جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 25

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدفي جميل العطار الجزء الخامس والعشرون دار الفكر للي باعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
ابسم الله الرحمن الرحيم لقول في تأويل قوله تعالى: إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد. يقول تعالى ذكره: إلى الله يرد العالمون به علم الساعة، فإنه لا يعلم ما قيامها غيره وما تخرج من ثمرات من أكمامها يقول: وما تظهر من ثمرة شجرة من أكمامها التي هي متغيبة فيها، فتخرج منها بارزة وما تحمل من أنثى يقول: وما تحمل من أنثى من حمل حين تحمله، ولا تضع ولدها إلا بعلم من الله، لا يخفى عليه شئ من ذلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وما تخرج من ثمرات من أكمامها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23620 - حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: من أكمامها قال: حين تطلع. 23621 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وما تخرج من ثمرة من أكمامها قال: من طلعها والاكمام جمع كمة، وهو كل ظرف لماء أو غيره، والعرب تدعو قشر الكفراة كما. واختلفت القراء في قراءة قوله: من ثمرة فقرأت ذلك قراء المدينة: من ثمرات على الجماع، وقرأت قراء الكوفة من ثمرة على لفظ الواحدة، وبأي القراءتين قرئ ذلك فهو عندنا صواب لتقارب معنييهما مع شهرتهما في القراءة.
[ 4 ]
وقوله: ويوم يناديهم أين شركائي يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين به في الدنيا الاوثان والاصنام: أين شركائي الذين كنتم تشركونهم في عبادتكم إياي ؟ قالوا آذناك يقول: أعلمناك ما منا من شهيد يقول: قال هؤلاء المشركون لربهم يومئذ: ما منا من شهيد يشهد أن لك شريكا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23622 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: آذناك يقول: أعلمناك. 23623 - حدثني محمد، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: آذناك ما منا من شهيد قالوا: أطعناك ما منا من شهيد على أن لك شريكا. القول في تأويل قوله تعالى: وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص ئ لا يسأم الانسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط يقول تعالى ذكره: وضل عن هؤلاء المشركين يوم القيامة آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا، فأخذ بها طريق غير طريقهم، فلم تنفعهم، ولم تدفع عنهم شيئا من عذاب الله الذي حل بهم. وقوله: وظنوا ما لهم من محيص يقول: وأيقنوا حينئذ ما لهم من ملجأ: أي ليس لهم ملجأ يلجأون إليه من عذاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23624 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وظنوا ما لهم من محيص: استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ. واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أبطل عمل الظن في هذا الموضع، فقال بعض أهل البصرة: فعل ذلك، لان معنى قوله: وظنوا: استيقنوا. قال: وما ههنا حرف وليس باسم، والفعل لا يعمل في مثل هذا، فلذلك جعل الفعل ملغى. وقال
[ 5 ]
بعضهم: ليس يلغى الفعل وهو عامل في المعنى إلا لعلة. قال: والعلة أنه حكاية، فإذا وقع على ما لم يعمل فيه كان حكاية وتمنيا، وإذا عمل فهو على أصله. وقوله: لا يسأم الانسان من دعاء الخير يقول تعالى ذكره: لا يمل الكافر بالله من دعاء الخير، يعني من دعائه بالخير، ومسألته إياه ربه. والخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم، يقول: لا يمل من طلب ذلك وإن مسه الشر يقول: وإن ناله ضر في نفسه من سقم أو جهد في معيشته، أو احتباس من رزقه فيئوس قنوط يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23625 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي لا يسأم الانسان من دعاء الخير يقول: الكافر وإن مسه الشر فيؤس قنوط: قانط من الخير. 23626 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يسأم الانسان قال: لا يمل. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: لا يسأم الانسان من دعاء بالخير. القول في تأويل قوله تعالى: ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ يقول تعالى ذكره: ولئن نحن كشفنا عن هذا الكافر ما أصابه من سقم في نفسه وضر، وشدة في معيشته وجهد، رحمة منا، فوهبنا له العافية في نفسه بعد السقم، ورزقناه مالا، فوسعنا عليه في معيشته من بعد الجهد والضر ليقولن هذا لي عند الله، لان الله راض عني برضاه عملي، وما أنا عليه مقيم، كما: 23627 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ليقولن هذا لي: أي بعملي، وأنا محقوق بهذا وما أظن الساعة قائمة يقول: وما أحسب
[ 6 ]
القيامة قائمة يوم تقوم ولئن رجعت إلى ربي يقول: وإن قامت أيضا القيامة، ورددت إلى الله حيا بعد مماتي إن لي عنده للحسنى يقول: إن لي عنده غنى ومالا. كما: 23628 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: إن لي عنده للحسنى يقول: غنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا يقول تعالى ذكره: فلنخبرن هؤلاء الكفار بالله، المتمنين عليه الاباطيل يوم يرجعون إليه بما عملوا في الدنيا من المعاصي، واجترحوا من السيئات، ثم لنجازين جميعهم على ذلك جزاءهم ولنذيقنهم من عذاب غليظ وذلك العذاب الغليظ تخليدهم في نار جهنم، لا يموتون فيها ولا يحيون. القول في تأويل قوله تعالى: وإذآ أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض يقول تعالى ذكره: وإذا نحن أنعمنا على الكافر، فكشفنا ما به من ضر، ورزقناه غنى وسعة، ووهبنا له صحة جسم وعافية، أعرض عما دعوناه إليه من طاعته، وصد عنه ونأى بجانبه يقول: وبعد من إجابتنا إلى ما دعوناه إليه، ويعني بجانبه بناحيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23629 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: أعرض ونأى بجانبه يقول: أعرض: صد بوجهه، ونأى بجانبه: يقول: تباعد. وقوله: وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض يعني بالعريض: الكثير. كما: 23630 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فذو دعاء عريض يقول: كثير، وذلك قول الناس: أطال فلان الدعاء: إذا أكثر، وكذلك أعرض دعاءه.
[ 7 ]
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) قل يا محمد للمكذبين بما جئتهم به من عند ربك من هذا القرآن أرأيتم أيها القوم إن كان هذا الذي تكذبون به من عند الله ثم كفرتم به ألستم في فراق للحق وبعد من الصواب، فجعل مكان التفريق الخبر، فقال: من أضل ممن هو في شقاق بعيد إذا كان مفهوما معناه. وقوله: من أضل ممن هو في شقاق بعيد يقول: قل لهم من أشد ذهابا عن قصد السبيل، وأسلك لغير طريق الصواب، ممن هو في فراق لامر الله وخوف له، بعيد من الرشاد. القول في تأويل قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد يقول تعالى ذكره: سنري هؤلاء المكذبين، ما أنزلنا على محمد عبدنا من الذكر، آياتنا في الآفاق. واختلف أهل التأويل في معنى الآيات التي وعد الله هؤلاء القوم أن يريهم، فقال بعضهم: عنى بالآيات في الآفاق وقائع النبي (ص) بنواحي بلد المشركين من أهل مكة وأطرافها، وبقوله: وفي أنفسهم فتح مكة. ذكر من قال ذلك: 23631 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أبي قيس، عن المنهال، في قوله: سنريهم آياتنا في الآفاق قال: ظهور محمد (ص) على الناس. 23632 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي سنريهم آياتنا في الآفاق يقول: ما نفتح لك يا محمد من الآفاق وفي أنفسهم في أهل مكة، يقول: نفتح لك مكة.
[ 8 ]
وقال آخرون: بل عنى بذلك أن يريهم نجوم الليل وقمره، وشمس النهار، وذلك ما وعدهم أنه يريهم في الآفاق. وقالوا: عنى بالآفاق: آفاق السماء، وبقوله: وفي أنفسهم سبيل الغائط والبول. ذكر من قال ذلك: 23633 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم قال: آفاق السموات: نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين، وآيات في أنفسهم أيضا. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الاول، وهو ما قاله السدي، وذلك أن الله عز وجل وعد نبيه (ص) أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آيات في الآفاق، وغير معقول أن يكون تهددهم بأن يريهم ما هم راؤوه، بل الواجب أن يكون ذلك وعدا منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه قبل من ظهور نبي الله (ص) على أطراف بلدهم وعلى بلدهم، فأما النجوم والشمس والقمر، فقد كانوا يرونها كثيرا قبل وبعد ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك. وقوله: حتى يتبين لهم أنه الحق يقول جل ثناؤه: أرى هؤلاء المشركين وقائعنا بأطرافهم وبهم حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا إلى محمد، وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو ما بعثناه به من الدين على الاديان كلها، ولو كره المشركون. وقوله: أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد يقول تعالى ذكره: أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على كل شئ مما يفعله خلقه، لا يعزب عنه علم شئ منه، وهو مجازيهم على أعمالهم، المحسن بالاحسان، والمسئ جزاءه. وفي قوله: أنه وجهان: أحدهما: أن يكون في موضع خفض على وجه تكرير الباء، فيكون معنى الكلام حينئذ: أو لم يكف بربك بأنه على كل شئ شهيد ؟ والآخر: أن يكون في موضع رفع رفعا، بقوله: يكف، فيكون معنى الكلام: أو لم يكف بربك شهادته على كل شئ.
[ 9 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط يقول تعالى ذكره: ألا إن هؤلاء المكذبين بآيات الله في شك من لقاء ربهم، يعني أنهم في شك من البعث بعد الممات، ومعادهم إلى ربهم، كما: 23634 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم يقول: في شك. وقوله: ألا إنه بكل شئ محيط يقول تعالى ذكره: ألا أن الله بكل شئ مما خلق محيط علما بجميعه، وقدرة عليه، لا يعزب عنه علم شئ منه أراده فيفوته، ولكن المقتدر عليه العالم بمكانه. آخر تفسير سورة حم السجدة، والحمد لله وحده
[ 10 ]
سورة الشورى (42) سورة الشورى مكية وآياتها ثلاث وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: حم ئ عسق ئ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معاني حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل ما افتتح بها من سور القرآن، وبينا الصواب من قولهم في ذلك عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع، إذ كانت هذه الحروف نظيرة الماضية منها. وقد ذكرنا عن حذيفة في معنى هذه خاصة قولا، وهو ما: 23635 - حدثنا به أحمد بن زهير، قال: ثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي، عن أرطاة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال له وعنده حذيفة بن اليمان، أخبرني عن تفسير قول الله: حم عسق، قال: فأطرق ثم أعرض عنه، ثم كرر مقالته فأعرض فلم يجبه بشئ وكره مقالته، ثم كررها الثالثة فلم يجبه شيئا، فقال له حذيفة: أنا أنبئك بها، قد عرفت بم كرهها نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الاله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق، تبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقا، فإذا أذن الله في زوال ملكهم، وانقطاع دولتهم ومدتهم، بعث الله على إحداهما نارا ليلا، فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت، كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة، كيف أفلتت، فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا، فذلك قوله: حم. عسق يعني: عزيمة من الله وفتنة وقضاء حم، عين: يعني عدلا منه، سين: يعني سيكون، وقاف: يعني واقع بهاتين المدينتين.
[ 11 ]
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه حم. سق بغير عين، ويقول: إن السين: عمر كل فرقة كائنة وإن القاف: كل جماعة كائنة ويقول: إن عليا إنما كان يعلم العين بها. وذكر أن ذلك في مصحف عبد الله على مثل الذي ذكر عن ابن عباس من قراءته من غير عين. وقوله: كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: هكذا يوحي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه. وقيل: إن حم عين سين ق أوحيت إلى كل نبي بعث، كما أوحيت إلى نبينا (ص)، ولذلك قيل: كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: له ما في السماوات وما في الارض وهو العلي العظيم ئ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض ألا إن الله هو الغفور الرحيم يقول تعالى ذكره: لله ملك ما في السموات وما في الارض من الاشياء كلها وهو العلي يقول: وهو ذو علو وارتفاع على كل شئ، والاشياء كلها دونه، لانهم في سلطانه، جارية عليهم قدرته، ماضية فيهم مشيئته العظيم الذي له العظمة والكبرياء والجبرية. وقوله: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن يقول تعالى ذكره: تكاد السموات يتشققن من فوق الارضين، من عظمة الرحمن وجلاله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23636 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى. 23637 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن: أي من عظمة الله وجلاله.
[ 12 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 23638 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي تكاد السموات يتفطرن قال: يتشققن في قوله: منفطر به قال: منشق به. 23639 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يتفطرن من فوقهن يقول: يتصدعن من عظمة الله. 23640 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسين بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا ؟ فقال له الناس: دق الله تعالى، أفتسأل عن هذا ؟ فقال كعب: دعوه، فإن يك عالما ازداد، وإن يك جاهلا تعلم. سألت أين ربنا، وهو على العرش العظيم متكئ، واضع إحدى رجليه على الاخرى، ومسافة هذه الارض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الارض إلى الارض مسيرة خمسمائة سنة، وكثافتها خمسمائة سنة، حتى تم سبع أرضين، ثم من الارض إلى السماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثافتها خمسمائة سنة، والله على العرش متكئ، ثم تفطر السموات. ثم قال كعب: اقرأوا إن شئتم تكاد السموات يتفطرن من فوقهن... الآية. وقوله: والملائكة يسبحون بحمد ربهم يقول تعالى ذكره: والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته، كما: 23641 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والملائكة يسبحون بحمد ربهم قال: الملائكة يسبحون له من عظمته. وقوله: ويستغفرون لمن في الارض يقول: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الارض من أهل الايمان به، كما: 23642 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ويستغفرون لمن في الارض قال: للمؤمنين. يقول الله عز وجل: ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.
[ 13 ]
القول في تأويل قوله تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) والذين اتخذوا يا محمد من مشركي قومك من دونه الله آلهة يتولونها ويعبدونها الله حفيظ عليهم يحصى عليهم أفعالهم، ويحفظ أعمالهم، ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم وما أنت عليهم بوكيل يقول: ولست أنت يا محمد بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم، وإنما أنت منذر، فبلغهم ما أرسلت به إليهم، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير يقول تعالى ذكره: وهكذا أوحينا إليك يا محمد قرآنا عربيا بلسان العرب، لان الذين أرسلتك إليهم قوم عرب، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره، لانا لا نرسل رسولا إلا بلسان قومه، ليبين لهم لتنذر أم القرى وهي مكة ومن حولها يقول: ومن حول أم القرى من سائر الناس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23643 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: لتنذر أم القرى قال: مكة. وقوله: وتنذر يوم الجمع يقول عز وجل: وتنذر عقاب الله في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض. وقيل: وتنذر يوم الجمع، والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع، كما قيل: يخوف أولياءه، والمعنى: يخوفكم أولياءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23644 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وتنذر يوم الجمع قال: يوم القيامة. وقوله: لا ريب فيه يقول: لا شك فيه.
[ 14 ]
وقوله: فريق في الجنة وفريق في السعير يقول: منهم فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله (ص) وفريق في السعير يقول: ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على أهلها، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله. وقد: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل المعافري، عن شفي الاصبحي، عن رجل من أصحاب رسول الله (ص)، قال: خرج علينا رسول الله (ص) وفي يده كتابان، فقال: هل تدرون ما هذا ؟ فقلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل، على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، وهذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد ولا ينقص منهم أبدا، قال أصحاب رسول الله (ص): ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله (ص): بل سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وإن عمل أي عمل، وصاحب النار يختم له بعمل النار وإن عمل أي عمل، فرغ ربكم من العباد ثم قال رسول الله (ص) بيديه فنبذهما: فرغ ربكم من الخلق، فريق في الجنة، وفريق في السعير قالوا: سبحان الله، فلم نعمل وننصب ؟ فقال رسول الله (ص): العمل إلى خواتمه. 23645 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث وحيوة بن شريح، عن يحيى بن أبي أسيد، أن أبا فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن الله تعالى ذكره لما خلق آدم نفضه نفض المزود، فأخرج منه كل ذرية، فخرج أمثال النغف، فقبضهم قبضتين، ثم قال: شقي وسعيد، ثم ألقاهما، ثم قبضهما فقال: فريق في الجنة وفريق في السعير. 23646 - قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبي شبويه، حدثه عن ابن حجيرة أنه
[ 15 ]
بلغه أن موسى قال: يا رب خلقك الذين خلقتهم، جعلت منهم فريقا في الجنة وفريقا في السعير، لوما أدخلتهم كلهم الجنة قال: يا موسى ارفع زرعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئا، قال: يا رب قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه. وقيل: فريق في الجنة وفريق في السعير فرفع، وقد تقدم الكلام قبل ذلك بقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها بالنصب، لانه أريد به الابتداء، كما يقال: رأيت العسكر مقتول أو منهزم، بمعنى: منهم مقتول، ومنهم منهزم. القول في تأويل قوله تعالى: ولو شآء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشآء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير يقول تعالى ذكره: ولو أراد الله أن يجمع خلقه على هدى، ويجعلهم على ملة واحدة لفعل، ولجعلهم أمة واحدة يقول: أهل ملة واحدة، وجماعة مجتمعة على دين واحد ولكن يدخل من يشاء في رحمته يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة، ولكن يدخل من يشاء، من عباده في رحمته، يعني أنه يدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه، الذي ابتعث به نبيه محمدا (ص) والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير يقول: والكافرون بالله ما لهم من ولي يتولاهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم، فينقذهم من عذابه، ويقتص لهم ممن عاقبهم، وإنما قيل هذا لرسول الله (ص) تسلية له عما كان يناله من الهم بتولية قومه عنه، وأمرا له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحق، وإعلاما له أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحق من شاء، والمضل من أراد دونه، ودون كل أحد سواه. القول في تأويل قوله تعالى: أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ
[ 16 ]
قدير ئ وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله أولياء من دون الله يتولونهم فالله هو الولي يقول: فالله هو ولي أوليائه، وإياه فليتخذوا وليا لا الآلهة والاوثان، ولا ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، وهو يحي الموتى يقول: والله يحيى الموتى من بعد مماتهم، فيحشرهم يوم القيامة وهو على كل شئ قدير يقول: والله القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك، إنه ذو قدرة على كل شئ. وقوله: وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله يقول تعالى ذكره: وما اختلفتم أيها الناس فيه من شئ فتنازعتم بينكم، فحكمه إلى الله. يقول: فإن الله هو الذي يقضي بينكم ويفصل فيه الحكم. كما. 23647 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله قال ابن عمرو في حديثه: فهو يحكم فيه، وقال الحارث: فالله يحكم فيه. وقوله: ذلكم الله ربي عليه توكلت يقول لنبيه (ص): قل لهؤلاء المشركين بالله هذا الذي هذه الصفات صفاته ربي، لا آلهتكم التي تدعون من دونه، التي لا تقدر على شئ عليه توكلت في أموري، وإليه فوضت أسبابي، وبه وثقت وإليه أنيب يقول: وإليه أرجع في أموري وأتوب من ذنوبي. القول في تأويل قوله تعالى: فاطر السماوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير يقول تعالى ذكره: فاطر السموات والارض، خالق السموات السبع والارض. كما:
[ 17 ]
23648 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: فاطر السموات والارض قال: خالق. وقوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجا يقول تعالى ذكره: زوجكم ربكم من أنفسكم أزواجا. وإنما قال جل ثناؤه: من أنفسكم لانه خلق حواء من ضلع آدم، فهو من الرجال. ومن الانعام أزواجا يقول جل ثناؤه: وجعل لكم من الانعام أزواجا من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الابل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكورا وإناثا، ومن كل جنس من ذلك يذرؤكم فيه: يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الانعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: يذرؤكم فيه في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه. ذكر من قال ذلك: 23649 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يذرؤكم فيه قال: نسل بعد نسل من الناس والانعام. 23650 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: يذرؤكم قال: يخلقكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: يذرؤكم فيه قال: نسلا بعد نسل من الناس والانعام. 23651 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، أنه قال في هذه الآية: يذرؤكم فيه قال: يخلقكم. وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه. ذكر من قال ذلك: 23652 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه يقول: يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها. 23653 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة يذرؤكم فيه قال: يعيشكم فيه.
[ 18 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يذرؤكم فيه قال: عيش من الله يعيشكم فيه. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه، أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيى من لم يخلق بتكوينه إياه، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حيا. وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. وقوله: ليس كمثله شئ فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشئ، وأدخل المثل في الكلام توكيدا للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد، كما قيل: ما إن نديت بشئ أنت تكرهه فأدخل على ما وهي حرف جحد إن وهي أيضا حرف جحد، لاختلاف اللفظ بهما، وإن اتفق معناهما توكيدا للكلام، وكما قال أوس بن حجر: وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر ومعنى ذلك: كجذوع النخيل، وكما قال الآخر: سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما إن كمثلهم في الناس من أحد والآخر: أن يكون معناه: ليس مثل شئ، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام، كقول الراجز: وصاليات ككما يؤثفين
[ 19 ]
فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه، وكما قال الآخر: تنفي الغياديق على الطريق قلص عن كبيضة في نيق فأدخل الكاف مع عن، وقد بينا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح، فلذلك تجوزنا في البيان عنه في هذا الموضع. وقوله: وهو السميع البصير يقول جل ثناؤه واصفا نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به من خلقه قول، البصير لاعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شئ، ولا يعزب عنه علم شئ منه، وهو محيط بجميعه، محص صغيره وكبيره لتجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر. القول في تأويل قوله تعالى: له مقاليد السماوات والارض يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر إنه بكل شئ عليم يعني تعالى ذكره بقوله: له مقاليد السموات والارض: له مفاتيح خزائن السموات والارض وبيده مغاليق الخير والشر ومفاتيحها، فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23654 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد له مقاليد السموات والارض قال: مفاتيح بالفارسية. 23655 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة له مقاليد السموات والارض قال: مفاتيح السموات والارض. وعن الحسن بمثل ذلك.
[ 20 ]
23656 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي له مقاليد السموات والارض قال: خزائن السموات والارض. وقوله: يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يقول: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه، ويبسط له، ويكثر ماله ويغنيه. ويقدر: يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه ويفقره إنه بكل شئ عليم يقول: إن الله تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع، وتقتيره على من يقتر، ومن الذي يصلحه البسط عليه في الرزق، ويفسده من خلقه، والذي يصلحه التقتير عليه ويفسده، وغير ذلك من الامور، ذو علم لا يخفى عليه موضع البسط والتقتير وغيره، من صلاح تدبير خلقه. يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السموات والارض الذي صفته ما وصفت لكم في هذه الآيات أيها الناس فارغبوا، وإياه فاعبدوا مخلصين له الدين لا الاوثان والآلهة والاصنام، التي لا تملك لكم ضرا ولا نفعا. القول في تأويل قوله تعالى: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشآء ويهدي إليه من ينيب) * يقول تعالى ذكره: شرع لكم ربكم أيها الناس من الدين ما وصى به نوحا أن يعمله والذي أوحينا إليك يقول لنبيه محمد (ص): وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد، فأمرناك به وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين يقول: شرع لكم من الدين، أن أقيموا الدين فأن إذ كان ذلك معنى الكلام، في موضع نصب على الترجمة بها عن ما التي في قوله: ما وصى به نوحا. ويجوز أن تكون في موضع خفض ردا على الهاء التي في قوله: به، وتفسيرا عنها، فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على الاستئناف، فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به، وهو أن أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت، فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الانبياء وصية واحدة، وهي إقامة الدين الحق، ولا تتفرقوا فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 21 ]
23657 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما وصى به نوحا قال: ما أوصاك به وأنبيائه، كلهم دين واحد. 23658 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا قال: هو الدين كله. 23659 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل الحلال، وتحريم الحرام وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا قال: الحلال والحرام. 23660 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا... إلى آخر الآية، قال: حسبك ما قيل لك. وعنى بقوله: أن أقيموا الدين أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض، كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله: أقيموا الصلاة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23661 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: أن أقيموا الدين قال: اعملوا به. وقوله: ولا تتفرقوا فيه يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به، كما اختلف الاحزاب من قبلكم. كما: 23662 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تتفرقوا فيه تعلموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة. وقوله: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): كبر على المشركين بالله من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله، وإفراده بالالوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والانداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 22 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كبر على المشركين ما تدعوهم إليه قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها. وقوله: الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب يقول: الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه، وولايته من أحب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23664 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب يقول: ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحق من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه. كما: 23665 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ويهدي إليه من ينيب: من يقبل إلى طاعة الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) * يقول تعالى ذكره: وما تفرق المشركون بالله في أديانهم فصاروا أحزابا، إلا من بعد ما جاءهم العلم، بأن الذي أمرهم الله به، وبعث به نوحا، هو إقامة الدين الحق، وأن لا تتفرقوا فيه. 23666 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم فقال: إياكم والفرقة فإنها هلكة بغيا بينهم يقول:
[ 23 ]
بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى يقول جل ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب، ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى، وذلك الاجل المسمى فيما ذكر: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 23667 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى قال: يوم القيامة. وقوله: لقضي بينهم يقول: لفرغ ربك من الحكم بين هؤلاء المختلفين في الحق الذي بعث به نبيه نوحا من بعد علمهم به، بإهلاكه أهل الباطل منهم، وإظهاره أهل الحق عليهم. وقوله: وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم يقول: وإن الذين آتاهم الله من بعد هؤلاء المختلفين في الحق كتابه التوراة والانجيل لفي شك منه مريب يقول: لفي شك من الدين الذين وصى الله به نوحا، وأوحاه إليك يا محمد، وأمركما بإقامته مريب. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23668 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم قال: اليهود والنصارى. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلذلك فادع واستقم كمآ أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بمآ أنزل الله من كتاب وأمرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) * يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شرع لكم، ووصى به نوحا، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد الله، واستقم على العمل به، ولا تزغ عنه، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة. وقيل: فلذلك فادع، والمعنى: فإلى ذلك، فوضعت اللام موضع إلى، كما قيل: بأن ربك أوحى لها. وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.
[ 24 ]
وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك، في قوله: فلذلك فادع إلى معنى هذا، ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام، لانه في سياق خبر الله جل ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد (ص) بإقامته، ولم يأت من الكلام ما يدل على انصرافه عنه إلى غيره. وقوله: ولا تتبع أهواءهم يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكوا في الحق الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم، فتشك فيه، كالذي شكوا فيه وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدقت بما أنزل الله من كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب، توراة كان أو أنجيلا أو زبورا أو صحف إبراهيم، لا أكذب بشئ من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الاحزاب، وتصديقكم ببعض. وقوله: وأمرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الاحزاب، فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه. كالذي: 23669 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأمرت لا عدل بينكم قال: أمر نبي الله (ص) أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه. والعدل ميزان الله في الارض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه. ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من كن فيه أعجبني جدا: القصد في الفاقة والغنى، والعدل في الرضا والغضب، والخشية في السر والعلانية وثلاث من كن فيه أهلكته: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة. واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: وأمرت لا عدل بينكم فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي، وأمرت كي أعدل وقال غيره: معنى الكلام: وأمرت بالعدل، والامر واقع على ما بعده، وليست اللام التي في لا عدل بشرط قال: وأمرت تقع على أن وعلى كي واللام أمرت أن أعبد، وكي أعبد، ولا عبد. قال: وكذلك كل ما طالب الاستقبال، ففيه هذه الاوجه الثلاثة.
[ 25 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أن الامر عامل في معنى لاعدل، لان معناه: وأمرت بالعدل بينكم. وقوله: الله ربنا وربكم يقول: الله ما لكنا وما لككم معشر الاحزاب من أهل الكتابين التوراة والانجيل لنا أعمالنا ولكم أعمالكم يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الاعمال، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها. وقوله: لا حجة بيننا وبينكم يقول: لا خصومة بيننا وبينكم. كما: 23670 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا حجة بيننا وبينكم قال: لا خصومة. 23671 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: لا حجة بينا وبينكم: لا خصومة بيننا وبينكم، وقرأ: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن... إلى آخر الآية. وقوله: الله يجمع بيننا يقول: الله يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه وإليه المصير يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) * يقول تعالى ذكره: والذين يخاصمون في دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا (ص) من بعد ما استجاب له الناس، فدخلوا فيه من الذين أورثوا الكتاب حجتهم داحضة يقول: خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم وعليهم غضب يقول: وعليهم من الله غضب، ولهم في الآخرة عذاب شديد، وهو عذاب النار. وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب رسول الله (ص) في دينهم، وطمعوا أن يصدوهم عنه، ويردوهم عن الاسلام إلى الكفر. ذكر الرواية عمن ذكر ذلك عنه:
[ 26 ]
23672 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد قال: هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين، ويصدونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله. وقال: هم أهل الضلالة كان استجيب لهم على ضلالتهم، وهم يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية. 23673 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية. 23674 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، أنه قال في هذه الآية والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له قال: بعد ما دخل الناس في الاسلام. 23675 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم قال: هم اليهود والنصارى، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة... الآية، قال: هم اليهود والنصارى حاجوا أصحاب نبي الله (ص)، فقالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن أولى بالله منكم. 23676 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين يحاجون في الله... إلى آخر الآية، قال: نهاه عن الخصومة. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب ئ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد) *
[ 27 ]
يقول تعالى ذكره: الله الذي أنزل هذا الكتاب يعني القرآن بالحق والميزان يقول: وأنزل الميزان وهو العدل، ليقضي بين الناس بالانصاف، ويحكم فيهم بحكم الله الذي أمر به في كتابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23677 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أنزل الكتاب بالحق والميزان قال: العدل. 23678 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان قال: الميزان: العدل. وقوله: وما يدريك لعل الساعة قريب يقول تعالى ذكره: وأي شئ يدريك ويعلمك، لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب، يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها: يقول: يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها، ظنا منهم أنها غير جائية والذين آمنوا مشفقون منها يقول: والذين صدقوا بمجيئها، ووعد الله إياهم الحشر فيها، مشفقون منها: يقول: وجلون من مجيئها، خائفون من قيامها، لانهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها ويعلمون أنها الحق يقول: ويوقنون أن مجيئها الحق اليقين، لا يمترون في مجيئها ألا إن الذين يمارون في الساعة يقول تعالى ذكره: ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة ويجادلون فيه لفي ضلال بعيد يقول: لفي جور عن طريق الهدى، وزيغ عن سبيل الحق والرشاد، بعيد من الصواب. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله لطيف بعباده يرزق من يشآء وهو القوي العزيز ئ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) * يقول تعالى ذكره: الله ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء منهم وهو القوي الذي لا يغلبه ذو أيد لشدته، ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه
[ 28 ]
بقدرته العزيز في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه: يقول: نزد له في عمله الحسن، فنجعل له بالواحدة عشرا، إلى ما شاء ربنا من الزيادة ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها يقول: ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى لا للآخرة، نؤته منها ما قسمنا له منها وما له في الآخرة من نصيب يقول: وليس لمن طلب بعمله الدنيا، ولم يرد الله به في ثواب الله لاهل الاعمال التي أرادوه بأعمالهم في الدنيا حظ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23679 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه... إلى وما له في الآخرة من نصيب قال: يقول: من كان إنما يعمل للدنيا نؤته منها. 23680 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا... الآية، يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار، ولم نزده بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا قد فرغ منه وقسم له. 23681 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه قال: من كان يريد الآخرة وعملها نزد له في عمله ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها... إلى آخر الآية، قال: من أراد الدنيا وعملها آتيناه منها، ولم نجعل له في الآخرة من نصيب الحرث العمل، من عمل للآخرة أعطاه الله، ومن عمل للدنيا أعطاه الله. 23682 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: من كان يرد حرث الآخرة نزد له في حرثه قال: من كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله. وقوله: وما له في الآخرة من نصيب قال: للكافر عذاب أليم.
