جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 29

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه‍ قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء التاسع والعشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
سورة الملك (67) سورة الملك مكية وآياتها ثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير ئ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) *. يعني بقوله تعالى ذكره: تبارك: تعاظم وتعالى الذي بيده الملك بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما نافذ فيهما أمره وقضاؤه وهو على كل شئ قدير يقول: وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة لا يمنعه من فعله مانع، ولا يحول بينه وبينه عجز. وقوله: الذي خلق الموت والحياة فأمات من شاء وما شاء، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم ليبلوكم أيكم أحسن عملا يقول: ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع، وإلى طلب رضاه أسرع. وقد: 26721 - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: الذي خلق الموت والحياة قال: أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء. 26722 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ذكر أن نبي الله (ص) كان يقول: إن الله أذل ابن آدم بالموت.
[ 4 ]
وقوله: وهو العزيز يقول: وهو القوي الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره الغفور ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ئ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) *. يقول تعالى ذكره: مخبرا عن صفته الذي خلق سبع سموات طباقا طبقا فوق طبق، بعضها فوق بعض. وقوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت يقول جل ثناؤه: ما ترى في خلق الرحمن الذي خلق لا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك من تفاوت، يعني من اختلاف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26723 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت: ما ترى فيهم من اختلاف. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله من تفاوت قال: من اختلاف. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: من تفاوت بألف. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: من تفوت بتشديد الواو بغير ألف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، كما قيل: ولا تصاعر، ولا تصعر وتعهدت فلانا، وتعاهدته وتظهرت، وتظاهرت وكذلك التفاوت والتفوت. وقوله: فارجع البصر هل ترى من فطور يقول: فرد البصر، هل ترى فيه من صدوع ؟ وهي من قول الله: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن بمعنى يتشققن ويتصدعن، والفطور مصدر فطر فطورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 5 ]
26724 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس هل ترى من فطور قال: الفطور: الوهي، 26725 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله هل ترى من فطور يقول: هل ترى من خلل يا ابن آدم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة من فطور قال: من خلل. 26726 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان هل ترى من فطور قال: من شقوق. وقوله: ثم ارجع البصر كرتين يقول جل ثناؤه: ثم رد البصر يا ابن آدم كرتين، مرة بعد أخرى، فانظر هل ترى من فطور أو تفاوت ينقلب إليك البصر خاسئا يقول: يرجع إليك بصرك صاغرا مبعدا من قولهم للكلب: اخسأ، إذا طردوه أي ابعد صاغرا وهو حسير يقول: وهو معي كال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26727 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ثم ارجع البصر كرتين يقول: هل ترى في السماء من خلل ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير بسواد الليل. 26728 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله خاسئا وهو حسير يقول: ذليلا.. وقوله: وهو حسير يقول: مرجف. 26729 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ينقلب إليك البصر خاسئا أي حاسرا وهو حسير أي معي. * - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله خاسئا قال: صاغرا، وهو حسير يقول: معي لم ير خللا ولا تفاوتا. وقال بعضهم: الخاسئ والحسير واحد. ذكر من قال ذلك: 26730 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 6 ]
فارجع البصر هل ترى من فطور... الآية، قال: الخاسئ، والخاسر واحد حسر طرفه أن يرى فيها فطرا، فرجع وهو حسير قبل أن يرى فيها فطرا قال: فإذا جاء يوم القيامة انفطرت ثم انشقت، ثم جاء أمر أكبر من ذلك انكشطت. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير) *. يقول تعالى ذكره: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم، وجعلها مصابيح لاضاءتها، وكذلك الصبح إنما قيل له صبح للضوء الذي يضئ للناس من النهار وجعلناها رجوما للشياطين يقول: وجعلنا المصابيح التي زينا بها السماء الدنيا رجوما للشياطين ترجم بها. وقد: 26731 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشاطين إن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدي بها فمن يتأول منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وقوله: وأعتدنا لهم عذاب السعير يقول جل ثناؤه: وأعتدنا للشياطين في الآخرة عذاب السعير، تسعر عليهم فتسجر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ئ إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور) *. يقول تعالى ذكره: وللذين كفروا بربهم الذي خلقهم في الدنيا عذاب جهنم في الآخرة وبئس المصير يقول: وبئس المصير عذاب جهنم. وقوله: إذا ألقوا فيها يعني إذا ألقى الكافرون في جهنم سمعوا لها يعني لجهنم شهيقا يعني بالشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار، كما قال رؤبة في صفة حمار: حشرج في الجوف سحيلا أو
[ 7 ]
حتى يقال ناهق وما نهق وقوله: وهي تفور يقول: تغلي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26732 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد سمعوا لها شهيقا وهي تفور يقول: تغلي كما يغلي القدر. القول في تأويل قوله تعالى: * (تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ئ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير) *. يقول تعالى ذكره: تكاد جهنم تميز يقول: تتفرق وتتقطع من الغيظ على أهلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26733 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: تكاد تميز من الغيظ يقول: تتفرق. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله تكاد تميز من الغيظ تكاد يفارق بعضها بعضا وتنفطر. 26734 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله تكاد تميز من الغيظ يقول: تفرق. 26735 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تكاد تميز من الغيظ قال: التميز: التفرق من الغيظ على أهل معاصي الله غضبا لله، وانتقاما له. وقوله: كلما ألقي فيها فوج سألهم يقول جل ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة سألهم خزنتها، ألم يأتكم نذير يقول: سأل الفوج خزنة جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم
[ 8 ]
في الدنيا نذير ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه ؟ فأجابهم المساكين فقالوا بلى قد جاءنا نذير ينذرنا هذا، فكذبناه وقلنا له: ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير يقول: في ذهاب عن الحق بعيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ئ فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير) *. يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة: لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل من النذر ما جاءونا به النصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه ما كنا اليوم في أصحاب السعير يعني أهل النار. وقوله: فاعترفوا بذنبهم يقول: فأقروا بذنبهم ووحد الذنب، وقد أضيف إلى الجمع، لان فيه معنى فعل، فأدى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء الناس، وأعطية الناس فسحقا لاصحاب السعير يقول: فبعدا لاهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26736 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فسحقا لاصحاب السعير يقول: بعدا. 26737 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير فسحقا لاصحاب السعير قال: سحقا: واد في جهنم. والقراء على تخفيف الحاء من السحق، وهو الصواب عندنا لان الفصيح من كلام العرب ذلك، ومن العرب من يحركها بالضم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ئ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين يخافون ربهم بالغيب: يقول: وهم لم يروه لهم مغفرة يقول: لهم عفو من الله عن ذنوبهم وأجر كبير يقول: وثواب من الله لهم على خشيتهم إياه بالغيب جزيل.
[ 9 ]
وقوله: وأسروا قولكم أو اجهروا به يقول جل ثناؤه: وأخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه وأظهروه إنه عليم بذات الصدور يقول: إنه ذو علم بضمائر الصدور التي لم يتكلم بها، فكيف بما نطق به وتكلم به، أخفى ذلك أو أعلن، لان من لم تخف عليه ضمائر الصدور فغيرها أحرى أن لا يخفي عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ئ هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) *. يقول تعالى ذكره: ألا يعلم الرب جل ثناؤه من خلق من خلقه ؟ يقول: كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق وهو اللطيف بعباده الخبير بهم وبأعمالهم. وقوله: هو الذي جعل لكم الارض ذلولا يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل لكم الارض ذلولا سهلا، سهلها لكم فامشوا في مناكبها. واختلف أهل العلم في معنى مناكبها فقال بعضهم: مناكبها: جبالها. ذكر من قال ذلك: 26738 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: في مناكبها يقول: جبالها. 26739 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية: فامشوا في مناكبها فقال لجارية له: إن دريت ما مناكبها، فأنت حرة لوجه الله قالت: فإن مناكبها: جبالها، فكأنما سفع في وجهه، ورغب في جاريته. فسأل، منهم من أمره، ومنهم من نهاه، فسأل أبا الدرداء، فقال: الخير في طمأنينة، والشر في ريبة، فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، عن بشير بن كعب، بمثله سواء. 26740 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فامشوا في مناكبها: جبالها.
[ 10 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله في مناكبها قال: في جبالها. وقال آخرون: مناكبها: أطرافها ونواحيها. ذكر من قال ذلك: 26741 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فامشوا في مناكبها يقول: امشوا في أطرافها. 26742 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، أن بشير بن كعب العدوي، قرأ هذه الآية فامشوا في مناكبها فقال لجاريته: إن أخبرتني ما مناكبها، فأنت حرة، فقالت: نواحيها فأراد أن يتزوجها، فسأل أبا الدرداء، فقال: إن الخير في طمأنينة، وإن الشر في ريبة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. 26743 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فامشوا في مناكبها قال: طرقها وفجاجها. وأولى القولين عند بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فامشوا في نواحيها وجوانبها، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الانسان التي هي من أطرافه. وقوله: وكلوا من رزقه يقول: وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الارض، وإليه النشور يقول تعالى ذكره: وإلى الله نشركم من قبوركم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور ئ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير) *. يقول تعالى ذكره: أأمنتم من في السماء أيها الكافرون أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور يقول: فإذا الارض تذهب بكم وتجئ وتضطرب أم أمنتم من في السماء وهو الله أن يرسل عليكم حاصبا وهو التراب فيه الحصباء الصغار فستعلمون كيف نذير يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 11 ]
* (ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ئ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير) *. يقول تعالى ذكره: ولقد كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الامم الخالية رسلهم. فكيف كان نكير يقول: فكيف كان نكيرى تكذيبهم إياهم أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات يقول: أو لم ير هؤلاء المشركون إلى الطير فوقهم صافات أجنحتهن ويقبضن يقول: ويقبضن أجنحتهن أحيانا. وإنما عني بذلك أنها تصف أجنحتها أحيانا، وتقبض أحيانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26744 - حدثنا ابن عبد الاعلى، مقال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: صافات قال: الطير يصف جناحه كما رأيت، ثم يقبضه. 26745 - حدثني محمد بن عمرو، قال:: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: صافات ويقبضن بسطهن أجنحتهن وقبضهن. وقوله: ما يمسكهن إلا الرحمن يقول: ما يمسك الطير الصافات فوقكم إلا الرحمن يقول: فلهم بذلك مذكر إن ذكروا، ومعتبر إن اعتبروا، يعلمون به أن ربهم واحد لا شريك له إنه بكل شئ بصير يقول: إن الله بكل شئ ذو بصر وخبرة، لا يدخل تدبيره خلل، ولا يرى في خلقه تفاوت. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور) *. يقول تعالى ذكره: للمشركين به من قريش: من هذا الذي هو جند لكم أيها الكافرون به، ينصركم من دون الرحمن إن أراد بكم سوءا، فيدفع عنكم ما أراد بكم من ذلك إن الكافرون إلا في غرور يقول تعالى ذكره: ما الكافرون بالله إلا في غرور من ظنهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى، وأنها تنفع أو تضر. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور) *.
[ 12 ]
يقول تعالى ذكره: أم من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم، ويأتي بأقواتكم إن أمسك بكم رزقه الذي يرزقه عنكم. وقوله: بل لجوا في عتق ونفور يقول: بل تمادوا في طغيان ونفور عن الحق واستكبار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26746 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: بل لجوا في عتو ونفور يقول: في ضلال. 26747 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: بل لجوا في عتو ونفور قال: كفور. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) *. يقول تعالى ذكره: أفمن يمشي أيها الناس مكبا على وجهه لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله أهدى: أشد استقامة على الطريق، وأهدى له، أم من يمشي سويا مشي بني آدم على قدميه على صراط مستقيم يقول: على طريق لا اعوجاج فيه وقيل مكبا لانه فعل غير واقع، وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الالف، فقالوا: أكب فلان على وجهه، فهو مكب ومنه قول الاعشي: مكبا على روقيه يحفز عرفه على ظهر عريان الطريقة أهيما فقال: مكبا، لانه فعل غير واقع، فإذا كان واقعا حذفت منه الالف، فقيل: كببت فلانا على وجهه وكبه الله على وجهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26748 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم يقول: من يمشي في الضلالة أهدى، أم من يمشي مهتديا ؟.
[ 13 ]
26749 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مكبا على وجهه قال: في الضلالة أم من يمشي سويا على صراط مستقيم قال: حق مستقيم. 26750 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه يعني الكافر أهدى أم من يمشي سويا المؤمن ؟ ضرب الله مثلا لهما. وقال آخرون: بل عنى بذلك أن الكافر يحشره الله يوم القيامة على وجهه، فقال: أفمن يمشي مكبا على وجهه يوم القيامة أهدى أم من يمشي سويا يومئذ. ذكر من قال ذلك: 26751 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى: هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا، حشره الله يوم القيامة على وجهه، فقيل: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه ؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أفمن يمشي مكبا على وجهه قال: هو الكافر يعمل بمعصية الله، فيحشره الله يوم القيامة على وجهه. قال معمر: قيل للنبي (ص): كيف يمشون على وجوههم ؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم. 26752 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يمشي سويا على صراط مستقيم قال: المؤمن عمل بطاعة الله، فيحشره الله على طاعته. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: قل يا محمد للذين يكذبون بالبعث من المشركين. الله الذي
[ 14 ]
أنشأكم فخلقكم، وجعل لكم السمع تسمعون به والابصار تبصرون بها والافئدة تعقلون بها قليلا ما تشكرون يقول: قليلا ما تشكرون ربكم على هذه النعم التي أنعمها عليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هو الذي ذرأكم في الارض وإليه تحشرون ئ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد، الله الذي ذرأكم في الارض يقول: الله الذي خلقكم في الارض وإليه تحشرون يقول: وإلى الله تحشرون، فتجمعون من قبوركم لموقف الحساب ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يقول جل ثناؤه: ويقول المشركون: متى يكون ما تعدنا من الحشر إلى الله إن كنتم صادقين في وعدكم إيانا ما تعدوننا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين ئ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب وقيام الساعة: إنما علم الساعة، ومتى تقوم القيامة عند الله لا يعلم ذلك غيره وإنما أنا نذير مبين يقول: وما أنا إلا نذير لكم أنذركم عذاب الله على كفركم به مبين: قد أبان لكم إنذاره. وقوله: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا يقول تعالى ذكره: فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة: يقول: قريبا، وعاينون، سيئت وجوه الذين كفروا يقول: ساء الله بذلك وجوه الكافرين. وبنحو الذي قلنا في قوله: زلفة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26753 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: فلما رأوه زلفة سيئت قال: لما عاينوه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: فلما رأوه زلفة قال: معاينة.
[ 15 ]
26754 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فلما رأوه زلفة قال: قد اقترب. 26755 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا لما عاينت من عذاب الله. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلما رأوه زلفة قال: لما رأوا عذاب الله زلفة، يقول: سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا. 26756 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلما رأوه زلفة سيئت قيل: الزلفة حاضر قد حضرهم عذاب الله عز وجل. وقيل هذا الذي كنتم به تدعون يقول: وقال الله لهم: هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26757 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قال: استعجالهم بالعذاب. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار هذا الذي كنتم به تدعون بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء. وذكر عن قتادة والضحاك أنهما قرءا ذلك: تدعون بمعنى تفعلون في الدنيا. 26758 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أنه قرأها: الذي كنتم به تدعون خفيفة ويقول: كانوا يدعون بالعذاب، ثم قرأ: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قراء الامصار لاجماع الحجة من القراء عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 16 ]
* (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للمشركين من قومك: أرأيتم أيها الناس إن أهلكني الله فأماتني ومن معي أو رحمنا فأخر في آجالنا فمن يجير الكافرين بالله من عذاب موجع مؤلم، وذلك عذاب النار. يقول: ليس ينجى الكفار من عذاب الله موتنا وحياتنا، فلا حاجة بكم إلى أن تستعجلوا قيام الساعة، ونزول العذاب، فإن ذلك غير نافعكم، بل ذلك بلاء عليكم عظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد: ربنا الرحمن آمنا به يقول: صدقنا به وعليه توكلنا يقول: وعليه اعتمدنا في أمورنا، وبه وثقنا فيها فستعلمون من هو في ضلال مبين يقول: فستعلمون أيها المشركون بالله الذي هو في ذهاب عن الحق، والذي هو على غير طريق مستقيم منا ومنكم إذا صرنا إليه، وحشرنا جميعا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أرأيتم أيها القوم العادلون بالله إن أصبح ماؤكم غورا يقول: غائرا لا تناله الدلاء فمن يأتيكم بماء معين يقول: فمن يجيئكم بماء معين، يعني بالمعين: الذي تراه العيون ظاهرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26759 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فمن يأتيكم بماء معين يقول: بماء عذب. 26760 - حدثنا ابن عبد الاعلى بن واصل، قال: ثني عبيد بن قاسم البزاز، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله: إن أصبح ماؤكم غورا لا تناله الدلاء فمن يأتيكم بماء معين قال: الظاهر.
[ 17 ]
26761 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا: أي ذاهبا فمن يأتيكم بماء معين قال: الماء المعين: الجاري. 26762 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ماؤكم غورا ذاهبا فمن يأتيكم بماء معين جار. وقيل غورا فوصف الماء بالمصدر، كما يقال: ليلة عم، يراد: ليلة عامة. آخر تفسير سورة الملك سورة القلم
[ 18 ]
(68) سورة القلم مكية وآياتها ثنتان وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ن والقلم وما يسطرون ئ مآ أنت بنعمة ربك بمجنون ئ وإن لك لاجرا غير ممنون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ن، فقال بعضهم: هو الحوت الذي عليه الارضون. ذكر من قال ذلك: 26763 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أول ما خلق الله من شئ القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الارض على ظهر النون، فتحركت الارض فمادت، فأثبتت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الارض، قال: وقرأ: ن والقلم وما يسطرون. * - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، أو مجاهد عن ابن عباس، بنحوه، إلا أنه قال: ففتقت منه السموات. 26764 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أول ما خلق الله القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب ؟
[ 19 ]
قال: اكتب القدر، قال: فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم خلق النون، ورفع بخار الماء، ففتقت منه السماء وبسطت الارض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الارض، فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الارض. * - حدثنا واصل بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله من شئ القلم، فقال له: اكتب، فقال: وما أكتب ؟ قال: اكتب القدر، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، ثم خلق النون فدحيت الارض على ظهره، فاضطرب النون، فمادت الارض، فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الارض. * - حدثنا واصل بن عبد الاعلى، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس نحوه. 26765 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، أن إبراهيم بن أبي بكر، أخبره عن مجاهد، قال: كان يقال النون: الحوت الذي تحت الارض السابعة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر. ثنا الاعمش، أن ابن عباس قال: إن أول شئ خلق القلم، ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل، وزاد فيه: ثم قرأ ابن عباس ن والقلم وما يسطرون. 26766 - حدثنا بن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن ابن عباس، قال: إن أول شئ خلق ربي القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الارض عليه. وقال آخرون: ن حرف من حروف الرحمن. ذكر من قال ذلك: 26767 - حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي، قال: ثنا علي بن الحسين، قال: ثنا أبي، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس الر، وحم، ون حروف الرحمن مقطعة.
[ 20 ]
* - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا عباس بن زياد الباهلي، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله الر، وحم، ون قال: اسم مقطع. وقال آخرون: ن: الدواة، والقلم: القلم. ذكر من قال ذلك: 26768 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا أخي عيسى بن عبد الله، عن ثابت البناني، عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب ؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، من عمل معمول، بر أو فجور، أو رزق مقسوم حلال أو حرام، ثم ألزم كل شئ من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم، وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزانا، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم، فإذا فني الرزق وانقطع الاثر، وانقضى الاجل، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فتقول لهم الخزنة: ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا قال: فقال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟. 26769 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وقتادة، في قوله ن قال: هو الدواة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن قتادة، قال: النون الدواة. وقال آخرون: ن: لوح من نوره ذكر من قال ذلك: 26770 - حدثنا الحسن بن شبيب المكتب، قال: ثنا محمد بن زياد الجزري، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (ص): ن والقلم وما يسطرون: لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة. وقال آخرون: ن: قسم أقسم الله به. ذكر من قال ذلك:
[ 21 ]
26771 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ن والقلم وما يسطرون يقسم الله بما شاء. 26772 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله الله: ن والقلم وما يسطرون قال: هذا قسم أقسم الله به. وقال آخرون: هي اسم من أسماء السورة. وقال آخرون: هي حرف من حروف المعجم وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور، والقول في قوله نظير القول في ذلك. واختلفت القراء في قراءة: ن، فأظهر النون فيها وفي يس عامة قراء الكوفة خلا الكسائي، وعامة قراء البصرة، لانها حرف هجاء، والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل، وكان الكسائي يدغم النون الآخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارئ أصاب، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر، فهو أعجب إلي. وأما القلم: فهو القلم المعروف، غير أن الذي أقسم به ربنا من الاقلام: القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. 26773 - حدثني محمد بن صالح الاغاطي، قال ثنا عباد بن العوام، قال: ثنا عبد الواحد بن سليم، قال: سمعت عطاء، قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حشره الموت ؟ فقال: دعاني فقال: أي بني اتق الله واعلم أنك لن تتقي الله، ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشره، إني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أول ما خلق الله خلق القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب ؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان، وما هو كائن إلى الابد. 26774 - حدثني محمد بن عبد الله الطوسي، قال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا رباح بن زيد، عن عمرو بن حبيب، عن القاسم بن أبي بزة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله (ص) قال: أول شئ خلق الله القلم، وأمره فكتب كل شئ.
[ 22 ]
* - حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا ابن المبارك بإسناده عن النبي (ص)، نحوه. 26775 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: قلت لابن عبا س: إن ناسا يكذبون بالقدر، فقال: إنهم يكذبون بكتاب الله، لآخذن بشعر أحدهم، فلا يقصن به، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا، فكان أول ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو هاشم، أنه سمع مجاهدا، قال: سمعت عبد الله لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال: إن أول ما خلق الله القلم، فجرى القلم بما هو كائن وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فرغ منه. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني معاوية بن صالح وحدثني عبد الله بن آدم، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح، عن أيوب بن زياد، قال: ثني عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبي عبادة بن الصامت: يا بني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. 26776 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ن والقلم قال: الذي كتب به الذكر. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: ن والقلم قال: الذي كتب به الذكر. وقوله: وما يسطرون يقول: والذي يخطون ويكتبون. وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم. وقد يحتمل الكلام معنى آخر، وهو أن يكون معناه: وسطرهم ما يسطرون، فتكون ما بمعنى المصدر. وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه، كان القسم بالكتاب، كأنه قيل: ن والقلم والكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 23 ]
26777 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما يسطرون قال: وما يخطون. 26778 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وما يسطرون يقول: يكتبون. 26779 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما يسطرون قال: وما يكتبون. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما يسطرون: وما يكتبون. يقال منه: سطر فلان الكتاب فهو يسطر سطرا: إذا كتبه ومنه قول رؤبة بن العجاج: إني وأسطار سطرن سطرا وقوله: ما أنت بنعمة ربك بمجنون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ما أنت بنعمة ربك بمجنون، مكذبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له: إنك مجنون. وقوله: وإن لك لاجرا غير ممنون يقول تعالى ذكره: وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع، من قولهم: حبل منير، إذا كان ضعيفا، وقد ضعفت منته: إذا ضعفت قوته. وكان مجاهد يقول في ذلك ما: 26780 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غير ممنون قال: محسوب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإنك لعلى خلق عظيم ئ فستبصر ويبصرون ئ بأيكم المفتون ئ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) *.
[ 24 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به، وهو الاسلام وشرائعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26781 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وإنك لعلى خلق عظيم يقول: دين عظيم. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإنك لعلى خلق عظيم يقول: إنك على دين عظيم، وهو الاسلام. 26782 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: خلق عظيم قال: الدين. 26783 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله (ص)، فقالت: كان خلقه القرآن، تقول: كما هو في القرآن. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإنك لعلى خلق عظيم ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله (ص) فقالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن خلق رسول الله (ص) كان القرآن. * - حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: ثني أبي، قال: ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن سعيد بن هشام، قال: أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله (ص)، فقالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ: وإنك لعلى خلق عظيم. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة، فسألتها عن خلق رسول الله (ص)، فقالت: كان خلق رسول الله (ص) القرآن. 26784 - حدثنا عبيد بن أسباط، قال: ثني أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله: وإنك لعلى خلق عظيم قال: أدب القرآن.
[ 25 ]
26785 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وإنك لعلى خلق عظيم قال: على دين عظيم. 26786 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: لعلى خلق عظيم يعني دينه، وأمره الذي كان عليه، مما أمره الله به، ووكله إليه. وقوله: فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون يقول تعالى ذكره: فسترى يا محمد، ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا بأيكم المفتون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26787 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فستبصر ويبصرون يقول: ترى ويرون. وقوله: بأيكم المفتون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله بأيكم المجنون، كأنه وجه معنى الباء في قوله بأيكم إلى معنى في. وإذا وجهت الباء إلى معنى في كان تأويل الكلام: ويبصرون في أي الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو فريقهم، ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء. ذكر من قال معنى ذلك: بأيكم المجنون: 26788 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بأيكم المفتون قال: المجنون. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد بأيكم المفتون قال: بأيكم المجنون. وقال آخرون: بل تأويل ذلك: بأيكم الجنون وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو الفتون، كما قيل: ليس له معقول ولا معقود: أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأى فكذلك وضع المفتون موضع الفتون. ذكر من قال: المفتون: بمعنى المصدر، وبمعنى الجنون: 26789 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بأيكم المفتون قال: الشيطان.
[ 26 ]
26790 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: بأيكم المفتون يعني الجنون. 26791 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يقول: بأيكم الجنون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أيكم أولى بالشيطان فالباء على قول هؤلاء زيادة دخولها وخروجها سواء، ومثل هؤلاء ذلك بقول الراجز: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج بمعنى: نرجو الفرج، فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء. ذكر من قال ذلك: 26792 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون يقول: بأيكم أولى بالشيطان. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بأيكم المفتون قال: أيكم أولى بالشيطان. واختلف أهل العربية في ذلك نحو اختلاف أهل التأويل، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. وقال بعض نحويي الكوفة: بأيكم المفتون هاهنا، بمعنى الجنون، وهو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول ولا معقود قال: وإن شئت جعلت بأيكم في أيكم في أي الفريقين المجنون قال: وهو حينئذ اسم ليس بمصدر. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: بأيكم الجنون، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر، لان ذلك أظهر معاني الكلام، إذا لم ينو إسقاط الباء، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما. وقد بينا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شئ لا معنى له.
[ 27 ]
وقوله: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضل عن سبيله، كضلال كفار قريش عن دين الله، وطريق الهدى وهو أعلم بالمهتدين يقول: وهو أعلم بمن اهتدى، فاتبع الحق، وأقر به، كما اهتديت أنت فاتبعت الحق، وهذا من معاريض الكلام. وإنما معنى الكلام: إن ربك هو أعلم يا محمد بك، وأنت المهتدي وبقومك من كفار قريش وأنهم الضالون عن سبيل الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا تطع المكذبين ئ ودوا لو تدهن فيدهنون ئ ولا تطع كل حلاف مهين ئ هماز مشآء بنميم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فلا تطع يا محمد المكذبين بآيات الله ورسوله ودوا لو تدهن فيدهنون. اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: ود المكذبون بآيات الله لو تكفر بالله يا محمد فيكفرون. ذكر من قال ذلك: 26793 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لو تدهن فيدهنون يقول: ودوا لو تكفر فيكفرون. 26794 - حدثت عن الحسين، فقال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ودوا لو تدهن فيدهنون قال: تكفر فيكفرون. 26795 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ودوا لو تدهن فيدهنون قال: تكفر فيكفرون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ودوا لو ترخص لهم فيرخصون، أو تلين في دينك فيلينون في دينهم. ذكر من قال ذلك: 26796 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لو تدهن فيدهنون يقول: لو ترخص لهم فيرخصون. 26797 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 28 ]
ودوا لو تدهن فيدهنون قال: لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق فيما لؤنك. 26798 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ودوا لو تدهن فيدهنون يقول: ودوا يا محمد لو أدهنت عن هذا الامر، فأدهنوا معك. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ودوا لو تدهن فيدهنون قال: ودوا لو يدهن رسول الله (ص) فيدهنون. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات وإنما هو مأخوذ من الدهن شبه التليين في القول بتليين الدهن. وقوله: ولا تطع كل حلاف مهين ولا تطع يا محمد كل ذي إكثار للحلف بالباطل مهين: وهو الضعيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. غير أن بعضهم وجه معنى المهين إلى الكذاب، وأحسبه فعل ذلك لانه رأى أنه إذا وصف بالمهانة فإنما وصف بها لمهانة نفسه كانت عليه، وكذلك صفة الكذوب، إنما يكذب لمهانة نفسه عليه. ذكر من قال ذلك: 26799 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ولا تطع كل حلاف مهين والمهين: الكذاب. 26800 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حلاف مهين قال: ضعيف. 26801 - حدثنا بشر، مقال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تطع كل حلاف مهين وهو الكثار في الشر.
[ 29 ]
26802 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: كل حلاف مهين يقول: كل مكثار في الحلف مهين ضعيف. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن الحسن وقتادة ولا تطع كل حلاف مهين قال: هو المكثار في الشر. وقوله: هماز يعني: مغتاب للناس يأكل لحومهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26803 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: هماز يعني الاغتياب. 26804 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هماز: يأكل لحوم المسلمين. 26805 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله هماز قال: الهماز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، وليس باللسان وقرأ: ويل لكل همزة لمزة الذي يلمز الناس بلسانه، والهمز أصله الغمز، فقيل للمغتاب: هماز، لانه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون، وذلك غمز عليهم. وقوله: مشاء بنميم يقول: مشاء بحديث الناس بعضهم في بعض، ينقل حديث بعضهم إلى بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26806 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعد، عن قتادة هماز: يأكل لحوم المسلمين مشاء بنميم: ينقل الاحاديث من بعض الناس إلى بعض. 26807 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس مشاء بنميم: يمشي بالكذب. 26808 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: مشاء بنميم قال: هو الاخنس بن شريق، وأصله من ثقيف، وعداده في بني زهرة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 30 ]
* (مناع للخير معتد أثيم ئ عتل بعد ذلك زنيم) *. وقوله: مناع للخير. يقول تعالى ذكره: بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق. وقوله: معتد يقول: معتد على الناس أثيم: ذي إثم بربه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26809 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: معتد في عمله أثيم بربه. وقوله: عتل يقول: وهو عتل، والعتل: الجافي الشديد في كفره، وكل شديد قوي فالعرب تسمية عتلا ومنه قول ذي الاصبع العدواني: والدهر يغدو معتلا جذعا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26810 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: عتل العتل: العاتل الشديد المنافق. 26811 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا زهير بن محمد، عن زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن وهب الذماري، قال: تبكي السماء والارض من رجل أتم الله خلقه، وأرحب جوفه، وأعطاه مقضما من الدنيا، ثم يكون ظلوما للناس، فذلك العتل الزنيم. 26812 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، قال: العتل: الاكول الشروب القوي الشديد، يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا دفعة في جهنم. 26813 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، في قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: العتل: الشديد.
[ 31 ]
26814 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين، في قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: العتل: الصحيح. 26815 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم، مولى معاوية قال: سئل رسول الله (ص) عن العتل الزنيم، قال: الفاحش اللئيم. * - قال: معاوية، وثني عياض بن عبد الله الفهري، عن موسى بن عقبة، عن رسول الله (ص)، بمثل ذلك. 26816 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: فاحش الخلق، لئيم الضريبة. 26817 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: الحسن وقتادة: هو الفاحش اللئيم الضريبة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله عتل قال: هو الفاحش اللئيم الضريبة. 26818 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله (ص): تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه، وأرحب جوفه، وأعطاه من الدنيا مقضما، فكان للناس ظلوما، فذلك العتل الزنيم. 26819 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، قال: العتل: الصحيح الشديد. 26820 - حدثني جعفر بن محمد البزوري، قال: ثنا أبو زكريا، وهو يحيى بن مصعب، عن عمر بن نافع، قال: سئل عكرمة، عن عتل بعد ذلك زنيم فقال: ذلك الكافر اللئيم.
[ 32 ]
* - حدثني علي بن الحسن الازدي، قال: ثنا يحيى، يعني ابن يمان، عن أبي الاشهب، عن الحسن في قوله عتل بعد ذلك زنيم قال: الفاحش اللئيم الضريبة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: العتل: الزنيم الفاحش اللئيم الضريبة. 26821 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عتل قال: شديد الاشر. 26822 - حدثت عن الحسن، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: عتل قال: العتل: الشديد. بعد ذلك زنيم ومعنى بعد في هذا الموضع معنى مع، وتأويل الكلام: عتل بعد ذلك زنيم: أي مع العتل زنيم. وقوله: زنيم والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم ومنه قول حسان بن ثابت: وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وقال آخر: زنيم ليس يعرف من أبو ه بغي الام ذو حسب لئيم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26823 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس زنيم قال: والزنيم: الدعي، ويقال: الزنيم: رجل كانت به زنمة يعرف بها، ويقال: هو الاخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة. وزعم ناس من بني زهرة أن الزنيم هو: الاسود بن عبد يغوث الزهري، وليس به.
[ 33 ]
26824 - حدثنا أبو كريب، قال: أخبرنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام، عن عكرمة، قال: هو الدعي. 26825 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه يقول في هذه الآية: عتل بعد ذلك زنيم قال سعيد: هو الملصق بالقوم ليس منهم. 26826 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن الحسن، عن سعيد بن جبير، قال: الزنيم الذي يعرف بالشر، كما تعرف الشاة بزنمتها الملصق. وقال آخرون: هو الذي له زنمة كزنمة الشاة. ذكر من قال ذلك: 26827 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم قال: نعت، فلم يعرف حتى قيل زنيم. قال: وكانت له زنمة في عنقة يعرف بها. وقال آخرون: كان دعيا. 26828 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا علي بن عاصم، قال ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: بعد ذلك زنيم قال: نزل على النبي (ص): ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم قال: فلم نعرفه حتى نزل على النبي (ص): بعد ذلك زنيم قال: فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة. 26829 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أصحاب التفسير، قالوا: هو الذي يكون له زنمة كزنمة الشاة. 26830 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله الزنيم: يقول: كانت له زنمة في أصل أذنه، يقال: هو اللئيم الملصق في النسب. وقال آخرون: هو المريب ذكر من قال ذلك: 26831 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي
[ 34 ]
إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: زنيم: المريب الذي يعرف بالشر. 26832 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير قال: الزنيم: الذي يعرف بالشر. وقال آخرون: هو الظلوم. ذكر من قال ذلك: 26833 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله زنيم قال: ظلوم. وقال آخرون: هو الذي يعرف بأبنة. ذكر من قال ذلك: 26834 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم: الذي يعرف بأبنة، قال أبو إسحاق: وسمعت الناس في إمرة زياد يقولون: العتل: الدعي. وقال آخرون: هو الجلف الجافي. ذكر من قال ذلك: 26835 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود بن أبي هند، قال: سمعت شهر بن حوشب يقول: هو الجلف الجافي الاكول الشروب من الحرام. وقال آخرون: هو علامة الكفر. ذكر من قال ذلك: 26836 - حدثنا أبو كريب، ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، قال: الزنيم: علامة الكفر. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، قال: الزنيم: علامة الكافر. 26837 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أنه كان يقول الزنيم يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة. وقال آخرون: هو الذي يعرف باللؤم. ذكر من قال ذلك:
[ 35 ]
26838 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: الزنيم: الذي يعرف باللؤم، كما تعرف الشاة بزنمتها. وقال آخرون: هو الفاجر. ذكر من قال ذلك: 26839 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين، في قوله: عتل بعد ذلك زنيم قال: الزنيم: الفاجر. القول في تأويل قوله تعالى: * (أن كان ذا مال وبنين ئ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين ئ سنسمه على الخرطوم) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: أن كان فقرأ ذلك أبو جعفر المدني وحمزة: أأن كان ذا مال بالاستفهام بهمزتين، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين: أحدهما أن يكون مرادا به تقريع هذا الحلاف المهين، فقيل: ألان كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين وهذا أظهر وجهيه. والآخر أن يكون مرادا به: ألان كان ذا مال وبنين تطيعه، على وجه التوبيخ لمن أطاعه. وقرأ ذلك بعد سائر قراء المدينة والكوفة والبصرة: أن كان ذا مال على وجه الخبر بغير استفهام بهمزة واجدة ومعناه إذا قرئ كذلك: ولا تطع كل حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين. وقوله: إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين يقول: إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الاولون استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله. وقوله: سنسمه على الخرطوم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: سنخطمه بالسيف، فنجعل ذلك علامة باقية، وسمة ثابتة فيه ما عاش. ذكر من قال ذلك: 26840 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس سنسمه على الخرطوم فقاتل يوم بدر، فخطم بالسيف في القتال. وقال آخرون: بل معنى ذلك سنشينه شينا باقيا. ذكر من قال ذلك:
[ 36 ]
26841 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سنسمه على الخرطوم شين لا يفارقه آخر ما عليه. وقال آخرون: سيمى على أنفه. ذكر من قال ذلك: 26842 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة سنسمه على الخرطوم قال: سنسم على أنفه. وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال: معنى ذلك: سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه، فلا يخفى عليهم، كما لا تخفى السمة على الخرطوم. وقال قتادة: معنى ذلك: شين لا يفارقه آخر ما عليه، وقد يحتمل أيضا أن يكون خطم بالسيف، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف. ويعني بقوله: سنسمه سنكويه. وقال بعضهم: معنى ذلك: سنسمه سمة أهل النار: أي سنسود وجهه. وقال: إن الخرطوم وإن كان خص بالسمة، فإنه في مذهب الوجه، لان بعض الوجه يؤدي عن بعض، والعرب تقول: والله لاسمنك وسما لا يفارقك، يريدون الانف. قال: وأنشدني بعضهم: لاعلطنه وسما لا يفارقه كما يحر بحمى الميسم النجر والنجر: داء يأخذ الابل فتكوى على أنفها. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا بلوناهم كما بلونآ أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ئ ولا يستثنون) *. يعني تعالى ذكره بقوله: إنا بلوناهم: أي بلونا مشركي قريش، يقول: امتحناهم فاختبرناهم، كما بلونا أصحاب الجنة يقول: كما امتحنا أصحاب البستان إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين يقول: إذ حلفوا ليصرمن ثمرها إذا أصبحوا. ولا يستثنون: ولا يقولون إن شاء الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26843 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين قال: هم ناس من الحبشة كانت لابيهم جنة،
[ 37 ]
كان يطعم المساكين منها، فلما مات أبو هم، قال بنوه: والله إن كان أبو نا الاحمق حين يطعم المساكين، فأقسموا ليصرمنها مصبحين، ولا يستثنون، ولا يطعمون مسكينا. 26844 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ليصرمنها مصبحين قال: كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، فكان بنوه ينهونه عن الصدقة، وكان يمسك قوت سنته، وينفق ويتصدق بالفضل فلما مات أبو هم غدوا عليها فقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. وذكر أن أصحاب الجنة كانوا أهل كتاب. ذكر من قال ذلك: 26845 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا... الآية، قال: كانوا من أهل الكتاب. والصرم: القطع، وإنما عنى بقوله ليصرمنها ليجدن ثمرتها ومنه قول امرئ القيس: صرمتك بعد تواصل دعد * * وبدا لدعد بعض ما يبدو القول في تأويل قوله تعالى: * (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ئ فأصبحت كالصريم) *. يقول تعالى ذكره: فطرق جنة هؤلاء القوم ليلا طارق من أمر الله وهم نائمون، ولا يكون الطائف في كلام العرب إلا ليلا، ولا يكون نهارا، وقد يقولون: أطفت بها نهارا. وذكر الفراء أن أبا الجراح أنشده: أطفت بها نهارا غير ليل * * وألهى ربها طلب الرخال والرخال: هي أولاد الضأن الاناث. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 38 ]
26846 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كريب، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس، عن الطوفان فطاف عليها طائف من ربك قال: هو أمر من أمر الله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون قال: طاف عليها أمر من أمر الله وهم نائمون. وقوله: فأصبحت كالصريم اختلف أهل التأويل في الذي عني بالصريم، فقال بعضهم: عني به الليل الاسود، وقال بعضهم: معنى ذلك: فأصبحت جنتهم محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم. ذكر من قال ذلك: 26847 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا شيخ لنا عن شيخ من كلب يقال له سليمان عن ابن عباس، في قوله: فأصبحت كالصريم قال: الصريم: الليل. قال: وقال في ذلك أبو عمرو بن العلاء رحمه الله. ألا بكرت وعاذلتي تلوم * تهجدني وما انكشف الصريم وقال أيضا: تطاول ليلك الجون البهيم * * فما ينجاب عن صبح صريم إذا ما قلت أقشع أو تناهى * * جرت من كل ناحية غيوم وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأصبحت كأرض تدعى الصريم معروفة بهذا الاسم. ذكر من قال ذلك: 26848 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني نعيم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول: هي أرض باليمن يقال لها ضروان من صنعاء على ستة أميال. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 39 ]
* (فتنادوا مصبحين ئ أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ئ فانطلقوا وهم يتخافتون ئ أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ئ وغدوا على حرد قادرين) *. يقول تعالى ذكره: فتنادى هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة. يقول: نادى بعضهم بعضا مصبحين يقول: بعد أن أصبحوا أن اغدوا على حرثكم وذلك الزرع إن كنتم صارمين يقول: إن كنتم حاصدي زرعكم فانطلقوا وهم يتخافتون يقول: فمضوا إلى حرثهم وهم يتسارون بينهم أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين يقول: وهم يتسارون يقول بعضهم لبعض: لا يدخلن جنتكم اليوم عليكم مسكين، كما: 26849 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون يقول: يسرون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. 26850 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: لما مات أبو هم غدوا عليها، فقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. واختلف أهل التأويل في معنى الحرد في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: على قدرة في أنفسهم وجد. ذكر من قال ذلك: 26851 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: وغدوا على حرد قادرين قال: ذوي قدرة. 26852 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج عمن حدثه، عن مجاهد في قول الله: على حرد قادرين قال: على جد قادرين في أنفسهم. 26853 - قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وغدوا على حرد قادرين قال: على جهد، أو قال على جد. 26854 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وغدوا على حرد قادرين غدا القوم وهي محردون إلى جنتهم، قادرون عليها في أنفسهم. 26855 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وغدوا على حرد قادرين قال: على جد من أمرهم.
