتهم له صلى الله عليه وسلم لعدم ايمانهم به . واختلف في القرن ما هو ؟ فقيل المراد به الجيل واختاره بعض العلماء ، فالقرن الاول الصحابة حتى ينقرضوا ، والثاني التابعون حتى ينقرضوا والثالث تابعوا التابعين حتى ينفرضوا ، وقيل المراد به السنون ، واختلف في تحديده والاصح انه مائة سنة ، واختلف هل ما بعد القرون الممدوحة سواء أو يتفاضلون ؟ قولان فان قيل ما ذكرتموه من بفضيلا القرن الاول يعارضه ما روى باسناد روانه ثقات انهم سالوا النبي صلى الله عليه وسلم هل احد خبر منا ؟ قال " قوم يجيئون بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين يؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني ويصدقون بما جئت به ويعملون بما فيه فهم خير منكم قبل انه لا يلزم من تفضيلهم من جهة من الجهات تفضيلهم مطلقا ، ومما يجب اعتقاده قطعا وظنا ان افضل هذه الامة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحابي من لقى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ثم مات على الاسلام ، والصحابة كلهم عدول (قال الرواي) رحمه الله تعالى قال ابن عباس رضي الله عنهما ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وستون سنة وولى الخلافة بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو اول الصحابة اسلاما على ما في الصحيح ، وافضل الصحابة رضي الله عنهم
[ 4 ]
اهل الحديبية رضي الله عنهم وافضلهم اهل بدر وافضلهم العشرة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، سعيد وعبد الرحمن بن عوف ! وابو عبيدة عامر بن الجراح ، رضى الله عنهم ، وافضلهم الخلفاء الاربعة سموا خلفاء لانهم خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحكام والخلفاء الاربعة متفاوتون في الفضيلة فافضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لانه ولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وقيل وثلاثة اشهر ، ومات وسنه كسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يليه في الفضيلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لانه ولى بعده الخلافة باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته عشرة اعوام وتوفى وسنه كسن ابي بكر رضي الله عنه ، ثم يليه في الفضيلة عثمان بن عفان رضي الله عنه لانه ولى الخلافة بعده باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته ثلاث عشرة سنة ثم قتل ظلما رضي الله عنه ، ثم يليه في الفضيلة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه لانه ولى الخلافة بعده باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته اربعة اعوام وقيل خمسة اعوام وقتل بالكوفة والقاتل له عبد الرحمن بن ملجم ، ودفن في محراب مسجدها رضي الله عنهم ونفعنا به اجمعين ، وقد اشار النبي صلى الله عليه وسلم الى مدة خلافتهم بقوله " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا " ثم بعد وفاة علي رضي الله عنه ولى الخلافة بعده معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه وقال بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان ولى الخلافة بعد علي رضي الله عنه بعد انقضاء الثلاثين سنة انا اول الملوك . والواجب ان لا يذكر احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا باحسن ذكر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ذكر اصحابي فامسكوا " يعني يجب الامساك عما وقع بينهم من النزاع والقتال وغير ذلك . (قال الراوي) ثم ان معاوية رضي الله عنه لما تولى المملكة بعد وفاته علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فعد مدة من الزمن وهو مكرم لال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبني هاشم جميعا خصوصا الحسين واخوته وقرابته
[ 5 ]
واهل بيته وكان عليهم اشفق من والدهم ، ثم انه بعد مدة اقام له نائبا في مملكته يحكم في المدينة المشرفة باذنه ، ثم انه امر بالشروع في تجهيز الذخائر سريعا فجهزت ثم ارتحل بعساكره وجنوده واخذ معه الحسين واخوته واولاده واولاد اخيه وجميع عشيرته وقرابته وارتحل بهم جميعا واتى الى ناحية دمشق بارض الشام ونزل بها وصار بها خليفة وحكمه سار في جميع بلاد الاسلام والحسين واخوته واولاده واولاد اخوته وجميع قرابته رجالا ونساء كبارا وصغارا عنده في دمشق المحروسة يكرمهم غاية الاكرام ويوصى بهم غاية الوصية التامة مدة من الليالي والايام ولا يد عنده فوق يد الحسن ولا امر فوق امره عنده ، وكان يصرف عليه قبل جميع العسكر ويركبون معه وينزلون معه وجلوس الحسين الى جانبه على كرسيه في مدة من الايام ، ثم بعد مدة من الزمان مرض معاوية رضي الله عنه مرضا شديدا وايقن بالموت فلما اشتد به المرض ارسل الى ولده يزيد فحضر بين يديه وقال له ما بالك يا والدي ؟ فقال له احلس فجلس عنده فقال له يزيد يا ولدي اعلم ان لكل اجل كتابا " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء اجلها ، وكل نفس ذائقة الموت " واعلم يا بني اني ايقنت بالموت وقد حان حين وفاتي وحضرتني الوفاة والامر كله يا بني لله فقال له يزيد يا ابت ومن يكون الخليفة من بعدك فقال له يا يزيد انت الخليفة ولكن اسمع مني ما اقول والله على ما نقول وكيل : اوصيك بالعدل في رعيتك وفي جميع الناس لان الملوك يا بني موقوفون في الحساب بين يدي الله تعالى على جسر بين الجنة والنار فيدخل الله الجنة من يشاء بحكمه وعدله أو يوقعه في النار بجوره وظلمه وانت يا بني اجعل الناس بين يديك على ثلاثة اقسام الكبير منهم في مقام والدك والصغير منهم بمنزلة ولدك والمتوسط منهم بمنزلة اخيك واعدل يا بني في رعيتك العدل الكامل واتق الله تعالى في جميع الامور واخش الله تعالى يا بني يوم البعث والنشور إذا بعث من في القبور وحصل ما في الصدور ، واوصيك يا بني بالحسين واولاده
[ 6 ]
واخوته واولاد اخوته وجميع عشيرته وجميع بني هاشم الوصية التامة ويا يزيد لا تفعل في الرعيته شيئا حتى تشاور الحسين ولا امر عندك فوق امره ولا يد عندك فوق يده لا تأكل حتى ياكل هو ولا تشرب يا بني حتى يشرب هو واهل بيته ولا تنفق على احد من جميع عسكرك واهل بيتك حتى تنفق عليه وعلى اهل بيته ولا تكس احدا حتى تكسوه هو واهل بيته جميعا ، واوصيك ييا بني به وباهله وعشيرته وبني هاشم جميعا الوصية التامة لان الخلافة يا بني ليست لنا وانما هي لا ولابيه وجده من قبله ولاهل بيته من بعده ولا تستخلف يا يزيد الا مدة يسيرة حتى يبلغ الحسن مبالغ الرجال ويمضي الى مكة في احسن حال ويكون هو الخليفة أو من يشاء من اهل بيته وترجع الخلافة الى اهلها لاننا يا بني ليس لنا خلافة بل نحن عبيد له ولابيه وجده صلى الله عليه وسلم ولا تنفق يا ولدي نفقة لا وللحسين نصفها واحذر يا ولدي من غضبه عليك فانه ان غضب عليك يغضب عليك الله ورسوله فان جده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشفيع يوم القيامة في الاولين والاخرين وله الشفاعة العظمى في الانس والجن اجمعين وابوه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه هو الساقي على الحوض يوم القيامة ولواء الحمد بيده وامه فاطمة الزهراء رضي الله عنها هي سيدة النساء وجدته خديجة الكبرى وهم الذين اظهروا الدين وهدانا الله بهم الى الصراط المستبين فاحذر يا ابني من غضبهم ، فان بغضبهم يغضب الله عليك ورسوله ، واستوص يا بني بالحسين واهل بيته الوصيته التامة وارضه ولا تفرط فيه ولا في احد من اهله ولا من قرابته ولا من بني هاشم كرامة لابيه وجده . واعلم يا بني انك ان فرطت فيه أو اغضبته هو أو احدا من اهل بيته أو قرابته أو عشيرته أو من بني هاشم جميعا اكون بريئا منك في الدنيا والاخرة وتحشر مع المجرمين في نار جهنم يوم القيامة فقال له يا ابت سمعا وطاعة لك ولقولك في جميع ما تأمرني به (قال الروي) ثم ان معاوية رضى الله عنه بعد ان
[ 7 ]
اوصى ابنه يزيد هذه الوصية على الحسين واهل بيته حضرته الوفاة فقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وبسط اليسار وقبض اليمين فصعدت روحه الى رب العالمين ومات رحمة الله تعالى عليهءامبن فجهزه ولده يزيد وغسله وكفنه ودفنه واتت المعزون من كل جانب ومكان فلم بزل يزيد باخذ عزاء والده مدة ، ثم انه خلع ثياب الاحزان وليس ثياب الفرح والسرور وقعد على كرسي مملكته وادار كاسات الخمور واعطى وانفق على جميع عشيرته واقام الحكم في رعيته ، ثم انه صار يتفق على عسكره ويعطي اعيان دولته واهدى إليه سائر الملوك الهدايا والانعام واتته سائر بلاد الشام والاروام وغيرها بالطاعة والاكرام ورتب المراتب واعطى العطايا واولم الولائم واعطى جميع عساكره وجنده الا الحسين واهل بيته فانه لم يعطهم شيئا وجميع رواتب والده التي كان مرتبها لهم قطعها في مدة ولايته وصار لم يعطهم ولم يخرج لهم من بيت المال شيئا من يوم مات والده معاوية وتمرد على الحسين وقسا قلبه عليه ولم ينظر إليه وضاعت وصية والده عليه وصار لا يذكر الحسين ولا احدا من اهل بيته ولا قرابته على لسانه ولا في مجلسه ومن ذكره في مجلسه مقته ونهره وطرده من عنده ، قال فلما راى الحسين ذلك من يزيد اتى الى اخته سكينة ودموعه جارية وقال لها يا اختي امض بنا الى مكه أو المدينة وحكى لها جميع ما هو ناظره من يزيد واحواله من قساوة قلبه وتغير حاله وعدم عمله بوصية ابيه عليهم فقالت يا اخي نعم لا مقام لنا عنده ولكن الراي ان تستأذنه ونمضي الى حال سبيلنا فقال لها يا اختي نعم الراي . (قال الراوي) ثم ان الحسين رضي الله عنه نهض من وقته واتى بدواة وقرطاس وقلم من نحاس وكتب الى يزيد مكتوبا يقول فيه اعلم يا يزيد اني قد عزمت على الرحيل الى مكة والاقامة فيها أو في المدينة لان فيها ديار ابي وجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فان اذنت لي بالرحيل رحلت وان اذنت لي بالمقام اقمت ثم انه طواه ، وارسله الى يزيد فلما وصل إليه قراه
[ 8 ]
وفهم معناه فكتب في ظهره يقول للحسين انك تستأذن وتقول امضي الى مكة أو المدينة وتطلب اذني فانا لا اذن لك بمسير ولا باقامة فان اقمت قبمرادك وان رحلت فبمرادك ، واما انا فلو كان عندي ملء الارض ذهبا لم اعطيك انت ومن معك درهما واحدا ولا بقي لك عندي الا الهم والغم فاني صرت لا اجد لك ولا لاحد من اهل بيتك محبة ولا شفقة مثقال ذرة وارحل باهلك وانزل بهم في جانب المدينة أو مكة ولا عدت تسكن في بيتي ولا اراك بعيني بل ارحل الى اي محل اعجبك ثم طوى الكتاب وارسله الى الحسين ، فلما وصل إليه قراه وفهم معناه فاتى الى اخته سكينة واعلمها بما كتبه له يزيد في الكتاب وقراه عليها فقالت له يا اخي ارحل بنا من عنده فالله تعالى ارحم بنا منه ومن غيره ، فقام الحسين من وقته وساعته وجهز حاله واخذ اهله واولاده وجميع عشيرته وركبوا وخرجوا من دمشق وسار بهم الحسين قاصدا الى مكة أو المدينة ولم يزل بسير بهم في البراري والقفار والسهول والاوعار الى ان اتى المدينة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بهم الى دار ابيه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فلاقاه اخوه محمد بن الحنفية لانه لم يخرج منها بل اقام فيها وسلم عليه وعلى من معه وحياهم وانزلهم عنده في احسن منزل واكرمهم غاية الاكرام ، ثم انهم اتوا الى قبر جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاروه وتمتعوا بانواره واتى إليهم جميع اهل المدينة وسلموا عليهم وهنوهم بالسلامة واكرموهم غاية الاكرام ، ثم ان الحسين رضي الله عن اقام ذلك النهار باهله وعشيرته الى ان دخل الليل وكل منهم قد نام فجلس الحسين مع اخيه محمد وحكى له ما جرى من يزيد بن معاوية وعن وصيته عليهم وانه لم يعمل بشئ منها وحكى له عن الكتاب وما جرى فيه فقال يا اخي ما عليك منه ولا من امره فاقم ههنا انت واصحابك وعشيرتك أو انزل الى مكة المشرفة في حرم الله تعالى فانها اقرب الى رحمة الله من جميع البلاد ولك فيها دارك واخوانك واصحابك واحبابك لاننا ما تربينا الا هنا وفيها وهي
[ 9 ]
محل وطننا ومحلء ابائنا واجدادنا من قبلنا وان الخلافة يا اخي ليست ليزيد ولا لابائه " وانما هي لنا ولابائنا ولاجدادنا من قبلنا فان شئنا اخذناها وان شئنا تركناها وتركها خير لنا منها فقال له الحسين نعم هذا الراي السديد ولا نقيم ان شاء الله تعالى الا في مكة ، ثم انه رضي الله عنه اقام بالمدينة مده يسيرة وعزم على الرحيل فودعه اخوه واهل المدينة ثم حمل جميع امتعته وسافر باهله وعشيرته ولم يزل سائرا بهم الى ان اتوا مكة المشرفة وبلغ الخبر اهلها فخرجوا جميعا ومقدمهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ولا قاهم هو ومن معه وفرحوا بهم وهنوهم بالسلامة وكان عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه خليفة مكة حينئد وهو اخو الحسن من الرضاعة وبعد ان لا قاه وسلم عليه وعلى جميع عشيرته ادخلهم داره وانزلهم احسن منزل واكرمهم غاية الاكرام وعمل لهم وليمة عظيمة ليلة دخولهم كفى بها جميع اهل مكة ، ثم انه جلس هو والحسين وتحدثوا وحكى له الحسين ما جرى له من يزيد في حقه من التقصير ووصية ابيه عليهم وعدم العمل بها واخبره بما قاله يزيد في الكتاب فقال له عبد الله بن الزبير يا ابا عبد الله انت الخليفة الان ها هنا وانا من اصحابك فان الخلافة لابيك ولجدك من قبلك وانت اولى بها مني ومن يزيد وغيره وان طلبت حربه خرجت ان واياك الى حربه فقال له الحسين وتربة جدي صلى الله عليه وسلم لا اكون خليفة يا عبد الله ولا اريد خلافة ولا اريد الا ان اسكن بمكة في داري بعشيرتي الى ان اموت كما كان جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنا بها وارعى اهلي وعشيرتي اشبع يوما واجوع . ثلاثا حتى تنقضي مدتي ، فقال له عبد الله بن الزبير يا ابا عبد الله يا ابن بنت رسول الله حاشاك وحاشا اهل بيتك من الجوع مالك الا راحتك وراحة اهل بيتك وجميع عشيرتك واقاربك وبني هاشم جميعا اكراما لك ولابيك وجدك صلى الله عليه وسلم ولا آكل الا ان اكلت انت واهل بيتك ولا اشرب الا ان شربت اتت واهل بيتك ولا انفق الا ان انفقت عليك وعلى اهل بيتك
[ 10 ]
واعلم يا ابا عبد الله ان لا امر عندي فوق امرك ولا يد عندي فوق يدك وما تريد فعله فعلته وما لا تريده لا افعله فدعا له الحسين رضي الله عنه ثم بعد مدة ارتحل من عنده ونزل باهله وعشيرته في داره واقام فيها مدة من الزمان وعبد الله بن الزبير يرعاه ويكرمه ويجري له ولاهل بيته جميع ما رتبه على نفسه وصارت كلمته عنده مسموعة وقيمته بين الخلق مرفوعة دون غيره وجميع اهل مكة تراعي الحسين واهل بيته وياتونهم بالهدايا والانعام واكرموهم غاية الاكرام (قال الراوي) هذا ما كان من امر الحسين واهله وعشيرته ونزولهم في ارض مكة المشرفة . واما ما كان من امر يزيد بن معاوية فانه اقام بدمشق الشام خليفة مكان ابيه واطاعه جميع العربان واهدى له جميع الملوك الهدايا من سائر الاقطار والبلدان ودخل تحت طاعته جميع العباد وطغى وتجبر وعم ظلمه سائر الماكن والبلاد وصار يقتل الانفس وينهب الاموال ويسلبها وظهر منه الجور والظلم في سائر الافعال وولى على البصرة والكوفة والعراق جميعا رجلا من جيشه يقال له عبيد الله بن زياد ، وقد كان ابن زياد اظلم واطغى من يزيد فنزل البصرة بعسكره واقام بالكوفة نائبا يحكم من تحت امره واقام هو بالبصرة بالظلم والجور وقتل النفس ونهب الاموال وقتل جميع الرجال والابطال وعم ظلمه سائر العباد ، فلما راى اهل العراق ذلك من عبيد الله بن زياد وظلمه وفعل يزيد بن معاوية وظلمه وجوره في حكمه عظم ذلك عليهم وكبر لديهم قاتوا الى كبرائهم وامرائهم واجتمعوا وقالوا هذا حكم ليس نرضى به والرى ان يتفق على امر من الامور فما تقولون ؟ فقال بعضهم لبعض نحن نكتب للحسين بن علي كرم الله وجهه ان ياتي وياخذ الخلافة لانها ليست ليزيد ولا لابيه وانما هي للحسين وابيه وجده من قبله ونحن نخرج معه الى حرب يزيد لانه عارف بالله وهو من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل العدل والايمان ولا يرضى بالظلم والجور والبهتان وهو احسن البنا من يزيد وغيره . وانفقوا على ذلك وكتبوا للحسين كتابا وذكروا فيه : اعلم
[ 11 ]
يا ابا عبد الله ان يزيد جار علينا وتجبر على سائر البلاد وعم ظلمه وجوره سائر العباد وارسل لنا رجلا من عسكره يحكم فينا يقال له عبيد الله بن زياد وهو اظلم واطغى منه على سائر العباد وان الخلافة ليست ليزيد ولا لابيه بل هي لك ولابيك وجدك فنروم حين وصول الكتاب اليك ان تحضر وتاخذ الخلافة علينا ونحن نركب معك ونساعدك على حرب يزيد وجنوده وتاخذ الخلافة فانت اولى بها منه واعدل لنا منه وانت صاحب العدل ولا تتأخر الا مسافة الطريق (قال الراوي) ثم انهم طووا الكتاب وارسلوه صحبته رجل من اهل الكوفة فاخذه وسار به من عندهم ولم يزل يجد في السير الى ان دخل مكة الشرفة واتى الى دار الحسين رضي الله عنه فوجده فيها فاستاذنه في الدخول فاذن له وسلم عليه وقبل يديه واخرج الكتاب وناوله له رضي الله عنه فاخذه وقراه وفهم معناه فلما عرف ما فيه رماه من يده وطرد الرسول ولم يرد له جوابا ولم يبدله خطابا فذهب رسول اهل الكوفة خائبا ولم يزل سائرا الى ان اتى اهل الكوفة وحكى لهم ما جرى له مع الحسين وانه لم يلتفت إليه ولا رد له جوابا ولم يبدله خطابا فارسلوا له ثانيا وثالثا ورابعا وهو لا يلتفت الى ذلك بل انه لا يفارق الحرم طول نهاره صائما وطول ليله قائما معكفا على عبادة الله تعالى وازداد طوافه حول البيت العتيق وركوعه وسجوده في الحرم على التحقيق وصار اهل الكوفة والعراق يرسلون له المكاتيب ان يحضر وياخذ الخلافة . فما مضى عليه سنة في مكة حتى اجتمع عنده من اهل العراق والكوفة نحو الف كتاب وكل منهم يقول احضر عندنا يا ابا عبد الله ونحن نساعدك عليه وتاخذ خلافة ابيك وجدك منه وهو لا يلتفت الى شئ من ذلك بل يقول اني لا اخرج من مكة ولا ابرح عنها حتى تنقضي مدتي واموت فيها ولا لي حاجة الى الخلافة ولا بظلم العباد وحاشاه من الظلم والجور فانه ليس اهلا لذلك وانما هو اهل عدل وصلاح (قال الراوي) فبينما الحسين رضي الله عنه جالس في بيته وما من الايام وإذا بفارس من الكوفة اتى
[ 12 ]
الى بابه فطرقه فقال الحسين رضي الله عنه من بالباب فقال له الرسول يا ابا عبد الله فاذن له بالدخول فدخل عليه وسلم عليه وقبل بديه واخرج الكتاب وناوله له فاخذه وقراه وفهم معناه فإذا هو من اهل الكوفة يقولون فيه يكون في عليك يا حسين يا ابن بنت رسول الله ان يزيد بن معاوية ظلم وجار وقتل الرجال ونهب الاموال وطغى وتمرد وولى علينا رجلا اسمه عبيد الله بن زياد بن مرجانه وهو ظالم جبار ومعتد غدار ، وقد عم ظلمه سائر الاقطار بامر بالمنكر وينهي عن المعروف ويشرب الخمر بيننا ولا يخشى الله وافشى القبائح في جميع البلاد واظهر الظلم والجوو في العباد وقتل الرجال ونهب الاموال ولم يراقب الله في شئ من الاشياه ، واخفى العدل في الرعية واظهر الظلم والجور بالكلية واننا قد ارسلنا الينك يا ابا عبد الله سابقا نحو الف كتاب نطلبك ان تحضر عندنا ونحن نساعدك على يزيد ونقتله وتاخذ خلافة ابيك وجدك وتتولى علينا انت أو احد من اهل بيتك . ونسالك بحق جدك المصطفى صلى الله عليه وسلم ان تحضر عندنا ونحن نساعدك على يزيد وتاخذ الخلافة وان لم تحضر قفي غد بين يدي الله سبحانه وتعالى خاصمناك ونقول يا ربنا ظلمنا الحسين ورضي فينا بالظلم والجور في القضاء والحكم وجميع الخلائق يقولون ربنا خلص حقنا من الحسين فماذا تقول وما جوابك الذي تقوله لله ونتخلص به من حقوق خلق الله (قال الراوي) فلما قرا الحسين رضي الله عنه المكتوب اقشعر جلده خوفا من الله وتقطعت احشؤه على ظلم خلق الله واقسامه عليه بجده رسول الله ، فقام من وقته وساعته قائما على قدميه ودموعه تجري على خديه واتى بدواة وقرطاس وقلم من نحاس وكتب الى اهل الكوفة والعراق : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عند الحسين بن علي بن ابي طالب الى اهل الكوفة والعراق اعلمكم انكم ارسلتم لنا الف كتاب ونحن ما نلتفت إليها وانا ما مرادي الا الجوار بكعبه الله اقيم فيها الى انقضاء الاجل والان ظهر منه الشكوى من ظلم يزيد
[ 13 ]
وغيره واني حاضر اليكم عن قريب ان شاء الله والواصل لكم مسلم بن عقيل يكتابي وهو يصلي بكم في مسجد الكوفة ويقضي بينكم والنعمان يحكم بينكم الى ان احضر لكم (قال الراوي) وكان النعمان من اكابر اهل الكوفة وصاحب جنود وعساكر وسعة ومن يكون خليفة في الكوفة يكون من تحت يده وهو محب لال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ان الحسين طوى الكتاب ودعا بمسلم بن عقيل فحضر لديه فسلمه الكتاب وامره ان يسير الى الكوفة مع رسول اهلها وان يصلى بهم ويقضى بينهم بالحق والنعمان يحكم قيهم فاجابه مسلم بالسمع والطاعة وجهز حاله وسار مع رسول اهل الكوفة . ولم يزل هو والرسول يحدان في المسير الى ان اتيا الى الكوفة ودخلاها فسلم عليهما اهلها وقالوا لرسولهم ما الخبر ؟ فاخبر هم الحسين قادم عن قريب وانه ارسل معى مسلم بن عقيل يخطب لكم الجمعة ويصلي بكم وارسل للنعمان ان يحكم بينكم الى ان يحضر ، ففرحوا بذلك غاية الفرح وكل احد منهم صدره قد انشرح وفرحوا بمسلم غاية الفرح واكرموه غاية الاكرام وانزلوه عندهم في احسن منزلة ومقام ، ثم لما اصبح الله بالصباح مضى الى النعمان في دار الامارة وسلم عليه واعطاه الكتاب فاخذه ورفعه فوق راسه ثم قراه وفهم معناه فقال سمعا وطاعه تحت رعية ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حينئذ يحكم في الكوفة من تحت امر يزيد بن معاوية وقال والله ان الحسين اولى بالخلافة من سائر الناس وانه صاحب العدل ثم بايع الناس للحسين فدخلوا في بيعته وصار يحكم فيهم ومسلم يصلي بهم ويخطب ويقضي بينهم وانقادوا جميعا ودخلوا في بيعة الحسين وحكم النعمان وقضاء مسلم (قال الراوي) هذا ما كان من امر هؤلاء واما ما كان من امر الحسين رضي الله عنه فبعدان سافر من عنده مسلم مع رسول الله اهل الكوفة بكتابه نهض من وقته وساعته واتى الى اخته سكينة واخبرها بما جرى لاهل الكوفة والعراق من ظلم يزيد وعبيد الله بن زياد ومكاتبتهم في شان ذلك واخبرها بالكتاب الاخير وما كتبوا فيه واخبرها ايضا بارسال مسلم يصلى
[ 14 ]
بهم ويقضى بينهم النعمان ويحكم فيهم الى ان حضر عندهم ثم قال لها قومي وجهزي لنا ما يلزم للرحيل وانهضى بنا يا اختى الى التحويل ، فلما سمعت اخته منه هذا الكلام ودموعه على خده سجام وذلك مما حل باهل الكوفة والعراق من الجور والظلم في الاحكام فاض دمعها على خدها وقالت له يا اخى لا ابكى الله لك عينا الا من خشيته يا اخى هذا ما هو اوان سفر ونحن متهيئون وقادم علينا شهر المحرم فنريد ان نحضر عاشوراء في بيت الله الحرام وكان ذلك اليوم ثاني عشر ذي القعدة الحرام وقالت له ايضا يا اخي اقم بنا هنا الى ان نقف بعرفة ثم نحضر يوم النحر ونحضر عاشوراء بالبيت الحرام وايضا اني تفاءلت من سفرنا في هذه الاشهر الحرم بما سمعته من جدي عليه الصلاة والسلام يقول " يبرق دم الحسين في المحرم الحرام " فاصبر يا اخي الى ان يفوت محرم هذا العام لكى يطمئن قلبي من اعدائك اللئام فقال لها يا اختي وانا سمعت هذا القول من جدي عليه الصلاة والسلام ولكن لا فائدة في الكلام لان اهل الكوفة والعراق حلفوني بالله وبابي وجدي ان احضر في هذا العام وان لم احضر يخاصموني بين يدي الله يوم الزحام فماذا اقول لهم بين يدي الملك العلام ؟ ولعله يكون في محرم غير محرم هذا العام ولعله يكون حسين غيري تصديقا لجدي عليه السلام وإذا كنت انا فماذا بيدي في المقدور ؟ قومي وجهزي حالنا ونتوكل على الله في كل الامور فقالت له ياخي اصبر على ساعة حتى ارى امارة عندي تدل على هراق دمك وقد جاء بها جبريل من ربه فقال لها وما الامارة يا اختي ؟ فقالت له يا اخي ان الامين جبريل عليه السلام اتى الى جدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقبضة من تراب ابيض وقال له يا محمد خذ هذا التراب منه خلق ابنك الحسين وعليه يهرق دمه ولما يقرب اوان قتله يصير هذا التراب احمر والدم منه يقطر فاخذ التراب جدك يا اخي من جبريل واعطاه لفاطمه الزهراء فاخذته منها واصطحبته ذخيرة عندي فاصبر علي حتى انظره ! هو على حاله ام تغير لونه وقامت من وقتها وساعته واتت الى
[ 15 ]
التراب واخرجته من صرة كانت عندها وفتحتها فراته كالعقيق الاحمر والدم منه بقطر فاتت به الى الحسين رضي الله عنه وقالت له انظر الى التراب يا ابا عبد الله فلما راه قال لا حول ولا قوة الا بالله ، انا لله وانا إليه راجعون ، ولكن يا اختي ان كان هذا الامر قد سبق لي من القدم فماذا يكون العمل ولا بد لي منه والامر كله لله فتوجهي بنا الى المسير ولله عز وجل المشيئة والتدبير ، فعسر ذلك على اخته سكينة وقامت على قدميها ودموعها تجري على خديها وانشدت تقول : الا ان شوقي في الفؤاد تحكما * ودمعي جرى يحكي من الوجد عندما ولما تهيا للمسير ركابهم * فقلت لعيني ابدلي الدمع بالدما فان عاد لي يا عين كان لك الهنا * وان طال بنى الابعاد بشرت بالعمى ايا قلب لا تنس الوداد الذي جرى * فايامنا كانت بها العيش منعما وغادرنا سهم الفراق اصابنا * وجرعنا كاس التفرق علقما ايا حادي الركبان في غسق الدجى * ويا قاطع البيداء والليل اظلما إذا ما وصلت اليوم دار احبتي * فاقرئهم مني السلام وكلما (قال الراوي) ثم ان سكينة لما فرغت من شعرها قامت وعمدت الى عبد الله بن الزبير واخبرته بما جرى من الحسين وانه عازم على السفر الى الكوفة والعراق وقالت له على التراب وامارته فعسر ذلك عليه وشغلت خاطره وصعب الامر لديه واحتار فكره وقام من وقته وساعته وانى الى الحسين وقال له يا اخى دع ما عزمت عليه من المسير واقم عندي في مكة حتى يهون الله عليك كل امر عسير فمالك بالعراق والكوفة وقلوبنا عليك بالاشواق ملهوفة ، فان كنت تريد الخلافة فخذ علينا عهدا وميثاقا انك من هذا اليوم خليفة وان احد نازعك مثل يزيد أو غير غيره حاربناه وتطيع لك جميع العباد وتدخل تحت امرك جميع البلاد وتخمد نيران اعدائك والحساد ، فابي الحسين ذلك وقال له يا اخي والله وتربة جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد لي من المسير ودع ما انت فيه من الوجد