[ 29 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم) * يقول تعالى ذكره أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم يقول تعالى ذكره: ولولا السابق من الله في أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا، وأنه مضى من قيله إنهم مؤخرون بالعقوبة إلى قيام الساعة، لفرغ من الحكم بينكم وبينهم بتعجيله العذاب لهم في الدنيا، ولكن لهم في الآخرة من العذاب الاليم، كما قال جل ثناؤه: وإن الظالمين لهم عذاب أليم يقول: وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة مشفقين مما كسبوا يقول: وجلين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة. وهو واقع بهم يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة. وقوله: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته، ولا تقول العرب لمواضع الاشجار رياض ومنه قول أبي النجم. والنغض مثل الاجرب المدجل حدائق الروض التي لم تحلل
[ 30 ]
يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جل ثناؤه بذلك: الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم. كما: 23683 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات إلى آخر الآية. قال في رياض الجنة ونعيمها. وقوله: لهم ما يشاءون عند ربهم يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الآخرة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذه أعينهم، ذلك هو الفضل الكبير، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم، وهذه الكرامة في الآخرة: هو الفضل من الله عليهم، الكبير الذي يفضل كل نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة، البشرى التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا، وعملوا بطاعته فيها قل لا أسألكم عليه أجرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاء، وعوضا من أموالكم تعطوننيه إلا المودة في القربى. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: إلا المودة في القربى فقال بعضهم: معناه: إلا أن تودوني في قرابتي منكم، وتصلوا رحمي بيني وبينكم. ذكر من قال ذلك: 23684 - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس، في قوله: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
[ 31 ]
القربى قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله (ص) وبينهم إلا قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم. 23685 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: سئل عنها ابن عباس، فقال ابن جبير: هم قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت، إن رسول الله (ص) لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة، قال: فنزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها. 23686 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: كان لرسول الله (ص) قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال: يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم. 23687 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى يعني محمدا (ص)، قال لقريش: لا أسألكم من أموالكم شيئا، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم، فإنكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني. 23688 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، قال: إن النبي (ص) كان واسطا من قريش، كان له في كل بطن من قريش نسب، فقال: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
[ 32 ]
23689 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك، قال: كان رسول الله (ص) واسط النسب من قريش، ليس حي من أحياء قريش إلا وقد ولدوه، قال: فقال الله عز وجل: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى: إلا أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني. 23690 - حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن أبي مالك في هذه الآية: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: كان رسول الله (ص) من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم، فقال: احفظوني في قرابتي. 23691 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمى، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: تعرفون قرابتي، وتصدقونني بما جئت به، وتمنعوني. 23692 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى وإن الله تبارك وتعالى أمر محمدا (ص) أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة، وكل بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة. 23693 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا المودة في القربى أن تتبعوني، وتصدقوني وتصلوا رحمي. 23694 - حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله (ص) فيهم ولادة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم. 23695 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى يعني قريشا. يقول: إنما أنا رجل منكم، فأعينوني على عدوي، واحفظوا قرابتي، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، أن تودوني لقرابتي، وتعينوني على عدوي.
[ 33 ]
23696 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: يقول: إلا أن تودوني لقرابتي كما توادون في قرابتكم وتواصلون بها، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني، فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم. 23697 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا، إلا أن تودوني في قرابتي منكم، وتمنعوني من الناس. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله (ص) قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي. ذكر من قال ذلك: 23698 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المري، عن السدي، عن أبي الديلم قال: لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قربى الفتنة، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن ؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم ؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم، قال: ما قرأت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ؟ قال: وإنكم لانتم هم ؟ قال: نعم. 23699 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا عبد السلام، قال: ثنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قالت الانصار: فعلنا وفعلنا، فكأنهم فخروا، فقال ابن عباس، أو العباس، شك عبد السلام: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله (ص)، فأتاهم في مجالسهم، فقال: يا معشر الانصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أفلا تجيبوني ؟ قالوا: ما نقول يا رسول الله ؟ قال: ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك، أو لم يكذبوك فصدقناك، أو لم يخذلوك فنصرناك ؟ قال: فما زال
[ 34 ]
يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله، قال: فنزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. 23700 - حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان، عن يحيى بن كثير، عن أبي العالية، عن سعيد بن جبير، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: هي قربى رسول الله (ص). 23701 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي ومحمد بن خلف قالا: ثنا عبيد الله قال أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب، عن قول الله عز وجل: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: قربى النبي (ص). وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله، وتتقربوا بالعمل الصالح والطاعة. ذكر من قال ذلك: 23702 - حدثني علي بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضا قالا: ثنا عاصم بن علي، قال: ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي (ص): قل لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توددوا لله، وتتقربوا إليه بطاعته. 23703 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في هذه الآية قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: القربى إلى الله. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف، عن الحسن، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: إلا التقرب إلى الله، والتودد إليه بالعمل الصالح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قل لا أسألكم على ما جئتكم به، وعلى هذا الكتاب أجرا، إلا المودة في القربى، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه، وعمل بطاعته.
[ 35 ]
23704 - قال بشر: قال يزيد: وحدثنيه يونس، عن الحسن، حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى إلا أن توددوا إلى الله فيما يقربكم إليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تصلوا قرابتكم. ذكر من قال ذلك: 23705 حدثنا بشر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن عبد الله بن القاسم، في قوله: إلا المودة في القربى قال: أمرت أن تصل قرابتك. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش، إلا أن تودوني في قرابتي منكم، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم. وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول في في قوله: إلا المودة في القربى، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودوا قرابتي، أو تقربوا إلى الله، لم يكن لدخول في في الكلام في هذا الموضع وجه معروف، ولكان التنزيل: إلا مودة القربى إن عني به الامر بمودة قرابة رسول الله (ص)، أو إلا المودة بالقربى، أو ذا القربى إن عني به التودد والتقرب. وفي دخول في في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودتي في قرابتي منكم، وأن الالف واللام في المودة أدخلتا بدلا من الاضافة، كما قيل: فإن الجنة هي المأوى. وقوله: إلا في هذا الموضع استثناء منقطع. ومعنى الكلام: قل لا أسألكم عليه أجرا، لكن أسألكم المودة في القربى، فالمودة منصوبة على المعنى الذي ذكرت. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: هي منصوبة بمضمر من الفعل، بمعنى: إلا أن أذكر مودة قرابتي. وقوله: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا يقول تعالى ذكره: ومن يعمل حسنة، وذلك أن يعمل عملا يطيع الله فيه من المؤمنين نزد له فيها حسنا يقول: نضاعف عمله ذلك الحسن، فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23706 حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قول الله عز وجل: ومن يقترف حسنة قال: يعمل حسنة.
[ 36 ]
23707 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا قال: من يعمل خيرا نزد له. الاقتراف: العمل. وقوله: إن الله غفور شكور يقول: إن الله غفور لذنوب عباده، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه. كما: 23708 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن الله غفور للذنوب شكور للحسنات يضاعفها. 23709 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن الله غفور شكور قال: غفر لهم الذنوب، وشكر لهم نعما هو أعطاهم إياها، وجعلها فيهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور) *. يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون بالله: افترى محمد على الله كذبا فجاء بهذا الذي يتلوه علينا اختلاقا من قبل نفسه. وقوله: فإن يشاء الله يا محمد يطبع على قلبك، فتنس هذا القرآن الذي أنزل إليك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23710 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أم يقولون افترى على الله كذبا، فإن يشأ الله يختم على قلبك فينسيك القرآن. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فإن يشاء الله يختم على قلبك قال: إن يشاء الله أنساك ما قد أتاك. 23711 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قول الله عز وجل: فإن يشاء الله يختم على قلبك قال: يطبع. وقوله: ويمح الله الباطل يقول: ويذهب الله بالباطل فيمحقه ويحق الحق بكلماته التي أنزلها إليك يا محمد فيثبته
[ 37 ]
. وقوله: ويمح الله الباطل في موضع رفع بالابتداء، ولكنه حذفت منه الواو في المصحف، كما حذفت من قوله: سندع الزبانية ومن قوله: ويدع الانسان بالشر وليس بجزم على العطف على يختم. وقوله: إنه عليم بذات الصدور يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما في صدور خلقه، وما تنطوي عليه ضمائرهم، لا يخفى عليه من أمورهم شئ، يقول لنبيه (ص): لو حدثت نفسك أن تفتري على الله كذبا، لطبعت على قلبك، وأذهبت الذي آتيتك من وحيي، لاني أمحو الباطل فأذهبه وأحق الحق، وإنما هذا إخبار من الله الكافرين به، الزاعمين أن محمدا افترى هذا القرآن من قبل نفسه، فأخبرهم أنه إن فعل لفعل به ما أخبر به في هذه الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) *. يقول تعالى ذكره: والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره ويعفوا عن السيئات يقول: ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الاعمال، وهي معاصيه التي تاب منها ويعلم ما تفعلون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة يفعلون بالياء، بمعنى: ويعلم ما يفعل عباده، وقرأته عامة قراء الكوفة تفعلون بالتاء على وجه الخطاب. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الياء أعجب إلي، لان الكلام من قبل ذلك جرى على الخبر، وذلك قوله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعني جل ثناؤه بقوله: ويعلم ما تفعلون ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشر، لا يخفى عليه من ذلك شئ، وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه، فاتقوا الله في أنفسكم، واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة.
[ 38 ]
23712 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث، قال: أتينا عبد الله نسأله عن هذه الآية: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون قال: فوجدنا عنده أناسا أو رجالا يسألونه عن رجل أصاب من امرأة حراما، ثم تزوجها، فتلا هذه الآية وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد) *. يقول تعالى ذكره: ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23713 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا الاعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة، قال: خطبنا معاذ، فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة، والله إني لارجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لاحدكم العمل قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت غفر الله لك، ثم قرأ: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله. وقوله: ويزيدهم من فضله يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه، بأن يعطيهم ما لم يسألوه. وقيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيدهموه، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم، فشفعوا فيهم. ذكر من قال ذلك: 23714 - حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن بشر، عن قتادة، عن إبراهيم النخعي في قول الله عز وجل: ويستجيب الذين
[ 39 ]
آمنوا وعملوا الصالحات قال: يشفعون في إخوانهم، ويزدهم من فضله، قال: يشفعون في إخوان إخوانهم. وقوله: والكافرون لهم عذاب شديد يقول جل ثناؤه: والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به. واختلف أهل العربية في معنى قوله: ويستجيب الذين آمنوا فقال بعضهم: أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين، فالذين في قوله رفع، والفعل لهم. وتأويل الكلام على هذا المذهب: واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الايمان به، والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك. وقال آخر منهم: بل معنى ذلك: ويجيب الذين آمنوا. وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما الرفع، بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا. والآخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا. وقال بعض نحويي الكوفة: ويستجيب الذين آمنوا يكون الذين في موضع نصب بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا. وقد جاء في التنزيل: فاستجاب لهم ربهم والمعنى: فأجاب لهم ربهم، إلا أنك إذا قلت استجاب، أدخلت اللام في المفعول وإذا قلت أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم، بمعنى: استجاب لهم، كما قال جل ثناؤه: وإذا كالوهم أو وزنوهم والمعنى والله أعلم: وإذا كالوا لهم، أو وزنوا لهم يخسرون. قال: ويكون الذين في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم، أي الذين آمنوا يستجيبون لله، ويزيدهم على إجابتهم، والتصديق به من فضله. وقد بينا الصواب في ذلك من القول على ما تأوله ومن ذكرنا قوله فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشآء إنه بعباده خبير بصير) *. ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا
[ 40 ]
والغنى، فقال جل ثناؤه: ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسعه وكثره عندهم لبغوا، فتجاوزوا الحد الذي حده الله لهم إلى غير الذي حده لهم في بلاده بركوبهم في الارض ما حظره عليهم، ولكنه ينزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه. ذكر من قال ذلك: 237015 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو هانئ: سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء ذلك بأنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقري، قال: ثنا حيوة، قال: أخبرني أبو هانئ، أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الآية، ثم ذكر مثله. 23716 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض الآية... قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك. وذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها. فقال له قائل: يا نبي الله: هل يأتي الخير بالشر ؟ فقال النبي (ص): هل يأتي الخير بالشر ؟ فأنزل الله عليه عند ذلك، وكان إذا نزل عليه كرب لذلك، وتربد وجهه، حتى إذا سري عن نبي الله (ص) قال: هل يأتي الخير بالشر يقولها ثلاثا: إن الخير لا يأتي إلا بالخير، يقولها ثلاثا. وكان (ص) وتر الكلام: ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألم فأما عبد أعطاه الله مالا، فوضعه في سبيل الله التي افترض وارتضى، فذلك عبد أريد به خير، وعزم له على الخير، وأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في شهواته ولذاته، وعدل عن حق الله عليه، فذلك عبد أريد به شر، وعزم له على شر.
[ 41 ]
وقوله: إنه بعباده خبير بصييقول تعالى ذكره: إن الله بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار، وغير ذلك من مصالحهم ومضارهم، ذو خبرة، وعلم، بصير بتدبيرهم، وصرفهم فيما فيه صلاحهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) *. يقول تعالى ذكره: والله الذي ينزل المطر من السماء فيغيثكم به أيها الناس من بعدما قنطوا يقول: من بعد ما يئس من نزوله ومجيئه وينشر رحمته يقول: وينشر في خلقه رحمته، ويعني بالرحمة: الغيث الذي ينزله من السماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23717 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أجدبت الارض، وقنط الناس، قال: مطروا إذن. 23718 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من بعد ما قنطوا قال: يئسوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين قحط المطر، وقنط الناس قال: مطرتم وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا، وينشر رحمته. وقوله: وهو الولي الحميد يقول: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله، الحميد بأياديه عندكم، ونعمه عليكم في خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشآء قدير) *.
[ 42 ]
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس أنه القادر على إحيائكم بعد فنائكم، وبعثكم من قبوركم من بعد بلائكم، خلقه السموات والارض، وما بث فيهما من دابة. يعني وما فرق في السموات والارض من دابة. كما: 23719 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبنجيح، عن مجاهد، قوله: وما بث فيهما من دابة قال: الناس والملائكة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير يقول: وهو على جمع ما بث فيهما من دابة إذا شاء جمعه، ذو قدرة لا يتعذر عليه، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه، يقول تعالى ذكره: فكذلك هو القادر على جمع خلقه بحشر يوم القيامة بعد تفرق أو صالهم في القبور. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير وما أنتم بمعجزين في الارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) *. يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم فبما كسبت أيديكم يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23720 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة، قال: نزلت: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأبو بكر رضي الله عنه يأكل، فأمسك فقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من خير أو شر ؟ فقال: أرأيت ما رأيت مما تكره فهو من مثاقيل ذر الشر، وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة، قال: قال أبو إدريس: فأرى مصداقها في كتاب الله، قال: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير. قال أبو جعفر: حدث هذا الحديث الهيثم بن الربيع، فقال فيه أيوب عن أبي قلابة،
[ 43 ]
عن أنس، أن أبا بكر رضي الله عنه كان جالسا عند النبي (ص)، فذكر الحديث، وهو غلط، والصواب عن أبي إدريس. 23721 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم... الآية ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: لا يصيب ابن آدم خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر. 23722 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم... الآية، قال: يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة. وقال آخرون: بل عنى بذلك: وما عوقبتم في الدنيا من عقوبة بحد حددتموه على ذنب استوجبتموه عليه فبما كسبت أيديكم: يقول: فبما عملتم من معصية الله ويعفو عن كثير فلا يوجب عليكم فيها حدا. ذكر من قال ذلك: 23723 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وما أصابكم من مصيبة... الآية، قال: هذا في الحدود. وقال قتادة: بلغنا أنه ما من رجل يصيبه عثرة قدم ولا خدش عود أو كذا وكذا إلا بذنب، أو يعفو، وما يعفو أكثر. وقوله: وما أنتم بمعجزين في الارض يقول: وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الارض، فمعجزيه، حتى لا يقدر عليكم، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته، جارية فيكم مشيئته وما لكم من دون الله من ولي يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ولا نصير يقول: ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم، فينتصر لكم منه، فاحذروا أيها الناس معاصيه، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته الجوار في البحر كالاعلام ئ إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) *.
[ 44 ]
يقول تعالى ذكره: ومن حجج الله أيها الناس عليكم بأنه القادر على كل ما يشاء، وأنه لا يتعذر عليه فعل شئ أراده، السفن الجارية في البحر. والجواري: جمع جارية، وهي السائرة في البحر. كما: 23724 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الجوار في البحر قال: السفن. 23725 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ومن آياته الجوار في البحر قال: الجواري: السفن. وقوله: كالاعلام يعني كالجبال: واحدها علم ومنه قول الشاعر: كأنه علم في رأسه نار يعني: جبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23726 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كالاعلام قال: كالجبال. 23727 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: الاعلام: الجبال. وقوله: إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره يقول تعالى ذكره: إن يشأ الله الذي قد أجرى هذه السفن في البحر أن لا تجري فيه، أسكن الريح التي تجري بها فيه، فثبتن في موضع واحد، ووقفن على ظهر الماء لا تجري، فلا تتقدم ولا تتأخر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن آياته
[ 45 ]
الجوار في البحر كالاعلام، إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره سفن هذا البحر تجرى بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت، قال الله عز وجل: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور. 23729 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره لا تجري. 23730 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فيظللن رواكد على ظهره يقول: وقوفا. وقوله: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور يقول: إن في جري هذه الجواري في البحر بقدرة الله لعظة وعبرة وحجة بينة على قدرة الله على ما يشاء، لكل ذي صبر على طاعة الله، شكور لنعمه وأياديه عنده. القول في تأويل قوله تعالى: * (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ئ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ئ فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) *. يقول تعالى ذكره: أو يوبق هذه الجواري في البحر بما كسبت ركبانها من الذنوب، واجترموا من الآثام، وجزم يوبقهن، عطفا على يسكن الريح ومعنى الكلام إن يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره، أو يوبقهن ويعني بقوله: أو يوبقهن أو يهلكهن بالغرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23731 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أو يوبقهن يقول: يهلكهن. 23732 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أو يوبقهن: أو يهلكهن. 23733 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي أو
[ 46 ]
يوبقهن قال: يغرقهن بما كسبوا. وبنحو الذي قلنا في قوله: بما كسبوا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23734 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو يوبقهن بما كسبوا: أي بذنوب أهلها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أو يوبقهن بما كسبوا قال: بذنوب أهلها. 23735 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو يوبقهن بما كسبوا قال: يوبقهن بما كسبت أصحابهن. وقوله: ويعف عن كثير يقول: ويصفح تعالى ذكره عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها. وقوله: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا يقول جل ثناؤه: ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا (ص) من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ويعلم الذين رفعا على الاستئناف، كما قال في سورة براءة: ويتوب الله على من يشاء وقرأته قراء الكوفة والبصرة ويعلم الذين نصبا كما قال في سورة آل عمران ويعلم الصابرين على الصرف وكما قال النابغة: فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام ونمسك بعده بذناب عيش أجب الظهر له سنام والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
[ 47 ]
وقوله: ما لهم من محيص يقول تعالى ذكره: ما لهم من محيد من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم، وكفرهم به، ولا لهم منه ملجأ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23736 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السدي، قوله: ما لهم من محيص: ما لهم من ملجأ. وقوله: فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا يقول تعالى ذكره: فما أعطيتم أيها الناس من شئ من رياش الدنيا من المال والبنين، فمتاع الحياة الدنيا، يقول تعالى ذكره: فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا، وليس من دار الآخرة، ولا مما ينفعكم في معادكم وما عند الله خير وأبقى يقول تعالى ذكره: والذي عند الله لاهل طاعته والايمان به في الآخرة، خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى، لان ما أوتيتم في الدنيا فإنه نافد، وما عند الله من النعيم في جنانه لاهل طاعته باق غير نافد للذين آمنوا: يقول: وما عند الله للذين آمنوا به، وعليه يتوكلون في أمورهم، وإليه يقومون في أسبابهم، وبه يثقون، خير وأبقى مما أوتيتموه من متاع الحياة الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ئ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) *. يقول تعالى ذكره: وما عند الله للذين آمنوا والذين يجتنبون كبائر الاثم، وكبائر فواحش الاثم، قد بينا اختلاف أهل التأويل فيها وبينا الصواب من القول عندنا فيها في سورة النساء، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. والفواحش قيل: إنها الزنى: ذكر من قال ذلك: 23737 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي والفواحش قال: الفواحش: الزنى واختلفت القراء في قراءة قوله: كبائر الاثم
[ 48 ]
فقرأته عامة قراء المدينة على الجماع كذلك في النجم، وقرأته عامة قراء الكوفة كبير الاثم على التوحيد فيهما جميعا وكأن من قرأ ذلك كذلك، عنى بكبير الاثم: الشرك، كما كان الفراء يقول: كأني أستحب لمن قرأ كبائر الاثم أن يخفض الفواحش، لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذ كانت جمعا، وقال: ما سمعت أحدا من القراء خفض الفواحش. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء على تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وإذا ما غضبوا هم يغفرون يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جرما، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه. وقوله: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة يقول تعالى ذكره: والذين أجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده، والاقرار بوحدانيته والبراءة من عبادة كل ما يعبد دونه وأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها وأمرهم شورى بينهم يقول: وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم، ومما رزقناهم ينفقون يقول: ومن الاموال التي رزقناهم ينفقون في سبيل الله، ويؤدون ما فرض عليهم من الحقوق لاهلها من زكاة ونفقة على من تجب عليه نفقته. وكان ابن زيد يقول: عنى بقوله: والذين استجابوا لربهم... الآية الانصار. 23738 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون قال: فبدأ بهم والذين استجابوا لربهم الانصار وأقاموا الصلاة وليس فيهم رسول الله (ص) وأمرهم شورى بينهم ليس فيهم رسول الله (ص) أيضا. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ئ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: والذين إذا بغى عليهم باغ، واعتدى عليهم هم ينتصرون.
[ 49 ]
ثم اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره، المنتصر منه بعد بغيه عليه، فقال بعضهم: هو المشرك إذا بغى على المسلم. ذكر من قال ذلك: 23739 - حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب قال: قال ابن زيد: ذكر المهاجرين صنفين، صنفا عفا، وصنفا انتصر، وقرأ والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون قال: فبدأ بهم والذين استجابوا لربهم... إلى قوله: ومما رزقناهم ينفقون وهم الانصار. ثم ذكر الصنف الثالث فقال: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون من المشركين. وقال آخرون: بل هو كل باغ بغي فحمد المنتصر منه. ذكر من قال ذلك: 23740 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا. وهذا القول الثاني أولى في ذلك بالصواب، لان الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى، بل حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه. فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح ؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحق وعقوبته بما هو له أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح. وقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها وقد بينا فيما مضى معنى ذلك، وأن معناه: وجزاء سيئة المسئ عقوبته بما أوجبه الله عليه، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه، فهي مساءة له. والسيئة: إنما هي الفعلة من السوء، وذلك نظير قول الله عز وجل ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقد قيل: إن معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها. ذكر من قال ذلك: 23741 - حدثني يعقوب، قال: قال لي أبو بشر: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها قال: يقول أخزاه الله، فيقول: أخزاه الله. 23742 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله:
[ 50 ]
وجزاء سيئة سيئة مثلها قال: إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي. وكان ابن زيد يقول في ذلك بما: 23743 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون من المشركين وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح... الآية، ليس أمركم أن تعفوا عنهم لانه أحبهم ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، ثم نسخ هذا كله وأمره بالجهاد، فعلى قول ابن زيد هذا تأويل الكلام: وجزاء سيئة من المشركين إليكم، سيئة مثلها منكم إليهم، وإن عفوتم وأصلحتم في العفو، فأجركم في عفوكم عنهم إلى الله، إنه لا يحب الكافرين وهذا على قوله كقول الله عز وجل فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله، وللذي قال من ذلك وجه. غير أن الصواب عندنا: أن تحمل الآية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له، وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة يجب التسليم لها، ولم تثبت حجة في قوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها أنه مراد به المشركون دون المسلمين، ولا بأن هذه الآية منسوخة، فنسلم لها بأن ذلك كذلك. وقوله: فمن عفا وأصلح فأجره على الله يقول جل ثناؤه: فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادر ابتغاء وجه الله، فأجر عفوه ذلك على الله، والله مثيبه عليه ثوابه إنه لا يحب الظالمين يقول: إن الله لا يحب أهل الظلم الذين يتعدون على الناس، فيسيئون إليهم بغير ما أذن الله لهم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ئ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه فأولئك ما عليهم من سبيل يقول: فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة ولا أذى، لانهم انتصروا منهم بحق، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه، ولم يتعد، لم يظلم، فيكون عليه سبيل.
[ 51 ]
وقد اختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: عني به كل منتصر ممن أساء إليه، مسلما كان المسئ أو كافرا. ذكر من قال ذلك: 23744 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا معاذ، قال: ثنا ابن عون، قال: كنت أسأل عن الانتصار ولمن انتصر بعد ظلمه... الآية، فحدثني علي بن زيد بن جدعان، عن أم محمد امرأة أبيه، قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين قالت: قالت أم المؤمنين: دخل رسول الله (ص)، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئا، ولم يفطن لها، فقلت بيدي حتى فطنته لها، فأمسك، وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: سبيها فسبتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليا، فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم، فجاءت فاطمة، فقال لها: إنها حبة أبيك ورب الكعبة، فانصرفت وقالت لعلي: إني قلت له كذا وكذا، فقال كذا وكذا، قال: وجاء علي إلى النبي (ص) فكلمه في ذلك. 23745 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه... الآية، قال: هذا في الخمش يكون بين الناس. 23746 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل قال: هذا فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه. وقال آخرون: بل عني به الانتصار من أهل الشرك، وقال: هذا منسوخ. ذكر من قال ذلك: 23747 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل قال: لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ، وليس هذا في أهل الاسلام، ولكن في أهل
[ 52 ]
الاسلام الذي قال الله تبارك وتعالى: ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. والصواب من القول أن يقال: إنه معني به كل منتصر من ظالمه، وأن الآية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الآية قبلها. وقوله: إنما السبيل على الذين يظلمون الناس يقول تبارك وتعالى: إنما الطريق لكم أيها الناس على الذين يتعدون على الناس ظلما وعدوانا، بأن يعاقبوهم بظلمهم لا على من انتصر ممن ظلمه، فأخذ منه حقه. وقوله: ويبغون في الارض بغير الحق يقول: ويتجاوزون في أرض الله الحد الذي أباح لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون فيها بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم يقول: فهؤلاء الذين يظلمون الناس، ويبغون في الارض بغير الحق، لهم عذاب من الله يوم القيامة في جهنم مؤلم موجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور ئ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) *. يقول تعالى ذكره: ولمن صبر على إساءة إليه، وغفر للمسئ إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه الله وجزيل ثوابه إن ذلك لمن عزم الامور يقول: إن صبره ذلك وغفرانه ذنب المسئ إليه، لمن عزم الامور التي ندب إليها عباده، وعزم عليهم العمل به ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده يقول: ومن خذله الله عن الرشاد، فليس له من ولي يليه، فيهديه لسبيل الصواب، ويسدده من بعد إضلال الله إياه وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم: هل لنا يا رب إلى مرد من سبيل ؟ وذلك كقوله ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا
[ 53 ]
أبصرنا وسمعنا... الآية، استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23748 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: هل إلى مرد من سبيل يقول: إلى الدنيا. واختلف أهل العربية في وجه دخول إن في قوله: إن ذلك لمن عزم الامور مع دخول اللام في قوله: ولمن صبر وغفر فكان نحوي أهل البصرة يقول في ذلك: أما اللام التي في قوله: ولمن صبر وغفر فلام الابتداء، وأما إن ذلك فمعناه والله أعلم: إن ذلك منه من عزم الامور، وقال: قد تقول: مررت بالدار الذراع بدرهم: أي الذراع منها بدرهم، ومررت ببر قفيز بدرهم، أي قفيز منه بدرهم. قال: وأما ابتداء إن في هذا الموضع، فمثل قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم يجوز ابتداء الكلام، وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع. وكان بعضهم يستخطئ هذا القول ويقول: إن العرب إذا أدخلت اللام في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الايمان بما، ولا، وإن واللام: قال: وهذا من ذاك، كما قال: لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون فجاء بلا وباللام جوابا للام الاولى. قال: ولو قال: لئن قمت إني لقائم لجاز ولا حاجة به إلى العائد، لان الجواب في اليمين قد يكون فيه العائد، وقد لا يكون ألا ترى أنك تقول: لئن قمت لاقومن، ولا أقوم، وإني لقائم فلا تأتي بعائد. قال: وأما قولهم: مررت بدار الذراع بدرهم وببر قفيز بدرهم، فلا بد من أن يتصل بالاول بالعائد، وإنما يحذف العائد فيه، لان الثاني تبعيض للاول مررت ببر بعضه بدرهم، وبعضه بدرهم فلما كان المعنى التبعيض حذف العائد. قال: وأما ابتداء إن في كل موضع إذا
[ 54 ]
طال الكلام، فلا يجوز أن تبتدئ إلا بمعنى: قل إن الموت الذي تفرون منه، فإنه جواب للجزاء، كأنه قال: ما فررتم منه من الموت، فهو ملاقيكم. وهذا القول الثاني عندي أولى في ذلك بالصواب للعلل التي ذكرناها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) *. يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار خاشعين من الذل يقول: خاضعين متذللين. كما: 23749 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد،: الخشوع: الخوف والخشية لله عز وجل، وقرأ قول الله عز وجل: لما رأوا العذاب... إلى قوله: خاشعين من الذل قال: قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له. 23750 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: خاشعين قال: خاضعين من الذل. وقوله: ينظرون من طرف خفي يقول: ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: من طرف خفي فقال بعضهم: معناه: من طرف ذليل. وكأن معنى الكلام: من طرف قد خفي من ذلة. ذكر من قال ذلك: 23751 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل... إلى قوله: من طرف خفي يعني بالخفي: الذليل. 23752 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله عز وجل: من طرف خفي قال: ذليل.
[ 55 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر. ذكر من قال ذلك: 23753 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ينظرون من طرف خفي قال: يسارقون النظر. 23754 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي من طرف خفي قال: يسارقون النظر. واختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك: جعل الطرف العين، كأنه قال: ونظرهم من عين ضعيفة، والله أعلم. قال: وقال يونس: إن من طرف مثل بطرف، كما تقول العرب: ضربته في السيف، وضربته بالسيف. وقال آخر منهم: إنما قيل: من طرف خفي لانه لا يفتح عينيه، إنما ينظر ببعضها. وقال آخرون منهم: إنما قيل: من طرف خفي لانهم ينظرون إلى النار بقلوبهم، لانهم يحشرون عميا. والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه الله جل ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب. وقوله: وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة يقول تعالى ذكره: وقال الذين آمنوا بالله ورسوله: إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة. كما: 23755 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة. وقوله: ألا إن الظالمين في عذاب مقيم يقول تعالى ذكره: ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من الله مقيم عليهم، ثابت لا يزول عنهم، ولا يبيد، ولا يخف. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ئ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) *.