[ 40 ]
26856 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: على حرد قادرين على جد قادرين في أنفسهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وغدوا على أمرهم قد أجمعوا عليه بينهم، واستسروه، وأسروه في أنفسهم. ذكر من قال ذلك: 26857 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد وغدوا على حرد قادرين قال: كان حرث لابيهم، وكانوا إخوة، فقالوا: لا نطعم مسكينا منه حتى نعلم ما يخرج منه وغدوا على حرد قادرين على أمر قد أسسوه بينهم. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله على حرد قال: على أمر مجمع. 26858 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة وغدوا على حرد قادرين قال: على أمر مجمع. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وغدوا على فاقة وحاجة. ذكر من قال ذلك: 26859 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: وغدوا على حرد قادرين قال: على فاقة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: على حنق. ذكر من قال ذلك: 26860 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وغدوا على حرد قادرين قال: على حنق، وكأن سفيان ذهب في تأويله هذا إلى مثل قول الاشهب بن رميلة: أسود شرى لاقت أسود خفية * * تساقوا على حرد دماء الاساود
[ 41 ]
يعني: على غضب. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يتأول ذلك: وغدوا على منع. ويوجهه إلى أنه من قولهم: حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن، كما قال الشاعر: فإذا ما حاردت أو بكأت * * فت عن حاجب أخرى طينها وهذا قول لا نعلم له قائلا من متقدمي العلم قاله وإن كان له وجه، فإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة، فما صح من الاقوال في ذلك إلا أحد الاقوال التي ذكرناها عن أهل العلم. وإذا كان ذلك كذلك، وكان المعروف من معنى الحرد في كلام العرب القصد من قولهم: قد حرد فلان حرد فلان: إذا قصد قصده ومنه قول الراجز: وجاء سيل كان من أمر الله * * يحرد حرد الجنة المغله يعني: يقصد قصدها، صح أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله وغدوا على حرد قادرين وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه، واستسروه بينهم، قادرين عليه في أنفسهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما رأوها قالوا إنا لضالون ئ بل نحن محرومون ئ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) *. يقول تعالى ذكره: فلما صار هؤلاء القوم إلى جنتهم، ورأوها محترقا حرثها، أنكروها وشكوا فيها، هل هي جنتهم أم لا ؟ فقال بعضهم لاصحابه ظنا منه أنهم قد أغفلوا طريق جنتهم، وأن التي رأوا غيرها: إنا أيها القوم لضالون طريق جنتنا، فقال من علم أنها جنتهم، وأنهم لم يخطئوا الطريق: بل نحن أيها القوم محرومون، حرمنا منفعة جنتنا بذهاب حرثها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26861 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلما رأوها قالوا إنا لضالون: أي أضللنا الطريق، بل نحن محرومون، بل جوزينا فحرمنا.
[ 42 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلما رأوها قالوا إنا لضالون. يقول قتادة: يقولون أخطأنا الطريق ما هذه بجنتنا، فقال بعضهم: بل نحن محرومون حرمنا جنتنا. وقوله: قال أوسطهم يعني: أعدلهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26862 - حدثني محمد بن سعد، قال ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قال أوسطهم قال: أعدلهم، ويقال: قال خيرهم، وقال في البقرة: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: الوسط: العدل. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله قال أوسطهم يقول: أعدلهم. 26863 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الفرات بن خلاد، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قال أوسطهم: أعدلهم. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله قال أوسطهم قال: أعدلهم. 26864 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد قال أوسطهم قال: أعدلهم. 26865 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال أوسطهم: أي أعدلهم قولا، وكان أسرع القوم فزعا، وأحسنهم رجعة ألم أقل لكم لولا تسبحون. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال أوسطهم قال: أعدلهم. 26866 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قال أوسطهم يقول: أعدلهم.
[ 43 ]
وقوله: ألم أقل لكم لولا تسبحون يقول: هلا تستثنون إذ قلتم لنصرمنها مصبحين، فتقولوا إن شاء الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26867 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد لولا تسبحون قال: بلغني أنه الاستثناء. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ألم أقل لكم لولا تسبحون قال: يقول: تستثنون، فكان التسبيح فيهم الاستثناء. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ئ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ئ قالوا يويلنا إنا كنا طاغين) *. يقول تعالى ذكره: قال أصحاب الجنة: سبحان ربنا إنا كنا ظالمين في تركنا الاستثناء في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا. وقوله: فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون يقول جل ثناؤه: فأقبل بعضهم على بعض يلوم بعضهم بعضا على تفريطهم فيما فرطوا فيه من الاستثناء، وعزمهم على ما كانوا عليه من ترك إطعام المساكين من جنهم. وقوله: يا ويلنا إنا كنا طاغين يقول: قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا مبعدين: مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح. القول في تأويل قوله تعالى: * (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منهآ إنآ إلى ربنا راغبون ئ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق منا خيرا من جنتنا إنا إلى ربنا راغبون يقول: إنا إلى ربنا راغبون في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلكت خيرا منها. قوله تعالى ذكره كذلك العذاب يقول جل ثناؤه: كفعلنا بجنة أصحاب الجنة، إذ أصبحت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والآفة المفسدة، فعلنا بمن خالف أمرنا
[ 44 ]
وكفر برسلنا في عاجل الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر يعني عقوبة الآخرة بمن عصى ربه وكفر به، أكبر يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26868 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يعني بذلك عذاب الدنيا. 26869 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الله: كذلك العذاب: أي عقوبة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. 26870 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كذلك العذاب قال: عذاب الدنيا: هلاك أموالهم: أي عقوبة الدينا. وقوله: لو كانوا يعلمون يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله لاهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا، لارتدعوا وتابوا وأنابوا، ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ئ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ئ ما لكم كيف تحكمون) *. يقول تعالى ذكره: إن للمتقين الذين اتقوا عقوبة الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه عند ربهم جنات النعيم يعني: بساتين النعيم الدائم. وقوله: أفنجعل المسلمين كالمجرمين يقول تعالى ذكره: أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية، وخشعوا لامري ونهي، كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهي ؟ كلا ما الله بفاعل ذلك. وقوله: مالكم كيف تحكمون أتجعلون المطيع لله من عبيده، والعاصي له منهم في كرامته سواء. يقول جل ثناؤه: لا تسووا بينهما فإنهما لا يستويان عند الله، بل المطيع له الكرامة الدائمة، والعاصي له الهوان الباقي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 45 ]
* (أم لكم كتاب فيه تدرسون ئ إن لكم فيه لما تخيرون ئ أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: ألكم أيها القوم بتسويتكم بين المسلمين والمجرمين في كرامة الله كتاب نزل من عند الله أتاكم به رسول من رسله بأن لكم ما تخيرون، فأنتم تدرسون فيه ما تقولون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26871 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أم لكم كتاب فيه تدرسون قال: فيه الذي تقولون تقرؤونه: تدرسونه، وقرأ: أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه... إلى آخر الآية. وقوله: إن لكم فيه لما تخيرون يقول جل ثناؤه: إن لكم في ذلك الذي تخيرون من الامور لانفسكم، وهذا أمر من الله، توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمون من الاماني الكاذبة. وقوله: أم لكم فيه أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة يقول: هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة، بأن لكم ما تحكمون أي بأن لكم حكمكم، ولكن الالف كسرت من إن لما دخل في الخبر اللام: أي هل لكم أيمان بأن لكم حكمكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (سلهم أيهم بذلك زعيم ئ أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): سل يا محمد هؤلاء المشركين أيهم بأن لهم علينا أيمانا بالغة بحكمهم إلى يوم القيامة زعيم يعني: كفيل به، والزعيم عند العرب: الضامن والمتكلم عن القوم، كما: 26872 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أيهم بذلك زعيم يقول: أيهم بذلك كفيل.
[ 46 ]
26873 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: سلهم أيهم بذلك زعيم يقول: أيهم بذلك كفيل. وقوله: أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء القوم شركاء فيما يقولون ويصفون من الامور التي يزعمون أنها لهم، فليأتوا بشركائهم في ذلك إن كانوا فيما يدعون من الشركاء صادقين. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ئ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) *. يقول تعالى ذكره يوم يكشف عن ساق قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد. ذكر من قال ذلك: 26874 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس يوم يكشف عن ساق قال: هو يوم حرب وشدة. 26875 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس يوم يكشف عن ساق قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر: وقامت الحرب بنا على ساق أ 26876 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم يوم يكشف عن ساق ولا يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظما واحدا. وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم، إلا تسمع العرب تقول:
[ 47 ]
وقامت الحرب بنا على ساق أ 26877 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يوم يكشف عن ساق يقول: حين يكشف الامر، وتبدو الاعمال، وكشفه: دخول الآخرة وكشف الامر عنه. 26878 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن ابن عباس، قوله يوم يكشف عن ساق هو الامر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة. 26879 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي وابن حميد، قالا: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: يوم يكشف عن ساق قال: شدة الامر وجده قال ابن عباس: هي أشد ساعة في يوم القيامة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوم يكشف عن ساق قال: شدة الامر، قال ابن عباس: هي أول ساعة تكون في يوم القيامة غير أن في حديث الحارث قال: وقال ابن عباس: هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة. 26880 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن جبير، قال: عن شدة الامر. 26881 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: يوم يكشف عن ساق قال: عن أمر فظيع جليل. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله يوم يكشف عن ساق قال: يوم يكشف عن شدة الامر. 26882 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم يكشف عن ساق وكان ابن عباس يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: شمرت الحرب عن ساق يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا.
[ 48 ]
26883 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزهراء، عن عبد الله، قال: يتمثل الله للخلق يوم القيامة حتى يمر المسلمون، قال: فيقول: من تعبدون ؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئا، فينتهزهم مرتين أو ثلاثا، فيقول: هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف إلينا عرفناه، قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم طبق واحد، كأنما فيها السفافيد، فيقولون: ربنا، فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون. 26884 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا شريك، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله ابن مسعود، قال: ينادي مناد يوم القيامة: أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم، ثم صوركم، ثم رزقكم، ثم توليتم غيره أن يولى كل عبد منكم ما تولى، فيقولون: بلى، قال: فيمثل لكل قوم آلهتهم التي كانوا يعبدونها، فيتبعونها حتى توردهم النار، ويبقى أهل الدعوة، فيقول بعضهم لبعض: ماذا تنتظرون، ذهب الناس ؟ فيقولون: ننتظر أن ينادي بنا، فيجئ إليهم في صورة، قال: فذكر منها ما شاء الله، فيكشف عما شاء الله أن يكشف، قال: فيخرون سجدا إلا المنافقين، فإنه يصير فقار أصلابهم عظما واحدا مثل صياصي البقر، فيقال لهم: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم ثم ذكر قصة فيها طول. 26885 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا الاعمش، عن المنهال عن قيس بن سكن، قال: حدث عبد الله وهو عند عمر يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: إذا كان يوم القيامة قال: يقوم الناس بين يدي رب العالمين أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء، حفاة عراة، يلجمهم العرق، ولا يكلمهم بشر أربعين عاما، ثم ينادي مناد: يا أيها الناس أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم، ثم عبد تم غيره، أن يولى كل قوم ما تولوا ؟ قالوا: نعم ؟ قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله قال: ويمثل لكل قوم، يعني آلهتم، فيتبعونها حتى تقذفهم في النار، فيبقى المسلمون والمنافقون، فيقال: ألا تذهبون فقد ذهب الناس ؟ فيقولون: حتى يأتينا ربنا، قال: وتعرفونه ؟ فقالوا: إن اعترف لنا، قال: فيتجلى فيخر من كان يعبده ساجدا، قال: ويبقى
[ 49 ]
المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد. قال: فيذهب بهم فيساقون إلى النار، فيقذف بهم، ويدخل هؤلاء الجنة، قال: فيستقبلون في الجنة بما يستقبلون به من الثواب والازواج والحور العين، لكل رجل منهم في الجنة كذا وكذا، بين كل جنة كذا وكذا، بين أدناها وأقصاها ألف سنة هو يرى أقصاها كما يرى أدناها قال: ويستقبله رجل حسن الهيئة إذا نظر إليه مقبلا حسب أنه ربه، فيقول له: لا تفعل إنما أنا عبد ك وقهرمانك على ألف قرية قال: يقول عمر: يا كعب ألا تسمع ما يحدث به عبد الله ؟. 26886 - حدثنا ابن جبلة، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا سليمان الاعمش، عن المنهال ابن عمرو، عن أبي عبيدة وقيس بن سكن، قالا: قال عبد الله وهو يحدث عمر، قال: وجعل عمر يقول: ويحك يا كعب، ألا تسمع ما يقول عبد الله ؟ إذا حشر الناس على أرجلهم أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء، لا يكلمهم بشر، والشمس على رؤوسهم حتى يلجمهم العرق، كل بر منهم وفاجر، ثم ينادي مناد من السماء: يا أيها الناس أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم، ثم توليتم غيره، أن يولي كل رجل منكم ما تولى ؟ فيقولون: بلى ثم ينادي مناد من السماء: يا أيها الناس، فلتنطلق كل أمة إلى ما كانت تعبد، قال: ويبسط لهم السراب، قال: فيمثل لهم ما كانوا يعبدون، قال: فينطلقون حتى يلجوا النار، فيقال للمسلمين: ما يحبسكم ؟ فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فيقال لهم: هل تعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه. 26887 - قال: وثني أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) حتى إن أحدهم ليلتف فيكشف عن ساق، فيقعون سجودا، قال: وتدمج أصلاب المنافقين حتى تكون عظما واحدا، كأنها صياصي البقر، قال: فيقال لهم: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم قال: فترفع طائفة منهم رؤوسهم إلى مثل الجبال من النور، فيمرون على الصراط كطرف العين، ثم ترفع أخرى رؤوسهم إلى أمثال القصور، فيمرون على الصراط كمر الريح، ثم يرفع آخرون بين أيديهم أمثال البيوت، فيمرون كمر الخيل ثم يرفع آخرون إلى نور دون ذلك، فيشدون شدا وآخرون دون ذلك يمشون مشيا حتى يبقى آخر الناس رجل على أنملة رجله مثل السراج، فيخر مرة، ويستقيم أخرى، وتصيبه النار فتشعث منه حتى يخرج، فيقول: ما أعطي أحد ما أعطيت، ولا يدري مما نجا، غير أني وجدت مسها، وإني وجدت حرها وذكر حديثا فيه طول اختصرت هذا منه.
[ 50 ]
26888 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا هشام بن سعد، قال: ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا لتلحق كل أمة بما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار، ويبقى من كان يعبد الله وحده من بر وفاجر، وغبرات أهل الكتاب ثم تعرض جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، ثم تدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون: عزير ابن الله، فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تريدون ؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا فيقول: أفلا تردون فيذهبون حتى يتساقطوا في النار، ثم تدعى النصارى، فيقال: ماذا كنتم تعبدون ؟ فيقولون: المسيح ابن الله، فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تريدون ؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا اسقنا، فيقول: أفلا تردون، فيذهبون فيتساقطون في النار، فيبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر قال: ثم يتبدى الله لنا في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة، فيقول: أيها الناس لحقت كل أمة بما كانت تعبد، وبقيتم أنتم فلا يكلمه يومئذ إلا الانبياء، فيقولون: فارقنا الناس في الدنيا، ونحن كنا إلى صحبتهم فيها أحوج لحقت كل أمة بما كانت تعبد، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، فيقول: هل بينكم وبين الله آية تعرفونه بها ؟ فيقولون نعم، فيكشف عن ساق، فيخرون سجدا أجمعون، ولا يبقى أحد كان سجد في الدنيا سمعة ولا رياء ولا نفاقا، إلا صار ظهره طبقا واحدا، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه قال: ثم يرجع يرفع برنا ومسيئنا، وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعم أنت ربنا ثلاث مرار. 26889 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثني أبي وسعيد بن الليث، عن الليث، قال: ثنا خالد ابن يزيد، عن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله (ص) قال: ينادي منادية فيقول: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الاوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر
[ 51 ]
وغبرات أهل الكتاب، ثم يؤتي بجهنم تعرض كأنها سراب ثم ذكر نحوه، غير أنه قال فإنا ننتظر ربنا فقال: إن كان قاله فيأتيهم الجبار، ثم حدثنا الحديث نحو حديث المسروقي. 26890 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد عن رجل من الانصار، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: يأخذ الله للمظلوم من الظالم حتى إذا لم يبق تبعة لاحد عند أحد جعل الله ملكا من الملائكة على صورة عزيز، فنتبعه اليهود، وجعل الله ملكا من الملائكة على صورة عيسى فتتبعه النصارى، ثم نادى مناد أسمع الخلائق كلهم، فقال: ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحد كان يعبد من دون الله شيئا إلا مثل له آلهته بين يديه، ثم قادتهم إلى النار حتى إذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون قال الله جل ثناؤه: أيها الناس ذهب الناس، ذهب الناس، الحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله مالنا إله إلا الله وما كنا نعبد إلها غيره، وهو الله ثبتهم، ثم يقول لهم الثانية مثل ذلك: الحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون، فيقولون مثل ذلك، فيقال: هل بينكم وبين ربكم من آية تعرفونها ؟ فيقولون نعم، فيتجلى لهم من عظمته ما يعرفونه أنه ربهم فيخرون له سجدا على وجوههم ويقع كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر. 26891 - وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو سعيد روح بن جناح، عن مولى لعمر بن عبد العزيز، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، عن النبي (ص) قال: يوم يكشف عن ساق قال: عن نور عظيم، يخرون له سجدا. 26892 - حدثني جعفر بن محمد البزوري، قال: ثنا عبيد الله، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله الله يوم يكشف عن ساق قال: يكشف عن الغطاء، قال: ويدعون إلى السجود وهم سالمون. 26893 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، في قوله يوم يكشف عن ساق قال: هو يوم كرب وشدة.
[ 52 ]
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: يوم تكشف عن ساق بمعنى تكشف القيامة عن شدة شديدة، والعرب تقول: كشف هذا الامر عن ساق: إذا صار إلى شدة ومنه قول الشاعر: كشفت لهم عن ساقها * * وبدا من الشر الصراح وقوله: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون يقول: ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى فلا يطيقون ذلك. وقوله: خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة يقول: تغشاهم ذلة من عذاب الله وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون يقول: وقد كانوا في الدينا يدعونهم إلى السجود له، وهم سالمون، لا يمنعهم من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينهم حائل. وقد قيل: السجود في هذا الموضع: الصلاة المكتوبة. ذكر من قال ذلك: 26894 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم التيمي وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال: إلى الصلاة المكتوبة. 26895 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير وقد كانوا يدعون إلى السجود قال: يسمع المنادي إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي وقد كانوا يدعون إلى السجود قال: الصلاة المكتوبة. وبنحو الذي قلنا في قوله ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون... الآية، قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: 26896 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال: هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعوهم وهم خائفون، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل
[ 53 ]
الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإنه قال ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون وأما في الآخرة فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم. 26897 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ذلكم والله يوم القيامة. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود، فيسجد المؤمنون، وبين كل مؤمنين منافق، فيقسو ظهر المنافق عن السجود، ويجعل الله سجود المؤمنين عليهم توبيخا وذلا وصغارا، وندامة وحسرة. وقوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون: أي في الدنيا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أنه يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود بين كل مؤمنين منافق، يسجد المؤمنون، ولا يستطيع المنافق أن يسجد وأحسبه قال: تقسو ظهورهم، ويكون سجود المؤمنين توبيخا عليهم، قال: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. القول في تأويل قوله تعالى: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ئ وأملي لهم إن كيدي متين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): كل يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي وهذا كقول القائل لآخر غيره يتوعد رجلا: دعني وإياه، وخلني وإياه، بمعنى: أنه من وراء مساءته. ومن في قوله: ومن يكذب بهذا الحديث في موضع نصب، لان معنى الكلام ما ذكرت، وهو نظير قولهم: لو تركت ورأيك ما أفلحت. والعرب تنصب ورأيك، لان معنى الكلام: لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح. وقوله: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون يقول جل ثناؤه: سنكيدهم من حيث
[ 54 ]
لا يعلمون، وذلك بأن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله، فيتمادوا في طغيانهم، ثم يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون. وقوله: وأملي لهم إن كيدي متين يقول تعالى ذكره: وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم إن كيدي متين يقول: إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ئ أم عندهم الغيب فهم يكتبون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحق، ثوابا وجزاء فهم من مغرم مثقلون يعني من غرم ذلك الاجر مثقلون، قد أثقلهم القيام بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا لعظم ما أصابهن من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين. وقوله: أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول: أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن، فهم يكتبون منه ما فيه، ويجادلونك به، ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الايمان به. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ئ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك. وقوله: ولا تكن كصاحب الحوت الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن متى (ص) فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه. إذ نادى وهو مكظوم يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغم وكظمه، كما: 26898 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إذ نادى وهو مكظوم يقول: مغموم.
[ 55 ]
26899 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مكظوم قال: مغموم. وكان قتادة يقول في قوله: ولا تكن كصاحب الحوت: لا تكن مثله في العجلة والغضب. ذكر من قال ذلك: 26900 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم يقول: لا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: لولا أن تداركه نعمة من ربه يقول جل ثناؤه: لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربه، فرحمه بها، وتاب عليه من مغاضبته ربه لنبذ بالعراء وهو الفضاء من الارض: ومنه قول بن جعدة: ورفعت رجلا لا أخاف عثارها * * ونبذت بالبلد العراء ثيابي وهو مذموم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وهو مذموم فقال بعضهم: معناه وهو مليم. ذكر من قال ذلك: 26901 - حدثني علي، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وهو مذموم يقول: وهو مليم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهو مذنب ذكر من قال ذلك: 26902 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه عن بكر وهو مذموم قال: هو مذنب. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ئ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ئ وما هو إلا ذكر للعالمين) *.
[ 56 ]
يقول تعالى ذكره: فاجتبى صاحب الحوت ربه، يعني اصطفاه واختاره لنبوته فجعله من الصالحين يعني من المرسلين العاملين بما أمرهم به ربهم، المنتهين عما نهاهم عنه. وقوله: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم يقول جل ثناؤه: وإن يكاد الذين كفروا يا محمد ينفذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك. وقد قيل: إنه عني بذلك: وإن يكاد الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدة نظره إلي قالوا: وإنما كانت قريش عانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظروا إليه ليعينوه، وقالوا: ما رأينا رجلا مثله: أو إنه لمجنون، فقال الله لنبيه عند ذلك: وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون. وبنحو الذي قلنا في معنى ليزلقونك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26903 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر يقول: ينفذونك بأبصارهم من شدة النظر، يقول ابن عباس: يقال للسهم: زهق السهم أو زلق. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ليزلقونك بأبصارهم يقول: لينفذونك بأبصارهم. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم يقول: ليزهقونك بأبصارهم. 26904 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا معاوية، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه كان يقرأ: وإن يكاد الذين كفروا ليزهقونك. 26905 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ليزلقونك قال: لينفذونك بأبصارهم. 26906 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: ليزلقونك بأبصارهم قال: ليزهقونك، وقال الكلبي ليصرعونك.
[ 57 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لينفذونك بأبصارهم معاداة لكتاب الله، ولذكر الله. 26907 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم يقول: ينفذونك بأبصارهم من العداوة والبغضاء. واختلفت القراء في قراءة قوله ليزلقونك فقرأ ذلك عامة قراء المدينة ليزلقونك بفتح الياء من زلقته أزلقه زلقا. وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ليزلقونك بضم الياء من أزلقه يزلقه. والصواب من القول في ذلك عند أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان في العرب متقاربتا المعنى والعرب تقول للذي يحلق الرأس: قد أزلقه وزلقه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله لما سمعوا الذكر يقول: لما سمعوا كتاب الله يتلى ويقولون إنه لمجنون يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم إن محمدا لمجنون، وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يهذي به في جنونه وما هو إلا ذكر للعالمين وما محمد إلا ذكر ذكر الله به العالمين الثقلين الجن والانس. آخر تفسير سورة ن والقلم
[ 58 ]
سورة الحاقة (69) سورة الحاقة مكية وآياتها ثنتان وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (الحاقة ئ ما الحاقة ئ وما أدراك ما الحاقة ئ كذبت ثمود وعاد بالقارعة) *. يقول تعالى ذكره: الساعة الحاقة التي تحق فيها الامور، ويجب فيها الجزاء على الاعمال ما الحاقة يقول: أي شئ الساعة الحاقة. وذكر عن العرب أنها تقول: لما عرف الحاقة متى والحقة متى، وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث، وتقول: وقد حق عليه الشئ إذا وجب، فهو يحق حقوقا. والحاقة الاولى مرفوعة بالثانية، لان الثانية بمنزلة الكناية عنها، كأنه عجب منها، فقال: الحاقة: ما هي كما يقال: زيد ما زيد. والحاقة الثانية مرفوعة بما، وما بمعنى أي، وما رفع بالحاقة الثانية، ومثله في القرآن وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين والقارعة ما القارعة فما في موضع رفع بالقارعة الثانية والاولى بجملة الكلام بعدها. وبنحو الذي قلنا في قوله: الحاقة قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: 26908 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله الحاقة قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. 26909 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن جابر، عن عكرمة قال: الحاقة القيامة.
[ 59 ]
26910 - حدثنا بشر، قال: ثنا بزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الحاقة يعني الساعة أحقت لكل عامل عمله. * - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الحاقة قال: أحقت لكل قوم أعمالهم. 26911 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الحاقة يعني القيامة. 26912 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الحاقة ما الحاقة والقارعة ما القارعة والواقعة و الطامة و الصاخة قال: هذا كله يوم القيامة الساعة، وقرأ قول الله: ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة والخافضة من هؤلاء أيضا خفضت أهل النار، ولا نعلم أحدا أخفض من أهل النار، ولا أذل ولا أخزى ورفعت أهل الجنة، ولا نعلم أحدا أشرف من أهل الجنة ولا أكرم. وقوله: وما أدراك ما الحاقة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وأي شئ أدراك وعرفك أي شئ الحاقة. 26913 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قال: ما في القرآن وما يدريك فلم يخبره، وما كان وما أدراك، فقد أخبره. 26914 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أدراك ما الحاقة تعظيما ليوم القيامة كما تسمعون. وقوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة يقول تعالى ذكره: كذبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم. والقارعة أيضا: اسم من أسماء القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 60 ]
26915 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة أي بالساعة. 26916 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة قال: القارعة: يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ئ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ئ سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ئ فهل ترى لهم من باقية) *. يقول تعالى ذكره: فأما ثمود قوم صالح، فأهلكهم الله بالطاغية. واختلف في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود أهل التأويل، فقال بعضهم: هي طغيانهم وكفرهم بالله. ذكر من قال ذلك: 26917 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: فأهلكوا بالطاغية قال: بالذنوب. 26918 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية فقرأ قول الله: كذبت ثمود بطغواها وقال: هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله. الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله وخلاف كتاب الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها. ذكر من قال ذلك: 26919 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم.
[ 61 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بالطاغية قال: أرسل الله عليهم صيحة واحدة فأهمدتهم. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة الطاغية. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به، فقال: وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله، كان الخبر أيضا عن عاد كذلك، إذ كان ذلك في سياق واحد، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت. وقوله: وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية يقول تعالى ذكره: وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر، وهي الشديدة العصوف مع شدة بردها عاتية يقول: عتت على خزانها في الهبوب، فتجاوزت في الشدة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26920 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية يقول: بريح مهلكة باردة، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، دائمة لا تفتر. 26921 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية والصرصر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم. 26922 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن المسيب، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قط إلا بمثقال، إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه، فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: بريح صرصر عاتية.
[ 62 ]
26923 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا أبو سنان، عن غير واحد، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الجبال فخرج، فذلك قول الله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ولم ينزل من الريح شئ إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد، فإنه أذن لها دون الخزان، فخرجت، وذلك قول الله: بريح صرصر عاتية عتت على الخزان. 26924 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بريح صرصر عاتية قال: الصرصر: الشديدة، والعاتية: القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم. 26925 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: صرصر قال: شديدة. 26926 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بريح صرصر يعني: باردة عاتية، عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة. وقوله: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما يقول تعالى ذكره: سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما فقال بعضهم: عنى بذلك تباعا. ذكر من قال ذلك: 26927 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وثمانية أيام حسوما يقول: تباعا. 26928 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حسوما قال: متتابعة.
[ 63 ]
26929 - حدثنا ابن حميد، قال حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود وثمانية أيام حسوما قال: متتابعة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله حسوما قال: تباعا. 26930 - قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، في قوله: حسوما قال: تباعا. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية وثمانية أيام حسوما قال: متتابعة. 26931 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثني أبي، قال: ثنا خالد بن قيس، عن قتادة وثمانية أيام حسوما قال: متتابعة ليس لها فترة. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وثمانية أيام حسوما قال: متتابعة ليس فيه تفتير. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله حسوما قال: دائمات. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة، عن ابن مسعود أيام حسوما قال: متتابعة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قال: قال مجاهد: أيام حسوما قال: تباعا. 26932 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان أيام حسوما قال: متتابعة، وأيام نحسات قال: مشائيم.
[ 64 ]
وقال آخرون: عنى بقوله: حسوما الريح، وأنها تحسم كل شئ، فلا تبقى من عاد أحدا، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح. ذكر من قال ذلك: 26933 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وثمانية حسوما قال: حسمتهم لم تبق منهم أحدا، قال: ذلك الحسوم مثل الذي يقول: احسم هذا الامر قال: وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب قال: قال موسى بن عقبة: فلما جاءهم العذاب قالوا: قوموا بنا نرد هذا العذاب عن قومنا قال: فقاموا وصفوا في الوادي، فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدا، وقرأ قول الله: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما حتى بلغ: نخل خاوية قال: فإن كانت الريح لتمر بالظعينة فتستدبرها وحمولتها، ثم تذهب بهم في السماء، ثم تكبهم على الرؤوس، وقرأ قول الله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم هذا عارض ممطرنا قال: وكان أمسك عنهم المطر، فقرأ حتى بلغ: تدمر كل شئ بأمر ربها قال: وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كل يوم إلا واحدا قال: فلما عذب الله قوم عاد، أبقى الله واحدا ينذر الناس، قال: فكانت امرأة قد رأت قومها، فقالوا لها: أنت أيضا، قالت: تنحيت على الجبل قال: وقد قيل لها بعد: أنت قد سلمت وقد رأيت، فكيف لا رأيت عذاب الله ؟ قالت: ما أدرى غير أن أسلم ليلة: ليلة لا ريح. * وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بقوله حسوما متتابعة، لاجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وكان بعض أهل العربية يقول: الحسوم: التباع، إذا تتابع الشئ فلم ينقطع أوله عن آخره قيل فيه حسوم قال: وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء: إذا كوى صاحبه، لانه لحم يكوى بالمكواة، ثم يتابع عليه. وقوله: فترى القوم فيها صرعى يقول: فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الايام الحسوم صرعى قد هلكوا كأنهم أعجاز نخل خاوية يقول: كأنهم أصول نخل قد خوت، كما: 26934 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كأنهم أعجاز نخل خاوية: وهي أصول النخل.
[ 65 ]
وقوله: فهل ترى لهم من باقية يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فهل ترى يا محمد لعاد قوم هود من بقاء. وقيل: عني بذلك: فهل ترى منهم باقيا. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين يقول: معنى ذلك: فهل ترى لهم من بقية، ويقول: مجازها مجاز الطاغية مصدر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ئ فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ئ إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ئ لنجعلها لكم تذكرة وتعيهآ أذن واعية) *. يقول تعالى ذكره: وجاء فرعون مصر. واختلفت القراء في قراءة قوله: ومن قبله فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائي: ومن قبله بفتح القاف وسكون الباء، بمعنى: وجاء من قبل فرعون من الامم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة. وقرأ ذلك عامة قراء البصرة والكسائي: ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى: وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط. * والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله والمؤتفكات بالخاطئة يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها بالخاطئة يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله والمؤتفكات قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26935 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات قرية لوط. وفي بعض القراءة: وجاء فرعون ومن معه. 26936 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة قال: المؤتفكات: قوم لوط، ومدينتهم وزرعهم، وفي قوله: والمؤتفكة أهوى قال: أهواها من السماء: رمى بها من السماء أوحى الله إلى جبريل عليه السلام، فاقتلعها من الارض، ربضها ومدينتها، ثم
[ 66 ]
هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الارض، ثم أتبعهم الصخر حجارة، وقرأ قول الله: حجارة من سجيل منضود مسومة قال: المسومة: المعدة للعذاب. 26937 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة يعني المكذبين. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والمؤتفكات هم قوم لوط، ائتفكت بهم أرضهم. وبما قلنا في قوله: بالخاطئة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26938 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بالخاطئة قال: الخطايا. وقوله: فعصوا رسول ربهم يقول جل ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم. وقوله: فأخذهم أخذة رابية يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال: أربيت فربا رباك، والفضة والذهب قد ربوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26939 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ينا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أخذة رابية قال: شديدة. 26940 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فأخذهم أخذة رابية يعني أخذة شديدة. 26941 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله الله: فأخذهم أخذة رابية قال: كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشر رابية، قال:
[ 67 ]
ربا عليهم: زاد عليهم، وقرأ قول الله عز وجل: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب، وقرأ قول الله عز وجل: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم يقول: ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشر. وقوله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حده المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان. وقيل: إنه زاد فعلا فوق كل شئ بقدر خمس عشرة ذراعا. ذكر من قال ذلك، ومن قال في قوله: طغى مثل قولنا: 26942 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنا لما طغى الماء قال: بلغنا أنه طغى فوق كل شئ خمس عشرة ذراعا. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ذاكم زمن نوح طغى الماء على كل خمس عشرة ذراعا بقدر كل شئ. 26943 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، في قوله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزان، إلا حيث طغى الماء، فإنه قد غضب لغضب الله، فطغى على الخزان، فخرج ما لا يعلمون ما هو. 26944 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية إنما يقول: لما كثر. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله إنا لما طغى الماء يعني كثر الماء ليالي غرق الله قوم نوح. 26945 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنا لما طغى الماء حملناكم قال محمد ابن عمرو في حديثه: طما وقال الحارث: ظهر.
[ 68 ]
26946 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، عن الضحاك، في قوله: لما طغى الماء: كثر وارتفع. وقوله: حملناكم في الجارية يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26947 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: حملناكم في الجارية الجارية: السفينة. 26948 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حملناكم في الجارية والجارية: سفينة نوح التي حملتم فيها. وقيل: حملناكم، فخاطب الذين نزل فيهم القرآن، وإنما حمل أجدادهم نوحا وولده، لان الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية، فكان حمل الذين حملوا فيها من الاجداد حملا لذريتهم على ما قد بينا من نظائر ذلك في أماكن كثيرة من كتابنا هذا. وقوله: لنجعلها لكم تذكرة يقول: لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة، يعني عبرة وموعظة تتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26949 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لنجعلها لكم تذكرة فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الامة، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا. وقوله: وتعيها أذن واعية يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26950 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وتعيها أذن واعية يقول: حافظة. 26951 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وتعيها أذن واعية يقول: سامعة، وذلك الاعلان. ذكر من قال ذلك:
[ 69 ]
26952 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا خالد بن قيس، عن قتادة وتعيها أذن واعية قال: أذن عقلت عن الله. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتعيها أذن واعية أذن عقلت عن الله، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أذن واعية قال: أذن سمعت، وعقلت ما سمعت. 26953 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: الضحاك يقول في قوله: وتعيها أذن واعية سمعتها أذن ووعت. 26954 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن علي بن حوشب، قال: سمعت مكحولا يقول: قرأ رسول الله (ص): وتعيها أذن واعية ثم التفت إلى علي، فقال: سألت الله أن يجعلها أذنك، قال علي رضي الله عنه: فما سمعت شيئا من رسول الله (ص) فنسيته. 26955 - حدثني محمد بن خلف، قال: ثني بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، قال: ثني عبد الله بن رستم، قال: سمعت بريدة يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي: يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق على الله أن تعي، قال: فنزلت وتعيها أذن واعية. * - حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا الحسن بن حماد، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي عن فضيل بن عبد الله، عن أبي داود، عن بريدة الاسلمي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي: إن الله أمرني أن أعلمك وأن أدنيك ولا أجفوك ولا أقصيك، ثم ذكر مثله. 26956 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وتعيها أذن واعية قال: واعية يحذرون معاصي الله أن يعذبهم الله عليها، كما عذب من
[ 70 ]
كان قبلهم تسمعها فتعيها، إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشر من باب الوعي. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ئ وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة ئ فيومئذ وقعت الواقعة) * ]. يقول تعالى ذكره: فإذا نفخ في الصور إسرافيل نفخة واحدة وهي النفخة الاولى، وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة يقول: فزلزلتا زلزلة واحدة. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 26957 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة قال: صارت غبارا. وقيل: فدكتا وقد ذكر قبل الجبال والارض، وهي جماع، ولم يقل: فدككن، لانه جعل الجبال كالشئ الواحد، كما قال الشاعر: هما سيدان يزعمان وإنما يسوداننا إن يسرت غنماهما وكما قيل: أن السموات والارض كانتا رتقا. فيومئذ وقعت الواقعة يقول جل ثناؤه: فيومئذ وقعت الصيحة الساعة، وقامت القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ئ والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ئ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) *. يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء فهي يومئذ واهية يقول: منشقة متصدعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 71 ]
26958 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الاجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالارض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف ثم نزل الملك الاعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الارض ندوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الارض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله الله: إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم وذلك قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم، وقوله: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان وذلك قوله: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها. 26959 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية يعني: متمزقة ضعيفة. والملك على أرجائها يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26960 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والملك على أرجائها يقول: والملك على حافات السماء حين تشقق ويقال: على شقة، كل شئ تشقق عنه. 26961 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والملك على أرجائها قال: أطرافها.
[ 72 ]
26962 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والملك على أرجائها قال: على حافات السماء. 26963 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الاجلح، قال: قلت للضحاك: ما أرجاؤها، قال: حافاتها. 26964 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثني سعيد: عن قتادة والملك على أرجائها على حافاتها. 26965 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر والملك على أرجائها قال: بلغني أنها أقطارها، قال قتادة: على نواحيها. 26966 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان والملك على أرجائها قال: نواحيها. 26967 - حدثني الحارث، قال: ثنا الاشيب، قال: ثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن المسيب: الارجاء حافات السماء. 26968 - قال: ثنا الاشيب، قال: ثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والملك على أرجائها قال: على ما لم يه منها. * - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا حسين الاشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله والملك على أرجائها قال: على ما لم يه منها. وقوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثمانية فقال بعضهم: عنى به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهن إلا الله. ذكر من قال ذلك: 26969 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق عن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك عن ابن عباس: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ين عمي، قال: ثني أبي، عن
[ 73 ]
أبيه، عن ابن عباس، في قوله ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال: هي الصفوف من وراء الصفوف. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال: ثمانية صفوف من الملائكة. 26970 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال بعضهم: ثمانية صفوف لا يعلم عدتهن إلا الله. وقال بعضهم: ثمانية أملاك على خلق الوعلة. وقال آخرون: بل عنى به ثمانية أملاك. ذكر من قال ذلك: 26971 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال: ثمانية أملاك، وقال: قال رسول الله (ص): يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة ثمانية، وقال رسول الله (ص): إن أقدامهم لفي الارض السابعة، وإن مناكبهم لخارجة من السموات عليها العرش قال ابن زيد: الاربعة، قال: بلغنا أن رسول الله (ص) قال: لما خلقهم الله قال: تدرون لم خلقتكم ؟ قالوا: خلقتنا ربنا لما تشاء، قال لهم: تحملون عرشي، ثم قال: سلوني من القوة ما شئتم أجعلها فيكم، فقال واحد منهم: قد كان عرش ربنا على الماء، فاجعل في قوة الماء، قال: قد جعلت فيك قوة الماء وقال آخر: اجعل في قوة السموات، قال: قد جعلت فيك قوة السموات وقال آخر: اجعل في قوة الارض، قال: قد جعلت فيك قوة الارض والجبال وقال آخر: اجعل في قوة الرياح، قال: قد جعلت فيك قوة الرياح ثم قال: احملوا، فوضعوا العرش على كواهلهم، فلم يزولوا قال: فجاء علم آخر، وإنما كان علمهم الذي سألوه القوة، فقال لهم: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فجعل الله فهم من الحول والقوة ما لم يبلغه علمهم، فحملوا. 26972 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بلغنا أن رسول الله (ص) قال: هم اليوم أربعة، يعني حملة العرش وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية وقد قال الله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. 26973 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قوله:
[ 74 ]
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور: وقوله: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية يقول تعالى ذكره: يومئذ أيها الناس تعرضون على ربكم، وقيل: تعرضون ثلاث عرضات. ذكر من قال ذلك: 26974 - حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا علي بن علي الرفاعي، عن الحسن، عن أبي موسى الاشعري، قال: تعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف في الايدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله. 26975 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن مروان الاصغر، عن أبي وائل عن عبد الله، قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة تطير الصحف في الايدي. 26976 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: يعرض الناس ثلاث عرضات يوم القيامة، فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال. وأما العرضة الثالثة فتطير الصحف في الايدي. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. وقوله: لا تخفى منكم خافية يقول جل ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية، لانه عالم بجميعكم، محيط بكلكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هآؤم اقرؤا كتابيه ئ إني ظننت أني ملاق حسابيه) *.
[ 75 ]
يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فيقول تعالى اقرءوا كتابيه، كما: 26977 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: هاؤم اقرءوا كتابيه قال: تعالوا. 26978 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هاؤم اقرءوا كتابيه. وقوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول: أني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إني ظننت قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26979 - حدثني علي، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول: أيقنت. 26980 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إني ظننت إني ملاق حسابيه: ظن ظنا يقينا، فنفعه الله بظنه. 26981 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه قال: إن الظن من المؤمن يقين، وإن عسى من الله واجب فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين فعسى أن يكونوا من المفلحين. 26982 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إني ظننت أني ملاق حسابيه قال: ما كان من ظن الآخرة فهو علم. 26983 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن إني ظننت يقول: أي علمت. القول في تأويل قوله تعالى: * (فهو في عيشة راضية ئ في جنة عالية ئ قطوفها دانية ئ كلوا واشربوا هنيئا بمآ أسلفتم في الايام الخالية) *.