[ 16 ]
والتحيبر واهتم الحسين من ساعته واخرج الجمال وحمل عليها الاحمال واركب عليها جميع النساء والاطفال وركب وسار وسارت معه عشيرته الابطال وخرج من مكة ومعه سبعة عشر ذكرا من اهل بيته وهم اولاده واخوته واولاد اخوته واولاد اعمامه وستون رجلا من اصحابه منهم الفارس ومنهم الراجل وسار الجميع بنسائهم وعيالهم مع الحسين قاصدين مدينة الرسول ثم الى الكوفة والعراق وساروا يجدون معه في الافاق . وكان الحسين رضي الله عنه راكبا جواد ابيه الميمون وهم سائرون الى ان اتوا الى بيت الله الحرام وودعوا الكعبة واهلهم وخرجوا وقد سار امامهم عبد الله بن الزبير وهو يقول له خذني معك الى الكوفة والعراق وانا آخذ معي الفي بطل شجعانا فقال له الحسين يا اخي لا حاجة لي بذلك ولا يسير معي غير هؤلاء السبعة والسبعين فارسا من قرابتي واخوتي حتى انظر حال اهل الكوفة والعراق بعون الكريم الخلاق ، ارجع يا اخي من هنا باصحابك واخوتك ، ولما ان خرج من باب مكة ودعه الحسين هو واهل مكة وحلف عليه ان يرجع هو واياهم فرجع عبد الله بن الزبير وهو يبكي بدمع غزير وقلبه على الحسين في غاية التكدير ومن عظم ما به انشد يقول : ترحلتم عني وانتم احبتي * وخلفتمونى في الديار رهينا تركتم عيوني لا تمل من البكا * لفقدكم صار الفؤاد حزينا ايا غائبا عنا ملكت فؤادنا * واسقيتنا كاس الفراق بقينا وصار فؤادي الفراق معذبا * يذوب من الهجران ليس مكينا احاط بنا الهجران والصد والجفا * ففي القلب نار من فراق المحبينا عسى من قضى بالبعد بيني وبينكم * يجمعنا لو كان بعد سنينا اجود بروحي للبشير وانني * عيوني ودمعى مع الفؤاد رهينا سمحت بروحي فانعموا لي بوصلكم * فاني على الاصرار صرت امينا (قال الراوي) ورجع عبد الله بن الزبير وهو يبكي دما على سفر الحسين هو وقرابته وعشيرته الى الكوفة والعراق : ثم ان الحسين لم يزل سائرا هو
[ 17 ]
ومن دمعه الى ان دخلوا مدينة يثرب واتوا الى ضريح جدهم وزاروه وتمتعوا بانواره ، ثم اتوا الى دار محمد بن الحنفية وقد كان مريضا فدخلوا وسلموا عليه فقال محمد يا اخي يا حسين اني انظر معك الحريم والاطفال والفرسان والرجال فقال محمد يا اخي يا حسين اني انطر معك الحريم والاطفال والفرسان والرجال فما يكون الخبر فقال له يا اخي نريد الكوفة والعراق واخبره انهم ارسلوا إليه نحو الف كتاب يطلبونه خليفة ، فبكى محمد بن الحنفية بكاء شديدا وقال يا اخي مالك بالكوفة والعراق فان احوالهم كلها نفاق ولا لهم رافة قد ضرب المثل في حقهم " الكوفي لا يوفي ، واهل العراق لا تطق " وهم يا اخى قوم غدروا بابيك واثنوا باخيك فما لنا بهم حاجة ، اقم هنا يا اخى في حرم جدك وفي دار ابيك أو في داري أو في اي ما تختار من المنازل الاخيار ولا تسر الى دار الفجار ، وارجع الى مكة المشرفة بين اهلك وجنودك وعشيرتك فنهم يا اخي تصبر قيمنك مرفوعة وكلمتك بينهم مسموعه ، وانرك يا اخي مسرك الى الكوفة والعراق لان قلوبنا من فعلهم في عظيم احتراق فقال له الحسن يا اخي دع عنك هذا القول كم ارسلوا من رسول وطلبوني للحضور ووعدوني بنزع الخلافة من يزيد وقالوا ان لم تحضر وتنفدنا من جور هذا الرجل والا خاصمناك غدا بين يدي الله يوم لا تجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق ، فماذا اقول لهم يا اخي فلابد لي من المسير ولله عز وجل المشيئة والتدبير ، فعسر ذلك على محمد بن الحنفية وبكى بكاء شديدا وقال يا اخي اقم هنا حتى باذن الله وشفني من مرضي واسير معك وانظر ما يجري وافديك بنفسي ، فاى الحسين ذلك وقال لابد لي من المسير ولا حاجة لي باحد غير هؤلاء السبعة والسبعين الذين معى وهم من قرابي واخوتي ، فبكى اخوه بكاء شديدا وجعل يقول : ولما تبدت للرحيل جمالهم * وحدا بها الحادي ففاضت مدامعي فقلت الهي كن عليه خليفة * فيارب ما خابت لديك الودائع فقال بلى والله ما من مسافر * يسير ويدري ما به الدهر صائع
[ 18 ]
عسى من قضى بالعبد بيني وبينكم * يجمعنا والقلب في ذاك طامع مضوا واختفوا عني صرت بحسرتي انوح وابكي بعد ما القلب هاجع رعى الله اياما تقضت بقربهم * وحيا زمانا وهو للشمل جامع لقد ضاق صبرى حين فارقت ركبهم * فياليت يومي للحسين مراجع (قال الراوي) فما اتم محمد بن الحنفية شعره الا وقد دخل عليهم عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وسلم على الحسين وعلى اخيه محمد وجلس عندهما وقال للحسين يا ابن العم اخبرني عن هذا الجيش الذي معك ؟ فقال اريد السفر الى الكوفة والعراق لانهم ارسلوا الي نحو الف كتاب وهم يقولون احضر لنا وخذ خلافتنا من يزيد ونحن نساعدك واشتكوا لي من جوره وظلمه عليهم وانا لم النفت إليهم ثم ارسلوا الئ اخر كتاب وقالوا ان لم تحضر خاصماك بين يدي الله وتقول خلص حقنا من الحسين فماذا تقول ؟ فمن ذلك اريد السفر إليهم فقال له اقم هنا حتى يشفي الله اخاك محمد واركب معك انا واياه وعشيرتنا جميعا كى تنظر ما يجري عليك من اهل الكوفة والعراق فاني لمءامن عليك منهم ، فقال له الحسين والله لا تسيرون معي ولا حاجة لي بغير هؤلاء الذين معي ويقضى الله امرا كان مفعولا ، فعسر ذلك على عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ثم انشد يقول : لقد ذاب قلبي من فراق احبتي * وقد سهرت عيني وزادت بليتي حرام علي الدار حتى اراكموا * وانظر في تلك الوجوه بمقلتي وقد ضرني من بعدكم طول بعدكم * وابكي وتجري بالمدامع عبرتي رعى الله عيشا لذلي بجواركم * وحيا زمانا كنتمو فيه جبرتي إذا غبتم عني تذوب حشاشتي * وتزهق روحي كل وقت وساعة فلا تحرموني رؤيتي لجنابكم * فرؤيتكم دوما تزيد مسرتي الا باغراب الببن روعت خاطري * واسهرت عيني لا رثيت لفرقتي سلام عليكم كلما هبت الصبا * وما ناح قمري على كل دوحة (قال الراوي) ولم يزل يدخل على الحسين واحد بعد واحد وهم يعدو انه
[ 19 ]
عن المسير وهو لا يلتفت الى احد منهم الا بعزم ثم انهم اقاموا في المدينة بعد عيد النحر اربعة ايام وفي اليوم الخامس زاروا قبر جدهم عليه افضل الصلاة وامر بتحميل الحمول على الجمال وركب عليها النساء والاطفال وركب عشيرته الخيل الجباد وعدتهم سبعة وسبعون من الاولاد والفرسان والرجال ، وخرج بهم الحسين قاصدا الى بلاد الكوفة والعراق وهو متوكل على الله الكريم الخلاق وخرجت معه اهل المدينة تشيعه الى ان خرج منها واخذ خواطر هم وحلف عليهم ان يرجعوا فرجعوا وهم يبكون وعبد الله بن العباس في شدة احتراق فجعل يقول : فقدت ظعونا في دجى الليل حملوا * وساروا ولم اعرف لهن مقاما فلا القاب يسلوهم ولا النار تنطفى * ولا العين تتهنى بذاك مناما وفرقتنا يا بين ليتك مثلنا * تبيت وتضحي لا ترد كلامها كما كنت بالتفريق بيني وبينهم * وقلبي عليهم قد رميت سهاما ادور عليهم في الديار بمقلتي * وابكي عليهم دائما الزاما ايا من درى ان الزمان يلمنا * نداوي جراحات لنا وسقاما إذا لم اراهم في الدار هجرتها * وسكنتها عادت على حراما ومن كان مثلي ناضج القلب موجعا * ينوح ويبكي ما يخال ملاما (قال الراوي) فلما خرج الحسين من المدينة باهله وعشيرته قاصدا الى الكوفة والعراق اتته افواج من الملائكة وبايديهم الحرب وهم ركوب على نجب من الجنة فسلموا عليه وقالوا له يا ابا عبد الله ان الله تعالى ايد جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم في امور كثيرة وان الله تعالى قد امرنا ان نعطيك في جميع ما تأمرنا به ونحن بين يديك ان كنت تأمرنا ان نسير معك الى الكوفة والعراق أو اي محل تريده ننصرك على كل من تعرض لك بسوء ونقاتل معك جميع من قاتلك ، فقال لهم الحسين لا حاجة لي بكم فالله تعالى يفعل ما يشاء فقالوا ان الله تعالى قد امرنا ان نطيعك ونرد عنك كل ما تخشاه فقال لهم لا سبيل لاحد علي ولا على قتالي لانه لم يكن لهم عندي شئ يوجب القتل وانما
[ 20 ]
انا عامدا الى يقعتي وحفرتي فانصرفوا عنه ، ثم اتته طائفة من مؤمنى الجن وسلموا عليه وقالوا له يا ابا عبد الله نحن من شيعتك وانصارك فلو امرتنا بقمع كل عدو لك وانت بمكانك لكفيناك شره فقال لهم جوز يتم خيرا اني لا اقاتل احدا ولا احد يقاتلني ثم قال لهم اما قراتم كتاب الله العزيز المنزل علي جدي صلى الله عليه وسلم اما اطلعتم على قوله تعالى " اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " وقوله تعالى " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم " وإذا انا مت بمكاني فبماذا تمتحن هذه الامة ومن ذا يكون ساكنا في بقعتي وحفرتي وانما العلم عند الله ، فقالوا والله يا ابا عبد الله لو لا انه لا تجوز مخالفتك لخالفناك وقتلنا كل عدو لك قبل ان يصل اليك " فقال لهم رضي الله عنه والله اني لا قدر عليهم منكم ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ففار قوه وسار باهله وعشيرة رضى الله عنه الى بلاد الكوفة والعراق وتوكل على الله الكريم الخلاق (قال الراوي) هذا ما كان من امر الحسين واما ما كان من امر يزيد فانه لما بلغه خبر اهل الكوفة والعراق وارسال مكانيبهم اللحسين طول السنة الى ان بلغت الف كتاب ومرادهم ان ياتي وياخذ الخلافة وهو لا يلتفت إليهم ثم ارسلوا له واكدوا في حضوره وقالوا ان لم تحضر ولا خاصمناك غدا بين يدي الله ويقولون ظلمنا يزيد ورضي فينا بالظلم والجور وانك تحضر ونحن نساعدك على حربه وقتله وتاخذ خلافة ابيك وجدك منه فمن ذلك ارسل لهم مسلما يصلي بهم ويخطب لهم ويقضي بينهم وارسل معه امرا الى النعمان ليحكم فيهم الى ان يحضر ، والان قد حضر مسلم وفعل ما امر به سلم الامر الذي معه للنعمان فقراه وفهم معناه فقال سمعا وطاعة واحضر الناس وبايعهم للحسين فدخلوا في بيعته واخبرهم ان الحسين قادم إليهم قريبا ياخذ الخلافة ففرحوا بذلك وتجهزوا لملاقاته واعانته عليك ، فلما سمع يزيد ذلك الخبر عسر عليه وكبر لديه وكثر وجده وذاب قلبه وطار الشرر من عينيه وامر من ساعته ووقته باحضار دواة وقرطاس وقلم من نحاس وكتب الى
[ 21 ]
عبيد الله بن زياد : اعلم يا اميري ان الحسين ارسل إليه اهل الكوفة والعراق مكانبات كثيرة ليحضر وياخذ الخلافة وينازعنا في ملكنا ويساعدونه على ذلك فعند وصول كتابنا اليك تركب من البصرة بعسكرك وجنودك واعمد الى الكوفة وانزل بها في قصر الامارة . واعلم ان النعمان دخل في بيعة الحسين فارجعه عن ذلك . وان لم يرجع فمره ان يلزم بيته وان لم يطعك فحز واسه وارسلها الي ، وان لزمك جنود وعساكر ارسلنا لك جميع ما يلزم واقتله هو ومن يلوذ به لان الخلافة لنا ولابينا نولي من نشاء بامرنا ونرفع من نشاء . واعلم ان الحسين ارسل الى اهل الكوفة والعراق مسلما يصلي بهم ويخطب لهم ويقضي بينهم فاسرع إليه واقتله وارسل الي راسه وانظر جميع من يحب الحسين أو يدكره على لسانه أو دخل في بيعته فانهه وان لم ينته فاقتله واقتل عياله وانهب ماله واسب حريمه واحتل في قتل الحسين وجميع من معه لانه قادم إليهم قريبا وافعل مما شئت فانك من الامر دوني على جميع البلاد وكل ما فعلت رضينا به . والحذر ثم الحذر ان تتهاون في قتل الحسين واصحابه ثم ختمه وطواه وارسله مع رسول من عنده ، فلم يزل الرسول سائرا بالكتاب الى ان دخل البصرة واتى الى دار الامارة واستاذن بالدخول على ابن زياد فاذن له الحاجب فدخل ووقف بين يديه وناوله الكتاب فقراه وفهم معناه فدعى بدواة وقرطاس وفلم من نحاس وكتب يقول : من ابن زياد الى يزيد ، اعلم ايها الملك اني سمعت بهذا الخبر وكذبته ولكن من حيث انه بلغك فهو صحيح وجميع ما تأمرني به افعله سمعا وطاعة لك ولقولك واني في هذا اليوم اركب واعمد الى الكوفة وجميع ما الفاه من هذه الشيعة قتلته وارسلت لك راسه ولا تهتم بهذا الامر قانت الخليفة وانت الملك والخلافة ليست لاحد غيرك ثم ختمه وطواه وسلمه الى رسول يزيد وارسله له وقام من وقته وساعته واحضر سائر جنوده وعسكره واقام منهم نائبا في البصرة يحكم محله وركب هو وجنوده وعمد الى الكوفة ، ولم يزل سائرا الى ان بقى وبين الكوفة مسيرة مرحلة فأمره بالنزول جميعا .
[ 22 ]
ثم انه امر ان تقدم له بغلة زرورية فاتوا له بها فقام وخلع ما كان عليه من اللباس وليس ثيابا ببضاء واخذ في يده قضيب خيزران وركب البغلة وتزيا في زي الحسين حيلة منه ومكرا حتى ينظر حقيقة الامر من الناس ان كانوا على بيعة يزيد أو بيعة الحسين ولعل احدا من اهل الحسين يكون بالكوفة فان نظره في زبه خرج بلاقيه لكى بقتله وسار ، ثم امر العسكر بالرحيل فساروا حوله ولم يزل سائرا في تلك الحالة حتى دخل الكوفة وكان يوم جمعة قصار لا يمر بقبيلة أو باحد جالس بعبد منه الا ولو ما إليه بالقضيب ويقول السلام عليك من غير كلام يسمع وهم يردون عليه السلام ويقولون قدوم خير حلت علينا البركة يا ابن بنت رسول الله ، فلما راى ابن زياد تباشر الناس بقدوم الحسين عظم ذلك عليه وكبر لديه واشتد امره ولم يزل سائرا حتى اتى الى قصر الامارة فلاقاه عمر الباهلي فعرفه فاتى الى اهل الكوفة وقال لهم يا ويلكم هذا عبيد الله بن زياد وليس هو الحسين كما زعمتم واستبشرتم به فقالوا نراه في زيه فظننا انه هو ، ثم ان ابن زياد لما نزل عن بغلته وطلع القصر لاقاه النعمان وسلم عليه ورحب به فقال له ابن زياد انت ترحب بى وتفرح بي وقد دخلت في بيعة الحسين ولم تعلمني ولم تعلم يزيد واخرج له كتاب يزيد فقراه وفهم معناه وقال سمعا وطاعة لله فمالي بالخلافة والحكم ما انا الا من جملة الرعية لمن يتولى منكم أو غيركم فقال ابن زياد تدخل في بيعة يزيد فقال نحن رعية ليزيد أو غيره فقال له الزم بيتك فقال سمعا وطاعة ، ثم اخذ جميع ماله في القصر لانه كان خليفة الكوفة يومئذ من تحت امر يزيد . ثم عمد الى بيته وجلس فيه وصار لا يخرج منه وقال في نفسه ليقضي الله امرا كان مفعولا ولكن قلبه من جهة الحسين في لهيب لانه يحبه ويحب جميع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ان ابن زياد بات في القصر تلك الليلة فلما اصبح الله بالصباح امر بجمع الناس في المسجد فاجتمع فيه خلق كثير من اهل الكوفة حتى ضاق بهم المسجد
[ 23 ]
فنزل ابن زياد من قصر الامارة وصعد المنبر وخطب لهم خطبة فيها تحذير وقال لهم يا اهل الكوفة اني اراكم متباشرين بالحسين بن علي بن ابي طالب وارسلتم له مكاتبات ياتي اليكم وياخذ الخلافة من يزيد وتساعدونه عليه بالحرب اتظنون ان يخفى على يزيد أو علي امر من الامور ، اما تعلمون انه اخذ الخلافة عن ابيه فمن وقتنا هذا اثبتوا على بيعة يزيد قبل ان يبعث اليكم من الشام جنودا لا قدرة لكم عليهم (قال الراوي) فلما سمع اهل الكوفة منه هذا الكلام جعلوا ينظرون الى بعضهم ويقولون ما لنا والفتنة بين السلاطين نحنن رعية من تولى ان كان يزيد أو الحسين ، فقال لهم يا اهل الكوفة الحاضر منكم يعلم الغائب ان البيعة من هذا الوقت ليزيد فاثبتوا عليها ثم نزل عن المسير وقصد الى قصر الامارة وجلس فيه وصار بحكم بين جنده ، ثم لما جاء أو ان العصر خرج مسلم من بيته ودخل الجامع لصلاة العصر واقام الصلاة فلم يصل احد خلفه وكل من راه نفر منه فلما فرغ من صلاته طلع الى خارج المسجد وإذا هو بغلام واقف فقال له مسلم يا غلام ما بال اهل الكوفة ؟ فقال يا مولاي انهم نقضوا بيعة الحسين ودخلوا في بيعة يزيد وحكى له ما جرى من ابن زياد في خطبته فصفق مسلم بيمينه على يساره وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصار يطلب من بجبره وكان في الكوفة رجل يقال له هاني بن عروة وقد مضى عمره على محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من اكابر الكوفة وله قدر عند ارباب الدول وكان مسلم يعرفه فسال عن داره واتى إليها ودق الباب فخرجت جارية وقالت له ما تريد فقال لها اخبري سيدك ان رجلا من بني هاشم اسمه مسلم بن عقيل يريد الدخول فدخلت الجارية واخبرته فقال لها ادخليه فسلم عليه وكان مريضا فجلس مسلم بحانبه واخبره بما جرى وان ابن زياد يطلبني ليقتلني فقال له هاني لا تخف مرحبا بك احنال لك ان شاء الله تعالى فقال له مسلم وكيف ذلك وهو الامير وله جنود وعساكر ؟ فقال له هاني الم ان بيني وبينه محبة وصداقة وهو سيعلم اني مريض ولا بد له ان يعودني وياتى هنا فإذا نظرته
[ 24 ]
ودخل عندي فليكن سيفك في يدك مسلولا وقف بين الستور وتكون العلامة بيني وبينك ان ارفع عمامتي عن راسي واضعها على الارض واعيدها على راسي فاخرج إليه واضرب عنقه من ورائه فقال مسلم يا نعم الراي ، ثم ان عبد الله بن زياد بعد يومين سال عن هاني وعن تأخيره فقالوا له هو مريض في بيته فقال واجب علي ان اعوده فقام من ساعته ونزل من القصر وركب واخذ معه خدمه وساروا الى ان اتوا دار هانئ واستاذنوا له في الدخول عليه فقال هاني لجاريته ادفعي لمسلم سيفا وادخليه الستر فناولته سيفا قطعا فاخذه وادخلته من داخل الستر بحيث لا يراه ابن زياد ولا من معه هم اذنت له بالدخول وجلسوا عنده وتحدثوا معه وساله عن حاله ثم بعد برهة قلع هانئ عمامته ووضعها على الارض ثم وضعها على راسه اولا وثانيا وثالثا ومسلم لم يخرج فلما طال ذلك على هانئ جعل يرفع صوته كان يصلي ليسمع مسلم ويخرج من وراء الستر يضرب عبد الله بن زياد بالسيف على عنقه كما هو متفق عليه مع هانئ ابن عروه ، ثم ان هانيئا حصل عنده غيظ من مسلم في تأخيره عن الخروج فانشد يقول حي سليمى وحي من بحييها * مالى انتظار بسلمى ان تحبيها هل شربة عذبة اسقي على ظما * ولو تلقت وكانت نكبتي فيها فاخرج إليها ولا تبطئ قضيتها * ان كان في الكاس ماء هاك فاسقيها وجعل هانئ يرددها وابن زياد لا يفطن الى ذلك ، فلما كثر الترديد من هانئ قال ابن زياد ما بال الشيخ يهزا ؟ قال هذا دابي من نصف الوقت ثم قام من عنده وركب جواده الى القصر واما مسلم فانه لما خرج ابن زياد خرج من بين الستور والسيف في يده مشهور فقال له هانئ ما الذي اعاقك عن الخروج لقتله فوالله ما ظفرت بمثله فقال له مسلم اني لما هممت بالخروج اول مرة رايت كان قابضا قبض على يدي ثم هممت ثانيا وثالثا وإذا بهاتف بقول
[ 25 ]
يا مسلم لا تخرج حتى يبلغ الكتاب اجله ، قال ثم ان مسلما اقام في دار هاني لا يخرج ، واما ابن زياد فانه عجز عن احضار مسلم فدعا برجل من اهل الكوفة يقال له معقل وكان ذاهبية عظيمة فلما حضر بين يديه اعطاه ثلاث الاف دينار وقال له خذ هذا المال واسال عن مسلم بن عقيل واستانس معه وقل له اني من شيعة الحسين فخذ هذا المال واستعن به على عدوك فانك إذا اعطيته هذا المال اطمان وأمن على نفسه ولم يكتم عليك شيئا من اموره ثم عد الي بالخبر فقال سمعا وطاعة اخذ المال وخرج وصار يدور بالكوفة طول النهار يصلي في المساجد ويتجسس الاخبار حتى اتى مسجدا بجوار دار هاني فاجتمع برجل يقال له مسلم بن عوشة الاسدي فجلس ينتظره حتى فرغ من الصلاة وكان يعلم انه من اصحاب هانئ فقام إليه وعظمه واكرمه ثم قال له يا شيخ اني رجل من اهل الشام ولي حب باهل البيت ومعى ثلاثة الاف دينار وقد احببت ان التقى مع الرجل الذي قدم الكوفة يبايع الناس لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عطيه هذا المال ولم اعرف مكانه واظن انك من اصحابه فاريد ان تدخلني إليه حتى اقضه هذا المال لانك ثقة من ثقاته وعندك كتمان لامره فقال له مسلم بن عوشة يا اخي لا نسمعني كلاما لا أحب سماعه وما انا من اهل هذا الامر وقد خاب من ارشدك الي فقال له يا شيخ لست انا ممن تكرهه وانا قد ارشدت اليك فلا تخبيني وان لم تطمئن فخذ علي الواثيق والعهود فلما سمع كلامه قال له ان كنت صادقا قاحلف الي ايمانا مؤكدة فحلف له فعند ذلك اطمان قلبه وادخله الى دار هانئ وقابله مع مسلم بن عقيل واخبر معقل بخبره فوثق به واخذ يبايعه بعد ان اخذ عليه عهد الله وميثاقه ، ثم قبض منه المال وصار مسلم بن عقيل يشتري به كلم ما يلزم للحرب ومعقل يناظره في ذلك ويخبر به ابن زياد فلما صح ذلك عند ابن زياد دعا محمد بن الاشعث الكندي واسماء بن خارجة الفزاري وعمر بن الحجاج الديناري وقال لهم امضوا الى دار هانئ وائتوني
[ 26 ]
به فانطلقوا إليه فوجدوه جالسا على باب داره فقالوا يا هاني الامير يدعوك لخدمته فاحس قلب هانئ وعلم ان ابن زياد معول على قتله فدخل الى داره واعلم مسلما بذلك ، ثم انه اغتسل وتحنط وتقلد بسيفه وسار مع القوم الى ان دخل على ابن زياد وسلم عليه فلم يرد عليه السلام وكان قبل ذلك يكرمه ففكر في امره ومكث ثلاث ساعات من النهار واقفا بين يديه متكئا على سيفه ولم يرد له جوابا ولم يبدله خطابا فقال له حاجبه ايها الامير انت تعلم ان هذا الشيخ من اشراف اهل مكة ولم ترد عليه السلام ولم تأذن له بالجلوس فاقبل ابن زياد على هانئ يكلمه كالمستهزئ وهو يقول يا هاني قد اخفيت عدو يزيد عندك وواسيته بنفسك وشربت له السلاح اتظن ان ذلك يخفى علي فقال معاذ الله ان افعل ذلك وان الذي حدثك غير صادق فقال له بل هو اصدق منك فقال من يكون هو فقال معقل اخرج فخرج وكان هر الذي ياتي الى دار هانئ وينظر امورهم فلما اتى ونظر هانئا بين يدي ابن زياد قال مرحبا بك يا هانئ اتعرفني ؟ قال نعم اعرفك كافرا فاجرا غادرا وعلم انه كان من عند ابن زياد وانه الذي اخبره بما كانوا عليه ، ثم ان ابن زياد التفت الى هاني " وقال له انك لا تقدر ان تفارقني طرفة عين حتى تأتيني بمسلم بن عقيل أو افرق بينك وبين اولادك ، فغضب هانئ وقال ان فعلت ذلك ليرهقن دمك بين سوف مكة وغيرها ، فغضب ابن زياد من كلامه وضربه بقضيب كان بيده شق جبينه وسال الدم على وجهه ولحيته فضرب هانئ يده الى قوائم سيفه وضربه به وكان عليه جبة من الخز فقطعها وجرحه جرحا منكرا فاعترضه معقل فضربه هانئ بسيفه فقطع راسه وعجل الله بروحه الى النار ، فلما راى ابن زياد ذلك قال ويلكم دونكم واياه ، فعند ذلك احتاطوا به فحمل فيهم وجعل يضربهم بالسيف حتى قتل منهم اثنين وعشرين رجلا فتكاثروا عليه فوقع بينهم فاخذوه اسيرا واوثقوه كتافا واوقفوه بين يدي ابن زياد فقال يا هانئ ائتني بمسلم فقال له يا ويلك كيف آنيك برجل من آل بيت رسول الله تقتله والله
[ 27 ]
ما كان ذلك فامر بضربه بعمود من حديد حتى قتل رحمة الله عليه ، فلما وصل الخبر الى عمر بن الحجاج الديناري اقبل باربعة الاف فارس حضروا القصر لقتل ابن زياد ، فلما سمع ابن زياد ذلك قال القاضي اخرج الى القوم وقل لهم ان صاحبكم حي لم يقتل وانما اعتقناه عندنا لاجل حاجة فخرج شريح القاضي الى القوم واخبرهم بما قاله ابن زياد فقال عمر بن الحاج إذا لم يقتل فاحمد الله ثم انصرفوا فلما علت الضجة في دار هانئ لاجل قتله وكثر البكاء خرج مسلم بن عقيل وجعل يطلب لنفسه مجيرا ودار في شوارع الكوفة فبينما هو يمشي اذراى دارا عالية وامراة جالسة على بابها فوقف ينظر الى تلك الدار فقالت له المراة يا فتى ما وقوفك على هذا الباب وفي الدار حريم ؟ فقال لها يا امة الله ما خطر ببالي شئ من ذلك وانما انا رجل مطلوب واريد من يجيرني بقية يومي هذا فقالت له المراة من اي الناس انت ؟ فقال من بني هاشم انا مسلم بن عقيل قد غمرني هؤلاء القوم وبايعوني ونقضوا بيعتي فقالت وانا من بني هاشم واحق باجارتك ، ثم انها ادخلته الدار واجلسته في بيت وعرضت عليه الماكل والمشرب فلم يتناول غير الماء فلما جن عليه الليل هم بالانصراف وإذا بولد المراة قد اقبل وكان ابوه من جلساء ابن زياد فلما احس باقباله لم يمكنه الخروج وكانت قد ادخلته في بيت منفرد وصارت نكثر التردد عليه وتطيب خاطره وتؤانسه بالكلام ، فلما نظر الولد الى امه وهي نكثر الدخول في هذا البيت وليس لها قيه حاجة قال ياماه مالي اراك تكثرين الدخول والخروج في هذا البيت وليس لك فيه حاجة ؟ فقالت يا بني اعرض عن هذا الكلام فردده عليها فلما رات منه ذلك قالت يا ولدي هذا وجل من بني هاشم استجار بي فاجرته فقال يا اماه ايكون مسلم بن عقيل فقالت نعم فقال اكرميه فقد احسنت ثم انه بات على باب البيت الذي فيه مسلم الى وقت السحر وفتح الباب قليلا قليلا وجعل يسعى الى ان اتى قصر الامارة فدخل الدهليز ووضع اصبعه على اذنيه ونادى على باعلى صوته النصيحة وكان وقتها يتحدث ابن زياد مع ابيه فقال له ابوه ما نصيحتك يا ولدي ؟ قال يا ابي ان امي تجير مسلم بن
[ 28 ]
عقيل في دارنا ، فلما سمع ذلك ابن زياد فرح شديدا وطوقة بطوق من الذهب الاحمر ثم دعا بمحمد بن الاشعث الكندي وضم إليه خمسمائة فارس وقال له انصرف مع هذا الغلام ائتني بمسلم بن عقيل اسيرا فسار محمد ومن معه خلف الغلام الى ان قاربوا الدار فسمع مسلم صهيل الخيل وهمهمة الرجال فاقبل على المراة وقال لها ما هذه الخيل والرجال ؟ فقالت اظنها من عند ابن زياد فقال ائتني بكوز ماء فاتت به فاخذه منها واسبغ الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله ثم نهض وتقلد بالة الحرب فقالت اراك تتهيأ للحرب فقال نعم انهيا الى لقاء هذه الرجال لانهم لم يطلبوا غيري واخشي ان يهجموا علي هنا ويكون لي فسحة في المجال فيأخذوني من بين يديك اسيرا ويصيروني قتيلا فعند ذلك بكت المراة وقالت ليت الموت اعدمني الحياة ولا افارقك ، ثم ان مسلما ودعها واقبل نحو الباب وخرج وإذا بالقوم قد اقبلوا عليه فلاقاهم وصاح فيهم وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل منهم ماية وخمسين فارسا من المبارزين وانهزم الباقون والمراة على السطح تنظرة ، فلما نظر محمد بن الاشعث الى مسلم وما فعله بالابطال ارسل الى ابن زيادة يقول له ادركتي بالخيل والرجال فان مسلما قتل منا مقتلة عظيمة فغضب ابن زياد وارسل يقول له ان كان هذا رجلا واحدا قتل منكم هذا المقتلة فكيف إذا ارسلناك الى من هو اشد منه باسا واصعب مراسا ؟ فارسل إليه ابن الاشعث يقول انك ما ارسلتني الى رجل من رجال الكوفة وانما ارسلتني الى ليث همام واسد ضرغام وسيفا من سيوف الله الملك العلام ، فعند ذلك ارسل إليه خمسمائة فارس اخر فلما ، وصلوا الى محمد بن الاشعث سار بهم وقصد مسلما فلما وصلوا إليه حمل فيهم وصاح عليهم كالاسد الكاسر والوحش النافر وقتل منهم خلقا كثيرا فلما نظروا الى شدة باسه وشجاعته جعلوا يوقدون النار ويرمونه بها ثم بالحجارة ثم باليل وهو لا يبالى ولم يزل يقتل منهم حتى لم يبق الا نحو خمسين فارسا فبعث ابن الاشعث نحو ابن زياد يقول ادركني بالخيل والرجال فبعث إليه ثمانمائة وقال لهم ويلكم اعطوه الامان والا قتلكم
[ 29 ]