[ 56 ]
يقول تعالى ذكره: ولم يكن لهؤلاء الكافرين حين يعذبهم الله يوم القيامة أولياء يمنعونهم من عذاب الله ولا ينتصرون لهم من ربهم على ما نالهم به من العذاب من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل يقول: ومن يخذله عن طريق الحق فما له من طريق إلى الوصول إليه، لان الهداية والاضلال بيده دون كل أحد سواه. وقوله: استجيبوا لربكم يقول تعالى ذكره للكافرين به: أجيبوا أيها الناس داعي الله وآمنوا به واتبعوه على ما جاءكم به من عند ربكم، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله: يقول: لا شئ يرد مجيئه إذا جاء الله به، وذلك يوم القيامة ما لكم من ملجإ يومئذ يقول جل ثناؤه: مالكم أيها الناس من معقل تحترزون فيه، وتلجأون إليه، فتعتصمون به من النازل بكم من عذاب الله على كفركم به، كان في الدنيا وما لكم من نكير يقول: ولا أنتم تقدرون لما يحل بكم من عقابه يومئذ على تغييره، ولا على انتصار منه إذا عاقبكم بما عاقبكم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23756 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما لكم من ملجإ قال: من محرز. وقوله: من نكير قال: ناصر ينصركم. 23757 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ما لكم من ملجإ يومئذ تلجأون إليه وما لكم من نكير يقول: من عز تعتزون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنآ إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفور) *. يقول تعالى ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحق، ودعوتهم إليه من الرشد، فلم يستجيبوا لك، وأبوا قبوله منك، فدعهم، فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم، تحفظ عليهم أعمالهم وتحصيها إن عليك إلا البلاغ يقول: ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة، فإذا بلغتهم ذلك، فقد قضيت ما
[ 57 ]
عليك وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها يقول تعالى ذكره: فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جل ثناؤه، فرح بها: يقول: سر بما أعطيناه من الغنى، ورزقناه من السعة وكثرة المال، وإن تصبهم سيئة يقول: وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش بما قدمت أيديهم يقول: بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه، جحد نعمة الله، وأيس من الخير فإن الانسان كفور يقول تعالى ذكره: فإن الانسان جحود نعم ربه، يعدد المصائب، ويجحد النعم. وإنما قال: وإن تصبهم سيئة فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور، وقد ذكر الانسان قبل ذلك بمعنى الواحد، لانه بمعنى الجمع. القول في تأويل قوله تعالى: * (لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشآء يهب لمن يشآء إناثا ويهب لمن يشآء الذكور ئ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشآء عقيما إنه عليم قدير) *. يقول تعالى ذكره: لله سلطان السموات السبع والارضين، يفعل في سلطانه ما يشاء، ويخلق ما يحب خلقه، يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الاناث دون الذكور، بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى ويهب لمن يشاء الذكور يقول: ويهب لمن يشاء منهم الذكور، بأن يجعل كل حمل حملته امرأته ذكرا لا أنثى فيهم. 23758 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أو يزوجهم ذكرانا وإناثا قال: يخلط بينهم يقول: التزويج: أن تلد المرأة غلاما، ثم تلد جارية، ثم تلد غلاما، ثم تلد جارية. 23759 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور قادر والله ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست
[ 58 ]
معهم أنثى وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا، فيجمعهم له جميعا، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له. 23760 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قول الله عز وجل: يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور ليست معهم إناث أو يزوجهم ذكرانا وإناثا قال: يهب لهم إناثا وذكرانا، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له. 23761 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ويجعل من يشاء عقيما يقول: لا يلقح. 23762 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويجعل من يشاء عقيما لا يلد واحدا ولا اثنين. 23763 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد الله، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور ليس فيهم أنثى أو يزوجهم ذكرانا وإناثا تلد المرأة ذكرا مرة وأنثى مرة ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له. وقال ابن زيد: في معنى قوله: أو يزوجهم ما: 23764 - حدثني يونس، قال: ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا قال: أو يجعل في الواحد ذكرا وأنثى توأما، هذا قوله: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا. وقوله: إنه عليم قدير يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما يخلق، وقدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شئ من خلقه، ولا يعجزه شئ أراد خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشآء إنه علي حكيم) *. يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء، أو إلهاما، وإما غيره أو من وراء حجاب يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه (ص) أو يرسل رسولا يقول: أو يرسل الله من ملائكته
[ 59 ]
رسولا، إما جبرائيل، وإما غيره فيوحي بإذنه ما يشاء يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23765 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله عز وجل: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا يوحي إليه أو من وراء حجاب موسى كلمه الله من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء قال: جبرائيل يأتي بالوحي. واختلفت القراء في قراءة قوله: أو يرسل رسولا فيوحي، فقرأته عامة قراء الامصار فيوحي بنصب الياء عطفا على يرسل، ونصبوا يرسل عطفا بها على موضع الوحي، ومعناه، لان معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل إليه رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. وقرأ ذلك نافع المدني فيوحي بإرسال الياء بمعنى الرفع عطفا به على يرسل، وبرفع يرسل على الابتداء. وقوله: إنه علي حكيم يقول تعالى ذكره إنه يعني نفسه جل ثناؤه: ذو علو على كل شئ وارتفاع عليه، واقتدار. حكيم: يقول: ذو حكمة في تدبيره خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ئ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الارض ألا إلى الله تصير الامور) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وكما كنا نوحي في سائر رسلنا، كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، روحا من أمرنا: يقول: وحيا ورحمة من أمرنا. واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به الرحمة. ذكر من قال ذلك: 23766 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن في قوله: روحا من أمرنا قال: رحمة من أمرنا.
[ 60 ]
وقال آخرون: معناه: وحيا من أمرنا. ذكر من قال ذلك: 23767 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا قال: وحيا من أمرنا. وقد بينا معنى الروح فيما مضى بذكر اختلاف أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): ماكنت تدري يا محمد أي شئ الكتاب ولا الايمان اللذين أعطيناكهما ولكن جعلناه نورا يقول: ولكن جعلنا هذا القرآن، وهو الكتاب نورا، يعني ضياء للناس، يستضيئون بضوئه الذي بين الله فيه، وهو بيانه الذي بين فيه، مما لهم فيه في العمل به الرشاد، ومن النار النجاة نهدي به من نشاء من عبادنا يقول: نهدي بهذا القرآن، فالهاء في قوله به من ذكر الكتاب. ويعني بقوله: نهدي به من نشاء: نسدد إلى سبيل الصواب، وذلك الايمان بالله من نشاء من عبادنا يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23768 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان يعني محمدا (ص) ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا يعني بالقرآن. وقال جل ثناؤه ولكن جعلناه فوحد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والايمان، لانه قصد به الخبر عن الكتاب. وقال بعضهم: عنى به الايمان والكتاب، ولكن وحد الهاء، لان أسماء الافعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان. وقوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا، بالدعاء إلى الله، والبيان لهم. كما: 23769 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم قال تبارك وتعالى ولكل قوم هاد داع يدعوهم إلى الله عز وجل.
[ 61 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم قال: لكل قوم هاد. 23770 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم يقول: تدعو إلى دين مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الارض يقول جل ثناؤه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، وهو الاسلام، طريق الله الذي دعا إليه عباده، الذي لهم ملك جميع ما في السموات وما في الارض، لا شريك له في ذلك. والصراط الثاني: ترجمة عن الصراط الاول. وقوله جل ثناؤه: ألا إلى الله تصير الامور يقول جل ثناؤه: ألا إلى الله أيها الناس تصير أموركم في الآخرة، فيقضي بينكم بالعدل. فإن قال قائل: أو ليست أمورهم في الدنيا إليه ؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك، فإن لهم حكاما وولاة ينظرون بينهم، وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره، فلذلك قيل: إليه تصير الامور هنالك وإن كانت الامور كلها إليه وبيده قضاؤها وتدبيرها في كل حال. آخر تفسير سورة حم عسق
[ 62 ]
سورة الزخرف (43) سورة الزخرف مكية أو آياتها تسع وثمانونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (حم ئ والكتاب المبين إنا جعلنه قرءنا عربيا لعلكم تعقلون) *. قد بينا فيما مضى قوله: حم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: والكتاب المبين قسم من الله تعالى أقسم بهذا الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد (ص) فقال: والكتاب المبينلمن تدبر وفكر في عبره، وعظاته، هداه، ورشده، وأدلته على حقيته، وأنه تنزيل من حكيم حميد، لا اختلاق من محمد (ص) ولا افتراء من أحد إنا جعلناه قرآنا عربيا يقول: إنا أنزلناه قرآنا عربيا بلسان العرب، إذ كنتم أيها المنذرون به من رهط محمد (ص) عربا لعلكم تعقلون يقول: لتعقلوا معانيه وما فيه من مواعظ، ولم ينزله بلسان العجم، فيجعله أعجميا، فتقولوا: نحن عرب، وهذا كلام أعجمي لا نفقه معانيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23771 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي حم. والكتاب المبين هو هذا الكتاب المبين. 23772 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة حم. والكتاب المبين مبين والله بركته، وهداه ورشده. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ئ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) *.
[ 63 ]
يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعلي: يقول: لذو علو ورفعة، حكيم: قد أحكمت آياته، ثم فصلت فهو ذو حكمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23773 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن القاسم بن أبي بزة، قال: ثنا عروة بن عامر، أنه سمع ابن عباس يقول: أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، قال: والكتاب عنده، قال: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم. 23774 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم يعني القرآن في أم الكتاب الذي عند الله منه نسخ. 23775 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مالكا يروي عن عمران، عن عكرمة وإنه في أم الكتاب لدينا قال: أم الكتاب القرآن. 23776 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وإنه في أم الكتاب لدينا قال: أم الكتاب: أصل الكتاب وجملته. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه في أم الكتاب: أي جملة الكتاب أي أصل الكتاب. 23777 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وإنه في أم الكتاب يقول: في الكتاب الذي عند الله في الاصل. وقوله: لدينا لعلي حكيم وقد ذكرنا معناه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23778 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لدينا لعلي حكيم يخبر عن منزلته وفضله وشرفه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أفنضرب عنكم ونترككم
[ 64 ]
أيها المشركون فيما تحسبون، فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون. ذكر من قال ذلك: 23779 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال: تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه. 23780 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قوله: أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال: بالعذاب. 23781 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال: أفنضرب عنكم العذاب. 23782 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين يقول: أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن، ولا نذكركم به، لان كنتم قوما مسرفين. ذكر من قال ذلك: 23783 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين: أي مشركين، والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الامة لهلكوا، فدعاهم إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك. 23784 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال: لو أن هذه الامة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحا، قال: الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحا، لا يذكر لكم منه شيئا. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم، لان كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لان الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الامم
[ 65 ]
السالفة قبل الامم التي توعدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها، وما أحل بها من نقمته، ففي ذلك دليل على أن قوله: أفنضرب عنكم الذكر صفحا وعيد منه للمخاطبين به من أهل بالشرك، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة إن كنتم بكسر الالف من إن بمعنى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إذ كنتم قوما مسرفين. وقرأه بعض قراء أهل مكة والكوفة وعامة قراء البصرة أن بفتح الالف من أن، بمعنى: لان كنتم. واختلف أهل العربية في وجه فتح الالف من أن في هذا الموضع، فقال بعض نحويي البصرة: فتحت لان معنى الكلام: لان كنتم. وقال بعض نحويي الكوفة: من فتحها فكأنه أراد شيئا ماضيا، فقال: وأنت تقول في الكلام: أتيت أن حرمتني، تريد: إذ حرمتني، ويكسر إذا أردت: أتيت إن تحرمني. ومثله: لا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم وإن صدوكم بكسر وبفتح. فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا قال: والعرب تنشد قول الفرزدق: أتجزع أن أذنا قتيبة حزتاجهارا ولم تجزع لقتل ابن حازم قال: وينشد: أتجزع أن بان الخليط المودع وحبل الصفا من عزة المتقطع قال: وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح.
[ 66 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الكسر والفتح في الالف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن العرب إذا تقدم أن وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحيانا، فمحضوا لها الجزاء، فقالوا: أقوم إن قمت، وفتحوها أحيانا، وهم ينوون ذلك المعنى، فقالوا: أقوم أن قمت بتأول، لان قمت، فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضيا لم يتكلموا إلا بفتح الالف من أن فقالوا: قمت أن قمت، وبذلك جاء التنزيل، وتتابع شعر الشعراء. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكم أرسلنا من نبي في الاولين ئ وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) *. يقول تعالى ذكره: وكم أرسلنا من نبي يا محمد في القرون الاولين الذين مضوا قبل قرنك الذي بعثت فيه كما أرسلناك في قومك من قريش وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون يقول وما كان يأتي قرنا من أولئك القرون وأمة من أولئك الامم الاولين لنا من نبي يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق، إلا كان الذين يأتيهم ذلك من تلك الامم نبيهم الذي أرسله إليهم يستهزؤون سخرية منهم بهم كاستهزاء قومك بك يا محمد. يقول: فلا يعظمن عليك ما يفعل بك قومك، ولا يشقن عليك، فإنهم إنما سلكوا في استهزائهم بك مسلك أسلافهم، ومنهاج أئمتهم الماضين من أهل الكفر بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الاولين) *. يقول تعالى ذكره: فأهلكنا أشد من هؤلاء المستهزئين بأنبيائهم بطشا إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدة بطشهم، ولم يقدروا على الامتناع من بأسنا إذ أتاهم، فالذين هم أضعف منهم قوة أحرى أن لا يقدروا على الامتناع من نقمنا إذا حلت بهم ومضى مثل الاولين يقول جل ثناؤه: ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثلنا لهم في أمثالهم من مكذبي رسلنا الذين أهلكناهم، يقول: فليتوقع هؤلاء
[ 67 ]
الذين يستهزءون بك يا محمد من عقوبتنا مثل الذي أحللناه بأولئك الذين أقاموا على تكذيبك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23785 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومضى مثل الاولين قال: عقوبة الاولين. 23786 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مثل الاولين قال: سنتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم ئ الذي جعل لكم الارض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون) *. يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك: من خلق السموات السبع والارضين، فأحدثهن وأنشأهن ؟ ليقولن: خلقهن العزيز في سلطانه وانتقامه من أعدائه، العليم بهن وما فيهن من الاشياء، لا يخفى عليه شئ الذي جعل لكم الارض مهدا يقول: الذي مهد لكم الارض، فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم، وتمشون عليها بأرجلكم وجعل لكم فيها سبلا يقول: وسهل لكم فيها طرقا تتطرقونها من بلدة إلى بلدة، لمعا يشكم ومتاجركم. كما: 23787 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعل لكم فيها سبلا أي طرقا. 23788 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي الذي جعل لكم الارض مهدا قال: بساطا وجعل لكم فيها سبلا قال: الطرق لعلكم تهتدون يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البلدان والقرى والامصار، لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم، ولكنها نعمة أنعم بها عليكم.
[ 68 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون ئ والذي خلق الازواج كلها وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون) *. يقول تعالى ذكره: والذي نزل من السماء ماء بقدر يعني: ما نزل جل ثناؤه من الامطار من السماء بقدر: يقول: بمقدار حاجتكم إليه، فلم يجعله كالطوفان، فيكون عذابا كالذي أنزل على قوم نوح، ولا جعله قليلا، لا ينبت به النبات والزرع من قلته، ولكنه جعله غيثا مغيثا، وحيا للارض الميتة محييا فأنشرنا به بلدة ميتا يقول جل ثناؤه: فأحيينا به بلدة من بلادكم ميتا، يعني مجدبة لا نبات بها ولا زرع، قد درست من الجدوب، وتعفنت من القحوط كذلك تخرجون يقول تعالى ذكره: كما أخرجنا بهذا الماء الذي نزلناه من السماء من هذه البلدة الميتة بعد جدوبها وقحوطها النبات والزرع، كذلك أيها الناس تخرجون من بعد فنائكم ومصيركم في الارض رفاتا بالماء الذي أنزله إليها لاحيائكم من بعد مماتكم منها أحياء كهيئتكم التي بها قبل مماتكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23789 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والذي نزل من السماء ماء بقدر... الآية، كما أحيا الله هذه الارض الميتة بهذا الماء كذلك تبعثون يوم القيامة وقيل: أنشرنا به، لان معناه: أحيينا به، ولو وصفت الارض بأنها أحييت، قيل: نشرت الارض، كما قال الاعشى: حتى يقول الناس مما رأوايا عجبا للميت الناشر وقوله: والذي خلق الازواج كلها يقول تعالى ذكره: والذي خلق كل شئ فزوجه، أي خلق الذكور من الاناث أزواجا، والاناث من الذكور أزواجا وجعل لكم من الفلك وهي السفن والانعام وهي البهائم ما تركبون يقول: جعل لكم من
[ 69 ]
السفن ما تركبونه في البحار إلى حيث قصدتم واعتمدتم في سيركم فيها لمعايشكم ومطالبكم، ومن الانعام ما تركبونه في البر إلى حيث أردتم من البلدان، كالابل والخيل والبغال والحمير. القول في تأويل قوله تعالى: * (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ئ وإنآ إلى ربنا لمنقلبون) *. يقول تعالى ذكره: كي تستووا على ظهور ما تركبون. واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله: على ظهوره وتذكيرها، فقال بعض نحويي البصرة: تذكيره يعود على ما تركبون، وما هو مذكر، كما يقال: عندي من النساء من يوافقك ويسرك، وقد تذكر الانعام وتؤنث. وقد قال في موضع آخر: مما في بطونه وقال في موضع آخر: بطونها. وقال بعض نحويي الكوفة: أضيفت الظهور إلى الواحد، لان ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش. قال: فإن قيل: فهلا قلت: لتستووا على ظهره، فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد. قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فردت الظهور إلى المعنى، ولم يقل ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد. وكذلك تقول: قد كثر نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه. قال: وكذلك كل ما أضفت إليه من الاسماء الموصوفة، فأخرجها على الجمع، وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده، مثل قولك: رفع العسكر صوته، وأصواته أجود وجاز هذا لان الفعل لا صورة له في الاثنين إلا الصورة في الواحد. وقال آخر منهم: قيل: لتستووا على ظهره لانه وصف للفلك، ولكنه وحد الهاء، لان الفلك بتأويل جمع، فجمع الظهور ووحد الهاء، لان أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل: الجند منهزم ومنهزمون، فإذا جاءت الاسماء خرج على الاسماء لا غير، فقلت: الجند رجال، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته.
[ 70 ]
قوله: ثم تذكروا نعمة ربكم يقول تعالى ذكره: ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البر والبحر إذا استويتم عليه فتعظموه وتمجدوه، وتقولوا تنزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والانعام، مما يصفه به المشركون، وتشرك معه في العبادة من الاوثان والاصنام وما كنا له مقرنين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23790 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري، قالا: ثنا المحاربي، عن عاصم الاحول، عن أبي هاشم عن أبي مجلز، قال: ركبت دابة، فقلت: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كريب والهباري: قال المحاربي: فسمعت سفيان يقول: هو الحسن بن علي رضوان الله تعالى عليهما، فقال: أهكذا أمرت ؟ قال: قلت: كيف أقول ؟ قال: تقول الحمد لله الذي هدانا الاسلام، الحمد لله الذي من علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام، الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أخرجت للناس، فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما، ثم تقول بعد ذلك سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، أن الحسن بن علي رضي الله عنه، رأى رجلا ركب دابة، فقال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا، ثم ذكر نحوه. 23791 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون: بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وإذا ركبتم الابل قلتم: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والانعام جميعا تقولون: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. 23792 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال: اللهم هذا من منك وفضلك، ثم يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. وقوله: وما كنا له مقرنين وما كنا له مطيقين ولا ضابطين، من قولهم: قد أقرنت
[ 71 ]
لهذا: إذا صرت له قرنا وأطقته، وفلان مقرن لفلان: أي ضابط له مطيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23793 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وما كنا له مقرنين يقول: مطيقين. 23794 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: مقرنين قال: الابل والخيل والبغال والحمير. 23795 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما كنا له مقرنين: أي مطيقين، لا والله لا في الايدي ولا في القوة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وما كنا له مقرنين قال: في القوة. 23796 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وما كنا له مقرنين قال: مطيقين. 23797 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله جل ثناؤه: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين قال: لسنا له مطيقين، قال: لا نطيقها إلا بك، لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها. وقوله: وإنا إلى ربنا لمنقلبون يقول جل ثناؤه: وليقولوا أيضا: وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجعلوا له من عباده جزءا إن الانسان لكفور مبين ئ أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ئ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم) *. يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا، وذلك قولهم للملائكة: هم بنات الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 72 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: وجعلوا له من عباده جزءا قال: ولدا وبنات من الملائكة. 23799 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وجعلوا له من عباده جزءا قال: البنات. وقال آخرون: عنى بالجزء هاهنا: العدل. ذكر من قال ذلك: 23800 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلوا له من عباده جزءا: أي عدلا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وجعلوا له من عباده جزءا: أي عدلا. وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، لان الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين توبيخا لهم على قولهم ذلك، فكان معلوما أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله جل ثناؤه. وقوله: إن الانسان لكفور مبين يقول تعالى ذكره: إن الانسان لذو جحد لنعم ربه التي أنعمها عليه مبين: يقول: يبين كفرانه نعمه عليه، لمن تأمله بفكر قلبه، وتدبر حاله. وقوله: أم اتخذ مما يخلق بنات يقول جل ثناؤه موبخا هؤلاء المشركين الذين وصفوه بأن الملائكة بناته: اتخذ ربكم أيها الجاهلون مما يخلق بنات، وأنتم لا ترضون لانفسكم، وأصفاكم بالبنين: يقول: وأخلصكم بالبنين، فجعلهم لكم وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا يقول تعالى ذكره: وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين الجاعلين لله من عباده جزءا بما ضرب للرحمن مثلا: يقول: بما مثل لله، فشبهه شبها، وذلك ما وصفه به من أن له بنات. كما: 23801 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بما ضرب للرحمن مثلا قال: ولدا.
[ 73 ]
23802 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بما ضرب للرحمن مثلا بما جعل لله. وقوله: ظل وجهه مسودا يقول تعالى ذكره: ظل وجه هذا الذي بشر بما ضرب للرحمن مثلا من البنات مسودا من سوء ما بشر به وهو كظيم يقول: وهو حزين. كما: 23803 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهو كظيم: أي حزين. القول في تأويل قوله تعالى: * (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) *. يقول تعالى ذكره: أو من ينبت في الحلية ويزين بها وهو في الخصام يقول: وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين، من خصمه ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه، جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت. واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، فقال بعضهم: عني بذلك الجواري والنساء. ذكر من قال ذلك: 23804 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين قال: يعني المرأة. 23805 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علقمة، عن مرثد، عن مجاهد، قال: رخص للنساء في الحرير والذهب، وقرأ أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين قال: يعني المرأة. 23806 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين قال: الجواري جعلتموهن للرحمن ولدا، كيف تحكمون. 23807 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أو من
[ 74 ]
ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين قال: الجواري يسفههن بذلك، غير مبين بضعفهن. 23808 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أو من ينشأ في الحلية يقول: جعلوا له البنات وهم إذا بشر أحدهم بهن ظل وجهه مسودا وهو كظيم. قال: وأما قوله: وهو في الخصام غير مبين يقول: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. 23809 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين قال: النساء. وقال آخرون: عني بذلك أو ثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. ذكر من قال ذلك: 23810 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو من ينشأ في الحلية... الآية، قال: هذه تماثيلهم التي يضربونها من فضة وذهب يعبدونها هم الذين أنشأوها، ضربوها من تلك الحلية، ثم عبدوها وهو في الخصام غير مبين قال: لا يتكلم، وقرأ فإذا هو خصيم مبين. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الجواري والنساء، لان ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لانفسهم من البنات، وقلة معرفتهم بحقه، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم، والمنعم عليهم النعم التي عددها في أول هذه السورة ما لا يرضونه لانفسهم، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر. واختلف القراء في قراءة قوله: أو من ينشأ في الحلية فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين أو من ينشأ بفتح الياء والتخفيف من نشأ ينشأ. وقرأته عامة قراء الكوفة ينشأ بضم الياء وتشديد الشين من نشأته فهو ينشأ. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار، متقاربتا المعنى، لان المنشأ من الانشاء ناشئ، والناشئ منشأ، فبأيتهما قرأ
[ 75 ]
القارئ فمصيب. وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله أو من لا ينشأ إلا في الحلية، وفي من وجوه من الاعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل: أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله. وقد يجوز النصب فيه أيضا على الرد على قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية، فيرد من على البنات، والخفض على الرد على ما التي في قوله: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) *. يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة الذين هم عند الرحمن بالنون، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جل ثناؤه: إن الذين عند ربك لا يستكبرون فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا، فقالوا: هم بنات الله جهلا منهم بحق الله، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا بمعنى: جمع عبد. فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده. واختلفوا أيضا في قراءة قوله: أشهدوا خلقهم فقرأ ذلك بعض قراء المدينة أشهدوا خلقهم بضم الالف، على وجه ما لم يسم فاعله، بمعنى: أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا، خلق ملائكته الذين هم عنده، فعلموا ما هم، وأنهم إناث، فوصفوهم بذلك، لعلمهم بهم، وبرؤيتهم إياهم، ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله. وقرئ بفتح الالف، بمعنى: أشهدوا هم ذلك فعلموه ؟
[ 76 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ستكتب شهادتهم يقول تعالى ذكره: ستكتب شهادة هؤلاء القائلين: الملائكة بنات الله في الدنيا، بما شهدوا به عليهم، ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا لو شآء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ئ أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) *. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه، وإنما لم يحل بنا عقوبة على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتناها. كما: 23811 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لو شاء الرحمن ما عبدناهم للاوثان يقول الله عز وجل ما لهم بذلك من علم يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم، وإنما يقولونه تخرصا وتكذبا، لانهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا برهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا إن هم إلا يخرصون يقول: ما هم إلا متخرصون هذا القول الذي قالوه، وذلك قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم. وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك، ما: 23812 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن هم إلا يخرصون ما يعلمون قدرة الله على ذلك. وقوله: أم آتيناهم كتابا من قبله يقول تعالى ذكره ما آتينا هؤلاء المتخرصين القائلين لو شاء الرحمن ما عبدنا الآلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك، من قبل هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد فهم به مستمسكون يقول: فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن، مستمسكون يعملون به، ويدينون بما فيه، ويحتجون به عليك.
[ 77 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (بل قالوا إنا وجدنا آبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) *. يقول تعالى ذكره: ما آتينا هؤلاء القائلين: لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء الاوثان بالامر بعبادتها، كتابا من عندنا، ولكنهم قالوا: وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها، فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها وعنى جل ثناؤه بقوله: بل وجدنا آباءنا على أمة بل وجدنا آباءنا على دين وملة، وذلك هو عبادتهم الاوثان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23813 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: على أمة: ملة. 23814 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنا وجدنا آباءنا على أمة يقول: وجدنا آباءنا على دين. 23815 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا وجدنا آباءنا على أمة قال: قد قال ذلك مشركو قريش: إنا وجدنا آباءنا على دين. 23816 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السدي قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة قال: على دين. واختلفت القراء في قراءة قوله: على أمة فقرأته عامة قراء الامصار على أمة بضم الالف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة. وذكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأه على إمة بكسر الالف. وقد اختلف في معناها إذا كسرت ألفها، فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل: أممت القوم فأنا أؤمهم إمة. وذكر عن العرب سماعا: ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان مصدرا. ووجهه بعضهم إذا كسرت ألفها إلى أنها الامة التي بمعنى النعيم والملك، كما قال عدي ابن زيد:
[ 78 ]
ثم بعد الفلاح والملك والامة وارتهم هناك القبور وقال: أراد إمامة الملك ونعيمه. وقال بعضهم: (الامة بالضم، والامة بالكسر بمعنى واحد). والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره: الضم في الالف لاجماع الحجة من قراء الامصار عليه. وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلا معنى الطريقة والمنهاج، على ما ذكرناه قبل، لا النعمة والملك، لانه لا وجه لان يقال: إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك، لان الاتباع إنما يكون في الملل والاديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة، لان الاتباع في الملك ليس بالامر الذي يصل إليه كل من أراده. وقوله: وإنا على آثارهم مهتدون يقول: وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون، يعني: لهم متبعون على منهاجهم. كما: 23817 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وإنا على آثارهم مهتدون يقول: وإنا على دينهم. 23818 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنا على آثارهم مهتدون يقول: وإنا متبعوهم على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك مآ أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) *. يقول تعالى ذكره: وهكذا كما فعل هؤلاء المشركون من قريش فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله، وقالوا مثل قولهم، لم نرسل من قبلك يا محمد في قرية، يعني إلى أهلها رسلا تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا فأنذروهم وحذروهم سخطنا، وحلول عقوبتنا بهم إلا قال مترفوها، وهم رؤساؤهم وكبراؤهم. كما: 23819 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إلا قال مترفوها قال: رؤساؤهم وأشرافهم.
[ 79 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها قادتهم ورؤسهم في الشرك. وقوله: إنا وجدنا آباءنا على أمة يقول: قالوا: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين وإنا على آثارهم يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا، ونعبد ما كانوا يعبدون يقول جل ثناؤه لمحمد (ص): فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به، وردهم ما ردوا عليك من النصيحة، واحتجاجهم بما احتجوا به لمقامهم على دينهم الباطل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23820 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإنا على آثارهم مقتدون قال بفعلهم. 23821 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنا على آثارهم مقتدون فاتبعوهم على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبآءكم قالوا إنا بمآ أرسلتم به كافرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك، القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون أو لو جئتكم أيها القوم من عند ربكم بأهدى إلى طريق الحق، وأدل لكم على سبيل الرشاد مما وجدتم أنتم عليه آباءكم من الدين والملة، قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون يقول: فقال ذلك لهم، فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من الامم المكذبة رسلها لانبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون، يعني: جاحدون منكرون. وقرأ ذلك قراء الامصار سوى أبي جعفر قل أو لو جئتكم بالتاء. وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه قرأه قل أو لو جئناكم بالنون والالف. والقراءة عندنا ما عليه قراء الامصار لاجماع الحجة عليه.
