جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 14

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه‍. قدم له الشيخ الجليل الميسس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء الرابع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 2 ]
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه‍ / 1995 م دار الفكر - بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - ص - ب 7061 / 11 تلفون: 838305 - 838202 فاكس: 009611 1 837898 دولي: 00961 1 860962 - دولي وفاكس: 4782308 - 212 - 001.
[ 3 ]
(15) سورة الحجر مكية وآياتها تسع وتسعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) أما قوله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه الر، فقد تقدم بيانها فيما مضى قبل. وأما قوله: تلك آيات الكتاب فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والانجيل. وقرآن يقول: وآيات قرآن مبين يقول: يبين من تأمله وتدبره رشده وهداه. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقرآن مبين قال: تبين والله هداه ورشده وخيره. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد: الر فواتح يفتتح بها كلامه. تلك آيات الكتاب قال: التوراة والانجيل. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: الر تلك آيات الكتاب قال: الكتب التي كانت قبل القرآن. القول في تأويل قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) اختلفت القراء في قراءة قوله ربما فقرأت ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض الكوفيين ربما بتخفيف الباء، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة بتشديدها.
[ 4 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بمعنى واحد، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب. واختلف أهل العربية في معنى ما التي مع رب، فقال بعض نحويي البصرة: أدخل مع رب ما ليتكلم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت ما بمنزلة شئ، فكأنك قلت: رب شئ، يود: أي رب ود يوده الذين كفروا. وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويي الكوفة، وقال: المصدر لا يحتاج إلى عائد، والود قد وقع على لو، ربما يودون لو كانوا: أن يكونوا. قال: وإذا أضمر الهاء في لو فليس بمفعول، وهو موضع المفعول، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشئ، وقد ترجمه بشئ، ثم جعله ودا، ثم أعاد عليه عائدا. فكان الكسائي والفراء يقولان: لا تكاد العرب توقع رب على مستقبل، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم: ربما فعلت كذا، وربما جاءني أخوك. قالا: وجاء في القرآن مع المستقبل: ربما يود، وإنما جاز ذلك لان ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه، فهو حق كأنه عيان، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان، كما قيل: ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم وقوله: ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى، وأنه لا مكذب له، وأن القائل لا يقول إذا نهى أو أمر فعصاه المأمور يقول: أما والله لرب ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين. وقد يجوز أن يصحب ربما الدائم وإن كان في لفظ يفعل، يقال: ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن، وإن أوليت الاسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبودؤاد: ربما الجامل المؤبل فيهم * وعناجيج بينهن المهار
[ 5 ]
فتأويل الكلام: ربما يود الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين. كما: حدثنا علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: ثنا خالد بن نافع الاشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا أنه: إذا كان يوم القيامة، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة: ألستم مسلمين ؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فسمع الله ما قالوا، فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فأخرجوا، فقال من في النار من الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين ثم قرأ رسول الله (ص): الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن القطعي، وروح القيسي، وعفان بن مسلم واللفظ لابي قطن قالوا: ثنا القاسم بن الفضل بن عبد الله بن أبي جروة، قال: كان ابن عباس وأنس بن مالك يتأولان هذه الآية: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قالا: ذلك يوم يجمع الله أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار وقال عفان: حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون زاد أبو قطن: قد جمعنا وإياكم وقال أبو قطن وعفان: فيغضب الله لهم بفضل رحمته ولم يقله روح بن عبادة. وقالوا جميعا: فيخرجهم الله، وذلك حين يقول: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: يدخل الجنة ويرحم حتى يقول في آخر ذلك: من كان مسلما فليدخل الجنة قال: فذلك قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
[ 6 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار. حدثني المثنى، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين يتأولانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يدخل الجنة، ويرحم ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة فذلك قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا حماد، قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار من المسلمين: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ؟ قال: فيغضب الله لهم، فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا فيشفعون، فيخرجون من النار، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم. قال: فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، أنه قال في قول
[ 7 ]
الله عزوجل: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: يقول من في النار من المشركين للمسلمين: ما أغنت عنكم لا إله إلا الله ؟ قال: فيغضب الله لهم، فيقول: من كان مسلما فليخرج من النار قال: فعند ذلك: يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: إن أهل النار يقولون: كنا أهل شرك وكفر، فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه ؟ قال: فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين. قال: فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن خصيف، عن مجاهد، قال: يقول أهل النار للموحدين: ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ قال: فإذا قالوا ذلك، قال: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا هشام، عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن قول الله عزوجل: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: الكفار يعيرون أهل التوحيد: ما أغنى عنكم لا إله إلا الله ؟ فيغضب الله لهم، فيأمر النبيين والملائكة فيشفعون، فيخرج أهل التوحيد، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج، فذلك قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، قال: إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، قال: من كان مسلما فليدخل الجنة فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 8 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثني الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: يوم القيامة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: فيها وجهان اثنان، يقولون: إذا حضر الكافر الموت ود لو كان مسلما. ويقول آخرون: بل يعذب الله ناسا من أهل التوحيد في النار بذنوبهم، فيعرفهم المشركون فيقولون: ما أغنت عنكم عبادة ربكم وقد ألقاكم في النار ؟ فيغضب لهم فيخرجهم، فيقول: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: نزلت في الذين يخرجون من النار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وذلك والله يوم القيامة، ودوا لو كانوا في الدنيا مسلمين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يدخل الجنة ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة فذلك حين يقول: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. القول في تأويل قوله تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم، ويلههم
[ 9 ]
الامل عن الاخذ بحظهم من طاعة الله فيها وتزودهم لمعادهم منها بما يقربهم من ربهم، فسوف يعلمون غدا إذا وردوا عليه وقد هلكوا على كفرهم بالله وشركهم حين يعاينون عذاب الله أنهم كانوا من تمتعهم بما كانوا يتمتعون فيها من اللذات والشهوات كانوا في خسار وتباب. القول في تأويل قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) يقول تعالى ذكره: وما أهلكنا يا محمد من أهل قرية من أهل القرى التي أهلكنا أهلها فيما مضى، إلا ولها كتاب معلوم يقول: إلا ولها أجل مؤقت ومدة معروفة لا نهلكهم حتى يبلغوها، فإذا بلغوها أهلكناهم عند ذلك. فيقول لنبيه محمد (ص): فكذلك أهل قريتك التي أنت منها وهي مكة، لا نهلك مشركي أهلها إلا بعد بلوغ كتابهم أجله، لان من قضائي أن لا أهلك أهل قرية إلا بعد بلوغ كتابهم أجله. القول في تأويل قوله تعالى: (ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) يقول تعالى ذكره: ما يتقدم هلاك أمة قبل أجلها الذي جعله الله أجلا لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الاجل الذي جعل لها أجلا. كما: حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، في قوله: ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون قال: نرى أنه إذا حضر أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدم. وأما ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء. القول في تأويل قوله تعالى: (وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين). يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون لك من قومك يا محمد: يا أيها الذي نزل عليه الذكر وهو القرآن الذي ذكر الله فيه مواعظ خلقه، إنك لمجنون في دعائك إيانا إلى أن نتبعك ونذر آلهتنا. لوما تأتينا بالملائكة قالوا: هلا تأتينا بالملائكة شاهدة
[ 10 ]
لك على صدق ما تقول إن كنت من الصادقين يعني: إن كنت صادقا في أن الله تعالى بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا، فإن الرب الذي فعل ما تقول بك لا يتعذر عليه إرسال ملك من ملائكته معك حجة لك علينا وآية لك على نبوتك وصدق مقالتك. والعرب تضع موضع لوما لولا، وموضع لولا لوما، من ذلك قول ابن مقبل: لوما الحياء ولوما الدين عبتكما * ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري يريد: لولا الحياء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: نزل عليه الذكر قال: القرآن. القول في تأويل قوله تعالى: (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) اختلفت القراء في قراءة قوله: ما ننزل الملائكة فقرأ عامة قراء المدينة والبصرة: ما تنزل الملائكة بالتاء تنزل وفتحها ورفع الملائكة، بمعنى: ما تنزل الملائكة، على أن الفعل للملائكة. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: ما ننزل الملائكة بالنون في ننزل وتشديد الزاي ونصب الملائكة، بمعنى: ما ننزلها نحن، والملائكة حينئذ منصوب بوقوع ننزل عليها. وقرأه بعض قراء أهل الكوفة: ما تنزل الملائكة برفع الملائكة والتاء في تنزل وضمها، على وجه ما لم يسم فاعله. قال أبو جعفر: وكل هذ القراءات الثلاث متقاربات المعاني وذلك أن الملائكة إذا نزلها الله على رسول من رسله تنزلت إليه، وإذا تنزلت إليه فإنما تنزل بإنزال الله إياها إليه. فبأي هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ فمصيب الصواب في ذلك، وإن كنت أحب لقارئه أن لا يعدو في قراءته إحدى القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والاخرى
[ 11 ]
التي عليها جمهور قراء الكوفيين، لان ذلك هو القراءة المعروفة في العامة، والاخرى: أعني قراءة من قرأ ذلك: ما تنزل بضم التاء من تنزل ورفع الملائكة شاذة قليل من قرأ بها. فتأويل الكلام: ما ننزل ملائكتنا إلا بالحق، يعني بالرسالة إلى رسلنا، أو بالعذاب لمن أردنا تعذيبه. ولو أرسلنا إلى هؤلاء المشركين على ما يسألون إرسالهم معك آية فكفروا لم ينظروا فيؤخروا بالعذاب، بل عوجلوا به كما فعلنا ذلك بمن قبلهم من الامم حين سألوا الآيات فكفروا حين آتتهم الآيات، فعاجلناهم بالعقوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ما ننزل الملائكة إلا بالحق قال: بالرسالة والعذاب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) يقول تعالى ذكره: إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن، وإنا له لحافظون قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء في قوله: له من ذكر الذكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء وحدثني الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإنا له لحافظون قال: عندنا.
[ 12 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال في آية أخرى: لا يأتيه الباطل والباطل: إبليس، من بين يديه ولا من خلفه فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينتقص منه حقا، حفظه الله من ذلك. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإنا له لحافظون قال: حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو ينقص منه حقا. وقيل: الهاء في قوله: وإنا له لحافظون من ذكر محمد (ص) بمعنى: وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه. القول في تأويل قوله تعالى: (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين ئ وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك في الامم الاولين رسلا. وترك ذكر الرسل اكتفاء بدلالة قوله: ولقد أرسلنا من قبلك عليه، وعنى بشيع الاولين: أمم الاولين، واحدتها شيعة، ويقال أيضا لاولياء الرجل: شيعته وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين يقول: أمم الاولين. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين قال: في الامم. وقوله: وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون يقول: وما يأتي شيع الاولين
[ 13 ]
من رسول من الله يرسله إليهم بالدعاء إلى توحيده والاذعان بطاعته إلا كانوا به يستهزءون يقول: إلا كانوا يسخرون بالرسول الذي يرسله الله إليهم عتوا منهم وتمردا على ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ئ لا يؤمنون به وقد خلت سنة الاولين) يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الاولين. بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله لا يوءمنون به يقول: لا يصدقون: بالذكر الذي أنزل إليك. والهاء في قوله: نسلكه من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين قال: التكذيب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الحسن، في قوله: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين قال: الشرك. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره أجمع على الاثبات، فسألته عن قوله: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين قال: أعمال سيعملونها لم يعملونها. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، قال: قرأت القرآن كله على الحسن، فما كان يفسره إلا على
[ 14 ]
الاثبات، قال: وقفته على نسلكه، قال: الشرك. قال: ابن المبارك: سمعت سفيان يقول في قوله: نسلكه قال: نجعله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يوءمنون به قال: هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الايمان. يقال منه: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، وأسلكه يسلكه إسلاكا ومن السلوك قول عدي بن زيد: وكنت لزاز خصمك لم أعرد * وقد سلكوك في يوم عصيب ومن الاسلاك قول الآخر: حتى إذا أسلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا وقوله: وقد خلت سنة الاولين يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب، حتى يروا العذاب الاليم أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الامم التي كذبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حل بها سخط الله فهلكت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كذلك
[ 15 ]
نسلكه في قلوب المجرمين لا يوءمنون به وقد خلت سنة الاولين وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الامم. القول في تأويل قوله تعالى: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ئ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: فظلوا فيه يعرجون فقال بعضهم: معنى الكلام: ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عيانا، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يقول: لو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه، لقال أهل الشرك: إنما أخذ أبصارنا، وشبه علينا، وإنما سحرنا فذلك قولهم: لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس: فظلوا فيه يعرجون فظلت الملائكة يعرجون فيه يراهم بنو آدم عيانا لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين، قال: ما بين ذلك إلى قوله: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون قال: رجع إلى قوله: لوما تأتينا بالملائكة ما بين ذلك. قال ابن جريج: قال ابن عباس: فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم، لقالوا إنما سكرت أبصارنا قال: قريش تقوله.
[ 16 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون قال: قال ابن عباس: لو فتح الله عليهم من السماء بابا فظلت الملائكة تعرج فيه، يقول: يختلفون فيه جائين وذاهبين لقالوا إنما سكرت أبصارنا. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يعني الملائكة يقول: لو فتحت على المشركين بابا من السماء، فنظروا إلى الملائكة تعرج بين السماء والارض، لقال المشركون: نحن قوم مسحورون سحرنا وليس هذا بالحق. ألا ترى أنهم قالوا قبل هذه الآية: لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمر، عن نصر، عن الضحاك، في قوله: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون قال: لو أني فتحت بابا من السماء تعرج فيه الملائكة بين السماء والارض، لقال المشركون: بل نحن قوم مسحورون إلا ترى أنهم قالوا: لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين. وقال آخرون: إنما عني بذلك بنو آدم. ومعنى الكلام عندهم: ولو فتحنا على هؤلاء المشركون من قومك يا محمد بابا من السماء فظلوا هم فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون قال قتادة، كان الحسن يقول: لو فعل هذا ببني آدم فظلوا فيه يعرجون أي يختلفون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. وأما قوله: يعرجون فإن معناه: يرقون فيه ويصعدون، يقال منه: عرج يعرج عروجا إذا رقي وصعد، وواحدة المعارج: معرج ومعراج ومنه قول كثير: إلى حسب عود بنا المرء قبله * أبوه له فيه معارج سلم
[ 17 ]
وقد حكي: عرج يعرج بكسر الراء في الاستقبال. وقوله: لقالوا إنما سكرت أبصارنا يقول: لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جل ثناؤه صفتهم: ما هذا بحق إنما سكرت أبصارنا. واختلفت القراء في قراءة قوله: سكرت فقرأ أهل المدينة والعراق: سكرت بتشديد الكاف، بمعنى: غشيت وغطيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه. وذكر عن مجاهد أنه كان يقرأ: لقالوا إنما سكرت. حدثني بذلك الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدث عن حمزة، عن شبل، عن مجاهد أنه قرأها: سكرت أبصارنا خفيفة. وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى: حبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: إذا سكنت وركدت. وقد حكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: هو مأخوذ من سكر الشراب، وأن معناه: قد غشى أبصارنا السكر. وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى سكرت: سدت. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن نجيح، عن مجاهد، في قوله: سكرت أبصارنا قال: سدت. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج، يعني ابن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن كثير قال: سدت.
[ 18 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: سكرت أبصارنا يعني: سدت. فكأن مجاهدا ذهب في قوله وتأويله ذلك بمعنى: سدت، إلى أنه بمعنى: منعت النظر، كما يسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسكر به. وقال آخرون: معنى سكرت: أخذت. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن ابن عباس: لقالوا إنما سكرت أبصارنا يقول: أخذت أبصارنا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إنما أخذ أبصارنا، وشبه علينا، وإنما سحرنا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: لقالوا إنما سكرت أبصارنا يقول: سحرت أبصارنا يقول: أخذت أبصارنا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا شيبان، عن قتادة، قال: من قرأ: سكرت مشددة: يعني سدت. ومن قرأ سكرت مخففة، فإنه يعني سحرت. وكأن هؤلاء وجهوا معنى قوله سكرت إلى أن أبصارهم سحرت، فشبه عليهم ما يبصرون، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب: سكر على فلان رأيه: إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد فلم يدر الصواب فيه من غيره، فإذا عزم على الرأي قالوا: ذهب عنه التسكير. وقال آخرون: هو مأخوذ من السكر، ومعناه: غشي على أبصارنا فلا نبصر،. كما يفعل السكر بصاحبه، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر. ذكر من قال ذلك:
[ 19 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنما سكرت أبصارنا قال: سكرت، السكران الذي لا يعقل. وقال آخرون: معنى ذلك: عميت. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الكلبي: سكرت قال: عميت. وأولى هذه الاقوال بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: أخذت أبصارنا وسحرت، فلا تبصر الشئ على ما هو به، وذهب حد إبصارنا وانطفأ نوره كما يقال للشئ الحار إذا ذهبت فورته وسكن حد حرة: قد سكر يسكر. قال المثنى بن جندل الطهوي: جاء الشتاء واجثأل القبر واستخفت الافعى وكانت تظهر وجعلت عين الحرور تسكر أي تسكن وتذهب وتنطفئ. وقال ذو الرمة: قبل انصداع الفجر والتهجر وخوضهن الليل حين يسكر يعني: حين تسكن فورته. وذكر عن قيس أنها تقول: سكرت الريح تسكر سكورا، بمعنى: سكنت. وإن كان ذلك عنها صحيحا، فإن معنى سكرت وسكرت بالتخفيف والتشديد متقاربان، غير أن القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن: سكرت بالتشديد لاجماع الحجة من القراءة عليها، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين) *.
[ 20 ]
يقول تعالى ذكره: ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر. وزيناها للناظرين يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ولقد جعلنا في السماء بروجا قال: كواكب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد جعلنا في السماء بروجا وبروجها: نجومها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بروجا قال: الكواكب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) *. يقول تعالى ذكره: وحفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه. إلا من استرق السمع يقول: لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها، فيتبعه شهاب من النار مبين يبين أثره فيه، إما بإخباله وإفساده أو بإحراقه. وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله: إلا من استرق السمع هو استثناء خارج، كما قال: ما أشتكي إلا خيرا، يريد: لكن أذكر خيرا. وكان ينكر ذلك من قيله بعضهم، ويقول: إذ كانت إلا بمعنى لكن عملت عمل لكن، ولا يحتاج إلى إضمار أذكر، ويقول: لو احتاج الامر كذلك إلى إضمار أذكر احتاج قول القائل: قام زيد لا عمرو إلى إضمار أذكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 21 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الاعمش عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع، قال: فيفرد المارد منها فيعلو، فيرمى بالشهاب فيصيب جبهته أو حيث شاء الله منه فيلتهب، فيأتي أصحابه وهو يلتهب، فيقول: إنه كان من الامر كذا وكذا. قال: فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة، فيزيدون عليه أضعافه من الكذب، فيخبرونهم به، فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدقوهم بما جاءوهم به من الكذب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع قال: أراد أن يخطف السمع، وهو كقوله: إلا من خطف الخطفة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إلا من استرق السمع وهو نحو قوله: إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إلا من استرق السمع قال: خطف الخطفة. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إلا من استرق السمع هو كقوله: إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل وتخرج من غير أن تقتل. حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: من كل شيطان رجيم قال: الرجيم: الملعون. قال: وقال القاسم عن الكسائي إنه قال: الرجم في جميع القرآن: الشتم. القول في تأويل قوله تعالى: (والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون)
[ 22 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: والارض مددناها والارض دحوناها فبسطناها، وألقينا فيها رواسي يقول: وألقينا في ظهورها رواسي، يعني جبالا ثابتة كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والارض مددناها، وقال في آية أخرى: والارض بعد ذلك دحاها وذكر لنا أن أم القرى مكة، منها دحيت الارض. قوله: وألقينا فيها رواسي رواسيها: جبالها. وقد بينا معنى الرسو فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. وقوله: وأنبتنا فيها من كل شئ موزون يقول: وأنبتنا في الارض من كل شئ يقول: من كل شئ مقدر، وبحد معلوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأنبتنا فيها من كل شئ موزون يقول: معلوم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنبتنا فيها من كل شئ موزون يقول: معلوم. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، أو عن أبي مالك، في قوله: من كل شئ موزون قال: بقدر. حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح أو عن أبي مالك، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة: من كل شئ موزون قال: بقدر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي، يعني ابن الجعد، قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة: من كل شئ موزون قال: بقدر. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: قال: ثنا أحمد، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: يقدر.