[ 76 ]
يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه، في عيشة مرضية، أو عيشة فيها الرضا، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية، لان ذلك مدح للعيشة، والعرب تفعل ذلك في المدح والذم فتقول: هذا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيوجهون الفعل إليه، وهو في الاصل مفعول لما يراد من المدح أو الذم، ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب، ولا للمضروب ضارب، لانه لا مدح فيه ولا ذم. وقوله: في جنة عالية يقول: في بستان عال رفيع، وفي من قوله في جنة من صلة عيشة. وقوله: قطوفها دانية يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دان قريب من قاطفه. وذكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا، لا يمنعه منه بعد، ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26984 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية قطوفها دانية قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم. 26985 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قطوفها دانية: دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. وقوله: وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الايام الخالية يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه، فأدخلته جنتي من ثمارها، وطيب ما فيها من الاطعمة، واشربوا من أشربتها، هنيئا لكم لا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول بما أسلفتم في الايام الخالية يقول: كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من الله لكم، وثوابا بما أسلفتم، أو على ما أسلفتم: أي على ما قد متم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعة الله في الايام الخالية، يقول: في أيام الدنيا التي خلت فمضت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26986 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الايام الخالية إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الايام، وقدموا فيها خيرا إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. 26987 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 77 ]
بما أسلفتم في الايام الخالية قال: أيام الدنيا بما عملوا فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يليتني لم أوت كتابيه ئ ولم أدر ما حسابيه ئ يليتها كانت القاضية) *. يقول تعالى ذكره: وأما من أعطى يومئذ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه، ولم أدر ما حسابيه يقول: ولم أدر أي شئ حسابيه. وقوله: يا ليتها كانت القاضية يقول: يا ليت الموتة التي منها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث والقضاء: هو الفراغ. وقيل: إنه تمنى الموت الذي يقضى عليه، فتخرج منه نفسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26988 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا ليتها كانت القاضية تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شئ أكره عنده من الموت. 26989 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا ليتها كانت القاضية الموت. القول في تأويل قوله تعالى: * (مآ أغنى عني ماليه ئ هلك عني سلطانيه ئ خذوه فغلوه ئ ثم الجحيم صلوه ئ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ئ إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: ما أغنى عنى ماليه يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا هلك عنى سلطانيه يقول: ذهبت عنى حججى، وضلت، فلا حجة لي أحتج بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26990 - حدثني محمد بن سعد، مقال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس هلك عنى سلطانيه يقول: ضلت عنى كل بينة فلم تغن عنى شيئا.
[ 78 ]
26991 - حدثني عبد الرحمن بن الاسود الطفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربي، قال: سمعت عكرمة يقول: هلك عنى سلطانيه قال: حجتي. 26992 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله هلك عنى سلطانيه قال: حجتي. 26993 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله هلك عنى سلطانيه أما والله ما كل من دخل النار كان أمير قرية يجبيها، ولكن الله خلقهم، وسلطهم على أقرانهم، وأمرهم بطاعة الله، ونهاهم عن معصية الله. 26994 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: هلك عنى سلطانيه يقول: بينتي ضلت عني. وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع: الملك. ذكر من قال ذلك: 26995 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هلك عنى سلطانيه قال: سلطان الدنيا. وقوله: خذوه فغلوه يقول تعالى ذكره لملائكته من خزان جهنم: خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه يقول: ثم في جهنم أوردوه ليصلى فيها ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه يقول: ثم اسكلوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراع الله أعلم بقدر طولها. وقيل: إنها تدخل في دبره، ثم تخرج من منخريه. وقال بعضهم: تدخل في فيه، وتخرج من دبره. ذكر من قال ذلك: 26996 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن نسير بن دعلوق، قال: سمعت نوفا يقول: في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا قال: كل ذراع سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني نسير، قال: سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير في قوله في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا قال: الذراع: سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة،
[ 79 ]
عن نوف البكالي في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا قال: كل ذراع سبعون باعا، كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وهو يومئذ في مسجد الكوفة. 26997 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس. قوله: في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه قال: بذراع الملك فاسلكوه، قال: تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه، حتى لا يقوم على رجليه. 26998 - حدثنا بن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشير المنقري، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله (ص): لو أن رصاصة مثل هذه، وأشار إلى جمجمة، أرسلت من السماء إلى الارض، وهي مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الارض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها. 26999 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن المبارك، عن مجاهد، عن جويبر، عن الضحاك، فاسلكوه قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه، وتخرج من دبره. وقيل: ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه وإنما تسلك السلسلة في فيه، كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس، وكما قال الاعشي: إذا ما السراب ارتدى بالاكمأ وإنما يرتدي الاكم بالسراب وما أشبه ذلك، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه، وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله.
[ 80 ]
وقوله: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا، إنه كان لا يصدق بوحدانية الله العظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يحض على طعام المسكين ئ فليس له اليوم ها هنا حميم ئ ولا طعام إلا من غسلين ئ لا يأكله إلا الخاطئون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الشقي الذي أوتي كتابه بشماله: إنه كان في الدنيا لا يحض الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة. وقوله: فليس له اليوم ههنا حميم يقول جل ثناؤه: فليس له اليوم وذلك يوم القيامة ها هنا، يعني في الدار الآخرة حميم، يعني قريب يدفع عنه، ويغيثه مما هو فيه من البلاء، كما: 27000 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فليس له اليوم ههنا حميم القريب في كلام العرب ولا طعام إلا من غسلين يقول جل ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحض في الدنيا على طعام المسكين، إلا طعام من غسلين، وذلك ما يسيل من صديد أهل النار. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كل جرح غسلته فخرج منه شئ فهو غسلين، فعلين من الغسل من الجراح والدبر، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27001 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا طعام إلا من غسلين صديد أهل النار. 27002 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ولا طعام إلا من غسلين قال: ما يخرج من لحومهم. 27003 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا طعام إلا من غسلين شر الطعام وأخبثه وأبشعه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 27004 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا طعام إلا من غسلين قال: الغسلين والزقوم لا يعلم أحد ما هو.
[ 81 ]
وقوله: لا يأكله إلا الخاطئون يقول: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون، وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا أقسم بما تبصرون ئ وما لا تبصرون ئ إنه لقول رسول كريم ئ وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ئ ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون) *. يقول تعالى ذكره: فلا، ما الامر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله، أقسم بالاشياء كلها التي تبصرون منها، والتي لا تبصرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27005 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون قال: أقسم بالاشياء، حتى أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. 27006 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون يقول: بما ترون وبما لا ترون. وقوله: إنه لقول رسول كريم يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن رسول كريم، وهو محمد (ص) يتلوه عليهم. وقوله: وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون يقول جل ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر لان محمدا لا يحسن قول الشعر، فتقولوا هو شعر قليلا ما تؤمنون يقول: تصدقون قليلا به أنتم، وذلك خطاب من الله لمشركي قريش ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون يقول: ولا هو بقول كاهن، لان محمدا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان قليلا ما تذكرون يقول: ولا هو بقول كاهن، لان محمدا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان قليلا ما تذكرون يقول: تتعظون به أنتم، قليلا ما تعتبرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27007 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون طهره الله من ذلك وعصمه ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون طهره الله من الكهانة، وعصمه منها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 82 ]
* (تنزيل من رب العالمين ئ ولو تقول علينا بعض الاقاويل ئ لاخذنا منه باليمين ئ ثم لقطعنا منه الوتين) *. يقول تعالى ذكره: ولكنه تنزيل من رب العالمين نزل عليه ولو تقول علينا محمد بعض الاقاويل الباطلة، وتكذب علينا لاخذنا منه باليمين يقول: لاخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب. وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها. وقد قيل: إن معنى قوله لاخذنا منه باليمين: لاخذنا منه باليد اليمنى من يديه قالوا: وإنما ذلك مثل، ومعناه: إنا كنا نذله ونهينه، ثم نقطع منه بعد ذلك الوتين قالوا: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه، خذ بيده فأقمه، وافعل به كذا وكذا قالوا: وكذلك معنى قوله: لاخذنا منه باليمين: أي لاهناه كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. وبنحو الذي قلنا في معني قوله الوتين قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27008 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: لقطعنا منه الوتين قال: نياط القلب. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس الوتين: نياط القلب. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير بنحوه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن جبير بمثله.
[ 83 ]
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ثم لقطعنا منه الوتين يقول: عرق القلب. 27009 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ثم لقطعنا منه الوتين يعني: عرقا في القلب، ويقال: هو حبل في القلب. 27010 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الوتين قال: حبل القلب الذي في الظهر. 27011 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم لقطعنا منه الوتين قال: حبل القلب. 27012 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لقطعنا منه الوتين وتين القلب: وهو عرق يكون في القلب، فإذا قطع مات الانسان. 27013 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ثم لقطعنا منه الوتين قال: الوتين: نياط القلب الذي القلب متعلق به، وإياه عنى الشماخ بن ضرار التغلبي بقوله: إذا بلغتني وحملت رحلى * * عرابة فاشرقي بدم الوتين القول في تأويل قوله تعالى: * (فما منكم من أحد عنه حاجزين ئ وإنه لتذكرة للمتقين ئ وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ئ وإنه لحسرة على الكافرين ئ وإنه لحق اليقين ئ فسبح باسم ربك العظيم) *. يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقول علينا بعض
[ 84 ]
الاقاويل، فأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به. وقيل: حاجزين، فجمع، وهو فعل لاحد، وأحد في لفظ واحد ردا على معناه، لان معناه الجمع، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع، كما قيل لا نفرق بين أحد من رسله وبين: لا تقع إلا على اثنين فصاعدا. وقوله: وإنه لتذكرة للمتقين يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتذكرة، يعني عظة يتذكر به، ويتعظ به للمتقين، وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27014 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه لتذكرة للمتقين قال: القرآن. وقوله: وإنا لنعلم أن منكم مكذبين يقول تعالى ذكره: وإنا لنعلم أن منكم مكذبين أيها الناس بهذا القرآن وإنه لحسرة على الكافرين يقول جل ثناؤه: وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27015 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه لحسرة على الكافرين ذاكم يوم القيامة. وإنه لحق اليقين يقول: وإنه للحق اليقين الذين لا شك فيه أنه من عند الله، لم يتقوله محمد (ص) فسبح باسم ربك العظيم بذكر ربك وتسميته العظيم، الذي كل شئ في عظمته صغير. آخر تفسير سورة الحاقة
[ 85 ]
سورة المعارج (70) سورة المعارج مكية وآياتها أربع وأربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع ئ للكافرين ليس له دافع ئ من الله ذي المعارج ئ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ئ فاصبر صبرا جميلا. قال أبو جعفر: اختلفت القراء في قراءة قوله: سأل سائل فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة: سأل سائل بهمز سأل سائل، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله، بمن هو واقع وقرأ ذلك بعض قراء المدينة: سال سائل فلم يهمز سأل، ووجهه إلى أنه فعل من السيل. والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لاجماع الحجة من القراء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأولوه. ذكر من تأول ذلك كذلك، وقال تأويله نحو قولنا فيه: 27016 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: سأل سائل بعذاب واقع قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع.
[ 86 ]
27017 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد إن كان هذا هو الحق من عندك... الآية، قال سأل سائل بعذاب واقع. 27018 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جمعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قول الله: سأل سائل قال: دعا داع بعذاب واقع: يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. 27019 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سأل سائل بعذاب واقع قال: سأل عذاب الله أقوام، فبين الله على من يقع على الكافرين. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: سأل سائل قال: سأل عن عذاب واقع، فقال الله: للكافرين ليس له دافع. وأما الذين قرأوا ذلك بغير همز، فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم. ذكر من قال ذلك: 27020 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله الله: سأل سائل بعذاب واقع قال: قال بعض أهل العلم: هو واد في جهنم يقال له سائل. وقوله: بعذاب واقع للكافرين يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم. ومعنى للكافرين على الكافرين، كالذي: 27021 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بعذاب واقع للكافرين يقول: واقع على الكافرين واللام في قوله للكافرين من صلة الواقع. وقوله: ليس له دافع من الله ذي المعارج يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم. وقوله: ذي المعارج يعني: ذا العلو والدرجات والفواضل والنعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 87 ]
27022 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ذي المعارج يقول: العلو والفواضل. 27023 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من الله ذي المعارج: ذي الفواضل والنعم. 27024 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: من الله ذي المعارج قال معارج السماء. 27025 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ذي المعارج قال: الله ذو المعارج. 27026 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ذي المعارج قال: ذي الدرجات. وقوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز والهاء في قوله: إليه عائدة على اسم الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول: كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الارض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27027 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن معروف، عن ليث، عن مجاهد في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: منتهى أمره من أسفل الارضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة، يعني بذلك نزل الامر من السماء إلى الارض، ومن الارض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقداره ألف سنة، لان ما بين السماء إلى الارض، مسيرة خمسمائة عام. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة. ذكر من قال ذلك: 27028 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن
[ 88 ]
عكرمة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: في يوم واحد يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة. 27029 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: يوم القيامة. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية خمسين ألف سنة قال: يوم القيامة. 27030 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة: ذاكم يوم القيامة. 27031 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال معمر: وبلغني أيضا، عن عكرمة، في قوله: مقداره خمسين ألف سنة لا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي إلا الله. 27032 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. 27033 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يعني يوم القيامة. 27034 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: هذا يوم القيامة. 27035 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن أبي الهيثم عن سعيد، أنه قال لرسول الله (ص): في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا فقال النبي (ص): والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة يصليها في الدنيا.
[ 89 ]
وقد روي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه، وذلك ما: 27036 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، قال: هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن يوم مقداره ألف سنة، قال: فاتهمه، فقيل له فيه، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني، فقال: هما يومان ذكرهما الله عز وجل، الله أعلم بهما، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم. وقرأت عامة قراء الامصار قوله: تعرج الملائكة والروح بالتاء خلا الكسائي، فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك كذلك. والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار، وهو بالتاء لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله فاصبر صبرا جميلا يقول تعالى ذكره: فاصبر صبرا جميلا، يعني: صبرا لا جزع فيه. يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 27037 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاصبر صبرا جميلا قال: هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدة والقتل حتى يتركوا، ونسخ هذا. وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية، ثم نسخ ذلك قول لا وجه له، لانه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الاوجه التي تصح منها الدعاوي، وليس في أمر الله نبيه (ص) في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الاحوال، بل كان ذلك أمرا من الله له به في كل الاحوال، لانه لم يزل (ص) من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى قبل أن يأذن الله له بحربهم، وبعد إذنه له بذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 90 ]
* (إنهم يرونه بعيدا ئ ونراه قريبا ئ يوم تكون السماء كالمهل ئ وتكون الجبال كالعهن ئ ولا يسأل حميم حميما) *. يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه، الواقع عليهم بعيدا وقوعه، وإنما أخبر جل ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيدا، لانهم كانوا لا يصدقون به، وينكرون البعث بعد الممات، والثواب والعقاب، فقال: إنهم يرونه غير واقع، ونحن نراه قريبا، لانه كائن، وكل ما هو آت قريب. والهاء والميم من قوله: إنهم من ذكر الكافرين، والهاء من قوله: يرونه من ذكر العذاب. وقوله: يوم تكون السماء كالمهل يقول تعالى ذكره: يوم تكون السماء كالشئ المذاب، وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده، واختلاف المختلفين فيه، وذكرنا ما قال فيه السلف، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. 27038 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوم تكون السماء كالمهل قال: كعكر الزيت. 27039 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم تكون السماء كالمهل تتحول يومئذ لونا آخر إلى الحمرة. وقوله: وتكون الجبال كالعهن يقول: وتكون الجبال كالصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27040 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كالعهن قال: كالصوف. 27041 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: كالعهن قال: كالصوف.
[ 91 ]
وقوله: ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يقول تعالى ذكره: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27042 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا يسأل حميم حميما يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس. وقوله: يبصرونهم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله يبصرونهم فقال بعضهم: عنى بذلك الاقرباء أنهم يعرفون أقربائهم، ويعرف كل إنسان قريبه، فذلك تبصير الله إياهم. ذكر من قال ذلك: 27043 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يبصرونهم قال: يعرف بعضهم بعضا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض، يقول: لكل امرى منهم يومئذ شأن يغنيه. 27044 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يبصرونهم يعرفونهم يعلمون، والله ليعرفن قوم قوما، وأناس أناسا. وقال آخرون: بل عني بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار. ذكر من قال ذلك: 27045 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يبصرونهم المؤمنون يبصرون الكافرين. وقال آخرون: بل عني بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لآخرين في الدنيا على الكفر، أنهم يعرفون المتبوعين في النار. ذكر من قال ذلك: 27046 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يبصرونهم قال: يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: معنى ذلك: ولا يسأل حميم حميما
[ 92 ]
عن شأنه، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم، ثم يفر بعضهم من بعض، كما قال جل ثناؤه: يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب، لان ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله: يبصرونهم تلا قوله: ولا يسأل حميم حميما فلان تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم. واختلفت القراء في قراءة قوله: ولا يسأل فقرأ ذلك عامة قراء الامصار سوى أبي جعفر القارئ وشيبة بفتح الياء وقرأه أبو جعفر وشيبة: ولا يسئل بضم الياء، يعني: لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض. والصواب من القراءة عندنا فتح الياء، بمعنى: لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه، لصحة معنى ذلك، ولاجماع الحجة من القراء عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ئ وصاحبته وأخيه ئ وفصيلته التي تؤويه ئ ومن في الارض جميعا ثم ينجيه) *. يقول تعالى ذكره: يود الكافر يومئذ ويتمنى أنه يفتدى من عذاب الله إياه ذلك اليوم ببنيه وصاحبته، وهي زوجته، وأخيه وفصيلته، وهم عشيرته التي تؤويه، يعني التي تضمه إلى رحله، وتنزل فيه امرأته، لقربة ما بينها وبينه، وبمن في الارض جميعا من الخلق، ثم ينجيه ذلك من عذاب الله إياه ذلك اليوم. وبدأ جل ثناؤه بذكر البنين، ثم الصاحبة، ثم الاخ، إعلاما منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدى نفسه، لو وجد إلى ذلك سبيلا بأحب الناس إليه، كان في الدنيا، وأقربهم إليه نسبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27047 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه الاحب فالاحب، والاقرب فالاقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم.
[ 93 ]
27048 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وفصيلته التي تؤويه قال: قبيلته. 27049 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وصاحبته قال: الصاحبة الزوجة وفصيلته التي تؤويه قال: فصيلته: عشيرته. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إنها لظى ئ نزاعة للشوى ئ تدعو من أدبر وتولى ئ وجمع فأوعى) *. يقول تعالى ذكره: كلا ليس ذلك كذلك، ليس ينجيه من عذاب الله شئ. ثم ابتدأ الخبر عما أعده له هنالك جل ثناؤه، فقال: إنها لظى ولظى: اسم من أسماء جهنم، ولذلك لم يجر. واختلف أهل العربية في موضعها، فقال بعض نحويي البصرة: موضعها نصب على البدل من الهاء، وخبر إن: نزاعة قال: وإن شئت جعلت لظى رفعا على خبر إن، ورفعت نزاعة على الابتداء. وقال بعض من أنكر ذلك: لا ينبغي أن يتبع الظاهر المكنى إلا في الشذوذ قال: والاختيار إنها لظى نزاعة للشوى لظى: الخبر، ونزاعة: حال قال: ومن رفع استأنف، لانه مدح أو ذم قال: ولا تكون ابتداء إلا كذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن لظى الخبر، ونزاعة ابتداء، فذلك رفع، ولا يجوز النصب في القراءة لاجماع قراء الامصار على رفعها، ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب وإن كان للنصب في العربية وجه وقد يجوز أن تكون الهاء من قوله إنها عمادا، ولظى مرفوعة بنزاعة، ونزاعة بلظى، كما يقال: إنها هند قائمة، وإنه هند قائمة، فالهاء عماد في الوجهين. وقوله: نزاعة للشوى يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن والشوى: جمع شواة، وهي من جوارح الانسان ما لم يكن مقتلا، يقال: رمى فأشوى: إذا لم يصب مقتلا، فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس كما قال الاعشى
[ 94 ]
: قالت قتيلة ما له قد جللت شيبا شواته وربما وصف بذلك الساق كقولهم في صفة الفرس: عبل الشوى نهد الجزارهأ يعني بذلك: قوائمه، وأصل ذلك كله ما وصفت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27050 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن: نزاعة للشوى قال: تنزع أم الرأس. * - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: ثنا الحسين بن الحسن الاشقر، قال: ثنا يحيى بن مهلب أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله نزاعة للشوى قال: تنزع الرأس. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله نزاعة للشوى يعني الجلود والهام. 27051 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: نزاعة للشوى قال: لجلود الرأس. 27052 - حدثنا ابن حميد، قال ثنا مهران، عن سفيان عن إبراهيم بن المهاجر قال سألت سعيد بن جبير عن قوله: نزاعة للشوى فلم يخبر، فسألت عنها مجاهدا، فقلت: اللحم دون العظم ؟ فقال: نعم.
[ 95 ]
27053 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح نزاعة للشوى قال: لحم الساق. * - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا قبيصة بن عقبة السوائي، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله نزاعة للشوى قال: نزاعة للحم الساقين. 27054 - حدثنا ابن حميد، قال: مهران، عن خارجة، عن قرة بن خالد، عن الحسن نزاعة للشوى قال: للهام تحرق كل شئ منه، ويبقى فؤاده نضيجا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: نزاعة للشوى ثم ذكر نحوه. 27055 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: نزاعة للشوى: أي نزاعة لهامته ومكارم خلقه وأطرافه. 27056 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: نزاعة للشوى تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا. 27057 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نزاعة للشوى قال: الشوى: الآراب العظام، ذاك الشوى. وقوله: نزاعة قال: تقطع عظامهم كما ترى، ثم يجدد خلقهم، وتبدل جلودهم. وقوله: تدعو من أدبر وتولى يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الايمان بكتابه ورسله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27058 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تدعو من أدبر وتولى قال: عن طاعة الله وتولى، قال: عن كتاب الله، وعن حقه. 27059 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تدعو من أدبر وتولى قال: عن الحق.
[ 96 ]
27060 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تدعو من أدبر وتولى قال: ليس لها سلطان إلا على هوان من كفر وتولى وأدبر عن الله، فأما من آمن بالله ورسوله، فليس لها عليه سلطان. وقوله: وجمع فأوعى يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27061 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وجمع فأوعى قال: جمع المال. 27062 - حدثنا محمد بن منصور الطوسى، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا المسعودي، عن الحكم، قال: كان عبد الله بن عكيم، لا يربط كيسه، يقول: سمعت الله يقول: وجمع فأوعى. 27063 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجمع فأوعى كان جموعا قموما للخبيث. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الانسان خلق هلوعا ئ إذا مسه الشر جزوعا ئ وإذا مسه الخير منوعا ئ إلا المصلين ئ الذين هم على صلاتهم دائمون) *. يقول تعالى ذكره: إن الانسان الكافر خلق هلوعا، والهلع: شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27064 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن الانسان خلق هلوعا قال: هو الذي قال الله إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ويقال: الهلوع: هو الجزوع الحريص، وهذا في أهل الشرك.
[ 97 ]
27065 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير إن الانسان خلق هلوعا قال: شحيحا جزوعا. 27066 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة إن الانسان خلق هلوعا قال: ضجورا. 27067 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: إن الانسان يعني الكافر خلق هلوعا يقول: هو بخيل منوع للخير، جزوع إذا نزل به البلاء، فهذا الهلوع. 27068 - حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن حصين، قال يحيى، قال خالد: وسألت شعبة عن قوله: إن الانسان خلق هلوعا فحدثني شعبة عن حصين أنه قال: الهلوع: الحريص. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، قال: سألت حصينا عن هذه الآية: إن الانسان خلق هلوعا قال: حريصا. 27069 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن الانسان خلق هلوعا قال: الهلوع: الجزوع. 27070 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: خلق هلوعا قال: جزوعا. وقوله: إذا مسه الشر جزوعا يقول: إذا قل ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع من ذلك لا صبر له عليه. وإذا مسه الخير منوعا يقول: وإذا كثر ماله، ونال الغني فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدي حق الله منه. وقوله: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون يقول: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله. وقيل: عني بقوله: إلا المصلين المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله (ص) وقيل عني به كل من صلى الخمس. ذكر من قال ذلك:
[ 98 ]
27071 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم الذين هم على صلاتهم دائمون قال: المكتوبة. * - حدثني زريق بن السخب، قال: ثنا معاوية بن عمرو، قال: ثنا زائدة، عن منصور، عن إبراهيم الذين هم على صلاتهم دائمون قال: الصلوات الخمس. 27072 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله إن الانسان خلق هلوعا... إلى قوله: دائمون ذكر لنا أن دانيال نعت أمة محمد (ص) قال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم على صلاتهم دائمون قال: الصلاة المكتوبة. 27073 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: الذين هم على صلاتهم دائمون قال: هؤلاء المؤمنون الذين مع النبي (ص) على صلاتهم دائمون. 27074 - قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا حيوة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير أنه سأل عقبة بن عامر الجهني، عن: الذين هم على صلاتهم دائمون قال: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خلفهم، ولا عن أيمانهم، ولا عنى شمائلهم. 27075 - حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا أبي، قال: ثنا الاوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثتني عائشة زوج النبي (ص) أن رسول الله (ص)، قال: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا قالت: وكان أحب الاعمال إلى رسول الله (ص) ما دووم عليه قال: يقول أبو سلمة: إن الله يقول: الذين هم على صلاتهم دائمون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 99 ]
* (والذين في أموالهم حق معلوم ئ للسائل والمحروم ئ والذين يصدقون بيوم الدين ئ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ئ إن عذاب ربهم غير مأمون) *. يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حق مؤقت، وهو الزكاة للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغنى، فهو فقير لا يسأل. واختلف أهل التأويل في المعنى بالحق المعلوم الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الزكاة. ذكر من قال ذلك: 27076 - حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم قال: الحق المعلوم: الزكاة. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله والذين في أموالهم حق معلوم: قال: الزكاة المفروضة. وقال آخرون: بل ذلك حق سوى الزكاة. ذكر من قال ذلك: 27077 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم يقول: هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقرى بها ضيفا، أو يحمل بها كلا، أو يعين بها محروما. 27078 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن أبي يونس، عن رباح بن عبيدة، عن قزعة، أن ابن عمر سئل عن قوله: في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم أهي الزكاة ؟ فقال: إن عليك حقوقا سوى ذلك. 27079 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا بيان، عن الشعبي، قال: إن في المال حقا سوى الزكاة. 27080 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: في المال حق سوى الزكاة. 27081 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد: في أموالهم حق معلوم قال: سوى الزكاة.
[ 100 ]
وأجمعوا على أن السائل هو الذي وصفت صفته. واختلفوا أيضا في معنى المحروم في هذا الموضع، نحو اختلافهم فيه في الذاريات وقد ذكرنا ما قالوا فيه هنالك، ودللنا على الصحيح منه عندنا، غير أن نذكر بعض ما لم نذكر من الاخبار هنالك. ذكر من قال: هو المحارف. 27082 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: المحروم: هو المحارف. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارف. 27083 - حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس قال: السائل والمحروم: المحارف الذي ليس له في الاسلام نصيب. * - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس أنه قال: المحروم المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم. * - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، في هذه الآية للسائل والمحروم قال: السائل الذي يسأل، والمحروم: المحارف. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن قيس بن كركم، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل والمحروم: المحارف. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، قال: سألت ابن عباس، عن قوله: للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم.
[ 101 ]
27084 - حدثني محمد بن عمر بن علي المقدمي، قال: ثنا قريش بن أنس، عن سليمان، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: المحروم: المحارف. * - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا قريش، عن سليمان، عن قتادة عن سعيد بن المسيب، مثله. 27085 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن المحروم، فلم يقل فيه شيئا قال: وقال عطاء: هو المحدود المحارف. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي لا سهم له في الاسلام، وهو محارف من الناس. 27086 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المحروم: الذي لا يهدى له شئ وهو محارف. 27087 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قال: المحروم: هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، فلا يسأل الناس. 27088 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، قال: في المحروم: هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه، أو يعطيه شيئا. 27089 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم. الذي لا فئ له في الاسلام، وهو محارف في الناس. 27090 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع: المحروم: هو المحارف. وقال آخرون: هو الذي لا سهم له في الغنيمة. ذكر من قال ذلك: 27091 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن ناسا قدموا على علي رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل، فقال: اقسموا لهم، وقال: هذا المحروم.
[ 102 ]
27092 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم: المحارف الذي ليس له في الغنيمة شئ. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. 27093 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد بن الحنفية أن النبي (ص) بعث سرية، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قوم لم يشهدوا، فنزلت: في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم يعني هؤلاء. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، أن رسول الله (ص) بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنائم، فنزلت: في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد، قال: بعثت سرية فغنموا، ثم جاء قوم من بعدهم، قال: فنزلت للسائل والمحروم. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد أن قوما في زمان النبي (ص) أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت: في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. وقال آخرون: هو الذي لا ينمي له مال. ذكر من قال ذلك: 27094 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، قال: سألت عكرمة عن السائل والمحروم، قال: السائل: الذي يسألك، والمحروم: الذي لا ينمي له مال. وقال آخرون: هو الذي قد اجتيح ماله. ذكر من قال ذلك: 27095 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبي (ص): هذا المحروم. 27096 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 103 ]
والمحروم قال: المحروم: المصاب ثمره وزرعه، وقرأ: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه... حتى بلغ محرومون وقال أصحاب الجنة: إنا لضالون، بل نحن محرومون. وقال الشعبي ما: 27097 - حدثني به يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: قال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم. وقال قتادة، ما: 27098 - حدثني به ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل بكفه، والمحروم: المتعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: للسائل والمحروم وهو سائل يسألك في كفه، وفقير متعفف لا يسأل الناس، ولكليهما عليك حق. وقوله: والذين يصدقون بيوم الدين يقول: وإلا الذين يقرون بالبعث يوم البعث والمجازاة. وقوله: والذين هم من عذاب ربهم مشفقون يقول: والذين هم في الدنيا من عذاب ربهم وجلون أن يعذبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضا، ولا يتعدون له حدا. وقوله: إن عذاب ربهم غير مأمون أن ينال من عصاه وخالف أمره. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون ئ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين ئ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *.
[ 104 ]
يقول تعالى ذكره: والذين هم لفروجهم حافظون يعني أقبالهم حافظون عن كل ما حرم الله عليهم وضعها فيه إلا أنهم غير ملومين في ترك حفظها على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم من إمائهم. وقيل: لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ولم يتقدم ذلك جحد لدلالة قوله: فإنهم غير ملومين على أن في الكلام معنى جحد، وذلك كقول القائل: اعمل ما بدا لك إلا على ارتكاب المعصية، فإنك معاقب عليه، ومعناه: اعمل ما بدا لك إلا أنك معاقب على ارتكاب المعصية. وقوله: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته، أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون، الذي عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم فهم الملومون. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون ئ والذين هم بشهاداتهم قائمون ئ والذين هم على صلاتهم يحافظون ئ أولئك في جنات مكرمون) *. يقول تعالى ذكره: وإلا الذين هم لامانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه وأمانات عباده التي ائتمنوا عليها، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه راعون، يرقبون ذلك، ويحفظونه فلا يضيعونه، ولكنهم يؤدونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها والذين هم بشهاداتهم قائمون يقول: والذين لا يكتمون ما استشهدوا عليه، ولكنهم يقومون بأدائها، حيث يلزمهم أداؤها غير مغيرة ولا مبدلة والذين هم على صلاتهم يحافظون يقول: والذين هم على مواقيت صلاتهم التي فرضها الله عليهم وحدودها التي أوجبها عليهم يحافظون، ولا يضيعون لها ميقاتا ولا حدا. وقوله: أولئك في جنات مكرمون يقول عز وجل: هؤلاء الذين يفعلون هذه الافعال في بساتين مكرمون يكرمهم الله بكرامته. القول في تأويل قوله تعالى: * (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ئ عن اليمين وعن الشمال عزين ئ أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ئ كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) *.
[ 105 ]
يقول تعالى ذكره: فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يا محمد مهطعين وقد بينا معنى الاهطاع، وما قال أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم يذكره هنالك. فقال قتادة فيه ما: 27099 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله فما للذين كفروا قبلك مهطعين يقول: عامدين. وقال ابن زيد فيه ما: 27100 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: فما للذين كفروا قبلك مهطعين قال: المهطع: الذي لا يطرف. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: معناه: مسرعين. وروي فيه عن الحسن ما: 27101 - حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: فما للذين كفروا قبلك مهطعين قال: منطلقين. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، مثله. وقوله: عن اليمين وعن الشمال عزين يقول: عن يمينك يا محمد، وعن شمالك متفرقين حلقا ومجالس، جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27102 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فما للذين كفروا قبلك مهطعين قال: قبلك ينظرون عن اليمين وعن الشمال عزين قال: العزين: العصب من الناس عن يمين وشمال، معرضين عنه، يستهزئون به. 27103 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عن اليمين وعن الشمال عزين قال: مجالس مجنبين. 27104 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فمما
[ 106 ]
للذين كفروا قبلك مهطعين يقول: عامدين عن اليمين وعن الشمال عزين: أي فرقا حول نبي الله (ص)، لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: عزين قال: العزين: الحلق المجالس. 27105 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عزين قال: حلقا ورفقاء. 27106 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عن اليمين وعن الشمال عزين قال: العزين: المجلس الذي فيه الثلاثة والاربعة، والمجالس الثلاثة والاربعة أولئك العزون. 27107 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا أبو الاحوص، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة يرفعه قال: مالي أراكم عزين والعزين: الحلق المتفرقة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا شقيق، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي (ص) خرج على أصحابه وهم حلق حلق، فقال: مالي أراكم عزين. 27108 - حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا الاعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة الطائي، عن جابر بن سمرة، قال: دخل علينا رسول الله (ص) ونحن متفرقون، فقال: مالكم عزين. * - حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر من سمرة، قال: جاء النبي (ص) إلى ناس من أصحابه وهم جلوس، فقال: مالي أراكم عزين حلقا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن المسيب بن
[ 107 ]
رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس، فقال: " مالي أراكم عزين حلقا ". * - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة الطائي، قال: ثنا جابر بن سمرة أن النبي (ص) خرج عليهم وهم حلق، فقال: مالي أراكم عزين يقول: حلقا، يعني قوله: عن اليمين وعن الشمال عزين. 27109 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: عن اليمين وعن الشمال عزين قال: عزين: متفرقين، يأخذون يمينا وشمالا، يقولون: ما قال هذا الرجل ؟ * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، مثله. وواحد العزين: عزوة، كما واحد الثبين ثبة، وواحد الكرين كرة. ومن العزين قول راعي الابل: أخليفة الرحمن إن عشيرتي * * أمسى سوائمهم عزين فلولا وقوله: أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم يقول: أيطمع كل امرئ من هؤلاء الذين كفروا قبلك مهطعين أن يدخله الله جنة نعيم: أي بساتين نعيم ينعم فيها. واختلف القراء في قراءة قوله: أن يدخل جنة نعيم فقرأت ذلك عامة قراء الامصار: يدخل بضم الياء على وجه ما لم يسم فاعله، غير الحسن وطلحة بن مصرف، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآنه بفتح الياء، بمعنى: أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار، وهي ضم الياء لاجماع الحجة من القراء عليه.
[ 108 ]
وقوله: كلا إنا خلقناهم مما يعلمون يقول عز وجل: ليس الامر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم. وقوله: إنا خلقناهم مما يعلمون يقول عز وجل: إنا خلقناهم من مني قذر، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة، لا بأنه مخلوق، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة. وقد: 27110 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنا خلقناهم مما يعلمون إنما خلقت من قذر يا ابن آدم، فاتق الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ئ على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ئ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) *. يقول تعالى ذكره: فلا أقسم برب مشارق الارض ومغاربها إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وما نحن بمسبوقين يقول تعالى ذكره: وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه، فيعجزنا هربا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27111 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا علية، قال: أخبرنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة، تطلع كل يوم في كوة، لا ترجع إلى تلك الكوة إلى ذلك اليوم من العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، تقول: رب لا تطلعني على عبادك، فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك أراهم، قال: أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت: حتى تجر وتجلد
[ 109 ]
قلت: يا مولاه وتجلد الشمس ؟ فقال: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الروي إلى الجلد. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عمارة، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله: رب المشارق والمغارب قال: إن الشمس تطلع من ثلاثمائة وستين مطلعا، تطلع كل يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، قال عكرمة: فقلت له: قد قال الشاعر: حتى تجر وتجلد قال: فقال ابن عباس: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الروي. * - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا عمارة، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن الشمس تطلع في ثلاثمائة وستين كوة، فإذا طلعت في كوة لم تطلع منها حتى العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة. 27112 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فلا أقسم برب المشارق والمغارب قال: هو مطلع الشمس ومغربها، ومطلع القمر ومغربه. وقوله: فذرهم يخوضوا ويلعبوا يقول لنبيه محمد (ص): فذر هؤلاء المشركين المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين، يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في هذه الدنيا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يقول: حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ئ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) *. وقوله: يوم يخرجون بيان وتوجيه عن اليوم الاول الذي في قوله: يومهم الذي يوعدون وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون من الاجداث وهي القبور: واحدها جدث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، كما: 27113 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يخرجون من الاجداث سراعا: أي من القبور سراعا.
[ 110 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقد بينا الجدث فيما مضى قبل بشواهده، وما قال أهل العلم فيه. وقوله: إلى نصب يوفضون يقول: كأنهم إلى علم قد نصب لهم يستبقون. وأجمعت قراء الامصار على فتح النون من قوله: نصب غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشئ أنصبه نصبا. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الانصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها. وأما قوله: يوفضون فإن الايفاض: هو الاسراع ومنه قول الشاعر: لانعتن نعامة ميفاضاخرجاء تغدو تطلب الاضاضا يقول: تطلب ملجأ تلجأ إليه والايفاض: السرعة وقال رؤبة: تمشي بنا الجد على أوفاض وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27114 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية كأنهم إلى نصب يوفضون قال: إلى علامات يستبقون. 27115 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: إلى علم يسعون. 27116 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوفضون قال: يستبقون. 27117 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: إلى علم يسعون.
[ 111 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: إلى علم يوفضون، قال: يسعون. 27118 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت أبا عمر يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: إلى غاية يستبقون. 27119 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إلى نصب يوفضون إلى علم ينطلقون. 27120 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان إلى نصب يوفضون قال: إلى علم يستبقون. 27121 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: النصب: حجارة كانوا يعبدونها، حجارة طوال يقال لها نصب. وفي قوله يوفضون قال: يسرعون إليه كما يسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد: والانصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها، كان أحدهم يحمله معه، فإذا رأى أحسن منه أخذه، وألقى هذا، فقال له: كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. 27122 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مرة، عن الحسن، في قوله: كأنهم إلى نصب يوفضون قال: يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أول. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، مثله. وقوله: خاشعة أبصارهم يقول: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان ترهقهم ذلة يقول: تغشاهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون يقول عز وجل: هذا اليوم الذي وصفت صفته، وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدون في الدنيا أنهم لاقوه في الآخرة، كانوا يكذبون به. 27123 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذلك اليوم يوم القيامة الذي كانوا يوعدون. آخر تفسر سورة سأل سائل
[ 112 ]
سورة نوح (71) سورة نوح مكية وآياتها ثمان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إنآ أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ئ قال يقوم إني لكم نذير مبين ئ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ئ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) *. يقول تعالى ذكره: إنا أرسلنا نوحا وهو نوح بن لمك إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم يقول: أرسلناه إليهم بأن أنذر قومك فأن في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، وفي موضع خفض في قول بعضهم. وقد بينت العلل لكل فريق منهم، والصواب عندنا من القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وهي في قراءة عبد الله فيما ذكر: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أنذر قومك بغير أن، وجاز ذلك لان الارسال بمعنى القول، فكأنه قيل: قلنا لنوح: أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم وذلك العذاب الاليم هو الطوفان الذي غرقهم الله به. وقوله: قال يا قوم إني لكم نذير مبين يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه: يا قوم إني لكم نذير مبين، أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم به مبين يقول: قد أبنت لكم إنذاري إياكم.
[ 113 ]
وقوله: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إني لكم نذير مبين بأن اعبدوا الله، يقول: إني لكم نذير أنذركم، وآمركم بعبادة الله واتقوه يقول: واتقوا عقابه بالايمان به، والعمل بطاعته وأطيعون يقول: وانتهوا إلى ما آمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم. وقد: 27124 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون قال: أرسل الله المرسلين بأن يعبد الله وحده، وأن تتقي محارمه، وأن يطاع أمره. وقوله: يغفر لكم من ذنوبكم يقول: يغفر لكم ذنوبكم. فإن قال قائل: أو ليست من دالة على البعض ؟ قيل: إن لها معنيين وموضعين، فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصلح فيه غيرها. وإذا كان ذلك كذلك لم تدل إلا على البعض، وذلك كقولك: اشتريت من مماليكك، فلا يصلح في هذا الموضع غيرها، ومعناها: البعض، اشتريت بعض مماليكك، ومن مماليكك مملوكا. والموضع الآخر: هو الذي يصلح فيه مكانها عن فإذا، صلحت مكانها عن دلت على الجميع، وذلك كقولك: وجع بطني من طعام طعمته، فإن معنى ذلك: أوجع بطني طعام طعمته، وتصلح مكان من عن، وذلك أنك تضع موضعها عن، فيصلح الكلام فتقول: وجع بطني عن طعام طعمته، ومن طعام طعمته، فكذلك قوله: يغفر لكم من ذنوبكم إنما هو: ويصفح لكم، ويعفو لكم عنها وقد يحتمل أن يكون معناها يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه. فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدم عفوه لكم عنها. وقوله: ويؤخركم إلى أجل مسمى يقول: ويؤخر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب، لا بغرق ولا غيره إلى أجل مسمى يقول إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه، في أم الكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27125 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: إلى أجل مسمى قال: ما قد خط من الاجل، فإذا جاء أجل الله لا يؤخر. وقوله: إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون يقول تعالى ذكره: إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أم الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته، فينظر بعده لو
[ 114 ]
كنتم تعلمون يقول: لو علمتم أن ذلك كذلك، لانبتم إلى طاعة ربكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ئ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ئ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) *. يقول تعالى ذكره: قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه، أو أنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه، وردوا عليه ما أتاهم به من عنده: رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا إلى توحيدك وعبادتك، وحذرتهم بأسك وسطوتك، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا يقول: فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحق الذي أرسلتني به لهم إلا فرارا يقول: إلا إدبارا عنه وهربا منه وأعراضا عنه. وقد: 27126 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فلم يزدهم دعائي إلا فرارا قال: بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح، فيقول لابنه: احذر هذا لا يغوينك، فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك، فحذرني كما حذرتك. وقوله: وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم يقول وجل عز: وإني كلما دعوتهم إلى الاقرار بوحدانيتك، والعمل بطاعتك، والبراءة من عبادة كل ما سواك، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك واستغشوا ثيابهم يقول: وتغشوا في ثيابهم، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27127 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام.