عنءاخركم فلما وصلوا الى ابن الاشعث نظروا الى فرسانهم فلم يجدوا منهم الا القليل فهجموا على مسلم وقالوا له ابن الاشعث يعطيك الامان فقال لا امان لكم يا اعداء الله واعداء رسوله ثم حمل عليهم وجال في وسطهم ولم يزل يقاتلهم حتى قتل منهم خمسمائة فقال رجل من القوم ينصب شرك لا يفك منه ابدا فقالوا وما هو يقال اثبتوا هنا في اماكنكم حتى احفر حفرة في الطريق ثم انصرفوا بين يديه فيجري عليكم فيقع فيها فامسكوه فاقام منهم جماعة قدامه في القتال والاخرون حفروا بئرا في الطريق كما امرهم ذلك الرجل وانهزموا قدامه فبعهم وهو لا يعلم انهم مكروا به فسقط في البئر فأحاطوا به من كل جانب واسكوه واتوا به الى ان الاشعث فضربه بالسيف في محاسن وجهه فلعبت اضراسه فاخذوه اسيرا وصاروا يسحبونه على وجهه حتى اتوابه الى قصر الامارة فنظر مسلم في دهليزه فراى كيزانا معلقة وكان قد عطش فقال للبواب اسقني شربة ماء واسقيك غدا عوضها فدفع إليه كوزا فاخذه من يده واقامه على فيه فلما احس ببرد الماء سقطت ثناياه فيه وصار دما عبيطا فامتنع من شربه فقال للبواب خذ كوزك فلا حاجة لى به ولعلى اموت عطشانا فاخذه منه فادخله القوم الى ابن زياد ، فلما نظره مسلم قال السلام على من اتبع الهدى وخشى عواقب الردى واطاع الملك الاعلى فتبسم ابن زياد ضاحكا فقال بعض الحجاب يا مسلم لم لا قلت السلام عليك يا ايها الامير ؟ فقال لا امير غير سيدي ومولاي وابن سيدي وحبيبي وقرة عيني وابن عمي الحسين بن علي بن ابي طالب وانا مسلم بن عقيل واني لا اخاف من الموت فقال ابن زياد لا بد من قتلك في يومك هذا فقال يا ويلك ان كان ولابد لي من القتل فاصرف لى رجلا قرشيا اوصيه وصية فقال إليه عمر بن سعد وقال له يا مسلم اوص حاجتك فقال اولا شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، الثانية إذا قتلتموني واروا جسدي بالتراب ، الثالثة بيعوا درعي هذا وادفعوا ثمنه لفلان فان له علي دينارا ، الرابعة اكتبوا الى سيدي الحسين انه لا ياتيكم لكيلا صيبه ما اصابني لانه بلغني
[ 30 ]
انه خرج من المدينة هو واولاده وعشيرته قاصدا الى هنا فقال له عمر بن سعد ، اما ما ذكرت من جهة الدرع فنحن المخيرون واما ما ذكرته من جهة الحسين فلا بد من مجبئه وشربه الموت غصة بعد غصة فعند ذلك التفت ابن زياد الى عمر بن سعد وقال له ما الذي اوصاك به ؟ فاعلمه بجميع ما اوصاه به فقال ابن زياد قبحه الله من مستودع ولكن لو سألني ذلك لفعلته ثم دعا برجل من عنده وقال له اعلم ان هذا قتل من الفرسان الفا وخمسمائة فاصعد به الى اعلى والقه على وجهه فاخذه وصعد به وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فلما اراد ان يرميه قال له مسلم دعني اصلي ركعتين ثم افعل ما بدالك فقال مالي الى ذلك من سبيل فعند ذلك بكى مسلم تأسفا على ابن عمه الحسين وصار ينظر شمالا ويمينا فلم يلق محبا ولا معينا فدفعه الرجل من اعلى الى اسفل فانقض على ام راسه فخرجت روحه فعجل الله بها الى الجنة ، ثم ان جماعة ابن زياد اخذوا جثة قطع راسيهما وارسلهما الى يزيد مع هانئ بن جبلة الرداعي والزبير ابن الارواح وكتب يقول الحمد لله الذي اخذ لامير المؤمنين بحقه وكفاه شر عدوه ، واعلم ايها الامير ان مسلم بن عقيل ورد الى دار هانئ بن عروة ووقعت عليه العيون فاستخرجتهما والواصل اليك رؤوسهما مع هانئ بن جبلة الرداعى والزبير بن الارواح اليمنى وهما من اهل السمع والطاعة فاسألهما عما شئت واوصهما بما شئت فان عندهما علما صادفا ثم امرهما بالمسير بالرؤوس والمكتوب فساروا ولم يزالوا سائرين الى ان وصلو دمشق ودخلوا على يزيد وسلموا عليه وعرضوا عليه الرؤوس واعطوه كتاب ابن زياد فاخذه وقراه وفهم معناه ففرح فرحا عظيما ، ثم دعا بدواة وقرطاس وكتب الى ابن زياد يقول : اما بعد ايها الامير فانك كنت كما احب وصلت كصوله الاسد والان قد بلغني ان الحسين خرج من مكة باهله واولاده وعشيرته وتوجه الى نواحي العراق فانت تسير إليه وتضيق عليه المسالك ولا تتوسد بوسادة ولا تسيع بزاد حتى تقتله وترسل الى راسه ورؤوس من معه ثم طوى
[ 31 ]
الكتاب بعد ان كتبه وناوله لقصاد بن زياد وخلع خلعا سنية ثم امرهم بالمسير فتوجهوا ولم يزالوا سائرين الى ان وصلوا الكوفة ودخلوا على ابن زياد وسلموا عليه واعطوه الكتاب فقراه وفهم معناه وكتب الى الحسين عن لسان مسلم يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد يا ابن العم ان العراق قد طابت واتت الينا بالسمع والطاعة فعجل الينا ولا تتأخر وقلوب الناس معنا وهم متباشرون بقدومك فانهض واحضر الينا سريعا ، ثم ان ابن زياد طوى الكتاب واعطاه لرجل من اهل لكوفة وقال اعمد به الى الحسين وان لاقيته في المدينة أو في مكة فاعطه له فقال سمعا وطاعة فاخذه وسار الى ان بقي بينه وبين المدينة مرحلة فصادف الحسين في يوم خروجه منها فلاقاه وكات عصرية النهار فسلم عليه واعطاه الكتاب فقراه وفهم معناه ففرح بن فرحا شديدا ثم انزل من معه وقراه عليهم ففرح بن الجيمع ثم امرهم الحسين بالاقامة في ذلك المحل بقية يومهم وليلتهم وكان ذلك خامس عشر ذي الحجة فلما نزلوا اخذ خاطرهم قاصدا ابن زياد ، وقد فارقهم في ذلك المحل ولم يزل سائرا في البراري والقفار آناء الليل واطراف النهار الى ان اتى ابن زياد واعلمه بخبر الحسين وانه فرح بالكتاب وعن قريب واصل الى الكوفة ، فقام ابن زياد في الوقت وارسل الحصين بن نمير في الف فارس يرصد الحسين وبسايره في الطريق الى ان يدخل الكوفة لئلا يسمع بخبر مسلم فيرجع ولا يقتله فسار الحصين هو ومن معه ولم يزل سائرا الى ان اتى القادسية ونزل بها (قال الراوي) هذا ما كان من امر الحصين بن نمير ، واما ما كان من امر الحسين فانه لما بات في ذلك المكان واصبح امر قوله بالمسير فركبوا وساروا الى ان اتوا طن الرملة ونزل بهم وكتب الى اهل الكوفة كتابا يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن ابي طالب الى الى مسلم ، اما بعد فان كتابك ورد علي وقراته وفرحت بما فيه وما انت عليه من نصرتنا فنسال الله ان يحسن لنا ولكم الصنع الجميل واني واصل اليك عن قريب فإذا وصل رسولي اليك فاكتب لي جوابا كافيا بما تريد ، ثم انه ختمه وطواه
[ 32 ]
وارسله مع قيس ابن مسهر فسار به طالبا الكوفة ولم يزل سائرا الى ان اتى القادسية فإذا بالحصين وعسكره نازلون فيها فاحتاطوا به من كل جانب ومكان وفتشوه فوجدوا معه الكتاب فاخذوه واعطوه للحصين فقراه وقهم معناه فمزقه واوثق قيسا كتافا وارسله الى ابن زياد فلما وصل إليه قال له من انت ؟ قال له انا رسول الحسين الى مسلم قال ولمن غره ؟ قال لا اقصد الا مسلما قال والله لا تفارقي حتى تخبرني باسماء من انت قاصدهم وان لم تخبر بهم فاصعد الى المنبر وسب الحسين ووالديه والا قطتك ارباعا فقال لا اعرف احدا سوى مسلم ولا اسب الحسين ولا والديه فقطعه ارباعا وارسله الى يزيد (قال الراوي) هذا ما كان من امر رسول الحسين وما حصل له ، واما ما كان من امره فانه لم يزل سائرا هو ومن معه حتى اتى بلدا وفيها قوم فسألهم عن اسم تلك البلدة فقالوا له شط الفرات فقال هل لها اسم غير هذا ؟ فقالوا له سر يا ابا عبد الله ولا تسال فقال سألتكم بالله وجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تخبروني عن اسمها الثاني فقالوا له اسمها كربلا ، فعند ذلك بكى وقال هي والله ارض كرب وبلاء ثم قال يا قوم نازلوني قبضة من تراب هذه الارض فاعطوه قبضة من تلك الارض فشمبا ثم استخرج طينة من جيبه وقال لهم هذه الطينة جاء بها جبريل من عند الله لجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذه موضع تربة الحسين ثم رماها من يده وقال هما رائحة واحدة ثم قال يا قوم انزلوا ولا تبرحوا قههنا والله مناخ ركابنا وههنا والله يسفك دمنا وههنا والله يسبى حريمنا وههنا والله تقتل رجالنا وههنا والله تدبح اطفالنا وههنا والله قبورنا وههنا والله محشرنا ومنشرنا وههنا يصير العزيز ذليلا وههنا والله تقطع اوداحبي وتخضب لحيتي بدمي وبعزى جدي وابي وامي من ملائكة السماء وههنا والله وعدلي ربي لجدي ولا خلف لو عده ثم نزل ونزلت اصحابه جميعا وقد كان الحر اسرع وحال بين بحر الفرات وبين الحسين ومن معه وكان بينه وبينهم ثلاثة اميال وقبل خمسة وقيل فرسح ، ثم ان الحسين امر بنصب الخيام
[ 33 ]
اللحريم والاولاد وجعل يصلح سيفه وآلة حربه وهو يبكي ويقول هذه الابياب : اهل العراق ما لكم خليل * وما لكم في جمعكم فضيل والامر في ذلكم جليل * وكل حي عنده سبيل قد قرب النقلة والرحيل * وكل شئ حوله دليل (قال الرواي) قال علي بن الحسين ولم يزل ابي بردد هذه الابيات وهو يصلح سيفه وآلة حربه فخنقتني العبرة فرددت دمعي ولزمت السكوت واما عمتي فانها لما سمعته اظهرت الحزن والخوف واقبلت تجر اذيالها حتى دنت منه وقالت له يا قرة العيت ليت الموت اعدمني الحياة خليفة الماضين وحماية الباقين هذا كلام من قد ايقن بالموت والله لقد احرقت قلبي ثم بكت فسمعها النساء قبكين لبكائها وجعلت ام كلثوم تنادي وا محمداه وا علياه وا فاطماه وا ضيعتاه بعدك يا ابن بنت رسول الله قال فعزاها اخوها وقال يا اختي تعزي بالله فان سكان السموات يفنون واهل الارض كلهم يموتون وجميع البرية كلهم يهلكون ثم قال يا ام كلثوم ويا فاطمة وانت يا رقية وانت يا عاتكة وانت يا سكنة إذا انا قتلت فلا تشقن علي جيبا ولا تخدشن علي وجها ثم دخلن الخيام فتصايحن وعلت اصواتهن من كلامهم بالبكاء والنحيب فدخل عليهن الخيام وقال لهن صبرا يا اهل البيت فقالت زينب لا صبر لنا على فقدك ولا تطيب لنا الحياة من بعد كيف لا نبكي وانت تقول هذا الكلام ونراك قتيلا ومالك نهبا بين العدا وحريمك سبايا وجئتك الطيبة تذرو عليها الرياح فكيف لا نبكي ؟ (قال الراوي هذا ما كان من امر الحسين ونزوله بارض كربلا . واما ما كان من امر ابن زياد فانه اتاه رجل من عسكر الحر من غير علمه وقال اعلم ايها الامير ان الحسين نزل في ارض كربلاء وضايقناه ولو لا نا لرجع الى المدينة فعند ذلك اطلق مناديا في الكوفة يا معشر الناس من يات براس الحسين فله ملك الرى عشر سنين وارسل في البصرة مناديا ينادي بمثل ذلك فقام إليه عمر بن سعد وقال انا آتيك براسه
[ 34 ]
فقال له امض وامنعه من شرب الماء وائنتي براسه فقال سمعا وطاعة ، فعند ذلك عقد له راية وامره على ستة الاف فارس ثم امره بالمسير فخرج من عنده واتى الى داره فدخلت عليه اولاد المهاجرين والانصار الذين كانوا في الكوفة وقالوا له يا ويلك يا ابن سعد لا تخرج الى حرب الحسين فقال لست افعل ثم جعل يتفكر في ملك الراي وحرب الحسين فاختارت نفسه ملك الراي على حرب الحسين ثم جعل يقول : فو الله ما ادري واني لو اقف * افكر في امرى على خطرين ااترك ملك الري والري منيتي * ام ارجع ماثو ما بقتل حسين فان صدقوا فيما يقولون انني * اتوب الى الرحمن توبة مين وان كذوا فزنا بدنيا دنبة * ولو كنت فيها اظلم الثقلين الا انما الدنيا لخبر معجل * وملك عقيم دائم الحجلين فان كنت اقتله فقد فاز موعدي * وما عاقل باع الوجود بدين ولكن رب العرش يغفر زلتي * يقينا واعلوا عالم الجشين (قال الراوي) ثم انه لما غلبت عليه الشقاوة ركب هو وعسكره الى اتى شاطئ الفرات ونزل بيتا صوب الحسين ثم لحقه من القادسية ابن الحصين وعسكره ، ثم ان ابن زياد ارسل لهم ابن ربعي في الف فارس ومحمد ابن الاشعث في الف فارس وشمر بن ذي الجوشن في اربعة الاف فارس وقد كان ارسل قبل الحر بن يزيد في الف فارس واتبع الجميع بحجر بن الحر اثنين وعشرين الف فارس وقال له سربهم الى عمر بن سعد وقل له ان الامير ارسلهم اليك ويعلمك ان جملة ما عندك من الفرسان اربعون الف فارس وليس فيهم شامي ولا حجازي ولا مصري بل جميعا من اهل الكوفة ومعهم السيوف الهندية والرماح الخطية وجميعهم راغبون في قتل الحسين واعلم باعمر ان اهل البصرة ردوا رسولي وقالوا والله لا نحارب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الراوي) ولم يزل القوم سائرين كرة بعد كرة حتى نزلوا في كربلا وفرقوا بين الماء والحسين ، ثم ان عمر بن سعد دعا بحجر
[ 35 ]
ابن الحر وعقد له رأيه على الفي فارس وامره ان ينزل على مشرعة الغادريات ويمنع الحسين واصحابه من شرب ماء الفرات ودعا بابن ربعى وعقد له راية على اربعة الاف فارس وامره ان ينزل على المشرعة الاخرى ويمنع الحسين واصحابه من شرب الماء فساروا جميعا ونزلوا على الشوارع واختلطوا بالحسين وضيقوا عليه ، فلما راى ذلك رضي الله عنه اكا على سيفه وتقرب منهم ونادى لهم ايها الناس هل تعرفوني ؟ قالوا نعم ، فقال من انا ، فقالوا انت الحسين ابن علي المرتضى فقال لهم وجدي من يكون ؟ فقالوا جدك محمد المصطفى فقال ومن امي ؟ فقالوا فاطمة الزهراء ، فقال إذا كنتم تعلمون ذلك فبم تستحلون سفك دمي وتمنعوني شرب الماء انا ومن معي وابي الساقي على الحوض ولواء الحمد بيده يوم القيامة وقد قيل عن جدي صلى الله عليه وسلم " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة " وقال " اني مخلف فيكم ايها الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي " ونحن والله عترته واهل بيته فقالوا قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا فقال الحسين اعوذ بالله ربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، ثم انه رجع ودخل خيمة الحريم والاولاد وهو عطشان يبكى فلما راته النساء يبكي بكين وارتفعت اصواتهن فقال لهن اسكتوا فان البكاء امامكن ، ثم انه جلس عندهم حتى اتى الليل وجمع اهل بيته واصحابه وقال يا قوم اعلموا انه نزل بي ما ترون وقد جعلنكم في خلوة وليس في اعناقكم قيود وهذا الليل قد غشاكم فتفرقوا في سواده وذروني وهؤلاء القوم لا يريدون غيري فقال له اخوته وابناؤه وبنو عمه وعشيرته حاشا ان نفعل ذلك فماذا تقول الناس لنا وماذا نقول للناس ؟ والله لا نفارقك ابدا بل نجعل نفوسنا دونك واموالنا دون اموالك ودماءنا دون دمائك ونقتل بين يديك قبح الله العيش بعدك يا ابا عبد الله ، فقال لهم جزبتم خرا ثم بات هو واصحابه تلك الليلة ولهم دوي بالتسبيح كدوي النحل وهم ما بين قائم وراكع وساجد ، فلما كان من الغداة امر الحسين اصحابه ان يحفروا حول خيمته الحريم ففعلوا ذلك ثم جمعوا حطبا واضرموه فاقبل رجل من عسكر ابن سعد فلما نظر الى النار
[ 36 ]
صفق بيديه ونادى يا حسين استعجلهم بالنار في الدنيا قبل الاخرة فقال الحسين اللهم اذقه اياها في الدنيا قبل الاخرة فنفر به جواده والقاه في النار فاحترق ، فقال الحسين الله اكبر من دعوة ما اسرع اجابتها ثم برز من عسكر ابن سعد رجل وقال لاصحاب الحسين اما ترون الى مياه الفرات وهي تلوح كأنها بطون الحيات والله لا تذوقون منه قطرة حتى تذوقوا الموت عطشا فقال الحسين اللهم اقتله عطشان في هذا اليوم فصحبه العطش في ساعته حتى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بحوافرها فمات وعجل الله بروحه الى النار (قال الراوي) فعند ذلك اجتمع القوم على شاطئ الفرات وباتوا تلك الليلة والثانية اصبحوا ثالث يوم وقد ورد كتاب ابن زياد الى عمر بن سعد يامره بالقتال ويحذره من التاخير والاهمال وكان ذلكم اليوم الثالث من المحرم ، فلما قرا الكتاب وفهم معناه قام من وقته وركب هو وقومه وزحف بهم على الحسين واصحابه فركب الحسين ولاقاهم وفاتل فيهم بنفسه ساعة من النهار فقتل نحو الف فارس (قال الراوي) روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال سمعت ابي يقول التقى الحسين وعسكر ابن سعد وقاتل فيهم وقامت الحرب بينهم فانزل الله النصر حتى رفرف على راس الحسين ثم خير بين النصرة على اعدائه وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه على النصرة على اعدائه فقاتل فيهم حتى قتل منهم الف فارس ورجع الى قومه وبرز واحد وحمل على القوم ولم يزل يقتل فيهم حتى قتل منهم مائة وعشرين فارسا ثم قتل رحمة الله عليه فعند ذلك حمل الحسين على القوم وقتل حوله خمسمائة وجمله حتى اتى به الى خيمة الحريم ووضعه وقابل الجيش باصحابه فبرز من عسكر ابن سعد فارس واتى الى الحسين وقال يا ابا عبد الله اعلم انا حجر بن الحر وانا استشهد بين يديك وبرز في قوم ابن سعد وحمل فيهم ولم يزل يقاتل حتى قتل منهم مائة وعشرين فارسا ثم قتل رحمه الله فلما نظر إليه ابوه فرح فرحا شديدا وقال الحمد لله الذي استشهد ولدي قدام الحسين ثم اتى الى الحسين وقال يا مولاي ولدي استشهد بين يديك وانا تابع له فقال الحسين اصبر حتى اتى بابنك وحمل على القوم ولم يزل يقاتل فيهم حتى قتل منهم ثمانمائة وحمل
[ 37 ]
الحجر وانى به الى خيمة الحريم ووضعه فقال له الحر انذن لي بالبراز فقال له ابرز شكر الله فعلك فبرز وهو يقول هذه السجعات : اني انا الحر ومقري الضيف * اشرب في اعناقكم بالسيف عن خبر من حل بلاد الخيف * اضربكم ولا ارى من خوف ثم حمل على عسكر ابن سعد ولم يزل يقاتل فيهم حتى قتل منهم خمسمائة فلما نظر ابن سعد الى فعله قال يا ويلكم من هذا ؟ فقالوا له الحر بن يزيد هو وولده عصوا علينا وصاروا الى نصرة الحسين فقال عليه برماة النبل فافبل عليه سبعمائة رام وجعلوا يرشقونه بالسهام حتى صيروره هو وجواده مثل القنفذ من كثرة النبال فوقع في عين جواده سهم فاضطرب به الجواد وشب به فرماه الى الارض فناداهم ابن سعد يا ويلكم ادركوه فتكاثروا عليه واخذوه اسيرا الى عمر بن سعد فامرهم برمي راسه عن بدنه فقطعوها ورموها الى الحسين فاخذها وجعلها بين يدين وقال رحمك الله يا حر وجعل يمسح الدم عن راسه وثناياه ويقول ما اخطات امك إذا سمتك الحر فانت حر في الدنيا والاخرة ثم بكى وجعل يقول : لنعم الحرب حرب بني رياح * صبور عند مشنبك الرماح ونعم الحر إذ نادى حسينا * وجاد بنفسه عند الصباح ونعم الحر في وهج المنايا * وذي الابطال تخطوا بالرماح لقد فاز الالى نصروا حسينا وقد حازوا السعادة بالنجاح ثم انه وضع راسه بين القتلى وحمل على القوم ولم يزل يقاتل فيهم حتى قتل منهم حوله الفا وخمسين فارسا وحمله واتى عند القتلى ووضعه وقابل الجيش بعزمه فسار شمر بن ذي الجوشن وقال لقومه يا ويلكم كروا عليه من كل جانب ومكان فحملوا عليه حملة رجل واحد فلاقاهم الحسين بنفسه وحمل في اواسطهم وجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا وكان يحمل على القوم كحملة والده وياخذ الفارس بيده ويضرب به الاخر فيموت الاثنان وياخذ الاثنين باليدين ويضرب مبهم الاثنين فيموت الاربع والميمون
[ 38 ]
يفضم بفمه على الفارس يقتله ويضرب برجله الفارس فيقتله ويضرب بذنبه الفارس فيقتله ولم يزل كذلك بكر عليهم حتى ترك الرجال تحت سنابك الخيل فلم يترك منهم الا جريحا وصريعا وهاربا فعند ذلك القى الله في قلوبهم الرعب منه ومن حربه ثم انه رجع الى الخيمة وانشد يقول : انا ابن علي الطهر من آل هاشم * كفاني بهذا مفخرا حين افخر وجدي رسول الله اكرم خلقه * ونحن سراج الله في الخلق يظهر وفاطمة امي سلالة احمد * وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر وفينا كتاب الله انزل صادقا * وفينا الهدى والوحي والخير يذكر ونحن امان الله للخلق كلهم * نقول بهذا للانام ونجهر وشيعتنا والله اكرم شيعة * ومبغضنا يوم القيامة يخسر ثم اشتد العطش بالحسين واصحابه وحريمه فشكو إليه ذلك فدعا باخيه العباس وقال له يا اخي اذهب الى الفرات لعل ان تاتي بشئ من الماء فقال له سمعا وطاعة وسار العباس الى ان اشرف على الفرات فصاحت به الرجال وتبادرت إليه الابطال فصبر لهم وقاتلهم قتالا شديدا وقتل منهم رجالا وجندل ابطالا فتفرقوا من بين يديه فعند ذلك نزل وانكب على الماء وشرب وسقى جواده واراد ان يملا فربة كانت معه فحملوا عليه فركب جواده وقابلهم بسيفه وقد سدوا عليه المشرعة وحالوا بينه وبين الحسين وبين الماء فحمل عليهم وانشد وجعل يقول صلوا على طه الرسول : نحن الفواضل نسل الهاشميات * لسفك تلك الدما بالمشرفيات يا آل اللئام وابنا الرعيات * يا جدنا لو ترى هذه الرزيات يا خيرها عصبة جادت بانفسها * ولم تقصر لدى ارض الغديرات الموت تحت ذباب السيف مكرمة * إذا كان من بعده اسكان جنات لا تأسفن على الدنيا ولذتها * فعند جدي تمحي كل زلات (قال الراوي) فحملت عليه الرجال من كل جانب ومكان فصرخ فيهم وحمل عليهم حملة منكرة وجندل الابطال وافنى الرجال فلما نظر
[ 39 ]
مارد بن صديق الى العباس وفعله بالابطال مزق ثوبه ولطم وجهه وقال لقومه ويلكم لو كان كل منكم ملا كفه ترابا ولطمه به لطمستموه ثم نادى يا معشر الناس من كان عليه لليزيد بيعة أو طاعة فليعتزل عن القتال فانا لهذا الغلام الذي افنى الابطال فقال ابن ذي الجوشن نحن نترك القتال ونبعث لليزيد كتابا انك انت واخوك تاتي بالقوم جميعا ثم اشار للقوم ان يعتزلو عن القتال فاعتزلوا واقبل المارد الى نحو العباس وهو منفرد بنفسه متدرع بدرعه وعلى راسه بيضة عمادية وهو راكب على فرس اشقر وبيده رمح طويل ، فلما نظره العباس قد انفرد بنفسه تأهب له حتى دنا منه وصاح به يا غلام ارم حسامك واظهر للناس استسلامك فان الذين برزوا اليك كانوا رفيقين بك وانا رجل قد نزعت من قلبي الرحمة ونزل مكانها النقمة وما سمتى ان احتوى على كبير الا واتركه حقيرا غير اني لما نظرت الى حداثه سنك وملاحة وجهك رق لك قلبى فارجع ولا تباه بنفسك وفي هذا كفاية للعاقل واني لم اسمح به لاحد غيرك وانشد وجعل يقول : ولقد نصحتك ان قبلت نصيحتي * خوفا عليك من الحسام القاطع مارق قلبي في الزمان على فتى * الا عليك من الحسام القاطع واعط القياد تعيش ارغد عيثة * اولا فدونك من عذاب واقع (قال الرواي) فلما سمع العباس من المارد هذا الكلام قال يا عدو الله اراك نطقت بالجميل غير اني ارى حبك في سباخ بذرته أو في صخر زرعته فصارت ارضه بوارا وبعيد انك تحتوى على الشمس بحيلتك أو تخرق البحر بزجرتك والذي املته ان استسلم اليك والقي يدي في يديك فانه بعيد والوصول إليه صعب شديد واما ما ذكرته من ملاحة وجهي وحداثه سني فليس ذلك بضاري لاني اعرف من شريف نسبتي وذكاء عقلي وما قد استفدته في ديني مع رياضة نفسي ودخولها وخروجها ومعرفتها بمن ابعاد بها والصر على ملاقاة الرجال ومواجهة الابطال والخبرة بالضرب والطعان ومعالجة الفرسان والصبر على البلاء والشكر على الرخا والتوكل على الله
[ 40 ]
والاشارة في كل شئ إليه فمن كانت هذه لاوصاف فيه فلا يجب ان يخاف ولا يبوله امر ، واما انت يا عدو الله وعدو رسوله فقد خلت منك الفضائل والخصال والاداب وقد عرفت يا عدو الله ان لي اتصالا برسول الله وانا غصن من اغصان تلك الشجرة ومن كان من هذه الشجرة فثقته بالله فلا يدخل تحت الزمام ولا يستسلم من خوف الحسام وإذا كان ابي علي بن ابي طالب ما ارجع عن منازل ولا افزع من مقاتل ولا اخشى من كثرة القبائل ولا اولى الادبار من كل كافر غدار ولا اسخط فعل الرحمن فانا منه كالورقة من الشجرة فان كنت ظننب اني استسلم اليك فقد خاب ظنك وذهب بها ضدك فنحن ليس ممن ياسف على الحياة ولا يجزع من الوفاة واني اعلم ان الذي في الجنة افضل من هذه الدنيا فكم من صبي صغير افضل عند الله من شيخ كبير (قال الرواي) فلما سمع المارد كلام العباس خفق عليه كالعقاب الكاسر وظن ان الامر عليه هين فمكنه العباس من نفسه حتى وصل إليه سنان رمح المارد فجذبه العباس بيده جذبة عظيمة كادت ان تلقيه على الارض فخلى المارد الرمح من يده وقد خجل عندما مسك العباس رمحه ثم اعاده إليه وقال يا عدو الله وعدو رسوله انا ارجو الله ان اقتلك بسنان رمحك هذا فجال المارد وانتشط وعظم منه الانتشاط فهم به العباس وطعن جواده على خاصرته فشب الفرس ووقع على الارض فلم يكن للمارد طاقة على قتال العباس راجلا لعظم جسمه وثقل خطوته وغلظ بدنه فاضطربت الصفوف وماجت الابطال ونادى الشمر في قومه يا ويلكم ادركوا صاحبكم بجواد والا فهو مقتول لا محالة قال فخرج إليه غلام اسود يقال له صارفة بحجرة يقال لها الطاوية وهي تضاهي الريح ، فلما نظرها المارد ضرخ بصوت كصوت البعير يا غلام عجل بالطاوية قبل حلول الداهية فاسرع الغلام إليه بها فكان العباس اسرع الى الطاوية من عدو الله فوثب وثبة الاسد ووصل الى الغلام صارقة وطعنه العباس في ليته فجند له يخور في دمه واحتوي على الطاويه وصار على ظهرها واطلق جواده
[ 41 ]
فخرق الصفوف واتى الى الحسين ، واما المارد فلما راى العباس زكب الطاوية تخيل عقله وظهر جهلة واصفر لونه وارتعدت فراصه وصرخ صرخة وقال اغلب على جوادي واطعن برمحي بالها من معرة ، فلما سمع الشمر كلامه اطلق عنانه إليه وتبعه سنان بن انس النخعي وخولى بن يزيد الاصبحي وجميل ابن مالك لنحاربي ثم تبعهم الجيش وارخوا الاعنة وقوموا الا سنة وتبادروا العباس ومالوا نحوه فناداه الحسين يا اخى ما انتظارك بعدو الله وقد ادركتك اللئام فنظر العباس الى سرعة الرجال فكان اسرع منهم الى خصمه وقال له تجرع من سناني كاسا رويا وضربه بالسيف فقطع يده واخذ منه الرمح فقال له مهلا يا عباس اكن لك خادما فقال وما اصنع بك ثم طعنه طعنة عظيمة فذبحه من اذنه الى اذنه فمات ثم حمل على القوم وجال في اواسطهم وهو على الطاوية فما كان غير قليل حتى قتل منهم مائتين وخمسين فارسا وكان قد قتل منهم خمسمائة وعشرين فرجعت عنه الاعداء مكسورة وقال له الحسين يا اخي الى متى ابادر هم عنك فقال له العباس اين المفر من القضاء ، ثم انه جعل يقاتل حتى ركبته الخيل فرجع يطلب اخاه الحسين فصاح به الشمر يا ابن علي قد ارجعت المارد عن الطاوية وهي التي قد رحل عنها اخوك الحسن يوم سبط المدائن ، فلما وصل الى اخيه الحسين ذكر له مقالات الشمر فقال نعم هذه الطاوية التي كانت لملك الرى فلما قتله ابوك وهبها لاخيك الحسن ورحل عنها يوم السبط المدائن فلما دنت الطاوية من الحسين جعلت تلمس راسها بثيابه كأنها ما فارقته يوما واحدا ، ثم انه قال للعباس ادخل الى الحريم ودعهم وداعا من لا يعود فدخل وكان له زوجة وولدان فلاقوه وقالوا له قد اشتد بنا العطش فقال لهم مهلا ، ثم انه سمع اخاه الحسين وهو يقول ادركني يا اخي فخرج إليه فوجده يقاتل في القوم والخيل قد احدقت به وهو يدافع عن نفسه وقد قتل منهم مائتين وثمانين فحمل فيهم العباس وصدهم عنه وقال يا اعداء الله ورسوله لو كان معنا نصفكم لقتلناكم جميعا ، فبينما العباس في الحرب مع القوم إذ كمن له رجل يقال له زرارة بن محارب فلما مر عليه
