جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 26

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه‍ قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدفي جميل العطار الجزء السادس والعشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
تفسير سورة الاحقاف بسم الله الرحمن الرحيم (46) سورة الاحقاف مكية وآياتها خمس وثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (حم ئ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ئ ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون) *. قد تقدم بياننا في معنى قوله: حم. تنزيل الكتاب بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: ما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق يقول تعالى ذكره: ما أحدثنا السموات والارض فأوجدناهما خلقا مصنوعا، وما بينهما من أصناف العالم إلا بالحق، يعني: إلا لاقامة الحق والعدل في الخلق. وقوله: وأجل مسمى يقول: وإلا بأجل لكل ذلك معلوم عنده يفنيه إذا هو بلغه، ويعدمه بعد أن كان موجودا بإيجاده إياه. وقوله: والذين كفروا عما أنذروا معرضون يقول تعالى ذكره: والذين جحدوا وحدانية الله عن إنذار الله إياهم معرضون، لا يتعظون به، ولا يتفكرون فيعتبرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين) *.
[ 4 ]
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: أرأيتم أيها القوم الآلهة والاوثان التي تعبدون من دون الله، أروني أي شئ خلقوا من الارض، فإن ربي خلق الارض كلها، فدعوتموها من أجل خلقها ما خلقت من ذلك آلهة وأربابا، فيكون لكم بذلك في عبادتكم إياها حجة، فإن من حجتي على عبادتي إلهي، وإفرادي له الالوهية، أنه خلق الارض فابتدعها من غير أصل. وقوله: أم لهم شرك في السموات يقول تعالى ذكره: أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس شرك مع الله في السموات السبع، فيكون لكم أيضا بذلك حجة في عبادتكموها، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي، أنه لا شريك له في خلقها، وأنه المنفرد بخلقها دون كل ما سواه. وقوله: ائتوني بكتاب من قبل هذا يقول تعالى ذكره: بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أنزل علي، بأن ما تعبدون من الآلهة والاوثان خلقوا من الارض شيئا، أو أن لهم مع الله شركا في السموات، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها، لانها إذا صح لها ذلك صحت لها الشركة في النعم التي أنتم فيها، ووجب لها عليكم الشكر، واستحقت منكم الخدمة، لان ذلك لا يقدر أن يخلقه إلا الله. وقوله: أو أثارة من علم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق أو أثارة من علم بالالف، بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم. وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأه أو أثرة من علم، بمعنى: أو خاصة من علم أوتيتموه، وأوثرتم به على غيركم، والقراءة التي لا أستجيز غيرها أو أثارة من علم بالالف، لاجماع قراء الامصار عليها. واختلف أهل التأويل في تأويلها، فقال بعضهم: معناه: أو ائتوني بعلم بأن آلهتكم خلقت من الارض شيئا، وأن لها شركا في السموات من قبل الخط الذي تخطونه في الارض، فإنكم معشر العرب أهل عيافة وزجر وكهانة. ذكر من قال ذلك:
[ 5 ]
24153 - حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن صفوان بن سليم، عن أبي سلمة، عن ابن عباس أو أثارة من علم قال: خط كان يخطه العرب في الارض. 24154 - حدثنا أبو كريب، قال: قال أبو بكر: يعني ابن عياش: الخط: هو العيافة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو خاصة من علم. ذكر من قال ذلك: 24155 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أو أثارة من علم قال: أو خاصة من علم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو أثارة من علم قال: أي خاصة من علم. حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة أو أثارة من علم قال: خاصة من علم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو علم تثيرونه فتستخرجونه. ذكر من قال ذلك: 24156 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: أو أثارة من علم قال: أثارة شئ يستخرجونه فطرة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو تأثرون ذلك علما عن أحد ممن قبلكم ؟ ذكر من قال ذلك: 24157 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أو أثارة من علم قال: أحد يأثر علما. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ببينة من الامر. ذكر من قال ذلك: 24158 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس أو أثارة من علم يقول: ببينة من الامر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ببقية من علم. ذكر من قال ذلك:
[ 6 ]
24159 - حدثنا أبو كريب، قال: سئل أبو بكر، يعني ابن عياش عن أثارة من علم قال: بقية من علم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الاثارة: البقية من علم، لان ذلك هو المعروف من كلام العرب، وهي مصدر من قول القائل: أثر الشئ أثارة، مثل سمج سماجة، وقبح قباحة، كما قال راعي الابل: وذات أثارة أكلت عليها نباتا في أكمته قفارا يعني: وذات بقية من شحم، فأما من قرأه أو أثرة فإنه جعله أثرة من الاثر، كما قيل: قترة وغبرة. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأه أو أثرة بسكون الثاء، مثل الرجفة والخطفة، وإذا وجه ذلك إلى ما قلنا فيه من أنه بقية من علم، جاز أن تكون تلك البقية من علم الخط، ومن علم استثير من كتب الاولين، ومن خاصة علم كانوا أوثروا به. وقد روي عن رسول الله (ص) في ذلك خبر بأنه تأوله أنه بمعنى الخط، سنذكره إن شاء الله تعالى، فتأويل الكلام إذن: ائتوني أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب، بتحقيق ما سألتكم تحقيقه من الحجة على دعواكم ما تدعون لآلهتكم، أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك إن كنتم صادقين في دعواكم لها ما تدعون، فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة لم تغن عن المدعي شيئا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) *.
[ 7 ]
يقول تعالى ذكره: وأي عبد أضل من عبد يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة: يقول: لا تجيب دعاءه أبدا، لانها حجر أو خشب أو نحو ذلك. وقوله: وهم عن دعائهم غافلون يقول تعالى ذكره: وآلهتهم التي يدعونهم عن دعائهم إياهم في غفلة، لانها لا تسمع ولا تنطق، ولا تعقل. وإنما عنى بوصفها بالغفلة، تمثيلها بالانسان الساهي عما يقال له، إذ كانت لا تفهم مما يقال لها شيئا، كما لا يفهم الغافل عن الشئ ما غفل عنه. وإنما هذا توبيخ من الله لهؤلاء المشركين لسوء رأيهم، وقبح اختيارهم في عبادتهم، من لا يعقل شيئا ولا يفهم، وتركهم عبادة من جميع ما بهم من نعمته، ومن به استغاثتهم عندما ينزل بهم من الحوائج والمصائب. وقيل: من لا يستجيب له، فأخرج ذكر الآلهة وهي جماد مخرج ذكر بني آدم، ومن له الاختيار والتمييز، إذ كانت قد مثلتها عبدتها بالملوك والامراء التي تخدم في خدمتهم إياها، فأجرى الكلام في ذلك على نحو ما كان جاريا فيه عندهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ئ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا جمع الناس يوم القيامة لموقف الحساب، كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداء، لانهم يتبرؤون منهم وكانوا بعبادتهم كافرين يقول تعالى ذكره: وكانت آلتهم التي يعبدونها في الدنيا بعبادتهم جاحدين، لانهم يقولون يوم القيامة: ما أمرناهم بعبادتنا، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا، تبرأنا إليك منهم يا ربنا. وقوله: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات يقول تعالى ذكره: وإذا يقرأ على هؤلاء المشركين بالله من قومك آياتنا، يعني حججنا التي احتججناها عليهم، فيما أنزلناه من كتابنا على محمد (ص) بينات يعني واضحات نيرات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم يقول تعالى ذكره: قال الذين جحدوا وحدانية الله، وكذبوا رسوله للحق لما جاءهم من عند الله، فأنزل على رسوله (ص) هذا سحر مبين يعنون هذا القرآن خداع يخدعنا، ويأخذ بقلوب من سمعه فعل السحر مبين: يقول: يبين لمن تأمله ممن سمعه أنه سحر مبين. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم) *.
[ 8 ]
يقول تعالى ذكره: أم يقولون هؤلاء المشركون بالله من قريش، افترى محمد هذا القرآن، فاختلقه وتخرصه كذبا، قل لهم يا محمد إن افتريته وتخرصته على الله كذبا فلا تملكون لي يقول: فلا تغنون عني من الله إن عاقبني على افترائي إياه، وتخرصي عليه شيئا، ولا تقدرون أن تدفعوا عني سوءا إن أصابني به. وقوله: هو أعلم بما تفيضون فيه يقول: ربي أعلم من كل شئ سواه بما تقولون بينكم في هذا القرآن والهاء من قوله: تفيضون فيه من ذكر القرآن. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تفيضون فيه قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24160 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إذ تفيضون فيه قال: تقولون. وقوله: كفى به شهيدا بيني وبينكم يقول: كفى بالله شاهدا علي وعليكم بما تقولون من تكذيبكم لي فيما جئتكم به من عند الله الغفور الرحيم لهم، بأن لا يعذبهم عليها بعد توبتهم منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لمشركي قومك من قريش ما كنت بدعا من الرسل يعني: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم يقال منه: هو بدع في هذا الامر، وبديع فيه، إذا كان فيه أول. ومن البدع قول عدي بن زيد. فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤسي وأسعد ومن البديع قول الاحوص: فخرت فانتمت فقلت انظريني ليس جهل أتيته ببديع
[ 9 ]
يعني بأول، يقال: هو بدع من قوم أبداع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24161 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ما كنت بدعا من الرسل يقول: لست بأول الرسل. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما كنت بدعا من الرسل قال: يقول: ما كنت أول رسول أرسل. 24162 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما كنت بدعا من الرسل قال: ما كنت أولهم. 24163 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الوهاب بن معاوية، عن أبي هبيرة، قال: سألت قتادة قل ما كنت بدعا من الرسل قال: أي قد كانت قبلي رسل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قل ما كنت بدعا من الرسل يقول: أي إن الرسل قد كانت قبلي. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بدعا من الرسل قال: قد كانت قبله رسل. وقوله: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: عني به رسول الله (ص)، وقيل له: قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وإلام نصير هنا لك، قالوا ثم بين الله لنبيه محمد (ص) وللمؤمنين به حالهم في الآخرة، فقيل له إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم. ذكر من قال ذلك: 24164 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن
[ 10 ]
عباس، قوله: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فأنزل الله بعد هذا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. 24165 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في حم الاحقاف وما أدري ما يفعل بي ولا بكم، إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين فنسختها الآية التي في سورة الفتح إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله... الآية، فخرج نبي الله (ص) حين نزلت هذه الآية، فبشرهم بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال له رجال من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله عز وجل في سورة الاحزاب، فقال: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وقال ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها، ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما، ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله... الآية، فبين الله ما يفعل به وبهم. 24166 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ثم دري أو علم من الله (ص) بعد ذلك ما يفعل به، يقول إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال: قد بين له أنه قد غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر. وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله جل ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا، أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم، أو يؤمنوا به فيتبعوه، وأمرهم إلى الهلاك، كما أهلكت الامم المكذبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله. ذكر من قال ذلك:
[ 11 ]
24167 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن، في قوله: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فقال: أما في الآخرة فمعاذ الله، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل، ولكن قال: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الانبياء قبلي أو أقتل كما قتلت الانبياء من قبلي، ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم، أمتي المكذبة، أم أمتي المصدقة، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا، أم مخسوف بها خسفا، ثم أوحي إليه: وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس يقول: أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يقتل، ثم أنزل الله عز وجل: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الاديان، ثم قال له في أمته: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فأخبره الله ما يصنع به، وما يصنع بأمته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما أدري ما يفترض علي وعليكم، أو ينزل من حكم، وليس يعني ما أدري ما يفعل بي ولا بكم غدا في المعاد من ثواب الله من أطاعه، وعقابه من كذبه. وقال آخرون: إنما أمر أن يقول هذا في أمر كان ينتظره من قبل الله عز وجل في غير الثواب والعقاب. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دل عليه التنزيل، القول الذي قاله الحسن البصري، الذي رواه عنه أبو بكر الهذلي. وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لان الخطاب من مبتدإ هذه السورة إلى هذه الآية، والخبر خرج من الله عز وجل خطابا للمشركين وخبرا عنهم، وتوبيخا لهم، واحتجاجا من الله تعالى ذكره لنبيه (ص) عليهم. فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن هذه الآية أيضا سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم، وتوبيخ لهم، أو خبر عنهم. وإذا كان ذلك كذلك، فمحال أن يقال للنبي (ص): قل للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة،
[ 12 ]
وآيات كتاب الله عز وجل في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون، والمؤمنون به في الجنان منعمون، وبذلك يرهبهم مرة، ويرغبهم أخرى، ولو قال لهم ذلك، لقالوا له: فعلام نتبعك إذن وأنت لا تدري إلى أي حال تصير غدا في القيامة، إلى خفض ودعة، أم إلى شدة وعذاب وإنما اتباعنا إياك إن اتبعناك، وتصديقنا بما تدعونا إليه، رغبة في نعمة، وكرامة نصيبها، أو رهبة من عقوبة، وعذاب نهرب منه، ولكن ذلك كما قال الحسن، ثم بين الله لنبيه (ص) ما هو فاعل به، وبمن كذب بما جاء به من قومه وغيرهم. وقوله: إن أتبع إلا ما يوحى إلي يقول تعالى ذكره: قل لهم ما أتبع فيما آمركم به، وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إلي، وما أنا إلا نذير مبين يقول: وما أنا لكم إلا نذير، أنذركم عقاب الله على كفركم به مبين: يقول: قد أبان لكم إنذاره، وأظهر لكم دعاءه إلى ما فيه نصيحتكم، يقول: فكذلك أنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين أرأيتم أيها القوم إن كان هذا القرآن من عند الله أنزله علي وكفرتم أنتم به يقول: وكذبتم أنتم به. وقوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وشهد شاهد من بني إسرائيل، وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله، يعني على مثل القرآن، قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة. ذكر من قال ذلك: 24168 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، عن مسروق في هذه الآية: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة، التوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد (ص).
[ 13 ]
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: سئل داود، عن قوله: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به... الآية، قال داود، قال عامر، قال مسروق: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد (ص) بها قومه، قال: فنزلت قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم قال: فالتوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد (ص)، فآمنوا بالتوراة وبرسولهم، وكفرتم. 24169 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: أناس يزعمون أن شاهدا من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة وقد أخبرني مسروق أن آل حم، إنما نزلت بمكة، وإنما كانت محاجة رسول الله (ص) قومه، فقال: أرأيتم إن كان من عند الله يعني القرآن وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام على الفرقان. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن داود، عن الشعبي، قال: إن ناسا يزعمون أن الشاهد على مثله: عبد الله بن سلام، وأنا أعلم بذلك، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة، وإنما كانت محاجة رسول الله (ص) لقومه، فقال: قل أرأيتم إن كان من عند الله يعني الفرقان وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فمثل التوراة الفرقان، التوراة شهد عليها موسى، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود، عن الشعبي، عن مسروق، في قوله قل أرأيتم إن كان من عند الله الآية، قال: كان إسلام ابن سلام بالمدينة ونزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه، فقال: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله قال: التوراة مثل الفرقان، وموسى مثل محمد، فآمن به واستكبرتم، ثم قال: آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه، واستكبرتم أنتم، فكذبتم أنتم نبيكم وكتابكم، إن الله لا يهدي... إلى قوله: هذا إفك قديم.
[ 14 ]
وقال آخرون: عنى بقوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام، قالوا: ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق. قالوا: ومثل القرآن التوراة. ذكر من قال ذلك: 24170 - حدثني يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف التنيس، قال: سمعت مالك بن أنس يحدث عن أبي النضر، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: ما سمعت رسول الله (ص) يقول لاحد يمشي على الارض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال: وفيه نزلت وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله. 24171 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا شعيب بن صفوان، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: قال عبد الله: أنزل في قل أرأيتم إن كان من عند الله.... إلى قوله: فآمن واستكبرتم. حدثني علي بن سعد بن مسروق الكندي، قال: ثنا أبو محمد يحيى بن يعلى، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أخي عبد الله بن سلام، قال: قال عبد الله بن سلام: نزلت في وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. 24172 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قل أرأيتم إن كان من عند الله... الآية، قال: كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد (ص)، فقال: إنا نجده في التوراة، وكان أفضل رجل منهم، وأعلمهم بالكتاب، فخاصمت اليهود النبي (ص)، فقال: أترضون أن يحكم بيني وبينكم عبد الله بن سلام ؟ أتؤمنون ؟ قالوا: نعم، فأرسل إلى عبد الله بن سلام، فقال: أتشهد أني رسول الله مكتوبا في التوراة والانجيل، قال: نعم، فأعرضت اليهود، وأسلم عبد الله بن سلام، فهو الذي قال الله جل ثناؤه عنه: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم يقول: فآمن عبد الله بن سلام. 24173 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 15 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله قال: عبد الله بن سلام. 24174 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل أرأيتم إن كان من عند الله... الآية، كنا نحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالاسلام، وكان من أحبار اليهود. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ؟ قال: هو عبد الله بن سلام. 24175 - حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله الشاهد: عبد الله بن سلام، وكان من الاحبار من علماء بني إسرائيل، وبعث رسول الله (ص) إلى اليهود، فأتوه، فسألهم فقال: أتعلمون أني رسول الله تجدونني مكتوبا عندكم في التوراة ؟ قالوا: لا نعلم ما تقول، وإنا بما جئت به كافرون، فقال: أي رجل عبد الله بن سلام عندكم ؟ قالوا: عالمنا وخيرنا، قال: أترضون به بيني وبينكم ؟ قالوا: نعم، فأرسل رسول الله (ص) إلى عبد الله بن سلام، فجاءه فقال: ما شهادتك يا بن سلام ؟ قال: أشهد أنك رسول الله، وأن كتابك جاء من عند الله، فآمن وكفروا، يقول الله تبارك وتعالى فآمن واستكبرتم. 24176 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قال: بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال: يا رسول الله، قد علمت اليهود أني من علمائهم، وأن أبي كان من علمائهم، وإني أشهد أنك رسول الله، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة، فأرسل إلى فلان وفلان، ومن سماه من اليهود، وأخبئني في بيتك، وسلهم عني، وعن أبي، فإنهم سيحدثونك أني أعلمهم، وأن أبي من أعلمهم، وإني سأخرج إليهم، فأشهد أنك رسول الله، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة، وأنك بعثت بالهدى ودين الحق، قال: ففعل رسول الله (ص)، فخبأه في بيته وأرسل إلى اليهود، فدخلوا عليه، فقال رسول الله (ص): ما عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا: أعلمنا نفسا. وأعلمنا أبا. فقال رسول الله (ص): أرأيتم إن أسلم تسلمون ؟ قالوا: لا يسلم، ثلاث
[ 16 ]
مرار، فدعاه فخرج، ثم قال: أشهد أنك رسول الله، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة، وأنك بعثت بالهدى ودين الحق، فقالت اليهود: ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام، قال: فخرجوا كفارا، فأنزل الله عز وجل في ذلك قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، فآمن واستكبرتم. 24177 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم قال: هذا عبد الله بن سلام، شهد أن رسول الله (ص) وكتابه حق، وهو في التوراة حق، فآمن واستكبرتم. 24178 - حدثني أبو شرحبيل الحمصي، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الاشجعي، قال: انطلق النبي (ص) وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله (ص) يا معشر اليهود إروني اثني عشر رجلا يشهدون إنه لا إله إلا هو، وأن محمدا رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه، قال: فأسكتوا فما أجابه منهم أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فانصرف وأنا معه، حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد، قال: فأقبل، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود، قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله، ولا أفقه منك، ولا من أبيك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد بالله أنه النبي (ص) الذي تجدونه في التوراة والانجيل، قالوا كذبت، ثم ردوا عليه قوله وقالوا له شرا، فقال لهم رسول الله (ص): كذبتم لن نقبل قولكم، أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن كذبتموه وقلتم ما قلتم، فلن نقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله (ص)، وأنا، وعبد الله بن سلام، فأنزل الله فيه: قل أرأيتم إن كان من عند الله... الآية.
[ 17 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل، لان قوله: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش، واحتجاجا عليهم لنبيه (ص)، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجر لاهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دل على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى، غير أن الاخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله (ص) بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك، وشهد عبد الله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله، يعني على مثل القرآن، وهو التوراة، وذلك شهادته أن محمدا مكتوب في التوراة أنه نبي تجده اليهود مكتوبا عندهم في التوراة، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبي. وقوله: فآمن واستكبرتم يقول: فآمن عبد الله بن سلام، وصدق بمحمد (ص)، وبما جاء به من عند الله، واستكبرتم أنتم على الايمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود إن الله لا يهدي القوم الظالمين يقول: إن الله لا يوفق لاصابة الحق، وهدى الطريق المستقيم، القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) *. يقول تعالى ذكره: وقال الذين جحدوا نبوة محمد (ص) من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به، لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا، ما سبقتمونا إلى التصديق به، وهذا التأويل على مذهب من تأول قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أنه معني به عبد الله بن سلام، فأما على تأويل من تأول أنه عني به مشركو قريش، فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه أنه عني به مشركو قريش وكذلك كان يتأوله قتادة، وفي تأويله إياه كذلك ترك منه تأويله، قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أنه معني به عبد الله بن سلام. ذكر الرواية عنه بذلك:
[ 18 ]
24179 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه قال: قال ذاك أناس من المشركين: نحن أعز، ونحن، ونحن، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان، فإن الله يختص برحمته من يشاء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه قال: قد قال ذلك قائلون من الناس، كانوا أعز منهم في الجاهلية، قالوا: والله لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان، يختص الله برحمته من يشاء، ويكرم الله برحمته من يشاء، تبارك وتعالى. وقوله: وإذ لم يهتدوا به يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى، فيرشدوا به الطريق المستقيم فسيقولون هذا إفك قديم يقول: فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد (ص) أكاذيب من أخبار الاولين قديمة، كما قال جل ثناؤه مخبرا عنهم، وقالوا أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) *. يقول تعالى ذكره: ومن قبل هذا الكتاب، كتاب موسى، وهو التوراة، إماما لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة لهم أنزلناه عليهم. وخرج الكلام مخرج الخبر عن الكتاب بغير ذكر تمام الخبر اكتفاء بدلالة الكلام على تمامه وتمامه: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أنزلناه عليه، وهذا كتاب أنزلناه لسانا عربيا. اختلف في تأويل ذلك، وفي المعنى الناصب لسانا عربيا أهل العربية، فقال بعض نحويي البصرة: نصب اللسان والعربي، لانه من صفة الكتاب، فانتصب على الحال، أو على فعل مضمر، كأنه قال: أعني لسانا عربيا. قال: وقال بعضهم على مصدق جعل الكتاب مصدق اللسان، فعلى قول من جعل اللسان نصبا على الحال، وجعله من صفة
[ 19 ]
الكتاب، ينبغي أن يكون تأويل الكلام، وهذا كتاب بلسان عربي مصدق التوراة كتاب موسى، بأن محمدا لله رسول، وأن ما جاء به من عند الله حق. وأما القول الثاني الذي حكيناه عن بعضهم، أنه جعل الناصب للسان مصدق، فقول لا معنى له، لان ذلك يصير إذا يؤول كذلك إلى أن الذي يصدق القرآن نفسه، ولا معنى لان يقال: وهذا كتاب يصدق نفسه، لان اللسان العربي هو هذا الكتاب، إلا أن يجعل اللسان العربي محمدا عليه الصلاة والسلام، ويوجه تأويله إلى: وهذا كتاب وهو القرآن يصدق محمدا، وهو اللسان العربي، فيكون ذلك وجها من التأويل. وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: لسانا عربيا من نعت الكتاب، وإنما نصب لانه أريد به: وهذا كتاب يصدق التوراة والانجيل لسانا عربيا، فخرج لسانا عربيا من يصدق، لانه فعل، كما تقول: مررت برجل يقوم محسنا، ومررت برجل قائم محسنا، قال: ولو رفع لسان عربي جاز على النعت للكتاب. وقد ذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود وهذا كتاب مصدق لما بين يديه لسانا عربيا فعلى هذه القراءة يتوجه النصب في قوله: لسانا عربيا من وجهين: أحدهما على ما بينت من أن يكون اللسان خارجا من قوله مصدق والآخر: أن يكون قطعا من الهاء التي في بين يديه. والصواب من القول في ذلك عندي أن يكون منصوبا على أنه حال مما في مصدق من ذكر الكتاب، لان قوله: مصدق فعل، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وهذا القرآن يصدق كتاب موسى بأن محمدا نبي مرسل لسانا عربيا. وقوله: لينذر الذين ظلموا يقول: لينذر هذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله بعبادتهم غيره. وقوله: وبشرى للمحسنين يقول: وهو بشرى للذين أطاعوا الله فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إياه في الدنيا، فحسن الجزاء من الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه. وفي قوله: وبشرى وجهان من الاعراب: الرفع على العطف على الكتاب بمعنى: وهذا كتاب مصدق وبشرى للمحسنين. والنصب على معنى: لينذر الذين ظلموا ويبشر، فإذا جعل مكان يبشر وبشرى أو وبشارة، نصبت كما تقول أتيتك لازورك وكرامة لك، وقضاء لحقك، بمعنى لازورك وأكرمك، وأقضي حقك، فتنصب الكرامة والقضاء بمعنى مضمر.
[ 20 ]
واختلفت القراء في قراءة لينذر فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز لتنذر بالتاء بمعنى: لتنذر أنت يا محمد، وقرأته عامة قراء العراق بالياء بمعنى: لينذر الكتاب، وبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ئ أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله الذي لا إله غيره ثم استقاموا على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم. وقوله: أولئك أصحاب الجنة يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين قالوا هذا القول، واستقاموا أهل الجنة وسكانها خالدين فيها يقول: ماكثين فيها أبدا جزاء بما كانوا يعملون يقول: ثوابا منا لهم آتيناهم ذلك على أعمالهم الصالحة التي كانوا في الدنيا يعملونها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) *. يقول تعالى ذكره: ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما، والبر بهما في حياتهما وبعد مماتهما. واختلفت القراء في قراءة قوله: إحسانا فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة حسنا بضم الحاء على التأويل الذي وصفت. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة إحسانا بالالف، بمعنى: ووصيناه بالاحسان إليهما، وبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معاني ذلك، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القراء.
[ 21 ]
وقوله: حملته أمه كرها ووضعته كرها يقول تعالى ذكره: ووصينا الانسان بوالديه إحسانا برا بهما، لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا، ثم وصف جل ثناؤه ما لديه من نعمة أمه، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه، ونبهه على الواجب لها عليه من البر، واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة، فقال: حملته أمه يعني في بطنها كرها، يعني مشقة، ووضعته كرها يقول: وولدته كرها يعني مشقة. كما: 24180 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة حملته أمه كرها ووضعته كرها يقول: حملته مشقة، ووضعته مشقة. 24181 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن، في قوله: حملته أمه كرها ووضعته كرها قالا: حملته في مشقة، ووضعته في مشقة. 24182 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حملته أمه كرها قال: مشقة عليها. واختلفت القراء في قراءة قوله: كرها فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة كرها بفتح الكاف. وقرأته عامة قراء الكوفة كرها بضمها، وقد بينت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضم في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا يقول تعالى ذكره: وحمل أمه إياه جنينا في بطنها، وفصالها إياه من الرضاع، وفطمها إياه، شرب اللبن ثلاثون شهرا. واختلفت القراء في قراءة قوله: وفصاله، فقرأ ذلك عامة قراء الامصار غير الحسن البصري: وحمله وفصاله بمعنى: فاصلته أمه فصالا ومفاصلة. وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه: وحمله وفصله بفتح الفاء بغير ألف، بمعنى: وفصل أمه إياه. والصواب من القول في ذلك عندنا، ما عليه قراء الامصار، لاجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالفه.
[ 22 ]
وقوله: حتى إذا بلغ أشده اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين، فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة. ذكر من قال ذلك: 24183 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: أشده: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة، والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون. 24184 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة حتى إذا بلغ أشده قال: ثلاثا وثلاثين. وقال آخرون: هو بلوغ الحلم. ذكر من قال ذلك: 24185 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، قال: الاشد: الحلم إذا كتبت له الحسنات، وكتبت عليه السيئات. وقد بينا فيما مضى الاشد جمع شد، وأنه تناهي قوته واستوائه. وإذا كان ذلك كذلك، كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم، لان المرء لا يبلغ في حال حلمه كمال قواه، ونهاية شدته، فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام، فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريبا أحدهما من صاحبه، كما قال جل ثناؤه: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريبا من ساعة من الليل وكله، ولا أخذت قليلا من مال أو كله، ولكن تقول: أخذت عامة مالي أو كله، فكذلك ذلك في قوله: حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة لا شك أن نسق الاربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه، إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة. وقوله: وبلغ أربعين سنة ذلك حين تكاملت حجة الله عليه، وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه. كما: 24186 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وبلغ أربعين سنة وقد مضى من سئ عمله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وبلغ أربعين سنة، قال رب أوزعني حتى بلغ من المسلمين وقد مضى من سئ عمله ما مضى.
[ 23 ]
وقوله: قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي يقول تعالى ذكره: قال هذا الانسان الذي هداه الله لرشده، وعرف حق الله عليه فيما ألزمه من بر والديه رب أو زعني أن أشكر نعمتك يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت علي في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للاقرار بذلك، والعمل بطاعتك وعلى والدي من قبلي، وغير ذلك من نعمك علينا، وألهمني ذلك. وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 24187 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أوزعني أن أشكر نعمتك قال: اجعلني أشكر نعمتك، وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله: رب أوزعني وإن كان يؤول إليه معنى الكلمة، فليس بمعنى الايزاع على الصحة. وقوله: وأن أعمل صالحا ترضاه يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحا من الاعمال التي ترضاها، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله (ص). وقوله: وأصلح لي في ذريتي يقول: وأصلح لي أموري في ذريتي الذين وهبتهم، بأن تجعلهم هداة للايمان بك، واتباع مرضاتك، والعمل بطاعتك، فوصاه جل ثناؤه بالبر بالآباء والامهات والبنين والبنات. وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقوله: إني تبت إليك وإني من المسلمين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الانسان: إني تبت إليك يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك وإني من المسلمين يقول: وإني من الخاضعين لك بالطاعة، المستسلمين لامرك ونهيك، المنقادين لحكمك. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم، هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا في الدنيا من صالحات الاعمال، فيجازيهم به، ويثيبهم عليه ويتجاوز عن سيئاتهم يقول: ويصفح لهم عن سيئات أعمالهم التي عملوها في الدنيا، فلا يعاقبهم
[ 24 ]
عليها في أصحاب الجنة يقول: نفعل ذلك بهم فعلنا مثل ذلك في أصحاب الجنة وأهلها الذين هم أهلها. كما: 24188 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن النبي (ص) عن الروح الامين، قال: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، فيقتص بعضها ببعض فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة قال: فدخلت على يزداد، فحدث بمثل هذا الحديث، قال: قلت: فإن ذهبت الحسنة ؟ قال: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم... الآية. 24189 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، قال: دعا أبو بكر عمر رضي الله عنهما، فقال له: إني أوصيك بوصية أن تحفظها: إن لله في الليل حقا لا يقبله بالنهار، وبالنهار حقا لا يقبله بالليل، إنه ليس لاحد نافلة حتى يؤدي الفريضة، إنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقل ذلك عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل، وخفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة، لاتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم، فيقول قائل: أين يبلغ عملي من عمل هؤلاء، وذلك أن الله عز وجل تجاوز عن أسوإ أعمالهم فلم يبده، ألم تر أن الله ذكر أهل النار بأسوإ أعمالهم حتى يقول قائل: أنا خير عملا من هؤلاء، وذلك بأن الله رد عليهم أحسن أعمالهم، ألم تر أن الله عز وجل أنزل آية الشدة عند آية الرخاء، وآية الرخاء عند آية الشدة، ليكون المؤمن راغبا راهبا، لئلا يلقي بيده إلى التهلكة، ولا يتمنى على الله أمنية يتمنى على الله فيها غير الحق. واختلفت القراء في قراءة قوله: نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة يتقبل، ويتجاوز بضم الياء منهما، على ما لم يسم فاعله، ورفع أحسن. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة نتقبل، ونتجاوز بالنون وفتحها، ونصب أحسن على معنى إخبار الله جل ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم،
[ 25 ]
وردا للكلام على قوله: ووصينا الانسان ونحن نتقبل منهم أحسن ما عملوا ونتجاوز، وهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وعد الصدق الذي كانوا يوعدون يقول: وعدهم الله هذا الوعد، وعد الحق لا شك فيه أنه موف لهم به، الذي كانوا إياه في الدنيا يعدهم الله تعالى، ونصب قوله: وعد الصدق لانه مصدر خارج من قوله: يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم، وإنما أخرج من هذا الكلام مصدر وعد وعدا، لان قوله: يتقبل عنهم ويتجاوز وعد من الله لهم، فقال: وعد الصدق، على ذلك المعنى. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغثيان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الاولين) *. وهذا نعت من الله تعالى ذكره نعت ضال به كافر، وبوالديه عاق، وهما مجتهدان في نصيحته ودعائه إلى الله، فلا يزيده دعاؤهما إياه إلى الحق، ونصيحتهما له إلا عتوا وتمردا على الله، وتماديا في جهله، يقول الله جل ثناؤه والذي قال لوالديه أن دعواه إلى الايمان بالله، والاقرار ببعث الله خلقه من قبورهم، ومجازاته إياهم بأعمالهم أف لكما يقول: قذرا لكما ونتنا أتعدانني أن أخرج يقول أتعدانني أن أخرج من قبري من بعد فنائي وبلائي فيه حيا. كما: 24190 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أتعدانني أن أخرج أن أبعث بعد الموت. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أتعدانني أن أخرج قال: يعني البعث بعد الموت. 24191 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني... إلى آخر الآية قال: الذي قال هذا ابن لابي بكر رضي الله عنه، قال: أتعدانني أن أخرج: أتعدانني أن أبعث بعد الموت.
[ 26 ]
24192 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج قال: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه، المكذب بالبعث. 24193 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم نعت عبد سوء عاقا لوالديه فاجرا فقال: والذي قال لوالديه أف لكما... إلى قوله: أساطير الاولين. وقوله: وقد خلت القرون من قبلي يقول: أتعدانني أن أبعث، وقد مضت قرون من الامم قبلي، فهلكوا، فلم يبعث منهم أحدا، ولو كنت مبعوثا بعد وفاتي كما تقولان، لكان قد بعث من هلك قبلي من القرون وهما يستغيثان الله يقول تعالى ذكره: ووالداه يستصرخان الله عليه، ويستغيثانه عليه أن يؤمن بالله، ويقر بالبعث ويقولان له: ويلك آمن، أي صدق بوعد الله، وأقر أنك مبعوث من بعد وفاتك، إن وعد الله الذي وعد خلقه أنه باعثهم من قبورهم، ومخرجهم منها إلى موقف الحساب لمجازاتهم بأعمالهم حق لا شك فيه، فيقول عدو الله مجيبا لوالديه، وردا عليهما نصيحتهما، وتكذيبا بوعد الله: ما هذا الذي تقولان لي وتدعواني إليه من التصديق بأني مبعوث من بعد وفاتي من قبري، إلا ما سطره الاولون من الناس من الاباطيل، فكتبوه، فأصبتماه أنتما فصدقتما. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين ئ ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم، الذين وجب عليهم عذاب الله، وحلت بهم عقوبته وسخطه، فيمن حل به عذاب الله على مثل الذي حل بهؤلاء من الامم الذين مضوا قبلهم من الجن والانس، الذين كذبوا رسل الله، وعتوا عن أمر ربهم. وقوله: إنهم كانوا خاسرين يقول تعالى ذكره: إنهم كانوا المغبونين ببيعهم الهدى بالضلال والنعيم بالعقاب. 24194 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن، قال: الجن لا يموتون، قال قتادة: فقلت أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت... الآية.
[ 27 ]
وقوله: ولكل درجات مما عملوا يقول تعالى ذكره: ولكل هؤلاء الفريقين: فريق الايمان بالله واليوم الآخر، والبر بالوالدين، وفريق الكفر بالله واليوم الآخر، وعقوق الوالدين اللذين وصف صفتهم ربنا عز وجل في هذه الآيات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة، مما عملوا، يعني من عملهم الذي عملوه في الدنيا من صالح وحسن وسيئ يجازيهم الله به. وقد: 24195 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولكل درجات مما عملوا قال: درج أهل النار يذهب سفالا، ودرج أهل الجنة يذهب علوا وليوفيهم أعمالهم يقول جل ثناؤه: وليعطي جميعهم أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا، المحسن منهم بإحسانه ما وعد الله من الكرامة، والمسئ منهم بإساءته ما أعده من الجزاء وهم لا يظلمون يقول: وجميعهم لا يظلمون: لا يجازي المسئ منهم إلا عقوبة على ذنبه، لا على ما لم يعمل، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يبخس المحسن منهم ثواب إحسانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم يعرض الذين كفروا بالله على النار يقال لهم: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها فيها. كما: 24196 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويوم يعرض الذين كفروا على النار قرأ يزيد حتى بلغ وبما كنتم تفسقون تعلمون والله إن أقواما يسترطون حسناتهم. استبقى رجل طيباته إن استطاع، ولا قوة إلا بالله. ذكر أن عمر بن الخطاب كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعاما، وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي. وذكر لنا أنه لما قدم الشام، صنع له طعام لم ير قبله مثله، قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ قال خالد بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظنا في الحطام، وذهبوا قال أبو جعفر: فيما أرى أنا بالجنة، لقد باينونا بونا بعيدا.
[ 28 ]
24197 - وذكر لنا. أن نبي الله (ص) دخل على أهل الصفة مكانا يجتمع فيه فقراء المسلمين، وهم يرقعون ثيابهم بالادم، ما يجدون لها رقاعا، قال: أنتم اليوم خير، أو يوم يغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى، ويغدي عليه بجفنة، ويراح عليه بأخرى، ويستر بيته كما تستر الكعبة. قالوا: نحن يومئذ خير، قال: بل أنتم اليوم خيرسش. 24198 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: حدثنا صاحب لنا عن أبي هريرة، قال: إنما كان طعامنا مع النبي (ص) الاسودين: الماء، والتمر، والله ما كنا نرى سمراءكم هذه، ولا ندري ما هي. 24199 - قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس الاشعري، عن أبيه، قال: أي بني لو شهدتنا مع رسول الله (ص) ونحن مع نبينا إذا أصابتنا السماء، حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما كان لباسنا الصوف. 24200 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا... إلى آخر الآية، ثم قرأ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون، وقرأ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وقرأ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد... إلى آخر الآية، وقال: هؤلاء الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. واختلفت القراء في قراءة قوله: أذهبتم طيباتكم، فقرأته عامة قراء الامصار
[ 29 ]
أذهبتم بغير استفهام، سوى أبي جعفر القارئ، فإنه قرأه بالاستفهام، والعرب تستفهم بالتوبيخ، وتترك الاستفهام فيه، فتقول: أذهبت ففعلت كذا وكذا، وذهبت ففعلت وفعلت. وأعجب القراءتين إلي ترك الاستفهام فيه، لاجماع الحجة من القراء عليه، ولانه أفصح اللغتين. وقوله فاليوم تجزون عذاب الهون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: فاليوم أيها الكافرون الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون: أي تثابون عذاب الهون، يعني عذاب الهوان، وذلك عذاب النار الذي يهينهم. كما: 24201 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عذاب الهون قال: الهوان بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق يقول: بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الارض على ربكم، فتأبون أن تخلصوا له العبادة، وأن تذعنوا لامره ونهيه بغير الحق، أي بغير ما أباح لكم ربكم، وأذن لكم به وبما كنتم تفسقون يقول: بما كنتم فيها تخالفون طاعته فتعصونه. القول في تأويل قوله تعالى: * (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر يا محمد لقومك الرادين عليك ما جئتهم به من الحق هود أخا عاد، فإن الله بعثك إليهم كالذي بعثه إلى عاد، فخوفهم أن يحل بهم من نقمة الله على كفرهم ما حل بهم إذ كذبوا رسولنا هودا إليهم، إذ أنذر قومه عادا بالاحقاف. والاحقاف: جمع حقف وهو من الرمل ما استطال، ولم يبلغ أن يكون جبلا، وإياه عنى الاعشى: فبات إلى أرطاة حقف تلفه حريق شمال يترك الوجه أقتما
[ 30 ]
واختلف أهل التأويل في الموضع الذي به هذه الاحقاف، فقال بعضهم: هي جبل بالشام. ذكر من قال ذلك: 24202 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف قال: الاحقاف: جبل بالشام. 24203 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله إذ أنذر قومه بالاحقاف جبل يسمى الاحقاف. وقال آخرون: بل هي واد بين عمان ومهرة. ذكر من قال ذلك: 24204 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف قال: فقال: الاحقاف الذي أنذر هود قومه واد بين عمان ومهرة. 24205 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت منازل عاد وجماعتهم، حيث بعث الله إليهم هودا الاحقاف: الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت، فاليمن كله، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الارض كلها، قهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله. وقال آخرون: هي أرض. ذكر من قال ذلك: 24206 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الاحقاف: الارض. 24207 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إذ أنذر قومه بالاحقاف قال: حشاف أو كلمة تشبهها، قال أبو موسى: يقولون مستحشف.