[ 23 ]
حدثنا أحمد، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جبير: من كل شئ موزون قال: معلوم. حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم بن عتيبة وسأله أبو مخزوم عن قوله: من كل شئ موزون قال: من كل شئ مقدور. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم، وسأله أبو عروة عن قول الله عزوجل: من كل شئ موزون قال: من كل شئ مقدور. هكذا قال الحسن: وسأله أبو عروة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: من كل شئ موزون قال: مقدور بقدر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: من كل شئ موزون قال: مقدور بقدر. حدثني المثنى، قال: ثنا علي بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: مقدور بقدر. حدثنا المثنى، قال: ثنا علي بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: من كل شئ موزون قال: بقدر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنبتنا فيها من كل شئ موزون يقول: معلوم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من كل شئ موزون يقول: معلوم.
[ 24 ]
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك وأنبتنا في الجبال من كل شئ موزون يعني من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك من الاشياء التي توزن. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنبتنا فيها من كل شئ موزون قال: الاشياء التي توزن. وأولى القولين عندنا بالصواب القول الاول لاجماع الحجة من أهل التأويل عليه. القول في تأويل قوله تعالى: (وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) يقول تعالى ذكره: وجعلنا لكم أيها الناس في الارض معايش، وهي جمع معيشة ومن لستم له برازقين. اختلف أهل التأويل في المعني في قوله: ومن لستم له برازقين فقال: بعضهم: عني به الدواب والانعام. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله جمعيا، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ومن لستم له برازقين الدواب والانعام. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: عني بذلك الوحش خاصة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور في هذه الآية ومن لستم له برازقين قال: الوحش.
[ 25 ]
فتأويل من في: ومن لستم له برازقين على هذا التأويل بمعنى ما، وذلك قليل في كلام العرب. وأولى ذلك بالصواب، وأحسن أن يقال: عني بقوله: ومن لستم له برازقين من العبيد والاماء والدواب والانعام. فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فيها معايش والعبيد والاماء والدواب والانعام. وإذا كان ذلك كذلك، حسن أن توضع حينئذ مكان العبيد والاماء والدواب من، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الخبر عن البهائم معها بنو آدم. وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت من في موضع نصب عطفا به على معايش بمعنى: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين. وقيل: إن من في موضع خفض عطفا به على الكاف والميم في قوله: وجعلنا لكم بمعنى: وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين. وأحسب أن منصورا في قوله: هو الوحش، قصد هذا المعنى وإياه أراد وذلك وإن كان له وجه كلام العرب فبعيد قليل، لانها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة، كما قال بعضهم: هلا سألت بذي الجماجم عنهم * وأبى نعيم ذي اللواء المخرق فرد أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم. وقد بينت قبح ذلك في كلامهم. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) يقول تعالى ذكره: وما من شئ من الامطار إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر، لكل أرض معلوم عندنا حده ومبلغه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 26 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن عبد الله، قال: ما من أرض أمطر من أرض، ولكن الله يقدره في الارض. ثم قرأ: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جحيفة، عن عبد الله، قال: ما من عام بأمطر من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه عمن يشاء. ثم قال: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، قال: ثنا علي بن مسهر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جحيفة، عن عبد الله بن مسعود: ما من عام بأمطر من عام، و لكن الله يقسمه حيث شاء، عاما ههنا وعاما ههنا. ثم قرأ: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم قال: المطر خاصة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الحكم بن عتيبة، في قوله: وما ننزله إلا بقدر معلوم قال: ما من عام بأكثر مطرا من عام ولا أقل، ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون، وربما كان في البحر. قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت. القول في تأويل قوله تعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة القراء: وأرسلنا الرياح لواقح، وقرأه بعض قراء أهل الكوفة: وأرسلنا الرياح لواقح فوحد الريح وهي موصوفة بالجمع أعنى بقوله: لواقح. وينبغي أن يكون معنى ذلك: أن الريح وإن كان لفظها واحدا، فمعناها
[ 27 ]
الجمع لانه يقال: جاءت الريح من كل وجه، وهبت من كل مكان، فقيل لواقح لذلك، فيكون معنى جمعهم نعتها وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم: أرض سباسب، وأرض أغفال، وثوب أخلاق، كما قال الشاعر: جاء الشتاء وقميصي أخلاق * شراذم يضحك منه التواق وكذلك تفعل العرب في كل شئ اتسع. واختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح وإنما هي ملقحة لا لاقحة، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح، كما يقال: ناقة لاقح. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل: الرياح لواقح، فجعلها على لاقح، كأن الرياح لقحت، لان فيها خيرا فقد لقحت بخير. قال: وقال بعضهم: الرياح تلقح السحاب، فهذا يدل على ذلك المعنى لانها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: في ذلك معنيان: أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح، فيقال: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح، قال: ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال: عليهم الريح العقيم فجعلها عقيما إذا لم تلقح. قال: والوجه الآخر أن يكون وصفها باللقح وإن كانت تلقح، كما قيل: ليل نائم والنوم فيه وسركاتم، وكما قيل: المبروز والمختوم، فجعل مبروزا ولم يقل مبرزا بناه على غير فعله، أي أن ذلك من صفاته، فجاز مفعول لمفعل كما جاز فاعل لمفعول إذا لم يرد البناء على الفعل، كما قيل: ماء دافق. والصواب من القول في ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جل ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب والاشجار، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها: حملها الماء، وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فيه، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن الاعمش، عن المنهال بن
[ 28 ]
عمرو، عن قيس بن سكن، عن عبد الله بن مسعود، في قوله: وأرسلنا الرياح لواقح قال: يرسل الله الرياح فتحمل الماء، فتجري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن المنهال، عن قيس بن سكن، عن عبد الله: وأرسلنا الرياح لواقح قال: يبعث الله الريح فتلقح السحاب، ثم تمريه فتدر كما تدر اللقحة، ثم تمطر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله بن مسعود، في قوله: وأرسلنا الرياح لواقح قال: يرسل الرياح، فتحمل الماء من السحاب، ثم تمري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة. فقد بين عبد الله بقوله: يرسل الرياح فتحمل الماء، أنها هي اللاقحة بحملها الماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر. وأما جماعة أخر من أهل التأويل، فإنهم وجهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح إلى أنه بمعنى ملقحة، وأن اللواقح وضعت ملاقح، كما قال نهشل بن حري: ليبك يزيد بائس لضراعة * وأشعث ممن طوحته الطوائح يريد المطاوح. وكما قال النابغة: كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب
[ 29 ]
بمعنى: منصب. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم في قوله: وأرسلنا الرياح لواقح قال: تلقح السحاب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبراهيم، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله: وأرسلنا الرياح لواقح قال: لواقح للشجر. قلت: أو للسحاب ؟ قال: وللسحاب، تمريه حتى يمطر. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبيد بن عمير، قال: يبعث الله المبشرة فتقم الارض قما، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر. ثم تلا عبيد: وأرسلنا الرياح لواقح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: و أرسلنا الرياح لواقح يقول: لواقح للسحاب، وإن من الريح عذابا وإن منها رحمة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لواقح قال: تلقح الماء في السحاب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس: لواقح قال: تلقح الشجر وتمري السحاب. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال:
[ 30 ]
سمعت الضحاك يقول، في قوله: وأرسلنا الرياح لواقح الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا عبيس بن ميمون، قال: ثنا أبو المهزم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: الريح الجنوب من الجنة، وهي الريح اللواقح، وهي التي ذكر الله تعالى في كتابه وفيها منافع للناس. حدثني أبو الجماهر الحمصي أو الحضرمي محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد العزيز بن موسى، قال: ثنا عبيس بن ميمون أبو عبيدة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله (ص)، فذكر مثله سواء. وقوله: فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقينا كموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: أسقبته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة: وقفت على رسم لمية ناقتي * فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه وكذلك إذا وهبت لرجل إهابا ليجعله سقاء، قلت: أسقيته إياه. وقوله: وما أنتم له بخازنين يقول: ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقيناكموه فتمنعوه من أسقيه لان ذلك بيدي وإلي، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء. كما:
[ 31 ]
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: سفيان: وما أنتم له بخازنين قال: بمانعين. القول في تأويل قوله تعالى: (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ئ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ئ وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) يقول تعالى ذكره: وإنا لنحن نحيي من كان ميتا إذا أردنا ونميت من كان حيا إذا شئنا. ونحن الوارثون يقول: ونحن نرث الارض ومن عليها بأن نميت جميعهم، فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الاجل. وقوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم و لقد علمنا المستأخرين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولقد علمنا من مضى من الامم فتقدم هلاكهم، ومن قد خلق وهو حي، ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: المستقدمون: من قد خلق ومن خلا من الامم والمستأخرون: من لم يخلق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: هم خلق الله كلهم، قد علم من خلق منهم إلى اليوم، وقد علم من هو خالقه بعد اليوم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن عكرمة، قال: إن الله خلق الخلق ففرغ منهم، فالمستقدمون: من خرج من الخلق، والمستأخرون: من بقي في أصلاب الرجال لم يخرج. حدثني محمد بن أبي معشر، قال: أخبرني أبو معشر، قال: سمعت عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يذاكر محمد بن كعب في قول الله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين فقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: خير صفوف الرجال المقدم، وشر صفوف الرجال المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر، وشر صفوف النساء المقدم. فقال محمد بن كعب: ليس هكذا ولقد علمنا المستقدمين
[ 32 ]
منكم: الميت والمقتول والمستأخرين: من يلحق بهم من بعد، وإن ربك هو يحشرهم، إنه حكيم عليم. فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيرا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: قال قتادة: المستقدمين: من مضى، والمستأخرين: من بقي في أصلاب الرجال. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو الاحوص، قال: ثنا سعيد بن مسروق، عن عكرمة وخصيف، عن مجاهد، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: من مات ومن بقي. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم قال: كان ابن عباس يقول: آدم (ص) ومن مضى من ذريته. ولقد علمنا المستأخرين: من بقى في أصلاب الرجال. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: المستقدمون آدم ومن بعده، حتى نزلت هذه الآية. والمستأخرون: قال: كل من كان من ذريته. قال أبو جعفر: أظنه أنا قال: ما لم يخلق وما هو مخلوق. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: المستقدمون: ما خرج من أصلاب الرجال. والمستأخرون: ما لم يخرج. ثم قرأ: وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم. وقال آخرون: عنى بالمستقدمين: الذين قد هلكوا، والمستأخرين: الاحياء الذين لم يهلكوا. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين يعني بالمستقدمين: من مات. ويعني بالمستأخرين: من هو حي لم يمت. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال:
[ 33 ]
سمعت الضحاك يقول في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم يعني الاموات منكم. ولقد علمنا المستأخرين بقيتهم، وهم الاحياء. يقول: علمنا من مات ومن بقي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: المستقدمون منكم: الذين مضوا في أول الامم، والمستأخرون: الباقون. وقال آخرون: بل معناه: ولقد علمنا المستقدمين في أول الخلق والمستأخرين في آخرهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال أول الخلق وآخره. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين: ما استقدم في أول الخلق، وما استأخر في آخر الخلق. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم قال: في العصر، والمستأخرين منكم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علمنا المستقدمين من الامم، والمستأخرين من أمة محمد (ص). ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: المستقدمين منكم، قال: القرون الاول، والمستأخرين: أمة محمد (ص). حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 34 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: المستقدمون: ما مضى من الامم، والمستأخرون: أمة محمد (ص). حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الملك، عن مجاهد بنحوه، لم يذكر قيسا. وقال آخرون: بل معناه: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الخير والمستأخرين عنه. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال: كان الحسن يقول: المستقدمون في طاعة الله، والمستأخرون في معصية الله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، قال: المستقدمين في الخير، والمستأخرين: يقول: المبطئين عنه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة، والمستأخرين فيها بسبب النساء. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا العتمر بن سليمان، عن أبيه عن رجل أخبرنا عن رجل أخبرنا عن مروان بن الحكم أنه قال: كان الناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء، قال: فأنزل الله: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) (1). حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: أخبرني عمرو بن مالك، قال سمعت أبا الجوزاء يقول في قول الله: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال: المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة والمستأخرين.
[ 35 ]
حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: كانت تصلي خلف رسول الله (ص) امرأة، قال ابن عباس: لا والله ما إن رأيت مثلها قط ! فكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا وبعض يستأخرون، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم، فأنزل الله: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) (1). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا نوح بن قيس، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا نوح بن قيس، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله (ص) امرأة حسناء من أحسن الناس، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الاول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه في الصف، فأنزل الله في شأنها: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) (2). قال أبو جعفر: وأولى الاقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علمنا الاموات منكم يا بني آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد، لدلالة ما قبله من الكلام، وهو قوله: (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) وما بعده وهو قوله: (وإن ربك هو يحشرهم) على أن ذلك كذلك، إذ كان بين هذين الخبرين، ولم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدل على خلافه، ولا جاء بعد. وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله عزوجل عم بالمعنى المراد منه جميع الخلق، فقال جل ثناؤه لهم: قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم، وما كانوا يعملون، ومن هو حي منكم ومن هو حادث بعدكم أيها الناس، وأعمال جميعكم خيرها وشرها، وأحصينا جميع ذلك ونحن نحشر جميعهم، فنجازي كلا بأعماله، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. فيكون ذلك تهديدا ووعيدا للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء ولكل من تعدى
[ 36 ]
حد الله وعمل بغير ما أذن له به، ووعدا لمن تقدم في الصفوف لسبب النساء وسارع إلى محبة الله ورضوانه في افعاله كلها. وقوله: (وإن ربك هو يحشرهم) يعني بذلك جل ثناؤه: وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الاولين والاخرين عنده يوم القيامة، أهل الطاعة منهم والمعصية، وكل أحد من خلقه، المستقدمين منهم والمستأخرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وإن ربك هو يحشرهم) قال: أي الاول والاخر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد القرشي، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، في قوله: (وإن ربك هو يحشرهم) قال: هذا من ها هنا، وهذا من ها هنا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وإن ربك هو يحشرهم) قال: وكلهم ميت، ثم يحشرهم ربهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر: (وإن ربك هو يحشرهم) قال: يجمعهم الله يوم القيامة جميعا. قال الحسن: قال علي: قال داود: سمعت عامرا يفسر قوله: (إنه حكيم عليم) يقول إن ربك حكيم في تدبيره خلقه في إحيائهم إذا أحياهم، وفي إماتتهم إذا أماتهم، عليم بعددهم وأعمالهم وبالحي منهم والميت، والمستقدم منهم والمستأخر. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كل أولئك قد علمهم الله، يعني المستقدمين والمستأخرين. القول في تأويل قوله تعالى: (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمإ مسنون) يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا آدم وهو الانسان من صلصال. واختلف أهل التأويل في معنى الصلصال فقال بعضهم: هو الطين اليابس لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة. ذكر من قال ذلك:
[ 37 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب. وأما اللازب: فالجيد، وأما الحمأ: فالحمأة، وأما الصلصال: فالتراب المرقق. وإنما سمي إنسانا لانه عهد إليه فنسي. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد خلقنا الانسان من صلصال قال: والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: من صلصال من حمأ مسنون قال: الصلصال: الطين اليابس يسمع له صلصلة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس: من صلصال قال: الصلصال: الماء يقع على الارض الطيبة ثم يحسر عنها، فتشقق، ثم تصير مثل الخزف الرقاق. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الاعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خلق الانسان من ثلاثة: من طين لازب، وصلصال، وحمأ مسنون. والطين اللازب: اللازق الجيد، والصلصال: المرقق الذي يصنع منه الفخار، والمسنون: الطين فيه الحمأة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون قال: هو التراب اليابس الذي يبل بعد يبسه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن مسلم، عن مجاهد، قال: الصلصال: الذي يصلصل، مثل الخزف من الطين الطيب. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، يقول: الصلصال: طين صلب يخالطه الكثيب.
[ 38 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من صلصال قال: التراب اليابس. وقال آخرون: الصلصال: المنتن. وكأنهم وجهوا ذلك إلى أنه من قولهم: صل اللحم وأصل: إذا أنتن، يقال ذلك باللغتين كلتيهما: يفعل وأفعل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من صلصال الصلصال: المنتن. والذي هو أولى بتأويل الآية أن يكون الصلصال في هذا الموضع الذي له صوت من الصلصلة وذلك أن الله تعالى وصفه في موضع آخر فقال: خلق الانسان من صلصال كالفخار فشبهه تعالى ذكره بأنه كان كالفخار في يبسه. ولو كان معناه في ذلك المنتن لم يشبه بالفخار، لان الفخار ليس بمنتن فيشبه به في النتن غيره. وأما قوله: من حمأ مسنون فإن الحمأ: جمع حمأة، وهو الطين المتغير إلى السواد. وقوله: مسنون يعني: المتغير. واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله: مسنون فكان بعض نحويي البصريين يقول: عني به: حمأ مصور تام. وذكر عن العرب أنهم قالوا: سن على مثال سنة الوجه: أي صورته. قال: وكأن سنة الشئ من ذلك: أي مثاله الذي وضع عليه. قال: وليس من الآسن المتغير، لانه من سنن مضاعف. وقال آخر منهم: هو الحمأ المصبوب. قال: والمصبوب: المسنون، وهو من قولهم: سننت الماء على الوجه وغيره إذا صببته. وكان بعض أهل الكوفة يقول: هو المتغير، قال: كأنه أخذ من سننت الحجر على الحجر، وذلك أن يحك أحدهما بالآخر، يقال منه: سننته أسنه سنا فهو مسنون. قال: ويقال للذي يخرج من بينهما: سنين، ويكون ذلك منتنا. وقال: منه سمي المسن لان الحديد يسن عليه. وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك نحو ما قلنا. ذكر من قال ذلك:
[ 39 ]
حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: من حمأ مسنون قال: الحمأ: المنتنة. حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: من حمأ مسنون قال: الذي قد أنتن. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس: من حمأ مسنون قال: منتن. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: من حمأ مسنون قال: هو التراب المبتل المنتن، فجعل صلصالا كالفخار. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من حمأ مسنون قال: منتن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: من حمأ مسنون والحمأ المسنون: الذي قد تغير وأنتن. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر: من حمأ مسنون قال: قد أنتن، قال: منتنة. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: من حمأ مسنون قال: من طين لازب، وهو اللازق من الكثيب وهو الرمل.