[ 42 ]
العباس طلع عليه وضربه على يده اليمنى فبراها كبري القلم وذلك بعد ان قتل منهم اربعمائة خمسين فلم يبرح عنه بل اخذ السيف بيده الشمال والتفت الى الحسين وجعل يقول : والله لو قطعتم يميني * لا حمين جاهدا عن ديني وعن امام صادق امين * سبط النبي الطاهر الامين (قال الراوي) وحمل على القوم فقتل منهم خمسين فارسا بشماله فقرب منه عبد الله بن شهاب الكلبي فقطع شماله فاخذ السيف بساعده وضمه الى صدره وانشد يقول : يا نفس لا تخشى من الكفار * وابشري برحمة الغفار مع النبي سيد الاطهار * قد قطعوا ببغيهم يساري وقد طغى فينا ولاة العار * فاصلهم يا رب حر النار ولم يزل يحمل عليهم ويداه ينضحان دما وقد ضعف منهم عن القتال وهو يقول هكذا الاقى جدي المصطفى وابي عليا المرتضى فحملوا عليه بعد ان قتل منهم خمسة وثلاثين ثم ضربه رجل منهم بعمود من حديد على راسه فقلقها فانصرع الى الارض وهو ينادي يا اخي يا حسين عليك منى السلام فحمل الحسين على القوم وحاربهم حربا شديدا حتى قتل منهم ثمانمائة فارس واتى إليه وحمله وانى به وطرحه بين القتلى وبكى عليه بكاء شديدا ثم خرجت النساء وبكين عليه وعلت اصواتهن بالبكاء والنحيب حتى بكت لبكائهن ملائكة السماء فادخلهم الحسين الى الخيام وكان الليل قد اتى فاتوا تلك الليلة وهم يسبحون الله تعالى ويحمدونه على ما حل بهم (قال الراوي) فلما اصبح الله بالصباح ركب القوم ورجعوا على الحسين فتذكر اخاه العباس وشفقته عليه وجعل ينادي واغواني بك يا الله واغياثاه ثم خرج من قومه فارس بعد فارس وكل منهم يقتل مقتلة عظيمة ثم يقتل فيحمل على القوم ويقتل منهم نحو المائتين والثلاثمائة والاكثر والاقل ثم يحمله واتي به الى موضع القتلى ولم يزل حتى قتلوا جميع الانصار والمهاجرين
[ 43 ]
الذين معه وهو ياتي بهم واحدا بعد واحد ويفعل بالقوم حسب ما ذكر ، ثم لما راى انه لم يبق معه الا ابن عمه وبنو اخوته واولاده جعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير ناصرا ولا معينا فعاد ينادي واغوثاه بك يا الله واقلة ناصراه اما من معين بعيننا ؟ اما من مساعد يساعدن اما من طلب جنة يطلب نصرنا فخرج عليه من الخيمة غلامان كأنهما الاقمار احدهما ابن العباس والثاني اخوه القاسم وهما يقولان لبيك يا مولانا ها نحن بين يديك فقال كفا كما قتل والدكما فقالوا لا والله يا عمنا بل انفسنا لك الفداء ائذن لنا بالبراز فقال لهم عند الصباح وكان الليل قد اقبل فباتوا وهم مشتغلون بالتهليل والتكبير ومستغيثون بالله الملك القدير (قال الرواي) ولما اصبح الله بالصباح واضاء بنوره ولاح ركب القوم وزحفوا على الحسين فقام ولد العباس وقال ائذن لي يا عماه بالبراز فقال له ابرز بارك الله فيك وجعل يقول : اقسمت لو كنتم لنا اعدادا * ومثلكم وكنتمو فرادى يا شرحبيل سكنوا البلادا * وشر قوم اظهروا الفسادا تركتكم وجمعكم تمادى * ارمي الرؤوس بعد والا جسادا ثم انه حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل منهم مائتين وخمسين فارسا قال مسلم الخولاني كان بجانبي رجل عظيم الخلقة فقال والله لا قتلن هذا الغلام فاني اراه شجاعا فقلت له الم تعلم قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلم يتلفت الي وحمل على الغلام وهو مشغول بوهم الحرب فضربه ضربة عظيمة جند له يخور في دمه فصاح يا عماه ادركني فحمل الحسين وفرقهم عنه واتى عنده فوجده يضرب الارض برجليه حتى مات رحمة الله عليه فبكى الحسين وقال يعز على عمك يا ابن اخي ان تستجير به فلا يجيرك ثم حمله ووضعه بين القتلى فلما نظره القاسم قال يعز علي فراقك ثم برزو قال لا حياة لي بعده وكان له من العمر تسع عشرة سنة وانشد يقول : اليكم من بني المختار ضربا * بشيب لهو له الطفل الرضيع الا يا معشر الكفار جمعا * هلموا دونكم ضرب قطيع ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل فيهم حتى قتل منهم ثمانمائة ثم رجع الى
[ 44 ]
الحسين وقد غارت عيناه من العطش وهو ينادي ادركني بشربة ماء اتقوى بها على عدوي ففال اسير قليلا حيت تلقى جدك المصطفى يسقيك بكاسه الا وفى شربة لا تطما بعدها ابدا فرجع وقاتل حتى قتل منهم عشرين فارسا ثم استشهد رحمة الله عليه فحمل الحسين على القوم وقتل ممن حوله اربعمائة فارس وحمله ووضعه مع القتلى ثم برز علي بن الحسين واستاذن اباه في القتال فاذن له ثم نظر الى وجهه واسبل عبرته وقال اشهد الله انه برز له اشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا ، ثم ان ولده عليا الاكبر حمل على القوم رهو ينشد ويقول هذه الابيات : اني علي بن الحسين بن علي * ونحن وحق الله اولاد النهي اطعنكم بالرمح طعنا صيبي * اضربكم بالسيف احمى عن ابي ضرب غلام هاشمي عريي * من آل بيت الهاشمي اليثربي ثم انه حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل منهم خمسمائة فارس ثم عاد الى ايبه وقد غارت عيناه من العطش وقال يا ابي قتلني العطش فبكى وقال يا بني قاتل ما اسرع الملنقى بجدك المصطفى يسقك بكاسه الا وفي فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل منهم احدا وثمانين رجلا ثم ضرب على راسه فسقط من على ظهر جواده الى الارض ثم استوى جالسا يقول يا ابت هذا جدي وهذا ابي وهذه جدتي فاطمة ثم استشهد رحمة الله عليه ، ثم ان الحسين حمل على القوم وقصد الذي قتله وضربه على عانفه فاخرج السيف من ظهره وحمل على القوم وفرقهم عن ولده وبكى عليه بكاء شديدا وقال يا بني يعز علي فراقك وحمله عند القتلي وصارت امه سهرانة ولهانة وهي تنظر إليه وتبكي وزينب تنادى واحبيباه يا اين اخي ثم اخذهما الحسين وردهما الى الخيمة ثم برز مسلم بن مسلم بن عقيل وجعل يقول : اليوم القي مسلما وهو ابي * وفتية ماتوا من اتباع النبي والتقى بسادة نالوا المنى * اولاد مولانا الرسول العربي ثم حمل على القوم وقاتل فيهم حتى قتل منهم تسعين فارسا وقتل رحمه الله ، ثم
[ 45 ]
برز من بعده جعفر اخوه وحمل فيهم وقتل منهم خمسة عشر فارسا وقتل رحمه الله تعالى ثم برز من بعده عبد الرحمن اخوه وقاتل حتى قتل خمسين فارسا وقتل رحمه الله ثم برز من بعده عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وقاتل فيهم حتى قتل عشرة فرسان وقتل رحمه الله ثم برز من بعده اخوه عون وقاتل حتى قتل ستة وعشرين فارسا وقتل رحمه الله ، ثم برز من بعده عبد بن الحسين وقاتل حتى قتل منهم اربعة عشر فارسا وقتل رحمه الله ، ثم برز من بعده اخوه القاسم وقاتل حتي قتل عشرين فارسا ثم ضربه ابن فضل الاسدي فوق راسه فوقع على الارض وهو ينادي يا ابتاه فجال الحسين كما يجول الصقر وضرب ابن فضل بسيفه فقسمه نصفين فصار حتى سمعه القوم فحملوا ليستنفذوه فوطئته الخيل ونظروا الحسين وهو قائم على راسه الغلام يبكي ويقول بعد اليوم خصمهم يوم القيامة جدي ثم حمله كما هي عادته انه إذا قتل احدهم يجول جولة ويقتل مقتلة عظيمة ثم يحمله ويضعه عند القتلى ويقول قتلت مثل اصحاب النبي وءال النبي ولم يزل كذلك حتى قتلوا عن اخرهم وهم سبعة عشر منهم العباس وعبد الله وجعفر وعمر وعثمان هؤلاء الخمسة اخوة الحسن من علي وامهم ام البنين ومنهم أبو بكر وعمر اولاد علي وامهم ليلى ومنهم عبد الله وعلي اولاد الحسين ومنهم محمد والقاسم اولاد الحسن ومنهم محمد وعون اولاد عبد الله بن جعفر بن ابي طالب اخي الامام علي منهم عبد الله وجعفر وعبد الرحمن اولاد عقيل بن ابي طالب اخي الامام علي ومنهم عقيل بن جعفر بن ابي طالب فهؤلاء السبعة عشر من بني هاشم جعفر مما يلي رجلى الحسين ودفنوا فيها الا العباس فانه دفن في موضع مقتله بطريق الغادرية وقبره ظاهر واما اخوته الذين ذكروا فمن اراد زيارتهم فعليه بقبر الحسين ويومئ الى نحو رجليه رضي الله عنه وعنهم واما اصحابه الذين استشهدوا بين يديه ودفنوا حوله فلا يعرف لهم اجداث على التحقيق ولا شك ان الحاجز محيط بهم رضوان الله عليهم اجمعين اما الحسين فلما قتل من معه جميعا نظر يمينا فما لقي معينا ونظر يسارا فما لقي مجيرا بل راى رفقته كلهم
[ 46 ]
امواتا وبقى وحيدا فرفع راسه الى السماء وقال اللهم انك ترى ما صنعوا ثم بكى وجعل يقول : يا رب لا تتركني وحيدا * بين اناس اظهروا الجحودا وصيرونا بينهم عبيدا * يرضون في افعالهم يزيدا وكل شخص قد مضى شهيدا * مجندلا في دمه فريدا ثم دخل الخيمة وقال يا اختي يا زينب ناوليني ولدي الصغير حتى اودعه فقالت له هذا ولدك منذ ثلاثة ايام لم يذق الماء فلعلك تطلب له من القوم شربة ماء ثم ناولته له فصار يقبله وهو يتقلب في يديه من شدة العطش ثم تقدم الى القوم وقال لهم قتلتم من معي ولم يبق غير هذا وليس لكن عليه ثار وهو يتلظى عطشا فاسمحوا لي بشربة ماء فبينما هو يخاطبهم وإذا بسهم مسموم من فاجر وقع في نحر الولد فذبحه فجعل ابوه يتلقى الدم بيده ويقول اللهم اني اشهدك على هؤلاء القوم ثم رجع ودفعه لام كلثوم فضمته الى صدرها وبكت وبكين معها جميعا حتى ملائكة السماء ثم انها جعلت تقول : لهف قلبي على الصغير الظامي * فطمته السهام قبل الفطام غرغروه بدمه وهو طفل * لهف قلبي عليه في كل عام احرقوا قلب والديه عليه * ورموه بنبلة وانتقام حاكم بيننا الاله جميعا * ولدى الحشر عند فصل الخصام ثم ان الحسين اراد وداع النساء وهو ءايس باكي العين فلاقته اخته زينب وقالت له لا ابكى الله لك عينا فقال كيف لا ابكي وعما قليل تساقون بين العداء ؟ ونادى يا ام كلثوم يا رقية يا عاتكة يا سكينة عليكن مني السلام فقالت ام كلثوم يا اخي استسلمت للموت فقال كيف استسلم ونفسي بيد غيري فلما سمعته سكينة رفعت صوتها بالبكاء والنجيب فعند ذلك بكى الحسين وجعل يقول : سيطول بعدي يا سكين فعاني * منك البكاء إذا الحمام دعاني
[ 47 ]
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في الجسمان فإذا قتلت فبعد ابكي بالذي * تاتي به يا خيرة النسوان فابكي وقولي يا قتيلا قد مضي * عجلا على شط الفرات وعاني فابكي وقولي هدركني بعدما * كانت تزعزع منه بالاركان تدكنت آمل ان اعيش ظلمه * ابدا من الايام ما يرعاني ادني الينا يا سكينة عاجلا * حتى أو دعكي وداع الفاني اوصيك بالولد الصغير وبعده * الال والايتام والجيران فإذا قتلت فلا تشقى مئزرا * ايضا ولا تدعي ثبور هوان لكن صبرا يا سكينة في القضا * ها نحن اهل الصبر والاحسان لي اسوة بابي وجدي واخوتي * اخذوا حقوقهم بنو الطغيان (قال الراوي) ثم انه خرج من الخيمة وركب جواده وحمل على القوم فانهزموا من بين يديه كالجراد المتشر فرجع وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم رجع إليهم ثانيا وقال لهم ويلكم على ماذا تقتلونني ؟ اعلى عهد نكثته ؟ ام على سنة غيرتها ؟ ام على شريعة بدلتها ؟ ام على حق تركته ؟ فقالوا تقتلك بغضا منا لابيك ، فعند ذلك غضب الحسين غضبا شديدا وجعل يقول : خيرة الله من الخلق ابي * بعد جدي وانا ابن الخيرتين والدي شمس وامي قمر * وانا الكوكب وابن النيرين فضة قد صيغت من ذهب * وانا الفضة وابن الذهبين من له جد كجدي المصطفى * أو كامي في جميع الثقلين فاطم الزهراء امي وابي * فارس الخيل ورامي النبلتين هازم ابطال في هيجانه * يوم بدر ثم احد وحنين ابن عم المصطفى من هاشم * وشجاع حامل للرايتين ترك الاصنام لم يسجد لها * مع قريش مذنشا طرفة عين اخرت عن سيرها له الشمس له * ليصلي ركعة أو ركعتين
[ 48 ]
عبد الله غلاما ناشئا * وقريش يعيدون الصنمين يعبدون اللات والعزى معا * وعلي قائم بالركعتين جدي المرسل مصبا الدجى * وابي المعروف يوم الوقعتين عروة الدين علي ذو العلا * ساقي الحوض امام الخافقين اظهر الاسلام رغما للعدا * بحسام قاطع ذي شفرتين مع رسول الله يسعي نازلا * قاتل الابطال والموفي لدين كلمة الدين وفاة وحياة * قاتل الجن ببئر العلمين ترك الاصنام خفضا نازلا * ووفى الحرب فوبق النيرين واباد الكفر في حملته * برجال ابرقوا في العسكريين فانا ابن العين والاذان التي * اذعن الخلق لها في الخافقين وبنا جبريل اضحى فاخرا * وقضى عنا أبو ناكل دين فجزاه الله عنا صالحا خالق العالم مولي المعشرين ثم حمل على القوم وصرخ في وسطهم ودار فيهم وجعل يحصد الابدان حصدا ويضرب فيهم ذات الطول والعرض وذات اليمين والشمال حتى ترك الرجال تحت سنابك الخيل ودماؤهم كالانهار ثم ولى النهار فرجع الى الخيمة وجراحاته تشخب دما ثم ضبط القوم كم قتل منهم في ذلك النهار فإذا هم الف وخمسمائة وعشرون فارسا فعند ذلك نزل الرعب في قلوبهم ، واما الحسين فقد بات تلك الليلة وقد اشتد به العطش (قال الراوي) فلما اصبح الله الصباح حمل على القوم ودخل المشرعة ونزل الى الماء فلما احس الجواد بالماء اراد ان يشرب فقال له الحسين يا ميمون انت عطشان وانا عطشان والله ما تشرب حتى روي فلما سمع كلامه امتنع من الشراب ، ثم ان الحسين نزل من فوق ظهره فرماه ابن نمير بسهم فوقع في فخذه فنزعه وتلقى الدم بيده وقال يا رب اليك المشتكى ممن اراقوا دمي ومنعوني شرب الماء انا ومن معي ثم اغترف الماء بيده واراد ان يشرب وإذا بعمر بن سعد قال يا قوم وحق بيعة يزيد ان روى الحسين الماء افناكم جميعا فناداه خولي
[ 49 ]
ابن يزيد الاصحى يا حسين خيمة الحريم حرقت وانت حي فنقض الماء من يده وركب جواده واقبل نحو الخيمة فوجدها سالمة فعلم انها مكيدة ، واما ام كلثوم فقالت يا سكينة قد جاءنا الماء فخرجن جميعا فراوه وهو مخضب بدم الجراح فصرخن بالبكاء والنحيب فقال لهم تعزين بعزاء الله ثم رجع يطلب الماء فلم يصل إليه فحمل على القوم وهو كالاسد فتناهضت الابطال واحتاطت به الرجال وتراشقوه بالنبال وهو بزعق فهم ويزداد انتشاطا حتى قتل منهم الفا وستمائة فارس وهو مع ذلك يطلب شربة ماء وقد ضعفت قوته ونشف فمه ولسانه من العطش وقد اصابه من القوم جراح كثيرة وصارت النبال في درعه كللشوك في جلد القنفذ فوقف يستريح لضعفه عن القتال فاتاه سهم له ثلاث شعب فوقع في قله فقال : بسم الله الرحمن الرحيم وبالله وعلى ملة رسول الله ثم نزع السهم فخرج من موضعه مزرات من الدم فغضب لذلك وصار كلما اتاه رجل من كندة صرفه عن نفسه بنفسه وقد تشتد عله حاله وامره فلما ضعف وقلت همته اته رجل من كندة يقال له مالك بن بشير وضربه على راسه فامتلا السيف دما متبادرت إليه الفرسان من كل جانب ومكان وطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط الى الارض على فخذه الايمن ثم ضربه زرعة بن شريك على كتفه الايسر فصرعه فضربه اخرى على عاتقه فاكبه على وجهه فطعنه سنان بن انس النخعي في ترقوته ثم طعنه الاخرى في صدره فجلس قاعدا فرماه بهم في نحره ثم نزعه وجعلوا يتلقون الدم بايديهم جميعا وخضوا به راسه ولحيته وهو يقول هكذا الاقى الله وانا مظلوم مخضب بدمي مغضوب منى حقي فقال عمر بن سعد لرجل انزل له واذبحه فبادر إليه ابن زيد الاصبحي ليحز راسه فارتعد ورجع فنزل إليه سنان بن اسد النخعي فاخذ بليحته وجعل يضربه بالسيف في حلقه ويقول والله لاخذن راسك وقد اعلم انك ابن بنت رسول الله ففتح عينيه فيه فولى هاربا فلقيه الشمر بن ذي الجوشن فقال لم لا تقتله ؟
[ 50 ]
فقال قد فتح عينيه في وجهي فتذكرت شجاعة ابيه فخفت منه فقال ويلك هلم الى بالسيف والله لم يكن احدا حق منى بدم الحسين ثم نزل عن جواده واقبل على الحسين وركب على صدره وسل السيف وحطه على نحره وهم ان يذبحه ففتح الحسين عينيه وقال من انت ؟ لقد ارتكبت والله اثما عظيما اما تستحي من الله ورسوله ؟ فقال انا الشمر بن ذي الجوشن فقال الحسين ويلك اما تعرفني ؟ قال انت الحسين وابوك علي بن ابي طالب فقال إذا كنت تعرف ذلك فلم تقتلني ؟ فقال اطلب الجائزة بذلك من اليزيد فقال يا ويلك احب اليك الجائزة من اليزيد أو شفاعة جدي ؟ فقال له دانق من الجائزة احب الى من ابيك وانت فقال إذا ولا بد من قتلي فاسقني شربة ماء فقال هيهات ان تذوق الماء بل تذوق الموت غصة بعد غصة وجرعة بعد جرعة فقال له الحسين اكشف لي عن لثامك فكشفه فإذا هو ابرص اعور ايقع له بوز كبوز الكلب وشعر كشعر الخنزير فقال الحسين الله اكبر لقد صدق جدي فقال له وما قال جدك ؟ فقال قال لي يقتلك رجل فيه اوصاف الكلب والخنزير فقال له تشهني بالكلب والخنزير والله لاقتلنك يا حسين شر قتله واعلم ان ما من مسلم الا وله عند الله شفاعة يوم القيامة الا انا ثم ضرب الحسين في مذبحه بالسيف مرار فلم يقطع منه شيئا فقال والله ان سيفك لا يقطع موضعا يسح الله فاكبه على وجهه وجعل يحز راسه ويقول : اقتلك اليوم ونفسي تعلما * علما بقينا ما به توهما ان ابيك خير من تكلما * وهو صهر للنبي المكرما اقتلك اليوم وسوف اندما * وسوف اصلي آخرا جهنما ثم احترز راسه ورفعه على رمح ودفعه الى ابن زياد الاصبحي وكبر العسكر ثلاث تكبيرات فعند ذلك زلزلت الارض واظلم المشرق والمغرب واخذت الناس الصواعق ثم نادى منادى من السماء قد قتل الامام ابن الامام أبو الائمة وله من العمر ثمانية وخمسون سنة وكان ذلك اليوم يوم الاثنين العاشر من المحرم ثم بعد ان انكشف ما بهم تقسموا سلبه فاخذ عمامته عمر بن
[ 51 ]
يزيد واخذ رداءه يزيد بن سهل واخذ درعه وخاتمه سنان بن انس النخعي واخذ ثوبه ونعله محمد بن الاشعث الكندي واخذ سيفه مالك بن بشير واخذ سراويله يحى بن كعب (قال الراوي) ففي تلك الساعة ارتفع الى السماء غبرة سوداء مظلمة ومعها ريح حمراء ثم ظن القوم ان العذاب قد حل بهم وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال لما قتل الحسين ضحت الملائكة الى الله وقالوا يا ربنا يفعل هكذا بالحسين وهو ابن بنت نبيك ؟ فقال لهم بهذا انتقم منهم ، وعن هلال بن نافع انه قال كنت وافقا مع عمر بن سعد اتحدث وإذا بصباح يقول ابشر ايها الامير فقد قتل الحسين فو الله ما رايت قتيلا مضمخما بدمه مثله ومع هذا قد شغلني نور وجهه وجماله وهيبته عن الفكرة في قتله ثم حصرت ما في بدنه من جراح السيوف والرماح والنبال فوجدتها مائة وعشرين جرحا (قال الراوي) ثم ان جواد الحسين حعل يمهم وتخطى للقتلى في المعركة قتيلا بعد قتيل حتى وقف على الجسد الشريف فوجده بلا راس فجعل يدور حوله وبمرع ناصيته في دمه فلما تظر إليه عمر بن سعد قال للقوم ويلكم ائتوني به فركبوا خلفه وكان من جباد خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم والا اصح انه الميمون ، فلما احس الميمون بذلك جعل يمانع عن نفسه ويلطم ببديه ويضرب برجليه حتى قتل منهم ستة وعشرين فارسا وتسعة من الخيل فصاح عمر بن سعد ويلكم اتركوه لا نظر ما يصنع فبعدوا عنه فلما راى الناس تفرقت عنه امن ورجع الى الجسد الشريف وجعل يمرغ وجهه ويقله بين عينيه ويصهل حتى ملا البرية من صهيله ثم قصد الى خيمة النساء فلما سمعن صهيله اقبلت زينب على سكينة وقلت قد جاء الماء فاخرجي إليه لتشربي فخرجت فوجدت السرج خاليا والجواد يصهل وينعي فصاحت واقتيلاه واغريباه واحسبناه هذا الحسين بين العداء مسلوب العمامة والرداء بدنه بالارض وراسه منقطعة واليوم يصير ماله وعياله بين العدا اواه من نار البلايا غريبا لا يرتجي وجريحا لا يداوى ثم التفت الى الميمون فراته يبكى ويصهل فانشدت
[ 52 ]
فويلك يا ميمون فارجع بسرعة * وخبر عن السبط الشريف هدى العلا واين تركت السبط ميمون قل لنا * واين الذي قد كان للخطب حاملا اميمون تغدر بالحسين وما لنا * كفيل وللحمل الثقيل تحملا اميمون ضيعت الحسين وجئتنا * تحمحم في خيماتنا ثم تصهلا اميمون اسقيت الحسين حمامه * وبين الاعادي في دماء تجندلا اميمون هلا قد فديت جنابه * ولكن قضاء الله اصبح منزلا اميمون اشفيت العدا من ولينا * والقبته بين الاعادي مجندلا اميمون فارجع لا تطل خطابنا * فما عدت ترجو ودنا تؤملا نيتمت باذلى لفقدك يا اخي * وقد عدت بعد العز والمجد مذللا اخي من ترى من بعد فقدك يا اخي * يدافع عنا من بصول من الملا اخي من نراه حاميا ومناصرا * لقد هد هذا اليوم عزمي وعطلا فما اتت شعرها الا وقد خرج النساء بجمعهن وتصارخن ثم بكت فاطمة بنت الحسين وقالت وابتاه واغريباه وضيعتاه بعدك يا ابا عبد الله ثم قالت ، مات الفخار ومات الحود والكرم * واغبرت الارض والافاق والحرم واغلق الله ابواب السماء فلا * ترفى لنا دعوه تجلى بها القم غاب الحسين فو الهفي لغسته * وصلو يعلو علينا بعده الظلم اقوم هل من فدا يا قوم هل عوض * تفديه والله هذى الناس والامم (قال الراوي) قال عبد الله بن قيس رايت الجواد رجع من عند الحريم وحمل على القوم حتى وصل الى الجسد الشريف فحعل ودعه ويمرغ ناصبة فوق اقدامه ويصهل ثم قصد القرات وغص فيه ولم ير له خبر بعد ذلك . وقبل انه يخرج مع المهدى ويكون راكبة ثم النقض امر الميمون امر عمر بن سعد تحصر من قتل منهم في تلك المعركة فبلغوا ثلاثين الف فارس وراجل ثم لما اخبروه بذلك قال دونكم والخيام انهموها فدخلوا وجعلوا يسلبون ما على الحريم والاطفال من اللباس . ثم قطعوا الخيام بالسيوف فخرجت ام كلثوم
[ 53 ]
وقالت يا ابن سعد الله يحكم بيننا وبينك ويحرمك شفاعة جدنا ولا يسقيك من حوضه كما فعلت بنا وامرت بقتال سبط الرسول ولم ترحم صيانه ولم تشفق على نسائه فلم يلتفت إليها ، قالت زينب اخت الحسين كما ذلك الوقت جلوسا في الخيام إذ دخل علينا رجالا وفيهم رجل ازرق العيون فاخذ كل ما كان في خيمتنا التي كنا مجتمعين فيها ثم نظر الى على الصغير ابن الحسين وهو مطروح على قطعة من الاديم فجذبها من تحته ورماه على الارض ثم اخذ قناعي من راسي ونظر الى قرط كان في اذنى فعالجه وقرضه باسنانه قحرم اذني ونزعه وجعل الدم سبل على ثيابي وهو مع ذلك يبكى ثم نظر الى خلخال كان في رحلي فاطمة الصغرى فجعل يعالجهما حتى كسرهما واخرج الخلخال منهما فقالت له تسلينا وانت تبكي فقال يا ابكي لما حل بكم يا اهل البيت قلت زينب فخقتني العبرة مع وجع اذني وبكاء فاطمة فقلت له قطع الله يديك ورجليك واذاقك الله النار في الدنيا قبل الاخرة (قال الراوي) فما كان الا قليل حتى ظهر المختار بن عبد الله الثقفي طالبا بثار الحسين فوقع في يده ذلك الرجل وهو خولي بن يزيد الاصبحي فقال له المختار ما فعلت بعد قتل الحسين ؟ قال اخذت قطعة اديم من تحت طفل مريض وسلبت قناع امراة وقرطا كان في اذنها واخذت خلخالا كان في رجلي طفلة صغيرة فقال له اي ذنب اعظم من هذا ؟ ما سمعت قولها لك ؟ قال سمعتها تقول قطع الله يديك ورجليك واذاقك النار في الدنيا قبل الاخرة فقال والله لا جاوزت دعوتها ثم قطع يديه ورجليه واحرقه بالنار وذهب (قال الراوي) ثم اقبلوا على علي بن الحسين وهو ضعيف وارادوا قتله فلما راتهم ام كلثوم اقبلت وهي حاسرة الوجه وطرحت نفسها عليه ونادت واهتيكتاه واقلة ناصراه يا قوم ان كان ولا بد من قتله فاقتلوني قبله فقال بعضهم لبعض يا قوم هذا صبى صغير فلا يحل قتله ثم ان زينب قالت يا ابن سعد لم تدعوننا ؟ قال اريد بكم عبيد الله بن زياد فقالت يا ابن سعد بالله عليك مر بنا على جسد الحسين حتى نودعه قبل الفراق فقال سمعا وطاعة ثم اخذهن الى
[ 54 ]
الحسين فلما رايته بلا راس صحن وبكين وجعلت زينب تبكي وتقول : لقد حط فينا من زمان نوائبه * وفرقتنا انيابه ومخالبه وجار علينا الدهر في ارض غربة * ودبت علينا بالرزايا عقاربه ارادوا اخي بالقتل عمدا وخبة * وما خلفوه ذا الاسى ونوائبه وجار علينا البين مع غاية الردى * وطمت رزاياه وحلت مصائبه حسن لقد امسى قتلا مجندلا * واظلم من دين الاله مذاهبه فلم يبق لي ركن ألوذ بظله * ومن ذايعاني الدهر من ذايغالبه وفرقنا هذا الزمان مشتتا * وارخت علينا الفاجعات نكائبه ثم انها لما فرغت من شعرها صاحت سكينة وجعلت تقول : قد سبتا حسين هذى الاعادي * مثل سبى العبيد بين البوادي قد سبوا مهجتي بقتل حسين * وهو سؤلى وغيتي ومرادي يا وحيد الزمان قرة عيني * قد قضوا منك مالهم من مرادي ابن بنت رسول الله على * انت هادى الورى طرق الرشاد رفعوا راسه على راس رمح * ولها بارق كقدح الزناد وبنوا احمد يقادون جهرا * ويطعن العدو فوق الجياد وكذلك نحن عدكم هتكونا * ورمونا بمقتهم والعناد ما رعوا حرمة لمجد نبي * سد فاق بالهدى والرشاد ظلموا بنته البتول وعائوا بفساد لهم بكل عناد وعلي المرتضى فجعوه * بحسن ورهطه في الجلاد يا ابن سعد قد ارتكبت عظيما * سوف تصلى السعير يوم المعاد يحكم الله بيننا وعليكم * ذلك الحشر بين كل العباد (قال الراوي) قال بعضهم لم انس زينب وهي واضعة يدها على راسها وهي تقول : وا محمداه هذا الحسين مزمل بالدماء صريع بكربلاء مقطع
[ 55 ]
الاعضاء وبناتك سبايا والى الله المشتكى والى محمد المصطفى والى علي المرتضى والى حمزة سيد الشهداء قال ثم بكت وقالت والله على كل شئ شهيد وحفيظ ، ثم انها اخذت بيد فاطمة الصغرى بنت الحسن وهو كان يحبها حبا شديدا فجعلت تمرغ خدها وشعرها في منخر ابيها وهي تنادي وا ابتاه يعز علي والله ان اناديك وتخيبني (قال الراوي) فامر ابن سعد ان تؤخذ النساء عن جسد الحسين بالرغم عنهن فحملوا على اقطاب الجمال غير غطاء ولا وطاء مكشوفات الوجوه بين الاعداء وساقوهم كما تساق سبايا الروم في شر المصائب والهموم وتركوا القتلى مطروحين بارض كربلاء فتولى دفنهم قوم من الجن فصلوا على تلك الجثث الطاهرة المزملة بالدماء ودفنوهم على ما هم عليه وارتحل العسكر الى الكوفة ومعاهم ثمانية عشر راسا عاوبة قطعوهم وقت قطع راس الحسين وهم اخوته واولاده وبنو عمه وحملوهم على اطراف الرماح وشهروها على الاعلام وراس الحسين قد صعد لها نور من الارض الى السماء مثل العمود المستقيم بلا انحراف وكان القوم يسبرون في الظلام على نوه وصيروه على راس عمر بن سعد الى ان دخلوا الكوفة ، قال مسلم الحصاص كنت في ذلك اليوم دعيت لا جصص دار ابن زياد فبينما انا اشتغل وإذا بالاصوت وقد رفعت في جوانب الكوفة فسالت خادما عن ذلك فقال ستأتي الينا رس خارجي فقلت ما اسم صاحبها فقال لي الحسين فلما سمعت ذلك تركتها حتى خرج ثم لبست عمامتي وثيابي بعد ان غسلت وجهى ويدي ورحلي وخرجت من القصر فوصلت الراس وايا على بكاء عظيم فرايت اهل الكوفة لا بسنن الثياب الفاخرة وهم يرتقبون راس الحسين عند دخولها وبعد قليل اقبلت الجمال عليها حريم الحسين والشهداء وهم بغير وطاء ولا غطاء وزين العابدين راكب على بعير وهو ضعيف ورايت افخادهم تشخب دما ولما راى زين العابدين اهل الكوفة مرتقبين دخولهم مع راس ابن بنت سيد المرسلين بكى بكاء عظيما ثم انشد وجعل قول .
