جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 28

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آئ القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه‍ قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء الثامن والعشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
(58) سورة المجادلة مدنية وآياتها اثنتان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قد سمع الله يا محمد قول التي تجادلك في زوجها والتي كانت تجادل رسول الله (ص) في زوجها امرأة من الانصار. واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها خويلة بنت ثعلبة. وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد. وقال آخرون: هي خويلة بنت الصامت. وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليج وكانت مجادلتها رسول الله (ص) في زوجها، وزوجها أوس بن الصامت، مراجعتها إياه في أمره، وما كان من قوله لها: أنت علي كظهر أمي. ومحاورتها إياه في ذلك، وبذلك قال أهل التأويل، وتظاهرت به الرواية. ذكر من قال ذلك، والآثار الواردة به: 26108 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا أبو داود، قال: سمعت أبا العالية يقول: إن خويلة ابنة الدليج أتت النبي (ص) وعائشة تغسل شق رأسه، فقالت: يا رسول الله، طالت صحبتي مع زوجي، ونفضت له بطني، وظاهر مني فقال رسول الله (ص): حرمت عليه فقالت: أشكو إلى الله فاقتي، ثم قالت: يا رسول الله طالت صحبتي، ونفضت له بطني، فقال رسول الله (ص): حرمت عليه فجعل إذا قال لها:
[ 4 ]
حرمت عليه، هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي، قال: فنزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر، فأومأت إليها عائشة أن اسكتي، قالت: وكان رسول الله (ص) إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات، فلما قضي الوحي، قال: ادعي زوجك، فتلاها عليه رسول الله (ص): قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما... إلى قوله: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا: أي يرجع فيه فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا أتستطيع رقبة ؟ قال: لا، قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قال: يا رسول الله، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات خشيت أن يعشو بصري قال: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا قال: أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال: لا يا رسول الله إلا أن تعينني، فأعانه رسول الله (ص) فأطعم. 26109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة،. قال: ذكر لنا أن خويلة ابنة ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر منها، فجاءت تشتكي إلى رسول الله (ص)، فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني، ورق عظمي فأنزل الله فيها ما تسمعون: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله فقرأ حتى بلغ لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا يريد أن يغشى بعد قوله ذلك، فدعاه رسول الله (ص) فقال له: أتستطيع أن تحرر محررا ؟ قال: مالي بذلك يدان، أو قال: لا أجد، قال: أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال: لا والله إنه إذا أخطأه المأكل كل يوم مرارا يكل بصره، قال: أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال: لا والله، إلا أن تعينني منك بعون وصلاة. قال بشر، قال يزيد: يعني دعاء فأعانه رسول الله (ص) بخمسة عشر صاعا، فجمع الله له، والله غفور رحيم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما قال: ذاك أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة ابنة ثعلبة قالت: يا رسول كبر سني، ورق عظمي، وظاهر مني زوجي، قال: فأنزل الله: الذين يظاهرون من نسائهم... إلى قوله
[ 5 ]
ثم يعودون لما قالوا يريد أن يغشى بعد قوله فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فدعاه إليه نبي الله (ص) فقال: هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال: لا قال: أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال: إنه إذا أخطأه أن يأكل كل يوم ثلاث مرات يكل بصره قال: أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال: لا، إلا أن يعينني فيه رسول الله (ص) بعون وصلاة، فأعانه رسول الله (ص) بخمسة عشر صاعا، وجمع الله له أمره، والله غفور رحيم. 26110 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت علي كظهر أمي حرمت في الاسلام، فكان أول من ظاهر في الاسلام أوس بن الصامت، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت خويلد وظاهر منها، فأسقط في يديه وقال: ما أراك إلا قد حرمت علي، وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله (ص) قال: فأتت رسول الله (ص)، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فأخبرته، فقال: يا خويلة ما أمرنا في أمرك بشئ، فأنزل الله على رسول الله (ص)، فقال: يا خويلة أبشري، قالت: خيرا، قال: فقرأ عليها رسول الله (ص): قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله... إلى قوله: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا قالت: وأي رقبة لنا، والله ما يجد رقبة غيري، قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره، قال: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا قالت: من أين ؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها، قال: فرعاه بشطر وسق ثلاثين صاعا والوسق ستون صاعا فقال: ليطعم ستين مسكينا وليراجعك. 26111 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله... إلى قوله: فإطعام ستين مسكينا، وذلك أن خولة بنت الصامت امرأة من الانصار ظاهر منها زوجها، فقال: أنت علي مثل ظهر أمي، فأتت رسول الله (ص) فقالت: إن زوجي كان تزوجني، وأنا أحب، حتى إذا كبرت ودخلت في السن قال: أنت علي
[ 6 ]
مثل ظهر أمي، فتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني وإياه بها فحدثني بها، فقال رسول الله (ص): ما أمرت في شأنك بشئ حتى الآن، ولكن ارجعي إلى بيتك، فإن أومر بشئ لا أغممه عليك إن شاء الله فرجعت إلى بيتها، وأنزل الله على رسوله (ص) في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها... إلى قوله: وللكافرين عذاب إليم فأرسل رسول الله (ص) إلى زوجها فلما أتاه قال له رسول الله (ص): ما أردت إلى يمينك التي أقسمت عليها ؟ فقال: وهل لها كفارة ؟ فقال له رسول الله (ص): هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال: إذا يذهب مالي كله، الرقبة غالية وأنا قليل المال، فقال له رسول الله (ص): فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال: لا والله لولا أني آكل في اليوم ثلاث مرات لكل بصري، فقال له رسول الله (ص): هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال: لا والله إلا أن تعينني على ذلك بعون وصلاة، فقال رسول الله (ص): إني معينك بخمسة عشر صاعا، وأنا داع لك بالبركة فأصلح ذلك بينهما. قال: وجعل فيه تحرير رقبة لمن كان موسرا لا يكفر عنه إلا تحرير رقبة إذا كان موسرا من قبل أن يتماسا، فإن لم يكن موسرا فصيام شهرين متتابعين، لا يصلح له إلا الصوم إذا كان معسرا، إلا أن لا يستطيع، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وذلك كله قبل الجماع. 26112 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي معشر المدني، عن محمد بن كعب القرظي، قال: كانت خولة ابنة ثعلبة تحت أوس بن الصامت، وكان رجلا به لمم، فقال في بعض هجراته: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ما قال، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت علي قالت: لا تقل ذلك، فوالله ما أحب الله طلاقا. قالت: أئت رسول الله (ص) فسله، فقال: إني أجدني أستحي منه أن أسأله عن هذا، فقالت: فدعني أن
[ 7 ]
أسأله، فقال لها: سليه فجاءت إلى رسول الله (ص)، فقالت: يا نبي الله إن أوس بن الصامت أبو ولدي، وأحب الناس إلي، قد قال كلمة، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا، قال: أنت علي كظهر أمي، فقال النبي (ص): ما أراك إلا قد حرمت عليه، قالت: لا تقل ذلك با نبي الله، والله ما ذكر طلاقا فرادت النبي (ص) مرارا، ثم قالت: اللهم إني أشكو اليوم شدة حالي ووحدتي، وما يشق علي من فراقه، اللهم فأنزل على لسان نبيك، فلم ترم مكانها حتى أنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله إلى أن ذكر الكفارات، فدعاه النبي (ص) فقال: أعتق رقبة، فقال لا أجد، فقال: صم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع، إني لاصوم اليوم الواحد فيشق علي قال: أطعم ستين مسكينا ؟ قال: أما هذا فنعم. 26113 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن أبي إسحاق قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها قال نزلت في امرأة اسمها خولة، وقال عكرمة اسمها خويلة، ابنة ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت جاءت النبي (ص)، فقالت: إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه، فقال النبي (ص): ما أراك إلا قد حرمت عليه، وهو حينئذ يغسل رأسه، فقالت: انظر جعلت فداك يا نبي الله، فقال: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: انظر في شأني يا رسول الله، فجعلت تجادله، ثم حول رأسه ليغسله، فتحولت من الجانب الآخر، فقالت: انظر جعلني الله فداك يا نبي الله، فقالت الغاسلة: أقصري حديثك ومخاطبتك يا خويلة، أما ترين وجه رسول الله (ص) متربدا ليوحى إليه ؟ فأنزل الله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها... حتى بلغ ثم يعودون لما قالوا قال قتادة: فحرمها، ثم يريد أن يعود لها فيطأها فتحرير رقبة... حتى بلغ بما تعملون خبير قال أيوب: أحسبه ذكره عن عكرمة، أن الرجل قال: يا نبي الله ما أجد رقبة، فقال النبي (ص): ما أنا بزائدك، فأنزل الله عليه: صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فقال: والله يا نبي الله ما أطيق الصوم، إني إذا لم آكل في اليوم كذا وكذا أكلة لقيت ولقيت، فجعل يشكو إليه، فقال: ما أنا بزائدك، فنزلت: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
[ 8 ]
26114 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله الله عز وجل: التي تجادلك في زوجها قال: تجادل محمدا (ص)، فهي تشتكي إلى الله عند كبره وكبرها حتى انتفض وانتفض رحمها. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله الله التي تجادلك في زوجها قال: محمدا في زوجها قد ظاهر منها، وهي تشتكي إلى الله، ثم ذكر سائر الحديث نحوه. 26115 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبت إلي تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصامت، وإنها ليست بابنة أوس بن الصامت، ولكنها امرأة أوس، وكان أوس امرأ به لمم، وكان إذا اشتد به لممه تظاهر منها، وإذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئا، فجاءت رسول الله (ص) تستفتيه وتشتكي إلى الله، فأنزل الله ما سمعت، وذلك شأنهما. 26116 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدث عن معمر بن عبد الله، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: حدثتني خويلة امرأة أوس بن الصامت قالت: كان بيني وبينه شئ، تعنى زوجها، فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج إلى نادي قومه، ثم رجع فراودني عن نفسي، فقالت: كلا والذي نفسي بيده حتى ينتهي أمري وأمرك إلى رسول الله (ص)، فيقضي في وفيك أمره، وكان شيخا كبيرا رقيقا، فغلبته بما تغلب به المرأة القوية الرجل الضعيف، ثم خرجت إلى جارة لها، فاستعارت ثيابها، فأتت رسول الله (ص) حتى جلست بين يديه، فذكرت له أمره، فما برحت حتى أنزل الوحي على رسول الله (ص)، ثم قالت: لا يقدر على ذلك، قال: إنا سنعينه على ذلك بفرق من تمر قلت: وأنا أعينه بفرق آخر، فأطعم ستين مسكينا. 26117 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن تميم، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله (ص)، وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله... إلى آخر الآية.
[ 9 ]
* - حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: تبارك الذي وسع سمعه الاصوات كلها، إن المرأة لتناجي النبي (ص) أسمع بعض كلامها، ويخفى علي بعض كلامها، إذ أنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها. 26118 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شئ، إني لاسمع كلام خولة ابنة ثعلبة، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله (ص) وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها قال: زوجها أوس بن الصامت. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمد الله الذي وسع سمعه الاصوات، إن خولة تشتكي زوجها إلى رسول الله (ص)، فيخفى علي أحيانا بعض ما تقول، قالت: فأنزل الله عز وجل قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله. 26119 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن جميلة كانت امرأة أوس بن الصامت، وكان أمرأ به لمم، وكان إذا اشتد به لممه ظاهر من امرأته، فأنزل الله عز وجل آية الظهار. 26120 - حدثني يحيى بن بشر القرقساني، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن الاموي، قال: ثنا خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا،
[ 10 ]
فأول من ظاهر في الاسلام أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت من امرأته الخزرجية، وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت به نبي الله (ص)، فقالت: يا رسول الله إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته فهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شئ، فأنزل الله عز وجل: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها... إلى قوله: وللكافرين عذاب أليم فدعاه رسول الله (ص) فقال: أتقدر على رقبة تعتقها ؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ما أقدر عليها، فجمع له رسول الله (ص) حتى أعتق عنه، ثم راجع أهله. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: قد سمع الله قول التي تحاولك في زوجها. وقوله: وتشتكي إلى الله يقول: وتشتكي المجادلة ما لديها من الهم بظهار زوجها منها إلى الله وتسأله الفرج والله يسمع تحاوركما يعني تحاور رسول الله (ص)، والمجادلة خولة ابنة ثعلبة إن الله سميع بصير يقول تعالى ذكره: إن الله سميع لما يتجاوبانه ويتحاورانه، وغير ذلك من كلام خلقه، بصير بما يعلمون، ويعمل جميع عباده. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) *. يقول تعالى ذكره: الذين يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم، فيقولون لهن: أنتن علينا كظهور أمهاتنا، وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية. كذلك: 26121 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: كان الظهار طلاقا في الجاهلية، الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدا، فأنزل الله عز وجل فيه ما أنزل. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة سوى نافع، وعامة قراء الكوفة خلا عاصم: يظاهرون بفتح الياء وتشديد الظاء وإثبات الالف، وكذلك قرأوا الاخرى بمعنى يتظاهرون، ثم أدغمت التاء في الظاء فصارتا ظاء مشددة. وذكر أنها في
[ 11 ]
قراءة أبي: يتظاهرون وذلك تصحيح لهذه القراءة وتقوية لها وقرأ ذلك نافع وأبو عمرو وكذلك بفتح الياء وتشديد الظاء، غير أنهما قرأه بغير ألف: يظهرون. وقرأ ذلك عاصم: يظاهرون بتخفيف الظاء وضم الياء وإثبات الالف. والصواب من القول في ذلك عندي أن كل هذه القراءات متقاربات المعاني. وأما يظاهرون فهو من تظاهر، فهو يتظاهر. وأما يظهرون فهو من تظهر فهو يتظهر، ثم أدغمت التاء في الظاء فقيل: يظهر. وأما يظاهرون فهو من ظاهر يظاهر، فبأية هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ فمصيب. وقوله: ما هن أمهاتهم يقول تعالى ذكره: ما نساؤهم اللائي يظاهرن منهن بأمهاتهم، فيقولوا لهن: أنتن علينا كظهر أمهاتنا، بل هن لهم حلال. وقوله: إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم لا اللائي قالوا لهن ذلك. وقوله: وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا يقول جل ثناؤه: وإن الرجال ليقولون منكرا من القول الذي لا تعرف صحته وزورا: يعني كذبا، كما: 26122 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة منكرا من القول وزورا قال: الزور: الكذب وإن الله لعفو غفور يقول جل ثناؤه: إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير) *. يقول جل ثناؤه: والذين يقولون لنسائهم: أنتن علينا كظهور أمهاتنا. وقوله: ثم يعودون لما قالوا اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر، فقال بعضهم: هو الرجوع في تحريم ما حرم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالا قبل تظاهره، فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها. ذكر من قال ذلك: 26123 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم يعودون لما قالوا قال: يريد أن يغشى بعد قوله.
[ 12 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ثم يعودون لما قالوا قال: حرمها، ثم يريد أن يعود لها فيطأها. وقال آخرون نحو هذا القول، إلا أنهم قالوا: إمساكه إياها بعد تظهيره منها، وتركه فراقها عود منه لما قال، عزم على الوطئ أو لم يعزم. وكان أبو العالية يقول: معنى قوله: لما قالوا: فيما قالوا. 26124 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، قال: سمعت أبا العالية يقول في قوله: ثم يعودون لما قالوا: أي يرجع فيه. واختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك المعنى: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فمن لم يجد فصيام، فإطعام ستين مسكينا، ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه هذا الظهار، يقول: هي علي كظهر أمي، وما أشبه هذا من الكلام، فإذا أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا عاد لما قد قال: هو علي حرام يفعله. وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدم الذي معناه التأخير. وقال بعض نحويي الكوفة ثم يعودون لما قالوا يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قالوا، يريدون النكاح، يريد: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا، قال: ويجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، تريد إن فعل مرة أخرى، ويجوز إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أن يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك، وحلف ليضربنك. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معنى اللام في قوله لما قالوا بمعنى إلى أو في، لان معنى الكلام: ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه. وإن قيل معناه: ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا، أو في تحليل ما حرموا فصواب، لان كل ذلك عود له، فتأويل الكلام: ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم. وقوله: فتحرير رقبة من قبل أن يماسا يقول: فعليه تحرير رقبة، يعني عتق رقبة عبد أو أمة، من قبل أن يماس الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه. واختلف في المعنى بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله: وإن
[ 13 ]
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد ذكرنا ذلك هنالك. وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك: 26125 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فهو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي فإذا قال ذلك، فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والمس: النكاح فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإن هو قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفر، ولا يقع في الظهار طلاق. 26126 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: ثنا أشعث، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يغشى المظاهر دون الفرج. 26127 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا زيد، قال: قال سفيان: إنما المظاهرة عن الجماع ولم ير بأسا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج، أو حيث يشاء، أو يباشر. وقال آخرون: عني بذلك كل معاني المسيس، وقالوا: الآية على العموم. ذكر من قال ذلك: 26128 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا وهيب، عن يونس، قال: بلغني عن الحسن أنه كره للمظاهر المسيس. وقوله: ذلكم توعظون به يقول تعالى ذكره: أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به، فتنتهون عن الظهار وقول الزور والله بما تعملون خبير يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم التي تعلمونها أيها الناس ذو خبرة لا يخفى عليه شئ منها، وهو مجازيكم عليها، فانتهوا عن قول المنكر والزور. القول في تأويل قوله تعالى
[ 14 ]
: * (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحررها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شئ منهما إلا من عذر، فإنه إذا كان الافطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم، فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم. وقال آخرون: بل يستأنف، لان من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين. ذكر من قال: إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعا: 26129 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عدي وعبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل صام من كفارة الظهار، أو كفارة القتل، ومرض فأفطر، أو أفطر من عذر، قال: عليه أن يقضي يوما مكان يوم، ولا يستقبل صومه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، بمثله. 26130 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في المظاهر الذي عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا، ثم أفطر، قال: يتم ما بقي. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب في رجل صام من كفارة الظهار شهرا أو أكثر ثم مرض، قال: يعتد بما مضى إذا كان له عذر. 26131 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سالم بن نوح، قال: ثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن الحسن في الرجل يكون عليه الصوم في قتل أو نذر أو ظهار، فصام بعضه ثم أفطر، قال: إن كان معذورا فإنه يقضي. 26132 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن، قال: إن أفطر من عذر أتم، وإن كان من غير عذر استأنف.
[ 15 ]
26133 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء، قال: من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر، قال: يقضي ما بقي عليه. 26134 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم الغيم، يظن أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين أنه لا يزيد على أن يبدله، ولا يستأنف شهرين آخرين. 26135 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: إن جامع المعتكف وقد بقي عليه أيام من اعتكافه قال: يتم ما بقي، والمظاهر كذلك. 26136 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: إذا كان شيئا ابتلي به بنى على صومه، وإذا كان شيئا هو فعله استأنف، قال: سفيان: هذا معناه. 26137 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في رجل ظاهر، فصام شهرين متتابعين إلا يومين ثم مرض، قال: يتم ما بقي. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل عن الشعبي بنحوه. * - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا: ثنا هشيم، عن إسماعيل، عن الشعبي في رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام فمرض فأفطر، قال: يقضي ولا يستأنف. ذكر من قال: يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر: 26138 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر، قال: يستأنف، والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا مرض فأفطر استأنف، يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر. 26139 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: يستأنف. وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال: يبني المفطر بعذر، ويستقبل المفطر بغير عذر، لاجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر،
[ 16 ]
فمثله، لان إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قبل الله، فكل عذر كان من قبل الله فمثله. وقوله: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا يقول تعالى ذكره: فمن لم يستطع منهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكينا. وقد بينا وجه الاطعام في الكفارات فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته. وقوله: ذلك لتوءمنوا بالله ورسوله يقول جل ثناؤه: هذا الذي فرضت على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرقبة، ثم خففت عنه مع العجز بالصوم، ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالاطعام، وإنما فعلته كي تقر الناس بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد (ص)، ويصدقوا بذلك، ويعملوا به، وينتهوا عن قول الزور والكذب وتلك حدود الله يقول تعالى ذكره: وهذه الحدود التي حدها الله لكم، والفروض التي بينها لكم حدود الله فلا تتعدوها أيها الناس وللكافرين بها، وهم جاحدو هذه الحدود وغيرها من فرائض الله أن تكون من عند الله عذاب أليم يقول: عذاب مؤلم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه، فيجعلون حدودا غير حدوده، وذلك هو المحادة لله ولرسوله، وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما: 26140 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الذين يحادون الله ورسوله يقول: يعادون الله ورسوله. وأما قوله: كبتوا كما كبت الذين من قبلهم فإنه يعني: غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الامم الذين حادوا الله ورسوله، وخزوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26141 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كبتوا كما كبت الذين من قبلهم خزوا كما خزي الذين من قبلهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معنى كبتوا أهلكوا.
[ 17 ]
وقال آخر منهم: يقول: معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق كما كبت الذين من قبلهم يريد من قاتل الانبياء من قبلهم. وقوله: وقد أنزلنا آيات بينات يقول: وقد أنزلنا دلالات مفصلات، وعلامات محكمات تدل على حقائق حدود الله. وقوله: والكافرين عذاب مهين يقول تعالى ذكره: ولجاحدي تلك الآيات البينات التي أنزلناها على رسولنا محمد (ص)، ومنكريها عذاب يوم القيامة مهين: يعني مذل في جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد) *. يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب معين في يوم يبعثهم الله جميعا، وذلك يوم يبعثهم الله جميعا من قبورهم لموقف القيامة فينبئهم الله بما عملوا أحصاه الله ونسوه يقول تعالى ذكره: أحصى الله ما عملوا، فعده عليهم، وأثبته وحفظه، ونسيه عاملوه والله على كل شئ شهيد يقول: والله جل ثناؤه على كل شئ عملوه وغير ذلك من أمر خلقه شهيد يعني شاهد يعلمه ويحيط به فلا يغرب عنه شئ منه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تنظر يا محمد بعين قبلك فترى أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض من شئ، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول جل ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جل ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرا بينهم، فقال: ما يكون من نجوى ثلاثة من خلقه إلا هو رابعهم يسمع
[ 18 ]
سرهم ونجواهم، لا يخفى عليه شئ من أسرارهم ولا خمسة إلا هو سادسهم يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك ولا أدنى من ذلك يقول: ولا أقل من ثلاثة ولا أكثر من خمسة إلا هو معهم إذا تناجوا أينما كانوا يقول: في أي موضع ومكان كانوا. وعنى بقوله هو رابعهم بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه، كما: 26142 - حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك، في قول ما يكون من نجوى ثلاثة... إلى قوله هو معهم قال: هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم. وقوله: ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل مما يحبه ويسخطه يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم يقول: إن الله بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم. واختلفت القراء في قراءة قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة فقرأت قراء الامصار ذلك ما يكون من نجوى بالياء، خلا أبي جعفر القارئ، فإنه قرأه: ما تكون بالتاء. والياء هي الصواب في ذلك، لاجماع الحجة عليها، ولصحتها في العربية. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى من اليهود ثم يعودون فقد نهى الله عز وجل إياهم عنها، ويتناجون بينهم بالاثم والعدوان ومعصية الرسول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26143 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني
[ 19 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى قال: اليهود. قوله: ثم يعودون لما نهوا عنه يقول جل ثناؤه: ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول يقول جل ثناؤه: ويتناجون بما حرم الله عليهم من الفواحش والعدوان، وذلك خلاف أمر الله ومعصية الرسول محمد (ص). واختلفت القراء في قراءة قوله: ويتناجون فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين ويتناجون على مثال يتفاعلون، وكان يحيى وحمزة والاعمش يقرأون وينتجون على مثال يفتعلون. واعتل الذين قرأوه: يتناجون بقوله: إذا تناجيتم ولم يقل: إذا انتجيتم. وقوله: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى، الذين وصف الله جل ثناؤه صفتهم، حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الاخبار، أنهم كانوا يقولون: السام عليك. ذكر الرواية الواردة بذلك: 26144 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: ثنا جرير، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي (ص)، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم وفعل، فقال النبي (ص): يا عائشة إن الله لا يحب الفحش، فقلت: يا رسول الله، ألست ترى ما يقولون ؟ فقال: ألست ترينني أرد عليهم ما يقولون ؟ أقول: عليكم وهذه الآية في ذلك نزلت وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول، حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان اليهود يأتون النبي (ص) فيقولون: السام عليكم،
[ 20 ]
فيقول: عليكم قالت عائشة: السام عليكم وغضب الله فقال النبي (ص): إن الله لا يحب الفاحش المتفحش، قالت: إنهم يقولون: السام عليكم، قال: إني أقول: عليكم، فنزلت: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله قال: فإن اليهود يأتون النبي (ص)، فيقولون: السام عليكم. 26145 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله قال: كانت اليهود يأتون النبي (ص)، فيقولون: السام عليكم. 26146 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله... إلى فبئس المصير قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله (ص) إذا حيوه: سام عليكم، فقال الله حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير. 26147 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله قال: يقولون: سام عليكم، قال: هم أيضا يهود. 26148 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله حيوك بما لم يحيك به الله قال: اليهود كانت تقول: سام عليكم. 26149 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري أن عائشة فطنت إلى قولهم، فقالت: وعليكم السامة واللعنة، فقال النبي (ص): مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الامر كله، فقالت: يا نبي الله ألم تسمع ما يقولون ؟ قال: أفلم تسمعي ما أرد عليهم ؟ أقول: عليكم. 26150 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن نبي الله (ص) بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهودي، فسلم عليهم، فردوا
[ 21 ]
عليه، فقال نبي الله (ص): هل تدرون ما قال ؟ قالوا: سلم يا رسول الله، قال: بل قال: سأم عليكم، أي تسأمون دينكم، فقال النبي (ص): أقلت سأم عليكم ؟ قال: نعم، فقال النبي (ص): إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا وعليك: أي عليك ما قلت. 26151 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله قال: هؤلاء يهود، جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبي (ص)، فتناجوا ساعة، ثم استأذن أحدهم، فأذن له النبي (ص)، فقال: السام عليكم، فقال النبي (ص): عليك، ثم الثاني، ثم الثالث قال ابن زيد: السام: الموت. وقوله جل ثناؤه: ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول يقول جل ثناؤه: ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود: هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد (ص)، فيعجل عقوبته لنا على ذلك، يقول الله: حسب قائلي ذلك يا محمد جهنم، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة، فبئس المصير جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذا تناجيتم بينكم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول ولكن تناجوا بالبر يعني طاعة الله وما يقربكم منه والتقوى يقول: وباتقائه بأداء ما كلفكم من فرائضه واجتناب معاصيه واتقوا الله الذي إليه تحشرون يقول: وخافوا الله الذي إليه مصيركم، وعنده مجتمعكم في تضييع فرائضه، والتقدم على معاصيه أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *.
[ 22 ]
يقول تعالى ذكره: إنما المناجاة من الشيطان، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان، أي ذلك هو، فقال بعضهم: عني بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: 26152 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد،، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل الله في ذلك القرآن إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا... الآية. وقال آخرون بما: 26153 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله قال: كان الرجل يأتي رسول الله (ص) يسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله (ص)، قال: وكان النبي (ص) لا يمنع ذلك من أحد. قال: والارض يومئذ حرب على أهل هذا البلد، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت، وجموع قد جمعت لكم وأشياء، فقال الله: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا... إلى آخر الآية. 26154 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون، يشق عليهم، فنزلت إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا. وقال آخرون: عني بذلك أحلام النوم التي يراها الانسان في نومه فتحزنه. ذكر من قال ذلك: 26155 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن داود البلخي، قال: سئل عطية، وأنا أسمع الرؤيا، فقال: الرؤيا على ثلاث منازل، فمنها وسوسة الشيطان، فذلك قوله إنما النجوى من الشيطان ومنها ما يحدث نفسه بالنهار فيراه بالليل ومنها كالاخذ باليد. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالاثم والعدوان، وذلك أن الله جل ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله إذا تناجيتم فلا
[ 23 ]
تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الايمان، وعن سبب نهيه إياهم عنه، فقال: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا فبين بذلك إذ كان النهي عن رؤية المرء في منامه كان كذلك، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه. وقوله: وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله يقول تعالى ذكره: وليس التناجي بضار المؤمنين شيئا إلا بإذن الله، يعني بقضاء الله وقدره. وقوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول تعالى ذكره: وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الايمان به، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك، وأن تناجيهم غير ضارهم إذا حفظهم ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس يعني بقوله تفسحوا توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعا. واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه، فقال بعضهم: ذلك كان مجلس النبي (ص) خاصة. ذكر من قال ذلك: 26156 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تفسحوا في المجالس قال: مجلس النبي (ص) كان يقال ذاك خاصة. * - حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 24 ]
26157 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله (ص)، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض. 26158 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس قال: كان هذا للنبي (ص) ومن حوله خاصة يقول: استوسعوا حتى يصيب كل رجل منكم مجلسا من النبي (ص)، وهي أيضا مقاعد للقتال. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله تفسحوا في المجلس قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبي (ص) فقيل لهم: إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا. 26159 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم قال: هذا مجلس رسول الله (ص)، كان الرجل يأتي فيقول: افسحوا لي رحمكم الله، فيضن كل أحد منهم بقربه من رسول الله (ص)، فأمرهم الله بذلك، ورأى أنه خير لهم. وقال آخرون: بل عني بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. ذكر من قال ذلك: 26160 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس يفسح الله لكم قال: ذلك في مجلس القتال. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس، ولم يخصص بذلك مجلس النبي (ص) دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له مجلس، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله (ص) ومجالس القتال. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: تفسحوا في المجلس على التوحيد غير الحسن البصري وعاصم، فإنهما قرآ ذلك في المجالس على الجماع. وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لاجماع الحجة من القراء عليه.
[ 25 ]
وقوله: فافسحوا يقول: فوسعوا يفسح الله لكم يقول: يوسع الله منازلكم في الجنة وإذا قيل انشزوا فانشزوا يقول تعالى ذكره: وإذا قيل ارتفعوا، وإنما يراد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدو، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرقوا عن رسول الله (ص)، فقوموا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26161 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وإذا قيل انشزوا فانشزوا إلى والله بما تعملون خبير قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة. 26162 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فانشزوا قال: إلى كل خير، قتال عدو، أو أمر بالمعروف، أو حق ما كان. 26163 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا قيل انشزوا فانشزوا يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا. وقال الحسن: هذا كله في الغزو. 26164 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإذا قيل انشزوا فانشزوا كان إذا نودي للصلاة تثاقل رجال، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها، يقوموا إليها. 26165 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وإذا قيل انشزوا فانشزوا قال: انشزوا عن رسول الله (ص)، قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا، فارتفعوا عن النبي (ص)، فإن له حوائج، فأحب كل رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله (ص)، فقال: وإذا قيل انشزوا فانشزوا. وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك، لان الله عز وجل أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا، أن ينشزوا، فعم بذلك الامر جميع معاني النشوز من الخيرات، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. واختلفت القراء في قراة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة فانشزوا بضم الشين، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسرها. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكفون ويعكفون، ويعرشون ويعرشون، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب.
[ 26 ]
وقوله: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات يقول تعالى ذكره: يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم فما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الايمان على المؤمنين الذين يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به، كما: 26166 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات إن بالعلم لاهله فضلا، وإن له على أهله حقا، ولعمري للحق عليك أيها العالم فضل، والله معطى كل ذي فضل فضله. وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع. وكان عبد الله بن مطرف يقول: إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة وصدقة، والآخر أفضل منه بونا بعيدا، قيل له: وكيف ذاك ؟ فقال: هو أشدهما ورعا لله عن محارمه. 26167 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. وقوله: والله بما تعملون خبير يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه، والمسيئ بالذي هو أهله، أو يعفو. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إذا ناجيتم رسول الله، فقدموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة ذلك خير لكم يقول: وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول الله (ص)، خير لكم عند الله وأطهر لقلوبكم من المآثم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 27 ]
26168 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال: نهوا عن مناجاة النبي (ص) حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قدم دينارا فتصدق به، ثم أنزلت الرخصة في ذلك. 26169 - حدثنا محمد بن عبيد بن محمد المحاربي، قال: ثنا المطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه: إن في كتاب الله عز وجل لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال: فرضت، ثم نسخت. * - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل بن عباد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال: نهوا عن مناجاة النبي (ص) حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قدم دينارا صدقة تصدق به، ثم أنزلت الرخصة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه: آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي (ص) تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة. 26170 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال: سأل الناس رسول الله (ص) حتى أحفوه بالمسألة، فوعظهم الله بهذه الآية. وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبي الله (ص)، فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله عز وجل الرخصة بعد ذلك فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال: إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.