[ 40 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من حمأ مسنون قال: الحمأ المنتن. وقال آخرون منهم في ذلك: هو الطين الرطب. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: من حمأ مسنون يقول: من طين رطب. القول في تأويل قوله تعالى: (والجآن خلقناه من قبل من نار السموم) يقول تعالى ذكره: والجان و قد بينا فيما مضى معنى الجان ولم قيل له جان. وعني بالجان ههنا: إبليس أبا الجن. يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الانسان من نار السموم، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: والجان خلقناه من قبل وهو إبليس خلق قبل آدم. وإنما خلق آدم آخر الخلق، فحسده عدو الله إبليس على ما أعطاه الله من الكرامة، فقال: أنا ناري، وهذا طيني، فكانت السجدة لآدم والطاعة لله تعالى ذكره، فقال: اخرج منها فإنك رجيم. واختلف أهل التأويل في معنى: نار السموم فقال بعضهم: هي السموم الحارة التي تقتل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله: والجان خلقناه من قبل من نار السموم قال: السموم الحارة التي تقتل. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق التيمي، عن ابن عباس: والجان خلقناه من قبل من نار السموم قال: هي السموم التي تقتل فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت قال: هي السموم التي تقتل. وقال آخرون: يعني بذلك من لهب النار. ذكر من قال ذلك:
[ 41 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: والجان خلقناه من قبل من نار السموم قال: من لهب من نار السموم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان، عن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة. قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: دخلت على عمرو بن الاصم أعوده، فقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله ؟ سمعت عبد الله يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خرج منها الجان. قال: وتلا: والجان خلقناه من قبل من نار السموم. وكان بعض أهل العربية يقول: السموم بالليل والنهار. وقال بعضهم: الحرور بالنهار، و السموم بالليل، يقال: سم يومنا يسم سموما. حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، وسئل عن الجن ما هم، وهل يأكلون أو يشربون، أو يموتون، أو يتناكحون ؟ قال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون. ومنهم أجناس يأكلون ويشربون و يتناكحون ويموتون، وهي هذه التي منها السعالي والغول وأشباه ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: (وإذ قال ربك لملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون ئ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)
[ 42 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته يقول: فإذا صورته فعدلت صورته ونفخت فيه من روحي فصار بشرا حيا فقعوا له ساجدين سجود تحية وتكرمة لا سجود عبادة. وقد: حدثني جعفر بن مكرم، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما خلق الله الملائكة قال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا: لا نفعل. فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم. وخلق ملائكة أخرى، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا، قال: فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق ملائكة أخرى، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق ملائكة، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا: سمعنا وأطعنا. إلا إبليس كان من الكافرين الاولين. القول في تأويل قوله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون ئ إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ئ قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين) يقول تعالى ذكره: فلما خلق الله ذلك البشر ونفخ فيه الروح بعد أن سواه، سجد الملائكة كلهم جميعا إلا إبليس، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين في سجودهم لآدم حين سجدوا، فلم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا، فقال الله تعالى ذكره: يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين يقول: ما منعك من أن تكون مع الساجدين ؟ ف‍ " أن " في قول بعض نحويي الكوفة خفض، وفي قول بعض أهل البصرة نصب بفقد الخافض. القول في تأويل قوله تعالى: (قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ئ قال فاخرج منها فإنك رجيم ئ وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين)
[ 43 ]
يقول تعالى ذكره: قال إبليس: لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون وهو من طين وأنا من نار، والنار تأكل الطين. وقوله: فاخرج منها يقول الله تعالى ذكره لابليس: فاخرج منها فإنك رجيم. والرجيم المرجوم، صرف من مفعول إلى فعيل وهو المشتوم، كذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فإنك رجيم والرجيم: الملعون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: فاخرج منها فإنك رجيم قال: ملعون. والرجم في القرآن: الشتم. وقوله: وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين يقول: وإن غضب الله عليك بإخراجه إياك من السموات وطردك عنها إلى يوم المجازاة، وذلك يوم القيامة. وقد بينا معنى اللعنة في غير موضع بما أغنى عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ئ قال فإنك من المنظرين ئ إلى يوم الوقت المعلوم) يقول تعالى ذكره: قال إبليس: رب فإذ أخرجتني من السموات ولعنتني، فأخرني إلى يوم تبعث خلقك من قبورهم فتحشرهم لموقف القيامة. قال الله له: فإنك ممن أخر هلاكه إلى يوم الوقت المعلوم لهلاك جميع خلقي، وذلك حين لا يبقى على الارض من بني آدم ديار. القول في تأويل قوله تعالى: (قال رب بمآ أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين ئ إلا عبادك منهم المخلصين) يقول تعالى ذكره: قال إبليس: رب بما أغويتني بإغوائك لازينن لهم في الارض. وكأن قوله: بما أغويتني خرج مخرج القسم، كما يقال: بالله، أو بعزة الله
[ 44 ]
لاغوينهم. وعنى بقوله: لازينن لهم في الارض لاحسنن لهم معاصيك، ولاحببنها إليهم في الارض. ولاغوينهم أجمعين يقول: ولاضلنهم عن سبيل الرشاد. إلا عبادك منهم المخلصين يقول إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به. وقد قرئ: إلا عبادك منهم المخلصين فمن قرأ ذلك كذلك، فإنه يعني به: إلا من أخلص طاعتك، فإنه لا سبيل لي عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: إلا عبادك منهم المخلصين يعني: المؤمنين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا عمرو، عن سعيد، عن قتادة: إلا عبادك منهم المخلصين قال قتادة: هذه ثنية الله تعالى ذكره. القول في تأويل قوله تعالى: (قال هذا صراط علي مستقيم ئ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) اختلفت القراء في قراءة قوله: قال هذا صراط علي مستقيم فقرأه عامة قراء الحجاز والمدينة والكوفة والبصرة: هذا صراط علي مستقيم بمعنى: هذا طريق إلي مستقيم. فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلا بأعمالهم كما قال الله تعالى ذكره: إن ربك لبالمرصاد. وذلك نظير قول القائل لمن يتوعده ويتهدده: طريقك علي، وأنا على طريقك فكذلك قوله: هذا صراط معناه: هذا طريق علي وهذا طريق إلي. وكذلك تأول من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: هذا صراط علي مستقيم قال: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه، لا يعرج على شئ.
[ 45 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا مروان بن شجاع، عن خصيف، عن زياد بن أبي مريم، وعبد الله بن كثير أنهما قرأها: هذا صراط علي مستقيم وقالا: علي هي إلي وبمنزلتها. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وسعيد عن قتادة، عن الحسن: هذا صراط علي مستقيم يقول: إلي مستقيم. وقرأ ذلك قيس بن عباد وابن سيرين وقتادة فيما ذكر عنهم هذا صراط علي مستقيم برفع علي على أنه نعت للصراط، بمعنى رفيع. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي حماد، قال: ثني جعفر البصري، عن ابن سيرين أنه كان يقرأ: هذا صراط علي مستقيم يعني: رفيع. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هذا صراط علي مستقيم أي رفيع مستقيم. قال بشر، قال يزيد، قال سعيد: هكذا نقرؤها نحن وقتادة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أبي العوام، عن قتادة، عن قيس بن عباد: هذا صراط علي مستقيم يقول: رفيع. والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ: هذا صراط علي مستقيم على التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد والحسن البصري ومن وافقهما عليه، لاجماع الحجة من القراء عليها وشذوذ ما خالفها. وقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين يقول تعالى
[ 46 ]
ذكره: إن عبادي ليس لك عليهم حجة، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبيد الله بن موهب، قال ثنا يزيد بن قسيط، قال: كانت الانبياء لهم مساجد خارجة من قراهم، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شئ خرج إلى مسجده، فصلى ما كتب الله له ثم سأل ما بدا له. فبينما نبي في مسجده، إذا جاء عدو الله حتى جلس بينه وبين القبلة، فقال النبي (ص): أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال عدو الله: أرأيت الذي تعوذ منه فهو هو ! فقال النبي (ص): أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فردد ذلك ثلاث مرات. فقال عدو الله: أخبرني بأي شئ تنجو مني ؟ فقال النبي (ص): بل أخبرني بأي شئ تغلب ابن آدم ؟ مرتين. فأخذ كل واحد منهما على صاحبه، فقال النبي (ص): إن الله تعالى ذكره يقول إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين قال عدو الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي (ص): يقول الله تعالى ذكره: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك. فقال عدو الله: صدقت بهذا تنجو مني فقال النبي (ص): فأخبرني بأي شئ تغلب ابن آدم ؟ قال: آخذه عند الغضب، وعند الهوى. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين ئ لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) يقول تعالى ذكره لابليس: وإن جهنم لموعد من تبعك أجمعين. لها سبعة أبواب يقول: لجهنم سبعة أطباق، لكل طبق منهم: يعني من أتباع إبليس جزء، يعني: قسما ونصيبا مقسوما. وذكر أن أبواب جهنم طبقات بعضها فوق بعض. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا هارون الغنوي، قال: سمعت حطان، قال: سمعت عليا وهو يخطب، قال: إن أبواب جهنم هكذا. ووضع شعبة إحدى يديه على الاخرى.
[ 47 ]
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله، قال: قال علي: تدرون كيف أبواب النار ؟ قلنا: نعم كنحو هذه الابواب. فقال: لا، ولكنها هكذا. فوصف أبو هارون أطباقا بعضها فوق بعض، وفعل ذلك أبو بشر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله عن علي، قال: هل تدرون كيف أبواب النار ؟ قالوا: كنحو هذه الابواب، قال: لا، ولكن هكذا. ووصف بعضها فوق بعض. حدثنا هارون بن إسحاق، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق، عن هبيرة، عن علي، قال: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الاول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم تمتلئ كلها. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي قال: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض وأشار بأصابعه على الاول، ثم الثاني، ثم الثالث حتى تملا كلها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن هبيرة ابن مريم، قال: سمعت عليا يقول: إن أبواب جهنم بعضا فوق بعض، فيملا الاول ثم الذي يليه، إلى آخرها. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي، قال: أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جهضم، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله: لها سبعة أبواب قال: لها سبعة أطباق. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: لها سبعة أبواب قال: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. والجحيم فيها أبو جهل.
[ 48 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم وهي والله منازل بأعمالهم. القول في تأويل قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون ئ ادخلوها بسلام آمنين ئ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه، فتجنبوا معاصيه في جنات وعيون يقال لهم: ادخلوها بسلام آمنين من عقاب الله، أو أن تسلبوا نعمة أنعمها الله عليكم وكرامة أكرمكم بها. قوله: ونزعنا ما في صدورهم من غل يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض. واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم، فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن بشر البصري، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة، قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل. ثم قرأ: ونزعنا ما في صدورهم من غل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو فضالة، عن لقمان، عن أبي أمامة، قال: لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غل، ثم ينزع منه السبع الضاري. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل، عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت الآية: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين.
[ 49 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: من عداوة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: العداوة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب، عن رجل، عن علي: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: العداوة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على علي، فحجبه طويلا، ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتجفوهم قال علي: بفيك التراب إني لارجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جعفر، عن علي نحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، بنحوه، وزاد فيه: قال: فقام إلى علي رجل من همدان، فقال: الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين قال: فصاح علي صيحة ظننت أن القصر تدهده لها، ثم قال: إذا لم نكن نحن فمن هم ؟ حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، قال: ثنا أبو مالك الاشجعي، عن أبي حبيبة مولى لطلحة، قال: دخل عمران بن طلحة على علي بعد ما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وقال إني لارجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله: إخوانا على سرر متقابلين ورجلان جالسان على ناحية البساط، فقالا: الله أعدل من ذلك، تقتلهم بالامس وتكونون إخوانا ؟ فقال علي: قوما أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله.
[ 50 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا أبو مالك، قال: ثنا أبو حبيبة، قال: قال علي لابن طلحة: إني لارجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نزع الله ما في صدورهم من غل ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حماد بن خالد الخياط، عن أبي الجويرية، قال: ثنا معاوية بن إسحاق، عن عمران بن طلحة، قال: لما نظرني علي قال: مرحبا بابن أخي فذكر نحوه. حدثنا الحسن، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا هشام، عن محمد، قال: استأذن الاشتر على علي وعنده ابن لطلحة، فحبسه ثم أذن له، فلما دخل قال: إني لاراك إنما حبستني لهذا قال: أجل. قال: إني لاراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني قال: أجل، إني لارجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين. حدثنا الحسن، قال: ثنا إسحاق الازرق، قال: أخبرنا عوف، عن سيرين، بنحوه. حدثنا الحسن، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا السكن بن المغيرة، قال: ثنا معاوية ابن راشد، قال: قال علي: إني لارجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا ابن المتوكل الناجي، أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله (ص) قال: يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة قال: فوالذي نفس محمد بيده، لاحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله الذي كان في الدنيا وقال بعضهم: ما يشبه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.
[ 51 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين قال: ثنا قتادة أن أبا المتوكل الناجي حدثهم أن أبا سعيد الخدري حدثهم، قال: قال رسول الله (ص) فذكره نحوه، إلى قوله وأذن لهم في دخول الجنة ثم جعل سائر الكلام عن قتادة. قال: وقال قتادة: فوالذي نفسي بيده لاحدهم أهدى بمنزله. ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة، سوى أنه قال في حديثه: قال قتادة وقال بعضهم: ما يشبه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة. حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا عمر بن زرعة، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي، عن كثير النواء، قال سمعته يقول: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي، فقلت: وليي وليكم، وسلمي سلمكم، وعدوي عدوكم، وحربي حربكم إني أسألك بالله، أتبرأ من أبي بكر وعمر ؟ فقال: قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، تولهما يا كثير، فما أدركك فهو في رقبتي ثم تلا هذه الآية: إخوانا على سرر متقابلين يقول: إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض، لا يستدبره فينظر في قفاه. وكذلك تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، في قوله: على سرر متقابلين قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل، قالوا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. والسرر: جمع سرير، كما الجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فيها والراءان متحركتان لخفة الاسماء، ولا تفعل ذلك في الافعال لثقل الافعال، ولكنهم يدغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذ التضعيف. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 52 ]
(لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ئ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ئ وأن عذابي هو العذاب الاليم) يقول تعالى ذكره: لا يمس هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم في الجنات نصب، يعني تعب. وما هم منها بمخرجين يقول: وما هم من الجنة ونعيمها وما أعطاهم الله فيها بمخرجين، بل ذلك دائم أبدا. وقوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أخبر عبادي يا محمد، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها، الرحيم بهم أن أعذبهم بعد توبتهم منها عليها. وأن عذابي هو العذاب الاليم يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصر على معاصي وأقام عليها ولم يتب منها، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب. وهذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه، وأمر منه لهم بالانابة والتوبة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الاليم قال: بلغنا أن نبي الله (ص) قال: لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع من حرام، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن المكي، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا مصعب بن ثابت، قال: ثنا عاصم بن عبد الله، عن ابن أبي رباح، عن رجل من أصحاب النبي (ص) قال: طلع علينا رسول الله (ص) من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة، فقال: ألا أراكم تضحكون ؟ ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقري، فقال: إني لما خرجت جاء جبرئيل (ص) فقال: يا محمد إن الله يقول: لم تقنط عبادي ؟ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الاليم. القول في تأويل قوله تعالى: (ونبئهم عن ضيف إبراهيم ئ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ئ قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم)
[ 53 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وأخبر عبادي يا محمد عن ضيف إبراهيم يعني الملائكة الذين دخلوا على إبراهيم خليل الرحمن حين أرسلهم ربهم إلى قوم لوط ليهلكوهم. فقالوا سلاما يقول: فقال الضيف لابراهيم: سلاما. قال إنا منكم وجلون يقول: قال إبراهيم: إنا منكم خائفون. وقد بينا وجه النصب في قوله: سلاما وسبب وجل إبراهيم من ضيفه واختلاف المختلفين، ودللنا على الصحيح من القول فيه فيما مضى قبل بما إغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: قالوا سلاما وهو يعني به الضيف، فجمع الخبر عنهم وهم في لفظ واحد، فإن الضيف اسم للواحد والاثنين والجمع مثل الوزن والقطر والعدل، فلذلك جمع خبره وهو لفظ واحد. وقوله: قالوا لا توجل يقول: قال الضيف لابراهيم: لا توجل لا تخف إنا نبشرك بغلام عليم. القول في تأويل قوله تعالى: (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة الذين بشروه بغلام عليم: أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون يقول: فبأي شئ تبشرون. وكان مجاهد يقول في ذلك ما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قال: عجب من كبره وكبر امرأته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال على أن مسني الكبر ومعناه: لان مسني الكبر وبأن مسني الكبر، وهو نحو قوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق بمعنى: بأن لا أقول، ويمثله في الكلام: أتيتك أنك تعطي، فلم أجدك تعطي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 54 ]
(قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ئ قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) يقول تعالى ذكره: قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحق يقين، وعلم منا بأن الله قد وهب لك غلاما عليما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به وأقبل البشرى. واختلفت القراء قوله: من القانطين فقرأته عامة قراء الامصار: من القانطين بالالف. وذكر عن يحيى بن وثاب أنه كان يقرأ ذلك: القنطين. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار، لاجماع الحجة على ذلك وشذوذ ما خالفه. وقوله: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للضيف ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله. واختلفت القراء في قراءة قوله: ومن يقنط فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة: ومن يقنط بفتح النون إلا الاعمش والكسائي فإنهما كسر النون من يقنط. فأما الذين فتحوا النون منه ممن ذكرنا فإنهم قرءوا: من بعد ما قنطوا بفتح القاف والنون. وأما الاعمش فكان يقرأ ذلك: من بعد ما قنطوا بكسر النون. وكان الكسائي يقرؤه بفتح النون. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الحرفين جميعا على النحو الذي ذكرنا من قراءة الكسائي. وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأ: من بعد ما قنطوا بفتح النون، ومن يقنط بكسر النون، لاجماع الحجة من القراء على فتحها في قوله: من بعد ما قنطوا فكسرها في ومن يقنط أولى إذا كان مجمعا على فتحها في قنط، لان فعل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحة ولم تكن من الحروف الستة التي هي حروف الحلق، فإنها تكون في يفعل مكسورة أو مضمومة فأما الفتح فلا يعرف ذلك في كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 55 ]
(قال فما خطبكم أيها المرسلون ئ قالوا إنآ أرسلنا إلى قوم مجرمين ئ إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ئ إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم ؟ ما أمركم أيها المرسلون ؟ قالت الملائكة له: إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يقول: إلى قوم قد اكتسبوا الكفر بالله. إلا آل لوط يقول: إلا أتباع لوط على ما هو عليه من الدين، فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذب به قوم لوط، سوى امرأة لوط قدرنا إنها من الغابرين يقول: قضى الله فيها إنها لمن الباقين ثم هي مهلكة بعد. وقد بينا الغابر فيما مضى بشواهده. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما جاء آل لوط المرسلون ئ قال إنكم قوم منكرون ئ قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) يقول تعالى ذكره: فلما أتى رسل الله آل لوط، أنكرهم لوط فلم يعرفهم وقال لهم: إنكم قوم منكرون: أي ننكركم لا نعرفكم. فقالت له الرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم به. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: قال إنكم قوم منكرون قال: أنكرهم لوط. وقوله: بما كانوا فيه يمترون قال: بعذاب قوم لوط. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: (وآتيناك بالحق وإنا لصادقون ئ فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون) يقول تعالى ذكره: قالت الرسل للوط: وجئناك بالحق اليقين من عند الله، وذلك
[ 56 ]
الحق هو العذاب الذي عذب الله به قوم لوط. وقد ذكرت خبرهم وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله ليعذبهم به، وقولهم: وإنا لصادقون يقولون: إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن الله مهلك قومك. فأسر بأهلك بقطع من الليل يقول تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط: فأسر بأهلك ببقية من الليل، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم، وسر خلفهم وهم أمامك، ولا يلتفت منكم وراءه أحد، وامضوا حيث يأمركم الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا يلتفت منكم أحد لا يلتفت وراءه أحد، ولا يعرج. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا يلتفت منكم أحد: لا ينظر وراءه أحد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واتبع أدبارهم قال: أمر أن يكون خلف أهله، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأسر بأهلك بقطع من الليل قال: بعض الليل. واتبع أدبارهم: أدبار أهله. القول في تأويل قوله تعالى: (وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ئ وجاء أهل المدينة يستبشرون) يقول تعالى ذكره: وفرغنا إلى لوط من ذلك الامر، وأوحينا أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين يقول: إن آخر قومك وأولهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم. وأن من قوله:
[ 57 ]
أن دابر في موضع نصب ردا على الامر بوقوع القضاء عليها. وقد يجوز أن تكون في موضع نصب بفقد الخافض، ويكون معناه: وقضينا إليه ذلك الامر بأن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. وعني بقوله: مصبحين إذا أصبحوا، أو حين يصبحون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: أن دابر هولاء مقطوع مصبحين يعني: استئصال هلاكهم مصبحين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: و قضينا إليه ذلك الامر قال: أوحينا إليه. وقوله: وجاء أهل المدينة يستبشرون يقول: وجاء أهل مدينة سدوم وهم قوم لوط لما سمعوا أن ضيفا قد ضاف لوطا مستبشرين بنزولهم مدينتهم طمعا منهم في ركوب الفاحشة. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاء أهل المدينة يستبشرون استبشروا بأضياف نبي الله (ص) لوط حين نزلوا لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر. القول في تأويل قوله تعالى: (قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ئ واتقوا الله ولا تخزون ئ قالوا أولم ننهك عن العالمين) يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: إن هؤلاء الذين جئتموهم تريدون منهم الفاحشة ضيفي، وحق على الرجل إكرام ضيفه، فلا تفضحون أيها القوم في ضيفي، وأكرموني في ترككم التعرض لهم بالمكروه. وقوله: واتقوا الله يقول: وخافوا الله في وفي أنفسكم
[ 58 ]
أن يحل بكم عقابه. ولا تخزون يقول: ولا تذلوني ولا تهينوني فيهم بالتعرض لهم بالمكروه. قالوا أو لم ننهك عن العالمين يقول تعالى ذكره: قال للوط قومه: أو لم ننهك أن تضيف أحدا من العالمين ؟ كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أولم ننهك عن العالمين قال: ألم ننهك أن تضيف أحدا ؟ القول في تأويل قوله تعالى: (قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ئ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ئ فأخذتهم الصيحة مشرقين) يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: تزوجوا النساء فأتوهن، ولا تفعلوا ما قد حرم الله عليكم من إتيان الرجال، إن كنتم فاعلين ما آمركم به ومنهين إلى أمري كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قال هولاء بناتي إن كنتم فاعلين: أمرهم نبي الله لوط أن يتزوجوا النساء، وأراد أن يقي أضيافه ببناته. وقوله: لعمرك يقول تعالى لنبيه محمد (ص): وحياتك يا محمد، إن قومك من قريش لفي سكرتهم يعمهون يقول: لفي ضلالتهم وجهلهم يترددون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن زيد، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد (ص)، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى ذكره: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قول الله: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قال: ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد (ص)، قال: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون.