[ 56 ]
يا امه الشر لا يدنو مزاركم * يا امة ما تراعي جدنا فينا غدا فان رسول الله يجمعكم * يوم القيامة عدوا ما تقولونا يا امة الشر ما هذا الترقيب في * تلك المصائب لا تبكون داعينا تصفقون على ايديكمو فرحا * وانتم في فجاج الارض تسبونا اليس جدي رسول الله ويحكمو * اهدى البرية عن سبل المضلينا (قال الراوي) فصار اهل الكوفة يناولون الاطفال الذين في المحافل الخبز فصاحت ام كلثوم يا اهل الكوفة حجر في راس من تصدق علينا ثم اخذت ما اعطوه للاطفال ورمته عليهم فعند ذلك ضجت الناس بالبكاء والنحيب وهم ينظرون إليهم فنظرت إليهم ام كلثوم وقالت غضوا ابصاركم عنا ، فلما سمعنها النساء في الربوع بكين عليهن فقالت ويحكن تقلنا رجالكم وتبكي علينا عيونكم الله يحكم بيننا وبينكم فوالله ما حبست عنا نصرة الله في الدنيا الا لاكتساب نعيم الاخرة لارتفاع مقامنا في الاخرة وانتم سوف تردون الى جهنم يا ويلكم اتدرون اي دم سفكتم واي لحم قطعتم ؟ قال بشير الاسدي نظرت الى زينب بنت علي فكأنها هو ورايتها قد أو مات للناس ان اسكتوا فهدأت الانفاس وسكتت الاصوات ثم قالت : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ايها الناس اعلموا ان مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الاساء ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون قتلتم سبط ختم النبوة سيد شباب اهل الجنة وملاذ خبرتكم ومنار حجتكم ، ويا يلكم اتدرون اي كريمة له سببتم واي دم له سفكم ؟ ثم بكت فتقدمت ام كلثوم وقالت ويكلم قتلتم حسينا وخذلتموه ونهبتهم امواله وورثنموهما وسبيتم نساءه وهتكتموهن اي داهية دهتكم واي مصيبة اصابتكم ؟ وجعلت تقول : قتلتم اخي ظلما فويلكم غدا * ستصلون نارا حرها يتوقد سفكتم دما آل النبي وسفكهما * محرمه رب العباد واحمد الا ابشروا بالنار يا اهل كوفة * جهنم فيها جمعكم يتخلد
[ 57 ]
واني لا بكي في حياتي على اخي * على خير من بعده ليس يوجد (قال الراوي) فضجت الناس بالبكاء فتقدم زين العابدين واوما للناس ان اسكتوا فقال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انا اعرفه بنفسي ، انا علي بن الحسين بن على انا ابن المذبوح بشط الفرات انا ابن من تهتكت حريمه واتهب ماله وسلب ملكه فاي عين تنظرون بها رسول الله إذا قال لكم قتلتم عترتي وهتكتم حرمتي فلستم من امتى ؟ فعند ذلك ارتفعت الاصوات بالبكاء والنحيب وقال بعضهم لبعض هلكتم ، ثم بكى على زين العابدين وجعل يقول : قتلتم عليا قبل ذلكم الرضا * لقد كان خيرا من حسين واكرما فلا تفرحوا يا اهل كوفة بالذي * اصاب حسينا كان ذلك اعظما (قال الراوي) فينا هم في الكلام وإذا بضجة قد ارتفعت والرؤوس قد طلعت من فوق الرماح يقدمهم راس الحسين وهو اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راهم علي زين العابدين سكت من شعره وبكى . (قال الراوي) ثم انهم دخلوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد وانزلوا راس الحسين من فوق الرمح ووصعوها بين يديه فجعل نكت ثناياه ويتكلم بكلام يغضب الله ثم ادخلوا السبايا عليه واوقفوهم بين يديه فقال علي سوف تقف وتقفون ونسئل وتسئلون فاي جواب تردون وبخصام جدنا لكم الى النار تفادون ، فسكت ابن زياد ولم يرد له جوابا ثم قال ايكم ام كلثوم فقالت ما تريد مني يا عدو الله فقال فيحكم الله فقالت يابن زياد وانما يقبح الفاسق والكاذب وانت الكاذب والفاسق فابشر بالنار فضحك من قولها وقال ان صرت الى النار في الاخرة فقد بلغت مرادي وما اومله . فقالت يا ويلك قد ارويت الارض من دم اهل البيت فقال لها انت شجاعة مثل ابيك ولو لا انك امراة لضربت عنقك فقالت لولا اني شجاعة ما وقفت بين يديك ينظر الي البر والفاجر وانا مهتوكة الخباء واخواتي بين يديك من
[ 58 ]
غير غطاء قال وكانت زينب حاسرة الوجه تختبئ لئلا يراها احد فنظرها ابن زياد فسال حاجبه عنها فقال هذه زينب اخت الخارجي فصاح بها يا زينب ارات صنع الله في اخيك وكيف قطع دابركم لانه كان يريد الخلافة ليتم بهاء اماله فخيب الله منها رجاءه وءاماله ؟ فقالت يا ابن زياد إذا كان اخي طلب الخلافة فهي ميراث ابيه وجده ، واما انت يا ابن زياد فرد جوابا إذا كان القاضي الله و الحكم جدي والشهود الملائكة والسجن جهنم وانما هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وغدا يجمع الله بينك وبينهم فتحاجج وتخاصم ، فقال قد شفى قلبي من الحسين واهل بيته ، فقالت إذا كانت قرة عينك بقتل الحسين فسوف نرى ممن قرت عينه به قبل وكان يقبله ويضعه على عاتقه ثم بكت فقال زين العابدين وقد نظر الى ابن زياد وقال له الى كم تهتك عمتي بين العرب فقال من هذا الغلام فقالوا هذا علي بن الحسين فقال اليس قد قتل الله على بن الحسين ؟ فقال له كان لي اخ يسمى على بن الحسين قد قتله الناس فقال بل قتله الله فقال : الله يتوفى الانفس حين موتها ، فقال لحاجبه خذ هذا الغلام اضرب عنقه فقام الحاجب ومسكه وجذبه إليه فمسكته زينب وقالت يا ابن زياد نذرت على نفسك انك لا تبقي من نسل محمد صغيرا ولا كبيرا فسألتك بالله لا تقتله حتى تقتلني ثم جذبته إليها وصرخت فنظر إليها ابن زياد وقال اتركوه لها فقال له انت بالقتل تهددني اما علمت ان القتل لنا عادة وكرامة للشهادة فعند ذلك امر ابن زياد باجتماع الناس في الجامع فجمعوا فقام ودخل عليهم وصعد المنبر وجعل يسب عليا واولاده ثم قال الحمد لله الذي اظهر الحق ونصر يزيد وقتل الكذاب ابن الكذاب فقام إليه رجل من اوسط الناس يقال له عبد الله بن عفف الاسدي وكان شيخا كبيرا مكفوف البصر وقال له قرض الله فاك وقطع يديك ورجليك الما الكذاب ابن الكذاب انت ، اتقتل اولاد الانبياء والمرسلين وتتكلم
[ 59 ]
بهذا الكلام على منابر المسلمين ؟ فغضب لذلك وقال من المتكلم ؟ فقال انا انقتل الذرية الطاهره وتزعم انك على دين الاسلام فازداد غضبه وانتفخت اوداجه وقال علي به فابتدروا إليه لياخذوه فقامت الاشراف من بني عمه فخلصوه واخرجوه وانطلقوا به الى منزله فلما عسعس الليل دعا ابن زياد بخولي بن يزيد الاصبحي وضم إليه خمسمائة فارس وقال امض وائتيني براس ابن عفيف الاسدي ، فلما بلغ ذلك الاسديين اجتمعوا ليمنعوهم من صاحبهم فبلغ ذلك ابن زياد فجعم قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الاشعث وامره ان يقاتل القوم فمضى وقاتلهم قتالا شديدا فانهزم الاسديون ثم وصلوا الى بيت ابن عفيف وكسروا الباب ودخلوا وكان له ابنة صغيرة فقالت يا ابت قد هجم عليك عسكر ابن زياد فقال لها ائتني بالسيف وقفي ورائي وفولي يمينك شمالك بين يديك ففعلت ما امرها واوقفته في مضيق وجعل يقاتل حتى قتل ثلاثة وعشرين رجلا ثم قال لو يكشف الله عن بصري اضيق عليكم كل مصدر ثم جعل يقاتل ويذب عن نفسه وابنته تقول القوم عن يمينك القوم عن شمالك القوم بين يديك ولم يزل كذلك حتى قتل منهم سبعه وعشرين فلما راى القوم انه قتل مهم خمسين قارسا حملوا عليه من كل جانب ومكان واخذوه اسيرا الى ابن زياد فقال له الحمد لله الذي اعمى عينيك وقلبك فلا بد من قتلك فقال انا سالت الله ان يرزقني الشهادة على يدي شر خلقه وما اظن ان في خلق الله اشر منك ، فعند ذلك امر يضرب عنقه فضرب عنقه رحمه الله ، ثم لما اصبح الله بالصباح امر ابن زياد ان يطوف القوم براس الحسين ويشهروها بالكوفة فحملوها على رمح وطافوا بها قال زيد بن ارقم مر علي براس الحسين وهو على رمح طويل فلما دنت مني سمعتها تقول - ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من ايتها عجبا - فرفعت صوتي وناديت راسك اعجب يا ابن بنت رسول الله ثم بكى وجعل يقول : راس الحسين ابن النبي محمد * للناظرين على قناة ترفع
[ 60 ]
والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا متفجع كحلت يمنظرك العيون عماية * واصم شأنك كل اذن تسمع ايقظت اجفانا وكمت نها كرى * واتمت عينا لم تكن تتهجع ما روضة الا نمت اثمارها * ما حفرة الا وفيها مضجع (قال الراوى) ثم لما ان طافوا بالراس جمع الكوفة سلموها الى عمر المخزومي وامروه ان يحشوها مسكا وكافورا ففعل ذلك فما اتم فعله حتى بليت يده ووفعت بها الاكلة وتهرت ثم ان ابن زياد كتب كتابا الى يزيد يخبره بقتل الحسين واهل بيته وارسله مع قاصد من عنده فلما وصل إليه الكتاب رد له الجواب من وفيه يامره بحمل راس الحسين وراس اهله ومعهم الحريم والاطفال الى دمشق فعند ذلك استدعى ابن زياد بخولي بن يزيد وشبيب بن ربعي وحجر بن الحصن وضم إليهم الرؤوس والحريم والاطفال وامرهم ان يسيروا الى يزيد بدمشق وان يشهروا ما معهم في سائر البلدان فساروا بهم كما نسير سبايا الروم وهم على اقتاب الجمال بلا وطاء ولاغطاء وهم باكون ذللون والرؤوس على الرماح مرتفعات (قال الراوي) ولم يزالوا سائرين الى ان وصلوا الى اول منزلة نزلوا بها فسمعوا ام كلثوم تقول : ماتت رجالي وافنى الدهر سادني * وزادني حسرات بعد حسرات مال اللئام علينا بعد ما علموا * اني الشريفات ابناء الشريفات وحملونا على الاقناب عارية * كانا بينهم من غهر قيمات صعب عليك رسول الله ما صنعوا * باهل بيتك يا خير البريات كفاكموا برسول الله خصمكموا * وقد هداكم الى سبل الهدايات ثم انهم باتوا تلك الليلة واصبحوا فساروا وجدوا في المسير الى ان وصلوا ثاني منزلة يقال لها جرايا فنزلوا ووضعوا الرؤوس والسبايا بينهم ثم جلسوا يشربون الخمر فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا يقول : ايها القاطعون راس حسين * ابشروا بالعذاب والتنكيل
[ 61 ]
كل من في السماء يبكي عليه * من نبي مقرب ورسول قد لعنتم على لسان محمد * في الكتاب المبين والانجيل ففزعوا من ذلك فزعا عظيما وتركوا الخمر وباتوا تلك الليلة فلما حملوا وساروا فبينما هم سائرون إذ سمعوا هاتفا يقول : الا ايها الغادرون ان امامكم * مقام سؤال والرسول سؤول وفيه رسول الله فيكم مخاصم * وفاطمة الزهراء وهي بتول وان عليا في الخصام مؤيد * له الحق فيما يدعي ويقول فماذا تردون الجواب عليهم * ولبس الى رد الجواب سبيل ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع * سوى خصمكم والشرح فيه يطول ومن يكن المختار والله خصمه * فان له نار الجحيم تؤول فانهم سفن النجاة لمغرف * ونجح وهذا بالنجاح كفيل مناقبهم بين الورى مستنيرة * لها غرر محجولة وحجول مناقب وحي الله اثبتها لهم * بما قام منهم شاهد ودليل فلما سمعوا ذلك فزعوا عظيما ثم اقبلوا على تركيت فكتبوا لحاكمها كتابا ان اخرج تلقانا فان معنا راس خارجي واهله سبايا فلما وصله الكتاب وقراه امر بنشر الاعلام فنشرت وخرج هو وعسكره لملاقاتهم فقلت النصارى ما هذه الراس قالوا راس الحسين فلما سمعوا ذلك ضربوا النواقيس تعظيما لله وقالوا اللهم العن امة قتلت ان بنت نبيهم ثم دخلوا وباتوا فلما اصبح الله بالصباح ساروا الى ان وصلوا واديا فنزلوا فيه فسمعوا الجن وهم يبكون ويلطمون على الحسين وهم يقولون : نساء الجن ساعدن النساء الهاشميات ، بنات المصطفى تبكي شجيات بولولة ويندين البدور الفاطميات ويلبسن الثياب المقطعات ويلطمن الوجوه على عظيمات البليات ويندبن الحسن على رزيات ثم سمعوا هاتفا غيرهم يقول : ذا حسين قتلوه ويلهم * سوف يصلون به نار الخلود
[ 62 ]
قابوه ذا على فاضل * وله لو فهموا خير الجدود ثم باتوا وهم فزعون فلما اصبحوا حملوا وساروا الى ان اقبلوا على الموصل فكتبوا لحاكمه تلقانا فان معنا راس خارجي فلما وصله الكتاب امر بنشر الاعلام وضرب الطبول فعند ذلك قال لهم رجل منهم يا قوم والله ليس بخارجي وانما هي راس الحسين فلما سمعوا ذلك غضبوا غضبا شديدا وتحالفوا بانهم يقتلونهم ويخلصون الراس منهم فبلغهم ذلك فارتحلوا من طريق اخر ولم يزالوا سائرين حتى اقبلوا على نوبة وكتبوا الى صاحب حلب تلقانا فان معنا راس خارجي فلما وصله الكتاب فرح فرحا شديدا وامر بنشر الاعلام واخذ قومه وخرجوا لمقابلتهم من نحو ثلاثة اميال وانزلهم عنده واقاموا ثلاثة اميال واكرمهم غاية الاكرام ثم ارتحلوا الى قسرين فلما وصلوها وبلغ اهلها خبرهم اغلقوا الابواب في وجوههم وقالوا لا يمرون في بلدنا فارتحلوا الى مدينة النعمان فاستقبلوهم وذبحوا لهم الذبائح ثم ارتحلو الى كفر طاب فغلقوا في وجوههم الابواب فارتحلوا الى شيراز فتقلد اهلها بالسيوف وركبوا القنطرة فلما وصلوا إليهم قال لهم خولى لا تفعلوا ذلك يا اهل شيراز فلم يلتفتوا إليه بل حملوا عليها وقاتلوهم حتى قتلوا منهم ستة وثمانين فارسا وقتل منهم خمسة رجال فعند ذلك قالت ام كلثوم ما يقال لهذه المدينة ؟ فقالوا شيراز فقالت اعذب الله ماءها وارخص اسعارها ورفع ايدي الظالمين عنها (قال الراوي) فلما راى خولي من اهل شيراز هذه الفعال امر قومه بالرحيل الى طريق اخر فارتحلوا حماة فغلق اهلها الابواب في وجوههم فقالت ام كلثوم ما يقال لهذه المدينة ؟ فقالوا حماة فقالت حماها الله من كل ظالم ثم ساروا الى ان اقبلوا الى حمص فكتبوا لحاكمها تلقانا فان معنا راس خارجي فلما وصله الكتاب امر بنصب الاعلام وخرج ولا قاهم واكرمهم غاية الاكرام ثم ارتحلوا الى خندق الطعام فغلق اهلها الابواب فارتحلوا الى جوسية (قال الراوي) حدثني من حضر ذلك اليوم بجوسية ان حاكما جرد اربعة الاف فارس وامرهم ان يقاتلوهم ويأخذوا الرؤوس والاسارى منهم فاحسوا بذلك
[ 63 ]
فارتحلوا الى طريق آخر الى ان وصلوا بعلبك وكتبوا لحاكمها كتابا تلقانا فلما وصله خرج بالطبول وقد نشر الاعلام ولاقاهم فقالت ام كلثوم ما يقال لهذه المدينة ؟ فقالوا بعلبك فقالت لا اعذب الله ماؤها ولا ارخص اسعارها ولا رفع ايدي الظالمين عنها ، ثم ارتحلوا اخر النهار فادركهم المساء عند صومعة راهب في الطريق فنزلوا عندها واسندوا الرؤوس عليها ، فلما جن الليل سمع الراهب دويا كدوي النحل فعلم انه تسبيح ملائكة فارخى راسه من الصومعة فراى قناديل مدلاة من السماء الى الارض وسمع زين العابدين يبكي ويقول : هذا الزمان فما تفنى عجائبه * عن الكرام ولا تهدا مصائبه فليت شعري الى كم ذا يحاربنا * بصرفه والى كم ذا يحاربه يسري بنا فوق اعياس بلا وطن * وسائق العيس يحمي منه غاربهه كانتا من اسارى القوم بينهمو * كان ما قاله المختار كاذبه كفرتمو برسول الله ويحكمو * يا امة السوء ما هذي مذاهبه فلما سمع الراهب ذلك خرج من صومعته واقبل على القوم وقال من اميركم ؟ فاشاروا الى خولي فقال له انت الامير ؟ فقال نعم هذه راس من فقال راس خارجي فقال ما اسمه ؟ قال الحسين فقال ومن امه ؟ فقال فاطمة بنت محمد ، فلما سمع ذلك خر مغشيا عليه فلما افاق قال صدقت الاخبار لانهم قالوا في هذا الشهر يقتل نبي أو وصي نبي ثم قال يا امير اعطني الراس حتى انفطرها واردها لك فقال ادفع الجائزة فقال وما الجائزة ؟ قال عشرة آلاف درهم فدفعها له فامر باعطاء الراس له فلما نظرها الكب على وجهه يقبلها ويقول لعن الله قاتلك يعز علي ان لا اكون اول شهيد استشهد بين يديك ولكن إذا لفيت جدك فاقرئه مني السلام واخبره اني على قول اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله ثم ضمخها بالمسك والطيب وردها لهم ، ثم ان خولي اراد ان يعطى قومه مما اخذه من الراهب فوجدها حجارة
[ 64 ]
مكنوبا عليها " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون " فرماها وقال يا قوم اكتموا هذا الامر لانه عار علينا ثم كتب الى يزيد كتابا يقول فيه نهنئ امير المؤمنين ونعلمه ان معنا راس عدوك الحسين وحريمه واطفاله ونحن قريب من دمشق فاخرج لنا وتلقانا ثم طوى لكتاب وارسله مع رسول من عنده ، فلم يزل سائرا الى ان دخل دمشق وسلم الكتاب ليزيد فقراه وفهم معناه فامر بتجهير العسكر فجهزوا ثم امرهم ان يخرجوا لملاقاتهم فخرجوا من باب جبرون وباب اومي وهم عشرون الف ومعه الرايات منشورة والسنتهم بالتهليل والتكبير مشهورة ولم يزالوا حتى لاقوا القوم واتوا بهم الى دمشق . قال (الراوي) قال سهيل الشهروزي كنت حاضرا دخولهم فنظرت الى السبايا وإذا فيهم طفلة ضغيرة على ناقة وهي تقول وا ابتاه واحسيناه واعطشاه وهي كأنها القمر المنير فنظرت الي وقلت يا هذا ما تستحي من الله وانت تنظر الى حريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت لها والله ما نظرت لكم نظرة استوجب بها هذا التوبيخ فقلت من انت ؟ فقلت انا سهيل الشهروزي فقالت والى اين تريد ؟ فقلت اريد الحج الى بيت الله وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إذا وصلت الى قبر جدنا فاقرئه منا السلام واخبره بخبرنا فقلت حبا وكرامة وهل لك حاجة غير هذا فقالت ان كان معك شئ من الفضة فاعط منه حامل راس ابي وامره ان يتقدم بالراس امامنا حتى تشتغل الناس بالنظر إليها عنا وكانت ام كلثوم قبل ان يدخلوا دمشق قالت للشمر ، لله عليك إذا دخلتم بنا دمشق فادخلوا من مكان قليل النظار ففعل بضد سؤالها ، قال سهيل ثم نظرت الى روشن عليه خمس نسوة وفيهم عجوز محدود بة الظهر فلما وصلت الراس قبلها ضربتها بحجر فنظرتها ام كلثوم فقالت اللهم اهلكها ومن معها فما استتم دعؤها حتى سقط الروشن بالجميع فهلكوا وهلك نحتهم خلق كثير فقالت زينب الله اكبر من دعوة ما اسرع اجابتها ثم دخلوا بالراس من باب جيرون وداروا بها الى باب فراد يس فسقطت الراس قلقتها قرن حائط فعمر هناك مسجد الى يومنا هذا ثم إذ رحم الناس حتى
[ 65 ]
خرجوا من باب الساعات والنساء مكشوفات الوجوه والروس على الرماخ فقال اهل الشام والله ما رأينا سبايا احسن من هؤلاء ثم اتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر وقد احدقت النظار الى زين العابدين وهو موثق بالرباط . (قال الراوي) ثم ان خولى بعد ان اوقفهم على الباب دخل على يزيد وقال يا مولاي الرؤوس والسبايا واقفون على بابك فقال ادخلهم لانظر إليهم فعند ذلك عمد خولى الى راس الحسين وغسلها وطيبها ودخل بها عليه وهو يقول : انا صاحب الرمح الطويل الذي به * اصول على الاعداء في كل مشهد طعنت به فئ ال بيت محمد * لارض مولانا يزيد المؤيد ثم وضع الراس بين يديه وارتد فاخذ الرؤوس والسبايا مكشوفات الرؤوس واوقفهن بين يديه وهم على تلك الحالة باكين فقال له زين العابدين يا يزيد لو رءانا جدنا في هذه الحالة وسالك فما تقول ؟ فعند ذلك امر بحل الوثاق عنه وبجلوس السبايا ثم امر باحضار طشت من فضة فحضر فوضع فيه راس الحسين ووضعها بين يديه فلما راته زينب فعل ذلك بكت ونادت بصوت حزين يا حسين يا حبيب رسول الله يعز علينا ذلك يا ابا عبد الله ويعز عليك لو رايتنا في هذه الحالة قال فابكت كل من كان في المجلس وزيد ساكت ثم انه مد يده واخذ منديلا كان وضعه على الراس فلما رفعه صعد منها نور الى عنان السماء فدهش الحاضرون ثم دعا بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين وهو يقول : يا حسنه يلمع في البدن * يلمع في طشت من اللجين كانه حق بعز متين * كيف رايت الطعن يا حسين قد كنت زينا ثم صرت شين * وقد قضيت منك كل دين (قال الراوي فعند ذلك قام إليه أبو ذر الاسلمي وقال ويحك يا يزيد تنكت بقضيبك ثنايا الحسين " وقد كان حده يرشف ثنايا اخيه ويقول انتما سيدا شباب اهل الجنة قاتل الله قاتلكما " فغضب يزيد غضبا شديدا
[ 66 ]
وامر باخراجه سجبا وزاد في تنكيت ثنايا الحسين وإذا بغراب على شرائف القصر ينعق فلما سمعه يزيد ارتعدت فرائصه وتغيرت احواله ، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه جلوت اليهودي وقد كان حكيمه فقال ما هذه الراس فقال له راس خاوجي فقال وما اسمه ؟ قال الحسين فقال لم قتله ؟ قال اراد ان ياخذ الخلافة فقال له ويلك يا يزيد انما هو احق بالخلافة اما تعلم ان بيني وبين النبي داود اربعين جدا واليهود يعظمونني ويتبركون بي وانتم بالامس كان محمد فيكم نبيا كريما واليوم قتلتم اولاده وسببتم حريمه ثم سحب سيفه وحمل على يزيد ليقتله فحال بينهما الحاضرون فدنا اليهودي من الراس وقبلها وقال لعن الله قاتلك وخصمه جدك بعز علي ان لاكون اول شهيد استشهد بين يديك ولكن إذا لقيت جدك فاقرئه مني السلام واخبره اني على قول اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله فقال له يزيد والله لو لا اني احتاج اليك لاجل امراضي لقتلتك شر قتلة فقال والله لا اداويك الا بما يزيد امراضك فامر بضرب عنقه رحمه الله تعالى قال الشهروزي فبينما نحن واقفون عند يزيد وإذا بامراة لم ار احسن منها وهي ترفل في اذيالها ولم تزل مقبلة حتى دخلت على يزيد وقالت له ما هذا الراس ؟ قال راس الحسين فقالت له والله يعز على جده وابيه وامه واهله والله لفد رايت الساعة وانا نائمة كان ابواب السماء فتحت وهبط منها خمس ملوك بايديهم كلاليب من التار وهم يقولون قد امرنا الله الجبار بحرق هذه الدار فالتفت يزيد إليها وقال ويلك انت في ملكي ونعمتي وتقولين هذا الكلام والله لاقتلتك شر قتلة فقالت وما الذي ينجني من ذلك ؟ قال ثرقين المنبر وتسبين عليا واولاده فقالت افعل ذلك فامر بجمع الناس فجعمت وقال لها قومي ارقي المنبر وافعلي ما امرتك به فقامت على قدميها ورقت المنبر وقالت يا معشر الانس علموا ان يزيد يامرني ان يسبب عليا واولاده وهو الساقي على الحوض ولواء الحمد بيده وولداه سيدا شباب اهل الجنة الا فاسمعوا ما اقول لكم الا لعنة الله ولعنة اللاعنين على يزيد وعلى كل ساع في قتل الحسين
[ 67 ]
وصلوات الله على علي وولاده وشيعتهم منذ خلق الله الدنيا الى يوم القيامة عليها احيا وعليها اموت وعليها ابعث ان شاء الله ، فغضب يزيد من كلامها وقال من يكفيني شرها ؟ فقال رجل من النصارى انا اكفيك شرها فقام وضربها بسيفه فماتت رحمها الله ، ثم التفت يزيد الى زين العابدين وقال له يا علي الحمد لله الذي قتل اباك واخاك فقال انما قتلت ابي انت والناس فقال الحمد لله الذي قتلته وكفيته فقال علي من قتل ابى لعنه الله فامر قتله فقال لا اخاف من القتل بل لي اسوة بمن قتل قبلي ، فعند ذلك تصلح النساء بالبكاء والنحيب وتقدمت ام كلثوم وقالت يا ويلك يا يزيد الا متى تقتل في اهل البيت ؟ اتريد ان تخلى الدنيا من نسل رسول الله فضجت الناس بالبكاء والنحيب فامر بعنقه ثم التفت الى زينب وقال لها يا قرة عين علي وفاطمة الزهراء جئتم لتاخذوا الخلافة مني يا زينب قد امكنني الله منكم فقالت يا زيد اتاخذنا بحقوق بدر وحنين ؟ يا ويلك تهتكنا وتحجب نساه ك في القصور واولاد رسول الله ما سرون اما كفاك قتل الحسن ظنت ان ذلك على الله هين ؟ اللهم خذ بحقنا وانتقم من ظالمنا واحلل غضك على من سفك دمنا فحسبك يا يزيد الله حاكم ومحمد خصيم وجبريل ظهر وستعلم ما سؤالك فيما امكنك من رقاب المسلمين " بئس للظالمين بدلا " والى الله لمشتكى فلم يتكلم بل قال يا زينب اخوك قد جحد حقي ونازعني في ملكي فقالت لا تفرح بقتل اخي لانه من اصفياء الله دعاه فاجابه فسعد واما انت يا عدو الله فغدا تسال بين يدي الله فلم تجد جوابا (قال الراوي) تم ارتدوا الى القصر وجلسوا فيه وإذا برجل وثب الى يزيد وقال اريد ان غنيمتك هذه الجارية واوما الى سكينة فلتفتت الى عمتها وقالت يا عمتي يصير من اولاد الانبياه جوار وعبيد وإذا بام كلثوم قالت للرجل اقصر من هذا الكلام قطع الله يديك ورجليك فما استتمت كلامها حتى زعق الرجل زعقة عظيمة وعض على لسانه وففئت عيناه وغلت يداه الى عنقه فقالت الحمد لله الذي استجاب دعوتي وازال غصتي واراك حسرة في نفسك فهذا جزاء من تعرض
[ 68 ]
لاولاد الانبياء ، ثم ان سكينه تقدمت الى يزيد وقالت اعلم اني رايت البارحة في نومي قصرا من لؤلؤة بيضاء وله اربعة ابواب وعلى كل باب خدم لا يحصون فبينما انا انظر إليها وإذا قد انفتح باب منها وخرج منه خمس رجال وخمس بسوة يقدمهم غلام لهم فقدمت للغلام وقلت لمن هذا القصر ؟ فقال للحسين فقلت ومن هؤلاه الذين معك ؟ فقال ومن انت ؟ فقلت انا سكينة فقال يا سكينة هذا آدم وهذا نوح وهذا ابراهيم وهذا موسى وعيسى ، فبينما انا انظر إليهم وإذا برجل قد اقل وهو متغير اللون وله نور ساطع وهو مغتم يميل كالمراة الثكلي قابض على لحيته باكيا حزينا فقلت للغلام من هذا الرجل الذي هو متلبس بالاحزان ؟ ققال الا تعرفيه ؟ فقلت لا فقال هذا جدك فقلت والله لا شكون له ما حل بنا ثم دنوت منه ولزمت صدره وانا شاهقة بالبكاء فضمني الى صدره وبكى حتى اغمى عليه ثم قال لي لا تخافي يا بنت فقلت يا جدي قتلوا الحسين واخوتي واعمامي واولاد اخواتي وبني عمي ورجالنا وسبانا وحملنا الى يزيد لعنه الله مهتكات ينظر الينا البار والفاجر ثم بكيت بكاء عظيما فقال اسكتي يا سكينة فقد ابكيت الملائكة ثم اخذ بيدي وادخلني القصر مع الخمس نسوة التي رايتهن وبينهن امراة عظيمة الخلفة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود ومعها قميص ملطخ بكم وهي تقوم ساعة وتقعد اخرى فقلت للغلام من هؤلاء النسوة ؟ فقال هذه حواء وهذه مريم وهذه آسية وهذه جدتك خديجة فقلت والتي معها القميص ؟ فقال هذه فاطمة قد نوت منها وقلت لها قد قتل الحسين واخوتي واعمامي وجميع عشيرتنا وحملنا اسارى الى يزيد فعند ذلك ضمتني الى صدرها وبكت وبكت معها النسوة ثم قالت يا امي حواء وامي خديجة ويا اخوتي انظرن الى هؤلاء القوم وفعلتهم باولادي بعدي وصرخت صرخة عظيمة حتى ظننت ان القصر قد انطبق ثم نادت واولداه واثمرة فؤاده ثم قالت لي يا سكينة صبرا جميلا يا ابنتي لو رايت ما صار إليه الحسين من النعيم والكرامات لاشتاقت عينك إليه ، ولو راى يزيد ما اعد الله له من العذاب الاليم والنار الحامية والسعير لذابت نفسه ونسى يومه ، إذا وضع في طباقها نهشته
[ 69 ]
حياتها وهذا قميص الحسين معي لا يفارقني حتى اتي به إليه " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون " وعند تمام الاية انتبهت فحار يزيد من كلامها وقال انتم اهل البيت قد خصصتم بالحكمة كبيركم وصغيركم وذكركم واثناكم ودعا بخطيبه وكان فصيح اللسان قليل المعرفة بربه وقال له اجمل الناس بالجامع واصعد المنبر وسب عليا واولاده ففعل له ما امره به وازداد في سب علي واولاده واكثر في مدح يزيد ، فلما سمعه علي واخوته صاح به وقال يا ويلك من خطيب لقد اسخطت الرب وارضيت العبد فعليك لعنة الله ثم تقدم الى يزيد وقال له اتذن لي ان ارقي المنبر واتكلم بما يرضي الله وينفع الناس فابى فقال له الحاضرون لم لم تأذن له ؟ فقال يا قوم اني عارف بهذا الغلام واخوته ، يا قوم هؤلاء اهل البيت اختصوا بالحكمة كبيرهم وصغيرهم وهم نسل ابي تراب والحية لا تلد الا حية فقالوا بالله عليك ان تأذن له فقال يا علي ارق وتكلم بما شئت ، فصعد ثم حمد الله واثنى على رسول الله وقال : ايها الناس احذركم من الدنيا وما فيها فانها دار زوال وهى قد افنت القرون الماضية وهم كانوا اكثر منكم مالا واطول اعمارا وقد اكل التراب لحومهم وتغيرت احوالهم افتطمعون بعدهم في البقاء هيهات هيهات ، لا بد من اللحوق والملتقى فتدركوا ما مضى من عمركم بها بقي وافعلوا فيه ما سوف يعد لكم من الاعمال الصالحة قبل انقضاء الاجل وفروغ الامل فعن قريب تؤخذون من القصور الى قبور وبافعالكم تحاسبون فكم والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات وكم من عزيز قد وقع في مسالك المهلكات حيث لا ينفع الندم ولا يغاث من ظلم " ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا " ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا على ابن الحسين بن علي انا ابن فاطمة الزهراء انا ابن خديجة الكبرى انا ابن مكة ومنى ، انا ابن المروة والصفا انا ابن من صلى بملائكة السما انا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى ، انا ابن صاحب الشفاعة الكبرى انا ابن صاحب الحوض واللواء ، انا ابن صاحب الدلائل والمعجزات
[ 70 ]
انا ابن صاحب القرءان والكرامات ، انا ابن السيد المحمود ، انا ابن من له الكرم والجود ، انا ابن المنوج بالاشراق ، انا ابن من ركب البراق ، انا ابن صفوة اسمعيل ، انا ابن صاحب التأويل ، انا ابن الصادر والوارد انا ابن الزاهد العابد ، انا ابن الوفي بالعهود ، انا ابن رسول الملك المعبود ، انا ابن سيد البررة انا ابن المنزل عليه سورة البقرة ، انا ابن من تفتح له ابواب الجنان ، انا ابن المخصوص بالرضوان ، انا ابن المقتول ظلما ، انا ابن محرز الراس من القفا ، انا ابن العطشان حتى قضى ، انا ابن طريح كربلا ، انا ابن مسلوب العمامة والردا ، انا ابن من بكت عليه ملائكة السما ايها الناس ان الله ابتلانا ببلاء حسن حيث جعل فينا راية الهدي وجعل في غيرنا رأيه الردى وفضلنا على جميع العالمين واتانا ما لم يؤت احدا من العالمين ، وخصنا بخمسة اشياء لم توجد في الخلق اجمعين العلم والشجاعة والسخاء وحب الله ورسوله واعطانا ما لم يعط احدا من العالمين (قال الراوي) روى عن جعفر الصادق انه عند ذلك ضجت الناس بالبكاء والنحيب فقصد يزيد ان يقطع كلامه بالاذان واشار لمؤذنه ان يؤذن فقال الله اكبر فقال على الله اكبر فوق كل كبير فقال اشهد ان لا اله الا الله ، فقال على اشهد ان لا اله الا الله فقال اشهد ان محمد رسول الله فقال علي الله عليك اسكت فسكت ثم قال يا يزيد اكان محمد جدي ام جدك ، فان قلت جدي فانت صادق وان قلت جدك فانت كاذب فقال بل جدك فقال لم قتلت ذريته وسبيت حريمه فسكت ثم ضجت الناس بالبكاء والنحيب وقالوا هذه مصيبة في الاسلام فعند ذلك خشى يزيد على نفسه من القتال وقال للناس اتظنون اني قتلت الحسن فلعن الله من قتله انما قتله عبيد الله بن زياد عاملي على البصرة ، ثم امر باحضار من اتى براس الحسين ومن معها ليسا لهم كيف كان قتله فحضروا بين يديه فقال لابن ربعي ويلك انا امرتك بقتل الحسين ، فقال لا : لعن الله قاتله ولم يزالوا كذلك الى ان وصل السؤال الى الحصين بن نمير فقال مقالتهم ثم