[ 28 ]
26171 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة... إلى فإن الله غفور رحيم قال: كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا. 26172 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وذاك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله (ص) حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك صبر كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعد هذا فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فوسع الله عليهم، ولم يضيق. 26173 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن أبي المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن علي بن علقمة الانماري، عن علي، قال: قال النبي (ص): ما ترى ؟ دينار ؟ قال: لا يطيقون، قال: نصف دينار ؟ قال: ما ترى ؟ قال: شعيرة، فقال له النبي (ص): إنك لزهيد قال علي رضي الله عنه: فبي خفف الله عن هذه الامة، وقوله: إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فنزلت أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات. 26174 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله (ص)، فيشق ذلك على أهل الحق، قالوا: يا رسول الله ما نستطيع ذلك ولا نطيقه، فقال الله عز وجل: أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال: لا خير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، من جاء يناجيك في هذا فاقبل مناجاته، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذاك عنه لا تناجه. قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه، فقال الله عز وجل: ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم
[ 29 ]
يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول قال: لان الخبيث يدخل في ذلك. 26175 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في المجادلة: إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم فنسختها الآية التي بعدها، فقال: أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون. وقوله: فإن لم تجدوا يقول تعالى ذكره: فإن لم تجدوا ما تتصدقون به أمام مناجاتكم رسول الله (ص) فإن الله غفور رحيم يقول: فإن الله ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة، وغير مؤاخذكم بمناجاتكم رسول الله (ص) قبل أن تقدموا بين يدي نجواكم إياه صدقة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) *. يقول تعالى ذكره: أشق عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول الله (ص) صدقات الفاقة، وأصل الاشفاق في كلام العرب: الخوف والحذر، ومعناه في هذا الموضع: أخشيتم بتقديم الصدقة الفاقة والفقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26176 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أأشفقتم قال: شق عليكم تقديم الصدقة، فقد وضعت عنكم، وأمروا بمناجاة رسول الله (ص) بغير صدقة حين شق عليهم ذلك. * - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل بن عباد المكي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 26177 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا
[ 30 ]
الزكاة فريضتان واجبتان لا رجعة لاحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى. وقوله: فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم يقول تعالى ذكره: فإذ لم تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، ورزقكم الله التوبة من ترككم ذلك، فأدوا فرائض الله التي أوجبها عليكم، ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة، وأطيعوا الله ورسوله، فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه. والله خبير بما تعملون يقول جل ثناؤه: والله ذو خبرة وعلم بأعمالكم، وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى القوم الذين. تولوا قوما غضب الله عليهم، وهم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم، كما: 26178 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة تولوا قوما غضب الله عليهم قال: هم اليهود تولاهم المنافقون. 26179 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود، وقرأ قول الله: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب حتى بلغ والله يشهد إنهم لكاذبون لئن كان ذلك لا يفعلون وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال الله عز وجل:
[ 31 ]
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده حتى بلغ: في صدورهم من الله وقرأ حتى بلغ: أو من وراء جدر قال: لا يبرزون. قوله: ما هم منكم يقول تعالى ذكره: ما هؤلاء الذين تولوا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم، منكم يعني: من أهل دينكم وملتكم، ولا منهم ولا هم من اليهود الذين غضب الله عليهم، وإنما وصفهم بذلك منكم جل ثناؤه لانهم منافقون إذا لقوا اليهود، قالوا أنا معكم إنما نحن مستهزئون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا. وقوله ويحلفون على الكذب وهم يعلمون يقول تعالى ذكره: ويحلفون على الكذب، وذلك قولهم لرسول الله (ص): نشهد إنك لرسول الله وهم كاذبون غير مصدقين به، ولا مؤمنين به، كما قال جل ثناؤه: والله يشهد إن المنافين لكاذبون وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل منهم عاتبه رسول الله (ص) على أمر بلغه عنه، فحلف كذبا. ذكر الخبر الذي روي بذلك 26180 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان، أو بعيني شيطان، قال: فدخل رجل أزرق، فقال له: علام تسبني أو تشتمني ؟ قال: فجعل يحلف، قال: فنزلت هذه الآية التي في المجادلة: ويحلفون على الكذب وهم يعلمون والآية الاخرى. القول في تأويل قوله تعالى: * (أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين) *. يقول تعالى ذكره: أعد الله لهؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهود عذابا في الآخرة شديدا إنهم ما كانوا يعملون في الدنيا بغشهم المسلمين. ونصحهم لاعدائهم من اليهود.
[ 32 ]
وقوله: اتخذوا أيمانهم جنة يقول جل ثناؤه: جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة يسجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وذلك أنهم إذا اطلع منهم على النفاق، حلفوا للمؤمنين بالله إنهم لمنهم فصدوا عن سبيل الله يقول جل ثناؤه: فصدوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل الله فيهم، وذلك أنهم كفرة، وحكم الله وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل، أو أخذ الجزية، وفي عبد ة الاوثان القتل، فالمنافقون يصدون المؤمنين عن سبيل الله فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون، وإنهم منهم، فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم، ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الايمان بالله. وقوله فلهم عذاب مهين يقول: فلهم عذاب مذل لهم في النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *. يقول تعالى ذكره: لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم، فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم، فينصرونهم ويستنقذونهم من الله إذا عاقبهم أولئك أصحاب النار يقول: هؤلاء الذين تولوا قوما غضب الله عليهم، وهم المنافقون أصحاب النار، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون، يقول: هم في النار ماكثون إلى غير نهاية. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرهم هم أصحاب النار، يوم يبعثهم الله جميعا، فيوم من صلة أصحاب النار. وعني بقوله يوم يبعثهم الله جميعا من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم، فيحلفون له كما يحلفون لكم كاذبين مبطلين فيها، كما 26181 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فيحلفون له قال: إن المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لاوليائه في الدنيا
[ 33 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: يوم يبعثهم الله جميعا... الآية، والله حالف المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياءه في الدنيا 26182 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن سعيد بن جبير، قال: كان النبي (ص) في ظل حجرة قد كاد يقلص عنه الظل، فقال: إنه سيأتيكم رجل، أو يطلع رجل بعين شيطان فلا تكلموه فلم يلبث أن جاء، فاطلع فإذا رجل أزرق، فقال له: علام تشتمني أنت وفلان وفلان ؟ قال: فذهب فدعا أصحابه، فحلفوا ما فعلوا، فنزلت: يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون. وقوله: ويحسبون أنهم على شئ يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شئ من الحق، إلا إنهم هم الكاذبون فيما يحلفون عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) *. يعني تعالى ذكره بقوله: استحوذ عليهم الشيطان غلب عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان يعني جنده وأتباعه ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون يقول: ألا إن جند الشيطان وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صفقتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الاذلين ئ كتب الله لاغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله ورسوله في حدوده، وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك
[ 34 ]
26183 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الذين يحادون الله ورسوله يقول: يعادون الله ورسوله * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه 26184 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يحادون الله ورسوله قال: يعادون. يشاقون. وقوله: أولئك في الاذلين يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله في أهل الذلة، لان الغلبة لله ورسوله. وقوله: كتب الله لاغلبن أنا ورسلي يقول: قضى الله وخط في أم الكتاب، لاغلبن أنا ورسلي من حادني وشاقني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 26185 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله كتب الله لاغلبن أنا ورسلي... الآية، قال: كتب الله كتابا وأمضاه. وقوله: إن الله قوي عزيز يقول: إن الله جل ثناؤه ذو قوة وقدرة على كل من حاده، ورسوله أن يهلكه، ذو عزة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه، أو عاقبه، أو أصابه في نفسه بسوء. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبآءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: لا تجد قوما يوءمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله لا تجد يا محمد قوما يصدقون الله، ويقرون باليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وشاقهما وخالف أمر الله ونهيه ولو كانوا آباءهم يقول: ولو كان الذين حادوا الله ورسوله آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم وإنما أخبر الله جل ثناؤه نبيه عليه
[ 35 ]
الصلاة والسلام بهذه الآية ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ليسوا من أهل الايمان بالله ولا باليوم الآخر، فلذلك تولوا الذين تولوهم من اليهود. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 26186 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا تجد قوما يوءمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله لا تجد يا محمد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوادون من حاد الله ورسوله: أي من عادى الله ورسوله. وقوله: أولئك كتب في قلوبهم الايمان يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، كتب الله في قلوبهم الايمان. وإنما عني بذلك: قضى لقلوبهم الايمان، ففي بمعنى اللام، وأخبر تعالى ذكره أنه كتب في قلوبهم الايمان لهم، وذلك لما كان الايمان بالقلوب، وكان معلوما بالخبر عن القلوب أن المراد به أهلها، اجتزى بذكرها من ذكر أهلها. وقوله: وأيدهم بروح منه يقول: وقواهم ببرهان منه ونور وهدى ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار يقول: ويدخلهم بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار خالدين فيها يقول: ماكثين فيها أبدا رضي الله عنهم بطاعتهم إياه في الدنيا ورضوا عنه في الآخرة بإدخاله إياهم الجنة أولئك حزب الله يقول: أولئك الذين هذه صفتهم جند الله وأولياؤه ألا إن حزب الله يقول: ألا إن جند الله وأولياءه هم المفلحون يقول: هم الباقون المنجحون بإدراكهم ما طلبوا، والتمسوا ببيعتهم في الدنيا، وطاعتهم ربهم. آخر تفسير سورة المجادلة (59)
[ 36 ]
سورة الحشر مدنية وآياتها أربع أربع وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز الحكيم) *. يعني بقوله جل ثناؤه سبح لله صلى لله وسجد له ما في السموات وما في الارض من خلقه وهو العزيز الحكيم يقول وهو العزيز في انتقامه ممن انتقم من خلقه على معصيتهم إياه الحكيم في تدبيره إياهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يأولي الابصار) *. يعني تعالى ذكره بقوله: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر الله الذي أخرج الذين جحدوا نبوة محمد (ص) من أهل الكتاب، وهم يهود بني النضير من ديارهم، وذلك خروجهم عن منازلهم ودورهم، حين صالحوا رسول الله (ص) على أن يؤمنهم على دمائهم ونسائهم وذراريهم، وعلى أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم، ويخلو له دورهم، وسائر أموالهم، فأجابهم رسول الله (ص) إلى ذلك، فخرجوا من ديارهم، فمنهم من خرج إلى الشام، ومنهم من خرج إلى خيبر، فذلك قول
[ 37 ]
الله عز وجل هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26187 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر قال: النضير حتى قوله وليخزي الفاسقين. ذكر ما بين ذلك كله فيهم 26188 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر قيل: الشام، وهم بنو النضير حي من اليهود، فأجلاهم نبي الله (ص) من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحد. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري من ديارهم لاول الحشر قال: هم بنو النضير قاتلهم النبي (ص) حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وعلى أن لهم ما أقلت الابل من شئ إلا الحلقة، والحلقة: السلاح، كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذبهم في الدنيا بالقتل والسباء 26189 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر قال: هؤلاء النضير حين أجلاهم رسول الله (ص) 26190 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عز وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله (ص) وما عمل به فيهم، فقال: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر... الآيات. وقوله: لاول الحشر يقول تعالى ذكره: لاول الجمع في الدنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 26191 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قوله لاول الحشر قال: كان جلاؤهم أول الحشر في الدنيا إلى الشام
[ 38 ]
26192 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: تجئ نار من مشرق الارض، تحشر الناس إلى مغاربها، فتبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف 26193 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله (ص) لما أجلى بني النضير، قال: امضوا فهذا أول الحشر، وإنا على الاثر. 26194 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لاول الحشر قال: الشام حين ردهم إلى الشام، وقرأ قول الله عز وجل: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها قال: من حيث جاءت، أدبارها أن رجعت إلى الشام، من حيث جاءت ردوا إليه. وقوله: ما ظننتم أن يخرجوا يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): ما ظننتم أن يخرج هؤلاء الذين أخرجهم الله من ديارهم من أهل الكتاب من مساكنهم ومنازلهم، وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله وإنما ظن القوم فيما ذكر أن عبد الله بن أبي وجماعة من المنافقين بعثوا إليهم لما حصرهم رسول الله (ص) يأمرونهم بالثبات في حصونهم، ويعدونهم النصر، كما 26195 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، أن رهطا من بني عوف ابن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس، بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وكانوا قد تحصنوا في الحصون من رسول الله (ص) حين نزل بهم. وقوله: فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا يقول تعالى ذكره: فأتاهم أمر الله من حيث لم يحتسبوا أنه يأتيهم، وذلك الامر الذي أتاهم من الله حيث لم يحتسبوا، قذف في
[ 39 ]
قلوبهم الرعب بنزول رسول الله (ص) بهم في أصحابه، يقول جل ثناؤه: وقذف في قلوبهم الرعب. وقوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين يعني جل ثناؤه بقوله: يخربون بيوتهم بني النضير من اليهود، وأنهم يخربون مساكنهم، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة فيما ذكر في منازلهم مما يستحسنونه، أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها بأيديهم وأيدي المؤمنين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 26196 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين جعلوا يخربونها من أجوافها، وجعل المؤمنون يخربون من ظاهرها 26197 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: لما صالحوا النبي (ص) كانوا لا يعجبهم خشبة إلا أخذوها، فكان ذلك خرابها. وقال قتادة: كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها، وتخربها اليهود من داخلها 26198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: احتملوا من أموالهم، يعني بني النضير، ما استقلت به الابل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، قال: فذلك قوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وذلك هدمهم بيوتهم عن نجف أبو ابهم إذا احتملوها 26199 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين قال: هؤلاء النضير، صالحهم النبي (ص) على ما حملت الابل، فجعلوا يقلعوا الاوتاد يخربون بيوتهم. وقال آخرون: إنما قيل ذلك كذلك، لانهم كانوا يخربون بيوتهم ليبنوا بنقضها ما هدم المسلمون من حصونهم. ذكر من قال ذلك 26200 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار قال: يعني بني النضير، جعل المسلمون كلما هدموا شيئا من حصونهم جعلوا ينقضون بيوتهم ويخربونها، ثم يبنون ما يخرب المسلمون، فذلك هلاكهم.
[ 40 ]
26201 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين يعني أهل النضير جعل المسلمون كلما هدموا من حصنهم جعلوا ينقضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يبنون ما خرب المسلمون. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والمدينة والعراق سوى أبي عمرو: يخربون بتخفيف الراء، بمعنى يخرجون منها ويتركونها معطلة خرابا، وكان أبو عمرو يقرأ ذلك يخربون بالتشديد في الراء بمعنى يهدمون بيوتهم. وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك نحو قراءة أبي عمرو. وكان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنه إنما اختار التشديد في الراء لما ذكرت من أن الاخراب: إنما هو ترك ذلك خرابا بغير ساكن، وإن بني النضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلوا عنها، ولكنهم خربوبها بالنقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتشديد. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالتخفيف لاجماع الحجة من القراء عليه وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول التخريب والاخراب بمعنى واحد وانما ذلك في اختلاف اللفظ لا اختلاف في المعنى وقوله: فاعتبرا يا أولي الابصار يقول تعالى ذكره: فاتعظوا يا معشر ذوي الافهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن الله ولي من والاه، وناصر رسوله على كل من ناوأه، ومحل من نقمته به نظير الذي أحل ببني النضير. وإنما عنى بالابصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الابصار بالعيون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ئ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ئ يقول تعالى ذكره ولولا أن الله قضى وكتب على هؤلاء اليهود من بني النضير في أم الكتاب الجلاء وهو الانتقال من موضع إلى موضع وبلدة إلى أخرى وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. 26202 - حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء خروج الناس من البلد إلى البلد.
[ 41 ]
26203 - حدثنى محمد بن سعد قال ثنى أبي قال ثنى عمي قال ثنى أبي عن أبيه عن ابن عباس ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى قال ويقال الجلاء الفرار يقال منه جلا القوم من منازلهم وأجليتهم أنا وقوله لعذبهم في الدنيا يقول تعالى ذكره ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء من أرضهم وديارهم لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي ولكنه رفع العذاب عنهم في الدنيا بالقتل وجعل عذابهم في الدنيا الجلاء ولهم في الآخرة عذاب النار مع ما حل بهم من الخزي في الدنيا بالجلاء عن أرضهم ودورهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. 26204 - حدثنا ابن عبد الاعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري قال كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. 26205 - حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة قال ثنى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء وكان لهم من الله نقمة لعذبهم في الدنيا أي بالسيف ولهم في الآخرة عذاب النار مع ذلك. 26206 - حدثني محمد بن سعد قال ثنى أبي قال ثنى عمي قال ثنى أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار قال كان رسول الله (ص) قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم ويسيرهم إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء 26207 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء أهل النضير حاصرهم نبي الله (ص) حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوا نبي الله (ص) ما أراد ثم ذكر نحوه وزاد فيه فهذا الجلاء وقوله ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله يقول تعالى ذكره هذا الذي فعل الله بهؤلاء اليهود ما فعل بهم في اخراجهم من ديارهم وقذف في قلوبهم من المؤمنين وجعل لهم في الآخرة عذاب النار بما فعلوا هم في الدنيا من مخالفتهم الله
[ 42 ]
ورسوله في أمره ونهيه وعصيانهم ربهم فيما أمرههم به من اتباع محمد (ص) ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب يقول تعالى ذكره ومن يخالف الله في أمره ونهيه فإن الله شديد العقاب. القول في تأويل قوله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) يقول تعالى ذكره ما قطعتم من ألوان النخل أو تركتموها قائمة على أصولها اختلف أهل اتأويل في معنى اللينة فقال بعضهم هي جميع أنواع النخل سوى العجوة ذكر من قال ذلك. 26208 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة: (ما قطعتم من لينة) قال: النخلة. 26209 - حدثنا ابن المنثى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة أنه قال في هذه الاية: ما قطعتم من لينة أو تركتموها) قال: اللينة: ما دون العجوة من النخل 26210 - حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن اسحاق عن يزيد بن رومان في قوله ما قطعتم من لينة قال اللينة ما خالف العجوة من التمر. وحدثنا به مرة أخرى فقال من النخل. 26211 - حدثنا يعقوب قال ثنا ابن علية عن سعيد عن قتادة في قوله ما قطعتم من لينة قال النخل كله ما خلا العجوة. * - حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة في قوله ما قطعتم من لينة واللينة ما خلا العجوة من النخل. 26212 - حدثنا ابن عبد الاعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري ما قطعتم من لينة ألوان النخل كلها إلا العجوة. 26213 - حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران قال ثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن عكرة عن ابن عباس ما قطعتم من لينة قال النخلة دون العجوة. وقال آخرون النخل كله لينة العجوة منه وغير العجوة ذكر من قال ذلك.
[ 43 ]
26214 - حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عمرو عن منصور عن مجاهد ما قطعتم من لينة قال النخلة. * - حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى. حدثنى الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ما قطعتم من لينة قال نخلة قال نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا إنما هي مغانم المسلمين ونزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الاثم وإنما قطعه وتركه بإذنه. 26215 - حدثنا ابن المثنى قال ثنا يحيى بن أبي بكير قال ثنا شريك عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون ما قطعتم من لينة قال: النخلة. 26216 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (ما قطعتم من لينة) قال: اللينة النخلة عجوة كانت أو غيرها قال اما قطتم من لينة للنخل الذي قطعوا من نخل النضير حين غدرت النضير. وقال آخرون هي لون من النخل ذكر من قال ذلك. 26217 - حدثنا محمد بن سعد قال ثنى أبي قال ثنى عمي قال ثنى أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ما قطعتم من لينة قال اللينة لون من النخل. وقال آخرون هي كرام النخل ذكر من قال ذلك. 26218 - حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران قال ثنا سفيان في ما قطعتم من لينة قال من كرام نخلهم. والصواب من القول في ذلك قول من قال اللينة النخلة وهي من ألوان النخل ما لم تكن عجوة وإياها عنى ذو الرمة بقوله طراق الخوافي واقع فوق لينة * * ندى ليلة في ريشه يترقرق وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول اللينة من اللون والليان في الجماعة واحدها اللينة قال وإنما سميت لينة لانه فعلة من فعل وهو اللون وهو ضرب
[ 44 ]
من النخل ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء وكان بعضهم ينكر هذا القول ويقول لو كان كما قال لجمعوه اللوان لا الليان وكان بعض نحوبي الكوفة يقول جمع اللينة لين وإنما أنزلت هذه الآية فيما ذكر من أجل أن رسول الله (ص) لما قطع نخل بني النضير وحرقها قالت بنو النضير لرسول الله (ص) إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بالك تقطع نخلنا وتحرقها فأنزل الله هذه اية فأخرهم أن ما قطع من ذلك رسول الله (ص) أو ترك فعن أمر الله فعل. وقال آخرون بل نزل ذلك لاختلاف كان من المسلمين في قطعها وتركها ذكر من قال نزل ذلك لقول اليهود للمسلمين ما قالوا. 26219 - حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة بن الفضل قال ثنا محمد بن إسحاق قال ثنا يزيد ابن رومان قال لما نزل رسول الله (ص) بهم يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله (ص) بقطع النخل والتحريق فيها فنادون يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها فأنزل الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين. ذكر من قال نزل ذلك لاختلاف كان بين المسلمين في أمرها. 26220 - حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ما قطعتم من لينة أو تركتموها الآية أي ليعظهم فقطع المسلمون يومئذ النخل وأمسك آخرون كراهية أن يكون افسادا فقالت اليهود آلله أذن لكم في الفساد فأنزل الله ما قطعتم من لينة. 26221 - حدثنى محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى. حدثنى الحرث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها قال نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا إنما هي مغانم المسلمين ونزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الاثم وإنما قطعه وتركه بإذنه. 26222 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي قال ثنا ابن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قطع رسول الله (ص) نخل بني النضير وفي ذلك نزلت
[ 45 ]
ما قطعتم من لينة الآية وفي ذلك يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤى * * حريق بالويرة مستطير وقوله فبإذن الله يقول فب‍ أمر الله قطعتم ما قطعتم وتركتم ما تركتم وليغيظ بذلك أعداءه ولم يكن فسادا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. 26223 - حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان فبإذن الله أي فبأمر الله قطعت ولم يكن فسادا ولكن نقمة من الله وليخزي الفاسقين وقوله وليخزي الفاسقين وليذل الخارجين عن طاعة الله عز وجل الخالفين أمره ونهيه وهم يهود بني النضير. القول في تأويل قوله تعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير) يقول تعالى ذكره والذي رده الله على رسوله منهم يعني من أموال بني النضير يقال منه فاء الشئ على فلان إذا رجع إليه وأفأته أنا عليه إذا رددته عليه وقد قيل إنه عنى بذلك أموال قريظة فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب يقول فما أوضعتم فيه من خيل ولا إبل وهي الركاب وإنما وصف جل ثناؤه الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه
[ 46 ]
لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حربا ولا كلفوا فيه مؤنة وإنما كان القوم معهم وفي بلدهم فلم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. 26224 - حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب الآية يقول ما قطعتم إليها واديا ولا سرتم إليها سيرا وإنما كان حوائط لبني النضير طعمة أطعمها الله ورسوله ذكر لنا أن رسول الله (ص) كان يقول أيما قرية أعطت الله ورسوله فهي لله ولرسوله وأيما قرية فتحها المسلمون عنوة فإن لله خمسه ولرسوله وما بقي غنيمة لمن قاتل عليها. 26225 - حدثنا ابن عبد الاعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري في قوله فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال صالح النبي (ص) أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها وهو محاصر قوما آخرين فأرسلوا إليه بالصلح قال فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب يقول بغير قتال قال الزهري فكانت بنو النضير للنبي (ص) خالصة لم يفتحوها عنوة بل على صلح فقسمها النبي (ص) بين المهاجرين لم يعط الانصار منها شيأ إلا رجلين كانت بهما حاجة. 26226 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان وما أفاء الله على رسوله منهم يعني بني النضير فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير. 26227 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء جمعيا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال: يذكر ربهم أنه نصرهم، وكفاهم بغير كراع، ولا عدة في قريظة وخيبر، ما أفاء الله على رسوله من قريظة، جعلها لمهاجرة قريش. 26228 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا
[ 47 ]
ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير قال: أمر الله عز وجل نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله (ص) يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والايجاف: أن يوضعوا السير وهي لرسول الله (ص)، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله (ص)، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها، فأنزل الله عز وجل عذره، فقال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ثم قال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا... الآية. 26229 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب يعني يوم قريظة. وقوله: ولكن الله يسلط رسله على من يشاء أعلمك أنه كما سلط محمدا (ص) على بني النضير، يخبر بذلك جل ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يوجف المسلمون بالخيل والركاب، من الاعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى. يقول: فمحمد (ص) إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح إلا عنوة،، فتقع فيها القسمة والله على كل شئ قدير يقول: والله على كل شئ أراده ذو قدرة لا يعجزه شئ، وبقدرته على ما يشاء سلط نبيه محمدا (ص) على ما سلط عليه من أموال بني النضير، فحازه عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (مآ أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) *. يعني بقوله جل ثناؤه: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الذي رد الله عز وجل على رسوله من أموال مشركي القرى. واختلف أهل العلم في الذي عني بهذه الآية من الالوان، فقال بعضهم: عني بذلك الجزية والخراج. ذكر من قال ذلك:
[ 48 ]
26230 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين حتى بلغ عليم حكيم ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قال: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى... الآية، ثم قال: هذه الآية لهؤلاء، ثم قرأ: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ للفقراء والذين تبوءوا الدار والذين جاءوا من بعدهم ثم قال: استوعبت هذه الآية المسلمين عامة، فليس أحد إلا له حق، ثم قال: لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حمره نصيبه، لم يعرق فيها جبينه. 26231 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: ثنا معمر في قوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغني أنها الجزية، والخراج: خراج أهل القرى. وقال آخرون: عني بذلك الغنيمة التي يصيبها المسلمون من عدوهم من أهل الحرب بالقتال عنوة. ذكر من قال ذلك: 26232 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) ما يوجف عليه المسلمون ب‍ الخيل والركاب، وفتح بالحرب عنوة، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قال: هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه. وقال آخرون: عني بذلك الغنيمة التي أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب، وأخذت بالغلبة، وقالوا كانت الغنائم في بدو الاسلام لهؤلاء الذين سماهم الله في هذه الآيات دون المرجفين عليها، ثم نسخ ذلك بالآية التي في سورة الانفال. ذكر من قال ذلك:
[ 49 ]
26233 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قال: كان الفئ في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في سورة الانفال، فقال: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الانفال، وجعل الخمس لمن كان له الفئ في سورة الحشر، وكانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله وللرسول، وخمس لقرابة رسول الله (ص) في حياته، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل فلما قضى رسول الله (ص) وجه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذين السهمين: سهم رسول الله (ص)، وسهم قرابته، فحملا عليه في سبيل الله صدقة عن رسول الله (ص). وقال آخرون: عني بذلك: ما صالح عليه أهل الحرب المسلمين من أموالهم، وقالوا قوله ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول... الآيات، بيان قسم المال الذي ذكره الله في الآية التي قبل هذه الآية، وذلك قوله: ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب وهذا قول كان يقوله بعض المتفقهة من المتأخرين. والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها، وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عز وجل لرسوله (ص) خاصة دون غيره، لم يجعل فيه لاحد نصيبا، وبذلك جاء الاثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 26234 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدخلت عليه، فقال: إنه قد حضر أهل أبيات من قومك وإنا قد أمرنا لهم برضخ، فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري، قال: اقبضه أيها المرء فبينا أنا كذلك، إذ جاء يرفأ مولاه، فقال: عبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان، وسعد يستأذنون، فقال: ائذن لهم ثم مكث ساعة، ثم جاء فقال: هذا علي والعباس يستأذنان، فقال: ائذن لهما
[ 50 ]
فلما دخل العباس قال: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الغادر الخائن الفاجر، وهما جاءا يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أعمال بني النضير، فقال القوم: اقض بينهما يا أمير المؤمنين، وأرح كل واحد منهما من صاحبه، فقد طالت خصومتهما، فقال: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السموات والارض، أتعلمون أن رسول الله (ص) قال: لا نورث ما تركناه صدقة قالوا: قد قال ذلك ثم قال لهما: أتعلمان أن رسول الله (ص) قال ذلك ؟ قالا: نعم قال: فسأخبركم بهذا الفئ إن الله خص نبيه (ص) بشئ لم يعطه غيره، فقال: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب فكانت هذه لرسول الله (ص) خاصة، فوالله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها دونكم، ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله (ص) ينفق على أهله منه سنتهم، ثم يجعل ما بقي في مال الله. فإذا كانت هذه الآية التي قبلها مضت، وذكر المال الذي خص الله به رسوله (ص)، ولم يجعل لاحد معه شيئا، وكانت هذه الآية خبرا عن المال الذي جعله الله لاصناف شتى، كان معلوما بذلك أن المال الذي جعله لاصناف من خلقه غير المال الذي جعله للنبي (ص) خاصة، ولم يجعل له شريكا. وقوله: ولذي القربى يقول: ولذي قرابة رسول الله (ص) من بني هاشم وبني المطلب واليتامى، وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا مال لهم والمساكين:
[ 51 ]
وهم الجامعون فاقة وذل المسألة وابن السبيل: وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عز وجل. وقد ذكرنا الرواية التي جاءت عن أهل التأويل بتأويل ذلك فيما مضى من كتابنا. وقوله: كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم يقول جل ثناؤه. وجعلنا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى لهذه الاصناف، كيلا يكون ذلك الفئ دولة يتداوله الاغنياء منكم بينهم، يصرفه هذا مرة في حاجات نفسه، وهذا مرة في أبو اب البر وسبل الخير، فيجعلون ذلك حيث شاءوا، ولكننا سننا فيه سنة لا تغير ولا تبدل. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار سوى أبي جعفر القارئ كيلا يكون دولة نصبا على ما وصفت من المعنى، وأن في يكون ذكر الفئ. وقوله: دولة نصب خبر يكون، وقر ذلك أبو جعفر القارئ: كيلا يكون دولة على رفع الدولة مرفوعة بيكون، والخبر قوله: بين الاغنياء منكم وبضم الدال من دولة قرأ جميع قراء الامصار، غير أنه حكي عن أبي عبد الرحمن الفتح فيها. وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك، إذا ضمت الدال أو فتحت، فقال بعض الكوفيين: معنى ذلك: إذا فتحت الدولة وتكون للجيش يهزم هذا هذا، ثم يهزم الهازم، فيقال: قد رجعت الدولة على هؤلاء قال: والدولة برفع الدال في الملك والسنين التي تغير وتبدل على الدهر، فتلك الدولة والدول. وقال بعضهم: فرق ما بين الضم والفتح أن الدولة: هي اسم الشئ الذي يتداول بعينه، والدولة الفعل. والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك: كيلا يكون بالياء دولة بضم الدال ونصب الدولة على المعنى الذي ذكرت في ذلك لاجماع الحجة عليه، والفرق بين الدولة والدولة بضم الدال وفتحها ما ذكرت عن الكوفي في ذلك. وقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه يقول تعالى ذكره: وما أعطاكم رسول الله (ص) مما أفاء عليه من أهل القرى فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول وغيره من الامور فانتهوا وكان بعض أهل العلم يقول نحو قولنا في ذلك غير أنه كان يوجه معنى قوله وما آتاكم الرسول فخذوه إلى ما آتاكم من الغنائم. ذكر من قال ذلك:
[ 52 ]
26235 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قال: يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول. وقوله: واتقوا الله يقول: وخافوا الله، واحذروا عقابه في خلافكم على رسوله بالتقدم على ما نهاكم عنه، ومعصيتكم إياه إن الله شديد العقاب يقول: إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) *. يقول تعالى ذكره: كيلا يكون ما أفاء الله على رسوله دولة بين الاغنياء منكم، ولكن يكون للفقراء المهاجرين. وقيل: عني بالمهاجرين: مهاجرة قريش. ذكر من قال ذلك: 26236 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ما أفاء الله على رسوله من قريظة جعلها لمهاجرة قريش. 26237 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قالا: كان ناس من المهاجرين لاحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحج عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهما في الزكاة. 26238 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم... إلى قوله أولئك هم الصادقون قال: هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والاموال والاهلين والعشائر، خرجوا حبا لله ولرسوله، واختاروا الاسلام على ما فيه من الشدة، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها. وقوله: الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وقوله: يبتغون فضلا من الله ورضوانا موضع يبتغون نصب، لانه في موضع الحال وقوله: وينصرون الله ورسوله يقول: وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدا (ص). وقوله: أولئك هم
[ 53 ]
الصادقون يقول: هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين هم الصادقون فيما يقولون. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) *. يقول تعالى ذكره: والذين تبوءوا الدار والايمان يقول: اتخذوا المدينة مدينة الرسول (ص)، فابتنوها منازل، والايمان بالله ورسوله من قبلهم يعني: من قبل المهاجرين، يحبون من هاجر إليهم: يحبون من ترك منزله، وانتقل إليهم من غيرهم، وعني بذلك الانصار يحبون المهاجرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26239 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم قال: الانصار نعت. قال محمد بن عمرو: سفاطة أنفسهم. وقال الحارث: سخاوة أنفسهم عند ما روى عنهم من ذلك، وإيثارهم إياهم ولم يصب الانصار من ذلك الفئ شئ. 26240 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا يقول: مما أعطوا إخوانهم هذا الحي من الانصار، أسلموا في ديارهم، فابتنوا المساجد والمسجد، قبل قدوم النبي (ص)، فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك وهاتان الطائفتان الاولتان من هذه الآية، أخذتا بفضلهما، ومضتا على مهلهما، وأثبت الله حظهما في الفئ. 26241 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله الله عز وجل: والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون قال: هؤلاء الانصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين. وقوله: ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا يقول جل ثناؤه: ولا يجد الذين تبوءوا الدار من قبلهم، وهم الانصار في صدورهم حاجة، يعني حسدا مما أوتوا، يعني مما
[ 54 ]
أوتي المهاجرين من الفئ، وذلك لما ذكر لنا من أن رسول الله (ص) قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الاولين دون الانصار، إلا رجلين من الانصار، أعطاهما لفقرهما، وإنما فعل ذلك لرسول الله (ص) خاصة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26242 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أن بني النضير خلوا الاموال لرسول الله (ص)، فكانت النضير لرسول الله (ص) خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله (ص) على المهاجرين الاولين دون الانصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله (ص). 26243 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا المهاجرون. قال، وتكلم في ذلك يعني أموال بني النضير بعض من تكلم من الانصار، فعاتبهم الله عز وجل في ذلك فقال: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير قال: قال رسول الله (ص) لهم: إن إخوانكم قد تركوا الاموال والاولاد وخرجوا إليكم فقالوا: أموالنا بينهم قطائع، فقال رسول الله (ص): أو غير ذلك ؟ قالوا: وما ذلك يا رسول الله ؟ قال: هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر، فقالوا: نعم يا رسول الله. وبنحو الذي قلنا في قوله ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26244 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سليمان أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا قال: الحسد. * - قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن حاجة في صدورهم قال: حسدا في صدورهم. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء عن الحسن، مثله.