[ 59 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون وهي كلمة من كلام العرب لفي سكرتهم: أي في ضلالتهم، يعمهون: أي يلعبون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الاعمش، عن قوله: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قال: لفي غفلتهم يترددون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في سكرتهم قال: في ضلالتهم. يعمهون قال: يلعبون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد: يعمهون قال: يترددون. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لعمرك يقول: لعيشك. إنهم لفي سكرتهم يعمهون قال: يتمادون. حدثني أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه كقوله: وحياتي. وقوله: فأخذتهم الصيحة مشرقين يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقين: يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس. ونصب مشرقين ومصبحين على الحال بمعنى: إذ أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صيح بهم، إذا أهلكوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فأخذتهم الصيحة مشرقين قال: حين أشرقت الشمس ذلك مشرقين. القول في تأويل قوله تعالى: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ئ إن في ذلك لآيات للمتوسمين)
[ 60 ]
يقول تعالى ذكره: فجعلنا عالي أرضهم سافلها، وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة: وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل أي من طين. وقوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين يقول: إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم وأحللنا بهم من العذاب لعلامات ودلالات للمتفرسين المعتبرين بعلامات الله، وعبره على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به. وإنما يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبي الله (ص) من قريش يقول: فلقومك يا محمد في قوم لوط، وما حل بهم من عذاب الله حين كذبوا رسولهم وتمادوا في غيهم وضلالهم، معتبر. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: للمتوسمين قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عبد الاعلى بن واصل قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال: للمتفرسين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الملك وحدثنا الحسن الزعفراني، قال: ثني محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد: إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال للمتفرسين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: المتوسمين: المتفرسين. قال: توسمت فيك الخير نافلة.
[ 61 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن قيس، عن مجاهد: إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال: المتفرسين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: إن في ذلك لآيات للمتوسمين يقول: للناظرين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك: للمتوسمين قال للناظرين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتدة: إن في ذلك لآيات للمتوسمين: أي للمعتبرين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: للمتوسمين قال: للمعتبرين. حدثني محمد بن عمارة، قال: ثني حسن بن مالك، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): اتقوا فراسة المومن فإنه ينظر بنور الله. ثم قال النبي (ص): إن في ذلك لآيات للمتوسمين. حدثنا أحمد بن محمد الطوسى، قال: ثنا محمد بن كثير مولى بني هاشم، قال: ثنا عمرو بن قيس الملآئي، عن عطية، عن أبي سعيد، عن رسول الله (ص)، بمثله. حدثني أحمد بن محمد الطوسى، قال: ثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا الفرات بن السائب، قال: ثنا ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): اتقوا فراسة المؤمن فإن المؤمن ينظر بنور الله. حدثنا عبد الاعلى بن واصل، قال: ثني سعيد بن محمد الجرمي، قال:
[ 62 ]
ثنا عبد الواحد بن واصل، قال: ثنا أبو بشر المزلق، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال: المتفكرون والمعتبرون الذين يتوسمون الاشياء، ويتفكرون فيها ويعتبرون.. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: للمتوسمين يقول: للناظرين. حدثني أبو شرحبيل الحمصي، قال: ثنا سليمان بن سلمة، قال: ثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبي، قال: ثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي، قال: ثنا وهب بن منبه، عن طاوس بن كيسان، عن ثوبان، قال: قال رسول الله (ص): احذروا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله. القول في تأويل قوله تعالى: (وإنها لبسبيل مقيم ئ إن في ذلك لآية للمؤمنين) يقول تعالى ذكره: وإن هذه المدينة، مدينة سدوم، لبطريق واضح مقيم يراها المجتاز بها لا خفاء بها، ولا يبرح مكانها، فيجهل ذو لب أمرها، وغب معصية الله، والكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، وحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإنها لبسبيل مقيم قال: لبطريق معلم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 63 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وإنها لبسبيل مقيم يقول: بطريق واضح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإنها لبسبيل مقيم قال: طريق السبيل: الطريق. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لبسبيل مقيم يقول: بطريق معلم. وقوله: إن في ذلك لآية للمؤمنين يقول تعالى ذكره: إن في صنيعنا بقوم لوط ما صنعنا بهم، لعلامة ودلالة بينة لمن آمن بالله على انتقامه من أهل الكفر به، وإنقاذه من عذابه، إذا نزل بقوم أهل الايمان به منهم. كما: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، في قوله: إن في ذلك لآية قال: هو كالرجل يقول لاهله: علامة ما بيني وبينكم أن أرسل إليكم خاتمي، أو آية كذا وكذا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن في ذلك لآية قال: أما ترى الرجل يرسل بخاتمه إلى أهله فيقول: هاتوا كذا وكذا، فإذا رأوه علموا أنه حق. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن كان أصحاب الايكة لظالمين ئ فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين) يقول تعالى ذكره: وقد كان أصحاب الغيضة ظالمين، يقول: كانوا بالله كافرين. والايكة: الشجر الملتف المجتمع، كما قال أمية: كبكا الحمام على فرو * ع الايك في الغصن الجوانح
[ 64 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، قال، قوله: أصحاب الايكة قال: الشجر، وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة، وفي الشتاء اليابسة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن كان أصحاب الايكة لظالمين ذكر لنا أنهم كانوا أهل غيضة. وكان عامة شجرهم هذا الدوم. وكان رسولهم فيما بلغنا شعيب (ص)، أرسل إليهم وإلى أهل مدين، أرسل إلى أمتين من الناس، وعذبتا بعذابين شتى. أما أهل مدين، فأخذتهم الصيحة وأما أصحاب الايكة، فكانوا أهل شجر متكاوس ذكر لنا أنه سلط عليهم الحر سبعة أيام، لا يظلهم منه ظل ولا يمنعهم منه شئ، فبعث الله عليهم سحابة، فحلوا تحتها يلتمسون الروح فيها، فجعلها الله عليهم عذابا، بعث عليهم نارا فاضطرمت عليهم فأكلتهم. فذلك عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه عن سعيد بن جبير، قال: أصحاب الايكة: أصحاب غيضة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: وإن كان أصحاب الايكة لظالمين قال: قوم شعيب. قال ابن عباس: الايكة ذات آجام وشجر كانوا فيها. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: أصحاب الايكة قال: هم قوم شعيب، والايكة: الغيضة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث،
[ 65 ]
عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة، أنه قال: إن أصحاب الايكة، والايكة: الشجر الملتف. وقوله: فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين يقول: تعالى ذكره: فانتقمنا من ظلمة أصحاب الايكة. وقوله: وإنهما لبإمام مبين يقول: وإن مدينة أصحاب الايكة و مدينة قوم لوط. والهاء والميم في قوله: وإنهما من ذكر المدينتين. لبإمام يقول: لبطريق يأتمون به في سفرهم ويهتدون به. مبين يقول: يبين لمن ائتم به استقامته. وإنما جعل الطريق إماما لانه يوءم ويتبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وإنهما لبإمام مبين يقول: على الطريق. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين يقول: طريق ظاهر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، وحدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإنهما لبإمام مبين قال: بطريق واضح. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإنهما لبإمام مبين قال: طريق واضح. حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لبإمام مبين بطريق مستبين. القول في تأويل قوله تعالى: (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ئ وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين) يقول تعالى ذكره: ولقد كذب سكان الحجر، وجعلوا لسكناهم فيها ومقامهم بها أصحابها، كما قال تعالى ذكره: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا
[ 66 ]
ما وعدنا ربنا حقا فجعلهم أصحابها لسكناهم فيها ومقامهم بها. والحجر: مدينة ثمود. وكان قتادة يقول في معنى الحجر، ما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة: أصحاب الحجر: قال: أصحاب الوادي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، وهو يذكر الحجر مساكن ثمود قال: قال سالم بن عبد الله: إن عبد الله بن عمر قال: مررنا مع رسول الله (ص) على الحجر، فقال لنا رسول الله (ص): لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها. حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد المكي، قال: ثنا داود بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن سابط، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله (ص) قال وهو بالحجر: هولاء قوم صالح أهلكهم الله إلا رجلا كان في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله قيل: يا رسول الله من هو ؟ قال: أبو رغال. وقوله: وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحا، فكانوا عن آياتنا التي آتيناهم معرضين لا يعتبرون بها ولا يتعظون. القول في تأويل قوله تعالى: (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ئ فأخذتهم الصيحة مصبحين ئ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)
[ 67 ]
يقول تعالى ذكره: وكان أصحاب الحجر، وهم ثمود قوم صالح، ينحتون من الجبال بيوتا آمنين من عذاب الله، وقيل: آمنين من الخراب أن تخرب بيوتهم التي نحتوها من الجبال، وقيل: آمنين من الموت. وقوله: فأخذتهم الصيحة مصبحين يقول: فأخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا من اليوم الرابع من اليوم الذي وعدوا العذاب، وقيل لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. وقوله: فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون يقول: فما دفع عنهم عذاب الله ما كانوا يجترحون من الاعمال الخبيثة قبل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ئ إن ربك هو الخلاق العليم) يقول تعالى ذكره: وما خلقنا الخلائق كلها، سماءها وأرضها، ما فيهما وما بينهما يعني بقوله: وما بينهما مما في أطباق ذلك. إلا بالحق يقول: إلا بالعدل والانصاف، لا بالظلم والجور. وإنما يعني تعالى ذكره بذلك أنه لم يظلم أحدا من الامم التي اقتص قصصها في هذه السورة وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به، فيعذبه ويهلكه بغير استحقاق لانه لم يخلق السموات والارض وما بينهما بالظلم والجور، ولكنه خالق ذلك بالحق والعدل. وقوله: وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإن الساعة، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية، فارض بها لمشركي قومك الذين كذبوك وردوا عليك ما جئتهم به من الحق. فاصفح الصفح الجميل يقول: فأعرض عنهم إعراضا جميلا، واعف عنهم عفوا حسنا. وقوله: إن ربك هو الخلاق العليم يقول تعالى ذكره: إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كل شئ، وهو عالم بهم وبتدبيرهم وما يأتون من الافعال. وكان جماعة من أهل التأويل تقول: هذه الآية منسوخة. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاصفح الصفح الجميل ثم نسخ ذلك بعد، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، لا يقبل منهم غيره. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: فاصفح الصفح الجميل فاصفح عنهم، وقل سلام،
[ 68 ]
فسوف يعلمون وأعرض عن المشركين وقل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله وهذا النحو كله في القرآن أمر الله به نبيه (ص) أن يكون ذلك منه، حتى أمره بالقتال، فنسخ ذلك كله فقال: خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد: فاصفح الصفح الجميل قال: هذا قبل القتال. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن عيينة، في قوله: فاصفح الصفح الجميل. وقوله: وأعرض عن المشركين قال: كان هذا قبل أن ينزل الجهاد، فلما أمر بالجهاد قاتلهم فقال: أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة، وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة. القول في تأويل قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) اختلف أهل التأويل في معنى السبع الذي أتى الله نبيه (ص) من المثاني فقال بعضهم عني بالسبع: السبع السور من أول القرآن اللواتي يعرفن بالطول. وقائلو هذه المقالة مختلفون في المثاني، فكان بعضهم يقول: المثاني هذه السبع، وإنما سمين بذلك لانهن ثني فيهن الامثال والخبر والعبر. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود في قوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: السبع الطول. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سعيد الجريري، عن رجل، عن ابن عمر قال: السبع الطول.
[ 69 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: السبع الطول. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هن السبع الطول، ولم يعطهن أحد إلا النبي (ص)، وأعطي موسى منهن اثنتين. حدثنا ابن وكيع، وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن الاعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أوتي النبي (ص) سبعا من المثاني الطول، وأوتي موسى ستا، فلما ألقى الالواح رفعت اثنتان وبقيت أربع. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عبد الله بن جعفر، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: سبعا من المثاني قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف. قال إسرائيل: وذكر السابعة فنسيتها. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: هي الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، ويونس. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم قال: البقرة، وآل عمران، والنساء والمائدة والانعام، والاعراف، ويونس، فيهن الفرائض والحدود.
[ 70 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، بنحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن خوات، عن سعيد بن جبير، قال: السبع الطول. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا عن سعيد بن جبير، قال: هن السبع الطول. قال: وقال مجاهد: هن السبع الطول. قال: ويقال: هن القرآن العظيم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا سعيد، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: سبعا من المثاني قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، ويونس، تثنى فيها الاحكام والفرائض. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: هن السبع الطول. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: سبعا من المثاني قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، يونس. قال: قلت: ما المثاني ؟ قال: يثنى فيهن القضاء والقصص. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، ويونس. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: السبع الطول. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد القرشي، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
[ 71 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: هي السبع الطول. حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله، قال: ثنا عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: هي السبع الطول. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم قال: من القرآن السبع الطول السبع الاول. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا وكيع، قال: ثنا محمد بن، عن معمر، عن بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: السبع الطوال. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير، عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هي الامثال والخبر والعبر (1). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن اسماعيل، عن خوات، عن سعيد بن جبير، قال: هي السبع الطوال، أعطي موسى ستا، وأعطي محمد (ص) سبعا. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (سبعا من المثاني) يعني السبع الطوال. وقال آخرون: عني بذلك: سبع آيات فاتحة الكتاب، لانهن سبع
[ 72 ]
إيات. وهم أيضا مختلفون في معنى المثاني، فقال بعضهم: إنما سمين مثاني لانهن يثنين في كل ركعة من الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت إلى عمر حاجة في خلافته، فقدمت، المدينة ليلا، فمثلت بين أن أتخذ منزلا وبين المسجد، فاخترت المسجد منزلا. فأرقت نشوا من آخر الليل، فإذا إلى جنبي رجل يقرأ بأم الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلم أعرفه حتى جهر، فإذا هو عمر، فكانت في نفسي، فغدوت عليه فقلت: يا أمير المؤمنين حاجة مع حاجة ! قال: هات حاجتك ! قلت: إني قدمت ليلا فمثلت بين أن أتخذ منزلا وبين المسجد، فاخترت المسجد، فأرقت نشوا من آخر الليل، فإذا إلى جنبي رجل يقرأ بأم الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلم أعرفه حتى جهر، فإذا هو أنت، وليس كذلك نفعل قبلنا. قال: وكيف تفعلون ؟ قال: يقرأ أحدنا أم الكتاب، ثم يفتتح السورة فيقرؤها. قال: مالهم يعلمون ولا يعلمون ؟ مالهم يعلمون ولا يعلمون ؟ مالهم يعلمون ولا يعلمون ؟ وما تبغي عن السبع المثاني وعن التسبيح صلاة الخلق !. حدثني طليق بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا يزيد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر أو جويبر، عن عمر بنحوه، إلا أنه قال: فقال يقرأ القرآن ما تيسر أحيانا، ويسبح أحيانا، مالهم رغبة عن فاتحة الكتاب، وما يبتغي بعد المثاني وصلاة الخلق التسبيح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن خير، عن علي، قال: السبع المثاني: فاتحة الكتاب. حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حفص بن عمر، عن الحسن بن صالح وسفيان، عن السدي، عن عبد خير عن علي مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعا، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، مثله
[ 73 ]
حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ادريس، قال: ثنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سئل ابن مسعود عن سبع من المثاني، قال: فاتحة الكتاب. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب. قال: وقال ابن سيرين عن ابن مسعود: هي فاتحة الكتاب. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود: (سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب. حدثني سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في قول الله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: هي فاتحة الكتاب. فقرأها علي ستا، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الاية السابعة. قال سعيد: وقرأها ابن عباس علي كما قرأها عليك، ثم قال الاية السابعة: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال ابن عباس: قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، أن أباه حدثه، عن سعيد بن جبير، قال: لي ابن عباس: فاستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم ! ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال: تدري ما هذا ؟ (ولقد آتيناك سبعا من المثاني). حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) يقول: السبع: الحمد لله رب العالمين، والقرآن العظيم. ويقال هن السبع الطوال، وهن المئون. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: فاتحة الكتاب. حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر وعن أبي فاختة في هذه الآية: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قالا: هي أم الكتاب. حدثني المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السدي عمن سمع عليا يقول: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني.