[ 71 ]
قال اتريد ان اخبرك بمن قتله ؟ فقال نعم فقال اعطني الامان فقال لك الامان فقال اعلم ايهاالامير ان الذي عقد الرايات ووضع الاموال وجيش الجيوش وارسل الكتب واوعد وعد وهو الذي قتله فقال من فعل ذلك ؟ فقال انت ، فغضب منه ودخل منزله ووضع الطشت الذي فيه راس الحسين بين يديه وجعل يبكي ويلطم على وجهه ويقول ما لي وللحسين قالت هند زوجة يزيد لما اخذت مضجعي تلك الليلة رايت في منامي كان ابواب السماء قد فتحت والملائكة باجمعهم قد نزلوا وهم يدخلون الى الراس ويقولون السلام عليك يابا عبد الله فبينما انا كذلك إذ نظرت الى سحابة قد نزلت من السماء وفيها رجال كثيرة وبينهما رجل قمري اللون فاقبل حتى دنا من راس الحسين وانكب عليها وهو يقول السلام عليك يا ولدي قتلوك ومن شرب الماء منعوك اتراهم ما عرفوك انا جدك المصطفى وهذا ابوك على المرتضي وهذا اخوك الحسن وهذا عمك جعفر وهكذا الى اخرهم ، فعند ذلك ارتعت فانتبسبت من نومي وطلبت زوجي فوجيه في مكان مظلم وعلى وجهه بيديه يلطم ويقول مالي وللحسين فقلت له اسكت حتى اخبرك بما رايت فسكت ثم قصصت عليه الرؤيا وهو منكس راسه فلما استتممت خرج ودعا بعلي واخوته وقال لهم ايهما احب اليكم المقام عندي ولكم الجائزة ام المسير الى مكة والمدينة ؟ فقالوا يا يزيد نحن فارقنا الحسين وعبد الله ابن زياد لم يكبا من البكاء والنحيب فامر با خلاء دار لهم فعقدوا فيها وعدد والبكاء والنوح ليلا ونهارا ولم يبق في دمشق قرشية ولا هاشمية الا وشدت الاوساط واقاموا على ذلك اسبوعا ثم دعاهم وعرض عليهم المسير فأجابوا لذلك ، قعند ذلك قدمت لهم المحامل على الجمال واحضرت لهم الرحال وذلك بعد اعطاهم الثياب الفاخرة ثم احضر لهم مالا جزيلا وقال يا زينب خذي هذا المال عوضا عن مصيبتكم فقالت يا ويلك ما اقل حياءك واصلب وجهك تقتل اخى وتقول خذوا عوضه مالا ، فلما ابت دعا بقائد من قواده وضم إليه الف فارس وامره ان يسير بهم الى المدينة أو الى أي مكان
[ 72 ]
شاءوا ان يقضي لهم جميع ما يلزم ثم حشا الراس بالمسك والكافور وسلمها لهم فاخذوها وساروا الى كربلاء ودفنوها مع الجسد الشريف (وروي) انها بقيت في خزانته الى ان مات وبعد موته وجدها سليمان بن عبد الملك عظما ابيض فكفنه ودفنه في مقامبر المسلمين (وروي) ان يزيد بعد ان ارسل عليا ومن معه امر بدفن الرؤس الا راس الحسين فانه ارسلها خازج دمشق ومعها خمسين فارسا يحرسونها ليلا ونهارا وذلك من كثرة خوفه وفزعه ، فلما مات اتى بها الحراس ووضعوها في خزانته (وروي) عن طائفة الفاطمية الذي حكموا مصر ان الراس وصلت إليهم ودفنوها في مشهد المشهور (قال الراوى) هذا ما ورد في دفن الراس ، واما علي واخواته لما خرج بهم القائد من دمشق ووصلوا الى بعض الطريق قالوا بالله عليك يا دلينا مر بنا على طريق كربلاء لكي نجدد عهدا بيننا لهم فقال سمعا وطاعة وسار بهم الى ان دخلوا كربلاء وكان ذلك يوم عشرين من شهر صفر فوافاهم جابر بن عبد الله الانصاري وجماعة من اهل المدينة واقام البكاء والحزن حتى ضجت الارض ثم صاروا قاصدين المدينة فلما وصلوها بكت ام كلثوم وجعلت تقول : مدينة جدنا لا تقبلينا * فبالحسرات والكسرات جينا خرجنا مك بلاهلين جميعا * ورجعنا لا رجال ولا بنينا وكلنا في الخروج على المطانا * وجئنا خائبين ومبسيا وكلنا في امان الله جهرا * جعنا بالقطية خائبينا ومولانا الحسين لنا انيسا * رجعنا لا حسين ولا معينا فلا عيش يدوم لنا بعز * وزين الحلق مدفون حرينا فنحن الضائعات بلا كفيل * غدونا النائحين النادبينا وكنا الباكيات على حسين * وكنا النادباث الساكبينا ونحن السائرات على الطايا * نساق على جمال المغضبينا ونحن بنات يس وطه * ونحن الباكيات على حسين
[ 73 ]
ونحن الصابرات على البلايا * ونحن الباكيات ولا معينا وقد هتكوا محارمنا وصرنا * على الاقتاب جهرا اجمعينا وزينب اخرجوها من خباها * وفاطمة وما احد معينا سكينة تشكي من حر شجو * تنادي يا اخي جاروا علينا وزين العابدين يقيدوه * وراموا قتله اضحى رزبنا وقد طافوا البلاد بنا جميعا * وبين الخلق جمعا قد رمينا فهذي قصد مع شرح حالي * الا يا مسلمين ابكوا علينا (قال الراوي) فما استتمت كلامها الا واهل المدينة قد خرجوا صائحين رجالا ونساءوهم يتصايحون ويبكون الى ان قابلوهم وسلموا عليهم وهم على بكاء ونحيب وقد كان محمد بن الحنفية مريضا من يوم خروجهم وهو باكي العين فلما سمع كثرة البكاء والنحيب سال عن ذلك فاخبروه بقدوم اهله فلما سمع ذلك خرج هائما يقوم تارة ويقعد اخرى الى ان وصل إليهم وهو صارخ قائل واخاه وا حسيناه فاقاموا في وجهه الصراح والبكاء والنحيب فخر مغشيا عليه ، فلما افاق قام واحتضن ابن اخيه وقبله بين عينيه وقال يا اخي يعز على قتلك وانا لست معك وكنت افديك بروحي ، ثم انهم اتوا باجمعهم الى قبر جدهم وجعلوا يترامون عليه وهم باكون وينادون يا جدنا قتلوا حسينا بارض كربلاء لو ترى عينك ما حل بنا واستحلال دمنا وسبينا وحملنا الى يزيد على اقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء ثم تقدم زين العابدين وبكى وجعل يقول : الى جدنا نشكو عداة تحكموا * ونالوا بنا والله كل مناء ويا جدنا اردوا ابي متذللا * قتيلا وفي الاحشاء حر ظماء وقد رفعوا ارساله فوق ذا بل * كما البدر يبدو في علو سماء وعادوا علينا ينهيون خيامنا * وليس لنا في ذلك من نصراء وقد حملونا فوق ظهر جمالهم * بغير وطاء جدنا وغطاء وطافوا بنا شرق البلاد وغربها * جميعهم بهجوننا بهجاء وجاءوا بنا ذلا دمشق يزيدهم * وقد اوقفونا عنده بسوء
[ 74 ]
وقال لقد نلت المنى كل مقصد * بقتل اخيكم قد بلغت هنائي وقد رام قتلي كي يقطع نسلنا * وذى عمتي صاحت بغير عزاء وصاح بهم كل الحضور جميعهم * فقال دعوه ذا من الطلقاء فخذ حقنا يا جدنا منه في غد * وفي يوم حشر يوم فصل قضاء غدا يستحل الان كل محرم * يبيح باهل البيت سفك دماء إذ يستبيح الانءال محمد * ويسقي لاهل البيت كل رداء سيوفهم قد جردت في رقابنا * فيا ويلهم من حر نار لظاء فقابلهم يا رب عدلا بفعلهم * ايا من تعالى فوق كل سماء ثم انه لما فرغ من شعره خرجوا جميعا ومضوا الى منازلهم في حزن ، واما القائد فانه ودعهم هو ومن معهم بعد ان اكرموه ودعوا له بخبر وقد بكى لبكائهم واما علي فانه لما دخل هو واهله الى منازلهم سمع لسان حالها كأنها تقول : مررت على ابياتءال محمد * فلم ارها الاخوالي مظلمه فلا يبعد الله الديار واهلها * وان اصبحت خلوا وكانت متممه ارى قتل طفل من سلالة هاشم * ينوح له كل الورى نوح ماتمه وكانوا غياثا ثم بادوا جميعهم * وقد عظمت تلك الرزايا بقاطمه الم تر ان الشمس اضحت كسيفة * لقتل حسين فهي من ذاك معتمه (قال الراوي) ثم ان عليا خرج ومعه خادم ومع الخادم كرسي له فوضعه على الباب ثم جلس عليه وهو يبكي ويمسح دموعه بمنديل ثم بعد قليل اتى عمه محمد بن الحنفيه وجلس بجانبه ثم اقبل اهل المدينة وتضابحوا بالبكاء والنحيب حتى ضجت الارض فاوما إليهم على ان اسكتوا فسكتوا فقال : الحمد لله رب العالمين برئ الخلق اجمعين الذي بعد فارتفع عن السموات العلى وقرب فشهدا النجوى نحمده على عظائم الامور وفظائع الدهور ايها الناس ان الله قد ابتلانا بمصائب جليلة ومصيبة في الاسلام عظيمة ايها الناس قتل أبو عبد لله وسبيت نساؤه فاي رجال يسرون
[ 75 ]
بقتله ام اي عين تحبس دمعها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بامواجها ، والسموات باركانها ، والارض بارجائها ، والاشجار باغصانها والحيتان في البحار ، والملائكة المقربون ، والله لو ان النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على قتلنا كما حثهم بالوصية علينا لما زادوا على ما فعلوا بنا فانا لله وانا إليه راجعون ، فعند الله محتسبي فيما اصابنا انه عزيز ذو انتقام (ويروى) عنه انه كان دائما كثير البكاء لتلك البلوى عظيم البث والشكوى (ويروى) عن جعفر الصادق ان زين العابدين رضي الله عنه بكى على ابيه وهو صائم نهاره قائم ليله فإذا جاء وقت الافطار جئ له بطعام وشراب فيقول قتل ابي جائعا قتل ابي عطشانا ولم يزالوا يرددون عليه الطعام والشراب حتى يمزجهم بدمعه ثم يتعاطى منها قليلا ولم يزل كذلك حتى لقي الله (وروى) عن مولى له ان برز يوما الى الصحراء فتبعته فوجدته سجد على حجارة خشنة فوقفت وراءه فسمتعه يبكي وينوح وهو يقول لا اله الا الله حقا لا اله الا الله ايمانا وصدقا فحصرت ما قاله فبلغ الفا ثم رفع راسه فرايت وجهه ولحيته قد بلت بالدموع فقلت يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ولبكائك ان يقل فقال ويلك ان يعقوب ابن اسحق بن ابراهيم عليه السلام كان نبيا ابن نبي وله اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشابت راسه من الحزن وتحدب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه في دار الدنيا وانا رايت ابي وسبعة عشر من اهل بيتي مقتولين فكيف ينقضي حزني ؟ ثم بكى بكاء شديدا وجعل يقول : ان الزمان الذي قد كان يضحكنا * بقربهم صار بالتفريق يبكينا خلت لفقدهم ايامنا فغدت * سوادا وكانت بهم بيضا ليالينا فهل ترى الدار بعد البعد آنسة * ام هل يعود كما قد كان نادينا يا ظاعنين بقلبي اينما ظعنوا * وبالفؤاد مع الاحشاء داعينا ترفقوا بفؤادي في هوادجكم * نقدته يوم راحت من اراضينا فوالدي حجت الركبان كعيته * ومن إليه المطايا الكلى ساعينا
[ 76 ]
لقد جرى حبكم مجرى دمي فدمي * من الفراق جرى سؤلا لبارينا (قال الراوي) عن جعفر الصادق ان الشمس بكت على يحي وعلى الحسين اربعين صباحا ، قيل له ما بكاؤها ؟ قال كانت تطلع حمراء ولم تزل حمراء الى ان تغيب ، قال الفارسي رضي الله عنه عن ابيه انه قال ارسل عبد الملك بن مروان الى رسول جالوت وقال له هل كان في قتل الحسين علامة ؟ قال نعم ما كشفت يومئذ حجر الا وجد تحته دم عبيط . وعن الاسعد بن قيس لما قتل الحسين ارتفعت حمرة من المشرق وحمرة من المغرب فكانتا تلتفيان في كبد السماء ، وعن انس انه قال لما قتل الحسين كسفت الشمس بين الكواكب نصف النهار ، وعن ابن عباس قال بينما انا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عاليا من بيت ام سلمة فخرجت اتوجه بقائدي الى منزلها وقد اقبل اهل المدينة إليها رجالا ونساء فقالت يا بنات عبد المطلب عددن وابكين معي فقد قتل الحسين والله سيدكن وسيد شباب اهل الجنة فقلت لها يا ام سلمة من هو ؟ فقالت الحسين فقلت لها ومن اين علمت ؟ قالت رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام مذعورا فسألته عن ذلك فقال قتل الحسين واهل بيته والساعة فرغت من دفنهم قالت ام سلمة فدخلت البيت وانا لا اكاد اعقل ونظرت فإذا تربة الحسين التي اتى بها جبريل من كربلاء الى النبي وقال له إذا صارت مثل الدم فاعلم انه علامة على قتل الحسين وقد نظرت إليها فوجدتها دما عبيطا (قال الراوي) ثم ان ام سلمة اخذت ذالك الدم ولطخت به وجهها وصارت تبكي وتنوح قال الحافظ المنذري حدثني شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية قال سمعت ابي يقول والله ما شعرنا بقتل الحسين حتى كان سابع يوم عاشوراء فبينما انا جالس في الرابية سمعت صوت متكلم فقلت له من انت يرحمك الله ؟ قال انا وابي نفران من جن نصيبين اردنا مواساة الحسين بانفسنا فسبقنا المقدور فوجدنا قتيلا (ويروى) عن احمد البابي عن الاعمش قال التجات الى البيت الحرام فبينما انا اطوف وإذا برجل في الطواف يقول : اللهم اغفر لي ولا تؤخذني
[ 77 ]
بفعلي لاني مقهور من يزيد فقلت له يا عبد الله ما لي اراك في مثل هذا المكان تقول هذا الكلام وانت في محل يغفر الله لمن دخله ومن دخله كان آمنا ؟ قال فقصتي عجيبة ققلت اخبرني بها فقال دعني فقلت اقسمك عليك بالله العظيم ان تخبرني فقال اقسمت علي بقسم عظيم فخذ بيدي فاخذت بيده فإذا هو اعمى ثم خرجنا الى شعب من شعاب مكة وجلسنا فيه فقال لي اي شعب هذا ؟ فقلت هذا شعب على المرتضى فقال والله ما اجلس في شعب والد رجل كنت في قتل ولده فنهضت واخذت بيده وخرجنا الى الابطح وجلسنا هناك فقال لي من انت ؟ فقلت انا سليمان بن مهران الاعمش فقال لي : اعلم اني كنت من اصحاب يزيد وكنت من جلسائه فلما اتى براس الحسين امر بوضعها في طشت من اللجين فوضعت ثم وضعت الطشت بما فيه بين يديه فجعل ينكت ثناياه بقضيب كان بيده ويقول اشتفيت فيك وفي ابيك غير ان اباك على ابى باهل العراق فظفر به ثم ان اهل العراق خدعوك واخرجوك فظفرت بك فالحمد لله الذي مكني منك ولم يزل على هذا الحال مدة من الايام فلما عظم ذلك على الناس خشي على نفسه فجمعهم وقال يا قوم اتظنون اني قتلت الحسين فوالله ما قتله الا عاملي ابن زياد ثم دعا براس الحسين فغسلها وطيبها وجعلها في صندوق وغلق عليها وقال دعوها في قصري واجعلوا حوالها السرادق وقصد بذلك كف السنة الناس عنه ثم جعل خارج السرادق خمسين رجلا ووكلني بهم وكان إذا اتى الليل يرسل لهم طعاما وخمرا فيأكل اصحابي ويشربون وانا لم اكل ولم اشرب ثم ينامون ولم انا حزنا على الحسين فبينما انا ذات ليلة قد استلقيت على ظهري وانا متفكر في ذلك وإذا بسحابة عظيمه سمعت فيها دويا كدوى النحل وإذا بخفقان اجنحة الملائكه حتى نزلوا الى الارض ورايت ملكا عظيما قد نزل وبيده بسط مكللة بالدر والياقوت ففرشها ثم نزل خمسة ملائكة وبايديهم كراسي من النور فوضعوها على البسط ثم نادى مناد انزل
[ 78 ]
يا ادم يا ابا البشر فإذا برجل من ابهج الرجال وجها واكثر هم هيبة وعليه حلة من حلل الجنة وقد نزل من الهواء واقبل على الراس وسلم عليها وقال عشت سعيدا وقتلت شهيدا عطشان حتى ألجقك الله بنا غفر الله لك يا بنى ولا غفر لقاتلك والويل له غدا من النار ثم جلس على كرسي من تلك الكراسي ثم جاءت سحابه اخرى اعظم من الاولى فسمعت فيها خفقان اجنحة الملائكة حتى نزلت الى الارض ثم نادى مناد انزل يا نوح يا نبي الله فنزل وإذا هو رجل تعلوه سمرة وهو احسن الناس هيبة وعليه حلة من حلل الجنة فاقبل حتى وقف على الراس وقال مقالة آدم وجلس على كرسي من تلك الكراسي ثم جاءت سحابة عظيمة فسمعت فيها خفقان اجنحة الملائكة حتى نزلوا الى الارض ثم نادى مناد انزل يا موسى يا كليم الله فنزل واقبل على الراس وقال مقالة نوح وجلس على كرسى من تلك الكراسي ثم جات سحابة عظيمة فسمعت فيها خفقان اجنحة الملائكة حتى نزلوا الى الارض ثم نادى مناد انزل يا عيسى فنزل وإذا هو رحل حسن الوجه تعلوه شقرة وعليه حلة من حلل الجنة فاقبل على الراس وقال مقالة موسى ثم جلس على كرسي من تلك الكراسي ثم جاءت سحابة اعظم من تلك السحائب ولها دوي كدوي الرعد القاصف وسمعت فيها خفقان اجنحة الملائكة حتى نزلت الى الارض ثم نادى مناد انزل يا ابا القاسم يا اول يا آخر يا ماحي يا عاقب يا حاشر يا طاهر يا مزمل يا مدثر يا طه يا احمد انزل يا محمد فنزل المصطفى عليه الصلاة والسلام وعليه حلل من حلل الجنة وعن يمينه صف من الملائكة لا يحصيهم الا الله وعن يساره علي المرتضى وولده الحسن وفاطمة الزهراء فاقبل النبي على الراس الشريفة واخذها وضمها الى صدره وبكى بكاء شديدا وقال يا حبيبي يا حسين عشت سعيدا وقتلت شهيدا عطشان حتى الحقك الله بنا غفر الله لك يا بني ولا غفر لقاتلك والويل له غدا من النار ثم دفعها الى على المرتضى فاخذها وضمها الي صدره وبكي بكاء شديدا وقال مقالة النبي ثم دفعها الى فاطمة الزهراء فاخذتها وضمتها الى صدرها وبكت بكاء
[ 79 ]
شديدا وقالت مقالة على ثم دفعتها الى الحسن فاخذها وضمها الى صدره وبكى بكاء شديدا وقال مقالة فاطمة رضى الله عنهم اجمعين . ثم ان آدم اقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال له السلام عليك ايها الولد الصالح عظم الله اجرك وقوى صبرك واحسن الله عزاءك ثم اقبل نوح وقال مقالته ثم اقبل موسى وقال مقالته ثم اقبل عيسى وقال مقالته ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى اشهدوا على ما ترون من فعل هؤلاء القوم باولادي ثم بكى . فبينما هو كذلك إذ اقبل الملك والموكل بسماء الدنيا وقال السلام عليك ايها النبي الكريم اعلم ان الله امرني بالطاعة لك فان امرتني ان اهلك القوم جميعا اطبقت عليهم السموات حتى لا يبقى منهم احد جزاء بما فعلوا فقال له النبي مهلا وإذا بملك ثان وبيده حربة عظيمة ولها شعبة بالمشرق وشعبة بالمغرب وقال السلام عليك ايها النبي الكريم قد قطع قلبي بكاؤك اعلم اني الملك الموكل بالبحار واعلم ان الله امرني بالطاعة لك قال فان امرتني ان اهلك هؤلاء القوم اطبقت عليهم البحار جزاء بما فعلوا فقال له مهلا وإذا بنور قد ملا ما بين السماء والارض وإذا الملائكة قد احاطت به وقالوا يا محمد العلي الاعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك اخفض صوتك فقد بكى لبكائك اهل السموات وقد ارسلنا اليك الله نمتثل امرك ، فقال من الله بدئ السلام واليه يعود السلام فمن انتم ؟ فقال احدهما اني ملك الشمس ان امرتني ان احرفهم فعلت وقال الاخر انا ملك الجبال ان امرتني ان اطبق عليهم الجبال فعلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاكم الله تعالى خيرا دعوهم ان لهم موقفا اكون انا واياهم فيه بين يدي الله عز وجل فيحكم بيننا بالحق وهو احكم الحاكمين ، فعند ذلك قال جيمع من حضر من الانبياء والملائكة جزاك الله خيرا يا محمد عن امتك ما ارحمك بهم وارافك عليهم ! وهذا كله يا سليمان رايته بعيني وسمعته باذني وانا يقضان بحالة الصحة الكاملة وما ذكرته لاحد غيرك بل اصبحت هاربا من الدنيا خائفا وجلا من الله عز وجل لصحبني ليزيد وانا على البكاء والنحيب
[ 80 ]
حتى ذهبت عيناي وما ادري ما عاقبة امري ان كان الله تعالى يمن علي من فضله ويغفر لي ام يؤاخذني فعند ذلك بكى سليمان وقال لعل الله تعالى يمن عليك بفضله ، ثم مشى معه الى ان اتوا الطواف على حالتهم الاولى وصار الرجل يدعو بدعائه الاول (وروى) عن زين العابدين انه قال : لما اتى براس ابي ليزيد كان يتخذ في مجلسه الخمر والراس بين يديه في طشت من الذهب مغطاة بمنديل حرير ، فبينما هو جالس ذات يوم وحوله اكابر دولته وهم يشربون الخمر والراس بين ايديهم إذ دخل عليهم رسول ملك الروم وكان من اشرف الروم واعطمها وكان ياتي ليزيد بالكتب من عند ملكهم فسلم على يزيد ومن حوله واعطاه كتابا كان معه ثم جلس وتحدث معهم وهم على تلك الحالة وراس الحسين بينهم في الطشت فاستعظم ذلك فقال ليزيد لم تشربون الخمر وهذا الراس بينكم فلمن هي ؟ فقال لا تسل عما لا يعنيك فقال اريد ان اخبر ملكنا بما انتم عليه لانه يسالني عن كل شئ رايته فلهذا اريد ان تخبرني بقضية هذه الراس حتى اشاركك في الفرح والسرور فقال له يزيد هذه راس خارجي خرج على عامل بالبصرة والعراق فقال له ومن يكون هذا الخارجي قال الحسين ابن علي فقال امه من قال فاطمة الزهراء بنت محمد فقال اف لك ولتدينك يا يزيد الان ديني احسن من دينك فقال لماذا ؟ قال له ابى كان من حواري داود النبي وبيني وبينه اكثر من اربعين جدا فمن ذلك النصارى يعظمونني ويأخذون من تراب اقدامي تبركاى وانتم تفعلون بابن بنت نبيكم هذه الفعال وما بينه وبينه جد فاي دين دينكم ثم قال يا يزيد هل سمعتم حديث كنيسة الحافر قال لا فقال اعلم ان بين كمان والصين بحر مسيرة سنة ليس فيه عمر ان الا بلدة واحدة في وسط الماء ثمانين فرسخا في ثمانين ما على وجه الارض اكبر منها ومنها يحمل الياقوت والكافور واشجارها العود والعنبر وهي في ايدي النصارى وفي تلك البلدة كنائس كثيرة واعظمها كنيسة الحافر
[ 81 ]
محرابها حلقة ذهب معلقة وفيها حافر مرصع بالدمع والياقوت ومن حوله الذهب والفضة وليس بائنا منه شيئا من كثرة الذهب والفضة والحلي الى اسفله وتعظيم هذا الحافر يكون بسبب زعمهم انه حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام وكثير منهم يقصدون زيارته في كل عام ويطوفون حوله ويقبلونه ويرفعون حوائجهم الى الله عنده فهذا شانهم ودابهم بحافر حمار يزعمون ان نبيهم كان يركبه وهذا نبيكم حقا لا شك فيه وقد هداكم من الضلالة الى الهدى ومن ظلمة الكفر الى نور الاسلام وابو المقتول هو الساقي على الحوض يوم القيامة فلا بارك الله فيك ولا في فعلك فغضب يزيد غضبا شديدا وقال اقتلوه لئلا يفضحنا فلما سمع ذلك قال اتريد قتلي ؟ قال نعم . فقال اعلم اني رايت نبيكم في المنام وقد ضمن لي الجنة فتعجب يزيد من كلامه ثم قال تقتل ابن نبيكم وتزعم انك على دين الاسلام فانا اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ثم تقدم الى الراس وضمها وقبلها وبكى ثم قتل رحمه الله وهو يقول واخجلة الاسلام من اضداد ظفروا به وقوم المسيح يعظمون حافر حماره (وروي) عن جحفر الصادق رضي الله تعالي عنه انه قال : إذا كان يوم القيامة ينصب الله سرادقا من نور بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلائق كلهم حاضرون ثم ينادي مناد يا معشر الناس غضوا بصاركم فان فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى تريد ان تجوز السرادق فيغضون ابصارهم فإذا هي مقبلة فإذا وضعت رجلها في السرادق نوديت يا فاطمة فتلنفت فترى ولدها الحسين واقفا بجانبها من غير راس فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل الا جثى على ركبتبه وخر مغشيا عليه ثم انها تفيق من غشيتها قجد الحسين بمسح وجهها بيديه وراسه قد عادت إليه فعند ذلك تدعو على قاتله ومن اعانه فيؤمر بهم الى جهنم ولا شفيع لهم (ويروي) عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه انه قال ، إذا كان يوم القيامة ينصب لفاطمة كرسي من نور فتجلس عليه فبينما هي جالسة وإذا بالحسين مقيل عليها وراسه بيده فإذا راته صرخت صرخة عظيمه حتى لا يبقى في الجميع
[ 82 ]
ملك مقرب ولا نبي مرسل الا بكى لبكائها فيمثله الله عز وجل في احسن صورة ويجمع له من حضر في قتلته والمتجاهر عليه ومن اشار في قتله فيقتلهم الحسين عن اخرهم ثم ينشرون فيقتلهم الحسن وهكذا ينشرون ويقتلون حتى لم يبق من ذريتنا احد الا وبقتلهم فعند ذلك يكشف الهم ويزول الحزن (ويروى) عن الرسول عليه الصلاة والسلام انه قال : إذا كان يوم القيامة تقبل فاطمة على ناقة من نياق الجنة وبيدها قميص الحسين ملطخ بدمه فتصرخ وتزج نفسها عن الناقة وتخر ساجدة لله عز وجل وتقول الهي وسيدي ومولاي احكم بيني وبين من قتل ولدي الحسين فيأتيها النداء من قتل الله عز وجل يا حبيبتي وابنة حبيبي ارفعي راسك فوعزتي وجلالي لا نتفمن اليوم ممن ظلمك وظلم ولدك ثم يامر بجميع من حضر قتل الحسين ومن شارك في قتله الى النار . وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في جماعة من نسائها فيقال لها ادخلي الجنة فتقول لا ادخل حتى اعلم ما صنع ولدي الحسين فيقال لها انظري عن يمينك فتلتفت فإذا الحسين قائم وليس عليه راس فتصرخ صرحة فتصرخ النساء لصراخها والملائكة ايضا ثم تنادي واولداه واثمرة فؤاداه فعند ذلك يغضب الله ويامر نارا قد اوقد عليها الف عام حتى اسودت ولا تدخلها ريح ولا يخرج منها ابدا فيقال لها التقطي من حضر قتل الحسين فتلقطهم فاداصاروا في جوفها صهلت بهم وصهلوا بها وشهقت بهم وشهقوا بها ورفرت بهم وزفروا بها ثم ينطقون بالسنة ذلقة ناطقة يا ربنا لم اوجبت لنا النار قبل عبدة الاوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله ان من علم ليس كمن لا يعلم وروي عن آل البيت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : إذا كان يوم القيامة تاتي فاطمة الزهراء على ناقة من نياق الجنة خطامها من لؤلؤ رطب وقوائمها من زمرد اخضر وذنبها من مسك اذفر وعينيها من ياقوت احمر وعليها قبة من النور يرى باطنها من ظاهرها وضده داخلها عفو الله خارجها عليها رحمة الله وعلى راسها تاج من النور وله سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت ضئ
[ 83 ]
كما يضئ الكواكب في وافق السماء وعن يمينها سبعون الف ملك وعن يسارها مثلهم وجبريل آخذ بخطام الناقة وهو ينادي باعلى صوته غضوا ابصاركم حتى تجوز فاطمة فيغضون ابصارهم حتى تجاوز عرش ربها وتجز نفسها عن ناقتها وتقول الهي وسيدي ومولاي احكم بيني وبين من ظلمني وقتل ولدي فإذا النداء من قبل الله تعالى يا حبيبتي وابنة حبيبتي سليني تعطي واشفعي تشعفي فوعزتي وجلالي لا يجاوزني ظلم ظالم ، فتقول الهي وسيدي ومولاي ذريتي وشيعتي وشيعه ذريتي فإذا النداء من قبل الله تعالى ابن ذرية فاطمة وشيعتها وشيعة ذريتها ومحبوها ومحبو ذريتها ؟ فيقولون وقد احاطت بهم ملائكة الرحمن ها نحن يا ربنا فتقودهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة وهي اخذة بقميص الحسين وهو ملطخ بالدم وقد تعلقت بقوائم العرش وهي تقول يا رب احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين فيؤخذ بها ويقال لها ويل لمن شفعاؤه خصماؤه كما قال القائل : ويل لمن شفعاؤه خصمؤه * والصور في بعث الخلائق ينفخ لا بد ان ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ فتقول ربي انى لك اشتكي * قتل الحسين ابني وها انا اصرخ والله يامر بالجميع لناره * ويل لمن قتلوا الحسين يؤرخ (قال الراوي) روى عن عائشة رضي الله عنها ان فاطمة كانت إذا دخلت على ابيها قام لها وقبل راسها واجلسها مجلسه وإذا جاء إليها لفيته وقبل كل منهما صاحبه وجلسا معا (ويروي) عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ان موسى بن عمران قال يا رب اخي هارون مات فاغفر له فأوحى الله إليه يا موسى لو سألتني في لاولين والاخر لاجبتك (ويروى) عن ان عباس رضي الله عنهما قال : اوحى الله الى محمد اني قتلت بيحي سبعين الفا (ويروي) عن جعفر الصادق انه قال : قتل بالحسين مائة الف ولم تقم ثاره وسيطلب بثاره قال جعفر الصادق ان الشهر المحرم كانت الجاهلية يحرمون فيه القتال استحلت فيه دماؤنا وانتهب فه ما لنا وتهتكت فيه حريمنا ولم يبق فيه حرمة لنا ان يوم عاشوراء احرق
[ 84 ]
قلوبنا وارسل دموعنا وارض كربلاء ارثتنا الكرب والبلاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فان البكاء عليه يمحو الذنوب ايها المؤمنون . وهذا اخر ما ورد في مصرع الحسين بن علي بن ابي طالب وما جرى له ولاهله من قتلهم وسفك دمائهم وسبي حريمهم وذبح اطفالهم فهم حجة الله وخيرته من خلقه فلعن الله من تعدى عليهم وظلمهم ومن ارضاه ذلك . نسال الله ان يثيبنا على ذلك الجنة ويرزقنا اجر من استشهد بين يديه انه صاحب المنة . اللهم اجعلنا من عنقائك من النار وبحبهم اجعلنا من جلسائهم في دار القرار بجودك وكرمك يا عزيز يا غفار والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الامي وعلى اله وصحبه وسلم آمين (ثم كتاب نور العين في مشهد الحسين) ويليه كتاب : (قرة العين في اخذ ثار الحسين) للامام عبد الله بن محمد رحمه الله آمين
[ 85 ]
قرة العين في أخذ ثار الحسين بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الامام العالم العلامة عبد الله بن محمد : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين ، وعلئ اله وصحبه اجمعين ، والتابعين وتابع التابعين لهم باحسان الى يوم الدين (وبعد) فاني لما اطلعت على " نور العين في مشهد الحسين " اعقبته بهذا الكتاب ووسمته إذ رسمته : بقرة العين في اخذ ثار الحسين فاقول حدثني أبو محنف قال : لما قتل سيدنا الحسين واحتوت بنو امية على الخلافة وفرقوا آل بيت رسول الله شرقا وغربا امر ابن زياد بالنداء في العراق والكوفة ان من دكر علي بن ابي طالت واولاده وشيعته ضربت عنقه (قال الراوي) وكان باكوفة رجل معلم من شيعة علي بن ابي طالب يقال له عميرة بن عامر الهمداني وكان ذا ورع وعقل وقد كتب الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي بن ابي طالب فبينما هو في بعض الايام جالس بالمكتب والصبيان بين يديه إذ مر به طالب ماء فاستدعاه واسقاه شربة ماء وكان الماء باردا فشرب وقال لعن الله طالمي الحسين ومانعيه شرب الماء فسمعه ابن سنان سياف ابن زياد وهو الذي ساعد على قتل الحسين فاغتاظ وقال الم يعلم هذا من انا ؟ ثم وثب الى المعلم ووقف بين يديه وقال انظر الي وتامنلي فنظر إليه وقال له ما شأنك ؟ فقال اتنكر ما تلكم به الشارب قال وما قال ؟ قال لعن الله ظالمي الحسين وما نعيه شرب الماء . الم يعلم ان الذي قتله الشمر بن ذي الجوشن وابي حمل راسه على الرمح ؟ وذلك بامر يزيد ؟ اما سمع الندا ان لا احد يذكر الحسين الا قطعت راسه ؟ فقال له المعلم لا تخير عنه اباك ولا ابن زياد فقال سمعا طاعة وقد اضمر الضد ذلك واسر انه يخبر عن المعلم لا عن الشارب وسكت ساعة لما نسى