[ 31 ]
24208 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إذ أنذر قومه بالاحقاف حشاف من حسمى. وقال آخرون: هي رمال مشرفة على البحر بالشحر. ذكر من قال ذلك: 24209 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف ذكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف قال: بلغنا أنهم كانوا على أرض يقال لها الشحر، مشرفين على البحر، وكانوا أهل رمل. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة، أنه قال: كان مساكن عاد بالشحر. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود بالاحقاف، والاحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة، كما قال العجاج: بات إلى أرطاة حقف أحقفا وكما:
[ 32 ]
24210 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف قال: الاحقاف: الرمل الذي يكون كهيئة الجبل تدعوه العرب الحقف، ولا يكون أحقافا إلا من الرمل، قال: وأخو عاد هود. وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشام. وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت. وجائز أن يكون الشحر وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة. وقوله: وقد خلت النذور من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله يقول تعالى ذكره: وقد مضت الرسل بإنذار أممها من بين يديه يعني: من قبل هود ومن خلفه، يعني: ومن بعد هود. وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده، ألا تعبدوا إلا الله يقول: لا تشركوا مع الله شيئا في عبادتكم إياه، ولكن أخلصوا له العبادة، وأفردوا له الالوهية، إنه لا إله غيره، وكانوا فيما ذكر أهل أوثان يعبدونها من دون الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24211 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله قال: لن يبعث الله رسولا إلا بأن يعبد الله. وقوله: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: إني أخاف عليكم أيها القوم بعبادتكم غير الله عذاب الله في يوم عظيم وذلك يوم يعظم هو له، وهو يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *. يقول تعالى ذكره: قالت عاد لهود، إذ قال لهم لا تعبدوا إلا الله: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، أجئتنا يا هود لتصرفنا عن عبادة آلهتنا إلى عبادة ما تدعونا إليه، وإلى اتباعك على قولك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24212 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، في قوله: أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا قال: لتزيلنا، وقرأ إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا
[ 33 ]
عليها قال: تضلنا وتزيلنا وتأفكنا فأتنا بما تعدنا من العذاب على عبادتنا ما نعبد من الآلهة إن كنت من أهل الصدق في قوله وعداته. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال إنما العلم عند الله وأبلغكم مآ أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون) *. يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه عاد: إنما العلم بوقت مجئ ما أعدكم به من عذاب الله على كفركم به عند الله، لا أعلم من ذلك إلا ما علمني وأبلغكم ما أرسلت به يقول: وإنما أنا رسول إليكم من الله، مبلغ أبلغكم عنه ما أرسلني به من الرسالة ولكني أراكم قوما تجهلون مواضع حظوظ أنفسكم، فلا تعرفون ما عليها من المضرة بعبادتكم غير الله، وفي استعجال عذابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحابا عارضا في ناحية من نواحي السماء مستقبل أوديتهم والعرب تسمي السحاب الذي يرى في بعض أقطار السماء عشيا، ثم يصبح من الغد قد استوى، وحبا بعضه إلى بعض عارضا، وذلك لعرضه في بعض أرجاء السماء حين نشأ، كما قال الاعشى: يا من يرى عارضا قد بت أرمقه كأنما البرق في حافاته الشعل قالوا هذا عارض ممطرنا ظنا منهم برؤيتهم إياه أن غيثا قد أتاهم يحيون به، فقالوا: هذا الذي كان هود يعدنا، وهو الغيث. كما:
[ 34 ]
24213 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم... الآية، وذكر لنا أنهم حبس عنهم المطر زمانا، فلما رأوا العذاب مقبلا، قالوا هذا عارض ممطرنا. وذكر لنا أنهم قالوا: كذب هود كذب هود فلما خرج نبي الله (ص) فشامه، قال: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم. 24214 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ساق الله السحابة السوداء التي اختار قيل ابن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى تخرج عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا، وقالوا هذا عارض ممطرنا: يقول الله عز وجل: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم. وقوله: بل هو ما استعجلتم به يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه (ص) هود لقومه لما قالوا له عند رؤيتهم عارض العذاب، قد عرض لهم في السماء هذا عارض ممطرنا نحيا به، ما هو بعارض غيث، ولكنه عارض عذاب لكم، بل هو ما استعجلتم به: أي هو العذاب الذي استعجلتم به، فقلتم: ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ريح فيها عذاب أليم. والريح مكررة على ما في قوله: هو ما استعجلتم به كأنه قيل: بل هو ريح فيها عذاب أليم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24215 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: كان هود جلدا في قومه، وإنه كان قاعدا في قومه، فجاء سحاب مكفهر، فقالوا هذا عارض ممطرنا فقال: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم قال: فجاءت ريح فجعلت تلقي الفسطاط، وتجئ بالرجل الغائب فتلقيه. 24216 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: قال سليمان، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: لقد كانت الريح تحمل الظعينة فترفعها حتى ترى كأنها جرادة.
[ 35 ]
24217 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم... إلى آخر الآية، قال: هي الريح إذا أثارت سحابا، قالوا: هذا عارض ممطرنا، فقال نبيهم: بل ريح فيها عذاب أليم. القول في تأويل قوله تعالى: * (تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين) *. وقوله تدمر كل شئ بأمر ربها: يقول تعالى ذكره: تخرب كل شئ، وترمي بعضه على بعض فتهلكه، كما قال جرير: وكان لكم كبكر ثمود لمارغا ظهرا فدمرهم دمارا يعني بقوله: دمرهم: ألقى بعضهم على بعض صرعى هلكى. وإنما عنى بقوله: تدمر كل شئ بأمر ربها مما أرسلت بهلاكه، لانها لم تدمر هودا ومن كان آمن به. 24218 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق، عن زائدة، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا، فنزع خاتمه. وقوله: فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم يقول: فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا، فلا يرى في بلادهم شئ إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها. واختلفت القراء في قراءة قوله فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة لا ترى إلا مساكنهم بالتاء نصبا، بمعنى: فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة لا يرى إلا مساكنهم بالياء في يرى، ورفع
[ 36 ]
المساكن، بمعنى: ما وصفت قبل أنه لا يرى في بلادهم شئ إلا مساكنهم. وروى الحسن البصري لا ترى بالتاء، وبأي القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قرئ قوله يرى بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله: ترى بالتاء وفتحها، وأما التي حكيت عن الحسن، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة، وإنما قبحت لان العرب تذكر الافعال التي قبل إلا، وإن كانت الاسماء التي بعدها أسماء إناث، فتقول: ما قام إلا أختك، ما جاءني إلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما جاءتني إلا جاريتك، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد، أو شئ واحد، وشئ يذكر فعلهما العرب، وإن عنى بهما المؤنث، فتقول: إن جاءك منهن أحد فأكرمه، ولا يقولون: إن جاءتك، وكان الفراء يجيزها على الاستكراه، ويذكر أن المفضل أنشده: ونارنا لم تر نارا مثلها قد علمت ذاك معد كرما فأنث فعل مثل لانه للنار، قال: وأجود الكلام أن تقول: ما رؤي مثلها. وقوله: وكذلك نجزي القوم المجرمين يقول تعالى ذكره: كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهم وطغوا على ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق به ما كانوا به يستهزئون) *.
[ 37 ]
يقول تعالى ذكره لكفار قريش: ولقد مكنا أيها القوم عادا الذين أهلكناهم بكفرهم فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا، وأعطيناهم منها الذي لم نعطكم منهم من كثرة الاموال، وبسطة الاجسام، وشدة الابدان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24219 - حدثني علي، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه يقول: لم نمكنكم. 24220 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه: أنبأكم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم. وقوله: وجعلنا لهم سمعا يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصارا يبصرون بها حجج الله، وأفئدة يعقلون بها ما يضرهم وينفعهم فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ يقول: فلم ينفعهم ما أعطاهم من السمع والبصر والفؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له، ولم يعملوها فيما ينجيهم من عقاب الله، ولكنهم استعملوها فيما يقربهم من سخطه إذ كانوا يجحدون بآيات الله يقول: إذ كانوا يكذبون بحجج الله وهم رسله، وينكرون نبوتهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون يقول: وعاد عليهم ما استهزأوا به، ونزل بهم ما سخروا به، فاستعجلوا به من العذاب، وهذا وعيد من الله جل ثناؤه لقريش، يقول لهم: فاحذروا أن يحل بكم من العذاب على كفركم بالله وتكذيبكم رسله، ما حل بعاد، وبادروا بالتوبة قبل النقمة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ئ فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون) *.
[ 38 ]
يقول تعالى ذكره لكفار قريش محذرهم بأسه وسطوته، أن يحل بهم على كفرهم ولقد أهلكنا أيها القوم من القرى ما حول قريتكم، كحجر ثمود وأرض سدوم ومأرب ونحوها، فأنذرنا أهلها بالمثلات، وخربنا ديارها، فجعلناها خاوية على عروشها. وقوله: وصرفنا الآيات يقول: ووعظناهم بأنواع العظات، وذكرناهم بضروب من الذكر والحجج، وبينا لهم ذلك. كما: 24221 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وصرفنا الآيات قال بيناها لعلهم يرجعون يقول ليرجعوا عما كانوا عليه مقيمين من الكفر بالله وآياته. وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام عليه، وهو: فأبوا إلا الاقامة على كفرهم، والتمادي في غيهم، فأهلكناهم، فلن ينصرهم منا ناصر يقول جل ثناؤه: فلولا نصر هؤلاء الذين أهلكناهم من الامم الخالية قبلهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتها قربانا يتقربون بها فيما زعموا إلى ربهم منا إذ جاءهم بأسنا، فتنقذهم من عذابنا إن كانت تشفع لهم عند ربهم كما يزعمون، وهذا احتجاج من الله لنبيه محمد (ص) على مشركي قومه، يقول لهم: لو كانت آلهتكم التي تعبدون من دون الله تغني عنكم شيئا، أو تنفعكم عند الله كما تزعمون أنكم إنما تعبدونها، لتقربكم إلى الله زلفى، لاغنت عمن كان قبلكم من الامم التي أهلكتها بعبادتهم إياها، فدفعت عنها العذاب إذا نزل، أو لشفعت لهم عند ربهم، فقد كانوا من عبادتها على مثل الذي عليه أنتم، ولكنها ضرتهم ولم تنفعهم: يقول تعالى ذكره: بل ضلوا عنهم يقول: بل تركتهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها، فأخذت غير طريقهم، لان عبدتها هلكت، وكانت هي حجارة أو نحاسا، فلم يصبها ما أصابها ودعوها، فلم تجبهم، ولم تغثهم، وذلك ضلالها عنهم، وذلك إفكهم، يقول عز وجل هذه الآلهة التي ضلت عن هؤلاء الذين كانوا يعبدونها من دون الله عند نزول بأس الله بهم، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم، فخذلتهم، هو إفكهم: يقول: هو كذبهم الذي كانوا يكذبون، ويقولون هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون، يقول: وهو الذي كانوا يفترون، فيقولون: هي تقربنا إلى الله زلفى، وهي شفعاؤنا عند الله. وأخرج الكلام مخرج الفعل،
[ 39 ]
والمعني المفعول به، فقيل: وذلك إفكهم، والمعني فيه: المأفوك به لان الافك إنما هو فعل الآفك، والآلهة مأفوك بها. وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل، قال: وكذلك قوله: وما كانوا يفترون. واختلفت القراء في قراءة قوله وذلك إفكهم فقرأته عامة قراء الامصار: وذلك إفكهم بكسر الالف وسكون الفاء وضم الكاف بالمعنى الذي بينا. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك ما: 24222 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عمن حدثه، عن ابن عباس، أنه كان يقرأها وذلك أفكهم يعني بفتح الالف والكاف وقال: أضلهم. فمن قرأ القراءة الاولى التي عليها قراء الامصار، فالهاء والميم في موضع خفض. ومن قرأ هذه القراءة التي ذكرناها عن ابن عباس فالهاء والميم في موضع نصب، وذلك أن معنى الكلام على ذلك، وذلك صرفهم عن الايمان بالله. والصواب من القراءة في ذلك عندنا، القراءة التي عليها قرأة الامصار لاجماع الحجة عليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين) *. يقول تعالى ذكره مقرعا كفار قريش بكفرهم بما آمنت به الجن وإذ صرفنا إليك يا محمد نفرا من الجن يستمعون القرآن ذكر أنهم صرفوا إلى رسول الله (ص) بالحادث الذي حدث من رجمهم بالشهب. ذكر من قال ذلك: 24223 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، قال: كانت الجن تستمع، فلما رجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشئ حدث في الارض، فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي (ص) خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم. 24224 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: لما بعث النبي (ص) حرست السماء، فقال الشيطان: ما حرست إلا لامر قد حدث في الارض فبعث سراياه في الارض، فوجدوا النبي (ص) قائما يصلي صلاة
[ 40 ]
الفجر بأصحابه بنخلة، وهو يقرأ، فاستمعوا حتى إذا فرغ ولوا إلى قومهم منذرين... إلى قوله مستقيم. 24225 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن.... إلى آخر الآية، قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد (ص)، وكانوا يقعدون مقاعد للسمع فلما بعث الله محمدا (ص) حرست السماء حرسا شديدا، ورجمت الشياطين، فأنكروا ذلك، وقالوا: لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا فقال إبليس: لقد حدث في الارض حدث، واجتمعت إليه الجن، فقال: تفرقوا في الارض، فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء، وكان أول بعث ركب من أهل نصيبين، وهي أشراف الجن وساداتهم، فبعثهم إلى تهامة، فاندفعوا حتى بلغوا الوادي، وادي نخلة، فوجدوا نبي الله (ص) يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة، فاستمعوا فلما سمعوه يتلو القرآن، قالوا: أنصتوا، ولم يكن نبي الله (ص) علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين. واختلف أهل التأويل في مبلغ عدد النفر الذين قال الله وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن فقال بعضهم: كانوا سبعة نفر. ذكر من قال ذلك: 24226 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الحميد، قال: ثنا النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن... الآية، قال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله (ص) رسلا إلى قومهم. وقال آخرون: بل كانوا تسعة. نفر. ذكر من قال ذلك: 24227 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم، عن زر وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن قال: كانوا تسعة نفر فيهم زوبعة. 24228 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: أنزل على النبي (ص) وهو ببطن نخلة، فلما حضروه قال: كانوا تسعة أحدهم زوبعة.
[ 41 ]
وقوله: فلما حضروه يقول: فلما حضر هؤلاء النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله نبي الله (ص). واختلف أهل العلم في صفة حضورهم رسول الله (ص)، فقال بعضهم: حضروا رسول الله (ص)، يتعرفون الامر الذي حدث من قبله ما حدث في السماء، ورسول الله (ص) لا يشعر بمكانهم، كما قد ذكرنا عن ابن عباس قبل. وكما: 24228 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن قال: ما شعر بهم رسول الله (ص) حتى جاؤوا، فأوحى الله عز وجل إليه فيهم، وأخبر عنهم. وقال آخرون: بل أمر نبي الله (ص) أن يقرأ عليهم القرآن، وأنهم جمعوا له بعد أن تقدم الله إليه بإنذارهم، وأمره بقراءة القرآن عليهم. ذكر من قال ذلك: 24229 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن قال: ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى، قال: فإن نبي الله (ص)، قال: إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجن، فأيكم يتبعني ؟ فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا، فقال رجل: يا رسول الله إنك لذو بدئه، فاتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل رسول الله (ص) شعبا يقال له شعب الحجون. قال: وخط نبي الله (ص) على عبد الله خطا ليثبته به، قال: فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطا شديدا، حتى خفت على نبي الله (ص)، ثم تلا القرآن فلما رجع نبي الله قلت: يا نبي الله ما اللغط الذي سمعت ؟ قال: اجتمعوا إلي في قتيل كان بينهم، فقضي بينهم بالحق. وذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط، فراعوه، قال: من هؤلاء ؟ قالوا: هؤلاء نفر من الاعاجم، قال: ما رأيت للذين قرأ عليهم النبي (ص) الاسلام من الجن شبها أدنى من هؤلاء. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن نبي الله (ص)
[ 42 ]
ذهب وابن مسعود ليلة دعا الجن، فخط النبي (ص) على ابن مسعود خطا، ثم قال له: لا تخرج منه. ثم ذهب النبي (ص) إلى الجن، فقرأ عليهم القرآن، ثم رجع إلى ابن مسعود فقال: هل رأيت شيئا ؟ قال: سمعت لغطا شديدا، قال: إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينها، فقضي بينهم بالحق، وسألوه الزاد، فقال: كل عظم لكم عرق، وكل روث لكم خضرة. قالوا: يا رسول الله تقذرها الناس علينا، فنهى النبي (ص) أن يستنجى بأحدهما فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزط، وهم قوم طوال سود، فأفزعوه، فقال: أظهروا ؟ فقيل له: إن هؤلاء قوم من الزط، فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى النبي (ص). 24230 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر. عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي أنه قال لابن مسعود: حدثت أنك كنت مع رسول الله (ص) ليلة وفد الجن، قال: أجل، قال: فكيف كان ؟ فذكر الحديث كله. وذكر أن النبي (ص) خط عليه خطا وقال: لا تبرح منها، فذكر أن مثل العجاجة السوداء غشيت رسول الله (ص)، فذعر ثلاث مرات، حتى إذا كان قريبا من الصبح، أتاني رسول الله (ص)، فقال: أنمت ؟ قلت: لا والله، ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، قال: لو خرجت لم آمن أن يختطفك بعضهم، ثم قال: هل رأيت شيئا ؟ قال: نعم رأيت رجالا سودا مستشعري ثياب بيض، قال: أولئك جن نصيبين، سألوني المتاع، والمتاع الزاد، فمتعتهم بكل عظم حائل أو بعرة أو روثة، فقلت: يا رسول الله، وما يغني ذلك عنهم ؟ قال: إنهم لن يجدوا عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت، فلا يستنقين أحد منكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة. 24231 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو زرعة وهب بن راشد، قال: قال يونس، قال ابن شهاب: أخبرني أبو عثمان بن شبة الخزاعي،
[ 43 ]
وكان من أهل الشام أن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص) لاصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر أمر الجن الليلة فليفعل. فلم يحضر منهم أحد غيري، قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة، خط لي برجله خطا، ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن، فغشيته أسودة كبيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، ففرغ رسول الله (ص) مع الفجر، فانطلق متبرزا، ثم أتاني فقال: ما فعل الرهط ؟ قلت: هم أولئك يا رسول الله، فأخذ عظما أو روثا أو جمجمة فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث. حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي عثمان بن شبة الخزاعي، وكان من أهل الشأم، أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص)، فذكر مثله سواء، إلا أنه قال: فأعطاهم روثا أو عظما زادا، ولم يذكر الجمجمة. 24232 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي، قال: أخبرني يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، أن ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: بت الليلة أقرأ على الجن ربعا بالحجون. واختلفوا في الموضع الذي تلا عليهم رسول الله (ص) فيه القرآن، فقال عبد الله بن مسعود قرأ عليهم بالحجون، وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك. وقال آخرون: قرأ عليهم بنخلة، وقد ذكرنا بعض من قال ذلك، ونذكر من لم نذكره. 24233 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خلاد، عن زهير بن معاوية، عن جابر الجعفي، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النفر الذين أتوا رسول الله (ص) من جن نصيبين أتوه وهو بنخلة. 24234 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن قال: لقيهم بنخلة ليلتئذ.
[ 44 ]
وقوله: فلما حضروه قالوا أنصتوا يقول تعالى ذكره: فلما حضروا القرآن ورسول الله (ص) يقرأ، قال بعضهم لبعض: أنصتوا لنستمع القرآن. كما: 24235 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم، عن زر فلما حضروه قالوا أنصتوا قالوا: صه. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، مثله. 24236 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فلما حضروه قالوا أنصتوا قد علم القوم أنهم لن يعقلوا حتى ينصتوا. وقوله: فلما قضي يقول: فلما فرغ رسول الله (ص) من القراءة وتلاوة القرآن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24237 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فلما قضي يقول: فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين. وقوله: ولوا إلى قومهم منذرين يقول: انصرفوا منذرين عذاب الله على الكفر به. وذكر عن ابن عباس أن رسول الله (ص) جعلهم رسلا إلى قومهم. 24238 - حدثنا بذلك أبو كريب، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، قال: ثنا النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس. وهذا القول خلاف القول الذي روي عنه أنه قال: لم يكن نبي الله (ص) علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن، لانه محال أن يرسلهم إلى آخرين إلا بعد علمه بمكانهم، إلا أن يقال: لم يعلم بمكانهم في حال استماعهم للقرآن، ثم علم بعد قبل انصرافهم إلى قومهم، فأرسلهم رسلا حينئذ إلى قومهم، وليس ذلك في الخبر الذي روي. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين صرفوا إلى رسول الله (ص) من الجن لقومهم لما انصرفوا إليهم من عند رسول الله (ص): يا قومنا من الجن إنا سمعنا كتابا
[ 45 ]
أنزل من بعد كتاب موسى مصدقا لما بين يديه يقول: يصدق ما قبله من كتب الله التي أنزلها على رسله. وقوله: يهدي إلى الحق يقول: يرشد إلى الصواب، ويدل على ما فيه لله رضا وإلى طريق مستقيم يقول: وإلى طريق لا اعوجاج فيه، وهو الاسلام. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 24239 - حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد عن قتادة أنه قرأ قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم فقال: ما أسرع ما عقل القوم، ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوي. القول في تأويل قوله تعالى: * (يقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ئ ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن يا قومنا من الجن أجيبوا داعي الله قالوا: أجيبوا رسول الله محمدا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله وآمنوا به يقول: وصدقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر الله ونهيه، وغير ذلك مما دعاكم إلى التصديق به يغفر لكم يقول: يتغمد لكم ربكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إياكم عليها ويجركم من عذاب إليم يقول: وينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الايمان بالله وبداعيه. وقوله: ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر لقومهم: ومن لا يجب أيها القوم رسول الله (ص) محمدا، وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه من توحيده، والعمل بطاعته فليس بمعجز في الارض يقول: فليس بمعجز ربه بهربه، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وتركه تصديقه وإن ذهب في الارض هاربا، لانه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته وليس له من دونه أولياء يقول: وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه.
[ 46 ]
وقوله: أولئك في ضلال مبين يقول: هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد الله، والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل، وأخذ على غير استقامة، مبين: يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال، وأخذ على غير قصد. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والارض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير) *. يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم، وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم، القائلون لآبائهم وأمهاتهم أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي فلم يبعثوا بأبصار قلوبهم، فيروا ويعلموا أن الله الذي خلق السموات السبع والارض، فابتدعهن من غير شئ، ولم يعي بإنشائهن، فيعجز عن اختراعهن وإحداثهن بقادر على أن يحيي الموتى فيخرجهم من بعد بلائهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم. واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله: بقادر فقال بعض نحويي البصرة: هذه الباء كالباء في قوله: كفى بالله وهو مثل تنبت بالدهن وقال بعض نحويي الكوفة: دخلت هذه الباء للم قال: والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها، وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم، وما كنت بقائم، فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه، بما تعمل فيه من الفعل، قال: ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع، لانه خبر لان، قال: وأنشدني بعضهم: فما رجعت بخائبة ركاب حكيم بن المسيب منتهاها
[ 47 ]
فأدخل الباء في فعل لو ألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء، يقاس على هذا ما أشبهه. وقال بعض من أنكر قول البصري الذي ذكرنا قوله: هذه الباء دخلت للجحد، لان المجحود في المعنى وإن كان قد حال بينهما بأن أو لم يروا أن الله قادر على أن يحيي الموتى قال: فأن اسم يروا وما بعدها في صلتها، ولا تدخل فيه الباء، ولكن معناه جحد، فدخلت للمعنى. وحكي عن البصري أنه كان يأبى إدخال إلا، وأن النحويين من أهل الكوفة يجيزونه، ويقولون: ما ظننت أن زيدا إلا قائما، وما ظننت أن زيدا بعالم. وينشد: ولست بحالف لولدت منهم على عمية إلا زيادا قال: فأدخل إلا بعد جواب اليمين، قال: فأما كفى بالله، فهذه لم تدخل إلا لمعنى صحيح، وهي للتعجب، كما تقول لظرف بزيد. قال: وأما تنبت بالدهن فأجمعوا على أنها صلة. وأشبه الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: دخلت الباء في قوله بقادر للجحد، لما ذكرنا لقائلي ذلك من العلل. واختلفت القراء في قراءة قوله: بقادر فقرأ ذلك عامة قراء الامصار، عن أبي إسحاق والجحدري والاعرج بقادر وهي الصحيحة عندنا لاجماع قراء الامصار عليها. وأما الآخرون الذين ذكرتهم فإنهم فيما ذكر عنهم كانوا يقرأون ذلك يقدر بالياء. وقد ذكر أنه في قراءة عبد الله بن مسعود أن الله الذي خلق السموات والارض قادر بغير باء، ففي ذلك حجة لمن قرأه بقادر بالباء والالف. وقوله: بلى إنه على كل شئ قدير يقول تعالى ذكره: بلى، يقدر الذي خلق السموات والارض على إحياء الموتى: أي الذي خلق ذلك على كل شئ شاء خلقه، وأراد فعله، ذو قدرة لا يعجزه شئ أراده، ولا يعييه شئ أراد فعله، فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء، لان من عجز عن ذلك فضعيف، فلا ينبغي أن يكون إلها من كان عما أراد ضعيفا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 48 ]
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم يعرض هؤلاء المكذبون بالبعث، وثواب الله عباده على أعمالهم الصالحة، وعقابه إياهم على أعمالهم السيئة، على النار، نار جهنم، يقال لهم حينئذ: أليس هذا العذاب الذي تعذبونه اليوم، وقد كنتم تكذبون به في الدنيا بالحق، توبيخا من الله لهم على تكذيبهم به، كان في الدنيا قالوا بلى وربنا يقول: فيجيب هؤلاء الكفرة من فورهم بذلك، بأن يقولوا بلى هو الحق والله قال: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون يقول: فقال لهم المقرر بذلك: فذوقوا عذاب النار الآن بما كنتم تجحدونه في الدنيا، وتنكرونه، وتأبون الاقرار إذا دعيتم إلى التصديق به. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، مثبته على المضي لما قلده من عب ء الرسالة، وثقل أحمال النبوة (ص)، وآمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من المكاره، ونالهم فيه منهم من الاذى والشدائد فاصبر يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالانذار كما صبر أولوا العزم على القيام بأمر الله، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لامره، ما نالهم فيه من شدة. وقيل: إن أولي العزم منهم، كانوا الذين امتحنوا في ذات الله في الدنيا بالمحن، فلم تزدهم المحن إلا جدا في أمر الله، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 49 ]
24240 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ثوابة بن مسعود، عن عطاء الخراساني، أنه قال فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص). 24241 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل كنا نحدث أن إبراهيم كان منهم. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 24242 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل قال: كل الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ الله رسولا إلا كان ذا عزم، فاصبر كما صبروا. 24243 - حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، في قوله: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل قال: سماه الله من شدته العزم. وقوله: ولا تستعجل لهم يقول: ولا تستعجل عليهم بالعذاب، يقول: لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يقول: كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزله بهم، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار، لانه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا، ومبلغ ما فيها مكثوا من السنين والشهور، كما قال جل ثناؤه: قال لبثتم في الارض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فاسأل العادين. وقوله: بلاغ فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ، بمعنى: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم، ثم حذفت ذلك لبث، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها. والآخر: أن يكون معناه: هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية، إن فكروا واعتبروا فتذكروا.
[ 50 ]
وقوله: فهل يهلك إلا القوم الفاسقون يقول تعالى ذكره: فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره، وخرجوا عن طاعته وكفروا به. ومعنى الكلام: وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24244 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فهل يهلك إلا القوم الفاسقون تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الاسلام ظهره أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: أيما عبد من أمتي هم بحسنة كتبت له واحدة، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها. وأيما عبد هم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، ثم كان يتبعها، ويمحوها الله ولا يهلك إلا هالك. آخر تفسير سورة الاحقاف
[ 51 ]
سورة محمد (47) سورة محمد مدنية أو آياتها ثمان وثلاثونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ئ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) *. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين جحدوا توحيد الله وعبدوا غيره وصدوا من أراد عبادته والاقرار بوحدانيته، وتصديق نبيه محمد (ص) عن الذي أراد من الاسلام والاقرار والتصديق أضل أعمالهم يقول: جعل الله أعمالهم ضلالا على غير هدى وغير رشاد، لانها عملت في سبيل الشيطان وهي على غير استقامة والذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول تعالى ذكره: والذين صدقوا الله وعملوا بطاعته، واتبعوا أمره ونهيه وآمنوا بما نزل على محمد يقول: وصدقوا بالكتاب الذي أنزل الله على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم يقول: محا الله عنهم بفعلهم ذلك سيئ ما عملوا من الاعمال، فلم يؤاخذهم به، ولم يعاقبهم عليه وأصلح بالهم يقول: وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة بأن أورثهم نعيم الابد والخلود الدائم في جنانه. وذكر أنه عنى بقوله: الذين كفروا... الآية أهل مكة، والذين آمنوا وعملوا الصالحات... الآية، أهل المدينة. ذكر من قال ذلك: 24245 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، في قوله: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قال: نزلت في أهل مكة والذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: الانصار.
[ 52 ]
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وأصلح بالهم قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24246 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس وأصلح بالهم قال: أمرهم. 24247 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأصلح بالهم قال: شأنهم. 24248 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأصلح بالهم قال: أصلح حالهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأصلح بالهم قال: حالهم. 24249 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأصلح بالهم قال حالهم. والبال: كالمصدر مثل الشأن لا يعرف منه فعل، ولا تكاد العرب تجمعه إلا في ضرورة شعر، فإذا جمعوه قالوا بالات. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهذين الفريقين من إضلالنا أعمال الكافرين، وتكفيرنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، جزاء منا لكل فريق منهم على فعله. أما الكافرون فأضللنا أعمالهم، وجعلناها على غير استقامة وهدى، بأنهم اتبعوا الشيطان فأطاعوه، وهو الباطل. كما: 24250 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، وعباس بن محمد، قالا: ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني خالد أنه سمع مجاهدا يقول ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل قال: الباطل: الشيطان. وأما المؤمنون فكفرنا عنهم سيئاتهم،
[ 53 ]
وأصلحنا لهم حالهم بأنهم اتبعوا الحق الذي جاءهم من ربهم، وهو محمد (ص)، وما جاءهم به من عند ربه من النور والبرهان كذلك يضرب الله للناس أمثالهم يقول عز وجل: كما بينت لكم أيها الناس فعلي بفريق الكفر والايمان، كذلك نمثل للناس الامثال، ونشبه لهم الاشباه، فنلحق بكل قوم من الامثال أشكالا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشآء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) *. يقول تعالى ذكره لفريق الايمان به وبرسوله: فإذا لقيتم الذين كفروا بالله ورسوله من أهل الحرب، فاضربوا رقابهم. وقوله: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق يقول: حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم، فصاروا في أيديكم أسرى فشدوا الوثاق يقول: فشدوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم، فيهربوا منكم. وقوله: فإما منا بعد وإما فداء يقول: فإذا أسرتموهم بعد الاثخان، فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الاسر، وتحرروهم بغير عوض ولا فدية، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضا حتى تطلقوهم، وتخلوا لهم السبيل. واختلف أهل العلم في قوله: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء فقال بعضهم: هو منسوخ نسخه قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم. ذكر من قال ذلك: 24251 - حدثنا ابن حميد وابن عيسى الدامغاني، قالا: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج أنه كان يقول، في قوله: فإما منا بعد وإما فداء نسخها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
[ 54 ]
24252 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي فإما منا بعد وإما فداء قال: نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. 24253 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فإما منا بعد وإما فداء نسخها قوله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإذا لقيتم الذين كفروا إلى قوله: وإما فداء كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم، فإذا أسروا منهم أسيرا، فليس لهم إلا أن يفادوه، أو يمنوا عليه، ثم يرسلوه، فنسخ ذلك بعد قوله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم: أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذكرون. 24254 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، قال: كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه في أسير أسر، فذكر أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا، فقال أبو بكر: اقتلوه، لقتل رجل من المشركين، أحب إلي من كذا وكذا. 24255 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب... إلى آخر الآية، قال: الفداء منسوخ، نسختها: فإذا انسلخ الاشهر الحرم... إلى كل مرصد قال: فلم يبق لاحد من المشركين عهد ولا حرمة بعد براءة، وانسلاخ الاشهر الحرم. 24256 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإما منا بعد وإما فداء هذا منسوخ، نسخه قوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فلم يبق لاحد من المشركين عهد ولا ذمة بعد براءة.
[ 55 ]
وقال آخرون: هي محكمة وليست بمنسوخة، وقالوا: لا يجوز قتل الاسير، وإنما يجوز المن عليه والفداء. ذكر من قال ذلك: 24257 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عتاب سهل بن حماد، قال: ثنا خالد بن جعفر، عن الحسن، قال: أتى الحجاج بأسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلا يقتله، فقال ابن عمر: ليس بهذا أمرنا، قال الله عز وجل حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء قال: البكا بين يديه فقال الحسن: لو كان هذا وأصحابه لابتدروا إليهم. 24258 - حدثنا ابن حميد وابن عيسى الدامغاني، قالا: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء أنه كان يكره قتل المشرك صبرا، قال: ويتلو هذه الآية فإما منا بعد وإما فداء. 24259 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، قال: لا تقتل الاسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدو. 24260 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان عمر بن عبد العزيز يفديهم الرجل بالرجل، وكان الحسن يكره أن يفادي بالمال. 24261 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن رجل من أهل الشام ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز، وهو من بني أسد، قال: ما رأيت عمر رحمه الله قتل أسيرا إلا واحدا من الترك كان جئ بأسارى من الترك، فأمر بهم أن يسترقوا، فقال رجل ممن جاء بهم: يا أمير المؤمنين، لو كنت رأيت هذا لاحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم، فقال عمر: فدونك فاقتله، فقام إليه فقتله. والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ ما قد بينا في غير موضع في كتابنا إنه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حال
[ 56 ]
واحدة، أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر، وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المن والفداء والقتل إلى الرسول (ص)، وإلى القائمين بعده بأمر الامة، وإن لم يكن القتل مذكورا في هذه الآية، لانه قد أذن بقتلهم في آية أخرى، وذلك قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.... الآية، بل ذلك كذلك، لان رسول الله (ص) كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرا في يده من أهل الحرب، فيقتل بعضا، ويفادي ببعض، ويمن على بعض، مثل يوم بدر قتل عقبة بن أبي معيط وقد أتي به أسيرا، وقتل بني قريظة، وقد نزلوا على حكم سعد، وصاروا في يده سلما، وهو على فدائهم، والمن عليهم قادر، وفادى بجماعة أسارى المشركين الذين أسروا ببدر، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي، وهو أسير في يده، ولم يزل ذلك ثابتا من سيره في أهل الحرب من لدن أذن الله له بحربهم، إلى أن قبضه إليه (ص) دائما ذلك فيهم، وإنما ذكر جل ثناؤه في هذه الآية المن والفداء في الاسارى، فخص ذكرهما فيها، لان الامر بقتلهما والاذن منه بذلك قد كان تقدم في سائر آي تنزيله مكررا، فأعلم نبيه (ص) بما ذكر في هذه الآية من المن والفداء ماله فيهم مع القتل. وقوله: حتى تضع الحرب أوزارها يقول تعالى ذكره: فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم، وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم، حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها، المشركين بالله بأن يتوبوا إلى الله من شركهم، فيؤمنوا به وبرسوله، ويطيعوه في أمره ونهيه، فذلك وضع الحرب أوزارها، وقيل: حتى تضع الحرب أوزارها والمعنى: حتى تلقي الحرب أوزار أهلها. وقيل: معنى ذلك: حتى يضع المحارب أوزاره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24262 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حتى تضع الحرب أوزارها قال: حتى يخرج عيسى ابن مريم، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة، وتأمن الشاة من الذئب، ولا تقرض فأرة جرابا، وتذهب العداوة من الاشياء كلها، ذلك ظهور الاسلام على الدين كله، وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دما إذا وضعها. 24263 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: حتى تضع الحرب أوزارها حتى لا يكون شرك.
[ 57 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة حتى تضع الحرب أوزارها قال: حتى لا يكون شرك. ذكر من قال: عني بالحرب في هذا الموضع: المحاربون. 24264 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة حتى تضع الحرب أوزارها قال الحرب: من كان يقاتلهم سماهم حربا. وقوله: ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب، وشدهم وثاقا بعد قهرهم، وأسرهم، والمن والفداء حتى تضع الحرب أوزارها هو الحق الذي ألزمكم ربكم ولو يشاء ربكم، ويريد لانتصر من هؤلاء المشركين الذين بين هذا الحكم فيهم بعقوبة منه لهم عاجلة، وكفاكم ذلك كله، ولكنه تعالى ذكره كره الانتصار منهم، وعقوبتهم عاجلا إلا بأيديكم أيها المؤمنون ليبلو بعضكم ببعض يقول: ليختبركم بهم، فيعلم المجاهدين منكم والصابرين، ويبلوهم بكم، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم، ويتعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24265 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولو يشاء الله لانتصر منهم إي والله بجنوده الكثيرة كل خلقه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا. وقوله: والذين قاتلوا في سبيل الله اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة والذين قاتلوا بمعنى: حاربوا المشركين، وجاهدوهم، بالالف وكان الحسن البصري فيما ذكر عنه يقرأه قتلوا بضم القاف وتشديد التاء، بمعنى: أنه قتلهم المشركون بعضهم بعد بعض، غير أنه لم يسم الفاعلون. وذكر عن الجحدري عاصم أنه كان يقرأه والذين قتلوا بفتح القاف وتخفيف التاء، بمعنى: والذين قتلوا المشركون بالله. وكان أبو عمرو يقرأه قتلوا بضم القاف وتخفيف التاء بمعنى: والذين قتلهم المشركون، ثم أسقط الفاعلين، فجعلهم لم يسم فاعل ذلك بهم. وأولى القراآت بالصواب قراءة من قرأه والذين قاتلوا لاتفاق الحجة من القراء، وإن كان لجميعها وجوه مفهومة.
[ 58 ]
وإذ كان ذلك أولى القراآت عندنا بالصواب، فتأويل الكلام: والذين قاتلوا منكم أيها المؤمنون أعداء الله من الكفار في دين الله، وفي نصرة ما بعث به رسوله محمدا (ص) من الهدى، فجاهدوهم في ذلك فلن يضل أعمالهم فلن يجعل الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا ضلالا عليهم كما أضل أعمال الكافرين. وذكر أن هذه الآية عني بها أهل أحد. ذكر من قال ذلك: 2466 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت يوم أحد ورسول الله (ص) في الشعب، وقد فشت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ: أعل هبل، فنادى المسلمون: الله أعلى وأجل، فنادى المشركون: يوم بيوم، إن الحرب سجال، إن لنا عزى، ولا عزى لكم، قال رسول الله (ص): الله مولانا ولا مولى لكم. إن القتلى مختلفة، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وأما قتلاكم ففي النار يعذبون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم قال: الذين قتلوا يوم أحد. القول في تأويل قوله تعالى: * (سيهديهم ويصلح بالهم ئ ويدخلهم الجنة عرفها لهم ئ يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) *. يقول تعالى ذكره: سيوفق الله تعالى ذكره للعمل بما يرضي ويحب، هؤلاء الذين قاتلوا في سبيله، ويصلح بالهم: ويصلح أمرهم وحالهم في الدنيا والآخرة ويدخلهم الجنة عرفها لهم يقول: ويدخلهم الله جنته عرفها، يقول: عرفها وبينها لهم، حتى إن الرجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدنيا، لا يشكل عليه ذلك. كما: 24267 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبي سعيد الخدري، قال: إذا نجى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار،
[ 59 ]
فاقتص بعضهم من بعض مظالم كثيرة كانت بينهم في الدنيا، ثم يؤذن لهم بالدخول في الجنة، قال: فما كان المؤمن بأدل بمنزله في الدنيا منه بمنزله في الجنة حين يدخلها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ويدخلهم الجنة عرفها لهم قال: أي منازلهم فيها. 24268 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ويدخلهم الجنة عرفها لهم قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا. 24269 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويدخلهم الجنة عرفها لهم قال: بلغنا عن غير واحد قال: يدخل أهل الجنة الجنة، ولهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا قال: فتلك قول الله جل ثناؤه ويدخلهم الجنة عرفها لهم. وقوله: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إن تنصروا الله ينصركم بنصركم رسوله محمدا (ص) على أعدائه من أهل الكفر به وجهادكم إياهم معه لتكون كلمته العليا ينصركم عليهم، ويظفركم بهم، فإنه ناصر دينه وأولياءه. كما: 24270 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن تنصروا الله ينصركم لانه حق على الله أن يعطي من سأله وينصر من نصره. وقوله: ويثبت أقدامكم يقول: ويقوكم عليهم، ويجرئكم، حتى لا تولوا عنهم، وإن كثر عددهم، وقل عددكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ئ ذلك بأنهم كرهوا مآ أنزل الله فأحبط أعمالهم) *. يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله، فجحدوا توحيده فتعسا لهم يقول: فخزيا لهم وشقاء وبلاء. كما:
[ 60 ]
24271 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين كفروا فتعسا لهم قال: شقاء لهم. وقوله: وأضل أعمالهم يقول وجعل أعمالهم معمولة على غير هدى ولا استقامة، لانها عملت في طاعة الشيطان، لا في طاعة الرحمن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24272 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأضل أعمالهم قال: الضلالة التي أضلهم الله لم يهدهم كما هدى الآخرين، فإن الضلالة التي أخبرك الله: يضل من يشاء، ويهدي من يشاء قال: وهؤلاء ممن جعل عمله ضلالا، ورد قوله: وأضل أعمالهم على قوله: فتعسا لهم وهو فعل ماض، والتعس اسم، لان التعس وإن كان اسما ففي معنى الفعل لما فيه من معنى الدعاء، فهو بمعنى: أتعسهم الله، فلذلك صلح رد أضل عليه، لان الدعاء يجري مجرى الامر والنهي، وكذلك قوله: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق مردودة على أمر مضمر ناصب لضرب. وقوله: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهم من الاتعاس وإضلال الاعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا محمد (ص) وسخطوه، فكذبوا به، وقالوا: هو سحر مبين. وقوله: فأحبط أعمالهم يقول: فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وذلك عبادتهم الآلهة، لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة، بل أوبقهم بها، فأصلاهم سعيرا، وهذا حكم الله جل جلاله في جميع من كفر به من أجناس الامم، كما قال قتادة. 24273 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: فتعسا لهم قال: هي عامة للكفار. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) *. يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المكذبون محمدا (ص)، المنكرو ما أنزلنا عليه من الكتاب في الارض سفرا، وإنما هذا توبيخ من الله لهم، لانهم قد كانوا يسافرون إلى الشام،
[ 61 ]
فيرون نقمة الله التي أحلها بأهل حجر ثمود، ويرون في سفرهم إلى اليمن ما أحل الله بسبأ، فقال لنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين به: أفلم يسر هؤلاء المشركون سفرا في البلاد فينظروا كيف كان عاقبة تكذيب الذين من قبلهم من الامم المكذبة رسلها الرادة نصائحها ألم نهلكها فندمر عليها منازلها ونخربها، فيتعظوا بذلك، ويحذروا أن يفعل الله ذلك بهم في تكذيبهم إياه، فينيبوا إلى طاعة الله في تصديقك، ثم توعدهم جل ثناؤه، وأخبرهم إن هم أقاموا على تكذيبهم رسوله، أنه محل بهم من العذاب ما أحل بالذين كانوا من قبلهم من الامم، فقال: وللكافرين أمثالها يقول: وللكافرين من قريش المكذبي رسول الله (ص) من العذاب العاجل، أمثال عاقبة تكذيب الامم الذين كانوا من قبلهم رسلهم على تكذيبهم رسوله محمدا (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24274 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وللكافرين أمثالها قال: مثل ما دمرت به القرون الاولى وعيد من الله لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ئ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم) *. يقول تعالى ذكره: هذا الفعل الذي فعلنا بهذين الفريقين: فريق الايمان، وفريق الكفر، من نصرتنا فريق الايمان بالله، وتثبيتنا أقدامهم، وتدميرنا على فريق الكفر بأن الله مولى الذين آمنوا يقول: من أجل أن الله ولي من آمن به، وأطاع رسوله. كما: 24275 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا قال: وليهم. وقد ذكر لنا أن ذلك في قراءة عبد الله ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا وأن التي في المائدة التي هي في مصاحفنا إنما وليكم الله ورسوله: إنما مولاكم الله في قراءته.