[ 115 ]
وقوله: وأصروا يقول: وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27128 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأصروا قال: الاصرار إقامتهم على الشر والكفر. وقوله: واستكبروا استكبارا يقول: وتكبروا فتعاظموا عن الاذعان للحق، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم إني دعوتهم جهارا ئ ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ئ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ئ يرسل السماء عليكم مدرارا) *. يقول: ثم إني دعوتهم إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه جهارا ظاهرا في غير خفاء، كما: 27129 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ثم إني دعوتهم جهارا قال: الجهار الكلام المعلن به. وقوله: ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا يقول: صرخت لهم، وصحت بالذي أمرتني به من الانذار، كما: 27130 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأعلنت لهم قال: صحت. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد أعلنت لهم يقول: صحت بهم. وقوله: وأسررت لهم إسرارا يقول: وأسررت لهم ذلك فيما بيني وبينهم في خفاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27131 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى و حدثني
[ 116 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأسررت لهم إسرارا قال: فيما بيني وبينهم. وقوله: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يقول: فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة ووحدوه، وأخلصوا له العبادة، يغفر لكم، إنه كان غفارا لذنوب من أناب إليه، وتاب إليه من ذنوبه. وقوله: يرسل السماء عليكم مدرارا يقول: يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث، فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا. وقد: 27132 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن الشعبي، قال: خرج عمر بن الخطاب يستسقي، فما زاد على الاستغفار، ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا، وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ: ويزدكم قوة إلى قوتكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ئ ما لكم لا ترجون لله وقارا ئ وقد خلقكم أطوارا) *. وقوله: ويمددكم بأموال وبنين يقول: ويعطكم مع ذلك ربكم أموالا وبنين، فيكثرها عندكم ويزيد فيما عندكم منها ويجعل لكم جنات يقول: يرزقكم بساتين ويجعل لكم أنهارا تسقون منها جناتكم ومزارعكم وقال ذلك لهم نوح، لانهم كانوا فيما ذكر قوم يحبون الاموال والاولاد. ذكر من قال ذلك: 27133 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم إني دعوتهم جهارا... إلى قوله: ويجعل لكم أنهارا قال: رأى نوح قوما تجزعت أعناقهم حرصا على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة.
[ 117 ]
وقوله: ما لكم لا ترجون لله وقارا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: ما لكم لا ترون لله عظمة. ذكر من قال ذلك: 27134 - حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ما لكم لا ترجون لله وقارا يقول: عظمة. 27135 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: لا ترون لله عظمة. 27136 - حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، مثله. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح وقيس، عن مجاهد، في قوله: لا ترجون لله وقارا قال: لا تبالون لله عظمة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمرو بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: كانوا لا يبالون عظمة الله. 27137 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا ترجون لله وقارا يقول: عظمة. 27138 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: لا تبالون عظمة ربكم قال: والرجاء: الطمع والمخافة. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تعظمون الله حق عظمته. ذكر من قال ذلك: 27139 - حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وقال آخرون: ما لكم لا تعلمون لله عظمة. ذكر من قال ذلك: 27140 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ما لكم لا ترجون لله وقارا يقول: ما لكم لا تعلمون لله عظمة. وقال آخرون: بل معنى ذلك ما لكم لا ترجون لله عاقبة. ذكر من قال ذلك:
[ 118 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما لكم لا ترجون لله وقارا أي عاقبة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: لا ترجون لله عاقبة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لكم لا ترجون لله طاعة. ذكر من قال ذلك: 27142 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ما لكم لا ترجون لله وقارا قال: الوقار: الطاعة. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ما لكم لا تخافون لله عظمة، وذلك أن الرجاء قد تضعه العرب إذا صحبه الجحد في موضع الخوف، كما قال أبو ذؤيب: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * * وخالفها في بيت نوب عواسل يعني بقوله: لم يرج: لم يخف. وقوله: وقد خلقكم أطوارا يقول: وقد خلقكم حالا بعد حال، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27143 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وقد خلقكم أطوارا يقول: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة. 27144 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقد خلقكم أطوارا قال: من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم ما ذكر حتى يتم خلقه. 27145 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقد خلقكم أطوارا طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت به الشعر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
[ 119 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وقد خلقكم أطوارا قال: نطفة، ثم علقة، ثم خلقا طورا بعد طور. 27146 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خلقكم أطوارا يقول: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. 27147 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقد خلقكم أطوارا قال: طورا النطفة، ثم طورا أمشاجا حين يمشج النطفة الدم، ثم يغلب الدم على النطفة، فتكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاما، ثم تكسي العظام لحما. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وقد خلقكم أطوارا قال: نطفة، ثم علقة، شيئا بعد شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ئ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ئ والله أنبتكم من الارض نباتا ئ ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح صلوات الله وسلامه عليه، لقومه المشركين بربهم، محتجا عليهم بحجج الله في وحدانيته: ألم تروا أيها القوم فتعتبروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا بعضها فوق بعض والطباق: مصدر من قولهم: طابقت مطابقة وطباقا. وإنما عني بذلك: كيف خلق الله سبع سموات، سماء فوق سماء مطابقة. وقوله: وجعل القمر فيهن نورا يقول: وجعل القمر في السموات السبع نورا وجعل الشمس فيهن سراجا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27148 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القممر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: إن ضوء الشمس والقمر نورهما في السماء، اقرءوا إن شئتم: ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا... إلى آخر الآية.
[ 120 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن الشمس والقمر وجوههما قبل السموات، وأقفيتهما قبل الارض، وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله: وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا. 27149 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وجعل القمر فيهن نورا يقول: خلق القمر يوم خلق سبع سموات. وكان بعض أهل العربية من هل البصرة يقول: إنما قيل وجعل القمر فيهن نورا على المجاز، كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم والله أنبتكم من الارض نباتا يقول: والله أنشأكم من تراب الارض، فخلقكم منه إنشاء ثم يعيدكم فيها يقول: ثم يعيدكم في الارض كما كنتم ترابا فيصيركم كما كنتم من قبل أن يخلقكم ويخرجكم إخراجا يقول ويخرجكم منها إذا شاء أحياء كما كنتم بشرا من قبل أن يعيدكم فيها، فيصيركم ترابا إخراجا. القول في تأويل قوله تعالى: * (والله جعل لكم الارض بساطا ئ لتسلكوا منها سبلا فجاجا ئ قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ئ ومكروا مكرا كبارا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه، مذكرهم نعم ربه: والله جعل لكم الارض بساطا تستقرون عليها وتمتهدونها. وقوله: لتسلكوا منها سبلا فجاجا يقول: لتسلكوا منها طرقا صعابا متفرقة والفجاج: جمع فج، وهو الطريق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27150 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال: طرقا وأعلاما. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال طرقا.
[ 121 ]
27151 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لتسلكوا منها سبلا فجاجا يقول: طرقا مختلفة. وقوله: قال نوح رب إنهم عصوني فخالفوا أمري، وردوا علي ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا يقول: واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك، ممن كثر ماله وولده، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا، بعدا من الله، وذهابا عن محجة الطريق. واختلفت القراء في قراءة قوله: وولده فقرأته عامة قراء المدينة: وولده بفتح الواو واللام، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بضم الواو وسكون اللام، وكذلك كل ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن. وقرأ أبو عمرو كل ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح، فإنه كان يضم الواو منه. والصواب من القول عندنا في ذلك، إن كل هذه القراءات قراءات معروفات، متقاربات المعاني، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ومكروا مكرا كبارا يقول: ومكروا مكرا عظيما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27152 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كبارا قال: عظيما. 27153 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومكروا مكرا كبارا كثيرا، كهيئة قوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا. والكبار: هو الكبير، كما قال ابن زيد، تقول العرب: أمر عجيب وعجاب بالتخفيف، وعجاب بالتشديد ورجل حسان وحسان، وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد، وكذلك كبير وكبار بالتخفيف والتشديد. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 122 ]
* (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ئ وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن إخبار نوح، عن قومه: وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا. كان هؤلاء نفرا من بني آدم فيما ذكر عن آلهة القوم التي كانوا يعبدونها. وكان من خبرهم فيما بلغنا ما: 27154 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس ويعوق ونسرا قال: كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم. 27155 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الاسلام. وقال آخرون: هذه أسماء أصنام قوم نوح. ذكر من قال ذلك: 27156 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال: كان ود لهذا الحي من كلب بدومة الجندل، وكانت سواع لهذيل برياط، وكان يغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ، وكان يعوق لهمدان ببلخع، وكان نسر لذي كلاع من حمير قال: وكانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح، ثم اتخذها العرب بعد ذلك. والله ما عدا خشبة أو طينة أو حجرا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال: كانت آلهة يعبدها قوم نوح، ثم عبد تها العرب بعد ذلك، قال: فكان ود لكلب بدومة الجندل، وكان سواع لهذيل، وكان يغوث لبني غطيف من مراد بالجرف، وكان يعوق لهمدان، وكان نسر لذي الكلاع من حمير.
[ 123 ]
27157 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال: هذه أصنام كانت تعبد في زمان نوح. 27158 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا يغوث ويعوق ونسرا قال: هذه أصنام، وكانت تعبد في زمان نوح. 27159 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا يغوث ويعوق ونسرا هي آلهة كانت تكون باليمن. 27160 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا يغوث ويعوق ونسرا قال: هذه آلهتهم التي يعبدون. واختلفت القراء في قراءة قوله ودا فقرأته عامة قراء المدينة: ودا بضم الواو. وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة: ودا بفتح الواو. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان في قراء الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وقد أضلوا كثيرا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح: وقد ضل بعبادة هذه الاصنام التي أحدثت على صور هؤلاء النفر المسمين في هذا الموضع كثير من الناس فنسب الضلال إذ ضل بها عابدوها إلى أنها المضلة. وقوله: ولا تزد الظالمين إلا ضلالا يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلا ضلالا، إلا طبعا على قلبه، حتى لا يهتدي للحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ئ وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: مما خطيئاتهم من خطيئاتهم أغرقوا. والعرب تجعل ما صلة فيما نوى به مذهب الجزاء، كما يقال: أينما تكن أكن، وحيثما تجلس أجلس، ومعنى الكلام: من خطيئاتهم أغرقوا. وكان ابن زيد يقول في ذلك. ما:
[ 124 ]
27161 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مما خطيئاتهم قال: فبخطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا، وكانت الباء ههنا فصلا في كلام العرب. 27162 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: مما خطيئاتهم أغرقوا قال: بخطيئاتهم أغرقوا. واختلفت القراء في قراءة قوله: مما خطيئاتهم فقرأته عامة قراء الامصار غير أبي عمرو مما خطيئاتهم بالهمز والتاء، وقرأ ذلك أبو عمرو: مما خطاياهم بالالف بغير همز. والقول عندنا أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب. وقوله: فأدخلوا نارا جهنم فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا تقتص لهم ممن فعل ذلك بهم، ولا تحول بينهم وبين ما فعل بهم. وقوله: وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ويعني بالديار من يدور في الارض، فيذهب ويجئ فيها وهو فيعال من الدوران ديوارا، اجتمعت الياء والواو، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة، وأدغمت الواو فيها، وصيرتا ياء مشددة، كما قيل: الحي القيام من قمت، وإنما هو قيوام: والعرب تقول: ما بها ديار ولا عريب، ولا دوي، ولا صافر، ولا نافخ ضرمة، يعني بذلك كله: ما بها أحد. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ئ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح في دعائه إياه على قومه: إنك يا رب إن تذر الكافرين أحياء على الارض، ولم تهلكهم بعذاب من عندك يضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك، فيصدوهم عن سبيلك، ولا يلدوا إلا فاجرا في دينك كفارا لنعمتك. وذكر أن قيل نوح هذا القول ودعاءه هذا الدعاء، كان بعد أن أوحي إليه ربه: أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. ذكر من قال ذلك:
[ 125 ]
27163 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ثم دعاه دعوة عامة فقال: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات... إلى قوله: تبارا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ثم ذكره نحوه. وقوله: رب اغفر لي ولوالدي يقول: رب اعف عني، واستر علي ذنوبي وعلى والدي ولمن دخل بيتي مؤمنا يقول: ولمن دخل مسجدي ومصلاي مصليا مؤمنا، يقول: مصدقا بواجب فرضك عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27164 - حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك ولمن دخل بيتي مؤمنا قال: مسجدي. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سلمة، عن أبي سنان سعيد، عن الضحاك مثله. وقوله: وللمؤمنين والمؤمنات يقول: وللمصدقين بتوحيدك والمصدقات. وقوله: ولا تزد الظالمين إلا تبارا يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27165 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إلا تبارا قال: خسارا.
[ 126 ]
وقد بينت معنى قول القائل: تبرت، فيما مضى بشواهده، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. 27166 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر: ثنا الاعمش، عن مجاهد، قال: كانوا يضربون نوحا حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. آخر تفسير سورة نوح صلى الله عليه وسلم
[ 127 ]
سورة الجن (72) سورة الجن مكية وآياتها ثمان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ئ يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنآ أحدا ئ وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل يا محمد أوحى الله إلي أنه استمع نفر من الجن هذا القرآن فقالوا لقومهم لما سمعوه إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد يقول: يدل على الحق وسبيل الصواب فآمنا به يقول: فصدقناه ولن نشرك بربنا أحدا من خلقه. وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجن القرآن، كما: 27167 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام، يعني المخزومي، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما قرأ رسول الله (ص) على الجن ولا رآهم انطلق رسول الله (ص) في نفر من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، قال: وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم ؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شئ حدث، قال: فانطلقوا فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الارض ومغاربها، يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر المساء قال: فانطلق النفر
[ 128 ]
الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله (ص) بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا قال: فأنزل الله على نبيه (ص): قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن وإنما أوحي إليه قول الجن. 27168 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن ورقاء، قال: قدم رهط زوبعة وأصحابه مكة على النبي (ص)، فسمعوا قراءة النبي (ص)، ثم انصرفوا، فذلك قوله: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا قال: كانوا تسعة فيهم زوبعة. 27169 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن هو قول الله وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن لم تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث الله محمدا (ص) حرست السماء الدنيا، ورميت الشياطين بالشهب، فقال إبليس: لقد حدث في الارض حدث، فأمر الجن فتفرقت في الارض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أول من بعث نفر من أهل نصيبين وهي أرض باليمن، وهم أشراف الجن وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن، فمضى أولئك النفر، فأتوا على الوادي وادي نخلة، وهو من الوادي مسيرة ليلتين، فوجدوا به نبي الله (ص) يصلي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن فلما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما قضي، يعني فرغ من الصلاة، ولوا إلى قومهم منذرين، يعني مؤمنين، لم يعلم بهم نبي الله (ص)، ولم يشعر أنه صرف إليه، حتى أنزل الله عليه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن. وقوله: وأنه تعالى جد ربنا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقدرته. ذكر من قال ذلك:
[ 129 ]
27170 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وأنه تعالى جد ربنا يقول: فعله وأمره وقدرته. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وأنه تعالى جد ربنا يقول: تعالى أمر ربنا. 27171 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة في هذه الآية: تعالى جد ربنا قال: أمر ربنا. 27172 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي: تعالى جد ربنا قال: أمر ربنا. 27173 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا قال: تعالى أمره أن يتخذ ولا يكون الذي قالوا: صاحبة ولا ولدا، وقرأ: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قال: لا يكون ذلك منه. وقال آخرون: عني بذلك جلال ربنا وذكره. ذكر من قال ذلك: 27174 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال عكرمة، في قوله: جد ربنا قال: جلال ربنا. 27175 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثني خالد بن يزيد، قال: ثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد، في قوله: وأنه تعالى جد ربنا قال: جلال ربنا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التيمي قال: قال عكرمة: تعالى جد ربنا جلال ربنا. 27176 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنه تعالى جد ربنا: أي تعالى جلاله وعظمته وأمره. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى جد ربنا قال: تعالى: أمر ربنا تعالت عظمته.
[ 130 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعالى غنى ربنا. ذكر من قال ذلك: 27177 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: قال الحسن، في قوله تعالى: جد ربنا قال: غنى ربنا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن الحسن تعالى جد ربنا قال: غنى ربنا. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: تعالى جد ربنا قال: غنى ربنا. * - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن الحسن وعكرمة، في قول الله: وأنه تعالى جد ربنا قال أحدهما: غناه، وقال الآخر: عظمته. وقال آخرون: عني بذلك الجد الذي هو أبو الاب، قالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجن. ذكر من قال ذلك: 27178 - حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبي سارة، عن أبيه، عن أبي جعفر: تعالى جد ربنا قال: كان كلاما من جهلة الجن. وقال آخرون: عني بذلك: ذكره. ذكر من قال ذلك: 27179 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: تعالى جد ربنا قال: ذكره. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: عني بذلك: تعالت عظمة ربنا وقدرته وسطانه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لان للجد في كلام العرب معنيين: أحدهما الجد الذي هو أبو الاب، أو أبو الام، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة، وذلك أنهم قد قالوا: فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ومن وصف الله بأن له ولدا أو جدا أو هو أبو أب أو أبو أم، فلا شك أنه من المشركين. والمعنى الآخر: الجد الذي بمعنى الحظ يقال: فلان ذو جد في هذا الامر: إذا كان له حظ فيه، وهو الذي يقال له بالفارسية البخت، وهذا المعنى الذي قصده هؤلاء النفر من الجن بقيلهم: وأنه تعالى
[ 131 ]
جد ربنا إن شاء الله. وإنما عنوا أن حظوته من الملك والسلطان والقدرة والعظمة عالية، فلا يكون له صاحبة ولا ولد، لان الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطره الشهوة الباعثة إلى اتخاذها، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الذي يحدث منه الولد، فقال النفر من الجن: علا ملك ربنا وسلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو وقاع شئ يكون منه ولد. وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك إخبار الله عنهم أنهم إنما نزهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد بقوله: وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا يقال منه: رجل جدي وجديد ومجدود: أي ذو حظ فيما هو فيه ومنه قول حاتم الطائي: أغزوا بني ثعل فالغزو جدكم عدوا الروابي ولا تبكوا لمن قتلا وقال آخر: يرفع جدك إني امرو * * سقتني إليك الاعادي سجالا وقوله: ما اتخذ صاحبة يعني زوجة ولا ولدا. واختلفت القراء في قراءة قوله وأنه تعالى فقرأه أبو جعفر القارئ وستة أحرف أخر بالفتح، منها: إنه استمع نفر وأن المساجد لله وأنه كان يقول سفيهنا وأنه كان رجال من الانس وأنه لما قام عبد الله يدعوه وأن لو استقاموا على الطريقة وكان نافع يكسرها إلا ثلاثة أحرف: أحدها: قل أوحي إلي أنه استمع نفر والثانية وأن لو استقاموا، والثالثة وأن المساجد لله. وأما قراء الكوفة غير عاصم، فإنهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النجم وأول سورة الجن إلا قوله فقالوا إنا سمعنا، وقوله: قال إنما أدعو ربي وما بعده إلى آخر السورة، وأنهم يكسرون ذلك غير قوله: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وأما عاصم فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأن المساجد لله فإنه كان يفتحها، وأما أبو عمرو، فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة فإنه كان يفتح هذه وما بعدها فأما الذين فتحوا جميعها إلا في موضع القول،
[ 132 ]
كقوله: فقالوا إنا سمعنا وقوله: قال إنما أدعو ربي ونحو ذلك، فإنهم عطفوا أن في كل السورة على قوله فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحوها بوقوع الايمان عليها. وكان الفراء يقول: لا يمنعنك أن تجد الايمان يقبح في بعض ذلك من الفتح، وأن الذي يقبح مع ظهور الايمان قد يحسن فيه فعل مضارع للايمان، فوجب فتح أن كما قالت العرب: إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا فنصب العيون لاتباعها الحواجب، وهي لا تزجج، وإنما تكحل، فأضمر لها الكحل، كذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنا صدقنا وآمنا وشهدنا. قال: وبقول النصب قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة فينبغي لمن كسر أن يحذف أن من لو لان أن إذا خففت لم تكن حكاية. ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل أن. وأما الذين كسروها كلهم وهم في ذلك يقولون: وأن لو استقاموا فكأنهم أضمروا يمينا مع لو وقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا قال: والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر: فأقسم لو شئ أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا قالوا: وأنشدنا آخر: أما والله أن لو كنت حرا * وما بالحر أنت ولا العتيق وأدخل أن من كسرها كلها، ونصب وأن المساجد لله فإنه خص ذلك بالوحي، وجعل وأن لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت. وأما نافع فإن ما فتح من ذلك فإنه رده على قوله: أوحي إلي وما كسره فإنه جعله من قول الجن. وأحب ذلك إلي أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيا، والكسر فيما كان من قول الجن، لان ذلك أفصحها في العربية،
[ 133 ]
وأبينها في المعنى، وإن كان للقراءات الاخر وجوه غير مدفوعة صحتها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ئ وأنا ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا ئ وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) *. يقول عزوجل مخبرا عن قيل النفر من الجن الذين استمعوا القرآن أنه كان يقول سفيهنا وهو إبليس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27180 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وهو إبليس. 27181 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من المكيين، عن مجاهد سفيهنا على الله شططا قال: إبليس: ثم قال سفيان: سمعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فعصى، فله النار، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة. 27182 - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا فقال: عصاه والله سفيه الجن، كما عصاه سفيه الانس. وأما الشطط من القول، فإنه ما كان تعديا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27183 - حدثني يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا قال: ظلما. وقوله: وأنا ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذبا من القول والظن ههنا بمعنى الشك، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحدا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن، لانهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدا، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبوا أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف
[ 134 ]
الكفر فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كل ذلك، فلذلك قالوا: وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا فسموه سفيها. وقوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الانس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم. وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا، كالذي: 27184 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال: كان رجال من الانس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما. 27185 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به، قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه. 27186 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لانفسنا ضرا ولا نفعا. * - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال: كانوا في الجاهلة إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون: تتعوذون بنا ولا نملك لانفسنا ضرا ولا نفعا 27187 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يعوذون برجال من الجن قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي. 27188 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا نزلوا
[ 135 ]
بواد قالوا: نعوذ بأعز أهل هذا المكان قال الله: فزادوهم رهقا: أي إثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يعوذون برجال من الجن كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا يقولون: نعوذ بأعز أهل هذا المكان. 27189 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال: كانوا يقولون: فلان من الجن رب هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله، قال: فيزيده بذلك رهقا، وهو الفرق. 27190 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا قال: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الاسلام قال: إن أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الاسلام عاذوا بالله وتركوهم. وقوله: فزادوهم رهقا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الانس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما. ذكر من قال ذلك: 27191 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فزادوهم رهقا فزادهم ذلك إثما. 27192 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: قال الله: فزادوهم رهقا: أي إثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فزادوهم رهقا يقول: خطيئة. 27193 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم فزادوهم رهقا قال: فيزدادون عليهم جراءة. * - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم فزادوهم رهقا قال: ازدادوا عليهم جراءة.
[ 136 ]
وقال آخرون: بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا. ذكر من قال ذلك: 27194 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله فزادوهم رهقا قال: زاد الكفار طغيانا. وقال آخرون: بل عني بذلك فزادوهم فرقا. ذكر من قال ذلك: 27195 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس فزادوهم رهقا قال: فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفرق. 27196 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فزادوهم رهقا قال: زادهم الجن خوفا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فزاد الانس الجن بفعلهم ذلك إثما، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله. والرهق في كلام العرب: الاثم وغشيان المحارم ومنه قول الاعشى: لا شئ ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا يقول: ما لم يغش محرما. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ئ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا يعني أن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من الانس أن لن يبعث الله أحدا رسولا إلى خلقه، يدعوهم إلى توحيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27197 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن الكلبي وأنهم ظنوا كما ظننتم: ظن كفار الجن كما ظن كفرة الانس أن لن يبعث الله رسولا.
[ 137 ]
وقوله: وإنا لمسنا السماء يقول عزوجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها، فوجدناها ملئت يقول: فوجدناها ملئت حرسا شديدا يعني حفظة وشهبا، وهي جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت ترجم بها الشياطين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، قال: كانت الجن تستمع، فلما رجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشئ حدث في الارض قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي (ص) خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم منذرين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ئ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا) *. يقول عزوجل: وإنا كنا معشر الجن نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها، فمن يستمع الآن فيها منا يجد له شهابا رصدا يعني: شهاب نار قد رصد له به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27199 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وأنا لمسنا السماء... إلى قوله: فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا كانت الجن تسمع سمع السماء فلما بعث الله نبيه، حرست السماء، ومنعوا ذلك، فتفقدت الجن ذلك من أنفسها. وذكر لنا أن أشراف الجن كانوا بنصيبين، فطلبوا ذلك، وضربوا له حتى سقطوا على نبي الله (ص) وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عكاظ. 27200 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا وشهبا... حتى بلغ فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا: منع منا السمع، فقال لهم: إن السماء لم تحرس قط إلا على أحد أمرين: إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الارض
[ 138 ]
بغتة، وإما نبي مرشد مصلح قال: فذلك قول الله: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا. وقوله: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن: وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينزله بأهل الارض، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب أم أراد بهم ربهم رشدا يقول: أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحق. وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل. وذكر عن الكلبي في ذلك ما: 27201 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن الكلبي في قوله: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم. وإنما قلنا القول الاول لان قوله: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض عقيب قوله: وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع... الآية، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ئ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا ئ وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: وأنا منا الصالحون وهم المسلمون العاملون بطاعة الله ومنا دون ذلك يقول: ومنا دون الصالحين كنا طرائق قددا يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة، وفرقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقدد: جمع قدة، وهي الضروب والاجناس المختلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27202 - حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: طرائق قددا يقول: أهواء مختلفة. 27203 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 139 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا يقول: أهواء شتى، منا المسلم، ومنا المشرك. 27204 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: كنا طرائق قددا كان القوم على أهواء شتى. * حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة طرائق قددا قال: أهواء. 27205 - حدثني ابن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: كنا طرائق قددا قال: مسلمين وكافرين. 27206 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان كنا طرائق قددا قال: شتى، مؤمن وكافر. 27207 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كنا طرائق قددا قال: صالح وكافر وقرأ قول الله: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك. وقوله: وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الارض يقول: وأنا علمنا أن لن نعجز الله في الارض إن أراد بنا سوءا ولن نعجزه هربا إن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا. وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به، يقول: صدقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله، فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا يقول: فمن يصدق بربه فلا يخاف بخسا: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازي عليها ولا رهقا: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة يعملها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27208 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا يقول: لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته.
[ 140 ]
* حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله فلا يخاف بخسا ولا رهقا يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شئ. 27209 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلا يخاف بخسا: أي ظلما، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئا، أو يحمل عليه ذنب غيره ولا رهقا ولا مأثما. 27210 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئا، ولا رهقا فيظلم ولا يعطى شيئا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ئ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: وأنا منا المسلمون الذين قد خضعوا لله بالطاعة ومنا القاسطون وهم الجائرون عن الاسلام وقصد السبيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27211 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون قال: العادلون عن الحق. 27212 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: القاسطون قال: الظالمون. 27213 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: القاسطون الجائرون. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: القاسطون قال: الجائرون.
[ 141 ]
27214 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المقسط: العادل، والقاسط: الجائر وذكر بيت شعر: قسطنا على الاملاك في عهد تبع * ومن قبل ما أدري النفوس عقابها وقال: وهذا مثل الترب والمترب قال: والترب: المسكين، وقرأ: أو مسكينا ذا متربة قال: والمترب: الغني. وقوله: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا يقول: فمن أسلم وخضع لله بالطاعة، فأولئك تعمدوا وترجوا رشدا في دينهم. وأما القاسطون يقول: الجائرون عن الاسلام، فكانوا لجهنم حطبا توقد بهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا ئ لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) *. يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحق والاستقامة لاسقيناهم ماء غدقا يقول: لو سعنا عليهم في الرزق، وبسطناهم في الدنيا لنفتنهم فيه، يقول لنختبرهم فيه. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 27215 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا يعني بالاستقامة: الطاعة. فأما الغدق فالماء الطاهر الكثير لنفتنهم فيه يقول: لنبتليهم به. 27216 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد وأن لو استقاموا على الطريقة طريقة الاسلام لاسقيناهم ماء غدقا قال: نافعا كثيرا، لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه حتى يرجعوا لما كتب عليهم من الشقاء.
[ 142 ]
* حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد مثله. * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد وأن لو استقاموا على الطريقة قال: طريقة الحق لاسقيناهم ماء غدقا يقول مالا كثيرا لنفتنهم فيه قال: لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء. * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، عن أبيه، مثله. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد وأن لو استقاموا على الطريقة قال: الاسلام لاسقيناهم ماء غدقا قال الكثير لنفتنهم فيه قال: لنبتليهم به. قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن غير واحد، عن مجاهد ماء غدقا قال الماء. والغدق: الكثير لنفتنهم فيه حتى يرجعوا إلى علمي فيهم. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لاسقيناهم ماء غدقا قال: لاعطيناهم مالا كثيرا، قوله: لنفتنهم فيه قال: لنبتليهم. 27217 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن بعض أصحابه، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير في قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة قال: الدين لاسقيناهم ماء غدقا قال: مالا كثيرا لنفتنهم فيه يقول: لنبتليهم به. 27218 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا قال: لو آمنوا كلهم لاوسعنا عليهم من الدنيا. قال الله: لنفتنهم فيه يقول: لنبتليهم بها. * حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لاسقيناهم ماء غدقا قال: لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق لنفتنهم فيه قال: لنبتليهم فيه. 27219 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ماء غدقا قال: عيشا رغدا.
[ 143 ]
27220 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا قال: الغدق الكثير: مال كثير لنفتنهم فيه لنختبرهم فيه. 27221 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا المطلب بن زياد، عن التيمي، قال: قال عمر رضي الله عنه في قوله: وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا قال: أينما كان الماء كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على الضلاة لاعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها. ذكر من قال ذلك: 27222 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على طريقة الحق وآمنوا لوسعنا عليهم. ذكر من قال ذلك: 27223 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله وأن لو استقاموا على الطريقة قال: هذا مثل ضربه الله كقوله: ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض والماء الغدق يعني: الماء الكثير لنفتنهم فيه لنبتليهم فيه. وقوله: ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا يقول عز وجل: ومن يعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به، وهو هذا القرآن ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله، يسلكه الله عذابا صعدا: يقول: يسلكه الله عذابا شديدا شاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27224 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا يقول: مشقة من العذاب يصعد فيها.
[ 144 ]
27225 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عذابا صعدا قال: مشقة من العذاب. * حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، مثله. 27226 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس عذابا صعدا قال: جبل في جهنم. 27227 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يسلكه عذابا صعدا عذابا لا راحة فيه. * حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عذابا صعدا قال: صعودا من عذاب الله لا راحة فيه. 27228 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يسلكه عذابا صعدا قال: الصعد: العذاب المنصب. واختلفت القراء في قراءة قوله: يسلكه فقرأه بعض قراء مكة والبصرة: نسلكه بالنون اعتبارا بقوله: لنفتنهم أنها بالنون. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالياء، بمعنى: يسلكه الله، ردا على الرب في قوله: ومن يعرض عن ذكر ربه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ئ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن وأن المساجد لله فلا تدعوا أيها الناس مع الله أحدا ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27229 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأن
[ 145 ]
المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده. 27230 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن محمود، عن سعيد بن جبير وأن المساجد لله قال: قالت الجن لنبي الله: كيف لنا نأتي المسجد، ونحن ناؤون عنك، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟ فنزلت: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد. 27231 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة وأن المساجد لله قال: المساجد كلها. وقوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا يقول: وأنه لما قام محمد رسول الله (ص) يدعو الله يقول: لا إله إلا الله كادوا يكونون عليه لبدا يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض واحدها: لبدة، وفيها لغتان: كسر اللام لبدة، ومن كسرها جمعها لبد وضم اللام لبدة، ومن ضمها جمعها لبد بضم اللام، أو لابد ومن جمع لابد قال: لبدا، مثل راكع وركعا، وقراء الامصار على كسر اللام من لبد، غير ابن محيصن فإنه كان يصمها، وهما بمعنى واحد غير أن القراءة التي عليها قراء الامصار أحب إلي، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضا لبدة ومنه قول عبد مناف بن ربعي الهذلي: صابوا بستة أبيات وأربعة * * حتى كأن عليهم جابيا لبدا والجابي: الجراد الذي يجبي كل شئ يأكله.
[ 146 ]
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: كادوا يكونون عليه لبدا فقال بعضهم: عني بذلك الجن أنهم كادوا يركبون رسول الله (ص) لما سمعوا القرآن. ذكر من قال ذلك: 27232 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا يقول: لما سمعوا النبي (ص) يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول، فجعل يقرئه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن. 27233 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كادوا يكونون عليه لبدا كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن. قال أبو جعفر: ومن قال هذا القول جعل قوله: وأنه لما قام عبد الله مما أوحي إلى النبي (ص)، فيكون معناه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن، وأنه لما قام عبد الله يدعوه. وقال آخرون: بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله (ص) له، وائتمامهم به في الركوع والسجود. ذكر من قال ذلك: 27234 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قول الجن لقومهم: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عجبوا من طواعية أصحابه له قال: فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا. * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، في قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال: كان أصحاب نبي الله (ص) يأتمون به، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده.
[ 147 ]
ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الالف من قوله: وأنه عطف بها على قوله: وأنه تعالى جد ربنا مفتوحة، وجاز له كسرها على الابتداء. وقال آخرون: بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه (ص) لعلمه أن الانس والجن تظاهروا عليه، ليبطلوا الحق الذي جاءهم به، فأبى الله إلا إتمامه. ذكر من قال ذلك: 27235 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال: تلبدت الانس والجن على هذا الامر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله لبدا قال: لما قام النبي (ص) تلبدت الجن والانس، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله. 27236 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: كادوا يكونون عليه لبدا قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعض، تظاهروا على رسول الله (ص). ومن قال هذا القول فتح الالف من قوله وأنه. وأولى الاقوال بالصواب في ذلك قول من قال: ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا (ص) لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لان قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه عقيب قوله: وأن المساجد لله وذلك من خبر الله فكذلك قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: فلا تدعوا مع الله أحدا فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الاجابة. 27237 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وأنه لما قام عبد الله يدعوه قال: لما قام رسول الله (ص) يقول لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا.
[ 148 ]
27238 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن سعيد بن جبير في قوله: كادوا يكونون عليه لبدا قال: تراكبوا عليه. * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن جبير كادوا يكونون عليه لبدا قال: بعضهم على بعض. 27239 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله كادوا يكونون عليه لبدا يقول: أعوانا. 27240 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كادوا يكونون عليه لبدا قال جميعا. 27241 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد كادوا يكونون عليه لبدا قال: جميعا. * حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد كادوا يكونون عليه لبدا واللبد: الشئ الذي بعضه فوق بعض. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ئ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ئ قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: قل إنما أدعو ربي فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر قال بالالف ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرا من الله عن نبيه محمد (ص) أنه قال، فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه، قال لهم: إنما أدعو ربي، ولا أشرك به أحدا. وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قراء الكوفة على وجه الامر من الله عز وجل لنبيه (ص): قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا، إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل
[ 149 ]
يا محمد لمشركي العرب الذين ردوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدا أرشدكم، لان الذي يملك ذلك، الله الذي له ملك كل شئ. وقوله: قل إني لن يجيرني من الله أحد من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر. وذكر أن هذه الآية أنزلت على النبي (ص)، لان بعض الجن قال: أنا أجيره. ذكر من قال ذلك: 27242 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أنه ذكر له أن جنيا من الجن من أشرافهم ذا تبع، قال: إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل الله: قل إني لن يجيرني من الله أحد. وقوله: ولن أجد من دونه ملتحدا يقول: ولن أجد من دون الله ملجأ ألجأ إليه، كما: 27243 - حدثنا مهران، عن سفيان ولن أجد من دونه ملتحدا يقول: ولن أجد من دون الله ملجأ ألجأ إليه. 27244 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ولن أجد من دونه ملتحدا: أي ملجأ ونصيرا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ملتحدا قال: ملجأ. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ولن أجد من دونه ملتحدا يقول: ناصرا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ئ حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لمشركي العرب: إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا بلاغا من الله ورسالاته يقول: إلا أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه،
[ 150 ]
وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان، فبيد الله، هو مالكه دون سائر خلقه يهدى من يشاء ويخذل من أراد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27245 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلا بلاغا من الله ورسالاته فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته. وقد يحتمل ذلك معنى آخر، وهو أن تكون إلا حرفين، وتكون لا منقطعة من إن فيكون معنى الكلام: قل إني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل: إن لا قياما فقعودا، وإن لا إعطاء فردا جميلا، بمعنى: إن لا تفعل الاعطاء فردا جميلا. وقوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم يقول تعالى ذكره: ومن يعص الله فيما أمره ونهاه، ويكذب به ورسوله، فجحد رسالاته، فإن له نار جهنم يصلاها خالدين فيها أبدا يقول: ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية. وقوله: حتى إذا رأوا ما يوعدون يقول تعالى ذكره: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا أجند الله الذي أشركوا به، أم هؤلاء المشركون به. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ئ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ئ إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ئ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة أم يجعل له ربي أمدا يعني: غاية معلومة تطول مدتها. وقوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 151 ]
27246 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره. 27247 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلا من ارتضى من رسول فإنه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه. 27248 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول قال: ينزل من غيبه ما شاء على الانبياء أنزل على رسول الله (ص) الغيب القرآن، قال: وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة. وقوله: فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا يقول: فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه. ذكر من قال ذلك: 27249 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن الضحاك إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: كان النبي (ص) إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه، أن يتشبه الشيطان على صورة الملك. 27250 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجن. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن طلحة، يعني ابن مصرف، عن إبراهيم، في قوله: من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: الملائكة رصد من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجن.
[ 152 ]
27251 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي (ص) من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم، وذلك حين يقول: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم. 27252 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: الملائكة. وقوله: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله ليعلم فقال بعضهم: عني بذلك رسول الله (ص)، وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله (ص) أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها. ذكر من قال ذلك: 27253 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ليعلم رسول الله (ص) أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم قال: ليعلم نبي الله (ص) أن الرسل قد أبلغت عن الله، وأن الله حفظها، ودفع عنها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك: 27254 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك: 27255 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه
[ 153 ]
يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل ليعلم محمد أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا قال: وما نزل جبريل عليه السلام بشئ من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة. قال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال عندنا بالصواب، قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وذلك أن قوله: ليعلم من سبب قوله فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وذلك خبر عن الرسول، فمعلوم بذلك أن قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرا عنه. وقوله: وأحاط بما لديهم يقول: وعلم بكل ما عندهم وأحصى كل شئ عددا يقول: علم عدد الاشياء كلها، فلم يخف عليه منها شئ. وقد: 27256 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية إلا من ارتضى من رسول... إلى قوله وأحصى كل شئ عددا قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم، فبلغوا رسالاتهم. آخر تفسير سورة الجن سورة المزمل
[ 154 ]
(73) سورة المزمل مكية وآياتها عشرون بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها المزمل ئ قم الليل إلا قليلا ئ نصفه أو انقص منه قليلا ئ أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) *. يعني بقوله: يأيها المزمل هو الملتف بثيابه. وإنما عني بذلك نبي الله (ص). واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه (ص) في هذه الآية من التزمل، فقال بعضهم: وصفه بأنه متزمل في ثيابه، متأهب للصلاة. ذكر من قال ذلك: 27257 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يأيها المزمل: أي المتزمل في ثيابه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يأيها المزمل هو الذي تزمل بثيابه. وقال آخرون: وصفه بأنه متزمل النبوة والرسالة. ذكر من قال ذلك: 27258 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، في قوله: يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا قال: زملت هذا الامر فقم به. قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة، لانه قد عقبه بقوله: قم الليل فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظهر معنييه.