[ 80 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) *. يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذبة رسلها من الامم الكافرة بربها، بإحلالنا العقوبة بهم، فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم، إذ كذبوا بآيات الله. ويعني بقوله: عاقبة المكذبين آخر أمر الذين كذبوا رسل الله إلام صار، يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم ؟ كما: 23822 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين قال: شر والله، أخذهم بخسف وغرق، ثم أهلكهم فأدخلهم النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إنني برآء مما تعبدون ئ إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ئ وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) *. يقول تعالى ذكره: وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد إنني براء مما تعبدون من دون الله، فكذبوه، فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الامم المكذبة رسلها. وقيل: إنني براء مما تعبدون فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت، والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا تؤنث، فتقول: نحن البراء والخلاء: لما ذكرت أنه مصدر، وإذا قالوا: هو برئ منك ثنوا وجمعوا وأنثوا، فقالوا: هما بريئان منك، وهم بريئون منك. وذكر أنها في قراءة عبد الله: إنني برئ بالياء، وقد يجمع برئ: براء وأبراء إلا الذي فطرني يقول: إني برئ مما تعبدون من شئ إلا من الذي فطرني، يعني الذي خلقني فإنه سيهدين يقول: فإنه سيقومني للدين الحق، ويوفقني لاتباع سبيل الرشد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 81 ]
23823 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه... الآية، قال: كايدهم، كانوا يقولون: إن الله ربنا ولئن سألتهم من خلق السموات، والارض ليقولن الله، فلم يبرأ من ربه. 23824 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: إنني براء مما تعبدون يقول: إنني برئ مما تعبدون إلا الذي خلقني. 23825 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي إلا الذي فطرني قال: خلقني. وقوله: وجعلها كلمة باقية في عقبه يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني وهو قول: لا إله إلا الله، كلمة باقية في عقبه، وهم ذريته، فلم يزل في ذريته من يقول ذلك من بعده. واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه، فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: 23826 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد وجعلها كلمة باقية في عقبه قال: لا إله إلا الله. 23827 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلها كلمة باقية قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وجعلها كلمة باقية في عقبه قال: التوحيد والاخلاص، ولا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده. 23828 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وجعلها كلمة باقية في عقبه قال: لا إله إلا الله. وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الاسلام. ذكر من قال ذلك: 23829 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجعلها كلمة باقية في عقبه فقرأ إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين
[ 82 ]
قال: جعل هذه باقية في عقبه، قال: الاسلام، وقرأ هو سماكم المسلمين من قبل فقرأ واجعلنا مسلمين لك. وبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23830 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: في عقبه قال: ولده. 23831 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجعلها كلمة باقية في عقبه قال: يعني من خلفه. 23832 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي في عقبه قال: في عقب إبراهيم آل محمد (ص). 23833 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد، وولد الولد. 23834 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في عقبه قال: عقبه: ذريته. وقوله: لعلهم يرجعون يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، ويثوبوا إلى عبادته، ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23835 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لعلهم يرجعون: أي يتوبون، أو يذكرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ئ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) *.
[ 83 ]
يقول تعالى ذكره: بل متعت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك وآباءهم من قبلهم بالحياة، فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حتى جاءهم الحق يعني جل ثناؤه بالحق: هذا القرآن: يقول: لم أهلكهم بالعذاب حتى أنزلت عليهم الكتاب، وبعثت فيهم رسولا مبينا. يعني بقوله: ورسول مبين: محمدا (ص)، والمبين: أنه يبين لهم بالحجج التي يحتج بها عليهم أنه لله رسول محق فيما يقول ولما جاءهم الحق يقول جل ثناؤه: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآن من عند الله، ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه قالوا هذا سحر يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به، ليس بوحي من الله وإنا به كافرون يقول: قالوا: وإنا به جاحدون، ننكر أن يكون هذا من الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23836 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون قال: هؤلاء قريش قالوا القرآن الذي جاء به محمد (ص): هذا سحر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ئ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) *. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر، فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف. واختلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم، فقالوا: هلا نزل عليه هذا القرآن، فقال بعضهم: هلا نزل على الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف ؟. ذكر من قال ذلك: 23837 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم قال: يعني بالعظيم: الوليد بن المغيرة القرشي، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وبالقريتين: مكة والطائف.
[ 84 ]
وقال آخرون: بل عني به عتبة بن ربيعة من أهل مكة، وابن عبد ياليل، من أهل الطائف. ذكر من قال ذلك: 23838 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد على رجل من القريتين عظيم قال عتبة بن ربيعة من أهل مكة، وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف. وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة، ومن أهل الطائف: ابن مسعود. ذكر من قال ذلك: 23839 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: رجل من القريتين عظيم قال: الرجل: الوليد بن المغيرة، قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل على هذا، أو على ابن مسعود الثقفي، والقريتان: الطائف ومكة، وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود. 23840 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم والقريتان: مكة والطائف قال: قد قال ذلك مشركو قريش، قال: بلغنا أنه ليس فخذ من قريش إلا قد ادعته، وقالوا: هو منا، فكنا نحدث أن الرجلين: الوليد بن المغيرة، وعروة الثقفي أبو مسعود، يقولون: هلا كان أنزل على أحد هذين الرجلين. 23841 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب: قال ابن زيد، في قوله: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم قال: كان أحد العظيمين عروة بن مسعود الثقفي، كان عظيم أهل الطائف. وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة، ومن أهل الطائف: كنانة بن عبد بن عمرو. ذكر من قال ذلك: 23842 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وقالوا لولا
[ 85 ]
نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم قال: الوليد بن المغيرة القرشي، وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير، عظيم أهل الطائف. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جل ثناؤه، مخبرا عن هؤلاء المشركين وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه، ولا على لسان رسوله (ص)، والاختلاف فيه موجود على ما بينت. وقوله: أهم يقسمون رحمة ربك يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد، يقسمون رحمة ربك بين خلقه، فيجعلون كرامته لمن شاؤوا، وفضله لمن أرادوا، أم الله الذي يقسم ذلك، فيعطه من أحب، ويحرمه من شاء ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23843 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: لما بعث الله محمدا رسولا، أنكرت العرب ذلك، ومن أنكر منهم، فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، قال: فأنزل الله عز وجل: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وقال وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسئلوا أهل الذكر يعني: أهل الكتب الماضية، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم، وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولا: قال: ثم قال: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى: أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم قال: فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا، وإذ كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة فلولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يقولون: أشرف من محمد (ص)، يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان يسمى ريحانة قريش، هذا من مكة، ومسعود بن عمرو بن عبيد الله
[ 86 ]
الثقفي من أهل الطائف، قال: يقول الله عز وجل ردا عليهم أهم يقسمون رحمة ربك أنا أفعل ما شئت. وقوله: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا، فنجعل من شئنا رسولا، ومن أردنا صديقا، ونتخذ من أردنا خليلا، كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الارزاق والاقوات، فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة، بل جعلنا هذا غنيا، وهذا فقيرا، وهذا ملكا، وهذا مملوكا ليتخذ بعضهم بعضا سخريا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23844 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله تبارك وتعالى أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا فتلقاه ضعيف الحيلة، عيي اللسان، وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، سليط اللسان، وهو مقتور عليه، قال الله جل ثناؤه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى. وقوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا يقول: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه، وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل، يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا في المعاش في الدنيا. وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 23845 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة. 23846 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا قال: هم بنو آدم جميعا، قال: وهذا عبد هذا، ورفع هذا على هذا درجة، فهو يسخره بالعمل، يستعمله به، كما يقال: سخر فلان فلانا. وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: 23847 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان،
[ 87 ]
عن الضحاك، في قوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم. 23848 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ملكة. وقوله: ورحمة ربك خير مما يجمعون يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الاموال في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ورحمة ربك خير مما يجمعون يعني الجنة. 23849 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ورحمة ربك يقول: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) *. يقول تعالى ذكره: ولولا أن يكون الناس أمة: جماعة واحدة. ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه، لو فعل ما قال جل ثناؤه، وما به لم يفعله من أجله، فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر، فيصير جميعهم كفارا لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ذكر من قال ذلك. 23850 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة يقول الله سبحانه: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا، لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة. 23851 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة قال: لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون،
[ 88 ]
يميلون إلى الدنيا، لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال، ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها، وما فعل ذلك، فكيف لو فعله. 23852 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة: أي كفارا كلهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولولا أن يكون الناس أمة واحدة قال: لولا أن يكون الناس كفارا. 23853 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولولا أن يكون الناس أمة واحدة يقول: كفارا على دين واحد. وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الآخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الآخرة. ذكر من قال ذلك: 23854 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة قال: لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم، لجعلنا هذا لاهل الكفر. وقوله: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن في الدنيا سقفا، يعني أعالي بيوتهم، وهي السطوح فضة. كما: 23855 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لبيوتهم سقفا من فضة السقف: أعلى البيوت. واختلف أهل العربية في تكرير اللام التي في قوله: لمن يكفر، وفي قوله: لبيوتهم، فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلتها في لبيوتهم مكررة، كما في يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين، كأن الثانية في معنى على، كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الاعطية: أي جعلته من أجلك لهم. واختلفت القراء في قراءة قوله: سقفا فقرأته عامة قراء أهل مكة وبعض المدنيين
[ 89 ]
وعامة البصريين سقفا بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فخر عليهم السقف من فوقهم وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة سقفا بضم السين والقاف، ووجهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع، لان السقوف: جمع سقف، ثم تجمع السقوف سقفا، فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه فرهن مقبوضة بضم الراء والهاء، وهي الجمع، واحدها رهان ورهون، وواحد الرهون والرهان: رهن. وكذلك قراءة من قرأ كلوا من ثمره بضم الثاء والميم، ونظير قول الراجز: (حتى إذا ابتلت حلاقيم الحلق) وقد زعم بعضهم أن السقف بضم السين والقاف جمع سقف، والرهن بضم الراء والهاء جمع رهن، فأغفل وجه الصواب في ذلك، وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فعل، فيجعل السقف والرهن مثله. والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، معروفتان في قرأة الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ومعارج عليها يظهرون يقول: ومراقي ودرجا عليها يصعدون، فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها، كما قال المثنى بن جندل: (يا رب البيت ذي المعارج)
[ 90 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23856 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ومعارج قال: معارج من فضة، وهي درج. 23857 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومعارج عليها يظهرون: أي درجا عليها يصعدون. 23858 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ومعارج عليها يظهرون قال: المعارج: المراقي. حدثنا محمد، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ومعارج عليها يظهرون قال: درج عليها يرفعون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن ابن عباس قوله: ومعارج عليها يظهرون قال: درج عليها يصعدون إلى الغرف. 23859 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومعارج عليها يظهرون قال: المعارج: درج من فضة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ئ وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) *. يقول تعالى ذكره: وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة، وسررا من فضة. كما: 23860 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، وسررا قال: سرر فضة. 23861 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله: ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون قال: الابواب من فضة، والسرر من فضة عليها يتكئون، يقول: على السرر يتكئون.
[ 91 ]
وقوله: وزخرفا يقول: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا، وهو الذهب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23862 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وزخرفا وهو الذهب. 23863 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وزخرفا قال: الذهب. وقال الحسن: بيت من زخرف، قال: ذهب. 23864 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وزخرفا الزخرف: الذهب، قال: قد والله كانت تكره ثياب الشهرة. وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان. 23865 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وزخرفا قال: الذهب. حدثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وزخرفا قال: الذهب. حدثنا أحمد، قال ثنا أسباط عن السدي وزخرفا قال: الذهب. 23866 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وزخرفا لجعلنا هذا لاهل الكفر، يعني لبيوتهم سقفا من فضة وما ذكر معها. والزخرف سمى هذا الذي سمى السقف، والمعارج والابواب والسرر من الاثاث والفرش والمتاع. 23867 - حدثت عن الحسن، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وزخرفا يقول: ذهبا. والزخرف على قول ابن زيد: هذا هو ما تتخذه الناس في منازلهم من الفرش والامتعة والآلات. وفي نصب الزخرف وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف، فلما لم يكرر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك، والمعنى فيه: فكأنه قيل: وزخرفا يجعل ذلك لهم منه. والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على السرر، فيكون معناه: لجعلنا لهم هذه الاشياء من فضة، وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم غنى يستغنون بها، ولو كان التنزيل جاء بخفض الزخرف لكان: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف، فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة. وأما المعارج فإنها جمعت على مفاعل، وواحدها معراج، على جمع معرج، كما
[ 92 ]
يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح، لانهما لغتان: معرج، ومفتح، ولو جمع معاريج كان صوابا، كما يجمع المفتاح مفاتيح، إذ كان واحده معراج. وقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا يقول تعالى ذكره: وما كل هذه الاشياء التي ذكرت من السقف من الفضة والمعارج والابواب والسرر من الفضة والزخرف، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين يقول تعالى ذكره: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، الذين اتقوا الله فخافوا عقابه، فجدوا في طاعته، وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق الله. كما: 23868 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والآخرة عند ربك للمتقين خصوصا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ئ وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) *. يقول تعالى ذكره: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته، ولم يخش عقابه نقيض له شيطانا فهو له قرين يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين، أي يصير كذلك، وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين، يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوا: إذا ضعف بصره، وأظلمت عينه، كأن عليه غشاوة، كما قال الشاعر: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
[ 93 ]
يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر، فإنه يقال فيه: عشي فلان يعشى عشى منقوص، ومنه قول الاعشي: رأت رجلا عائب الوافدين مختلف الخلق أعشى ضريرا يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالاعراض منه عنه إلا نظرا ضعيفا، كنظر من قد عشي بصره نقيض له شيطانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23869 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا فهو له قرين. 23870 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: ومن يعش عن ذكر الرحمن قال: يعرض. وقد تأوله بعضهم بمعنى: ومن يعم، ومن تأول ذلك كذلك، فيجب أن تكون قراءته ومن يعش بفتح الشين على ما بينت قبل. ذكر من تأوله كذلك: 23871 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن يعش عن ذكر الرحمن قال: من يعم عن ذكر الرحمن. وقوله: وإنهم ليصدونهم عن السبيل يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدون
[ 94 ]
هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحق، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم الايمان بالله، والعمل بطاعته ويحسبون أنهم مهتدون يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب، يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شك وعلى غير بصيرة. وقال جل ثناؤه: وإنهم ليصدونهم عن السبيل فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع، وإنما ذكر قبل واحدا، فقال: نقيض له شيطانا لان الشيطان وإن كان لفظه واحدا، ففي معنى جمع. القول في تأويل قوله تعالى: * (حتى إذا جاءنا قال يليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ئ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: حتى إذا جاءنا فقرأته عامة قراء الحجاز سوى ابن محيصن، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين حتى إذا جاآنا على التثنية بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عشي عن ذكر الرحمن، وقرينه الذي قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وابن محيصن: حتى إذا جاءنا على التوحيد، بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا، الكفاية للسامع عن خبر الآخر، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23872 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى إذا جاءانا هو وقرينه جميعا. وقوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما قيل: شبه القمرين، وكما قال الشاعر:
[ 95 ]
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع وكما قال الآخر: فبصرة الازد منا والعراق لنا والموصلان ومنا مصر والحرم يعني: الموصل والجزيرة، فقال: الموصلان، فغلب الموصل. وقد قيل: عنى بقوله بعد المشرقين: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق، وفي الصيف من مشرق غيره وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين، كما قال جل ثناؤه: رب المشرقين ورب المغربين. وذكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم. ذكر من قال ذلك: 23873 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن سعيد الجريري، قال: بلغني أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره، سفع بيده الشيطان، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار، فذلكم حين يقول: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين، فبئس القرين. وأما المؤمن فيوكل به ملك فهو معه حتى قال: إما يفصل بين الناس، أو نصير إلى ما شاء الله. وقوله: ولن ينفعكم اليوم أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا إذ ظلمتم أنكم في
[ 96 ]
العذاب مشتركون يقول: لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه، لان لكل واحد منكم نصيبه منه، وأن من قوله أنكم في موضع رفع لما ذكرت أن معناه: لن ينفعكم اشتراككم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ئ فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون ئ أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أفأنت تسمع الصم: من قد سلبه الله استماع حججه التي احتج بها في هذا الكتاب فأصمه عنه، أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى الله قلبه عن إبصاره، واستحوذ عليه الشيطان، فزين له الردى ومن كان في ضلال مبين يقول: أو تهدي من كان في جور عن قصد السبيل، سالك غير سبيل الحق، قد أبان ضلاله أنه عن الحق زائل، وعن قصد السبيل جائر: يقول جل ثناؤه: ليس ذلك إليك، إنما ذلك إلى الله الذي بيده صرف قلوب خلقه كيف شاء، وإنما أنت منذر، فبلغهم النذارة. وقوله: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الوعيد، فقال بعضهم: عني به أهل الاسلام من أمة نبينا عليه الصلاة والسلام. ذكر من قال ذلك: 23874 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: ثني أبي، عن أبي الاشهب، عن الحسن، في قوله: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون قال: لقد كانت بعد نبي الله نقمة شديدة، فأكرم الله جل ثناؤه نبيه (ص) أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده. 23875 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون فذهب الله بنبيه (ص)، ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه، وأبقى الله النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته العقوبة، أو قال مالا يشتهي. ذكر لنا أن النبي (ص) أري الذي لقيت أمته بعده، فما زال منقبضا ما انبسط ضاحكا حتى لقي الله تبارك وتعالى.
[ 97 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون فقال: ذهب النبي (ص) وبقيت النقمة، ولم ير الله نبيه (ص) في أمته شيئا يكرهه حتى مضى، ولم يكن نبي قط إلا رأى العقوبة في أمته، إلا نبيكم (ص). قال: وذكر لنا أن النبي (ص) أري ما يصيب أمته بعده، فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله. وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك من قريش، وقالوا: قد رأى الله نبيه عليه الصلاة والسلام فيهم. ذكر من قال ذلك: 23876 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون كما انتقمنا من الامم الماضية أو نرينك الذي وعدناهم فقد أراه الله ذلك وأظهره عليه وهذا القول الثاني أولى التأويلين في ذلك بالصواب وذلك أن ذلك في سياق خبر الله عن المشركين فلان يكون ذلك تهديدا لهم أولى من أن يكون وعيدا لمن لم يجر له ذكر. فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين، فنخرجك من بينهم فإنا منهم منتقمون، كما فعلنا ذلك بغيرهم من الامم المكذبة رسلها، أو نرينك الذي وعدناهم يا محمد من الظفر بهم، وإعلائك عليهم فإنا عليهم مقتدرون أن نظهرك عليهم، ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ئ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك، إنك على صراط مستقيم ومنهاج سديد، وذلك هو دين الله الذي أمر به، وهو الاسلام. كما: 23877 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم: أي الاسلام. 23878 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم.
[ 98 ]
وقوله: وإنه لذكر لك ولقومك يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش وسوف تسئلون يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه ؟. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23879 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: قوله: وإنه لذكر لك ولقومك يقول: إن القرآن شرف لك. 23880 - حدثني عمرو بن مالك، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإنه لذكر لك ولقومك قال: يقول للرجل: من أنت ؟ فيقول: من العرب، فيقال: من أي العرب ؟ فيقول: من قريش. 23881 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه لذكر لك ولقومك وهو هذا القرآن. 23882 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وإنه لذكر لك ولقومك قال: شرف لك ولقومك، يعني القرآن. 23883 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإنه لذكر لك ولقومك قال: أو لم تكن النبوة والقرآن الذي أنزل على نبيه (ص) ذكرا له ولقومه. القول في تأويل قوله تعالى: * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) *. اختلف أهل التأويل في معنى قوله: واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ومن الذين أمر رسول الله (ص) بمسألتهم ذلك، فقال بعضهم الذين أمر بمسألتهم ذلك رسول الله (ص)، مؤمنو أهل الكتابين: التوراة، والانجيل. ذكر من قال ذلك: 23884 - حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة،
[ 99 ]
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله بن مسعود واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا. 23885 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا إنها قراءة عبد الله: سل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا. 23886 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا يقول: سل أهل التوراة والانجيل: هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده ؟ قال: وفي بعض القراءة: واسأل الذين أرسلنا إليهم رسلنا قبلك. أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في بعض الحروف واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا سل أهل الكتاب: أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد ؟ أما كانت تأتي بالاخلاص ؟. 23887 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا في قراءة ابن مسعود سل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يعني: مؤمني أهل الكتاب. وقال آخرون: بل الذي أمر بمسألتهم ذلك الانبياء الذين جمعوا له ليلة أسري به ببيت المقدس. ذكر من قال ذلك: 23888 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واسئل من أرسلنا من قبلك... الآية، قال: جمعوا له ليلة أسري به ببيت المقدس، وصلى بهم، فقال الله له: سلهم، قال: فكان أشد إيمانا ويقينا بالله وبما جاءه من الله أن يسألهم، وقرأ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك قال: فلم يكن في شك، ولم يسأل الانبياء، ولا الذين يقرأون الكتاب. قال: ونادى جبرائيل (ص)، فقلت في نفسي: الآن يؤمنا أبونا إبراهيم قال: فدفع جبرائيل في
[ 100 ]
ظهري، قال: تقدم يا محمد فصل، وقرأ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام... حتى بلغ لنريه من آياتنا. وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال: عنى به: سل مؤمني أهل الكتابين. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يقال: سل الرسل، فيكون معناه: سل المؤمنين بهم وبكتابهم ؟ قيل: جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم، فالخبر عنهم وعما جاؤوا به من ربهم إذا صح بمعنى خبرهم، والمسألة عما جاؤوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسؤول من أهل العلم بهم والصدق عليهم، وذلك نظير أمر الله جل ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول، يقول: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول، ومعلوم أن معنى ذلك: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، لان الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول. وكذلك قوله: واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا، فاستغني بذكر الرسل من ذكر الكتب، إذ كان معلوما ما معناه. وقوله: أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون يقول: أمرناهم بعبادة الآلهة من دون الله فيما جاؤوهم به، أو أتوهم بالامر بذلك من عندنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23889 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ؟ أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله ؟ وقيل: آلهة يعبدون، فأخرج الخبر عن الآلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم، ولم يقل: تعبد، ولا يعبدن، فتؤنث وهي حجارة، أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد. وإنما فعل ذلك كذلك، إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسراتهم، فأجري الخبر عنها مجرى الخبر عن الملوك والاشراف من بني آدم.
[ 101 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنآ إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين ئ فلما جاءهم بآياتنآ إذا هم منها يضحكون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا يا محمد موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه، كما أرسلناك إلى هؤلاء المشركين من قومك، فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين، كما قلت أنت لقومك من قريش. إني رسول الله إليكم، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون يقول: فلما جاء موسى فرعون وملاه بحججنا وأدلتنا على صدق قوله، فيما يدعوهم إليه من توحيد الله والبراءة من عبادة الآلهة، إذا فرعون وقومه مما جاءهم به موسى من الآيات والعبر يضحكون كما أن قومك مما جئتهم به من الآيات والعبر يسخرون، وهذا تسلية من الله عز وجل نبيه (ص) عما كان يلقى من مشركي قومه، وإعلام منه له، أن قومه من أهل الشرك لن يعدو أن يكونوا كسائر الامم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله وتكذيب رسله، وندب منه نبيه (ص) إلى الاستنان في الصبر عليهم بسنن أولي العزم من الرسل، وإخبار منه له أن عقبى مردتهم إلى البوار والهلاك كسنته في المتمردين عليه قبلهم، وإظفاره بهم، وإعلائه أمره، كالذي فعل بموسى عليه السلام، وقومه الذين آمنوا به من إظهارهم على فرعون وملئه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) *. يقول تعالى ذكره: وما نري فرعون وملاه آية، يعني: حجته لنا عليه بحقيقة ما يدعوه إليه رسولنا موسى إلا هي أكبر من أختها يقول: إلا التي نريه من ذلك أعظم في الحجة
[ 102 ]
عليهم وأوكد من التي مضت قبلها من الآيات، وأدل على صحة ما يأمره به موسى من توحيد الله. وقوله: وأخذناهم بالعذاب يقول: وأنزلنا بهم العذاب، وذلك كأخذه تعالى ذكره إياهم بالسنين، ونقص من الثمرات، وبالجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وقوله: لعلهم يرجعون يقول: ليرجعوا عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته، والتوبة مما هم عليه مقيمون من معاصيهم. كما: 23890 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون أي يتوبون، أو يذكرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا يأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ئ فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) *. يقول تعالى ذكره: وقال فرعون وملؤه لموسى: يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك وعنوا بقولهم بما عهد عندك: بعهده الذي عهد إليك أنا إن آمنا بك واتبعناك، كشف عنا الرجز. كما: 23891 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل بما عهد عندك قال لئن آمنا ليكشفن عنا العذاب. إن قال لنا قائل: وما وجه قيلهم يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك، وكيف سموه ساحرا وهم يسألونه أن يدعو لهم ربه ليكشف عنهم العذاب ؟ قيل: إن الساحر كان عندهم معناه: العالم، ولم يكن السحر عندهم ذما، وإنما دعوه بهذا الاسم، لان معناه عندهم كان: يا أيها العالم. وقوله: إننا لمهتدون يقول: قالوا: إنا لمتبعوك فمصدقوك فيما جئتنا به،
[ 103 ]
وموحدو الله فمبصرو سبيل الرشاد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23892 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون قال: قالوا يا موسى: ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك. وقوله: فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون يقول تعالى ذكره: فلما رفعنا عنهم العذاب الذي أنزلنا بهم، الذي وعدوا أنهم إن كشف عنهم اهتدوا لسبيل الحق، إذا هم بعد كشفنا ذلك عنهم ينكثون العهد الذي عاهدونا: يقول: يغدرون ويصرون على ضلالهم، ويتمادون في غيهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23893 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذا هم ينكثون: أي يغدرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونادى فرعون في قومه قال يقوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) *. يقول تعالى ذكره: ونادى فرعون في قومه من القبط، فقال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون يعني بقوله: من تحتي: من بين يدي في الجنان. كما: 23894 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهذه الانهار تجري من تحتي قال: كانت لهم جنات وأنهار ماء. وقوله: أفلا تبصرون يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير، وما فيه موسى من الفقر وعي اللسان، افتخر بملكه مصر عدو الله، وما قد مكن له من
[ 104 ]
الدنيا استدراجا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الآيات والعبر، ولم يكن ذلك سحرا، لاكسب نفسه من الملك والنعمة، مثل الذي هو فيه من ذلك جهلا بالله واغترارا منه بإملائه إياه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ئ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم، أم هذا الذي هو مهين لا شئ له من الملك والاموال مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه ؟ وقد اختلف في معنى قوله: أم في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير، وقالوا: ذلك خبر، لا استفهام. ذكر من قال ذلك: 23895 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة. وقال بعض نحويي الكوفة، هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله: أليس لي ملك مصر ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام، وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره، ويكون معنى الكلام حينئذ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين، أم هو ؟. وذكر عن بعض القراء أنه كان يقرأ ذلك أما أنا خير.
[ 105 ]
23896 - حدثت بذلك عن الفراء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن بعض القراء قرأ كذلك، ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قرأة الامصار لكانت صحيحة، وكان معناها حسنا، غير أنها خلاف ما عليه قراء الامصار، فلا أستجيز القراءة بها، وعلى هذه القراءة لو صحت لا كلفة له في معناها ولا مؤونة. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار. وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك، تأويل من جعل: أم أنا خير ؟ من الاستفهام الذي جعل بأم، لاتصاله بما قبله من الكلام، ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين ؟ أم هو ؟ ثم ترك ذكر أم هو، لما في الكلام من الدليل عليه. وعنى بقوله: من هذا الذي هو مهين: من هذا الذي هو ضعيف لقلة ماله، وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23897 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أم أنا خير من هذا الذي هو مهين قال: ضعيف. 23898 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي من هذا الذي هو مهين قال: المهين: الضعيف. وقوله: ولا يكاد يبين يقول: ولا يكاد يبين الكلام من عي لسانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23899 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولا يكاد يبين: أي عي اللسان. 23900 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولا يكاد يبين الكلام. وقوله: فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب يقول: فهلا ألقي على موسى إن كان صادقا أنه رسول رب العالمين أسورة من ذهب، وهو جمع سوار، وهو القلب الذي يجعل في اليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 106 ]
23901 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أسورة من ذهب يقول: أقلبة من ذهب. 23902 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أسورة من ذهب: أي أقلبة من ذهب. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب. وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه أسورة من ذهب. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ما عليه قرأة الامصار، وإن كانت الاخرى صحيحة المعنى. واختلف أهل العربية في واحد الاساورة، والاسورة، فقال بعض نحويي البصرة: الاسورة جمع إسوار قال: والاساورة جمع الاسورة وقال: ومن قرأ ذلك أساورة، فإنه أراد أساوير والله أعلم، فجعل الهاء عوضا من الياء، مثل الزنادقة صارت الهاء فيها عوضا من الياء التي في زناديق. وقال بعض نحويي الكوفة: من قرأ أساورة جعل واحدها إسوار ومن قرأ أسورة جعل واحدها سوار وقال: قد تكون الاساورة جمع أسورة كما يقال في جمع الاسقية الاساقي، وفي جمع الاكرع الاكارع. وقال آخر منهم قد قيل في سوار اليد: يجوز فيه أسوار وإسوار قال: فيجوز على هذه اللغة أن يكون أساورة جمعه. وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: واحد الاساورة إسوار قال: وتصديقه في قراءة أبي بن كعب فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب فإن كان ما حكي من الرواية من أنه يجوز أن يقال في سوار اليد إسوار، فلا مؤونة في جمعه أساورة، ولست أعلم ذلك صحيحا عن العرب برواية عنها، وذلك أن المعروف في كلامهم من معنى الاسوار: الرجل الرامي، الحاذق بالرمي من رجال العجم. وأما الذي يلبس في اليد، فإن المعروف من أسمائه عندهم سوارا. فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالاساورة أن يكون جمع أسورة على ما قاله الذي ذكرنا قوله في ذلك. وقوله: أو جاء معه الملائكة مقترنين يقول: أو هلا إن كان صادقا جاء معه الملائكة مقترنين قد اقترن بعضهم ببعض، فتتابعوا يشهدون له بأنه لله رسول إليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة على تأويله، فقال بعضهم: يمشون معا. ذكر من قال ذلك:
[ 107 ]
23903 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الملائكة مقترنين قال: يمشون معا. وقال آخرون: متتابعين. ذكر من قال ذلك: 23904 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو جاء معه الملائكة مقترنين: أي متتابعين. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: يقارن بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: 23905 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي أو جاء معه الملائكة مقترنين قال: يقارن بعضهم بعضا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ئ فلمآ آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) *. يقول تعالى ذكره: فاستخف فرعون خلقا من قومه من القبط، بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قال لهم، فقبلوا ذلك منه فأطاعوه، وكذبوا موسى، وقال الله: وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه عدو الله من تصديقه، وتكذيب موسى، لانهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم، وطبعه على قلوبهم، يقول الله تبارك وتعالى: فلما آسفونا يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23906 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فلما آسفونا يقول: أسخطونا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فلما آسفونا يقول: لما أغضبونا. 23907 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 108 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فلما آسفونا: أغضبونا. 23908 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما آسفونا قال: أغضبوا ربهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلما آسفونا قال: أغضبونا. 23909 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فلما آسفونا قال: أغضبونا، وهو على قول يعقوب: يا أسفي على يوسف قال: يا حزني على يوسف. 23910 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلما آسفونا انتقمنا منهم قال: أغضبونا، وقوله: انتقمنا منهم يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم، فأغرقناهم جميعا في البحر. القول في تأويل قوله تعالى: * (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ئ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) *. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة غير عاصم فجعلناهم سلفا بضم السين واللام، توجيها ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس، وهو المتقدم أمام القوم. وحكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وعاصم: فجعلناهم سلفا بفتح السين واللام. وإذا قرئ كذلك احتمل أن يكون مرادا به الجماعة والواحد والذكر والانثى، لانه يقال للقوم: أنتم لنا سلف، وقد يجمع فيقال: هم أسلاف ومنه الخبر الذي روي رسول الله (ص) أنه قال: يذهب الصالحون أسلافا. وكان حميد الاعرج يقرأ ذلك: فجعلناهم سلفا بضم السين وفتح اللام، توجيها منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس، مثل أمة منهم وقطعة.