[ 62 ]
وقوله: وأن الكافرين لا مولى لهم يقول: وبأن الكافرين بالله لا ولي لهم، ولا ناصر. وقوله: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار يقول تعالى ذكره: إن الله له الالوهية التي لا تنبغي لغيره، يدخل الذين آمنوا بالله وبرسوله بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار، يفعل ذلك بهم تكرمة على إيمانهم به وبرسوله. وقوله: والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام يقول جل ثناؤه: والذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسوله (ص) يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية الدارسة، ويأكلون فيها غير مفكرين في المعاد، ولا معتبرين بما وضع الله لخلقه من الحجج المؤدية لهم إلى علم توحيد الله ومعرفة صدق رسله، فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم منهم بذلك، وغير معرفة، مثل الانعام من البهائم المسخرة التي لا همة لها إلا في الاعتلاف دون غيره والنار مثوى لهم يقول جل ثناؤه: والنار نار جهنم مسكن لهم، ومأوى، إليها يصيرون من بعد مماتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) *. يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية هي أشد قوة من قريتك، يقول أهلها أشد بأسا، وأكثر جمعا، وأعد عديدا من أهل قريتك، وهي مكة، وأخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24276 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم قال: هي مكة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك قال: قريته مكة. 24277 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حبيش، عن عكرمة، عن ابن عباس أن نبي الله (ص)، لما خرج من مكة إلى الغار، أراه قال: التفت إلى مكة، فقال: أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إلي، فلو أن
[ 63 ]
المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك، فأعتى الاعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم وقال جل ثناؤه: أخرجتك، فأخرج الخبر عن القرية، فلذلك أنث، ثم قال: أهلكناهم، لان المعنى في قوله أخرجتك، ما وصفت من أنه أريد به أهل القرية، فأخرج الخبر مرة على اللفظ، ومرة على المعنى. وقوله: فلا ناصر لهم فيه وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون معناه، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة، فلم يكن لهم ناصر، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا. والآخر أن يكون معناه: فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله ينصرهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) *. يقول تعالى ذكره: أفمن كان على برهان وحجة وبيان من أمر ربه والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له ربا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه النار، كمن زين له سوء عمله يقول: كمن حسن له الشيطان قبيح عمله وسيئته، فأراه جميلا، فهو على العمل به مقيم، واتبعوا أهواءهم واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية الله، وعبادة الاوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان وحجة. وقيل: إن الذي عني بقوله: أفمن كان على بينة من ربه نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن الذي عني بقوله: كمن زين له سوء عمله هم المشركون. القول في تأويل قوله تعالى: * (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) *. يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه فيها أنهار من ماء غير آسن يقول تعالى ذكره في هذه
[ 64 ]
الجنة التي: ذكرها أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه: قد أسن ماء هذه البئر: إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسن أسنا، وكذلك يقال للرجل إذا أصابته ريح منتنة: قد أسن فهو يأسن. وأما إذا أجن الماء وتغير، فإنه يقال له: أسن فهو يأسن، ويأسن أسونا، وماء آسن. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله من ماء غير آسن قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24278 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فيها أنهار من ماء غير آسن يقول: غير متغير. 24279 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أنهار من ماء غير آسن قال: من ماء غير منتن. 24280 - حدثني عيسى بن عمرو، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، قال: سألت أبا إسحاق عن ماء غير آسن قال: سألت عنها الحارث، فحدثني أن الماء الذي غير آسن تسنيم، قال: بلغني أنه لا تمسه يد، وأنه يجئ الماء هكذا حتى يدخل في فيه. وقوله: وأنهار من لبن لم يتغير طعمه يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لانه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الانهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه. وقوله: وأنهار من خمر لذة للشاربين يقول: وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين يلتذون بشربها. كما: 24281 - حدثني عيسى، قال: ثنا إبراهيم بن محمد، قال: ثنا مصعب، عن سعد بن طريف، قال: سألت عنها الحارث، فقال: لم تدسه المجوس، ولم ينفخ فيه الشيطان، ولم تؤذها شمس، ولكنها فوحاء، قال: قلت لعكرمة: ما الفوحاء: قال: الصفراء. وكما:
[ 65 ]
24282 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: من لبن لم يتغير طعمه قال: لم يحلب، وخفضت اللذة على النعت للخمر، ولو جاءت رفعا على النعت للانهار جاز، أو نصبا على يتلذذ بها لذة، كما يقال: هذا لك هبة. كان جائزا فأما القراءة فلا أستجيزها فيها إلا خفضا لاجماع الحجة من القراء عليها. وقوله: وأنهار من عسل مصفى يقول: وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الانهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصفى، قد صفاه الله من الاقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الاقذاء إلا بعد التصفية، لانه كان في شمع فصفي منه. وقوله: ولهم فيها من كل الثمرات يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الانهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الاشجار ومغفرة من ربهم يقول: وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا، ثم تابوا منها، وصفح منه لهم عن العقوبة عليها. وقوله: كمن هو خالد في النار يقول تعالى ذكره: أمن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالد في النار. وابتدئ الكلام بصفة الجنة، فقيل: مثل الجنة التي وعد المتقون، ولم يقل: أمن هو في الجنة. ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها كمن هو خالد في النار. وإنما قيل ذلك كذلك، استغناء بمعرفة السامع معنى الكلام، ولدلالة قوله: كمن هو خالد في النار على معنى قوله: مثل الجنة التي وعد المتقون. وقوله: وسقوا ماء حميما يقول تعالى ذكره: وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاءهم. كما: 24283 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا حيوة بن شريح الحمصي، قال: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، قال: ثني عبيد الله بن بشر، عن أبي أمامة الباهلي،
[ 66 ]
عن رسول الله (ص) في قوله: ويسقى من ماء صديد يتجرعه قال: يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره. قال: يقول الله وسقوا ماء حميما، فقطع أمعاءهم يقول الله عز وجل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم) *. يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء الكفار يا محمد من يستمع إليك وهو المنافق، فيستمع ما تقول فلا يعيه ولا يفهمه، تهاونا منه بما تتلو عليه من كتاب ربك، وتغافلا عما تقوله، وتدعو إليه من الايمان، حتى إذا خرجوا من عندك قالوا إعلاما منهم لمن حضر معهم مجلسك من أهل العلم بكتاب الله، وتلاوتك عليهم ما تلوت، وقيلك لهم ما قلت إنهم لن يصغوا أسماعهم لقولك وتلاوتك ماذا قال لنا محمد آنفا ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24284 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك هؤلاء المنافقون، دخل رجلان: رجل ممن عقل عن الله وانتفع بما سمع ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع، كان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عامل، وسامع غافل، وسامع تارك. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ومنهم من يستمع إليك قال: هم المنافقون. وكان يقال: الناس ثلاثة: سامع فعامل، وسامع فغافل، وسامع فتارك. 24285 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا شريك، عن عثمان أبي اليقظان، عن يحيى بن الجزار، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا قال ابن عباس: أنا منهم، وقد سئلت فيمن سئل.
[ 67 ]
24286 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك... إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المنافقون، والذين أوتوا العلم: الصحابة رضي الله عنهم. وقوله: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم، فهم لا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله عليه الصلاة والسلام، واتبعوا أهواءهم يقول: ورفضوا أمر الله، واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم، فهم لا يرجعون مما هم عليه إلى حقيقة ولا برهان، وسوى جل ثناؤه بين صفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين، في أن جميعهم إنما يتبعون فيما هم عليه من فراقهم دين الله، الذي ابتعث به محمدا (ص) أهواءهم، فقال في هؤلاء المنافقين: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك، كمن زين له سوء عمله، واتبعوا أهواءهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ئ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) *. يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق، وشرح صدورهم للايمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد، فإن ما تلوته عليهم، وسمعوه منك زادهم هدى يقول: زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم. وقد ذكر أن الذي تلا عليهم رسول الله (ص) من القرآن، فقال أهل النفاق منهم لاهل الايمان، ماذا قال آنفا، وزاد الله أهل الهدى منهم هدى، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم مضى به قبل. ذكر من قال ذلك: 24287 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم قال: لما أنزل الله القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى. وقوله: وآتاهم تقواهم يقول تعالى ذكره: وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه.
[ 68 ]
وقوله: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها يقول تعالى ذكره: فهل ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء، أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها. والمعنى: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. وأن من قوله: إلا أن في موضع نصب بالرد على الساعة، وعلى فتح الالف من أن تأتيهم ونصب تأتيهم بها قراءة أهل الكوفة. وقد: 24288 - حدثت عن الفراء، قال: حدثني أبو جعفر الرواسي، قال: قلت لابي عمرو بن العلاء: ما هذه الفاء التي في قوله: فقد جاء أشراطها قال: جواب الجزاء، قال: قلت: إنها إن تأتيهم، قال: فقال: معاذ الله، إنما هي إن تأتهم قال الفراء: فظننت أنه أخذها عن أهل مكة، لانه عليهم قرأ، قال الفراء: وهي أيضا في بعض مصاحف الكوفيين بسنة واحدة تأتهم ولم يقرأ بها أحد منهم. وتأويل الكلام على قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف إن وجزم تأتهم فهل ينظرون إلا الساعة ؟ فيجعل الخبر عن انتظار هؤلاء الكفار الساعة متناهيا عند قوله: إلا الساعة، ثم يبتدأ الكلام فيقال: إن تأتهم الساعة بغتة فقد جاء أشراطها، فتكون الفاء من قوله: فقد جاء بجواب الجزاء. وقوله: فقد جاء أشراطها يقول: فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدماتها، وواحد الاشراط: شرط، كما قال جرير: ترى شرط المعزى مهور نسائهم وفي شرط المعزى لهن مهورا ويروى: ترى قذم المعزى، يقال منه: أشرط فلان نفسه: إذا علمها بعلامة، كما قال أوس بن حجر: فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
[ 69 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24289 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فقد جاء أشراطها يعني: أشراط الساعة. 24290 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة قد دنت الساعة ودنا من الله فراغ العباد. 24291 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فقد جاء أشراطها قال: أشراطها: آياتها. وقوله: فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم يقول تعالى ذكره: فمن أي وجه لهؤلاء المكذبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيعوا وفرطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة، يقول: ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم، لانه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24292 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم يقول: إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا ؟ حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم قال: أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة. 24293 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم قال: الساعة، لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم، والذكرى في موضع رفع بقوله: فأنى لهم لان تأويل الكلام: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) *.
[ 70 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الالوهية، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شئ، يدين له بالربوبية كل ما دونه واستغفر لذنبك وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها، وذنوب أهل الايمان بك من الرجال والنساء والله يعلم متقلبكم ومثواكم يقول: فإن الله يعلم متصرفكم فيما تتصرفون فيه في يقظتكم من الاعمال، ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلا، لا يخفى عليه شئ من ذلك، وهو مجازيكم على جميع ذلك. وقد: 24294 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا إبراهيم بن سليمان، عن عاصم الاحول، عن عبد الله بن سرجس، قال: أكلت مع رسول الله (ص)، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، فقال رجل من القوم: أستغفر لك يا رسول الله، قال: نعم ولك، ثم قرأ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذآ أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم ئ طاعة وقول معروف فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) *. يقول تعالى ذكره: ويقول الذين صدقوا الله ورسوله: هلا نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار فإذا أنزلت سورة محكمة يعني: أنها محكمة بالبيان والفرائض. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله فإذا أنزلت سورة محدثة. وقوله: وذكر فيها القتال يقول: وذكر فيها الامر بقتال المشركين. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 24295 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال قال: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشد القرآن على المنافقين.
[ 71 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وذكر فيها القتال قال: كل سورة ذكر فيها القتال فهي محكمة. وقوله: رأيت الذين في قلوبهم مرض يقول: رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف ينظرون إليك يا محمد، نظر المغشي عليه من الموت، خوفا أن تغزيهم وتأمرهم بالجهاد مع المسلمين، فهم خوفا من ذلك وتجبنا عن لقاء العدو ينظرون إليك نظر المغشي عليه الذي قد صرع. وإنما عنى بقوله: من الموت من خوف الموت، وكان هذا فعل أهل النفاق. كالذي: 24296 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت قال: هؤلاء المنافقون طبع الله على قلوبهم، فلا يفقهون ما يقول النبي (ص). وقوله: فأولى لهم يقول تعالى ذكره: فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض. وقوله: فأولى لهم وعيد توعد الله به هؤلاء المنافقين. كما: 24297 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فأولى لهم قال: هذه وعيد، فأولى لهم، ثم انقطع الكلام فقال: طاعة وقول معروف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأولى لهم قال: وعيد كما تسمعون. وقوله: طاعة وقول معروف وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل هؤلاء المنافقين من قبل أن تنزل سورة محكمة، ويذكر فيها القتال، وأنهم إذا قيل لهم: إن الله مفترض عليكم الجهاد، قالوا: سمع وطاعة، فقال الله عز وجل لهم إذا أنزلت سورة وفرض القتال فيها عليهم، فشق ذلك عليهم، وكرهوه طاعة وقول معروف قبل وجوب الفرض عليكم، فإذا عزم الامر كرهتموه وشق عليكم. وقوله: طاعة وقول معروف مرفوع بمضمر، وهو قولكم قبل نزول فرض القتال طاعة وقول معروف.
[ 72 ]
24298 - وروي عن ابن عباس بإسناد غير مرتضى أنه قال: قال الله تعالى: فأولى لهم ثم قال للذين آمنوا منهم طاعة وقول معروف فعلى هذا القول تمام الوعيد فأولى، ثم يستأنف بعد، فيقال لهم طاعة وقول معروف فتكون الطاعة مرفوعة بقوله: لهم. وكان مجاهد يقول في ذلك كما: 24299 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد طاعة وقول معروف قال: أمر الله بذلك المنافقين. وقوله: فإذا عزم الامر يقول: فإذا وجب القتال وجاء أمر الله بفرض ذلك كرهتموه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24300 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فإذا عزم الامر قال: إذا جد الامر، هكذا. قال: محمد بن عمرو في حديثه، عن أبي عاصم، وقال الحارث في حديثه، عن الحسن يقول: جد الامر. وقوله: فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم يقول تعالى ذكره: فلو صدقوا الله ما وعدوه قبل نزول السورة بالقتال بقولهم: إذ قيل لهم: إن الله سيأمركم بالقتال طاعة، فوفوا له بذلك، لكان خيرا لهم في عاجل دنياهم، وآجل معادهم. كما: 24301 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فإذا عزم الامر يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الامور خير لهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يقول: طاعة الله وقول بالمعروف عند حقائق الامور خير لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم ئ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف أنهم إذا نزلت سورة محكمة، وذكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله (ص) نظر المغشي عليه فهل عسيتم أيها القوم، يقول: فلعلكم إن
[ 73 ]
توليتم عن تنزيل الله جل ثناؤه، وفارقتم أحكام كتابه، وأدبرتم عن محمد (ص) وعما جاءكم به أن تفسدوا في الارض يقول: أن تعصوا الله في الارض، فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء وتقطعوا أرحامكم وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرق بعد ما قد جمعكم الله بالاسلام، وألف به بين قلوبكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24302 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فهل عسيتم إن توليتم... الآية. يقول: فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الارحام، وعصوا الرحمن. 24303 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم قال: فعلوا. 24304 - حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر وسليمان بن بلال، قالا: ثنا معاوية بن أبي المزرد المديني، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص) أنه قال: خلق الله الخلق، فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه: فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: أفما ترضين أن أقطع من قطعك، وأصل من وصلك ؟ قالت: نعم، قال: فذلك لك. قال سليمان في حديثه: قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم وقد تأوله بعضهم: فهل عسيتم إن توليتم أمور
[ 74 ]
الناس أن تفسدوا في الارض بمعنى الولاية، وأجمعت القراء غير نافع على فتح السين من عسيتم، وكان نافع يكسرها عسيتم. والصواب عندنا قراءة ذلك بفتح السين لاجماع الحجة من القراء عليها، وأنه لم يسمع في الكلام: عسى أخوك يقوم، بكسر السين وفتح الياء ولو كان صوابا كسرها إذا اتصل بها مكني، جاءت بالكسر مع غير المكني، وفي إجماعهم على فتحها مع الاسم الظاهر، الدليل الواضح على أنها كذلك مع المكني، وإن التي تلي عسيتم مكسورة، وهي حرف جزاء، وأن التي مع تفسدوا في موضع نصيب بعسيتم. وقوله: أولئك الذين لعنهم الله يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا، يعني الذين يفسدون ويقطعون الارحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته فأصمهم، يقول: فسلبهم فهم ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله وأعمى أبصارهم يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتبينون حجج الله، ولا يتذكرون ما يرون من عبره وأدلته. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ئ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) *. يقول تعالى ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام، ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون أم على قلوب أقفالها يقول: أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24305 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك. 24306 - حدثنا إسماعيل بن حفص الايلي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: ما من آدمي إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبه لدينه، وما وعد الله من الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا
[ 75 ]
أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: أم على قلوب أقفالها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا ثور بن يزيد، قال: ثنا خالد بن معدان، قال: ما من الناس أحد إلا وله أربع أعين، عينان في وجهه لمعيشته، وعينان في قلبه، وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره، عاطف عنقه على عنقه، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب، فعمل به، وهما غيب، فعمل بالغيب، وإذا أراد الله بعبد شرا تركه، ثم قرأ أم على قلوب أقفالها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو، عن ثور، عن خالد بن معدان بنحوه، إلا أنه قال: ترك القلب على ما فيه. 24307 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول الله (ص) يوما أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها، حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به. وقوله: إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى يقول الله عز وجل إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحق وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجة، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لامر الله تعالى ذكره من بعد العلم. كما: 24308 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى هم أعداء الله أهل الكتاب، يعرفون بعث محمد نبي الله (ص) وأصحابه عندهم، ثم يكفرون به. 24309 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة من بعد ما تبين لهم الهدى إنهم يجدونه مكتوبا عندهم. وقال آخرون: عنى بذلك أهل النفاق. ذكر من قال ذلك:
[ 76 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله إن الذين ارتدوا على أدبارهم... إلى قوله فأحبط أعمالهم هم أهل النفاق. 24311 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن الذين ارتدوا على أدبارهم... إلى إسرارهم هم أهل النفاق. وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا، أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أن الله عز وجل أخبر أن ردتهم كانت بقيلهم للذين كرهوا، ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر ولو كانت من صفة أهل الكتاب، لكان في وصفهم بتكذيب محمد (ص) الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدوا من أجل قيلهم ما قالوا. وقوله: الشيطان سول لهم يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24312 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الشيطان سول لهم وأملى لهم يقول: زين لهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سول لهم يقول: زين لهم. وقوله: وأملى لهم يقول: ومد الله لهم في آجالهم ملاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سول لهم، والله أملى لهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة وأملى لهم بفتح الالف منها بمعنى: وأملى الله لهم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة وأملي لهم على وجه ما لم يسم فاعله. وقرأ مجاهد فيما ذكر عنه وأملي بضم الالف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جل ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم. وأولى هذه القراآت بالصواب، التي عليها عامة قراء الحجاز والكوفة من فتح الالف
[ 77 ]
في ذلك، لانها القراءة المستفيضة في قرأة الامصار، وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم إسرارهم) *. يقول تعالى ذكره: أملى الله لهؤلاء المنافقين وتركهم، والشيطان سول لهم، فلم يوفقهم للهدى من أجل أنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الامر بقتال أهل الشرك به من المنافقين: سنطيعكم في بعض الامر الذي هو خلاف لامر الله تبارك وتعالى، وأمر رسوله (ص). كما: 24313 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر فهؤلاء المنافقون والله يعلم إسرارهم يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق، على خلاف أمر الله وأمر رسوله، إذ يتسارون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الامور كلها. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة أسرارهم بفتح الالف من أسرارهم على وجه جماع سر. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة إسرارهم بكسر الالف على أنه مصدر من أسررت إسرارا. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ئ ذلك بأنهم اتبعوا مآ أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) *. يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هؤلاء المنافقين، فكيف لا يعلم حالهم إذا توفتهم الملائكة، وهم يضربون وجوههم وأدبارهم، يقول: فحالهم أيضا لا يخفى عليه في ذلك الوقت ويعني بالادبار: الاعجاز، وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى قبل.
[ 78 ]
وقوله: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله يقول تعالى ذكره: تفعل الملائكة هذا الذي وصفت بهؤلاء المنافقين من أجل أنهم اتبعوا ما أسخط الله، فأغضبه عليهم من طاعة الشيطان وكرهوا رضوانه يقول: وكرهوا ما يرضيه عنهم من قتال الكفار به، بعد ما افترضه عليهم. وقوله: فأحبط أعمالهم يقول: فأبطل الله ثواب أعمالهم وأذهبه، لانها عملت في غير رضاه ولا محبته، فبطلت، ولم تنفع عاملها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ئ ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) *. يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم، وضعف في يقينهم، فهم حيارى في معرفة الحق أن لن يخرج الله ما في قلوبهم من الاضغان على المؤمنين، فيبديه لهم ويظهره، حتى يعرفوا نفاقهم، وحيرتهم في دينهم ولو نشاء لاريناكهم يقول تعالى ذكره: ولو نشاء يا محمد لعرفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلمك. وقوله: فلعرفتهم بسيماهم يقول: فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم، وظاهر أفعالهم، ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24314 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم... إلى آخر الآية، قال: هم أهل النفاق، وقد عرفه إياهم في براءة، فقال: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره، وقال: قل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. 24315 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أم حسب الذين في قلوبهم مرض... الآية، هم أهل
[ 79 ]
النفاق فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول فعرفه الله إياهم في سورة براءة، فقال: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، وقال قل لن تنفروا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. 24316 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم قال: هؤلاء المنافقون، قال: والذي أسروا من النفاق هو الكفر. 24317 - قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم قال: هؤلاء المنافقون، قال: وقد أراه الله إياهم، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد، قال: فأبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله فلما أبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله حقنت دماؤهم، ونكحوا ونوكحوا بها. وقوله: ولتعرفنهم في لحن القول يقول: ولتعرفن هؤلاء المنافقين في معنى قولهم ونحوه. 24318 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: في لحن القول قال قولهم: والله يعلم أعمالكم لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته، والمخالف ذلك، وهو مجازي جميعكم عليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ئ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم) *. يقول تعالى ذكره لاهل الايمان به من أصحاب رسول الله (ص) ولنبلونكم أيها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء الله حتى نعلم المجاهدين منكم يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم، وأهل الصبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الايمان من أهل النفاق
[ 80 ]
ونبلو أخباركم، فنعرف الصادق منكم من الكاذب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24319 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، وقوله: ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونحو هذا قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال: وبشر الصابرين، ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه، وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، فالبأساء: الفقر، والضراء: السقم، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم. 24320 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين قال: نختبركم، البلوى: الاختبار. وقرأ الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون قال: لا يختبرون ولقد فتنا الذين من قبلهم... الآية. واختلفت القراء في قراءة قوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم، فقرأ ذلك عامة قراء الامصار بالنون نبلو ونعلم، ونبلو على وجه الخبر من الله جل جلاله عن نفسه، سوى عاصم فإنه قرأ جميع ذلك بالياء والنون هي القراءة عندنا لاجماع الحجة من القراء عليها، وإن كان للاخرى وجه صحيح. وقوله: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا توحيد الله، وصدوا الناس عن دينه الذي ابتعث به رسله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى يقول وخالفوا رسوله محمدا (ص)، فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنه نبي مبعوث، ورسول مرسل، وعرفوا الطريق الواضح بمعرفته، وأنه لله رسول. وقوله: لن يضروا الله شيئا لان الله بالغ أمره، وناصر رسوله، ومظهره على من عاداه وخالفه وسيحبط أعمالهم يقول: وسيذهب أعمالهم التي عملوها في الدنيا فلا ينفعهم بها في الدنيا ولا الآخرة، ويبطلها إلا مما يضرهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 81 ]
* (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ئ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في أمرهما ونهيهما ولا تبطلوا أعمالكم يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما، وكفركم بربكم ثواب أعمالكم فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24321 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم.... الآية، من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الاعمال خواتيمها. وقوله: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار يقول تعالى ذكره: إن الذين أنكروا توحيد الله، وصدوا من أراد الايمان بالله وبرسوله عن ذلك، ففتنوهم عنه، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من ذلك، ثم ماتوا وهم كفار: يقول: ثم ماتوا وهم على ذلك من كفرهم فلن يغفر الله لهم يقول: فلن يعفو الله عما صنع من ذلك، ولكنه يعاقبه عليه، ويفضحه به على رؤوس الاشهاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) *. يقول تعالى ذكره: فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد المشركين وتجبنوا عن قتالهم. كما: 24322 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فلا تهنوا قال: لا تضعفوا.
[ 82 ]
24323 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلا تهنوا لا تضعف أنت. وقوله: وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون يقول: لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم والله معكم يقول: والله معكم بالنصر لكم عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله: وأنتم الاعلون فقال بعضهم: معناه: وأنتم أولى بالله منهم. وقال بعضهم: مثل الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك، وقال معنى قوله: وأنتم الاعلون أنتم أولى بالله منهم. 24124 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث، عن قتادة، في قوله: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم قال: أي لا تكونوا أولى الطائفتين تصرع. 24325 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم قال: لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت لصاحبتها، ودعتها إلى الموادعة، وأنتم أولى بالله منهم والله معكم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم قال: لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت إلى صاحبتها وأنتم الاعلون قال: يقول: وأنتم أولى بالله منهم ذكر من قال معنى قوله: وأنتم الاعلون: أنتم الغالبون الاعز منهم. 24326 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأنتم الاعلون قال: الغالبون مثل يوم أحد، تكون عليهم الدائرة. 24327 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون قال: هذا منسوخ، قال: نسخه القتال والجهاد، يقول: لا تضعف أنت وتدعوهم أنت إلى السلم وأنت الاعلى، قال: وهذا حين كانت
[ 83 ]
العهود والهدنة فيما بينه وبين المشركين قبل أن يكون القتال، يقول: لا تهن فتضعف، فيرى أنك تدعوه إلى السلم وأنت فوقه، وأعز منه وأنتم الاعلون أنتم أعز منهم، ثم جاء القتال بعد فنسخ هذا أجمع، فأمره بجهادهم والغلظة عليهم. وقد قيل: عنى بقوله: وأنتم الاعلون وأنتم الغالبون آخر الامر، وإن غلبوكم في بعض الاوقات، وقهروكم في بعض الحروب. وقوله: فلا تهنوا جزم بالنهي، وفي قوله وتدعوا وجهان: أحدهما الجزم على العطف على تهنوا، فيكون معنى الكلام: فلا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم، والآخر النصب على الصرف. وقوله: ولن يتركم أعمالكم يقول: ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها، من قولهم: وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا، فأخذت له مالا غصبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24328 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يقول: ولن يتركم أعمالكم يقول: لن يظلمكم أجور أعمالكم. 24329 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ولن يتركم أعمالكم قال: لن ينقصكم. 24330 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولن يتركم أعمالكم: أي لن يظلمكم أعمالكم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 24331 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولن يتركم أعمالكم قال: لن يظلمكم، أعمالكم ذلك يتركم. 24332 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولن يتركم أعمالكم قال: لن يظلمكم أعمالكم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 84 ]
* (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ئ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم) *. يقول تعالى ذكره: حاضا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه، والنفقة في سبيله، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به: قاتلوا أيها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو، إلا ما كان منها لله من عمل في سبيله، وطلب رضاه. فأما ما عدا ذلك فإنما هو لعب ولهو، يضمحل فيذهب ويندرس فيمر، أو إثم يبقى على صاحبه عاره وخزيه وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم يقول: وإن تعملوا في هذه الدنيا التي ما كان فيها مما هو لها، فلعب ولهو، فتؤمنوا به وتتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وهو الذي يبقى لكم منها، ولا يبطل بطول اللهو واللعب، ثم يؤتكم ربكم عليه أجوركم، فيعوضكم منه ما هو خير لكم منه يوم فقركم، وحاجتكم إلى أعمالكم ولا يسألكم أموالكم يقول: ولا يسألكم ربكم أموالكم، ولكنه يكلفكم توحيده، وخلع ما سواه من الانداد، وإفراد الالوهية والطاعة له إن يسألكموها: يقول جل ثناؤه: إن يسألكم ربكم أموالكم فيحفكم يقول: فيجهدكم بالمسألة، ويلح عليكم بطلبها منكم فيلحف، تبخلوا: يقول: تبخلوا بها وتمنعوها إياه، ضنا منكم بها، ولكنه علم ذلك منكم، ومن ضيق أنفسكم فلم يسألكموها. وقوله: ويخرج أضغانكم يقول: ويخرج جل ثناؤه لو سألكم أموالكم بمسألته ذلك منكم أضغانكم قال: قد علم الله أن في مسألته المال خروج الاضغان. 24333 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فيحفكم تبخلوا قال: الاحفاء: أن تأخذ كل شئ بيديك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) *.
[ 85 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ها أنتم أيها الناس هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله يقول: تدعون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه فمنكم من يبخل بالنفقة فيه، وأدخلت ها في موضعين، لان العرب إذا أرادت التقريب جعلت المكني بين ها وبين ذا، فقالت: ها أنت ذا قائما، لان التقريب جواب الكلام، فربما أعادت ها مع ذا، وربما اجتزأت بالاولى، وقد حذفت الثانية، ولا يقدمون أنتم قبل ها، لان ها جواب فلا تقرب بها بعد الكلمة. وقال بعض نحويي البصرة: جعل التنبيه في موضعين للتوكيد. وقوله: ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه يقول تعالى ذكره: ومن يبخل بالنفقة في سبيل الله، فإنما يبخل عن بخل نفسه، لان نفسه لو كانت جوادا لم تبخل بالنفقة في سبيل الله، ولكن كانت تجود بها والله الغني وأنتم الفقراء يقول تعالى ذكره: ولا حاجة لله أيها الناس إلى أموالكم ولا نفقاتكم، لانه الغني عن خلقه والخلق الفقراء إليه، وأنتم من خلقه، فأنتم الفقراء إليه، وإنما حضكم على النفقة في سبيله، ليكسبكم بذلك الجزيل من ثوابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24334 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء قال: ليس بالله تعالى ذكره إليكم حاجة وأنتم أحوج إليه. وقوله تعالى ذكره: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم يقول تعالى ذكره: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد (ص)، فترتدوا راجعين عنه يستبدل قوما غيركم يقول: يهلككم ثم يجئ بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدقون به، ويعملون بشرائعه ثم لا يكونوا أمثالكم يقول: ثم لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يؤمرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24335 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم يقول: إن توليتم عن كتابي وطاعتي أستبدل قوما غيركم. قادر والله ربنا على ذلك على أن يهلكهم، ويأتي من بعدهم من هو خير منهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قال: إن تولوا عن طاعة الله.
[ 86 ]
24336 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم. وذكر أنه عنى بقوله: يستبدل قوما غيركم: العجم من عجم فارس. ذكر من قال ذلك: 24337 - حدثنا ابن بزيع البغدادي أبو سعيد، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم كان سلمان إلى جنب رسول الله (ص)، فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استبدلوا بنا، قال: فضرب النبي (ص) على منكب سلمان، فقال: من هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجال من أهل فارس. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) تلا هذه الآية وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا، فضرب على فخذ سلمان قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس. حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: ثنا عبد الله بن الوليد العدني، قال: ثنا مسلم بن خالد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: نزلت هذه الآية وسلمان الفارسي إلى جنب رسول الله (ص) تحك ركبته ركبته وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم قالوا: يا رسول الله ومن الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا، قال: فضرب فخذ سلمان ثم قال: هذا وقومه. 24338 - وقال: مجاهد في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم،
[ 87 ]
قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يستبدل قوما غيركم من شاء. وقال آخرون: هم أهل اليمن. ذكر من قال ذلك: 24339 - حدثني محمد بن عوف الطائي، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان بن عمرو، قال: ثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد، في قوله: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم قال: أهل اليمن. آخر تفسير سورة محمد (ص)
[ 88 ]
سورة الفتح (48) سورة الفتح مدنية أو آياتها تسع وعشرونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ئ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ئ وينصرك الله نصرا عزيزا) *. يعني بقوله تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) إنا فتحنا لك فتحا مبينا يقول: إنا حكمنا لك يا محمد حكما لمن سمعه أو بلغه على من خالفك وناصبك من كفار قومك، وقضينا لك عليهم بالنصر والظفر، لتشكر ربك، وتحمده على نعمته بقضائه لك عليهم، وفتحه ما فتح لك، ولتسبحه وتستغفره، فيغفر لك بفعالك ذلك ربك، ما تقدم من ذنبك قبل فتحه لك ما فتح، وما تأخر بعد فتحه لك ذلك ما شكرته واستغفرته. وإنما اخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله عز وجل إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا على صحته، إذ أمره تعالى ذكره أن يسبح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح مكة، وأن يستغفره، وأعلمه أنه تواب على من فعل ذلك، ففي ذلك بيان واضح أن قوله تعالى ذكره: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر إنما هو خبر من الله جل ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له، على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح، لان جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها.
[ 89 ]
وبعد ففي صحة الخبر عنه (ص) أنه كان يقوم حتى ترم قدماه، فقيل له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا ؟، الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول، وأن الله تبارك وتعالى، إنما وعد نبيه محمدا (ص) غفران ذنوبه المتقدمة، فتح ما فتح عليه، وبعده على شكره له، على نعمه التي أنعمها عليه. وكذلك كان يقول (ص): إني لاستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مئة مرة ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا، لم يكن لامره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية، ولا لاستغفار نبي الله (ص) ربه جل جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل، إذ الاستغفار معناه: طلب العبد من ربه عز وجل غفران ذنوبه، فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى، لانه من المحال أن يقال: اللهم اغفر لي ذنبا لم أعمله. وقد تأول ذلك بعضهم بمعنى: ليغفر لك ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر إلى الوقت الذي قال: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وأما الفتح الذي وعد الله
[ 90 ]
جل ثناؤه نبيه (ص) هذه العدة على شكره إياه عليه، فإنه فيما ذكر الهدنة التي جرت بين رسول الله (ص) وبين مشركي قريش بالحديبية. وذكر أن هذه السورة أنزلت على رسول الله (ص) منصرفة عن الحديبية بعد الهدنة التي جرت بينه وبين قومه. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24340 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: قضينا لك قضاء مبينا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا والفتح: القضاء. ذكر الرواية عمن قال: هذه السورة نزلت على رسول الله (ص) في الوقت الذي ذكرت: 24341 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: الحديبية. 24342 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: نحره بالحديبية وحلقه. 24343 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا أبو بحر، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لما أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت، فاستيقظنا ورسول الله (ص) نائم، قال: فقلنا أيقظوه، فاستيقظ رسول الله (ص) فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون، فكذلك من نام أو نسي قال: وفقدنا ناقة رسول الله (ص)، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة، فأتيته بها، فركب فبينا نحن نسير، إذ أتاه الوحي، قال: وكان إذا أتاه اشتد عليه فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه: إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
[ 91 ]
24344 - حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، قال: فنحن بين الحزن والكآبة، قال: فأنزل الله عز وجل: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطا مستقيما، أو كما شاء الله، فقال نبي الله (ص): لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، في قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: نزلت على النبي (ص) مرجعه من الحديبية، وقد حيل بينهم وبين نسكهم، فنحر الهدي بالحديبية، وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن، فقال: لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا، فقرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر... إلى قوله: عزيزا فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا، فأنزل الله هذه الآية بعدها ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها... إلى قوله: وكان ذلك عند الله فوزا عظيما. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أنس، قال: أنزلت هذه الآية، فذكر نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بنحوه، غير أنه قال في حديثه: فقال رجل من القوم: هنيئا لك مريئا يا رسول الله، وقال أيضا: فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام، وماذا يفعل بهم. 24345 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: نزلت على النبي (ص) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية، فقال النبي (ص): لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على الارض، ثم قرأها عليهم، فقالوا: هنيئا مريئا يا نبي الله، قد بين الله تعالى ذكره لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت
[ 92 ]
عليه: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار... إلى قوله: فوزا عظيما. 24346 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، قال: لما نزلت هذه الآية إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطا مستقيما قالوا: هنيئا مريئا لك يا رسول الله، فماذا لنا ؟ فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها، ويكفر عنهم سيئاتهم. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس في هذه الآية إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: الحديبية. 24347 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية. 24348 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، قال: تكلم سهل بن حنيف يوم صفين، فقال: يا أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد رأيتنا يوم الحديبية، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله (ص) وبين المشركين، ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال: يا بن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني أبدا، قال: فرجع وهو متغيظ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال: يا بن الخطاب إنه رسول الله، لن يضيعه الله أبدا، قال: فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله (ص) إلى عمر، فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله، أو فتح هو ؟ قال: نعم.
[ 93 ]
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن أبي سفيان عن جابر، قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية. 24349 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع رسول الله (ص) خمس عشرة مئة، والحديبية: بئر. 24350 - حدثني موسى بن سهل الرملي، ثنا محمد بن عيسى، قال: ثنا مجمع بن يعقوب الانصاري، قال: سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد، عن عمه مجمع بن جارية الانصاري، وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن، قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله (ص)، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس يهزون الاباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس، قالوا: أوحي إلى رسول الله (ص) إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله فقال رجل: أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده إنه لفتح، قال: فقسمت خيبر على أهل الحديبية، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية، وكان الجيش ألفا وخمس مئة، فيهم ثلاث مئة فارس، فقسمها رسول الله (ص) على ثمانية عشر سهما، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما. 24351 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا بالحديبية، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة، أصاب أن بويع بيعة الرضوان، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وظهرت الروم على فارس،
[ 94 ]
وبلغ الهدى محله، وأطعموا نخل خيبر، وفرح المؤمنون بتصديق النبي (ص)، وبظهور الروم على فارس. وقوله تعالى: ويتم نعمته عليك بإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك في الدنيا، وغفرانه ذنوبك في الآخرة ويهديك صراطا مستقيما يقول: ويرشدك طريقك من الدين لا اعوجاج فيه، يستقيم بك إلى رضا ربك وينصرك الله نصرا عزيزا يقول: وينصرك على سائر أعدائك، ومن ناوأك نصرا، لا يغلبه غالب، ولا يدفعه دافع، للبأس الذي يؤيدك الله به، وبالظفر الذي يمدك به. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما) *. يعني جل ذكره بقوله: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين الله أنزل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله إلى الايمان، والحق الذي بعثك الله به يا محمد. وقد مضى ذكر اختلاف أهل التأويل في معنى السكينة قبل، والصحيح من القول في ذلك بالشواهد المغنية، عن إعادتها في هذا الموضع. ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم يقول: ليزدادوا بتصديقهم بما جدد الله من الفرائض التي ألزمهموها، التي لم تكن لهم لازمة إيمانا مع إيمانهم، يقول: ليزدادوا إلى أيمانهم بالفرائض التي كانت لهم لازمة قبل ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24352 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين قال: السكينة: الرحمة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قال: إن الله جل ثناؤه بعث نبيه محمدا (ص) بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا بها زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، ثم أكمل لهم دينهم، فقال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الارض وأهل السموات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله.