[ 55 ]
وقوله: ويؤثرون على أنفسهم يقول تعالى ذكر: وهو يصف الانصار الذين تبوءوا الدار والايمان من قبل المهاجرين ويؤثرون على أنفسهم يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم. والخصاصة مصدر، وهي أيضا اسم، وهو كل ما تخللته ببصرك كالكوة والفرجة في الحائط، تجمع خصاصات وخصاص، كمال قال الراجز: * قد علم المقاتلات هجا * * والناظرات من خصاص لمجا * * لاورينها دلجا أو منجا * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26245 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي (ص) ليضيفه، فلم يكن عنده ما يضيفه، فقال: ألا رجل يضيف هذا رحمه الله ؟ فقام رجل من الانصار يقال له أبو طلحة، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله (ص)، نومي الصبية، وأطفئي المصباح وأريه بأنك تأكلين معه واتركيه لضيف رسول الله (ص) ففعلت فنزلت ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن فضيل، عن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رجلا من الانصار بات به ضيف، فلم يكن عند إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نومي الصبية وأطفئي المصباح، وقربي للضيف ما عندك، قال: فنزلت هذه الآية ومن يوق شح نفسه.
[ 56 ]
يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه فأولئك هم المفلحون المخلدون في الجنة. والشح في كلام العرب: البخل، ومنع الفضل من المال ومنه قول عمرو بن كلثوم: ترى اللحز الشحيح إذا أمرت * * عليه لماله فيها مهينا يعني بالشحيح: البخيل، يقال: إنه لشحيح بين الشح والشح، وفيه شحة شديدة وشحاحة. وأما العلماء فإنهم يرون أن الشح في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حق. 26246 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا المسعودي، عن أشعث، عن أبي الشعثاء، عن أبيه، قال: أتى رجل ابن مسعود فقال: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك ؟ قال: أسمع الله يقول: ومن يوق شح نفسه وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شئ، قال: ليس ذاك بالشح الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشح أن تأكل مال أخيك ظلما، ذلك البخل، وبئس الشئ البخل. 26247 - حدثني يحيى بن إبراهيم، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن جامع، عن الاسود بن هلال قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال يا أبا عبد الرحمن، إني أخشى أن تكون أصابتني هذه الآية ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والله ما أعطي شيئا أستطيع منعه، قال: ليس ذلك بالشح، إنما الشح أن تأكل مال أخيك بغير حقه، ولكن ذلك البخل. 26248 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن أبي الهياج الاسدي، قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئا، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.
[ 57 ]
26249 - حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: ثنا مجمع بن جارية الانصاري، عن عمه يزيد بن جارية الانصاري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله (ص) قال: برئ من الشح من أدى الزكاة، وقرى الضيف، وأعطى في النائبة. 26250 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا زياد بن يونس أبو سلامة، عن نافع بن عمر المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمر، قال: إن نجوت من ثلاث طمعت أن أنجو. قال عبد الله بن صفوان ما هن أنبيك فيهن، قال: أخرج المال العظيم، فأخرجه ضرارا، ثم أقول: أقرض ربي هذه الليلة، ثم تعود نفسي فيه حتى أعيده من حيث أخرجته، وإن نجوت من شأن عثمان، قال ابن صفوان: أما عثمان فقتل يوم قتل، وأنت تحب قتله وترضاه، فأنت ممن قتله وأما أنت فرجل لم يقك الله شح نفسك، قال: صدقت. 26251 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: ومن يوق شح نفسه قال: من وقى شح نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا، ولم يقربه، ولم يدعه الشح أن يحبس من الحلال شيئا، فهو من المفلحين، كما قال الله عز وجل. * - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن يوق شح نفسه قال: من لم يأخذ شيئا لشئ نهاه الله عز وجل عنه، ولم يدعه الشح على أن يمنع شيئا من شئ أمره الله به، فقد وقاه الله شح نفسه، فهو من المفلحين. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) *. يقول تعالى ذكره: والذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والايمان من قبل المهاجرين الاولين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان من الانصار. وعنى بالذين جاءوا من بعدهم المهاجرون أنهم يستغفرون لاخوانهم من الانصار.
[ 58 ]
وقوله: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا يعني غمرا وضغنا. وقيل: عني بالذين جاءوا من بعدهم: الذين أسلموا من بعد الذين تبوءوا الدار. ذكر من قال ذلك: 26252 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والذين جاءوا من بعدهم قال: الذين أسلموا نعتوا أيضا. 26253 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم ذكر الله الطائفة الثالثة، فقال: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا حتى بلغ إنك رحيم إنما أمروا أن يستغفروا لاصحاب النبي (ص) ولم يؤمروا بسببهم. وذكر لنا أن غلاما لحاطب بن أبي بلتعة جاء نبي الله (ص) فقال: يا نبي الله ليدخلن حاطب في حي النار، قال: كذبت إنه شهد بدرا والحديبية وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغلظ لرجل من أهل بدر، فقال نبي الله (ص): وما يدريك يا عمر لعله قد شهد مشهدا اطلع الله فيه إلى أهله، فأشهد ملائكته إني قد رضيت عن عبادي هؤلاء، فليعلموا ما شاءوا فما زال بعضنا منقبضا من أهل بدر، هائبا لهم، وكان عمر رضي الله عنه يقول: وإلى أهل بدر تهالك المتهالكون، وهذا الحي من الانصار، أحسن الله عليهم الثناء. 26254 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا قال: لا تورث قلوبنا غلا لاحد من أهل دينك. 26255 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن ابن أبي ليلى، قال: كان الناس على ثلاث منازل: المهاجرون الاولون والذين اتبعوهم بإحسان والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل الذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والايمان أنهم قالوا: لا تجعل في قلوبنا غلا لاحد من أهل الايمان بك يا ربنا. قوله: إنك رءوف رحيم يقول: إنك ذو رأفة بخلقك، وذو رحمة بمن تاب واستغفر من ذنوبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب
[ 59 ]
لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى الذين نافقوا وهم فيما ذكر عبد الله بن أبي ابن سلول، ووديعة، ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير حين نزل بهم رسول الله (ص) للحرب أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم، خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله (ص) أن يجليهم، ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم إلا الحلقة. 26256 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان. وقال مجاهد في ذلك ما: 26257 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ألم تر إلى الذين نافقوا قال: عبد الله بن أبي ابن سلول، ورفاعة أو رافعة بن تابوت. وقال الحارث: رفاعة بن تابوت، ولم يشك فيه، وعبد الله بن نبتل، وأوس بن قيظي. 26258 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله ألم تر إلى الذين نافقوا يعني عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه، ومن كان منهم على مثل أمرهم. وقوله: يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب يعني بني النضير، كما: 26259 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب يعني: بني النضير.
[ 60 ]
وقوله: لئن أخرجتم لنخرجن معكم يقول: لئن أخرجتم من دياركم ومنازلكم، وأجليتم عنها لنخرجن معكم، فنجلى عن منازلنا وديارنا معكم. وقوله: ولا نطيع فيكم أحدا أبدا يقول: ولا نطيع أحدا سألنا خذلانكم، وترك نصرتكم، ولكنا نكون معكم ولئن قوتلتم لننصرنكم يقول: وإن قاتلكم محمد (ص) ومن معه لننصرنكم معشر النضير عليهم. وقوله: والله يشهد إنهم لكاذبون يقول: والله يشهد إن هؤلاء المنافقين الذين وعدوا بني النضير النصرة على محمد (ص) لكاذبون في وعدهم إياهم ما وعدوهم من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون) *. يقول تعالى ذكره: لئن أخرج بنو النضير من ديارهم، فأجلوا عنها لا يخرج معهم المنافقون الذين وعدوهم الخروج من ديارهم، ولئن قاتلهم محمد (ص) لا ينصرهم المنافقون الذين وعدوهم النصر، ولئن نصر المنافقون بني النضير ليولن الادبار منهزمين عن محمد (ص) وأصحابه هاربين منهم، قد خذلوهم ثم لا ينصرون يقول: ثم لا ينصر الله بني النضير على محمد (ص)، وأصحابه بل يخذلهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (لانتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ئ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص): لانتم أيها المؤمنون أشد رهبة في صدور اليهود من بني النضير من الله: يقول: هم يرهبونهم أشد من رهبتهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون يقول تعالى ذكره: هذه الرهبة التي لكم في صدور هؤلاء اليهود التي هي أشد من رهبتهم من الله من أجل أنهم قوم لا يفقهون، قدر عظمة الله، فهم لذلك يستخفون بمعاصيه، ولا يرهبون عقابه قدر رهبته منكم.
[ 61 ]
وقوله: لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة يقول جل ثناؤه: لا يقاتلكم هؤلاء اليهود بني النضير مجتمعين إلا في قرى محصنة بالحصون، لا يبرزون لكم بالبراز، أو من وراء جدر يقول: أو من خلف حيطان. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة والمدينة أو من وراء جدر على الجماع بمعنى الحيطان. وقرأه بعض قراء مكة والبصرة: من وراء جدار على التوحيد بمعنى الحائط. والصواب من القول عندي في ذلك أنهما قراءاتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: بأسهم بينهم شديد يقول جل ثناؤه: عداوة بعض هؤلاء الكفار من اليهود بعضا شديدة تحسبهم جميعا يعني المنافقين وأهل الكتاب، يقول: تظنهم مؤتلفين مجتمعة كلمتهم، وقلوبهم شتى يقول: وقلوبهم مختلفة لمعاداة بعضهم بعضا. وقوله: ذلك بأنهم قوم لا يعقلون يقول جل ثناؤه: هذا الذي وصفت لكم من أمر هؤلاء اليهود والمنافقين، وذلك تشتيت أهوائهم، ومعاداة بعضهم بعضا من أجل أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم مما فيه عليهم البخس والنقص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26260 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون قال: تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق. 26261 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى قال: المنافقون يخالف دينهم دين النضير. 26262 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى قال: هم المنافقون وأهل الكتاب. 26263 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، مثل ذلك.
[ 62 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى قال: المشركون وأهل الكتاب. وذكر أنها في قراءة عبد الله: وقلوبهم أشت بمعنى: أشد تشتتا: أي أشد اختلافا. القول في تأويل قوله تعالى: * (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ئ كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم من إحلال عقوبته بهم كمثل الذين من قبلهم يقول: كشبههم. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم، فقال بعضم: عني بذلك بنو قينقاع. ذكر من قال ذلك: 26264 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم يعني بني قينقاع. وقال آخرون: عني بذلك مشركو قريش ببدر. ذكر من قال ذلك: 26265 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم قال: كفار قريش. وأولى الاقوال بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذبي رسوله (ص)، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر، كانا قبل جلاء بني النضير، وكل أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عز وجل منهم بعضا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكل ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عنوا به من المثل.
[ 63 ]
وقوله: ذاقو وبال أمرهم يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به. وقوله: ولهم عذاب أليم يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع. وقوله: كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة، إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدة حاجتهم إليهم، وإلى نصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غر إنسانا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له: إني أخاف الله رب العالمين في نصرتك. وقد اختلف أهل التأويل في الانسان الذي قال الله جل ثناؤه إذ قال للانسان اكفر هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عني بذلك إنسان بعينه. ذكر من قال ذلك: 26266 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: إن راهبا تعبد ستين سنة، وإن الشيطان أرداه فأعياه، فعمد إلى امرأة فأجنها، ولها إخوة، فقال لاخوتها: عليكم بهذا القس فيداويها، فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعت بك، اسجد لي سجدة، فسجد له فلما سجد له قال: إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فذلك قوله: كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين.
[ 64 ]
26267 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجر بها، فحملت، فأتاه الشيطان، فقال له اقتلها ثم ادفعها، فإنك رجل مصدق يسمع كلامك، فقتلها ثم دفنها قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلما أحبلها قتلها، ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا: لا، بل قصها علينا قال: فقصها، فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك قالوا: فما هذا إلا لشئ، فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه قال: فسجد له فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه، وأخذ فقتل. 26268 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر... إلى وذلك جزاء الظالمين قال عبد الله بن عباس: كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته، وكان يؤتى من كل أرض فيسئل عن الفقه، وكان عالما، وإن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن الناس، وإنهم أرادوا أن يسافروا، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها فقال أحدهم: أدلكم على من تتركونها عنده ؟ قالوا: من هو ؟ قال: راهب بني إسرائيل، إن ماتت قام عليها. وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه فعمدوا إليه فقالوا: إنا نريد السفر، ولا نجد أحدا أوثق في أنفسنا، ولا أحفظ لما ولي منك لما جعل عندك، فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك فإنها ضائعة شديدة الوجع، فإن ماتت فقم عليها، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع، فقال: أكفيكم إن شاء الله فانطلقوا فقام عليها فداواها حتى برأت، وعاد إليها حسنها، فاطلع إليها فوجدها متصنعة، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها، فحملت، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها قال: إن
[ 65 ]
لم تقتلها افتضحت وعرف شبهك في الولد، فلم يكن لك معذرة، فلم يزل به حتى قتلها، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت ؟ قال: ماتت فدفنتها، قالوا: قد أحسنت، ثم جعلوا يرون في المنام، ويخبرون أن الراهب هو قتلها، وأنها تحت شجرة كذا وكذا، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت، فعمدوا إليه فأخذوه، فقال له الشيطان: أنا زينت لك الزنا وقتلها بعد الزنا، فهل لك أن أنجيك ؟ قال: نعم، قال: أفتطيعني ؟ قال: نعم قال: فاسجد لي سجدة واحدة، فسجد له ثم قتل، فذلك قوله كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك الآية. 26269 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: كان رجل من بني إسرائيل عابدا، وكان ربما داوى المجانين، فكانت امرأة جميلة، فأخذها الجنون، فجئ بها إليه، فتركت عنده، فأعجبته، فوقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان فقال: إن علم بهذا افتضحت، فاقتلها وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه، فقال: ماتت، فلم يتهموه لصلاحه فيهم، فجاءهم الشيطان فقال: إنها لم تمت، ولكنه وقع عليها فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا، فجاء أهلها، فقالوا: ما نتهمك، فأخبرنا أين دفنتها، ومن كان معك، فوجدوها حيث دفنها، فأخذ وسجن، فجاءه الشيطان فقال: إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فتخرج منه، فاكفر بالله، فأطاع الشيطان، وكفر بالله، فأخذ وقتل، فتبرأ الشيطان منه حينئذ. قال: فما أعلم هذه الآية إلا نزلت فيه كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين. وقال آخرون: بل عني بذلك الناس كلهم، وقالوا: إنما هذا مثل ضرب للنضير في غرور المنافقين إياهم. ذكر من قال ذلك: 26270 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر عامة الناس. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 66 ]
* (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ئ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) *. يقول تعالى ذكره: فكان عقبى أمر الشيطان والانسان الذي أطاعه، فكفر بالله أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبدا وذلك جزاء الظالمين يقول: وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة، وكل كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به أنهم في النار مخلدون. واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: خالدين فيها فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال، وفي النار خبر قال: ولو كان في الكلام لكان الرفع أجود في خالدين قال: وليس قولهم: إذا جئت مرتين فهو نصب لشئ، إنما فيها توكيد جئت بها أو لم تجئ بها فهو سواء، إلا أن العرب كثيرا ما تجعله حالا إذا كان فيها للتوكيد وما أشبهه في غير مكان قال: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها. وقال بعض نحويي الكوفة: في قراءة عبد الله بن مسعود: فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين في النار قال: وفي أنهما في النار خالدين فيها نصب قال: ولا أشتهي الرفع وإن كان يجوز، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الاخرى نصبت، فهذا من ذلك قال: ومثله في الكلام قولك: مررت برجل على نابه متحملا به ومثله قول الشاعر: والزعفران على ترائبها * * شرقا به اللبات والنحر لان الترائب هي اللبات ههنا، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه، فإذا اختلفت الصفتان جاز الرفع والنصب على حسن، من ذلك قولك: عبد الله في الدار راغب فيك، ألا ترى أن في التي في الدار مخالفة لفي التي تكون في الرغبة قال: والحجة
[ 67 ]
ما يعرف به النصف من الرفع أن لا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الاولى ألا ترى أنك تقول: هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه، فلو قلت: هذا أخوك قابضا عليه في يده درهم لم يجز، إلا ترى أنك تقول: هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم، فهذا يدل على أن المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر. وقوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ووحدوه، اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وقوله ولتنظر نفس ما قدمت لغد يقول: ولينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الاعمال، أمن الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26271 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد: ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد، وغد يوم القيامة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ما قدمت لغد يعني يوم القيامة. 26272 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما قدمت لغد يعني يوم القيامة. 26273 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول الله عز وجل ولتنظر نفس ما قدمت لغد يعني يوم القيامة الخير والشر قال: والامس في الدنيا، وغد في الآخرة، وقرأ: كأن لم تغن بالامس قال: كأن لم تكن في الدنيا. وقوله: واتقوا الله يقول: وخافوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه إن الله خبير بما تعلمون يقول: إن الله ذو خبرة وعلم بأعمالكم خيرها وشرها، لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيكم على جميعها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) *.
[ 68 ]
يقول تعالى ذكره: ولا تكونوا كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم فأنساهم أنفسهم يقول: فأنساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26274 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان نسوا الله فأنساهم أنفسهم قال: نسوا حق الله، فأنساهم أنفسهم قال: حظ أنفسهم. وقوله: أولئك هم الفاسقون يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين نسوا الله، هم الفاسقون، يعني الخارجون من طاعة الله إلى معصيته. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) *. يقول تعالى ذكره: لا يعتدل أهل النار وأهل الجنة، أهل الجنة هم الفائزون، يعني أنهم المدركون ما طلبوا وأرادوا، الناجون مما حذروا. القول في تأويل قوله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) *. وقوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله يقول جل ثناؤه: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، وهو حجر، لرأيته يا محمد خاشعا يقول: متذللا، متصدعا من خشية الله على قساوته، حذرا من أن لا يؤدي حق الله المفترض عليه في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم وهو بحقه مستخف، وعنه، عما فيه من العبر والذكر، معرض، كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26275 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
[ 69 ]
خشية الله... إلى قوله: لعلهم يتفكرون قال: يقول: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله عز وجل الناس إذا نزل عليهم القرآن، أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، قال: كذلك يضرب الله الامثال للناس لعلهم يتفكرون. 26276 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله... الآية، يعذر الله الجبل الاصم، ولم يعذر شقي ابن آدم، هل رأيتم أحدا قط تصدعت جوانحه من خشية الله ؟. وتلك الامثال نضربها للناس يقول تعالى ذكره: وهذه الاشياء نشبهها للناس، وذلك تعريفه جل ثناؤه إياهم أن الجبال أشد تعظيما لحقه منهم مع قساوتها وصلابتها. وقوله: لعلهم يتفكرون يقول: يضرب الله لهم هذه الامثال ليتفكروا فيها، فينيبوا، وينقادوا للحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) *. يقول تعالى ذكره: الذي يتصدع من خشيته الجبل أيها الناس، هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة والالوهية إلا له، عالم غيب السموات والارض، وشاهد ما فيهما مما يرى ويحس هو الرحمن الرحيم يقول: هو رحمن الدنيا والآخرة، رحيم بأهل الايمان به. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) *. يقول تعالى ذكره: هو المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، الملك الذي لا ملك فوقه، ولا شئ إلا دونه، القدوس، قيل: هو المبارك. وقد بينت فيما مضى قبل معنى
[ 70 ]
التقديس بشواهده، وذكرت اختلاف المختلفين فيه بما أغنى عن إعادته. ذكر من قال: عني به المبارك: 26277 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة القدوس: أي المبارك. وقوله: السلام يقول: هو الذي يسلم خلقه من ظلمه، وهو اسم من أسمائه، كما: 26278 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة السلام: الله السلام. 26279 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جابر بن زيد قوله: السلام قال: هو الله. وقد ذكرت الرواية فيما مضى، وبينت معناه بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته. وقوله: المؤمن يعني بالمؤمن: الذي يؤمن خلقه من ظلمه. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 26280 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة المؤمن أمن بقوله أنه حق. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة المؤمن أمن بقوله أنه حق. 26281 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جويبر عن الضحاك المؤمن قال: المصدق. 26282 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله المؤمن قال: المؤمن: المصدق الموقن، آمن الناس بربهم فسماهم مؤمنين، وآمن الرب الكريم لهم بإيمانهم صدقهم أن يسمى بذلك الاسم. وقوله: المهيمن اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: المهيمن: الشهيد. ذكر من قال ذلك: 26283 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: المهيمن قال: الشهيد، وقال مرة أخرى: الامين.
[ 71 ]
26284 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: المهيمن قال: الشهيد. 26285 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: المهيمن قال: أنزل الله عز وجل كتابا فشهد عليه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة المهيمن قال: الشهيد عليه. وقال آخرون: المهيمن: الامين. ذكر من قال ذلك: 26286 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك المهيمن: الامين. وقال آخرون: المهيمن: المصدق. ذكر من قال ذلك: 26287 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: المهيمن قال: المصدق لكل ما حدث، وقرأ: ومهيمنا عليه قال: فالقرآن مصدق على ما قبله من الكتب، والله مصدق في كل ما حدث عما مضى من الدنيا، وما بقي، وما حدث عن الآخرة. وقد بينت أولى هذه الاقوال بالصواب فيما مضى قبل في سورة المائدة بالعلل الدالة على صحته، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: العزيز: الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه، كما: 26288 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة العزيز أي في نقمته إذا انتقم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة العزيز في نقمته إذا انتقم. وقوله: الجبار يعني: المصلح أمور خلقه، المصرفهم فيما فيه صلاحهم. وكان قتادة يقول: جبر خلقه على ما يشاء من أمره.
[ 72 ]
26289 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الجبار قال: جبر خلقه على ما يشاء. وقوله: المتكبر قيل: عني به أنه تكبر عن كل شر. ذكر من قال ذلك: 26290 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة المتكبر قال: تكبر عن كل شر. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 26291 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، قال: ثني رجل، عن جابر بن زيد، قال: إن اسم الله الاعظم هو الله، ألم تسمع يقول: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون يقول: تنزيها لله وتبرئة له عن شرك المشركين به. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: هو المعبود الخالق، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره، ولا خالق سواه، البارئ الذي برأ الخلق، فأوجدهم بقدرته، المصور خلقه كيف شاء، وكيف يشاء. وقوله: له الاسماء الحسنى يقول تعالى ذكره: لله الاسماء الحسنى، وهي هذه الاسماء التي سمى الله بها نفسه، التي ذكرها في هاتين الآيتين يسبح له ما في السموات والارض يقول: يسبح له جميع ما في السموات والارض، ويسجد له طوعا وكرها وهو العزيز يقول: وهو الشديد الانتقام من أعدائه الحكيم في تدبيره خلقه، وصرفهم فيما فيه صلاحهم. آخر تفسير سورة الحشر
[ 73 ]
(60) سورة الممتحنة مدنية وآياتها ثلاث عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بمآ أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سوآء السبيل) *. قال أبو جعفر: يقول: تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص): يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي من المشركين وعدوكم أولياء يعني أنصارا. وقوله: تلقون إليهم بالمودة يقول جل ثناؤه: تلقون إليهم مودتكم إياه. ودخول الباء في قوله: بالمودة وسقوطها سواء، نظير قول القائل: أريد بأن تذهب، وأريد أن تذهب سواء، وكقوله: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا بظلم ومن ذلك قول الشاعر: فلما رجت بالشرب هز لها العصا شحيح له عند الازاء نهيم بمعنى: فلما رجت الشرب.
[ 74 ]
وقد كفروا بما جاءكم من الحق يقول: وقد كفر هؤلاء المشركون الذين نهيتكم أن تتخذوهم أولياء بما جاءكم من عند الله من الحق، وذلك كفرهم بالله ورسوله وكتابه الذي أنزله على رسوله. وقوله: يخرجون الرسول وإياكم أن توءمنوا بالله ربكم يقول جل ثناؤه: يخرجون رسول الله (ص) وإياكم، بمعنى: ويخرجونكم أيضا من دياركم وأرضكم، وذلك مشركي قريش رسول الله (ص) وأصحابه من مكة. وقوله: أن توءمنوا بالله ربكم يقول جل ثناؤه: يخرجون الرسول وإياكم من دياركم، لان آمنتم بالله. وقوله: إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي من المؤخر الذي معناه التقديم، ووجه الكلام: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي، وابتغاء مرضاتي يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم. ويعني بقوله تعالى ذكره: إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي: إن كنتم خرجتم من دياركم، فهاجرتم منها إلى مهاجركم للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم، وديني الذي أمرتكم به. والتماس مرضاتي. وقوله: تسرون إليهم بالمودة يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): تسرون أيها المؤمنون بالمودة إلى المشركين بالله وأنا أعلم بما أخفيتم يقول: وأنا أعلم منكم بما أخفى بعضكم من بعض، فأسره منه وما أعلنتم يقول: وأعلم أيضا منكم ما أعلنه بعضكم لبعض ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل يقول جل ثناؤه: ومن يسر منكم إلى المشركين بالمودة أيها المؤمنون فقد ضل: يقول: فقد جار عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقا إلى الجنة ومحجة إليها. وذكر أن هذه الآيات من أول هذه السورة نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة، وكان كتب إلى قريش بمكة يطلعهم على أمر كان رسول الله (ص) قد أخفاه عنهم، وبذلك جاءت الآثار والرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله (ص) وغيرهم. ذكر من قال ذلك: 26292 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، والفضل بن الصباح قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن علي، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله (ص) أنا والزبير بن العوام
[ 75 ]
والمقداد قال الفضل قال سفيان: نفر من المهاجرين فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فوجدنا امرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ليس معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، وأخذنا الكتاب فانطلقنا به إلى رسول الله (ص)، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): يا حاطب ما هذا ؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم يكن لي فيهم قرابة، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات، يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ فيها يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الاسلام، فقال رسول الله (ص): قد صدقكم فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم زاد الفضل في حديثه، قال سفيان: ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... إلى قوله حتى توءمنوا بالله وحده. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي البختري الطائي، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: لما أردا النبي (ص) أن يأتي مكة، أسر إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة. فيهم حاطب بن أبي بلتعة، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن النبي (ص) يريدكم، قال: فبعثني النبي (ص) وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس، فقال: ائتوا روضة خاخ، فإنكم ستلقون بها امرأة ومعها كتاب، فخذوه منها فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر النبي (ص)، فقلنا: هاتي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فوضعنا متاعها
[ 76 ]
وفتشنا، فلم نجده في متاعها، فقال أبو مرثد: لعله أن لا يكون معها، فقلت: ما كذب النبي (ص) ولا كذب، فقلنا: أخرجي الكتاب، وإلا عريناك قال عمرو بن مرة: فأخرجته من حجزتها، وقال حبيب: أخرجته من قبلها فأتينا به النبي (ص) فإذا الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فقام عمر فقال: خان الله ورسوله، ائذن لي أضرب عنقه، فقال النبي (ص): أليس قد شهد بدرا ؟ قال: بلى، ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك، فقال النبي (ص): فلعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، ففاضت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم، فأرسل إلى حاطب، فقال: ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا نبي الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش، وكان لي بها أهل ومال، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله، فكتبت إليهم بذلك، والله يا نبي الله إني لمؤمن بالله وبرسوله، فقال النبي (ص): صدق حاطب بن أبي بلتعة، فلا تقولوا لحاطب إلا خيرا، فقال حبيب بن أبي ثابت: فأنزل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم... الآية. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثنا عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة... إلى آخر الآية، نزلت في رجل كان مع النبي (ص) بالمدينة من قريش، كتب إلى أهله وعشيرته بمكة، يخبرهم وينذرهم أن رسول الله (ص) سائر إليهم، فأخبر رسول الله (ص) بصحيفته، فبعث إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه بها. 26293 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا: لما أجمع رسول الله (ص) السير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (ص) من الامر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب وجعل لها جعلا، على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها. ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت. وأتى رسول الله (ص) الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن
[ 77 ]
العوام رضي الله عنهما، فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد اجتمعنا له في أمرهم، فخرجا حتى أدركا بالحليفة، حليفة ابن أبي أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئا، فقال لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله (ص) ولا كذبنا، ولتخرجن إلي هذا الكتاب، أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض عني، فأعرض عنها، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به إلى رسول الله (ص)، فدعا رسول الله (ص) حاطبا، فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ في القوم ليس لي أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فلاضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله (ص): وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل في حاطب يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... إلى قوله وإليك أنبنا... إلى آخر القصة. * - حدثنا ابن عبد الاعلى قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: لما نزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء في حاطب بن أبي بلتعة، كتب إلى كفار قريش كتابا ينصح لهم فيه، فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك، فأرسل عليا والزبير، فقال: اذهبا فإنكما ستجدن امرأة بمكان كذا وكذا، فأتيا بكتاب معها، فانطلقا حتى أدركاها، فقالا: الكتاب الذي معك، قالت: ليس معي كتاب، فقالا: والله لا ندع معك شيئا إلا فتشناه، أو تخرجينه، قالت: أو لستم مسلمين ؟ قالا: بلى، ولكن النبي (ص) أخبرنا أن معك كتابا قد أيقنت أنفسنا أنه معك فلما رأت جدهما أخرجت كتابا من بين قرونها، فذهبا به إلى النبي (ص)، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش، فدعاه النبي (ص) فقال: أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال: نعم، قال: ما حملك على ذلك ؟ قال: أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت، ولكني كنت امرأ غريبا فيكم أيها الحي من قريش، وكان لي بمكة مال وبنون، فأردت أن أدفع بذلك عنهم، فقال
[ 78 ]
عمر رضي الله عنه: ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال النبي (ص): مهلا يا بن الخطاب، وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فأني غافر لكم قال الزهري: فيه نزلت حتى غفور رحيم. 26294 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... إلى قوله بما تعملون بصير في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة، ومن معه كفار قريش يحذرهم. 26295 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... حتى بلغ سواء السبيل: ذكر لنا أن حاطبا كتب إلى أهل مكة يخبرهم سير النبي (ص) إليهم زمن الحديبية، فأطلع الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وذكر لنا أنهم وجدوا الكتاب مع امرأة في قرن من رأسها، فدعاه نبي الله (ص) فقال: ما حملك على الذي صنعت ؟ قال: والله ما شككت في أمر الله، ولا ارتددت فيه، ولكن لي هناك أهلا ومالا، فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي. وذكر لنا أنه كان حليفا لقريش لم يكن من أنفسهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك القرآن، فقال: إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ئ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير) *. يقول تعالى ذكره: إن يثقفكم هؤلاء الذين تسرون أيها المؤمنون إليهم بالمودة، يكونوا لكم حربا وأعداء ويبسطوا إليكم أيديهم بالقتال وألسنتهم بالسوء.
[ 79 ]
وقوله: وودوا لو تكفرون يقول: وتمنوا لكم أن تكفروا بربكم، فتكونوا على مثل الذي هم عليه. وقوله: لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يقول تعالى ذكره: لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودة. فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا، وكفرتم به. وقوله: يفصل بينكم يقول جل ثناؤه: يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معاصيه والكفر به النار. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة: يفصل بينكم بضم الياء وتخفيف الصاد وفتحها، على ما لم يسم فاعله. وقرأه عامة قراء الكوفة خلا عاصم بضم الياء وتشديد الصاد وكسرها بمعنى: يفصل الله بينكم أيها القوم. وقرأه عاصم بفتح الياء وتخفيف الصاد وكسرها، بمعنى يفصل الله بينكم. وقرأ بعض قراء الشام يفصل بضم الياء وفتح الصاد وتشديدها على وجه ما لم يسم فاعله. وهذه القراءات متقاربات المعاني صحيحات في الاعراب، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب. وقوله: والله بما تعملون بصير يقول جل ثناؤه: والله بأعمالكم أيها الناس ذو علم وبصر، لا يخفى عليه منها شئ، هو بجميعها محيط، وهو مجازيكم بها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فاتقوا الله في أنفسكم واحذروه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) *.
[ 80 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص): قد كان لكم أيها المؤمنون أسوة حسنة: يقول: قدوة حسنة في إبراهيم خليل الرحمن، تقتدون به، والذين معه من أنبياء الله، كما: 26296 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله عز وجل: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه قال: الذين معه الانبياء. وقوله: إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله يقول: حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله، وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا برآء منكم، ومن الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والانداد. وقوله: كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى توءمنوا بالله وحده يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة: كفرنا بكم، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله أن تكون حقا، وظهر بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا على كفركم بالله، وعبادتكم ما سواه، ولا صلح بيننا ولا هوادة، حتى تؤمنوا بالله وحده، يقول: حتى تصدقوا بالله وحده، فتوحدوه، وتفردوه بالعبادة. وقوله: إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ يقول تعالى ذكره: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه في هذه الامور التي ذكرناها من مباينة الكفار ومعاداتهم، وترك موالاتهم إلا في قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك فإنه لا أسوة لكم فيه في ذلك، لان ذلك كان من إبراهيم لابيه عن موعدة وعدها إياه قبل أن يتبين له أنه عدو الله فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. يقول تعالى ذكره: فكذلك أنتم أيها المؤمنون بالله، فتبرءوا من أعداء الله من المشركين به ولا تتخذوا منهم أولياء يؤمنوا بالله وحده ويتبرءوا عن عبادة ما سواه وأظهروا لهم العداوة والبغضاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 26297 -: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إلا قول إبراهيم لابيه قال: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لابيه، فيستغفروا للمشركين. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن مطرف الحارثي، عن مجاهد: أسوة حسنة في إبراهيم... إلى قوله لاستغفرن لك يقول: في كل أمر أسوة، إلا الاستغفار لابيه.