[ 155 ]
وقوله: قم الليل إلا قليلا يقول لنبيه (ص): قم الليل يا محمد كله إلا قليلا منه، نصفه يقول: قم نصف الليل أو انقص منه قليلا أو زد عليه يقول: أو زد عليه خيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أي ذلك شاء فعل، فكان رسول الله (ص) وأصحابه فيما ذكر يقومون الليل، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذكر حتى خفف ذلك عنهم. ذكر من قال ذلك: 27259 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن مسعر، قال: ثنا سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزل أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمد بن بشر، عن مسعر، قال: ثنا سماك، أنه سمع ابن عباس يقول، فذكر نحوه. إلا أنه قال: نحوا من قيامهم في شهر رمضان. 27260 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن حيان، عن موسى بن عبيدة، قال: ثني محمد بن طحلاء مولى أم سلمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله (ص) حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس، فاجتمعوا، فخرج كالمغضب، وكان بهم رحيما، فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فقال: يا أيها الناس اكلفوا من الاعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الاعمال ما دمتم عليه ونزل القرآن: يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة الحميري، عن محمد بن طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كنت أشتري لرسول الله (ص) حصيرا، فكان يقوم عليه من أول الليل، فتسمع الناس بصلاته، فاجتمعت جماعة من الناس فلما رأى اجتماعهم كره ذلك، فخشي أن يكتب عليهم، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويتسعلون حتى خرج إليهم، فقال: يا أيها الناس إن الله لا يمل حتى تملوا يعني من الثواب فاكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه وإن
[ 156 ]
قل ونزلت عليه: يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا السورة قال: فكتبت عليهم، وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه، وضع ذلك عنهم، فقال: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه... إلى علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فردهم إلى الفريضة، ووضع عنهم النافلة، إلا ما تطوعوا به. 27261 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا، فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا: علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض... إلى قوله فاقرءوا ما تيسر منه فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق. 27262 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لما أنزل الله على نبيه: يأيها المزمل قال: مكث النبي (ص) على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك... إلى قوله: وأقيموا الصلاة فخف الله عنهم بعد عشر سنين. 27263 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن، قالا: قال في سورة المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا نسختها الآية التي فيها: علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن. 27264 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قم الليل إلا قليلا قاموا حولا أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة. 27265 - حدثنا ابن حميد،. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن أبي عبد الرحمن، قال: لما نزلت: يأيها المزمل قاموا بها حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت: فاقرءوا ما تيسر منه فاستراح الناس.
[ 157 ]
27266 قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جرير بياع الملاء عن الحسن، قال: الحمد لله تطوع بعد فريضة. 27267 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن، قال لما نزلت يأيها المزمل... الآية، قام المسلمون حولا، فمنهم من أطاقه، ومنهم من لم يطقه، حتى نزلت الرخصة. * - قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة. وقوله: ورتل القرآن ترتيلا يقول عز وجل: وبين القرآن إذا قرأته تبيينا، وترسل فيه ترسلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27268 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علبة، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله ورتل القرآن ترتيلا قال: اقرأه قراءة بينة. 27269 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ورتل القرآن ترتيلا فقال: بعضه على أثر بعض. * - حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ورتل القرآن ترتيلا فقال: بعضه على أثر بعض. على تؤدة. 27270 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله ورتل القرآن ترتيلا قال: ترسل فيه ترسلا. * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ورتل القرآن ترتيلا فقال: بعضه على أثر بعض. 27271 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج، عن عطاء ورتل القرآن ترتيلا قال: الترتيل النبذ: الطرح.
[ 158 ]
27272 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ورتل القرآن ترتيلا قال بينه بيانا. 27273 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس ورتل القرآن ترتيلا قال: بينه بيانا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ورتل القرآن ترتيلا قال: بعضه على أثر بعض. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ئ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ئ إن لك في النهار سبحا طويلا) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فقال بعضهم: عني به إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا العمل به. ذكر من قال ذلك: 27274 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا قال: العمل به، قال: إن الرجل ليهذ السورة، ولكن العمل به ثقيل. 27275 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ثقيل والله فرائضه وحدوده. 27276 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله ثقيلا قال: ثقيل والله فرائضه وحدوده. وقال آخرون: بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله. ذكر من قال ذلك: 27277 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي (ص) كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه.
[ 159 ]
27278 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا قال: هو والله ثقيل مبارك القرآن، كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة. وأولى الاقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به ثقيل محمله ثقيل العمل بحدوده وفرائضه. وقوله: إن ناشئة الليل هي أشد وطأ يعني عز وجل بقوله: إن ناشئة الليل: إن ساعات الليل، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك. 27279 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة، قال: قلت لعبد الله بن أبي مليكة: ألا تحدثني أي الليل ناشئة ؟ قال: على الثبت سقطت، سألت عنها ابن عباس، فزعم أن الليل كله ناشئة، وسألت عنها ابن الزبير، فأخبرني مثل ذلك. 27280 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن ناشئة الليل قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل، قالوا: نشأ. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن ناشئة الليل نشأ: قام. 27281 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي ميسرة إن ناشئة الليل قال: نشأ: قام. 27282 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: إذا قام الرجل من الليل، فهو ناشئة الليل. 27283 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: إن ناشئة الليل قال: هو الليل كله. 27284 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إن ناشئة الليل قال: إذا قمت من الليل فهو ناشئة.
[ 160 ]
27285 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: كل شئ بعد العشاء فهو ناشئة. 27286 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن ناشئة الليل قال: قيام الليل قال: وأي ساعة من الليل قام فقد نشأ. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أي الليل قمت فهو ناشئة. * - قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس وابن الزبير عن ناشئة الليل فقالا: كل الليل ناشئة، فإذا نشأت قائما فتلك ناشئة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله إن ناشئة الليل قال: أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل. 27287 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إن ناشئة الليل يعني الليل كله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي عامر الخزاز، ونافع عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس في قوله إن ناشئة الليل قال: الليل كله. * - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة. وقال آخرون: بل ذلك ما كان بعد العشاء، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة. ذكر من قال ذلك: 27288 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، في قوله: إن ناشئة الليل قال: ما بعد العشاء ناشئة. 27289 - قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، في قوله: إن ناشئة الليل قال: ما بعد العشاء الآخرة.
[ 161 ]
27290 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله إن ناشئة الليل قال: ناشئة الليل: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: قال قتادة في قوله إن ناشئة الليل قال: كل شئ بعد العشاء فهو ناشئة. وقوله: هي أشد وطئا اختلفت قراء الامصار في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة أشد وطئا بفتح الواو وسكون الطاء. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام: وطاء بكسر الواو ومد الالف على أنه مصدر من قول القائل: واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ويعني بقوله هي أشد وطئا ناشئة الليل أشد ثباتا من النهار وأثبت في القلب، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار. وحكي عن العرب: وطئنا الليل وطأ: إذا ساروا فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء، وإن اختلفت عباراتهم في ذلك. ذكر من قال ذلك: 27291 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هي أشد وطئا: أي أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة هي أشد وطئا قال: القيام بالليل أشد وطئا: يقول: أثبت في الخير. 27292 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا يقول: ناشئة الليل كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطئا يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الانسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ. 27293 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إن
[ 162 ]
ناشئة الليل هي أشد وطئا قال: إن مصلى الليل القائم بالليل أشد وطئا: طمأنينة أفرغ له قلبا، وذلك أنه لا يعرض له حوائج ولا شئ. 27294 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: هي أشد وطئا يقول: قراءة القرآن بالليل أثبت منه بالنهار، وأشد مواطأة بالليل منه بالنهار. وأما الذين قرأوا: وطاء بكسر الواو ومد الالف، فقد ذكرت الذي عنوا بقراءتهم ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: 27295 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد أشد وطئا قال: أن تواطئ قلبك وسمعك وبصرك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد إن ناشئة الليل هي أشد وطئا قال: تواطئ سمعك وبصرك وقلبك. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أشد وطئا قال: مواطأة للقول، وفراغا للقلب. 27296 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا قال: أجدر أن تواطئ لك سمعك، أن تواطئ لك بصرك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد أشد وطئا قال: أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا قال: يواطئ سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضا. وقوله: وأقوم قيلا يقول: وأصوب قراءة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27297 - حدثني يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الاعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا، فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي أقوم قيلا قال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد.
[ 163 ]
* - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن الاعمش قال: قرأ أنس وأقوم قيلا: وأصوب قيلا قيل له: يا أبا حمزة إنما هي وأقوم قال أنس: أصوب وأقوم وأهيأ واحد. 27298 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 27299 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأقوم قيلا يقول: أدنى من أن تفقهوا القرآن. 27300 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأقوم قيلا: أحفظ للقراءة. 27301 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأقوم قيلا قال: أقوم قراءة لفراغه من الدنيا. قوله: إن لك في النهار سبحا طويلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلا تتسع به، وتتقلب فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27302 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس سبحا طويلا فراغا طويلا، يعني النوم. 27303 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قوله: إن لك في النهار سبحا طويلا قال: متاعا طويلا. 27304 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله سبحا طويلا قال: فراغا طويلا. 27305 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن لك في النهار سبحا طويلا قال: لحوائجك، فافرغ لدينك الليل، قالوا: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها، وقرأ: قم الليل إلا قليلا... إلى آخر الآية، ثم قال: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل حتى بلغ
[ 164 ]
قوله: فاقرءوا ما تيسر منه الليل نصفه أو ثلثه، ثم جاء أمر أوسع وأفسح، وضع الفريضة عنه وعن أمته، فقال: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. 27306 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: إن لك في النهار سبحا طويلا فراغا طويلا. وكان يحيى بن يعمر يقرأ ذلك بالخاء. 27307 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن غالب الليثي، عن يحيى بن يعمر من جذيلة قيس أنه كان يقرأ: سبخا طويلا قال: وهو النوم. قال أبو جعفر: والتسبيخ: توسيع القطن والصوف وتنفيشه، يقال للمرأة: سبخي قطنك: أي نفشيه ووسعيه ومنه قول الاخطل: فأرسلوهن يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار وإنما عني بقوله: إن لك في النهار سبحا طويلا: إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك. والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ئ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ئ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) *. يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد اسم ربك فادعه به وتبتل إليه تبتيلا يقول: وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الاشياء غيره وهو من قولهم: تبتلت هذا الامر ومنه قيل لام عيسى بن مريم البتول، لانقطاعها إلى الله ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: قد تبتل ومنه الخبر الذي روي عن النبي (ص) أنه نهى عن التبتل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 165 ]
27308 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص له إخلاصا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى، عن ابن أبي نجيح، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص له إخلاصا. 27309 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص له إخلاصا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: أخلص إليه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص إليه إخلاصا. 27310 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي يحيى المكي، في قوله وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص إليه إخلاصا. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص إليه المسألة والدعاء. 27311 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن الحسن، في قوله: وتبتل إليه تبتيلا قال: بتل نفسك واجتهد. 27312 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتبتل إليه تبتيلا يقول: أخلص له العبادة والدعوة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. 27313 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وتبتل إليه تبتيلا قال: أخلص إليه إخلاصا. 27314 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وتبتل إليه تبتيلا قال: أي تفرغ لعبادته، قال: تبتل فحبذا التبتل إلى الله، وقرأ قول الله:
[ 166 ]
فإذا فرغت فانصب قال: إذا وقوله: رب المشرق فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله وإلى ربك فارغب والمغرب اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة بالرفع على الابتداء، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالخفض على وجه النعت، والرد على الهاء التي في قوله وتبتل إليه. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ومعنى الكلام: رب المشرق والمغرب وما بينهما من العالم. وقوله: لا إله إلا هو يقول: لا ينبغي أن يعبد إله سوى الله الذي هو رب المشرق والمغرب. وقوله: فاتخذه وكيلا فيما يأمرك وفوض إليه أسبابك. وقوله: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم، واهجرهم في الله هجرا جميلا. والهجر الجميل: هو الهجر في ذات الله، كما قال عز وجل: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره... الآية، وقيل: إن ذلك نسخ. ذكر من قال ذلك: 27315 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا براءة نسخت ما ههنا أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يقبل منهم غيرها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ئ إن لدينآ أنكالا وجحيما ئ وطعاما ذا غصة وعذابا أليما) *.
[ 167 ]
يعني تعالى ذكره بقوله وذرني والمكذبين فدعني يا محمد والمكذبين بآياتي أولى النعمة يعني أهل التنعم في الدنيا ومهلهم قليلا يقول: وأخرهم بالعذاب الذي بسطته لهم قليلا حتى يبلغ الكتاب أجله. وذكر أن الذي كان بين نزول هذه الآية وبين بدر يسير. ذكر من قال ذلك: 27316 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباد، عن أبيه، عن عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: لما نزلت هذه الآية: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما... الآية، قالت: لم يكن إلا يسير حتى كانت وقعة بدر. 27317 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا يقول: إن لله فيهم طلبة وحاجة. وقوله: إن لدينا أنكالا وجحيما يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذبين بآياتنا أنكالا، يعني قيودا، واحدها: نكل. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27318 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرمة، أن الآية التي قال: إن لدينا أنكالا وجحيما إنها قيود. * - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي عمرو، عن عكرمة إن لدينا أنكالا قال: قيودا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أبو عمرو، عن عكرمة أنكالا قال: قيودا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمرو، عن عكرمة إن لدينا أنكالا قال: قيودا. 27319 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: وبلغني عن مجاهد قال: الانكال: القيود. 27320 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن حماد، قال: الانكال: القيود.
[ 168 ]
* - حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن حماد، مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت حمادا يقول: الانكال القيود. 27321 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن لدينا أنكالا: أي قيودا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن، عن سفيان، عن أبي عمرو بن العاص، عن عكرمة إن لدينا أنكالا قال: قيودا. * - حدثنا أبو عبيد الوصابي محمد بن حفص، قال: ثنا ابن حمير، قال: ثنا الثوري، عن حماد، في قوله إن لدينا أنكالا وجحيما قال: الانكال: القيود. * - حدثنا سعيد بن عنبسة الرازي، قال: مررت بابن السماك، وهو يقص وهو يقول: سمعت الثوري يقول: سمعت حمادا يقول في قوله الله: إن لدينا أنكالا قال: قيودا سوداء من نار جهنم. وقوله: وجحيما يقول: ونارا تسعر وطعاما ذا غصة يقول: وطعاما يغص به آكله، فلا هو نازل عن حلقه، ولا هو خارج منه، كما: 27322 - حدثني إسحاق بن وهب وابن سنان القزاز قالا: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وطعاما ذا غصة قال: شوك يأخذ بالحلق، فلا يدخل ولا يخرج. 27323 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وطعاما ذا غصة قال: شجرة الزقوم. وقوله: وعذابا أليما يقول: وعذابا مؤلما موجعا. 27324 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن حمزة الزيات، عن حمران بن أعين أن النبي (ص) قرأ: إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة فصعق (ص).
[ 169 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم ترجف الارض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا) *. يقول تعالى ذكره: إن لدينا لهؤلاء المشركين من قريش الذين يؤذونك يا محمد العقوبات التي وصفها في يوم ترجف الارض والجبال ورجفان ذلك: اضطرابه بمن عليه، وذلك يوم القيامة. وقوله: وكانت الجبال كثيبا مهيلا يقول: وكانت الجبال رملا سائلا متناثرا. والمهيل: مفعول من قول القائل: هلت الرمل فأنا أهيله، وذلك إذا حرك أسفله، فانهال عليه من أعلاه وللعرب في ذلك لغتان، تقول: مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول ومنه قول الشاعر: قد كان قومك يحسبونك سيدا * * وإخال أنك سيد معيون وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27325 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وكانت الجبال كثيبا مهيلا يقول: الرمل السائل. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وكانت الجبال كثيبا مهيلا قال: الكثيب المهيل: اللين الذي إذا مسسته تتابع.
[ 170 ]
27326 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كثيبا مهيلا قال: ينهال. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنآ أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كمآ أرسلنا إلى فرعون رسولا ئ فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) *. يقول تعالى ذكره: إنا أرسلنا إليكم أيها الناس رسولا شاهدا عليكم بإجابة من أجاب منكم دعوتي، وامتناع من امتنع منكم من الاجابة، يوم تلقوني في القيامة كما أرسلنا إلى فرعون رسولا يقول: مثل إرسالنا من قبلكم إلى فرعون مصر رسولا بدعائه إلى الحق، فعصى فرعون الرسول الذي أرسلناه إليه فأخذناه أخذا وبيلا يقول: فأخذناه أخذا شديدا، فأهلكناه ومن معه جميعا وهو من قولهم: كلا مستوبل، إذا كان لا يستمرأ، وكذلك الطعام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27327 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أخذا وبيلا قال: شديدا. 27328 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أخذا وبيلا قال: شديدا. 27329 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فأخذناه أخذا وبيلا أي شديدا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أخذا وبيلا قال: شديدا. 27330 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأخذناه أخذا وبيلا قال: الوبيل: الشر والعرب تقول لمن تتابع عليه الشر: لقد أوبل عليه، وتقول: أوبلت على شرك قال: ولم يرض الله بأن غرق وعذب حتى أقر في عذاب مستقر حتى يبعث إلى النار يوم القيامة، يريد فرعون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 171 ]
* (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ئ السماء منفطر به كان وعده مفعولا) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به: فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم بالله، ولم تصدقوا به. وذكر أن ذلك كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27331 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا يقول: كيف تتقون يوما وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون به. 27332 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: فكيف تتقون إن كفرتم قال: والله لا يتقي من كفر بالله ذلك اليوم. وقوله: يوما يجعل الولدان شيبا يعني يوم القيامة، وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه، كما: 27333 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوما يجعل الولدان شيبا كان ابن مسعود يقول: إذا كان يوم القيامة دعا ربنا الملك آدم، فيقول: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول آدم: أي رب لا علم لي إلا ما علمتني، فيقول الله له: أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيساقون إلى النار سودا مقرنين، زرقا كالحين، فيشيب هنالك كل وليد. 27334 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوما يجعل الولدان شيبا قال: تشيب الصغار من كرب ذلك اليوم. وقوله: السماء منفطر به يقول تعالى ذكره: السماء مثقلة بذلك اليوم متصدعة متشققة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 172 ]
27335 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: السماء منفطر به يعني: تشقق السماء حين ينزل الرحمن جل وعز. 27336 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: منفطر به قال: مثقلة به. 27337 - حدثنا أبو حفص الحيري، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود، عن الحسن، في قوله: السماء منفطر به قال: مثقلة محزونة يوم القيامة. 27338 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود بحر بن موسى، قال: سمعت ابن أبي علي يقول في هذه الآية، ثم ذكر نحوه. 27339 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة السماء منفطر به قال: مثقلة به. 27340 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله السماء منفطر به قال: موقرة مثقلة. 27341 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة السماء منفطر به يقول: مثقل به ذلك اليوم. 27342 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: السماء منفطر به قال: هذا يوم القيامة، فجعل الولدان شيبا، ويوم تنفطر السماء، وقرأ: إذا السماء انفطرت وقال: هذا كله يوم القيامة. 27343 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس السماء منفطر به قال: ممتلئة به، بلسان الحبشة. * - حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة، ولم يسمعه عن ابن عباس السماء منفطر به قال: ممتلئة به.
[ 173 ]
وذكرت السماء في هذا الموضع لان العرب تذكرها وتؤنثها، فمن ذكرها وجهها إلى السقف، كما يقال: هذا سماء البيت: لسقفه. وقد يجوز أن يكون تذكيرهم إياها لانها من الاسماء التي لا فصل فيها بين مؤنثها ومذكرها ومن التذكير قول الشاعر: فلو رفع السماء إليه قوما * * لحقنا بالسماء مع السحاب وقوله: كان وعده مفعولا يقول تعالى ذكره: كان ما وعد الله من أمر أن يفعله مفعولا، لانه لا يخلف وعده، وما وعد أن يفعله تكوينه يوم تكون الولدان شيبا يقول: فاحذروا ذلك اليوم أيها الناس، فإنه كائن لا محالة. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن هذه تذكرة فمن شآء اتخذ إلى ربه سبيلا ئ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) *. يعني تعالى ذكره بقوله: إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها، وما هو فاعل فيها بأهل الكفر تذكرة يقول: عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا يقول: فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقا بالايمان به، والعمل بطاعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27344 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن هذه تذكرة يعني القرآن فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا بطاعة الله. وقوله: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل يقول لنبيه محمد (ص): إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصليا، ونصفه وثلثه.
[ 174 ]
اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بالخفض ونصفه وثلثه بمعنى: وأدنى من نصفه وثلثه، إنكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام الليل، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه. وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة بالنصب، بمعنى: إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وطائفة من الذين معك يعني من أصحاب رسول الله (ص) الذين كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل. وقوله: والله يقدر الليل والنهار بالساعات والاوقات. وقوله: علم أن لن تحصوه يقول: علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه فتاب عليكم إذ عجزتم وضعفتم عنه، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله أن لن تحصوه قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27345 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن علم أن لن تحصوه أن لن تطيقوه. * - حدثني يقعوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني به عباد بن راشد، قال: سمعت الحسن يقول في قوله علم أن لن تحصوه قال: لن تطيقوه. 27346 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد علم أن لن تحصوه يقول: أن لن تطيقوه. 27347 - قال: ثنا مهران، عن سفيان علم أن لن تحصوه قال: أن لن تطيقوه. 27348 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله (ص): خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا أدخلتاه الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويحمده عشرا، ويكبره عشرا قال: فأنا رأيت رسول الله (ص) يعقدها بيده، قال: فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر
[ 175 ]
مئة، قال: فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم الواحد ألفين وخمس مئة سيئة ؟ قالوا: فكيف لا نحصيهما ؟ قال: يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا حتى ينفتل، ولعله لا يعقل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي (ص) نحوه. 27349 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة علم أن لن تحصوه قيام الليل كتب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن. وقوله: فاقرءوا ما تيسر من القرآن يقول: فاقرأوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم وهذا تخفيف من الله عز وجل عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا. 27350 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء محمد، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، فلا يقوم به، إنما يصلي المكتوبة، قال: يتوسد القرآن، لعن الله ذاك قال الله للعبد الصالح: وإنه لذو علم لما علمناه وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قلت: يا أبا سعيد قال الله: فاقرءوا ما تيسر من القرآن قال: نعم، ولو خمسين آية. 27351 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عثمان الهمداني، عن السدي، في قوله: فاقرءوا ما تيسر من القرآن قال: مئة آية. 27352 - قال: ثنا وكيع، عن ربيع، عن الحسن، قال: من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن. 27353 - قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: من قرأ في ليلة مائة كتب من العابدين.
[ 176 ]
وقوله: علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله يقول تعالى ذكره: علم ربكم أيها المؤمنون أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل وآخرون يضربون في الارض في سفر يبتغون من فضل الله في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم، فأضعفهم أيضا عن قيام الليل وآخرون يقاتلون في سبيل الله يقول: وآخرون أيضا منكم يجاهدون العدو فيقاتلونهم في نصرة دين الله، فرحمكم الله فخفف عنكم، ووضع عنكم فرض قيام الليل فاقرءوا ما تيسر منه يقول: فاقرءوا الآن إذ خفف ذلك عنكم من الليل في صلاتكم ما تيسر من القرآن. والهاء في قوله منه من ذكر القرآن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27354 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم أنبأ بخصال المؤمنين، فقال: علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله، فاقرءوا ما تيسر منه قال: افترض الله القيام في أول هذه السورة، فقام نبي الله (ص) وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، ثم أنزل التخفيف في آخرها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وأقيموا الصلاة يقول: وأقيموا المفروضة وهي الصلوات الخمس في اليوم والليل وآتوا الزكاة يقول: وأعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27355 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فهما فريضتان واجبتان، لا رخصة لاحد فيهما، فأدوهما إلى الله تعالى ذكره. وقوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا يقول: وانفقوا في سبيل الله من أموالكم. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 27356 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا قال: القرض: النوافل سوى الزكاة. وقوله: وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا يقول:
[ 177 ]
وما تقدموا أيها المؤمنون لانفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم، هو خيرا لكم مما قدمتم في الدنيا، وأعظم منه ثوابا: أي ثوابه أعظم من ذلك الذي قدمتموه لو لم تكونوا قدمتموه واستغفروا الله يقول تعالى ذكره: وسلوا الله غفران ذنوبكم يصفح لكم عنها إن الله غفور رحيم يقول: إن الله ذو مغفرة لذنوب من تاب من عباده من ذنوبه، وذو رحمة أن يعاقبهم عليها من بعد توبتهم منها. آخر تفسير سورة المزمل
[ 178 ]
سورة المدثر (74) سورة المدثر مكية وآياتها ست وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها المدثر ئ قم فأنذر ئ وربك فكبر ئ وثيابك فطهر ئ والرجز فاهجر ئ ولا تمنن تستكثر ئ ولربك فاصبر) *. يقول جل ثناؤه: يا أيها المدثر: يا أيها المتدثر بثيابه عند نومه. وذكر أن نبي الله (ص) قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة. ذكر من قال ذلك: 27357 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم يا أيها المدثر قال: كان متدثرا في قطيفة. وذكر أن هذه الآية أول شئ نزل من القرآن على رسول الله (ص)، وأنه قيل له: يا أيها المدثر، كما: 27358 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال
[ 179 ]
رسول الله (ص) وهو يحدث عن فترة الوحي: بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والارض قال رسول الله (ص): فجثثت منه فرقا، وجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فدثروني فأنزل الله: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر... إلى قوله: والرجز فاهجر قال: ثم تتابع الوحي. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الاوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن أنزل أول، فقال: يا أيها المدثر فقلت: يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل أول ؟ فقال: يا أيها المدثر، فقلت يقولون: اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبي (ص)، قال: جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدامي، فلم أر شيئا، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والارض، فخشيت منه هكذا قال عثمان بن عمرو، إنما هو: فجثثت منه، ولقيت خديجة، فقلت: دثروني، فدثروني، وصبوا علي ماء، فأنزل الله علي: يا أيها المدثر قم فأندر. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن علي بن مبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن، قال: نزلت يا أيها المدثر أول قال: قلت: إنهم يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله (ص) قال: جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت، فسمعت صوتا، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا علي ماء باردا، فنزلت يا أيها المدثر.
[ 180 ]
27359 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: فتر الوحي عن رسول الله (ص) فترة، فحزن حزنا، فجعل يعدو إلى شواهق رؤوس الجبال ليتردي منها، فكلما أوفي بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبي الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه فكان النبي (ص) يحدث عن ذلك، قال: بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والارض، فجثثت منه رعبا، فرجعت إلى خديجة فقلت: زملوني، فزملناه: أي فدثرناه، فأنزل الله يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر قال الزهري: فكان أول شئ أنزل عليه: اقرأ باسم ربك الذي خلق... حتى بلغ ما لم يعلم. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: يا أيها المدثر، فقال بعضهم: معنى ذلك: يا أيها النائم في ثيابه. ذكر من قال ذلك: 27360 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها المدثر قال: يا أيها النائم. 27361 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها المدثر يقول: المتدثر في ثيابه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيها المتدثر النبوة وأثقالها. ذكر من قال ذلك: 27362 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: وسئل داود عن هذه الآية: يا أيها المدثر فحدثنا عن عكرمة أنه قال: دثرت هذا الامر فقم به. وقوله: قم فأنذر يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27363 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قم فأنذر: أي أنذر عذاب الله ووقائعه في الامم، وشدة نقمته.
[ 181 ]
وقوله: وربك فكبر يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والانداد. وقوله: وثيابك فطهر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة. ذكر من قال ذلك: 27364 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وثيابك فطهر قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة: وإنى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن الاجلح، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: وثيابك فطهر قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي: وإنى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع 27365 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الاجلح، عن عكرمة، قوله: وثيابك فطهر قال: لا تلبسها على غدرة، ولا على فجرة، ثم تمثل بشعر غيلان بن سلمة هذا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن الاجلح بن عبد الله الكندي، عن عكرمة وثيابك فطهر قال: لا تلبس ثيابك على معصية، ألم تسمع قول غيلان بن سلمة الثقفي: وإنى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع 27366 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول: وثيابك فطهر قال: من الاثم، ثم قال: نقي الثياب في كلام العرب.
[ 182 ]
* - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث القاضي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قوله وثيابك فطهر قال: في كلام العرب: نقي الثياب. 27367 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم وثيابك فطهر قال: من الذنوب. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وثيابك فطهر قال: من الذنوب. 27368 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وثيابك فطهر قال: هي كلمة من العربية كانت العرب تقولها: طهر ثيابك: أي من الذنوب. 27369 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وثيابك فطهر يقول: طهرها من المعاصي، فكانت العرب تسمى الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهر الثياب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: وثيابك فطهر قال: من الاثم. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم وثيابك فطهر قال: من الاثم. 27370 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وثيابك فطهر يقول: لا تلبس ثيابك على معصية. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وثيابك فطهر قال: من الاثم. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: من الاثم. 27371 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الاجلح، سمع عكرمة قال: لا تلبس ثيابك على معصية. 27372 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر وعطاء قالا: من الخطايا.
[ 183 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تلبس ثيابك من مكسب غير طيب. ذكر من قال ذلك: 27373 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وثيابك فطهر قال: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أصلح عملك. ذكر من قال ذلك: 27374 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وثيابك فطهر قال: عملك فأصلح. 27375 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين في قوله: وثيابك فطهر قال: عملك فأصلحه، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا: فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا: فلان طاهر الثياب. وقال آخرون في ذلك ما. 27376 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وثيابك فطهر قال: لست بكاهن ولا ساحر، فأعرض عما قالوا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة. ذكر من قال ذلك: 27377 - حدثني عباس بن أبي طالب، قال: ثنا علي بن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ، قال: أخبرنا ابن عون، عن محمد بن سيرين وثيابك فطهر قال: اغسلها بالماء. 27378 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وثيابك فطهر قال: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره أن يتطهر، ويطهر ثيابه. وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهر معانيه، والذي قاله ابن عباس وعكرمة وابن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عني به: جسمك فطهر من الذنوب، والله أعلم بمراده من ذلك.
[ 184 ]
والرجز فاهجر اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة: والرجز بكسر الراء، وقرأه بعض المكيين والمدنيين والرجز بضم الراء، فمن ضم الراء وجهه إلى الاوثان، وقال: معنى الكلام: والاوثان فاهجر عبادتها، واترك خدمتها، ومن كسر الراء وجهه إلى العذاب، وقال: معناه: والعذاب فاهجر، أي ما أوجب لك العذاب من الاعمال فاهجر. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، والضم والكسر في ذلك لغتان بمعنى واحد، ولم نجد أحدا من متقدمي أهل التأويل فرق بين تأويل ذلك، وإنما فرق بين ذلك فيما بلغنا الكسائي. واختلف أهل التأويل في معنى الرجز في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الاصنام. ذكر من قال ذلك: 27379 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والرجز فاهجر يقول: السخط وهو الاصنام. 27380 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والرجز فاهجر قال: الاوثان. 27381 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل قال أبو جعفر: أحسبه أنا عن جابر عن مجاهد وعكرمة والرجز فاهجر قال: الاوثان. 27382 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والرجز فاهجر: إساف ونائلة، وهما صنمان كانا عند البيت يمسح وجوههما من أتى عليهما، فأمر الله نبيه (ص) أن يجتنبهما ويعتزلهما. 27383 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري والرجز فاهجر قال: هي الاوثان. 27384 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والرجز فاهجر قال: الرجز: آلهتهم التي كانوا يعبدون أمره أن يهجرها، فلا يأتيها، ولا يقربها.
[ 185 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والمعصية والاثم فاهجر. ذكر من قال ذلك: 27385 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم والرجز فاهجر قال الاثم. 27386 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والرجز فاهجر يقول: اهجر المعصية. وقد بينا معنى الرجز فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. وقوله: ولا تمنن تستكثر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها. ذكر من قال ذلك: 27387 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها. 27388 - حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي، قال: ثني أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الاحوص في قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط شيئا، لتعطي أكثر منه. 27389 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط شيئا لتعطي أكثر منه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني من سمع عكرمة يقول: ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها. 27390 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط كيما تزداد. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه. 27391 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط لتعطي أكثر منه.
[ 186 ]
* - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط لتعطى أكثر منه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط شيئا لتزداد. 27392 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي رواد، عن الضحاك، قال: هو الربا الحلال، كان للنبي (ص) خاصة. 27393 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي حجيرة، عن الضحاك، هما ربوان: حلال، وحرام فأما الحلال: فالهدايا، والحرام: فالربا. 27394 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تمنن تستكثر يقول: لا تعط شيئا، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها. 27395 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه، وقاله أيضا طاوس. 27396 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ولا تمنن تستكثر قال: تعطي مالا مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب في الدنيا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لا تعط لتعطي أكثر منه. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ولا تمنن تستكثر قال: لا تعط لتزداد. * - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم ولا تمنن تستكثر قال: هي للنبي (ص) خاصة، وللناس عامة موسع عليهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تمنن عملك على ربك تستكثر. ذكر من قال ذلك: 27397 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سفيان بن حسين، عن الحسن، في قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك.
[ 187 ]
* - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن ولا تمنن تستكثر قال: لا تمنن تستكثر عملك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن نافع أبو غانم، عن أبي سهل، كثير بن زياد، عن الحسن ولا تمنن تستكثر يقول: لا تمنن تستكثر عملك الصالح. 27398 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ولا تمنن تستكثر قال: لا يكثر عملك في عينك، فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تضعف أن تستكثر من الخير. ووجهوا معنى قوله: ولا تمنن أي لا تضعف، من قولهم: حبل منين: إذا كان ضعيفا. ذكر من قال ذلك: 27399 - حدثنا أبو حميد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عبد الله بن عمرو، قال: ثنا محمد بن سلمة، عن خصيف عن مجاهد، في قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب: تضعف. وقال آخرون في ذلك: لا تمنن بالنبوة على الناس، تأخذ عليه منهم أجرا. ذكر من قال ذلك: 27400 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تمنن تستكثر قال: لا تمنن بالنبوة والقرآن الذي أرسلناك به تستكثرهم به، تأخذ عليه عوضا من الدنيا. وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب، لان ذلك في سياق آيات تقدم فيهن أمر الله نبيه (ص) بالجد في الدعاء إليه، والصبر على ما يلقى من الاذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها. وذكر عن عبد الله بن مسعود أن ذلك في قراءته: ولا تمنن أن تستكثر. وقوله: ولربك فاصبر يقول تعالى ذكره: ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من
[ 188 ]
المكروه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27401 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولربك فاصبر قال: على ما أوتيت. 27402 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولربك فاصبر قال: حمل أمرا عظيما محاربة العرب، ثم العجم من بعد العرب في الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولربك فاصبر على عطيتك. ذكر من قال ذلك: 27403 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم ولربك فاصبر قال: اصبر على عطيتك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: اصبر على عطيتك لله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: ولربك فاصبر قال: عطيتك اصبر عليها. ] القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا نقر في الناقور ئ فذلك يومئذ يوم عسير ئ على الكافرين غير يسير ئ ذرني ومن خلقت وحيدا ئ وجعلت له مالا ممدودا) *. يعني جل ثناؤه بقوله: فإذا نفخ في الصور، فذلك يومئذ يوم شديد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27404 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل وأسباط، عن مطرف، عن عطية العوفي، عن ابن عباس، في قوله فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير قال رسول الله (ص): كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر ينفخ فيه، فقال أصحاب رسول الله (ص): كيف نقول ؟ فقال: تقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا.
[ 189 ]
27405 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن عكرمة، في قوله: فإذا نقر في الناقور قال: إذا نفخ في الصور. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله فإذا نقر في الناقور مثله. 27406 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد فإذا نقر في الناقور قال: إذا نفخ في الصور. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله فإذا نقر في الناقور قال: في الصور، قال: هي شئ كهيئة البوق. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فإذا نقر في الناقور قال: هو يوم ينفخ في الصور الذي ينفخ فيه قال ابن عباس: إن نبي الله (ص) خرج إلى أصحابه، فقال: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، ثم أقبل بأذنه يستمع متى يؤمر بالصيحة فاشتد ذلك على أصحابه، فأمرهم أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا. 27407 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله فإذا نقر في الناقور يقول: الصور. 27408 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال الحسن: فإذا نقر في الناقور قال: إذا نفخ في الصور. 27409 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فإذا نقر في الناقور والناقور: الصور، والصور: الخلق. 27410 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: فإذا نقر في الناقور يعني: الصور. 27411 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، قوله: فإذا نقر في الناقور قال: الناقور: الصور. * - حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع مثله.
[ 190 ]
27412 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإذا نقر في الناقور قال: الصور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27413 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فذلك يومئذ يوم عسير يقول: شديد. 27414 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله تعالى ذكره: فذلك يومئذ يوم عسير فبين الله على من يقع على الكافرين غير يسير. وقوله: ذرني ومن خلقت وحيدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): كل يا محمد أمر الذي خلقته في بطن أمه وحيدا، لا شئ له من مال ولا ولد إلي. وذكر أنه عني بذلك: الوليد بن المغيرة المخزومي. ذكر من قال ذلك: 27415 - حدثنا سفيان، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل الله في الوليد بن المغيرة قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا وقوله: فوربك لنسألنهم أجمعين... إلى آخرها. 27416 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ذرني ومن خلقت وحيدا قال: خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد. 27417 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن محمد بن شريك، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ذرني ومن خلقت وحيدا قال: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكذلك الخلق كلهم. 27418 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا وهو الوليد بن المغيرة، أخرجه الله من بطن أمه وحيدا لا مال له ولا ولد، فرزقه الله المال والولد، والثروة والنماء.
[ 191 ]
27419 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا... إلى قوله: إن هذا إلا سحر يؤثر... حتى بلغ سأصليه سقر قال: هذه الآية أنزلت في الوليد بن المغيرة. 27420 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا يعني الوليد بن المغيرة. وجعلت له مالا ممدودا. اختلف أهل التأويل في هذا المال الذي ذكره الله، وأخبر أنه جعله للوحيد ما هو، وما مبلغه ؟ فقال بعضهم: كان ذلك دنانير، ومبلغها ألف دينار. ذكر من قال ذلك: 27421 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه، عن مجاهد: وجعلت له مالا ممدودا قال: كان ماله ألف دينار. 27422 - حدثنا صالح بن مسمار المروزي، قال: ثنا الحارث بن عمران الكوفي، قال: ثنا محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير، في قوله: وجعلت له مالا ممدودا قال: ألف دينار. وقال آخرون: كان ماله أربعة آلاف دينار. ذكر من قال ذلك: 27423 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وجعلت له مالا ممدودا قال: بلغني أنه أربعة آلاف دينار. وقال آخرون: كان ماله أرضا. ذكر من قال ذلك: 27424 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، في قوله: وجعلت له مالا ممدودا قال: الارض. * - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن النعمان بن سالم مثله.
[ 192 ]
وقال آخرون: كان ذلك غلة شهر بشهر. ذكر من قال ذلك: 27425 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حلبس إمام مسجد ابن علية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عمر رضي الله عنه، في قوله: وجعلت له مالا ممدودا قال: غلة شهر بشهر. * - حدثني أبو حفص الحيري، قال: ثنا حلبس الضبعي، عن ابن جريج، عن عطاء مثله، ولم يقل عن عمر. * - حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا غالب بن حلبس، قال: ثنا أبي، عن ابن جريج، عن عطاء مثله، ولم يقل عن عمر. * - حدثنا أحمد بن الوليد، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا حلبس بن محمد العجلي، عن ابن جريج عن عطاء، عن عمر مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: وجعلت له مالا ممدودا وهو الكثير. الممدود عدده أو مساحته. القول في تأويل قوله تعالى: * (وبنين شهودا ئ ومهدت له تمهيدا ئ ثم يطمع أن أزيد ئ كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ئ سأرهقه صعودا) *. يقول تعالى ذكره: وجعلت له بنين شهودا، ذكر أنهم كانوا عشرة. ذكر من قال ذلك: 27426 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه، عن مجاهد وبنين شهودا قال: كان بنوه عشرة. وقوله: ومهدت له تمهيدا يقول تعالى ذكره: وبسطت له في العيش بسطا، كما: 27427 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ومهدت له تمهيدا قال: بسط له. 27428 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومهدت له تمهيدا قال: من المال والولد.
[ 193 ]
وقوله: ثم يطمع أن أزيد يقول تعالى ذكره: ثم يأمل ويرجو أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته كلا يقول: ليس ذلك كما يأمل ويرجو من أن أزيده مالا وولدا، وتمهيدا في الدنيا إنه كان لآياتنا عنيدا يقول: إن هذا الذي خلقته وحيدا كان لآياتنا، وهي حجج الله على خلقه من الكتب والرسل عنيدا، يعني معاندا للحق مجانبا له، كالبعير العنود ومنه قول القائل: إذا نزلت فاجعلاني وسطا * * إني كبير لا أطيق العندا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27429 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنه كان لآياتنا عنيدا قال: جحودا. 27430 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنه كان لآياتنا عنيدا قال محمد بن عمرو: معاندا لها. وقال الحارث: معاندا عنها، مجانبا لها. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، قوله عنيدا قال: معاندا للحق مجانبا. 27431 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنه كان لآياتنا عنيدا كفورا بآيات الله جحودا بها. 27432 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان لآياتنا عنيدا قال: مشاقا، وقيل: عنيدا، وهو من عاند معاندة فهو معاند، كما قيل: عام قابل، وإنما هو مقبل. وقوله: سأرهقه صعودا يقول تعالى ذكره: سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها. وقيل: إن الصعود جبل في النار يكلف أهل النار صعوده. ذكر الرواية بذلك:
[ 194 ]
27433 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا محمد بن سعيد بن زائدة، قال: ثنا شريك، عن عمارة، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) سأرهقه صعودا قال: هو جبل في النار من نار، يكلفون أن يصعدوه، فإذا وضع يده ذابت، فإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله كذلك. 27434 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (ص) قال: الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك منه أبدا. 27435 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد سأرهقه صعودا قال: مشقة من العذاب. * - حدثني الحارث، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 27436 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سأرهقه صعودا: أي عذابا لا راحة منه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة سأرهقه صعودا قال: مشقة من العذاب. 27437 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سأرهقه صعودا قال: تعبا من العذاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنه فكر وقدر ئ فقتل كيف قدر ئ ثم قتل كيف قدر ئ ثم نظر ئ ثم عبس وبسر ئ ثم أدبر واستكبر ئ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ئ إن هذا إلا قول البشر) *. يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقته وحيدا، فكر فيما أنزل على عبد ه محمد (ص) من القرآن، وقدر فيما يقول فيه فقتل كيف قدر يقول: ثم لعن كيف قدر النازل فيه ثم نظر يقول: ثم روي في ذلك ثم عبس يقول: ثم قبض ما بين عينيه وبسر يقول: كلح وجهه ومنه قول توبة بن الحمير:
[ 195 ]
وقد رابني منها صدود رأيته * * وإعراضها عن حاجتي وبسورها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الاخبار عن الوحيد أنه فعل. ذكر الرواية بذلك: 27438 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن عباد بن منصور، عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي (ص)، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالاشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر قال: هذا سحر يأثره عن غيره، فنزلت ذرني ومن خلقت وحيدا. قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدا، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر. 27439 - حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنه فكر وقدر... إلى ثم عبس وبسر قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه يسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة، فوالله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش، فلما سمع بذلك أبو جعل قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته، فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ قال: ألست أكثرهم مالا وولدا ؟ فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه قال الوليد: أقد تحدثت به عشيرتي فلا يقصر عن سائر
[ 196 ]
بني قصي لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على نبيه (ص): ذرني ومن خلقت وحيدا... إلى لا تبقي ولا تذر. 27440 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنه فكر وقدر زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل، فإذا هو ليس له بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى، وما أشك أنه سحر، فأنزل الله فيه: فقتل كيف قدر... الآية ثم عبس وبسر: قبض ما بين عينيه وكلح. 27441 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فكر وقدر قال: الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة. 27442 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا يعني الوليد بن المغيرة دعاه نبي الله (ص) إلى الاسلام، فقال: حتى أنظر، ففكر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر فجعل الله له سقر. 27443 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا... إلى قوله: إن هذا إلا سحر يؤثر قال: هذا الوليد بن المغيرة قال: سأبتار لكم هذا الرجل الليلة، فأتى النبي (ص)، فوجده قائما يصلي ويقترئ، وأتاهم فقالوا: مه ؟ قال: سمعت قولا حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب، فقالوا: هو شعر، فقال: لا والله ما هو بالشعر، ليس أحد أعلم بالشعر مني، أليس قد عرضت علي الشعراء شعرهم نابغة وفلان وفلان ؟ قالوا: فهو كاهن، فقال: لا والله ما هو بكاهن، قد عرضت علي الكهانة، قالوا: فهذا سحر الاولين اكتتبه، قال: لا أدري إن كان شيئا فعسى هو إذا سحر يؤثر، فقرأ: فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر قال: قتل كيف قدر حين قال: ليس بشعر، ثم قتل كيف قدر حين قال: ليس بكهانة.