[ 95 ]
وقوله: ولله جنود السموات والارض يقول تعالى ذكره: ولله جنود السموات والارض أنصار ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه وكان الله عليما حكيما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا علم بما هو كائن قبل كونه، وما خلقه عاملوه، حكيما في تدبيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) *. يقول تعالى ذكره: إنا فتحنا لك فتحا مبينا، لتشكر ربك، وتحمده على ذلك، فيغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وليحمد ربهم المؤمنون بالله، ويشكروه على إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم من الفتح الذي فتحه، وقضاه بينهم وبين أعدائهم من المشركين، بإظهاره إياهم عليهم، فيدخلهم بذلك جنات تجري من تحتها الانهار، ماكثين فيها إلى غير نهاية وليكفر عنهم سيئ أعمالهم بالحسنات التي يعملونها شكرا منهم لربهم على ما قضى لهم، وأنعم عليهم به وكان ذلك عند الله فوزا عظيما يقول تعالى ذكره: وكان ما وعدهم الله به من هذه العدة، وذلك إدخالهم جنات تجري من تحتها الانهار، وتكفيره سيئاتهم بحسنات أعمالهم التي يعملونها عند الله لهم فوزا عظيما يقول: ظفرا منهم بما كانوا تأملوه ويسعون له، ونجاة مما كانوا يحذرونه من عذاب الله عظيما. وقد تقدم ذكر الرواية أن هذه الآية نزلت لما قال المؤمنون لرسول الله (ص)، أو تلا عليهم قول الله عز وجل إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر هذا لك يا رسول الله، فماذا لنا ؟ تبيينا من الله لهم ما هو فاعل بهم. 24353 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار... إلى قوله: ويكفر عنهم سيئاتهم فأعلم الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام. وقوله: ليدخل المؤمنين والمؤمنات على اللام من قوله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك بتأويل تكرير الكلام إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله، إنا فتحنا لك ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار، ولذلك لم تدخل الواو التي تدخل في الكلام للعطف، فلم يقل: وليدخل المؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 96 ]
* (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظآنين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ئ ولله جنود السماوات والارض وكان الله عزيزا حكيما) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله، وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار، وليعذب المنافقين والمنافقات، بفتح الله لك يا محمد، ما فتح لك من نصرك على مشركي قريش، فيكبتوا لذلك ويحزنوا، ويخيب رجاؤهم الذي كانوا يرجون من رؤيتهم في أهل الايمان بك من الضعف والوهن والتولي عنك في عاجل الدنيا، وصلي النار والخلود فيها في آجل الآخرة والمشركين والمشركات يقول: وليعذب كذلك أيضا المشركين والمشركات الظانين بالله أنه لن ينصرك، وأهل الايمان بك على أعدائك، ولن يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكافرين به، وذلك كان السوء من ظنونهم التي ذكرها الله في هذا الموضع، يقول تعالى ذكره: على المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات الذين ظنوا هذا الظن دائرة السوء، يعني دائرة العذاب تدور عليهم به. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة دائرة السوء بفتح السين. وقرأ بعض قراء البصرة دائرة السوء بضم السين. وكان الفراء يقول: الفتح أفشى في السين قال: وقلما تقول العرب دائرة السوء بضم السين، والفتح في السين أعجب إلي من الضم، لان العرب تقول: هو رجل سوء، بفتح السين ولا تقول: هو رجل سوء. وقوله: وغضب الله عليهم يقول: ونالهم الله بغضب منه، ولعنهم: يقول: وأبعدهم فأقصاهم من رحمته وأعد لهم جهنم يقول: وأعد لهم جهنم يصلونها يوم القيامة وساءت مصيرا يقول: وساءت جهنم منزلا يصير إليه هؤلاء المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات. وقوله: ولله جنود السموات والارض يقول جل ثناؤه: ولله جنود السموات والارض أنصارا على أعدائه، إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم، وسارعوا إلى ذلك بالطاعة
[ 97 ]
منهم له وكان الله عزيزا حكيما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا عزة، لا يغلبه غالب، ولا يمتنع عليه مما أراده به ممتنع، لعظم سلطانه وقدرته، حكيم في تدبيره خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنآ أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ئ لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إنا أرسلناك يا محمد شاهدا على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة، ومبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم، ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولوا عما جئتهم به من عند ربك. ثم اختلفت القراء في قراءة قوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه فقرأ جميع ذلك عامة قراء الامصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء، بالتاء لتؤمنوا، وتعزروه، وتوقروه، وتسبحوه بمعنى: لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس. وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء ليؤمنوا، ويعزروه، ويوقروه، ويسبحوه بمعنى: إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه. والصواب من القول في ذلك: إن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24354 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا يقول: شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا من النار. وقوله: وتعزروه وتوقروه اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تجلوه، وتعظموه. ذكر من قال ذلك: 24355 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ويعزروه يعني: الاجلال ويوقروه يعني: التعظيم. 24356 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويعزروه ويوقروه كل هذا تعظيم وإجلال.
[ 98 ]
وقال آخرون: معنى قوله: ويعزروه: وينصروه، ومعنى ويوقروه ويفخموه. ذكر من قال ذلك: 24357 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويعزروه: ينصروه ويوقروه أمر الله بتسويده وتفخيمه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ويعزروه قال: ينصروه، ويوقروه: أي ليعظموه. 24358 - حدثني أبو هريرة الضبعي، قال: ثنا حرمي، عن شعبة، عن أبي بشر، جعفر بن أبي وحشية، عن عكرمة ويعزروه قال: يقاتلون معه بالسيف. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر، عن عكرمة، مثله. حدثني أحمد بن الوليد، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن سعيد، عن أبي بشر، عن عكرمة، بنحوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عكرمة، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: ويعظموه. ذكر من قال ذلك: 24359 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويعزروه ويوقروه قال: الطاعة لله. وهذه الاقوال متقاربات المعنى، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها. ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والاجلال. وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فأما التوقير: فهو التعظيم والاجلال والتفخيم. وقوله: وتسبحوه بكرة وأصيلا يقول: وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات. والهاء في قوله: وتسبحوه من ذكر الله وحده دون الرسول. وقد ذكر أن ذلك في بعض القراآت: ويسبحوا الله بكرة وأصيلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 99 ]
24360 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويسبحوه بكرة وأصيلا في بعض القراءة ويسبحوا الله بكرة وأصيلا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في بعض الحروف ويسبحوا الله بكرة وأصيلا. 24361 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويسبحوه بكرة وأصيلا يقول: يسبحون الله رجع إلى نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن الذين يبايعونك بالحديبية من أصحابك على أن لا يفروا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الادبار إنما يبايعون الله يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله، لان الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24362 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: إن الذين يبايعونك قال: يوم الحديبية. 24363 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه وهم الذين بايعوا يوم الحديبية. وفي قوله: يد الله فوق أيديهم وجهان من التأويل: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لانهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه (ص) والآخر: قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسوله (ص)، لانهم إنما بايعوا رسول الله (ص) على نصرته على العدو. وقوله: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يقول تعالى ذكره: فمن نكث بيعته إياك يا محمد، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك، وخالف ما وعد ربه فإنما ينكث على نفسه
[ 100 ]
يقول: فإنما ينقض بيعته، لانه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله (ص)، فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه، نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته. وقوله: ومن أو في بما عاهد عليه الله... الآية، يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه (ص) على أعدائه فسيؤتيه أجرا عظيما يقول: فسيعطيه الله ثوابا عظيما، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الايمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24364 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فسيؤتيه أجرا عظيما وهي الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): سيقول لك يا محمد الذين خلفهم الله في أهليهم عن صحبتك، والخروج معك في سفرك الذي سافرت، ومسيرك الذي سرت إلى مكة معتمرا، زائرا بيت الله الحرام إذا انصرفت إليهم، فعاتبتهم على التخلف عنك، شغلتنا عن الخروج معك معالجة أموالنا، وإصلاح معايشنا وأهلونا، فاستغفر لنا ربنا لتخلفنا عنك، قال الله جل ثناؤه مكذبهم في قيلهم ذلك: يقول هؤلاء الاعراب المخلفون عنك بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وذلك مسألتهم رسول الله (ص) الاستغفار لهم، يقول: يسألونه بغير توبة منهم ولا ندم على ما سلف منهم من معصية الله في تخلفهم عن صحبة رسول الله (ص) والمسير معه قل فمن يملك لكم من الله شيئا يقول تعالى ذكره لنبيه: قل لهؤلاء الاعراب الذين يسألونك أن تستغفر لهم لتخلفهم عنك: إن أنا استغفرت لكم أيها القوم، ثم أراد الله هلاككم أو هلاك أموالكم وأهليكم، أو أراد بكم نفعا بتثميره أموالكم وإصلاحه
[ 101 ]
لكم أهليكم، فمن ذا الذي يقدر على دفع ما أراد الله بكم من خير أو شر، والله لا يعازه أحد، ولا يغالبه غالب. وقوله: بل كان الله بما تعملون خبيرا يقول تعالى ذكره: ما الامر كما يظن هؤلاء المنافقون من الاعراب أن الله لا يعلم ما هم عليها منطوون من النفاق، بل لم يزل الله بما يعملون من خير وشر خبيرا، لا يخفى عليه شئ من أعمال خلقه، سرها وعلانيتها، وهو محصيها عليهم حتى يجازيهم بها، وكان رسول الله (ص) فيما ذكر عنه حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر العرب ومن حول مدينته من أهل البوادي والاعراب ليخرجوا معه حذرا من قومه قريش أن يعرضوا له الحرب، أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو (ص) بالعمرة، وساق معه الهدى، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا، فتثاقل عنه كثير من الاعراب، وتخلفوا خلافه فهم الذين عنى الله تبارك وتعالى بقوله: سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا... الآية. وكالذي قلنا في ذلك قال أهل العلم بسير رسول الله (ص) ومغازيه، منهم ابن إسحاق. 24365 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق بذلك. 24366 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا قال: أعراب المدينة: جهينة ومزينة، استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاؤوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم فاعتلوا بالشغل. واختلفت القراء في قراءة قوله: إن أراد بكم ضرا فقرأته قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ضرا بفتح الضاد، بمعنى: الضر الذي هو خلاف النفع. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين ضرا بضم الضاد، بمعنى البؤس والسقم. وأعجب القراءتين إلي الفتح في الضاد في هذا الموضع بقوله: أو أراد بكم نفعا، فمعلوم أن خلاف النفع الضر، وإن كانت الاخرى صحيحا معناها. القول في تأويل قوله تعالى
[ 102 ]
: * (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء الاعراب المعتذرين إلى رسول الله (ص) عند منصرفه من سفره إليهم بقولهم: شغلتنا أموالنا وأهلونا ما تخلفتم خلاف رسول الله (ص) حين شخص عنكم، وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم، بل تخلفتم بعده في منازلكم، ظنا منكم أن رسول الله (ص) ومن معه من أصحابه سيهلكون، فلا يرجعون إليكم أبدا باستئصال العدو إياهم وزين ذلك في قلوبكم، وحسن الشيطان ذلك في قلوبكم، وصححه عندكم حتى حسن عندكم التخلف عنه، فقعدتم عن صحبته وظننتم ظن السوء يقول: وظننتم أن الله لن ينصر محمدا (ص) وأصحابه المؤمنين على أعدائهم، وأن العدو سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24367 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سيقول لك المخلفون من الاعراب... إلى قوله: وكنتم قوما بورا قال: ظنوا بنبي الله (ص) وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنهم سيهلكون، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله (ص). وقوله: وكنتم قوما بورا يقول: وكنتم قوما هلكى لا يصلحون لشئ من الخبر. وقيل: إن البور في لغة أذرعات: الفاسد فأما عند العرب فإنه لا شئ. ومنه قول أبي الدرداء: فأصبح ما جمعوا بورا أي ذاهبا قد صار باطلا لا شئ منه ومنه قول حسان بن ثابت: لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الاله سبيل المعشر البور
[ 103 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكنتم قوما بورا قال: فاسدين. 24368 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكنتم قوما بورا قال: البور الذي ليس فيه من الخير شئ. 24369 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وكنتم قوما بورا قال: هالكين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنآ أعتدنا للكافرين سعيرا ئ ولله ملك السماوت والارض يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء وكان الله غفورا رحيما) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين من الاعراب، ومن لم يؤمن أيها الاعراب بالله ورسوله منكم ومن غيركم، فيصدقه على ما أخبر به، ويقر بما جاء به من الحق من عند ربه، فإنا أعددنا لهم جميعا سعيرا من النار تستعر عليهم في جهنم إذا وردوها يوم القيامة يقال من ذلك: سعرت النار: إذا أوقدتها، فأنا أسعرها سعرا ويقال: سعرتها أيضا إذا حركتها. وإنما قيل للمسعر مسعر، لانه يحرك به النار، ومنه قولهم: إنه لمسعر حرب: يراد به موقدها ومهيجها. وقوله: ولله ملك السموات والارض يقول تعالى ذكره: ولله سلطان السموات والارض، فلا أحد يقدر أيها المنافقون على دفعه عما أراد بكم من تعذيب على نفاقكم إن أصررتم عليه أو منعه من عفوه عنكم إن عفا، إن أنتم تبتم من نفاقكم وكفركم، وهذا من الله جل ثناؤه حث لهؤلاء الاعراب المتخلفين عن رسول الله (ص) على التوبة والمراجعة إلى أمر الله في طاعة رسوله (ص)، يقول لهم: بادروا بالتوبة من تخلفكم عن رسول الله (ص)، فإن الله
[ 104 ]
يغفر للتائبين وكان الله غفورا رحيما يقول: ولم يزل الله ذا عفو عن عقوبة التائبين إليه من ذنوبهم ومعاصيهم من عباده، وذا رحمة بهم أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد توبتهم منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): سيقول يا محمد المخلفون في أهليهم عن صحبتك إذا سرت معتمرا تريد بيت الله الحرام، إذا انطلقت أنت ومن صحبك في سفرك ذلك إلى ما أفاء الله عليك وعليهم من الغنيمة لتأخذوها وذلك ما كان الله وعد أهل الحديبية من غنائم خيبر ذرونا نتبعكم إلى خيبر، فشهد معك قتال أهلها يريدون أن يبدلوا كلام الله يقول: يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية، وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضا من غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح، ولم يصيبوا منهم شيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24370 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: رجع، يعني رسول الله (ص) عن مكة، فوعده الله مغانم كثيرة، فعجلت له خيبر، فقال المخلفون ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله وهي المغانم ليأخذوها، التي قال الله جل ثناؤه: إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها وعرض عليهم قتال قوم أولي بأس شديد. 24371 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن رجل من أصحابه، عن مقسم قال: لما وعدهم الله أن يفتح عليهم خيبر، وكان الله قد وعدها من شهد الحديبية لم يعط أحدا غيرهم منها شيئا، فلما علم المنافقون أنها الغنيمة قالوا: ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله يقول: ما وعدهم. 24372 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سيقول المخلفون إذا انطلقتم.... الآية، وهم الذين تخلفوا عن رسول الله (ص) من الحديبية. ذكر لنا أن
[ 105 ]
المشركين لما صدوا رسول الله (ص) من الحديبية عن المسجد الحرام والهدي، قال المقداد: يا نبي الله، إنا والله لا نقول كالملا من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فلما سمع ذلك أصحاب نبي الله (ص) تبايعوا على ما قال فلما رأى ذلك نبي الله (ص) صالح قريشا، ورجع من عامة ذلك. وقال آخرون: بل عنى بقوله: يريدون أن يبدلوا كلام الله إرادتهم الخروج مع نبي الله (ص) في غزوه، وقد قال الله تبارك وتعالى فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. ذكر من قال ذلك: 24373 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم... الآية، قال الله عز وجل حين رجع من غزوه، فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا... الآية يريدون أن يبدلوا كلام الله: أرادوا أن يغيروا كلام الله الذي قال لنبيه (ص) ويخرجوا معه، وأبى الله ذلك عليهم ونبيه (ص). وهذا الذي قاله ابن زيد قول لا وجه له، لان قول الله عز وجل فاستأذنوك للخروج، فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنما نزل على رسول الله (ص) منصرفه من تبوك، وعني به الذين تخلفوا عنه حين توجه إلى تبوك لغزو الروم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله (ص) أن تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة أيضا، فكيف يجوز أن يكون الامر على ما وصفنا معنيا بقول الله: يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو خبر عن المتخلفين عن المسير مع رسول الله (ص)، إذ شخص معتمرا يريد البيت، فصده المشركون عن البيت، الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أوحي إلى رسول الله (ص) قوله: فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. فإذ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول في ذلك: ما قاله مجاهد وقتادة على ما قد بينا.
[ 106 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: يريدون أن يبدلوا كلام الله فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض قراء الكوفة كلام الله على وجه المصدر، بإثبات الالف. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة كلم الله بغير ألف، بمعنى جمع كلمة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في قراءة الامصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت إلى قراءته بالالف أميل. وقوله: قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء المخلفين عن المسير معك يا محمد: لن تتبعونا إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم لقتالهم كذلكم قال الله من قبل يقول: هكذا قال الله لنا من قبل مرجعنا إليكم، إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا إلى خيبر، لان غنيمتها لغيركم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24374 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كذلكم قال الله من قبل أي إنما جعلت الغنيمة لاهل الجهاد، وإنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب. وقوله: فسيقولون بل تحسدوننا أن نصيب معكم مغنما إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24375 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فسيقولون بل تحسدوننا أن نصيب معكم غنائم. وقوله: بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه (ص) وأصحابه: ما الامر كما يقول هؤلاء المنافقون من الاعراب من أنكم إنما تمنعونهم من اتباعكم حسدا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدو مغنما، بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم وعليهم من أمر الدين إلا قليلا يسيرا، ولو عقلوا ذلك ما قالوا لرسول الله والمؤمنين به، وقد أخبروهم عن الله تعالى ذكره أنه حرمهم غنائم خيبر، إنما تمنعوننا من صحبتكم إليها لانكم تحسدوننا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 107 ]
* (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للمخلفين من الاعراب عن المسير معك، ستدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال شديد. واختلف أهل التأويل في هؤلاء الذين أخبر الله عز وجل عنهم أن هؤلاء المخلفين من الاعراب يدعون إلى قتالهم، فقال بعضهم: هم أهل فارس. ذكر من قال ذلك: 24376 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أولي بأس شديد أهل فارس. 24377 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا داود بن الزبرقان، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، في قوله: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال: فارس والروم. 24378 - قال: أخبرنا داود، عن سعيد، عن الحسن، مثله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن، في قوله: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال: هم فارس والروم. 24379 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أولي بأس شديد قال: هم فارس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال: قال الحسن: دعوا إلى فارس والروم. 24380 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديدقال: فارس والروم. وقال آخرون: هم هوازن بحنين. ذكر من قال ذلك:
[ 108 ]
24381 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير وعكرمة، في قوله: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال: هوازن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير وعكرمة في هذه الآية ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال: هوازن وثقيف. 24382 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون قال: هي هوازن وغطفان يوم حنين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الاجابة ورغب في الجهاد. وقال آخرون: بل هم بنو حنيفة. ذكر من قال ذلك: 24383 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري أولي بأس شديد قال بنو حنيفة مع مسيلمة الكذاب. 24384 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير وعكرمة أنهما كانا فيه هوازن وبني حنيفة. وقال آخرون: لم تأت هذه الآية بعد. ذكر من قال ذلك: 24385 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد لم تأت هذه الآية. وقال آخرون: هم الروم. ذكر من قال ذلك: 24386 - حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان بن عمرو، قال: ثنا الفرج بن محمد الكلاعي، عن كعب، قال: أولي بأس شديد قال: الروم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المخلفين من الاعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال، ونجدة في الحروب، ولم يوضع لنا الدليل من خبر ولا عقل على أن المعني بذلك هوازن، ولا بنو
[ 109 ]
حنيفة ولا فارس ولا الروم، ولا أعيان بأعيانهم، وجائز أن يكون عنى بذلك بعض هذه الاجناس، وجائز أن يكون عني بهم غيرهم، ولا قول فيه أصح من أن يقال كما قال الله جل ثناؤه: إنهم سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد. وقوله: تقاتلونهم أو يسلمون يقول تعالى ذكره للمخلفين من الاعراب: تقاتلون هؤلاء الذين تدعون إلى قتالهم، أو يسلمون من غير حرب ولا قتال. وقد ذكر أن ذلك في بعض القراآت تقاتلونهم أو يسلموا، وعلى هذه القراءة وإن كانت على خلاف مصاحف أهل الامصار، وخلافا لما عليه الحجة من القراء، وغير جائز عندي القراءة بها لذلك تأويل ذلك: تقاتلونهم أبدا إلا أن يسلموا، أو حتى يسلموا. وقوله: فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا يقول تعالى ذكره فإن تطيعوا الله في إجابتكم إياه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الاولي البأس الشديد، فتجيبوا إلى قتالهم والجهاد مع المؤمنين يؤتكم الله أجرا حسنا يقول: يعطكم الله على إجابتكم إياه إلى حربهم الجنة، وهي الاجر الحسن وإن تتولوا كما توليتم من قبل يقول: وإن تعصوا ربكم فتدبروا عن طاعته وتخالفوا أمره، فتتركوا قتال الاولي البأس الشديد إذا دعيتم إلى قتالهم كما توليتم من قبل يقول: كما عصيتموه في أمره إياكم بالمسير مع رسول الله (ص) إلى مكة، من قبل أن تدعوا إلى قتال أولي البأس الشديد يعذبكم الله عذابا أليما يعني: وجيعا، وذلك عذاب النار على عصيانكم إياه، وترككم جهادهم وقتالهم مع المؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما) *. يقول تعالى ذكره: ليس على الاعمى منكم أيها الناس ضيق، ولا على الاعرج ضيق، ولا على المريض ضيق أن يتخلفوا عن الجهاد مع المؤمنين، وشهود الحرب معهم إذا هم لقوا عدوهم، للعلل التي بهم، والاسباب التي تمنعهم من شهودها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24387 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج قال: هذا كله في الجهاد.
[ 110 ]
24388 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم عذر الله أهل العذر من الناس، فقال: ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج. 24389 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج قال: في الجهاد في سبيل الله. 24390 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ليس على الاعمى حرج... الآية، يعني في القتال. وقوله: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله فيجيب إلى حرب أعداء الله من أهل الشرك، وإلى القتال مع المؤمنين ابتغاء وجه الله إذا دعي إلى ذلك، يدخله الله يوم القيامة جنات تجري من تحتها الانهار ومن يتول يقول: ومن يعص الله ورسوله، فيتخلف عن قتال أهل الشرك بالله إذا دعي إليه، ولم يستجب لدعاء الله ورسوله يعذبه عذابا موجعا، وذلك عذاب جهنم يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينتة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ئ ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما) *. يقول تعالى ذكره: لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة يعني بيعة أصحاب رسول الله (ص) رسول الله بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب، وعلى أن لا يفروا، ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة، وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر تحت شجرة. وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله (ص) كان أرسل عثمان بن عفان
[ 111 ]
رضي الله عنه برسالته إلى الملا من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الابطاء، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان، وكان الذين بايعوه هذه البيعة فيما ذكر في قول بعضهم: ألفا وأربعامئة، وفي قول بعضهم: ألفا وخمسامئة، وفي قول بعضهم: ألفا وثلاثمائة. ذكر الرواية بما وصفنا من سبب هذه البيعة: 24391 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال ثني: بعض أهل العلم أن رسول الله (ص) دعا خراش بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على جمل له يقال له الثعلب، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، وذلك حين نزل الحديبية، فعقروا به جمل رسول الله (ص)، وأرادوا قتله، فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله، حتى أتى رسول الله (ص). 24392 - قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فحدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس: أن رسول الله ص) دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليهم، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان، فدعا رسول الله (ص) عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها، فنزل عن دابته، فحمله بين يديه، ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله (ص)، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله (ص) ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله (ص): إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، قال: ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله (ص)، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله (ص) والمسلمين أن عثمان قد قتل. 24393 - قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله (ص) حين بلغه أن عثمان قد قتل، قال: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا
[ 112 ]
الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله (ص) على الموت فكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله (ص) لم يبايعنا على الموت، ولكنه بايعنا على أن لا نفر، فبايع رسول الله (ص) الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة، كان جابر بن عبد الله يقول: لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته، قد اختبأ إليها، يستتر بها من الناس، ثم أتى رسول الله (ص) أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل. 24394 - حدثنا محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة، قال: قال سلمة: بينما نحن قائلون زمن الحديبية، نادى منادي رسول الله (ص): أيها الناس البيعة البيعة، نزل روح القدس صلوات الله عليه، قال: فثرنا إلى رسول الله (ص)، وهو تحت شجرة سمرة، قال: فبايعناه، وذلك قول الله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. 24395 - حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر، قال: كان أول من بايع بيعة الرضوان رجل من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب. 24396 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان جدي يقال له حزن، وكان ممن بايع تحت الشجرة، فأتيناها من قابل، فعميت علينا. 24397 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الاشج أنه بلغه أن الناس بايعوا رسول الله (ص) على الموت، فقال رسول الله (ص): على ما استطعتم. والشجرة التي بويع تحتها بفج نحو مكة، وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد
[ 113 ]
أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت، فجعل بعضهم يقول هنا، وبعضهم يقول: ههنا، فلما كثر اختلافهم قال: سيروا هذا التكلف فذهبت الشجرة وكانت سمرة إما ذهب بها سيل، وإما شئ سوى ذلك. ذكر عدد الذين بايعوا هذه البيعة: وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في عددهم، ونذكر الروايات عن قائلي المقالات التي ذكرناها إن شاء الله تعالى. ذكر من قال: عددهم ألف وأربعمائة 24398 -: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن أبي سفيان عن جابر، قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فبايعنا رسول الله (ص) على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت، قال: فبايعناه كلنا إلا الجد بن قيس اختبأ تحت إبط ناقته. 24399 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمرو، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أنهم كانوا يوم الحديبية أربع عشرة مئة، فبايعنا رسول الله (ص) وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعنا غير الجد بن قيس الانصاري، اختبأ تحت إبط بعيره، قال جابر: بايعنا رسول الله (ص) على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: ثنا هشام بن عبد الملك وسعيد بن شرحبيل المصري، قالا: ثنا ليث بن سعد المصري، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، فبايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت، يعني النبي (ص). 24400 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أنه قيل له: إن جابر بن عبد الله يقول: إن أصحاب الشجرة كانوا ألفا وخمسمائة، قال سعيد: نسي جابر هو قال لي كانوا ألفا وأربعمائة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مئة.
[ 114 ]
ذكر من قال: كان عدتهم ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين: 24401 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة قال: كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. 24402 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الذين بايعوا رسول الله (ص) تحت الشجرة، فجعلت لهم مغانم خيبر كانوا يومئذ خمس عشرة مئة، وبايعوا على أن لا يفروا عنه. ذكر من قال ذلك: كانوا ألفا وثلاثمائة: 24403 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: كانوا يوم الشجرة ألفا وثلاثمائة، وكانت أسلم يومئذ من المهاجرين. وقوله: فعلم ما في قلوبهم يقول تعالى ذكره: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك فأنزل السكينة عليهم يقول: فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24404 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله فعلم ما في قلوبهم، فأنزل السكينة عليهم: أي الصبر والوقار. وقوله: وأثابهم فتحا قريبا يقول: وعوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها فتحا قريبا، وذلك فيما قيل: فتح خيبر. ذكر من قال ذلك: 24405 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى وأثابهم فتحا قريبا قال: خيبر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأثابهم فتحا قريبا وهي خيبر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وأثابهم فتحا قريبا قال بلغني أنها خيبر.
[ 115 ]
وقوله: ومغانم كثيرة يأخذونها يقول تعالى ذكره: وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله (ص) تحت الشجرة، مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم، وإنزاله السكينة عليهم، وإثابته إياهم فتحا قريبا، معه مغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود خيبر، فإن الله جعل ذلك خاصة لاهل بيعة الرضوان دون غيرهم. وقوله: وكان الله عزيزا حكيما يقول: وكان الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم من أعدائه، حكيما في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء من قضائه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما ئ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) *. يقول تعالى ذكره لاهل بيعة الرضوان: وعدكم الله أيها القوم مغانم كثيرة تأخذونها. اختلف أهل التأويل في هذه المغانم التي ذكر الله أنه وعدها هؤلاء القوم أي المغانم هي، فقال بعضهم: هي كل مغنم غنمها الله المؤمنين به من أموال أهل الشرك من لدن أنزل هذه الآية على لسان نبيه (ص). ذكر من قال ذلك: 24406 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها قال: المغانم الكثيرة التي وعدوا: ما يأخذونها إلى اليوم. وعلى هذا التأويل يحتمل الكلام أن يكون مرادا بالمغانم الثانية المغانم الاولى، ويكون معناه عند ذلك، فأثابهم فتحا قريبا، ومغانم كثيرة يأخذونها، وعدكم الله أيها القوم هذه المغانم التي تأخذونها، وأنتم إليها واصلون عدة، فجعل لكم الفتح القريب من فتح خيبر. ويحتمل أن تكون الثانية غير الاولى، وتكون الاولى من غنائم خيبر، والغنائم الثانية التي وعدهموها من غنائم سائر أهل الشرك سواهم.
[ 116 ]
وقال آخرون: هذه المغانم التي وعد الله هؤلاء القوم هي مغانم خيبر. ذكر من قال ذلك: 24407 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها قال: يوم خيبر، قال: كان أبي يقول ذلك. وقوله: فعجل لكم هذه اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم، فقال جماعة: غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة. ذكر من قال ذلك: 24408 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فعجل لكم هذه قال: عجل لكم خيبر. 24409 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فعجل لكم هذه وهي خيبر. وقال آخرون: بل عنى بذلك الصلح الذي كان بين رسول الله (ص) وبين قريش. ذكر من قال ذلك: 24410 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فعجل لكم هذه قال: الصلح. وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب ما قاله مجاهد، وهو أن الذي أثابهم الله من مسيرهم ذلك مع الفتح القريب المغانم الكثيرة من مغانم خيبر، وذلك أن المسلمين لم يغنموا بعد الحديبية غنيمة، ولم يفتحوا فتحا أقرب من بيعتهم رسول الله (ص) بالحديبية إليها من فتح خيبر وغنائمها. وأما قوله: وعدكم الله مغانم كثيرة فهي سائر المغانم التي غنمهموها الله بعد خيبر، كغنائم هوازن، وغطفان، وفارس، والروم. وإنما قلنا ذلك كذلك دون غنائم خيبر، لان الله أخبر أنه عجل لهم هذه التي أثابهم من مسيرهم الذي ساروه مع رسول الله (ص) إلى مكة، ولما علم من صحة نيتهم في قتال أهلها، إذ بايعوا رسول الله (ص)، على أن لا يفروا عنه، ولا شك أن التي عجلت لهم غير التي لم تعجل لهم.
[ 117 ]
وقوله: وكف أيدي الناس عنكم يقول تعالى ذكره لاهل بيعة الرضوان: وكف الله أيدي المشركين عنكم. ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفت أيديهم عنهم من هم ؟ فقال بعضهم: هم اليهود كف الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله (ص) إلى مكة. ذكر من قال ذلك: 24411 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكف أيدي الناس عنكم: عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وكف أيدي الناس عنكم قال: كف أيدي الناس عن عيالهم بالمدينة. وقال آخرون: بل عنى بذلك أيدي قريش إذ حبسهم الله عنهم، فلم يقدروا له على مكروه. والذي قاله قتادة في ذلك عندي أشبه بتأويل الآية، وذلك أن كف الله أيدي المشركين من أهل مكة عن أهل الحديبية قد ذكره الله بعد هذه الآية في قوله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة فعلم بذلك أن الكف الذي ذكره الله تعالى في قوله: وكف أيدي الناس عنكم غير الكف الذي ذكر الله بعد هذه الآية في قوله: وهو الذي كف أيديهم عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكة. وقوله: ولتكون آية للمؤمنين يقول: وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته، منتهين إلى أمره ونهيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24412 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولتكون آية للمؤمنين يقول: وذلك آية للمؤمنين، كف أيدي الناس عن عيالهم ويهديكم صراطا مستقيما يقول: ويسددكم أيها المؤمنون طريقا واضحا لا اعوجاج فيه، فيبينه لكم، وهو
[ 118 ]
أن تثقوا في أموركم كلها بربكم، فتتوكلوا عليه في جميعها، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله (ص) في أنفسكم وأهليكم وأموالكم، فقد رأيتم أثر فعل الله بكم، إذ وثقتم في مسيركم هذا. وقوله: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها يقول تعالى ذكره ووعدكم أيها القوم ربكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا على فتحها، قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها لكم. واختلف أهل التأويل في هذه البلدة الاخرى، والقرية الاخرى التي وعدهم فتحها، التي أخبرهم أنه محيط بها، فقال بعضهم: هي أرض فارس والروم، وما يفتحه المسلمون من البلاد إلى قيام الساعة. ذكر من قال ذلك: 24413 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: وأخرى لم تقدروا عليها فارس والروم. قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى أنه قال في هذه الآية: وأخرى لم تقدروا عليها قال: فارس والروم. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله. 24415 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها قال: حدث عن الحسن، قال: هي فارس والروم 24416 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأخرى لم تقدروا عليها ما فتحوا حتى اليوم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، في قوله: وأخرى لم تقدروا عليها قال: فارس والروم. وقال آخرون: بل هي خيبر. ذكر من قال ذلك: 24417 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وأخرى لم تقدروا عليها... الآية، قال: هي خيبر. 244418 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن
[ 119 ]
سليمان، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها يعني خيبر، بعثهم رسول الله (ص) يومئذ، فقال: لا تمثلوا ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا. 24419 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها قال: خيبر، قال: لم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها. 24420 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وأخرى لم تقدروا عليها يعني أهل خيبر. وقال آخرون: بل هي مكة. ذكر من قال ذلك: 24421 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها كنا نحدث أنها مكة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأخرى لم تقدروا عليها قال: بلغنا أنها مكة. وهذا القول الذي قاله قتادة أشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله (ص) تحت الشجرة، أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها، ومعقول أنه لا يقال لقوم لم يقدروا على هذه المدينة، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذرت عليهم، فأما وهم لم يروموها فتتعذر عليهم فلا يقال: إنهم لم يقدروا عليها. فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن رسول الله (ص) لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه خيبر لحرب، ولا وجه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية، علم أن المعني بقوله: وأخرى لم تقدروا عليها غيرها، وأنها هي التي قد عالجها ورامها، فتعذرت فكانت مكة وأهلها كذلك، وأخبر الله تعالى ذكره نبيه (ص) والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحها
[ 120 ]
عليهم، وكان الله على كل ما يشاء من الاشياء ذا قدرة، لا يتعذر عليه شئ شاءه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ئ سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان: ولو قاتلكم الذين كفروا بالله أيها المؤمنون بمكة لولوا الادبار يقول: لانهزموا عنكم، فولوكم أعجازهم، وكذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا يقول: ثم لا يجد هؤلاء الكفار المنهزمون عنكم، المولوكم الادبار، وليا يواليهم على حربكم، ولا نصيرا ينصرهم عليكم، لان الله تعالى ذكره معكم، ولن يغلب حزب الله ناصره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24422 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار يعني كفار قريش، قال الله: ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ينصرهم من الله. وقوله: سنة الله التي قد خلت من قبل يقول تعالى ذكره: لو قاتلكم هؤلاء الكفار من قريش، لخذلهم الله حتى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به، الذين قاتلوا أولياءه من الامم الذين مضوا قبلهم. وأخرج قوله: سنة الله نصبا من غير لفظه، وذلك أن في قوله: لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا معنى سننت فيهم الهزيمة والخذلان، فلذلك قيل: سنة الله مصدرا من معنى الكلام لا من لفظه، وقد يجوز أن تكون تفسيرا لما قبلها من الكلام. وقوله: ولن تجد لسنة الله تبديلا يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، بل ذلك دائم للاحسان جزاؤه من الاحسان، وللاساءة والكفر العقاب والنكال. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 121 ]
* (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا) *. يقول تعالى ذكره لرسوله (ص): والذين بايعوا الرضوان، وهو الذي كف أيديهم عنكم يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله (ص)، بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم، فبعث رسول الله (ص) فأتى بهم أسرى، فخلى عنهم رسول الله (ص)، ومن عليهم ولم يقتلهم فقال الله للمؤمنين: وهو الذي كف أيدي هؤلاء المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكة، من بعد أن أظفركم عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار ذكر الرواية بذلك: 24423 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا الحسين بن واقد، قال: ثني ثابت البناني، عن عبد الله بن مغفل، أن رسول الله (ص) كان جالسا في أصل شجرة بالحديبية، وعلى ظهره غصن من أغصان الشجرة فرفعتها عن ظهره، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بين يديه وسهيل بن عمرو، وهو صاحب المشركين، فقال رسول الله (ص) لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فأمسك سهيل بيده، فقال: ما نعرف الرحمن، اكتب في قضيتنا ما نعرف. فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم، فكتب، فقال: هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة، وفأمسك سهيل بيده، فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولا، اكتب في قضيتنا ما نعرف قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأنا رسول الله، فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله (ص)، فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله (ص): هل خرجتم في أمان أحد، قال: فخلى عنهم، قال: فأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن ثابت، عن عبد الله بن مغفل، قال: كنا مع النبي (ص) بالحديبية في أصل الشجرة التي قال
[ 122 ]
الله في القرآن، وكان غصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر النبي (ص)، فرفعته عن ظهره، ثم ذكر نحو حديث محمد بن علي، عن أبيه. 24424 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: ثني من لا أتهم. عن عكرمة، مولى ابن عباس، أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله (ص)، ليصيبوا من أصحابه أحدا، فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله (ص)، وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله (ص) بالحجارة والنبل. قال ابن حميد، قال سلمة، قال ابن إسحاق: ففي ذلك قال: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... الآية. 24425 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أقبل معتمرا نبي الله (ص)، فأخذ أصحابه ناسا من أهل الحرم غافلين، فأرسلهم النبي (ص)، فذلك الاظفار ببطن مكة. 24426 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبيد الله ابن عائشة، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة، هبطوا على رسول الله (ص) وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله (ص) فأعتقهم، فأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... إلى آخر الآية. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 24427 - حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... الآية، قال: بطن مكة الحديبية يقال له رهم: اطلع الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول الله (ص)
[ 123 ]
خيلا، فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار، فقال لهم نبي الله (ص): هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة، قالوا: لا فأرسلهم، فأنزل الله في ذلك القرآن وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... إلى قوله: بما تعملون بصيرا. وقال آخرون في ذلك ما: 24428 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزي، قال: لما خرج النبي (ص) بالهدي، وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا نبي الله، تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع، قال: فبعث إلى المدينة فلم يدع بها كراعا ولا سلاحا إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل، فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج علينا في خمسمائة، فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل، فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله، فيومئذ سمي سيف الله، يا رسول الله، ارم بي حيث شئت، فبعثه على خيل، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... إلى قوله عذابا أليما قال: فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم. وقوله: وكان الله بما تعملون بصيرا يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم وأعمالهم بصيرا لا يخفى عليه منها شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشآء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) *.
[ 124 ]
يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون من قريش هم الذين جحدوا توحيد الله، وصدوكم أيها المؤمنون بالله عن دخول المسجد الحرام، وصدوا الهدي معكوفا: يقول: محبوسا عن أن يبلغ محله. فموضع أن نصب لتعلقه إن شئت بمعكوف، وإن شئت بصدوا. وكان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: وصدوا الهدي معكوفا كراهية أن يبلغ محله. وعنى بقوله تعالى ذكره: أن يبلغ محله أن يبلغ محل نحره، وذلك دخول الحرم، والموضع الذي إذا صار إليه حل نحره، وكان رسول الله (ص) ساق معه حين خرج إلى مكة في سفرته تلك سبعين بدنة. 24429 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه، قالا: خرج رسول الله (ص) عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا، وساق الهدي معه سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام، والهدي معكوفا أن يبلغ محله قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24430 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا: أي محبوسا أن يبلغ محله وأقبل نبي الله (ص) وأصحابه معتمرين في ذي القعدة، ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية، صدهم المشركون، فصالحهم نبي (ص) (ص) على أن يرجع من عامه ذلك، ثم يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بسلاح الراكب، ولا يخرج بأحد من أهلها، فنحروا الهدي، وحلقوا، وقصروا، حتى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبي (ص) وأصحابه حتى دخلوا مكة معتمرين في ذي القعدة، فأقام بها ثلا ث ليال، وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه، فأقصه الله منهم فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه، فأنزل الله الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص.
[ 125 ]
24431 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي وأحمد بن منصور الرمادي، واللفظ لابن عمارة، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الاكوع، عن أبيه، قال: بعثت قريش سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وحفص بن فلان إلى النبي (ص) ليصالحوه فلما رآهم رسول الله (ص) فيهم سهيل بن عمرو، قال: قد سهل الله لكم من أمركم، القوم ماتون إليكم بأرحامهم وسائلوكم الصلح، فابعثوا الهدي، وأظهروا التلبية، لعل ذلك يلين قلوبهم، فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية، فجاؤوا فسألوه الصلح قال: فبينما الناس قد توادعوا وفي المسلمين ناس من المشركين، قال: فقيل به أبو سفيان قال: وإذا الوادي يسيل بالرجال قال: قال إياس، قال سلمة: فجئت بستة من المشركين متسلحين أسوقهم، لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا، فأتيت بهم النبي (ص)، فلم يسلب ولم يقتل وعفا قال: فشددنا على من في أيدي المشركين منا، فما تركنا في أيديهم منا رجلا إلا استنقذناه قال: وغلبنا على من في أيدينا منهم ثم إن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو، وحويطبا، فولوا صلحهم، وبعث النبي (ص) عليا في صلحه فكتب علي بينهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله (ص) قريشا، صالحهم على أنه لا إهلال ولا امتلال، وعلى أنه من قدم مكة من أصحاب محمد (ص) حاجا أو معتمرا، أو يبتغي من فضل الله، فهو آمن على دمه وماله ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام يبتغي من فضل الله، فهو آمن على دمه وماله وعلى أنه من جاء محمدا (ص) من قريش فهو إليهم رد، ومن جاءهم من أصحاب محمد فهو لهم. فاشتد ذلك على المسلمين، فقال رسول الله (ص): من جاءهم منا فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فعلم الله الاسلام من نفسه، جعل له مخرجا. فصالحوه على أنه يعتمر في عام قابل في هذا الشهر، لا يدخل علينا بخيل ولا سلاح، إلا ما يحمل المسافر في قرابه، يثوي فينا ثلاث ليال، وعلى أن هذا الهدي حيثما حبسناه محله لا يقدمه علينا. فقال لهم رسول الله (ص): نحن نسوقه وأنتم تردون وجوهه، فسار رسول الله مع الهدي وسار الناس.