[ 86 ]
المعلم ذلك ثم خرج من المكتب ودخل خربه واخذ طرف عمامته ومزقها ثم جعل يضرب ظهره وسائر بدنه حتى خضبه بالدم واقبل على امه فلما راته صرخت وقالت من فعل بك هذا ؟ فقال معلمي دعا بشارب ماء واسقاه فلما شرب قال المعلم لعن الله ظالمي الحسين ومانعيه شرب الماء فلما سمعته قلت اترى ما تعرفني ؟ فسمعني وقال لي اسكت لعنك الله ولعن اباك ولعن ابن زياد يا ويلك اليس ابوك الذي حمل الراس على الرمح حين قتل ؟ فقلت له بل لعنك الله يا ويلك اييما احق بالخلافة الحسين ام يزيد فلما سمع كلامي وثب الي واخذني الى داره واوثقني وفعل بي كما ترين ثم مضى فهربت منه والا كنت هلكت فلما سمعت كلامه خرجت واخبرت اباه بذلك فلما سمع منها ذلك فجر وكفر وسب الحسين واخذ ولده الى ابن زياد ونادى نصيحة يا امير فما كان اقل من لمحة حتى مثل بين يدي ابن زياد فلما نظر الى الغلام وهو مخضب بالدماء قال ما شانه ؟ قال هو في مكتب عميره فلما كان هذا اليوم دعا بشارب ماء فسقاه ثم قال لعن الله ظالمي الحسين ومانعيه شرب الماء فقال له والدي بل لعنك الله فغضب من كلامه واخذه الى داره وفعل به ما ترى فلما سمع ابن زياد كلامه انقلبت عيناه في ام راسه ثم دعا بحاجبه وقال له امض الى عميرة واحضره بين يدي ومن سالك عن امره فخذ راسه فركب واتى إليه واخذه وارفقه بين يدي ابن زياد فلما نظره قال يا ويلك اتسب امير المؤمنين ابن معاوية وتمدح ابن ابي تراب واولاده ؟ ثم قال لغلمانه كبوه فكبوه على وجهه وضربوه فقال له اتق الله في امري فو الله ما فعلت شيئا مما تحدث به الصبى عني وان شهد على احد من خلق الله قدمي للامير حلال فقال انطلقوا به الى حبس شيعة ابى تراب فاتى الحجاب به إليه وفتحوا بابه وهو من حديد ثم قيدوه وادخلوه فيه قال عميرة ثم قفلوا من ورائي فنزلت خمسين سلما حتى وصلت الى الارض وفي حال النزول لم ار للضوء اثرا ولما انتهيت الى الارض اضاء لي الموضع فرايت قوما يستغيثون فلا يغاثون وهم مقيدون ثم سمعت في صدر الموضع
[ 87 ]
انينا عاليا فقصدته فإذا هو رجل جالس عليه قميص اسود وفي رجليه فيدان وفي عنفه طوق حديد ويداه مغلولتان وهو لا يقدر ان يتحول يمينا ولا شمالا فسلمت عليه فرد على السلام ورفع راسه وإذا بشعر راسه على عينيه فقلت يا هذا ماذا جنيت حتى نزل بك هذا : قال محبة اهل البيت فقلت ومن تكون من شيعتهم انت ؟ فقال انا المختار بن عبيد الله الثقفي فانكببت على راسه وقبلتها فقال من انت يرحمك الله ؟ فقلت عميرة بن عامر الهمداني معلم صبيان الكوفة فقال يا اخي ما هذا موضع المعلمين بل هو موضع من اراد ان يغلب بني امية وياخذ بثار الحسين ولكن طب نفسا وقر عينا فانك عن قريب يفرج الله عنك قال عميرة ثم سألته عن سبب حبسه وعن اولئك القوم فقال اردت الاخذ بثار الحسين انا أو اياهم فاخذنا غدر أو حبسنا هنا وهذا كان قبل مجيئه من المدينة ثم جلسا يتحدثان ياما قلائل (قال الراوي) وكانت لعميرة ابنة اخ وكانت داية اولاد ابن زياد وقد ارضعت اولاده وذرية اولاده فلما بلغها خبر عمها دخلت على حصنية زوجة ابن زياد ومزقت جيبها وجزت شعرها وهي تبكي فقالت لها ما شأنك وما نزل بك ؟ فقالت يا سيدتي عمي شيخ كبير وقد علم اولادكم ووجب حقه عليكم وقد تكلم عليه بعض الصبيان بكلام لم يقله وهو الان محبوس فقالت حبا وكرامة ثم قامت ودخلت على ابن زياد وكانت احظى نسائه وقالت له الشيخ المحبوس انا اعلم انه بري . واريد ان تهبه لي فقال لك ذلك وامر باطلاقه وقال لحاجبه ائتتي بالمعلم فمضى الى السجن وامر السجان بخروج المعلم فقال حيا ثم فتح الباب فسمعه المختار فقال يا اخي يا عميرة قد اناك الفرج قال عميرة يعز على فراقك حتى يفرج الله عنك قال المختار يا اخي احب ان تقضي لى حاجة فقال وما حاجتك فوالله لاجتهد في قضائها ؟ قال إذا خرجت سالما فاحتل لي بحيلة وارسل لي ورقة ولو قدر اصبع ومداد ولو في قشرة جوزة ؟ وقلما ولو كعقدة ابهام فقال حبا وإذا بالنداء يا معلم اخرج فودع المختار وصعد واتى الى الحاجب فاتى الى ابن زياد فظر إليه وقال عفونا عنك لاجل من سالنا في امرك واراك ان تعود فقال اني تائب اني لا اعلم صبيانا ابدا ولا اجلس في مكتب ابدا ثم خرج واتى الى منزله ودعاء بزوجته واعطاها
[ 88 ]
صداقها وخلى سبيلها وقال في نفسه اني لاقضي حاجة اخي ثم عمد الى كبس فيه مائة دينار وطيبه بالمسك والعنبر وعمد الى شاة سمينة فشواها واضاف إليها خبزا كثيرا وفاكهة فلما جن الليل حمل ذلك كله حتى اتى دار السجان وطرف الباب فلم يجده فسلم ذلك لزوجته وقال لها إذا اتى زوجك فقولي له ان المعلم يقرئك السلام ويقول لك نذر نذزه ثم مضى فلما ورد السجان الى منزله اخبرته زوجته بحال المعلم وما سلم من الهدية ففرح ثم ان عميرة اتاه ثانيا بما قد اوصى به المختار وقال افرئه مني السلام وقل له ان كان لك خدمة فنحن لها (قال الراوي) وقد كان للسجان صبي رباه حتى بلغ فقال لزوجته انى لا امن على بناتي وعليك منه فقالت له يا هذا هو عندي بمنرلة ولدي ولا يطيب قلبي على اخراجه من عندي وكان الصبي يسمع كل ما حصل فخرج الى دكان بقال قريب من السجن واخذ سوادا من القدر فسود وجهه وشق جبينه هذا ما كان من امره ثم رصد السجان حتى اوصل الدواة والقرطاس والقلم الى المختار وورد الى باب الامارة ونادى نصيحة يا امير فنظر إليه وقال ما نصيحتك ؟ قال ان المعلم الذي حبسته ثم اطلقته قد حمل الى ابي السجان ما هو كذا كذا ليوصله الى المختار فانقلبت عيناه وقال على بفرس فاوقفت بين يديه فركبها وسار الى السجن واقبل على السجان وضربه حتى خضبه بالدماء ثم امر باحضار المعلم وضربهما فقال له السجان ايها الامير ما هذه الجناية ؟ فقال يا ويلك ظننت ان يخفى علي خسافية فقال ما الخبر ؟ فقال له ما اخبره الغلام فقال ها انا والمعلم والمختار ما غاب منا احد وما مضى على هذا الخبر يوم وان المختار ما لحق ان ياكل الطعام فدونك فانظره فان وجدت ما قيل لك فدماؤنا لك حلال فامر ابن زياد الغلمان ان ينزلوا السجن ويصعدوا بجميع ما فيه من الطعام وغيره ففعلوا ذلك وفتشوه فلم يجدو فيه شيئا وقد ستر الستار ثم صعدوا واخبروه فخجل ثم قال على بالصبي فاحضروه بين يديه فقال له ويلك اخبرتني ان المعلم قد صنع مكيدة فقال السجان ايها الامير ليس هذا ولدي بل وجدته طفلا فاخذته وربيته حتى بلغ ثم امرت زوجتي باخراجه فاضمر لي ذلك فلما
[ 89 ]
سمع ذلك ابن زياد صدقة في قوله وانعم عليه وعلى المعلم وخفف عن المختار قيوده وامر بقتل الغلام وارتد الى قصره وقد كان المختار قسم الورقة نصفين وكتب لاخته كنابا ولزوجها كتابا وهو عبد الله بن عمر الخطاب وقد دسهما مع الدواة والفلم تحته حين التفتيش ثم بعد ايام قلائل اخرج ما كان خباه وسلمه الى السجان بعد ان اخذ عليه العهود والمواثيق ان لا يقشي سره وامره ان يسلم ذلك الى المعلم فاخذه ودفعه إليه فقرا عنوان الكتابين فوجدهما من المختار الى مدينة النبي الى عبد الله بن عمر فذهب الى الحمام وحلق ومضى الى ابن زياد واخبره انه عازم على الحج فقال ادفعوا له الف دينار فدفعوها له فاخذها وصار قاصدا المدينة فما كان الا ايام قلائل حتى وردها سالما واقبل على دار عبد الله بن عمر بن الخطاب زوج صفية اخت المختار وقد كانت قد قدمت إليه مائدة عليها غرائب الطعام فقال لها كلي معي فقالت والله لا اكلت لذيذ الطعام حتى اعلم بخبر اخي فبينما هي كذلك وإذا بعميرة قد طرق الباب فقالت الجارية من بالباب ؟ قال رجل من اهل الكوفة قد اقبل في حاجة الى مولاك فلما سمعت صفية ذلك خرت مغشيا عليها شوقا الى اخيها وقد بادر عبد الله الى الباب ففتحه وادخل عميرة وقدم إليه الطعام واكلا معا ثم اخرج الكتابين ودفعهما إليه فقرا عنوانهما تم بكى وقام الى زوجته وقال لها ابشري فهذا كتاب اخيك فبكت وقالت بالله لا تخف عني من امر اخي شيئا فقرا ولم يزل يقرا حتى بلغ الى قوله مقيد مغلول مريض البدن وقد منع يا زيد عنه الاطباء فصرخت ودخلت مخدعها وجزت شعرها وشعر بناتها وجمعته بين يديها فدخل عليها زوجها وراى ذلك فقال ويحك ما هذا ؟ فقالت شعري وشعر بناتي والله لا يجمعني واياك سقف بيت واخي على هذه الحالة فقال والله لو ان احدا يمضي بكتابي الى يزيد لما كان اخوك لبث في السجن اكثر من ذهابه إليه فقال عميرة انا امضي بكتابك الى يزيد قال وهل تفعل ذلك ، قال نعم ففرح وكتب الى يزيد كتابا يعظه فيه وساله مكانبه لابن زياد باطلاق المختار ثم
[ 90 ]
ختمه وطواه وكتب عنوانه انه من عند عبد الله بن عمر بن الخطاب الى يزيد ابن معاوية ودعا بثوب من ديباج ولف فيه الكتاب والشعر ودفعه الى عميرة وقال له اذهب بالكتاب الى يزيد ثم امر ان توطا ناقة فوضع عليها ماء وزادا ثم استوى عليها وسار الى ان ورد دمشق فدخلها واكترى حجرة وكان في كل يوم ياتي مسجدا قريبا فيصلي مع الجماعة وإذا فرغ من صلاته قال رحم الله من دعالي بقضاء حاجتي ثم ياتي الى باب يزيد ليدخل فلا يتمكن من الدخول . فلما كان في بعض الايام قال لهم الامام يا قوم ان اهل الكوفة فيهم جفاء وما نرى من هذا الشيخ الا المعرفة ومع ذلك يقول رحم الله من دعالي بقضاء حاجتي ونحن لا نساله عن حاجته فقالوا له انت احق بالمسالة منا فلما كان من الغد ورد عميرة على العادة وصلى معهم ثم خرج فقال الناس للامام قم واساله عن حاجته فمضى خلفه ودخل معه منزله فأكرمه ثم ساله الامام وقال انا سمعناك تقول رحم الله من دعالي بقضاء حاجتي فما حاجتك فان كانت دينا فنحن نوفيه فعند ذلك اطرق عميرة براسه الى الارض متحيرا في الجواب فلما رآه الامام مطرقا اقبل عليه وقال له يا هذا انت مالك مطرقا اتخشى ان ابوح سرك فوالله العظيم ورسوله الكريم وعلي بن ابي طالب والحسن والحسين ان اخبرتني بحاجتك قضيتها لك فلما سمع عميرة كلامه وثق به ثم قال له اعلم اني معلم اهل الكوفة واسمي عميرة وحدثه بالقصة من اولها الى اخرها فلما سمع كلامه وعرف مرامه قال له إذا كان الغد فالبس افخر ثيابك وتطيب ثم البس فوق ثيابك ثوبا روميا وثوبا زئبقيا واشدد وسطك بمنديل زئبقي وخذ على كتفك مثله وتاخذ هذا الثوب الذي معك تحت ابطك كانك بعض العمال وسر الى دار يزيد فإذا وصلت إليها فادخل اول دهليز تراه طويلا وفيه دكتان عن اليمين وعن الشمال وعليهما بسط من الديباج الاحمر على كل دكة خمسمائة حاجب بين يدي كل حاجب غلام بيدء مروحة يمروح بها عليه فجز ولا تعبا بهم فإذا دخلت ترى دارا عالية ودكتين اخرون في دهليز
[ 91 ]
اخر على كل دكة من الفرش ومن الرجال ومن الغلمان مثل ما تقدم فجز ولا تعبا بهم وادخل فترى مثل ما تقدم وهكذا الى ان تجوز الدهليز الثامن ترى ثلاثة انفار معهم المجامر يبخرون الحمام ليزيد فلا تلتفت إليهم وادخل ترى غلاما امرد حسن الوجه وعليه قباء ديباج وعلى راسه عمامه وفي رجليه خفان من الاديم وبيده مدخنة من الفضة والاخرى صينية من الذهب فيها ندو عليها قطر ميذ مملوء ماء ورد لغسل الحمام وتبخره فلما تخاطبه ثم يخرج من بعده غلام اخر وفعله كفعله فلا تلتفت إليه ولا الى من تقدم فانك متى التفت إليه أو الى من تقدم عرفوا انك غريب فيقبضون عليك ثم ذا جزت هؤلاء باجمعهم فانظر الى غلام حسن الوجه كانه القمر عليه قباء اسود وعمامة سوداء وذلك حزنا على الحسين منذ قتل لا ياكل الا خبز الشعير وملحا جريشا وهو من شيعة الحسين ويزيد مشغول بحبه فإذا رايته فاسرع إليه وقبل يديه واعطه الكتاب وقل له انا من شيعة الحسين وقل له حاجتك فانه يعينك على قضائها فانه استاذ الدار وقوله المطاع عند يزيد وسائر دولته ومملكته وكلهم يخدمونه بالنوبة وان يزد لا يثق ولا يانس الا به وستراه إذا ذكرت الحسين يبكي ولا يملك عبرته وكل ما امرك به افعله قال عميرة جزاك الله خير ثم انصرف الامام ، فلما كان من الغد صلى عميرة صلاة الفجر ثم فعل ما امر به ثم وافى دار يزيد فراى الوصف الذي اوصفه الامام ثم تقابل مع الغلام فلما نظره اقبل عليه مسرعا فقال لا اله الا الله والله اكبر يا عميرة اين كنت منذ سبعة عشره يوما وانا متوقع لك فما الذي اخرك عني وانا منتظر لقدومك ؟ قال عميرة فقلت يا سيدي ومن اعلمك باسمي واخبرك بخبري واننى دخلت دمشق منذ سبعة عشر يوما ولا رايتك ولا رأيتني قبل يومي هذا ؟ فقال اعلم اني رايت مولاي الحسين بن علي في منامي وهو الذي حدثني بخبرك ثم اخبرني بقضاء حاجتك واعلمني ان جده شفيعك يوم القيامة وانه سابقك الى الجنة وانك تحشر بين يدي ربه فيقول هؤلاء الذين تولوني ونصروني ثم بكيا (قال الراوي) قال عميرة فبينما نحن كذلك وإذا
[ 92 ]
بخدم كبار وصغار اكبرهم له عشرون سنة واصغرهم ابن سبع وهم يزيدون عن خمسمائة خادم بافبية الدباج ومناطق الذهب وبايديهم دبايس الجوهر وإذا بيزيد قد اقبل وعليه ثوب زئبقي وعلى راسه رداء اسود مطوي اربع طبقات معلم بالذهب وفي وسطه منديل مقضب بقضبان الذهب وفي رجليه نعلان من الذهب شراكهما اللؤلو الرطب مبطنان بالحرير وقد سود الله وجهه في الدنيا والاخرة وفي وجهه ضربة كفم البعير وهو افطس الانف لا يطا على الارض مرجليه الا تكاد تهتز ويخطر مثل جمل هائج وهو يتوكا على قضيب خيزران مكتوب عليه لا اله الا الله وحده لا شريك له قال عميرة فلما نظرت إليه جرت عبرتي على خدي لانني تذكرت مولاي الحسين بن على وما جرى له من يزيد ثم ان الغلام اخذ الكتاب من يدي واستقبله قبل ان يصل الينا وقال يا امير المؤمنين اما حلفت بحق ابيك انك تقضي لي كل يوم حاجة قال بلى قال قد سألتك بحق ابيك الا ما قضيت لي حاجتي قال ما حاجتك قال حاجتى ان تقرا هذا الكتاب في هذه الساعة فدفع إليه الكتاب ففكه وقراه وهو قائم ، فلما فهم ما فيه قال اين موصل هذا الكتاب قال ها هو يا امير المؤمنين فقال على به قال عميرة فاتيت إليه ووقف بين يديه فإذا هو دميم المنطر احمر اللون منقوط الوجه سواده كثير وما فيه خصلة من خصال الملوك ، قال عميرة ثم انه اقبل على وقال لي هذا كتاب عبد الله بن عمر بن الخطاب يسالني الافراج عن المختار من سجن عاملي عبد الله بن زياد قلت نعم يا امير المؤمنين قال وانت من شيعة الحسين بن علي ، فقلت انا رجل استاجرني عبد الله بن عمر لاجل هذا الكتاب الى حضرتك يا امير المؤمنين فقال له الغلام يا مولاي ما عليك منه ان كان من شيعة الحسين أو من غيره اجبه عن كتابه فدعا بدواة وبباض وكتب كتابا الى عبيد الله بن زياد بالافراج عن المختار بن عبيد الله الثقفي وان يحمله الى المدينة مكرما الى عبد الله بن عمر وامره بالاحسان إليه ، ثم انه رفع راسه الى الغلام وقال له يا غلام قد قضينا حاجتك والله لقد وددت انه
[ 93 ]
سألني في مائة الف دينار واهبها لك ولا افرج عن المختار ولكن قد جمعنا بذلك بين الحالتين احداهما قضاء حاجة عبد الله بن عمر نتخذها عنده منة وحمدا وشكرا والثانية انعمنا عليك اجبناك الى ما سالت ثم طوى الكتاب ودفعه الى عميرة ثم قال يوتي له بناقة وخمسة الاف درهم وخلعة فما كانت الا لحظة حتى اتى له بما امر به يزيد قال عميره فاخذت ذلك الكتاب وخرجت من دمشق ولم ازل سائرا حتى وصلت الكوفة بعد احد عشر يوما ثم وردت الى ابن زياد وقد ضيقت لثامي وغيرت لباسي باثواب يزيدية . (قال الراوي) قال عميرة سألني رجل من اين اقبلت ؟ قلت من عند يزيد وما عرفني ، ثم دخلت على ابن زياد فضحك ضحكة الغضب وقال يا ويلك فعلتها قلت نعم ثم اخرجت الكتاب من كمي ودفعته إليه فاخذه وقبله واستوى قائما وقعد كما هي عادته ثم جلس وقال سمعا وطاعة ، ثم امر باحضار المختار فما كان الا قليل حتى مثل بين يديه فامر بفك قيوده واغلاله واحضر له طبيبا فداواه ثم امر له بالحمام فدخله ثم خلع عليه خلعة وامر له بعشرة الاف درهم ولعميرة بمثلها ثم امر له بناقة محملة بالزاد والشراب وناقة اخرى لركوبه فخضروا بهما وذلك بعد ان قدمت إليهم مائدة عليها غرائب الطعام قال عميرة فقلت له كل فقال لي سرا والله لا اخالط ريقي لحما حتى اقتل من بني امية كما فعلوا بالحسين ثم اجلس انا وانت وناكل لحما وغيره ثم قاموا وقد قربت النوق فتقدم المختار إليه وقال استودعك الله يا اخي فقلت لا والله ما افارقك ابدا حتى اموت قال لي اركب معي فركبت وتقدمت الجمال واخذ بزمام الناقة بعد قطر الثانية فيها ثم سرنا نجد في السير حتي قدمنا المدينة وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب قد طبخ له هريبة وكان بحبها وقد قدمت له فجلس ياكل وبقول لزوجته كلى معي وكان يحبها حبا شديدا فقالت والله لا اكل حتى اعرف خبر اخى قال عميرة فبينما هم في الكلام ونحن نطرق الباب فقالت الجارية من ؟ فقال انا المختار فلما سمعته اخته عرفته ففتحت لهما ثم وثبت إليه وبكت وقبلته واعنقته
[ 94 ]
ثم بكيا جميعا وقد طال عناقهما ثم سقطت الى الارض فحركوها فإذا هي قد قضى عليها رحمة الله عليها فاخذ المختار في تجهيزها فدفنت في حجرتها وحزن عليها عليها عبد الله والخمتار حزنا شديدا ، ثم ان المختار اقام في المدينة الى ان اراد الله ان ينتقم من ظالمي آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين وياخذ بالحق ممن سفك دماءهم وينتقم ممن غصبهم في حقوقهم (قال الراوي) هذا ما كان من امر المختار واما ما كان من امر يزيد فانه ركب في بعض الايام في خاصته وجيشه وهم عشرة الاف فارس وخرج للصيد والقنص فساروا حتى بعدوا عن دمشق قدر يومين فلاحت لهم ظبية فقال لمن حوله لاجدن في طلبها ولم يتبعن احد ثم اسرع بجواده في طلب الظبية وجعل يطردها من موضع الى موضع حتى اتت واديا عظيما فدخلت فاسرع في طلبها فلما توسطه لم يجدها وفد اخذه العطش الشديد فلم يجد هناك ماء فعند ذلك امر الله سبحانه وتعالى زبانية جهنم بخطفه فخطفوه وكان له عشرة اصدقاء فلم يجدوا له خبرا خرجوا في طلبه في ذلك الوادي فاختطفتهم الزبانية والحقوهم به ولم يعرف لهم خبر الى وقتنا هذا ، واسم ذلك الوادي يعرف بوادي جهنم (قال الراوي) هذا ما كان من امر يزيد واصدقائه واما ما كان من امر الجيش فانه لم يزل يتردد الوادي طولا وعرضا فما استدل على سيده وندمائه فرجع الى دمشق وقد اخبروا الناس بذلك فوقعت الفتن فيهم وتنبه المؤمنون قبادروا الى داره وذبحوا اولاده وحريمه واخذوا جميع ماله (قال الراوي) وكان يزيد ولى ابن زياد على الكوفة والبصرة فكان يقيم في كل منها ستة اشهر وكان في ذلك الوقت على البصرة فكان في حبسه الذي بالكوفة اربعة الاف وخمسمائة فارس وهم الذين كانوا مع المختار مقيدين مغلولين ولم يتمكنوا لذلك من نصرة الحسين فلما جاء الخبر بهلاك يزيد فاول ما فعل اهل الكوفة ان نهبوا دار ابن زياد وقنلوا اصحابه واولاده وهتكوا حريمه واخذوا خيل رجاله وكسروا حبسه واخرجوا من فيه وهم المتقدم ذكرهم فكان فيهم سليمان
[ 95 ]
ابن صرد الخزاعي وسعد بن سفيان ويحي بن عوف ومثلهم من الابطال والشجعان فلما خرجوا تقاسموا الخيل والمال واهلكوا الباقين من اهل ابن زياد ولم يبق منهم الا نفر قد هربوا وساروا الى البصرة واعلموه بما حصل فلما سمع بذلك امر بالنداء في شوارع البصرة ان تجتمع الناس في الجامع فاجتمعوا ثم حضر ورقي المنبر وكان الناس لا يعلمون بهلاك يزيد فقال لهم ايها الناس اعلموا اني ذاهب الى الكوفة لاجل حوائج عرضت لامير المؤمنين فحاضركم يعلم غائبكم اني مخلف عليكم خليفتي وانا سائر على بركة الله فقالوا سمعا وطاعة وقد عرفهم بالخليفة من بعده ثم عزم على المسير باكر يومه وقد احضر الرجال والفرسان لما بلغه ان اهل الكوفة مرتقبون له في الطريق وكان معه عمر بن الجارود وهو مطاع في قومه وكان له احد عشر ولدا كل واحد يعد بعشرة ابطال وله الف مملوك ثم ان عمر ابن الجارود سار هو وابن زياد يريدان الكوفة فلما سمعوا بخروج من في السجن وقد انضاف إليهم اهل الكوفة وهم بارزون في البرية مرتقبون ابن زياد (قال الراوي) وكان لعمر ولد ينظر الغبرة من حد فرسخين ويعلم هل هي غيرة خيل أو غيرها فمد نظره فراى غبرة تلوح فاقبل على ابيه وقال اني ارى غبرة وخيلا كثيرة من نحو الكوفة واظن انها في طلبنا فلما سمع ابوه ذلك اقبل على ابن زياد وقال له اصدقني من قبل ان يصل القوم الينا ما الذي اخرجك من البصرة قال له اعلم ان يزيد قد هلك فوصل خبره الى الكوفه فنهبوا داري وهتكوا حريمي ، وذبحوا اطفالي ورجالي ، واخذوا خيلي وكسروا حبسي واخرجوا خصمي واظن انهم علموا بقدومي فقعدوا ينتظرونني فقال له الجارود ان كان الامر كما تقول فوالله مالك منهم مخلص الا بما اشير به عليك ، فقال وبم تشير ؟ قال اشدك تحت الناقة واحمل عليها الماء واجعلها بين النوق ومتى جاءوا الينا فتشونا فلم يجدوك فقال افعل ما تريد ففعل ابن الجارود ما ذكر فما كان الا قليل حتى طلع عليه سليمان ابن صرد الخزاعي وهم ينادون يا لثارات الحسين ، قال سليمان بلغنا ان معك
[ 96 ]
عدو لله ابن زياد وتريد ان تحمله الى الشام فقال ابن الجارود نحن في نهار وفي بربة فاذهب انا واولادي وعبيدي ورجالي بعد ان تفتشونا ثم فتشوا احملنا ففعل سليمان ذلك هو واصحابه فلم يجدوا اللعين فولوا راجعين ثم قال سليمان يا قوم ان الذي اخبركم بخروج ابن زياد من البصرة لصادق واني اظن انه سار الى اولاد يزيد فنمضي إليه ونكمن له في الطريق فإذا لقيناه اشتفينا منه لال محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه ولا نتركه يذهب ولا نترك احدا من بني امية ولا ممن عاون في قتل الحسين الا قتلناه فقالوا نحن بين يديك . (قال الراوي) هذا ما كان من امر سليمان واصحابه وما اتفقوا عليه واما ما كان من امر عمر فانه لما بعد القوم عنهم وعاوا تقدم الى ابن زياد وحله والى ظهر جواده اعاده فوهب له عشرة الاف دينار وهي التي كانت معه ثم ساووا الى دمشق حتى دخلوها وقد احتمع اهل دمشق وسائر الناس على مبايعة عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال الراوي) هذا ما كان من امر اهل دمشق واما ما كان من امر ابن زياد فانه دخل على مروان بن الحكم وذلك بعد ان ابلغه ما عليه اهل دمشق وقال له انت موجود ويبايع الناس لعبد الله بن عمر ، فلما سمع كلامه قال ما ذا اصنع ؟ قال تجمع الناس وتقبضهم الاموال وتسالهم بيعتك فإذا بايعوك جردت معي جيشا للعراق والكوفة وانا ابايع لك اهلها فمتى بايعوك سرت الى مكة والمدينة وخطبت لك فيهما ثم اكتب الى خراسان واصفهان واعمال فارس وطبرستان انك انت الامير وان الناس قد اجتمعوا على بيعتك فعند ذلك يخطب لك من في المشرق والغرب : فقال مروان افعل ما اردت فانا وانت في هذه الامارة سواء ، ثم ان مروان انتقل من داره الى دار يزيد وانفق ما عنده من المال على رجاله والابطال ثم عقد لابن زياد الرايات وارسله الى العراق والكوفة في مائة الف فارس فاخذهم وسار ليقتل من ضده في الخلافة وذلك بعد ان قال له قد اعطيتك الكوفة والبصرة وزدنك الحرمين ففرح ابن زياد لذلك ثم سار هو ومن معه وكان ابن زياد قبل ذلك قد ارسل غلاما من
[ 97 ]
غلمانه امامه ومعه الذخائر والماكل والمشارب والعلوفات ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى اول اعمال العراق ، ثم انه عقد لقائد من قواده راية وضم إليه ثلاثين الف فارس وقال له كن امامي فانه بلغني ان في طريقي اربعة الاف وخمسمائة فارس من شيعة الحسين وهم الذين سجنهم مع المختار ثم اطلقوا بعد هلاك يزيد وفعلوا بالكوفة ما فعلوا والان يريدونني فإذا لاقيتهم فلا تبق منهم واحدا وها انا على اثرك ، ثم ارتحل القائد بمن معه بعد ان قبل ركابه وقال انا اكفيك شرهم (قال الراوي) هذا ما كان من امرهم واما ما كان من امر سليمان واصحابه فانهم قد نزلوا في موضع يقال له عين الوردة ينتظرون قدوم ابن زياد وكان كل من مربهم من بني امية واشياعهم يقتلونه فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم راية القائد المذكور فلما نظرها سليمان واصحابه ركبو خيولهم واعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير ونادوا يا آل بيت الحسين ثم قال لهم سليمان هذا ابن زياد ورايته مكتوب عليها اسم مروان باظن انه مضى الى دمشق وبايع له الناس فاحملوا بارك الله فيكم ونصركم على اعدائه واعداء رسوله ، فعند ذلك قوموا الاسنة واطلقوا الا عنة ونادوا باجمعهم لا اله الا الله محمد رسول الله يا لثارات الحسين ثم حملوا على القوم وقتلوا قتالا شديد ولم يزلوا كذلك الى ان ادركهم الليل وحال الظلام بين الفريقين وقد حصر سليمان من قتل من اصحابه فإذا هم الف وخمسمائة فارس . واما قائد ابن زيد فانه قتل من اصحابه خمسة الاف فارس ثم باتوا وما فيهم احد يملك نفسه من شدة التعب والم الجراح الى ان طلع الفجر ولاح فاذن سليمان وصلى باصحابه صلاة الافتتاح ثم ركبوا خيولهم وذكروا سيد الملاح ثم حملوا وهم ينادون يا لثارات الحسين وقد حمل عليهم القوم ولم يزالوا في طعن وضرب وكر وفر الى ان هجم الليل ومنع الفريقين وقد حصر كل من الفريقين فإذا اصحاب قائد ابن زياد قد قتل منهم عشرة الاف فارس وانهزم الباقون ، واما اصحاب سليمان فانهم في حفظ من الرحمن ثم لما ان راى سليمان واصحابه انهزام القائد ومن
[ 98 ]
معه نزلوا موضعهم وملكوا خيامهم وتقاسموا سلبهم (قال الراوي) هذا ما كان من امر سليمان واصحابه ، واما كان من امر قائد ابن زياد واصحابه فانهم لما انهزموا لم يزالوا سائرين حتى لحقوا بابن زياد وهم منه على مسيرة يومين فلما راهم على تلك الحالة عظم عليه وكبر لديه وقال يا ويلكم انتم ثلاثون الفا تنهزمون من اربعة الاف وخمسمائة وقد قتلوا منكم خمسة عشر الف فارس ثم جعل يجد في المسير ويقطع الارض قطعا فاصبح في اليوم الثالث بالقوم وقد بقى سليمان واصحابه وهم ثلاثة الاف فارس ، فلما عاين العسكر جمع اصحابه وركبوا خيولهم وحملوا عليهم ونادوا يا لثارات الحسين ولم يزالوا في قتال الى ان هجم الليل وقد حال الظلام بين الفريقين وقد حصر كل منهما من قتل من اصحابه فإذا قد قتل من اصحاب ابن زياد اثنا عشر الف فارس ومن اصحاب سليمان الفان ثم ان سليمان اقبل على اصحابه وقال بارك الله فيكم فقالوا ايها الامير قد كنا اربعة الاف وخمسمائة والان صرنا الفا وابن زياد في ثلاثة وسبعين الفا فارس فان اصبحنا على الحرب قتلنا عن آخرنا فالصواب اننا نعبر الى جانب الفرات ونقطع الجسر ونسير الى الكوفة أو ارض العراق ونجمع الجوش ونلقى اعداء الله واعداء رسوله فقال يا قوم ولا افارق عدو الله ابدا حتى ابلغ منه ارادتي فان كنتم تقاتلون لطلب ثار ابن بنت رسولكم فاثبتوا فقالوا والله ما تقاتل الا لطلب ثارات الحسين وما لنا في الدنيا من حاجة وما نرجو بذلك الا التقرب من الله تعالى ورسوله وها نحن بين يديك حتى نقتل عن آخرنا ثم انهم باتوا تلك الليلة حتى اصبح الله بالصباح واضاء بنوره ولاح فصلى بهم صلاة الافتتاح ثم ركبوا خيولهم وذكروا سيد الملاح والتقى الجمعان ولم يزالوا في قتال وخصام مدة سبعة ايام فلما كان في اليوم الثامن اصبح سليمان وقد بقى معه سبعة وعشرون فارسا ومع ابن زياد سبعة وستون الف فارس ولم يزالوا يقاتلون الى ان هجم الليل ومنع الفريقين فرجع سليمان واصحابه بعد العشاء الاخيرة وقد اصاب كلا منهم نحو مائة ضربة فعبروا الفرات وقطعوا الجسر ونزل ابن زياد من الجانب الاخر بعسكره وليس فيهم
[ 99 ]
رجل يطيق الكلام مع صاحبه من شدة التعب وقد ركبهم الغبار وعاد الدم عليهم كالمكبات وتغيرت اصواتهم من كثرة الزعاق وكات الخيل تسقط من الجوع والعطش والتعب الذي مربها (قال الراوي) هذا ما كان من امر ابن زياد وعسكره واما ما كان من امر سليمان واصحابه فانهم القوا نفوسهم عن ظهر خيولهم وهم يقرءون القرءان ويصلون على رسول الله الملك الديان وما فيهم احد الا ويتمنى الشهادة ويقول اللهم الحقني بمولاي الحسين وكان ذلك في اليوم الثالث وقد راى سليمان في منامه انه في روضة خضراء وفيها اشجار واثمار واطيار وكانه قد اتى به الى قصر من ذهب وإذا بامراة قد اقبلت عليه وهي متخمرة بخمار من سندس وعليها حلل من سندس اخضر قال سليمان فلما رايتها كاد قلبي ان ينقدح هيبة واجلالا لها فضحكت في وجهي وقالت يا سليمان قد شكرك الله واخوانك بهذه الفعال فشكرناكم فابشروا فانكم معنا حيث حللنا وجميع من قتل في محبتنا ثم دمعت عيناها رحمة لنا فقلت يا سيدتي من انت ؟ فقالت خديجة الكبرى وهذه ابنتي فاطمة الزهراء وهذان ولداها الحسن والحسين رضي الله عنهم اجمعين وهما يقولان لك انت عندنا غدا بعد الزوال ونجتمع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فافض عليك هذا الماء وعجل الاوية الينا والقدوم لينا فانتبه سليمان وإذا عند راسه قدح من ذهب مملوء ماء فافاضه عليه وترك القدح واشتغل بلبس ثيابه فذهب القدح حيث اتى فقال الله اكبر ثلاث مرات ولله الحمد فانتبه اصحابه لتكبيره وقالوا ما الخبر ايها الامير ؟ فقال اتتني خديجة لكبري هي واولادها واخبرتني انني عندها بعد الزوال ونجتمع بين يدي رسول الملك المتعال ثم ناولتني قدحا فيه ماء فافاضته علي ووضعته فغاب عني وها انا لا احس بالم الجراح ثم سجد هو واصحابه شكرا لله ولم يزالوا كذالك حتى طلع الفجر ولاح فصلى بهم صلاة الافتتاح ثم ركبوا خيولهم وعبروا الفرات حتى وصلوا الى الجانب الذي فيه ابن زياد وعسكره فحملوا عليهم والتقى الجمعان ولم يزالوا كذلك الى وقت الظهر