[ 109 ]
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام، لانها اللغة الجوداء، والكلام المعروف عند العرب، وأحق اللغات أن يقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم. فتأويل الكلام إذن: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدمة يتقدمون إلى النار، كفار قومك يا محمد من قريش، وكفار قومك لهم بالاثر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23911 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين قال: قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد (ص). 23912 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فجعلناهم سلفا في النار. 23913 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر: فجعلناهم سلفا قال: سلفا إلى النار. وقوله: ومثلا للآخرين يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم من بعدهم من الامم، فينتهوا عن الكفر بالله. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23914 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ومثلا للآخرين قال: عبرة لمن بعدهم. 23915 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ومثلا للآخرين: أي عظة للآخرين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومثلا للآخرين: أي عظة لمن بعدهم. 23916 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فجعلناهم سلفا ومثلا قال: عبرة. وقوله: ولما ضرب ابن مريم مثلا يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم، فمثله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل، إذا قومك
[ 110 ]
يا محمد من ذلك يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلها نعبده، كما عبدت النصارى المسيح. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 23917 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: إذا قومك منه يصدون قال: يضجون قال: قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى. 23918 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: لما ذكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك، وقالوا: يا محمد ما ذكرت عيسى ابن مريم، وقالوا: ما يريد محمد إلا أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى بن مريم، فقال الله عز وجل: ما ضربوه لك إلا جدلا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما ذكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش: يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى ؟ قال: وقالوا: إنما يريد أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى. وقال آخرون: بل عنى بذلك قول الله عز وجل إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون قيل المشركين عند نزولها: قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة، لان كل هؤلاء مما يعبد من دون الله، قال الله عز وجل: ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا: أآلهتنا خير أم هو ؟ ذكر من قال ذلك: 23919 - حدثني محمد بن سعد قال، ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون قال: يعني قريشا لما قيل لهم إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون فقالت له قريش: فما ابن مريم ؟ قال: ذاك عبد الله ورسوله، فقالوا: والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه
[ 111 ]
ربا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربا، فقال الله عز وجل: ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون. واختلفت القراء في قراءة قوله: يصدون، فقرأته عامة قراء المدينة، وجماعة من قراء الكوفة: يصدون بضم الصاد. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة يصدون بكسر الصاد. واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قرئ بضم الصاد، وإذا قرئ بكسرها، فقال بعض نحويي البصرة، ووافقه عليه بعض الكوفيين: هما لغتان بمعنى واحد، مثل يشد ويشد، وينم وينم من النميمة. وقال آخر: منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون، ومن ضمها فمجازها يعدلون. وقال بعض من كسرها: فإنه أراد يضجون، ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن الحق. 23920 - حدثت عن الفراء قال: ثني أبو بكر بن عياش، أن عاصما ترك يصدون من قراءة أبي عبد الرحمن، وقرأ يصدون، قال: قال أبو بكر. حدثني عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير، فقال: إن عمك لعربي، فما له يلحن في قوله: إذا قومك منه يصدون، وإنما هي يصدون. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان بمعنى واحد، ولم نجد أهل التأويل فرقوا بين معنى ذلك إذا قرئ بالضم والكسر، ولو كان مختلفا معناه، لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله موجودا وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين، ولكن لما لم يكن مختلف المعنى لم يختلفوا في أن تأويله: يضجون ويجزعون، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب. ذكر ما قلنا في تأويل ذلك: 23921 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إذا قومك منه يصدون قال: يضجون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إذا قومك منه يصدون يقول: يضجون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن المغيرة الضبي، عن الصعب بن عثمان قال: كان ابن عباس يقرأ إذا قومك منه يصدون، وكان يفسرها يقول: يضجون.
[ 112 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس إذا قومك منه يصدون قال: يضجون. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين، عن ابن عباس بمثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل: إذا قومك منه يصدون قال: يضجون. 23922 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذا قومك منه يصدون: أي يجزعون ويضجون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه قرأها يصدون: أي يضجون، وقرأ علي رضي الله عنه يصدون. 23923 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذا قومك منه يصدون قال: يضجون. 23924 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي إذا قومك منه يصدون قال: يضجون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ئ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ئ ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون) *. يقول تعالى ذكره: وقال مشركو قومك يا محمد: آلهتنا التي نعبدها خير ؟ أم محمد فنعبد محمدا ؟ ونترك آلهتنا ؟. وذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: أآلهتنا خير أم هذا. ذكر الرواية بذلك: 23925 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة أن في
[ 113 ]
حرف أبي بن كعب وقالوا أآلهتنا خير أم هذا يعنون محمدا (ص). وقال آخرون: بل عني بذلك: آلهتنا خير أم عيسى ؟. ذكر من قال ذلك: 23926 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وقالوا أآلهتنا خير أم هو ؟ ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون قال: خاصموه، فقالوا: يزعم أن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله، قال: فأنزل الله براءة عيسى. 23927 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أآلهتنا خير قال: عبد هؤلاء عيسى، ونحن نعبد الملائكة. وقوله: ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون... إلى في الارض يخلفون. وقوله تعالى ذكره: ما ضربوه لك إلا جدلا يقول تعالى ذكره: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد ولا قالوا لك إلا جدلا وخصومة ويخاصمونك به بل هم قوم خصومون يقول جل ثناؤه: ما بقومك يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق بل هم قوم خصمون يلتمسون الخصومة بالباطل. وذكر عن النبي (ص) أنه قال: ما ضل قوم عن الحق إلا أوتوا الجدل. ذكر الرواية ذلك: 23928 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعلى، قال: ثنا الحجاج بن دينار، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (ص): ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، وقرأ: ما ضربوه لك إلا جدلا... الآية. حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي وأبو كريب قالا: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا حجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، عن رسول الله (ص) بنحوه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن عبد الرحمن، عن عباد بن عباد عن جعفر بن القاسم، عن أبي أمامة أن رسول الله (ص)، خرج على الناس وهم يتنازعون في
[ 114 ]
القرآن، فغضب غضبا شديدا، حتى كأنما صب على وجهه الخل، ثم قال (ص): لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتو الجدل، ثم تلا: ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون. وقوله: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه يقول تعالى ذكره: فما عيسى إلا عبد من عبادنا، أنعمنا عليه بالتوفيق والايمان، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل، يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل، وحجة لنا عليهم بإرسالناه إليهم بالدعاء إلينا، وليس هو كما تقول النصارى من أنه ابن الله تعالى، تعالى الله عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23929 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه يعني بذلك عيسى ابن مريم، ما عدا ذلك عيسى ابن مريم، إن كان إلا عبدا أنعم الله عليه. وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: وجعلناه مثلا لبني إسرائيل قالوا. ذكر من قال ذلك: 23930 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن قتادة مثلا لبني إسرائيل أحسبه قال: آية لبني إسرائيل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلناه مثلا لبني إسرائيل أي آية. قوله: ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون يقول تعالى ذكره: ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم، فأفنينا جميعكم، وجعلنا بدلا منكم في الارض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله تعالى ذكره: إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا وكما قال: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أن منهم من قال: معناه: يخلف بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
[ 115 ]
23931 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون يقول: يخلف بعضهم بعضا. 23932 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون قال: يعمرون الارض بدلا منكم. 23933 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ملائكة في الارض يخلفون قال: يخلف بعضهم بعضا، مكان بني آدم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون لو شاء الله لجعل في الارض ملائكة يخلف بعضهم بعضا. 23934 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون قال: خلفا منكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ئ ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين) *. اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: وإنه وما المعني بها، ومن ذكر ما هي، فقال بعضهم: هي من ذكر عيسى، وهي عائدة عليه. وقالوا: معنى الكلام: وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجئ الساعة، لان ظهوره من أشراطها ونزوله إلى الارض دليل على فناء الدنيا، وإقبال الآخرة. ذكر من قال ذلك: 23935 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن يحيى، عن ابن عباس، وإنه لعلم للساعة قال: خروج عيسى بن مريم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس بمثله، إلا أنه قال: نزول عيسى بن مريم.
[ 116 ]
حدثني محمد بن إسماعيل الاحمسي، قال: ثنا غالب بن قائد، قال: ثنا قيس، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى بن مريم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن فضيل بن مرزوق، عن جابر، قال: كان ابن عباس يقول: ما أدري علم الناس بتفسير هذه الآية، أم لم يفطنوا لها ؟ وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى ابن مريم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى ابن مريم. 23936 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك وعوف عن الحسن أنهما قالا في قوله: وإنه لعلم للساعة قالا: نزول عيسى ابن مريم وقرأها أحدهما وإنه لعلم للساعة. 23937 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإنه لعلم للساعة قال: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. 23938 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة: القيامة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة. 23939 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وإنه لعلم للساعة قال: خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. 23940 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإنه لعلم للساعة يعني خروج عيسى ابن مريم ونزوله من السماء قبل يوم القيامة. 23941 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإنه لعلم للساعة قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة حين ينزل.
[ 117 ]
وقال آخرون: الهاء التي في قوله: وإنه من ذكر القرآن، وقالوا: معنى الكلام: وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها، ويخبركم عنها وعن أهوالها. ذكر من قال ذلك: 23942 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: وإنه لعلم للساعة هذا القرآن. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: كان ناس يقولون: القرآن علم للساعة. واجتمعت قراء الامصار في قراءة قوله: وإنه لعلم للساعة على كسر العين من العلم. وروي عن ابن عباس ما ذكرت عنه في فتحها، وعن قتادة والضحاك. والصواب من القراءة في ذلك: الكسر في العين، لاجماع الحجة من القراء عليه. وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي، وإنه لذكر الساعة، فذلك مصحح قراءة الذين قرأوا بكسر العين من قوله: لعلم. وقوله: فلا تمترن بها يقول: فلا تشكن فيها وفي مجيئها أيها الناس. كما: 23943 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فلا تمترن بها قال: تشكون فيها. وقوله: واتبعون يقول تعالى ذكره: وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، وهذا صراط مستقيم يقول: اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهيي صراط مستقيم، يقول: طريق لا اعوجاج فيه، بل هو قويم. وقوله: ولا يصدنكم الشيطان يقول جل ثناؤه: ولا يعدلنكم الشيطان عن طاعتي فيما آمركم وأنهاكم، فتخالفوه إلى غيره، وتجوروا عن الصراط المستقيم فتضلوا إنه لكم عدو مبين يقول: إن الشيطان لكم عدو يدعوكم إلى ما فيه هلاككم، ويصدكم عن قصد السبيل، ليوردكم المهالك، مبين قد أبان لكم عداوته، بامتناعه من السجود لابيكم آدم، وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة حسدا وبغيا.
[ 118 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ئ إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات، يعني بالواضحات من الادلة. وقيل: عني بالبينات: الانجيل. ذكر من قال ذلك: 23944 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولما جاء عيسى بالبينات أي بالانجيل. وقوله: قال قد جئتكم بالحكمة قيل: عني بالحكمة في هذا الموضع: النبوة. ذكر من قال ذلك: 23945 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال قد جئتكم بالحكمة قال: النبوة. وقد بينت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده، وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله، فأغنى ذلك عن إعادته. وقوله: ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه يقول: ولا بين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة. كما: 23946 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا بين لكم بعض الذي تختلفون فيه قال: من تبديل التوراة. وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكل، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد: تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها
[ 119 ]
قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس، وإنما المعنى: أو يعتلق النفوس حمامها، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى، لان عيسى إنما قال لهم: ولا بين لكم بعض الذي تختلفون فيه، لانه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم، فقال لهم: أبين لكم بعض ذلك، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم، فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد: أو يعتلق بعض النفوس، فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك، لانه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها، فنفسه من بين النفوس لا شك أنها بعض لا كل. وقوله: فاتقوا الله وأطيعون يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته، وخافوه باجتناب معاصيه، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره، وقبول نصيحتي لكم. وقوله: إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه يقول: إن الله الذي يستوجب علينا إفراده بالالوهية وإخلاص الطاعة له، ربي وربكم جميعا، فاعبدوه وحده، لا تشركوا معه في عبادته شيئا، فإنه لا يصلح، ولا ينبغي أن يعبد شئ سواه. وقوله: هذا صراط مستقيم يقول: هذا الذي أمرتكم به من اتقاء الله وطاعتي، وإفراد الله بالالوهية، هو الطريق المستقيم، وهو دين الله الذي لا يقبل من أحد من عباده غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ئ هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) *. اختلف أهل التأويل في المعنيين بالاحزاب، الذين ذكرهم الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: الجماعة التي تناظرت في أمر عيسى، واختلفت فيه. ذكر من قال ذلك: 23947 - حدثنا ابن عبد الاعلى قال، ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فاختلف الاحزاب من بينهم قال: هم الاربعة الذين أخرجهم بنو إسرائيل يقولون في عيسى. وقال آخرون: بل هم اليهود والنصارى. ذكر من قال ذلك: 23948 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: فاختلف الاحزاب من بينهم قال: اليهود والنصارى.
[ 120 ]
والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: فاختلف الفرق المختلفون في عيسى بن مريم من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من اتقاء الله والعمل بطاعته، وهم اليهود والنصارى، ومن اختلف فيه من النصارى، لان جميعهم كانوا أحزابا مبتسلين، مختلفي الاهواء مع بيانه لهم أمر نفسه، وقوله لهم: إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. وقوله: فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم يقول تعالى ذكره فالوادي السائل من القيح والصديد في جهنم للذين كفروا بالله، الذين قالوا في عيسى بن مريم بخلاف ما وصف عيسى به نفسه في هذه الآية من عذاب يوم أليم يقول: من عذاب يوم مؤلم، ووصف اليوم بالايلام، إذ كان العذاب الذي يؤلمهم فيه، وذلك يوم القيامة. كما: 23949 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي من عذاب يوم أليم قال: من عذاب يوم القيامة. وقوله: هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة يقول: هل ينظر هؤلاء الاحزاب المختلفون في عيسى بن مريم، القائلون فيه الباطل من القول، إلا الساعة التي فيها تقوم القيامة فجأة وهم لا يشعرون يقول: وهم لا يعلمون بمجيئها. القول في تأويل قوله تعالى: * (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ئ يعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) *. يقول تعالى ذكره: المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدو، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالوا فيها على تقوى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23950 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في
[ 121 ]
قوله: الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين فكل خلة على معصية الله في الدنيا متعادون. 23951 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين. 23952 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، أن عليا رضي الله عنه قال: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه فيقول: يا رب إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول: نعم الخليل، ونعم الاخ، ونعم الصاحب قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فيقول: بئس الاخ، وبئس الخليل، وبئس الصاحب. وقوله: يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه. ومعنى الكلام: الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فإنهم يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها. وذكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة، فيطمع فيها من ليس من أهلها حتى يسمع قوله: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فييأس منها عند ذلك. 23953 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، فيرجوها الناس كلهم، قال: فيتبعها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين قال: فييأس الناس منها غير المسلمين.
[ 122 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ئ ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) *. وقوله: الذين آمنوا بآياتنا يقول تعالى ذكره: يا عبادي الذين آمنوا وهم الذين صدقوا بكتاب الله ورسله، وعملوا بما جاءتهم به رسلهم، وكانوا مسلمين، يقول: وكانوا أهل خضوع لله بقلوبهم، وقبول منهم لما جاءتهم به رسلهم عن ربهم على دين إبراهيم خليل الرحمن (ص)، حنفاء لا يهود ولا نصارى، ولا أهل أوثان. وقوله: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يقول جل ثناؤه: ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله، مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: تحبرون وقد ذكرنا ما قد قيل في ذلك فيما مضى، وبينا الصحيح من القول فيه عندنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر بعض ما لم يذكر هنالك من أقوال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23954 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون: أي تنعمون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: تحبرون قال: تنعمون. 23955 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: تحبرون قال: تكرمون. 23956 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أنتم وأزواجكم تحبرون قال: تنعمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وأنتم فيها خالدون) *.
[ 123 ]
يقول تعالى ذكره: يطاف على هؤلاء الذين آمنوا بآياته في الدنيا إذا دخلوا الجنة في الآخرة بصحاف من ذهب، وهي جمع للكثير من الصحفة، والصحفة: القصعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23957 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي يطاف عليهم بصحاف من ذهب قال: القصاع. 23958 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن شعبة، قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة، من له قصر فيه سبعون ألف خادم، في يد كل خادم صحفة سوى ما في يد صاحبها، لو فتح بابه فضافه أهل الدنيا لاوسعهم. 23959 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، قال: إن أخس أهل الجنة منزلا من له سبعون ألف خادم، مع كل خادم صحفة من ذهب، لو نزل به جميع أهل الارض لاوسعهم، لا يستعين عليهم بشئ من غيره، وذلك في قول الله تبارك وتعالى: لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ولهم فيها ما تشتهيه الانفس، وتلذ الاءعين. 23960 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الازدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه. وقوله: وأكواب وهي جمع كوب، والكوب: الابريق المستدير الرأس، الذي لا أذن له ولا خرطوم، وإياه عنى الاعشى بقوله: صريفية طيب طعمهالها زبد بين كوب ودن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 124 ]
23961 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وأكواب قال: الاكواب التي ليست لها آذان. ومعنى الكلام: يطاف عليهم فيها بالطعام في صحاف من ذهب، وبالشراب في أكواب من ذهب، فاستغنى بذكر الصحاف والاكواب من ذكر الطعام والشراب، الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين يقول تعالى ذكره: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون، وتلذ أعينكم وأنتم فيها خالدون يقول: وأنتم فيها ماكثون، لا تخرجون منها أبدا. كما: 23962 - حدثنا بشر، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب الخيل، فهل في الجنة خيل ؟ فقال: إن يدخلك الجنة إن شاء، فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء تطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت، فقال أعرابي: يا رسول الله إني أحب الابل، فهل في الجنة إبل ؟ فقال: يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة إن شاء الله، ففيها ما اشتهت نفسك، ولذت عيناك. 23963 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عمر بن عبد الرحمن الابار، عن محمد بن سعد الانصاري، عن أبي ظبية السلفي، قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة، قال: فتقول: ما أمطركم ؟ قال: فما يدعو داع من القوم بشئ إلا أمطرتهم، حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا. 23964 - حدثنا ابن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن علي بن أبي الوليد، قال: قيل لمجاهد في الجنة سماع ؟ قال: إن فيها لشجرا يقال له العيص، له سماع لم يسمع السامعون إلى مثله. 23965 - حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: أخبرنا
[ 125 ]
معاوية بن صالح، قال: ثني سليمان بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع متفلقا نضيجا في كفه، فيأكل منه حتى تنتهي نفسه، ثم يطير، ويشتهي الشراب، فيقع الابريق في يده، ويشرب منه ما يريد، ثم يرجع إلى مكانه. واختلفت القراء في قراءة قوله: وفيها ما تشتهيه الانفس فقرأته عامة قراء المدينة والشام: ما تشتهيه بزيادة هاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم. وقرأ ذلك عامة قراء العراق تشتهي بغير هاء، وكذلك هو في مصاحفهم. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ ا لقارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ئ لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهم: وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات لكم فيها يقول: لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كل نوع منها تأكلون يقول: من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ئ لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ئ وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره إن المجرمين وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله، فاجترموا به في الآخرة في عذاب جهنم خالدون يقول: هم فيه ماكثون، لا يفتر عنهم، يقول: لا يخفف عنهم العذاب وأصل الفتور: الضعف وهم فيه مبلسون يقول: وهم في عذاب جهنم مبلسون، والهاء في فيه من ذكر العذاب. ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: وهم فيها مبلسون والمعنى: وهم في جهنم مبلسون، والمبلس في هذا الموضع: هو
[ 126 ]
الآيس من النجاة الذي قد قنط فاستسلم للعذاب والبلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23966 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهم فيه مبلسون: أي مستسلمون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وهم فيه مبلسون قال: آيسون. وقال آخرون بما: 23967 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وهم فيه مبلسون متغير حالهم. وقد بينا فيما مضى معنى الابلاس بشواهده، وذكر المختلفين فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم ولكن كانوا هم الظالمين بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته، وكفرهم بالله، وجحودهم توحيده. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونادوا يمالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ئ لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) *. يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم، فنالهم فيها من البلاء ما نالهم، مالكا خازن جهنم يا مالك ليقض علينا ربك قال: ليمتنا ربك، فيفرغ من إماتتنا، فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك، ويدعهم ألف عام بعد ذلك، ثم يجيبهم، فيقول لهم: إنكم ماكثون. ذكر من قال ذلك: 23968 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي الحسن، عن ابن عباس ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، فأجابهم بعد ألف سنة إنكم ماكثون.
[ 127 ]
23969 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن رجل من جيرانه يقال له الحسن، عن نوف في قوله: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: يتركهم مئة سنة مما تعدون، ثم يناديهم فيقول: يا أهل النار إنكم ماكثون. 23970 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو، قال: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم، ثم أجابهم: إنكم ماكثون: قالوا ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فخلى عنهم مثلي الدنيا، ثم أجابهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون قال: فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة، إن كان إلا الزفير والشهيق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الازدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم، ثم يقول: إنكم ماكثون، ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا، ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون قال: فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق في نار جهنم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الحسن، عن نوف ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: يتركهم مئة سنة مما تعدون، ثم ناداهم فاستجابوا له، فقال: إنكم ماكثون. 23971 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: مالك خازن النار، قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون، قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون. 23972 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تعالى ذكره: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: يميتنا، القضاء ههنا الموت، فأجابهم إنكم ماكثون.
[ 128 ]
وقوله: لقد جئناكم بالحق يقول: لقد أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا محمدا بالحق. كما: 23973 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، ثنا أسباط، عن السدي، لقد جئناكم بالحق، قال: الذي جاء به محمد (ص) ولكن أكثركم للحق كارهون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثرهم لما جاء به محمد (ص) من الحق كارهون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ئ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) *. يقول تعالى ذكره: أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا فأحكموه، يكيدون به الحق الذي جئناهم به، فإنا محكمون لهم ما يخزيهم، ويذلهم من النكال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23975 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون قال: مجمعون: إن كادوا شرا كدنا مثله. 23975 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون. 23976 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون قال: أم أحكموا أمرا فإنا محكمون لامرنا. وقوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم يقول: أم يظن هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم، وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم، فلا نعاقبهم عليه لخفائه علينا. وقوله: بلى ورسلنا لديهم يكتبون يقول تعالى ذكره: بل نحن نعلم ما تناجوا به
[ 129 ]
بينهم، وأخفوه عن الناس من سر كلامهم، وحفظتنا لديهم، يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق، وتكلموا به من كلامهم. وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر ثلاثة تدارأوا في سماع الله تبارك وتعالى كلام عباده. ذكر من قال ذلك: 23977 - حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشي، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا عاصم بن محمد العمري، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها، قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، فقال واحد من الثلاثة: أترون الله يسمع كلامنا ؟ فقال الاول: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، قال الثاني: إن كان يسمع إذا أعلنتم، فإنه يسمع إذا أسررتم، قال: فنزلت أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم يكتبون. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: بلى ورسلنا لديهم يكتبون قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23978 - حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي بلى ورسلنا لديهم يكتبون قال: الحفظة. 23979 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد. عن قتادة بلى ورسلنا لديهم يكتبون: أي عندهم. القول في تأويل قوله تعالى: [ / بم * (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ئ سبحان رب السماوات والارض رب العرش عما يصفون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون، فأنا أول المؤمنين بالله في تكذيبكم، والجاحدين ما قلتم من أن له ولدا. ذكر من قال ذلك: 23980 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 130 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قل إن كان للرحمن ولد كما تقولون فأنا أول العابدين المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم. 23981 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فأنا أول العابدين قال: قل إن كان لله ولد في قولكم، فأنا أول من عبد الله ووحده وكذبكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين له بذلك. ذكر من قال ذلك: 23982 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين. وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي، ومعنى إن الجحد، وتأويل ذلك ما كان ذلك، ولا ينبغي أن يكون. ذكر من قال ذلك: 23983 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب إن كان للرحمن ولد: أي إن ذلك لم يكن، ولا ينبغي. 23984 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين قال: هذا الانكاف ما كان للرحمن ولد، نكف الله أن يكون له ولد، وإن مثل ما إنما هي: ما كان للرحمن ولد، ليس للرحمن ولد، مثل قوله: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال، وإن هي ما إن كان ما كان تقول العرب: إن كان، وما كان الذي تقول. وفي قوله: فأنا أول العابدين أول من يعبد الله بالايمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله. 23985 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن محمد، عن قول الله: إن كان للرحمن ولد قال: ما كان.
[ 131 ]
23986 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله: قل إن كان للرحمن ولد قال: هذا قول العرب معروف، إن كان: ما كان، إن كان هذا الامر قط، ثم قال: وقوله: وإن كان: ما كان. وقال آخرون: معنى إن في هذا الموضع معنى المجازاة، قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرحمن ولد، كنت أول من عبده بذلك. ذكر من قال ذلك: 23987 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين قال: لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولدا، ولكن لا ولد له. وقال آخرون: معنى ذلك: قل إن كان للرحمن ولد، فأنا أول الآنفين ذلك، ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين، من قول العرب: قد عبد فلان من هذا الامر إذا أنف منه وغضب وأباه، فهو يعبد عبدا، كما قال الشاعر: ألا هويت أم الوليد وأصبحت لما أبصرت في الرأس مني تعبد وكما قال الآخر: متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما 23988 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ثني: ابن أبي ذئب، عن أبي قسيط، عن بعجة بن زيد الجهني، أن امرأة منهم دخلت على زوجها، وهو رجل منهم أيضا، فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه، فأمر بها أن ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا. وقال: وفصاله في عامين قال: فوالله ما عبد عثمان أن بعث إليها ترد. قال يونس، قال ابن وهب: عبد: استنكف.
[ 132 ]
وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: إن الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السدي، وذلك أن إن لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء، أو تكون بمعنى الجحد، وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى، لانه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد، وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفي بذلك عن الله عز وجل أن يكون له ولد قبل بعض الاوقات، ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيه محمدا (ص) أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين أن يقولوا له صدقت، وهو كما قلت، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما قلنا: لم يكن له ولد، ثم خلق الجن فصاهرهم، فحدث له منهم ولد، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه، ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتج لنبيه (ص) وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه، وإذ كان في توجيهنا إن إلى معنى الجحد ما ذكرنا، فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك، فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له، فأنا أعبده بأنه لا ولد له، ولا ينبغي أن يكون له. وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الالطاف في الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه قل الله، وأنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين. وقوله: سبحان رب السموات والارض يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها لمالك السموات والارض ومالك العرش المحيط بذلك كله، وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب، ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الاشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23989 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رب العرش عما يصفون: أي يكذبون.
[ 133 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ئ وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله وهو الحكيم العليم) *. يقول تعالى ذكره: فذر يا محمد هؤلاء المفترين على الله، الواصفيه بأن له ولدا يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه جهنم، وهو يوم القيامة. كما: 23990 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون قال: يوم القيامة. وقوله: وهو الذي في السماء إله، وفي الارض إله يقول تعالى ذكره: والله الذي له الالوهية في السماء معبود، وفي الارض معبود كما هو في السماء معبود، لا شئ سواه تصلح عبادته يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة، ولا تشركوا به شيئا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23991 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله قال: يعبد في السماء، ويعبد في الارض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله: أي يعبد في السماء وفي الارض. وقوله: وهو الحكيم العليم يقول: وهو الحكيم في تدبير خلقه، وتسخيرهم لما يشاء، العليم بمصالحهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وتبارك الذي له ملك السماوات والارض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون) *. يقول تعالى ذكره، وتبارك الذي له سلطان السموات السبع والارض، وما بينهما من الاشياء كلها، جار على جميع ذلك حكمه، ماض فيهم قضاؤه. يقول: فكيف يكون له
[ 134 ]
شريكا من كان في سلطانه وحكمه فيه نافد وعنده علم الساعة يقول: وعنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة، ويحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب. قوله: وإليه ترجعون يقول: وإليه أيها الناس تردون من بعد مماتكم، فتصيرون إليه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا يملك عيسى وعزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة، الشفاعة عند الله لاحد، إلا من شهد بالحق، فوحد الله وأطاعه، بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله. ذكر من قال ذلك: 23992 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة قال: عيسى، وعزير، والملائكة. قوله: إلا من شهد بالحق قال: كلمة الاخلاص، وهم يعلمون أن الله حق، وعيسى وعزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعزير والملائكة إلا من شهد بالحق، وهو يعلم الحق. وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الآلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا عيسى وعزير وذووهما، والملائكة الذين شهدوا بالحق، فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به. ذكر من قال ذلك: 23993 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون: الملائكة وعيسى وعزير، قد عبدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلا من شهد بالحق قال: الملائكة وعيسى ابن مريم وعزير، فإن لهم عند الله شهادة.
[ 135 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لاحد، إلا من شهد بالحق، وشهادته بالحق: هو إقراره بتوحيد الله، يعني بذلك: إلا من آمن بالله، وهم يعلمون حقيقة توحيده، ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله، فذلك على جميع من كان تعبد قريش من دون الله يوم نزلت هذه الآية وغيرهم، وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الآلهة، وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم، فجميع أولئك داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله. ثم استثنى جل ثناؤه بقوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وهم الذين يشهدون شهادة الحق فيوحدون الله، ويخلصون له الوحدانية، على علم منهم ويقين بذلك، أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جل ثناؤه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسى وعزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والاوثان باستثنائه الذي استثناه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ئ وقيله يرب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم ؟ ليقولن: الله خلقنا فأنى يؤفكون فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم، ويحرمون إصابة الحق في عبادته. وقوله: وقيله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون اختلفت القراء في قراءة قوله: وقيله فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وقيله بالنصب. وإذا قرئ ذلك كذلك، كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، ونسمع قيله يا رب. والثاني: أن يضمر له ناصب، فيكون معناه حينئذ: وقال قوله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قراء الكوفة وقيله بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة، وعلم قيله.