[ 81 ]
26298 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم... الآية، ائتسوا به في كل شئ، ما خلا قوله لابيه: لاستغفرن لك فلا تأتسوا بذلك منه، فإنها كانت عن موعدة وعدها إياه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله إلا قول إبراهيم لابيه يقول: لا تأسوا بذلك فإنه كان عليه موعدا، وتأسوا بأمره كله. 26299 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: قد كانت لكم أسوة حسنة... إلى قوله: إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك قال: يقول: ليس لكم في هذا أسوة. ويعني بقوله: وما أملك لك من الله من شئ يقول: وما أدفع عنك من الله من عقوبة، إن الله عاقبك على كفرك به، ولا أغني عنك منه شيئا. وقوله: ربنا عليك توكلنا يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل إبراهيم وأنبيائه صلوات الله عليهم: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا يعني: وإليك رجعنا بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى وإليك المصير يقول: وإليك مصيرنا ومرجعنا يوم تبعثنا من قبورنا، وتحشرنا في القيامة إلى موقف العرض. القول في تأويل قوله تعالى: * (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ئ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم خليله والذين معه: يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بك فجحدوا وحدانيتك، وعبدوا غيرك، بأن تسلطهم علينا، فيروا أنهم على حق، وأنا على باطل، فتجعلنا بذلك فتنة لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26300 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا تجعلنا فتنة للذين كفروا قال لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.
[ 82 ]
26301 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا قال: يقول: لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك. يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه. 26302 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول: لا تسلطهم علينا فيفتنونا. وقوله: واغفر لنا ربنا يقول: واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا، إنك أنت العزيز الحكيم يعني الشديد الانتقام ممن انتقم منه، الحكيم: يقول الحكيم في تدبيره خلقه، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم. وقوله: لقد كان لكم أسوة حسنة يقول تعالى ذكره لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الانبياء صلوات الله عليهم والرسل لمن كان يرجو الله واليوم الآخر يقول: لمن كان منكم يرجو لقاء الله، وثواب الله، والنجاة في اليوم الآخر. وقوله ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد يقول تعالى ذكره: ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا، ووالى أعداء الله، وألقى إليهم بالمودة، فإن الله هو الغني عن إيمانه به، وطاعته إياه، وعن جميع خلقه، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه، وآلائه عندهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: عسى الله أيها المؤمنون أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من أعدائي من مشركي قريش مودة، ففعل الله ذلك بهم، بأن أسلم كثير منهم، فصاروا لهم أولياء وأحزابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26303 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة قال: هؤلاء المشركون قد فعل، قد أدخلهم في السلم وجعل بينهم مودة حين كان الاسلام حين الفتح.
[ 83 ]
وقوله: والله قدير يقول: والله ذو قدرة على أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من المشركين مودة والله غفور رحيم يقول: والله غفور لخطيئة من ألقى إلى المشركين بالمودة إذا تاب منها، رحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26304 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير على ذلك والله غفور رحيم يغفر الذنوب الكثيرة، رحيم بعباده. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) *. يقول تعالى ذكره: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من أهل مكة ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم يقول: وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم، وبركم بهم. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها: الذين كانوا آمنوا بمكة ولم يهاجروا، فأذن الله للمؤمنين ببرهم والاحسان إليهم. ذكر من قال ذلك: 26305 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أن تستغفروا لهم، ووتبروهم وتقسطوا إليهم قال: وهم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا. وقال آخرون: عني بها من غير أهل مكة من لم يهاجر. ذكر من قال ذلك: 26306 - حدثني محمد بن إبراهيم الانماطي، قال: ثنا هارون بن معروف، قال: ثنا بشر بن السري، قال: ثنا مصعب بن ثابت، عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أم في الجاهلية يقال لها قتيلة ابنة
[ 84 ]
عبد العزى، فأتتها بهدايا وصناب وأقط وسمن، فقالت: لا أقبل لك هدية، ولا تدخلي علي حتى يأذن رسول الله (ص)، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله (ص)، فأنزل الله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين... إلى قوله: المقسطين. قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج، * - قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: ثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، فذكر نحوه. وقال آخرون: بل عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين، ولم يخرجوهم من ديارهم قال: ونسخ الله ذلك بعد بالامر بقتالهم. ذكر من قال ذلك: 26307 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عز وجل: لا ينهاكم الله... الآية، فقال: هذا قد نسخ، نسخه، القتال، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف، ويجاهدوهم بها، يضربونهم، وضرب الله لهم أجل أربعة أشهر، إما المذابحة، وإما الاسلام. 26308 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله لا ينهاكم الله... الآية، قال: نسختها اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والاديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عز وجل عم بقوله الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لان بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولانسب غير محرم ولا منهى عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لاهل الحرب على عورة لاهل الاسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح. قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها.
[ 85 ]
وقوله: إن الله يحب المقسطين يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون من برهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) *. يقول تعالى ذكره: إنما ينهاكم الله أيها المؤمنون عن الذين قاتلوكم في الدين من كفار أهل مكة وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم يقول: وعاونوا من أخرجكم من دياركم على إخراجكم أن تولوهم، فتكونوا لهم أولياء ونصراء ومن يتولهم يقول: ومن يجعلهم منكم أو من غيركم أولياء فأولئك هم الظالمون يقول: فأولئك هم الذين تولوا غير الذي يجوز لهم أن يتولوهم، ووضعوا ولايتهم في غير موضعها، وخالفوا أمر الله في ذلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله الذين قاتلوكم في الدين قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26309 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين قال: كفار أهل مكة. القول في تأويل قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم النساء المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الاسلام فامتحنوهن وكانت محنة رسول الله (ص) إياهن إذا قدمن مهاجرات، كما: 26310 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن قيس بن الربيع، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر الاسدي، قال: سئل ابن عباس:
[ 86 ]
كيف كان امتحان رسول الله (ص) النساء ؟ قال: كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الحسن بن عطية، عن قيس، قال: أخبرنا الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس في يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن قال كانت المرأة إذا أتت رسول الله (ص) حلفها بالله ما خرجت... ثم ذكر نحوه. 26311 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، أن عائشة قالت: ما كان رسول الله (ص) يمتحن المؤمنات إلا بالآية، قال الله: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا، ولا. 26312 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي (ص) قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله (ص) يمتحن بقول الله: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك... إلى آخر الآية، قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات، فقد أقر بالمحبة، فكان رسول الله (ص) إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن: انطلقن فقد بايعتكن، ولا والله ما مست يد رسول الله (ص) يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله (ص) على النساء قط، إلا بما أمره الله عز وجل، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما. 26313 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات...
[ 87 ]
إلى قوله: عليم حكيم كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد ه ورسوله. 26314 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فامتحنوهن قال: سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن، أو سخطة، أو غيره، ولم يؤمن، فارجعوهن إلى أزواجهن. 26315 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فامتحنوهن كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز، وما أخرجكن إلا حب الاسلام وأهله، وحرص عليه، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله فامتحنوهن قال: يحلفن ما خرجن إلا رغبة في الاسلام، وحبا لله ورسوله. 26316 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه أو عكرمة إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن قال: يقال: ما جاء بك إلا حب الله، ولا جاء بك عشق رجل منا، ولا فرارا من زوجك، فذلك قوله فامتحنوهن. 26317 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كانت المرأة من المشركين إذا غضبت على زوجها، وكان بينه وبينها كلام، قالت: والله لاهاجرن إلى محمد (ص) وأصحابه، فقال الله عز وجل: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن إن كان الغضب أتى بها فردوها، وإن كان الاسلام أتى بها فلا تردوها. 26318 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الاشج، قال: كان امتحانهن إنه لم يخرجك إلا الدين. وقوله: الله أعلم بإيمانهن يقول: الله أعلم بإيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم. وقوله: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار يقول: فإن أقررن عند
[ 88 ]
المحنة بما يصح به عقد الايمان لهن، والدخول في الاسلام، فلا تردوهن عن ذلك إلى الكفار. وإنما قيل ذلك للمؤمنين، لان العهد كان جرى بين رسول الله (ص) وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحن، فوجدهن المسلمون مؤمنات، وصح ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين إذا علم أنهن مؤمنات. وقال جل ثناؤه لهم: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن يقول: لا المؤمنات حل للكفار ولا الكفار يحلون للمؤمنات. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار. ذكر بعض ما روي في ذلك من الاثر: 26319 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، قال: دخلت على عروة بن الزبير، وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيد صاحب الوليد بن عبد الملك، وكتب إليه يسأله عن قول الله عز وجل: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات... إلى قوله والله عليم حكيم وكتب إليه عروة بن الزبير: إن رسول الله (ص) كان صالح قريشا عام الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه فلما هاجر النساء إلى رسول الله (ص) وإلى الاسلام، أبى الله أن يرددن إلى المشركين، إذا هن امتحن محنة الاسلام، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيه. وقوله وآتوهم ما أنفقوا يقول جل ثناؤه: وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات إذا علمتموهن مؤمنات، فلم ترجعوهن إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهن من الصداق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26320 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات... إلى قوله عليم حكيم قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
[ 89 ]
ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار، وأعطى بعلها من الكفار الذين عقد لهم رسول الله (ص) صداقه الذي أصدقها. 26321 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (آتوهم ما انفقوا) وآتوا أزواجهن صدقاتهن. 26322 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن) حتى بلغ (والله عليم حكيم) هذا حكم حكمه الله عز وجل بين أهل الهدى وأهل الضلالة، كن إذا فررن من من أصحاب النبي (ص) إلى المشركين الذين بينهم وبين كن إذا فررن من نبي الله (ص) وأصحابه عهد إلى أصحاب نبي الله (ص) فتزوجوهن بعثوا مهورهن إلى أزواجهن من المشركين الذي بينهم وبين نبي الله (ص) عهد وإذا فررن من أصحاب نبي الله (ص) إلى المشركين الذين بينهم وبين نبي الله (ص) عهد بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من أصحاب نبي الله (ص). 26323 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية، وكان النبي (ص) صالحهم أنه من أتاه منهم رده إليهم فلما جاءه النساء نزلت عليه هذه الآية، وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن حكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى أزواجهن فقال ولا تمسكوا بعصم الكوافر. 36324 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن كان نبي الله (ص) عاهد من المشركين ومن أهل الكتاب، فعاهدهم وعاهدوه، وكان في الشرط أن يردوا الاموال والنساء، فكان نبي الله إذا فاته أحد من أزواج المؤمنين، فلحق بالمعاهدة تاركا لدينه مختارا للشرك، رد على زوجها ما أنفق عليها، وإذا لحق بنبي الله (ص) أحد من أزواج المشركين امتحنها نبي الله (ص)، فسألها: ما أخرجك من قومك ؟ فإن وجدها خرجت تريد الاسلام
[ 90 ]
قبلها رسول الله (ص)، ورد على زوجها ما أنفق عليها، وإن وجدت فرت من زوجها إلى آخر بينها وبينه قرابة، وهي متمسكة بالشرك ردها رسول الله (ص) إلى زوجها من المشركين. 26325 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن... الآية كلها، قال: لما هادن رسول الله (ص) المشركين كان في الشرط الذي شرط: أن ترد إلينا من أتاك منا، ونرد إليك من أتانا منكم، فقال النبي (ص): من أتانا منكم فنرده إليكم، ومن أتاكم منا فاختار الكفر على الايمان فلا حاجة لنا فيهم قال: فأبى الله ذلك للنبي (ص) في النساء، ولم يأبه للرجال، فقال الله عز وجل: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن... إلى قوله وآتوهم ما أنفقوا أزواجهن. 26326 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الاشج، قال كان بين رسول الله (ص) والمشركين هدنة فيمن فر من النساء، فإذا فرت المشركة أعطى المسلمون زوجها نفقته عليها وكان المسلمون يفعلون وكان إذا لم يعط هؤلاء ولا هؤلاء أخرج المسلمون للمسلم الذي ذهبت امرأته نفقتها. وقوله: ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن يقول تعالى ذكره: ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقات لازواجهن، وإن كان لهن أزواج في دار الحرب إذا علمتموهن مؤمنات إذا أنتم أعطيتموهن أجورهن، ويعني بالاجور: الصدقات. وكان قتادة يقول: كن إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبي الله (ص) وأصحابه عهد إلى أصحاب نبي الله (ص) فتزوجوهن، بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين أصحاب نبي الله (ص) عهد. 26327 - حدثنا بذلك بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة. وكان الزهري يقول: إنما أمر الله برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم وإن هم ردوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم. 26328 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري. 26329 - حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا جناح عليكم أن تنكحوهن ولها زوج ثم، لانه فرق بينهما الاسلام إذا استبرأتن أرحامهن.
[ 91 ]
وقوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص): لا تمسكوا إيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهن، والكوافر: جمع كافرة، والعصم: جمع عصمة، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الاقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الاوثان، وأمر لهم بفراقهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26330 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن النبي (ص) جاءه نسوة مؤمنات بعد أن كتب كتاب القضية بينه وبين قريش، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له بالشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والاخرى صفوان بن أمية. 26331 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: بلغنا أن آية المحنة التي ماد فيها رسول الله (ص) كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين كفار قريش وبين النبي (ص)، فكان النبي (ص) يرد إلى كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن، وبعولتهن كفار للعهد الذي كان بين النبي (ص) وبينهم، ولو كانوا حربا ليست بينهم وبين النبي (ص) مدة وعقد لم يرد عليهم شيئا مما أنفقوا، وحكم الله للمؤمنين على أهل المدة من الكفار بمثل ذلك، قال الله: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ والله عليم حكيم فطلق المؤمنون حين أنزلت هذه الآية كل امرأة كافرة كانت تحت رجل منهم، فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته ابنة أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وابنة جرول من خزاعة، فتزوجها أبو جهم بن حذافة العدوي، وجعل الله ذلك حكما حكم به بين المؤمنين والمشركين في هذه المدة التي كانت.
[ 92 ]
26332 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وقال الزهري: لما نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات... إلى قوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته قريبة ابنة أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما بمكة وأم كلثوم ابنة جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه، وهما على شركهما وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي كانت عنده أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ففرق بينهما الاسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة على دين قومها، ثم تزوجها في الاسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. وكان ممن فر إلى رسول الله (ص) من نساء الكفار ممن لم يكن بينه وبين رسول الله (ص) عهد فحبسها وزوجها رجلا من المسلمين أميمة بنت بشر الانصارية، ثم إحدى نساء بني أمية بن زيد من أوس الله، كانت عند ثابت بن الدحداحة، ففرت منه، وهو يومئذ كافر إلى رسول الله (ص)، فزوجها رسول الله (ص) سهل بن حنيف أحد بني عمرو بن عوف، فولدت عبد الله بن سهل. * - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال الله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال: الزهري: فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة. 26333 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال: أصحاب محمد أمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة، قعدن مع الكفار. 26334 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر مشركات العرب اللاتي يأبين الاسلام أمر أن يخلى سبيلهن. 26335 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر إذا كفرت المرأة فلا تمسكوها، خلوها، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها حين كفرت. واختلفت القراء في قراءة قوله ولا تمسكوا فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والمدينة
[ 93 ]
والكوفة والشام، ولا تمسكوا بتخفيف السين. وقرأ ذلك أبو عمرو ولا تمسكوا بتشديدها، وذكر أنها قراءة الحسن، واعتبر من قرأ ذلك بالتخفيف، وإمساك بمعروف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، محكى عن العرب أمسكت به ومسكت، وتمسكت به. وقوله: واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا يقول تعالى ذكره لازواج اللواتي لحقن من المؤمنين من دار الاسلام بالمشركين إلى مكة من كفار قريش: واسئلوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللواتي لحقن بهم من الصداق من تزوجهن منهم، وليسئلكم المشركون منهم الذين لحق بكم أزواجهم مؤمنات إذا تزوجن فيكم من تزوجها منكم ما أنفقوا عليهن من الصداق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26336 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أقر المؤمنون بحكم الله، وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين. 26337 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد (ص) إلى الكفار، فليعطهم الكفار صدقاتهن، وليمسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب النبي (ص)، فمثل ذلك في صلح كان بين محمد (ص) وبين قريش. وقوله: ذلكم حكم الله يحكم بينكم يقول تعالى ذكره: هذا الحكم الذي حكمت بينكم من أمركم أيها المؤمنون بمسألة المشركين، وما أنفقتم على أزواجكم اللاتي لحقن بهم وأمرهم بمسألتكم مثل ذلك في أزواجهن اللاتي لحقن بكم، حكم الله بينكم فلا تعتدوه، فإنه الحق الذي لا يسمع غيره، فانتهى المؤمنون من أصحاب رسول الله (ص) فيما ذكر إلى أمر الله وحكمه، وامتنع المشركون منه وطالبوا الوفاء بالشروط التي كانوا شارطوها بينهم في ذلك الصلح، وبذلك جاءت الآثار والاخبار عن أهل السير وغيرهم. ذكر من قال ذلك:
[ 94 ]
26338 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: أما المؤمنون فأقروا بحكم الله، وأما المشركون فأبوا أن يقروا، فأنزل الله عز وجل: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار... الآية. 26339 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، قال: قال الله: ذلكم حكم الله يحكم بينكم، فأمسك رسول الله (ص) النساء، ورده الرجال، وسأل الذي أمره الله أن يسأل من صدقات النساء من حبسوا منهن، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم إن هم فعلوا، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم رد رسول الله (ص) النساء، كما رد الرجال، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية أمسك النساء ولم يرد إليهم صداقا، وكذلك يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد. قوله: والله عليم حكيم يقول جل ثناؤه: والله ذو علم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الامور، حكيم في تدبيره إياهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل مآ أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) *. يقول جل ثناؤه للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): وإن فاتكم أيها المؤمنون شئ من أزواجكم إلى الكفار فلحق بهم. واختلف أهل التأويل في الكفار الذين عنوا بقوله إلى الكفار من هم ؟ فقال بعضهم: هم الكفار الذين لم يكن بينهم وبين رسول الله (ص) عهد، قالوا: ومعنى الكلام: وإن فاتكم شئ من أزواجكم، إلى من ليس بينكم وبينهم عهد من الكفار. ذكر من قال ذلك: 26340 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار الذين ليس بينكم وبينهم عهد.
[ 95 ]
26341 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار إذا فررن من أصحاب النبي (ص) إلى كفار ليس بينهم وبين رسول الله (ص) عهد. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار قال: لم يكن بينهم عهد. وقال آخرون: بل هم كفار قريش الذي كانوا أهل هدنة، وذلك قول الزهري. 26342 - حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عنه. وقوله: فعاقبتم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار فعاقبتم بالالف على مثال فاعلتم، بمعنى: أصبتم منهم عقبى. وقرأه حميد الاعرج فيما ذكر عنه: فعقبتم على مثال فعلتم مشددة القاف، وهما في اختلاف الالفاظ بهما نظير قوله: ولا تصعر خدك للناس وتصاعر مع تقارب معانيهما. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك قراءة من قرأ فعاقبتم بالالف لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا يقول: فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن من الصداق. واختلف أهل التأويل في المال الذي أمر أن يعطى منه الذي ذهبت زوجته إلى المشركين، فقال بعضهم: أمروا أن يعطوهم صداق من لحق بهم من نساء المشركين. ذكر من قال ذلك: 26343 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن الزهري، قال: أقر المؤمنون بحكم الله، وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال الله للمؤمنين: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون فلو أنها ذهبت بعد
[ 96 ]
هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين، رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم، الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن، ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان بقي لهم. والعقب: ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن. 26344 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: أنزل الله وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فأمر الله المؤمنين أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته من صداق إن كان في أيديهم مما أمروا أن يردوا إلى المشركين.. وقال آخرون. بل أمروا أن يعطوه من الغنيمة أو الفئ. ذكر من قال ذلك: 26345 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون يعني: إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار، أمر له رسول الله (ص) أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق. 26346 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، إنهم كانوا أمروا أن يردوا عليهم من الغنيمة. وكان مجاهد يقرأ: فعاقبتم. 26347 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فعاقبتم يقول: أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا صدقاتهن عوضا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار قال: من لم يكن بينهم وبينهم عهد،
[ 97 ]
فذهبت امرأة إلى المشركين، فيدفع إلى زوجها مهر مثلها فعاقبتم فأصبتم غنيمة فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله قال: مهر مثلها يدفع إلى زوجها. 26348 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله كن إذا فررن من أصحاب النبي (ص) إلى الكفار ليس بينهم وبين نبي الله عهد، فأصاب أصحاب رسول الله (ص) غنيمة، أعطى زوجها ما ساق إليها من جميع الغنيمة، ثم يقتسمون غنيمتهم. 26349 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يخبر عن زائدة، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق أنه قرأها فعاقبتم وفسرها فغنمتم. 26350 - حدثنا أحمد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: فعاقبتم قال: غنمتم. 26351 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سألنا الزهري، عن هذه الآية وقول الله فيها: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار. الآية، قال: يقول: إن فات أحدا منكم أهله إلى الكفار، ولم تأتكم امرأة تأخذون لها مثل الذي يأخذون منكم، فعوضوه من فئ إن أصبتموه. وقال آخرون في ذلك ما: 26352 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم قال: خرجت امرأة من أهل الاسلام إلى المشركين، ولم يخرج غيرها. قال: فأتت امرأة من المشركين، فقال القوم: هذه عقبتكم قد أتتكم، فقال الله وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم: أمسكتم الذي جاءكم منهم من أجل الذي لكم عندهم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ثم أخبرهم الله أنه لا جناح عليهم إذا فعلوا الذي فعلوا أن ينكحوهن إذا استبرئ رحمها، قال: فدعا رسول الله (ص) الذي ذهبت امرأته إلى الكفار، فقال لهذه التي أتت من عند المشركين: هذا زوج التي ذهبت أزوجكه ؟ فقالت: يا رسول الله، عذر الله زوجة هذا أن
[ 98 ]
تفر منه، لا والله مالي به حاجة، فدعا البختري رجلا جسيما، قال: هذا ؟ قالت: نعم، وهي ممن جاء من مكة. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أمر الله عز وجل في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عقبى، إما بغنيمة يصيبونها منهم، أو بلحاق نساء بعضهم بهم، مثل الذي أنفقوا على الفارة منهم إليهم، ولم يخصص إيتاءهم ذلك من مال دون مال، فعليهم أن يعطوهم ذلك من كل الاموال التي ذكرناها. وقوله: واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون يقول: وخافوا الله الذي أنتم به مصدقون أيها المؤمنون فاتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات بالله يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يقول: ولا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهن وأرجلهن. وإنما معنى الكلام: ولا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26353 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يقول: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. وقوله: ولا يعصينك في معروف يقول: ولا يعصينك يا محمد في معروف من أمر الله عزوجل تأمرهن به. وذكر أن ذلك المعروف الذي شرط عليهن أن لا يعصين رسول الله (ص) فيه هو النياحة. ذكر من قال ذلك: 26354 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا يعصينك في معروف يقول: لا ينحن.
[ 99 ]
26355 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، ولا يعصينك في معروف، قال: النوح. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، مثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سالم، مثله. 26356 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، في قوله: ولا يعصينك في معروف قال: في نياحة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد ولا يعصينك في معروف قال: النوح. 26357 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن زيد بن أسلم ولا يعصينك في معروف قال: لا يخدشن وجها، ولا يشققن جيبا، ولا يدعون ويلا، ولا ينشدن شعرا. 26358 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كانت محنة النساء أن رسول الله (ص) أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قل لهن: إن رسول الله (ص) يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكرة في النساء، فقالت: إني إن أتكلم يعرفني، وإن عرفني قتلني، وإنما تنكرت فرقا من رسول الله (ص)، فسكت النسوة اللاتي مع هند، وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة: و كيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال ؟ فنظر إليها رسول الله (ص) وقال لعمر: قل لهن ولا يسرقن، قالت هند: والله إني لاصيب من أبى سفيان الهات وما أدري أيحلهن لي أم لا، قال أبو سفيان: ما أصبت من شئ مضى، أو قد بقي، فهو لك حلال، فضحك رسول الله (ص) وعرفها، فدعاها فأتته، فأخذت بيده، فعاذت به، فقال: أنت هند، فقالت: عفا الله عما سلف، فصرف عنها رسول الله (ص)، فقال: ولا يزنين فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة ؟ قال: لا والله ما تزني الحرة قال: ولا يقتلن أولادهن،
[ 100 ]
قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر قال: ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف قال: منعهن أن ينحن، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه، ويقطعن الشعور، ويدعون بالثبور والويل. 26359 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك حتى بلغ فبايعهن ذكر لنا أن نبي الله (ص) أخذ عليهن يومئذ النياحة، ولا تحدثن الرجال، إلا رجلا منكن محرما، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا نبي الله إن لنا أضيافا، وإنا نغيب عن نسائنا قال: فقال رسول الله (ص): ليس أولئك عنيت. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولا يعصينك في معروف قال: هو النوح أخذ عليهن لا ينحن، ولا يخلون بحديث الرجال إلا مع ذي محرم قال: فقال عبد الرحمن بن عوف: إنا نغيب ويكون لنا أضياف قال: ليس أولئك عنيت. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: أخبرنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله ولا يعصينك في معروف قال: لا يحدثن رجلا. 26360 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن عياش، عن سليمان بن سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى النبي (ص) تبايعه على الاسلام فقال لها النبي (ص): أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الاولى. 26361 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة، قالت: جاءت نسوة إلى النبي (ص) يبايعنه، فقال: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا.
[ 101 ]
* - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث قال: ثنا خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن ابن المنكدر أن أميمة أخبرته أنها دخلت على رسول الله (ص) في نسوة، فقلن: يا رسول الله ابسط يدك نصافحك، فقال: إني لا أصافح النساء، ولكن سأخذ عليكم، فأخذ علينا حتى بلغ: ولا يعصينك في معروف فقال: فيما أطقتن واستطعتن فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. 26362 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عمرو، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أم عطية الانصارية، قالت: كان فيما اشترط علينا من المعروف حين بايعنا أن لا ننوح، فقالت امرأة من بني فلان: إن بني فلان أسعدوني، فلا حتى أجزيهم، فانطلقت فأسعدتهم، ثم جاءت فبايعت قال: فما وفى منهن غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنس بن مالك. 26363 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عمرو بن فروخ القتات، قال: ثنا مصعب بن نوح الانصاري، قال: أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله (ص)، قالت: فأتيته لابايعه، فأخذ علينا فيما أخذ ولا تنحن، فقالت عجوز: يا نبي الله إن ناسا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني، وإنهم قد أصابتهم مصيبة، فأنا أريد أن أسعدهم قال: فانطلقي فكافئيهم ثم إنها أتت فبايعته، قال: هو المعروف الذي قال الله: ولا يعصينك في معروف. 26364 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن يزيد، مولى الصهباء، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة عن رسول الله (ص)، في قوله ولا يعصينك في معروف قال: النوح.
[ 102 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة التيمية، قالت: بايعت رسول الله (ص) في نسوة من المسلمين، فقلنا له: جئناك يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله (ص): فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، فقلنا: بايعنا يا رسول الله، فقال: اذهبن فقد بايعتكن، إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة، وما صافح رسول الله (ص) منا أحدا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن عيسى بن عبد الله التيمي، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة خالة فاطمة بنت رسول الله (ص)، قال: سمعتها تقول: بايعنا رسول الله (ص)، فأخذ علينا أن لا نشرك بالله شيئا، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة، قالت: أتيت رسول الله (ص) في نساء نبايعه، قالت: فأخذ علينا النبي (ص) بما في القرآن أن لا يشركن بالله شيئا... الآية، ثم قال: فيما استطعتن وأطقتن فقلنا: يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ فقال: إني لا أصافح النساء ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة. * - حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة، عن رسول الله (ص) بنحوه. 26365 - حدثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ولا يعصينك في معروف والمعروف: ما اشترط عليهن في البيعة أن يتبعن أمره. 26366 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ولا يعصينك في معروف فقال: إن رسول الله (ص) نبيه وخيرته من خلقه ثم لم يستحل له أمور أمر إلا بشرط لم يقل: ولا يعصينك ويترك حتى قال: في معروف: فكيف ينبغي لاحد أن يطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه، قال: فالمعروف كل معروف أمرهن به في الامور كلها وينبغي لهن أن لا يعصين.
[ 103 ]
26367 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، ثنا إسحاق بن إدريس، ثنا إسحاق بن عثمان بن يعقوب، قال: ثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته أم عطية، قالت: لما قدم رسول الله (ص) المدينة، جمع بين نساء الانصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلم علينا، فرددن، أو فرددنا عليه، ثم قال: أنا رسول رسول الله (ص) إليكن، قالت: فقلنا مرحبا برسول الله (ص)، وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا، ولا تسرقن، ولا تزنين، قالت: قلنا نعم قال: فمد يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد قالت: وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق، ولا جمعة علينا، ونهانا عن اتباع الجنازة، قال إسماعيل: فسألت جدتي عن قول الله ولا يعصينك في معروف قالت: النياحة. 26368 - حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، في قول الله: ولا يعصينك في معروف قال: لا يخلوا الرجل بامرأة. وقوله: فبايعهن يقول جل ثناؤه: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على هذه الشروط، فبايعهن، واستغفر لهن الله يقول: سل لهن الله أن يصفح عن ذنوبهن، ويسترها عليهن بعفوه لهن عنها، إن الله غفور رحيم يقول: إن الله ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه أن يعذبه عليها بعد توبته منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص): يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم من اليهود قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور فقال بعضهم: معنى ذلك: قد يئس هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم
[ 104 ]
من اليهود من ثواب الله في الآخرة، وأن يبعثوا، كما يئس الكفار الاحياء من أمواتهم الذين هم في القبور أن يرجعوا إليهم. ذكر من قال ذلك: 26369 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم... الآية، يعني من مات من الذين كفروا، فقد يئس الاحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم، أو يبعثهم الله. 26370 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسين أنه قال في هذه الآية: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور قال: الكفار الاحياء قد يئسوا من الاموات. 26371 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: قد يئسوا من الآخرة يقول: يئسوا أن يبعثوا كما يئس الكفار أن ترجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة... الآية، الكافر لا يرجو لقاء ميته ولا أجره. 26372 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قد يئسوا من الآخرة، كما يئس الكفار من أصحاب القبور يقول: من مات من الذين كفروا فقد يئس الاحياء منهم أن يرجعوا إليهم، أو يبعثهم الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد يئسوا من الآخرة أن يرحمهم الله فيها، ويغفر لهم، كما يئس الكفار الذي هم أصحاب قبور قد ماتوا وصاروا إلى القبور من رحمة الله وعفوه عنهم في الآخرة، لانهم قد أيقنوا بعذاب الله لهم. ذكر من قال ذلك: 26373 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، في هذه الآية: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور قال: أصحاب القبور الذين في القبور قد يئسوا من الآخرة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في
[ 105 ]
قوله قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور قال: من ثواب الآخرة حين تبين لهم عملهن، وعاينوا النار. 26374 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: قد يئسوا من الآخرة... الآية، قال: أصحاب القبور قد يئسوا من الآخرة. 26375 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الكلبي: قد يئسوا من الآخرة، يعني اليهود والنصارى، يقول: قد يئسوا من ثواب الآخرة وكرامتها، كما يئس الكفار الذي قد ماتوا فهم في القبور من الجنة حين رأوا مقعدهم من النار. 26376 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: لا تتولوا قوما... الآية، قال: قد يئس هؤلاء الكفار من أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار الذين ماتوا الذين في القبور من أن تكون لهم آخرة، لما عاينوا من أمر الآخرة، فكما يئس أولئك الكفار، كذلك يئس هؤلاء الكفار قال: والقوم الذين غضب الله عليهم، يهودهم الذين يئسوا من أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار قبلهم من أصحاب القبور، لانهم قد علموا كتاب الله وأقاموا على الكفر به، وما صنعوا وقد علموا. 26377 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، في قوله: يئسوا من الآخرة... الآية، قال: قد يئسوا أن يكون لهم ثواب الآخرة، كما يئس من في القبور من الكفار من الخير، حين عاينوا العذاب والهوان. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: قد يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من اليهود من ثواب الله لهم في الآخرة، وكرامته لكفرهم وتكذيبهم رسوله محمدا (ص) على علم منهم بأنه لله نبي، كما يئس الكفار منهم الذين مضوا قبلهم فهلكوا، فصاروا أصحاب القبور، وهم على مثل الذي هؤلاء عليه من تكذيبهم عيسى صلوات الله عليه وغيره من الرسل، من ثواب الله وكرامته إياهم. وإنما قلنا: ذلك أولى القولين بتأويل الآية، لان الاموات قد يئسوا من رجوعهم إلى الدنيا، أو أن يبعثوا قبل قيام الساعة المؤمنون والكفار، فلا وجه لان يخص بذلك الخبر عن الكفار، وقد شركهم في الاياس من ذلك المؤمنون.