[ 126 ]
24432 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى، قال: أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ، عن ابن عمر، قال: كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية عرض له المشركون، فردوا وجوهه قال: فنحر النبي (ص) الهدي حين حبسوه، وهي الحديبية، وحلق، وتأسى به أناس حين رأوه حلق، وتربص آخرون، فقالوا: لعلنا نطوف بالبيت، فقال رسول الله (ص): رحم الله المحلقين، قيل: والمقصرين، قال: رحم الله المحلقين، قيل: والمقصرين، قال: والمقصرين. 24433 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمر بن ذر الهمداني، عن مجاهد أن النبي (ص) اعتمر ثلاث عمر، كلها في ذي القعدة، يرجع في كلها إلى المدينة، منها العمرة التي صد فيها الهدي، فنحره في محله، عند الشجرة، وشارطوه أن يأتي في العام المقبل معتمرا، فيدخل مكة، فيطوف بالبيت ثلاثة أيام، ثم يخرج، ولا يحبسون عنه أحدا قدم معه، ولا يخرج من مكة بأحد كان فيها قبل قدومه من المسلمين فلما كان من العام المقبل دخل مكة، فأقام بها ثلاثا يطوف بالبيت فلما كان اليوم الثالث قريبا من الظهر، أرسلوا إليه: إن قومك قد آذاهم مقامك، فنودي في الناس: لا تغرب الشمس وفيها أحد من المسلمين قدم مع رسول الله (ص). 24434 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، قال: خرج النبي (ص) زمن الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار النبي (ص)، حتى إذا كان بغدير الاشطاط قريبا من قعيقعان، أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الاحابيش، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله (ص): أشيروا علي، أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم
[ 127 ]
فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين وإن لحوا تكن عنقا قطعها الله ؟ أم ترون أنا نؤم البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه فقال النبي (ص): فروحوا إذا وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لاصحابه من النبي (ص)، فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي (ص): إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي (ص)، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حل حل، فقال: ما حل ؟ فقالوا: خلات القصواء، فقال النبي (ص): ما خلات وما ذاك لها بخلق، ولكنها حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرت فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله (ص) العطش، فنزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي (ص): إنا لم نأت لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددناهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لاقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره فقال بديل: سنبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا،
[ 128 ]
فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا قال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشئ، وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول: قال سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي (ص)، فقام عروة بن مسعود الثقفي، فقال: أي قوم، ألستم بالولد ؟ قالوا: بلى أو لست بالوالد ؟ قالوا: بلى قال: فهل أنتم تتهموني ؟ قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا: بلى قال: فإن هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي (ص)، فقال النبي (ص) نحوا من مقالته لبديل فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك 0 وإن تكن الاخرى فوالله إني لارى وجوها وأوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال أبو بكر: امصص بظر اللات، واللات: طاغية ثقيف الذي كانوا يعبدون، أنحن نفر وندعه ؟ فقال: من هذا ؟ فقالوا: أبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لاجبتك وجعل يكلم النبي (ص)، فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (ص) ومعه السيف، وعليه المغفر فكلما أهوى عروة إلى لحية رسول الله (ص)، ضرب يده بنصل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته، فرفع رأسه فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر أو لست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي (ص): أما الاسلام فقد قبلناه، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه. وإن عروة جعل يرمق أصحاب النبي (ص) بعينه، فوالله إن تنخم النبي (ص) نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
[ 129 ]
فقال رجل من كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته فلما أشرف على النبي (ص) وأصحابه، قال النبي (ص): هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله قوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته، فقالوا ائته، فلما أشرف على النبي (ص) وأصحابه، قال النبي (ص): هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر فجاء فجعل يكلم النبي (ص)، فبينما هو يكلمه، إذ جاء سهيل بن عمرو، قال أيوب، قال عكرمة: إنه لما جاء سهيل، قال النبي (ص): قد سهل لكم من أمركم. قال الزهري. فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هات نكتب بيننا وبينك كتابا فدعا الكاتب فقال النبي (ص): اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: ما الرحمن ؟ فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي (ص): اكتب: باسمك اللهم ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول االله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي (ص): والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، ولكن اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري: وذلك لقوله: والله لا يسألوني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فقال النبي (ص): على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به قال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل، وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان الله، وكيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينما هم كذلك، إذا جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يوسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلينا، فقال النبي (ص): فأجره لي، فقال: ما أنا بمجيره لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل قال صاحبه مكرز وسهيل إلى جنبه: قد أجرناه لك فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين، أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما قد لقيت ؟ كان قد عذب عذابا شديدا في الله. قال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي (ص)، فقلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا
[ 130 ]
إذن ؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: ألست تحدثنا أنا سنأتي البيت، فنطوف به ؟ قال: بلى، قال: فأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت: لا قال: فإنك آتيه ومتطوف به قال: ثم أتيت أبا بكر، فقلت: أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذا ؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومتطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا فلما فرغ من قصته، قال النبي (ص) لاصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منا رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله أتحب ذلك ؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة، حتى نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل عليه: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر قال: فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك قال: فنهاهم أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق حينئذ قال رجل للزهري: أمن أجل الفروج ؟ قال: نعم، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والاخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي (ص) إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسل في طلبه رجلان، فقالا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لاحد الرجلين: والله إني لارى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: والله إنه لجيد، لقد جربت به وجربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه، فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي (ص): رأى هذا ذعرا، فقال: والله قتل صاحبي، وإني
[ 131 ]
والله لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: قد والله أوفى الله ذمتك ورددتني إليهم، ثم أغاثني الله منهم، فقال النبي (ص): ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع عرف أنه سيرده إليهم قال: فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي (ص) يناشدونه الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن فأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ حمية الجاهلية وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت. 24435 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله (ص) زمن الحديبية في بضع عشرة مئة، ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه، قال الزهري، فحدثني القاسم بن محمد، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فأتيت النبي (ص)، فقلت: ألست برسول الله (ص) ؟ قال: بلى، قال أيضا: وخرج أبو بصير والذين أسلموا من الذين رد رسول الله (ص) حتى لحقوا بالساحل على طريق عير قريش، فقتلوا من فيها من الكفار وتغنموها فلما رأى ذلك كفار قريش، ركب نفر منهم إلى رسول الله (ص)، فقالوا له: إنها لا تغني مدتك شيئا، ونحن نقتل وتنهب أموالنا، وإنا نسألك أن تدخل هؤلاء في الذين أسلموا منا في صلحك وتمنعهم، وتحجز عنا قتالهم، ففعل ذلك رسول الله (ص)، فأنزل الله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم، ثم ساق الحديث إلى آخره، نحو حديث ابن عبد الاعلى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أنهما
[ 132 ]
حدثاه، قالا: خرج رسول الله (ص) عام الحديبية، يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا، وساق معه هديه سبعين بدنة، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال له: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور، ونزلوا بذي طوى يعاهدون الله، لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم، قد قدموها إلى كراع الغميم قال: فقال (ص): يا ويح قريش لقد أهلكتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام داخرين ثم ذكر نحو حديث معمر بزيادات فيه كثيرة، على حديث معمر تركت ذكرها. 24436 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والهدي معكوفا أن يبلغ محله قال: كان الهدي بذي طوى، والحديبية خارجة من الحرم، نزلها رسول الله (ص) حين غورت قريش عليه الماء. وقوله: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم يقول تعالى ذكره: ولولا رجال من أهل الايمان ونساء منهم أيها المؤمنون بالله أن تطؤهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكة، وقد حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم فتقتلوهم. كما: 24437 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات... حتى بلغ بغير علم هذا حين رد محمد (ص) وأصحابه أن يدخلوا مكة، فكان بها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، فكره الله أن يؤذوا أو يوطئوا بغير علم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم. واختلف أهل التأويل في المعرة التي عناها الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بها الاثم. ذكر من قال ذلك: 24438 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم قال: إثم بغير علم. وقال آخرون: عنى بها غرم الدية. ذكر من قال ذلك: 24439 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فتصيبكم منهم معرة
[ 133 ]
بغير علم فتخرجوا ديته، فأما إثم فلم يحسبه عليهم. والمعرة: هي المفعلة من العر، وهو الجرب. وإنما المعنى: فتصيبكم من قبلهم معرة تعرون بها، يلزمكم من أجلها كفارة قتل الخطأ، وذلك عتق رقبة مؤمنة، من أطاق ذلك، ومن لم يطق فصيام شهرين. وإنما اخترت هذا القول دون القول الذي قاله ابن إسحاق، لان الله إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها، ولم يكن قاتله علم إيمانه الكفارة دون الدية، فقال: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة لم يوجب على قاتله خطأ ديته، فلذلك قلنا: عنى بالمعرة في هذا الموضع الكفارة، وأن من قوله: أن تطئوهم في موضع رفع ردا على الرجال، لان معنى الكلام: ولولا أن تطئوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم لاذن الله لكم أيها المؤمنون في دخول مكة، ولكنه حال بينكم وبين ذلك ليدخل الله في رحمته من يشاء يقول: ليدخل في الاسلام من أهل مكة من يشاء قبل أن تدخلوها، وحذف جواب لولا استغناء بدلالة الكلام عليه. وقوله: لو تزيلوا يقول: لو تميز الذين في مشركي مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم منهم، ففارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما يقول: لقتلنا من بقي فيها بالسيف، أو لاهلكناهم ببعض ما يؤلمهم من عذابنا العاجل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24440 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لو تزيلوا... الآية، إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار. 24441 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم يعني أهل مكة كان فيهم مؤمنون مستضعفون: يقول الله لولا أولئك المستضعفون لو قد تزيلوا، لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما. 24442 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لو تزيلوا لو تفرقوا، فتفرق المؤمن من الكافر، لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 134 ]
* (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما) *. يعني تعالى ذكره بقوله: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية حين جعل سهيل بن عمرو في قلبه الحمية، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول الله (ص) والمشركين: بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب فيه: محمد رسول الله، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله (ص) عامه ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24443 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: كانت حميتهم التي ذكر الله، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، حمية الجاهلية، أنهم لم يقروا بسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري بنحوه. 24444 - حدثني عمرو بن محمد العثماني، قال: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: ثني أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله (ص) قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. وأنزل الله في كتابه، فذكر قوما استكبروا فقال: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون وقال الله: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية، يوم كاتبهم رسول الله (ص) على قضية المدة.
[ 135 ]
وإذ من قوله: إذ جعل الذين كفروا من صلة قوله: لعذبنا. وتأويل الكلام: لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، والحمية فعيلة من قول القائل: حمى فلان أنفه حمية ومحمية ومنه قول المتلمس: ألا إنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يكشما يعني بقوله: يحمي: يمنع. وقال حمية الجاهلية لان الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر، ولم يكن شئ منه مما أذن الله لهم به، ولا أحد من رسله. وقوله: فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين يقول تعالى ذكره فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين، إذ حمى الذين كفروا حمية الجاهلية، ومنعوهم من الطواف بالبيت، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم الله الرحمن الرحيم، ومحمد رسول الله وألزمهم كلمة التقوى يقال: ألزمهم قول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار، وأليم العذاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك منهم، وروي به الخبر عن رسول الله (ص). ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه، والخبر الذي ذكرناه عن رسول الله (ص): 24445 - حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي، قال: ثنا سفيان بن حبيب، قال: ثنا شعبة، عن ثور بن أبي فاختة، عن أبيه، عن الطفيل، عن أبيه، سمع رسول الله (ص) يقول: وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله. 24446 - حدثني محمد بن خالد بن خداش العتكي، قال: سمعت سالما، سمع شعبة، سمع سلمة بن كهيل، سمع عباية، سمع عليا رضي الله عنه في قوله: وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله. حدثني ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن سلمة، عن عباية بن ربعي، عن علي رضي الله عنه، في قوله: وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله، والله أكبر.
[ 136 ]
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان وشعبة، عن سلمة بن كهيل، عن رجل، عن علي رضي الله عنه قال: لا إله إلا الله، والله أكبر. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة، عن عبايه، عن رجل من بني تميم عن علي رضي الله عنه وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله. 24447 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وألزمهم كلمة التقوى يقول: شهادة أن لا إله إلا الله، فهي كلمة التقوى، يقول: فهي رأس التقوى. 24448 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون أنه كان يقول في هذه الآية وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله. حدثني محمد بن عيسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرني سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله. قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وألزمهم كلمة التقوى وقال: لا إله إلا الله. 24450 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وألزمهم كلمة التقوى وهي: شهادة أن لا إله إلا الله. 24451 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وألزمهم كلمة التقوى قال: هي لا إله إلا الله. 24452 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وألزمهم كلمة التقوى هي لا إله إلا الله. 24453 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: وألزمهم كلمة التقوى قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
[ 137 ]
24454 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطاء الخراساني وألزمهم كلمة التقوى قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله. 24455 - حدثني الصواري محمد بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن سوار، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي خالد المكي، عن علي الازدي، قال: كنت مع ابن عمر بين مكة ومنى بالمأزمين، فسمع الناس يقولون: لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال: هي هي، فقلت: ما هي ؟ قال: وألزمهم كلمة التقوى الاخلاص وكانوا أحق بها وأهلها. وقال آخرون: بل: هي كلمة التقوى، الاخلاص. ذكر من قال ذلك: 24456 - حدثني علي بن الحسين الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن مجاهد وألزمهم كلمة التقوى قال: الاخلاص. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كلمة التقوى كلمة الاخلاص. وقال آخرون: هي قوله: بسم الله الرحمن الرحيم. ذكر من قال ذلك: 24457 - حدثني محمد بن عيسى، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، في قوله: وألزمهم كلمة التقوى قال: بسم الله الرحمن الرحيم. وقال آخرون: هي قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير. ذكر من قال ذلك: 24458 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: أخبرنا ابن جريج، عن مجاهد وعطاء وألزمهم كلمة التقوى قال: أحدهما الاخلاص، وقال الآخر: كلمة التقوى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير. وقوله: وكانوا أحق بها وأهلها يقول تعالى ذكره: وكان رسول الله (ص):
[ 138 ]
والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين وأهلها: يقول: وكان رسول الله (ص) والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين. وذكر أنها في قراءة عبد الله وكانوا أهلها وأحق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24459 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكانوا أحق بها وأهلها وكان المسلمون أحق بها، وكانوا أهلها: أي التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. وقوله: وكان الله بكل شئ عليما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله بكل شئ ذا علم، لا يخفى عليه شئ هو كائن، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات لم تعلموهم، لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شآء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) *. يقول تعالى ذكره: لقد صدق الله رسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا يخافون أهل الشرك، مقصرا بعضهم رأسه، ومحلقا بعضهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24460 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين قال هو دخول محمد (ص) البيت والمؤمنون، محلقين رؤوسهم ومقصرين. 24461 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الرؤيا بالحق قال: أري بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية: أين رؤيا محمد (ص) ؟ 24462 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لقد صدق الله
[ 139 ]
رسوله الرؤيا بالحق قال: رأى رسول الله (ص) أنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدق الله رؤياه، فقال: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين... حتى بلغ لا تخافون. 24463 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال: أري في المنام أنهم يدخلون المسجد الحرام، وأنهم آمنون محلقين رؤوسهم ومقصرين. 24464 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق.. إلى آخر الآية. قال: قال لهم النبي (ص): إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رؤوسكم ومقصرين فلما نزل بالحديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك، فقالوا: أين رؤياه ؟ فقال الله لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق فقرأ حتى بلغ ومقصرين لا تخافون إني لم أره يدخلها هذا العام، وليكونن ذلك. 24465 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق... إلى قوله: إن شاء الله آمنين لرؤيا رسول الله (ص) التي أريها أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف، يقول: محلقين ومقصرين لا تخافون. وقوله: فعلم ما لم تعلموا يقول تعالى ذكره: فعلم الله جل ثناؤه ما لم تعلموا، وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين، الذين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها في ذلك العام لوطؤهم بالخيل والرجل، فأصابتهم منهم معرة بغير علم، فردهم الله عن مكة من أجل ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24466 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فعلم ما لم تعلموا قال: رده لمكان من بين أظهرهم من المؤمنين والمؤمنات، وأخره ليدخل الله في رحمته من يشاء من يريد أن يهديه.
[ 140 ]
وقوله: فجعل من دون ذلك فتحا قريبا اختلف أهل التأويل في الفتح القريب، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين، فقال بعضهم: هو الصلح الذي جرى بين رسول الله (ص) وبين مشركي قريش. ذكر من قال ذلك: 24467 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من دون ذلك فتحا قريبا قال: النحر بالحديبية، ورجعوا فافتتحوا خيبر، ثم اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة. 24468 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، قوله: فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يعني: صلح الحديبية، وما فتح في الاسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الاسلام مثل من كان في الاسلام قبل ذلك وأكثر. 24469 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فجعل من دون ذلك فتحا قريبا قال: صلح الحديبية. وقال آخرون: عنى بالفتح القريب في هذا الموضع: فتح خيبر. ذكر من قال ذلك: 24470 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فجعل من دون ذلك فتحا قريبا قال: خيبر حين رجعوا من الحديبية، فتحها الله عليهم، فقسمها على أهل الحديبية كلهم إلا رجلا واحدا من الانصار، يقال له: أبو دجانة سماك بن خرشة، كان قد شهد الحديبية وغاب عن خيبر. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه جعل لرسوله والذين كانوا معه من أهل بيعة الرضوان فتحا قريبا من دون دخولهم المسجد الحرام، ودون تصديقه رؤيا رسول الله (ص) وكان صلح الحديبية وفتح خيبر دون ذلك، ولم يخصص الله تعالى ذكره خبره ذلك عن فتح من ذلك دون فتح، بل عم ذلك، وذلك كله فتح جعله الله من دون ذلك. والصواب أن يعم كما عمه، فيقال: جعل الله من دون تصديقه رؤيا رسول الله (ص)
[ 141 ]
بدخوله وأصحابه المسجد الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين، لا يخافون المشركين صلح الحديبية وفتح خيبر. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ئ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) *. يعني تعالى ذكره بقوله: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق الذي أرسل رسوله محمدا (ص) بالبيان الواضح، ودين الحق، وهو الاسلام الذي أرسله داعيا خلقه إليه ليظهره على الدين كله يقول: ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذ تبطل الاديان كلها، غير، دين الله الذي بعث به محمدا (ص)، ويظهر الاسلام على الاديان كلها. وقوله: وكفى بالله شهيدا يقول جل ثناؤه لنبيه (ص): أشهدك يا محمد ربك على نفسه، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به وكفى بالله شهيدا يقول: وحسبك به شاهدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24471 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى شهيدا يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الدين كله، وهذا إعلام من الله تعالى نبيه (ص)، والذين كرهوا الصلح يوم الحديبية من أصحابه، أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن، بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها، وقبل طوافهم بالبيت، وقوله: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه، أشداء على الكفار،
[ 142 ]
غليظة عليهم قلوبهم، قليلة بهم رحمتهم رحماء بينهم يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم لهم. كما: 24472 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة رحماء بينهم ألقى الله في قلوبهم الرحمة، بعضهم لبعض تراهم ركعا سجدا يقول: تراهم ركعا أحيانا لله في صلاتهم سجدا أحيانا يبتغون فضلا من الله يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضا، فضلا من الله، وذلك رحمته إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيدخلهم جنته ورضوانا يقول: وأن يرضى عنهم ربهم. وقوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم. ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا. ذكر من قال ذلك: 24473 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. 24474 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن خالد الحنفي، قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا، وهو كقوله: تعرف في وجوههم نضرة النعيم. 24475 - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن فضيل بن مروزق، عن عطية، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: مواضع السجود من وجوههم يوم القيامة أشد وجوههم بياضا. حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا ابن فضيل، عن فضيل، عن عطية، بنحوه. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن فضيل، عن عطية، بنحوه. حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا فضيل، عن عطية، مثله.
[ 143 ]
24476 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت شبيبا يقول عن مقاتل بن حيان، قال: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: النور يوم القيامة. 24477 - حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا هارون بن إسماعيل، قال: قال علي بن المبارك: سمعت غير واحد عن الحسن، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: بياضا في وجوههم يوم القيامة. وقال آخرون: بل ذلك سيما الاسلام وسمته وخشوعه، وعنى بذلك أنه يرى من ذلك عليهم في الدنيا ذكر من قال ذلك: 24478 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: سيماهم في وجوههم قال: السمت الحسن. 24479 - قال: ثنا مجاهد، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الاسلام وسحنته وسمته وخشوعه. 24480 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن حميد الاعرج، عن مجاهد سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: الخشوع والتواضع. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: الخشوع. 24481 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، في هذه الآية سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: السحنة. 24482 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: هو الخشوع، فقلت: هو أثر السجود، فقال: إنه يكون بين عينيه مثل ركبة العنز، وهو كما شاء الله.
[ 144 ]
وقال آخرون: ذلك أثر يكون في وجوه المصلين، مثل أثر السهر، الذي يظهر في الوجه مثل الكلف والتهيج والصفرة، وما أشبه ذلك مما يظهره السهر والتعب في الوجه، ووجهوا التأويل في ذلك إلى أنه سيما في الدنيا. ذكر من قال ذلك: 24483 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: الصفرة. 24484 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم الشيخ الذي كان يقص في عسر، وقرأ سيماهم في وجوههم من أثر السجود فزعم أنه السهر يرى في وجوههم. 24485 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص، عن شمر بن عطية، في قوله: سيماهم في وجوههم قال: تهيج في الوجه من سهر الليل. وقال آخرون: ذلك آثار ترى في الوجه من ثرى الارض، أو ندى الطهور. ذكر من قال ذلك: 24486 - حدثنا حوثرة بن محمد المنقري، قال: ثنا حماد بن مسعدة وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير جميعا عن ثعلبة بن سهيل، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: ثرى الارض، وندى الطهور. 24487 - حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا هارون بن إسماعيل، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا مالك بن دينار، قال: سمعت عكرمة يقول: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: هو أثر التراب. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود، ولم يخص ذلك على وقت دون وقت. وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كل الاوقات، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الاسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار أداء فرائضه وتطوعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرة في الوجه والتحجيل في الايدي
[ 145 ]
والارجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السجود. وبنحو الذي قلنا في معنى السيما قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24488 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سيماهم في وجوههم من أثر السجود يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة. وقوله: ذلك مثلهم في التوراة يقول: هذه الصفة التي وصفت لكم من صفة أتباع محمد (ص) الذين معه صفتهم في التوراة. وقوله: ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه يقول: وصفتهم في إنجيل عيسى صفة زرع أخرج شطأه، وهو فراخه، يقال منه: قد أشطأ الزرع: إذا فرخ فهو يشطئ إشطاء، وإنما مثلهم بالزرع المشطئ، لانهم ابتدأوا في الدخول في الاسلام، وهم عدد قليلون، ثم جعلوا يتزايدون، ويدخل فيه الجماعة بعدهم، ثم الجماعة بعد الجماعة، حتى كثر عددهم، كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه، ثم الفرخ بعده حتى يكثر وينمى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24489 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: محمد رسول الله والذين معه أصحابه مثلهم، يعني نعتهم مكتوبا في التوراة والانجيل قبل أن يخلق السموات والارض. 24490 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار... إلى قوله: ذلك مثلهم في التوراة ثم قال: ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه... الآية. 24491 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذلك مثلهم في التوراة: أي هذا المثل في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فهذا مثل أصحاب رسول الله (ص) في الانجيل. 24492 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه. 24493 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في
[ 146 ]
التوراة يعني السيما في الوجوه مثلهم في التوراة، وليس بمثلهم في الانجيل، ثم قال عز وجل: ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه... الآية، هذا مثلهم في الانجيل. 24494 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه. 24495 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك في قول الله: محمد رسول الله والذين معه... الآية، قال: هذا مثلهم في التوراة، ومثل آخر في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره الآية. وقال آخرون: هذان المثلان في التوراة والانجيل مثلهم. ذكر من قال ذلك: 24496 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ذلك مثلهم في التوراة والانجيل واحد. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: مثلهم في التوراة، غير مثلهم في الانجيل، وإن الخبر عن مثلهم في التوراة متناه عند قوله: ذلك مثلهم في التوراة وذلك أن القول لو كان كما قال مجاهد من أن مثلهم في التوراة والانجيل واحد، لكان التنزيل: ومثلهم في الانجيل، وكزرع أخرج شطأه، فكان تمثيلهم بالزرع معطوفا على قوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى يكون ذلك خبرا عن أن ذلك مثلهم في التوراة والانجيل، وفي مجئ الكلام بغير واو في قوله: كزرع دليل بين على صحة ما قلنا، وأن قولهم ومثلهم في الانجيل خبر مبتدأ عن صفتهم التي هي في الانجيل دون ما في التوراة منها. وبنحو الذي قلنا في قوله أخرج شطأه قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24497 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن خيثمة، قال: بينا عبد الله يقرئ رجلا عند غروب الشمس، إذ مر بهذه الآية كزرع أخرج شطأه قال: أنتم الزرع، وقد دنا حصادكم. 24498 - قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن حميد الطويل، قال: قرأ أنس بن مالك: كزرع أخرج شطأه فآزره قال: تدرون ما شطأه ؟ قال: نباته.
[ 147 ]
14499 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه قال: سنبله حين يتسلع نباته عن حباته. 24500 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه قال: هذا مثل أصحاب محمد (ص) في الانجيل، قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، منهم قوم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر. 24501 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والزهري كزرع أخرج شطأه قالا: أخرج نباته. 24502 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه يعني: أصحاب محمد (ص)، يكونون قليلا، ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون. 24503 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كزرع أخرج شطأه أولاده، ثم كثرت أولاده. 24504 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كزرع أخرج شطأه قال: ما يخرج بجنب الحقلة فيتم وينمى. وقوله: فآزره يقول: فقواه: أي قوى الزرع شطأه وأعانه، وهو من المؤازرة التي بمعنى المعاونة فاستغلظ يقول: فغلظ الزرع فاستوى على سوقه والسوق: جمع ساق، وساق الزرع والشجر: حاملته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24505 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فآزره يقول: نباته مع التفافه حين يسنبل ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل فهو مثل ضربه لاهل الكتاب إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع فيبلغ فيهم رجل يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ثم يغلظون، فهم أولئك
[ 148 ]
الذين كانوا معهم. وهو مثل ضربه الله لمحمد (ص) يقول: بعث الله (ص) وحده، ثم اجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به، ثم يكون القليل كثيرا، ويستغلظون، ويغيظ الله بهم الكفار. 24506 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله فآزره قال: فشده وأعانه. وقوله: على سوقه قال: أصوله. 24507 - حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والزهري فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يقول: فتلاحق. 24508 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فآزره اجتمع ذلك فالتف قال: وكذلك المؤمنون خرجوا وهم قليل ضعفاء، فلم يزل الله يزيد فيهم، ويؤيدهم بالاسلام، كما أيد هذا الزرع بأولاده، فآزره، فكان مثلا للمؤمنين. 24509 - حدثني عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يقول: حب بر نثر متفرقا، فتنبت كل حبة واحدة، ثم أنبتت كل واحدة منها، حتى استغلظ فاستوى على سوقه قال: يقول: كان أصحاب محمد (ص) قليلا، ثم كثروا، ثم استغلظوا ليغيظ الله بهم الكفار. وقوله: يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار يقول تعالى ذكره: يعجب هذا الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه وحسن نباته، وبلوغه وانتهائه الذين زرعوه ليغيظ بهم الكفار يقول: فكذلك مثل محمد (ص) وأصحابه، واجتماع عددهم حتى كثروا ونموا، وغلظ أمرهم كهذا الزرع الذي وصف جل ثناؤه صفته، ثم قال: ليغيظ بهم الكفار فدل ذلك على متروك من الكلام، وهو أن الله تعالى فعل ذلك بمحمد (ص) وأصحابه ليغيظ بهم الكفار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24510 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ليغيظ بهم الكفار يقول الله: مثلهم كمثل زرع أخرج شطأه
[ 149 ]
فآزره، فاستغلظ، فاستوى على سوقه، حتى بلغ أحسن النبات، يعجب الزراع من كثرته، وحسن نباته. 24511 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يعجب الزراع قال: يعجب الزراع حسنه ليغيظ بهم الكفار بالمؤمنين، لكثرتهم، فهذا مثلهم في الانجيل. وقوله: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بما أمرهم الله به من فرائضه التي أوجبها عليهم. وقوله: منهم يعني: من الشطء الذي أخرجه الزرع، وهم الداخلون في الاسلام بعد الزرع الذي وصف ربنا تبارك وتعالى صفته. والهاء والميم في قوله منهم عائدة على معنى الشطء لا على لفظه، ولذلك جمع فقيل: منهم، ولم يقل منه. وإنما جمع الشطء لانه أريد به من يدخل في دين محمد (ص) إلى يوم القيامة بعد الجماعة الذين وصف الله صفتهم بقوله: والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا. وقوله ومغفرة يعني: عفوا عما مضى من ذنوبهم، وسيئ أعمالهم بحسنها. وقوله: وأجرا عظيما يعني: وثوابا جزيلا، وذلك الجنة. آخر تفسير سورة الفتح
[ 150 ]
سورة الحجرات (49) سورة الحجرات مدنية وآياتها ثماني عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) *. يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيها الذين آمنوا: يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله، وبنبوة نبيه محمد (ص) لا تقدموا بين يدي الله ورسوله يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله، محكي عن العرب فلان يقدم بين يدي إمامه، بمعنى يعجل بالامر والنهي دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه ذكر من قال ذلك: 24512 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. 24513 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله... الآية قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. 24514 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال: لا تفتاتوا على رسول الله (ص) بشئ حتى يقضيه الله على لسانه.
[ 151 ]
24515 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا، قال: فكره الله عز وجل ذلك، وقدم فيه. 24516 - وقال: الحسن: أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله (ص) يوم النحر، فأمرهم نبي الله (ص) أن يعيدوا ذبحا آخر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال: إن أناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، لو أنزل في كذا، وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبي (ص)، فأمرهم النبي (ص) أن يعيدوا الذبح. 24517 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله يعني بذلك في القتال، وكان من أمورهم لا يصلح أن يقضى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم. 24518 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال: لا تقطعوا الامر دون الله ورسوله. 24519 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال: لا تقضوا أمرا دون رسول الله، وبضم التاء من قوله: لا تقدموا قرأ قراء الامصار، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لاجماع الحجة من القراء عليها، وقد حكي عن العرب قدمت في كذا، وتقدمت في كذا، فعلى هذه اللغة لو كان قيل: لا تقدموا بفتح التاء كان جائزا. وقوله: واتقوا الله إن الله سميع عليم يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله، وفي غير ذلك من أموركم، وراقبوه، إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شئ من ضمائر صدوركم، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 152 ]
* (يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام، وتغلظون له في الخطاب ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبي الله، يا نبي الله، يا رسول الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24520 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، قال لا تنادوه نداء، ولكن قولا لينا يا رسول الله. 24521 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، كانوا يرفعون، ويجهرون عند النبي (ص)، فوعظوا، ونهوا عن ذلك. 24522 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... الآية، هو كقوله: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرفوه ويعظموه، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة. 24523 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس، قال: ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول قال: قعد
[ 153 ]
ثابت في الطريق يبكي، قال: فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان، فقال: ما يبكيك يا ثابت ؟ قال: لهذه الآية، أتخوف أن تكون نزلت في، وأنا صيت رفيع الصوت قال: فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله (ص)، قال: وغلبه البكاء، قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال لها: إذا دخلت بيت فرسي، فشدى على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، أو يرضى عني رسول الله (ص) قال: وأتى عاصم رسول الله (ص) فأخبره خبره، فقال: اذهب فادعه لي فجاء عاصم إلى المكان، فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له: إن رسول الله (ص) يدعوك، فقال: اكسر الضبة، قال: فخرجا فأتيا نبي الله (ص)، فقال له رسول الله (ص): ما يبكيك يا ثابت ؟ فقال: أنا صيت، وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له القول فقال له رسول الله (ص): أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة ؟ فقال: رضيت ببشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله، فأنزل الله إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى... الآية. 24524 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر بن عطية، قال: جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول الله (ص) وهو محزون، فقال: يا ثابت ما الذي أرى بك ؟ فقال: آية قرأتها الليلة، فأخشى أن يكون قد حبط عملي يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي وكان في أذنه صمم، فقال: يا نبي الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي، وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي، وأنا لا أشعر: فقال النبي (ص): امش على الارض نشيطا فإنك من أهل الجنة. 24525 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عليه، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة، قال: لما نزلت: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... الآية، قال ثابت بن قيس: فأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي (ص)، وأجهر له بالقول،
[ 154 ]
فأنا من أهل النار، فقعد في بيته، فتفقده رسول الله (ص)، وسأل عنه، فقال رجل: إنه لجاري، ولئن شئت لا علمن لك علمه، فقال: نعم، فأتاه فقال: إن رسول الله (ص) قد تفقدك، وسأل عنك، فقال: نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... الآية وأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله (ص)، وأجهر له بالقول، فأنا من أهل النار، فرجع إلى رسول الله (ص) فأخبره، فقال: بل هو من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة انهزم الناس، فقال: أف لهؤلاء وما يعبدون، وأف لهؤلاء وما يصنعون، يا معشر الانصار خلوا لي بشئ لعلي أصلى بحرها ساعة قال: ورجل قائم على ثلمة، فقتل وقتل. 24526 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، أن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال: يا نبي الله، لقد خشيت أن أكون قد هلكت، نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وإني امرؤ جهير الصوت، ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل، فأجدني أحب أن أحمد ونهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال قال: فقال له رسول الله (ص): يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة ؟ فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة. 24527 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا نافع بن عمر بن جميل الجمحي، قال: ثني أبن أبي مليكة، عن الزبير، قال: قدم وفد أراه قال تميم، على
[ 155 ]
النبي (ص)، منهم الاقرع بن حابس، فكلم أبو بكر النبي (ص) أن يستعمله على قومه، قال: فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله، قال: فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبي (ص)، قال: فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك. قال: ونزل القرآن: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... إلى قوله: وأجر عظيم قال: فما حدث عمر النبي (ص) بعد ذلك، فيسمع النبي (ص)، قال: وما ذكر ابن الزبير جده، يعني أبا بكر. وقوله: أن تحبط أعمالكم يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم. قال: وفيه الجزم والرفع إذا وضعت لا مكان أن. قال: وهي في قراءة عبد الله فتحبط أعمالكم وهو دليل على جواز الجزم، وقال بعض نحويي البصرة: قال: أن تحبط أعمالكم: أي مخافة أن تحبط أعمالكم وقد يقال: أسند الحائط أن يميل. وقوله: وأنتم لا تشعرون يقول: وأنتم لا تعلمون ولا تدورن. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغض: الكف في لين. ومنه: غض البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير: فغض الطرف إنك من نميرفلا كعبا بلغت ولا كلابا
[ 156 ]
وقوله: أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها، فاصطفاها وأخلصها للتقوى، يعني لاتقائه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخلص جيدها، ويبطل خبثها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24528 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: امتحن الله قلوبهم قال: أخلص. 24529 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: امتحن الله قلوبهم قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحب. وقوله: لهم مغفرة يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة، وصفح منه عنها لهم وأجر عظيم يقول: وثواب جزيل، وهو الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ئ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك، والحجرات: جمع حجرة، والثلاث: حجر، ثم تجمع الحجر فيقال: حجرات وحجرات، وقد تجمع بعض العرب الحجر: حجرات بفتح الجيم، وكذلك كل جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فعل يجمعونه على فعلات بفتح ثانيه، والرفع أفصح وأجود ومنه قول الشاعر:
[ 157 ]
أما كان عباد كفيئا لدارم بلى، ولابيات بها الحجرات يقول: بلى ولبني هاشم. وقوله: وأكثرهم لا يعقلون يقول: أكثرهم جهال بدين الله، واللازم لهم من حقك وتعظيمك. وذكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الاعراب جاؤوا ينادون رسول الله (ص) من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا. ذكر الرواية بذلك: 24530 - حدثنا أبو عمار المروزي، والحسن بن الحارث، قالا: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: يا محمد إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال: ذاك الله تبارك وتعالى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء بمثله، إلا أنه قال: ذاكم الله عز وجل. 24531 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيمي، قال: سمعت داود الطفاوي يقول: سمعت أبا مسلم البجلي يحدث عن زيد بن أرقم، قال: جاء أناس من العرب إلى النبي (ص)، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملكا نعش في جناحه قال: فأتيت النبي (ص)، فأخبرته
[ 158 ]
بذلك، قال: ثم جاؤوا إلى حجر النبي (ص)، فجعلوا ينادونه. يا محمد، فأنزل الله على نبيه (ص): إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون قال: فأخذ نبي الله بأذني فمدها، فجعل يقول: قد صدق الله قولك يا زيد، قد صدق الله قولك يا زيد. 24532 - حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن أبي سلمة، قال: ثني الاقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي (ص)، فناداه، فقال: يا محمد إن مدحي زين، وإن شتمي شين فخرج إليه النبي (ص) فقال: ويلك ذلك الله فأنزل الله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات... الآية. 24533 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات: أعراب بني تميم. 24534 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أن رجلا جاء إلى النبي (ص)، فناداه من وراء الحجر، فقال: يا محمد إن مدحي زين، وإن شتمي شين فخرج إليه النبي (ص)، فقال: ويلك ذلك الله فأنزل الله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. 24535 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات... الآية، ذكر لنا أن رجلا جعل ينادي يا نبي الله يا محمد، فخرج إليه النبي (ص)، فقال: ما شأنك ؟ فقال: والله إن حمده لزين، وإن ذمه لشين، فقال نبي (ص): ذاكم الله، فأدبر الرجل، وذكر لنا أن الرجل كان شاعرا.
[ 159 ]
24536 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد، أو بشر بن عطار ولبيد بن غالب، وهما عند الحجاج جالسان، يقول بشر بن غالب للبيد بن عطارد نزلت في قومك بني تميم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: أما إنه لو علم بآخر الآية، أجابه: يمنون عليك أن أسلموا قالوا: أسلمنا، ولم يقاتلك بنو أسد. 24537 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: أتى أعرابي إلى النبي (ص) من وراء حجرته، فقال: يا محمد، يا محمد فخرج إليه النبي (ص) فقال: مالك مالك، فقال: تعلم أن مدحي لزين، وأن ذمي لشين، فقال النبي (ص): ذاكم الله، فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. واختلفت القراء في قراءة قوله: من وراء الحجرات فقرأته قراء الامصار بضم الحاء والجيم من الحجرات، سوى أبي جعفر القارئ، فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحجرة حجر، ثم جمع الحجر: حجرات. والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل. وقوله: ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت، لكان خيرا لهم عند الله، لان الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه، والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب، إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك، وراجع أمر الله في ذلك وفي غيره رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إن جاءكم فاسق بنبإ عن قوم فتبينوا.
[ 160 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: فتبينوا فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة فتثبتوا بالثاء، وذكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء. وقرأ ذلك بعض القراء فتبينوا بالباء، بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى فتثبتوا. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذكر أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. ذكر السبب الذي من أجله قيل ذلك: 24538 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جعفر بن عون، عن موسى بن عبيدة، عن ثابت مولى أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: بعث رسول الله (ص) رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة، فسمع بذلك القوم، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله (ص)، قال: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله (ص)، فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، فغضب رسول الله (ص) والمسلمون قال: فبلغ القوم رجوعه قال: فأتوا رسول الله (ص) فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا، فسررنا بذلك، وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق، فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال، وأذن بصلاة العصر قال: ونزلت يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. 24539 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ... الآية، قال: كان رسول الله (ص) بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ثم أحد بني عمرو بن أمية، ثم أحد بني أبي معيط إلى بني المصطلق، ليأخذ منهم الصدقات، وإنه لما أتاهم الخبر فرحوا، وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله (ص)، وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، رجع إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله (ص) غضبا شديدا، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم، إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله، إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله عذرهم في الكتاب، فقال يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
[ 161 ]
24540 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: إن جاءكم فاسق بنبإ قال: الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه نبي الله (ص) إلى بني المصطلق، ليصدقهم، فتلقوه بالهدية فرجع إلى محمد (ص)، فقال: إن بني المصطلق جمعت لتقاتلك. 24541 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ... حتى بلغ بجهالة وهو ابن أبي معيط الوليد بن عقبة، بعثه نبي الله (ص) مصدقا إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه، فهابهم، فرجع إلى رسول الله (ص)، فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الاسلام، فبعث نبي الله (ص) خالد بن الوليد، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا، فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالاسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد، فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى نبي الله (ص)، فأخبره الخبر، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون، فكان نبي الله يقول: التبين من الله، والعجلة من الشيطان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فذكر نحوه. 24542 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هلال الوزان، عن ابن أبي ليلى، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا قال: نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حميد، عن هلال الانصاري، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى إن جاءكم فاسق بنبإ قال: نزلت في الوليد بن عقبة حين أرسل إلى بني المصطلق. 24543 - قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، أن رسول الله (ص) بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم، الوليد بن أبي معيط فلما سمعوا به ركبوا إليه فلما سمع بهم خافهم فرجع إلى رسول الله (ص)، فأخبره أن القوم قد هموا بقتله، ومنعوا ما قبلهم من صدقاتهم، فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم حتى هم رسول الله (ص) بأن
[ 162 ]
يغزوهم، فبينما هم في ذلك قدم وفدهم على رسول الله (ص)، فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه، ولنؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة، فاستمر راجعا، فبلغنا أنه يزعم لرسول الله (ص) أنا خرجنا إليه لنقاتله، ووالله ما خرجنا لذلك فأنزل الله في الوليد بن عقبة وفيهم: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ... الآية. 24544 - قال: بعث رسول الله (ص) رجلا من أصحابه إلى قوم يصدقهم، فأتاهم الرجل، وكان بينه وبينهم إحنة في الجاهلية فلما أتاهم رحبوا به، وأقروا بالزكاة، وأعطوا ما عليهم من الحق، فرجع الرجل إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، منع بنو فلان الصدقة، ورجعوا عن الاسلام، فغضب رسول الله (ص)، وبعث إليهم فأتوه فقال: أمنعتم الزكاة، وطردتم رسولي ؟ فقالوا: والله ما فعلنا، وإنا لنعلم أنك رسول الله، ولا بد لنا، ولا منعنا حق الله في أموالنا، فلم يصدقهم رسول الله (ص)، فأنزل الله هذه الآية، فعذرهم. وقوله: أن تصيبوا قوما بجهالة يقول تعالى ذكره: فتبينوا لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم فتصبحوا على ما فعلتم نادمين يقول: فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وآعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ئ فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) *. يقول تعالى ذكره: لاصحاب نبي الله (ص): واعلموا أيها المؤمنون بالله ورسوله، أن فيكم رسول الله فاتقوا الله أن تقولوا الباطل، وتفتروا الكذب، فإن الله يخبره أخباركم، ويعرفه أنباءكم، ويقومه على الصواب في أموره. وقوله: لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم يقول تعالى ذكره: لو كان رسول الله (ص) يعمل في الامور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم لعنتم يقول:
[ 163 ]
لنالكم عنت، يعني الشدة والمشقة في كثير من الامور بطاعته إياكم لو أطاعكم لانه كان يخطئ في أفعاله كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق: إنهم قد ارتدوا، ومنعوا الصدقة، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين، فغزاهم فقتل منهم، وأصاب من دمائهم وأموالهم كان قد قتل، وقتلتم من لا يحل له ولا لكم قتله، وأخذ وأخذتم من المال ما لا يحل له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين، فنالكم من الله بذلك عنت ولكن الله حبب إليكم الايمان بالله ورسوله، فأنتم تطيعون رسول الله، وتأتمون به فيقيكم الله بذلك من العنت ما لو لم تطيعوه وتتبعوه، وكان يطيعكم لنالكم وأصابكم. وقوله: وزينه في قلوبكم يقول: وحسن الايمان في قلوبكم فآمنتم وكره إليكم الكفر بالله والفسوق يعني الكذب، والعصيان يعني ركوب ما نهى الله عنه في خلاف أمر رسول الله (ص)، وتضييع ما أمر الله به أولئك هم الراشدون يقول: هؤلاء الذين حبب الله إليهم الايمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون السالكون طريق الحق. وقوله: فضلا من الله ونعمة يقول: ولكن الله حبب إليكم الايمان، وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدها فضلا منه، وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم والله عليم حكيم يقول: والله ذو علم بالمحسن منكم من المسئ، ومن هو لنعم الله وفضله أهل، ومن هو لذلك غير أهل، وحكمة في تدبيره خلقه، وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24545 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واعلموا أن فيكم رسول الله... حتى بلغ لعنتم هؤلاء أصحاب نبي الله (ص)، لو أطاعهم نبي الله في كثير من الامر لعنتم، فأنتم والله أسخف رأيا، وأطيش عقولا، اتهم رجل رأيه، وانتصح كتاب الله، فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به، وانتهى إليه، وإن ما سوى كتاب الله تغرير. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر، تلا قتادة لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم قال: فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما،، فاتهم رجل رأيه، وانتصح كتاب الله وكذلك كما قلنا أيضا في تأويل قوله: ولكن الله حبب إليكم الايمان قالوا. ذكر من قال ذلك:
[ 164 ]
24546 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم قال: حببه إليهم وحسنه في قلوبهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة قالوا أيضا. ذكر من قال ذلك: 24547 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكره اليكم الكفر والفسوق قال: الكذب والعصيان قال: عصيان النبي (ص) أولئك هم الراشدون من أين كان هذا ؟ قال: فضل من الله ونعمة قال: والمنافقون سماهم الله أجمعين في القرآن الكاذبين قال: والفاسق: الكاذب في كتاب الله كله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) *. يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الايمان اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الاصلاح بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما على الاخرى يقول: فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الاجابة إلى حكم كتاب الله له، وعليه وتعدت ما جعل الله عدلا بين خلقه، وأجابت الاخرى منهما فقاتلوا التي تبغي يقول: فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الاجابة إلى حكم الله حتى تفئ إلى أمر الله يقول: حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الاخرى التي قاتلتها بالعدل: يعني بالانصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24548 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن الله سبحانه أمر النبي (ص) والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن
[ 165 ]
أجابوا حكم فيهم بكتاب الله، حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ، فحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله. 24549 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا... إلى آخر الآية، قال: هذا أمر من الله أمر به الولاة كهيئة ما تكون العصبة بين الناس، وأمرهم أن يصلحوا بينهما، فإن أبوا قاتل الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله، فإذا رجعت أصلحوا بينهما، وأخبروهم أن المؤمنين إخوة، فأصلحوا بين أخويكم قال: ولا يقاتل الفئة الباغية إلا الامام. وذكر أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الاوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه، مما سأذكره إن شاء الله تعالى. ذكر الرواية بذلك: 24550 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس، قال: قيل للنبي (ص): لو أتيت عبد الله بن أبي، قال: فانطلق إليه وركب حمارا، وانطلق المسلمون، وهي أرض سبخة فلما أتاه رسول الله (ص) قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الانصار: والله لنتن حمار رسول الله (ص) أطيب ريحا منك، قال: فغضب لعبد الله بن أبي رجل من قومه قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والايدي والنعال، فبلغنا أنه نزلت فيهم وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. 24551 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثني حصين، عن أبي مالك في قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال: رجلان اقتتلا فغضب لذا قومه، ولذا قومه، فاجتمعوا حتى اضربوا بالنعال حتى كاد يكون بينهم قتال، فأنزل الله هذه الآية. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا قال: كان بينهم قتال بغير سلاح.