[ 136 ]
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذبوه، وما يلقى منهم: يا رب إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك، قوم لا يؤمنون. كما: 23994 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون قال: فأبر الله عز وجل قول محمد (ص). 23995 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكو قومه إلى ربه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وقيله يا رب قال: هو قول النبي (ص) إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، جوابا له عن دعائه إياه إذ قال: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم يا محمد، وأعرض عن أذاهم وقل لهم سلام عليكم ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم. واختلفت القراء في قراءة قوله: فسوف يعلمون فقرأ ذلك عامة قراء المدينة فسوف تعلمون بالتاء على وجه الخطاب، بمعنى: أمر الله عز وجل نبيه (ص) أن يقول ذلك للمشركين، مع قوله: سلام، وقرأته عامة قراء الكوفة وبعض قراء مكة فسوف يعلمون بالياء على وجه الخبر، وأنه وعيد من الله للمشركين، فتأويله على هذه القراءة: فاصفح عنهم يا محمد وقل سلام. ثم ابتدأ تعالى ذكره الوعيد لهم، فقال فسوف يعلمون ما يلقون من البلاء والنكال والعذاب على كفرهم، ثم نسخ الله جل ثناؤه هذه الآية، وأمر نبيه (ص) بقتالهم. كما:
[ 137 ]
23996 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فاصفح عنهم وقل سلام قال: اصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم. 23997 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله تبارك وتعالى يعزي نبيه (ص) فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون. آخر تفسير سورة الزخرف
[ 138 ]
سورة الدخان (44) سورة الدخان مكية أو آياتها تسع وخمسونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (حم ئ والكتاب المبين ئ إنآ أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ئ فيها يفرق كل أمر حكيم ئ أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ئ رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) *. قد تقدم بياننا في معنى قوله: حم. والكتاب المبين. وقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة أقسم جل ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة. واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي ؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر. ذكر من قال ذلك: 23998 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا أنزلناه في ليلة مباركة: ليلة القدر، ونزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، ونزلت التوراة لست ليال مضت من رمضان، ونزل الزبور لست عشرة مضت من رمضان، ونزل الانجيل لثمان عشرة مضت من رمضان، ونزل الفرقان لاربع وعشرين مضت من رمضان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: في ليلة مباركة قال: هي ليلة القدر. 23999 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين قال: تلك الليلة ليلة القدر، أنزل الله
[ 139 ]
هذا القرآن من أم الكتاب في ليلة القدر، ثم أنزله على الانبياء في الليالي والايام، وفي غير ليلة القدر. وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان. والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر، لان الله جل ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى: إنا كنا منذرين خلقنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحل بمن كفر منهم، فلم ينب إلى توحيدنا، وإفراد الالوهية لنا وقوله: فيها يفرق كل أمر حكيم اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي لنا يفرق فيها كل أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله: فيها عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يقضى فيها أمر السنة كلها من يموت، ومن يولد، ومن يعز، ومن يذل، وسائر أمور السنة. ذكر من قال ذلك: 24000 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كل رمضان ؟ قال: إي والله، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان هي ؟ قال: نعم والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، يقضي الله كل أجل وخلق ورزق إلى مثلها. 24001 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الحميد بن سالم، عن عمر مولى غفرة، قال: يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لان الله عز وجل يقول: إنا أنزلناه في ليلة مباركة وقال فيها يفرق كل أمر حكيم قال: فتجد الرجل ينكح النساء، ويغرس الغرس واسمه في الاموات. 24002 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة، عن
[ 140 ]
أبي مالك، في قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم قال: أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة، أو نحو هذا. 24003 - قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن هلال بن يساف، قال: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان. 24004 - حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم قال: يدبر أمر السنة في ليلة القدر. 24005 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها. 24006 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا أنزلناه في ليلة مباركة ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم كنا نحدث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هي ليلة القدر فيها يقضى ما يكون من السنة إلى السنة. 24007 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مجاهدا، فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء، فأثبته فيهم، وإن كان في الاشقياء فامحه منهم، واجعله بالسعداء، فقال: حسن، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن هذا الدعاء، قال: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم قال: يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير. وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان. ذكر من قال ذلك: 24008 - حدثنا الفضل بن الصباح، والحسن بن عرفة، قالا: ثنا الحسن بن إسماعيل البجلي، عن محمد بن سوقة، عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى: فيها يفرق
[ 141 ]
كل أمر حكيم قال: في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وتنسخ الاحياء من الاموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد. 24009 - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الاخنس، قال: قال رسول الله (ص): تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى. 24010 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام، قال ثنا عبد الواحد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: إن الرجل ليمشي في الناس وقد رفع في الاموات، قال: ثم قرأ هذه الآية إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد تقدم من بياننا عن أن المعني بقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة ليلة القدر، والهاء في قوله: فيها من ذكر الليلة المباركة. وعنى بقوله: فيها يفرق كل أمر حكيم في هذه الليلة المباركة يقضى ويفصل كل أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الاخرى، ووضع حكيم موضع محكم، كما قال: آلم، تلك آيات الكتاب الحكيم يعني: المحكم. وقوله: أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يفرق كل أمر حكيم، أمرا من عندنا. واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: أمرا فقال بعض نحويي الكوفة: نصب على إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال. وقال بعض نحويي البصرة: نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا. قال: وكذلك قوله: رحمة من ربك قال: ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، فجعل الرحمة للنبي (ص). وقوله: إنا كنا مرسلين يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد (ص) إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد إنه هو السميع العليم يقول: إن الله تبارك وتعالى هو
[ 142 ]
السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا، وأرسلنا من رسلنا إليهم، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (رب السماوات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين ئ لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبآئكم الاولين ئ بل هم في شك يلعبون) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: رب السموات والارض فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة رب السموات بالرفع على إتباع إعراب الرب إعراب السميع العليم. وقرأته عامة قراء الكوفة وبعض المكيين رب السموات خفضا ردا على الرب في قوله جل جلاله: رحمة من ربك. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ويعني بقوله: رب السموات والارض وما بينهما يقول تعالى ذكره الذي أنزل هذا الكتاب يا محمد عليك، وأرسلك إلى هؤلاء المشركين رحمة من ربك، مالك السموات السبع والارض وما بينهما من الاشياء كلها. وقوله: إن كنتم موقنين يقول: إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم من أن ربكم رب السموات والارض، فإن الذي أخبرتكم أن الله هو الذي هذه الصفات صفاته، وأن هذا القرآن تنزيله، ومحمدا (ص) رسوله حق وقوله: لا إله يقين، فأيقنوا به كما أيقنتم بما توقنون من حقائق الاشياء غيره. إلا هو يقول: لا معبود لكم أيها الناس غير رب السموات والارض وما بينهما، فلا تعبدوا غيره، فإنه لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشئ سواه، يحي ويميت، يقول: هو الذي يحي ما يشاء، ويميت ما يشاء مما كان حيا. وقوله: ربكم ورب آبائكم الاولين يقول: هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الاولين، يقول: فهذا الذي هذه صفته، هو الرب فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضر ولا نفع.
[ 143 ]
وقوله: بل هم في شك يلعبون يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الاخبار، يعني بذلك مشركي قريش، ولكنهم في شك منه، فهم يلهون بشكهم في الذي يخبرون به من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ئ يغشى الناس هذا عذاب أليم ئ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) *. يعني تعالى ذكره بقوله: فارتقب فانتظر يا محمد بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شك يلعبون، وإنما هو افتعل، من رقبته: إذا انتظرته وحرسته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24011 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فارتقب: أي فانتظر. وقوله: يوم تأتي السماء بدخان مبين اختلف أهل التأويل في هذا الذي أمر الله عز وجل نبيه (ص) أن يرتقبه، وأخبره أن السماء تأتي فيه بدخان مبين: أي يوم هو، ومتى هو ؟ وفي معنى الدخان الذي ذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك حين دعا رسول الله (ص) على قريش ربه تبارك وتعالى أن يأخذهم بسنين كسني يوسف، فأخذوا بالمجاعة، قالوا: وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدة الجوع من الظلمة كهيئة الدخان. ذكر من قال ذلك: 24012 - حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: دخلنا المسجد، فإذا رجل يقص على أصحابه. ويقول: يوم تأتي السماء بدخان مبين تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام ؟ قال: فأتينا ابن مسعود، فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا، ففزع، فقعد فقال: إن الله عز وجل قال لنبيه (ص) قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن من العلم أن يقول
[ 144 ]
الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، سأحدثكم عن ذلك، إن قريشا لما أبطأت عن الاسلام، واستعصت على رسول الله (ص) دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، قال الله تبارك وتعالى: يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم فقالوا: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون قال الله جل ثناؤه: إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال: فعادوا يوم بدر فانتقم الله منهم. حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الاعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: كان في المسجد رجل يذكر الناس، فذكر نحو حديث عيسى، عن يحيى بن عيسى، إلا أنه قال: فانتقم يوم بدر، فهي البطشة الكبرى. 24013 - حدثنا ابن حميد، وعمرو بن عبد الحميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن: إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجئ فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، فمن علم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم. وقال عمرو: فإنه أعلم لاحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله عز وجل يقول لنبيه محمد (ص): قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن النبي (ص) لما رأى من الناس إدبارا، قال: اللهم سبعا كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شئ، حتى
[ 145 ]
أكلوا الجلود والميتة والجيف، ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا من الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمد إنك جئت تأمر بالطاعة وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال الله عز وجل: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين... إلى قوله: إنكم عائدون قال: فكشف عنهم يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فالبطشة يوم بدر، وقد مضت آية الروم وآية الدخان، والبطشة واللزام. 24014 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. 24015 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، قال: شهدت جنازة فيها زيد بن علي فأنشأ يحدث يومئذ، فقال: إن الدخان يجئ قبل يوم القيامة، فيأخذ بأنف المؤمن الزكام، ويأخذ بمسامع الكافر، قال: قلت رحمك الله، إن صاحبنا عبد الله قد قال غير هذا، قال: إن الدخان قد مضى وقرأ هذه الآية فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم قال: أصاب الناس جهد حتى جعل الرجل يرى ما بينه وبين السماء دخانا، فذلك قوله: فارتقب وكذا قرأ عبد الله إلى قوله: مؤمنون قال: إنا كاشفوا العذاب قليلا قلت لزيد فعادوا، فأعاد الله عليهم بدرا، فذلك قوله: وإن عدتم عدنا فذلك يوم بدر، قال: فقبل والله، قال عاصم: فقال رجل يرد عليه، فقال زيد رحمة الله عليه: أما إن رسول الله (ص) قد قال: إنكم سيجيئكم رواة، فما وافق القرآن فخذوا به، وما كان غير ذلك فدعوه.
[ 146 ]
24016 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود أنه قال: البطشة الكبرى يوم بدر، وقد مضى الدخان. 24017 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، قال: سمعت أبا العالية يقول: إن الدخان قد مضى. 24018 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: مضى الدخان لسنين أصابتهم. 24019 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: قد مضى الدخان، كان سنين كسني يوسف. 24020 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يوم تأتي السماء بدخان مبين قال: الجدب وإمساك المطر عن كفار قريش، إلى قوله: إنا مؤمنون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم تأتي السماء بدخان مبين قال: كان ابن مسعود يقول: قد مضى الدخان، وكان سنين كسني يوسف يغشى الناس هذا عذاب أليم. 24021 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم تأتي السماء بدخان مبين: قد مضى شأن الدخان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله يوم نبطش البطشة الكبرى قال: يوم بدر. وقال آخرون: الدخان آية من آيات الله، مرسلة على عباده قبل مجئ الساعة، فيدخل في أسماع أهل الكفر به، ويعتري أهل الايمان به كهيئة الزكام، قالوا: ولم يأت بعد، وهو آت. ذكر من قال ذلك: 24022 - حدثني واصل بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البيلمان، عن ابن عمر، قال:
[ 147 ]
يخرج الدخان، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق، حتى يكون كالرأس الحنيذ. 24023 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم ؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت. 24024 - حدثنا محمد بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، قال: قال الحسن: إن الدخان قد بقي من الآيات، فإذا جاء الدخان نفخ الكافر حتى يخرج من كل سمع من مسامعه، ويأخذ المؤمن كزكمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان، يعني ابن الهيثم، قال: ثنا عوف، عن الحسن بنحوه. 24025 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيد، قال: يهيج الدخان بالناس. فأما المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزكمة. وأما الكافر فيهيجه حتى يخرج من كل مسمع منه قال: وكان بعض أهل العلم يقول: فما مثل الارض يومئذ إلا كمثل بيت أوقد فيه ليس فيه خصاصة. 24026 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح، قال: ثني أبي، قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله (ص): أول الآيات الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، والدخان، قال
[ 148 ]
حذيفة: يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا رسول الله (ص) الآية يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم يملا ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام. وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره. 24027 - حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الاشعري، قال: قال رسول الله ص): إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال. وأولى القولين بالصواب في ذلك ما روي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه (ص) أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم، على ما وصفه ابن مسعود من ذلك إن لم يكن خبر حذيفة الذي ذكرناه عنه عن رسول الله (ص) صحيحا، وإن كان صحيحا، فرسول الله (ص) أعلم بما أنزل الله عليه، وليس لاحد مع قوله الذي يصح عنه قول، وإنما لم أشهد له بالصحة، لان محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث، هل سمعه من سفيان ؟ فقال له: لا، فقلت له: فقرأته عليه، فقال: لا، فقلت له: فقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به، فقال: لا، فقلت: فمن أين جئت به ؟ قال: جاءني به قوم فعرضوه علي وقالوا لي: اسمعه منا فقرأوه علي، ثم ذهبوا، فحدثوا به عني، أو كما قال فلما ذكرت من ذلك لم أشهد له بالصحة، وإنما قلت: القول الذي قاله عبد الله بن مسعود هو أولى بتأويل الآية، لان الله جل ثناؤه توعد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه (ص): فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: لا إله إلا هو يحي ويميت ربكم ورب آبائكم الاولين، بل هم في شك يلعبون، ثم أتبع ذلك قوله لنبيه عليه الصلاة والسلام: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين أمرا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتهديدا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم، وبعد، فإنه غير منكر أن يكون أحل بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما
[ 149 ]
توعدهم، ويكون محلا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الاخبار عن رسول الله (ص) عندنا كذلك، لان الاخبار عن رسول الله (ص) قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما روى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رويا عن رسول الله (ص) صحيح. وإن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا، فإذ كان الذي قلنا في ذلك أولى التأويلين، فبين أن معناه: فانتظر يا محمد لمشركي قومك يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم على كفرهم بمثل الدخان المبين لمن تأمله أنه دخان. يغشى الناس: يقول: يغشى أبصارهم من الجهد الذي يصيبهم هذا عذاب أليم يعني أنهم يقولون مما نالهم من ذلك الكرب والجهد: هذا عذاب أليم. وهو الموجع، وترك من الكلام يقولون استغناء بمعرفة السامعين معناه من ذكرها. وقوله: ربنا اكشف عنا العذاب يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربهم بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد عنهم، ويقولون: إنك إن كشفته آمنا بك وعبدناك من دون كل معبود سواك، كما أخبر عنهم جل ثناؤه ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ئ ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ئ إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون) *. يقول تعالى ذكره: من أي وجه لهؤلاء المشركين التذكر من بعد نزول البلاء بهم، وقد تولوا عن رسولنا حين جاءهم مدبرين عنه، لا يتذكرون بما يتلى عليهم من كتابنا، ولا يتعظون بما يعظهم به من حججنا، ويقولون: إنما هو مجنون علم هذا الكلام. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: أنى لهم الذكرى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24028 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: أنى لهم الذكرى يقول: كيف لهم. 24029 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 150 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنى لهم الذكرى بعد وقوع هذا البلاء. وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24030 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون قال: تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام، وقالوا: معلم مجنون. وقوله: إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنهم يستغيثون به من الدخان النازل والعذاب الحال بهم من الجهد، وأخبر عنهم أنهم يعاهدونه أنه إن كشف العذاب عنهم آمنوا إنا كاشفوا العذاب: يعني الضر النازل بهم بالخصب الذي نحدثه لهم قليلا إنكم عائدون يقول: إنكم أيها المشركون إذا كشفت عنكم ما بكم من ضر لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربكم من الايمان، ولكنكم تعودون في ضلالتكم وغيكم، وما كنتم قبل أن يكشف عنكم. وكان قتادة يقول: معناه: إنكم عائدون في عذاب الله. 24031 - حدثنا بذلك ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عنه. وأما الذين قالوا: عنى بقوله: يوم تأتي السماء بدخان مبين الدخان نفسه، فإنهم قالوا في هذا الموضع: عنى بالعذاب الذي قال إنا كاشفوا العذاب: الدخان. ذكر من قال ذلك: 24032 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا كاشفوا العذاب قليلا يعني الدخان. 24033 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنا كاشفوا العذب قليلا قال: قد فعل، كشف الدخان حين كان. قوله: إنكم عائدون قال: كشف عنهم فعادوا. 24034 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنكم عائدون إلى عذاب الله.
[ 151 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ئ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ئ أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين) *. يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم، والضر الحال بكم، ثم عدتم في كفركم، ونقضتم عهدكم الذي عاهدتم ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدنيا، فأهلككم، وكشف الله عنهم، فعادوا، فبطش بهم جل ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا، فأهلكهم قتلا بالسيف. وقد اختلف أهل التأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة الله بمشركي قريش يوم بدر. ذكر من قال ذلك: 24035 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، أنه قال: البطشة الكبرى: يوم بدر. 24036 - حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الاعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: قال يوم بدر، البطشة الكبرى. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر. 24037 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد يوم نبطش البطشة الكبرى قال: يوم بدر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى قال: يوم بدر. 24038 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: سمعت أبا العالية في هذه الآية يوم نبطش البطشة الكبرى قال: يوم بدر. 24039 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال: يعني يوم بدر.
[ 152 ]
24040 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: قلت: ما البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة، فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر قال: فبلغني أنه سئل بعد ذلك فقال: يوم بدر. حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا: ثنا ابن إدريس، عن الاعمش، عن إبراهيم، بنحوه. 24041 - حدثنا بشر، ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مجاهد، عن أبي بن كعب، قال: يوم بدر. 24042 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى: يوم بدر. 24043 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى قال: هذا يوم بدر. وقال آخرون: بل هي بطشة الله بأعدائه يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة. حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن دريس، قال: ثنا الاعمش، عن إبراهيم، قال: مر بي عكرمة، فسألته عن البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة قال: قلت: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: يوم بدر، وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر. 24044 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى قال قتادة عن الحسن: إنه يوم القيامة. وقد بينا الصواب في ذلك فيما مضى، والعلة التي من أجلها اخترنا ما أخترنا من القول فيه. وقوله: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون يعني تعالى ذكره: ولقد اختبرنا وابتلينا يا محمد قبل مشركي قومك مثال هؤلاء قوم فرعون من القبط. وجاءهم رسول كريم يقول: وجاءهم رسول من عندنا أرسلناه إليهم، وهو موسى بن عمران صلوات الله عليه. كما:
[ 153 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم يعني موسى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: رسول كريم قال: موسى عليه السلام، ووصفه جل ثناؤه بالكرم، لانه كان كريما عليه، رفيعا عنده مكانة، وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك، لانه كان في قومه شريفا وسيطا. وقوله: أن أدوا إلي عباد الله يقول تعالى ذكره: وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إلي، ومعنى أدوا: ادفعو إلي فأرسلوا معي واتبعون، وهو نحو قوله: أن أرسل معي بني أسرائيل فإن في قوله: أن أدوا إلي نصب، وعباد الله نصب بقوله: أدوا وقد تأوله قوم: أن أدوا إلي يا عباد الله، فعلى هذا التأويل عباد الله نصب على النداء. وبنحو الذي قلنا في تأويل أن أدوا إلي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24046 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم. أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين قال: يقول: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق. 24047 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أن أدوا إلي عباد الله قال: أرسلوا معي بني إسرائيل. 24048 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أن أدوا إلي عباد الله قال: بني إسرائيل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أن أدوا إلي عباد الله يعني به بني إسرائيل، قال لفرعون: علام تحبس هؤلاء القوم، قوما أحرارا اتخذتهم عبيدا، خل سبيلهم. 24049 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أن أدوا إلي عباد الله قال: يقول: أرسل عباد الله معي، يعني بني إسرائيل، وقرأ فأرسل
[ 154 ]
معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قال: ذلك قوله: أن أدوا إلي عباد الله قال: ردهم إلينا. وقوله: إني لكم رسول أمين يقول: إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به، أمين: يقول: أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين ئ وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ئ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) *. يقول تعالى ذكره: وجاءهم رسول كريم، أن أدوا إلي عباد الله، وبأن لا تعلوا على الله. وعنى بقوله: أن لا تعلوا على الله أن لا تطغو وتبغوا على ربكم، فتكفروا به وتعصوه، فتخالفوا أمره إني آتيكم بسلطان مبين يقول: إني آتيكم بحجة على حقيقة ما أدعوكم إليه، وبرهان على صحته، مبين لمن تأملها وتدبرها أنها حجة لي على صحة ما أقول لكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24050 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأن لا تعلوا على الله: أي لا تبغوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين: أي بعذر مبين. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. 24051 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأن لا تعلوا على الله يقول: لا تفتروا على الله. وقوله: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم، واستجرت به منكم أن ترجمون. واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبي الله عليه السلام بربه منه، فقال بعضهم: هو الشتم باللسان. ذكر من قال ذلك:
[ 155 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون قال: يعني رجم القول. 24053 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون قال: الرجم: بالقول. 24054 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون قال: أن تقولوا هو ساحر. وقال آخرون: بل هو الرجم بالحجارة. ذكر من قال ذلك: 24055 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون: أي أن ترجمون بالحجارة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أن ترجمون قال: أن ترجمون بالحجارة. وقال آخرون: بل عنى بقوله: أن ترجمون: أن تقتلوني. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب ما دل عليه ظاهر الكلام، وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجمه فرعون وقومه، والرجم قد يكون قولا باللسان، وفعلا باليد. والصواب أن يقال: استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذى ومكروه، شتما كان ذلك باللسان، أو رجما بالحجارة باليد. وقوله: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى عليه السلام لفرعون وقومه: وإن أنتم أيها القوم لم تصدقوني على ما جئتكم به من عند ربي، فاعتزلون: يقول: فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد. كما: 24056 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإن لم تؤمنوا لي. فاعتزلون: أي فخلوا سبيلي.
[ 156 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ئ فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون ئ واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) *. يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه إذ كذبوه ولم يؤمنوا به، ولم يؤد إليه عباد الله، وهموا بقتله بأن هؤلاء، يعني فرعون وقومه قوم مجرمون عنى: أنهم مشركون بالله كافرون. وقوله: فأسر بعبادي وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: فأجابه ربه بأن قال له: فأسر إذ كان الامر كذلك بعبادي، وهم بنو إسرائيل، وإنما معنى الكلام: فأسر بعبادي الذين صدقوك وآمنو بك، واتبعوك دون الذين كذبوك منهم، وأبوا قبول ما جئتهم به من النصيحة منك، وكان الذين كانوا بهذه الصفة يومئذ بني إسرائيل. وقال: فأسر بعبادي ليلا لان معنى ذلك: سر بهم بليل قبل الصباح. وقوله: إنكم متبعون يقول: إن فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم. وقوله: واترك البحر رهوا يقول: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته. وقيل: إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك، ففي الكلام محذوف، وهو: فسرى موسى بعبادي ليلا، وقطع بهم البحر، فقلنا له بعد ما قطعه، وأراد رد البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه: اتركه رهوا. ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله عز وجل قال لموسى (ص) هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه: 24057 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون حتى بلغ إنهم جند مغرقون قال: لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله (ص) أن يضرب البحر بعصاه، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم، فقيل له: اترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون.
[ 157 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: لما قطع البحر، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل له: اترك البحر رهوا كما هو إنهم جند مغرقون. واختلف أهل التأويل في معنى الرهو، فقال بعضهم: معناه: اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها. ذكر من قال ذلك: 24058 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: واترك البحر رهوا يقول: سمتا. 24059 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون قال: الرهو: أن يترك كما كان، فإنهم لن يخلصوا من ورائه. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا حميد، عن إسحاق، عن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، أن ابن عباس سأل كعبا عن قول الله: واترك البحر رهوا قال: طريقا. وقال آخرون: بل معناه: اتركه سهلا. ذكر من قال ذلك: 24060 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، قوله: واترك البحر رهوا قال: سهلا. 24061 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واترك البحر رهوا قال: يقال: الرهو: السهل. 24062 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بن عمارة قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن الضحاك بن مزاحم، في قول الله عز وجل: واترك البحر رهوا قال: دمثا. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: واترك البحر رهوا قال: سهلا دمثا.
[ 158 ]
24063 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واترك البحر رهوا قال: هو السهل. وقال آخرون: بل معناه: واتركه يبسا جددا. ذكر من قال ذلك: 24064 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: واترك البحر رهوا قال: جددا. 24065 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة في قوله: واترك البحر رهوا قال: يابسا كهيئته بعد أن ضربه، يقول: لا تأمره يرجع، اتركه حتى يدخل آخرهم. 24066 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: رهوا قال: طريقا يبسا. 24067 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة واترك البحر رهوا كما هو طريقا يابسا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه: اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سلكته، وذلك أن الرهو في كلام العرب: السكون، كما قال الشاعر: كأنما أهل حجر ينظرون متى يرونني خارجا طير يناديد طير رأت بازيا نضح الدماء به وأمه خرجت رهوا إلى عيد يعني على سكون، وإذا كان ذلك معناه كان لا شك أنه متروك سهلا دمثا، وطريقا يبسا لان بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه، وهو كذلك، فإذا ترك البحر رهوا كما كان حين قطعه موسى ساكنا لم يهج كان لا شك أنه بالصفة التي وصفت.
[ 159 ]
وقوله: إنهم جند مغرقون يقول: إن فرعون وقومه جند، الله مغرقهم في البحر. القول في تأويل قوله تعالى: * (كم تركوا من جنات وعيون ئ وزروع ومقام كريم ئ ونعمة كانوا فيها فاكهين ئ كذلك وأورثناها قوما آخرين) *. يقول تعالى ذكره: كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار، وهي الجنات، وعيون، يعني: ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم وزروع قائمة في مزارعهم ومقام كريم يقول: وموضع كانوا يقومونه شريف كريم. ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم، فقال بعضهم: وصفه بذلك لشرفه، وذلك أنه مقام الملوك والامراء، قالوا: وإنما أريد به المنابر. ذكر من قال ذلك: 24068 - حدثني جعفر ابن بنت إسحاق الازرق، قال: ثنا سعيد بن محمد الثقفي، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن مجاهد، في قوله: ومقام كريم قال: المنابر. 24069 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي، قال: ثنا شريك عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، في قوله: ومقام كريم قال: المنابر. وقال آخرون: وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته. ذكر من قال ذلك: 24070 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومقام كريم: أي حسن. وقوله: ونعمة كانوا فيها فاكهين يقول تعالى ذكره: وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين. واختلفت القراء في قراءة قوله: فاكهين فقرأته عامة قراء الامصار خلا أبي جعفر القارئ فاكهين على المعنى الذي وصفت. وقرأه أبو رجاء العطاردي والحسن وأبو جعفر المدني فكهين بمعنى: أشرين بطرين.
[ 160 ]
والصواب من القراءة عندي في ذلك، القراءة التي عليها قراء الامصار، وهي فاكهين بالالف بمعنى ناعمين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونعمة كانوا فيها فاكهين: ناعمين، قال: إي والله، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورطه في البحر. وقوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين يقول تعالى ذكره: هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهولاء الذي ذكرت لكم أمرهم، الذين كذبوا رسولنا موسى (ص). وقوله: وأورثناها قوما آخرين يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم، وقيل: عني بالقوم الآخرين بنو إسرائيل. ذكر من قال ذلك: 24071 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين يعني بني إسرائيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ئ ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ئ من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين) *. يقول تعالى ذكره: فما بكت على هؤلاء الذين غرقهم الله في البحر، وهم فرعون وقومه، السماء والارض، وقيل: إن بكاء السماء حمرة أطرافها. ذكر من قال ذلك: 24072 - حدثني محمد بن إسماعيل الاحمسي، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن الحكم بن ظهير، عن السدي قال: لما قتل الحسين بن علي رضوان الله عليهما بكت السماء عليه، وبكاؤها حمرتها. 24073 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: فما بكت عليهم السماء والارض قال: بكاؤها حمرة أطرافها. وقيل: إنما قيل: فما بكت عليهم السماء والارض لان المؤمن إذا مات، بكت
[ 161 ]
عليه السماء والارض أربعين صباحا، ولم تبكيا على فرعون وقومه، لانه لم يكن لهم عمل يصعد إلى الله صالح، فتبكي عليهم السماء، ولا مسجد في الارض، فتبكي عليهم الارض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24074 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، قال: أتى ابن عباس رجل، فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين فهل تبكي السماء والارض على أحد ؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه وإذا فقده مصلاه من الارض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الارض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والارض. 24075 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى قالا: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان يقال: تبكي الارض على المؤمن أربعين صباحا. 24076 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس بمثله. حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، قال: حدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الارض أربعين صباحا. 24077 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا بكير بن أبي السميط، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: إن بقاع الارض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته، يعني المؤمن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فما بكت عليهم السماء والارض قال: إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله، فإذا فقد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الارض عمل صالح يقبل منهم، فيصعد إلى الله عز وجل، فقال مجاهد: تبكي الارض على المؤمن أربعين صباحا.
[ 162 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: كان يقال: إن المؤمن إذا مات بكت عليه الارض أربعين صباحا. 24078 - حدثنا يحيى بن طلحة، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي، قال: قال رسول الله (ص): إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، ألا لا غربة على المؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والارض، ثم قرأ رسول الله (ص): فما بكت عليهم السماء والارض، ثم قال: إنهما لا يبكيان على الكافر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فما بكت عليهم السماء والارض... الآية، قال: ذلك أنه ليس على الارض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده، وإلا بكى عليه من السماء الموضع الذي كان يرفع منه كلامه، فذلك قوله لاهل معصيته: فما بكت عليهم السماء والارض، وما كانوا منظرين لانهما يبكيان على أولياء الله. 24079 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما بكت عليهم السماء والارض. 24080 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فما بكت عليهم السماء والارض يقول: لا تبكي السماء والارض على الكافر، وتبكي على المؤمن الصالح معالمه من الارض ومقر عمله من السماء. 24081 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فما بكت عليهم السماء والارض قال: بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الارض تبكي عليه إذا مات، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن
[ 163 ]
جبير، قال: سئل ابن عباس: هل تبكي السماء والارض على أحد ؟ فقال: نعم إنه ليس أحد، من الخلق إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه مكانه من الارض الذي كان يذكر الله فيه ويصلي فيه، وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه. وأما قوم فرعون، فلم يكن لهم آثار صالحة، ولم يصعد إلى السماء منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والارض. وقوله: وما كانوا منظرين يقول: وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلت بهم، ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عز وجل عليهم ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين: يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب الذي كان فرعون وقومه يعذبونهم به، المهين يعني المذل لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24082 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم. وقوله: من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب من فرعون، فقوله: من فرعون مكررة على قوله: من العذاب المهين مبدلة من الاولى. ويعني بقوله: إنه كان عاليا من المسرفين إنه كان جبارا مستعليا مستكبرا على ربه، من المسرفين يعني: من المتجاوزين ما ليس لهم تجاوزه. وإنما يعني جل ثناؤه أنه كان ذا اعتداء في كفره، واستكبار على ربه جل ثناؤه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد اخترناهم على علم على العالمين ئ وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) *. يقول تعالى ذكره: ولقد اخترنا بني إسرائيل على علم منا بهم على عالمي أهل زمانهم يومئذ، وذلك زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24083 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد اخترناهم على علم على العالمين: أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك، ولكل زمان عالم.
[ 164 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ولقد اخترناهم على علم على العالمين قال: عالم ذلك الزمان. 240884 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ولقد اخترناهم على علم على العالمين قال: على من هم بين ظهرانيه. قوله: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين يقول تعالى ذكره: وأعطيناهم من العبر والعظات ما فيه اختبار يبين لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله به. واختلف أهل التأويل في ذلك البلاء، فقال بعضهم: ابتلاهم بنعمه عندهم. ذكر من قال ذلك: 24085 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين أنجاهم الله من عدوهم، ثم أقطعهم البحر، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى. وقال آخرون: بل ابتلاهم بالرخاء والشدة. ذكر من قال ذلك: 24086 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين، وقرأ ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وقال: بلاء مبين لمن آمن بها وكفر بها، بلوى نبتليهم بها، نمحصهم بلوى اختبار، نختبرهم بالخير والشر، نختبرهم لننظر فيما أتاهم من الآيات من يؤمن بها، وينتفع بها ويضيعها. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى بني إسرائيل من الآيات ما فيه ابتلاؤهم واختبارهم، وقد يكون الابتلاء والاختبار بالرخاء، ويكون بالشدة، ولم يضع لنا دليلا من خبر ولا عقل، أنه عنى بعض ذلك دون بعض، وقد كان الله اختبرهم بالمعنيين كليهما جميعا. وجائز أن يكون عنى اختباره إياهم بهما، فإذا كان الامر على ما وصفنا، فالصواب من القول فيه أن نقول كما قال جل ثناؤه إنه اختبرهم.