[ 74 ]
حدثنا أبو المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن، يحدث عن أبيه، عن أبي بن كعب، أنه قال: السبع المثاني: الحمد لله رب العالمين. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، في قول الله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب سبع آيات. قلت للربيع: إنهم يقولون: السبع الطوال. فقال لقد أنزلت هذه وما أنزل من الطول شئ. حدثنا القاسم، قال: الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: فاتحة الكتاب. قال: وإنما سميت المثاني لأنه يثنى بها كلما قرأ القرآن قرأها. فقيل لأبي العالية: إن الضحاك بن مزاحم يقول: هي السبع الطول. فقال: لقد نزلت هذه السورة سبعا من المثاني وما أنزل شئ من الطول. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: فاتحة الكتاب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي جميعا، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، قال: فاتحة الكتاب. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعا، عن هارون بن إبراهيم البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: السبع المثاني: فاتحة الكتاب. حدثنا أبو كريب، قال: ابن يمان، عن ابن جريج، عن أبي مليكة: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب. قال: وذكر فاتحة الكتاب. لنبيكم (ص). لم تذكر لنبي قبله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن شهر بن حوشب، في قوله: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب.
[ 75 ]
حدثني محمد بن أبي خداش، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي في قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: هي الحمد لله رب العالمين. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع، فقرأها: الحمد لله رب العالمين، حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: فاتحة الكتاب. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، قال: فاتحة الكتاب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) ذكر لنا أنهن فاتحة الكتاب، وأنهن يثنين في كل قراءة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة و تطوع. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حماد بن زيد وحجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبي عن سعيد بن جبير، أنه أخبره أنه سأل ابن عباس عن السبع المثاني، فقال: أم القرآن. قال سعيد: ثم قرأها، وقرأ منها (بسم الله الرحمن الرحيم). قال أبي: قرأها سعيد كما قرأها ابن عباس، وقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم. قال سعيد: قلت لابن عباس: فما المثاني ؟ قال: هي أم القرآن، استثناها الله لمحمد (ص)، فرفعها في أم الكتاب، فذخرها لهم حتى أخرجها لهم، ولم يعطها لأحد قبله. قال: قلت لأبي: أخبرك سعيد أن ابن عباس قال له: (بسمالله الرحمن الرحيم) آية من القرآن ؟ قال: نعم. قال ابن جريج: قال عطاء: فاتحة الكتاب، وهي سبع ببسم الله الرحمن الرحيم، والمثاني: القرآن. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، أنه قال: السبع المثاني: أم القرآن.
[ 76 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله العتكي، عن خالد الحنفي قاضي مرو في قوله: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال: فاتحة الكتاب. وقال آخرون: عني بالسبع المثاني معاني القرآن. ذكر من قال ذلك: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد الشهيدي، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد بن أبي مريم، في قوله (سبعا من المثاني) قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مر، وانه، وبشر، وانذر، واضرب الأمثال، واعدد النعم، وآتيتك نبأ القرآن. وقال آخرون من الذين قالوا عني بالسبع المثاني فاتحة الكتاب: المثاني هو القرآن العظيم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك، قال: القرآن كله مثاني. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حصين، عن أبي مالك، قال: القرآن كله مثاني. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبيد أبو زيد، عن حصين، عن أبي مالك، قال: القرآن مثاني. وعد البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، وبراءة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن جريج، عن مجاهد، وعن ابن طاوس، عن أبيه، قال: القرآن كله يثنى. حدثني محمد بن سعد، قال: قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: المثاني: ما ثنى من القرآن، ألم تسمع لقول الله تعالى ذكره: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) (1) ؟. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: المثاني: القرآن، يذكر الله القصة الواحدة مرارا، وهو قوله: (نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني).
[ 77 ]
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بالسبع المثاني السبع اللواتي هن آيات أم الكتاب، لصحة الخبر بذلك عن رسول الله (ص) الذي: حدثنيه يزيد بن مخلد بن خداش الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): (أم القرآن السبع المثاني التي أعطيتها) (1). حدثني أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال لأبي: (إني أحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها). قال: نعم يارسول الله، قال: (إني لأرجو أن لا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها). ثم أخذ رسول الله (ص) بيدي يحدثني، فجعلت أتباطأ مخافة أن يبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث، فلما دنوت قلت: يارسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال: (ما تقرأ في الصلاة ؟) فقرأت عليه أم القرآن، فقال: (والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته) (2). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا بن حباب العكلي، قال: ثنا مالك بن أنيس، قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى لعروة، عن أبي سعيد مولى عامر بن فلان (3)، أابن فلان، عن أبي بن كعب، أن رسول الله (ص) قال له: (إذا افتتحت الصلاة بم تفتتح ؟) قال: الحمد لله رب العالمين، حتى ختمها. فقال رسول الله (ص): (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت) (4).
[ 78 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي، قال: قال رسول الله (ص): (ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟) قلت: بلى. قال: (إني لأرجو أن لا تخرج من ذلك الباب حتى تعلمها). فقام رسول الله (ص) وقمت معه، فجعل يحدثني ويده في يدي، فجعلت أتباطأ كراهية أن يخرج قبل أن يخبرني بها، فلما قرب من الباب قلت: يا رسول الله السورة التي وعدتني ! قال: (كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟) قال: فقرأت فاتحة الكتاب. قال: (هي هي، وهي السع المثاني التي قال الله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) الذي أوتيت) (1). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن إبراهيم بن الفضل المدني، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) قال: (الركعتان اللتان لايقرأ فيهما كالخداج لم يتما). قال رجل: أرأيت إن لم يكن معي إلا أم القرآن ؟ قال: (هي حسبك هي أم القرآن، هي السبع المثاني) (2). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير، عن إبراهيم ابن الفضل، عن المقبري، عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) قال: (الركعة التي لايقرأ فيها كالخداج) قلت لأبي هريرة: فإن لم يكن معي إلا أم القرآن ؟ قال: هي حسبك، هي أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني (3). حدثني أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخلد، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): (والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولافي الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها) يعني أم القرآن (وأنها لهي السبع المثاني التي آتاني الله تعالى) (4). حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص)، قال: (هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني) (4).
[ 79 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون وشبابة، قالا: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) في فاتحة الكتاب قال: (هي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم) (1). حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: ثنا العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: مر رسول الله (ص) على أبي بن كعب فقال: (أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟) قلت: نعم يارسول الله، قال: (فكيف تقرأ في الصلاة ؟) فقرأت عليه أم الكتاب، فقال رسول الله (ص): (والذي نفسي بيده ما أنزلت سورة في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم) (2). حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا سعيد بن حبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، أن النبي (ص) دعاه وهو يصلي، فصلى، ثم أتاه فقال: (ما منعك أن تجيبني ؟) قال: إني كنت أصلي، قال: (ألم يقل الله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (3) ؟) قال: ثم قال رسول الله (ص): (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن !) فكأنه بينها أو نسي. فقلت: يارسول الله الذي قلت ؟ قال (الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) (4). فإذا كان الصحيح من التأويل في ذلك ما قلنا للذي به استشهدنا، فالواجب أن تكون المثاني مرادا بها القرآن كله، فيكون معنى الكلام: ولقد آتيناك سبع آيات مما يثني بعض آيه بعضا. وإذا كان كذلك كانت المثاني: جمع مثناة، وتكون آي القرآن موصوفة بذلك، لأن بعضها يثني بعضا وبعضها يتلو بعضا بفصول تفصل بينها، فيعرف انقضاء الآية وابتداء التي تليها كما وصفها به تعالى ذكره فقال: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني
[ 80 ]
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) (1). وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عباس والضحاك ومن قال ذلك إن القرآن إنما قيل له مثاني لأن القصص والأخبار كررت فيه مرة بعد أخرى. وقد ذكرنا قول الحسن البصري أنها إنما سميت مثاني لأنها تثنى في كل قراءة، وقول ابن عباس إنها إنما سميت مثاني، لأن الله تعالى ذكره استثناها لمحمد (ص) دون سائر الأنبياء غيره فادخرها له. وكان بعض أهل العربية يزعم أنها سميت مثاني لأن فيها الرحمن الرحيم مرتين، وأنها تثنى في كل سورة، يعني: بسم الله الرحمن الرحيم. وأما القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، فهو أحد أقوال ابن عباس، وهو قول طاوس ومجاهد وأبي مالك، وقد ذكرنا ذلك قبل. وأما قوله: (والقرآن العظيم) فإن القرآن معطوف على السبع، بمعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (والقرآن العظيم) قال: سائره: يعني سائر القرآن مع السبع من المثاني. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (والقرآن العطيم) يعني: الكتاب كله. القول في تأويل قوله تعالى: (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا تتمنين يا محمد ما جعلنا من زينة هذه الدنيا متاعا للاغنياء من قومك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، يتمتعون فيها، فإن من ورائهم عذابا غليظا. ولا تحزن عليهم يقول: ولا تحزن على ما متعوا به فعجل لهم، فإن لك في الآخرة ما هو خير منه، مع الذي قد عجلنا لك في الدنيا من الكرامة بإعطائنا السبع المثاني والقرآن العظيم يقال منه: مد فلان عينه إلى مال فلان: إذا اشتهاه وتمناه وأراده.
[ 81 ]
وذكر عن ابن عيينة أنه كان يتأول هذه الآية قول النبي (ص): ليس منا من لم يتغن بالقرآن: أي من لم يستغن به، ويقول: ألا تراه يقول: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ؟ فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال. قال: ومنه قول الآخر: من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيرا وصغر عظيما. وبنحو الذي قلنا في قوله: أزواجا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم: الاغنياء، الامثال، الاشباه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم قال: نهي الرجل أن يتمنى مال صاحبه. وقوله: واخفض جناحك للمؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وألن لمن آمن بك واتبعك واتبع كلامك، وقربهم منك، ولا تجف بهم، ولا تغلظ عليهم. يأمره تعالى ذكره بالرفق بالمؤمنين. والجناحان من بني آدم: جنباه، والجناحان: الناحيتان، ومنه قول الله تعالى ذكره: واضمم يدك إلى جناحك قيل: معناه: إلى ناحيتك وجنبك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 82 ]
(وقل إني أنا النذير المبين ئ كمآ أنزلنا على المقتسمين ئ الذين جعلوا القرآن عضين) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وقل يا محمد للمشركين إني أنا النذير الذي قد أبان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من الله على تماديكم في غيكم كما أنزلنا على المقتسمين يقول: مثل الذي أنزل الله تعالى من البلاء والعقاب على الذين اقتسموا القرآن، فجعلوه عضين. ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: المقتسمين، فقال بعضهم: عني به. اليهود والنصارى، وقال: كان اقتسامهم أنهم اقتسموا القرآن وعضوه، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. ذكر من قال ذلك: حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، في قوله الله: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين قال: هم اليهود والنصارى، آمنوا ببعض وكفروا ببعض. حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين قال: هم أهل الكتاب، جزءوه فجعلوه أعضاء أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، في قوله: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين قال: الذين آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.
[ 83 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: المقتسمين أهل الكتاب. الذين جعلوا القرآن عضين قال: يؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض. حدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في قوله: كما أنزلنا على المقتسمين قال: هم أهل الكتاب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين قال: هم أهل الكتاب، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: الذين جعلوا القرآن عضين قال: هم أهل الكتاب جزءوه فجعلوه أعضاء، فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جزءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، قال: هم أهل الكتاب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كما أنزلنا على المقتسمين قال: هم اليهود والنصارى من أهل الكتاب، قسموا الكتاب فجعلوه أعضاء، يقول: أحزابا، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: المقتسمين آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، وفرقوا الكتاب. وقال آخرون: المقتسمين أهل الكتاب، ولكنهم سموا المقتسمين، لان بعضهم قال استهزاء بالقرآن: هذه السورة لي، وقال بعضهم: هذه لي. ذكر من قال ذلك:
[ 84 ]
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: الذين جعلوا القرآن عضين قال: كانوا يستهزءون، يقول هذا: لي سورة البقرة، ويقول هذا: لي سورة آل عمران. وقال آخرون: هم أهل الكتاب، ولكنهم قيل لهم: المقتسمون لاقتسامهم كتبهم وتفريقهم ذلك بإيمان بعضهم ببعضها وكفره ببعض، وكفر آخرين بما آمن به غيرهم وإيمانهم بما كفر به الآخرون. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين قال: هم اليهود والنصارى، قسموا كتابهم ففرقوه وجعلوه أعضاء. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كما أنزلنا على المقتسمين قال: أهل الكتاب فرقوه وبدلوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: كما أنزلنا على المقتسمين قال: أهل الكتاب. وقال آخرون: عني بذلك رهط من كفار قريش بأعيانهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين رهط خمسة من قريش، عضهوا كتاب الله. وقال آخرون: عني بذلك رهط من قوم صالح الذين تقاسموا على تبييت صالح وأهله. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كما أنزلنا على المقتسمين قال: الذين تقاسموا بصالح. وقرأ قول الله تعالى: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون قال: تقاسموا بالله حتى بلغ الآية.
[ 85 ]
وقال بعضهم: هم قوم اقتسموا طرق مكة أيام قدوم الحاج عليهم، كان أهلها بعثوهم في عقابها، وتقدموا إلى بعضهم أن يشيع في الناحية التي توجه إليها لمن سأله عن نبي الله (ص) من القادمين عليهم، أن يقول: هو مجنون، وإلى آخر: إنه شاعر، وإلى بعضهم: إنه ساحر. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أمر نبيه (ص) أن يعلم قومه الذين عضوا القرآن ففرقوه، أنه نذير لهم من سخط الله تعالى وعقوبته أن يحل بهم على كفرهم ربهم وتكذيبهم نبيهم ما حل بالمقتسمين من قبلهم ومنهم. وجائز أن يكون عني بالمقتسمين: أهل الكتابين التوراة والانجيل، لانهم اقتسموا كتاب الله، فأقرت اليهود ببعض التوراة وكذبت ببعضها وكذبت بالانجيل والفرقان، وأقرت النصارى ببعض الانجيل وكذبت ببعضه وبالفرقان. وجائز أن يكون عني بذلك: المشركون من قريش، لانهم اقتسموا القرآن، فسماه بعضهم شعرا وبعض كهانة وبعض أساطير الاولين. وجائز أن يكون عني به الفريقان. وممكن أن يكون عني به المقتسمون على صالح من قومه. فإذ لم يكن في التنزيل دلالة على أنه عني به أحد الفرق الثلاثة دون الآخرين، ولا في خبر عن الرسول (ص)، ولا في فطرة عقل، وكان ظاهر الآية محتملا ما وصفت، وجب أن يكون مقتضيا بأن كل من اقتسم كتابا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض، واقتسم على معصية الله ممن حل به عاجل نقمة الله في الدار الدنيا قبل نزول هذه الآية، فداخل في ذلك لانهم لاشكالهم من أهل الكفر بالله كانوا عبرة وللمتعظين بهم منهم عظة. واختلفت أهل التأويل في معنى قوله: الذين جعلوا القرآن عضين فقال بعضهم: معناه: الذين جعلوا القرآن فرقا مفترقة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الذين جعلوا القرآن عضين قال: فرقا. حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جزءوه فجعلوه أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
[ 86 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جزءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور (1). حدثنا إحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا طلحة، عن عطاء: (الذين جعلوا القرآن عضين) قال: المشركون من قريش، عضوا القرآن فجعلوه أجزاء، فقال بعضهم: ساحر وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: مجنون، فذلك العضون. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: (جعلوا القرآن عضين): جعلوا كتابهم أعضاء كأعضاء الجزور، وذلك أنهم تقطعوه زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون، وهو قوله: (فرقوا دينهم وكانوا شيعا) (2). حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (الذين جعلوا القرآن عضين) عضوا كتاب الله، زعم بعضهم أنه سحر، وزعم بعضهم أنه شعر، وزعم بعضهم أنه كاهن - قال أبو جعفر: هكذا قال كاهن، وإنما هو كهانة - وزعم بعضهم أنه أساطير الاولين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس: (الذين جعلوا القرآن) قال: آمنوا ببعض، وكفروا ببعض. حدثني يونس، قال أخبرني ابن وهب، قال: قال يزيد، في قوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) قال: جعلوه أعضاء كما تعضى الشاة. قال بعضهم: كهانة، وقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم (أساطير الاولين اكتتبها (3)... الاية. جعلوه أعضاء كما تعضى الشاة. فوجه قائلو هذه المقالة قوله: (عضين) إلى أن واحدهما: عضو، وأن عضين جمعه، وأنه مأخوذ من قولهم عضيت الشئ تعضية: إذا فرقته، كما قال رؤبة:
[ 87 ]
وليس دين الله بالمعضى يعني بالمفرق. وكما قال الآخر: وعضى بني عوف فأما عدوهم * فأرضي وأما العز منهم فغيرا (2) يعني بقوله: (وعضى): سباهم، وقطعاهم بألسنتهما (3). وقال آخرون: بل هي جمع عضة، جمعت عضين، كما جمعت عضين، كما جمعت البرة برين، والعزة، عزين. فإذا وجه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام عضهة، ذهبت هاؤها الاصلية، كما نقصوا الهاء من الشفة: وأصلها شفهة، ومن الشاة وأصلها شاهة. يدل على أن ذلك الاصل تصغيرهم الشفة: شفيهة، والشاة: شويهة، فيردون الهاء التي تسقط في غير حال التصغير إليها في حال التصغير، يقال منه: عضهت الرجل أعضهه عضها: إذا بهته وقذفته ببهتان. وكأن تأويل من تأول ذلك كذلك: الذين عضهوا القرآن، فقالوا: هو سحر، أو هو شعر، نحو القول الذي ذكرناه عن قتادة. وقد قال جماعة من أهل التأويل: إنه إنما عنى بالعضه في هذا الموضع، نسبتهم إياه إلى أنه سحر خاصة دون غيره من معاني الذم، كما قال الشاعر: للماء من عضاتهن زمزمه (4)
[ 88 ]
يعني: من سحرهن. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: أبو أحمد، قال: ثنا ابن عيينه، عن عمرو، عن عكرمة: (الذين جعلوا القرآن عضين) قال: سحرا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (عضين) قال عضهوه وبهتوه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: كان عكرمة يقول: العضة: السحر بلسان قريش، تقول للساحرة: إنها العاضهة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال ثنا: الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (جعلوا القرآن عضين) قال: سحرا أعضاء الكتب كلها وقريش، فرقوا القرآن قالوا: هو سحر. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر نبيه (ص) أن يعلم قوما عضهوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بعضههم إياه مثل ما أنزل بالمقتسمين، وكان عضههم إياه: قذفهموه بالباطل، وقيلهم إنه شعر وسحر، وما أشبه ذلك. وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده، وذلك قوله: (إنا كفيناك المستهزئين) (1) على صحة ما قلنا، وإنه إنما عني بقوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) مشركي قومه. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لم يكن في مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، بل إنما كان قومه في أمره على احد معنيين: إما مؤمن بجميعه، وإما كافر بجميعه. وإذ كان ذلك كذلك، فالصحيح من القول في معنى قوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) قول الذين زعموا أنهم عضهوه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو كهانة، وما أشبه ذلك من القول، أو
[ 89 ]
عضهوه ففرقوه، بنحو ذلك من القول. وإذا كان ذلك معناه احتمل قوله (عضين)، أن يكون جمع: عضة، واحتمل أن يكون جمع عضو، لان معنى التعضية: التفريق، كما تعضى الجزور والشاة، فتفرق أعضاء. والعضة: البهت ورميه بالباطل من القول، فهما متقاربان في المعنى. القول في تأويل قوله تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين ئ عما كانوا يعملون ئ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فوربك يا محمد لنسألن هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، فيما أمرناهم به وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم وفيما دعوناهم إليه من الاقرار به ومن توحيدي والبراءة من الانداد والاوثان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن بشير، عن أنس، في قوله: فوربك لنسئلنهم أجمعين قال: عن شهادة أن لا إله إلا الله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن بشير بن نهيك، عن أنس، عن النبي (ص): فوربك لنسئلنهم أجمعين قال: عن لا إله إلا الله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن بشير، عن أنس، عن النبي (ص) نحوه.