[ 166 ]
24552 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك، في قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال: كانا حيين من أحياء الانصار، كان بينهما تنازع بغير سلاح. 24553 - حدثنا ابن حميد، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال: كان قتالهم بالنعال والعصي، فأمرهم أن يصلحوا بينهم. 24554 - قال: ثنا مهران، قال: ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا قال: كانت تكون الخصومة بين الحيين، فيدعوهم إلى الحكم، فيأبون أن يجيبوا فأنزل الله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله يقول: ادفعوهم إلى الحكم، فكان قتالهم الدفع. 24555 - قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن السدي وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال: كانت امرأة من الانصار يقال لها أم زيد، تحت رجل، فكان بينها وبين زوجها شئ، فرقاها إلى علية، فقال لهم: احفظوا، فبلغ ذلك قومها، فجاؤوا وجاء قومه، فاقتتلوا بالايدي والنعال فبلغ ذلك النبي (ص)، فجاء ليصلح بينهم، فنزل القرآن وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى قال: تبغي: لا ترضى بصلح رسول الله (ص)، أو بقضاء رسول الله (ص). 24556 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا قال: الاوس والخزرج اقتتلوا بالعصي بينهم. 24557 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا... الآية، الآية، ذكر لنا أنها نزلت في رجلين من الانصار كانت بينهما مدارأة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته، وأن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي (ص)، فأبى أن يتبعه، فلم يزل الامر حتى تدافعوا، وحتى تناول بعضهم بعضا بالايدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف، فأمر الله أن تقاتل حتى تفئ إلى أمر الله،
[ 167 ]
كتاب الله، وإلى حكم نبيه (ص) وليست كما تأولها أهل الشبهات، وأهل البدع، وأهل الفراء على الله وعلى كتابه، أنه المؤمن يحل لك قتله، فوالله لقد عظم الله حرمة المؤمن حتى نهاك أن تظن بأخيك إلا خيرا، فقال: إنما المؤمنون إخوة... الآية. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والايدي، فأنزل الله فيهم وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا قال قتادة: كان رجلان بينهما حق، فتدارآ فيه، فقال أحدهما: لآخذنه عنوة، لكثرة عشيرته وقال الآخر: بيني وبينك رسول الله (ص)، فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والايدي. 24558 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: ثني عبد الله بن عباس، قال: قال زيد، في قول الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، وذلك الرجلان يقتتلان من أهل الاسلام، أو النفر والنفر، أو القبيل والقبيلة فأمر الله أئمة المسلمين أن يقضوا بينهم بالحق الذي أنزله في كتابه: إما القصاص والقود، وإما العقل والعير، وإما العفو، فإن بغت إحداهما على الاخرى بعد ذلك كان المسلمون مع المظلوم على الظالم، حتى يفئ إلى أمر الله، ويرضى به. 24559 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: ثني ابن شهاب وغيره: يزيد في الحديث بعضهم على بعض، قال: جلس رسول الله (ص) في مجلس فيه عبد الله بن رواحة، وعبد الله بن أبي ابن سلول: فلما ذهب رسول الله (ص) قال عبد الله بن أبي ابن سلول: لقد آذانا بول حماره، وسد علينا الروح، وكان بينه وبين ابن رواحة شئ حتى خرجوا بالسلاح، فأتى رسول الله (ص)، فأتاهم، فحجز بينهم، فلذلك يقول عبد الله بن أبي: متى ما يكن مولاك خصمك جاهداتظلم ويصرعك الذين تصارع
[ 168 ]
قال: فأنزلت فيهم هذه الآية وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا. وقوله: وأقسطوا يقول تعالى ذكره: واعدلوا أيها المؤمنون في حكمكم بين من حكمتم بينهم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله إن الله يحب المقسطين يقول: إن الله يحب العادلين في أحكامهم، القاضين بين خلقه بالقسط. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) *. يقول تعالى ذكره لاهل الايمان به إنما المؤمنون إخوة في الدين فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله. ومعنى الاخوين في هذا الموضع: كل مقتتلين من أهل الايمان، وبالتثنية قرأ ذلك قراء الامصار. وذكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع، وذلك من جهة العربية صحيح، غير أنه خلاف لما عليه قراء الامصار، فلا أحب القراءة بها واتقوا الله لعلكم ترحمون يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الاصلاح بين المقتتلين من أهل الايمان بالعدل، وفي غير ذلك من فرائضه، واجتناب معاصيه، ليرحمكم ربكم، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه، واتبعتم أمره ونهيه، واتقيتموه بطاعته. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 169 ]
* (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عسى أن يكونوا خيرا منهم يقول: المهزوء منهم خير من الهازئين ولا نساء من نساء يقول: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات، عسى المهزوء منهن أن يكن خيرا من الهازئات. واختلف أهل التأويل في السخرية التي نهى الله عنها المؤمنين في هذه الآية، فقال بعضهم: هي سخرية الغني من الفقير، نهي أن يسخر من الفقير لفقره. ذكر من قال ذلك: 24560 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لا يسخر قوم من قوم قال: لا يهزأ قوم يقول أن يسأل رجل فقير غنيا، أو فقيرا، وإن تفضل رجل عليه بشئ فلا يستهزئ به. وقال آخرون: بل ذلك نهي من الله من ستر عليه من أهل الايمان أن يسخر ممن كشف في الدنيا ستره منهم ذكر من قال ذلك: 24561 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن قال: ربما عثر على المرء عند خطيئته عسى أن يكونوا خيرا منهم، وإن كان ظهر على عثرته هذه، وسترت أنت على عثرتك، لعل هذه التي ظهرت خير له في الآخرة عند الله، وهذه التي سترت أنت عليها شر لك، ما يدريك لعله ما يغفر لك قال: فنهي الرجل عن ذلك، فقال: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم وقال في النساء مثل ذلك. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله عم بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك.
[ 170 ]
وقوله: ولا تلمزوا أنفسكم يقول تعالى ذكره: ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض وقال: لا تلمزوا أنفسكم فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه، لان المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير. ولذلك روي الخبر عن رسول الله (ص) أنه قال: المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر. وهذا نظير قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم بمعنى: ولا يقتل بعضكم بعضا. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24562 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ولا تلمزوا أنفسكم قال: لا تطعنوا. 24563 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تلمزوا أنفسكم يقول: ولا يطعن بعضكم على بعض. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 24564 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا تلمزوا أنفسكم يقول: لا يطعن بعضكم على بعض. قوله: ولا تنابزوا بالالقاب يقول: ولا تداعوا بالالقاب والنبز واللقب بمعنى واحد، يجمع النبز: أنبازا، واللقب: ألقابا. واختلف أهل التأويل في الالقاب التي نهى الله عن التنابز بها في هذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها الالقاب التي يكره النبز بها الملقب، وقالوا: إنما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية، فلما أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه التي كان يدعى بها في الجاهلية. ذكر من قال ذلك:
[ 171 ]
24565 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: قال أبو جبيرة بن الضحاك: فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة، قدم رسول الله (ص)، وما منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا الرجل بالاسم، قلنا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنزلت هذه الآية ولا تنابزوا بالالقاب... الآية كلها. حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، عن أبي جبيرة بن الضحاك، قال: كان أهل الجاهلية يسمون الرجل بالاسماء، فدعا النبي (ص) رجلا باسم من تلك الاسماء، فقالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فأنزل الله ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: ثني أبو جبيرة بن الضحاك، فذكر عن النبي (ص)، نحوه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود عن الشعبي، قال: ثني أبو جبيرة بن الضحاك، قال: نزلت في بني سلمة ولا تنابزوا بالالقاب قال: قدم رسول الله (ص) وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان يدعو الرجل، فتقول أمه: إنه يغضب من هذا، قال: فنزلت ولا تنابزوا بالالقاب. وقال مرة: كان إذا دعا باسم من هذا، قيل: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنزلت الآية. وقال آخرون: بل ذلك قول الرجل المسلم للرجل المسلم: يا فاسق، يا زاني. ذكر من قال ذلك: 24566 - حدثنا هناد بن السري، قال ثنا أبو الاحوص، عن حصين، قال: سألت عكرمة، عن قول الله ولا تنابزوا بالالقاب قال: هو قول الرجل للرجل: يا منافق، يا كافر. حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، في قوله ولا تنابزوا بالالقاب قال: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق.
[ 172 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة ولا تنابزوا بالالقاب قال: يا فاسق، يا كافر. 24567 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد أو عكرمة ولا تنابزوا بالالقاب قال: يقول الرجل للرجل: يا فاسق، يا كافر. 24568 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا تنابزوا بالالقاب قال: دعي رجل بالكفر وهو مسلم. 24569 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تنابزوا بالالقاب يقول للرجل: لا تقل لاخيك المسلم: ذاك فاسق، ذاك منافق، نهى الله المسلم عن ذلك وقدم فيه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولا تنابزوا بالالقاب يقول: لا يقولن لاخيه المسلم: يا فاسق، يا منافق. 24570 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تنابزوا بالالقاب قال: تسميته بالاعمال السيئة بعد الاسلام زان فاسق. وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرجل الرجل بالكفر بعد الاسلام، وبالفسوق والاعمال القبيحة بعد التوبة ذكر من قال ذلك: 24571 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان... الآية، قال: التنابز بالالقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها، وراجع الحق، فنهى الله أن يعير بما سلف من عمله. 24572 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن: كان اليهودي والنصراني يسلم، فيلقب، فيقال له: يا يهودي، يا نصراني، فنهوا عن ذلك. والذي هو أولى الاقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالالقاب والتنابز بالالقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعم الله بنهيه ذلك، ولم يخصص به بعض الالقاب دون بعض، فغير جائز لاحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها. وإذا كان ذلك كذلك
[ 173 ]
صحت الاقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها، ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض، لان كل ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضا. وقوله: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان يقول تعالى ذكره: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن، ونبزه بالالقاب، فهو فاسق بئس الاسم الفسوق بعد الايمان يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه أن تسموا فساقا، بئس الاسم الفسوق، وترك ذكر ما وصفنا من الكلام، اكتفاء بدلالة قوله: بئس الاسم الفسوق عليه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 24573 - حدثنا به يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ بئس الاسم الفسوق بعد الايمان قال: بئس الاسم الفسوق حين تسميه بالفسق بعد الاسلام، وهو على الاسلام. قال: وأهل هذا الرأي هم المعتزلة، قالوا: لا نكفره كما كفره أهل الاهواء، ولا نقول له مؤمن، كما قالت الجماعة، ولكنا نسميه باسمه إن كان سارقا فهو سارق، وإن كان خائنا سموه خائنا وإن كان زانيا سموه زانيا قال: فاعتزلوا الفريقين أهل الاهواء وأهل الجماعة، فلا بقول هؤلاء قالوا، ولا بقول هؤلاء، فسموا بذلك المعتزلة. فوجه ابن زيد تأويل قوله: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان إلى من دعي فاسقا، وهو تائب من فسقه، فبئس الاسم ذلك له من أسمائه.. وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام، وذلك أن الله تقدم بالنهي عما تقدم بالنهي عنه في أول هذه الآية، فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدم على بغيه، أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهى عنه، لا أن يخبر عن قبح ما كان التائب أتاه قبل توبته، إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح، فيختم آخرها بالوعيد عليه أو بالقبيح. وقوله: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يقول تعالى ذكره: ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الالقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 24574 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله
[ 174 ]
ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون قال: ومن لم يتب من ذلك الفسوق فأولئك هم الظالمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا تقربوا كثيرا من الظن بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا سوءا، فإن الظان غير محق، وقال جل ثناؤه: اجتنبوا كثيرا من الظن ولم يقل: الظن كله، إذ كان قد أذن للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير، فقال: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين فأذن الله جل ثناؤه للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24575 - حدثني علي، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن يقول: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرا. وقوله: إن بعض الظن إثم يقول: إن ظن المؤمن بالمؤمن الشر لا الخير إثم، لان الله قد نهاه عنه، ففعل ما نهى الله عنه إثم. وقوله: ولا تجسسوا يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24576 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا تجسسوا يقول: نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن. 24577 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 175 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا تجسسوا قال: خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله. 24578 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا هل تدرون ما التجسس أو التجسيس ؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سره. 24579 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ولا تجسسوا قال: البحث. 24580 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا قال: حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه، حتى أعرف حق هو، أم باطل ؟ قال: فسماه الله تجسسا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب، وقرأ قول الله: ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا وقوله: ولا يغتب بعضكم بعضا يقول: ولا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقول فيه ذلك أن يقال له في وجهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الاثر عن رسول الله (ص) وقال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك، والاثر عن رسول الله (ص): 24581 - حدثني يزيد بن مخلد الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله الطحان، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله (ص) عن الغيبة، فقال: هو أن تقول لاخيك ما فيه، فإن كنت صادقا فقد اغتبته، وإن كنت كاذبا فقد بهته. حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، بنحوه.
[ 176 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت العلاء يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: هل تدرون ما الغيبة ؟ قال: قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما ليس فيه، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول له قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. 24582 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سعيد بن الربيع، قال: ثنا شعبة، عن العباس، عن رجل سمع ابن عمر يقول: إذا ذكرت الرجل بما فيه، فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. وقال شعبة مرة أخرى: وإذا ذكرته بما ليس فيه، فهي فرية قال أبو موسى: هو عباس الجريري: 24583 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: إذا ذكرت الرجل بأسوء ما فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: إذا قلت في الرجل أسوء ما فيه فقد اغتبته، وإذا قلت ما ليس فيه فقد بهته. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال الغيبة: أن يقول للرجل أسوء ما يعلم فيه، والبهتان: أن يقول ما ليس فيه. حدثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم، مولى معاوية، قال: سمعت ابن أم عبد يقول: ما التقم أحد لقمة أشر من اغتياب المؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه ما لا يعلم فقد بهته. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: إذا ذكرت الرجل بما فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان. 24585 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت يونس، عن الحسن أنه قال في الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه من مساوئ أعماله، فإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان. 24586 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان
[ 177 ]
الشيباني، قال: ثنا حسان بن المخارق أن امرأة دخلت على عائشة فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبي (ص)، أي أنها قصيرة، فقال النبي (ص): اغتبتيها. 24587 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: لو مر بك أقطع، فقلت: ذاك الاقطع، كانت منك غيبة قال: وسمعت معاوية بن قرة يقول ذلك. 24588 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: لو مر بك رجل أقطع، فقلت له: إنه أقطع كنت قد اغتبته، قال: فذكرت ذلك لابي إسحاق الهمداني فقال: صدق. 24589 - حدثني جابر بن الكردي، قال: ثنا ابن أبي أويس، قال: ثني أخي أبو بكر، عن حماد بن أبي حميد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة أن رجلا قام عند رسول الله (ص)، فرأوا في قيامه عجزا، فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلانا، فقال رسول الله (ص): أكلتم أخاكم واغتبتموه. 24590 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا حبان بن علي العنزي عن مثنى بن صباح، عن عمرو بن شعيب، عن معاذ بن جبل، قال: كنا مع رسول الله (ص)، فذكر القوم رجلا، فقالوا: ما يأكل إلا ما أطعم، وما يرحل إلا ما رحل له، وما أضعفه فقال رسول الله (ص): اغتبتم أخاكم، فقالوا يا رسول الله وغيبته أن نحدث بما فيه ؟ قال: بحسبكم أن تحدثوا عن أخيكم ما فيه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خالد بن محمد، عن محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): إذا ذكرت أخاك بما يكره فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.
[ 178 ]
24591 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كنا نحدث أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه، وتعيبه بما فيه، وإن كذبت عليه فذلك البهتان. وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه يقول تعالى ذكره للمؤمنين أيحب أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته ميتا، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه، لان الله حرم ذلك عليكم، فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه في حياته، فاكرهوا غيبته حيا، كما كرهتم لحمه ميتا، فإن الله حرم غيبته حيا، كما حرم أكل لحمه ميتا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24592 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قال: حرم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشئ، كما حرم الميتة. 24593 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا: نكره ذلك، قال: فكذلك فاتقوا الله. 24594 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه يقول: كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي. وقوله: واتقوا الله إن الله تواب رحيم يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله أيها الناس، فخافوا عقوبته بانتهائكم عما نهاكم عنه من ظن أحدكم بأخيه المؤمن ظن السوء، وتتبع عوراته، والتجسس عما ستر عنه من أمره، واغتيابه بما يكرهه، تريدون به شينه وعيبه، وغير ذلك من الامور التي نهاكم عنها ربكم إن الله تواب رحيم يقول: إن الله راجع لعبده إلى ما يحبه إذا رجع العبد لربه إلى ما يحبه منه، رحيم به بأن يعاقبه على ذنب أذنبه بعد توبته منه. واختلفت القراء في قراءة قوله: لحم أخيه ميتا فقرأته عامة قراء المدينة بالتثقيل ميتا، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ميتا بالتخفيف، وهما قراءتان عندنا معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 179 ]
* (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال، وماء أنثى من النساء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24595 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا عثمان بن الاسود، عن مجاهد، قال: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة، وقد قال تبارك وتعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا عثمان بن الاسود، عن مجاهد، قوله: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى قال: ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا، لان الله يقول خلقناكم من ذكر وأنثى. وقوله: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا يقول: وجعلناكم متناسبين، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب، وذلك إذا قيل للرجل من العرب: من أي شعب أنت ؟ قال: أنا من مضر، أو من ربيعة. وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل، وهم كتميم من مضر، وبكر من ربيعة، وأقرب القبائل الافخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم، ونحو ذلك، ومن الشعب قول ابن أحمر الباهلي: من شعب همدان أو سعد العشيرة أوخولان أو مذحج هاجوا له طربا وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وجعلناكم شعوبا وقبائل قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24595 م - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا بكر بن عياش، قال: ثنا أبو حصين، عن
[ 180 ]
سعيد بن جبير، عن ابن عباس وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: الجماع، والقبائل: البطون. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: الجماع. قال خلاد، قال أبو بكر: القبائل العظام، مثل بني تميم، والقبائل: الافخاذ. 24596 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: الجمهور، والقبائل: الافخاذ. 24597 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: شعوبا قال: النسب البعيد. وقبائل دون ذلك. 24598 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: النسب البعيد، والقبائل كقوله: فلان من بني فلان، وفلان من بني فلان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وجعلناكم شعوبا قال: هو النسب البعيد. قال: والقبائل: كما تسمعه يقال: فلان من بني فلان. 24599 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وجعلناكم شعوبا قال: أما الشعوب: فالنسب البعيد. وقال بعضهم: الشعوب: الافخاذ. ذكر من قال ذلك: 24600 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: الافخاذ، والقبائل: القبائل.
[ 181 ]
وقال آخرون: الشعوب: البطون، والقبائل: الافخاذ. ذكر من قال ذلك: 24601 - حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: البطون، والقبائل: الافخاذ الكبار. وقال آخرون: الشعوب: الانساب. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وجعلناكم شعوبا وقبائل قال: الشعوب: الانساب. وقوله: لتعارفوا يقول: ليعرف بعضكم بعضا في النسب، يقول تعالى ذكره: إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده، لا لفضيلة لكم في ذلك، وقربة تقربكم إلى الله، بل أكرمكم عند الله أتقاكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24602 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقبائل لتعارفوا قال: جعلنا هذا لتعارفوا، فلان بن فلان من كذا وكذا. وقوله: إن أكرمكم عند الله أتقاكم يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة. 24603 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر، عن رسول الله (ص) قال: الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملاوه، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. 24604 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله (ص) قال: إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملاوه، ليس لاحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا.
[ 182 ]
24605 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول: قال ابن عباس: ثلاث آيات جحدهن الناس: الاذن كله، وقال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقال الناس أكرمكم: أعظمكم بيتا وقال عطاء: نسيت الثالثة. وقوله: إن الله عليم خبير يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده، ذو خبرة بكم وبمصالحكم، وغير ذلك من أموركم، لا تخفى عليه خافية. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: قالت الاعراب: صدقنا بالله ورسوله، فنحن مؤمنون، قال الله لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهم لم تؤمنوا ولستم مؤمنين ولكن قولوا أسلمنا. وذكر أن هذه الآية نزلت في أعراب من بني أسد. ذكر من قال ذلك: 24606 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: قالت الاعراب آمنا قال: أعراب بني أسد بن خزيمة. واختلفت أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للنبي (ص): قل لهؤلاء الاعراب: قولوا أسلمنا، ولا تقولوا آمنا، فقال بعضهم: إنما أمر النبي (ص) بذلك، لان القوم كانوا صدقوا بألسنتهم، ولم يصدقوا قولهم بفعلهم، فقيل لهم: قولوا أسلمنا، لان الاسلام قول، والايمان قول وعمل ذكر من قال ذلك: 24607 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا قال: إن الاسلام: الكلمة، والايمان: العمل. 24608 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، وأخبرني الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أعطى النبي (ص) رجالا، ولم يعط رجلا منهم شيئا، فقال سعد: يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا، ولم تعط فلانا شيئا، وهو مؤمن، فقال النبي (ص): أو مسلم ؟ حتى أعادها سعد ثلاثا، والنبي (ص) يقول: أو مسلم، ثم قال النبي (ص) إني
[ 183 ]
أعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم، لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم. 24609 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا قال: لم يصدقوا إيمانهم بأعمالهم، فرد الله ذلك عليهم قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، وأخبرهم أن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون، صدقوا إيمانهم بأعمالهم فمن قال منهم: أنا مؤمن فقد صدق قال: وأما من انتحل الايمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب، وليس بصادق. 24610 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم ولكن قولوا أسلمنا قال: هو الاسلام. وقال آخرون: إنما أمر النبي (ص) بقيل ذلك لهم، لانهم أرادوا أن يتسموا بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا، فأعلمهم الله أن لهم أسماء الاعراب، لا أسماء المهاجرين. ذكر من قال ذلك: 24611 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قالت الاعراب آمنا... الآية، وذلك أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة، ولا يتسموا بأسمائهم التي سماهم الله، وكان ذلك في أول الهجرة قبل أن تنزل المواريث لهم. وقال آخرون: قيل لهم ذلك لانهم منوا على رسول الله (ص) بإسلامهم، فقال الله لنبيه (ص): قل لهم لم تؤمنوا، ولكن استسلمتم خوف السباء والقتل. ذكر من قال ذلك: 24612 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولعمري ما عمت هذه الآية الاعراب، إن من الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء الاعراب امتنوا بإسلامهم على نبي الله (ص)، فقالوا: أسلمنا، ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله: لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا حتى بلغ في قلوبكم.
[ 184 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا قال: لم تعم هذه الآية الاعراب، إن من الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويتخذ ما ينفق قربات عند الله، ولكنها في طوائف من الاعراب. 24613 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رباح، عن أبي معروف، عن سعيد بن جبير قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا قال: استسلمنا لخوف السباء والقتل. 24614 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد قولوا أسلمنا قال: استسلمنا. 24615 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول الله قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا استسلمنا: دخلنا في السلم، وتركنا المحاربة والقتال بقولهم: لا إله إلا الله، وقال قال رسول الله (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. وأولى الاقوال بالصواب في تأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن الزهري وهو أن الله تقدم إلى هؤلاء الاعراب الذين دخلوا في الملة إقرارا منهم بالقول، ولم يحققوا قولهم بعملهم أن يقولوا بالاطلاق آمنا دون تقييد قولهم بذلك بأن يقولوا آمنا بالله ورسوله، ولكن أمرهم أن يقولوا القول الذي لا يشكل على سامعيه والذي قائله فيه محق، وهو أن يقولوا أسلمنا، بمعنى: دخلنا في الملة والاموال، والشهادة الحق.
[ 185 ]
قوله: ولما يدخل الايمان في قلوبكم يقول تعالى ذكره: ولما يدخل العلم بشرائع الايمان، وحقائق معانيه في قلوبكم. وقوله: وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم أعمالكم شيئا يقول تعالى ذكره: لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء الاعراب القائلين آمنا ولما يدخل الايمان في قلوبهم، إن تطيعوا الله ورسوله أيها القوم، فتأتمروا لامره وأمر رسوله، وتعملوا بما فرض عليكم، وتنتهوا عما نهاكم عنه، لا يلتكم من أعمالكم شيئا يقول: لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا ولا ينقصكم من ثوابها شيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24616 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يلتكم لا ينقصكم. 24617 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئا. 24618 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في وإن تطيعوا الله ورسوله قال: إن تصدقوا إيمانكم بأعمالكم يقبل ذلك منكم. وقرأت قراء الامصار لا يلتكم من أعمالكم بغير همز ولا ألف، سوى أبي عمرو، فإنه قرأ ذلك لا يألتكم بألف اعتبارا منه في ذلك بقوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ فمن قال: ألت، قال: يألت. وأما الآخرون فإنهم جعلوا ذلك من لات يليت، كما قال رؤبة بن العجاج: وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت والصواب من القراءة عندنا في ذلك، ما عليه قراء المدينة والكوفة لا يلتكم بغير ألف ولا همز، على لغة من قال: لات يليت، لعلتين: إحداهما: إجماع الحجة من القراء عليها. والثانية أنها في المصحف بغير ألف، ولا تسقط الهمزة في مثل هذا الموضع، لانها ساكنة، والهمزة إذا سكنت ثبتت، كما يقال: تأمرون وتأكلون، وإنما تسقط إذا سكن ما
[ 186 ]
قبلها، ولا يحمل حرف في القرآن إذا أتى بلغة على آخر جاء بلغة خلافها إذا كانت اللغتان معروفتين في كلام العرب. وقد ذكرنا أن ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم. وقوله: إن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: إن الله ذو عفو أيها الاعراب لمن أطاعه، وتاب إليه من سالف ذنوبه، فأطيعوه، وانتهوا إلى أمره ونهيه، يغفر لكم ذنوبكم، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه، فتوبوا إليه يرحمكم. كما: 24619 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الله غفور رحيم غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة، شك يزيد، رحيم بعباده. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) *. يقول تعالى ذكره للاعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الايمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدقوا الله ورسوله، ثم لم يرتابوا، يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله، ولا في نبوة نبيه (ص)، وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله، والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شك منه في وجوب ذلك عليه وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم، وبذل مهجهم في جهادهم، على ما أمرهم الله به من جهادهم، وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. وقوله: أولئك هم الصادقون يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون، لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24620 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أولئك هم الصادقون قال: صدقوا إيمانهم بأعمالهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الارض والله بكل شئ عليم) *.
[ 187 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الاعراب القائلين آمنا ولما يدخل الايمان في قلوبهم: أتعلمون الله أيها القوم بدينكم، يعني بطاعتكم ربكم والله يعلم ما في السموات وما في الارض يقول: والله الذي تعلمونه أنكم مؤمنون، علام جميع ما في السموات السبع والارضين السبع، لا يخفى عليه منه شئ، فكيف تعلمونه بدينكم، والذي أنتم عليه من الايمان، وهو لا يخفى عليه خافية، في سماء ولا أرض، فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدين والله بكل شئ عليم يقول: والله بكل ما كان، وما هو كائن، وبما يكون ذو علم. وإنما هذا تقدم من الله إلى هؤلاء الاعراب بالنهي، عن أن يكذبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم. يقول: الله محيط بكل شئ عالم به، فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم، فينالكم عقوبته، فإنه لا يخفى عليه شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يمن عليك هؤلاء الاعراب يا محمد أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان يقول: بل الله يمن عليكم أيها القوم أن وفقكم للايمان به وبرسوله إن كنتم صادقين يقول: إن كنتم صادقين في قولكم آمنا، فإن الله هو الذي من عليكم بأن هداكم له، فلا تمنوا علي بإسلامكم. وذكر أن هؤلاء الاعراب من بني أسد، امتنوا على رسول الله (ص)، فقالوا: آمنا من غير قتال، ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، فأنزل الله فيهم هذه الآيات: ذكر من قال ذلك: 24621 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية يمنون عليك أن أسلموا أهم بنو أسد ؟ قال: قد قيل ذلك. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: قلت لسعيد بن جبير يمنون عليك أن أسلموا أهم بنو أسد ؟ قال: يزعمون ذاك. 24622 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد، أو بشر بن عطارد، ولبيد بن غالب عند الحجاج جالسين، فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نزلت في قومك بني تميم إن الذين ينادونك
[ 188 ]
من وراء الحجرات فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: إنه لو علم بآخر الآية أجابه يمنون عليك أن أسلموا قالوا أسلمنا ولم نقاتلك بنو أسد. 24623 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا تمنوا أنا أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه (ص): قل لهم لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان. 24624 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم قال: فهذه الآيات نزلت في الاعراب. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله يعلم غيب السماوات والارض والله بصير بما تعملون) *. يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الاعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب، ومن الداخل منكم في ملة الاسلام رغبة فيه، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد (ص) وجنده، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم، فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم، وتحدثون به أنفسكم، ويعلم ما غاب عنكم، فاستسر في خبايا السموات والارض، لا يخفى عليه شئ من ذلك والله بصير بما تعملون يقول: والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها، أجهرا تعملون أم سرا، طاعة تعملون أو معصية ؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر وكفؤه وان في قوله يمنون عليك ان اسلموا في موضع نصب بوقوع يمنون عليها، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله يمنون عليك إسلامهم، وذلك دليل على صحة ما قلنا، ولو قيل: هي نصب بمعنى: يمنون عليك لان أسلموا، لكان وجها يتجه. وقال بعض أهل العربية: هي في موضع خفض. بمعنى: لان أسلموا. وأما أن التي في قوله: بل الله يمن عليكم أن هداكم فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لان معنى الكلام: بل الله يمن عليكم بأن هداكم للايمان. آخر تفسير سورة الحجرات
[ 189 ]
سورة ق (50) سورة ق مكية وآياتها خمس وأربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ق والقرآن المجيد ئ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب) *. اختلف أهل التأويل في قوله: ق، فقال بعضهم: هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ذكر من قال ذلك: 24625 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ق ون وأشباه هذا، فإنه قسم أقسمه الله، وهو اسم من أسماء الله. وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك: 24626 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله ق قال: اسم من أسماء القرآن. وقال آخرون: ق اسم الجبل المحيط بالارض، وقد تقدم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: والقرآن المجيد يقول: والقرآن الكريم. كما: 24627 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير ق والقرآن المجيد قال: الكريم. واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم، فقال بعض نحويي البصرة ق
[ 190 ]
والقرآن المجيد قسم على قوله: قد علمنا ما تنقص الارض منهم وقال بعض نحويي أهل الكوفة: فيها المعنى الذي أقسم به، وقال: ذكر أنها قضى والله، وقال: يقال: إن قاف جبل محيط بالارض، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع: أي هو قاف والله قال: وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لانه اسم وليس بهجاء قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه، كما قال الشاعر: قلت لها قفي لنا قالت قاف ذكرت القاف إرادة القاف من الوقف: أي إني واقفة. وهذا القول الثاني عندنا أولى القولين بالصواب، لانه لا يعرف في أجوبة الايمان قد، وإنما تجاب الايمان إذا أجيبت بأحد الحروف الاربعة: اللام، وإن، وما، ولا، أو بترك جوابها فيكون ساقطا. وقوله: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) ما كذبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محق، ولكنهم كذبوا تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم، يعني بشرا منهم من بني آدم، ولم يأتهم ملك برسالة من عند الله وقوله: فقال الكافرون هذا شئ عجيب يقول تعالى ذكره: فقال المكذبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم هذا شئ عجيب: أي مجئ رجل منا من بني آدم برسالة الله إلينا، هلا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا. القول في تأويل قوله تعالى: * (أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ئ قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ) *.
[ 191 ]
يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر، فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه من ذلك، فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعوا إليه، وجوابهم عما لم يسألوا عنه. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فنذكر ما قالوا في ذلك، ثم نتبعه البيان إن شاء الله تعالى، فقال في ذلك بعض نحويي البصرة قال: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، لم يذكر أنه راجع، وذلك والله أعلم لانه كان على جواب، كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون، فقالوا: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد وقال بعض نحويي الكوفة قوله: أئذا متنا وكنا ترابا كلام لم يظهر قبله، ما يكون هذا جوابا له، ولكن معناه مضمر، إنما كان والله أعلم: ق والقرآن المجيد لتبعثن بعد الموت، فقالوا: أئذا كنا ترابا بعثنا ؟ جحدوا البعث، ثم قالوا: ذلك رجع بعيد جحدوه أصلا، قوله: بعيد كما تقول للرجل يخطئ في المسألة، لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصواب: أي أخطأت. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن في هذا الكلام متروكا استغني بدلالة ما ذكر عليه من ذكره، وذلك أن الله دل بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمدا (ص) بقوله: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا (ص)، فكأنه قال لهم: إذ قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا (ص) هذا شئ عجيب ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا (ص)، وإنكاركم نبوته، فقالوا مجيبين رسول الله (ص) أئذا متنا وكنا ترابا نعلم ذلك، ونرى ما تعدنا على تكذيبك ذلك رجع بعيد: أي أن ذلك غير كائن، ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا، فاستغني بدلالة قوله: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم. وفيما: 24628 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول قي قوله: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قالوا: كيف يحيينا الله، وقد صرنا عظاما ورفاتا، وضللنا في الارض، دلالة على صحة ما قلنا من أنهم أنكروا البعث إذا توعدوا به. وقوله: قد علمنا ما تنقص الارض منهم يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما تأكل الارض من أجسامهم بعد مماتهم، وعندنا كتاب بما تأكل الارض وتفني من أجسامهم، ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك، حافظ لذلك كله، وسماه الله تعالى حفيظا، لانه لا
[ 192 ]
يدرس ما كتب فيه، ولا يتغير ولا يتبدل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24629 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قد علمنا ما تنقص الارض منهم يقول: ما تأكل الارض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم. 24630 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما تنقص الارض منهم قال: من عظامهم. 24631 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: قد علمنا ما تنقص الارض منهم يقول: ما تأكل الارض منهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قد علمنا ما تنقص الارض منهم قال: يعني الموت، يقول: من يموت منهم، أو قال: ما تأكل الارض منهم إذا ماتوا. 24632 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، قال الله قد علمنا ما تنقص الارض منهم يقول: ما أكلت الارض منهم ونحن عالمون به، وهم عندي مع علمي فيهم في كتاب حفيظ. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ئ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) *. يقول تعالى ذكره: ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد في قيلهم هذا بل كذبوا بالحق، وهو القرآن لما جاءهم من الله. كالذي: 24633 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة بل كذبوا بالحق
[ 193 ]
لما جاءهم أي كذبوا بالقرآن فهم في أمر مريج يقول: فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس، لا يعرفون حقه من باطله، (يقال) قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل. وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها، وإن كانت متقاربات المعاني، فقال بعضهم: معناها: فهم في أمر منكر وقال: المريج: هو الشئ المنكر. ذكر من قال ذلك: 24634 - حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيب الآمدي، عن أبي حمزة، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: أمر مريج قال: المريج: الشئ المنكر أما سمعت قول الشاعر: فجالت والتمست به حشاهافخر كأنه خوط مريج وقال آخرون: بل معنى ذلك: في أمر مختلف. ذكر من قال ذلك: 24635 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله في أمر مريج يقول: مختلف. وقال آخرون: بل معناه: في أمر ضلالة. ذكر من قال ذلك: 24636 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فهم في أمر مريج قال: هم في أمر ضلالة. وقال آخرون: بل معناه: في أمر ملتبس. ذكر من قال ذلك:
[ 194 ]
24637 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، في قوله: فهم في أمر مريج قال: ملتبس. 24638 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أمر مريج قال: ملتبس. 24639 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فهم في أمر مريج ملتبس عليهم أمره. 24640 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: والتبس عليه دينه. وقال آخرون: بل هو المختلط. ذكر من قال ذلك: 24641 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: في أمر مريج قال: المريج: المختلط. وإنما قلت: هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات، لان الشئ مختلف ملتبس، معناه مشكل. وإذا كان كذلك كان منكرا، لان المعروف واضح بين، وإذا كان غير معروف كان لا شك ضلالة، لان الهدى بين لا لبس فيه. وقوله: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم إلى السماء فوقهم كيف بنيناها فسويناها سقفا محفوظا، وزيناها بالنجوم وما لها من فروج يعني: وما لها من صدوع وفتوق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24642 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من فروج قال: شق. 24643 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما لها من فروج قلت له، يعني ابن زيد: الفروج: الشئ المتبرئ بعضه من بعض، قال: نعم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 195 ]
* (والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ئ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) *. وقوله: والارض مددناها يقول: والارض بسطناها وألقينا فيها رواسي يقول: وجعلنا فيها جبالا ثوابت، رست في الارض، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج يقول تعالى ذكره: وأنبتنا في الارض من كل نوع من نبات حسن، وهو البهيج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24644 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بهيج يقول: حسن. 24645 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألقينا فيها رواسي والرواسي الجبال وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج: أي من كل زوج حسن. 24646 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لابن زيد البهيج: هو الحسن المنظر ؟ قال نعم: وقوله تبصرة يقول: فعلنا ذلك تبصرة لكم أيها الناس بنصركم بها قدرة ربكم على ما يشاء، وذكرى لكل عبد منيب يقول: وتذكيرا من الله عظمته وسلطانه، وتنبيها على وحدانيته لكل عبد منيب يقول: لكل عبد رجع إلى الايمان بالله، والعمل بطاعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24647 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: تبصرة نعمة من الله يبصرها العباد وذكرى لكل عبد منيب: أي مقبل بقلبه إلى الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: تبصرة وذكرى قال: تبصرة من الله. 24648 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تبصرة قال: بصيرة. 24649 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عطاء ومجاهد لكل عبد منيب قالا مجيب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 196 ]
* (ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ئ والنخل باسقات لها طلع نضيد ئ رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) *. يقول تعالى ذكره: ونزلنا من السماء ماء مطرا مباركا، فأنبتنا به بساتين أشجارا، وحب الزرع المحصود من البر والشعير، وسائر أنواع الحبوب. كما: 24650 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وحب الحصيد هذا البر والشعير. حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وحب الحصيد قال: هو البر والشعير. 24651 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحب الحصيد قال: الحنطة. وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وحب الحصيد الحب هو الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: إن هذا لهو حق اليقين. وقوله: والنخل باسقات يقول: وأنبتنا بالماء الذي أنزلنا من السماء النخل طوالا، والباسق: هو الطويل يقال للجبل الطويل: جبل باسق، كما قال أبو نوفل لابن هبيرة: يا ابن الذين بفضلهم بسقت على قيس فزاره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24652 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: باسقات يقول: طوال.