[ 165 ]
القول في تأويل قوله تعالى: [ / بم * (إن هؤلاء ليقولون ئ إن هي إلا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين ئ فأتوا بآبآئنا إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مشركي قريش لنبي الله (ص): إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد ليقولون إن هي إلا موتتنا الاولى التي نموتها، وهي الموتة الاولى وما نحن بمنشرين بعد مماتنا، ولا بمبعوثين تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24087 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين قال: قد قال مشركو العرب وما نحن بمنشرين أي: بمبعوثين. وقوله: فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره: قالوا لمحمد (ص): فأتوا بآبائنا الذين قد ماتوا إن كنتم صادقين، أن الله باعثنا من بعد بلانا في قبورنا، ومحيينا من بعد مماتنا، وخوطب (ص) هو وحده خطاب الجميع، كما قيل: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وكما قال رب ارجعون وقد بينت ذلك في غير موضع من كتابنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير، أم قوم تبع، يعني تبعا الحميري. كما: 24088 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل: أهم خير، أم قوم تبع قال: الحميري.
[ 166 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أهم خير أم قوم تبع ذكر لنا أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها. وذكر لنا أنه كان إذا كتب كتب باسم الذي تسمى وملك برا وبحرا وصحا وريحا. وذكر لنا أن كعبا كان يقول: نعت نعت الرجل الصالح ذم الله قومه ولم يذمه. وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تبعا، فإنه كان رجلا صالحا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قالت عائشة: كان تبع رجلا صالحا. وقال كعب: ذم قومه ولم يذمه. 24090 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن تميم بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، أن تبعا كسا البيت، ونهى سعيد عن سبه. وقوله: والذين من قبلهم يقول تعالى ذكره: أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبع والذين من قبلهم من الامم الكافرة بربها، يقول: فليس هؤلاء بخير من أولئك، فنصفح عنهم، ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الامم من قبلهم كفارا. وقوله: إنهم كانوا مجرمين يقول: إن قوم تبع والذين من قبلهم من الامم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لاجرامهم، وكفرهم بربهم. وقيل: إنهم كانوا مجرمين، فكسرت ألف إن على وجه الابتداء، وفيها معنى الشرط استغناء بدلالة الكلام على معناها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ئ ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: وما خلقنا السموات السبع والارضين وما بينهما من الخلق لعبا. وقوله: ما خلقناهما إلا بالحق يقول: ما خلقنا السموات والارض إلا بالحق الذي لا يصلح التدبير إلا به. وإنما يعني بذلك تعالى ذكره التنبيه على صحة البعث
[ 167 ]
والمجازاة، يقول تعالى ذكره: لم نخلق الخلق عبثا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا، ثم نفنيهم من غير الامتحان بالطاعة والامر والنهي، وغير مجازاة المطيع على طاعته، والعاصي على المعصية، ولكن خلقنا ذلك لنبتلي من أردنا امتحانه من خلقنا بما شئنا من امتحانه من الامر والنهي لنجزي الذين أساؤا بما عملوا ولنجزي الذين أحسنوا بالحسنى. ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أن الله خلق ذلك لهم، فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط الله عقوبة، ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابا لتكذيبهم بالمعاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ئ يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون ئ إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم) *. يقول تعالى ذكره: إن يوم فصل الله القضاء بين خلقه بما أسلفوا في دنياهم من خير أو شر يجزى به المحسن بالاحسان، والمسئ بالاساءة ميقاتهم أجمعين: يقول: ميقات اجتماعهم أجمعين. كما: 24091 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم. وقوله: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا يقول: لا يدفع ابن عم عن ابن عم، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلت بهم من الله ولا هم ينصرون يقول: ولا ينصر بعضهم بعضا، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا. كما: 24092 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا... الآية، انقطعت الاسباب يومئذ يا ابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمن أصاب يومئذ خيرا سعد به آخر ما عليه، ومن أصاب يومئذ شرا شقي به آخر ما عليه.
[ 168 ]
وقوله: إلا من رحم الله اختلف أهل العربية في موضع من في قوله: إلا من رحم الله فقال بعض نحويي البصرة: إلا من رحم الله، فجعله بدلا من الاسم المضمر في ينصرون، وإن شئت جعلته مبتدأ وأضمرت خبره، يريد به: إلا من رحم الله فيغني عنه. وقال بعض نحويي الكوفة قوله: إلا من رحم الله قال: المؤمنون يشفع بعضهم في بعض، فإن شئت فاجعل من في موضع رفع، كأنك قلت: لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام، يريد: اللهم إلا من رحم الله. وقال آخرون منهم: معناه: لا يغني مولى عن مولى شيئا، إلا من أذن الله له أن يشفع قال: لا يكون بدلا مما في ينصرون، لان إلا محقق، والاول منفي، والبدل لا يكون إلا بمعنى الاول. قال: وكذلك لا يجوز أن يكون مستأنفا، لانه لا يستأنف بالاستثناء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يكون في موضع رفع بمعنى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا إلا من رحم الله منهم، فإنه يغني عنه بأن يشفع له عند ربه. وقوله: إنه هو العزيز الرحيم يقول جل ثناؤه واصفا نفسه: إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه، وأهل طاعته. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن شجرة الزقوم ئ طعام الاثيم ئ كالمهل يغلي في البطون ئ كغلي الحميم) *. يقول تعالى ذكره: إن شجرة الزقوم التي أخبر أنها تنبت في أصل الجحيم، التي جعلها طعاما لاهل الجحيم، ثمرها في الجحيم طعام الآثم في الدنيا بربه، والاثيم: ذو الاثم، والاثم من أثم يأثم فهو أثيم. وعنى به في هذا الموضع: الذي إثمه الكفر بربه دون غيره من الآثام. وقد: 24093 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا إن شجرة الزقوم طعام الاثيم فقال: طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء: قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.
[ 169 ]
24094 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يحيى بن عيسى عن الاعمش، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الدنيا، لافسدت على الناس معايشهم. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن همام، قال: كان أبو الدرداء يقرئ رجلا إن شجرة الزقوم طعام الاثيم قال: فجعل الرجل يقول: إن شجرة الزقوم طعام اليتيم قال: فلما أكثر عليه أبو الدرداء، فرآه لا يفهم، قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر. 24095 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن شجرة الزقوم طعام الاثيم قال: أبو جهل. وقوله: كالمهل يغلي في البطون يقول تعالى ذكره: إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم، كالرصاص أو الفضة، أو ما يذاب في النار إذا أذيب بها، فتناهت حرارته، وشدت حميته في شدة السواد. وقد بينا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع من الشواهد، وذكر اختلاف أهل التأويل فيه، غير أنا نذكر من أقوال أهل العلم في هذا الموضع ما لم نذكره هناك: 24096 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس، عن قول الله جل ثناؤه: كالمهل قال: كدردي الزيت. حدثني علي بن سهل، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كالمهل يغلي في البطون يقول: أسود كمهل الزيت.
[ 170 ]
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرفا، عن عطية بن سعد، عن ابن عباس، في قوله: كالمهل ماء غليظ كدردي الزيت. حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا شريك، عن مطرف، عن رجل، عن ابن عباس في قوله: كالمهل قال: كدردي الزيت. 24097 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا خليد، عن الحسن، عن ابن عباس، أنه رأى فضة قد أذيبت، فقال: هذا المهل. 24098 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عمرو بن ميمون عن أبيه، عن عبد الله، في قوله: كالمهل يشوي الوجوه قال: دخل عبد الله بيت المال، فأخرج بقايا كانت فيه، فأوقد عليها النار حتى تلالات، قال: أين السائل عن المهل، هذا المهل. 24099 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي: وحدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحارث، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن ابن مسعود سئل عن المهل الذي يقولون يوم القيامة شراب أهل النار، وهو على بيت المال، قال: فدعا بذهب وفضة فأذابهما، فقال: هذا أشبه شئ في الدنيا بالمهل الذي هو لون السماء يوم القيامة، وشراب أهل النار، غير أن ذلك هو أشد حرا من هذا، لفظ الحديث لابن بشار وحديث ابن المثنى نحوه. حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الحسن، قال: كان من كلامه أن عبد الله بن مسعود رجل أكرمه الله بصحبة محمد (ص)، فإن عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال، قال: فعمد إلى فضة كثيرة مكسرة، فخد لها أخدودا، ثم أمر بحطب جزل فأوقد عليها، حتى إذا اماعت وتزبدت وعادت ألوانا، قال: انظروا من بالباب، فأدخل القوم فقال لهم: هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمهل.
[ 171 ]
24100 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن شجرة الزقوم طعام الاثيم... الآية، ذكر لنا أن ابن مسعود أهديت له سقاية من ذهب وفضة، فأمر بأخدود فخدت في الارض، ثم قذف فيها من جزل الحطب، ثم قذفت فيها تلك السقاية، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه: ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة، فدعا رهطا، فلما دخلوا قال: أترون هذا ؟ قالوا نعم، قال: ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من الذهب والفضة حين أزبد وانماع. 24101 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن سفيان الاسدي، قال: أذاب عبد الله بن مسعود فضة، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: يوم تكون السماء كالمهل قال: كدردي الزيت. 24102 - حدثني يحيى بن طلحة قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: كالمهل قال: كدردي الزيت. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال: ثنا أبو الصباح، قال: سمعت يزيد بن أبي سمية يقول: سمعت ابن عمر يقول: هل تدرون ما المهل ؟ المهل مهل الزيت، يعني آخره. قال: ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو الصباح الايلي، عن يزيد بن أبي سمية، عن ابن عمر بمثله. 24103 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) في قوله: بماء كالمهل كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه، سقطت فروة وجهه فيه.
[ 172 ]
قال: ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا رشدين بن سعد، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص)، مثله. وقوله: في البطون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة تغلي بالتاء، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة. وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة يغلي بمعنى: طعام الاثيم يغلي، أو المهل يغلي، فذكره بعضهم لتذكير الطعام، ووجه معناه إلى أن الطعام هو الذي يغلي في بطونهم وبعضهم لتذكير المهل، ووجهه إلى أنه صفة للمهل الذي يغلي. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب كغلي الحميم يقول: يغلي ذلك في بطون هؤلاء الاشقياء كغلي الماء المحموم، وهو المسخن الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدة حره، وقيل: حميم وهو محموم، لانه مصروف من مفعول إلى فعيل، كما يقال: قتيل من مقتول. القول في تأويل قوله تعالى: * (خذوه فاعتلوه إلى سوآء الجحيم ئ ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) *. يقول تعالى ذكره: خذوه يعني هذا الاثيم بربه، الذي أخبر جل ثناؤه أن له شجرة الزقوم طعام فاعتلوه يقول تعالى ذكره: فادفعوه وسوقوه، يقال منه: عتله يعتله عتلا: إذا ساقه بالدفع والجذب ومنه قول الفرزدق: ليس الكرام بناحليك أباهم حتى ترد إلى عطية تعتل أي تساق دفعا وسحبا. وقوله: إلى سواء الجحيم: إلى وسط الجحيم. ومعنى الكلام: يقال يوم
[ 173 ]
القيامة: خذوا هذا الاثيم فسوقوه دفعا في ظهره، وسحبا إلى وسط النار. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: فاعتلوه قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24104 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم قال: خذوه فادفعوه. وفي قوله: فاعتلوه لغتان: كسر التاء، وهي قراءة بعض قراء أهل المدينة وبعض أهل مكة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا أنهما لغتان معروفتان في العرب، يقال منه: عتل يعتل ويعتل، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. 24105 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إلى سواء الجحيم: إلى وسط النار. وقوله: ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم يقول تعالى ذكره: ثم صبوا على رأس هذا الاثيم من عذاب الحميم، يعني: من الماء المسخن الذي وصفنا صفته، وهو الماء الذي قال الله يصهر به ما في بطونهم والجلود، وقد بينت صفته هنالك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم ئ إن هذا ما كنتم به تمترون) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهذا الاثيم الشقي: ذق هذا العذاب الذي تعذب به اليوم إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم. وذكر أن هذه الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام. ذكر من قال ذلك: 24106 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم نزلت في عدو الله أبي جهل لقي النبي (ص)، فأخذه فهزه، ثم قال: أولى لك يا أبا جهل فأولى، ثم أولى لك فأولى، ذق إنك أنت العزيز الكريم، وذلك أنه
[ 174 ]
قال: أيو عدني محمد، والله لانا أعز من مشى بين جبليها. وفيه نزلت ولا تطع منهم آثما أو كفورا وفيه نزلت كلا لا تطعه واسجد واقترب وقال قتادة: نزلت في أبي جهل وأصحابه الذين قتل الله تبارك وتعالى يوم بدر ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: نزلت في أبي جهل خذوه فاعتلوه قال قتادة، قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني، فقال الله عز وجل: ذق إنك أنت العزيز الكريم. 24107 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم قال: هذا لابي جهل. فإن قال قائل: وكيف قيل وهو يهان بالعذاب الذي ذكره الله، ويذل بالعتل إلى سواء الجحيم: إنك أنت العزيز الكريم ؟ قيل: إن قوله: إنك أنت العزيز الكريم غير وصف من قائل ذلك له بالعزة والكرم، ولكنه تقريع منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا، وتوبيخ له بذلك على وجه الحكاية، لانه كان في الدنيا يقول: إنك أنت العزيز الكريم، فقيل له في الآخرة، إذ عذب بما عذب به في النار: ذق هذا الهوان اليوم، فإنك كنت تزعم أنك أنت العزيز الكريم، وإنك أنت الذليل المهين، فأين الذي كنت تقول وتدعي من العز والكرم، هلا تمتنع من العذاب بعزتك. 24108 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى قال ثنا ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال كعب: لله ثلاثة أثواب: اتزر بالعز، وتسربل الرحمة، وارتدى الكبرياء تعالى ذكره، فمن تعزز بغير ما أعزه الله فذاك الذي يقال: ذق إنك أنت العزيز الكريم، ومن رحم الناس فذاك الذي سربل الله سرباله الذي ينبغي له ومن تكبر فذاك الذي نازع الله رداءه إن الله تعالى ذكره يقول: لا ينبغي لمن نازعني ردائي أن أدخله الجنة عز وجل. وأجمعت قراء الامصار جميعا على كسر الالف من قوله: ذق
[ 175 ]
إنك على وجه الابتداء. وحكاية قول هذا القائل: إني أنا العزيز الكريم. وقرأ ذلك بعض المتأخرين ذق أنك بفتح الالف على إعمال قوله: ذق في قوله: أنك كأنك معنى الكلام عنده: ذق هذا القول الذي قلته في الدنيا. والصواب من القراءة في ذلك عندنا كسر الالف من إنك على المعنى الذي ذكرت لقارئه، لاجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالفه، وكفى دليلا على خطأ قراءة خلافها، ما مضت عليه الائمة من المتقدمين والمتأخرين، مع بعدها من الصحة في المعنى وفراقها تأويل أهل التأويل. وقوله: إن هذا ما كنتم به تمترون يقول تعالى ذكره: يقال له: إن هذا العذاب الذي تعذب به اليوم، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تشكون، فتختصمون فيه، ولا توقنون به فقد لقيتموه، فذوقوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن المتقين في مقام أمين ئ في جنات وعيون ئ يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه في موضع إقامة، آمنين في ذلك الموضع مما كان يخاف منه في مقامات الدنيا من الاوصاب والعلل والانصاب والاحزان. واختلفت القراء في قراءة قوله: في مقام أمين فقرأته عامة قراء المدينة في مقام أمين بضم الميم، بمعنى: في إقامة أمين من الظعن. وقرأته عامة قراء المصرين. الكوفة والبصرة في مقام بفتح الميم على المعنى الذي وصفنا، وتوجيها إلى أنهم في مكان وموضع أمين.
[ 176 ]
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن المتقين في مقام أمين إي والله، أمين من الشيطان والانصاب والاحزان. وقوله: في جنات وعيون الجنات والعيون ترجمة عن المقام الامين، والمقام الامين: هو الجنات والعيون، والجنات: البساتين، والعيون: عيون الماء المطرد في أصول أشجار الجنات. وقوله: يلبسون من سندس يقول: يلبس هؤلاء المتقون في هذه الجنات من سندس، وهو ما رق من الديباج وإستبرق: وهو ما غلظ من الديباج. كما: 24110 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، في قوله: من سندس وإستبرق قال: الاستبرق: الديباج الغليظ. وقيل: يلبسون من سندس وإستبرق ولم يقل لباسا، استغناء بدلالة الكلام على معناه. وقوله: متقابلين يعني أنهم في الجنة يقابل بعضهم بعضا بالوجوه، ولا ينظر بعضهم في قفا بعض. وقد ذكرنا الرواية بذلك فما مضى، فأغني ذلك عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (كذلك وزوجناهم بحور عين ئ يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ئ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووقاهم عذاب الجحيم ئ فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) *. يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات، وإلباسناهم فيها السندس والاستبرق، كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم أيضا فيها حورا من النساء، وهن النقيات البياض، واحدتهن: حوراء. وكان مجاهد يقول في معنى الحور، ما:
[ 177 ]
24111 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وزوجناهم بحور عين قال: أنكحناهم حورا. قال: والحور: اللاتي يحار فيهن الطرف باد مخ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد، وصفاء اللون، وهذا الذي قاله مجاهد من أن الحور إنما معناها: أنه يحار فيها الطرف، قول لا معنى له في كلام العرب، لان الحور إنما هو جمع حوراء، كالحمر جمع حمراء، والسود: جمع سوداء، والحوراء إنما هي فعلاء من الحور وهو نقاء البياض، كما قيل للنقي البياض من الطعام الحواري. وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال سائر أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24112 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كذلك وزوجناهم بحور عين قال: بيضاء عيناء، قال: وفي قراءة ابن مسعود بعيس عين. حدثنا بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بحور عين قال: بيض عين، قال: وفي حرف ابن مسعود بعيس عين. وقرأ ابن مسعود هذه، يعني أن معنى الحور غير الذي ذهب إليه مجاهد، لان العيس عند العرب جمع عيساء، وهي البيضاء من الابل، كما قال الاعشي: ومهمة نازح تعوي الذئاب به كلفت أعيس تحت الرحل نعابا يعني بالاعيس: جملا أبيض. فأما العين فإنها جمع عيناء، وهي العظيمة العينين من النساء. وقوله: يدعون فيها... الآية، يقول: يدعو هؤلاء المتقون في الجنة بكل نوع من فواكه الجنة اشتهوه، آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفاده وفنائه، ومن غائلة أذاه
[ 178 ]
ومكروهه، يقول: ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها، وهم يخافون مكروه عاقبتها، وغب أذاها مع نفادها من عندهم، وعدمها في بعض الازمنة والاوقات. وكان قتادة يوجه تأويل قوله: آمنين إلى ما: 24113 - حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يدعون فيها بكل فاكهة آمنين أمنوا من الموت والاوصاب والشيطان. وقوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى يقول تعالى ذكره: لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الاولى التي ذاقوها في الدنيا. وكان بعض أهل العربية يوجه إلا في هذا الموضع إلى أنها في معنى سوى، ويقول: معنى الكلام: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الاولى، ويمثله بقوله تعالى ذكره: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف بمعنى: سوى ما قد فعل آباؤكم، وليس للذي قال من ذلك عندي وجه مفهوم، لان الاغلب من قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم أنه يريد الخبر عن قائله أن عنده طعاما في ذلك اليوم ذائقه وطاعمه دون سائر الاطعمة غيره. وإذا كان ذلك الاغلب من معناه وجب أن يكون قد أثبت بقوله: إلا الموتة الاولى موتة من نوع الاولى هم ذائقوها، ومعلوم أن ذلك ليس كذلك، لان الله عز وجل قد آمن أهل الجنة في الجنة إذا هم دخلوها من الموت، ولكن ذلك كما وصفت من معناه. وإنما جاز أن توضع إلا في موضع بعد لتقارب معنييهما في هذا الموضع وذلك أن القائل إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو. وكذلك إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا بعد رجل عند عمرو، قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو، فبعد، وإلا: متقاربتا المعنى في هذا الموضع. ومن شأن العرب أن تضع الكلمة مكان غيرها إذا تقارب معنياهما، وذلك كوضعهم الرجاء مكان الخوف لما في معنى الرجاء من الخوف، لان الرجاء ليس بيقين، وإنما هو طمع، وقد يصدق ويكذب كما الخوف يصدق أحيانا ويكذب، فقال في ذلك أبو ذؤيب: إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عوامل
[ 179 ]
فقال: لم يرج لسعها، ومعناه في ذلك: لم يخف لسعها، وكوضعهم الظن موضع العلم الذي لم يدرك من قبل العيان، وإنما أدرك استدلالا أو خبرا، كما قال الشاعر: فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد بمعنى: أيقنوا بألفى مدجج واعلموا، فوضع الظن موضع اليقين، إذ لم يكن المقول لهم ذلك قد عاينوا ألفي مدجج، ولا رأوهم، وإن ما أخبرهم به هذا المخبر، فقال لهم ظنوا العلم بما لم يعاين من فعل القلب، فوضع أحدهما موضع الآخر لتقارب معنييهما في نظائر لما ذكرت يكثر إحصاؤها، كما يتقارب معنى الكلمتين في بعض المعاني، وهما مختلفتا المعنى في أشياء أخر، فتضع العرب إحداهما مكان صاحبتها في الموضع الذي يتقارب معنياهما فيه، فكذلك قوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى وضعت إلا في موضع بعد لما نصف من تقارب معنى إلا، وبعد في هذا الموضع، وكذلك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنما معناه: بعد الذي سلف منكم في الجاهلية، فأما إذا وجهت إلا في هذا الموضع إلى معنى سوى، فإنما هو ترجمة عن المكان، وبيان عنها بما هو أشد التباسا على من أراد علم معناها منها. وقوله: ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك يقول تعالى ذكره: ووقى هؤلاء المتقين ربهم يومئذ عذاب النار تفضلا يا محمد من ربك عليهم، وإحسانا منه إليهم بذلك، ولم يعاقبهم بجرم سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضله عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلف منهم من ذلك، لم يقهم عذاب الجحيم، ولكن كان ينالهم ويصيبهم ألمه ومكروهه. وقوله: ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين
[ 180 ]
في الآخرة من الكرامة التي وصفت في هذه الآيات، هو الفوز العظيم: يقول: هو الظفر العظيم بما كانوا يطلبون من إدراكه في الدنيا بأعمالهم وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم به من الطاعات والفرائض، واجتناب المحارم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ئ فارتقب إنهم مرتقبون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فإنما سهلنا قراءة هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بلسانك، ليتذكر هؤلاء المشركون الذين أرسلناك إليهم بعبره وحججه، ويتعظوا بعظاته، ويتفكروا في آياته إذا أنت تتلوه عليهم، فينيبوا إلى طاعة ربهم، ويذعنوا للحق عند تبينهموه. كما: 24114 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإنما يسرناه بلسانك: أي هذا القرآن لعلهم يتذكرون. 24115 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإنما يسرناه بلسانك قال: القرآن، ويسرناه: أطلق به لسانه. وقوله: فارتقب إنهم مرتقبون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك، والنصر على هؤلاء المشركين بالله من قومك من قريش، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدهم عما أتيتهم به من الحق من أراد قبوله واتباعك عليه. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: فارتقب إنهم مرتقبون قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24116 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فارتقب إنهم مرتقبون: أي فانتظر إنهم منتظرون. آخر سورة الدخان
[ 181 ]
سورة الجاثية (45) سورة الجاثية مكية أو آياتها سبع وثلاثونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (حم ئ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ئ إن في السماوات والارض لآيات للمؤمنين) *. قد تقدم بياننا في معنى قوله: حم. وأما قوله: تنزيل الكتاب من الله فإن معناه: هذا تنزيل القرآن من عند الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره أمر خلقه. وقوله: إن في السموات والارض لآيات للمؤمنين يقول تعالى ذكره: إن في السموات السبع اللاتي منهن نزول الغيث، والارض التي منها خروج الخلق أيها الناس لآيات للمؤمنين يقول: لادلة وحججا للمصدقين بالحجج إذا تبينوها ورأوها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) *. يقول تعالى ذكره: وفي خلق الله إياكم أيها الناس، وخلقه ما تفرق في الارض من دابة تدب عليها من غير جنسكم آيات لقوم يوقنون يعني: حججا وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الاشياء، فيقرون بها، ويعلمون صحتها. واختلفت القراء في قراءة قوله: آيات لقوم يوقنون وفي التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة آيات رفعا على الابتداء، وترك ردها على
[ 182 ]
قوله: لآيات للمؤمنين، وقرأته عامة قراء الكوفة آيات خفضا بتأويل النصب ردا على قوله: لآيات للمؤمنين. وزعم قارئو ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قراءته كذلك، لانه في قراءة أبي في الآيات الثلاثة لآيات باللام فجعلوا دخول اللام في ذلك في قراءته دليلا لهم على صحة قراءة جميعه بالخفض، وليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة، لان لا رواية بذلك عن أبي صحيحة، وأبي لو صحت به عنه رواية، ثم لم يعلم كيف كانت قراءته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضا، بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرأه رفعا، إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جملة كلام تام قد عملت في ابتدائها إن، مع ابتدائهم إياه، كما قال حميد بن ثور الهلالي: إن الخلافة بعدهم لذميمة وخلائف طرف لمما أحقر فأدخل اللام في خبر مبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه إن إذ كان الكلام، وإن ابتدئ منويا فيه إن. والصواب من القول في ذلك إن كان الامر على ما وصفنا أن يقال: إن الخفض في
[ 183 ]
هذه الاحرف والرفع قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار قد قرأ بهما علماء من القراء صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) *. يقول تبارك وتعالى: وفي اختلاف الليل والنهار أيها الناس، تعاقبهما عليكم، هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه وما أنزل الله من السماء من رزق وهو الغيث الذي به تخرج الارض أرزاق العباد وأقواتهم، وإحيائه الارض بعد موتها: يقول: فأنبت ما أنزل من السماء من الغيث ميت الارض، حتى اهتزت بالنبات والزرع من بعد موتها، يعني: من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع. وقوله: وتصريف الرياح يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالا مرة، وجنوبا أخرى، وصبا أحيانا، ودبورا أخرى لمنافعكم. وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرة، وبالعذاب أخرى. ذكر من قال ذلك: 24117 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وتصريف الرياح قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا. وقوله: آيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه، لقوم يعقلون عن الله حججه، ويفهمون عنه ما وعظه به من الآيات والعبر. القول في تأويل قوله تعالى: * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: هذه الآيات والحجج يا محمد من ربك على خلقه نتلوها عليك بالحق: يقول: نخبرك عنها بالحق لا بالباطل، كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم
[ 184 ]
بالباطل، أنها تقربهم إلى الله زلفى، فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون: يقول تعالى ذكره للمشركين به: فبأي حديث أيها القوم بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم، وبعد حججه عليكم وأدلته التي دلكم بها على وحدانيته من أنه لا رب لكم سواه، تصدقون، إن أنتم كذبتم لحديثه وآياته. وهذا التأويل على مذهب قراءة من قرأ تؤمنون على وجه الخطاب من الله بهذا الكلام للمشركين، وذلك قراءة عامة قراء الكوفيين. وأما على قراءة من قرأه يؤمنون بالياء، فإن معناه: فبأي حديث يا محمد بعد حديث الله الذي يتلوه عليك وآياته هذه التي نبه هؤلاء المشركين عليها، وذكرهم بها، يؤمن هؤلاء المشركون، وهي قراءة عامة قراء أهل المدينة والبصرة، ولكلتا القراءتين وجه صحيح، وتأويل مفهوم، فبأية القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب عندنا، وإن كنت أميل إلى قراءته بالياء إذ كانت في سياق آيات قد مضين قبلها على وجه الخبر، وذلك قوله: لقوم يوقنون ولقوم يعقلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويل لكل أفاك أثيم ئ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: الوادي السائل من صديد أهل جهنم، لكل كذاب ذي إثم بربه، مفتر عليه، يسمع آيات الله تتلى عليه يقول: يسمع آيات كتاب الله تقرأ عليه ثم يصر على كفره وإثمه فيقيم عليه غير تائب منه، ولا راجع عنه مستكبرا على ربه أن يذعن لامره ونهيه كأن لم يسمعها يقول: كأن لم يسمع ما تلي عليه من آيات الله بإصراره على كفره فبشره بعذاب أليم يقول: فبشر يا محمد هذا الافاك الاثيم الذي هذه صفته بعذاب من الله له. أليم: يعني موجع في نار جهنم يوم القيامة.
[ 185 ]
القول في تأويل قوله تعالى: [ / بم * (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا علم هذا الافاك الاثيم من آيات الله شيئا اتخذها هزوا: يقول: اتخذ تلك الآيات التي علمها هزوا، يسخر منها، وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت إن شجرة الزقوم طعام الاثيم إذ دعا بتمر وزبد فقال: تزقموا من هذا، ما يعدكم محمد إلا شهدا، وما أشبه ذلك من أفعالهم. وقوله: أولئك لهم عذاب مهين يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا الفعل، وهم الذين يسمعون آيات الله تتلى عليهم ثم يصرون على كفرهم استكبارا، ويتخذون آيات الله التي علموها هزوا، لهم يوم القيامة من الله عذاب مهين يهينهم ويذلهم في نار جهنم، بما كانوا في الدنيا يستكبرون عن طاعة الله واتباع آياته، وإنما قال تعالى ذكره: أولئك فجمع. وقد جرى الكلام قبل ذلك ردا للكلام إلى معنى الكل في قوله: ويل لكل أفاك أثيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم) *. يقول تعالى ذكره: ومن وراء هؤلاء المستهزئين بآيات الله، يعني من بين أيديهم. وقد بينا العلة التي من أجلها قيل لما أمامك، هو وراءك، فيما مضى بما أغنى عن إعادته يقول: من بين أيديهم نار جهنم هم واردوها، ولا يغنيهم ما كسبوا شيئا: يقول: ولا يغني عنهم من عذاب جهنم إذا هم عذبوا به ما كسبوا في الدنيا من مال وولد شيئا. وقوله: ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء يقول: ولا آلهتهم التي عبدوها من دون
[ 186 ]
الله، ورؤساؤهم، وهم الذين أطاعوهم في الكفر بالله، واتخذوهم نصراء في الدنيا، تغني عنهم يومئذ من عذاب جهنم شيئا ولهم عذاب عظيم يقول: ولهم من الله يومئذ عذاب في جهنم عظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) *. يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنزلناه على محمد هدى: يقول: بيان ودليل على الحق، يهدي إلى صراط مستقيم، من اتبعه وعمل بما فيه والذين كفروا بآيات ربهم يقول: والذين جحدوا ما في القرآن من الآيات الدالات على الحق، ولم يصدقوا بها، ويعملوا بها، لهم عذاب أليم يوم القيامة موجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: الله أيها القوم، الذي لا تنبغي الالوهة إلا له، الذي أنعم عليكم هذه النعم، التي بينها لكم في هذه الآيات، وهو أنه سخر لكم البحر لتجري السفن فيه بأمره لمعايشكم وتصرفكم في البلاد لطلب فضله فيها، ولتشكروا ربكم على تسخيره ذلك لكم فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم به، وينهاكم عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) *. يقول تعالى ذكره: وسخر لكم ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وما في الارض من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم جميعا منه. يقول تعالى ذكره: جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم، نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم، وفضل منه تفضل به عليكم، فإياه فاحمدوا لا غيره، لانه لم يشركه في إنعام هذه
[ 187 ]
النعم عليكم شريك، بل تفرد بإنعامها عليكم وجميعها منه، ومن نعمه فلا تجعلوا له في شكركم له شريكا بل أفردوه بالشكر والعبادة، وأخلصوا له الالوهية، فإنه لا إله لكم سواه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24118 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعا منه يقول: كل شئ هو من الله، وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه، فذلك جميعا منه، ولا ينازعه فيه المنازعون، واستيقن أنه كذلك. وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن في تسخير الله لكم ما أنبأكم أيها الناس أنه سخره لكم في هاتين الآيتين لآيات يقول: لعلامات ودلالات على أنه لا إله لكم غيره، الذي أنعم عليكم هذه النعم، وسخر لكم هذه الاشياء التي لا يقدر على تسخيرها غيره لقوم يتفكرون في آيات الله وحججه وأدلته، فيعتبرون بها ويتعظون إذا تدبروها، وفكروا فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للذين صدقوا الله واتبعوك، يغفروا للذين لا يخافون بأس الله ووقائعه ونقمه إذا هم نالوهم بالاذى والمكروه ليجزي قوما بما كانوا يكسبون يقول: ليجزي الله هؤلاء الذين يؤذونهم من المشركين في الآخرة، فيصيبهم عذابه بما كانوا في الدنيا يكسبون من الاثم، ثم بأذاهم أهل الايمان بالله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24119 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون قال: كان نبي الله (ص) يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزؤن به، ويكذبونه، فأمره الله عز وجل أن يقاتل المشركين كافة، فكان هذا من المنسوخ.