[ 197 ]
وقوله: ثم أدبر واستكبر يقول تعالى ذكره: ثم ولى عن الايمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه، واستكبر عن الاقرار بالحق فقال إن هذا إلا سحر يؤثر قال: يأثره عن غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27444 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين إن هذا إلا سحر يؤثر قال: يأخذه عن غيره. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي رزين إن هذا إلا سحر يؤثر قال: يأثره عن غيره. وقوله: إن هذا إلا قول البشر يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن إن هذا إلا قول البشر ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر، يقول: ما هو إلا كلام ابن آدم، وما هو بكلام الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (سأصليه سقر ئ وما أدراك ما سقر ئ لا تبقي ولا تذر ئ لواحة للبشر ئ عليها تسعة عشر ئ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذآ أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشآء ويهدي من يشآء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) *. يعني تعالى ذكره بقوله: سأصليه سقر سأورده بابا من أبو اب جهنم اسمه سقر ولم يجر سقر لانه اسم من أسماء جهنم وما أدراك ما سقر يقول تعالى ذكره: وأي شئ أدراك يا محمد، أي، شئ سقر. ثم بين الله تعالى ذكره ما سقر، فقال: هي نار لا تبقى من فيها حيا ولا تذر من فيها ميتا، ولكنها تحرقهم كلما جدد خلقهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27445 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا تبقى ولا تذر قال: لا تميت ولا تحي. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 198 ]
27446 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن مرثد، في قوله: لا تبقى ولا تذر قال: لا تبقى منهم شيئا أن تأكلهم، فإذا خلقوا لها لا تذرهم حتى تأخذهم فتأكلهم. وقوله: لواحة للبشر يعني جل ثناؤه مغيرة لبشر أهلها واللواحة من نعت سقر، وبالرد عليها رفعت، وحسن الرفع فيها، وهي نكرة، وسقر معرفة، لما فيها من معنى المدح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27447 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لواحة للبشر قال: الجلد. 27448 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزين لواحة للبشر قال: تلفح الجلد لفحة، فتدعه أشد سوادا من الليل. 27449 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، قال: قال زيد بن أسلم لواحة للبشر: أي تلوح أجسادهم عليها. 27450 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لواحة للبشر أي حراقة للجلد. 27451 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لواحة للبشر يقول: تحرق بشرة الانسان. 27452 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لواحة للبشر قال: تغير البشر، تحرق البشر يقال: قد لاحه استقباله السماء، ثم قال: النار تغير ألوانهم. 27453 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين لواحة للبشر غيرت جلودهم فاسودت. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين مثله.
[ 199 ]
27454 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لواحة للبشر يعني بشر الانسان، يقول: تحرق بشره. وروي عن ابن عباس في ذلك ما: 27455 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله لواحة للبشر يقول: معرضة. وأخشى أن يكون خبر علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس هذا غلطا، وأن يكون موضع معرضة مغيرة، لكن صحف فيه. وقوله: عليها تسعة عشر يقول تعالى ذكره: على سقر تسعة عشر من الخزنة. وذكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله (ص)، قال أبو جهل ما: 27456 - حدثني به محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عليها تسعة عشر... إلى قوله: ويزداد الذين آمنوا إيمانا فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم ؟ فأوحي إلى رسول الله (ص) أن يأتي أبا جهل، فيأخذه بيده في بطحاء مكة فيقول له: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فلما فعل ذلك به رسول الله (ص) قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا فأخزاه الله يوم بدر. 27457 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة عليها تسعة عشر ذكر لنا أن أبا جهل حين أنزلت هذه الآية قال: يا معشر قريش ما يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزنة النار وأنتم الدهم ؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر.
[ 200 ]
* - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال أبو جهل: يخبركم محمد أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهم ليجتمع كل عشرة على واحد. 27458 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عليها تسعة عشر قال: خزنتها تسعة عشر. وقوله: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة يقول تعالى ذكره: وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة. يقول لابي جهل في قوله لقريش: أما يستطيع كل عشرة منكم أن تغلب منها واحدا ؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27459 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، في قوله: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة قال: ما جعلناهم رجالا، فيأخذ كل رجل رجلا كما قال هذا. وقوله: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا يقول: وما جعلنا عدة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27460 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا: إلا بلاء. وإنما جعل الله الخبر عن عدة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا، لتكذيبهم بذلك، وقول بعضهم لاصحابه: أنا أكفيكموهم. ذكر الخبر عمن قال ذلك: 27461 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تسعة عشر قال: جعلوا فتنة، قال أبو الاشد بن الجمحي: لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم. وقوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب يقول تعالى ذكره: ليستيقن أهل التوراة
[ 201 ]
والانجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27462 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا قال: وإنها في التوراة والانجيل تسعة عشرة، فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب، ويزداد الذين آمنوا إيمانا. 27463 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب قال: يجدونه مكتوبا عندهم عدة خزنة أهل النار. 27464 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ليستيقن الذين أوتوا الكتاب يصدق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها، التوراة والانجيل أن خزنة النار تسعة عشر. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب قال: ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدة خزنة النار ما في كتبهم. 27465 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب قال: عدة خزنة جهنم تسعة عشر في التوراة والانجيل. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 27466 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أنك رسول الله. وقوله: ويزداد الذين آمنوا إيمانا يقول تعالى ذكره: وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدة خزنة جهنم. وقوله: ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون يقول: ولا يشك أهل التوراة والانجيل في حقيقة ذلك والمؤمنون بالله من أمة محمد (ص).
[ 202 ]
وقوله: وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون يقول تعالى ذكره: وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق، والكافرون بالله من مشركي قريش ماذا أراد الله بهذا مثلا، كما: 27467 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وليقول الذين في قلوبهم مرض: أي نفاق. 27468 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا يقول: حتى يخوفنا بهؤلاء التسعة عشر. وقوله: كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء يقول تعالى ذكره: كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدة خزنة جهنم: أي شئ أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوفنا بذكر عدتهم، ويهتدي به المؤمنون، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا كذلك يضل الله من يشاء من خلقه فيخذله عن إصابة الحق ويهدي من يشاء منهم، فيوفقه لاصابة الصواب وما يعلم جنود ربك من كثرتهم إلا هو: يعني الله، كما: 27469 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما يعلم جنود ربك إلا هو أي من كثرتهم. وقوله: وما هي إلا ذكرى للبشر يقول تعالى ذكره: وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر، وهم بنو آدم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27470 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما هي إلا ذكرى للبشر يعني النار. 27471 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما هي إلا ذكرى للبشر قال: النار. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 203 ]
* (كلا والقمر ئ والليل إذ أدبر ئ والصبح إذا أسفر ئ إنها لاحدى الكبر ئ نذيرا للبشر ئ لمن شآء منكم أن يتقدم أو يتأخر) *. يعني تعالى ذكره بقوله كلا: ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها ثم أقسم ربنا تعالى فقال: والقمر والليل إذ أدبر يقول: والليل إذ ولى ذاهبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27472 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والليل إذ أدبر: إذ ولى. وقال آخرون في ذلك ما: 27473 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس: والليل إذ أدبر دبوره: إظلامه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة إذ أدبر، وبعض قراء مكة والكوفة: إذا دبر. والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض الكوفيين: هما لغتان، يقال: دبر النهار وأدبر، ودبر الصيف وأدبر قال: وكذلك قبل وأقبل فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالالف. وقال بعض البصريين: والليل إذا دبر يعني: إذا دبر النهار وكان في آخره قال: ويقال: دبرني: إذا جاء خلفي، وأدبر: إذا ولى. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى، وذلك أنه محكي عن العرب: قبح الله ما قبل منه وما دبر. وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك، لانهما بمعنى واحد. وقوله: والصبح إذا أسفر يقول تعالى ذكره: والصبح إذا أضاء، كما: 27474 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والصبح إذا أسفر: إذا أضاء وأقبل.
[ 204 ]
إنها لاحدى الكبر يقول تعالى ذكره: إن جهنم لاحدى الكبر، يعني الامور العظام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27475 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا وقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنها لاحدى الكبر يعني: جهنم. 27476 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين إنها لاحدى الكبر قال: جهنم. 27477 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنها لاحدى الكبر قال: هذه النار. 27478 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنها لاحدى الكبر قال: هي النار. 27479 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنها لاحدى الكبر يعني: جهنم. 27480 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إنها لاحدى الكبر: يعني جهنم. وقوله: نذيرا للبشر يقول تعالى ذكره: إن النار لاحدى الكبر، نذيرا لبني آدم. واختلف أهل التأويل في معنى قوله نذيرا للبشر، وما الموصوف بذلك، فقال بعضهم: عني بذلك النار، وقالوا: هي صفة للهاء التي في قوله إنها وقالوا: هي النذير فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر، لان إحدى الكبر معرفة، وقوله نذيرا نكرة، والكلام قد يحسن الوقوف عليه دونه. ذكر من قال ذلك: 27481 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: والله ما أنذر الناس بشئ أدهي منها، أو بداهية هي أدهي منها. وقال آخرون: بل ذلك من صفة الله تعالى، وهو خبر من الله عن نفسه، أنه نذير لخلقه وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله نذيرا على الخروج من جملة الكلام المتقدم، فيكون معنى الكلام: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر يعني:
[ 205 ]
إنذارا لهم فيكون قوله: نذيرا بمعنى إنذارا لهم كما قال: فكيف كان نذير بمعنى إنذاري ويكون أيضا بمعنى: إنها لاحدى الكبر صيرنا ذلك كذلك نذيرا، فيكون قوله: إنها لاحدى الكبر مؤديا عن معنى صيرنا ذلك كذلك، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله. ذكر من قال ذلك: 27482 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزين إنها لاحدى الكبر قال: جهنم نذيرا للبشر يقول الله: أنا لكم منها نذير فاتقوها. وقال آخرون: بل ذلك من صفة رسول الله (ص)، وقالوا: نصب نذيرا على الحال مما في قوله قم، وقالوا: معنى الكلام: قم نذيرا للبشر فأنذر. ذكر من قال ذلك: 27483 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نذيرا للبشر قال: الخلق، قال: بنو آدم البشر، فقيل له: محمد النذير ؟ قال: نعم ينذرهم. وقوله: لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر يقول تعالى ذكره: نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر في معصية الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27484 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر قال: من شاء اتبع طاعة الله، ومن شاء تأخر عنها. 27485 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر: يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر في معصيته. القول في تأويل قوله تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة ئ إلا أصحاب اليمين ئ في جنات يتساءلون ئ عن المجرمين ئ ما سلككم في سقر ئ قالوا لم نك من المصلين ئ ولم نك نطعم المسكين ئ وكنا نخوض مع الخائضين) *.
[ 206 ]
يقول تعالى ذكره: كل نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا، رهينة في جهنم إلا أصحاب اليمين فإنهم غير مرتهنين، ولكنهم في جنات يتساءلون عن المجرمين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27486 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: كل نفس بما كسبت رهينة يقول: مأخوذة بعملها. 27487 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال: غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين. 27488 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال: لا يحاسبون. 27489 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين: أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم، ولكن يغفرها الله لهم وقرأ قول الله: إلا عباد الله المخلصين قال: لا يؤاخذهم الله بسيئ أعمالهم، ولكن يغفرها الله لهم، ويتجاوز عنهم كما وعدهم. 27490 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كل نفس بما كسبت رهينة قال: كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار، لا يرتهن الله أحدا من أهل الجنة، ألم تسمع أنه قال: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين يقول: ليسوا رهينة في جنات يتساءلون. 27491 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله إلا أصحاب اليمين قال: إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جعل منزله في النار يكون فيها رهنا، وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون.
[ 207 ]
واختلف أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هم أطفال المسلمين. ذكر من قال ذلك: 27492 - حدثني واصل بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن الاعمش، عن عثمان، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه في هذه الآية: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال: هم الولدان. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عثمان أبي اليقظان، عن زاذان أبي عمر عن علي رضي الله عنه في قوله كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال: أطفال المسلمين. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان، عن زاذان أبي عمر، عن علي رضي الله عنه إلا أصحاب اليمين قال: أولاد المسلمين. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه إلا أصحاب اليمين قال: هم الولدان. وقال آخرون: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك: 27493 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: هم الملائكة. وإنما قال من قال: أصحاب اليمين في هذا الموضع: هم الولدان وأطفال المسلمين ومن قال: هم الملائكة، لان هؤلاء لم يكن لهم ذنوب، وقالوا: لم يكونوا ليسألوا المجرمين ما سلككم في سقر إلا أنهم لم يقترفوا في الدنيا مآثم، ولو كانوا اقترفوها وعرفوها لم يكونوا ليسألوهم عما سلكهم في سقر، لان كل من دخل من بني آدم ممن بلغ حد التكليف، ولزمه فرض الامر والنهي، قد علم أن أحدا لا يعاقب إلا على المعصية. وقوله: في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقريقول: أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سلكوا في سقر، أي شئ سلككم في سقر ؟ قالوا لم نك من المصلين يقول: قال المجرمون لهم: لم نك في الدنيا من المصلين لله ولم نك نطعم المسكين بخلا بما خولهم الله، ومنعا له من حقه. وكنا نخوض مع الخائضين يقول:
[ 208 ]
وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه، كما: 27494 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكنا نخوض مع الخائضين قال: كلما غوى غاو غوينا معه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله وكنا نخوض مع الخائضين قال: يقولون: كلما غوى غاو غوينا معه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكنا نكذب بيوم الدين ئ حتى أتانا اليقين ئ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ئ فما لهم عن التذكرة معرضين) *. وقوله: وكنا نكذب بيوم الدين يقول تعالى ذكره: قالوا: وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب، ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب حتى أتانا اليقين يقول: قالوا: حتى أتانا الموت الموقن به فما تنفعهم شفاعة الشافعين يقول: فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد، فتنفعهم شفاعتهم. وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفع بعض خلقه في بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27495 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها في الشفاعة، قال: ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون، ويشفعهم الله فيقول: أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق من النار ثم يقول: أنا أرحم الراحمين ثم قرأ عبد الله: يا أيها الكفار ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين وعقد بيده أربعا، ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير، ألا ما يترك فيها أحد فيه خير. 27496 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عمي وإسماعيل بن أبي خالد، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: قال عبد الله: لا يبقى في النار إلا أربعة أو ذو الاربعة. الشك من أبي جعفر الطبري ثم يتلو: ما سلككم في سقر قالوا لم
[ 209 ]
نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين. 27497 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فما تنفعهم شفاعة الشافعين تعلمن أن الله يشفع المؤمنين يوم القيامة. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إن من أمتي رجلا يدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم. قال الحسن: أكثر من ربيعة ومضر، كنا نحدث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة فما تنفعهم شفاعة الشافعين قال: تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض. 27498 - قال: ثنا أبو ثور، قال معمر: وأخبرني من سمع أنس بن مالك يقول: إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة والرجل. 27499 - قال: ثنا أبو ثور، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الامة الجنة مثل بني تميم، أو قال: أكثر من بني تميم، وقال الحسن: مثل ربيعة ومضر. وقوله: فما لهم عن التذكرة معرضين يقول: فما لهؤلاء المشركين عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين، لا يستمعون لها فيتعظوا ويعتبروا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27500 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فما لهم عن التذكرة معرضين أي عن هذا القرآن. القول في تأويل قوله تعالى: * (كأنهم حمر مستنفرة ئ فرت من قسورة ئ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ئ كلا بل لا يخافون الآخرة) *. يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرة معرضين، مولين عنها تولية الحمر المستنفرة فرت من قسورة.
[ 210 ]
واختلف القراء في قراءة قوله: مستنفرة، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسر الفاء، وفي قراءة بعض المكيين أيضا بمعنى نافرة. والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان معروفتان، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وكان الفراء يقول: الفتح والكسر في ذلك كثيران في كلام العرب وأنشد: أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب وقوله: فرت من قسورة اختلف أهل التأويل في معنى القسورة، فقال بعضهم: هم الرماة. ذكر من قال ذلك: 27501 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: فرت من قسورة قال: الرماة. 27502 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى فرت من قسورة قال: الرماة. 27503 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فرت من قسورة قال: هي الرماة. * - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 27504 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:
[ 211 ]
قسورة قال: عصبة قناص من الرماة. زاد الحارث في حديثه. قال: وقال بعضهم في القسورة: هو الاسد، وبعضهم: الرماة. 27505 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: فرت من قسورة قال: القسورة: الرماة، فقال رجل لعكرمة: هو الاسد بلسان الحبشة، فقال عكرمة: اسم الاسد بلسان الحبشة عنبسة. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن عكرمة، في قوله فرت من قسورة قال: الرماة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن عبد الله السلولي، عن ابن عباس، قال: هي الرماة. 27506 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فرت من قسورة وهم الرماة القناص. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله فرت من قسورة قال: قسورة النبل. وقال آخرون: هم القناص. ذكر من قال ذلك: 27507 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فرت من قسورة يعني: رجال القنص. 27508 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية فرت من قسورة قال: هم القناص. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: هم القناص. وقال آخرون: هم جماعة الرجال. ذكر من قال ذلك: 27509 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن القسورة، فقال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب: الاسد هي عصب الرجال.
[ 212 ]
27510 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب الاسد هي عصب الرجال. 27511 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: سمعت أبي يحدث، قال: ثنا داود، قال: ثني عباد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، قال: سئل ابن عباس عن القسورة، قال: جمع الرجال، ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية: يا بنت لؤي خيرة لخيره أحوالها في الحي مثل القسوره وقال آخرون: هي أصوات الرجال. ذكر من قال ذلك: 27512 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس فرت من قسورة قال: ركز الناس أصواتهم. قال أبو كريب، قال سفيان: هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا. وقال آخرون: بل هو الاسد. ذكر من قال ذلك: 27513 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة فرت من قسورة قال: هو الاسد. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ابن سيلان، أن أبا هريرة كان يقول في قول الله: فرت من قسورة قال: هو الاسد. 27514 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا هشام، عن زيد بن أسلم، في قول الله: فرت من قسورة قال: الاسد. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني داود بن قيس عن زيد بن أسلم، في قول الله: فرت من قسورة قال: هو الاسد. 27515 - حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال ثني سلم بن قتيبة، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سئل عن
[ 213 ]
قوله: فرت من قسورة قال: هو بالعربية: الاسد، وبالفارسية: شار، وبالنبطية: أريا، وبالحبشية: قسورة. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله فرت من قسورة يقول: الاسد. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة قال: الاسد. 27516 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فرت من قسورة قال: القسورة: الاسد. وقوله: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله، ولكن كل رجل منهم يريد أن يؤتي كتابا من السماء ينزل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27517 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتي صحفا منشرة قال: قد قال قائلون من الناس: يا محمد إن سرك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان، نؤمر فيه باتباعك، قال قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل. 27518 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتي صحفا منشرة قال: إلى فلان من رب العالمين. وقوله: كلا بل لا يخافون الآخرة يقول تعالى ذكره: ما الامر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشرة صدقوا، بل لا يخافون الآخرة، يقول: لكنهم لا يخافون عقاب الله، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب فذلك الذي دعاهم إلى الاعراض عن تذكرة الله، وهون عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 214 ]
27519 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: كلا بل لا يخافون الآخرة إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة، ولا يخافونها، هو الذي أفسدهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إنه تذكرة ئ فمن شآء ذكره ئ وما يذكرون إلا أن يشآء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) *. يعني جل ثناؤه بقوله: كلا إنه تذكرة ليس الامر كما يقول هؤلاء المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر، وأنه قول البشر، ولكنه تذكرة من الله لخلقه، ذكرهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27520 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كلا إنه تذكرة أي القرآن. وقوله: فمن شاء ذكره يقول تعالى ذكره: فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره، فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه وما يذكرون إلا أن يشاء الله يقول تعالى ذكره: وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به، ويتسعملون ما فيه، إلا أن يشاء الله أن يذكروه، لانه لا أحد يقدر على شئ إلا بأن يشاء الله يقدره عليه، ويعطيه القدرة عليه. وقوله: هو أهل التقوى وأهل المغفرة يقول تعالى ذكره: الله أهل أن يتقي عباده عقابه على معصيتهم إياه، فيجتنبوا معاصيه، ويسارعوا إلى طاعته، وأهل المغفرة يقول: هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك، ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27521 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هو أهل التقوى وأهل المغفرة ربنا محقوق أن تتقي محارمه، وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله هو أهل التقوى وأهل المغفرة قال: أهل أن تتقي محارمه، وأهل المغفرة: أهل أن يغفر الذنوب. آخر تفسير سورة المدثر
[ 215 ]
(75) سورة القيامة مكية وآياتها أربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (لا أقسم بيوم القيامة ئ ولا أقسم بالنفس اللوامة ئ أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه ئ بلى قادرين على أن نسوي بنانه) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: لا أقسم بيوم القيامة فقرأت ذلك عامة قراء الامصار: لا أقسم (لا) مفصولة من أقسم، سوى الحسن والاعرج، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك: لاقسم بيوم القيامة بمعنى: أقسم بيوم القيامة، ثم أدخلت عليها لام القسم. والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع لا مفصولة، أقسم مبتدأه على ما عليه قراء الامصار، لاجماع الحجة من القراء عليه. وقد اختلف الذين قرأوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله، فقال بعضهم لا صلة، وإنما معنى الكلام: أقسم بيوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 27522 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن سعيد بن جبير لا أقسم بيوم القيامة قال: أقسم بيوم القيامة.
[ 216 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير لا أقسم قال: أقسم. وقال آخرون منهم: بل دخلت لا توكيدا للكلام. ذكر من قال ذلك: 27523 - سمعت أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: لا أقسم توكيد للقسم كقوله: لا والله. وقال بعض نحويي الكوفة، لا رد لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدئ القسم، فقيل: أقسم بيوم القيامة، وكان يقول: كل يمين قبلها رد لكلام، فلا بد من تقديم لا قبلها، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا، واليمين التي تستأنف، ويقول: ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحق وإذا قلت: لا والله إن الرسول لحق فكأنك أكذبت قوما أنكروه. واختلفوا أيضا في ذلك، هل هو قسم أم لا ؟ فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة، وبالنفس اللوامة. ذكر من قال ذلك: 27524 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت ؟ فقلت: من أهل العراق، فقال: أيهم ؟ فقلت: من بني أسد، فقال: من حريبهم، أو ممن أنعم الله عليهم ؟ فقلت: لا بل ممن أنعم الله عليهم، فقال لي: سل، فقلت: لا أقسم بيوم القيامة، فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه. 27525 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: أقسم بهما جميعا. وقال آخرون: بل أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوامة. وقال: معنى قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة ولست أقسم بالنفس اللوامة. ذكر من قال ذلك: 27526 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوامة.
[ 217 ]
وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله أقسم بيوم القيامة، وبالنفس اللوامة، وجعل لا ردا لكلام قد كان تقدمه من قوم، وجوابا لهم. وإنما قلنا ذلك أولى الاقوال بالصواب، لان المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم: لا والله، لا فعلت كذا، أنه يقصد بلا رد الكلام، وبقوله: والله، ابتداء يمين، وكذلك قولهم: لا أقسم بالله لا فعلت كذا فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه، ما لم يخرج شئ من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد، فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله: لا أقسم بيوم القيامة قسم فكذلك قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة إلا أن تأتي حجة تدل على أن أحدهما قسم والآخر خبر. وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الاول لاقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة، فتأويل الكلام إذا: لا ما الامر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء، أقسم بيوم القيامة. وكانت جماعة تقول: قيامة كل نفس موتها. ذكر من قال ذلك: 27527 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان ومسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة أحدهم: موته. 27528 - قال: ثنا وكيع، عن مسعر وسفيان، عن أبي قبيس، قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته. وقوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: اللوامة فقال بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشر. ذكر من قال ذلك: 27529 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: تلوم على الخير والشر. 27530 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: تلوم على الخير والشر. 27531 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: هي النفس اللؤوم.
[ 218 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تلوم على ما فات وتندم. ذكر من قال ذلك: 27532 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بالنفس اللوامة قال: تندم على ما فات وتلوم عليه. وقال آخرون: بل اللوامة: الفاجرة. ذكر من قال ذلك: 27533 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولا أقسم بالنفس اللوامة: أي الفاجرة. وقال آخرون: بل هي المذمومة. ذكر من قال ذلك: 27534 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة يقول: المذمومة. وهذه الاقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها، فمتقاربات المعاني، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات، والقراء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل لا من أقسم. وقوله: أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه يقول تعالى ذكره: أيظن ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها، بلى قادرين على أعظم من ذلك، أن نسوي بنانه، وهي أصابع يديه ورجليه، فنجعلها شيئا واحدا كخف البعير، أو حافر الحمار، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط، فحسن خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27535 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: سل، فقلت: أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه قال: لو شاء لجعله خفا أو حافرا. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله بلى قادرين على أن نسوي بنانه قال: أنا قادر على أن أجعل كفه مجمرة مثل خف البعير.
[ 219 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن مغيرة، عمن حدثه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلى قادرين على أن نسوي بنانه قال: نجعله خفا أو حافرا. 27536 قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرمة على أن نسوي بنانه قال: على أن نجعله مثل خف البعير، أو حافر الحمار. 27537 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: بلى قادرين على أن نسوي بنانه قال: جعلها يدا، وجعلها أصابع يقبضهن ويبسطهن، ولو شاء لجمعهن، فاتقيت الارض بفيك، ولكن سواك خلقا حسنا. قال أبو رجاء: وسئل عكرمة فقال: لو شاء لجعلها كخف البعير. 27538 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: على أن نسوي بنانه رجليه، قال: كخف البعير فلا يعمل بهما شيئا. 27539 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بلى قادرين على أن نسوي بنانه قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة، أو كخف البعير، ولو شاء لجعله كذلك، فإنما ينقي طعامه بفيه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله على أن نسوي بنانه قال: لو شاء جعل بنانه مثل خف البعير، أو حافر الدابة. 27540 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله على أن نسوي بنانه قال: البنان: الاصابع، يقول: نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خف البعير. واختلف أهل العربية في وجه نصب قادرين فقال بعضهم: نصب لانه واقع موقع نفعل، فلما رد إلى فاعل نصب، وقالوا: معنى الكلام: أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بل نقدر على أن نسوي بنانه ثم صرف نقدر إلى قادرين. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: نصب على الخروج من نجمع، كأنه قيل في الكلام: أيحسب أن لن نقوى عليه ؟ بل قادرين على أقوى منك. يريد: بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. وقال: قول الناس بل نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ، لان الفعل لا ينصب بتحويله من
[ 220 ]
يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تقول: أتقوم إلينا، فإن حولتها إلى فاعل قلت: أقائم، وكان خطأ أن تقول قائما قال: وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق: على قسم لا أشتم الدهر مسلما ولا خارجا من في زور كلام فقالوا: إنما أراد: لا أشتم ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لانه أراد: عاهدت ربي لاشاتما أحدا، ولا خارجا من في زور كلام وقوله: لا أشتم، في موضع نصب. وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصب على نجمع: أي بل نجمعها قادرين على أن نسوي بنانه، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل يريد الانسان ليفجر أمامه ئ يسأل أيان يوم القيامة ئ فإذا برق البصر ئ وخسف القمر ئ وجمع الشمس والقمر ئ يقول الانسان يومئذ أين المفر ئ كلا لا وزر ئ إلى ربك يومئذ المستقر) *. يقول تعالى ذكره: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه، ولكنه يريد أن يمضي أمامه قدما في معاصي الله، لا يثنيه عنها شئ، ولا يتوب منها أبدا، ويسوف التوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27541 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم الضبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: بل يريد الانسان ليفجر أمامه قال: يمضي قدما. 27542 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 221 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله بل يريد الانسان ليفجر أمامه يعني الامل، يقول الانسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة. 27543 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ليفجر أمامه قال: يمضي أمامه راكبا رأسه. 27533 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بل يريد الانسان ليفجر أمامه قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدما قدما، إلا من قد عصم الله. 27545 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: ليفجر أمامه قال: قدما في المعاصي. 27546 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن إسماعيل السدي بل يريد الانسان ليفجر أمامه قال: قدما. 27547 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرمة بل يريد الانسان ليفجر أمامه قال: قدما لا ينزع عن فجور. 27548 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير ليفجر أمامه قال: سوف أتوب. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ولا يذكر الموت. ذكر من قال ذلك: 27549 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بل يريد الانسان ليفجر أمامه هو الامل يؤمل الانسان، أعيش وأصيب من الدنيا كذا، وأصيب كذا، ولا يذكر الموت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الانسان الكافر ليكذب بيوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 27550 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بل يريد الانسان ليفجر أمامه يقول: الكافر يكذب بالحساب.
[ 222 ]
27551 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: بل يريد الانسان ليفجر أمامه قال: يكذب بما أمامه يوم القيامة والحساب. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الانسان ليكفر بالحق بين يدي القيامة، والهاء على هذا القول في قوله: أمامه من ذكر القيامة، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل. وقوله: يسأل أيان يوم القيامة يقول تعالى ذكره: يسأل ابن آدم السائر دائبا في معصية الله قدما: متى يوم القيامة ؟ تسويفا منه للتوبة، فبين الله له ذلك فقال: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر... الآية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27552 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن قتادة، قوله: يسأل أيان يوم القيامة يقول: متى يوم القيامة قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من سئل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة. 27553 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يسأل أيان يوم القيامة متى يكون ذلك، فقرأ: وجمع الشمس والقمر قال: فكذلك يكون يوم القيامة. وقوله: فإذا برق البصر اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق: فإذا برق بفتح الراء، بمعنى شخص وفتح عند الموت وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قراء الكوفة برق بكسر الراء، بمعنى: فزع وشق. وقد: 27554 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون، قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عنها، فقال: برق بالكسر بمعنى حار. قال: وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال: برق بالفتح، إنما برق الخيطل والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال: وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق، فقال: أخذت قراءتي عن الاشياخ نصر بن عاصم وأصحابه، فذكرت لابي عمرو، فقال: لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه، فكأنه يقول: آخذ عن أهل الحجاز. وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء فإذا برق بمعنى: فزع فشق
[ 223 ]
وفتح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عبيدة الكلابي: لما أتاني ابن صبيح راغبا * * أعطيته عيساء منها فبرق وحدثت عن أبي زكريا الفراء قال: أنشدني بعض العرب: نعاني حنانة طوبالة * * تسف يبيسا من العشرق فنفسك فانع ولا تنعني * * وداو الكلوم ولا تبرق بفتح الراء، وفسره أنه يقول: لا تفزع من هول الجراح التي بك قال: وكذلك يبرق البصر يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27555 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فإذا برق البصر يعني يبرق البصر: الموت، وبروق البصر: هي الساعة. 27556 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: برق البصر قال: عند الموت. 27557 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإذا برق البصر شخص البصر. وقوله: وخسف القمر يقول: ذهب ضوء القمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 224 ]
27558 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وخسف القمر: ذهب ضوءه فلا ضوء له. 27559 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن وخسف القمر هو ضوءه، يقول: ذهب ضوءه. وقوله: وجمع الشمس والقمر يقول تعالى ذكره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما وهي في قراءة عبد الله فيما ذكر لي: وجمع بين الشمس والقمر وقيل: إنهما يجمعان ثم يكوران، كما قال جل ثناؤه: إذا الشمس كورت وإنما قيل: وجمع الشمس والقمر لما ذكرت من أن معناه جمع بينهما. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إنما قيل: وجمع على مذهب وجمع النوران، كأنه قيل: وجمع الضياءان، وهذا قول الكسائي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27560 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وجمع الشمس والقمر قال: كورا يوم القيامة. 27561 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجمع الشمس والقمر قال: جمعا فرمي بهما في الارض. وقوله: إذا الشمس كورت قال: كورت في الارض والقمر معها. 27562 - قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن أبي شيبة الكوفي، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الآية يوما: وجمع الشمس والقمر قال: يجمعان يوم القيامة، ثم يقذفان في البحر، فيكون نار الله الكبرى. وقوله: يقول الانسان يومئذ أين المفر بفتح الفاء، قرأ ذلك قراء الامصار، لان العين في الفعل منه مكسورة، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مفعل، فتقول: فر يفر مفرا، يعني فرا، كما قال الشاعر: يا لبكر أنشروا لي كليبا * * يا لبكر أين أين المفر إذا
[ 225 ]
أريد هذا المعنى من مفعل قالوا: أين المفر بفتح الفاء، وكذلك المدب من دب يدب، كما قال بعضهم: كأن بقايا الاثر فوق متونه * * مدب الدبى فوق النقا وهو سارح وقد ينشد بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين. وزعم الفراء أنهما لغتان، وأنه سمع: جاء على مدب السيل، ومدب السيل، وما في قميصه مصح ومصح. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مفعل إذا كان الفعل على يفعل، وإنما يجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفر إليه، وكذلك المضرب: المكان الذي يضرب فيه إذا كسرت الراء. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء، ويقول: إنما المفر: مفر الدابة حيث تفر. والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المفر، لاجماع الحجة من القراء عليها، وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار، وهو في هذا الموضع الفرار. وتأويل الكلام: يقول الانسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفر من هول هذا الذي قد نزل، ولا فرار. يقول تعالى ذكره: كلا لا وزر يقول جل ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لانه لا ينجيه فراره، ولا شئ يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل، من أمر الله الذي قد حضر، وهو الوزر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27563 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كلا لا وزر يقول: لا حرز. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله كلا لا وزر يعني: لا حصن، ولا ملجأ.
[ 226 ]
27564 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا إبراهيم بن طريف، قال: سمعت مطرف بن الشخير يقرأ: لا أقسم بيوم القيامة فلما أتى علي: كلا لا وزر قال: هو الجبل، إن الناس إذا فروا قالوا عليك بالوزر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أدهم، قال: سمعت مطرفا يقول: كلا لا وزر قال: كلا لا جبل. 27565 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن، قال: كلا لا وزر قال: لا جبل. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله كلا لا وزر قال: كانت العرب تخيف بعضها بعضا، قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما، فلا يشعران بشئ حتى تأتيهما الخيل، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان الوزر الوزر، الجبل الجبل. * - حدثني أبو حفص الحيري، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود، عن الحسن، في قوله كلا لا وزر قال: لا جبل. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي مودود، قال: سمعت الحسن فذكر نحوه. 27566 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا وزر لا ملجأ ولا جبل. 27567 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كلا لا وزر لا جبل ولا حرز ولا منجى. قال الحسن: كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدوا قالوا: عليكم الوزر: أي عليكم الجبل. 27568 - حدثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة في قوله: كلا لا وزر قال: لا حصن. * - حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة بمثله.
[ 227 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة مثله. * - قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا مسلم بن طهمان، عن قتادة، في قوله لا وزر يقول: لا حصن. 27569 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا وزر قال: لا جبل. 27570 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن مولى للحسن، عن سعيد بن جبير لا وزر: لا حصن. قال: ثنا وكيع، عن أبي حجير، عن الضحاك، لا حصن. 27572 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كلا لا وزر يعني: الجبل بلغة حمير. 27573 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كلا لا وزر قال: لا متغيب يتغيب فيه من ذلك الامر، لا منجى له منه. وقوله: إلى ربك يومئذ المستقر يقول تعالى ذكره: إلى ربك أيها الانسان يومئذ الاستقرار، وهو الذي يقر جميع خلقه مقرهم. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 27574 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلى ربك يومئذ المستقر قال: استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وقرأ قول الله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون. وقال آخرون: عنى بذلك إلى ربك المنتهى. ذكر من قال ذلك: 27575 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إلى ربك يومئذ المستقر: أي المنتهى. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 228 ]
* (ينبؤأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر ئ بل الانسان على نفسه بصيرة ئ ولو ألقى معاذيره) *. يقول تعالى ذكره: يخبر الانسان يومئذ، يعني يوم يجمع الشمس والقمر فيكوران بما قدم وأخر. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: بما قدم وأخر فقال بعضهم: معنى ذلك: بما قدم من عمل خير، أو شر أمامه، مما عمله في الدنيا قبل مماته، وما أخر بعد مماته من سيئة وحسنة، أو سيئة يعمل بها من بعده. ذكر من قال ذلك: 27576 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر يقول: ما عمل قبل موته، وما سن فعمل به بعد موته. 27577 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال: بما قدم من عمله وأخر من سنة عمل بها من بعده من خير أو شر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ الانسان بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة. ذكر من قال ذلك: 27578 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر يقول: بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة، فينبأ بذلك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأول عمله وآخره. ذكر من قال ذلك: 27579 - حدثنا ابن بشار، قال ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور عن مجاهد ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر قال: بأول عمله وآخره. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
[ 229 ]
27580 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بما قدم من طاعة وأخر من حقوق الله التي ضيعها. ذكر من قال ذلك: 27581 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ينبأ الانسان يومئذ بما قدم من طاعة الله وأخر مما ضيع من حق الله. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بما قدم وأخر قال: بما قدم من طاعته، وأخر من حقوق الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بما قدم من خير أو شر مما عمله، وما أخر مما ترك عمله من طاعة الله. ذكر من قال ذلك: 27582 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر قال: ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله، ما ترك من طاعة الله لم يعمل به، وما قدم: ما عمل من خير أو شر. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن ذلك خبر من الله أن الانسان ينبأ بكل ما قدم أمامه مما عمل من خير أو شر في حياته، وأخر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدم وأخر، كذلك ما قدم من عمل عمله من خير أو شر، وأخر بعده من عمل كان عليه فضيعه، فلم يعمله مما قدم وأخر، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض، فكل ذلك مما ينبأ به الانسان يوم القيامة. وقوله: بل الانسان على نفسه بصيرة يقول تعالى ذكره: بل للانسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27583 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه. والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله على نفسه، والانسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله: نفسه.
[ 230 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل الانسان شاهد على نفسه وحده ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرا للانسان، ورفع الانسان بها. ذكر من قال ذلك: 27584 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس بل الانسان على نفسه بصيرة يقول: الانسان شاهد على نفسه وحده. 27585 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة قال: شاهد عليها بعملها. 27586 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله بل الانسان على نفسه بصيرة إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه قال: وكان يقال: إن في الانجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك. 27587 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة قال: هو شاهد على نفسه، وقرأ: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. ومن قال هذه المقالة يقول: أدخلت الهاء في قوله بصيرة وهي خبر للانسان، كما يقال للرجل: أنت حجة على نفسك، وهذا قول بعض نحويي البصرة. وكان بعضهم يقول: أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر، كما أدخلت في راوية وعلامة. وقوله: ولو ألقى معاذيره اختلف أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل للانسان على نفسه شهود من نفسه، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل. ذكر من قال ذلك: 27588 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ولو ألقى معاذيره يعني الاعتذار، ألم تسمع أنه قال: لا ينفع
[ 231 ]
الظالمين معذرتهم، وقال الله: وألقوا إلى الله يومئذ السلم ما كنا نعمل من سوء وقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين. 27589 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، في قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر. 27590 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ولو جادل عنها، فهو بصيرة عليها. 27591 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، قال: سألت عكرمة، عن قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره قال: فسكت، فقلت له: إن الحسن يقول: ابن آدم عملك أولى بك، قال: صدق. 27592 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولو ألقى معاذيره قال: معاذيرهم التي يعتذرون بها بوم القيامة فلا ينتفعون بها، قال: يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم، ويعتذرون بالكذب. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل للانسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرد. ذكر من قال ذلك: 27593 - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، في قوله: ولو ألقى معاذيره قال: لو تجرد. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو أرخى الستور وأغلق الابواب. ذكر من قال ذلك: 27594 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رواد، عن أبي حمزة، عن السدي، في قوله: ولو ألقى معاذيره ولو أرخى الستور، وأغلق الابواب.