[ 197 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والنخل باسقات قال: النخل الطوال. 24653 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن شداد في قوله: والنخل باسقات قال: بسوقها: طولها في إقامة. 24654 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: والنخل باسقات الباسقات: الطوال. 24655 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: باسقات قال: الطوال. 24656 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والنخل باسقات قال: بسوقها طولها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والنخل باسقات قال: يعني طولها. 24657 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله والنخل باسقات قال: البسوق: الطول. وقوله: لها طلع نضيد يقول: لهذا النخل الباسقات طلع وهو الكفري، نضيد: يقول: منضود بعضه على بعض متراكب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24658 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس لها طلع نضيد قال: يقول بعضه على بعض. 24659 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: نضيد قال: المنضد. 24660 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لها طلع نضيد يقول: بعضه على بعض.
[ 198 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لها طلع نضيد ينضد بعضه على بعض. وقوله: رزقا للعباد يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات، والحب والنخل قوتا للعباد، بعضها غذاء، وبعضها فاكهة ومتاعا. وقوله: وأحيينا به بلدة ميتا يقول تعالى ذكره وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت، فلا زرع فيها ولا نبت. وقوله: كذلك الخروج يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الارض الميتة، فأحييناها به، فأخرجنا نباتها وزرعها، كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء. القول في تأويل قوله تعالى: * (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ئ وعاد وفرعون وإخوان لوط ئ وأصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد) *. يقول تعالى ذكره كذبت قبل هؤلاء المشركين الذين كذبوا محمدا (ص) من قومه قوم نوح وأصحاب الرس وقد مضى ذكرنا قبل أمر أصحاب الرس، وأنهم قوم رسوا نبيهم في بئر. 24661 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي بكر، عن عكرمة بذلك. 24662 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أصحاب الرس والرس: بئر قتل فيها صاحب يس. 24663 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أصحاب الرس قال: بئر. 24664 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث،
[ 199 ]
عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة أنه قال: إن أصحاب الايكة، والايكة: الشجر الملتف، وأصحاب الرس كانتا أمتين، فبعث الله إليهم نبيا واحدا شعيبا، وعذبهما الله بعذابين وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الايكة وهم قوم شعيب، وقد مضى خبرهم قبل وقوم تبع. وكان قوم تبع أهل أوثان يعبدونها، فيما: 24665 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق. وكان من خبره وخبر قومه ما: 24666 - حدثنا به مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، أنه سأل عبد الله بن سلام، عن تبع ما كان ؟ فقال: إن تبعا كان رجلا من العرب، وإنه ظهر على الناس، فاختار فتية من الاخيار فاستبطنهم واستدخلهم، حتى أخذ منهم وبايعهم، وإن قومه استكبروا ذلك وقالوا: قد ترك دينكم، وبايع الفتية فلما فشا ذلك، قال للفتية، فقال الفتية: بيننا وبينهم النار تحرق الكاذب، وينجو منها الصادق، ففعلوا، فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهم، ثم غدوا إلى النار، فلما ذهبوا أن يدخلوها، سفعت النار في وجوههم، فنكصوا عنها، فقال لهم تبع: لتدخلنها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها، وأنه قال لقومه ادخلوها فلما ذهبوا يدخلونها سفعت النار وجوههم، فنكصوا عنها، فقال لهم تبع: لتدخلنها، فلما دخلوها أفرجت عنهم، حتى إذا توسطوا أحاطت بهم، فأحرقتهم، فأسلم تبع، وكان تبع رجلا صالحا. 24667 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، قال: سمعت إبراهيم بن محمد القرظي، قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها، حالت حمير بينه وبين ذلك، وقالوا لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه، وقال: إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، قال نعم، قال: وكانت في اليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم فيما بينهم فيما يختلفون فيه، تأكل الظالم ولا تضر المظلوم فلما قالوا ذلك لتبع، قال: أنصفتم، فخرج قومه بأوثانهم، وما يتقربون به في دينهم قال:
[ 200 ]
خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما، حتى قعدوا للنار عند مخرجها التي تخرج منه، فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فرموهم من حضرهم من الناس، وأمروهم بالصبر لها، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، تعرق جباههما لم تضرهما، فأطبقت حمير، عند ذلك على دينه، فمن هنالك وغير ذلك كان أصل اليهودية باليمن. 24668 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحبرين، ومن خرج معهما من حمير، إنما اتبعوا النار ليردوها، وقالوا: من ردها فهو أولى بالحق فدنا منهم رجال من حمير بأوثانهم ليردوها، فدنت منهم لتأكلهم، فحادوا فلم يستطيعوا ردها، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة، وتنكص حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه، فأطبقت عند ذلك على دينهما، وكان رئام بيتا لهم يعظمونه، وينحرون عنده، ويكلمون منه، إذ كانوا على شركهم، فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يعينهم ويلعب بهم، فخل بيننا وبينه، قال: فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود، فذبحاه، ثم هدما ذلك البيت، فبقاياه اليوم باليمن كما ذكر لي. 24669 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن لهيعة، عن عمرو بن جابر الحضرمي، حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي، يحدث عن النبي (ص) أنه قال: لا تلعنوا تبعا فإنه كان قد أسلم. 24670 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد أن شعيب بن زرعة المعافري، حدثه، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وقال له رجل: إن حمير تزعم أن تبعا منهم، فقال: نعم والذي نفسي بيده، وإنه في العرب كالانف بين العينين، وقد كان منهم سبعون ملكا. وقوله: كل كذب الرسل فحق وعيد يقول تعالى ذكره: كل هؤلاء الذين ذكرناهم كذبوا رسل الله الذين أرسلهم فحق وعيد يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله، وحل بهم العذاب والنقمة. وإنما وصف ربنا جل ثناؤه ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم
[ 201 ]
أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا (ص)، أنه محل بهم من العذاب، مثل الذي أحل بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24671 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فحق وعيد قال: ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد ئ ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) *. وهذا تقريع من الله لمشركي قريش الذين قالوا: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد يقول لهم جل ثناؤه: أفعيينا بابتداع الخلق الاول الذي خلقناه، ولم يكن شيئا فنعيا بإعادتهم خلقا جديدا بعد بلائهم في التراب، وبعد فنائهم يقول: ليس يعيينا ذلك، بل نحن عليه قادرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24672 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أفعيينا بالخلق الاول يقول: لم يعينا الخلق الاول. 24673 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أفعيينا بالخلق الاول يقول: أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا، فتمتروا بالبعث. 24674 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي ميسرة أفعيينا بالخلق الاول قال: إنا خلقناكم. وقوله: بل هم في لبس من خلق جديد يقول تعالى ذكره: ما يشك هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الاول، ولكنهم في شك من قدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم، وبلائهم في قبورهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24675 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بل هم في لبس من خلق جديد ؟ يقول: في شك من البعث.
[ 202 ]
24676 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي ميسرة بل هم في لبس قال: الكفار من خلق جديد قال: أن يخلقوا من بعد الموت. 24677 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بل هم في لبس: أي شك والخلق الجديد: البعث بعد الموت، فصار الناس فيه رجلين: مكذب، ومصدق. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله في لبس من خلق جديد قال: البعث من بعد الموت. وقوله: ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما تحدث به نفسه، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد يقول: ونحن أقرب للانسان من حبل العاتق والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين، والحبل: هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24678 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد يقول: عرق العنق. 24679 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد حبل الوريد قال: الذي يكون في الحلق. وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به، وأقرب إليه في المقدرة عليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد بالعلم بما توسوس به نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ئ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) *.
[ 203 ]
يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الانسان من وريد حلقه، حين يتلقى الملكان، وهما المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد وقيل: عنى بالقعيد: الرصد. ذكر من قال ذلك: 24680 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قعيد قال: رصد. واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد، وقد ذكر من قبل متلقيان، فقال بعض نحويي البصرة: قيل: عن اليمين وعن الشمال قعيد ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، أي أحدهما، ثم استغنى، كما قال: نخرجكم طفلا ثم استغنى بالواحد عن الجمع، كما قال: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا. وقال بعض نحويي الكوفة قعيد يريد: قعودا عن اليمين وعن الشمال، فجعل فعيل جمعا، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين، قال الله عز وجل: إنا رسول رب العالمين لموسى وأخيه، وقال الشاعر: ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه، كما قال الشاعر:
[ 204 ]
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف ومنه قول الفرزدق: إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبى فكان وكنت غير غدور ولم يقل: غدورين. وقوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الانسان من من قول فيتكلم به، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عتيد، يعني حافظ يحفظه، عتيد معد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24681 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد عن اليمين وعن الشمال قعيد قال: عن اليمين الذي يكتب الحسنات، وعن الشمال الذي يكتب السيئات. 24682 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم التيمي، في قوله: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد قال: صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمسك لعله يتوب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد قال ملك عن يمينه، وآخر عن يساره، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر.
[ 205 ]
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: مع كل إنسان ملكان: ملك عن يمينه، وملك عن يساره قال: فأما الذي عن يمينه، فيكتب الخير، وأما الذي عن يساره فيكتب الشر. 24683 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه... إلى عتيد قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار، يحفظان عليه عمله، ويكتبان أثره. 24684 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، حتى بلغ عتيد قال الحسن وقتادة ما يلفظ من قول أي ما يتكلم به من شئ إلا كتب عليه. وكان عكرمة يقول: إنما ذلك في الخير والشر يكتبان عليه. 24685 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تلا الحسن عن اليمين وعن الشمال قعيد قال: فقال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك، فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه... حتى بلغ حسيبا عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد عن اليمين وعن الشمال قعيد قال: كاتب الحسنات عن يمينه، وكاتب السيئات عن شماله. 24686 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا أذنب قال له: لا تعجل لعله يستغفر. 24687 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال: جعل معه من يكتب كل ما لفظ به، وهو معه رقيب.
[ 206 ]
24688 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن هشام الحمصي، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال: اكتب، فيقول: لا بل أنت اكتب، فيمتنعان، فينادي مناد: يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ئ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) *. وفي قوله: وجاءت سكرة الموت بالحق وجهان من التأويل، أحدهما: وجاءت سكرة الموت وهي شدته وغلبته على فهم الانسان، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحق من أمر الآخرة، فتبينه الانسان حتى تثبته وعرفه. والثاني: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. وقد ذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ وجاءت سكرة الحق بالموت. ذكر الرواية بذلك: 24689 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، قال: لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي، قالت عائشة رضي الله عنها هذا، كما قال الشاعر: إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
[ 207 ]
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تقولي ذلك، ولكنه كما قال الله عز وجل: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان:: أحدهما: وجاءت سكرة الله بالموت، فيكون الحق هو الله تعالى ذكره. والثاني: أن تكون السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها، كما قيل: إن هذا لهو حق اليقين. ويكون تأويل الكلام: وجاءت السكرة الحق بالموت. وقوله: ذلك ما كنت منه تحيد يقول: هذه السكرة التي جاءتك أيها الانسان بالحق هو الشئ الذي كنت تهرب منه، وعنه تروغ. وقوله: ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد قد تقدم بياننا عن معنى الصور، وكيف النفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين. والذي هو أولى الاقوال عندنا فيه بالصواب، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: ذلك يوم الوعيد يقول: هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذبهم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ئ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) *. يقول تعالى ذكره: وجاءت يوم ينفخ في الصور كل نفس ربها، معها سائق يسوقها إلى الله وشهيد يشهد عليها بما في الدنيا من خير أو شر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24690 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يحيى بن رافع مولى لثقيف، قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب، فقرأ هذه الآية سائق وشهيد قال: سائق يسوقها إلى الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت. 24691 - قال: ثنا حكام، عن إسماعيل، عن أبي عيسى، قال: سمعت عثمان بن
[ 208 ]
عفان رضي الله عنه يخطب، فقرأ هذه الآية وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال: السائق يسوقها إلى أمر الله، والشهيد يشهد عليها بما عملت. 24692 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال: السائق من الملائكة، والشهيد: شاهد عليه من نفسه. 24693 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سفيان، عن مهران، عن خصيف، عن مجاهد سائق وشهيد سائق يسوقها إلى أمر الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد سائق وشهيد سائق يسوقها إلى أمر الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت. 24694 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن نجيح، عن مجاهد في قول الله سائق وشهيد قال: الملكان: كاتب، وشهيد. 24695 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال: سائق يسوقها إلى ربها، وشاهد يشهد عليها بعملها. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال: سائق يسوقها إلى حسابها، وشاهد يشهد عليها بما عملت. 24696 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن معها سائق وشهيد قال: سائق يسوقها، وشاهد يشهد عليها بعملها. 24697 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس سائق وشهيد قال: سائق يسوقها، وشاهد يشهد عليها بعملها. 24698 - وحدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد السائق من الملائكة، والشاهد من أنفسهم: الايدي، والارجل، والملائكة أيضا شهداء عليهم.
[ 209 ]
24699 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله سائق وشهيد قال: ملك وكل به يحصي عليه عمله، وملك يسوقه إلى محشره حتى يوافي محشره يوم القيامة. واختلف أهل التأويل في المعني بهذه الآيات فقال بعضهم: عنى بها النبي (ص). وقال بعضهم: عنى أهل الشرك، وقال بعضهم: عني بها كل أحد. ذكر من قال ذلك: 24700 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قوله الله: وجاءت سكرة الموت بالحق... الآية، إلى قوله: سائق وشهيد، فقلت له: من يراد بهذا ؟ فقال رسول الله (ص)، فقلت له رسول الله ؟ فقال: ما تنكر ؟ قال الله عز وجل: ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى قال: ثم سألت صالح بن كيسان عنها، فقال لي: هل سألت أحدا ؟ فقلت: نعم، قد سألت عنها زيد بن أسلم، فقال: ما قال لك ؟ فقلت: بل تخبرني ما تقول، فقال: لاخبرنك برأيي الذي عليه رأيي، فأخبرني ما قال لك ؟ قلت: قال: يراد بهذا رسول الله (ص)، فقال: وما علم زيد ؟ والله ما سن عالية، ولا لسان فصيح، ولا معرفة بكلام العرب، إنما يراد بهذا الكافر. ثم قال: اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك، قال: ثم سألت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، فقال لي مثل ما قال صالح: هل سألت أحدا فأخبرني به ؟ قلت: إني قد سألت زيد بن أسلم وصالح بن كيسان، فقال لي: ما قالا لك ؟ قلت: بل تخبرني بقولك، قال: لاخبرنك بقولي، فأخبرته بالذي قالا لي، قال: أخالفهما جميعا، يريد بها البر والفاجر، قال الله: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد قال: فانكشف الغطاء عن البر والفاجر، فرأى كل ما يصير إليه. 24701 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد يعني المشركين. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عنى بها البر والفاجر، لان الله أتبع هذه الآيات قوله: ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه والانسان في هذا الموضع بمعنى: الناس كلهم، غير مخصوص منهم بعض دون بعض. فمعلوم إذا كان ذلك
[ 210 ]
كذلك أن معنى قوله: وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءتك أيها الانسان سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وإذا كان ذلك كذلك كانت بينة صحة ما قلنا. وقوله: لقد كنت في غفلة من هذا يقول تعالى ذكره: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الانسان من الاهوال والشدائد فكشفنا عنك غطاءك يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفوا في المقول ذلك له، فقال بعضهم: المقول ذلك له الكافر. وقال آخرون: هو نبي الله (ص). وقال آخرون: هو جميع الخلق من الجن والانس. ذكر من قال: هو الكافر. 24702 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك وذلك الكافر. 24703 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فكشفنا عنك غطاءك قال: للكافر يوم القيامة. 24704 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فكشفنا عنك غطاءك قال: في الكافر. ذكر من قال: هو نبي الله (ص). 24705 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لقد كنت في غفلة من هذا قال: هذا رسول الله (ص)، قال: لقد كنت في غفلة من هذا الامر يا محمد، كنت مع القوم في جاهليتهم فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد. وعلى هذا التأويل الذي قاله ابن زيد يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله (ص) أنه كان في غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به، فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية، فنفذ بصره بالايمان وتبينه حتى تقرر ذلك عنده، فصار حاد البصر به. ذكر من قال: هو جميع الخلق من الجن والانس. 24706 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، قال: سألت عن ذلك الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، فقال: يريد به البر والفاجر، فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد قال: وكشف
[ 211 ]
الغطاء عن البر والفاجر، فرأى كل ما يصير إليه. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: فكشفنا عنك غطاءك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24707 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فكشفنا عنك غطاءك قال: الحياة بعد الموت. 24708 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك قال: عاين الآخرة. وقوله: فبصرك اليوم حديد يقول: فأنت اليوم نافذ البصر، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة، وهو من قولهم: فلان بصير بهذا الامر: إذا كان ذا علم به، وله بهذا الامر بصر: أي علم. وقد روي عن الضحاك إنه قال: معنى ذلك فبصرك اليوم حديد لسان الميزان، وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه، فشبه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحق في الوزن، ويعرف مبلغه الواجب لاهله عما زاد على ذلك أو نقص، فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ئ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ئ مناع للخير معتد مريب) *. يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الانسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24709 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقال قرينه هذا ما لدي عتيد الملك. 24710 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد... إلى آخر الآية، قال: هذا سائقه الذي وكل به، وقرأ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. وقوله: هذا ما لدي عتيد يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل قرين هذا الانسان عند
[ 212 ]
موافاته ربه به، رب هذا ما لدي عتيد: يقول: هذا الذي هو عندي معد محفوظ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هذا ما لدي عتيد قال: والعتيد: الذي قد أخذه، وجاء به السائق والحافظ معه جميعا. وقوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد فيه متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه منه، وهو: يقال ألقيا في جهنم، أو قال تعالى: ألقيا، فأخرج الامر للقرين، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى ا لاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد، والتثنية والجمع، فرد قوله: ألقيا في جهنم إلى المعنى. والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل ويلك أرحلاها وازجراها، وذكر أنه سمعها من العرب قال: وأنشدني بعضهم: فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجتز شيحا وقال: وأنشدني أبو ثروان: فإن تزجراني يا بن عقان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
[ 213 ]
قال: فيروي أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، وقال: ألا ترى الشعراء أكثر قيلا يا صاحبي يا خليلي، وقال امرؤ القيس: خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ثم قال: ألم تر أني كلما جئت طار فاوجدت بها طيبا وإن لم تطيب فرجع إلى الواحد، وأول الكلام اثنان قال: وأنشدني بعضهم: خليلي قوما في عطالة فانظرا: أنار ترى من ذي أبانين أم برقا وبعضهم يروي: أنارا نرى.
[ 214 ]
كل كفار عنيد يعني: كل جاحد وحدانية الله عنيد، وهو العاند عن الحق وسبيل الهدى. وقوله: مناع للخير كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع: هو الزكاة المفروضة. 24711 - حدثنا بذلك بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة. والصواب من القول في ذلك عندي أنه كل حق وجب لله، أو لآدمي في ماله، والخير في هذا الموضع هو المال. وإنما قلنا ذلك هو الصواب من القول، لان الله تعالى ذكره عم بقوله مناع للخير عنه أنه يمنع الخير ولم يخصص منه شيئا دون شئ، فذلك على كل خير يمكن منعه طالبه. وقوله: معتد يقول: معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلما. كما: 24712 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: معتد في منطقه وسيرته وأمره. وقوله: مريب يعني: شاك في وحدانية الله وقدرته على ما يشاء. كما: 24713 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مريب: أي شاك. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد) *. يقول تعالى ذكره: الذي أشرك بالله فعبد معه معبودا آخر من خلقه فألقياه في العذاب الشديد يقول: فألقياه في عذاب جهنم الشديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال قرينه ربنا مآ أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ئ قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) *. يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الانسان الكفار المناع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا. كما:
[ 215 ]
24714 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: قال قرينه ربنا ما أطغيته قال: قرينه شيطانه. 24715 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قال قرينه قال: الشيطان قيض له. 24715 م - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الذي جعل مع الله إلها آخر هو المشرك قال قرينه ربنا ما أطغيته قال: قرينه الشيطان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال قرينه ربنا ما أطغيته قال: قرينه: الشيطان. 24716 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قال قرينه ربنا ما أطغيته قال: قرينه: شيطانه. 24717 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قال قرينه ربنا ما أطغيته قال: قرينه من الجن: ربنا ما أطغيته، تبرأ منه. وقوله: ربنا ما أطغيته يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعديا إلى ما ليس له، وإنما يعني بذلك الكفر بالله ولكن كان في ضلال بعيد يقول: ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا. وإنما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلاما منه عباده، تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة. كما: 24718 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ربنا ما أطغيته قال: تبرأ منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24719 - حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر، قال: ثنا جعفر، قال: سمعت أبا عمران يقول في قوله: ربنا ما أطغيته تبرأ منه. وقوله: لا تختصموا لدي يقول تعالى ذكره: قال الله لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، وصفة قرنائهم من الشياطين لا تختصموا لدي اليوم وقد قدمت إليكم في الدنيا قبل اختصامكم هذا، بالوعيد لمن كفر بي، وعصاني، وخالف أمري
[ 216 ]
ونهي في كتبي، وعلى ألسن رسلي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24720 - حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر، قال: ثنا جعفر، قال: سمعت أبا عمران يقول في قوله: وقد قدمت إليكم بالوعيد قال: بالقرآن. 24721 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: لا تختصموا لدي قال: إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، ورد عليهم قولهم. 24722 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد قال: يقول: قد أمرتكم ونهيتكم، قال: هذا ابن آدم وقرينه من الجن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، قال: قلت لابي العالية لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد قال أبو جعفر الطبري: أحسبه قال: هم أهل الشرك، وقال في آية أخرى ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فهم أهل القبلة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ئ يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجن يوم القيامة، إذ تبرأ بعضهم من بعض: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا، وهو قوله لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها. كما: 24723 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما يبدل القول لدي قد قضيت ما أنا قاض.
[ 217 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: ما يبدل القول لدي قال: قد قضيت ما أنا قاض. وقوله: وما أنا بظلام للعبيد يقول: ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره، ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به. وقوله: يوم نقول لجهنم يقول: وما أنا بظلام للعبيد في يوم نقول لجهنم هل امتلات وذلك يوم القيامة، ويوم نقول من صلة ظلام. وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة: هل امتلات ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملاها من الجنة والناس أجمعين. وأما قوله: هل من مزيد فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما من مزيد. قالوا: وإنما يقول الله لها: هل امتلات بعد أن يضع قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، من تضايقها فإذا قال لها وقد صارت كذلك: هل امتلات ؟ قالت حينئذ: هل من مزيد: أي ما من مزيد، لشدة امتلائها، وتضايق بعضها إلى بعض. ذكر من قال ذلك: 24724 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد قال ابن عباس: إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما بعث الناس وأحضروا، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا، لا يلقى في جهنم شئ إلا ذهب فيها، ولا يملاها شئ، قالت: ألست قد أقسمت لتملاني من الجنة والناس أجمعين ؟ فوضع قدمه، فقالت حين وضع قدمه فيها: قط قط، فإني قد امتلات، فليس لي مزيد، ولم يكن يملؤها شئ، حتى وجدت مس ما وضع عليها، فتضايقت حين جعل عليها ما جعل، فامتلات فما فيها موضع إبرة. 24725 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 218 ]
وتقول هل من مزيد قال: وعدها الله ليملانها، فقال: هلا وفيتك ؟ قالت: وهل من مسلك. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد كان ابن عباس يقول: إن الله الملك، قد سبقت منه كلمة لاملان جهنم لا يلقى فيها شئ إلا ذهب فيها، لا يملاها شئ، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملاها شئ، أتاها الرب فوضع قدمه عليها، ثم قال لها: هل امتلات يا جهنم ؟ فتقول: قط قط قد امتلات، ملاتني من الجن والانس فليس في مزيد قال ابن عباس: ولم يكن يملؤها شئ حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره، فتضايقت، فما فيها موضع إبرة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: زدني، إنما هو هل من مزيد، بمعنى الاستزادة. ذكر من قال ذلك: 24726 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن ثابت، عن أنس، قال: يلقى في جهنم وتقول: هل من مزيد ثلاثا، حتى يضع قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط، ثلاثا. 24727 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد لانها قد امتلات، وهل من مزيد: هل بقي أحد ؟ قال: هذان الوجهان في هذا، والله أعلم، قال: قالوا هذا وهذا. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو بمعنى الاستزادة، هل من شئ أزداده ؟ وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله (ص) بما: 24728 - حدثني أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال: ثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: إذا كان يوم القيامة، لم يظلم الله أحدا من خلقه شيئا، ويلقي في النار، تقول هل من مزيد، حتى يضع عليها قدمه، فهنالك يملؤها، ويزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط.
[ 219 ]
24729 - حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس، قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد ؟ حتى يضع الله عليها قدمه، فتقول: قد قد، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا، فيسكنه فضول الجنة. 24730 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: اختصمت الجنة والنار، فقالت الجنة: ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم وقالت النار: ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون، فقال: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما الجنة فإن الله ينشئ لها من خلقه ما شاء. وأما النار فيلقون فيها وتقول: هل من مزيد ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد، حتى يضع فيها قدمه، فهناك تملا، ويزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط، قط. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ثور، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا فقراء الناس ؟ وقالت النار: مالي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون ؟ فقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها فأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها ما شاء وأما النار فيلقون فيها وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فيها، هنالك تمتلئ، وينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط، قط. 24731 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العالمين قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط، قط، بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة.
[ 220 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا قتادة، عن أنس، أن رسول الله (ص)، قال: لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العالمين فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: بعزتك قط، قط وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه في فضل الجنة. قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا قتادة، عن أنس، قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد، فذكر نحوه غير أنه قال: أو كما قال. حدثنا زياد بن أيوب، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن النبي (ص)، قال: احتجت الجنة والنار، فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة: يدخلني الفقراء والمساكين فأوحى الله عز وجل إلى الجنة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأوحى إلى النار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فتقول: هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها، فتقول: قط قط. ففي قول النبي (ص): لا تزال جهنم تقول هل من مزيد دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي، لان قوله: لا تزال دليل على اتصال قول بعد قول. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ئ هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ئ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد وأدنيت الجنة وقربت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24732 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأزلفت الجنة للمتقين يقول: وأدنيت غير بعيد.
[ 221 ]
وقوله: هذا ما توعدون يقول: قال لهم: هذا الذي توعدون أيها المتقون، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله: لكل أواب يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه. وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو المسبح، وقال بعضهم: هو التائب، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغني عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك. 24733 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس لكل أواب قال: لكل مسبح. 24734 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم الاعور، عن مجاهد، قال: الاواب: المسبح. 24735 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، قال: ثني أبي، عن الحكم بن عتيبة في قول الله: لكل أواب حفيظ قال: هو الذاكر الله في الخلاء. 24736 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خباب، عن مجاهد لكل أواب حفيظ قال: الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها. 24737 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هذا ما توعدون لكل أواب. 24738 - قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عيسى الحناط، عن الشعبي، قال: هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها حفيظ: أي مطيع لله كثير الصلاة. 24739 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لكل أواب حفيظ قال: الاواب: التواب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها. 24740 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن يونس بن خباب في قوله: لكل أواب حفيظ قال: الرجل يذكر ذنوبه، فيستغفر الله لها. وقوله: حفيظ اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتى تاب منها. ذكر من قال ذلك:
[ 222 ]
24741 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس، عن الاواب الحفيظ، قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها. وقال آخرون: معناه: أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه. ذكر من قال ذلك: 24742 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة حفيظ قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الاواب بأنه حفيظ، ولم يخص به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع، فالواجب أن يعم كما عم جل ثناؤه، فيقال: هو حفيظ لكل ما قر به إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلفت منه للتوبة منها والاستغفار. وقوله: من خشي الرحمن بالغيب يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه، فأطاعه، واتبع أمره. وفي من في قوله: من خشي وجهان من الاعراب: الخفض على إتباعه كل في قوله: لكل أواب والرفع على الاستئناف، وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب، قيل له ادخل الجنة فيكون حينئذ قوله: ادخلوها بسلام جوابا للجزاء أضمر قبله القول، وجعل فعلا للجميع، لان من قد تكون في مذهب الجميع. وقوله: وجاء بقلب منيب يقول: وجاء الله بقلب تائب من ذنوبه، راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه. كما: 24743 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاء بقلب منيب: أي منيب إلى ربه مقبل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ئ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ئ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ادخلوها بسلام ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهم والغضب والعذاب، وما كنتم تلقونه في الدنيا من المكاره. كما: 24744 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ادخلوها بسلام قال: سلموا من عذاب الله، وسلم عليهم.
[ 223 ]
وقوله: ذلك يوم الخلود يقول: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله، هو يوم دخول الناس الجنة، ماكثين فيها إلى غير نهاية. كما: 24745 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذلك يوم الخلود خلدوا والله، فلا يموتون، وأقاموا فلا يظعنون، ونعموا فلا يبأسون. وقوله: لهم ما يشاءون فيها يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه عيونهم. وقوله: ولدينا مزيد يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه. وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلى الله جل ثناؤه. ذكر من قال ذلك: 24746 - حدثني أحمد بن سهيل الواسطي، قال: ثنا قرة بن عيسى، قال: ثنا النضر بن عربي جده، عن أنس، إن الله عز وجل إذا أسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هبط إلى مرج من الجنة أفيح، فمد بينه وبين خلقه حجبا من لؤلؤ، وحجبا من نور ثم وضعت منابر النور وسرر النور وكراسي النور، ثم أذن لرجل على الله عز وجل بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل: هذا المجعول بيده، والمعلم الاسماء، والذي أمرت الملائكة فسجدت له، والذي له أبيحت الجنة، آدم عليه السلام، قد أذن له على الله تعالى قال: يؤذن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور، يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل: هذا الذي اتخذه الله خليلا، وجعل عليه النار بردا وسلاما، إبراهيم قد أذن له على الله. قال: ثم أذن لرجل آخر على الله، بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقربه نجيا، وكلمه (كلاما)
[ 224 ]
موسى عليه السلام، قد أذن له على الله. قال: ثم يؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النبيين قبله، بين يديه أمثال الجبال، (من النور) يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل: هذا أول شافع، وأول مشفع، وأكثر الناس واردة، وسيد ولد آدم وأول من تنشق عن ذؤابتيه الارض، وصاحب لواء الحمد، أحمد (ص)، قد أذن له على الله. قال: فجلس النبيون على منابر النور، (والصديقون على سرر النور والشهداء على كراسي النور) وجلس سائر الناس على كثبان المسك الاذفر الابيض، ثم ناداهم الرب تعالى من وارء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي. يا ملائكتي، انهضوا إلى عبادي، فأطعموهم. قال: فقربت إليهم من لحوم طير، كأنها البخت لا ريش لها ولا عظم، فأكلوا، قال: ثم ناداهم الرب من وراء الحجاب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكلوا اسقوهم. قال: فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة، لذة آخرها كلذة أولها، لا يصدعون عنها ولا ينزفون ثم ناداهم الرب من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، فكهوهم. قال: فيقرب إليهم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان ومن الرطب الذي سمى الله، أشد بياضا من اللبن، وأطيب عذوبة من العسل. قال: فأكلوا ثم ناداهم الرب من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، وفكهوا اكسوهم قال ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فألبسوها. قال: ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا طيبوهم. قال: فهاجت عليهم ريح يقال لها المثيرة، بأباريق المسك (الابيض) الاذفر، فنفحت على وجوههم من غير غبار ولا قتام. قال: ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا، وكسوا وطيبوا، وعزتي لاتجلين لهم حتى ينظروا إلي قال: فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد قال: فتجلى لهم
[ 225 ]
الرب عز وجل، ثم قال: السلام عليكم عبادي، انظروا إلي فقد رضيت عنكم. قال: فتداعت قصور الجنة وشجرها، سبحانك أربع مرات، وخر القوم سجدا قال: فناداهم الرب تبارك وتعالى: عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل، ولا دار نصب إنما هي دار جزاء وثواب، وعزتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا، إلا ذكرتكم فوق عرشي. 24747 - حدثنا علي بن الحسين بن أبجر، قال: ثنا عمر بن يونس اليمامي، قال: ثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال: ثني أبو طيبة، عن معاوية العبسي، عن عثمان بن عمير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): أتاني جبريل عليه السلام وفي كفه مرآة بيضاء، فيها نكتة سوداء فقلت: يا جبريل ما هذه ؟ قال: هذه الجمعة، قلت: فما هذه النكتة السوداء فيها ؟ قال: هي الساعة تقوم يوم الجمعة وهو سيد الايام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد قلت: ولم تدعون يوم المزيد قال: إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم تجئ أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الذي صدقتكم عدتي، وأتممت عليكم نعمتي، فهذا محل كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول: رضاي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي، سلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس من الجمعة حتى يصعد على كرسيه فيصعد معه الصديقون والشهداء، وترجع أهل الجنة إلى غرفهم درة بيضاء، لا نظم فيها ولا فصم، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، منها غرفها وأبوابها، فليسوا إلى شئ أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا منه كرامة، وليزدادوا نظرا إلى وجهه، ولذلك دعي يوم المزيد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان بن عمير، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص)، نحو حديث علي بن الحسين.
[ 226 ]
حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، عن صالح بن حيان عن أبي بريدة، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص) بنحوه. 24748 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن عون، عن محمد، قال: حدثنا، أو قال: قالوا: إن أدنى أهل الجنة منزلة، الذي يقال له تمن، ويذكره أصحابه فيتمنى، ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه. قال: قال ابن عمر: ذلك لك وعشرة أمثاله، وعند الله مزيد. 24749 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح، حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال عن رسول الله (ص): إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأته فتضرب على منكبيه، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضئ ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه، فيرد السلام، ويسألها من أنت ؟ فتقول: أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان، وإن أدنى لؤلؤة فيها لتضئ ما بين المشرق والمغرب. وقوله: وكم أهلكنا قبلهم من قرن يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون، هم أشد من قريش الذين كذبوا محمدا بطشا فنقبوا في البلاد يقول: فخرقوا البلاد فساروا فيها، فطافوا وتوغلوا إلى الاقاصي منها قال امرؤ القيس: لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالاياب
[ 227 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24750 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس فنقبوا في البلاد قال: أثروا. 24751 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فنقبوا في البلاد قال: يقول: عملوا في البلاد ذاك النقب. ذكر من قال ذلك: وقوله: هل من محيص يقول جل ثناؤه: فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت ومنجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا. وأضمرت كان في هذا الموضع، كما أضمرت في قوله وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم بمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. وقرأت القراء قوله فنقبوا بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم. وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك فنقبوا بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد: أي طوفوا في البلاد، وترددوا فيها، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله من محيص قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24752 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكم أهلكنا قبلهم من قرن... حتى بلغ هل من محيص قد حاص الفجرة فوجدوا أمر الله متبعا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: فنقبوا في البلاد هل من محيص قال: حاص أعداء الله، فوجدوا أمر الله لهم مدركا. 24753 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هل من محيص قال: هل من منجي. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) *. يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا القرون التي أهلكناها من قبل قريش لذكرى
[ 228 ]
يتذكر بها لمن كان له قلب يعني: لمن كان له عقل من هذه الامة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم، خوفا من أن يحل بهم مثل الذي حل بهم من العذاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24754 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب: أي من هذه الامة، يعني بذلك القلب: القلب الحي. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لمن كان له قلب قال: من كان له قلب من هذه الامة. 24755 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لمن كان له قلب قال: قلب يعقل ما قد سمع من الاحاديث التي ضرب الله بها من عصاه من الامم. والقلب في هذا الموضع: العقل. وهو من قولهم: ما لفلان قلب، وما قلبه معه: أي ما عقله معه. وأين ذهب قلبك ؟ يعني أين ذهب عقلك. وقوله: أو ألقى السمع وهو شهيد يقول: أو أصغى لاخبارنا إياه عن هذه القرون التي أهلكناها بسمعه، فيسمع الخبر عنهم، كيف فعلنا بهم حين كفروا بربهم، وعصوا رسله وهو شهيد يقول: وهو متفهم لما يخبر به عنهم شاهد له بقلبه، غير غافل عنه ولا ساه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم فيه. ذكر من قال ذلك: 24756 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يقول: إن استمع الذكر وشهد أمره، قال في ذلك: يجزيه إن عقله. 24757 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أو ألقى السمع قال: وهو لا يحدث نفسه، شاهد القلب. 24758 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أو ألقى السمع وهو شهيد قال: العرب تقول: ألقى فلان سمعه: أي استمع بأذنيه، وهو شاهد، يقول: غير غائب.
[ 229 ]
24759 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قال: يسمع ما يقول، وقلبه في غير ما يسمع. وقال آخرون: عنى بالشهيد في هذا الموضع: الشهادة. ذكر من قال ذلك: 24760 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو ألقى السمع وهو شهيد يعني بذلك أهل الكتاب، وهو شهيد على ما يقرأ في كتاب الله من بعث محمد (ص). حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أو ألقى السمع وهو شهيد على ما في يده من كتاب الله أنه يجد النبي (ص) مكتوبا. قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر، وقال الحسن: هو منافق استمع القول ولم ينتفع. 24762 - حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح في قوله: أو ألقى السمع وهو شهيد قال: المؤمن يسمع القرآن، وهو شهيد على ذلك. 24763 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو ألقى السمع وهو شهيد قال: ألقى السمع يسمع ما قد كان مما لم يعاين من الاحاديث عن الامم التي قد مضت، كيف عذبهم الله وصنع بهم حين عصوا رسله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) *. يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا السموات السبع والارض وما بينهما من الخلائق في ستة أيام، وما مسنا من إعياء. كما: 24764 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن أبي بكر، قال: جاءت اليهود إلى النبي (ص)، فقالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الايام الستة ؟ فقال: خلق الله الارض يوم الاحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق المدائن والاقوات والانهار وعمرانها وخرابها يوم الاربعاء، وخلق السموات والملائكة يوم
[ 230 ]
الخميس إلى ثلاث ساعات، يعني من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم، قالوا: صدقت إن أتممت، فعرف النبي (ص) ما يريدون، فغضب، فأنزل الله وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون. 24765 - قال: ثنا مهران، عن سفيان وما مسنا من لغوب قال: من سآمة. 24766 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وما مسنا من لغوب يقول: من إزحاف. 24767 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس: وما مسنا من لغوب يقول: وما مسنا من نصب. 24768 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما مسنا من لغوب قال: نصب. 24769 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد خلقنا السموات والارض... الآية، أكذب الله اليهود والنصارى وأهل الفري على الله، وذلك أنهم قالوا: إن الله خلق السموات والارض في ستة أيام، ثم استراح يوم السابع، وذلك عندهم يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: من لغوب قالت اليهود: إن الله خلق السموات والارض في ستة أيام، ففرغ من الخلق يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فأكذبهم الله، وقال: ما مسنا من لغوب. 24770 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام كان مقدار كل يوم ألف سنة مما تعدون. 24771 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما مسنا من لغوب قال: لم يمسنا في ذلك عناء، ذلك اللغوب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 231 ]
* (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ئ ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود، وما يفترون على الله، ويكذبون عليه، فإن الله لهم بالمرصاد وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس يقول: وصل بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب. كما: 24772 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس لصلاة الفجر، وقبل غروبها: العصر. 24773 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قبل طلوع الشمس: الصبح، وقبل الغروب: العصر. وقوله: ومن الليل فسبحه اختلف أهل التأويل في التسبيح الذي أمر به من الليل، فقال بعضهم: عنى به صلاة العتمة. ذكر من قال ذلك: 24774 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن الليل قال: العتمة. وقال آخرون: هي الصلاة بالليل في أي وقت صلى. ذكر من قال ذلك: 24775 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد ومن الليل فسبحه قال: من الليل كله. والقول الذي قاله مجاهد في ذلك أقرب إلى الصواب، وذلك أن الله جل ثناؤه قال: ومن الليل فسبحه فلم يحد وقتا من الليل دون وقت. وإذا كان ذلك كذلك كان على جميع ساعات الليل. وإذا كان الامر في ذلك على ما وصفنا، فهو بأن يكون أمرا بصلاة المغرب والعشاء، أشبه منه بأن يكون أمرا بصلاة العتمة، لانهما يصليان ليلا. وقوله: وأدبار السجود يقول: يقول: سبح بحمد ربك أدبار السجود من صلاتك.
[ 232 ]
واختلف أهل التأويل في معنى التسبيح الذي أمر الله نبيه أن يسبحه أدبار السجود، فقال بعضهم: عني به الصلاة، قالوا: وهما الركعتان اللتان يصليان بعد صلاة المغرب. ذكر من قال ذلك: 24776 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: سألت عليا، عن أدبار السجود، فقال: الركعتان بعد المغرب. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن جريج، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن الاجلح، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، في قوله: وأدبار السجود قال: الركعتان بعد المغرب. 24776 م - قال: ثنا ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عاصم بن ضمرة، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. 24777 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا حماد، قال: ثنا علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة، قال: أدبار السجود: ركعتان بعد صلاة المغرب. 24778 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علوان بن أبي مالك، عن الشعبي، قال: أدبار السجود الركعتان بعد المغرب. 24779 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس وإبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. 24780 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم، مثله. 24781 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم في هذه الآية ومن الليل فسبحه وأدبار السجود وإدبار
[ 233 ]
النجوم قال: الركعتان قبل الصبح، والركعتان بعد المغرب، قال شعبة: لا أدري أيتهما أدبار السجود، ولا أدري أيتهما إدبار النجوم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأدبار السجود قال: كان مجاهد يقول: ركعتان بعد المغرب. 24782 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأدبار السجود قال: هما السجدتان بعد صلاة المغرب. 24783 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو فضيل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال لي رسول الله (ص): يا ابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود. حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو زرعة، وهبة الله بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو صخر، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهباء البكري يقول: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أدبار السجود قال: هما ركعتان بعد المغرب. 24784 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية، قال: ثنا جرير، قال: ثنا حمير بن يزيد الرحبي، عن كريب بن يزيد الرحبي قال: وكان جبير بن نفير يمشي إليه، قال: كان إذا صلى الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد المغرب أخف، وفسر إدبار النجوم، وأدبار السجود.