[ 188 ]
24120 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: للذين لا يرجون أيام الله قال: لا يبالون نعم الله، أو نقم الله. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لا يرجون أيام الله قال: لا يبالون نعم الله، وهذه الآية منسوخة بأمر الله بقتال المشركين. وإنما قلنا: هي منسوخة لاجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: وقد ذكرنا الرواية في ذلك عن ابن عباس. 24121 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال: نسختها ما في الانفال فإما تثقفنهم في الحرب، فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون وفي براءة قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 24122 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال: نسختها فاقتلوا المشركين. 24123 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال: هذا منسوخ، أمر الله بقتالهم في سورة براءة. 24124 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة عمن ذكره عن أبي صالح قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال: نسختها التي في الحج أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. 24125 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال: هؤلاء المشركون، قال: وقد نسخ هذا وفرض جهادهم والغلظة عليهم.
[ 189 ]
وجزم قوله: يغفروا تشبيها له بالجزاء والشرط وليس به، ولكن لظهوره في الكلام على مثاله، فعرب تعريبه، وقد مضى البيان عنه قبل. واختلف القراء في قراءة قوله: ليجزي قوما فقرأه بعض قراء المدينة والبصرة والكوفة: ليجزي بالياء على وجه الخبر عن الله أنه يجزيهم ويثيبهم وقرأ ذلك بعض عامة قراء الكوفيين لنجزي بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه. وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرأه ليجزى قوما على مذهب ما لم يسم فاعله، وهو على مذهب كلام العرب لحن، إلا أن يكون أراد: ليجزى الجزاء قوما، بإضمار الجزاء، وجعله مرفوعا ليجزى فيكون وجها من القراءة، وإن كان بعيدا. والصواب من القول في ذلك عندنا أن قراءته بالياء والنون على ما ذكرت من قراءة الامصار جائزة بأي تينك القراءتين قرأ القارئ. فأما قراءته على ما ذكرت عن أبي جعفر، فغير جائزة عندي لمعنيين: أحدهما: أنه خلاف لما عليه الحجة من القراء، وغير جائز عندي خلاف ما جاءت به مستفيضا فيهم. والثاني بعدها من الصحة في العربية إلا على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه. القول في تأويل قوله تعالى: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون) *. يقول تعالى ذكره: من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل، وطلب خلاصها من عذاب الله، أطاع ربه لا لغير ذلك، لانه لا ينفع ذلك غيره، والله عن عمل كل عامل غني ومن أساء فعليها يقول: ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه، وخلافه فيها أمره ونهيه، فعلى نفسه جنى، لانه أوبقها بذلك، وأكسبها به سخطه، ولم يضر أحدا سوى نفسه ثم إلى ربكم ترجعون يقول: ثم أنتم أيها الناس أجمعون إلى ربكم تصيرون من بعد مماتكم، فيجازى المحسن
[ 190 ]
بإحسانه، والمسئ بإساءته، فمن ورد عليه منكم بعمل صالح، جوزي من الثواب صالحا، ومن ورد عليه منكم بعمل سيئ جوزي من الثواب سيئا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين) *. يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا يا محمد بني إسرائيل الكتاب يعني التوراة والانجيل، والحكم يعني الفهم بالكتاب، والعلم بالسنن التي لم تنزل في الكتاب، والنبوة يقول: وجعلنا منهم أنبياء ورسلا إلى الخلق، ورزقناهم من الطيبات يقول: وأطعمناهم من طيبات أرزاقنا، وذلك ما أطعمهم من المن والسلوى وفضلناهم على العالمين يقول: وفضلناهم على عالمي أهل زمانهم في أيام فرعون وعهده في ناحيتهم بمصر والشام. القول في تأويل قوله تعالى: * (وآتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) *. يقول تعالى ذكره: وأعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا بتنزيلنا إليهم التوراة فيها تفصيل كل شئ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم طلبا للرياسات، وتركا منهم لبيان الله تبارك وتعالى في تنزيله. وقوله: إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون بعد العلم الذي آتاهم، والبيان الذي جاءهم منه، فيفلج المحق حينئذ على المبطل بفصل الحكم بينهم.
[ 191 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ئ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي آتينا بني إسرائيل، الذين وصفت لك صفتهم على شريعة من الامر يقول: على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا فاتبعها يقول: فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون يقول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله، الذين لا يعرفون الحق من الباطل، فتعمل به، فتهلك إن عملت به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24126 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها قال: يقول على هدى من الامر وبينة. 24127 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها والشريعة: الفرائض والحدود والامر والنهي فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. 24128 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ثم جعلناك على شريعة من الامر قال: الشريعة: الدين. وقرأ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين أوحينا إليك قال: فنوح أو لهم وأنت آخرهم. وقوله: إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الجاهلين بربهم، الذين يدعونك يا محمد إلى اتباع أهوائهم، لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم، وخالفت شريعة ربك التي شرعها لك من عقاب الله شيئا، فيدفعوه عنك إن هو عاقبك، وينقذوك منه.
[ 192 ]
وقوله: وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض يقول: وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض، وأعوانهم على الايمان بالله وأهل طاعته والله ولي المتقين يقول تعالى ذكره: والله يلي من اتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بكفايته، ودفاع من أراده بسوء، يقول جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام فكن من المتقين، يكفك الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون، فإنه ولي من اتقاه، ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم، لانهم لن يضروك ما كان الله وليك وناصرك. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ئ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) *. يقول تعالى ذكره هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد بصائر للناس يبصرون به الحق من الباطل، ويعرفون به سبيل الرشاد، والبصائر: جمع بصيرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول. ذكر من قال ذلك: 24129 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هذا بصائر للناس وهدى ورحمة قال: القرآن. قال: هذا كله إنما هو في القلب. قال: والسمع والبصر في القلب. وقرأ فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وليس ببصر الدنيا ولا بسمعها. وقوله: وهدى يقول: ورشاد ورحمة لقوم يوقنون بحقيقة صحة هذا القرآن، وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم. وخص جل ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة، لانهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر، فكان عليه عمى وله حزنا. وقوله: أم حسب الذين اجترحوا السيئات يقول تعالى ذكره: أم ظن الذين اجترحوا السيئات من الاعمال في الدنيا، وكذبوا رسل الله، وخالفوا أمر ربهم، وعبدوا غيره، أن نجعلهم في الآخرة، كالذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا الصالحات،
[ 193 ]
فأطاعوا الله، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الانداد والآلهة، كلا ما كان الله ليفعل ذلك، لقد ميز بين الفريقين، فجعل حزب الايمان في الجنة، وحزب الكفر في السعير. كما: 24130 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أم حسب الذين اجترحوا السيئات... الآية، لعمري لقد تفرق القوم في الدنيا، وتفرقوا عند الموت، فتباينوا في المصير. وقوله: سواء محياهم ومماتهم اختلفت القراء في قراءة قوله: سواء، فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة سواء بالرفع، على أن الخبر متناه عندهم عند قوله: كالذين آمنوا وجعلوا خبر قوله: أن نجعلهم قوله: كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم ابتدأوا الخبر عن استواء حال محيا المؤمن ومماته، ومحيا الكافر ومماته، فرفعوا قوله: سواء على وجه الابتداء بهذا المعنى، وإلى هذا المعنى وجه تأويل ذلك جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24131 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سواء محياهم ومماتهم قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر. 24132 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسين، عن شيبان، عن ليث، في قوله: سواء محياهم ومماتهم قال: بعث المؤمن مؤمنا حيا وميتا، والكافر كافرا حيا وميتا. وقد يحتمل الكلام إذا قرئ سواء رفعا وجها آخر غير هذا المعنى الذي ذكرناه عن مجاهد وليث، وهو أن يوجه إلى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم والمؤمنين سواء في الحياة والموت، بمعنى: أنهم لا يستوون، ثم يرفع سواء على هذا المعنى، إذ كان لا ينصرف، كما يقال: مررت برجل خير منك أبوه، وحسبك أخوه، فرفع حسبك، وخير إذ كانا في مذهب الاسماء، ولو وقع موقعهما فعل في لفظ اسم لم يكن إلا نصبا، فكذلك
[ 194 ]
قوله: سواء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة سواء نصبا، بمعنى: أحسبوا أن نجعلهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار قد قرأ بكل واحدة منهما أهل العلم بالقرآن صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: سواء ورفعه، فقال بعض نحويي البصرة سواء محياهم ومماتهم رفع. وقال بعضهم: إن المحيا والممات للكفار كله، قال: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم قال: سواء محيا الكفار ومماتهم: أي محياهم محيا سواء، ومماتهم ممات سواء، فرفع السواء على الابتداء. قال: ومن فسر المحيا والممات للكفار والمؤمنين، فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه، لان من جعل السواء مستويا، فينبغي له في القياس أن يجريه على ما قبله، لانه صفة، ومن جعله الاستواء، فينبغي له أن يرفعه لانه اسم، إلا أن ينصب المحيا والممات على البدل، وينصب السواء على الاستواء، وإن شاء رفع السواء إذا كان في معنى مستو، كما تقول: مررت برجل خير منك أبوه، لانه صفة لا يصرف والرفع أجود. وقال بعض نحويي الكوفة قوله: سواء محياهم بنصب سواء وبرفعه، والمحيا والممات في موضع رفع بمنزلة، قوله: رأيت القوم سواء صغارهم وكبارهم بنصب سواء لانه يجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم، قال: وربما جعلت العرب سواء في مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رأيت قومك سواء صغارهم وكبارهم. فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أبوه، قال: ولو جعلت مكان سواء مستو لم يرفع، ولكن نجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء، لان مستو من صفة القوم، ولان سواء كالمصدر، والمصدر اسم. قال: ولو نصبت المحيا والممات كان وجها، يريد أن نجعلهم سواء في محياهم ومماتهم. وقال آخرون منهم: المعنى: أنه لا يساوي من اجترح السيئات المؤمن في الحياة، ولا الممات، على أنه وقع موقع الخبر، فكان خبرا لجعلنا، قال: والنصب للاخبار كما تقول: جعلت إخوتك سواء، صغيرهم وكبيرهم، ويجوز أن يرفع، لان سواء لا ينصرف. وقال: من قال: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات فجعل كالذين الخبر استأنف بسواء ورفع ما بعدها، وإن نصب المحيا والممات نصب سواء لا غير، وقد تقدم بياننا الصواب من القول في ذلك.
[ 195 ]
وقوله: ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره: بئس الحكم الذي حسبوا أنا نجعل الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات، سواء محياهم ومماتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وخلق الله السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: وخلق الله السموات والارض بالحق للعدل والحق، لا لما حسب هؤلاء الجاهلون بالله، من أنه يجعل من اجترح السيئات، فعصاه وخالف أمره، كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، في المحيا والممات، إذ كان ذلك من فعل غير أهل العدل والانصاف، يقول جل ثناؤه: فلم يخلق الله السموات والارض للظلم والجور، ولكنا خلقناهما للحق والعدل. ومن الحق أن نخالف بين حكم المسئ والمحسن، في العاجل والآجل. وقوله: ولتجزى كل نفس بما كسبت يقول تعالى ذكره: وليثيب الله كل عامل بما عمل من عمل خلق السموات والارض، المحسن بالاحسان، والمسئ بما هو أهله، لا لنبخس المحسن ثواب إحسانه، ونحمل عليه جرم غيره، فنعاقبه، أو نجعل للمسئ ثواب إحسان غيره فنكرمه، ولكن لنجزي كلا بما كسبت يداه، وهم لا يظلمون جزاء أعمالهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه فقال بعضهم: معنى ذلك: أفرأيت من اتخذ دينه بهواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه، لانه لا يؤمن بالله، ولا يحرم ما حرم، ولا يحلل ما حلل، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به. ذكر من قال ذلك: 24133 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان.
[ 196 ]
24134 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال: لا يهوي شيئا إلا ركبه لا يخاف الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شئ. ذكر من قال ذلك: 24135 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: كانت قريش تعبد العزى، وهو حجر أبيض، حينا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الاول وعبدوا الآخر، فأنزل الله أفرأيت من اتخذ إلهه هواه. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه، فيعبد ما هوي من شئ دون إله الحق الذي له الالوهية من كل شئ، لان ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره. وقوله: وأضله الله على علم يقول تعالى ذكره: وخذله عن محجة الطريق، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي، ولو جاءته كل آية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24136 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وأضله الله على علم يقول: أضله لله في سابق علمه. وقوله: وختم على سمعه وقلبه يقول تعالى ذكره: وطبع على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه، فيعتبر بها ويتدبرها، ويتفكر فيها، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى. وقوله: وقلبه يقول: وطبع أيضا على قلبه، فلا يعقل به شيئا، ولا يعي به حقا. وقوله: وجعل على بصره غشاوة يقول: وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله، فيستدل بها على وحدانيته، ويعلم بها أن لا إله غيره. واختلفت القراء في قراءة قوله: وجعل على بصره غشاوة فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة غشاوة بكسر الغين وإثبات الالف فيها على أنها اسم، وقرأ
[ 197 ]
ذلك عامة قراء الكوفة غشوة بمعنى: أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة، ومرة واحدة، بفتح الغين بغير ألف، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: فمن يهديه من بعد الله يقول تعالى ذكره: فمن يوفقه لاصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه أفلا تذكرون أيها الناس، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا، فلن يهتدي أبدا، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) *. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون الذين تقدم خبره عنهم: ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها لا حياة سواها تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات. كما: 24137 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا: أي لعمري هذا قول مشركي العرب. وقوله: نموت ونحيا نموت نحن وتحيا أبناؤنا بعدنا، فجعلوا حياة أبنائهم بعدهم حياة لهم، لانهم منهم وبعضهم، فكأنهم بحياتهم أحياء، وذلك نظير قول الناس: ما مات من خلف ابنا مثل فلان، لانه بحياة ذكره به، كأنه حي غير ميت، وقد يحتمل وجها آخر، وهو أن يكون معناه: نحيا ونموت على وجه تقديم الحياة قبل الممات، كما يقال: قمت وقعدت، بمعنى: قعدت وقمت والعرب تفعل ذلك في الواو خاصة إذا أرادوا الخبر عن شيئين أنهما كانا أو يكونان، ولم تقصد الخبر عن كون أحدهما قبل الآخر، تقدم المتأخر حدوثا على المتقدم حدوثه منهما أحيانا، فهذا من ذلك، لانه لم يقصد فيه إلى الخبر عن كون الحياة قبل الممات، فقدم ذكر الممات قبل ذكر الحياة، إذ كان القصد إلى الخبر عن أنهم يكونون مرة أحياء وأخرى أمواتا. وقوله: وما يهلكنا إلا الدهر يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء المشركين أنهم قالوا: وما يهلكنا فيفنينا إلا مر الليالي والايام وطول العمر، إنكارا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم.
[ 198 ]
وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وما يهلكنا إلا دهر يمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24138 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما يهلكنا إلا الدهر قال: الزمان. 24139 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وما يهلكنا إلا الدهر قال ذلك مشركو قريش ما يهلكنا إلا الدهر: إلا العمر. وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الشرك كانوا يقولون: الذي يهلكنا ويفنينا الدهر والزمان، ثم يسبون ما يفنيهم ويهلكهم، وهم يرون أنهم يسبون بذلك الدهر والزمان، فقال الله عز وجل لهم: أنا الذي أفنيكم وأهلككم، لا الدهر والزمان، ولا علم لكم بذلك. ذكر الرواية بذلك عمن قاله: 24140 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (ص): كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر قال: فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الامر، أقلب الليل والنهار. حدثنا عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا أبو روح، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، نحوه. 24141 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال قال أبو هريرة، سمعت رسول الله (ص) قال: قال الله تعالى: يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار.
[ 199 ]
24142 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (ص): يقول الله استقرضت عبدي فلم يعطني، وسبني عبدي يقول: وادهراه، وأنا الدهر. 24143 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي (ص): إن الله قال: لا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره، وإذا شئت قبضتهما. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن هشام، عن أبي هريرة قال: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر. وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، بما يقولون من ذلك من علم: يعني من يقين علم، لانهم يقولون ذلك تخرصا بغير خبر أتاهم من الله، ولا برهان عندهم بحقيقته إن هم إلا يظنون يقول جل ثناؤه: ما هم إلا في ظن من ذلك، وشك يخبر عنهم أنهم في حيرة من اعتقادهم حقيقة ما ينطقون من ذلك بألسنتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبآئنآ إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المكذبين بالبعث آياتنا، بأن الله باعث خلقه من بعد مماتهم، فجامعهم يوم القيامة عنده للثواب والعقاب بينات يعني:
[ 200 ]
واضحات جليات، تنفي الشك عن قلب أهل التصديق بالله في ذلك ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين. يقول جل ثناؤه: لم يكن لهم حجة على رسولنا الذي يتلو ذلك عليهم إلا قولهم له: ائتنا بآبائنا الذين قد هلكوا أحياء، وانشرهم لنا إن كنت صادقا فيما تتلو علينا وتخبرنا، حتى نصدق بحقيقة ما تقول بأن الله باعثنا من بعد مماتنا، ومحيينا من بعد فنائنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث، القائلين لك ائتنا بآبائنا إن كنت صادقا: الله أيها المشركون يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدنيا، ثم يميتكم فيها إذا شاء، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة، يعني أنه يجمعكم جميعا أولكم وآخركم، وصغيركم وكبيركم إلى يوم القيامة يقول: ليوم القيامة، يعني أنه يجمعكم جميعا أحياء ليوم القيامة لا ريب فيه يقول: لا شك فيه، يقول: فلا تشكوا في ذلك، فإن الامر كما وصفت لكم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أكثر الناس الذين هم أهل تكذيب بالبعث، لا يعلمون حقيقة ذلك، وأن الله محييهم من بعد مماتكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولله ملك السماوات والارض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) *. يقول تعالى ذكره: ولله سلطان السموات السبع والارض، دون ما تدعونه له شريكا، وتعبدونه من دونه، والذي تدعونه من دونه من الآلهة والانداد في ملكه وسلطانه، جار عليه حكمه، فكيف يكون ما كان كذلك له شريكا، أم كيف تعبدونه، وتتركون عبادة مالككم، ومالك ما تعبدونه من دونه ويوم تقوم الساعة يقول تعالى ذكره: ويوم تجئ الساعة التي ينشر الله فيها الموتى من قبورهم، ويجمعهم لموقف العرض، يخسر المبطلون: يقول: يغبن فيها الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ودعواهم لله شريكا، وعبادتهم آلهة دونه بأن
[ 201 ]
يفوز بمنازله من الجنة المحقون، ويبدلوا بها منازل من النار كانت للمحقين، فجعلت لهم بمنازلهم من الجنة، ذلك هو الخسران المبين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثية: يقول: مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم. كما: 24144 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وترى كل أمة جاثية قال على الركب مستوفزين. 24145 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله: وترى كل أمة جاثية قال: هذا يوم القيامة جاثية على ركبهم. 24146 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وترى كل أمة جاثية يقول: على الركب عند الحساب. وقوله: كل أمة تدعى إلى كتابها يقول: كل أهل ملة ودين تدعى إلى كتابها الذي أملت على حفظتها. كما: 24147 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كل أمة تدعى إلى كتابها يعلمون أنه ستدعى أمة قبل أمة، وقوم قبل قوم، ورجل قبل رجل. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: يمثل لكل أمة يوم القيامة ما كانت تعبد من حجر، أو وثن أو خشبة، أو دابة، ثم يقال: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فتكون، أو تجعل تلك الاوثان قادة إلى النار حتى تقذفهم فيها، فتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب، فيقول لليهود: ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون: كنا نعبد الله وعزيرا إلا قليلا منهم، فيقال لها: أما عزير فليس منكم ولستم منه، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فينطلقون ولا يستطيعون مكوثا، ثم يدعى
[ 202 ]
بالنصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون: كنا نعبد الله والمسيح إلا قليلا منهم فيقال: أما عيسى فليس منكم ولستم منه، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فينطلقون ولا يستطيعون مكوثا، وتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون: كنا نعبد الله وحده، وإنما فارقنا هؤلاء في الدنيا مخافة يومنا هذا، فيؤذن للمؤمنين في السجود، فيسجد المؤمنون، وبين كل مؤمن منافق، فيقسو ظهر المنافق عن السجود، ويجعل الله سجود المؤمنين عليه توبيخا وصغارا وحسرة وندامة. 24148 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة، قال: قال الناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال: هل تضامون في الشمس ليس دونها سحاب، قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك. يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الامة فيها منافقوها، فيأتيهم ربهم في صورة، ويضرب جسر على جهنم قال النبي (ص): فأكون أول من يجيز، ودعوة الرسل يومئذ: اللهم سلم، اللهم سلم وبها كلاليب كشوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم أحد قدر عظمها إلا الله ويخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخر دل ثم ينجو، ثم ذكر الحديث بطوله.
[ 203 ]
وقوله: اليوم تجزون ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: كل أمة تدعى إلى كتابها، يقال لها: اليوم تجزون: أي تثابون وتعطون أجور ما كنتم في الدنيا من جزاء الاعمال تعملون بالاحسان الاحسان، وبالاساءة جزاءها. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ئ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين) *. يقول تعالى ذكره: لكل أمة دعيت في القيامة إلى كتابها الذي أملت على حفظتها في الدنيا اليوم تجزون ما كنتم تعملون فلا تجزعوا من ثوابناكم على ذلك، فإنكم ينطق عليكم إن أنكرتموه بالحق فاقرأوه إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون يقول: إنا كنا نستكتب حفظتنا أعمالكم، فتثبتها في الكتب وتكتبها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24149 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عطاء بن مقسم، عن ابن عباس هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق قال: هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قال: نعم، الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم.
[ 204 ]
24150 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، قال: ثني أخي عيسى بن عبد الله بن ثابت الثمالي، عن ابن عباس، قال: إن الله خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول، بر أو فجور، أو رزق مقسوم، حلال أو حرام، ثم ألزم كل شئ من ذلك شأنه دخوله في الدنيا، ومقامه فيها كم، وخروجه منه كيف، ثم جعل على العباد حفظة، وعلى الكتاب خزانا، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم، فإذا فني الرزق وانقطع الاثر، وانقضى الاجل، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فتقول لهم الخزنة: ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع الحفظة، فيجدونهم قد ماتوا، قال: فقال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق قال: الكتاب: الذكر إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قال: نستنسخ الاعمال. وقال آخرون في ذلك ما: 24151 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا النضر بن إسماعيل، عن أبي سنان الشيباني، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم بشئ يكتبون فيه أعمال بني آدم. وقوله: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيدخلهم ربهم في رحمته يقول تعالى ذكره: فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه، ولم يشركوا به شيئا، وعملوا الصالحات: يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم الله عنه فيدخلهم في رحمته يعني في جنته برحمته. وقوله: ذلك هو الفوز المبين يقول: دخولهم في رحمة الله يومئذ هو الظفر بما كانوا يطلبونه، وإدراك ما كانوا يسعون في الدنيا له، المبين غايتهم فيها، أنه هو الفوز. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) *.
[ 205 ]
يقول تعالى ذكره: وأما الذين جحدوا وحدانية الله، وأبوا إفراده في الدنيا بالالوهية، فيقال لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم. فإن قال قائل: أو ليست أما تجاب بالفاء، فأين هي ؟ فإن الجواب أن يقال: هي الفاء التي في قوله أفلم. وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق به على بيانه، وأصله أن يقال: وأما الذين كفروا، فألم تكن آياتي تتلى عليكم، لان معنى الكلام: وأما الذين كفروا فيقال لهم ألم، فموضع الفاء في ابتداء المحذوف الذي هو مطلوب في الكلام، فلما حذفت يقال: وجاءت ألف استفهام، حكمها أن تكون مبتدأة بها، ابتدئ بها، وجعلت الفاء بعدها، وقد تسقط العرب الفاء التي هي جواب أما في مثل هذا الموضع أحيانا إذا أسقطوا الفعل الذي هو في محل جواب أما كما قال جل ثناؤه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فحذفت الفاء، إذ كان الفعل الذي هو في جواب أما محذوفا، وهو فيقال، وذلك أن معنى الكلام: فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم: أكفرتم، فلما أسقطت، يقال الذي به تتصل الفاء سقطت الفاء التي هي جواب أما. وقوله: فاستكبرتم يقول: فاستكبرتم عن استماعها والايمان بها وكنتم قوما مجرمين يقول: وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله، لا تصدقون بمعاد، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) *. يقول تعالى ذكره: ويقال لهم حينئذ: وإذا قيل لكم إن وعد الله الذي وعد عباده، أنه محييهم من بعد مماتهم، وباعثهم من قبورهم حق، والساعة التي أخبرهم أنه يقيمها لحشرهم، وجمعهم للحساب والثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، آتية لا ريب فيها يقول: لا شك فيها، يعني في الساعة، والهاء في قوله: فيها من ذكر الساعة. ومعنى الكلام: والساعة لا ريب في قيامها، فاتقوا الله وآمنوا بالله ورسوله، واعملوا لما ينجيكم من عقاب الله فيها قلتم ما ندري ما الساعة تكذيبا منكم بوعد الله جل ثناؤه، وردا لخبره، وإنكارا لقدرته على إحيائكم من بعد مماتكم.
[ 206 ]
وقوله: إن نظن إلا ظنا يقول: وقلتم ما نظن أن الساعة آتية إلا ظنا وما نحن بمستيقنين أنها جائية، ولا أنها كائنة. واختلفت القراء في قراءة قوله: والساعة لا ريب فيها فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة والساعة رفعا على الابتداء. وقرأته عامة قراء الكوفة والساعة نصبا عطفا بها على قوله: إن وعد الله حق. والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار صحيحتا المخرج في العربية متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) *. يقول تعالى ذكره: وبدا لهؤلاء الذين كانوا في الدنيا يكفرون بآيات الله سيئات ما عملوا في الدنيا من الاعمال، يقول: ظهر لهم هنالك قبائحها وشرارها لما قرأوا كتب أعمالهم التي كانت الحفظة تنسخها في الدنيا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن يقول: وحاق بهم من عذاب الله حينئذ ما كانوا به يستهزؤن إذ قيل لهم: إن الله محله بمن كذب به على سيئات ما في الدنيا عملوا من الاعمال. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) *. يقول تعالى ذكره: وقيل لهؤلاء الكفرة الذين وصف صفتهم: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم العمل للقاء ربكم يومكم هذا. كما: 24152 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وقيل اليوم ننساكم نترككم. وقوله: ومأواكم النار يقول: ومأواكم التي تأوون إليها نار جهنم، وما لكم من ناصرين يقول: وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذبكم، فيستنقذ لكم منه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 207 ]
* (ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا الذي حل بكم من عذاب الله اليوم بأنكم في الدنيا اتخذتم آيات الله هزوا، وهي حججه وأدلته وآي كتابه التي أنزلها على رسوله (ص) هزوا يعني سخرية تسخرون منها وغرتكم الحياة الدنيا يقول: وخدعتكم زينة الحياة الدنيا. فأثرتموها على العمل لما ينجيكم اليوم من عذاب الله، يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يخرجون منها من النار ولا هم يستعتبون يقول: ولا هم يردون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الانابة مما عوقبوا عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلله الحمد رب السماوت ورب الارض رب العالمين ئ وله الكبرياء في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: فلله الحمد على نعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كل ما بكم من نعمة فمنه دون ما تعبدون من دونه من آلهة ووثن، ودون ما تتخذونه من دونه ربا، وتشركون به معه رب السموات ورب الارض يقول: مالك السموات السبع، ومالك الارضين السبع ورب العالمين يقول: مالك جميع ما فيهن من أصناف الخلق، وله الكبرياء في السموات والارض يقول: وله العظمة والسلطان في السموات والارض دون ما سواه من الآلهة والانداد وهو العزيز في نقمته من أعدائه، القاهر كل ما دونه، ولا يقهره شئ الحكيم في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء، والله أعلم. آخر سورة الجاثية تم الجزء الخامس والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري، * (ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا الذي حل بكم من عذاب الله اليوم بأنكم في الدنيا اتخذتم آيات الله هزوا، وهي حججه وأدلته وآي كتابه التي أنزلها على رسوله (ص) هزوا يعني سخرية تسخرون منها وغرتكم الحياة الدنيا يقول: وخدعتكم زينة الحياة الدنيا. فأثرتموها على العمل لما ينجيكم اليوم من عذاب الله، يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يخرجون منها من النار ولا هم يستعتبون يقول: ولا هم يردون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الانابة مما عوقبوا عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلله الحمد رب السماوت ورب الارض رب العالمين ئ وله الكبرياء في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: فلله الحمد على نعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كل ما بكم من نعمة فمنه دون ما تعبدون من دونه من آلهة ووثن، ودون ما تتخذونه من دونه ربا، وتشركون به معه رب السموات ورب الارض يقول: مالك السموات السبع، ومالك الارضين السبع ورب العالمين يقول: مالك جميع ما فيهن من أصناف الخلق، وله الكبرياء في السموات والارض يقول: وله العظمة والسلطان في السموات والارض دون ما سواه من الآلهة والانداد وهو العزيز في نقمته من أعدائه، القاهر كل ما دونه، ولا يقهره شئ الحكيم في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء، والله أعلم. آخر سورة الجاثية تم الجزء الخامس والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري، ويليه الجزء السادس والعشرون