[ 90 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال: عن لا إله إلا الله. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن هلال، عن عبد الله بن عكيم، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما منكم أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: ابن آدم ماذا غرك مني بي ابن آدم ؟ ماذا عملت فيما علمت ابن آدم ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون، وعما أجابوا المرسلين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا الحسين الجعفي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي عن ابن عمر: لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال: عن لا إله إلا الله. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون. ثم قال: فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا ؟ لانه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا ؟ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل الله تعالى ذكره: فاصدع بما تؤمر فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه (ص) بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه. ويعني بقوله: فاصدع بما تؤمر: فأمض وافرق، كما قال أبو ذؤيب:
[ 91 ]
وكأنهن ربابة وكأنه * يسر يفيض على القداح ويصدع يعني بقوله: يصدع يفرق بالقداح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فاصدع بما تؤمر يقول: فامضه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فاصدع بما تؤمر يقول: افعل ما تؤمر. حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فاصدع بما تؤمر قال: بالقرآن. حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: فاصدع بما تؤمر قال: هو القرآن. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فاصدع بما تؤمر قال: بالقرآن. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فاصدع بما تؤمر قال: الجهر بالقرآن في الصلاة. حدثنا أحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: فاصدع بما تؤمر قال: بالقرآن في الصلاة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فاصدع بما تؤمر قال: اجهر بالقرآن في الصلاة.
[ 92 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: ما زال النبي (ص) مستخفيا حتى نزلت: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فخرج هو وأصحابه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاصدع بما تؤمر قال: بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه. وقال تعالى ذكره: فاصدع بما تؤمر ولم يقل: بما تؤمر به، والامر يقتضي الباء لان معنى الكلام: فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي وأذنا لك في إظهاره. ومعنى ما التي في قوله بما تؤمر معنى المصدر، كما قال تعالى ذكره يا أبت افعل ما تؤمر معناه: افعل الامر الذي تؤمر به. وكان بعض نحويي أهل الكوفة يقول في ذلك: حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله: فاصدع بما تؤمر على لغة الذين يقولون: أمرتك أمرا. وكان يقول: للعرب في ذلك لغتان: إحداهما أمرتك أمرا، والاخرى أمرتك بأمر، فكان يقول: إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء. واستشهد لقولك ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلب: أمرتك أمرا جازما فعصيتني * فأصبحت مسلوب الامارة نادما فقال: أمرتك أمرا، ولم يقل: أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالى ذكره: ألا إن عادا كفروا ربهم. ولم يقل: بربهم، وكما قالوا: مددت الزمام، ومددت بالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام. وأما قوله: وأعرض عن المشركين ويقول تعالى ذكره لنبيه (ص): بلغ قومك
[ 93 ]
ما أرسلت به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قيل أن يفرض عليه جهادهم، ثم نسخ ذلك بقوله: فاقتلو المشركين حيث وجدتموهم، كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأعرض عن المشركين وهو من المنسوخ. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: اخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: وأعرض عن المشركين قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه (ص) أن يكون ذلك منه، ثم أمره بالقتال، فنسخ ذلك كله، فقال: خذوهم واقتلوهم... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين ئ الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعملون) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئا سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين. وكان رؤساء المستهزئين قوما من قريش معروفين. ذكر أسمائهم: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد،، قال: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومه،
[ 94 ]
وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزي بن قصي: الاسود بن المطلب أبو زمعة، وكان رسول الله (ص) فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: اللهم أعم بصره، وأثكله ولده. ومن بني زهرة: الاسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة. ومن بني مخزوم: الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم. ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم. ومن خزاعة: الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله (ص) الاستهزاء، أنزل الله تعالى ذكره: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين... إلى قوله: فسوف يعلمون. قال محمد بن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء: أن جبرئيل أتى رسول الله (ص) وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله (ص) إلى جنبه، فمر به الاسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء، فعمي. ومر به الاسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه حبنا. ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجر سبله، يعني إزاره وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشئ، فانتقض به فقتله. ومر به العاص بن وائل السهمي، فأشار إلى أخمص رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف فوقص على شبرقة، فدخل في أخمص رجله منها شوكة، فقتلته قال أبو جعفر: الشبرقة: المعروف بالحسك، منه حبنا، والحبن: الماء الاصفر ومر به الحارث بن
[ 95 ]
الطلاطلة، فأشار إلى رأسه، فامتخط قيحا فقتله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد القرشي، عن رجل، عن ابن عباس، قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة، وهو الذي جمعهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، في قوله: إنا كفيناك المستهزئين قال: كان المستهزؤون: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة والاسود بن عبد يغوث، والحارث بن عيطلة. فأتاه جبرئيل، فأومأ بأصبعه إلى رأس الوليد، فقال: ما صنعت شيئا، قال: كفيت. وأومأ بيده إلى أخمص العاص، فقال النبي (ص): ما صنعت شيئا. فقال: كفيت. وأومأ بيده إلى عين أبي زمعة، فقال النبي (ص): ما صنعت شيئا، قال: كفيت. وأومأ بأصبعه إلى رأس الاسود، فقال النبي (ص): دع لي خالي فقال: كفيت. وأومأ بأصبعه إلى بطن الحارث، فقال النبي (ص): ما صنعت شيئا فقال كفيت. قال: فمر الوليد على قين لخزاعة وهو يجر ثيابه، فتعلقت بثوبه بروة أو شررة، وبين يديه نساء، فجعل يستحي أن يطأ من ينتزعها، وجعلت تضرب ساقه فخدشته، فلم يزل مريضا حتى مات. وركب العاص بن وائل بغلة له بيضاء إلى حاجة له بأسفل مكة، فذهب ينزل، فوضع أخمص قدمه على شبرقة فحكت رجله، فلم يزل يحكها حتى مات. وعمي أبو زمعة وأخذت الاكلة في رأس الاسود وأخذ الحارث الماء في بطنه. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: إنا كفيناك المستهزئين قال: هم خمسة رهط من قريش: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة، والحارث بن عيطلة، والاسود بن قيس.
[ 96 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: إنا كفيناك المستهزئين قال: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والاسود بن عبد يغوث، والاسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، في قوله: إنا كفيناك المستهزئين قال: هم خمسة كلهم هلك قبل بدر: العاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، وأبو زمعة بن عبد الاسود، والحارث بن قيس، والاسود بن عبد يغوث. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة عن عمرو، عن عكرمة: إنا كفيناك المستهزئين قال: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والاسود بن عبد يغوث، والحارث بن عيطلة. حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي بكر الهذلي، قال: قلت للزهري: إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: هو الحارث بن عيطلة، وقال عكرمة: هو الحارث بن قيس ؟ فقال: صدقا، كانت أمه تسمى عيطلة وأبوه قيس. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن الشعبي، قال: المستهزئين سبعة. وسمى منهم أربعة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر: إنا كفيناك المستهزئين قال: كانوا من قريش خمسة نفر: العاص بن وائل السهمي، كفي بصداع أخذه في رأسه، فسال دماغه حتى كان يتكلم من أنفه. والوليد بن المغيرة المخزومي، كفي برجل من خزاعة أصلح سهما له، فندرت منه شظية، فوطئ عليها فمات. وهبار بن الاسود، وعبد يغوث بن وهب، والحارث بن عيطلة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر: إنا كفيناك المستهزئين قال: كلهم من قريش: العاص بن وائل، فكفي بأنه أصابه صداع في رأسه، فسال دماغه حتى لا يتكلم إلا من تحت أنفه. والحارث بن عيطلة بصفر في بطنه وابن الاسود فكفي بالجدري والوليد بأن رجلا ذهب ليصلح سهما له، فوقعت شظية فوطئ عليها وعبد يغوث فكفي بالعمي، ذهب بصره.
[ 97 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، وعن مقسم: إنا كفيناك المستهزئين قال هم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والاسود بن عبد يغوث، والاسود بن المطلب، مروا رجلا رجلا على النبي (ص) ومعه جبرئيل، فإذا مر به رجل منهم قال جبرئيل: كيف تجد هذا ؟ فيقول: بئس عدو الله فيقول جبرئيل: كفاكه. فأما الوليد بن المغيرة فتردى، فتعلق سهم بردائه، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما الاسود بن عبد يغوث، فأتي بغصن فيه شوك، فضرب به وجهه، فسالت حدقتاه على وجهه، فكان يقول: دعوت على محمد دعوة، ودعا علي دعوة، فاستجيب لي، واستجيب له دعا علي أن أعمى فعميت، ودعوت عليه أن يكون وحيدا فريدا في أهل يثرب فكان كذلك. و أما العاص بن وائل، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك. وأما الاسود بن المطلب وعدي بن قيس، فإن أحدهما قام من الليل وهو ظمآن، فشرب ماء من جرة، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات، وأما الآخر فلدغته حية فمات. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر. عن قتادة وعثمان، عن مقسم مولى ابن عباس، في قوله (إنا كفيناك المستهزئين) ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الاعلى، عن ابن ثور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين هم رهط خمسة من قريش عضهوا القرآن، زعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه شعر وزعم بعضهم أنه أساطير الاولين. أما أحدهم: فالأسود بن عبد يغوث، أتى على نبي الله (ص) وهو عند البيت، فقال له الملك: كيف تجد هذا ؟ قال: (بئس عبد الله على أنه خالي !) قال: كفيناك. ثم أتى عليه الوليد بن المغيرة، فقال له الملك: كيف تجد هذا ؟ قال: (بئس عبد الله !) قال: كفيناك. ثم أتى عليه عدي بن قيس أخو بني سهم، فقال الملك: كيف تجد هذا ؟ قال: (بئس عبد الله !) قال: كفيناك. ثم أتى عليه الأسود بن المطلب، فقال له الملك: كيف تجد هذا ؟ قال: (بئس عبد الله !) قال: كفيناك. ثم أتى عليه العاص بن وائل، فقال له الملك: كيف تجد هذا ؟ قال: (بئس عبد الله !) قال: كفيناك. فأما الأسود بن عبد يغوث، فأتي بغصن من شوك فضرب به وجهه حتى سالت حدقتاه عل وجهه، فكان بعد ذلك يقول: دعا علي محمد بدعوة ودعوت عليه بأخرى، فاستجاب الله في واستجاب الله لي فيه، دعا علي أن أثكل وأن أعمى، فكان كذلك، ودعوت عليه أن يصير شريدا طريدا، فطردناه مع يهود يثرب وسراق الحجيج
[ 98 ]
وكان كذلك. وأما الوليد بن المغيرة، فذهب يرتدي، فتعلق بردائه سهم غرب (1)، فأصاب أكحله أو أبجله، فأتي في كل ذلك، فمات وأما العاص بن وائل، فوطئ على شوكة، فأتي في ذلك، جعل يتساقط لحمه عضوا عضوا فمات في ذلك وهو كذلك. وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس، فلا أدري ما أصابهما. ذكر لنا أن نبي الله (ص) يوم بدر، نهى أصحابه عن قتل أبي البختري، وقال: (خذوه أخذا، فإنه قد كان له بلاء !) فقال له أصحاب النبي (ص) يا أبا البختري إنا قد نهينا عن قتلك فهلم إلى الأمنة والأمان ! فقال أبو البختري: وابن أخي معي ؟ فقالوا لم نؤمر إلا بك. فراودوه ثلاث مرات، فأبى إلا وابن أخيه معه، قال: فأغلظ للنبي (ص) الكلام، فحمل عليه رجل من القوم فطعنه فقتله، فجاء قاتله وكأنما على ظهره جبل أوثقه مخافة أن يلومه النبي (ص)، فلما أخبر بقوله: قال للنبي (ص): (أبعده الله وأسحقه !) وهم المستهزؤن الذين قال الله: (إنا كفيناك المستهزئين) وهم الخمسة الذين قيل فيهم: (إنا كفيناك المستهزئين) استهزءوا بكتاب الله، ونبيه (ص). حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إنا كفيناك المستهزئين) هم من قريش. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وزعم ابن أبي بزة أنهم العاص بن وائل السهمي والوليد بن المغيرة الوحيد، والحارث بن عدي بن سهم بن العيطلة، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو أبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث وهو ابن خال رسول الله (ص). حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن عباس، نحو حديث محمد بن عبد الاعلى، عن محمد بن ثور، غير أنه قال: كانوا ثمانية. ثم عدهم وقال: كلهم مات قبل بدر. وقوله: (الذين يجعلون مع الله الها آخر فسوف يعلمون) وعيد من الله تعالى ذكره، وتهديد للمستهزئين الذين أخبر نبيه (ص) أنه قد كفاه أمرهم بقوله تعالى ذكره: إنا كفيناك يا محمد الساخرين منك، الجاعلين مع الله شريكا في عبادته، فسوف يعلمون ما يلقون من عذاب الله عند مصيرهم إليه في القيامة، وما يحل بهم من البلاء. القول في قوله تعالى:
[ 99 ]
(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين). يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولقد نعلم يا محمد أنك يضيق صدرك بما يقول هؤلاء المشركون من قومك من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبما جئتهم به، وأن ذلك يحرجك. (فسبح بحمد ربك) يقول: فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى الشكر لله والثناء عليه والصلاة، يكفك الله من ما أهمك. وهذا نحو الخبر الذي روي عن رسول الله (ص): (أنه إذا كان حزبه أمر فزع إلى الصلاة). القول في تأويل قوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين). يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): واعبد ربك حتى يأتيك الموت، الذي هو موقن به. وقيل: يقين، وهو موقن به، كما قيل: خمر عتيق، وهي معتقة. ونحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعد، عن سفيان، قال: ثني طارق بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) قال: الموت (1). حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، حميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، قال: ابن جريج: أخبرني ابن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: حتى يأتيك اليقين قال: الموت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال: يعني الموت. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: حتى يأتيك اليقين قال: اليقين: الموت.
[ 100 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله: حتى يأتيك اليقين قال: الموت. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن طارق، عن سالم، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال: الموت إذا جاءه الموت جاءه تصديق ما قال الله له وحدثه من أمر الآخرة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أم العلاء امرأة من الانصار قد بايعت رسول الله (ص) أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: وطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي مات فيه. فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله (ص)، فقلت: يا عثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله (ص): وما يدريك أن الله أكرمه ؟ قالت يا رسول الله فمه ؟ فقال رسول الله (ص): أما هو فقد جاءه اليقين، ووالله إني لارجو له الخير. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثنا ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، عن أم العلاء امرأة عن نسائهم، عن النبي (ص) بنحوه. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل، عن محمد بن شهاب، أن خارجة بن زيد، حدثه عن أم العلاء امرأة منهم، عن النبي (ص)، بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: فقال النبي (ص): أما هو فقد عاين اليقين.
[ 101 ]
(16) سورة النحل مكية وآياتها ثمان وعشرون ومائة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) يقول تعالى ذكره: أتى أمر الله فقرب منكم أيها الناس ودنا، فلا تستعجلوا وقوعه. ثم اختلف أهل التأويل في الامر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقربه منهم ما هو، وأي شئ هو ؟ فقال بعضهم: هو فرائضه وأحكامه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال: الاحكام والحدود والفرائض. وقال آخرون: بل ذلك وعيد من الله لاهل الشرك به، أخبرهم أن الساعة قد قربت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: لما نزلت هذه الآية، يعني: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر الله أتى، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شئ، قالوا: ما نراه نزل شئ فنزلت: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضا. فلما رأوا أنه لا ينزل شئ، قالوا: ما نراه
[ 102 ]
نزل شئ فنزلت: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي بكر بن حفص، قال: لما نزلت: أتى أمر الله رفعوا رؤوسهم، فنزلت: فلا تستعجلوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر بن شعيب، قال: سمعت صادق أبا يقرأ: يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو تهديد من أهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: عما يشركون فدل بذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم. وبعد، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله (ص) استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك: قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها. وأما مستعجلو العذاب من المشركين، فقد كانوا كثيرا. وقوله سبحانه وتعالى: عما يشركون يقول تعالى ذكره: تنزيها لله وعلوا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يدين به. واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: عما يشركون فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: عما يشركون بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله (ص)، وكذلك قرءوا الثانية بالياء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله: فلا تستعجلوه إلى أصحاب رسول الله (ص)، وبقوله تعالى: عما تشركون إلى المشركين. والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بينت من التأويل أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ابتدأ أول الآية بتهديدهم وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 103 ]
(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشآء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) اختلفت القراء في قراءة قوله: ينزل الملائكة فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة: ينزل الملائكة بالياء وتشديد الزاي ونصب الملائكة، بمعنى ينزل الله الملائكة بالروح. وقرأ ذلك بعض البصريين وبعض المكيين: ينزل الملائكة بالياء وتخفيف الزاي ونصب الملائكة. وحكي عن بعض الكوفيين أنه كان يقرؤه: تنزل الملائكة بالتاء وتشديد الزاي والملائكة بالرفع، على اختلاف عنه في ذلك. وقد روي عنه موافقة سائر قراء بلده. وأولى القراءات بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ: ينزل الملائكة بمعنى: ينزل الله ملائكة. وإنما اخترت ذلك، لان الله هو المنزل ملائكته بوحيه إلى رسله، فإضافة فعل ذلك إليه أولى وأحق واخترت ينزل بالتشديد على التخفيف، لانه تعالى ذكره كان ينزل من الوحي على من نزله شيئا بعد شئ، والتشديد به إذ كان ذلك معناه أولى من التخفيف. فتأويل الكلام: ينزل الله ملائكته بما يحيا به الحق ويضمحل به الباطل من أمره على من يشاء من عباده يعني على من يشاء من رسله أن أنذروا ف أن الاولى في موضع خفض، ردا على الروح، والثانية في موضع نصب ب أنذروا. ومعنى الكلام: ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده، بأن أنذروا عبادي سطوتي على كفرهم بي وإشراكهم في اتخاذهم معي الآلهة والاوثان، فإنه لا إله إلا أنا يقول: لا تنبغي الالوهة إلا لي، ولا يصلح أن يبعد شئ سواي، فاتقون يقول: فاحذروني بأداء فرائضي وإفراد العبادة وإخلاص الربوبية لي، فإن ذلك نجاتكم من الهلكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ينزل الملائكة بالروح يقول: بالوحي.