[ 106 ]
(61) سورة الصف مدنية وآياتها أربع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز الحكيم ئ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ئ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *. يقول جل ثناؤه: سبح لله ما في السموات السبع وما في الارض من الخلق، مذعنين له بالالوهية والربوبية وهو العزيز في نقمته ممن عصاه منهم، فكفر به، وخالف أمره الحكيم في تدبيره إياهم. وقوله: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا صدقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون يقول: عظم مقتا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون. واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أنزلت توبيخا من الله لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الاعمال، فعرفهم الله إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية. ذكر من قال ذلك: 26378 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحب الاعمال إليه، فنعمل
[ 107 ]
به، فأخبر الله نبيه أن أحب الاعمال إليه إيمان بالله لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الايمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد، كره ذلك أناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فقال الله: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون قال: كان قوم يقولون: والله لو أنا نعلم ما أحب الاعمال إلى الله لعملناه، فأنزل الله على نبيه (ص): يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا... إلى قوله بنيان مرصوص فدلهم على أحب الاعمال إليه. 26379 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جحادة، عن أبي صالح، قال: قالوا: لو كنا نعلم أي الاعمال أحب إلى الله وأفضل، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم فكرهوا، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. 26380 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله لم تقولون ما لا تفعلون... إلى قوله: مرصوص فيما بين ذلك في نفر من الانصار فيهم عبد الله بن رواحة، قالوا في مجلس: لو نعلم أي الاعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنزل الله هذا فيهم، فقال عبد الله بن رواحة: لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أموت، فقتل شهيدا. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله (ص)، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذبا. ذكر من قال ذلك: 26381 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: لم تقولون ما لا تفعلون قال: بلغني أنها كانت في الجهاد، كان الرجل يقول: قاتلت وفعلت، ولم يكن فعل، فوعظهم الله في ذلك أشد الموعظة.
[ 108 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون يؤذنهم ويعلمهم كما تسمعون كبر مقتا عند الله وكانت رجال تخبر في القتال بشئ لم يفعلوه ولم يبلغوه، فوعظهم الله في ذلك موعظة بليغة، فقال: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون... إلى قوله: كأنهم بنيان مرصوص. 26382 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لم تقولون ما لا تفعلون أنزل الله هذا في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب والطعن والقتل قال الله: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وقال آخرون: بل هذا توبيخ من الله لقوم من المنافقين، كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون. ذكر من قال ذلك: 26383 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون يقول للنبي (ص) وأصحابه: لو خرجتم خرجنا معكم، وكنا في نصركم، وفى، وفى، فأخبرهم أنه كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بها الذين قالوا: لو عرفنا أحب الاعمال إلى الله لعملنا به، ثم قصروا في العمل بعدما عرفوا. وإنما قلنا: هذا القول أولى بها، لان الله جل ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال: يا أيها الذين آمنوا ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموا، ولم يوصفوا بالايمان، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب، ولم يكن ذلك صفة القوم، ولكنهم عندي أملوا بقولهم: لو علمنا أحب الاعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم، وقوي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضل والشرف. واختلفت أهل العربية في معنى ذلك، وفي وجه نصب قوله: كبر مقتا فقال بعض نحويي البصرة: قال: كبر مقتا عند الله: أي كبر مقتكم مقتا، ثم قال: أن تقولوا ما لا تفعلون: أذى قولكم. وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: يا أيها الذين آمنوا لم
[ 109 ]
تقولون ما لا تفعلون: كان المسلمون يقولون: لو نعلم أي الاعمال أحب إلى الله لاتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا فلما كان يوم أحد، نزلوا عن النبي (ص) حتى شج، وكسرت رباعيته، فقال: لم تقولون ما لا تفعلون، ثم قال: كبر مقتا عند الله كبر ذلك مقتا: أي فأن في موضع رفع، لان كبر كقوله: بئس رجلا أخوك. وقوله: كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا، أضمر في كبر اسم يكون مرفوعا. والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله مقتا منصوب على التفسير، كقول القائل: كبر قولا هذا القول. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) *. يقول تعالى ذكره للقائلين: لو علمنا أحب الاعمال إلى الله لعملناه حتى نموت: إن الله أيها القوم يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم، يعني في طريقه ودينه الذي دعا إليه صفا يعني بذلك أنهم يقاتلون أعداء الله مصطفين. وقوله: كأنهم بنيان مرصوص يقول: يقاتلون في سبيل الله صفا مصطفا، كأنهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنية قد رص، فأحكم وأتقن، فلا يغادر منه شيئا، وكان بعضهم يقول: بني بالرصاص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26384 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يخلف بنيانه، كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به. 26385 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص قال: والذين صدقوا قولهم بأعمالهم هؤلاء قال: وهؤلاء لم يصدقوا قولهم بالاعمال لما خرج النبي (ص) نكصوا عنه وتخلفوا. وكان بعض أهل العلم يقول: إنما قال الله إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله
[ 110 ]
صفا ليدل على أن القتال راجلا أحب إليه من القتال فارسا، لان الفرسان لا يصطفون، وإنما تصطف الرجالة. ذكر من قال ذلك: 26386 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن أبي بكر ابن أبي مريم، عن يحيى بن جابر الطائي، عن أبي بحرية، قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبون القتال على الارض، لقول الله: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص قال: وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني التفت في الصف، فجؤا في لحيي. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قال موسى لقومه يقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لقومه يا قوم لم توءذونني وقد تعلمون حقا أنى رسول الله إليكم. وقوله: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم يقول: فلما عدلوا وجاروا عن قصد السبيل أزاغ الله قلوبهم: يقول: أمال الله قلوبهم عنه وقد: 26387 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، قال: ثنا أبو غالب، عن أبي أمامة في قوله: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم قال: هم الخوارج. والله لا يهدي القوم الفاسقين يقول: والله لا يوفق لاصابة الحق القوم الذين اختاروا الكفر على الايمان. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قال عيسى ابن مريم يبني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) *. يقول تعالى ذكره: واذكر أيضا يا محمد إذ قال عيسى ابن مريم لقومه من بني إسرائيل يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة التي أنزلت على موسى ومبشرا أبشركم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.
[ 111 ]
26388 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن سعيد بن سويد، عن عبد الاعلى بن هلال السلمي، عن عرباض بن سارية، قال سمعت رسول الله (ص) يقول: إني عند الله مكتوب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، والروءيا التي رأت أمي، وكذلك أمهات النبيين، يرين أنها رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام. فلما جاءهم بالبينات يقول: فلما جاءهم أحمد بالبينات، وهي الدلالات التي آتاه الله حججا على نبوته قالوا هذا سحر مبين يقول: ما أتى به غير أنني ساحر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: ومن أشد ظلما وعدوانا ممن اختلق على الله الكذب، وهو قول قائلهم للنبي (ص): هو ساحر ولما جاء به سحر، فكذلك افتراؤه على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام يقول: إذا دعي إلى الدخول في الاسلام، قال على الله الكذب، وافترى عليه الباطل والله لا يهدي القوم الظالمين يقول: والله لا يوفق القوم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به لاصابة الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) *. يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء القائلون لمحمد (ص): هذا ساحر مبين ليطفئوا نور الله بأفواههم يقول: يريدون ليبطلوا الحق الذي بعث الله به محمدا (ص) بأفواههم يعني بقولهم إنه ساحر، وما جاء به سحر، والله متم نوره يقول: الله معلن الحق، ومظهر دينه، وناصر محمدا عليه الصلاة والسلام على من عاداه، فذلك إتمام نوره، وعنى بالنور في هذا الموضع الاسلام. وكان ابن زيد يقول: عني به القرآن.
[ 112 ]
26389 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ليطفئوا نور الله بأفواههم قال: نور القرآن. واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: والله متم نوره فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: متم نوره بالنصب. وقرأه بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة متم بغير تنوين نوره خفضا، وهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا. وقوله: ولو كره الكافرون يقول: والله مظهر دينه، ناصر رسوله، ولو كره الكافرون بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق، يعني ببيان الحق ودين الحق يعني: وبدين الله، وهو الاسلام. وقوله: ليظهره على الدين كله يقول: ليظهر دينه الحق الذي أرسل به رسوله على كل دين سواه، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وحين تصير الملة واحدة، فلا يكون دين غير الاسلام، كما: 26390 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي المقدام ثابت بن هرمز، عن أبي هريرة ليظهره على الدين كله قال: خروج عيسى ابن مريم. وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله ليظهره على الدين كله والصواب عندنا من القول في ذلك بعلله فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: 26391 - حدثني عبد الحميد بن جعفر، قال: ثنا الاسود بن العلاء، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: إن رسول الله (ص) كان يقول: لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى فقالت عائشة: والله يا رسول الله إن كنت لاظن حين أنزل الله هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله... الآية، أن ذلك سيكون تاما، فقال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فيتوفى من
[ 113 ]
كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ئ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم موجع، وذلك عذاب جهنم ثم بين لنا جل ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الاليم، فقال: توءمنون بالله ورسوله محمد (ص). فإن قال قائل: وكيف قيل: توءمنون بالله ورسوله، وقد قيل لهم: يا أيها الذين آمنوا بوصفهم بالايمان ؟ فإن الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله وقد مضى البيان عن ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته. وقوله: وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم يقول تعالى ذكره: وتجاهدون في دين الله، وطريقه الذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم يقول: إيمانكم بالله ورسوله، وجهادكم في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم خير لكم من تضييع ذلك والتفريط إن كنتم تعلمون مضار الاشياء ومنافعها. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: آمنوا بالله على وجه الامر، وبينت التجارة من قوله: هل أدلكم على تجارة تنجيكم وفسرت بقوله: توءمنون بالله ولم يقل: أن تؤمنوا، لان العرب إذا فسرت الاسم بفعل تثبت في تفسيره أن أحيانا، وتطرحها أحيانا، فتقول للرجل: هل لك في خير تقوم بنا إلى فلان فنعوده ؟ هل لك في خير أن تقوم إلى فلان فنعوده ؟، بأن وبطرحها. ومما جاء في الوجهين على الوجهين جميعا قوله: فلينظر الانسان إلى طعامه أنا وإنا فالفتح في أنا لغة من أدخل في يقوم أن من قولهم: هل لك في خير أن تقوم، والكسر فيها لغة من يلقي أن من تقوم ومنه قوله: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وإنا دمرناهم، على ما بينا.
[ 114 ]
26392 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم... الآية، فلولا أن الله بينها، ودل عليها المؤمنين، لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها، حتى يضنوا بها وقد دلكم الله عليها، وأعلمكم إياها فقال: توءمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. 26393 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم توءمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله قال: الحمد لله الذي بينها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) *. يقول تعالى ذكره: يستر عليكم ربكم ذنوبكم إذا أنتم فعلتم ذلك فيصفح عنكم ويعفو ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يقول: ويدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار ومساكن طيبة يقول: ويدخلكم أيضا مساكن طيبة في جنات عدن يعني في بساتين إقامة، لا ظعن عنها. وقوله ذلك الفوز العظيم يقول: ذلك النجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ئ يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) *. اختلف أهل العربية فيما نعتت به قوله وأخرى فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: وتجارة أخرى، فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفض عطفا به على
[ 115 ]
قوله: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وقد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هي في موضع رفع. أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة، ثم قال: نصر من الله مفسرا للاخرى. والصواب من القول في ذلك عندي القول الثاني، وهو أنه معني به: ولكم أخرى تحبونها، لان قوله نصر من الله وفتح قريب مبين عن أن قوله وأخرى في موضع رفع، ولو كان جاء ذلك خفضا حسن أن يجعل قوله وأخرى عطفا على قوله تجارة، فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرئ ذلك خفضا، وعلى خلة أخرى تحبونها، فمعنى الكلام إذا كان الامر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار، ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله لكم على أعدائكم، وفتح قريب يعجله لكم. وبشر المؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدوهم، وفتح عاجل لهم. وقوله: يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: كونوا أنصارا لله بتنوين الانصار. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بإضافة الانصار إلى الله. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، ومعنى الكلام: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، كونوا أنصار الله، كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: من أنصاري إلى الله، يعني من أنصاري منكم إلى نصرة الله لي. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 26394 - حدثني به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله قال: قد كانت لله أنصار من هذه الامة تجاهد على كتابه وحقه. وذكر لنا أنه بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلا من الانصار، ذكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يسلموا. وذكر لنا أن رجلا قال: يا نبي الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم قالوا: فإذا
[ 116 ]
فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله ؟ قال: لكم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة، ففعلوا، ففعل الله. 26395 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال: قد كان ذلك بحمد الله، جاءه سبعون رجلا، فبايعوه عند العقبة، فنصروه وآووه حتى أظهر الله دينه قالوا: ولم يسم حي من السماء اسما لم يكن لهم قبل ذلك غيرهم. 26396 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: إن الحواريين كلهم من قريش: أبو بكر، وعمر، وعلي، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدة، وعثمان بن مظعون، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام. 26397 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: من أنصاري إلى الله قال: من يتبعني إلى الله. 26398 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس عن الحواريين، قال: سموا لبياض ثيابهم كانوا صيادي السمك. 26399 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الحواريون: هم الغسالون بالنبطية يقال للغسال: حوارى، وقد تقدم بياننا في معنى الحوارى بشواهده واختلاف المختلفين فيه قبل فيما مضى، فأغنى عن إعادته. وقوله: قال الحواريون نحن أنصار الله يقول: قالوا: نحن أنصار الله على ما بعث به أنبياءه من الحق. وقوله: فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة يقول جل
[ 117 ]
ثناؤه: فآمنت طائفة من بني إسرائيل بعيسى، وكفرت طائفة منهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26400 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ا بن عباس، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلا من عين في البيت ورأسه يقطر ماء قال: فقال: إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي قال: ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي ؟ قال: فقام شاب من أحدثهم سنا، قال: فقال أنا، فقال له: اجلس ثم أعاد عليهم، فقام الشاب، فقال أنا قال: نعم أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال: وجاء الطلب من اليهود، وأخذوا شبهه. فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتفرقوا ثلاث فرق، فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله، ثم رفعه إليه، وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة. كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الطائفتان الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الاسلام طامسا حتى بعث الله محمدا (ص)، فآمنت طائفة من بني إسرائيل، وكفرت طائفة، يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم، فأصبحوا ظاهرين في إظهار محمد على دينهم دين الكفار، فأصبحوا ظاهرين. وقوله: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم يقول: فقوينا الذين آمنوا من الطائفتين من بني إسرائيل على عدوهم، الذي كفروا منهم بمحمد (ص) لتصديقه إياهم، أن عيسى عبد الله ورسوله، وتكذيبه من قال هو إله، ومن قال: هو ابن الله تعالى ذكره، فأصبحوا ظاهرين، فأصبحت الطائفة المؤمنون ظاهرين على عدوهم الكافرين منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 118 ]
26401 - حدثني محمد بن عبد الله الهلالي، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم قال: قوينا. 26402 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، عن إبراهيم فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة قال: لما بعث الله محمدا، ونزل تصديق من آمن بعيسى، أصبحت حجة من آمن به ظاهرة. 26403 - قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، عن إبراهيم، في قوله فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين قال: أيدوا بمحمد (ص)، فصدقهم، وأخبر بحجتهم. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: فأصبحوا ظاهرين قال: أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد (ص) كلمة الله وروحه. 26404 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فأصبحوا ظاهرين من آمن مع عيسى (ص).
[ 119 ]
(62) سورة الجمعة مدنية وآياتها إحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يسبح لله ما في السماوات وما في الارض الملك القدوس العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: يسبح لله كل ما في السموات السبع، وكل ما في الارضين من خلقه، ويعظمه طوعا وكرها الملك القدوس الذي له ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما، النافذ أمره في السموات والارض وما فيهما، القدوس: وهو الطاهر من كل ما يضيف إليه المشركون به، ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك العزيز يعني الشديد في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي بعث في الاميين رسولا منهم، فقوله هو كناية من اسم الله، والاميون: هم العرب. وقد بينا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للامي أمي. وبنحو الذي قلنا في الاميين في هذا الموضع قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26405 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم قال: العرب. 26406 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوري
[ 120 ]
يحدث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته: العرب. 26407 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم قال كان هذا الحي من العرب أمة أمية، ليس فيها كتاب يقرؤونه، فبعث الله نبيه محمد (ص) رحمة وهدى يهديهم به. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم قال: كانت هذه الامة امية لا يقرؤون كتابا. 26408 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم قال: إنما سميت أمة محمد (ص) الاميين، لانه لم ينزل عليهم كتابا. وقال جل ثناؤه رسولا منهم يعني من الاميين وإنما قال منهم، لان محمدا (ص) كان أميا، وظهر من العرب. وقوله: يتلو عليهم آياته يقول جل ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الاميين آيات الله التي أنزلها عليه ويزكيهم يقول: ويطهرهم من دنس الكفر. وقوله: ويعلمهم الكتاب يقول: ويعلمهم كتاب الله، وما فيه من أمر الله ونهيه، وشرائع دينه والحكمة يعني بالحكمة: السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26409 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويعلمهم الكتاب والحكمة أي السنة. 26410 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والاعمال الصالحة، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالاولين، وقرأ قول الله عز وجل: والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان ممن بقي من أهل الاسلام إلى أن تقوم الساعة، قال: وقد جعل الله فيهم سابقين، وقرأ قول الله عز
[ 121 ]
وجل: والسابقون أولئك المقربون، وقال: ثلة من الاولين وقليل من الآخرين فثلة من الاولين سابقون، وقليل السابقون من الآخرين، وقرأ: وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين... حتى بلغ ثلة من الاولين، وثلة من الآخرين أيضا، قال: والسابقون من الاولين أكثروهم من الآخرين قليل، وقرأ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان... الآية، قال: هؤلاء من أهل الاسلام إلى أن تقوم الساعة. وقوله: وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين يقول تعالى ذكره: وقد كان هؤلاء الاميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولا منهم في جور عن قصد السبيل، وأخذ على غير هدى مبين يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وجور عن الحق وطريق الرشد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ئ ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *. يقول تعالى ذكره: وهو الذي بعث في الاميين رسولا منهم، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم فاخرون في موضع خفض عطفا على الاميين. وقد اختلف في الذين عنوا بقوله: وآخرين منهم، فقال بعضهم: عني بذلك العجم. ذكر من قال ذلك: 26411 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: هم الاعاجم. * - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن طلحة، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: هم الاعاجم.
[ 122 ]
* - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: الاعاجم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: الاعاجم. * - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوري لا أعلمه إلا عن مجاهد: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: العجم. 26412 - حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا هشام بن يوسف، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص، عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر، أنه قال: له: أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذاب، ثم قرأ: يسبح لله ما في السموات وما في الارض. حتى بلغ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: فأنتم هم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: الاعاجم. 26413 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا عبد العزيز وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال، جميعا عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا عند النبي (ص)، فنزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله ؟ قال: فلم يراجعه النبي (ص) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسي، فوضع النبي (ص) يده على سلمان فقال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. * - حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: ثنا سليمان بن بلال المدني، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا عند رسول الله (ص)، فذكر نحوه.
[ 123 ]
وقال آخرون: إنما عني بذلك جميع من دخل في الاسلام من بعد النبي (ص) كائنا من كان إلى يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 26414 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: من ردف الاسلام من الناس كلهم. 26415 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال: هؤلاء كل من كان بعد النبي (ص) إلى يوم القيامة، كل من دخل في الاسلام من العرب والعجم. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: غني بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي (ص) في إسلامهم من أي الاجناس لان الله عز وجل عم بقوله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم كل لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع، فكل لاحق بهم فهو من الآخرين الذي لم يكونوا في عداد الاولين الذين كان رسول الله (ص) يتلو عليهم آيات الله وقوله: لما يلحقوا بهم يقول: لم يجيئوا بعد وسيجيئون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26416 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لما يلحقوا بهم يقول: لم يأتوا بعد. وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول: والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم، الحكيم في تدبيره خلقه. وقوله: ذلك فضل الله يوءتيه من يشاء يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الاميين من العرب، وفي آخرين رسولا منهم يتلو عليهم آياته، ويفعل سائر ما وصف، فضل الله، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم يؤتيه من يشاء يقول: يؤتي فضله ذلك من يشاء من خلقه، لا يستحق الذم ممن حرمه الله إياه، لانه لم يمنعه حقا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره، ولكنه علم من هو له أهل، فأودعه إياه، وجلعه عنده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26417 - حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن
[ 124 ]
شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ذلك فضل الله يوءتيه من يشاء قال: الفضل: الدين والله ذو الفضل العظيم يقول: الله ذو الفضل على عباده، المحسن منهم والمسيئ، والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم، العظيم الذي يقل فضل كل ذي فضل عنده. القول في تأويل قوله تعالى: * (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فحملوا العمل بها ثم لم يحملوها يقول: ثم لم يعملوا بما فيها، وكذبوا بمحمد (ص)، وقد أمروا بالايمان به فيها واتباعه والتصديق به كمثل الحمار يحمل أسفارا يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد (ص) مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا فيها علم، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26418 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، في قوله: يحمل أسفارا قال: يحمل كتبا لا يدري ما فيها، ولا يعقلها. 26419 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا قال: يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه، ولا ماذا فيه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله كمثل الحمار يحمل أسفارا قال: كمثل الحمار الذي يحمل كتبا، لا يدري ما على ظهره. 26420 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كمثل الحمار يحمل أسفارا كتبا، والكتاب بالنبطية يسمى سفرا ضرب الله هذا مثلا للذين أعطوا التوراة ثم كفروا.
[ 125 ]
26421 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا والاسفار: الكتب، فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل، لا يدري ما فيه، ثم قال: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله... الآية. 26422 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: كمثل الحمار يحمل أسفارا قال: الاسفار: التوراة التي يحملها الحمار على ظهره، كما تحمل المصاحف على الدواب، كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه، قال: فلا ينتفع الحمار بها حين يحملها على ظهره، كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعلموا بها وقد أوتوها، كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره. 26423 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس في قوله كمثل الحمار يحمل أسفارا يقول: كتبا. والاسفار: جمع سفر، وهي الكتاب العظام. وقوله: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله يقول: بئس هذا المثل، مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، يعني بأدلته وحججه والله لا يهدي القوم الظالمين يقول تعالى ذكره: والله لا يوفق القوم الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بآيات ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لليهود: يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس سواكم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في قيلكم، إنكم أولياء لله من دون الناس، فإن الله لا يعذب أولياءه، بل يكرمهم وينعمهم، وإن كنتم محقين فيما تقولون فتمنوا الموت لتستريحوا من كرب الدنيا وهمومها وغمومها، وتصيروا إلى روح الجنان ونعيمها بالموت. 26424 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 126 ]
قل يا أيها الذين هادوا قل يا أيها الذين تابوا: لليهود، قال موسى: إنا هدنا إليك: إنا تبنا إليك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولا يتمنونه أبدا يقول: ولا يتمنى اليهود الموت أبدا بما قدمت أيديهم يعني: بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الآثام، واجترحوا من السيئات والله عليم بالظالمين يقول: والله ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه، فأوبقها بكفره بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لليهود إن الموت الذي تفرون منه فتكرهونه، وتأبون أن تتمنوه فإنه ملاقيكم ونازل بكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ثم يردكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة، عالم غيب السموات والارض والشهادة: يعني وما شهد فظهر لرأي العين، ولم يغب عن أبصار الناظرين. 26425 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فقال: إن الله أذل ابن آدم بالموت لا أعلمه إلا رفعه. فينبئكم بما كنتم تعملون يقول: فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الاعمال، سيئها وحسنها، لانه محيط بجميعها، ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه، والمسئ بما هو أهله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *.
[ 127 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة وذلك هو النداء، ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الامام على المنبر للخطبة ومعنى الكلام: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله يقول: فامضوا إلى ذكر الله، واعملوا له وأصل السعي في هذا الموضع العمل، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26426 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، في قول الله: فاسعوا إلى ذكر الله قال: فاسعوا في العمل، وليس السعي في المشي. 26427 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله والسعي يا بن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها. 26428 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، قال: أخبرني مغيرة، عن إبراهيم أنه قيل لعمر رضي الله عنه: إن أبيا يقرؤها: فاسعوا قال: أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي فامضوا. 26429 - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا حنظلة، عن سالم بن عبد الله، قال: كان عمر رضي الله عنه يقرؤها: فامضوا إلى ذكر الله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حنظلة، عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قرأها: فامضوا. * - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، أنه سمع سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله. * - قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر، أن عبد الله قال: لقد توفى الله عمر رضي الله عنه، وما يقرأ هذه
[ 128 ]
الآية التي ذكر الله فيها الجمعة: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلا فامضوا إلى ذكر الله. 26430 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يقرؤها: فامضوا إلى ذكر الله ويقول: لو قرأتها فاسعوا، لسعيت حتى يسقط ردائي. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي، قال: ولكنها: فامضوا إلى ذكر الله قال: هكذا كان يقرؤها. 26431 - حدثني علي بن الحسين الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان الازدي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية أنه كان يقرؤها: فامضوا إلى ذكر الله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، أنه قرأها: فامضوا إلى ذكر الله. 26432 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: هي للاحرار. 26433 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور عن رجل، عن مسروق، قال: عند الوقت. 26434 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن رجل، عن مسروق إذا نودي للصلاة قال: عند الوقت. 26435 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: هو عند العزمة عند الخطبة، عند الذكر. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال: النداء عند الذكر عزيمة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة.
[ 129 ]
* - قال: ثنا مهران، عن سفيان عن المغيرة والاعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، قال: لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي، وكان يقرؤها: فامضوا إلى ذكر الله. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود قال: قرأها فامضوا. 26436 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي حيان، عن عكرمة فاسعوا إلى ذكر الله قال: السعي: العمل. 26437 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله قال: إذا سمعتم الداعي الاول، فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا قال: ولم يكن في زمان النبي (ص) أذان إلا أذانان: أذان حين يجلس على المنبر، وأذان حين تقام الصلاة قال: وهذا الآخر شئ أحدثه الناس بعد قال: لا يحل له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الامام إذا قعد على المنبر وقرأ فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع قال: ولم يأمرهم يذرون شيئا غيره، حرم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة، قال: والسعي أن يسرع إليها، أن يقبل إليها. 26438 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: إن في حرف ابن مسعود إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله. 26439 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فاسعوا إلى ذكر الله السعي: هو العمل، قال الله: إن سعيكم لشتى. وقوله: وذروا البيع يقول: ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة. وكان الضحاك يقول في ذلك ما: 26440 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك، قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء.
[ 130 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء. 26441 - حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السدي، عن أبي مالك، قال: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة، ولا يقومون، فنزلت: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة. وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين، فإنه موعظة الامام في خطبته فيما قيل. ذكر من قال ذلك: 26442 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة. 26443 - حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي، قال: ثنا عبد ان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة، عن موسى بن أبي كثير، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله قال: فهي موعظة الامام فإذا قضيت الصلاة بعد. وقوله: ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يقول: سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر الله، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارها. واختلفت القراء في قراءة قوله: من يوم الجمعة فقرأت ذلك عامة قراء الامصار: الجمعة بضم الميم والجيم، خلا الاعمش فإنه قرأها بتخفيف الميم. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار لاجماع الحجة من القراء عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) *.
[ 131 ]
يقول تعالى ذكره: فإذا قضيت صلاة الجمعة يوم الجمعة، فانتشروا في الارض إن شئتم، ذلك رخصة من الله لكم في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26444 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن مجاهد أنه قال: هي رخصة، يعني قوله: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض. 26445 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض قال: هذا إذن من الله، فمن شاء خرج، ومن شاء جلس. 26446 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أذن الله لهم إذا فرغوا من الصلاة، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله فقد أحللته لكم. وقوله: وابتغوا من فضل الله. ذكر عن النبي (ص) في تأويل ذلك ما: 26447 - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا علي بن المعافى بن يعقوب الموصلي، قال: ثنا أبو عامر الصائغ من الموصل، عن أبي خلف، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص) في قوله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله قال: ليس لطلب دنيا، ولكن عيادة مريض، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله. وقد يحتمل قوله: وابتغوا من فضل الله أن يكون معنيا به: والتمسوا من فضل الله الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم. وقوله: واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون يقول: واذكروا الله بالحمد له، والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لاداء فرائضه، لتفلحوا، فتدركوا طلباتكم عند ربكم، وتصلوا إلى الخلد في جناته. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) *.
[ 132 ]
يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا انفضوا إليها يعني أسرعوا إلى التجارة وتركوك قائما يقول للنبي (ص): وتركوك يا محمد قائما على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفض القوم إليها، وتركوا النبي (ص) قائما كانت زيتا قدم به دحية بن خليفة من الشام. ذكر من قال ذلك: 26448 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السدي، عن أبي مالك، قال: قدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام، والنبي (ص) يخطب يوم الجمعة، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه، قال: فنزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما. 26449 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن قرة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال: جاء دحية الكلبي بتجارة والنبي (ص) قائم في الصلاة يوم الجمعة، فتركوا النبي (ص) وخرجوا إليه، فنزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما حتى ختم السورة. 26450 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله (ص) في الجمعة، فمرت عير تحمل الطعام، قال: فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا، فنزلت آية الجمعة. 26451 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن: إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر، فقدمت عير والنبي (ص) يخطب يوم الجمعة، فسمعوا بها، فخرجوا والنبي (ص) قائم، كما قال الله عز وجل. 26452 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قال: جاءت تجارة فانصرفوا إليها، وتركوا النبي (ص) قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين. 26453 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 133 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة. 26454 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: بينما رسول الله (ص) يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم ؟ فعدوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة، فقال: كم أنتم، فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال كم أنتم ؟ فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة، فقال: والذي نفسي بيده لو اتبع آخركم أولكم لالتهب عليكم الوادي نارا وأنزل الله عز وجل: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله انفضوا إليها وتركوك قائما قال: لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب عليهم الوادي نارا. * - قال: ثنا ابن ثور، قال معمر، قال قتادة: لم يبق مع النبي (ص) يومئذ إلا اثنا عشر رجلا وامرأة معهم. * - حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن سالم وأبي سفيان، عن جابر، في قوله وتركوك قائما قال: قدمت عير فانفضوا إليها، ولم يبق مع النبي (ص) إلا اثنا عشر رجلا. * - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا جرير، عن حصين، عن سالم، عن جابر أن النبي (ص) كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، قال: فنزلت هذه الآية في الجمعة وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما.
[ 134 ]
وأما اللهو، فإنه اختلف من أي أجناس اللهو كان، فقال بعضهم: كان كبرا ومزامير. ذكر من قال ذلك: 26455 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا يحيى بن صالح، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكبر والمزامير ويتركون النبي (ص) قائما على المنبر، وينفضون إليها، فأنزل الله وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها. وقال آخرون: كان طبلا. ذكر من قال ذلك: 26456 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: اللهو: الطبل. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الاشيب، قال: ثنا ورقاء، قال: ذكر عبد الله بن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكير، عن مجاهد أن اللهو: هو الطبل. والذي هو أولى بالصواب في ذلك الخبر الذي رويناه عن جابر، لانه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم. وقوله: قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل لهم يا محمد الذي عند الله من الثواب، لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله (ص) وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله (ص) منها، خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضون إليها والله خير الرازقين يقول: والله خير رازق، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم، وإياه فأسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره. آخر تفسير سورة الجمعة
[ 135 ]
(63) سورة المنافقون مدنية وآياتها إحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إذا جاءك المنافقون يا محمد قالوا بألسنتهم نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله قال المنافقون ذلك أو لم يقولوا والله يشهد إن المنافقين لكاذبون يقول: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله، وذلك أنها لا تعتقد ذلك ولا تؤمن به، فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك. وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إنما كذب ضميرهم لانهم أضمروا النفاق، فكما لم يقبل إيمانهم، وقد أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين، لانهم أضمروا غير ما أظهروا. القول في تأويل قوله تعالى: * (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: اتخذ المنافقون أيمانهم جنة، وهي حلفهم، كما: 26457 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة اتخذوا أيمانهم جنة: أي حلفهم جنة.