[ 232 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو ألقى معاذيره لم تقبل. ذكر من قال ذلك: 27595 - حدثني نصر بن علي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن: ولو ألقى معاذيره لم تقبل معاذيره. 27596 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: (ولو ألقى معاذيره) قال: ولو اعتذر. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لان ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن الانسان أن عليه شاهدا من نفسه بقوله بل الانسان على نفسه بصيرة فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل، واعتذر بغير الحق، فشهادة نفسه عليه به أحق وأولى من اعتذاره بالباطل. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به ئ إن علينا جمعه وقرآنه ئ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ئ ثم إن علينا بيانه) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا تحرك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به. واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به فقال بعضهم: قيل له ذلك، لانه كان إذا نزل عليه منه شئ عجل به، يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به فإنا سنحفظه عليك. ذكر من قال ذلك: 27597 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي (ص) كان إذا نزل عليه القرآن تعجل يريد حفظه، فقال الله تعالى ذكره: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه وقال ابن عباس: هكذا، وحرك شفتيه. * - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ويونس قالا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، أن النبي (ص) كان إذا نزل عليه القرآن تعجل به يريد حفظه وقال يونس: يحرك شفتيه ليحفظه، فأنزل الله: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه.
[ 233 ]
* - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي عائشة، سمع سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وقال: لا تحرك به لسانك قال: هكذا، وحرك سفيان فاه. 27598 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان النبي (ص) إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، فكان يعرف ذلك فيه، فأنزل الله هذه الآية في لا أقسم بيوم القيامة: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي (ص) إذا نزل عليه القرآن، حرك شفتيه، فيعرف بذلك، فحاكاه سعيد، فقال: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: لتعجل بأخذه. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال سمعت سعيد بن جبير يقول: لا تحرك به لسانك لتعجل به. قال: كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن، فيحرك به لسانه، يستعجل به، فقال: لا تحرك به لسانك لتعجل به. 27599 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ربعى بن علية، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي في هذه الآية: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان إذا نزل عليه الوحي عجل يتكلم به من حبه إياه، فنزل. لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه. 27600 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضي إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به. 27601 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا تحرك به لسانك قال: كان نبي (ص) إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرك به لسانه مخافة أن ينساه.
[ 234 ]
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك، أنه كان يكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه، فقيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا أن نجمعه لك، ونقرئكه فلا تنسى. ذكر من قال ذلك: 27602 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه، فقال الله: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا أن نجمعه لك، وقرآنه: أن نقرئك فلا تنسى. 27603 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا تحرك به لسانك قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان، فقال له: كفيناكه يا محمد. 27604 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان رسول الله (ص) يحرك به لسانه ليستذكره، فقال الله: لا تحرك به لسانك لتعجل به إنا سنحفظه عليك. 27605 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به كان نبي الله (ص) يحرك به لسانه مخافة النسيان، فأنزل الله ما تسمع. 27606 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا تحرك به لسانك قال: كان رسول الله (ص) يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى. وأشبه القولين بما دل عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وذلك أن قوله: إن علينا جمعه وقرآنه ينبئ أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبي (ص) من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك. وقوله: إن علينا جمعه وقرآنه يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في
[ 235 ]
صدرك يا محمد حتى نثبته فيه وقرآنه يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27607 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن علينا جمعه قال: في صدرك وقرآنه قال: تقرؤه بعد. 27608 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إن علينا جمعه وقرآنه أن نجمعه لك، وقرآنه: أن نقرئك فلا تنسى. 27609 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله إن علينا جمعه وقرآنه يقول: إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك. وكان آخرون يتأولون قوله: وقرآنه وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه. ذكر من قال ذلك: 27610 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن علينا جمعه وقرآنه يقول حفظه وتأليفه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة جمعه وقرآنه قال: حفظه وتأليفه. وكأن قتادة وجه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قرأت هذ الناقة في بطنها جنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم: ذراعي عيطل أدماء بكر * * هجان اللون لم تقرأ جنينا
[ 236 ]
يعني بقوله: لم تقرأ: لم تضم رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة. وقوله: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه. ذكر من قال ذلك: 27611 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وابن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فإذا قرأناه: فإذا أنزلناه إليك فاتبع قرآنه قال: فاستمع قرآنه. * - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فإذا قرأناه فاتبع قرآنه: فإذا أنزلناه إليك فاستمع له. و قال آخرون: بل معنى ذلك: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والاحكام. ذكر من قال ذلك: 27612 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه. 27613 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يقول اتبع حلاله واجتنب حرامه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يقول: فاتبع حلاله، واجتنب حرامه. 27614 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فاتبع قرآنه يقول: اتبع ما فيه. وقال آخرون: بل معناه: فإذا بيناه فاعمل به. ذكر من قال ذلك: 27615 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يقول: اعمل به. وأولى هذه الاقوال بالصواب في ذلك قول من قال: فإذا تلي عليك فاعمل به من الامر والنهي، واتبع ما أمرت به فيه، لانه قيل له: إن علينا جمعه في صدرك وقرآنه ودللنا على أن معنى قوله: وقرآنه: وقراءته، فقد بين ذلك عن معنى قوله: فإذا قرأناه
[ 237 ]
فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه يقول تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 27616 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ثم إن علينا بيانه يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه. 27617 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم إن علينا بيانه بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك. ذكر من قال ذلك: 27618 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ثم إن علينا بيانه قال: تبيانه بلسانك. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا بل تحبون العاجلة ئ وتذرون الآخرة ئ وجوه يومئذ ناضرة ئ إلى ربها ناظرة ئ ووجوه يومئذ باسرة ئ تظن أن يفعل بها فاقرة) *. يقول تعالى ذكره لعباده المخاطبين بهذا القرآن المؤثرين زينة الحياة الدنيا على الآخرة: ليس الامر كما تقولون أيها الناس من أنكم لا تبعثون بعد مماتكم، ولا تجازون بأعمالكم، لكن الذي دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم الدنيا العاجلة، وإيثاركم شهواتها على آجل الآخرة ونعيمها، فأنتم تؤمنون بالعاجلة، وتكذبون بالآجلة، كما: 27619 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة اختار أكثر الناس العاجلة، إلا من رحم الله وعصم. وقوله: وجوه يومئذ ناضرة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، يعني يوم القيامة ناضرة: يقول حسنة جميلة من النعيم يقال من ذلك: نضر وجه فلان: إذا حسن من النعمة، ونضر الله وجهه: إذا حسنه كذلك. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
[ 238 ]
27620 - حدثني محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم، قال: ثنا المبارك، عن الحسن وجوه يومئذ ناضرة قال: حسنة. 27621 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وجوه يومئذ ناضرة قال: نضرة الوجوه: حسنها. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 27622 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجوه يومئذ ناضرة قال: الناضرة: الناعمة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: سفيان، عن منصور، عن مجاهد وجوه يومئذ ناضرة قال: الوجوه الحسنة. 27623 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وجوه يومئذ ناضرة قال: من السرور والنعيم والغبطة. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنها مسرورة. ذكر من قال ذلك: 27624 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وجوه يومئذ ناضرة قال: مسرورة. إلى ربها ناظرة اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها. ذكر من قال ذلك: 27625 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: ثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: تنظر إلى ربها نظرا. 27626 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أخبرني الحسين بن واقد في قوله وجوه يومئذ ناضرة من النعيم إلى ربها ناظرة قال: أخبرني يزيد النحوي، عن عكرمة وإسماعيل بن أبي خالد، وأشياخ من أهل الكوفة، قال: تنظر إلى ربها نظرا. 27627 - حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم قال: ثنا المبارك، عن
[ 239 ]
الحسن، في قوله: وجوه يومئذ ناضرة قال: حسنة إلى ربها ناظرة قال: تنظر إلى الخالق، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق. 27628 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي، في قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله: لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها. ذكر من قال ذلك: 27629 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: تنتظر منه الثواب. * - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد إلى ربها ناظرة قال: تنتظر الثواب من ربها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد إلى ربها ناظرة قال: تنتظر الثواب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد إلى ربها ناظرة قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شئ. 27630 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن مجاهد وجوه يومئذ ناضرة قال: نضرة من النعيم إلى ربها ناظرة قال: تنتظر رزقه وفضله. 27631 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث، فيرون ربهم فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يرى، قال: يرى ولا يراه شئ. 27632 - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله إلى ربها ناظرة قال: تنتظر من ربها ما أمر لها. 27633 - حدثني أبو الخطاب الحساني، قال: ثنا مالك، عن سفيان، قال: ثنا
[ 240 ]
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: تنتظر الثواب. 27634 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى ملكه وسرره وخدمه مسيرة ألف سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بكرة وعشية. 27635 - قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا أشجع، عن أبي الصهباء الموصلي، قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة، من يرى سرره وخدمه وملكه في مسيرة ألف سنة، فيرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة، من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية. وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرمة، من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها، وبذلك جاء الاثر عن رسول الله (ص): * - حدثني علي بن الحسين بن أبجر، قال ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل بن يونس، عن ثوير، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): إن أدنى أهل الجنة منزلة، لمن ينظر في ملكه ألفي سنة قال: وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله كل يوم مرتين قال: ثم تلا: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: بالبياض والصفاء، قال: إلى ربها ناظرة قال: تنظر كل يوم في وجه الله عز وجل. وقوله: ووجوه يومئذ باسرة يقول تعالى ذكره: ووجوه يومئذ متغيرة الالوان، مسودة كالحة يقال: بسرت وجهه أبسره بسرا: إذا فعلت ذلك، وبسر وجهه فهو باسر بين البسور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27636 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: باسرة قال: كاشرة.
[ 241 ]
27637 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ووجوه يومئذ باسرة: أي كالحة. 27638 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: باسرة قال: عابسة. 27639 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة باسرة قال: عابسة. وقوله تظن أن يفعل بها فاقرة يقول تعالى ذكره: تعلم أنه يفعل بها داهية والفاقرة: الداهية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27640 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تظن أن يفعل بها فاقرة قال: داهية. 27641 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة تظن أن يفعل بها فاقرة أي شر. 27642 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: تظن أن يفعل بها فاقرة قال: تظن أنها ستدخل النار، قال: تلك الفاقرة، وأصل الفاقرة: الوسم الذي يفقر به على الانف. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إذا بلغت التراقي ئ وقيل من راق ئ وظن أنه الفراق ئ والتفت الساق بالساق ئ إلى ربك يومئذ المساق) *. يقول تعالى ذكره: ليس الامر كما يظن هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها. وقال ابن زيد في قوله الله: كلا إذا بلغت التراقي قال: التراقي: نفسه. 27643 - حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وقيل من راق يقول تعالى ذكره: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الاطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا.
[ 242 ]
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: من راق فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: 27644 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة وقيل من راق قال: هل من راق يرقي ؟ 27645 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة وقيل من راق قال: هل من طبيب شاف. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة، مثله. 27646 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي بسطام، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره: وقيل من راق قال: هو الطبيب. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن جويبر، عن الضحاك في وقيل من راق قال: هل من مداو. 27647 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقيل من راق: أي التمسوا له الاطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا. 27648 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن يزيد في قوله: وقيل من راق قال: أين الاطباء، والرقاة: من يرقيه من الموت. وقال آخرون: بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض، يقول بعضهم لبعض: من يرقى بنفسه فيصعد بها. ذكر من قال ذلك: 27649 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق قال: إذا بلغت نفسه يرقى بها، قالت الملائكة: من يصعد بها، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب ؟. 27650 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: وقيل من راق قال: بلغني عن أبي قلابة قال: هل من طبيب ؟ قال: وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال: قالت الملائكة بعضهم لبعض: من يرقى: ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب ؟.
[ 243 ]
وقوله: وظن أنه الفراق يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والاهل والمال والولد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27651 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وظن أنه الفراق: أي استيقن أنه الفراق. 27652 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وظن أنه الفراق قال: ليس أحد من خلق الله يدفع الموت، ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره ؟ فالظن كما ههنا هذا. وقوله: والتفت الساق بالساق اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفت شدة أمر الدنيا بشدة أمر الآخرة. ذكر من قال ذلك: 27653 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس والتفت الساق قال: الدنيا بالآخرة شدة. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والتفت الساق بالساق يقول: آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة، إلا من رحم الله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والتفت الساق بالساق يقول: والتفت الدنيا بالآخرة، وذلك ساق الدنيا والآخرة، ألم تسمع أنه يقول: إلى ربك يومئذ المساق. 27654 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: والتفت الساق بالساق قال: التف أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت. * - حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قال: آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة. 27655 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والتفت الساق بالساق قال: قال الحسن: ساق الدنيا بالآخرة.
[ 244 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، قال: هو أمر الدنيا والآخرة عند الموت. 27656 - حدثني علي بن الحسين، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي سنان الشيباني، عن ثابت، عن الضحاك في قوله: والتفت الساق بالساق قال: أهل الدنيا يجهزون الجسد، وأهل الآخرة يجهزون الروح. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك، مثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، قال: اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. 27657 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ساق الدنيا بساق الآخرة. 27658 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا جعفر بن عون، عن أبي جعفر، عن الربيع، مثله وزاد: ويقال: التفافهما عند الموت. 27659 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: الدنيا والآخرة. 27660 - قال: ثنا ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والتفت الساق بالساق قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والتفت الساق بالساق قال: الشدة بالشدة، ساق الدنيا بساق الآخرة. 27661 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد، فقال: عمل الدنيا بعمل الآخرة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هما الدنيا والآخرة.
[ 245 ]
27662 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والتفت الساق بالساق قال: العلماء يقولون فيه قولين: منهم من يقول: ساق الآخرة بساق الدنيا. وقال آخرون: قل ميت يموت إلا التفت إحدى ساقيه بالاخرى. قال ابن زيد: غير أنا لا نشك أنها ساق الآخرة، وقرأ: إلى ربك يومئذ المساق قال: لما التفت الآخرة بالدنيا، كان المساق إلى الله، قال: وهو أكثر قول من يقول ذلك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن. ذكر من قال ذلك: 27663 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا بشير بن المهاجر، عن الحسن، في قوله: والتفت الساق بالساق قال: لفهما في الكفن. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع وابن اليمان، عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، قال: هما ساقاك إذا لفتا في الكفن. * - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفاف ساقي الميت عند الموت. ذكر من قال ذلك: 27664 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر والتفت الساق بالساق قال: ساقا الميت. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب و عبد الاعلى، قالا: ثنا داود، عن عامر، قال: التفت ساقاه عند الموت. 27665 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، مثله. * - حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، بنحوه. 27666 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين عن أبي مالك والتفت الساق بالساق قال: عند الموت. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك، قال: التفت ساقاك عند الموت.
[ 246 ]
27667 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: والتفت الساق بالساق: لفهما أمر الله. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: ساقا ابن آدم عند الموت. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السدي، عن أبي مالك والتفت الساق بالساق قال: هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالاخرى. 27668 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة والتفت الساق بالساق قال قتادة: أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الاخرى. 27669 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والتفت الساق بالساق: ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شئ، فقد كان عليهما جوالا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك والتفت الساق بالساق قال: ساقاه عند الموت. وقال آخرون: عني بذلك يبسهما عند الموت. ذكر من قال ذلك: 27670 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك والتفت الساق بالساق قال: يبسهما عند الموت. 27671 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: والتف أمر بأمر. ذكر من قال ذلك: 27672 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي خالد، عن أبي عيسى والتفت الساق بالساق قال: الامر بالامر. وقال آخرون: بل عنى بذلك: والتف بلاء ببلاء. ذكر من قال ذلك: 27673 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: بلاء ببلاء. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال: معنى ذلك: والتفت ساق الدنيا بساق الآخرة، وذلك شدة كرب الموت بشدة هول المطلع والذي يدل على أن ذلك
[ 247 ]
تأويله، قوله: إلى ربك يومئذ المساق والعرب تقول لكل أمر اشتد: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه ومنه قول الشاعر: إذا شمرت لك عن ساقهافرنها ربيع ولا تسأم عنى بقوله: التفت الساق بالساق: التصقت إحدى الشدتين بالاخرى، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالاخرى: لفاء. وقوله: إلى ربك يومئذ المساق يقول: إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا صدق ولا صلى ئ ولكن كذب وتولى ئ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ئ أولى لك فأولى ئ ثم أولى لك فأولى ئ أيحسب الانسان أن يترك سدى) *. يقول تعالى ذكره: فلم يصدق بكتاب الله، ولم يصل له صلاة، ولكنه كذب بكتاب الله، وتولى فأدبر عن طاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27674 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلا صدق ولا صلى لا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله، ولكن كذب وتولى كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله. وقوله ثم ذهب إلى أهله يتمطى يقول تعالى ذكره: ثم مضى إلى أهله منصرفا إليهم، يتبختر في مشيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27675 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم ذهب إلى أهله يتمطى: أي يتبختر. 27676 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن ميسرة بن عبيد، عن زيد بن أسلم، في قوله: ثم ذهب إلى أهله يتمطى قال: يتبختر، قال: هي مشية بني مخزوم.
[ 248 ]
27677 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن إسماعيل بن أمية، عن مجاهد ذهب إلى أهله يتمطى قال: رأى رجلا من قريش يمشي، فقال: هكذا كان يمشي كما يمشي هذا، كان يتبختر. 27678 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله يتمطى قال: يتبختر وهو أبو جهل بن هشام، كانت مشيته. وقيل: إن هذه الآ ية نزلت في أبي جهل. ذكر من قال ذلك: 27679 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يتمطى قال: أبو جهل. 27680 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى قال: هذا في أبي جهل متبخترا. وإنما عني بقوله يتمطى يلوي مطاه تبخترا، والمطا: هو الظهر، ومنه الخبر عن رسول الله (ص): إذا مشت أمتي المطيطاء وذلك أن يلقي الرجل بيديه ويتكفأ. وقوله أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى هذا وعيد من الله على وعيد لابي جهل، كما: 27681 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى وعيد على وعيد، كما تسمعون، زعم أن هذا أنزل في عدو الله أبي جهل. ذكر لنا أن نبي الله (ص) أخذ بمجامع ثيابه فقال: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال عدو الله أبو جهل: أيوعدني محمد والله ما تستطيع لي أنت ولا ربك شيئا والله لانا أعز من مشى بين جبليها..
[ 249 ]
27682 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: أخذ النبي (ص) بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال: يا محمد ما تستطيع أنت وربك في شيئا، إني لاعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شر قتلة. 27683 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى قال: قال أبو جهل: إن محمدا ليوعدني، وأنا أعز أهل مكة والبطحاء، وقرأ فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب. 27684 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: قلت لسعيد بن جبير: أشئ قاله رسول الله (ص) من قبل نفسه، أم أمر أمره الله به ؟ قال: بل قاله من قبل نفسه، ثم أنزل الله: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى. وقوله: أيحسب الانسان أن يترك سدى يقول تعالى ذكره: أيظن هذا الانسان الكافر بالله أن يترك هملا، أن لا يؤمر ولا ينهى، ولا يتعبد بعبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27685 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: أيحسب الانسان أن يترك سدى يقول: هملا. 27686 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أيحسب الانسان أن يترك سدى قال: لا يؤمر، ولا ينهى. 27687 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أيحسب الانسان أن يترك سدى قال: السدي: الذي لا يفترض عليه عمل ولا يعمل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يك نطفة من مني يمنى ئ ثم كان علقة فخلق فسوى ئ فجعل منه الزوجين الذكر والانثى ئ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) *.
[ 250 ]
يقول تعالى ذكره: ألم يك هذا المنكر قدرة الله على إحيائه من بعد مماته، وإيجاده من بعد فنائه نطفة يعني: ماء قليلا في صلب الرجل من مني. واختلفت القراء في قراءة قوله: يمنى فقرأه عامة قراء المدينة والكوفة: تمنى بالتاء بمعنى: تمنى النطفة، وقرأ ذلك بعض قراء مكة والبصرة: يمنى بالياء، بمعنى: يمنى المني. والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ثم كان علقة يقول تعالى ذكره: ثم كان دما من بعد ما كان نطفة، ثم علقة، ثم سواه بشرا سويا، ناطقا سميعا بصيرا فجعل منه الزوجين الذكر والانثى يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الانسان بعد ما سواه خلقا سويا أولادا له، ذكورا وإناثا أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى يقول تعالى ذكره: أليس الذي فعل ذلك فخلق هذا الانسان من نطفة، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا، له أولاد ذكور وإناث، بقادر على أن يحيي الموتى من مماتهم، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم. يقول: معلوم أن الذي قدر على خلق الانسان من نطفة من مني يمنى، حتى صيره بشرا سويا، لا يعجزه إحياء ميت من بعد مماته وكان رسول الله (ص) إذا قرأ ذلك قال: بلى. 27688 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان إذا قرأها قال: سبحانك وبلى. آخر تفسير سورة القيامة
[ 251 ]
سورة الانسان (76) سورة الانسان مدنية وآياتها إحدى وثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ئ إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) *. يعني جل ثناؤه بقوله: هل أتى على الانسان قد أتى على الانسان وهل في هذا الموضع خبر لا جحد، وذلك كقول القائل لآخر يقرره: هل أكرمتك ؟ وقد أكرمه أو هل زرتك ؟ وقد زاره وقد تكون جحدا في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل لآخر: هل يفعل مثل هذا أحد ؟ بمعنى: أنه لا يفعل ذلك أحد. والانسان الذي قال جل ثناؤه في هذا الموضع هل أتى على الانسان حين من الدهر: هو آدم (ص) كذلك: 27689 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل أتى على الانسان آدم أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنما خلق الانسان ها هنا حديثا ما يعلم من خليقة الله (خليقة) كانت بعد الانسان. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال: كان آدم (ص) آخر ما خلق من الخلق. 27690 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان هل أتى على الانسان حين من الدهر قال: آدم.
[ 252 ]
وقوله: حين من الدهر اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة وقالوا: مكثت طينة آدم مصورة لا تنفخ فيها الروح أربعين عاما، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع قالوا: ولذلك قيل: هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لانه أتى عليه وهو جسم مصور لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما، فكان شيئا، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا قالوا: ومعنى قوله: لم يكن شيئا مذكورا: لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا. وقال آخرون: لا حد للحين في هذا الموضع وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبر أنه أتى على الانسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال: أتى على الانسان حين قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئا، وإذا أريد ذلك قيل: أتى حين قبل أن يخلق، ولم يقل أتى عليه. وأما الدهر في هذا الموضع، فلا حد له يوقف عليه. وقوله: إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة، والنطفة: كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير ذلك، كما قال عبد الله بن رواحة: هل أنت إلا نطفة في شنه وقوله: أمشاج يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين ومنه قول رؤبة بن العجاج: يطرحن كل معجل نشاج لم يكس جلدا في دم أمشاج
[ 253 ]
يقال منه: مشجت هذا بهذا: إذا خلطته به، وهو ممشوج به ومشيج: أي مخلوط به، كمال قال أبو ذؤيب: كأن الريش والفوقين منه خلال النصل سيط به مشيج واختلف أهل التأويل في معنى الامشاج الذي عنى بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة. ذكر من قال ذلك: 27691 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن الاصبهاني، عن عكرمة أمشاج نبتليه قال: ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآجر. 27692 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن الاصبهاني، عن عكرمة قال: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان. 27693 - قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا زكريا، عن عطية، عن ابن عباس، قال: ماء المرأة وماء الرجل يمشجان. * - قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: ماء المرأة وماء الرجل يختلطان. 27694 - قال: ثنا عبد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج. 27695 - قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا المبارك، عن الحسن، قال: مشج ماء المرأة مع ماء الرجل.
[ 254 ]
27696 - قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا عثمان بن الاسود، عن مجاهد، قال: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة، وقد قال الله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى. 27697 - قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: خلق من تارات ماء الرجل وماء المرأة. وقال آخرون: إنما عني بذلك: إنا خلقنا الانسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم كسي لحما. ذكر من قال ذلك: 27698 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه الامشاج: خلق من ألوان، خلق من تراب، ثم من ماء الفرج والرحم، وهي النطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم أنشأه خلقا آخر فهو ذلك. 27699 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في هذه الآية أمشاج قال: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما. 27700 - حدثنا الرفاعي، قال: ثنا وهب بن جرير ويعقوب الحضرمي، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، قال: نطفة، ثم علقمة. 27701 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما، ثم كسى الله العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت له الشعر. 27702 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله أمشاج نبتليه قال: الامشاج: اختلط الماء والدم، ثم كان علقة، ثم كان مضغة. وقال آخرون: عني بذلك اختلاف ألوان النطفة. ذكر من قال ذلك: 27703 - حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله أمشاج نبتليه يقول: مختلفة الالوان.
[ 255 ]
27704 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ألوان النطفة. 27705 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أي الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله. 27706 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أمشاج نبتليه قال: ألوان النطفة نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء. 27707 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل هي العروق التي تكون في النطفة. ذكر من قال ذلك: 27708 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا المسعودي، عن عبد الله بن المخارق عن أبيه، عن عبد الله، قال: أمشاجها: عروقها. 27709 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا أسامة بن زيد، عن أبيه، قال: هي العروق التي تكون في النطفة. وأشبه هذه الاقوال بالصواب قول من قال: معنى ذلك من نطفة أمشاج نطفة الرجل ونطفة المرأة، لان الله وصف النطفة بأنها أمشاج، وهي إذا انتقلت فصارت علقة، فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة ؟ وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة، وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة، وأحسب أن الذين قالوا: هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى. وقد: 27710 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: إنما خلق الانسان من الشئ القليل من النطفة. ألا ترى أن الولد إذا أسكت ترى له مثل الرير ؟ وإنما خلق ابن آدم من مثل ذلك من النطفة أمشاج نبتليه.
[ 256 ]
وقوله: نبتليه نختبره. وكان بعض أهل العربية يقول: المعنى: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، فهي مقدمة معناها التأخير، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصح، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإن عدم السمع والبصر. وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعا وأبصارا في هذه الآية، فتذكير منه لنا بنعمه، وتنبيه على موضع الشكر فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة، كما قال: وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون. وقوله: فجعلناه سميعا بصيرا يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به، إنعاما من الله على عباده بذلك، ورأفة منه لهم، وحجة له عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ئ إنآ أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا) *. يعني جل ثناؤه بقوله: إنا هديناه السبيل إنا بينا له طريق الجنة، وعرفناه سبيله، إن شكر، أو كفر. وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى، كانت إما وإما في معنى الجزاء. وقد يجوز أن تكون إما وإما بمعنى واحد، كما قال: إما يعذبهم وإما يتوب عليهم فيكون قوله: إما شاكرا وإما كفورا حالا من الهاء التي في هديناه فيكون معنى الكلام إذا وجه ذلك إلى هذا التأويل: إنا هديناه السبيل، إما شقيا وإما سعيدا. وكان بعض نحويي البصرة يقول ذلك كما قال: إما العذاب وإما الساعة كأنك لم تذكر إما قال: وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27711 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنا هديناه السبيل قال: الشقوة والسعادة. 27712 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا هديناه السبيل إما شاكرا للنعم وإما كفورا. لها.
[ 257 ]
27713 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من نطفة أمشاج نبتليه... إلى إنا هديناه السبيل قال: ننظر أي شئ يصنع، أي الطريقين يسلك، وأي الامرين يأخذ، قال: وهذا الاختبار. وقوله: إنا اعتدنا للكافرين سلاسل يقول تعالى ذكره: إنا أعتدنا لمن كفر نعمتنا وخالف أمرنا سلاسل يستوثق بها منهم شدا في الجحيم وأغلالا يقول: وتشد بالاغلال فيها أيديهم إلى أعناقهم. وقوله وسعيرا يقول: ونارا تسعر عليهم فتتوقد. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ئ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين بروا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه، يشربون من كأس، وهو كل إناء كان فيه شراب كان مزاجها يقول: كان مزاج ما فيها من الشراب كافورا يعني: في طيب رائحتها كالكافور. وقد قيل: إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة فمن قال ذلك، جعل نصب العين على الرد على الكافور، تبيانا عنه، ومن جعل الكافور صفة للشراب نصبها، أعني العين على الحال، وجعل خبر كان قوله كافورا وقد يجوز نصب العين من وجه ثالث، وهو نصبها بإعمال يشربون فيها فيكون معنى الكلام: إن الابرار يشربون عينا يشرب بها عباد الله، من كأس كان مزاجها كافورا. وقد يجوز أيضا نصبها على المدح، فأما عامة أهل التأويل فإنهم قالوا: الكافور صفة للشراب على ما ذكرت. ذكر من قال ذلك: 27714 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مزاجها كافورا قال: تمزج. 27715 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا قال: قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك. وقوله: عينا يشرب بها عباد الله يقول تعالى ذكره: كان مزاج الكأس التي يشرب
[ 258 ]
بها هؤلاء الابرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة. والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في مزاجها ويعني بقوله يشرب بها عباد الله يروى بها وينتفع. وقيل: يشرب بها ويشربها بمعنى واحد. وذكر الفراء أن بعضهم أنشده: شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج وعنى بقوله: متى لجج من، ومثله: إنه يتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلاما حسنا. وقوله: يفجرونها تفجيرا يقول تعالى ذكره يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاؤوا وحيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم تفجيرا، ويعني بالتفجير: الاسالة والاجراء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27716 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يفجرونها تفجيرا قال: يدلونها حيث شاؤوا. 27717 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يفجرونها تفجيرا قال: يقودونها حيث شاؤوا. 27718 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يفجرونها تفجيرا قال: مستقيد ماؤها لهم يفجرونها حيث شاؤوا. 27719 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان يفجرونها تفجيرا قال: يصرفونها حيث شاؤوا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 259 ]
* (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ئ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ئ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) *. يقول تعالى ذكره: إن الابرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، بروا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27720 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوفون بالنذر قال: إذا نذروا في حق الله. 27721 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوفون بالنذر قال: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة، والحج والعمرة، وما افترض عليهم، فسماهم الله بذلك الابرار، فقال: يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ثور، عن معمر، عن قتادة يوفون بالنذر قال: بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحج، وبالعمرة. 27722 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: يوفون بالنذر قال: في غير معصية. وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة الكلام عليه منه، وهو كان ذلك. وذلك أن معنى الكلام: إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، كانوا يوفون بالنذر، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها والنذر: هو كل ما أوجبه الانسان على نفسه من فعل ومنه قول عنترة: الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لم ألقهما دمي وقوله: ويخافون يوما كان شره مستطيرا يقول تعالى ذكره: ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من بر في يوم كان شره مستطيرا، ممتدا طويلا فاشيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 260 ]
27723 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويخافون يوما كان شره مستطيرا استطاروا الله شر ذلك اليوم حتى ملا السموات والارض. وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحما، ولا يتصدق، ولا يصنع خيرا، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه، ويأتي ذلك، ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال: إذا امتد، ولا يقال ذلك في الحائط ومنه قول الاعشى: فبانت وقد أثأرت في الفؤاد صدعا على نأيها مستطيرا يعني: ممتدا فاشيا. وقوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الابرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27724 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ويطعمون الطعام على حبه قال: وهم يشتهونه. 27725 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو العريان، قال: سألت سليمان بن قيس أبا مقاتل بن سليمان، عن قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا قال: على حبهم للطعام. وقوله: مسكينا يعني جل ثناؤه بقوله مسكينا: ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة، ويتيما: وهو الطفل الذي قد مات أبو ه ولا شئ له وأسيرا: وهو الحربي من أهل دار الحرب يؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحق فأثنى الله على هؤلاء الابرار بإطعامهم هؤلاء تقربا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم. واختلف أهل العلم في الاسير الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: بما: 27726 - حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا قال: لقد أمر الله بالاسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لاهل الشرك.
[ 261 ]
27727 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأسيرا قال: كان أسراهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. 27728 - قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو أن عكرمة قال في قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا زعم أنه قال: كان الاسرى في ذلك الزمان المشرك. 27729 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن ويتيما وأسيرا قال: ما كان أسراهم إلا المشركين. وقال آخرون: عني بذلك: المسجون من أهل القبلة. ذكر من قال ذلك: 27730 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الاسير: المسجون. 27731 - حدثني أبو شيبة بن أبي شيبة، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثني أبي عن حجاج، قال: ثني عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير في قوله الله: مسكينا ويتيما وأسيرا من أهل القبلة وغيرهم، فسألت عطاء، فقال مثل ذلك. 27732 - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا يحيى يعني ابن عيسى، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأسيرا قال: الاسير: هو المحبوس. 27733 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الابرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الاسير، والاسير الذي قد وصفت صفته واسم الاسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عم الخبر عنهم أنهم يطعمونهم، فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. وأما قول من قال: لم يكن لهم أسير يومئذ إلا أهل الشرك، فإن ذلك وإن كان كذلك، فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذ، وإنما هو خبر من الله عن كل من كانت هذه صفته يومئذ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الاسير معني به أسير المشركين والمسلمين يومئذ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة. وقوله: إنما نطعمكم لوجه الله يقول تعالى ذكره: يقولون: إنما نطعمكم إذا هم
[ 262 ]
أطعموهم لوجه الله، يعنون طلب رضا الله، والقربة إليه لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام: لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثوابا ولا شكورا. وفي قوله: ولا شكورا وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفلوس جمع فلس، والكفور جمع كفر. والآخر: أن يكون مصدرا واحدا في معنى جمع، كما يقال: قعد قعودا، وخرج خروجا. وقد: 27734 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن مجاهد إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب. 27735 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن سالم، عن سعيد بن جبير إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا قال: أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ئ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم أنهم يقولون لمن أطعموه من أهل الفاقة والحاجة: ما نطعمكم طعاما نطلب منكم عوضا على إطعامناكم جزاء ولا شكورا، ولكنا نطعمكم رجاء منا أن يؤمننا ربنا من عقوبته في يوم شديد هوله، عظيم أمره، تعبس فيه الوجوه من شدة مكارهه، ويطول بلاء أهله، ويشتد. والقمطرير: هو الشديد، يقال: هو يوم قمطرير، أو يوم قماطر، ويوم عصيب. وعصبصب، وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطرارا، وذلك أشد الايام وأطوله في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم. بني عمنا هل تذكرون بلاءنا عليكم إذا ما كان يوم قماطر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عن معناه،
[ 263 ]
فقال بعضهم: هو أن يعبس أحدهم، فيقبض بين عينيه حتى يسيل من بين عينيه مثل القطران. ذكر من قال ذلك: 27736 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن سلام التميمي، عن سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: عبوسا قمطريرا قال: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران. 27737 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله يوما عبوسا قمطريرا قال: القمطرير: المقبض بين عينيه. 27738 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس، عن قوله قمطريرا قال: يقبض ما بين العينين. 27739 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس يوما عبوسا قمطريرا قال: يقبض ما بين العينين. 27740 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا قال: يوم يقبض فيه الرجل ما بين عينيه ووجهه. 27741 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا عبست فيه الوجوه، وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قمطريرا قال: تقبض فيه الجباه وقوم يقولون: القمطرير: الشديد. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: المقبض ما بين العينين. 27742 - قال: ثنا وكيع، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: هو المقبض ما بين عينيه. 27743 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرمة، قال: القمطرير: ما يخرج من جباههم مثل القطران، فيسيل على وجوهم.
[ 264 ]
* - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قمطريرا قال: يقبض الوجه بالبسور. وقال آخرون: العبوس: الضيق، والقمطرير: الطويل. ذكر من قال ذلك: 27744 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: عبوسا يقول: ضيقا. وقوله: قمطريرا يقول: طويلا. وقال آخرون: القمطرير: الشديد. ذكر من قال ذلك: 27745 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا قال: العبوس: الشر، والقمطرير: الشديد. وقوله: فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا يقول جل ثناؤه: فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شر اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضى عنهم ربهم، لقاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27746 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ولقاهم نضرة وسرورا قال: نضرة في الوجوه، وسرورا في القلوب. 27747 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقاهم نضرة وسرورا نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. 27748 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقاهم نضرة وسرورا قال: نعمة وسرورا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ئ متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) *. يقول تعالى ذكره: وأثابهم الله بما صبروا في الدنيا على طاعته، والعمل بما يرضيه عنهم جنة وحريرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27749 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجزاهم بما
[ 265 ]
صبروا جنة وحريرا يقول: وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنة وحريرا. وقوله: متكئين فيها على الارائك يقول: متكئين في الجنة على السرر في الحجال، وهي الارائك واحدتها أريكة. وقد بينا ذلك بشواهده، وما فيه من أقوال أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع من الرواية بعض ما لم نذكره إن شاء الله تعالى قبل. 27750 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: متكئين فيها على الارائك يعني: الحجال. 27751 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة متكئين فيها على الارائك كنا نحدث أنها الحجال فيها الاسرة. 27752 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد متكئين فيها على الارائك قال: السرر في الحجال. ونصب متكئين فيها على الحال من الهاء والميم. وقوله لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا يقول تعالى ذكره: لا يرون فيها شمسا فيؤذيهم حرها، ولا زمهريرا، وهو البرد الشديد، فيؤذيهم بردها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27753 - حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد، قال: الزمهرير: البرد المفظع. 27754 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا يعلم أن شدة الحر تؤذي، وشدة القر تؤذي، فوقاهم الله أذاهما. 27755 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السدي، عن مرة بن عبد الله قال في الزمهرير: إنه لون من العذاب، قال الله: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا.
[ 266 ]
27756 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، قال: اشتكت النار إلى ربها، فقالت رب أكل بعضي بعضا، فنفسني، فأذن لها في كل عام بنفسين فأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم وأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ئ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ودانية عليهم ظلالها وقربت منهم ظلال أشجارها. ولنصب دانية أوجه: أحدها: العطف به على قوله متكئين فيها. والثاني: العطف به على موضع قوله لا يرون فيها شمسا لان موضعه نصب، وذلك أن معناه: متكئين فيها على الارائك، غير رائين فيها شمسا. والثالث: نصبه على المدح، كأنه قيل: متكئين فيها على الارائك، ودانية بعد عليهم ظلالها، كما يقال: عند فلان جارية جميلة، وشابة بعد طرية، تضمر مع هذه الواو فعلا ناصبا للشابة، إذا أريد به المدح، ولم يرد به النسق وأنثت دانية لان الظلال جمع. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله بالتذكير: ودانيا عليهم ظلالها وإنما ذكر لانه فعل متقدم، وهي في قراءة فيما بلغني: ودان رفع على الاستئناف. وقوله: وذللت قطوفها تذليلا يقول: وذلل لهم اجتناء ثمر شجرها، كيف شاؤوا قعودا وقياما ومتكئين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27757 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وذللت قطوفها تذليلا قال: إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت حتى ينالها، فذلك تذليلها. 27758 - حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا قال: لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
[ 267 ]
27759 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قطوفها دانية قال: الدانية: التي قد دنت عليهم ثمارها. 27760 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وذللت قطوفها تذليلا قال: يتناوله كيف شاء جالسا ومتكئا. وقوله: ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا يقول تعالى ذكره: ويطاف على هؤلاء الابرار بآنية من الاواني التي يشربون فيها شرابهم، هي من فضة كانت قوارير، فجعلها فضة، وهي في صفاء القوارير، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27761 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير يقول: آنية من فضة، وصفاؤها وتهيؤها كصفاء القوارير. 27762 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد من فضة، قال: فيها رقة القوارير في صفاء الفضة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قوارير من فضة قال: صفاء القوارير وهي من فضة. 27763 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويطاف عليهم بآنية من فضة أي صفاء القوارير في بياض الفضة. وقوله: وأكواب يقول: ويطاف مع الاواني بجرار ضخام فيها الشراب، وكل جرة ضخمة لا عروة لها فهي كوب، كما: 27764 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وأكواب قال: ليس لها آذان. وقد: * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان بهذا الحديث بهذا الاسناد عن مجاهد، فقال: الاكواب: الاقداح. وقوله: كانت قوارير يقول: كانت هذه الاواني والاكواب قوارير، فحولها الله
[ 268 ]
فضة. وقيل: إنما قيل: ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدل بذلك على أن أرض الجنة فضة، لان كل آنية تتخذ، فإنما تتخذ من تربة الارض التي فيها، فدل جل ثناؤه بوصفة الآنية متى يطاف بها على أهل الجنة أنها من فضة، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة. واختلفت القراء في قراءة قوله قوارير، وسلاسل، فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة غير حمزة: سلاسلا، وقواريرا قواريرا بإثبات الالف والتنوين وكذلك هي في مصاحفهم وكان حمزة يسقط الالفات من ذلك كله، ولا يجري شيئا منه وكان أبو عمرو يثبت الالف في الاولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية، وكل ذلك عندنا صواب، غير أن الذي ذكرت عن أبي عمرو أعجبهما إلي، وذلك أن الاول من القوارير رأس آية، والتوفيق بين ذلك وبين سائر رؤوس آيات السورة أعجب إلي إذ كان ذلك بإثبات الالفات في أكثرها. القول في تأويل قوله تعالى: * (قواريرا من فضة قدروها تقديرا ئ ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ئ عينا فيها تسمى سلسبيلا) *. يقول تعالى ذكره: قوارير في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض، كما: 27765 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قال الحسن، في قوله: كانت قوارير قوارير من فضة قال: صفاء القوارير في بياض الفضة. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله: قوارير من فضة قال: بياض الفضة في صفاء القوارير. 27766 - حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: كانت قوارير قوارير من فضة قال: كان ترابها من فضة. وقوله: قوارير من فضة قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة. 27767 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: قوارير قوارير من فضة قال: لو احتاج أهل الباطل أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه.
[ 269 ]
27768 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قوارير من فضة قال: هي من فضة، وصفاؤها: صفاء القوارير في بياض الفضة. 27769 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوارير من فضة قال: على صفاء القوارير، وبياض الفضة. وقوله: قدروها تقديرا يقول: قدروا تلك الآنية التي يطاف عليهم بها تقديرا على قدر ريهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27770 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: قدروها تقديرا قال: قدرت لري القوم. 27771 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: قدروها تقديرا قال: قدر ريهم. 27772 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: قوارير من فضة قدروها تقديرا قال: لا تنقص ولا تفيض. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قدروها تقديرا قال: لا تترع فتهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملاى. 27773 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قدروها تقديرا لريهم. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قدروها تقديرا قدرت على ري القوم. 27774 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: من فضة قدروها تقديرا قال: قدروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله قدروها تقديرا قال: ممتلئة لا تهراق، وليست بناقصة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدروها على قدر الكف. ذكر من قال ذلك:
[ 270 ]
27775 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قدروها تقديرا قال: قدرت للكف. واختلفت القراء في قراءة قوله قدروها تقديرا، فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: قدروها بفتح القاف، بمعنى: قدرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم. وروي عن الشعبي وغيره من المتقدمين أنهم قرأوا ذلك بضم القاف، بمعنى: قدرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان. والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها فتح القاف، لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا يقول تعالى ذكره: ويسقى هؤلاء القوم الابرار في الجنة كأسا، وهي كل إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له كأس، وإنما يقال له إناء، كما يقال للطبق الذي تهدي فيه الهدية المهدى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خوانا، ولم يكن مهدى كان مزاجها زنجبيلا يقول: كان مزاج شراب الكأس التي يسقون منها زنجبيلا. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل. ذكر من قال ذلك: 27776 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: مزاجها زنجبيلا قال: تمزج بالزنجبيل. 27777 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كان مزاجها زنجبيلا قال: يأثر لهم ما كانوا يشربون في الدنيا. زاد الحارث في حديثه: فيحببه إليهم. وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الابرار. ذكر من قال ذلك: 27778 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا رقيقة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.