[ 104 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده يقول: ينزل الملائكة.... حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: بالروح من أمره إنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: قوله: ينزل الملائكة بالروح من أمره قال: لا ينزل ملك إلا معه روح ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده قال بالنبوة. قال ابن جريج: وسمعت أن الروح خلق من الملائكة نزل به الروح ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون قال: كل كلم تكلم به ربنا فهو روح منه، وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا... إلى قوله: ألا إلى الله تصير الامور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ينزل الملائكة بالروح من أمره يقول: ينزل بالرحمة والوحي من أمره، على من يشاء من عباده فيصطفي منهم رسلا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده قال: بالوحي والرحمة. وأما قوله: أن انذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون فقد بينا معناه.
[ 105 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده، ويطاع أمره، ويجتنب سخطه. القول في تأويل قوله تعالى: (خلق السماوات والارض بالحق تعالى عما يشركون) يقول تعالى ذكره معرفا خلقه حجته عليهم في توحيده، وأنه لا تصلح الالوهة إلا له: خلق ربكم أيها الناس السموات والارض بالعدل وهو الحق منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليه معين، فأنى يكون له شريك. تعالى عما يشركون يقول جل ثناؤه: علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه، فارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير، لانه لا يكون إلها إلا من يخلق وينشئ بقدرته مثل السموات والارض ويبتدع الاجسام فيحدثها من غير شئ، وليس ذلك في قدرة أحد سوى الله الواحد القهار الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح الالوهة لشئ سواه. القول في تأويل قوله تعالى: (خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيضا الناس، أنه خلق الانسان من نطفة، فأحدث من ماء مهين خلقا عجيبا، قلبه تارات خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه ونفخ فيه الروح، فغذاه ورزقه القوت ونماه، حتى إذا استوى على سوقه كفر بنعمة ربه وجحد مدبره وعبد من لا يضر ولا ينفع وخاصم إلهه فقال من يحيي العظام وهي رميم ونسي الذي خلقه فسواه خلقا سويا من ماء مهين. ويعني بالمبين: أنه يبين عن خصومته بمنطقه ويجادل بلسانه، فذلك إبانته. وعنى بالانسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد وهو في معنى الجميع. القول في تأويل قوله تعالى: (والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون)
[ 106 ]
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الانعام، فسخرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها ومنافع من ألبانها وظهورها تركبونها. ومنها تأكلون يقول: ومن الانعام ما تأكلون لحمه كالابل والبقر والغنم وسائر ما يؤكل لحمه. وحذفت ما من الكلام لدلالة من عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، وعلي بن داود، قال: المثنى أخبرنا، وقال ابن داود: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والانعام خلقها لكم فيها دف ء يقول: الثياب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون يعني بالدف ء: الثياب، والمنافع: ما ينتفعون به من الاطعمة والاشربة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: لكم فيها دف ء قال: لباس ينسج، ومنا مركب ولبن ولحم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لكم فيها دف ء لباس ينسج ومنافع، مركب ولحم ولبن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: لكم فيها دف ء ومنافع قال: نسل كل دابة.
[ 107 ]
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل بإسناده، عن ابن عباس، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: قال ابن عباس: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع، ومنها تأكلون قال: هو منافع ومآكل. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع قال: دف ء اللحف التي جعلها الله منها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع قال: نتاجها وركوبها وألبانها ولحومها. القول في تأويل قوله تعالى: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ئ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس إن ربكم لرؤوف رحيم) يقول تعالى ذكره: ولكم في هذه الانعام والمواشي التي خلقها لكم جمال حين تريحون يعني: تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها ولذلك سمي المكان المراح، لانها تراح إليه عشيا فتأوي إليه، يقال منه: أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة. وقوله: وحين تسرحون يقول: وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى مسارحها، يقال منه: سرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا، إذا أخرجها للرعي غدوة، وسرحت الماشية: إذا خرجت للمرعى تسرح سرحا وسروحا، فالسرح بالغداة والاراحة بالعشي، ومنه قوله الشاعر: كأن بقايا الاتن فوق متونه * مدب الدبى فوق النقا وهو سارح
[ 108 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالا أسنمتها، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون قال: إذا راحت كأعظم ما تكون أسنمة، وأحسن ما تكون ضروعا. وقوله: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس يقول: وتحمل هذه الانعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيمة. كما: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس قال: لو تكلفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس قال: لو كلفتموه لم تبلغوه إلا بشق الانفس. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة: إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس قال: البلد: مكة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: إلا بشق الانفس قال: مشقة عليكم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس يقول: بجهد الانفس.
[ 109 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار بكسر الشين: إلا بشق الانفس سوى أبي جعفر القارئ، فإن: المثنى حدثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثني أبو سعيد الرازي، عن أبي جعفر قارئ المدينة، أنه كان يقرأ: لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس بفتح الشين، وكان يقول: إنما الشق: شق النفس. وقال ابن أبي حماد: وكان معاذ الهراء يقول: هي لغة، تقول العرب بشق وبشق، وبرق وبرق. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار وهي كسر الشين، لاجماع الحجة من القراء عليه وشذوذ ما خالفه. وقد ينشد هذا البيت بكسر الشين وفتحها، وذلك قول الشاعر: وذي إبل يسعى ويحسبها له * أخي نصب من شقها ودءوب ومن شقيها أيضا بالكسر والفتح وكذلك قول العجاج: أصبح مسحول يوازي شقا وشقا بالفتح والكسر. ويعني بقوله: يوازي شقا: يقاسي مشقة. وكان بعض أهل العربية يذهب بالفتح إلى المصدر من شققت عليه أشق شقا، وبالكسر إلى الاسم. وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بالكسر أرادوا إلا بنقص من القوة وذهاب شئ منها حتى لا يبلغه إلا بعد نقصها، فيكون معناه عند ذلك: لم تكونوا بالغيه إلا بشق قوى أنفسكم وذهاب شقها الآخر. ويحكى عن العرب: خذ هذا الشق: لشقة الشاة بالكسر، فأما في شقت عليك شقا فلم يحك فيه إلا نصب. وقوله: إن ربكم لرءوف رحيم يقول تعالى ذكره: إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ورحمة من رحمته بكم، خلق لكم الانعام لمنافعكم ومصالحكم، وخلق السموات
[ 110 ]
والارض أدلة لكم على وحدانية ربكم ومعرفة إلهكم، لتشكروه على نعمة عليكم، فيزيدكم من فضله. القول في تأويل قوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) يقول تعالى ذكره: وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضا لتركبوها وزينة يقول: وجعلها لكم زينة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم، للركوب وغير ذلك. ونصب الخيل والبغال عطفا على الهاء والالف في قوله: خلقها. ونصب الزينة بفعل مضمر على ما بينت، ولو لم يكن معها واو وكان الكلام: لتركبوها زينة كانت منصوبة بالفعل الذي قبلها الذي هي به متصلة، ولكن دخول الواو آذنت بأن معها ضمير فعل وبانقطاعها عن الفعل الذي قبلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لتركبوها وزينة قال: جعلها لتركبوها، وجعلها زينة لكم. وكان بعض أهل العلم يرى أن في هذه الآية دلالة على تحريم أكل لحوم الخيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو ضمرة، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس، قوله: والخيل والبغال والحمير لتركبوها قال: هذه للركوب. والانعام خلقها لكم فيها دف ء قال: هذه للاكل. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام الدستوائي، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن مولى نافع بن علقمة: أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول: قال الله والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنها تأكلون فهذه للاكل، والخيل والبغال والحمير لتركبوها فهذه للركوب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه سئل عن لحوم الخيل، فكرهها وتلا هذه الآية: والخيل والبغال والحمير لتركبوها... الآية.
[ 111 ]
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه سئل عن لحوم الخيل، فقال: اقرأ التي قبلها: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة فجعل هذه للاكل، وهذه للركوب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون فجعل منه الاكل. ثم قرأ حتى بلغ: والخيل والبغال والحمير لتركبوها قال: لم يجعل لكم فيها أكلا. قال: وكان الحكم يقول: والخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن أبي غنية، عن الحكم، قال: لحوم الخيل حرام في كتاب الله. ثم قرأ: والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع... إلى قوله: لتركبوها. وكان جماعة غيرهم من أهل العلم يخالفونهم في هذا التأويل، ويرون أن ذلك غير دال على تحريم شئ، وأن الله جل ثناؤه إنما عرف عباده بهذه الآية وسائر ما في أوائل هذه السورة نعمة عليهم ونبههم به على حججه عليهم وأدلته على وحدانيته وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك. ذكر بعض من كان لا يرى بأسا بأكل لحم الفرس: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الاسود: أنه أكل لحم الفرس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الاسود بنحوه. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: نحر أصحابنا فرسا في النجع وأكلوا منه، ولم يروا به بأسا. والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله أهل القول الثاني، وذلك أنه لو كان في قوله تعالى ذكره: لتركبوها دلالة على أنها لا تصلح إذ كانت للركوب للاكل لكان في قوله: فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون دلالة على أنها لا تصلح إذ كانت للاكل
[ 112 ]
والدف ء للركوب. وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال تعالى ذكره ومنها تأكلون جائز حلال غير حرام، دليل واضح على أن أكل ما قال: لتركبوها جائز حلال غير حرام، إلا بما نص على تحريمه أو وضع على تحريمه دلالة من كتاب أو وحي إلى رسول الله (ص)، فأما بهذ الآية فلا يحرم أكل شئ. وقد وضع الدلالة على تحريم لحوم الحمر الاهلية بوحيه إلى رسول الله (ص)، وعلى البغال بما قد بينا في كتابنا كتاب الاطعمة بما أغنى غعن إعادته في هذا الموضع، إذا لم يكن هذا الموضع من مواضع البيان عن تحريم ذلك، وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدل على أنه لا وجه لقول من استدل بهذه الآية على تحريم لحم الفرس. حدثنا أحمد، ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله (ص). قلت: فالبغال ؟ قال: أما البغال فلا. وقوله: ويخلق ما لا تعلمون يقول تعالى ذكره: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الاشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون مما أعد في الجنة لاهلها وفي النار لاهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر. القول في تأويل قوله تعالى: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شآء لهداكم أجمعين) يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس بيان طريق الحق لكم، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها. والسبيل: هي الطريق، والقصد من الطريق: المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، كما قال الراجز: فصد عن نهج الطريق القاصد وقوله: ومنها جائر يعني تعالى ذكره: ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج، فالقاصد من السبل: الاسلام، والجائر منها: اليهودية والنصرانية وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها، سوى الحنيفية المسلمة. وقيل: ومنها جائر، لان
[ 113 ]
السبيل يؤنث ويذكر، فأنثت في هذا الموضع. وقد كان بعضهم يقول: وإنما قيل: ومنها لان السبيل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الجمع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وعلى الله قصد السبيل يقول: البيان. حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وعلى الله قصد السبيل يقول: على الله البيان، أن يبين الهدى والضلالة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وعلى الله قصد السبيل قال: طريق الحق على الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وعلى الله قصد السبيل يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعلى الله قصد السبيل قال: السبيل: طريق الهدى. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: و على الله قصد السبيل قال إنارتها. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وعلى الله قصد السبيل يقول: على الله البيان، يبين الهدى من الضلالة، ويبين السبيل التي تفرقت عن سبله، ومنها جائر.
[ 114 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ومنها جائر: أي من السبل، سبل الشيطان. وفي قراءة عبد الله بن مسعود: ومنكم جائر ولو شاء الله لهداكم أجمعين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: و منها جائر قال: في حرف ابن مسعود: ومنكم جائر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ومنها جائر يعني السبل المتفرقة. حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ومنها جائر يقول: الاهواء المختلفة. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ومنها جائر يعني السبل التي تفرقت عن سبيله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ومنها جائر السبل المتفرقة عن سبيله. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومنها جائر قال: من السبل جائر عن الحق قال: قال الله: ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. وقوله: ولو شاء لهداكم أجمعين يقول: ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفيقه، فكنتم تهتدون وتلزمون قصد السبيل ولا تجورون عنه فتتفرقون في سبل عن الحق جائرة. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولو شاء لهداكم أجمعين قال: لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبيل الذي هو الحق. وقرأ: ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا... الآية، وقرأ: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها... الآية. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 115 ]
(هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) يقول تعالى ذكره: والذي أنعم عليكم هذه النعم وخلق لكم الانعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم، هو الرب الذي أنزل من السماء ماء، يعني: مطرا لكم من ذلك الماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونباتها. فيه تسيمون يقول: في الشجر الذي ينبت من الماء الذي أنزل من السماء تسيمون، يعني ترعون، يقال منه: أسام فلان إبله يسيمها إسامة إذا أرعاها، وسومها أيضا يسومها، وسامت هي إذا رعت، فهي تسوم، وهي إبل سائمة ومن ذلك قيل للمواشي المطلقة في الفلاة وغيرها للرعي سائمة. وقد وجه بعضهم معنى السوم في البيع إلى أنه من هذا، وأنه ذهاب كل واحد من المتبايعين فيما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه، كما تذهب سوائم المواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الاعشى: ومشى القوم بالعماد إلى المر * عى وأعيا المسيم أين المساق وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة: ومنه شجر فيه تسيمون قال: ترعون. حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي، قال: ثنا قرة بن عيسى، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، في قوله: فيه تسيمون قال: ترعون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ترعون.
[ 116 ]
حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومنه شجر فيه تسيمون يقول: يرعون فيه أنعامهم وشاءهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: فيه تسيمون قال: ترعون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: فيه ترعون. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، عن الضحاك، في قوله: تسيمون يقول: ترعون أنعامكم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن طلحة بن أبي طلحة القناد، قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي، قال: فيه ترعون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: شجر فيه تسيمون يقول: ترعون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ترعون. حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله: شجر فيه تسيمون قال: ترعون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومنه شجر فيه تسيمون قال: ترعون. قال: الاسامة: الرعية. وقال الشاعر: مثل ابن بزعة أو كآخر * مثله أولى لك ابن مسيمة الاجمال قال: يا ابن راعية الاجمال. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 117 ]
(ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) يقول تعالى ذكره: ينبت لكم ربكم بالماء الذي أنزل لكم من السماء زرعكم وزيتونكم ونخيلكم وأعنابكم ومن كل الثمرات يعني من كل الفواكه غير ذلك أرزاقا لكم وأقواتا وإداما وفاكهة، نعمة منه عليكم بذلك و تفضلا، وحجة على من كفر به منكم. إن في ذلك لآية يقول جل ثناؤه: إن في إخراج الله بما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لآية يقول: لدلالة واضحة وعلامة بينة، لقوم يتفكرون يقول: لقوم يعتبرون مواعظ الله ويتفكرون في حججه، فيتذكرون وينيبون. القول في تأويل قوله تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره: ومن نعمه عليكم أيها الناس مع التي ذكرها قبل أن سخر لكم الليل والنهار يتعاقبان عليكم، هذا لتصرفكم في معاشكم وهذا لسكنكم فيه والشمس والقمر لمعرفة أوقات أزمنتكم وشهوركم وسنينكم وصلاح معايشكم. والنجوم مسخرات لكم بأمر الله تجري في فلكها لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: إن في تسخير الله ذلك على ما سخره لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون عنه تنبيهه إياهم. القول في تأويل قوله تعالى: (وما ذرأ لكم في الارض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) يعني جل ثناؤه بقوله: وما ذرأ لكم وسخر لكم ما ذرأ: أي ما خلق لكم في الارض مختلفا ألوانه من الدواب والثمار. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما ذرأ لكم في الارض يقول: وما خلق لكم مختلفا ألوانه من الدواب ومن الشجر والثمار، نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله.
[ 118 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: من الدواب والاشجار والثمار. ونصب قوله: مختلفا لان قوله: وما في موضع نصب بالمعنى الذي وصفت. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون مختلفا ألوانه حالا من ما، والخبر دونه تام، ولو لم تكن ما في موضع نصب، وكان الكلام مبتدأ من قوله: وما ذرأ لكم لم يكن في مختلف إلا الرفع، لانه كان يصير مرافع ما حينئذ. القول في تأويل قوله تعالى: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) يقول تعالى ذكره: والذي فعل هذه الافعال بكم وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، الذي سخر لكم البحر، وهو كل نهر ملحا ماؤه أو عذبا. لتأكلوا منه لحما طريا وهو السمك الذي يصطاد منه. وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وهو اللؤلؤ والمرجان. كما: حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا قال: منهما جميعا. وتستخرجوا منه حلية تلبسونها قال: هذا اللؤلؤ. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لتأكلوا منه لحما طريا يعني حيتان البحر. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا حماد، عن يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الملك، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر، فقال: هل في حلي النساء صدقة ؟ قال: لا، هي كما قال الله تعالى: حلية تلبسونها وترى الفلك يعني السفن، مواخر فيه وهي جمع ماخرة. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: مواخر فقال بعضهم: المواخر: المواقر. ذكر من قال ذلك: حدثنا عمرو بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وترى الفلك مواخر فيه قال: المواقر.
[ 119 ]
وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا به عبد الرحمن بن الاسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن أبي بكر الاصم، عن عكرمة، في قوله: وترى الفلك مواخر فيه قال: ما أخذ عن يمين السفينة وعن يسارها من الماء، فهو المواخر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن عكرمة، في قوله: وترى الفلك مواخر فيه قال: هي السفينة تقول بالماء هكذا، يعني تشقه. وقال آخرون فيه، ما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح: وترى الفلك مواخر فيه قال: تجري فيه متعرضة. وقال آخرون فيه، بما: حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وترى الفلك مواخر فيه قال: تمخر السفينة الرياح، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه، غير أن الحارث قال في حديثه: ولا تمخر الرياح من السفن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مواخر قال: تمخر الريح. وقال آخرون فيه، ما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وترى الفلك مواخر فيه تجري بريح واحدة، مقبلة ومدبرة.