[ 234 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عيسى بن يزيد، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحسن وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. قال: ثنا عنبسة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. قال: ثنا جرير، عن عطاء، قال: قال علي: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب. 24785 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سئل الاوزاعي عن الركعتين بعد المغرب، قال: هما في كتاب الله فسبحه وأدبار السجود. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن الحسن، عن علي رضي الله عنه، في قوله: وأدبار السجود قال: الركعتان بعد المغرب. 24786 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأدبار السجود قال: ركعتان بعد المغرب. وقال آخرون: عنى بقوله وأدبار السجود: التسبيح في أدبار الصلوات المكتوبات، دون الصلاة بعدها. ذكر من قال ذلك: 24787 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس في فسبحه وأدبار السجود قال: هو التسبيح بعد الصلاة. 24788 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأدبار السجود قال: كان ابن عباس يقول: التسبيح. قال ابن عمرو: في حديثه في إثر الصلوات كلها. وقال الحارث في حديثه في دبر الصلاة كلها. وقال آخرون: هي النوافل في أدبار المكتوبات. ذكر من قال ذلك: 24789 - حدثنا بشر، قال: ثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأدبار السجود: النوافل.
[ 235 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: هما الركعتان بعد المغرب، لاجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، ولولا ما ذكرت من إجماعها عليه، لرأيت أن القول في ذلك ما قاله ابن زيد، لان الله جل ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة، بل عم أدبار الصلوات كلها، فقال: وأدبار السجود، ولم تقم بأنه معني به: دبر صلاة دون صلاة، حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل. واختلفت القراء في قراءة قوله: وأدبار السجود فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة، سوى عاصم والكسائي وإدبار السجود بكسر الالف، على أنه مصدر أدبر يدبر إدبارا. وقرأه عاصم والكسائي وأبو عمرو وأدبار بفتح الالف على مذهب جمع دبر وأدبار. والصواب عندي الفتح على جمع دبر. القول في تأويل قوله تعالى: * (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب ئ يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واستمع يا محمد صيحة يوم القيامة، يوم ينادي بها منادينا من موضع قريب. وذكر أنه ينادي بها من صخرة بيت المقدس. ذكر من قال ذلك: 24790 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشر، عن قتادة، عن كعب، قال: واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب قال ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي: أيتها العظام البالية والاوصال المتقطعة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. 24791 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب قال: كنا نحدث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة، وهي أوسط الارض. 24792 - وحدثنا أن كعبا قال: هي أقرب الارض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يوم ينادي المنادي من مكان قريب قال: بلغني أنه ينادي من الصخرة التي في بيت المقدس.
[ 236 ]
24793 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب قال: هي الصيحة. 24794 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثني بعض أصحابنا، عن الاغر، عن مسلم بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه بريدة، قال: ملك قائم على صخرة بيت المقدس، واضع أصبعيه في أذنيه ينادي، قال: قلت: بماذا ينادي ؟ قال: يقول يا أيها الناس هلموا إلى الحساب قال: فيقبلون كما قال الله كأنهم جراد منتشر. وقوله: يوم يسمعون الصيحة بالحق يقول تعالى ذكره: يوم يسمع الخلائق صيحة البعث من القبور بالحق، يعني بالامر بالاجابة لله إلى موقف الحساب. وقوله: ذلك يوم الخروج يقول تعالى ذكره: يوم خروج أهل القبور من قبورهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ئ يوم تشقق الارض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير) *. يقول تعالى ذكره: إنا نحن نحيي الموتى ونميت الاحياء، وإلينا مصير جميعهم يوم القيامة يوم تشقق الارض عنهم سراعا يقول جل ثناؤه وإلينا مصيرهم يوم تشقق الارض، فاليوم من صلة مصير. وقوله: تشقق الارض عنهم يقول: تصدع الارض عنهم. وقوله سراعا ونصبت سراعا على الحال من الهاء والميم في قوله عنهم. والمعنى: يوم تشقق الارض عنهم فيخرجون منها سراعا، فاكتفى بدلالة قوله: يوم تشقق الارض عنهم على ذلك من ذكره. وقوله: ذلك حشر علينا يسير يقول: جمعهم ذلك جمع في موقف الحساب، علينا يسير سهل. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 237 ]
* (نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) *. يقول تعالى ذكره: نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فريتهم على الله، وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قدرة الله على البعث بعد الموت وما أنت عليهم بجبار يقول: وما أنت عليهم بمسلط. كما: 24795 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما أنت عليهم بجبار قال: لا تتجبر عليهم. 24796 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أنت عليهم بجبار فإن الله عز وجل كره الجبرية، ونهى عنها، وقدم فيها. وقال الفراء: وضع الجبار في موضع السلطان من الجبرية وقال: أنشدني المفضل: ويوم الحزن إذ حشدت معدوكان الناس إلا نحن دينا عصينا عزمة الجبار حتى صبحنا الجوف ألفا معلمينا ويروى: الجوف وقال: أراد بالجبار: المنذر لولايته. قال: وقيل: إن معنى قوله: وما أنت عليهم بجبار لم تبعث لتجبرهم على الاسلام، إنما بعثت مذكرا، فذكر. وقال: العرب لا تقول فعال من أفعلت، لا يقولون: هذا خراج، يريدون: مخرج، ولا يقولون: دخال، يريدون: مدخل، إنما يقولون: فعال،
[ 238 ]
من فعلت ويقولون: خراج، من خرجت ودخال: من دخلت وقتال، من قتلت. قال: وقد قالت العرب في حرف واحد: دراك، من أدركت، وهو شاذ. قال: فإن قلت الجبار على هذا المعنى، فهو وجه. قال: وقد سمعت بعض العرب يقول: جبره على الامر، يريد: أجبره، فالجبار من هذه اللغة صحيح، يراد به: يقهرهم ويجبرهم. وقوله: فذكر بالقرآن من يخاف وعيد يقول تعالى ذكره: فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليك من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري. 24797 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا يا رسول الله لو خوفتنا ؟ فنزلت فذكر بالقرآن من يخاف وعيد. 24798 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو ذكرتنا، فذكر مثله. آخر تفسير سورة ق
[ 239 ]
سورة الذاريات (51) سورة الذاريات مكية أو آياتها ستونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (والذاريات ذروا ئ فالحاملات وقرا ئ فالجاريات يسرا ئ فالمقسمات أمرا ئ إنما توعدون لصادق ئ وإن الدين لواقع) *. يقول تعالى ذكره والذاريات ذروا يقول: والرياح التي تذرو التراب ذروا، يقال: ذرت الريح التراب وأذرت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24799 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، قال: قام رجل إلى علي رضي الله عنه، فقال: ما الذاريات ذروا، فقال: هي الريح. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه وقد خرج إلى الرحبة، وعليه بردان، فقالوا: لو أن رجلا سأل وسمع القوم، قال: فقام ابن الكواء، فقال: ما الذاريات ذروا ؟ فقال: هي الرياح. حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي ومحمد بن بشار، قالا: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي، قال: ثنا أبو الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، أخبره، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يخطب الناس، فقام عبد الله بن الكواء، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: والذاريات ذروا قال: هي الرياح.
[ 240 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، قال: سئل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عن الذاريات ذروا، فقال: الريح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن علي والذاريات ذروا قال: الريح. قال: مهران، حدثنا عن سماك، عن خالد بن عرعرة، قال: سألت عليا رضي الله عنه عن والذاريات ذروا فقال: الريح. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، قال: سمعت أبا الطفيل، قال: سمعت عليا رضي الله عنه عنه يقول: لا تسألوني عن كتاب ناطق، ولا سنة ماضية، إلا حدثتكم، فسأله ابن الكواء عن الذاريات، فقال: هي الرياح. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق، عن زائدة، عن عاصم، عن علي بن ربيعة، قال: سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه، فقال: والذاريات ذروا قال: هي الريح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد الله بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكواء لعلي رضي الله عنه: ما الذاريات ذروا ؟ قال: الريح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن أبي صخرة، عن أبي معاوية البجلي، عن أبي الصهباء البكري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: وهو على المنبر لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكواء، وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما الذاريات ذروا ؟ قال علي: الرياح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن رجلا سأل عليا عن الذاريات، فقال: هي الرياح. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال سأل ابن الكواء عليا، فقال: ما الذاريات ذروا ؟ قال: الرياح. 24800 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذاريات ذروا قال: كان ابن عباس يقول: هي الرياح.
[ 241 ]
24801 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والذاريات قال: الرياح. وقوله: فالحاملات وقرا يقول: فالسحاب التي تحمل وقرها من الماء. وقوله: فالجاريات يسرا يقول: فالسفن التي تجري في البحار سهلا يسيرا فالمقسمات أمرا يقول: فالملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24802 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، قال: قام رجل إلى علي رضي الله عنه، فقال: ما الجاريات يسرا ؟ قال: هي السفن قال: فما الحاملات وقرا ؟ قال: هي السحاب قال: فما المقسمات أمرا ؟ قال: هم الملائكة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه. وقيل له: ما الحاملات وقرا ؟ قال: هي السحاب قال: فما الجاريات يسرا ؟ قال: هي السفن قال: فما المقسمات أمرا ؟ قال: هي الملائكة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي بنحوه. حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الله الهلالي ومحمد بن بشار، قالا: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا موسى الزمعي، قال: ثني أبو الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم أخبره، قال: سمعت عليا يخطب الناس، فقام عبد الله بن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: فالحاملات وقرا قال: هي السحاب فالجاريات يسرا قال: هي السفن فالمقسمات أمرا قال: الملائكة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، قال: سمعت أبا الطفيل، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكواء لعلي، فذكر نحوه.
[ 242 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال: شهدت عليا رضي الله عنه، وقام إليه ابن الكواء، فذكر نحوه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن علي بن ربيعة، قال: سأل ابن الكواء عليا، فذكر نحوه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن أبي الصهباء البكري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن رجلا سأل عليا، فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن علي مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، قال: سئل فذكر مثله. 24803 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فالحاملات وقرا قال: السحاب، قوله: فالمقسمات أمرا قال: الملائكة. 24804 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فالحاملات وقرا قال: السحاب تحمل المطر، فالجاريات يسرا قال: السفن فالمقسمات أمرا قال: الملائكة ينزلها بأمره على من يشاء. قوله: أنما توعدون لصادق يقول تعالى ذكره: إن الذي توعدون أيها الناس من قيام الساعة، وبعث الموتى من قبورهم لصادق، يقول: لكائن حق يقين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24805 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 243 ]
إنما توعدون لصادق والمعنى: لصدق، فوضع الاسم مكان المصدر وإن الدين لواقع يقول: وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب، والله مجاز عباده بأعمالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإن الدين لواقع قال: الحساب. 24806 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع وذلك يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإن الدين لواقع قال: يوم يدين الله العباد بأعمالهم. 24807 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإن الدين لواقع قال: لكائن. القول في تأويل قوله تعالى: * (والسماء ذات الحبك ئ إنكم لفي قول مختلف ئ يؤفك عنه من أفك) *. يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخلق الحسن. وعنى بقوله: ذات الحبك: ذات الطرائق، وتكسير كل شئ: حبكه، وهو جمع حباك وحبيكة يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حبك وللرملة إذا مرت بها الريح الساكنة، والماء القائم، والدرع من الحديد لها: حبك ومنه قول الراجز: كأنما جللها الحواك طنفسة في وشيها حباك أذهبها الخفوق والدراك
[ 244 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه. ذكر من قال ذلك: 24808 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: والسماء ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس والسماء ذات الحبك قال: حسنها واستواؤها. 24809 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير والسماء ذات الحبك قال: حبكها: حسنها واستواؤها. 24810 - قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن عمر بن سعيد بن مسروق أخي سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير والسماء ذات الحبك قال: ذات الزينة. 24811 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، قوله: والسماء ذات الحبك قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: والسماء ذات الحبك قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن الهيثم، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: والسماء ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن، حبكت بالنجوم. 24812 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمران بن حدير، قال: سئل عكرمة، عن قوله: والسماء ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن، ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال: ما أحسن ما حبكه.
[ 245 ]
24813 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من أصحاب النبي (ص) عن النبي (ص) قال: إن من ورائكم الكذاب المضل، وإن رأسه من ورائه حبك حبك يعني بالحبك: الجعودة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس والسماء ذات الحبك قال: استواؤها: حسنها. 24814 - قال: ثنا مهران، عن علي بن جعفر، عن الربيع بن أنس والسماء ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن. 24815 - قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة، قال: حبكها نجومها. وكان ابن عباس يقول: الحبك ذات الخلق الحسن. 24816 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والسماء ذات الحبك: أي ذات الخلق الحسن. وكان الحسن يقول: حبكها: نجومها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن. 24817 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: السماء ذات الحبك قال: المتقن البنيان. 24818 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والسماء ذات الحبك يقول: ذات الزينة، ويقال أيضا: حبكها مثل حبك الرمل، ومثل حبك الدرع، ومثل حبك الماء إذا ضربته الريح، فنسجته طرائق. 24819 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 246 ]
ذات الحبك قال: الشدة حبكت شدت. وقرأ قول الله تبارك وتعالى: وبنينا فوقكم سبعا شدادا. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والسماء ذات الحبك قال: ذات الخلق الحسن ويقال: ذات الزينة. وقيل: عنى بذلك السماء السابعة. ذكر من قال ذلك: 24820 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود، قالا: ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن عمرو البكالي، عن عبد الله بن عمرو والسماء ذات الحبك قال: السماء السابعة. حدثني القاسم بن بشير بن معروف، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن عمرو البكالي، هكذا قال القاسم، عن عبد الله بن عمرو نحوه. وقوله: إنكم لفي قول مختلف يقول: إنكم أيها الناس لفي قول مختلف في هذا القرآن، فمن مصدق به ومكذب. كما: 24821 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنكم لفي قول مختلف قال: مصدق بهذا القرآن ومكذب. 24822 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنكم لفي قول مختلف قال: يتخرصون يقولون: هذا سحر، ويقولون: هذا أساطير، فبأي قولهم يؤخذ، قتل الخراصون هذا الرجل، لا بد له من أن يكون فيه أحد هؤلاء، فما لكم لا تأخذون أحد هؤلاء، وقد رميتموه بأقاويل شتى، فبأي هذا القول تأخذون، هذا الرجل الآن فهو قول مختلف. قال: فذكر أنه تخرص منهم ليس لهم بذلك علم قالوا: فما منع هذا القرآن أن ينزل باللسان الذي نزلت به الكتب من قبلك، فقال الله: أعجمي وعربي ؟ لو جعلنا هذا القرآن أعجميا لقلتم نحن عرب وهذا القرآن أأعجمي، فكيف يجتمعان. وقوله: يؤفك عنه من أفك يقول: يصرف عن الايمان بهذا القرآن من صرف، ويدفع عنه من يدفع، فيحرمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 247 ]
24823 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يؤفك عنه من أفك قال ابن عمرو في حديثه: يوفى، أو يؤفن، أو كلمة تشبهها. وقال الحارث: يؤفن، بغير شك. 24824 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن يؤفك عنه من أفك قال: يصرف عنه من صرف. 24825 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يؤفك عنه من أفك فالمأفوك عنه اليوم، يعني كتاب الله. 24826 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يؤفك عنه من أفك قال: يؤفك عنه المشركون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قتل الخراصون ئ الذين هم في غمرة ساهون ئ يسألون أيان يوم الدين ئ يوم هم على النار يفتنون) *. يقول تعالى ذكره: لعن المتكهنون الذين يتخرصون الكذب والباطل فيتظننونه. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله قتل الخراصون فقال بعضهم: عني به المرتابون. ذكر من قال ذلك: 24827 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قتل الخراصون يقول: لعن المرتابون. وقال آخرون في ذلك بالذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 24828 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قتل الخراصون قال: الكهنة.
[ 248 ]
24829 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قتل الخراصون قال: الذين يتخرصون الكذب كقوله في عبس قتل الانسان، وقد حدثني كل واحد منهما بالاسناد الذي ذكرت عنه، عن مجاهد، قوله: قتل الخراصون قال: الذين يقولون: لا نبعث ولا يوقنون. 24830 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قتل الخراصون: أهل الظنون. 24831 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قتل الخراصون قال: القوم الذين كانوا يتخرصون الكذب على رسول الله (ص)، قالت طائفة: إنما هو ساحر، والذي جاء به سحر. وقالت طائفة: إنما هو شاعر، والذي جاء به شعر وقالت طائفة: إنما هو كاهن، والذي جاء به كهانة وقالت طائفة أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا يتخرصون على رسول الله (ص). وقوله: والذين هم في غمرة ساهون يقول تعالى ذكره: الذين هم في غمرة الضلالة وغلبتها عليهم متمادون، وعن الحق الذي بعث الله به محمدا (ص) ساهون، قد لهوا عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه. ذكر من قال ذلك: 24832 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الذين هم في غمرة ساهون يقول: في ضلالتهم يتمادون. 24833 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الذين هم في غمرة ساهون قال: في غفلة لاهون. 24834 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذين هم في غمرة ساهون يقول: في غمرة وشبهة. 24835 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان غمرة ساهون قال: في غفلة.
[ 249 ]
24836 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: في غمرة ساهون قال: ساهون عما أتاهم، وعما نزل عليهم، وعما أمرهم الله تبارك وتعالى، وقرأ قول الله جل ثناؤه بل قلوبهم في غمرة من هذا... الآية، وقال: ألا ترى الشئ إذا أخذته ثم غمرته في الماء. 24837 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في غمرة ساهون: قلبه في كنانة. وقوله: يسألون أيان يوم الدين ؟ يقول تعالى ذكره: يسأل هؤلاء الخراصون الذين وصف صفتهم متى يوم المجازاة والحساب، ويوم يدين الله العباد بأعمالهم. كما: 24838 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أيان يوم الدين قال: الذين كانوا يجحدون أنهم يدانون، أو يبعثون. 24839 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يسألون أيان يوم الدين قال: يقولون: متى يوم الدين، أو يكون يوم الدين. وقوله: يوم هم على النار يفتنون يقول تعالى ذكره: يوم هم على نار جهنم يفتنون. واختلف أهل التأويل في معنى قوله يفتنون في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به أنهم يعذبون بالاحراق بالنار. ذكر من قال ذلك: 24840 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: يوم هم على النار يفتنون يقول: يعذبون. 24841 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون قال: فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به
[ 250 ]
تستعجلون فقالوا حين وقفوا: يا ويلنا هذا يوم الدين، وقال الله تبارك وتعالى هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون. 24842 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: يفتنون قال: كما يفتن الذهب في النار. 24843 - حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، في قوله: يوم هم على النار يفتنون قال: يعذبون في النار يحرقون فيها، ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن. حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن حصين، عن عكرمة يوم هم على النار يفتنون قال: يعذبون. حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد يوم هم على النار يفتنون يقول: ينضجون بالنار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن عكرمة يوم هم على النار يفتنون قال: يحرقون. 24844 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان يوم هم على النار يفتنون يقول: يحرقون. 24845 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في يوم هم على النار يفتنون قال: يطبخون، كما يفتن الذهب بالنار. 24846 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم هم على النار يفتنون قال: يحرقون بالنار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد يوم هم على النار يفتنون قال: يحرقون.
[ 251 ]
وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم يكذبون. ذكر من قال ذلك: 24847 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم هم على النار يفتنون يقول: يطبخون، ويقال أيضا يفتنون يكذبون كل هذا يقال. واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله: يوم هم على النار يفتنون فقال بعض نحويي البصرة: نصبت على الوقت والمعنى في أيان يوم الدين: أي متى يوم الدين، فقيل لهم: في يوم هم على النار يفتنون، لان ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب، وفيه فتنتهم على النار. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما نصبت يوم هم لانك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل، وارتفعا نصب اليوم، وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى فعل أو يفعل أو إذا كان كذلك، ورفعه في موضع الرفع، وخفضه في موضع الخفض يجوز: فلو قيل يوم هم على النار يفتنون فرفع يوم، لكان وجها، ولم يقرأ به أحد من القراء. وقال آخر منهم: إنها نصب يوم هم على النار يفتنون لانه إضافة غير محضة فنصب، والتأويل رفع، ولو رفع لجاز لانك تقول: متى يومك ؟ فتقول: يوم الخميس، ويوم الجمعة، والرفع الوجه، لانه اسم قابل اسما فهذا الوجه. وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله: يوم هم على النار يفتنون قول من قال: يعذبون بالاحراق، لان الفتنة أصلها الاختبار، وإنما يقال: فتنت الذهب بالنار: إذا طبختها بها لتعرف جودتها، فكذلك قوله: يوم هم على النار يفتنون يحرقون بها كما يحرق الذهب بها، وأما النصب في اليوم فلانها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ئ إن المتقين في جنات وعيون ئ آخذين مآ آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) *.
[ 252 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: ذوقوا فتنتكم يقال لهم: ذوقوا فتنتكم وترك يقال لهم لدلالة الكلام عليها. ويعني بقوله: فتنتكم: عذابكم وحريقكم. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 24848 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فتنتكم قال: حريقكم. 24849 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذوقوا فتنتكم: ذوقوا عذابكم هذا الذي كنتم به تستعجلون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ذوقوا فتنتكم يقول: يوم يعذبون، فيقول: ذوقوا عذابكم. 24850 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذوقوا فتنتكم يقول: حريقكم. 24851 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ذوقوا فتنتكم يقول: احتراقكم. 24852 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ذوقوا فتنتكم قال: ذوقوا عذابكم. وقال آخرون: عنى بذلك: ذوقوا تعذيبكم أو كذبكم. ذكر من قال ذلك: 24853 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ذوقوا فتنتكم يقول: تكذيبكم. 24854 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذوقوا فتنتكم يقول: حريقكم، ويقال: كذبكم. وقوله: هذا الذي كنتم به تستعجلون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا العذاب الذي توفونه اليوم، هو العذاب الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا.
[ 253 ]
وقوله: إن المتقين في جنات وعيون يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته، واجتناب معاصيه في الدنيا في بساتين وعيون ماء في الآخرة. وقوله: آخذين ما آتاهم ربهم يقول تعالى ذكره: عاملين ما أمرهم به ربهم مؤدين فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24855 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمر، عن مسلم البطين، عن ابن عباس، في قوله: آخذين ما آتاهم ربهم قال: الفرائض. وقوله: إنهم كانوا قبل ذلك محسنين يقول: إنهم كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين، يقول: كانوا لله قبل ذلك مطيعين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24856 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمر، عن مسلم البطين، عن ابن عباس إنهم كانوا قبل ذلك محسنين قال: قبل الفرائض محسنين يعملون. القول في تأويل قوله تعالى: * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ئ وبالاسحار هم يستغفرون ئ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال بعضهم: معناه كانوا قليلا من الليل لا يهجعون، وقالوا: ما بمعنى الجحد. ذكر من قال ذلك: 24857 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: يتيقظون يصلون ما بين هاتين الصلاتين، ما بين المغرب والعشاء. حدثني زريق بن الشحب، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، بنحوه. 24858 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا أبو داود، قال: ثنا بكير بن أبي السمط، عن قتادة، عن محمد بن علي، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة.
[ 254 ]
24859 - قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قل ليلة أتت عليهم إلا صلوا فيها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال مطرف بن عبد الله في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قل ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها الله. إما من أولها، وإما من وسطها. 24860 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال لم يكن يمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئا. 24861 - قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كانوا يصيبون فيها حظا. 24862 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا حفص بن عاصم، عن أبي العالية، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: لا ينامون بين المغرب والعشاء. 24863 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام ومهران، عن أبي جعفر، عن الربيع كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا يصيبون من الليل حظا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطرف، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. 24864 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كان لهم قليل من الليل ما يهجعون، كانوا يصلونه. 24865 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أبي نجيح، يقول في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا قليلا ما ينامون ليلة حتى الصباح. 24866 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قليل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون.
[ 255 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كانوا قليلا من الليل يهجعون، ووجهوا ما التي في قوله: ما يهجعون إلى أنها صلة. ذكر من قال ذلك: 24867 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قال الحسن: كابدوا قيام الليل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: لا ينامون منه إلا قليلا. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن بعض أصحابنا، عن الحسن، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: لا ينامون من الليل إلا أقله. 24868 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قل ليلة أتت عليهم هجوعا. 24869 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الاحنف بن قيس، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا لا ينامون إلا قليلا. 24870 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا الحكم بن عطية، عن قتادة، قال: قال الاحنف بن قيس، وقرأ هذه الآية كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: لست من أهل هذه الآية. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قيام الليل. 24871 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: نشطوا فمدوا إلى السحر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: مدوا في الصلاة ونشطوا، حتى كان الاستغفار بسحر. قال: ثنا مهران، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن قال: كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلا.
[ 256 ]
24872 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كان الحسن والزهري يقولان: كانوا كثيرا من الليل ما يصلون. وقد يجوز أن تكون ما على هذا التأويل في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام: كانوا قليلا من الليل هجوعهم وأما من جعل ما صلة، فإنه لا موضع لها ويكون تأويل الكلام على مذهبه كانوا يهجعون قليل الليل، وإذا كانت ما صلة كان القليل منصوبا بيهجعون. 24873 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور عن إبراهيم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: ما ينامون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كانوا يصلون العتمة، وعلى هذا التأويل ما في معنى الجحد. ذكر من قال ذلك: 24874 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: قال رجل من أهل مكة: سماه قتادة، قال: صلاة العتمة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كان هؤلاء المحسنون قبل أن تفرض عليهم الفرائض قليلا من الناس، وقالوا الكلام بعد قوله إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا مستأنف بقوله: من الليل ما يهجعون فالواجب أن تكون ما على هذا التأويل بمعنى الجحد. ذكر من قال ذلك: 24875 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون يقول: إن المحسنين كانوا قليلا، ثم ابتدئ فقيل من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون كما قال: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ثم قال: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الزبير، عن الضحاك بن مزاحم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا من الناس قليلا.
[ 257 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الزبير بن عدي، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا قليلا من الناس من يفعل ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الزبير بن عدي، عن الضحاك بن مزاحم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا قليلا من الناس إذ ذاك. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال الله: إن المتقين في جنات وعيون... إلى محسنين كانوا قليلا، يقول: المحسنون كانوا قليلا، هذه مفصولة، ثم استأنف فقال: من الليل ما يهجعون. وأما قوله: يهجعون فإنه يعني: ينامون، والهجوع: النوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24876 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس كانوا قليلا من الليل ما يهجعون يقول: ينامون. 24877 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: ينامون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. 24878 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من الليل ما يهجعون الهجوع: النوم. 24879 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا قليلا ما ينامون من الليل، قال: ذاك الهجع. قال: والعرب تقول: إذا سافرت اهجع بنا قليلا. قال: وقال رجل من بني تميم لابي: يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا، ذكر الله تبارك وتعالى قوما فقال: كانوا قليلا من الليل ما
[ 258 ]
يهجعون ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم قال: فقال أبي طوبى لمن رقد إذا نعس وأتقى الله إذا استيقظ. وأولى الاقوال بالصحة في تأويل قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قول من قال: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، لان الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحا لهم، وأثنى عليهم به، فوصفهم بكثرة العمل، وسهر الليل، ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم أولى وأشبه من وصفهم من قلة العمل، وكثرة النوم، مع أن الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل. وقوله: وبالاسحار هم يستغفرون اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وبالاسحار يصلون. ذكر من قال ذلك: 24880 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وبالاسحار هم يستغفرون يقول: يقومون فيصلون، يقول: كانوا يقومون وينامون، كما قال الله لمحمد (ص): إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه فهذا نوم، وهذا قيام وطائفة من الذين معك كذلك يقومون ثلثا ونصفا وثلثين: يقول: ينامون ويقومون. 24881 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، قوله: وبالاسحار هم يستغفرون قال: يصلون. 24882 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وبالاسحار هم يستغفرون قال: يصلون. وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر. ذكر من قال ذلك: 24883 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: مدوا في الصلاة ونشطوا، حتى كان الاستغفار بسحر. 24884 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 259 ]
وبالاسحار هم يستغفرون قال: هم المؤمنون، قال: وبلغنا أن نبي الله (ص) يعقوب حين سألوه أن يستغفر لهم قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا قال سوف أستغفر لكم ربي قال: قال بعض أهل العلم: إنه أخر الاستغفار إلى السحر. قال: وذكر بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة: السحر. 24885 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: السحر: هو السدس الاخير من الليل. وقوله: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم يقول تعالى ذكره: وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حق لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم. وبنحو الذي قلنا في معنى السائل، قال أهل التأويل، وهم في معنى المحروم مختلفون، فمن قائل: هو المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم. ذكر من قال ذلك: 24886 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس سألته عن السائل والمحروم، قال: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي ليس له في الاسلام سهم وهو محارف. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم قال: المحروم: المحارف. حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: السائل: السائل. والمحروم: المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم. حدثنا سهل بن موسى، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم.
[ 260 ]
حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس في هذه الآية للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، بنحوه. 24887 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول: الله تبارك وتعالى: المحروم، قال: المحارف. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 24888 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والمحروم: هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب، قضى الله له ذلك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، قال: سألت ابن عباس عن قوله: للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارف الذي ليس له في الاسلام سهم. 24889 - حدثني محمد بن عمرو المقدمي، قال: ثنا قريش بن أنس، عن سليمان، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: المحروم: المحارف. 24890 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، قال في المحروم: هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه، أو يعطيه شيئا. 24891 - حدثني ابن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبي (ص): هذا المحروم. 24892 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: المحروم: المحارف.
[ 261 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارف. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: المحروم: هو المحارف. 24893 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن المحروم، فلم يقل فيه شيئا، فقال عطاء: هو المحدود المحارف. ومن قائل: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا. ذكر من قال ذلك: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الاشج، عن سعيد بن المسيب، أنه سئل عن المحروم فقال: المحارف. 24894 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم هذان فقيرا أهل الاسلام، سائل يسأل في كفه، وفقير متعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم. 24895 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري للسائل والمحروم قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المتعفف الذي لا يسأل. 24896 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر، وحدثني الزهري، أن النبي (ص) قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان والاكلة والاكلتان، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يجد غنى، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذلك المحروم. 24897 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة،
[ 262 ]
في قوله: للسائل والمحروم قال: السائل الذي يسأل بكفه، والمحروم: المتعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم. وقائل: هو الذي لا سهم له في الغنيمة. ذكر من قال ذلك: 24898 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، إن رسول الله (ص) بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم يشهدون الغنيمة، فنزلت هذه الآية: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد، قال: بعثت سرية فغنموا، ثم جاء قوم من بعدهم، قال: فنزلت للسائل والمحروم. 24899 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن أناسا قدموا على علي رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل، فقال: اقسموا لهم، قال: هذا المحروم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد أن قوما في زمان النبي (ص) أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت وفي أموالهم حق للسائل والمحروم. 24900 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم: الذي لا فئ له في الاسلام، وهو محارف من الناس. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قوله: للسائل والمحروم قال: المحروم: الذي لا يجري عليه شئ من الفئ، وهو محارف من الناس. وقائل: هو الذي لا ينمى له مال. ذكر من قال ذلك: 24901 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، قال: سألت عكرمة، عن السائل والمحروم ؟ قال: السائل: الذي يسألك، والمحروم: الذي لا ينمى له مال. وقائل: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه. ذكر من قال ذلك: 24902 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 263 ]
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم قال: المحروم: المصاب ثمره وزرعه، وقرأ أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه حتى بلغ بل نحن محرومون وقال أصحاب الجنة: إنا لضالون بل نحن محرومون. 24903 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في قوله: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم قال: ليس ذلك بالزكاة، ولكن ذلك مما ينفقون من أموالهم بعد إخراج الزكاة، والمحروم: الذي يصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته، فيكون له حق على من لم يصبه ذلك من المسلمين، كما قال لاصحاب الجنة حين أهلك جنتهم قالوا بل نحن محرومون وقال أيضا: لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون. وكان الشعبي يقول في ذلك ما. 24904 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: قال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم. والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعم، كما قال جل ثناؤه: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفي الارض آيات للموقنين ئ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ئ وفي السماء رزقكم وما توعدون) *. يقول تعالى ذكره: وفي الارض عبر وعظات لاهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 264 ]
24905 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وفي الارض آيات للموقنين قال: يقول: معتبر لمن اعتبر. 24906 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفي الارض آيات للموقنين إذا سار في أرض الله رأى عبرا وآيات عظاما. وقوله: وفي أنفسكم أفلا تبصرون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عبرة لكم، ودليل لكم على ربكم، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم. ذكر من قال ذلك: 24907 - حدثنا أحمد بن عبد الصمد الانصاري، قال: ثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، عن ابن المرتفع، قال: سمعت ابن الزبير يقول: وفي أنفسكم أفلا تبصرون قال: سبيل الغائط والبول. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير وفي أنفسكم أفلا تبصرون قال: سبيل الخلاء والبول. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته. ذكر من قال ذلك: 24908 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وقرأ قول الله تبارك وتعالى ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون قال: وفينا آيات كثيرة، هذا السمع والبصر واللسان والقلب، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر، وهذا الكلام الذي يتلجلج به، وهذا القلب أي شئ هو، إنما هو مضغة في جوفه، يجعل الله فيه العقل، أفيدري أحد ما ذاك العقل، وما صفته، وكيف هو ؟. والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعبر تدلكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شئ يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم أفلا تبصرون يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم.
[ 265 ]
وقوله: وفي السماء رزقكم يقول تعالى ذكره: وفي السماء: المطر والثلج اللذان بهما تخرج الارض رزقكم، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24909 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: وفي السماء رزقكم قال: المطر. 24910 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: وفي السماء رزقكم وما توعدون قال: الثلج، وكل عين ذائبة من الثلج لا تنقص. 24911 - حدثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن الحسن، قال: في السحاب فيه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وأعمالكم. 24912 - قال: أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، قال: أحسبه أو غيره أن رسول الله (ص) سمع رجلا ومطروا، يقول: ومطرنا ببعض عثانين الاسد، فقال: كذبت، بل هو رزق الله. 24913 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد وفي السماء رزقكم وما توعدون قال: رزقكم المطر. 24914 - قال: ثنا مهران، عن سفيان وفي السماء رزقكم قال: رزقكم المطر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن عند الله الذي في السماء رزقكم، وممن تأوله كذلك واصل الاحدب. 24915 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة من أهل الرأي، عن سفيان الثوري، قال: قرأ واصل الاحدب هذه الآية وفي السماء رزقكم وما توعدون فقال: ألا
[ 266 ]
إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الارض، فدخل خربة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا، فلما كان اليوم الثالث إذا هو دوخلة رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، فدخل معه، فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما. واختلف أهل التأويل في تأويل، قوله: وما توعدون فقال بعضهم: معنى ذلك: وما توعدون من خير، أو شر. ذكر من قال ذلك: 24916 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد وما توعدون قال: وما توعدون من خير أو شر. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وفي السماء رزقكم وما توعدون يقول: الجنة في السماء، وما توعدون من خير أو شر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما توعدون من الجنة والنار. ذكر من قال ذلك: 24917 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: وما توعدون قال: الجنة والنار. 24918 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وما توعدون من الجنة. وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي، القول الذي قاله مجاهد، لان الله عم الخبر بقوله: وما توعدون عن كل ما وعدنا من خير أو شر، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمه الله جل ثناؤه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فورب السماء والارض إنه لحق مثل مآ أنكم تنطقون) *. يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فورب السماء والارض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحق، كما حق أنكم تنطقون. وقد: 24919 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله: فورب السماء والارض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون قال: بلغني أن
[ 267 ]
رسول الله (ص) قال: قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه وقال الفراء: للجمع بين ما وإن في هذا الموضع وجهان: أحدهما: أن يكون ذلك نظير جمع العرب بين الشيئين من الاسماء والادوات، كقول الشاعر في الاسماء: من النفر اللائي الذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزئ من الآخر وكقول الآخر في الادوات: ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالي أينق جرب
[ 268 ]
فجمع بين ما وبين إن، وهما جحدان يجزئ أحدهما من الآخر. وأما الآخر: فهو لو أن ذلك أفرد بما، لكان خبرا عن أنه حق لا كذب، وليس ذلك المعني به. وإنما أريد به: إنه لحق كما حق أن الآدمي ناطق. ألا ترى أن قولك: أحق منطقك، معناه: أحق هو أم كذب، وأن قولك أحق أنك تنطق معناه للاستثبات لا لغيره، فأدخلت أن ليفرق بها بين المعنيين، قال: فهذا أعجب الوجهين إلي. واختلفت القراء في قراءة قوله: مثل ما أنكم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة مثل ما نصبا بمعنى: إنه لحق حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر. وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم، فتقول: مثل من عبد الله، وعبد الله مثلك، وأنت مثله، ومثله رفعا ونصبا. وقد يجوز أن يكون نصبها على مذهب المصدر، إنه لحق كنطقكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة، وبعض أهل البصرة رفعا مثل ما أنكم على وجه النعت للحق. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ئ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ئ فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، يخبره أنه محل بمن تمادى في غيه، وأصر على كفره، فلم يتب منه من كفار قومه، ما أحل بمن قبلهم من الامم الخالية، ومذكرا قومه من قريش بإخباره إياهم أخبارهم وقصصهم، وما فعل بهم، هل أتاك يا محمد حديث ضيف إبراهيم خليل الرحمن المكرمين. يعني بقوله: المكرمين أن إبراهيم عليه السلام وسارة خدماهم بأنفسهما. وقيل: إنما قيل المكرمين كما: 24920 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 269 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ضيف إبراهيم المكرمين قال: أكرمهم إبراهيم، وأمر أهله لهم بالعجل حينئذ. وقوله: إذ دخلوا عليه يقول: حين دخل ضيف إبراهيم عليه، فقالوا له سلاما: أي أسلموا إسلاما، قال سلام. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، قال: سلام بالالف بمعنى قال: إبراهيم لهم سلام عليكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة سلم بغير ألف، بمعنى، قال: أنتم سلم. وقوله: قوم منكرون يقول: قوم لا نعرفكم، ورفع قوم منكرون باضمار أنتم. وقوله: فراغ إلى أهله يقول: عدل إلى أهله ورجع. وكان الفراء يقول: الروغ وإن كان على هذا المعنى فإنه لا ينطق به حتى يكون صاحبه مخفيا ذهابه أو مجيئه، وقال: ألا ترى أنك تقول قد راغ أهل مكة وأنت تريد رجعوا أو صدروا، فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فيه راغ ويروغ. وقوله: فجاء بعجل سمين يقول: فجاء ضيفه بعجل سمين قد أنضجه شيا. 24921 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين قال: كان عامة مال نبي الله إبراهيم عليه السلام البقر. القول في تأويل قوله تعالى: * (فقربه إليهم قال ألا تأكلون ئ فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ئ فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) *. وقوله: فقربه إليهم قال ألا تأكلون ؟ وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه وهو فقربه إليهم، فأمسكوا عن أكله، فقال: ألا تأكلون ؟ فأوجس منهم، يقول: فأوجس في نفسه إبراهيم من ضيفه خيفة وأضمرها قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم يعني: بإسحاق، وقال: عليم بمعنى عالم إذا كبر، وذكر الفراء أن بعض المشيخة كان يقول: إذا كان للعلم منتظرا قيل: إنه لعالم عن قليل وغاية، وفي السيد سائد، والكريم كارم. قال: والذي قال حسن. قال: وهذا أيضا كلام عربي حسن قد قاله الله في عليم وحكيم وميت. وروي عن مجاهد في قوله: بغلام عليم ما:
[ 270 ]
24922 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بغلام عليم قال: إسماعيل. وإنما قلت: عنى به إسحاق، لان البشارة كانت بالولد من سارة، وإسماعيل لهاجر لا لسارة. قوله: فأقبلت امرأته في صرة يعني: سارة، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع، ولا تحول من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى: أخذ في شتمي. وقوله: في صرة يعني: في صيحة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24923 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: في صرة يقول: في صيحة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها يعني بالصرة: الصيحة. 24924 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في صرة قال: صيحة. 24925 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأقبلت امرأته في صرة: أي أقبلت في رنة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: صرة قال: أقبلت ترن. 24926 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي، عن ابن سابط، قوله: فأقبلت امرأته في صرة قال: في صيحة.
[ 271 ]
24927 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأقبلت امرأته في صرة قال: الصرة: الصيحة. 24927 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال سمعت الضحاك يقول في قوله: في صرة يعني: صيحة. وقد قال بعضهم: إن تلك الصيحة أوه مقصورة الالف. وقوله: فصكت وجهها اختلف أهل التأويل في معنى صكها، والموضع الذي ضربته من وجهها، فقال بعضهم: معنى صكها وجهها: لطمها إياه. ذكر من قال ذلك: 24929 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فصكت وجهها يقول: لطمت. وقال آخرون: بل ضربت بيدها جبهتها تعجبا. ذكر من قال ذلك: 24930 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما بشر جبريل سارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ضربت جبهتها عجبا، فذلك قوله: فصكت وجهها. 24931 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فصكت وجهها قال: جبهتها. 24932 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي، عن ابن سابط، قوله: فصكت وجهها قال: قالت هكذا وضرب سفيان بيده على جبهته. 24933 - قال: ثنا مهران عن سفيان فصكت وجهها وضعت يدها على جبهتها تعجبا، والصك عند العرب: هو الضرب. وقد قيل: إن صكها وجهها، أن جمعت أصابعها، فضربت بها جبهتها وقالت عجوز عقيم يقول: وقالت: أتلد وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم، وعنى بالعقيم: التي لا تلد. ذكر من قال ذلك: عن السدي، قال: لما بشر جبريل سارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ضربت جبهتها عجبا، فذلك قوله: فصكت وجهها. 24931 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فصكت وجهها قال: جبهتها. 24932 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي، عن ابن سابط، قوله: فصكت وجهها قال: قالت هكذا وضرب سفيان بيده على جبهته. 24933 - قال: ثنا مهران عن سفيان فصكت وجهها وضعت يدها على جبهتها تعجبا، والصك عند العرب: هو الضرب. وقد قيل: إن صكها وجهها، أن جمعت أصابعها، فضربت بها جبهتها وقالت عجوز عقيم يقول: وقالت: أتلد وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم، وعنى بالعقيم: التي لا تلد. ذكر من قال ذلك: 24934 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان، أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن مشاش، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عجوز عقيم قال: لا تلد.
[ 272 ]
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا رجل من أهل خراسان من الازد، يكنى أبا ساسان، قال: سألت الضحاك، عن قوله: عقيم قال: التي ليس لها ولد. تم الجزء السادس والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري ويليه الجرء السابع والعشرون أوله: القول في تأويل قوله تعالى (قالوا كذلك)