[ 271 ]
وقوله: عينا فيها تسمى سلسبيلا يقول تعالى ذكره: عينا في الجنة تسمى سلسبيلا. قيل: عني بقوله سلسبيلا: سلسة منقادا ماؤها. ذكر من قال ذلك: 27779 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عينا فيها تسمى سلسبيلا: عينا سلسة مستقيدا ماؤها. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة تسمى سلسبيلا قال: سلسة يصرفونها حيث شاؤوا. وقال آخرون: عني بذلك أنها شديدة الجرية. ذكر من قال ذلك: 27780 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عينا فيها تسمى سلسبيلا قال: حديدة الجرية. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سلسة الجرية. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عينا فيها تسمى سلسبيلا حديدة الجرية. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه، فقال بعض نحويي البصرة، قال بعضهم: إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل. وقال بعضهم: إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا: أي تسمى من طيبها السلسبيل: أي توصف للناس، كما تقول: الاعوجي والارحبي والمهري من الابل، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى، لان القرآن نزل على كلام العرب، قال: وأنشدني يونس: صفراء من نبع يسمى سهمها * من طول ما صرع الصيود الصيب
[ 272 ]
فرفع الصيب لانه لم يرد أن يسمى بالصيب، إنما الصيب من صفة الاسم والسهم. وقوله: يسمى سهمها أي يذكر سهمها. قال: وقال بعضهم: لا، بل هو اسم العين، وهو معرفة، ولكنه لما كان رأس آية، وكان مفتوحا، زيدت فيه الالف، كما قال: كانت قواريرا. وقال بعض نحويي الكوفة: السلسبيل: نعت أراد به سلس في الحلق، فلذلك حري أن تسمى بسلاستها. وقال آخر منهم: ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته قال: ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الاجراء فيه أكثر، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية، لان العرب تجري ما لا يجرى في الشعر، كما قال متمم بن نويرة: فما وجد أظآر ثلاث روائم رأين مخرا من حوار ومصرعا فأجرى روائم، وهي مما لا يجرى. والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله: تسمى سلسبيلا صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق، وفي حال الجري، وانقيادها لاهل الجنة يصرفونها حيث شاؤوا، كما قال مجاهد وقتادة. وإنما عنى بقوله تسمى: توصف. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لاجماع أهل التأويل على أن قوله: سلسبيلا صفة لا اسم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ئ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) *. يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء الابرار ولدان، وهم الوصفاء، مخلدون. اختلف أهل التأويل في معنى: مخلدون فقال بعضهم: معنى ذلك: أنهم لا يموتون. ذكر من قال ذلك:
[ 273 ]
27781 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويطوف عليهم ولدان مخلدون أي لا يموتون. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: عنى بذلك ولدان مخلدون: مسورون. وقال آخرون: بل عنى به أنهم مقرطون. وقيل: عنى به أنهم دائم شبابهم، لا يتغيرون عن تلك السن. وذكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره: إنه لمخلد وكذلك إذا كبر وثبتت أضراسه وأسنانه قيل: إنه لمخلد، يراد به أنه ثابت الحال، وهذا تصحيح لما قال قتادة من أن معناه: لا يموتون، لانهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت، فهم مخلدون. وقيل: إن معنى قوله: مخلدون مسورون بلغة حمير وينشد لبعض شعرائهم: ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان وقوله: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا يقول تعالى ذكره: إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين، تحسبهم في حسنهم، ونقاء بياض وجوههم، وكثرتهم، لؤلؤا مبددا، أو مجتمعا مصبوبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27782 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لؤلؤا منثورا قال: من كثرتهم وحسنهم. 27783 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله إذا رأيتهم حسبتهم من حسنهم وكثرتهم لؤلؤا منثورا وقال قتادة عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما من أهل الجنة من أحد إلا ويسعى عليه ألف غلام، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه.
[ 274 ]
27784 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: حسبتهم لؤلؤا منثورا قال: في كثرة اللؤلؤ وبياض اللؤلؤ. وقوله: إذا رأيت ثم رأيت نعيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإذا نظرت ببصرك يا محمد، ورميت بطرفك فيما أعطيت هؤلاء الابرار في الجنة من الكرامة. وعني بقوله: ثم الجنة رأيت نعيما، وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه فيما قيل في مسيرة ألفي عام، يرى أقصاه، كما يرى أدناه. وقد اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله لم يذكر مفعول رأيت الاول، فقال بعض نحويي البصرة: إنما فعل ذلك لانه يريد رؤية لا تتعدى، كما تقول: ظننت في الدار، أخبر بمكان ظنه، فأخبر بمكان رؤيته. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما فعل ذلك لان معناه: وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما قال: وصلح إضمار ما كما قيل: لقد تقطع بينكم، يريد: ما بينكم قال: ويقال: إذا رأيت ثم يريد: إذا نظرت ثم، أي إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما. وقوله: ملكا كبيرا يقول: ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثم ملكا كبيرا. وقيل: إن ذلك الملك الكبير: تسليم الملائكة عليهم، واستئذانهم عليهم. ذكر من قال ذلك: 27785 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثني من سمع مجاهدا يقول: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا قال: تسليم الملائكة. 27786 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: سمعت سفيان يقول في قوله: ملكا كبيرا قال: بلغنا أنه تسليم الملائكة. 27787 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، في قوله: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا قال: فسرها سفيان قال: تستأذن الملائكة عليهم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا قال استئذان الملائكة عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) *
[ 275 ]
. يقول تعالى ذكره: فوقهم، يعني فوق هؤلاء الابرار ثياب سندس. وكان بعض أهل التأويل يتأول قوله: عاليهم فوق حجالهم المثبتة عليهم ثياب سندس وليس ذلك بالقول المدفوع، لان ذلك إذا كان فوق حجال هم فيها، فقد علاهم فهو عاليهم. وقد اختلف أهل القراءة في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة وبعض قراء مكة: عاليهم بتسكين الياء. وكان عاصم وأبو عمرو وابن كثير يقرءونه بفتح الياء، فمن فتحها جعل قوله عاليهم اسما مرافعا للثياب، مثل قول القائل: ظاهرهم ثياب سندس. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ثياب سندس يعني: ثياب ديباج رقيق حسن، والسندس: هو ما رق من الديباج. وقوله: خضر اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ وأبو عمرو برفع خضر على أنها نعت للثياب، وخفض استبرق عطفا به على السندس، بمعنى: وثياب إستبرق. وقرأ ذلك عاصم وابن كثير: خضر خفضا واستبرق رفعا، عطفا بالاستبرق على الثياب، بمعنى: عاليهم استبرق، وتصييرا للخضر نعتا للسندس. وقرأ نافع ذلك: خضر رفعا على أنها نعت للثياب واستبرق رفعا عطفا به على الثياب. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: خضر واستبرق خفضا كلاهما. وقرأ ذلك ابن محيصن بترك إجراء الاستبرق: واستبرق بالفتح بمعنى: وثياب استبرق، وفتح ذلك لانه وجهه إلى أنه اسم أعجمي. ولكل هذه القراءات التي ذكرناها وجه ومذهب، غير الذي سبق ذكرنا عن ابن محيصن، فإنها بعيدة من معروف كلام العرب، وذلك أن الاستبرق نكرة، والعرب تجري الاسماء النكرة وإن كانت أعجمية، والاستبرق: هو ما غلظ من الديباج. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في ذلك فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا. 27788 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الاستبرق: الديباج الغليظ. وقوله: وحلوا أساور من فضة يقول: وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة من فضة. وقوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا يقول تعالى ذكره: وسقى هؤلاء الابرار ربهم شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بولا نجسا، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك، كالذي
[ 276 ]
27789 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد و عبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم التيمي وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال: عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم التيمي، مثله. 27790 - قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم التيمي، قال: إن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مئة رجل من أهل الدنيا، وأكلهم وهمتهم، فإذا أكل سقي شرابا طهورا، فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب ربحا من المسك الاذفر، ثم تعود شهوته. 27791 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: شرابا طهورا قال: ما ذكر الله من الاشربة. 27792 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبان، عن أبي قلابة: إن أهل الجنة إذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دعوا بالشراب الطهور فيشربونه، فتطهر بذلك بطونهم ويكون ما أكلوا وشربوا رشحا وريح مسك، فتضمر لذلك بطونهم. 27793 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر الرازي قال: صعد جبرائيل بالنبي (ص) ليلة أسري به إلى السماء السابعة، فاستفتح، فقيل له: من هذا ؟ فقال: جبرائيل قيل: ومن معك ؟ قال: محمد، قالوا: أو قد أرسل إليه ؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الاخ ونعم الخليفة، ونعم المجئ جاء قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس على كرسي عند باب الجنة، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شئ، فقام الذين في ألوانهم شئ، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شئ ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: يا جبريل من هذا الاشمط، ومن هؤلاء البيض الوجوه، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شئ، وما هذه الانهار التي اغتسلوا فيها، فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟
[ 277 ]
قال: هذا أبوك إبراهيم، أول من شمط على الارض، وأما هؤلاء البيض الوجوه، فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم. وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شئ فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا، فتاب الله عليهم. وأما الانهار، فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ئ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ئ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء الابرار حينئذ: إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات وكان سعيكم مشكورا يقول: كان عملكم فيها مشكورا، حمدكم عليه ربكم، ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة عليه. 27794 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن. 27795 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تلا قتادة وكان سعيكم مشكورا قال: لقد شكر الله سعيا قليلا. وقوله: إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إنا نحن نزلنا عليك يا محمد هذا القرآن تنزيلا، ابتلاء منا واختبارا فاصبر لحكم ربك يقول: اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك ولتطع منهم آثما أو كفورا يقول: ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثما يريد بركوبه معاصيه، أو كفورا: يعني جحودا لنعمه عنده، وآلائه قبله، فهو يكفر به، ويعبد غيره. وقيل: إن الذي عني بهذا القول أبو جهل. ذكر من قال ذلك: 27796 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تطع منهم آثما أو كفورا قال: نزلت في عدو الله أبي جهل. 27797 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه بلغه أن
[ 278 ]
أبا جهل قال: لئن رأيت محمدا يصلي لاطأن عنقه، فأنزل الله: ولا تطع منهم آثما أو كفورا. 27798 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تطع منهم آثما أو كفورا قال: الآثم: المذنب الظالم والكفور، هذا كله واحد. وقيل: أو كفورا والمعنى: ولا كفورا. قال الفراء: أو ههنا بمنزلة الواو، وفي الجحد والاستفهام والجزاء تكون بمعنى لا، فهذا من ذلك مع الجحد ومنه قول الشاعر: لا وجد ثكلى كما وجدت ولا * * وجد عجول أضلها ربع أو وجد شيخ أضل ناقته * * يوم توافي الحجيج فاندفعوا أراد: ولا وجد شيخ، قال: وقد يكون في العربية: لا تطيعن منهم من أثم أو كفر، فيكون المعنى في أو قريبا من معنى الواو، كقولك للرجل: لاعطينك سألت أو سكت، معناه: لاعطينك على كل حال.: * (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ئ ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ئ إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) *. يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد اسم ربك فادعه به بكرة في صلاة الصبح، وعشيا في صلاة الظهر والعصر ومن الليل فاسجد له يقول: ومن الليل فاسجد له في صلاتك، فسبحه ليلا طويلا، يعني: أكثر الليل، كما قال جل ثناؤه: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27799 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 279 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا يعني: الصلاة والتسبيح. 27800 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا قال: بكرة: صلاة الصبح وأصيلا صلاة الظهر الاصيل. وقوله: ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا قال: كان هذا أول شئ فريضة. وقرأ: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه، ثم قال: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه... إلى قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن... إلى آخر الآية، ثم قال: محيي هذا عن رسول الله (ص) وعن الناس، وجعله نافلة فقال: ومن الليل فتهجد به نافلة لك قال: فجعلها نافلة. وقوله: إن هؤلاء يحبون العاجلة يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين بالله يحبون العاجلة، يعني الدنيا، يقول: يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها ويذرون وراءهم يوما ثقيلا يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ وقد تأوله بعضهم بمعنى: ويذرون أمامهم يوما ثقيلا وليس ذلك قولا مدفوعا، غير أن الذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27801 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ويذرون وراءهم يوما ثقيلا قال: الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ئ إن هذه تذكرة فمن شآء اتخذ إلى ربه سبيلا) *. يقول تعالى ذكره: نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه وشددنا أسرهم: وشددنا خلقهم، من قولهم: قد أسر هذا الرجل فأحسن أسره، بمعنى: قد خلق فأحسن خلقه.
[ 280 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27802 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم يقول: شددنا خلقهم. 27803 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: وشددنا أسرهم قال: خلقهم. 27804 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وشددنا أسرهم: خلقهم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: الاسر: المفاصل. ذكر من قال ذلك: 27805 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، سمعته، يعني خلادا يقول: سمعت أبا سعيد، وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال: ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة، هو أقرأني، وقال في هذه الآية وشددنا أسرهم قال: هي المفاصل. وقال آخرون: بل هو القوة. ذكر من قال ذلك: 27806 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وشددنا أسرهم قال: الاسر: القوة. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الاسر، هو ما ذكرت عند العرب ومنه قول الاخطل: من كل مجتنب شديد أسره * * سلس القياد تخاله مختالا ومنه قول العامة: خذه بأسره: أي هو لك كله. وقوله: وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 281 ]
27807 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بدلنا أمثالهم تبديلا قال: بني آدم الذين خالفوا طاعة الله، قال: وأمثالهم من بني آدم. وقوله: إن هذه تذكرة يقول: إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27808 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: إن هذه تذكرة قال: إن هذه السورة تذكرة. وقوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا يقول: فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، سبيلا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما تشاءون إلا أن يشآء الله إن الله كان عليما حكيما ئ يدخل من يشآء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما) *. يقول تعالى ذكره: وما تشاءون اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس إلا أن يشاء الله ذلك لكم لان الامر إليه لا إليكم وهو في قراءة عبد الله فيما ذكر: وما تشاءون إلا ما شاء الله. وقوله إن الله كان عليما حكيما فلن يعدو منكم أحد ما سبق له في علمه بتدبيركم. وقوله: يدخل من يشاء في رحمته يقول: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته، فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويدخله جنته والظالمين أعد لهم عذابا أليما يقول: الذين ظلموا أنفسهم، فماتوا على شركهم، أعد لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا، وهو عذاب جهنم. ونصب قوله: والظالمين لان الواو ظرف لاعد، والمعنى: وأعد للظالمين عذابا أليما. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: وللظالمين أعد لهم بتكرير اللام، وقد تفعل العرب ذلك، وينشد لبعضهم: أقول لها إذا سألت طلاقا * * إلام تسارعين إلى فراقي ؟
[ 282 ]
ولآخر: فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعد في غاوي الهوى أم تصوبا ؟ بتكرير الباء، وإنما الكلام لا يسألنه عما به. آخر تفسير سورة الانسان
[ 283 ]
سورة المرسلات (77) سورة المرسلات مكية وآياتها خمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والمرسلات عرفا ئ فالعاصفات عصفا ئ والناشرات نشرا ئ فالفارقات فرقا ئ فالملقيات ذكرا ئ عذرا أو نذرا) *. اختلف أهل التأويل في معنى قول الله: والمرسلات عرفا فقال بعضهم: معنى ذلك: والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا، قالوا: والمرسلات: هي الرياح. ذكر من قال ذلك: 27809 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال: والمرسلات عرفا قال: الريح. * - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، فذكر نحوه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر نحوه. 27810 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والمرسلات عرفا يعني الريح. 27811 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله والمرسلات عرفا قال: هي الرياح.
[ 284 ]
27812 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والمرسلات عرفا قال: الريح. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد الله عن المرسلات عرفا قال: الريح. 27813 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والمرسلات عرفا قال: هي الريح. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والملائكة التي ترسل بالعرف. ذكر من قال ذلك: 27814 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، قال: كان مسروق يقول في المرسلات: هي الملائكة. 27815 - حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: ثنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: والمرسلات عرفا قال: الملائكة. 27816 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: والمرسلات عرفا قال: هي الرسل ترسل بالعرف. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح عن قوله والمرسلات عرفا قال: هي الرسل ترسل بالمعروف. قالوا: فتأويل الكلام والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه، وذلك هو العرف. وقال بعضهم: عني بقوله عرفا: متتابعا كعرف الفرس، كما قالت العرب: الناس إلى فلان عرف واحد، إذا توجهوا إليه فأكثروا. ذكر من قال ذلك: 27817 - حدثت عن داود بن الزبرقان، عن صالح بن بريدة، في قوله: عرفا قال: يتبع بعضها بعضا. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات
[ 285 ]
عرفا، وقد ترسل عرفا الملائكة، وترسل كذلك الرياح، ولا دلالة تدل على أن المعني بذلك أحد الحزبين دون الآخر وقد عم جل ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف، فكل من كان صفته كذلك، فداخل في قسمه ذلك ملكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا. وقوله: فالعاصفات عصفا يقول جل ذكره: فالرياح العاصفات عصفا، يعني الشديدات الهبوب السريعات الممر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27818 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد، عن عرعرة أن رجلا قام إلى علي رضي الله عنه، فقال: ما العاصفات عصفا ؟ قال: الريح. 27819 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، فقال: ما العاصفات عصفا ؟ قال: الريح. * - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، مثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد الله، فذكر مثله. 27820 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: فالعاصفات عصفا قال: الريح. 27821 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 27822 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح فالعاصفات عصفا قال: هي الرياح. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل قال: سألت أبا صالح عن قوله: فالعاصفات عصفا قال: هي الرياح.
[ 286 ]
* - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي عن أبي صالح صاحب الكلبي، في قوله فالعاصفات عصفا قال: هي الرياح. * - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا أبو معاوية الضرير وسعيد بن محمد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله فالعاصفات عصفا قال: هي الريح. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. * - قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه فالعاصفات عصفا قال: الريح. 27823 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فالعاصفات عصفا قال: الرياح. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: والناشرات نشرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عني بالناشرات نشرا: الريح. ذكر من قال ذلك: 27824 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود عن الناشرات نشرا قال: الريح. * - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، عن ابن مسعود، مثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد الله، فذكر مثله. 27825 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والناشرات نشرا قال: الريح.
[ 287 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 27826 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي، عن أبي صالح صاحب الكلبي، في قوله: والناشرات نشرا قال: هي الرياح. 27827 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والناشرات نشرا قال: الرياح. وقال آخرون: هي المطر. ذكر من قال ذلك: 27828 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح، عن قوله والناشرات نشرا: قال المطر. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح والناشرات نشرا قال: هي المطر. * - قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. وقال آخرون: بل هي الملائكة التي تنشر الكتب. ذكر من قال ذلك: 27829 - حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح والناشرات نشرا قال: الملائكة تنشر الكتب. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شئ، فالريح تنشر السحاب، والمطر ينشر الارض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فذلك على كل ما كان ناشرا. وقوله: فالفارقات فرقا اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: عني بذلك: الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل. ذكر من قال ذلك: 27830 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح فالفارقات فرقا قال: الملائكة.
[ 288 ]
* - قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح فالفارقات فرقا قال: الملائكة. 27831 - قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، مثله. 27832 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فالفارقات فرقا قال: الملائكة. وقال آخرون: بل عني بذلك القرآن. ذكر من قال ذلك: 27833 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالفارقات فرقا يعني القرآن ما فرق الله فيه بين الحق والباطل. والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم ربنا جل ثناؤه بالفارقات، وهي الفاصلات بين الحق والباطل، ولم يخصص بذلك منهن بعضا دون بعض، فذلك قسم بكل فارقة بين الحق والباطل، ملكا كان أو قرآنا، أو غير ذلك. وقوله: فالملقيات ذكرا يقول: فالمبلغات وحي الله رسله، وهي الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27834 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فالملقيات ذكرا يعني: الملائكة. 27835 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالملقيات ذكرا قال: هي الملائكة، تلقي الذكر على الرسل وتبلغه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فالملقيات ذكرا قال: الملائكة تلقي القرآن. 27836 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فالملقيات ذكرا قال: الملائكة. وقوله: عذرا أو نذرا يقول تعالى ذكره: فالملقيات ذكرا إلى الرسل إعذارا من الله إلى خلقه، وإنذارا منه لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27837 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عذرا أو نذرا قال: عذرا من الله، ونذرا منه إلى خلقه.
[ 289 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله عذرا أو نذرا: عذرا لله على خلقه، ونذرا للمؤمنين ينتفعون به، ويأخذون به. 27838 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عذرا أو نذرا يعني: الملائكة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والشام وبعض المكيين وبعض الكوفيين: عذرا بالتخفيف، أو نذرا بالتثقيل. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض البصريين بتخفيفهما، وقرأه آخرون من أهل البصرة بتثقيلهما والتخفيف فيهما أعجب إلي وإن لم أدفع صحة التثقيل لانهما مصدران بمعنى الاعذار والانذار. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما توعدون لواقع ئ فإذا النجوم طمست ئ وإذا السماء فرجت ئ وإذا الجبال نسفت ئ وإذا الرسل أقتت ئ لاي يوم أجلت ئ ليوم الفصل ئ وما أدراك ما يوم الفصل ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره: والمرسلات عرفا، إن الذي توعدون أيها الناس من الامور لواقع، وهو كائن لا محالة، يعني بذلك يوم القيامة، وما ذكر الله أنه أعد لخلقه يومئذ من الثواب والعذاب. وقوله: فإذا النجوم طمست يقول: فإذا النجوم ذهب ضياؤها، فلم يكن لها نور ولا ضوء وإذا السماء فرجت يقول: وإذا السماء شققت وصدعت وإذا الجبال نسفت يقول: وإذا الجبال نسفت من أصلها، فكانت هباء منبثا وإذا الرسل أقتت يقول تعالى ذكره: وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27839 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإذا الرسل أقتت يقول: جمعت. 27840 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: أقتت قال: أجلت.
[ 290 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد وإذا الرسل أقتت قال: أجلت. 27841 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، جميعا عن سفيان، عن منصور عن إبراهيم وإذا الرسل أقتت قال: أوعدت. 27842 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا الرسل أقتت قال: أقتت ليوم القيامة، وقرأ: يوم يجمع الله الرسل قال: والاجل: الميقات، وقرأ: يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج، وقرأ: إلى ميقات يوم معلوم قال: إلى يوم القيامة، قال: لهم أجل إلى ذلك اليوم حتى يبلغوه. 27843 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: وإذا الرسل أقتت قال: وعدت. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة غير أبي جعفر، وعامة قراء الكوفة: أقتت بالالف وتشديد القاف، وقرأه بعض قراء البصرة بالواو وتشديد القاف: وقتت وقرأه أبو جعفر: وقتت بالواو وتخفيف القاف. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن كل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب، وإنما هو فعلت من الوقت، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو، كما يستثقل كسرة الياء في أول الحرف فيهمزها، فيقول: هذه أجوه حسان بالهمزة، وينشد بعضهم: يحل أحيده ويقال بعل ومثل تمول منه افتقار وقوله: لاي يوم أجلت يقول تعالى ذكره معجبا عباده من هول ذلك اليوم وشدته:
[ 291 ]
لاي يوم أجلت الرسل ووقتت، ما أعظمه وأهوله ثم بين ذلك: وأي يوم هو ؟ فقال: أجلت ليوم الفصل يقول: ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء، فيأخذ للمظلوم من الظالم، ويجزي المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27844 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لاي يوم أجلت ليوم الفصل يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار. وقوله: وما أدراك ما يوم الفصل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وأي شئ أدراك يا محمد ما يوم الفصل، معظما بذلك أمره، وشدة هوله، كما: 27845 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما أدراك ما يوم الفصل تعظيما لذلك اليوم. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذبين بيوم الفصل. 27846 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويل يومئذ للمكذبين ويل والله طويل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم نهلك الاولين ئ ثم نتبعهم الآخرين ئ كذلك نفعل بالمجرمين ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره: ألم نهلك الامم الماضين الذين كذبوا رسلي، وجحدوا آياتي من قوم نوح وعاد وثمود، ثم نتبعهم الآخرين بعدهم، ممن سلك سبيلهم في الكفر بي وبرسولي، كقوم إبراهيم وقوم لوط، وأصحاب مدين، فنهلكهم كما أهلكنا الاولين قبلهم، كذلك نفعل بالمجرمين يقول: كما أهلكنا هؤلاء بكفرهم بي، وتكذيبهم برسلي، كذلك سنتي في أمثالهم من الامم الكافرة، فنهلك المجرمين بإجرامهم إذا طغوا وبغوا ويل يومئذ للمكذبين بأخبار الله التي ذكرناها في هذه الآية، الجاحدين قدرته على ما يشاء. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 292 ]
* (ألم نخلقكم من ماء مهين ئ فجعلناه في قرار مكين ئ إلى قدر معلوم ئ فقدرنا فنعم القادرون ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره: ألم نخلقكم أيها الناس من ماء مهين يعني من نطفة ضعيفة، كما: 27847 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ألم نخلقكم من ماء مهين يعني بالمهين: الضعيف. وقوله: فجعلناه في قرار مكين يقول: فجعلنا الماء المهين في رحم استقر فيها فتمكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27848 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: في قرار مكين قال: الرحم. وقوله: إلى قدر معلوم يقول: إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله، فقدرنا فنعم القادرون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة: فقدرنا بالتشديد. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالتخفيف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أوثر التخفيف لقوله: فنعم القادرون، إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين، كما قال: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا فجمع بين التشديد والتخفيف، كما قال الاعشى: وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا. فإنه محكي عن العرب، قدر عليه الموت، وقدر بالتخفيف والتشديد. وعنى بقوله: فقدرنا فنعم القادرون ما:
[ 293 ]
27849 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن المبارك عن جويبر، عن الضحاك فقدرنا فنعم القادرون قال: فملكنا فنعم المالكون. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول جل ثناؤه: ويل يومئذ للمكذبين بأن الله خلقهم من ماء مهين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم نجعل الارض كفاتا ئ أحياء وأمواتا ئ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره منبها عباده على نعمه عليهم: ألم نجعل أيها الناس الارض لكم كفاتا يقول: وعاء تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه. وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الارض كفات أحيائكم وأمواتكم، تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتكم في بطونها في القبور، فيدفنون فيها. وجائز أن يكون عني بقوله: كفاتا أحياءا وأمواتا تكفت أذاهم في حال حياتهم، وجيفهم بعد مماتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27850 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ألم نجعل الارض كفاتا يقول: كنا. 27851 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا خالد، عن مسلم، عن زاذان أبي عمر، عن الربيع بن خيثم، عن عبد الله بن مسعود، أنه وجد قملة في ثوبه، فدفنها في المسجد ثم قال: ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا مسلم الاعور، عن زاذان، عن ربيع بن خيثم، عن عبد الله، مثله. 27852 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد، ولا أدري قال في صلاة أم لا، إن شئت فألقها، وإن شئت فوارها ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا.
[ 294 ]
27853 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن بيان، عن الشعبي ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا قال: بطنها لامواتكم، وظهرها لاحيائكم. 27854 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد ألم نجعل الارض كفاتا قال: تكفت أذاهم أحياء تواريه وأمواتا يدفنون: تكفتهم. وقد: * - حدثني به ابن حميد مرة أخرى، فقال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد ألم نجعل الارض كفاتا قال: تكفت أذاهم وما يخرج منهم أحياء وأمواتا قال: تكفتهم في الاحياء والاموات. 27855 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا قال: أحياء يكونون فيها. قال محمد بن عمرو: يغيبون فيها ما أرادوا وقال الحارث: ويغيبون فيها ما أرادوا. وقوله: أحياء وأمواتا قال: يدفنون فيها. 27856 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا يسكن فيها حيهم، ويدفن فيها ميتهم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أحياء وأمواتا قال: أحياء فوقها على ظهرها، وأمواتا يقبرون فيها. واختلف أهل العربية في الذي نصب أحياء وأمواتا فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال. وقال بعض نحويي الكوفة: بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الارض كفات أحياء وأموات، فإذا نونت نصبت كما يقرأ من يقرأ: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة وهذا القول أشبه عندي بالصواب. وقوله: وجعلنا فيها رواسي شامخات يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الارض جبالا ثابتات فيها، باذخات شاهقات، كما: 27857 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلنا فيها رواسي شامخات يعني الجبال.
[ 295 ]
27858 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: رواسي شامخات يقول: جبالا مشرفات. وقوله: وأسقيناكم ماء فراتا يقول: وأسقيناكم ماء عذبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27859 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وأسقيناكم ماء فراتا يقول: عذبا. 27860 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ماء فراتا قال: عذبا. 27861 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأسقيناكم ماء فراتا: أي ماء عذبا. 27862 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس: وأسقيناكم ماء فراتا قال: من أربعة أنهار: سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات، وكل ماء يشربه ابن آدم، فهو من هذه الانهار، وهي تخرج من تحت صخرة من عند بيت المقدس. وأما سيحان فهو ببلخ، وأما جيحان فدجلة، وأما الفرات ففرات الكوفة، وأما النيل فهو بمصر. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل يومئذ للمكذبين بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ئ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ئ لا ظليل ولا يغني من اللهب ئ إنها ترمي بشرر كالقصر ئ كأنه جمالة صفر ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بهذه النعم والحجج التي احتج بها عليهم يوم القيامة: انطلقوا إلى ما كنتم به في الدنيا تكذبون من عذاب الله لاهل الكفر به انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب يعني تعالى ذكره: إلى ظل دخان ذي ثلاث شعب لا
[ 296 ]
ظليل، وذلك أنه يرتفع من وقودها الدخان فيما ذكر، فإذا تصاعد تفرق شعبا ثلاثا، فذلك قوله: ذي ثلاث شعب. 27863 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلى ظل ذي ثلاث شعب قال: دخان جهنم. 27864 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ظل ذي ثلاث شعب قال: هو كقوله: نارا أحاط بهم سرادقها قال: والسرادق: دخان النار، فأحاط بهم سرادقها، ثم تفرق، فكان ثلاث شعب، فقال: انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب: شعبة ههنا، وشعبة ههنا، وشعبة ههنا لا ظليل ولا يغني من اللهب. وقوله: لا ظليل يقول: لا هو يظلهم من حرها ولا يغني من اللهب ولا يكنهم من لهبها. وقوله: إنها ترمي بشرر كالقصر يقول تعالى ذكره: إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قراء الامصار: كالقصر بجزم الصاد. واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور. ذكر من قال ذلك: 27865 - حدثني علي، قال ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر يقول: كالقصر العظيم. 27866 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد إنها ترمي بشرر كالقصر قال: ذكر القصر. 27867 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر في قول الله: إنها ترمي بشرر كالقصر قال: كان القرظي يقول: إن على جهنم سورا، فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر، ولون القار. وقال آخرون: بل هو الغليظ من الخشب، كأصول النخل وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
[ 297 ]
27868 -: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سألت ابن عباس عن قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر قال: القصر: خشب كنا ندخره للشتاء ثلاث أذرع، وفوق ذلك، ودون ذلك كنا نسميه القصر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر قال: القصر: خشب كان يقطع في الجاهلية ذراعا وأقل أو أكثر، يعمد به. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر قال: كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع، وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله إنها ترمي بشرر كالقصر فالقصر: الشجر المقطع، ويقال: القصر: النخل المقطوع. 27869 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كالقصر قال: حزم الشجر، يعني الحزمة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية إنها ترمي بشرر كالقصر قال: مثل قصر النخلة. 27870 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر أصول الشجر، وأصول النخل. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بشرر كالقصر قال: كأصل الشجر. 27871 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بشرر كالقصر القصر: أصول الشجر العظام، كأنها أجواز الابل الصفر وسط كل شئ جوزه، وهي الا جواز.
[ 298 ]
27872 - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: قرأها الحسن: كالقصر وقال: هو الجزل من الخشب قال: واحدته: قصرة وقصر، مثله: جمرة وجمر، وتمرة وتمر. وذكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك: كالقصر بتحريك الصاد. 27873 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرني حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قرأها: كالقصر بفتح القاف والصاد. 27874 - قال: وقال هارون: أخبرني أبو عمرو أن ابن عباس قرأها: كالقصر وقال: قصر النخل، يعني الاعناق. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار، وهو سكون الصاد، وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور، وذلك لدلالة قوله: كأنه جمالات صفر على صحته، والعرب تشبه الابل بالقصور المبنية، كما قال الاخطل في صفة ناقة: كأنها برج رومي يشيده لز بجص وآجر وأحجار وقيل: بشرر كالقصر ولم يقل كالقصور، والشرر: جماع، كما قيل: سيهزم الجمع ويولون الدبر ولم يقل الادبار، لان الدبر بمعنى الادبار، وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الآيات ومقاطع الكلام، لان العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن. وقيل: كالقصر، ومعنى الكلام: كعظم القصر، كما قيل: تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ولم يقل: كعيون الذي يغشى عليه، لان المراد في التشبيه الفعل لا العين. 27875 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، أنه سأل الاسود عن هذه الآية: ترمي بشرر كالقصر فقال: مثل القصر.
[ 299 ]
وقوله: جمالات صفر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جمالات سود: أي أينق سود وقالوا: الصفر في هذا الموضع، بمعنى السود. قالوا: وإنما قيل لها صفر وهي سود، لان ألوان الابل سود تضرب إلى الصفرة، ولذلك قيل لها صفر، كما سميت الظباء أدما، لما يعلوها في بياضها من الظلمة. ذكر من قال ذلك: 27876 - حدثني أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن الحسن كأنه جمالة صفر قال: الاينق السود. 27877 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كأنه جمالات صفر كالنوق السود الذي رأيتم. 27878 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: جمالات صفر قال: نوق سود. 27879 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد كأنه جمالات صفر قال: هي الابل. * - قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة كأنه جمالات صفر قال: كالنوق السود الذي رأيتم. وقال آخرون: بل عني بذلك: قلوس السفن، شبه بها الشرر. ذكر من قال ذلك: 27880 - حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس كأنه جمالات صفر فالجمالات الصفر: قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سعيد، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سألت ابن عباس عن قوله: كأنه جمالات صفر قال: قلوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض، حتى تكون كأوساط الرجال. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس سئل عن جمالات صفر فقال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال.
[ 300 ]
27881 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس، قال: ثنا عبد الملك بن عبد الله، قال: ثنا هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، في قوله: جمالات صفر قال: قلوس الجسر. * - حدثني محمد بن حويرة بن محمد المنقري، قال: ثنا عبد الملك بن عبد الله القطان، قال: ثنا هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير كأنه جمالات صفر قال: الحبال. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن عبد الله، عن ابن عباس كأنه جمالات صفر قال: قلوس سفن البحر. 27882 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كأنه جمالات صفر قال: حبال الجسور. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنه قطع النحاس. ذكر من قال ذلك: 27883 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كأنه جمالات صفر يقول: قطع النحاس. وأولى الاقوال عندي بالصواب قول من قال: عني بالجمالات الصفر: الابل السود، لان ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجمالات جمع جمال، نظير رجال ورجالات، وبيوت وبيوتات. وقد اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: جمالات بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جمالة، والجمالة جمع جمل كما الحجارة جمع حجر، والذكارة جمع ذكر. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: كأنه جمالة بكسر الجيم على أنها جمع جمل جمع على جمالة، كما ذكرت من جمع حجر حجارة. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: جمالات بالتاء وضم الجيم كأنه جمع جمالة من الشئ المجمل.
[ 301 ]
27884 - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. والصواب من القول في ذلك، أن لقارئ ذلك اختيار أي القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء وكسر الجيم، وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء، لانهما القراءتان المعروفتان في قراء الامصار فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لاجماع الحجة من القراء على خلافه. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يوم القيامة للمكذبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذبين من عباده. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذا يوم لا ينطقون ئ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ئ ويل يومئذ للمكذبين ئ هذا يوم الفصل جمعناكم والاولين ئ فإن كان لكم كيد فكيدون ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بثواب الله وعقابه: هذا يوم لا ينطقون أهل التكذيب بثواب الله وعقابه ولا يؤذن لهم فيعتذرون مما اجترموا في الدنيا من الذنوب. فإن قال قائل: وكيف قيل: هذا يوم لا ينطقون وقد علمت بخبر الله عنهم أنهم يقولون: ربنا أخرجنا منها وأنهم يقولون: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين في نظائر ذلك مما أخبر الله ورسوله عنهم أنهم يقولونه ؟ قيل: إن ذلك في بعض الاحوال دون بعض. وقوله: هذا يوم لا ينطقون يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله. فإن قال: فهل من برهان يعلم به حقيقة ذلك ؟ قيل: نعم، وذلك إضافة يوم إلى قوله: لا ينطقون والعرب لا تضيف اليوم إلى فعل يفعل، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه، وذلك كقولهم: آتيك يوم يقدم فلان، وأتيتك يوم زارك أخوك، فمعلوم أن
[ 302 ]
معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك، أو آتيك ساعة يقدم، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله، لان ذلك لو كان أخذ اليوم كله لم يضف اليوم إلى فعل ويفعل، ولكن فعل ذلك إذ كان اليوم بمعنى إذ وإذا اللتين يطلبان الافعال دون الاسماء. وقوله: فيعتذرون رفعا عطفا على قوله: ولا يؤذن لهم وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد، لانه رأس آية قرن بينه وبين سائر رؤوس الآيات التي قبلها، ولو كان جاء نصبا كان جائزا، كما قال: لا يقضى عليهم فيموتوا، وكل ذلك جائز فيه، أعني الرفع والنصب، كما قيل: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له رفعا ونصبا. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين بخبر الله عن هؤلاء القوم، وما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقوله: هذا يوم الفصل جمعناكم والاولين يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث يوم يبعثون: هذا يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بالحق بين عباده جمعناكم والاولين يقول: جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الامم الهالكة، فقد وفينا لكم بذلك فإن كان لكم كيد فكيدون يقول: والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل يومئذ للمكذبين بهذا الخبر. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن المتقين في ظلال وعيون ئ وفواكه مما يشتهون ئ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ئ إنا كذلك نجزي المحسنين ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه في الدنيا، واجتناب معاصيه في ظلال ظليلة، وكن كنين، لا يصيبهم أذى حر ولا قر، إذ كان الكافرون بالله في ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب وعيون أنهار تجري خلال أشجار جناتهم وفواكه مما يشتهون يأكلون منها كلما اشتهوا لا يخافون ضرها، ولا عاقبة مكروهها.
[ 303 ]
وقوله: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: كلوا أيها القوم من هذه الفواكه، واشربوا من هذه العيون كلما اشتهيتم هنيئا يقول: لا تكدير عليكم، ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه، ولكنه لكم دائم لا يزول، ومرئ لا يورثكم أذى في أبدانكم. وقوله: بما كنتم تعملون يقول جل ثناؤه يقال لهم: هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله، وتجتهدون فيما يقربكم منه. وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول: إنا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا، كذلك نجزي ونثيب أهل الاحسان في طاعتهم إيانا، وعبادتهم لنا في الدنيا على إحسانهم لا نضيع في الآخرة أجرهم. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل للذين يكذبون خبر الله عما أخبرهم به من تكريمه هؤلاء المتقين بما أكرمهم به يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ئ ويل يومئذ للمكذبين ئ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ئ ويل يومئذ للمكذبين) *. يقول تعالى ذكره تهددا ووعيدا منه للمكذبين بالبعث: كلوا في بقية آجالكم، وتمتعوا ببقية أعماركم إنكم مجرمون مسنون بكم سنة من قبلكم من مجرمي الامم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها، ثم انتقم الله منها بكفرها، وتكذيبها رسلها. 27885 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون قال: عني به أهل الكفر. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين الذين كذبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الآية. وقوله: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذبين بوعيد الله أهل التكذيب به: اركعوا، لا يركعون. واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه، فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. ذكر من قال ذلك:
[ 304 ]
27886 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا. وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك: 27887 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون عليكم بحسن الركوع، فإن الصلاة من الله بمكان. وقال قتادة عن ابن مسعود، أنه رأى رجلا يصلي ولا يركع، وآخر يجر إزاره، فضحك، قالوا: ما يضحكك ؟ قال: أضحكني رجلان، أما أحدهما فلا يقبل الله صلاته، وأما الآخر فلا ينظر الله إليه. وقيل: عني بالركوع في هذا الموضع الصلاة. ذكر من قال ذلك: 27888 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون قال: صلوا. وأولى الاقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول: ويل للذين كذبوا رسل الله، فردوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم، ونهيه لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فبأي حديث بعده يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: فبأي حديث بعد هذا القرآن، أي أنتم أيها القوم كذبتم به مع وضوح برهانه، وصحة دلائله، أنه حق من عند الله تؤمنون، يقول: تصدقون. وإنما أعلمهم تعالى ذكره أنهم إن لم يصدقوا بهذه الاخبار التي أخبرهم بها في هذا القرآن مع صحة حججه على حقيقته لم يمكنهم الاقرار بحقيقة شئ من الاخبار التي لم
[ 305 ]
يشاهدوا المخبر عنه، ولم يعاينوه، وأنهم إن صدقوا بشئ مما غاب عنهم لدليل قام عليه لزمهم مثل ذلك في أخبار هذا القرآن والله أعلم. آخر تفسير سورة والمرسلات تم الجزء التاسع والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري ويليه الجزء الثلاثون وأوله: تفسير سورة النبأ