المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم .

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد واله الطاهرين ، وبعد ..

فهذه خلاصة لكتاب عن الإمام الحسين عليه السلام يتضمن عدة أبحاث أرجو أن تكون مفيدة ونافعة في حقلها ، وقد حاولت أن أستبق ظهور الكتاب نفسه بنشر خلاصة عن أطروحته ، مساهمة في تلبية تطلعات وشوق عشاق الحسين عليه السلام إلى أن يطالعوا شيئاً جديداً في هذا الموسم ، بوصفه أول موسم يأخذ فيه الشيعة حريتهم في إقامة شعائر المحرم ، ويشق الكتاب الحسيني طريقه بأمان إلى قرائه . وقبل أن أدع القارئ وجهاً لوجه أمام الخلاصة رأيت أن أفتتح الكتاب بعدة تنبيهات مفيدة كنت قد افتتحت بها أحاديثي عن الإمام الحسين عليه السلام في موسم المحرم قبل اثنتي عشرة سنة تقريباً :

التنبيه الأول:

هناك نوعان من البحوث حول أهل البيت عليهم السلام:

الاول : بحوث تستهدف الإستدلال على إمامتهم ، وعظيم منزلتهم عند اللّه ورسوله ، ومسؤوليتهم في حفظ الإسلام وتبليغه ويتكفل هذا النوع من البحوث علم العقائد والكلام .

الثاني : بحوث تستهدف التعريف بسيرة النبي صلى الله عليه وآله ، وأوصيائه عليهم السلام من بعده في ضوء العقيدة بهم ، فحين نعتقد أن علياً والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليه السلام كانوا قد كُلِّفوا بحفظ الرسالة ، ونشرها في المجتمع بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله ، يجيء البحث التاريخي ، ليكشف عن جهودهم وخططهم التي حققت ذلك .

التنبيه الثاني:

هناك نوعان من البحوث التاريخية :

النوع الأول : يستهدف نقد مصادر الأخبار لتمييز صحيحها من سقيمها(1) .

النوع الثاني : يستهدف معرفة المغزى الذي يكمن وراء الواقعة التاريخية ، وذلك من خلال التدبُّر في أسبابها ونتائجها(2) .

ومن الطبيعي أن النوع الثاني من البحث متأخر رتبة عن النوع الأول ، فما لم تكن أخبار الفترة التاريخية المعينة قد محصت وفرز صحيحها من سقيمها ، فأن عملية التحليل ودراسة الأسباب والنتائج سوف تفقد الأساس الموضوعي لها ، إذ قد ينطلق التحليل من معلومات خاطئة ، وحينئذٍ يزداد القاريء أو الباحث بعداً عن الحق بسبب ذلك التحليل الخاطيء الذي سيكون بعد ذلك نفسه حجاب آخر يضاف إلى حجاب الراوية الكاذبة .

التنبيه الثالث:

ينطلق الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام في مواقفهم ونشاطاتهم من حقيقة كونهم أوصياء للنبي صلى الله عليه وآله ، مكلفون إلهيّا بواسطته في حفظ الإسلام الذي جاء به وجعله ميسَّراً بين الناس ، وأنهم تسلموا من النبي صلى الله عليه وآله رؤية تفصيلية لما ستواجهه الرسالة من أخطار بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، وخطة انقاذها منها ، وأنهم عليهم السلام قد شُخص لكل واحد منهم عمله المحدد(3) .

وفي ضوء ذلك فان عملهم عليهم السلام سلسلة مترابطة يستند آخرها على أولها ، وتقود الحلقة السابقة منها إلى التي تليها ، ومن هنا تعذَّر للباحث أن يُقدّم صورة واضحة لعمل أي واحد من الائمة عليهم السلام دون أن يبيّن موقعه مما قبله بل وممّا بعده أيضا .

التنبيه الرابع:

في بحثنا عن سيرة الإمام الحسين عليه السلام كوصي لرسول اللّه صلى الله عليه وآله كُلِّف إلهيا بواسطة النبي صلى الله عليه وآله في حفظ الرسالة ونشرها في المجتمع لابد لنا ان نتعرف أولاً على الخطر الذي واجهه الإسلام في زمان إمامته التي استغرقت عشر سنوات ثم ندرس الخطة الإلهيه التي تحمَّل الحسين عليه السلام مسؤولية تنفيذها في مواجهة ذلك الخطر وإنقاذ الرسالة منه .

وقد ذكرنا في التنبيه الثاني أن عمل الإمام اللاحق يتقوم بعمل الإمام السابق ، ومن هنا فانه يتعين علينا أن ندرس ولو باختصار جهود الإمام الحسن عليه السلام والإمام علي عليه السلام كأوصياء للرسول صلى الله عليه وآله في تبليغ الإسلام لنُدرِك كيف توقف عمل الإمام الحسين عليه السلام على عملهم ، كما لابد لنا أن ندرس عمل النبي صلى الله عليه وآله أولاً لندرك صلة عمل أوصيائه بعمله صلى الله عليه وآله ، وكيف أن سيرة هؤلاء الأوصياء على استقامة واحدة مع سيرة رسول اللّه صلى الله عليه وآله تبليغا وتطبيقاً وأن سيرة غيرهم تحريف لسيرته وسنته صلى الله عليه وآله .

وهكذا يتعين علينا منذ البدء بالبحث عن الإسلام على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله ثم ندرس ما جرى عليه أيام حكومة قريش المسلمةبعده صلى الله عليه وآله ، ثم كيف نشر علي عليه السلام والحسن عليه السلام الإسلام بين أهل البلاد التي فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، ثم كيف كانت سيرة معاوية بعد وفاة الحسن عليه السلام وخطته في تحريف الإسلام ومدى نجاحه في ذلك ، ثم كيف كانت سيرة الحسين عليه السلام ومدى نجاحه في إحباط تخطيط معاوية وإنقاذ تراث النبوة الخاتمة برمته من الخطر الذي أحدق به .

______________________

(1) وفي هذا السياق تأتي بحوث كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي المطبوع.

(2) وفي هذا السياق تاتي بحوث كتابنا حول الإمام الحسين الذي نرجوا أن تتهيأ أسباب طبعه.

(3) روى الكليني في الكافي ج 1 ص 281 : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما اصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: (يا حمران : إن الله تبارك وتعالى [ قد ] كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ، ثم أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين ، وبعلم صمت من صمت منا) . راجع كتاب أصول الكافي الجزء الأول باب أن أفعالهم معهودة من الله تعالى .