[ 100 ]
قدارت عليهم الاعنه وحطت فيهم الا سنة فقتلوا عن آخرهم رحمة الله تعالى عليهم وجزاهم بما صبروا الجنة ثم ان ابن زياد امر بحز رؤوسهم فحزت ثم وجه بهم انفارا الى مروان بن الحكم واقام ينتظر رد الجواب (قال الراوي) هذا ما كان من امر سليمان واصحابه وما حل بهم من ابن زياد واما ما كان من امر صاحب الامر ومن ارادته فوق كل ارادة فانه قد اعان المختار وارسله من مدينة يثرب الى الكوفة ومعه خاتم فمضى به الى ابراهيم بن الاشتر وقال له يرحمك الله اني قد اتيتك برسالة من محمد بن الحنفية وهو يامرك ان تامر اهل الكوفة على بيعته لانه متوعك من قروح اصابته بسبب عين نظرته فلذلك منع عن الخروج مع اخيه الحسين في يوم كربلاء وفي هذا الوقت فلما سمع ابراهيم كلام المختار قال له اعلم يا اخي اننا نسمع ونطيع ولو لم نعلم ان هذا الكلام حق فقد وجب علينا ان يجمع بعضنا بعضا ونتشاور في اخذ ثار الحسين وننظر ماذا يردون علينا من الجواب قال فلما كان من الغد وصلى ابراهيم بالناس صلاة الفجر اقبل عليهم وقال يا اهل الكوفة هذا المختار قد ورد من المدينة ومعه خاتم محمد بن الحنيفة ويامركم ان تبايعوه وتاخذوا بثار الحسين فماذا تقولون ؟ فقالوا لن نبايع حتى ترسل خمسين رجلا من شيوخنا الى المدينة ليسالوا محمدا عن هذا الخبر ان كان حقا بايعناه وقاتلنا ولو قتلنا عن آخرنا وان كان باطلا فنحن بضد ذلك ثم اختاروا منهم خمسين شيخا ووجهوهم الى المدينة فلما وردوها اتوا الى دار محمد واستاذنوا في الدخول فاذن لهم فدخلوا وسلموا عليه وقالوا يا ابن امير المؤمنين قد اتيناك من الكوفة قاصدين وذلك ان المختار ورد علينا ومعه خاتم واخبرنا انه خاتمك وانك تخاطبنا ليبعتك واخذ ثار اخيك فقال يا قوم انا ما وجهت اليكم خاتما ولا غيره ولكن كان الواجب عليكم ان تنصروه وتجاهدوا بين يديه ولكن خذوا هذا خاتمي فسلموه له وقد وليته عليكم فاطيعوه فاخذوا منه الخاتم ورجعوا الى الكوفة ولم يزالوا الى ان نزلوا القادسية فبلغ المختار نزولهم فيها فدعا بعبده وقال له امض الى دروب الكوفة وتجسس الاخبار ممن اتى من القادسية هل من كانوا في المدينة جاءوا بولايتي فإذا كانوا جاءوا بها فانت حروان كانوا
[ 101 ]
غيرى ذلك فلا ترجع فتوجه العبد فرحا الى القادسية قوجد القوم قد وردوا ومعهم خاتم ابن الحنفية وقد جمعوا اهل القادسية وبايعوهم له واخبروهم بامارة المختار عليهم ثم امروهم بالمسير إليه والجهاد بين يديه . فلما سمع العبد ذلك انثنى راجعا الى سيده وحدثه بذلك ففرح فرحا شديدا ثم قدم المشايخ واخبروا ابراهيم وسائر اهل بلدهم فبايعوا واطاعوا المختار جميعهم . فعند ذلك عقد راية ودفعها الى ابراهيم وضم إليه اربعة عشر الف فارس وامرهم بالمسير الى اعمال الشام لقتال عدو الله ابن زياد فرحل ابراهيم ومن معه عن طريق الغادريات فجعل يجد في المسير تسعة ايام وفي اليوم العاشر نزل بالانبار وعبر الجيش فخرج إليهم اهل الانبار واستقبلوهم وقالوا لمن هذا الجيش ؟ فقيل لهم جيش الحسين فاخرجوا إليهم العلوفة والزاد فما قبلوا منهم شيئا الا بثمنه ثم ساروا ونزلوا بالنخل الاسود والحصى المجتمع وهو كثيب على عين الطريق فاقام بهم هناك ابراهيم يومين ، ثم رحل بهم ونزل بالجلحاء فاقام بها يوما وليلة ثم رحل بهم ونزل الى صدر الروضة واقام بها ثلاثة ايام ، ثم رحل بهم ومر على الدار الكبرى ثم نزل الى ارض البالست ولها ثلاثة حصون ثم رحل بهم ونزل بالعواضة ولها حصنان ، ثم رحل بهم ونزل بدير الجماهم ثم رحل بهم ونزل بدير الجالية ، ثم رحل بهم ونزل بالمنصورية والزهرة ، ثم رحل بهم ونزل بالدير اللطيف ودير القس ، ثم رحل بهم ونزل بتكريب وكانت منيعة حصينة فغلقوا الابواب حين نظروا الجيش فقالوا لمن هذا ، فقالوا لاخذ ثار الحسين فعند ذلك اعلنوا بالبكاء والنحيب وفتحوا الابواب وهم ينادون واحسيناه يعز علينا يا ابا عبد الله ثم اتوهم بالزاد والعلوفة فقالوا لهم لا ناخذ شيئا الا بثمنه فعند ذلك اجتمعوا عند ابراهيم وقالوا له نحن لنا في هذا الامر حظ ونصيب واننا قد اخرجنا من اموالنا خمسين الف دينار ونسالك ان تقبلها منا وتستعين بها على امرك فلم يقبل ذلك ، ثم رحل ونزل ببادية يقال لها الباليط ، ثم رحل بهم ومر بالموصل فسل اهلها في وجوههم السيوف فساروا ولم يلتفتوا إليها حتى نزلوا بعينين وكان بها رجل من وجوه بني شيبان يقال له حنظلة بن مغاور الثعلبي
[ 102 ]
وكان له عشرة اولاد فكتب إليه ابراهيم كتابا يقول فيه " بسم الله الرحمن الرحيم " من خادم الحسين الى حنظله ، اما بعد فانك تعلم ما جرى للحسين ومن معه ونحن اصحابه طالبون لثاره فنسألك بحقه وحق جده ان تبيح لنا العبور من هذا الباب والخروج من الاخر من غير اقامة فبالامر المحتم عند دخول رسول ابراهيم الى حنظلة ورد رسول ابن زياد فاستلم الكتابين وقراهما فوجد كتاب ابن زياد مكتوبا فيه من عند ابن زياد الى حنظلة اما بعد فحين وصول الكتاب تجمع العلوفة والزاد لمائة الف فارس طوعا لامير المؤمنين ولا تتوان فيما امرتك به ونفسك مرتهنة على ذلك فغضب ومزقه ورماه ثم قال لاصحابه اضربوا عنق رسول ابن زياد ، واما كتاب ابراهيم ففرح به واحضر رسوله وخلع عليه وطوقه بطوق من الذهب واركبه سابقا من الخيل وقال له انطلق الى سيدك واعلمه باني مقيم له بالعلوفة والزاد وان بلدي له موطئ ، فعاد الرسول راجعا الى ابراهيم واعلمه بذلك ففرح وتكامل عسكره خمسة عشر الف فارس فقدم إليهم من عند حنظلة القباب والخيام والسرادق ثم نصبت لهم وقد شق اهل البلد جيوبهم وجزوا شعورهم حزنا على ابن بنت نبيهم ، ثم حمل حنظلة إليهم الهدايا السنية والعلوفة والزاد فلم يقبلوا منه شيئا ولا من اصحاب بلده الا بثمنه فشكروهم على ذلك ودعوا لهم بالنصرة فاقاموا بها يومين ثم رحل ابراهيم وقومه ومعه حنظلة واولاده وعبيده واصحابه وخاصته في الف فارس وجعلوا يسيرون حتى نزلوا عن قلعة ماردين وكان حنظلة اقام فيها نائبا من قبله فظر اهل القلعة الى الجيش واخبروا وليهم فبعث غلاما يستخبر لمن هذا الجيش ؟ فنزل الغلام واسرع الى الجيش فراى حنظلة وبجانبه الامير ابراهيم فتقدم الغلام وقبل الارض بين يديهما فقال حنظلة يا غلام ادع والدك فرجع الى والده وقال له يا ابت هذا الامير حنظلة ومعه عرب من عرب الكوفة وهو يدعوك فنزل صاحب القلعة الى الامير حنظلة فسلم عليه وعلى الامير ابراهيم فرد عليه السلام وقال له هل انت لعدو الله على علم اوما علمت له من خبر فقال الامير لو كنت قدمت الى قبل هذا الوقت لسلمت اليك
[ 103 ]
ابن زياد اخذا باليد فقال وكيف ذلك ؟ فقال اعلم انه قد جاءني قبل اليوم ومعه حريمه واولاده واربعون بغلا عليها مال فاودعها في القيامة وها هو على عشرين ميلا في قرية يقال لها المدينة فقال له ابراهيم بشرك الله بالخير فاين حريمه واولاده ؟ قال عندي قال احضرهم قال سمعا وطاعة لله ولك يا امير المؤمنين ثم مضى الى القلعة فجاء منها باربعة من اولاد ابن زياد الاكبر منهم سنه عشرون سنة ومائة وثلاثين جارية واربعين حملا من المال ذهبا وورقا وصناديق مملوءة خزا وقباطي مصرية وديباجا ، فاقبل ابراهيم على اصحابه وقال ايها الناس هذه بنات ابن زياد واولاده وانتم تعلمون انه قتل علي بن الحسين وله من العمر خمس عشرة سنة ، وقتل عوف بن علي وهو ابن احدى وعشرين سنة وقتل محمد بن علي الاصغر وله اربع عشرة سنة وقتل عثمان وله عشرين سنين ، ونهب حريم رسول الله عليه الصلاة والسلام وساقهم على الاقتاب بغير وطاء فوالله ما ابقيت على وجه الارض من ذرية ابن زياد احدا ثم سل سيفة وكذلك اصحابه ووثبوا الى اولاد ابن زياد وحريمه وجواريه وقطعوهم قطعا وهم ينادون يا لثارات الحسين حتى قطعوهم عن آخرهم ، ثم اقبل صاحب القلعة على ابراهيم وقال له اعلم ايهاالامير ان كل حد بلا تمام مذموم وانا اريد ان اغزو بنفسي في طلب ثار الحسين واقتل ابن زياد ولو اقتل أو اوقعه لك بلا قتل قال وكيف ذلك يا اخي ؟ قال اسير انا وانت واولادي حتى نقرب من عسكره فإذا كان بيننا وبينه فرسخ نصبت خيمة وقعدت انا وانت فيها وارسل بعض اولادي إليه فيقول له ان ابي يقول لك اعلم ان الامير حنظلة اتبع راي ابراهيم وقد بلغني انه حلف ليضربن بالسف هو واولاده وسائر دولته طلبا لثار الحسين وانت تعلم ان القلعة له والان يطلبني باولادك وحريمك ومالك الذي عنده ، واريد ان تخرج من قومك وتاتي لتخلو معي ونتشاور فيما يجوز فعله ولا ياتي احد معك لاني لا آمن ان يكون للقوم خير بان اولادك وحريمك ومالك عندي وبيني وبينك محبة فانه يجئ ولا يتاخر لانة يثق بي على نفسه كما يثق بي على
[ 104 ]
حريمه واولاده فإذا جاء ادخلته الخيمة واوثقته بين يديك ثم تملك انت قوائم سيفك وتضرب عنقه وتعود الى عسكرك وتاخذهم وتحمل على عسكره فانه لا يجتمع لهم شمل الى يوم القيامة قال ابراهيم يا اخي انا اجيبك الى ذلك واسير معك ولكني قد رايت رايا قال وما هو ؟ قال اعلم ان معه سفنا من النحاس على ظهور الابل يقصد بها القوم والصواب ان اسير معك كما تقول واكثر اصحابي على البعد يمينا وشمالا واجعل على اليمين خمسة آلاف وعلى الشمال مثلهم فإذا استوى الامر وفعلت به ما ذكرت فهو الغرض وان لم اتمكن جئت معك الى ان اقف على المعبر فان السفن التي معه لا يقدر ان يعبر فيها الا فارس واحد فإذا هو عبر اكون بجانبك فانه يظن اني من بعض اولادك فإذا قاربني ضربت عنقه وصحت يا لثارات الحسين فإذا رآني اولادك وسمعوا الصيحة صاحوا من كل جانب ومكان واحطنا بعسكره وقتلناهم واخذنا سلبهم قال افعل ما شئت ايها الامير فاني لك ولامرك سامع ولكن قل لاصحابك يكونوا قريبا منك بحيث يسمعون صوتك إذا صحت قال فجمع ابراهيم اصحابه واوصاهم ان يمكثوا بالقرب من المعبر ويكون لهم طلائع يعرفون بها بعضهم ففعلوا ذلك قال وسار بهم ابراهيم مع صاحب القلعة واولاده الى ابن زياد يقول له اقبل الى وحدك فان جيش ابراهيم قد نزل قريبا منا ومعه حنظلة واولاده وسائر دولته فمضى الغلام الى عسكر ابن زياد وقصد خيمته ودخل عليه وقبل الارض بين يديه وعرفه ما قال ابوه فلما سمع ذلك انقلبت عيناه في ام راسه وخاف على اولاده وماله وحريمه فامر يفرس فقدمت إليه وتقلد بسيفه وركبها وهو فزع مما سمعه وسار مع الغلام قاصدا الى الخيمة وبين يديه عبده ومعه شمعة فلم يزل سائرا حتى ورد الخيمة فلما راه صاحب القلعة قام له هو اولاده وجعلوا يقبلون يديه الا ابراهيم فجعل يحد النظر إليه ثم نزل عن فرسه ودخل الخيمة وجلس وجلسوا ثم قال لصاحب القلعة ما هذا الخبر ؟ فقال هو حق ايها الامير ، قال ابراهيم وجعل يحدثه ويشاغله ويشير الى يضرب عنقه فجعلت افكر
[ 105 ]
في ضيق الخيمة وطول باعي وعدم تمكني من الضرب وهو يطيل النظر الي وسيقه بين يديه ولست آمن ان يصيح ويمانع عن نفسه ثم طال ذلك عليه وانا مطرق الى الارض متفكر في امري فقال ابن زياد لصاحب القلعة إذا كان ابراهيم قد اقبل هو وحنظلة فمالي الا ان اسير إليه قبل ان يفعل ما بدا له قال افعل ما تريد وها انا امامك فنهض وركب فرسه ورجع الى عسكره فاقبل صاحب القلعة علي وقال ما شبهت ليلتك الا بليلة مسلم بن عقيل (قال الراوي) فقال له ابراهيم يا اخي لا تعجل علي مقال وكيف لا اعجل عليك انرجو فرصة اجود من هذه ؟ فقال ابراهيم اسكت فاني اعلم ما لا تعلم فاني تذكرت في قتله وهو جالس وسيفه بين يديه وعبده على باب الخيمة وعسكره قريب منه فلو صاح وصاح عبده لاتتنا قومه فرايت قتله في غير هذا الموضع اولى واصلح وارجو ان لا يقتل الا بما اضمرت له ثم ارتحلنا وملكا المعبر والجسر منصوب بالاخشاب وقد تملكت سيفي (قال الراوي) هذا ما كان من امر هؤلاء واما ما كان من امر ابن زياد فانه امر عسكره بالرحيل فرحلوا ولم يزالوا حتى وصلوا المعبر وصاروا يعبرون الاول فالاول وهم يتراكضون على تلك السفن النحاس حتى عبر منهم خمسون الف فارس ثم اقبل ابن زياد على بغلة كأنها البرج وهو في عماربة من الديباج الحرير وفيها طراحة من ديباج احمر وقد حشيت ريش النعام وعليه قبة من الديباج ومنطقة من الذهب الاحمر مرصعة بالدر والجوهر تلوح حمرة للذهب مع بياض الجوهر كجمرة النيران وبين يديه ثلاثون شمعة كقامة الرجل وعن يمينه شمعتان من العنبر وعن شماله مثل ذلك وعليه قلنسوة من ذهب وجوهر ولؤلؤ وكان يحسن في الزي واللباس قال ابراهيم فلما اقبلت البغلة والخدم بين يديه يكفون الناس عن طريقه وانا واقف في جملة الجيش على المعبر مبتسما وقد ضيقته فقالوا لي ابعد عن طريق الامير فقلت يا قوم ان لي عند الامير حاجة وما اقدر على مخاطبته الا هنا فتركوني وجازوا . فلما اقبل ابن زياد في العمارية ناديت مستغيثا بالله وبالامير فاخرج راسه لينظر من المستغيث به فضربته
[ 106 ]
على ام راسه فاحدرته الى الارض وصحت يا لثارات الحسين فركب الناس السفن من كل جانب ومكان وقد نزل في قوم ابن زياد الضراب والطعان الى ان ولى الليل وافبل النهار وقد قتل من اصحاب ابن زياد ثمانية عشر الف فارس وقال صاحب القلعة قيل ان ابراهيم عند وقوع ابن زياد كنفه وسلمه الى رجل من اصحابه وهم محيطون به من كل جانب ومكان وكل منهم يلعنه ويبصق في وجهه ويضربه وينادي يا لثارات الحسين ثم ان ابراهيم نزل هو واصحابه ودعا بابن زياد فاوقفوه بين يديه ثم امر بتقييده وتغليله واضرام النار حوله ففعل ذلك حالا وسريعا امتثالا لامر الامير وقد احدق به اصحابه لينظروا ما صنع به ، فتقدم ابراهيم وسل خنجر حجاز يا لو نزل على بعير لقده وجعل يشرح من لحمه ويشويه ويطعمه له وعيناه تنظر إليه فإذا امتنع من الاكل نخسه الخنجر وهكذا حتى اكل لحمه بنفسه وابراهيم ينادي يا لثارات الحسين ، ثم لما ارب الموت ذبحه من اذن الى اذن واحتز راسه واخذها ، ثم امر ان يداس تاقدام الخيل ثم يحرق ففعل به ذلك فبعد ذلك احضر الاسارى وكان يسال بالرجل عما صنع في يوم قتل الحسين فيخبره مما فعل ، فمنهم من يقطع اطرافه ومنهم من يفعل به كابن زياد حتى لم يبق الا سبعون رجلا من خواص اللعين مثل ثبت وسنان بن انس وعمر بن الحجاج والشمر وامثالهم لعنهم الله وهم الذين تولو قتل الحسين عليه رضوان الله وسبوا حربمه ونهبوا ماله فاوقفهم بين يديه وقال علي بخلع الديباج فقالوا دعنا من هذا لكلام واصنع ما انت صانع فقال صدقوني فقالوا نصدقك فاول من تقدم الحسين حولي وعوقب ومات م من بعده سنان وهو الذي تقدم للحسين فقال ابراهيم يا ويلك يا سنان ما صنعت يوم قتل الحسين ؟ قال تقدمت إليه وهو ملقى على ظهره فضربت يدي الى تكته فجذبها ثلاث مرات وفي الرابعة حللتها فرايت يده قابضة عليها فقطعتها واخذت التكة فبكى ابراهيم وقال اما تستحي من الله ومن جده رسول الله ثم اضجعه على قفاه ونهص قائما واوقع الخنجر في عينيه فشق البياض
[ 107 ]
والسواد والدم يخرج على فخذيه وامر ان تسل اظافره فسلت وتكسر يداه فكسرتا ثم قطعهما والقي في النار واحترق ولم يزل يسالهم واحدا بعد واحد ويصنع به اشنع مما ذكر حتى قتلهم عن آخرهم واخذ رؤوسهم وحشاها في الغرائر وهم عشرة آلاف وقد اطهر منهم راس ابن زياد ورؤوس السبعين ووجوههم الى المختار وكان يومئذ بالكوفة وضم إليه الخيل والسلاح والغنائم وهي الف بعير من الذهب والفضة ولم يزل الرسول يجد في المسير ومعه كتاب الامير ابراهيم الى المختار بشرح الحال وابراهيم سائر باصحابه على اثر رسوله فما كان الا قليل حتى وصلت الرؤوس والغنائم والكتاب الى الكوفة واشتهر ما فيه ففرح الناس فرحا شديدا ثم اورد الرسول راس ابن زياد الى المختار فوضعها بين يديه فبصق عليها وقال لعن الله صاحبك ثم امر بخبطها في الارض ففعل ذلك (قال الراوي) هذا ما كان امر ابراهيم وما فعل واما ما كان من امر من شرد من عسكر ابن زياد فانه لم يزل سائر الى ان وصل الى مروان واخبره بما فعل ابراهيم فلما سمع مروان ذلك ضاقت عليه الارض وخرج من وقته الى الجامع وقد اطلق النداء بجمع الناس فاجتمعوا فقام وارتقى المنبر وقال ايها الناس ان الذين خرجوا مع المختار فتنوا العباد وافسدوا البلاد فمن فيكم يخرج الى الكوفة ويقتل ابطالها ويفعل بهم مثل ما فعلوا وقد ابحته ذلك ؟ فقلم إليه عامر بن ربيعة الغساني لعنه الله وقال انا امضي ايها الامير وافعل ما امرت به فعند ذلك ضم إليه مائة الف فارس وامره ان يسير الى حرب المختار فصار هو ومن معه وجعل يجد في المسير حتى وصل الى الكوفة في مدة عشرة ايام وبرز خارجها (قال الراوي) هذا ما كان من امر هؤلاء ، واما ما كان من امر المختار فانه منذ قتل ابن زياد واصحابه صار يركب كل يوم وجيشه حوله يخرجون للنزهة فخرج ذات يوم فوجد رجلا مقبلا على نجيب يحث به تارة ويسعى به اخرى فقال علي بهذا فما كان الا لمحة حتى مثل بين يديه فقال من اين اقبلت واين تريد : قال اتيت من قوم سائرين خلفي قال اصدقني والا ضربت عنقك فقال اعلم اني رجل من الازد وهم من جملة عسكرك وقد اتيت
[ 108 ]
إليهم اخبرهم ان لا يقيموا في الكوفة لان جيش مروان قد اتى لخرابها وهم مائة الف فارس ، فلما سمع منه ذلك قال لفواده كم في عسكري من الازد قالوا رجل واحد قال ائتوني به فلما اتى به قال له هل لك في ديواني اسم ؟ قال لا قال هل انتفعت منك بشئ ؟ قال لا قال الزم بيتك والا فاخرج من الكوفة الى حيث تريد ، ثم ان المختار خلع على الازدي واعطاه مالا كثيرا وقال ما تريد ؟ قال امضي الى صاحبي عامر بن ربيعة فقال له المختار ان سالك عامر عن عسكري ماذا تقول ؟ قال اقول معه ثلاثون الف فارس قال تكذب بل قل رايته في الحيرة ومعه اربعة عشر الف فارس قال حبا ثم صار حتى قدم على عامر ودخل عليه وقال له اعلم انني دخلت الكوفة ورايت المختار في الحيرة ومعه اربعة عشر الف فارس وقد انعم علي فقال له عامر هل لك ان تقضيني حاجة بعشرة الاف دينار ؟ قال وما هي ؟ قال تمضي الى عسكر المختار وتوصل هذه الكتب الى فلان وفلان حتى احصى له اربعة وعشرين رجلا من خواص المختار وكان قد اوصاهم في الكتاب على قتله قال انا اخاف ان يراني حراسه فيقتلوني أو يسلموني له فيضرب عنقي قال انا احتال لك في امر تأخذ منه الجائزة ثم توصل الكتب الى اربابها قال وما هي الحيلة ؟ قال تلبس ثوبين خلقين وتمشي حافيا الى الكوفة فانك تجد طلائعه ياخذونك إليه ويوقفونك بين يديه فيقول ما لك رجعت فتقول يا سيدي ان عامرا لما راى ما اعطيته لي اخذه مني وامر بقتلي فشفع في قومه فتركوني وقد اتيت لك فإذا سمع كلامك رثي لحالك وخلع عليك وامنك فإذا اطماننت فارسل الكتب الى اربابها قال حبا وكرامة ثم اعطاه العشرة الاف دينار فاخذها مع ما اعطاه له المختار وسلمها الى اهله ونزع ثيابه وليس ثيابا اخرى وسار حتى ورد الكوفة وكان المختار قد ركب مثل عادته فنظر في البرية فوجده يهرول فقال علي بهذا فاحضروه فإذا هو الازدي فقال له ما الذي نزل بك ؟ فقال ايها الامير ان عامرا اخذ ما اعطيتني اياه وامر بقتلي فصفح عني لقومه وقد اتيت اليك ،
[ 109 ]
فلما سمع كلامه رق قلبه إليه وامر له با بالف درهم وثوبين وعمامة فلما نظر الازدي الى احسان المختار قال لنفسه الدنيا فانيه والاخرة باقية فوالله لا ابيع الباقية بالفانية ثم اتى الى المختار وقال له يا سيدي اريد ان تخلو معي فخرج المختار من عسكره حتى بعد عنهم وجلسا معا فاخبره الازدي بالقصة من اولها الى اخرها واعطاه الكتب فشكره على ذلك ثم عاد المختار الى ابراهيم وحدثه قول الازدي ثم قام وركب وابراهيم عن يمينه والازدي عن يساره حتى اتى الى قومه فوجد المرسل إليهم منتظرين امر عامر وايديهم على قوائم سيوفهم فعند ذلك نزل المختار عن جواده والقى سيفه وعمامته وثيابه وصار بقيمص لا غير ففعل ابراهيم مثله وكذلك الاربعة والعشرون ثم امر المختار عبده باحضار الازدي واوهمهم وانه يريد قتله فلما حضر بين يديه وقد كان بيد المختار حربة سنانها وزن عشرين رطلا فنظر إليه وهز الحربة وقال له سألتك بالله هل ما ذكرت حق ؟ قال نعم ايها الامير فقال انظر ما يحصل ثم ضرب احدهم بالحربة فادخلها من بطنه حتى خرجت من ظهره وعطف على الثاني والثالث وهكذا حتى قتل الاربعة والعشرين عن آخرهم فقال له ابراهيم ايها الامير لو كنت ابقيت منهم رجلا لسالته عن حالهم قال ابراهيم فتقدمت الى احدهم والروح تلوح فيه فقلت ان الامير قد ندم على قتلكم فقال ان شاء لا يندم فوالله لقد اردنا ان نخلط لحمه على دمه ولكن بدا بنا هو ثم ان المختار دعا بالازدي فاقامه بين يديه وامر ان يفاض عليه المال فقال الازدي ايها الامير والله مالي في المال حاجة والذي تريد ان تهبه لي احمله الى المدينة لورثه الحسين فهم احق ولو كنت اريد المال لرغبت فيما اعطاني عامر بن ربيعة ولا نصحتك ثم قال ايها الامير انا اسلم اليك ابن ربيعة وتاخذه باليد قال وكيف ذلك ؟ قال تركب معي وتسير حتى تقرب من عسكره وانا اسرع إليه واقول اني قد اوصلت كتبك الى القوم وقد انفذوا معي اخالهم لياخذ منك عهدا وميثاقا انك لا تغدرهم إذ قتلوا المختار ويريد ان يسالك عن امور ولست اعرف ما هي فاخرج معي إليه فإذا هو خرج وجاء اليك قانت تأخذه باليد ابراهيم هذا راي لا يجئ منه شئ
[ 110 ]
كيف تمضي ايها الامير الى مائة الف فارس ولا بدلهم من طلائع ولا نامن ان يخرج الا ومعه بعض خواصه وانت معروف ومشهور غير خلاف ولا منكور وقد اردت ان احتال على ابن زياد بمثل هذه الحيلة فرايت غيرها اصوب منها قال المختار افعل ما ترى يا ابا اسحاق قال ايها الامير اريد ان تجعل الازدي ضيفي ثلاثة ايام قال قد فعلت لك ذلك فاخذ الامير ابراهيم بيد الازدي وخرج من حضرة المختار ومشى به إليه منزله فامر باحضار الطعام فاكلا وجلسا يتحدثان فقال ابراهيم يا اخي ان جميع ما اشرت به على الامير صواب غير اني قلت ليس هذا رايا واردت ان امضي انا وانت فان مت انا فالامير عوضي وان مات الامير لم يكن عوض ومن الراي ان تمضي معي الى ابن ربيعة ولعلك تحتال في اخراجه في كيف شئت فان فعلت ذلك اعطيتك جارية يفرح بها قلبك لاني ان قتلته فلا ابالي ان قتلت بعده فقال الازدي صدقت وهذا هو الري السديد فافعل ما تريد فاني لك تابع ولقولك سامع فحمد ابراهيم عند ذلك ربه المجيد ثم انهما لبسا ثيابا خصرا واقبل ابراهيم على عسكره وقال لهم ان سالكم عني احد فقولوا له انه خرج مع الازدي الى ضيافته ثم ركبا نجيبين وسارا الى ان قربا من عسكر ابن ربيعة فنظر الطلائع اليهما فاحدقت بهما الخيل من كل جانب ومكان وقالوا لهما من انتما ؟ قال الازدي انا صاحب الامير وهم يعرفونه قالوا ومن هذا الذي معك ؟ قال رجل من بني عمي فعند ذلك قال ابراهيم " انا لله وانا إليه راجعون " ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، ثم ان الطلائع سارعت الى ابن ربيعة وقالوا ايها الامير ان الازدي الذي انفذته الى المختار قد ورد ومعه رجل لسنا نعرفه ويزعم انه ابن عمه قال علي بهما فاوقفوهما بين يديه وكان ابراهيم ملثما لا يبين منه غير حماليق عينيه فلما نظره ابن ربيعة عرفه فقال يا ويلكم اسفروا عن لثامه فانه ابراهيم بن مالك الاشتر فاسفر عن لثامه فعرفوه فقال ابن ربيعة يا ابن الاشتر ظننت انك لم تعرف لقد جئت الان الى قتلك والله لاقتلنك قتلة يتحدث بها اهل المشرق والمغرب اظننت اني بثار ابن زياد انام وتقول انا رجل من الازد فقال ابراهيم يا ملعون سالحقك به وان شاء الله آخذ بثار الحسين منك فقال
[ 111 ]
يا علام على بسيفي فقال ابراهيم يا ويلك ان تكن قتلتي على يدك ولكن ارجو الله ان يمكنني منك واذيقك حرارة سيفى كما اذقت ابن زياد ، فعند ذلك احضر ابن ربيعة خاصته وقال اريد ان اقتل ابراهيم قتلة يتحدث بها في سائر الامصار فقالوا له اعلم انه ابراهيم وليس المختار وليس الراي ان تقتله بالليل فيخفى امره فامهله الى الغد وجز راسه وارسلها الى مروان فتفرح اعداؤه وتبكي اصدقاؤه ، فلما سمع كلام اصحابه وقع منه بموقع تم دعا بحاجب ام يتق الا به وهو ييغض ابراهيم فاخذهما وادخلهما فضم إليه الف فارس وسلم إليه ابراهيم والازدي وقال له احتفظ عليهما فاخذهما وادخلهما خيمته وقيد كلا منهما باربع قيود فلما هدات العيون وازهرت النجوم ولم ينم الحي القيوم سمع ابراهيم صوت الازدي وهو يبكي وينتحب فقال ما بكاؤك يا اخي قال وكيف لا ابكي وانا في غد مقتول ؟ فقال الست تعلم اننا إذا قتلنا نلحق بالحسين اما ترى من يكون له اسوة بولد فاطمة ، وكان الحاجب الذي اقامه ابن ربيعة يسمع كلامهما فاقشعر جلده وخشع قلبه وقال يا نفس أي عذر لكم عند الله وعند رسوله ؟ فوالله لا طلقهما ثم وثب قائما على قدميه ودخل الخيمة وقال لابراهيم قد اقشعر جلدي من كلامك وزجرني زاجر من نفسي واريد ان احلكما واطلق سبيلكما فخذا لانفسكما جهة فقالا ان فعلت ذلك فلنفسك تمهد عند الله ورسوله فعمد الحاجب اليهما وحلهما ودفع الى ابراهيم سيفا والازدي عامودا فجعلا يتخطيان رقاب المنوكين بهم حتى خرجوا فقال ابراهيم للازدي انت اعرف مني بهذا الطريق وان القوم لا بد ان يخرجوا في طلبنا فإذا رايت ذلك فغص انت في الرمل ، ثم ان ابراهيم اقتحم الخلاء وقد صبر الحاجب قليلا حتى بعدوا وصاح ومزق ثيابه فانتبه الناس وركب ابن ربيعة وفي وسطه منديل وبيده سيف مسلول وتبعه العسكر قال ابراهيم لما سمعت الازعقات قلت في نفسي الى ابن اذهب ، فبينما انا اقكر إذ لاحت لي شجره فقصدتها وصعدتها واستترت باغصانها وقد طلع النهار وطاز الغبار والقوم طلبونني والازدى وقد اخذت كل فرقة منهم طريقا حتى حميت الشمس واشتد بهم العطش وانا جالس اسبح لله وقد حجبت عنهم ، فبينما هم كذلك
[ 112 ]
وإذا بفرس اقبل وهو يركض نحو الشجرة فلما رايته فزعت منه وفلت ان في اثره عسكرا ولكن احاول بهذا السيف وقد وثبت قائما والسيف بيدي فلما قرب مني تأملته فإذا هو عدو الله ابن ربيعة فحمدت الله وقلت قد مكنني الله منه فاقبل حتى وقف تحت الشجرة وعيناه تنظران يمينا وشمالا فلم ير من اصحابه احدا وقد ادار كفل فرسه الى اصل الشجرة فوثبت كالريح وضربت يدي في اطواقه وجذبته الى الارض ووضعت سيفي على نحره فقال من انت ، قلت انا ابراهيم يا ويلك اخذتني البارحة وتنكرني اليوم اظننت ان الله يفوته هارب ثم حززت راسه وانا انادي يا لثارات الحسين واستويت على جواده والراس معي واطلقت عنانه فاتيت الكوفة وكان هذا رابع يوم وقد خرج المختار في طلبى فلما راني قال اين كنت منذ اربعة ايام ؟ قلت في عسكر ابن ربيعة وهذه راسه ثم القيتها بين يديه وحدثنه بجميع ما جرى قال وما فعل الازدي ؟ فلت غاص في الرمل ولا ادري ما كان منه ثم قلت ايها الامير الحق فانك تملكهم عن آخرهم فامر العسكر بالرحيل وهم يومئذ اثنا عشر الف فارس وجعلوا يجدون السير حتى لحقوا بعسكر اللعين ونادى يا لثرات الحسين بن علي فما كانت الا ساعة حتى انكسر عسكر مروان واخذ السيف يتحكم فيهم من نحو خمسين ميلا حتى قتل من قتل واسر من اسر ثم في اثره عسكرا ولكن احاول بهذا السيف وقد وثبت قائما والسيف بيدي فلما قرب مني تأملته فإذا هو عدو الله ابن ربيعة فحمدت الله وقلت قد مكنني الله منه فاقبل حتى وقف تحت الشجرة وعيناه تنظران يمينا وشمالا فلم ير من اصحابه احدا وقد ادار كفل فرسه الى اصل الشجرة فوثبت كالريح وضربت يدي في اطواقه وجذبته الى الارض ووضعت سيفي على نحره فقال من انت ، قلت انا ابراهيم يا ويلك اخذتني البارحة وتنكرني اليوم اظننت ان الله يفوته هارب ثم حززت راسه وانا انادي يا لثارات الحسين واستويت على جواده والراس معي واطلقت عنانه فاتيت الكوفة وكان هذا رابع يوم وقد خرج المختار في طلبى فلما راني قال اين كنت منذ اربعة ايام ؟ قلت في عسكر ابن ربيعة وهذه راسه ثم القيتها بين يديه وحدثنه بجميع ما جرى قال وما فعل الازدي ؟ فلت غاص في الرمل ولا ادري ما كان منه ثم قلت ايها الامير الحق فانك تملكهم عن آخرهم فامر العسكر بالرحيل وهم يومئذ اثنا عشر الف فارس وجعلوا يجدون السير حتى لحقوا بعسكر اللعين ونادى يا لثرات الحسين بن علي فما كانت الا ساعة حتى انكسر عسكر مروان واخذ السيف يتحكم فيهم من نحو خمسين ميلا حتى قتل من قتل واسر من اسر ثم جمعوا الغنائم ثم امرهم المختار بجز رءوس الاسارى واشارها على الرماح ففعلوا ذلك وعادوا الى الكوفة فرحين مسرورين وهم ينادون يالثرات الحسين ثم اقام المختار ما شاء الله حتى مات ولم يرفع الله لبني امية راية ابدا الى يومنا هذا والله اعلم بالصواب ، واليه لمرجع والماب . وصلى الله وسلم على النبي الاواب ، وعلى اله وسائر الاصحاب آمين . تم بحمد الله طبع كتاب (نور العين في مشهد الحسين ويلييه قرة العين في اخذ ثار الحسين)