[ 136 ]
26458 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: اتخذوا أيمانهم جنة قال: يجيئون بها، قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا. 26459 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: اتخذوا أيمانهم جنة يقول: حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة. وقوله: جنة: سترة يسترون بها كما يستر المستجن بجنته في حرب وقتال، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم، ويدفعون بها عنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26460 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة جنة ليعصموا بها دماءهم وأموالهم. وقوله: فصدوا عن سبيل الله يقول: فأعرضوا عن دين الله الذي بعث به نبيه (ص) وشريعته التي شرعها لخلقه إنهم ساء ما كانوا يعملون يقول: إن هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جنة، لكذبهم ونفاقهم، وغير ذلك من أمورهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) *. يقول تعالى ذكره: إنهم ساء ما كانوا يعملون هؤلاء المنافقون الذين اتخذوا أيمانهم جنة من أجل أنهم صدقوا الله ورسوله، ثم كفروا بشكهم في ذلك وتكذيبهم به. وقوله: فطبع على قلوبهم يقول: فجعل الله على قلوبهم ختما بالكفر عن الايمان وقد بينا في موضع غير هذا صفة الطبع على القلب بشواهدها، وأقوال أهل العلم، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: فهم لا يفقهون يقول تعالى ذكره: فهم لا يفقهون صوابا من خطأ، وحقا من باطل لطبع الله على قلوبهم. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 26461 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون أقروا بلا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (ص)، وقلوبهم منكرة تأبى ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 137 ]
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) *. يقول جل ذكره لنبيه محمد (ص): وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها وإن يقولوا تسمع لقولهم يقول جل ثناؤه: وإن يتكلموا تسمع كلامهم يشبه منطقهم منطق الناس كأنهم خشب مسندة يقول كأن هؤلاء المنافقين خشب مسندة لا خير عندهم ولا فقه لهم ولا علم، وإنما هم صور بلا أحلام، وأشباح بلا عقول. وقوله: يحسبون كل صيحة عليهم يقول جل ثناؤه: يحسب هؤلاء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم، وقلة يقينهم كل صيحة عليهم، لانهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم ويفضحهم، ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم، وأخذ أموالهم، فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله، ظنوا أنه نزل بهلاكهم وعطبهم. يقول الله جل ثناؤه لنبيه (ص): هم العدو يا محمد فاحذرهم، فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهم عين لاعدائكم عليكم. وقوله: قاتلهم الله أنى يوءفكون يقول: أخزاهم الله إلى أي وجه يصرفون عن الحق. 26462 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسمعته يقول في قول الله: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم... الآية، قال: هؤلاء المنافقون. واختلفت القراء في قراءة قوله: كأنهم خشب مسندة فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة خلا الاعمش والكسائي: خشب بضم الخاء والشين، كأنهم وجهوا ذلك إلى جمع الجمع، جمعوا الخشبة خشابا ثم جمعوا الخشاب خشبا، كما جمعت الثمرة ثمارا، ثم ثمرا. وقد يجوز أن يكون الخشب بضم الخاء والشين إلى أنها جمع خشبة، فتضم الشين منها مرة وتسكن أخرى، كما جمعوا الاكمة أكما وأكما بضم الالف والكاف مرة، وتسكين الكاف منها مرة، وكما قيل: البدن والبدن، بضم الدال وتسكينها لجمع البدنة، وقرأ ذلك الاعمش والكسائي: خشب بضم الخاء وسكون الشين. وللصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان فصيحتان، وبأيتهما
[ 138 ]
قرأ القارئ فمصيب وتسكين الاوسط فيما جاء من جمع فعلة على فعل في الاسماء على ألسن العرب أكثرو ذلك كجمعهم البدنة بدنا، والاجمة أجما. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون. يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم لووا رؤوسهم، يقول: حركوها وهزوها استهزاء برسول الله (ص) وباستغفاره وبتشديدها الواو من لووا قرأت القراء على وجه الخبر عنهم أنهم كرروا هز رؤوسهم وتحريكها، وأكثروا، إلا نافعا فإنه قرأ ذلك بتخفيف الواو: لووا على وجه أنهم فعلوا ذلك مرة واحدة. والصواب من القول في ذلك قراءة من شدد الواو لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون يقول تعالى ذكره: ورأيتهم يعرضون عما دعوا إليه وجوههم وهم مستكبرون يقول: وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول الله (ص) ليستغفر لهم وإنما عني بهذه الآيات كلها فيما ذكر عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك أنه قال لاصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول الله (ص)، فدعاه رسول الله (ص)، فسأله عما أخبر به عنه، فحلف أنه ما قاله، وقيل له: لو أتيت رسول الله (ص)، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحركه استهزاء، ويعني ذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه، فأنزل الله عز وجل فيه هذه السورة من أولها إلى آخرها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاءت الاخبار. ذكر الرواية التي جاءت بذلك: 26463 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لاصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله (ص)، فأرسل إلي، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله عليا رضي الله عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذبني رسول الله (ص) وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط فدخلت البيت،
[ 139 ]
فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله (ص) ومقتك، قال: حتى أنزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون قال: فبعث إلي رسول الله (ص)، فقرأها، ثم قال: إن الله عز وجل قد صدقك يا زيد. 26464 - حدثنا أبو كريب والقاسم بن بشر بن معروف، قال: ثنا يحيى بن بكير، قال: ثنا شعبة، قال الحكم: أخبرني، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي قال: سمعت زيد بن أرقم قال: لما قال عبد الله بن أبي ابن سلول ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة قال: سمعته فأتيت رسول الله (ص)، فذكرت ذلك، فلامني ناس من الانصار، قال: وجاء هو، فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت قال: فأتاني رسول الله (ص) أو بلغني، فأتيت النبي (ص)، فقال: إن الله تبارك وتعالى قد صدقك وعذرك قال: فنزلت الآية هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله... الآية. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هاشم أبو النضر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: سمعت زيد بن أرقم يحدث بهذا الحديث. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن محمد بن كعب القرظي، عن زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله (ص) في غزوة، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قال: فأتيت النبي (ص) فأخبرته، فحلف عبد الله بن أبي انه لم يكن شئ من ذلك، قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا، قال: فانطلقت فنمت كئيبا أو حزينا، قال: فأرسل إلي نبي الله (ص)، أو أتيت رسول الله (ص)، فقال: إن الله قد أنزل عذرك وصدقك، قال: ونزلت هذه الآية: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا... حتى بلغ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل. 26465 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: أخبرني ابن عون، عن
[ 140 ]
محمد، قال: سمعها زيد بن أرقم فرفعها إلى وليه، قال: فرفعها وليه إلى النبي (ص)، قال: فقيل لزيد: وفت أذنك. 26466 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال: ثني أبي، قال: ثني بشير بن مسلم أنه قيل لعبد الله بن أبي ابن سلول: يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد، فأذهب إلى رسول الله (ص) يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: أمرتموني أن أو من فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد. 26467 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا... الآية كلها قرأها إلى الفاسقين أنزلت في عبد الله بن أبي، وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله (ص) فحدثه بحديث عنه وأمر شديد، فدعاه رسول الله (ص)، فإذا هو يحلف وبتبرأ من ذلك، وأقبلت الانصار على ذلك الغلام، فلاموه وعذلوه وقيل لعبد الله: لو أتيت رسول الله (ص)، فجعل يلوي رأسه: أي لست فاعلا، وكذب علي، فأنزل الله ما تسمعون. 26468 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم قال: عبد الله بن أبي، قيل له: تعال ليستغفر لك رسول الله (ص)، فلوى رأسه وقال: ماذا قلت ؟. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال له قومه: لو أتيت النبي (ص) فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (سوآء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفسقين.
[ 141 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): سواء يا محمد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله أستغفرت لهم ذنوبهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم يقول: لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم، بل يعاقبهم عليها إن الله لا يهدي القوم الفاسقين يقول: إن الله لا يوفق للايمان القوم الكاذبين عليه، الكافرين به، الخارجين عن طاعته. وقد: 26469 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم قال: نزلت هذه الآية بعد الآية التي في سورة التوبة إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فقال رسول الله (ص): زيادة على سبعين مرة، فأنزل الله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يفقهون) *. يقول تعالى ذكره هم الذين يقولون يعني الذين يقولون لاصحابهم لا تنفقوا على من عند رسول الله من أصحابه المهاجرين حتى ينفضوا يقول: حتى يتفرقوا عنه. وقوله: ولله خزائن السموات والارض يقول: ولله جميع ما في السموات والارض من شئ وبيده مفاتيح خزائن ذلك، لا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلا بمشيته ولكن المنافقين لا يفقهون أن ذلك كذلك، فلذلك يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله (ص) حتى ينفضوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26470 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا قال: لا تطعموا محمد وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة، فيتركوا نبيهم. 26471 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا قرأها إلى آخر الآية، وهذا قول عبد الله بن
[ 142 ]
أبي لاصحابه المنافقين لا تنفقوا على محمد وأصحابه حتى يدعوه، فإنكم لولا أنكم تنفقون عليهم لتركوه وأجلوا عنه. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا إن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لاصحابه، لا تنفقوا على من عند رسول الله، فأنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا. 26472 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا يعني الرفد والمعونة، وليس يعني الزكاة المفروضة والذين قالوا هذا هم المنافقون. 26473 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا الاعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن أرقم، قال: لما قال ابن أبي ما قال، أخبرت النبي (ص)، فجاء فحلف، فجعل الناس يقولون لي تأتي رسول الله (ص) بالكذب ؟ حتى جلست في البيت مخافة إذا رأوني قالوا: هذا الذي يكذب، حتى أنزل: هم الذين يقولون. القول في تأويل قوله تعالى: * (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم قبل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فيها، ويعني بالاعز: الاشد والاقوى، قال الله جل ثناؤه: ولله العزة يعني: الشدة والقوة ولرسوله وللمؤمنين بالله ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك. وذكر أن سبب قيل ذلك عبد الله بن أبي كان من أجل أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الانصار. ذكر من قال ذلك: 26474 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا زمعة، عن عمرو، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: إن الانصار كانوا أكثر من المهاجرين، ثم إن المهاجرين كثروا فخرجوا في غزوة لهم، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الانصار،
[ 143 ]
قال: فكان بينهما قتال إلى أن صرخ: يا معشر الانصار، وصرخ المهاجر: يا معشر المهاجرين قال: فبلغ ذلك النبي (ص)، فقال: ما لكم ولدعوة الجاهلية ؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الانصار، قال: فقال رسول الله (ص): دعوها فإنها منتنة، قال: فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فقال عمر: يا رسول الله دعني فأقتله، قال: فقال رسول الله (ص): لا يتحدث الناس أن رسول الله يقتل أصحابه. 26475 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يقولون لئن رجعنا إلى المدينة... إلى ولله العزة ولرسوله قال: قال ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول الانصاري رأس المنافقين، وناس معه من المنافقين. 26476 - حدثني أحمد بن منصور الرمادي قال: ثنا إبراهيم بن الحكم قال: ثني أبي عن عكرمة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول كان يقال له حباب، فسماه رسول الله (ص) عبد الله، فقال: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله، فذرني حتى أقتله، فقال له رسول الله (ص): لا تقتل أباك عبد الله، ثم جاء أيضا فقال: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله، فذرني حتى أقتله، فقال له رسول الله (ص): لا تقتل أباك، فقال: يا رسول الله فتوضأ حتى أسقيه من وضوئك لعل قلبه أن يلين، فتوضأ رسول الله (ص) فأعطاه، فذهب به إلى أبيه فسقاه، ثم قال له: هل تدري ما سقيتك ؟ فقال له والده نعم، سقيتني بول أمك، فقال له ابنه: لا والله، ولكن سقيتك وضوء رسول الله (ص) قال عكرمة: وكان عبد الله بن أبي عظيم الشأن فيهم. وفيهم أنزلت هذه الآية في المنافقين: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قال: فلما بلغوا المدينة، مدينة الرسول (ص) ومن معه، أخذ ابنه السيف، ثم قال لوالده: أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فوالله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله (ص).
[ 144 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الانصار برجله وذلك في أهل اليمن شديد فنادى المهاجري يا للمهاجرين، ونادى الانصاري يا للانصار قال: والمهاجرون يومئذ أكثر من الانصار، فقال النبي (ص): دعوها فإنها منتنة، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل. 26477 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا علي بن سليمان، قال: ثنا أبو إسحاق، أن زيد بن أرقم، أخبره أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قال: فحدثني زيد أنه أخبر رسول الله (ص) بقول عبد الله بن أبي، قال: فجاء فحلف عبد الله بن أبي لرسول الله (ص) ما قال ذلك قال أبو إسحاق: فقال لي زيد، فجلست في بيتي، حتى أنزله الله تصديق زيد، وتكذيب عبد الله في إذا جاءك المنافقون. 26478 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قرأ الآية كلها إلى لا يعلمون قال: قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا، أحدهما غفاري، والآخر جهني، فظهر الغفاري على الجهني، وكان بين جهينة والانصار حلف، فقال رجل من المنافقين وهو ابن أبي: يا بني الاوس، يا بني الخزرج، عليكم صاحبكم وحليفكم، ثم قال: والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فسعى بها بعضهم إلى نبي الله (ص)، فقال عمر: يا نبي الله مر معاذ بن جبل أن يضرب عنق هذا المنافق، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. ذكر لنا أنه كان أكثر على رجل من المنافقين عنده، فقال: هل يصلي ؟ فقال: نعم ولا خير في صلاته، فقال: نهيت عن المصلين، نهيت عن المصلين. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: اقتتل رجلان، أحدهما من جهينة، والآخر من غفار، وكانت جهينة حليف الانصار، فظهر عليه
[ 145 ]
الغفاري، فقال رجل منهم عظيم النفاق: عليكم صاحبكم، عليكم صاحبكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وهم في سفر، فجاء رجل ممن سمعه إلى النبي (ص)، فأخبره ذلك، فقال عمر: مر معاذا يضرب عنقه، فقال: والله لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فنزلت فيهم: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله. وقوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل: 26479 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن أن غلاما جاء إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله إني سمعت عبد الله بن أبي يقول كذا وكذا قال: فلعلك غضبت عليه ؟ قال: لا والله لقد سمعته يقوله قال: فلعلك أخطأ سمعك ؟ قال: لا والله يا نبي الله لقد سمعته يقوله قال: فلعله شبه عليك، قال: لا والله، قال: فأنزل الله تصديقا للغلام: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فأخذ النبي (ص) بأذن الغلام، فقال: وفت أذنك، وفت أذنك يا غلام. 26480 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله ليخرجن الاعز منها الاذل قال: كان المنافقون يسمون المهاجرين: الجلابيب وقال: قال ابن أبي: قد أمرتكم في هؤلاء الجلابيب أمري، قال: هذا بين أمج وعسفان على الكديد تنازعوا على الماء، وكان المهاجرون قد غلبوا على الماء قال: وقال ابن أبي أيضا: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل لقد قلت لكم: لا تنفقوا عليهم، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون، ويخرجوا ويهربوا فأتى عمر بن الخطاب إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أبي ؟ قال: وما ذاك ؟ فأخبره وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول الله، قال: إذا ترعد له آنف كثيرة بيثرب قال عمر: فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين، فمر به سعد بن معاذ، ومحمد بن مسلمة فيقتلانه فقال رسول الله (ص): إني أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ادعوا لي عبد الله بن عبد الله بن أبي، فدعاه، فقال: ألا ترى ما يقول أبو ك ؟ قال: وما يقول بأبي أنت وأمي ؟ قال: يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فقال: فقد
[ 146 ]
صدق والله يا رسول الله، أنت والله الاعز وهو الاذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر مني، ولئن كان يرضى الله ورسوله أن آتيهما برأسه لآتينها به، فقال رسول الله (ص): لا فلما قدموا المدينة، قام عبد الله بن عبد الله بن أبي على بابها بالسيف لابيه ثم قال: أنت القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله، والله لا يأويك ظله، ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي يا للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال: والله لا تأويه أبدا إلا بإذن منه فاجتمع إليه رجال فكلموه، فقال: والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله، فأتوا النبي (ص) فأخبروه، فقال: اذهبوا إليه، فقولوا له خله ومسكنه فأتوه، فقال: أما إذا جاء إمر النبي (ص) فنعم. 26481 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة وعلي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر، وعن محمد بن يحيى بن حبان، قال: كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق، قالوا: بلغ رسول الله (ص) أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي (ص) فلما سمع بهم رسول الله (ص)، خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس فاقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله (ص) أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم الله عليه، وقد أصيب رجل من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ، فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد، يقود له فرسه، فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الانصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، غلام حديث السن، فقال: قد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ثم أقبل على من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم
[ 147 ]
بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله (ص)، وذلك عند فراغ رسول الله (ص) من غزوه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن قيس فليقتله، فقال رسول الله (ص): فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لا، ولكن أذن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله (ص) يرتحل فيها، فارتحل الناس، وقد مشى عبد الله بن أبي إلى رسول الله (ص) حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفا عظيما، فقال من حضر رسول الله (ص) من أصحابه من الانصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبا على عبد الله بن أبي، ودفعا عنه فلما استقل رسول الله (ص)، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال له رسول الله (ص) أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال: فأي صاحب يا رسول الله ؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: وما قال ؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الاعز منها الاذل قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا. ثم مشى رسول الله (ص) بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يكن إلا أن وجدوا مس الارض وقعوا نياما، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالامس من حديث عبد الله بن أبي. ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع، يقال له نقعاء فلما راح رسول الله (ص) هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها، فقال رسول الله (ص): لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود، وكهفا للمنافقين قد مات ذلك اليوم، فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أبي ابن سلول، ومن كان معه على مثل أمره، فقال: إذا جاءك المنافقون فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله (ص) بأذن زيد فقال: هذا الذي أوفى الله بأذنه، وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أبيه.
[ 148 ]
26482 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا، فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيره فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار فقال رسول الله (ص): بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا، وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه ويتوعدونه، فقال رسول الله (ص) لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم أمرتني بقتله لارعدت له آنف، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته قال: فقال عمر: قد والله علمت لامر رسول الله (ص) أعظم بركة من أمري. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تلهكم أموالكم يقول: لا توجب لكم أموالكم ولا أولادكم اللهو عن ذكر الله وهو من ألهيته عن كذا وكذا، فلها هو يلهو لهوا ومنه قول امرئ القيس: ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول وقيل: عني بذكر الله جل ثناؤه في هذا الموضع: الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك: 26483 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك يا آيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله قال: الصلوات الخمس.
[ 149 ]
وقوله: ومن يفعل ذلك يقول: ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر الله فأولئك هم الخاسرون يقول: هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته تبارك وتعالى. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ئ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) *. يقول تعالى ذكره: وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله من الاموال التي رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول إذا نزل به الموت: يا رب هلا أخرتني فتمهل لي في الاجل إلى أجل قريب. فأصدق يقول: فأزكي مالي وأكن من الصالحين يقول: وأعمل بطاعتك، وأؤدي فرائضك. وقيل: عنى بقوله وأكن من الصالحين وأحج بيتك الحرام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26484 - حدثني يونس وسعيد بن الربيع، قال سعيد، ثنا سفيان، وقال يونس: أخبرنا سفيان، عن أبي جناب عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: ما من أحد يموت ولم يؤد زكاة ماله ولم يحج إلا سأل الكرة، فقالوا: يا أبا عباس لا تزال تأتينا بالشئ لا نعرفه قال: فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله: وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق قال: أؤدي زكاة مالي وأكن من الصالحين قال: أحج. 26485 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن رجل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكي، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها، فقال رجل: أما تتقي الله، يسأل المؤمن الكرة ؟ قال: نعم، أقرأ عليكم قرآنا،
[ 150 ]
فقرأ: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله فقال الرجل: فما الذي يوجب علي الحج، قال: راحلة تحمله، ونفقة تبلغه. 26486 - حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي وفضالة بن الفضل، قال عباد: أخبرنا يزيد أبو حازم مولى الضحاك. وقال فضالة: ثنا بزيع عن الضحاك بن مزاحم في قوله: لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق قال: فأتصدق بزكاة مالي وأكن من الصالحين قال: الحج. 26487 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله إلى آخر السورة: هو الرجل المؤمن نزل به الموت وله مال كثير لم يزكه، ولم يحج منه، ولم يعط منه حق الله يسأل الرجعة عند الموت فيزكي ماله، قال الله: ولن يوءخر الله نفسا إذا جاء أجلها. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله... إلى قوله وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت قال: هو الرجل المؤمن إذا نزل به الموت وله مال لم يزكه ولم يحج منه، ولم يعط حق الله فيه، فيسأل الرجعة عند الموت ليتصدق من ماله ويزكي، قال الله ولن يوءخر الله نفسا إذا جاء أجلها. 26488 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فأصدق وأكن من الصالحين قال: الزكاة والحج. واختلفت القراء في قراءة قوله: وأكن من الصالحين فقرأ ذلك عامة قراء أهل الامصار غير ابن محيصن وأبي عمرو: وأكن، جزما عطفا بها على تأويل قوله فأصدق لو لم تكن فيه الفاء، وذلك أن قوله: فأصدق لو لم تكن فيه الفاء كان جزما. وقرأ ذلك ابن محيصن وأبو عمرو: وأكون بإثبات الواو ونصب وأكون عطفا به على قوله فأصدق فنصب قوله وأكون إذ كان قوله فأصدق نصبا.
[ 151 ]
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ولن يوءخر الله نفسا إذا جاء أجلها يقول: لن يؤخر الله في أجل أحد فيمد له فيه إذا حضر أجله، ولكنه يخترمه والله خبير بما تعملون يقول: والله ذو خبرة وعلم بأعمال عبيده هو بجميعها محيط، لا يخفى عليه شئ، وهو مجازيهم بها، المحسن بإحسانه، والمسيئ بإساءته. آخر تفسير سورة المنافقين
[ 152 ]
(64) سورة التغابن مدنية وآياتها ثماني عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يسبح لله ما في السماوات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير) *. يقول تعالى ذكره: يسجد له ما في السموات السبع وما في الارض من خلقه ويعظمه. وقوله: له الملك يقول تعالى ذكره: له ملك السموات والارض وسلطانه ماض قضاؤه في ذلك نافذ فيه أمره. وقوله: وله الحمد يقول: وله حمد كل ما فيها من خلق، لان جميع من في ذلك من الخلق لا يعرفون الخير إلا منه، وليس لهم رازق سواه فله حمد جميعهم وهو على كل شئ قدير يقول: وهو على كل شئ ذو قدرة، يقول: يخلق ما يشاء، ويميت من يشاء، ويغني من أراد، ويفقر من يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، لا يتعذر عليه شئ أراده، لانه ذو القدرة التامة التي لا يعجزه معها شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي خلقكم أيها الناس، وهو من ذكر اسم الله فمنكم كافر ومنكم مؤمن يقول: فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه ومنكم مؤمن يقول: ومنكم
[ 153 ]
مصدق به موقن أنه خالقه أو بارئه والله بما تعملون بصير يقول: والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها، لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيكم بها، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطو بكم. 26489 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسن بن موسى الاشيب، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا بكر بن سوادة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي ذر: إن المني إذ مكث في الرحم أربعين ليلة، أتى ملك النفوس، فعرج به إلى الجبار في راحته، فقال: أي رب عبد ك هذا ذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض، ثم يقول: أي رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق. قال: وقرأ أبو ذر فاتحة التغابن خمس آيات. القول في تأويل قوله تعالى: * (خلق السماوات والارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير) *. يقول تعالى ذكره: خلق السموات السبع والارض بالعدل والانصاف، وصوركم: يقول: ومثلكم فأحسن مثلكم، وقيل: إنه عني بذلك تصويره آدم، وخلقه إياه بيده. ذكر من قال ذلك: 26490 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس خلق السموات والارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم يعني آدم خلقه بيده. وقوله: وإليه المصير يقول: وإلى الله مرجع جميعكم أيها الناس. القول في تأويل قوله تعالى: * (يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) *. يقول تعالى ذكره: يعلم ربكم أيها الناس ما في السموات السبع والارض من شئ،
[ 154 ]
لا يخفى عليه من ذلك خافية ويعلم ما تسرون أيها الناس بينكم من قول وعمل وما تعلنون من ذلك فتظهرونه والله عليم بذات الصدور يقول جل ثناؤه: والله ذو علم بضمائر صدور عباده، وما تنطوي عليه نفوسهم، الذي هو أخفى من السر، لا يعزب عنه شئ من ذلك. يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا أن تسروا غير الذي تعلنون، أو تضمروا في أنفسكم غير ما تبدونه، فإن ربكم لا يخفى عليه من ذلك شئ، وهو محص جميعه، وحافظ عليكم كله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ئ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) *. يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: ألم يأتكم أيها الناس خبر الذين كفروا من قبلكم، وذلك كقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط فذاقوا وبال أمرهم فمسهم عذاب الله إياهم على كفرهم ولهم عذاب أليم يقول: ولهم عذاب مؤلم موجع يوم القيامة في نار جهنم، مع الذي أذاقهم الله في الدنيا وبال كفرهم. وقوله: ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات يقول: جل ثناؤه: هذا الذي نال الذين كفروا من قبل هؤلاء المشركين من وبال كفرهم، والذي أعد لهم ربهم يوم القيامة من العذاب، من أجل أنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات الذي أرسلهم إليهم ربهم بالواضحات من الادلة والاعلام على حقيقة ما يدعونهم إليه، فقالوا لهم: أبشر يهدوننا ؟ استكبارا منهم أن تكون رسل الله إليهم بشرا مثلهم واستكبارا عن اتباع الحق من أجل أن بشرا مثلهم دعاهم إليه وجمع الخبر عن البشر، فقيل: يهدوننا، ولم يقل: يهدينا، لان البشر، وإن كان في لفظ الواحد، فإنه بمعنى الجميع. وقوله: فكفروا وتولوا يقول: فكفروا بالله، وجحدوا رسالة رسله الذين بعثهم الله إليهم استكبارا وتولوا يقول: وأدبروا عن الحق فلم يقبلوه، وأعرضوا عما دعاهم إليه رسلهم واستغنى الله يقول: واستغنى الله عنهم، وعن إيمانهم به وبرسله، ولم تكن به إلى ذلك منهم حاجة والله غني حميد يقول: والله غني عن جميع خلقه، محمود عند جميعهم بجميل أياديه عندهم، وكريم فعاله فيهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 155 ]
* (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) *. يقول تعالى ذكره: زعم الذين كفروا بالله أن لن يبعثهم الله إليه من قبورهم بعد مماتهم. وكان ابن عمر يقول: زعم كنية الكذب. 26491 - حدثني بذلك محمد بن نافع البصري، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن بعض أصحابه عن ابن عمر. وقوله: قل بلى وربي لتبعثن يقول لنبيه محمد (ص): قل لهم يا محمد: بلى وربي لتبعثن من قبوركم ثم لتنبؤن بما عملتم يقول: ثم لتخبرن بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا، وذلك على الله يسير يقول: وبعثكم من قبوركم بعد مماتكم على الله سهل هين. القول في تأويل قوله تعالى: * (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير) *. يقول تعالى ذكره: فصدقوا بالله ورسوله أيها المشركون المكذبون بالبعث، وبإخباره إياكم أنكم مبعوثون من بعد مماتكم، وأنكم من بعد بلائكم تنشرون من قبوركم، والنور الذي أنزلنا يقول: وآمنوا بالنور الذي أنزلنا، وهو هذا القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد (ص) والله بما تعملون خبير يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة محيط بها، محص جميعها، لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيكم على جميعها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) *. يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع الخلائق
[ 156 ]
للعرض ذلك يوم التغابن يقول: الجمع يوم غبن أهل الجنة أهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26492 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ذلك يوم التغابن قال: هو غبن أهل الجنة أهل النار. 26493 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يجمعكم ليوم الجمع هو يوم القيامة، وهو يوم التغابن: يوم غبن أهل الجنة أهل النار. 26494 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ذلك يوم التغابن من أسماء يوم القيامة، عظمه وحذره عباده. وقوله: ومن يوءمن بالله ويعمل صالحا يقول تعالى ذكره: ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته، وينته إلى أمره ونهيه يكفر عنه سيئاته يقول: يمح عنه ذنوبه ويدخله جنات تجري من تحتها الانهار يقول: ويدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار. وقوله: خالدين فيها أبدا يقول: لابثين فيها أبدا، لا يموتون، ولا يخرجون منها. وقوله: ذلك الفوز العظيم يقول: خلودهم في الجنات التي وصفنا النجاء العظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) *. يقول تعالى ذكره: والذين جحدوا وحدانية الله، وكذبوا بأدلته وحججه وآي كتابه الذي أنزله على عبده محمد (ص) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يقول: ماكثين فيها أبدا لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها وبئس المصير يقول: وبئس الشئ الذي يصار إليه جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (مآ أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم) *.
[ 157 ]
يقول تعالى ذكره: لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله، يقول: إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه ومن يوءمن بالله يهد قلبه يقول: ومن يصدق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك يهد قلبه: يقول: يوفق الله قلبه بالتسليم لامره والرضا بقضائه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26495 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ومن يوءمن بالله يهد قلبه يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 26496 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الوشاء الاودي، قال: ثنا أحمد بن بشير، عن الاعمش، عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة، فقرئ عنده هذه الآية: ومن يوءمن بالله يهد قلبه فسئل عن ذلك فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيسلم ذلك ويرضى. * - حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، قال: كنت عند علقمة وهو يعرض المصاحف، فمر بهذه الآية: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يوءمن بالله يهد قلبه قال: هو الرجل... ثم ذكر نحوه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة، في قوله: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، ومن يوءمن بالله يهد قلبه قال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن مهدي، عن الثوري، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة مثله غير أنه قال في حديثه: فيعلم أنها من قضاء الله، فيرضى بها ويسلم. وقوله: والله بكل شئ عليم يقول: والله بكل شئ ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ئ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *.
[ 158 ]
يقول تعالى ذكره: وأطيعوا الله أيها الناس في أمره ونهيه وأطيعوا الرسول (ص) فإن توليتم فإن أدبرتم عن طاعة الله وطاعة رسوله مستكبرين عنها، فلم تطيعوا الله ولا رسوله فإنما فليس على رسولنا محمد إلا البلاغ المبين أنه بلاغ إليكم لما أرسلته به يقول جل ثناؤه: فقد أعذر إليكم بالابلاغ والله ولي الانتقام ممن عصاه، وخالف أمره، وتولى عنه الله لا إله إلا هو يقول جل ثناؤه: معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه. وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدقون بوحدانيته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة الله فاحذروهم أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله. وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الاسلام والهجرة، فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم. ذكر من قال ذلك: 26497 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم وعبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سأله رجل عن هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم قال: هؤلاء رجال أسلموا، فأرادوا أن يأتوا رسول الله (ص)، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا رسول الله (ص) فلما أتوا رسول الله (ص)، فرأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله جل ثناؤه يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم... الآية. 26498 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة،
[ 159 ]
في قوله يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم قال: كان الرجل يريد أن يأتي النبي (ص)، فيقول له أهله: أين تذهب وتدعنا ؟ قال: وإذا أسلم وفقه، قال: لارجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الامر فلافعلن ولافعلن، فأنزل الله جل ثناؤه: وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم كان الرجل إذا أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة تمنعه زوجته وولده، ولم يألوا يثبطوه عن ذلك، فقال الله: إنهم عدو لكم فاحذروهم واسمعوا وأطيعوا، وامضوا لشأنكم، فكان الرجل بعد ذلك إذا منع وثبط مر بأهله وأقسم، والقسم يمين ليفعلن وليعاقبن أهله في ذلك، فقال الله جل ثناؤه وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم. 26499 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها بمكة، إلا هؤلاء الآيات يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم نزلت في عوف بن مالك الاشجعي، كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، فقالوا: إلى من تدعنا ؟ فيرق ويقيم، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم. الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة. 26500 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم قال: إنهما يحملانه على قطيعة رحمه، وعلى معصية ربه، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه.
[ 160 ]
* - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: فلا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه. 26501 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم... الآية، قال: منهم من لا يأمر بطاعة الله، ولا ينهى عن معصيته، وكانوا يبطئون عن الهجرة إلى رسول الله (ص) وعن الجهاد. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم قال: ينهون عن الاسلام، ويبطئون عنه، وهم من الكفار فاحذروهم. 26502 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم... الآية، قال: هذا في أناس من قبائل العرب كان يسلم الرجل أو النفر من الحي، فيخرجون من عشائرهم ويدعون أزواجهم وأولادهم وآباءهم عامدين إلى النبي (ص) فتقوم عشائرهم وأزواجهم وأولادهم وآباؤهم، فيناشدونهم الله أن لا يفارقوهم، ولا يؤثروا عليهم غيرهم، فمنهم من يرق ويرجع إليهم، ومنهم من يمضي حتى يلحق بنبي الله (ص). 26503 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن ناجية وزيد بن حباب، قالا: ثنا يحيى بن واضح، جميعا عن الحسين بن واقد، قال: ثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله (ص) يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل رسول الله (ص)، فأخذهما فرفعهما فوضعهما في حجره ثم قال: صدق الله ورسوله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته اللفظ لابي كريب عن زيد. 26504 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم قال: يقول: عدوا لكم في دينكم، فاحذروهم على دينكم.
[ 161 ]
26505 - حدثني محمد بن عمرو بن علي المقدمي، قال: ثنا أشعث بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، في قوله: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم قال: كان الرجل يسلم، فيلومه أهله وبنوه، فنزلت: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم. وقوله: وإن تعفوا وتصفحوا يقول: وإن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدهم إياكم عن الاسلام والهجرة وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك، وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب فإن الله غفور رحيم لكم لمن تاب من عباده، من ذنوبكم رحيم بكم أن يعاقبكم عليها من بعد توبتكم منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ئ فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) *. يقول تعالى ذكره: ما أموالكم أيها الناس وأولادكم إلا فتنة، يعني بلاء عليكم في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26506 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة يقول: بلاء. وقوله: والله عنده أجر عظيم يقول: والله عند ثواب لكم عظيم، إذا أنتم خالفتم أولادكم وأزواجكم في طاعة الله ربكم، وأطعتم الله عز وجل، وأديتم حق الله في أموالكم، والاجر العظيم الذي عند الله الجنة، كما: 26507 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والله عنده أجر عظيم وهي الجنة. وقوله: فاتقوا الله ما استطعتم يقول تعالى ذكره: واحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، والعمل بما يقرب إليه ما أطقتم وبلغه وسعكم.
[ 162 ]
وذكر أن قوله: فاتقوا الله ما استطعتم نزل بعد قوله: اتقوا الله حق تقاته تخفيفا عن المسلمين، وأن قول فاتقوا الله ما استطعتم ناسخ قوله: اتقوا الله حق تقاته. ذكر من قال ذلك: 26508 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك: اتقوا الله حق تقاته وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا فبما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله (ص) على السمع والطاعة فيما استطعتم. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: اتقوا الله حق تقاته قال: نسختها: اتقوا الله ما استطعتم. وقد تقدم بياننا عن معنى الناسخ والمنسوخ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وليس في قوله: فاتقوا الله ما استطعتم دلالة واضحة على أنه لقوله: اتقوا الله حق تقاته ناسخ، إذ كان محتملا قوله: اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم، ولم يكن بأنه له ناسخ عن رسول الله (ص)، فإذا كان ذلك كذلك، فالواجب استعمالهما جميعا على ما يحتملان من وجوه الصحة. وقوله: واسمعوا وأطيعوا يقول: واسمعوا لرسول الله (ص)، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه وأنفقوا خيرا لانفسكم يقول: وأنفقوا مالا من أموالكم لانفسكم تستنقذوها من عذاب الله، والخير في هذا الموضع المال. وقوله: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون يقول تعالى ذكره: ومن يقه الله شح نفسه، وذلك اتباع هواها فيما نهى الله عنه. ذكر من قال ذلك: 26509 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني أبو معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ومن يوق شح نفسه يقول: هوى نفسه حيث يتبع هواه ولم يقبل الايمان.
[ 163 ]
26510 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جامع بن شداد، عن الاسود بن هلال، عن ابن مسعود ومن يوق شح نفسه قال: أن يعمد إلى مال غيره فيأكله. وقوله: فأولئك هم المفلحون يقول: فهؤلاء الذين وقوا شح أنفسهم، المنجحون الذين أدركوا طلباتهم عند ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ئ عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: وإن تنفقوا في سبيل الله، فتحسنوا فيها النفقة، وتحتسبوا بإنفاقكم الاجر والثواب يضاعف ذلك لكم ربكم، فيجعل لكم مكان الواحد سبعمائة ضعف إلى أكثر من ذلك مما يشاء من التضعيف يغفر لكم ذنوبكم فيصفح لكم عن عقوبتكم عليها مع تضعيفه نفقتكم التي تنفقون في سبيله والله شكور يقول: والله ذو شكر لاهل الانفاق في سبيله، بحسن الجزاء لهم على ما أنفقوا في الدنيا في سبيله حليم يقول: حليم عن أهل معاصيه بترك معاجلتهم بعقوبته عالم الغيب والشهادة يقول: عالم ما لا تراه أعين عباده ويغيب عن أبصارهم وما يشاهدونه فيرونه بأبصارهم العزيز يعني الشديد في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ونهيه الحكيم في تدبيره خلقه، وصرفه إياهم فيما يصلحهم. آخر تفسير سورة التغابن
[ 164 ]
(65) سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنتا عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ئ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ئ ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن يقول: إذا طلقتم نساءكم فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن، طاهرا من غير جماع، ولا تطلقوهن بحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26511 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، قال: الطلاق للعدة طاهرا من غير جماع.
[ 165 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله فطلقوهن لعدتهن قال: بالطهر في غير جماع. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن يقول: إذا طلقتم قال: الطهر في غير جماع. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله فطلقوهن لعدتهن قال: طاهرا من غير جماع. 26512 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يرى طلاق السنة طاهرا من غير جماع، وفي كل طهر، وهي العدة التي أمر الله بها. 26513 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، أن رجلا سأل ابن عباس فقال: إنه طلق امرأته مائة، فقال: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ولم تتق الله فيجعل لك مخرجا، وقرأ هذه الآية: ومن يتق الله يجعل له مخرجا، وقال: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، عن ابن عباس بنحوه. 26514 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت حتى ظننا أنه رادها عليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس، وإن الله عز وجل قال: ومن يتق الله يجعل له مخرجا وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، قال الله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن.
[ 166 ]
* - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت مجاهدا يحدث عن ابن عباس في هذه الآية: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال ابن عباس: في قبل عدتهن. 26515 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، أنه قرأ: فطلقوهن في قبل عدتهن. 26516 - حدثنا العباس بن عبد العظيم، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد فطلقوهن لعدتهن قال: طاهرا في غير جماع. 26517 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، في قوله: فطلقوهن لعدتهن قال: طاهرا من غير حيض، أو حاملا قد استبان حملها. 26518 - قال: ثنا هارون، عن عيسى بن يزيد بن دأب، عن عمرو، عن الحسن وابن سيرين، فيمن أراد أن يطلق ثلاث تطليقات جميعا في كلمة واحدة، أنه لا بأس به بعد أن يطلقها في قبل عدتها، كما أمره الله وكانا يكرهان أن يطلق الرجل امرأته تطليقة، أو تطليقتين، أو ثلاثا، إذا كان بغير العدة التي ذكرها الله. 26519 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عون، عن ابن سيرين أنه قال في قوله فطلقوهن لعدتهن قال: يطلقها وهي طاهر من غير جماع، أو حبل يستبين حملها. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: فطلقوهن لعدتهن قال: لطهرهن. 26520 - حدثنا علي بن عبد الاعلى المحاربي، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قول الله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال: العدة: القرء، والقرء: الحيض. والطاهر: الطاهر من غير جماع، ثم تستقبل ثلاث حيض. 26521 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن والعدة: أن يطلقها طاهرا من غير جماع تطليقة واحدة.
[ 167 ]
26522 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله فطلقوهن لعدتهن قال: إذا طهرت من الحيض في غير جماع، قلت: كيف ؟ قال: إذا طهرت فطلقها من قبل أن تمسها، فإن بدا لك أن تطلقها أخرى تركتها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم طلقها إذا طهرت الثانية، فإذا أردت طلاقها الثالثة أمهلتها حتى تحيض، فإذا طهرت الثالثة، ثم تعتد حيضة واحدة، ثم تنكح إن شاءت. 26523 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: وقال ابن طاوس: إذا أردت الطلاق فطلقها حين تطهر، قبل أن تمسها تطليقة واحدة، لا ينبغي لك أن تزيد عليها، حتى تخلو ثلاثة قروء، فإن واحدة تبينها. 26524 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فطلقوهن لعدتهن يقول: طلقها طاهرا من غير جماع. 26525 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فطلقوهن لعدتهن قال: إذا طلقتها للعدة كان ملكها بيدك. من طلق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة، وجعل له ملكا إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع. 26526 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال: طاهرا في غير جماع، فإن كانت لا تحيض، فعند غرة كل هلال. 26527 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: طلقت امرأتي وهي حائض قال: فأتى عمر رسول الله (ص) يخبره بذلك، فقال: مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها قبل أن يجامعها، وإن شاء أمسكها، فإنها العدة التي قال الله عز وجل. * - قال: ثنا ابن إدريس، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه، عن النبي (ص). * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي (ص) فقال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى
[ 168 ]
تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه طلق امرأته حائضا، فأتى عمر النبي (ص)، فذكر ذلك له، فأمره أن يراجعها، ثم يتركها حتى إذا طهرت ثم حاضت طلقها، قال النبي (ص): فهي العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء يقول: حين يطهرن. 26528 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله فطلقوهن لعدتهن يقول: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا، فعدتها أن تضع حملها. 26529 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، سئل عن قول الله فطلقوهن لعدتهن قال: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته وهي في قبل عدتها، وهي طاهر من غير جماع واحدة، ثم يدعها، فإن شاء راجعها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة، وإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها واحدة في قبل عدتها، وهي طاهر من غير جماع، ثم يدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم يدعها، حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله (ص) في سبب طلاقه حفصة. ذكر من قال ذلك: 26530 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: طلق رسول الله (ص) حفصة بنت عمر تطليقة، فأنزلت هذه الآية: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن فقيل: راجعها فإنها صوامة قوامة، وإنها من نسائك في الجنة. وقوله: وأحصوا العدة يقول: وأحصوا هذه العدة وأقراءها فاحفظوها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 169 ]
26531 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: وأحصوا العدة قال: احفظوا العدة. وقوله: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن يقول: وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذروا معصيته أن تتعدوا حده، لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهن من بيوتهن التي كنتم أسكنتموهن فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26532 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن حتى تنقضي عدتهن. 26533 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: إن أذن لها أن تعتد في غير بيته، فتعتد في بيت أهلها، فقد شاركها إذن في الاثم. ثم تلا: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: قلت هذه الآية في هذه ؟ قال: نعم. 26534 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، عن محمد بن عجلان، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول في هذه الآية لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: خروجها قبل انقضاء العدة. قال ابن عجلان عن زيد بن أسلم: إذا أتت بفاحشة أخرجت. 26535 - وحدثنا علي بن عبد الاعلى المحاربي، قال: ثنا المحاربي، عبد الرحمن بن محمد، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: ليس لها أن تخرج إلا بإذنه، وليس للزوج أن يخرجها ما كانت في العدة، فإن خرجت فلا سكنى لها ولا نفقة. 26536 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن قال: هي المطلقة لا تخرج من بيتها، ما دام لزوجها عليها رجعة، وكانت في عدة. 26537 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وذلك إذا طلقها واحدة أو ثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثا.
[ 170 ]
وقوله: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة يقول جل ثناؤه: لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة إنها فاحشة لمن عاينها أو علمها. واختلف أهل التأويل في معنى الفاحشة التي ذكرت في هذا الموضع، والمعنى الذي من أجله أذن الله بإخراجهن في حال كونهن في العدة من بيوتهن، فقال بعضهم: الفاحشة التي ذكرها الله في هذا الموضع هو الزنى، والاخراج الذي أباح الله هو الاخراج لاقامة الحد. ذكر من قال ذلك: 26538 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: الزنى، قال: فتخرج ليقام عليها الحد. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، مثله. 26539 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن صالح بن مسلم، قال: سألت عامرا قلت: رجل طلق امرأته تطليقة أيخرجها من بيتها ؟ قال: إن كانت زانية. 26540 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: إلا أن يزنين. 26541 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عز وجل: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: قال الله جل ثناؤه: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم قال: هؤلاء المحصنات، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم... الآية. قال: فجعل الله سبيلهن الرجم، فهي لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، فإذا أتت بفاحشة مبينة أخرجت إلى الحد فرجمت، وكان قبل هذا للمحصنة الحبس تحبس في البيوت لا تترك تنكح، وكان للبكرين الاذى، قال الله جل ثناؤه: واللذان يأتيانها منكم فآذوهما يا زان، يا زانية، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما قال: ثم نسخ هذا كله، فجعل الرجم للمحصنة والمحصن، وجعل جلد مائة للبكرين، قال: ونسخ هذا.
[ 171 ]
وقال آخرون: الفاحشة التي عناها الله في هذا الموضع: البذاء على أحمائها. ذكر من قال ذلك: 26542 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن ابن عباس قال الله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهلها. وقال آخرون: بل هي كل معصية لله. ذكر من قال ذلك: 26543 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إلا أن يأتين بفاحشة مبينة والفاحشة: هي المعصية. وقال آخرون: بل ذلك نشوزها على زوجها، فيطلقها على النشوز، فيكون لها التحول حينئذ من بيتها. ذكر من قال ذلك: 26544 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال قتادة: إلا أن يطلقها على نشوز، فلها أن تحول من بيت زوجها. وقال آخرون: الفاحشة المبينة التي ذكر الله عز وجل في هذا الموضع خروجها من بيتها. ذكر من قال ذلك: 26545 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: خروجها من بيتها فاحشة. قال بعضهم: خروجها إذا أتت بفاحشة أن تخرج فيقام عليها الحد. 26546 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا سعيد بن الحكم ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب قال: ثني محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، في قوله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة. والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية، وذلك أن الفاحشة هي كل أمر قبيح تعدى فيه حده، فالزنى من ذلك، والسرق
[ 172 ]
والبذاء على الاحماء، وخروجها متحولة عن منزلها الذي يلزمها أن تعتد فيه منه، فأي ذلك فعلت وهي في عدتها، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك، لاتيانها بالفاحشة التي ركبتها. وقوله: وتلك حدود الله يقول تعالى ذكره: وهذه الامور التي بينتها لكم من الطلاق للعدة، وإحصاء العدة، والامر باتقاء الله، وأن لا تخرج المطلقة من بيتها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة حدود الله التي حدها لكم أيها الناس فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه يقول تعالى ذكره: ومن يتجاوز حدود الله التي حدها لخلقه فقد ظلم نفسه: يقول: فقد أكسب نفسه وزرا، فصار بذلك لها ظالما، وعليها متعديا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26547 - حدثنا علي بن عبد الاعلى، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قول الله وتلك حدود الله يقول: تلك طاعة الله فلا تعتدوها، قال: يقول: من كان على غير هذه فقد ظلم نفسه. وقوله: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقول جل ثناؤه: لا تدري ما الذي يحدث ؟ لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهن رجعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26548 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، أن فاطمة بنت قيس كانت تحت أبي حفص المخزومي، وكان النبي (ص) أمر عليا على بعض اليمن، فخرج معه، فبعث إليها بتطليقة كانت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة المخزومي، والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: لا والله ما لها علينا نفقة، إلا أن تكون حاملا، فأتت النبي (ص) فذكرت ذلك له، فلم يجعل لها نفقة إلا أن تكون حاملا، واستأذنته في الانتقال، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله ؟ قال: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده، ولا يبصرها فلم تزل هنالك حتى أنكحها النبي (ص) أسامة بن زيد حين مضت عدتها، فأرسل إليها مروان بن الحكم يسألها عن هذا الحديث، فأخبرته، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، وسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة: بيني وبينكم الكتاب، قال الله جل ثناؤه: فطلقوهن لعدتهن حتى بلغ لعل الله
[ 173 ]
يحدث بعد ذلك أمرا قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث، وإنما هو في مراجعة الرجل امرأته، وكيف تحبس امرأة بغير نفقة ؟ 26549 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال: هذا في مراجعة الرجل امرأته. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا: أي مراجعة. 26550 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال: يراجعها في بيتها هذا في الواحدة والثنتين، هو أبعد من الزنى. 26551 - قال: سعيد، وقال الحسن: هذا في الواحدة والثنتين، وما يحدث الله بعد الثلاث. 26552 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، قال: سمعت الحسن وعكرمة يقولان: المطلقة ثلاثا، والمتوفى عنها لا سكنى لها ولا نفقة قال: فقال عكرمة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فقال: ما يحدث بعد الثلاث. 26553 - حدثنا علي بن عبد الاعلى المحاربي، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقول: لعل الرجل يراجعها في عدتها. * - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا هذا ما كان له عليها رجعة. 26554 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال: الرجعة. 26555 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله
[ 174 ]
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال: لعل الله يحدث في قلبك تراجع زوجتك قال: قال: ومن طلق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة، وجعل له ملكا إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع. 26556 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال: لعله يراجعها. وقوله: فإذا بلغن أجلهن يقول تعالى ذكره: فإذا بلغ المطلقات اللواتي هن في عدة أجلهن وذلك حين قرب انقضاء عددهن فأمسكوهن بمعروف يقول: فأمسكوهن برجعة تراجعوهن، إن أردتم ذلك بمعروف يقول: بما أمرك الله به من الامساك وذلك باعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه لها من النفقة والكسوة والمسكن وحسن الصحبة، أو فارقوهن بمعروف، أو اتركوهن حتى تنقضي عددهن، فتبين منكم بمعروف، يعني بإيفائها ما لها من حق قبله من الصداق والمتعة على ما أوجب عليها لها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26557 - حدثني علي بن عبد الاعلى، قال: ثني المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن جويبر، عن الضحاك، قوله: فإذا بلغن أجلهن يقول: إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض، يقول: فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدة بإمساك بمعروف، والمعروف أن تحسن صحبتها أو تسريح بإحسان والتسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عدتها، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها، فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قدر الميسرة. 26558 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: فإذا بلغن أجلهن قال: إذا طلقها واحدة أو ثنتين، يشاء أن يمسكها بمعروف، أو يسرحها بإحسان. وقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم وأشهدوا على الامساك إن أمسكتموهن، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم، وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما. وقد بينا فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وذكرنا ما قال أهل العلم فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26559 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن
[ 175 ]
عباس، قال: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها، أشهد رجلين كما قال الله: وأشهدوا ذوي عدل منكم عند الطلاق وعند المراجعة، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة، وهي أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت، هو أو غيره. 26560 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم قال: على الطلاق والرجعة. وقوله: وأقيموا الشهادة لله يقول: وأشهدوا على الحق إذا استشهدتم، وأدوها على صحة إذا أنتم دعيتم إلى أدائها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26561 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وأقيموا الشهادة لله قال: أشهدوا على الحق. وقوله: ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به، وعرفتكم من أمر الطلاق، والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والامساك عظة منا لكم، نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فيصدق به. وعني بقوله: من كان يؤمن بالله من كانت صفته الايمان بالله، كالذي: 26562 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر قال: يؤمن به. وقوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا يقول تعالى ذكره: من يخف الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا بأن يعرفه بأن ما قضى فلا بد من أن يكون، وذلك أن المطلق إذا طلق، كما ندبه الله إليه للعدة، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه، جعل الله له مخرجا فيما تتبعها نفسه، بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها، ولو طلقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك سبيل. وقوله: ويرزقه من حيث لا يحتسب يقول: ويسبب له أسباب الرزق من حيث لا يشعر، ولا يعلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت بسبب عوف بن مالك الاشجعي. ذكر من قال ذلك:
[ 176 ]
26563 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن صلت، عن قيس، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله، في قوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: يعلم أنه من عند الله، وأن الله هو الذي يعطي ويمنع. 26564 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: المخرج أن يعلم أن الله تبارك وتعالى لو شاء أعطاه وإن شاء منعه، ويرزقه من حيث لا يحتسب قال: من حيث لا يدري. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، مثله. 26565 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا يقول: نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يحتسب. 26566 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن الربيع بن خثيم ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: من كل شئ ضاق على الناس. 26567 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجا. 26568 - حدثني علي بن عبد الاعلى المحاربي، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا، قال: يعني بالمخرج واليسر إذا طلق واحدة ثم سكت عنها، فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين، فذلك اليسر الذي قال الله، وإن مضت عدتها ولم يراجعها، كان خاطبا من الخطاب، وهذا الذي أمر الله به، وهكذا طلاق السنة فأما من طلق عند كل حيضة فقد أخطأ السنة، وعصى الرب، وأخذ بالعسر. 26569 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: يطلق للسنة، ويراجع للسنة زعم أن رجلا من
[ 177 ]
أصحاب النبي (ص) يقال له عوف الاشجعي، كان له ابن، وأن المشركين أسروه، فكان فيهم، فكان أبو ه يأتي النبي (ص)، فيشكوا إليه مكان ابنه، وحالته التي هو بها وحاجته، فكان رسول الله (ص) يأمره بالصبر ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا إذا انفلت ابنه من أيدي العدو، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها، فجاء بها إلى أبيه، وجاء معه بغنى قد أصابه من الغنم، فنزلت هذه الآية: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. 26570 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عمار بن أبي معاوية الدهني، عن سالم بن أبي الجعد ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: نزلت في رجل من أشجع جاء إلى النبي (ص) وهو مجهود، فسأله فقال له النبي (ص): اتق الله واصبر، قال: قد فعلت، فأتى قومه، فقالوا: ماذا قال لك ؟ قال: قال: اتق الله واصبر، فقلت: قد فعلت حتى قال ذلك ثلاثا، فرجع فإذا هو بابنه كان أسيرا في بني فلان من العرب، فجاء معه بأعنز، فرجع إلى النبي (ص)، فقال: إن ابني كان أسيرا في بني فلان، وإنه جاء بأعنز، فطابت لنا ؟ قال: نعم. * - قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد في قوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبي (ص) فقال له: اتق الله واصبر، فرجع فوجد ابنا له كان أسيرا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنزا، فجاء، فذكر ذلك لرسول الله (ص)، فقال: هل تطيب لي يا رسول الله ؟ قال: نعم. 26571 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن المنذر الثوري، عن أبيه، عن الربيع بن خثيم يجعل له مخرجا قال: من كل شئ ضاق على الناس. 26572 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق يجعل له مخرجا قال: يعلم أن الله إن شاء منعه، وإن شاء أعطاه ويرزقه من حيث لا يحتسب يقول: من حيث لا يدري. 26573 - قال: ثنا مهران، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة يجعل له مخرجا قال: من شبهات الامور، والكرب عند الموت ويرزقه من حيث لا يحتسب: من حيث لا يرجو ولا يؤمل.
[ 178 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويرزقه من حيث لا يحتسب لا يأمل ولا يرجو. وقوله: ومن يتوكل على الله فهو حسبه يقول تعالى ذكره: ومن يتق الله في أموره، ويفوضها إليه فهو كافيه. وقوله: إن الله بالغ أمره منقطع عن قوله ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومعنى ذلك: إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26574 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره توكل عليه أو لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا. * - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق بنحوه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن صلت عن قيس، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه قال: ليس بمتوكل الذي قد قضيت حاجته، وجعل فضل من توكل عليه على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا. 26575 - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، قال: تجالس شتير بن شكل ومسروق، فقال شتير: إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدقك، وإما أن أحدث فتصدقني ؟ قال مسروق: لا بل حدث فأصدقك، فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية في القرآن تفوضا: ومن يتوكل على الله فهو حسبه قال مسروق: صدقت. وقوله: قد جعل الله لكل شئ قدرا يقول تعالى ذكره: قد جعل الله لكل شئ من الطلاق والعدة وغير ذلك حدا وأجلا وقدرا ينتهى إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26576 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قد جعل الله لكل شئ قدرا قال: أجلا.
[ 179 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قد جعل الله لكل شئ قدرا قال: منتهى. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق مثله. 26577 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: قد جعل الله لكل شئ قدرا قال: الحيض في الاجل والعدة. القول في تأويل قوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) *. يقول تعالى ذكره: والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهن عن المحيض، فلا يرجون أن يحضن من نسائكم إن ارتبتم. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: إن ارتبتم فقال بعضهم: معنى ذلك: إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها، أمن الحيض هو، أم من الاستحاضة، فعدتهن ثلاثة أشهر. ذكر من قال ذلك: 26578 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن ارتبتم إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة، والتي لم تحض، فعدتهن ثلاثة أشهر. 26579 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري إن ارتبتم قال: في كبرها أن يكون ذلك من الكبر، فإنها تعتد حين ترتاب ثلاثة أشهر فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة، فإنه يتأنى بها حتى ينظر حامل هي أم غير حامل ؟ فإن استبان حملها، فأجلها أن تضع حملها، فإن لم يستبن حملها، فحتى يستبين بها، وأقصى ذلك سنة.
[ 180 ]
26580 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر قال: إن ارتبت أنها لا تحيض وقد ارتفعت حيضتها، أو ارتاب الرجال، أو قالت هي: تركتني الحيضة، فعدتهن ثلاثة أشهر إن ارتاب، فلو كان الحمل انتظر الحمل حتى تنقضي تسعة أشهر، فخاف وارتاب هو، وهي أن تكون الحيضة قد انقطعت، فلا ينبغي لمسلمة أن تحبس، فاعتدت ثلاثة أشهر، وجعل الله جل ثناؤه أيضا للتي لم تحض الصغيرة ثلاثة أشهر. 26581 - حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: أخبرنا أبو معبد، قال: سئل سليمان عن المرتابة، قال: هي المرتابة التي قد قعدت من الولد تطلق، فتحيض حيضة، فيأتي إبان حيضتها الثانية فلا تحيض قال: تعتد حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة قال: فإن حاضت حيضتين ثم جاء إبان الثالثة فلم تحض اعتدت حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة، ولم يعتد بما مضى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن ارتبتم بحكمهن فلم تدروا ما الحكم في عدتهن، فإن عدتهن ثلاثة أشهر. ذكر من قال ذلك: 26582 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مطرف، عن عمرو بن سالم، قال: قال أبي بن كعب: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار، وأولات الاحمال، فأنزل الله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن. وقال آخرون: معنى ذلك: إن ارتبتم مما يظهر منهن من الدم، فلم تدروا أدم حيض، أم دم مستحاضة من كبر كان ذلك أو علة ؟ ذكر من قال ذلك: 26583 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، قال: إن من الريبة: المرأة المستحاضة، والتي لا يستقيم لها الحيض، تحيض في الشهر مرارا، وفي الاشهر مرة، فعدتها ثلاثة أشهر، وهو قول قتادة. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عني بذلك: إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهن، وذلك أن معنى ذلك لو كان كما قاله من قال: إن ارتبتم بدمائهن فلم تدروا أدم حيض، أو استحاضة ؟ لقيل: إن ارتبتن لانهن إذا أشكل الدم عليهن فهن المرتابات
[ 181 ]
بدماء أنفسهن لا غيرهن، وفي قوله: إن ارتبتم وخطابه الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أن معناه: إن ارتبتم أيها الرجال بالحكم فيهن وأخرى وهو أنه جل ثناؤه قال: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم واليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضا للكبر، ومحال أن يقال: واللائي يئسن، ثم يقال: ارتبتم بيأسهن، لان اليأس: هو انقطاع الرجاء والمرتاب بيأسها مرجو لها، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد، فإذا كان الصواب من القول في ذلك ما قلنا، فبين أن تأويل الآية: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهن، وفي عددهن، فلم تدروا ما هن، فإن حكم عددهن إذا طلقن، وهن ممن دخل بهن أزواجهن، فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن يقول: وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26584 - حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم يقول: التي قد ارتفع حيضها، فعدتها ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن قال: الجواري. 26585 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم وهن اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن، واللائي لم يحضن هن الابكار التي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر. 26586 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: واللائي يئسن من المحيض... الآية، قال: القواعد من النساء واللائي لم يحضن: لم يبلغن المحيض، وقد مسسن، عدتهن ثلاثة. وقوله: وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن، وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل، فأما في المتوفي عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم. وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.
[ 182 ]
ذكر من قال: حكم قوله وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن عام في المطلقات والمتوفي عنهن. 26587 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا سعيد ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثني ابن شبرمة الكوفي، عن إبراهيم، عن علقمة، عن قيس أن ابن مسعود قال: من شاء لاعنته، ما نزلت: وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن إلا بعد آية المتوفي عنها زوجها، وإذا وضعت المتوفي عنها فقد حلت يريد بآية المتوفي عنها: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك، يعني ابن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن أيوب، عن ابن سيرين عن أبي عطية قال: سمعت ابن مسعود يقول: من شاء قاسمته نزلت سورة النساء القصرى بعدها، يعني بعد أربعة أشهر وعشرا. 26588 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: لقيت أبا عطية مالك بن عامر، فسألته عن ذلك، يعني عن المتوفي عنها زوجها إذا وضعت قبل الاربعة الاشهر والعشر، فأخذ يحدثني بحديث سبيعة، قلت: لا، هل سمعت من عبد الله في ذلك شيئا ؟ قال: نعم، ذكرت ذات يوم أو ذات ليلة عند عبد الله، فقال: أرأيت إن مضت الاربعة الاشهر والعشر ولم تضع أقد أحلت ؟ قالوا: لا، قال: أفتجعلون عليها التغليظ، ولا تجعلون لها الرخصة، فوالله لانزلت النساء القصرى بعد الطولى. 26589 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: قال الشعبي: من شاء حالفته لانزلت النساء القصرى بعد الاربعة الاشهر والعشر التي في سورة البقرة.
[ 183 ]
26590 - حدثني أحمد بن منيع، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: ذكر عبد الله بن مسعود آخر الاجلين، فقال: من شاء قاسمته بالله أن هذه الآية التي أنزلت في النساء القصرى نزلت بعد الاربعة الاشهر، ثم قال: أجل الحامل أن تضع ما في بطنها. 26591 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: قلت للشعبي: ما أصدق أن عليا رضي الله عنه كان يقول: آخر الاجلين أن لا تتزوج المتوفي عنها زوجها حتى يمضي آخر الاجلين قال الشعبي: بلى وصدق أشد ما صدقت بشئ قط وقال علي رضي الله عنه: إنما قوله وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن المطلقات، ثم قال: إن عليا رضي الله عنه وعبد الله كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها. 26592 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال: لما نزلت هذه الآية: وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال: قلت: يا رسول الله، المتوفي عنها زوجها والمطلقة، قال: نعم. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، يحدث عن أبي بن كعب، قال: سألت رسول الله (ص) عن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال: أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها. 26593 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، قوله وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال: للمرأة الحبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل، فعدتها أن تضع حملها. 26594 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها، ليس المحيض من أمرها في شئ إذا كانت حاملا. وقال آخرون: ذلك خاص في المطلقات، وأما المتوفي عنها فإن عدتها آخر الاجلين، وذلك قول مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما.
[ 184 ]
وقد ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل. والصواب من القول في ذلك أنه عام في المطلقات والمتوفي عنهن، لان الله وجل، عز عم بقوله بذلك فقال: وأولات الاحما أجلهن أن يضعن حملهن ولم يخصص بذلك الخبر عن مطلقة دون متوفي عنها، بل عم الخبر به عن جميع أولات الاحمال. إن ظن ظان أن قوله وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفي عنهن، فهو بالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهن، وعن المتوفي عنهن، فإن الامر بخلاف ما ظن، وذلك أن ذلك وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات، فإنه منقطع عن الخبر عن أحكام المطلقات، بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الاحمال المطلقات منهن وغير المطلقات، ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض من خبر ولا عقل، فهو على عمومه لما بينا. وقوله: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا يقول جل ثناؤه: ومن يخف الله فرهبه، فاجتنب معاصيه، وأدى فرائضه، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسرا، وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها وإن انقضت عدتها، ثم دعته نفسه إليها قدر على خطبتها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي بينت لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدة، أمر الله الذي أمركم به، أنزله إليكم أيها الناس، لتأتمروا له، وتعملوا به. وقوله: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته يقول: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله ويعظم له أجرا يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الاجر عليه أن يدخله جنته، فيخلده فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف
[ 185 ]
وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ئ لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا مآ آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) *. يقول تعالى ذكره: أسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم من وجدكم: يقول: من سعتكم التي تجدون وإنما أمر الرجال أن يعطوهن مسكنا يسكنه مما يجدونه، حتى يقضين عددهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26595 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم يقول: من سعتكم. 26596 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: من وجدكم قال: من سعتكم. 26597 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم قال: من سعتكم. 26598 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قوله: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن فإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه. 26599 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم قال: المرأة يطلقها، فعليه أن يسكنها، وينفق عليها. 26600 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عز وجل: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم قال: من مقدرتك حيث تقدر، فإن كنت لا تجد شيئا، وكنت في مسكن ليس لك، فجاء أمر أخرجك من المسكن، وليس لك مسكن تسكن فيه، وليس تجد فذاك، وإذا كان به قوة على الكراء فذاك وجده، لا يخرجها من منزلها، وإذا لم يجد وقال صاحب المسكن: لا أنزل هذه في بيتي فلا، وإذا كان يجد، كان ذلك عليه.
[ 186 ]
وقوله: ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن يقول جل ثناؤه: ولا تضاروهن في المسكن الذي تسكنونهن فيه، وأنتم تجدون سعة من المنازل أن تطلبوا التضييق عليهن، فذلك قوله لتضيقوا عليهن يعني: لتضيقوا عليهن في المسكن مع وجودكم السعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26601 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن قال: في المسكن. 26602 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: من وجدكم قال: من ملككم، من مقدرتكم. وفي قوله ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن قال: لتضيقوا عليهن مساكنهن حتى يخرجن. 26603 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن قال: ليس ينبغي له أن يضارها ويضيق عليها مكانها حتى يضعن حملهن هذا لمن يملك الرجعة، ولمن لا يملك الرجعة. وقوله: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن يقول تعالى ذكره: وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكن بائنات منكم، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26604 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فهذه المرأة يطلقها زوجها، فيبت طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة، وكذلك المرأة يموت عنها زوجها، فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عز وجل: وعلى الوارث مثل ذلك فإن لم تكن حاملا، فإن نفقتها كانت من مالها.
[ 187 ]
26605 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن قال: ينفق على الحبلى إذا كانت حاملا حتى تضع حملها. وقال آخرون: عني بقوله: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن كل مطلقة، ملك زوجها رجعتها أو لم يملك. وممن قال ذلك: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ذكر الرواية عنهما بذلك: 26606 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمرو وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثا: السكنى، والنفقة، والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس أن النبي (ص) أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها، قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة. 26607 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن عيسى بن قرطاس، قال: سمعت علي بن الحسين يقول في المطلقة ثلاثا: لها السكنى، والنفقة والمتعة، فإن خرجت من بيتها فلا سكنى ولا نفقة ولا متعة. 26608 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا ابن فضيل، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: للمطلقة ثلاثا: السكنى والنفقة. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: إذا طلق الرجل ثلاثا، فإن لها السكنى والنفقة. والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا، لان الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء، لم يكن لخصوص أولات الاحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء، وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهن أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملا. وبالذي قلنا في ذلك صح الخبر عن رسول الله (ص). 26609 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن
[ 188 ]
الاوزاعي، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، قال: ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أن أبا عمرو المخزومي، طلقها ثلاثا فأمر لها بنفقة فاستقلتها، وكان رسول الله (ص) بعثه نحو اليمن، فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله (ص) وهو عند ميمونة، فقال: يا رسول الله إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثا، فهل لها من نفقة ؟ فقال رسول الله (ص): ليس لها نفقة، فأرسل إليها رسول الله (ص) أن انتقلي إلى بيت أم شريك وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك، ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الاولون، فانتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك، فزوجها رسول الله (ص) أسامة بن زيد. وقوله: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يقول جل ثناؤه: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهن الاطفال منكم بأجرة، فآتوهن أجورهن على رضاعهن إياهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26610 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك أنه قال في الرضاع: إذا قام على شئ فأم الصبي أحق به، فإن شاءت أرضعته، وإن شاءت تركته إلا أن لا يقبل من غيرها، فإذا كان كذلك أجبرت على رضاعه. 26611 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن هي أحق بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعا به غيرها. 26612 - حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن قال: ما تراضوا عليه على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره. 26613 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في الصبي إذا قام على ثمن فأمه أحق أن ترضعه، فإن لم يجد له من يرضعه أجبرت الام على الرضاع. 26614 - قال: ثنا مهران، عن سفيان فآتوهن أجورهن قال: إن أرضعت لك
[ 189 ]
بأجر فهي أحق من غيرها، وإن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينك وبينها عاسرتك في الاجر فاسترضع له أخرى. وقوله: وأتمروا بينكم بمعروف يقول تعالى ذكره: وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26615 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في وقوله: وأتمروا بينكم بمعروف قال: اصنعوا المعروف فيما بينكم. 26616 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وأتمروا بينكم بمعروف حث بعضهم على بعض. وقوله: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى يقول: وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه، فامتنعت من رضاعه، فلا سبيل له عليها، وليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبي مرضعة غير أمه البائنة منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26617 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى قال: إن أبت الام أن ترضع ولدها إذا طلقها أبو ه التمس له مرضعة أخرى، الام أحق إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها، فلا ينبغي له أن ينتزع منها. 26618 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: إن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينها وبينك عاسرتك في الاجر، فاسترضع له أخرى. 26619 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله قال: فرض لها من قدر ما يجد، فقالت: لا أرضى هذا قال: وهذا بعد الفراق، فأما وهي زوجته فإنها ترضع له طائعة ومكرهة إن شاءت وإن أبت، فقال لها: ليس لي زيادة على هذا إن أحببت أن ترضعي بهذا فأرضعي، وإن كرهت استرضعت ولدي، فهذا قوله: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى. وقوله: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله: يقول
[ 190 ]
تعالى ذكره: لينفق الذي بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال، وغني من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير ومن قدر عليه رزقه يقول: ومن ضيق عليه رزقه فلم يوسع عليه، فلينفق مما أعطاه الله على قدر ماله، وما أعطى منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26620 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي لينفق ذو سعة من سعته قال: من سعة موجده، قال: ومن قدر عليه رزقه قال: من قتر عليه رزقه. 26621 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان لينفق ذو سعة من سعته يقول: من طاقته. 26622 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله قال: فرض لها من قدر ما يجد. 26623 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثني ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لينفق ذو سعة من سعته قال: على المطلقة إذا أرضعت له. 26624 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي سنان، قال: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن أبي عبيدة، فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع إذا هو أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال رحمه الله: تأول هذه الآية لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله. وقوله: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها يقول: لا يكلف الله أحدا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم لا ما أعطاه، إن كان ذا سعة فمن سعته، وإن كان مقدورا عليه رزقه فمما رزقه الله على قدر طاقته، لا يكلف الفقير نفقة الغني، ولا أحد من خلقه إلا فرضه الذي أوجبه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26625 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها قال: يقول: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني.
[ 191 ]
26626 - حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، عن هشيم لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها قال: إلا ما افترض عليها. 26627 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها يقول: إلا ما أطاقت. 26628 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها قال: لا يكلفه الله أن يتصدق وليس عنده ما يتصدق به، ولا يكلفه الله أن يزكي وليس عنده ما يزكي. القول في تأويل قوله تعالى: * (سيجعل الله بعسرا عسر يسرا وكائن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ئ فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا) * يقول تعالى ذكره: سيجعل الله للمقل من المال المقدور عليه رزقه بعد عسر يسرا يقول: من بعد شدة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26629 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان سيجعل الله بعد عسر يسرا بعد الشدة الرخاء. وقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتوهم، ولجوا في كفرهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26630 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله قال: غيرت وعصت. 26631 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا قال: العتو ههنا الكفر والمعصية، عتوا: كفرا، وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله. وقيل: إنهم كانوا قوما خالفوا أمر ربهم في الطلاق، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الامة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك. ذكر من قال ذلك:
[ 192 ]
26632 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله قال: قرية عذبت في الطلاق. وقوله: فحاسبناها حسابا شديدا يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابا شديدا، يقول: حسابا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شئ، ولم نتجاوز فيه عنهم، كما: 26633 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: فحاسبناها حسابا شديدا قال: لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شئ. 26634 - حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فحاسبناها حسابا شديدا يقول: لم نرحم. وقوله: وعذبناها عذابا نكرا يقول: وعذبناها عذابا عظيما منكرا، وذلك عذاب جهنم. وقوله: فذاقت وبال أمرها يقول: فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله، عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله والكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26635 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: فذاقت وبال أمرها قال: عقوبة أمرها. 26636 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فذاقت وبال أمرها قال: ذاقت عاقبة ما عملت من الشر. الوبال: العاقبة. 26637 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فذاقت وبال أمرها يقول: عاقبة أمرها. 26638 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فذاقت وبال أمرها قال: جزاء أمرها.
[ 193 ]
26639 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فذاقت وبال أمرها يعني بوبال أمرها: جزاء أمرها الذي قد حل. وقوله: وكان عاقبة أمرها خسرا يقول تعالى ذكره: وكان الذي أعقب أمرهم، وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرا: يعني غبنا، لانهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس من الدنيا قليل، وآثروا اتباع أهوائهم على اتباع أمر الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يأولي الالباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا ئ رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات) *. يقول تعالى ذكره: أعد الله لهؤلاء القوم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله عذابا شديدا، وذلك عذاب النار الذي أعده لهم في القيامة فاتقوا الله يا أولي الالباب يقول تعالى ذكره: فخافوا الله، واحذروا سخطه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه يا أولي العقول، كما: 26640 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: فاتقوا الله يا أولي الالباب قال: يا أولي العقول. وقوله: والذين آمنوا يقول: الذين صدقوا الله ورسله. وقوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا اختلف أهل التأويل في المعني بالذكر والرسول في هذا الموضع، فقال بعضهم: الذكر هو القرآن، والرسول محمد (ص). ذكر من قال ذلك: 26641 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا قال: الذكر: القرآن، والرسول: محمد (ص). 26642 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: قد أنزل الله إليكم ذكرا قال: القرآن روح من الله، وقرأ: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا إلى آخر الآية، وقرأ: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا قال:
[ 194 ]
القرآن، وقرأ: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم قال: بالقرآن، وقرأ: إنا نحن نزلنا الذكر قال: القرآن، قال: وهو الذكر، وهو الروح. وقال آخرون: الذكر: هو الرسول. والصواب من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر، وذلك نصب لانه مردود عليه على البيان عنه والترجمة. فتأويل الكلام إذن: قد أنزل الله إليكم يا أولي الالباب ذكرا من الله لكم يذكركم به، وينبهكم على حظكم من الايمان بالله، والعمل بطاعته، رسولا يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه مبينات يقول: مبينات لمن سمعها وتدبرها أنها من عند الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليخرج الذين ءامنوا وعمولا الصالحات من الظالمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا ئ) * يقول تعالى ذكره: قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكرا رسولا، يتلو عليكم آيات الله مبينات، كي يخرج الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه من الظلمات إلى النور يعني من الكفر وهي الظلمات، إلى النور: يعني إلى الايمان. وقوله: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يقول: ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته يدخله جنات تجري من تحتها الانهار يقول: يدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار خالدين فيها أبدا يقول: ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الانهار أبدا، لا يموتون، ولا يخرجون منها أبدا. وقوله: قد أحسن الله له رزقا يقول: قد وسع الله له في الجنات رزقا، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعد لاوليائه فيها، فطيبه لهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 195 ]
* (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي خلق سبع سموات لا ما يعبده المشركون من الآلهة والاوثان التي لا تقدر على خلق شئ. وقوله: ومن الارض مثلهن يقول: وخلق من الارض مثلهن لما في كل واحدة منهن مثل ما في السموات من الخلق. ذكر من قال ذلك: 26643 - حدثني عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال في هذه الآية: الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن قال عمرو: قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الارض من الخلق. وقال ابن المثنى: في كل سماء إبراهيم. 26644 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الاعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله سبع سموات ومن الارض مثلهن قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها. 26645 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: خلق الله سبع سموات غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام، وبين كل واحدة منهن خمسمائة عام، وفوق السبع السموات الماء، والله جل ثناؤه فوق الماء، لا يخفى عليه شئ من أعمال بني آدم. والارض سبع، بين كل أرضين خمسمائة عام، وغلظ كل أرض خمسمائة عام. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد القمى الاشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، عن سعيد بن جبير، قال: قال رجل لابن عباس الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن... الآية، فقال ابن عباس: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر. 26646 - قال: ثنا عباس، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد، قال: هذه الارض إلى تلك مثل الفسطاط ضربته في فلاة، وهذه السماء إلى تلك السماء، مثل حلقة رميت بها في أرض فلاة.
[ 196 ]
26647 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: السماء أولها موج مكفوف والثانية صخرة والثالثة حديد والرابعة نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب، والسابعة ياقوتة. 26648 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: ثني محمد بن قيس، عن مجاهد، قال: هذا البيت الكعبة رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت، كل بيت منها حذو صاحبه، لو وقع وقع عليه، وإن هذا الحرم حرمي بناؤه من السموات السبع والارضين السبع. 26649 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن خلق سبع سموات وسبع أرضين في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. 26650 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بينا النبي (ص) جالس مرة مع أصحابه، إذا مرت سحابة، قال النبي (ص) أتدرون ما هذا هذه العنان، هذه روايا الارض يسوقها الله إلى قوم لا يعبدونه قال: أتدرون ما هذه السماء ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذه السماء موج مكفوف، وسقف محفوظ ثم قال: أتدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فوق ذلك سماء أخرى، حتى عد سبع سموات وهو يقول: أتدرون ما بينهما خمسمائة سنة ثم قال: أتدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فوق ذلك العرش، قال: أتدرون ما بينهما ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: بينهما خمسمائة سنة ثم قال: أتدرون ما هذه الارض ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: تحت ذلك أرض، قال: أتدرون كم بينهما ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما مسيرة خمس مئة سنة، حتى عد سبع أرضين، ثم قال: والذي نفسي بيده لو دلي رجل يحبل حتى يبلغ أسفل الارضين السابعة لهبط على الله ثم قال: هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم. 26651 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال:
[ 197 ]
التقى أربعة من الملائكة بين السماء والارض، فقال بعضهم لبعض: من أين جئت ؟ قال أحدهم: أرسلني ربي من السماء السابعة، وتركته ثم قال الآخر: أرسلني ربي من الارض السابعة وتركته ثم قال الآخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته ثم قال الآخر: أرسلني ربي من المغرب وتركته ثم. وقوله: يتنزل الامر بينهن يقول تعالى ذكره: يتنزل أمر الله بين السماء السابعة والارض السابعة، كما: 26652 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يتنزل الامر بينهن قال: بين الارض السابعة إلى السماء السابعة. وقوله: لتعلموا أن الله على كل شئ قدير يقول تعالى ذكره: ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذر عليه شئ أراده، پولا يمتنع عليه أمر شاءه، ولكنه على ما يشاء قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما يقول جل ثناؤه: ولتعلموا أيها الناس أن الله بكل شئ من خلقه محيط علما، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. يقول جل ثناؤه: فخافوا أيها الناس المخالفون أمر ربكم عقوبته، فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع، وهو على ذلك قادر، ومحيط أيضا بأعمالكم، فلا يخفي عليه منها خاف، وهو محصيها عليكم، ليجازيكم بها. يوم تجزى كل نفس ما كسبت. آخر تفسير سورة الطلاق
[ 198 ]
(66) سورة التحريم مدنية وآياتها اثنتا عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي لم تحرم مآ أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي المحرم على نفسه ما أحل الله له، يبتغي بذلك مرضاه أزواجه، لم تحرم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك. واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جل ثناؤه أحله لرسوله، فحرمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم: كان ذلك مارية مملوكته القبطية، حرمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طالبا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته، لانها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله (ص) في يومها وفي حجرتها. ذكر من قال ذلك: 26653 - حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني ابن أبي مريم، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثني زيد بن أسلم أن رسول الله (ص) أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه قال: فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟، فجعلها عليه حراما فقالت: يا رسول الله كيف تحرم عليك الحلال ؟، فحلف لها بالله لا يصيبها، فأنزل الله عز وجل: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك قال: زيد: فقوله أنت علي حرام لغو.
[ 199 ]
26654 - حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا داود ابن أبي هند، عن الشعبي، قال: قال مسروق إن النبي (ص) حرم جاريته، وآلى منها، فجعل الحلال حراما، وقال في اليمين: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم. * - حدثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا سفيان، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال: آلى رسول الله (ص) وحرم، فعوتب في التحريم، وأمر بالكفارة في اليمين. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال لها: أنت علي حرام، ووالله لا أطؤك. 26655 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك قال: كان الشعبي يقول: حرمها عليه، وحلف لا يقربها، فعوتب في التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعامر الشعبي، أن النبي (ص) حرم جاريته. قال الشعبي: حلف بيمين مع التحريم، فعاتبه الله في التحريم، وجعل له كفارة اليمين. 26656 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قال: إنه وجدت امرأة من نساء رسول الله (ص) رسول الله (ص) مع جاريته في بيتها، فقالت: يا رسول الله أنى كان هذا الامر، وكنت أهونهن عليك ؟ فقال لها رسول الله (ص): اسكتي لا تذكري هذا لاحد، هي علي حرام إن قربتها بعد هذا أبدا، فقالت: يا رسول الله وكيف تحرم عليك ما أحل الله لك حين تقول: هي علي حرام أبدا ؟ فقال: والله لا آتيها أبدا، فقال الله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... الآية، قد غفرت هذا لك، وقولك والله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم. 26657 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك كانت لرسول الله (ص)
[ 200 ]
فتاة، فغشيها، فبصرت به حفصة، وكان اليوم يوم عائشة، وكانتا متظاهرتين، فقال رسول الله (ص): اكتمي علي ولا تذكري لعائشة ما رأيت، فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة. فلم تزل بنبي الله (ص) حتى حلف أن لا يقربها أبدا، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يكفر يمينه، ويأتي جاريته. 26658 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عامر، في قول الله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك في جارية أتاها، فأطلعت عليه حفصة، فقال: هي علي حرام، فاكتمي ذلك، ولا تخبري به أحدا فذكرت ذلك. وقال آخرون: بل حرم رسول الله (ص) جاريته، فجعل الله عز وجل تحريمه إياها بمنزلة اليمين، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها. ذكر من قال ذلك: 26659 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم أمر الله النبي (ص) والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحل الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشر مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، وليس يدخل ذلك في طلاق. 26660 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... إلى قوله وهو العليم الحكيم قال: كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبي (ص)، فذهبت حفصة إلى أبيها، فتحدثت عنده، فأرسل النبي (ص) إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيره شديدة، فأخرج رسول الله (ص) جاريته، ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سئتني، فقال النبي (ص): والله لارضينك فإني مسر إليك سرا فاحفظيه قالت: ما هو ؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا لك، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي (ص)، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إليها أن أبشري إن النبي (ص) قد حرم عليه فتاته، فلما أخبرت بسر النبي (ص) أظهر الله
[ 201 ]
عز وجل النبي (ص)، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك... إلى قوله (وهو العليم الحكيم 26661 - حدثني يعقوب الله لك تبتغي مرضاة أزواجك... إلى قوله وهو العليم الحكيم بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام الدستوائي، قال: كتب إلي يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس كان يقول: في الحرام يمين تكفرها. وقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة يعني أن النبي (ص) حرم جاريته، فقال الله وجل ثناؤه: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فكفر يمينه، فصير الحرام يمينا. 26662 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، قال: أنبأنا أبو عثمان أن النبي (ص) دخل بيت حفصة، فإذا هي ليست ثم، فجاءته فتاته، وألقى عليها سترا، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول الله (ص) حاجته، فقالت: والله لقد سئتني، جامعتها في بيتي، أو كما قالت قال: وحرمها النبي (ص)، أو كما قال. 26663 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... الآية، قال: كان حرم فتاته القبطية أم ولده إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة، وأسر ذلك إليها، فأطلعت عليه عائشة، وكانتا تظاهران على نساء النبي (ص)، فأحل الله له ما حرم على نفسه، فأمر أن يكفر عن يمينه، وعوتب في ذلك، فقال: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم قال قتادة: وكان الحسن يقول حرمها عليه، فجعل الله فيها كفارة يمين. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن النبي (ص) حرمها يعني جاريته، فكانت يمينا. 26664 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: قلت لعمر بن
[ 202 ]
الخطاب رضي الله عنه: من المرأتان ؟ قال: عائشة، وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم القبطية، أصابها النبي (ص) في بيت حفصة في يومها، فوجدته حفصة، فقالت: يا نبي الله لقد جئت إلي شيئا ما جئت إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري، وعلى فراشي قال: ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ قالت: بلى، فحرمها، وقال: لا تذكري ذلك لاحد، فذكرته لعائشة، فأظهره الله عز وجل عليه، فأنزل الله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزوجك... الآيات كلها، فبلغنا أن نبي الله (ص) كفر يمينه، وأصاب جاريته. وقال آخرون: كان ذلك شرابا يشربه، كان يعجبه ذلك. ذكر من قال ذلك: 26665 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: نزلت هذه الآية في شراب يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزوجك. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو قطن البغدادي عمرو بن الهيثم، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شداد مثله. 26666 - قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، قال: نزلت في شراب. والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرمه النبي (ص) على نفسه شيئا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون كان شرابا من الاشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أي ذلك كان، فإنه كان تحريم شئ كان له حلالا، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه كان حلف بها مع تحريمه ما حرم على نفسه. فإن قائل قائل: وما برهانك على أنه (ص) كان حلف مع تحريمه ما حرم، فقد علمت قول من قال: لم يكن من النبي (ص) في ذلك غير التحريم، وأن التحريم هو اليمين ؟ قيل: البرهان على ذلك واضح، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل
[ 203 ]
لجاريته، أو لطعام أو شراب، هذا علي حرام يمين، فإذا كان ذلك غير معقول، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشئ الحلال له: هو علي حرام. وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا، وفسد ما خالفه، وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبي (ص) ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله لم تحرم ما أحل الله معنا: لم تحلف على الشئ الذي قد أحله الله أن لا تقربه، فتحرمه على نفسك باليمين. وإنما قلنا: إن النبي (ص) حرم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما: 26667 - حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود ابن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول الله (ص) وحرم، فأمر في الايلاء بكفارة، وقيل له في التحريم لم تحرم ما أحل الله لك. وقوله: والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: قد بين الله عز وجل لكم تحلة أيمانكم، وحدها لكم أيها الناس والله مولاكم يتولاكم بنصره أيها المؤمنون وهو العليم بمصالحكم الحكيم في تدبيره إياكم، وصرفكم فيما هو أعلم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) *. يقول تعالى ذكره: وإذ أسر النبي محمد (ص) إلى بعض أزواجه، وهو في قول ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن بن زيد والشعبي والضحاك بن مزاحم: حفصة. وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل.
[ 204 ]
وقوله: حديثا والحديث الذي أسر إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسر إليه ذلك من أزواجه تحريم فتاته، أو ما حرم على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحله له، وحلفه على ذلك وقوله: لا تذكري ذلك لاحد. وقوله: فلما نبأت به يقول تعالى ذكره: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله (ص) صاحبتها وأظهره عليه يقول: وأظهر الله نبيه محمد (ص) على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها. وقوله: عرف بعضه وأعرض عن بعض اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار غير الكسائي: عرف بتشديد الراء، بمعنى: عرف النبي (ص) حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصري وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة، أنهم قرأوا ذلك: عرف بتخفيف الراء، بمعنى: عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سره، وقد استكتمها إياه: أي غضب من ذلك عليها رسول الله (ص)، وجازاها عليه من قول القائل لمن أساء إليه: لاعرفن لك يا فلان ما فعلت، بمعنى: لاجازينك عليه قالوا: وجازاها رسول الله (ص) على ذلك من فعلها بأن طلقها. وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه عرف بعضه بتشديد الراء، بمعنى: عرف النبي (ص) حفصة، يعني ما أظهره الله عليه من حديثها صاحبتها لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: وأعرض عن بعض يقول: وترك أن يخبرها ببعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26668 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا قوله لها: لا تذكريه فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض وكان كريما (ص). وقوله: فلما نبأها به يقول: فلما خبر حفصة نبي الله (ص) بما أظهره الله عليه من إفشائها سر رسول الله (ص) إلى عائشة قالت من أنبأك هذا يقول: قالت حفصة لرسول الله: من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به قال نبأني العليم الخبير يقول تعالى ذكره: قال محمد نبي الله لحفصة: خبرني به العليم بسرائر عباده، وضمائر قلوبهم، الخبير
[ 205 ]
بأمورهم، الذي لا يخفى عنه شئ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26669 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا ولم تشك أن صاحبتها أخبرت عنها قال نبأني العليم الخبير. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) *. يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله (ص) من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالا مما حرمه على نفسه بسبب حفصة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26670 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يقول: زاغت قلوبكما، يقول: قد أثمت قلوبكما. 26671 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد قال: كنا نرى أن قوله: فقد صغت قلوبكما شئ هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. 26672 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فقد صغت قلوبكما: أي مالت قلوبكما. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن قتادة فقد صغت قلوبكما مالت قلوبكما. 26673 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فقد صغت قلوبكما يقول: زاغت.
[ 206 ]
26674 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان صغت قلوبكما قال: زاغت قلوبكما. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، قال الله عز وجل: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما قال: سرهما أن يجتنب رسول الله (ص) جاريته، وذلك لهما موافق صغت قلوبكما إلى أن سرهما ما كره رسول الله (ص). وقوله: وإن تظاهرا عليه يقول تعالى ذكره للتي أسر إليها رسول الله (ص) حديثه، والتي أفشت إليها حديثه، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26675 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله (ص)، اللتين قال الله جل ثناؤه: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما قال: فحج عمر، وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بإداوة، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي (ص) اللتان قال الله لهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما قال عمر: واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري: وكره والله ما سأله ولم يكتم، قال: هي حفصة وعائشة قال: ثم أخذ يسوق الحديث، فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة، ثم ذكر الحديث بطوله. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن أشهب، عن مالك، عن أبي النضر، عن علي بن حسين، عن ابن عباس، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المتطاهرتين على رسول الله (ص)، فقال: عائشة وحفصة. 26676 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا، وصحبته حتى إذا كان بمر الظهران ذهب لحاجته، وقال: أدركني بإداوة من ماء فلما قضى
[ 207 ]
حاجته ورجع، أتيته بالاداوة أصبها عليه، فرأيت موضعا، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله (ص) ؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة رضي الله عنهما. 26677 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: ثنا سماك أبو زميل، قال: ثني عبد الله بن عباس، قال: ثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل نبي الله (ص) نساءه، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله ما شق عليك من شأن النساء، فلئن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته، وجبرائيل وميكائيل، وأنا وأبو بكر معك، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام، إلا رجوت أن يكون الله مصدق قولي، فنزلت هذه الآية، آية التخيير: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين... الآية، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبي (ص). 26678 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإن تظاهر عليه يقول: على معصية النبي (ص) وأذاه. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال ابن عباس لعمر: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لاهابك، قال: لا تهبني، فقال: من اللتان تظاهرتا على رسول الله (ص) ؟ قال: عائشة وحفصة. وقوله: فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين يقول: فإن الله هو وليه وناصره، وصالح المؤمنين، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره. وقيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما. ذكر من قال ذلك: 26679 - حدثني علي بن الحسن الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن عبد الوهاب، عن مجاهد، في قوله وصالح المؤمنين قال: أبو بكر وعمر.
[ 208 ]
26680 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، في قوله: وصالح المؤمنين قال: خيار المؤمنين أبو بكر الصديق وعمر. * - حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: ثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: وصالح المؤمنين قال: أبو بكر وعمر. * - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وصالح المؤمنين يقول: خيار المؤمنين. وقال آخرون: عني بصالح المؤمنين: الانبياء صلوات الله عليهم. ذكر من قال ذلك: 26681 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وصالح المؤمنين قال: هم الانبياء. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله وصالح المؤمنين قال: هم الانبياء. 26682 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وصالح المؤمنين قال الانبياپء. والصواب من القول في ذلك عندي: أن قوله: وصالح المؤمنين وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو بمعنى قوله إن الانسان لفي خسر فالانسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو نظير قول الرجل: لا تقرين إلا قارئ القرآن، يقال: قارئ القرآن، وإن كان في اللفظ واحدا، فمعناه الجمع، لانه قد أذن لكل قارئ القرآن أن يقريه، واحدا كان أو جماعة. وقوله: والملائكة بعد ذلك ظهير يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله (ص) أعوان على من آذاه، وأراد مساءته. والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع. ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل: والملائكة بعد ذلك ظهراء. وكان ابن زيد يقول في ذلك
[ 209 ]
26683 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن ما تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين قال: وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة، قال: والملائكة بعد ذلك ظهير. القول في تأويل قوله تعالى: * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) *. يقول تعالى ذكره: عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد (ص) أن يبدله منكن أزواجا خيرا منكن. وقيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) تحذيرا من الله نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة. ذكر من قال ذلك: 26684 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتمع على رسول الله (ص) نساؤه في الغيرة فقلت لهن: عسى ربه إن طلقهن أن يبدله أزواجا خيرا منكن، قال: فنزل كذلك. 26685 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس، عن عمر، قال: يلغني عن بعض أمهاتنا، أمهات المؤمنين شدة على رسول الله (ص) وأذاهن إياه، فاستقريتهن امرأة امرأة، أعظها وأنهاها عن أذى رسول الله (ص)، وأقول: إن أبيتن أبدله الله خيرا منكن، حتى أتيت، حسبت أنه قال على زينب، فقالت: يا بن الخطاب، أما في رسول الله (ص) ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فأمسكت، فأنزل الله عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب: يلغني عن أمهات المؤمنين شئ، فاستقريتهن أقول: لتكففن عن رسول الله (ص)، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين، فقالت: يا عمر أما في رسول الله (ص) ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فكففت، فأنزل الله عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزوجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات... الآية.
[ 210 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: أن يبدله فقرأ ذلك بعض قراء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال: يبدله أزواجا من التبديل وقرأه عامة قراء الكوفة: يبد له بتخفيف الدال من الابدال. والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: مسلمات يقول: خاضعات لله بالطاعة مؤمنات يعني مصدقات بالله ورسوله. وقوله قانتات يقول: مطيعات لله، كما: 26686 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله قانتات قال: مطيعات. 26687 - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله قانتات قال مطيعات. وقوله: تائبات يقول: راجعات إلى ما يحبه الله منهن من طاعته عما يكرهه منهن عابدات يقول: متذللات لله بطاعته. وقوله سائحات يقول: صائمات. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: سائحات فقال بعضهم: معنى ذلك: صائمات. ذكر من قال ذلك: 26688 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله سائحات قال: صائمات. 26689 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة، قوله سائحات قال: صائمات. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال السائحات: الصائمات. 26690 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: سائحات يعني: صائمات. وقال آخرون: السائحات: المهاجرات. ذكر من قال ذلك:
[ 211 ]
26691 - حدثنا إسحق بن إسرائيل، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، قال: السائحات: المهاجرات. 26692 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله سائحات قال: مهاجرات ليس في القرآن، ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، وهي التي قال الله السائحون. وقد بينا الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه، وكرهنا إعادته. وكان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سمي سائحا، لان السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أخذ من ذلك. وقوله: ثيبات وهن اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهن وأبكارا وهن اللواتي لم يجامعن، ولم يفترعن. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله قوا أنفسكم يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله. وقوله: وأهليكم نارا يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26693 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة قال: علموهم، أدبوهم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن رجل، عن علي قوا أنفسكم وأهليكم نارا يقول: أدبوهم، علموهم.
[ 212 ]
* - حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا سعيد بن خثيم، عن محمد بن خالد الضبي، عن الحكم، عن علي بمثله. 26694 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله قوا أنفسكم وأهليكم نارا يقول: أعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار. 26695 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله. 26696 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة قال: قال يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها. * - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال: مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصيته. وقوله: وقودها الناس يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت. وقوله: عليها ملائكة غلاظ شداد يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم لا يعصون الله ما أمرهم يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به ويفعلون ما يوءمرون يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله يوم القيامة للذين جحدوا وحدانيته في الدنيا يا أيها الذين كفروا بالله لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول: يقال لهم: إنما تثابون اليوم، وذلك يوم القيامة، وتعطون جزاء أعمالكم التي كنتم في الدنيا تعملون، فلا تطلبوا المعاذير منها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 213 ]
* (يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنآ إنك على كل شئ قدير) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله توبوا إلى الله يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم توبة نصوحا يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله نصوحا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26697 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السئ، ثم لا يعود إليه أبدا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال: التوبة النصوح: أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سألت عمر عن قوله توبوا إلى الله توبة نصوحا قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.
[ 214 ]
* - حدثنا به ابن حميد مرة أخرى، قال: أخبرني عن عمر بهذا الاسناد، فقال: التوبة النصوح: الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود. 26698 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله توبة نصوحا قال: يتوب ثم لا يعود. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله قال: التوبة النصوح: الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه. 26699 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال: توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه. 26700 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: توبة نصوحا قال: يستغفرون ثم لا يعودون. 26701 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: توبة نصوحا قال: النصوح: أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدا. 26702 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا قال: هي الصادقة الناصحة. 26703 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قول الله: توبوا إلى الله توبة نصوحا قال: التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحب الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة الامصار خلا عاصم: نصوحا بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذكر عن عاصم أنه قرأه: نصوحا بضم النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نصوحا. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لاجماع الحجة على ذلك.
[ 215 ]
وقوله: عسى ربكم أن يكفر عنكم سيأتكم يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار يوم لا يخزي الله النبي محمدا (ص) والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم يقول: يسعى نورهم أمامهم وبأيمانهم يقول: وبأيمانهم كتابهم، كما: 26704 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه... إلى قوله: وبأيمانهم يأخذون كتابهم فيه البشرى. يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26705 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ربنا أتمم لنا نورنا قال: قول المؤمنين حين يطفأ نور المنافقين. 26706 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال: ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله: ربنا أتمم لنا نورنا. 26707 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يذكرنا ويبكي، ويصدق قوله فعله، يقول: يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند الله عز وجل بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلائكم، فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان بن فلان هاك نورك، ويا فلان بن فلان، لا نور لك. وقوله: واغفر لنا يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها إنك على كل شئ قدير يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الاشياء ذو قدرة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 216 ]
* (يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالوعيد واللسان. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 26708 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين بالحدود. واغلظ عليهم يقول: واشدد عليهم في ذات الله ومأواهم جهنم يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم وبئس المصير قال: وبئس الموضع الذي يصيرن إليه جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبد ين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) *. يقول تعالى ذكره: مثل الله مثلا للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبد ين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما. ذكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة إمرأة لوط، أن لوطا كان يسر الضيف، وتدل عليه. ذكر من قال ذلك: 26709 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قيس، عن ابن عباس، قوله: فخانتاهما قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على الضيف. * - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسماعيل بن عمر، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، قال: سمعت ابن عباس قال في هذه الآية: أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تدل على لوط.
[ 217 ]
26710 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عامر الهمداني، عن الضحاك كانتا تحت عبد ين من عبادنا صالحين قال: ما بغت امرأة نبي قط فخانتاهما قال: في الدين خانتاهما. 26711 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبد ين من عبادنا صالحين فخانتاهما قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطا أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء فلم يغنيا عنهما من الله شيئا. 26712 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن أبي سعيد، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية فخانتاهما قال: في الدين. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله كانتا تحت عبد ين من عبادنا صالحين فخانتاهما قال: وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: عبيد بن سليمان، عن الضحاك فخانتاهما قال: كانتا مخالفتين دين النبي (ص) كافرتين بالله. 26713 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، قال: سألت سعيد بن جبير: ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح ؟ فقال: أما امرأة لوط، فإنها كانت تدل على الاضياف وأما امرأة نوح فلا علم لي بها. وقوله: فلم يغنيا عنهما من الله شيئا يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26714 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط... الآية، هاتان زوجتا نبيي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئا. 26715 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ضرب
[ 218 ]
الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط... الآية، قال: يقول الله: لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئا، وامرأة فرعون لم يضرها كفر فرعون. وقوله: وقيل ادخلا النار مع الداخلين قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدقت رسوله موسى، وهي تحت عدو من أعداء الله كافر، فلم يضرها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة بالله، وكان من قضاء الله في خلقه أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكل نفس ما كسبت، إذ قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتا في الجنة، كما: 26716 - حدثني إسماعيل بن حفص الابلي، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس. فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة. * - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: قال سليمان: كانت امرأة فرعون، فذكر نحوه. 26717 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا القاسم بن أبي بزة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب ؟ فيقال: غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت برب موسى وهارون فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح. 26718 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون وكان أعتى أهل الارض على الله، وأبعده من الله، فوالله
[ 219 ]
ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكم عدل، لا يؤاخذ عبد ه إلا بذنبه. بذنبه. وقوله: ونجني من فرعون وعمله وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله. وقوله: ونجني من القوم الظالمين تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك، ومن عذابهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) *. يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها يقول: التي منعت جيب درعها جبريل عليه السلام، وكل ما كان في الدرع من خرق أو فتق، فإنه يسمى فرجا، وكذلك كل صدع وشق في حائط، أو فرج سقف فهو فرج. وقوله: فنفخنا فيه من روحنا يقول: فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26719 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فنفخنا فيه من روحنا فنفخنا في جيبها من روحنا. وصدقت بكلمات ربها يقول: آمنت بعيسى، وهو كلمة الله وكتبه يعني التوراة والانجيل وكانت من القانتين يقول: وكانت من القوم المطيعين. كما: 26720 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة من القانتين من المطيعين. آخر تفسير سورة التحريم تم الجزء الثامن والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري ويليه الجزء التاسع والعشرون