[ 120 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة. حدثنا المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن: وترى الفلك مواخر فيه قال: مقبلة ومدبرة بريح واحدة. والمخر في كلام العرب: صوت هبوب الريح إذا اشتد هبوبها، وهو في هذا الموضع: صوت جري السفينة بالريح إذا عصفت وشقها الماء حينئذ بصدرها، يقال منه: مخرت السفينة تمخر مخرا ومخورا، وهي ماخرة، ويقال: امتخرت الريح وتمخرتها: إذا نظرت من أين هبوبها وتسمعت صوت هبوبها. ومنه قول واصل مولى ابن عيينة: كان يقال: إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح، يريد بذلك: لينظر من أين مجراها وهبوبها ليستدبرها فلا ترجع عليه البول وترده عليه. وقوله: ولتبتغوا من فضله يقول تعالى ذكره: ولتتصرفوا في طلب معايشكم بالتجارة سخر لكم. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولتبتغوا من فضله قال: تجارة البر والبحر. وقوله: ولعلكم تشكرون يقول: ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الاشياء التي عددها في هذه الآيات. القول في تأويل قوله تعالى: (وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون) يقول تعالى ذكره: ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا، أن ألقى في الارض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت في الارض من الجبال. وقوله: أن تميد بكم يعني: أن لا تميد بكم، وذلك كقوله: يبين الله لكم أن تضلوا، والمعنى: أن لا تضلوا. وذلك أنه جل ثناؤه أرسى الارض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها، بل وقد كانت مائدة قبل أن ترسى بها. كما:
[ 121 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد: أن الله تبارك وتعالى لما خلق الارض جعلت تمور، قالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفيها رواسيها. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب، عن علي بن أبي طالب، قال: لما خلق الله الارض قمصت، وقالت: أي رب أتجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث ؟ قال: فأرسى الله عليها من الجبال ما ترون وما لا ترون، فكان قرارها كاللحم يترجرج. والميد: هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفينة تميد ميدا: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن تميد بكم: أن تكفأ بكم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم قال: الجبال أن تميد بكم. قال: قتادة: سمعت الحسن يقول: لما خلقت الارض كادت تميد، فقالوا: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خلقت الجبال، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وقوله: وأنهارا يقول: وجعل فيها أنهارا، فعطف بالانهار على الرواسي، وأعمل
[ 122 ]
فيها ما أعمل في الرواسي، إذ كان مفهوما معنى الكلام والمراد منه وذلك نظير قول الراجز: تسمع في أجوافهن صورا * وفي اليدين حشة وبورا والحشة: اليبس، فعطف بالحشة على الصوت، والحشة لا تسمع، إذ كان مفهوما المراد منه وأن معناه وترى في اليدين حشة. وقوله: وسبلا وهي جمع سبيل، كما الطرق جمع طريق. ومعنى الكلام: وجعل لكم أيها الناس في الارض سبلا وفجاجا تسلكونها وتسيرون فيها في حوائجكم وطلب معايشكم رحمة بكم ونعمة منه بذلك عليكم ولو عماها لهلكتم ضلالا وحيرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سبلا: أي طرقا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سبلا قال: طرقا. وقوله لعلكم تهتدون يقول: لكي تهتدوا بهذه السبل التي جعلها لكم في الارض إلى الاماكن التي تقصدون والمواضع التي تريدون، فلا تضلوا وتتحيروا. القول في تأويل قوله تعالى: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) اختلف أهل التأويل في المعنى بالعلامات، فقال بعضهم: عني بها معالم الطرق بالنهار. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وعلامات وبالنجم هم يهتدون يعني بالعلامات: معالم الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون بالليل.
[ 123 ]
وقال آخرون: عني بها النجوم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال: منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال: منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدي به. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. قال: المثنى، قال: ثنا إسحاق خالف قبيصة وكيعا في الاسناد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وعلامات وبالنجم هم يهتدون والعلامات: النجوم، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدي بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وعلامات قال النجوم. وقال آخرون: عني بها الجبال. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي: وعلامات قال: الجبال. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عدد على عباده من نعمه، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكل علامة استدل بها الناس على طرقهم وفجاج سبلهم فداخل في قوله: وعلامات. والطرق المسبولة: الموطوءة،
[ 124 ]
علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدي بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله: وبالنجم هم يهتدون. وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان، لان بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم. فتأويل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم. ونجوما تهتدون بها ليلا في سبلكم. القول في تأويل قوله تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ئ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) يقول تعالى ذكره لعبدة الاوثان والاصنام: أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة ؟ يقول: أتشركون هذا في عبادة هذا ؟ يعرفهم بذلك عظم جهلهم وسوء نظرهم لانفسهم وقلة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عددها عليهم التي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جل ثناؤه موبخهم: أفلا تذكرون أيها الناس يقول: أفلا تذكرون نعم الله عليكم وعظيم سلطانه وقدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالالوهة ؟ كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون والله هو الخالق الرازق، وهذه الاوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تملك لاهلها ضرا ولا نفعا، قال الله: أفلا تذكرون. وقيل: كمن لا يخلق هو الوثن والصنم، ومن لذوي التمييز خاصة، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق. ومحكى عن العرب: اشتبه علي الراكب وجمله، فما أدري من ذا ومن ذا، حيث جمعا وأحدهما إنسان
[ 125 ]
حسنت من فيهما جميعا ومنه قول الله عزوجل: فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع. وقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها لا تطيقوا أداء شكرها. إن الله لغفور رحيم يقول جل ثناؤه: إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الانابة إليه والتوبة. القول في تأويل قوله تعالى: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ئ والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) يقول تعالى ذكره: والله الذي هو إلهكم أيها الناس، يعلم ما تسرون في أنفسكم من ضمائركم فتخفونه عن غيركم، فما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وما تعلنونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو محص ذلك كله عليكم، حتى يجازيكم به يوم القيامة، المحسن منكم بإحسانه والمسئ منكم بإساءته، ومسائلكم عما كان منكم من الشكر في الدنيا على نعمة التي أنعمها عليكم فما التي أحصيتم والتي لم تحصوا. وقوله: والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون يقول تعالى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون الله أيها الناس آلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدبرا لا تملك لانفسها نفعا ولا ضرا ؟ القول في تأويل قوله تعالى: (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش: والذين تدعون من دون الله أيها الناس أموات غير أحياء. وجعلها جل ثناؤه أمواتا غير أحياء، إذ كانت لا أرواح فيها. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون وهي هذه الاوثان التي تعبد من دون الله أموات لا أرواح فيها، ولا تملك لاهلها ضرا ولا نفعا. وفي رفع الاموات وجهان: أحدهما أن يكون خبرا للذين، والآخر على الاستئناف.
[ 126 ]
وقوله: وما يشعرون يقول: وما تدري أصنامكم التي تدعون من دون الله متى تبعث. وقيل: إنما عنى بذلك الكفار، أنهم لا يدرون متى يبعثون. القول في تأويل قوله تعالى: (إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) يقول تعالى ذكره: معبودكم الذي يستحق عليكم العبادة وإفراد الطاعة له دون سائر الاشياء معبود واحد، لانه لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة وأخلصوا له العبادة ولا تجعلوا معه شريكا سواه. فالذين لا يوءمنون بالآخرة قلوبهم منكرة يقول تعالى ذكره: فالذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده ولا يقرون بالمعاد إليه بعد الممات قلوبهم منكرة يقول تعالى ذكره: مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة الله وعظمته وجميل نعمة عليهم، وأن العبادة لا تصلح إلا له والالوهة ليست لشئ غيره يقول: وهم مستكبرون عن إفراد الله بالالوهة والاقرار له بالوحدانية، اتباعا منهم لما مضى عليه من الشرك بالله أسلافهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فالذين لايوءمنون بالآخرة قلوبهم منكرة لهذا الحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه. القول في تأويل قوله تعالى: (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) يعني تعالى ذكره بقوله: لا جرم حقا أن الله يعلم ما يسر هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الانباء في هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد، واستكبارهم على الله، وما يعلنون من كفرهم بالله وفريتهم عليه. إنه لا يحب المستكبرين يقول: إن الله لا يحب المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الآلهة والانداد. كما: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا مسعر، عن
[ 127 ]
رجل: أن الحسن بن علي كان يجلس إلى المساكين، ثم يقول: إنه لا يحب المستكبرين. القول في تأويل قوله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أساطير الاولين) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين: ماذا أنزل ربكم أي شئ أنزل ربكم ؟ قالوا: الذي أنزل ما سطره الاولون من قبلنا من الاباطيل. وكان ذلك كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الاولين يقول: أحاديث الاولين وباطلهم، قال ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبي الله (ص)، فإذا مر بهم أحد من المؤمنين يريد نبي الله (ص)، قالوا لهم: أساطير الاولين، يريد: أحاديث الاولين وباطلهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أساطير الاولين يقول: أحاديث الاولين. القول في تأويل قوله تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون لمن سألهم ماذا أنزل ربكم: الذي أنزل ربنا فيما يزعم محمد عليه أساطير الاولين، لتكون لهم ذنوبهم التي هم عليها مقيمون من تكذيبهم الله، وكفرهم بما أنزل على رسوله (ص)، ومن ذنوب الذين يصدونهم عن الايمان بالله يضلون يفتنون منهم بغير علم. وقوله: ألا ساء ما يزرون يقول: ألا ساء الاثم الذي يأثمون والثقل الذي يتحملون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن
[ 128 ]
نجيح، عن مجاهد، قوله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار من أضلوا احتمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا. حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: ومن أوزار الذين يضلونهم حملهم ذنوب أنفسهم، وسائر الحديث مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم يقول: يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله: وأثقالا مع أثقالهم يقول: يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قال: قال النبي (ص): أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع، فإن عليه مثل
[ 129 ]
أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شئ. وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع، فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شئ. حدثني المثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رجل، قال: قال زيد بن أسلم: إنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شئ زاده فزعا وكلما تخوف شيئا زاده خوفا، فيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت ؟ فيقول: وما تعرفني ؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك كان قبيحا فلذلك تراني قبيحا، وكان منتنا فلذلك تراني منتنا، طأطئ إلي أركبك فطالما ركبتني في الدنيا فيركبه، وهو قوله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتهم العذاب من حيث لا يشعرون. يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين الذين يصدون عن سبيل الله من أراد اتباع دين الله، فراموا مغالبة الله ببناء بنوه، يريدون بزعمهم الارتفاع إلى السماء لحرب من فيها. وكان الذي رام ذلك فيما ذكر لنا جبار من جبابرة النبط، فقال بعضهم: هو نمرو بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبارهما في سورة إبراهيم. وقيل: إن الذي ذكر في هذا الموضع هو الذي ذكره الله في سورة إبراهيم. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أمر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم فأخرج، يعني من مدينته، قال: فلقي لوطا على باب المدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إني مهاجر إلى ربي. وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم، فأخذ أربعة أفراغ من فراغ النسور، فرباهن باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن، فربطهن في تابوت، وقعد في ذلك التابوت ثم رفع لهن رجلا من
[ 130 ]
لحم، فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الارض، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل. ثم رفع لهن اللحم، ثم نظر فرأى الارض محيطا بها بحر كأنها فلكة في ماء. ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة، فلم ير ما فوقه وما تحته، ففزع، فألقى اللحم، فاتبعته منقضات. فلما نظرت الجبال إليهن، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن، فزعت الجبال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن، وذلك قول الله تعالى: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) (1).، وهي في قراءة ابن مسعود: (وإن كاد مكرهم). فكان طيرورتهن به من بيت المقدس ووقوعهن به في جبل الدخان. فلما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ في بنيان الصرح، فبنى حتى إذا شيده إلى السماء ارتقى فوقه ينظر، يزعم إلى إله إبراهيم، فأحدث، ولم يكن يحدث، وأخذ الله بنيانه من القواعد (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصرح، فتنقض بهم فسقط. فتبلبت ألسن الناس يومئذ من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت بابل. وإنما كان لسانا الناس من قبل ذلك بالسريانية. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وقد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) قال: هو نمرود حين بنى الصرح (2). حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم: إن أول جبار كان في الارض نمرود، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربع مئة سنة يضرب رأسه بالمطارق، أرحم الناس به من جمع يديه، فضرب رأسه بهما، وكان جبارا أربع مئة سنة، فعذبه الله أربع مئة سنة كملكه، ثم أماته الله. وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء، وهو الذي قال الله: (فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم) (3). وأما قوله: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) فإن معناه: هدم الله بنيانهم من أصله. والقواعد: جمع قاعدة وهي الاساس. وكان بعضهم يقول: هذا مثل للاستئصال، وإنما معناه: إن الله استأصلهم. وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشئ.
[ 131 ]
وقوله: (فخر عليهم السقف من فوقهم) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخر عليهم السقف من فوقهم، أعالي بيوتهم من فوقهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي والله، لأتاها أمر الله من أصلها (فخر عليهم السقف من فوقهم) والسقف: أعالي البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم، (وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون). حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فخر عليهم السقف من فوقهم) قال: أتى الله بنيانهم من أصوله، فخر عليهم السقف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) قال: مكر نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: عنى بقوله: (فخر عليهم السقف من فوقهم) أن العذاب أتاهم من السماء. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال:، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فخر عليهم السقف من فوقهم) يقول: عذاب من السماء لما رأوه استسلموا وذلوا. وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك: تساقطت عليهم سقوف بيوتهم، إذ أتى أصولها وقواعدها أمر الله، فائتفكت بهم منازلهم، لأن ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان وخر السقف، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر الأعرف منها، أولى من توجيهها إلى غير ذلك ما وجد إليه سبيل. (وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)
[ 132 ]
يقول تعالى ذكره: وأتى هؤلاء الذين مكروا من قبل مشركي قريش، عذاب الله من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه. القول في تأويل قوله تعالى: (ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) يقول تعالى ذكره: فعل الله بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف الله جل ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدنيا من تعجيل العذاب لهم والانتقام بكفرهم وجحودهم وحدانيته، ثم هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب أليم وقائل لهم عند ورودهم عليه: أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ؟ أصله: من شاققت فلانا فهو يشاقني، وذلك إذا فعل كل واحد منهما بصاحبه ما يشق عليه. يقول تعالى ذكره يوم القيامة تقريعا للمشركين بعبادتهم الاصنام: أين شركائي ؟ يقول: أين الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي اليوم ؟ ما لهم لا يحضرونكم فيدفعوا عنكم ما أنا محل بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولونهم والولي ينصر وليه ؟ وكانت مشاقتهم الله في أوثانهم مخالفتهم إياه في عبادتهم، كما: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم يقول: تخالفوني. وقوله: قال الذين أتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين يعني: الذلة والهوان، والسوء يعني: عذاب الله على الكافرين. القول في تأويل قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) يقول تعالى ذكره: قال الذين أوتوا العلم: إن الخزي اليوم والسوء على من كفر بالله فجحد وحدانيته، الذين تتوفاهم الملائكة يقول: الذين تقبض أرواحهم الملائكة، ظالمي أنفسهم يعني: وهم على كفرهم وشركهم بالله. وقيل: إنه عنى بذلك من قتل من قريش ببدر وقد أخرج إليها كرها. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا يعقوب بن محمد
[ 133 ]
الزهري، قال: ثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: كان ناس بمكة أقروا بالاسلام ولم يهاجروا، فأخرج بهم كرها إلى بدر، فقتل بعضهم، فأنزل الله فيهم: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. وقوله: فألقوا السلم يقول: فاستسلموا لامره، وانقادوا له حين عاينوا الموت قد نزل بهم. ما كنا نعمل من سوء وفي الكلام محذوف استعني بفهم سامعيه ما دل عليه الكلام عن ذكره، وهو: قالوا ما كنا نعمل من سوء. يخبر عنهم بذلك أنهم كذبوا وقالوا: ما كنا نعصي الله اعتصاما منهم بالباطل رجاء أن ينجوا بذلك،، فكذبهم الله فقال: بل كنتم تعملون السوء وتصدون عن سبيل الله. إن الله عليم بما كنتم تعملون يقول: إن الله ذو علم بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصيه وتأتون فيها ما يسخطه. القول في تأويل قوله تعالى: (فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) يقول تعالى ذكره، يقول لهؤلاء الظلمة أنفسهم حين يقولون لربهم: ما كنا نعمل من سوء: ادخلوا أبواب جهنم، يعني: طبقات جهنم، خالدين فيها يعني: ماكثين فيها، فلبئس مثوى المتكبرين يقول: فلبئس منزل من تكبر على الله ولم يقر بربوبيته ويصدق بوحدانيته جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين) يقول تعالى ذكره: وقيل للفريق الآخر الذين هم أهل إيمان وتقوى لله: ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا يقول: قالوا: أنزل خيرا. وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يقول: إنما اختلف الاعراب في قوله: قالوا أساطير الاولين، وقوله: خيرا، والمسألة قبل الجوابين كليهما واحدة، وهي قوله: ماذا أنزل ربكم لان الكفار جحدوا التنزيل، فقالوا حين سمعوه: أساطير الاولين، أي هذا الذي جئت به أساطير الاولين ولم ينزل الله منه شيئا. وأما المؤمنون فصدقوا التنزيل، فقالوا خيرا بمعنى أنه أنزل خيرا، فانتصب بوقوع
[ 134 ]
الفعل من الله على الخير، فلهذا افترقا ثم ابتدأ الخبر فقال: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. وقد بينا القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. وقوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يقول تعالى ذكره: للذين آمنوا بالله في هذه الدنيا ورسوله وأطاعوه فيها ودعوا عباد الله إلى الايمان والعمل بما أمر الله به حسنة يقول: كرامة من الله، ولدار الآخرة خير يقول: ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا، وكرامة الله التي أعدها لهم فيها أعظم من كرامته التي عجلها لهم في الدنيا ولنعم دار المتقين يقول: ولنعم دار الذين خافوا الله في الدنيا فاتقوا عقابه بأداء فرائضه وتجنب معاصيه دار الآخرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم: ماذا أنزل ربكم فيقولون خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة: أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله، وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه. القول في تأويل قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين) يعني تعالى ذكر بقوله: جنات عدن بساتين للمقام، وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى عدن فيما مضى بما أغنى عن إعادته. يدخلونها يقول: يدخلون جنات عدن. وفي رفع جنات أوجه ثلاث: أحدها: أن يكون مرفوعا على الابتداء، والآخر: بالعائد من الذكر في قوله: يدخلونها، والثالث: على أن يكون خبر النعم، فيكون المعنى إذا جعلت خبر النعم: ولنعم دار المتقين جنات عدن، ويكون يدخلونها في موضع حال، كما يقال: نعم الدار دار تسكنها أنت. وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التأويل يدخلونها من صلة جنات عدن. وقوله: تجري من تحتها الانهار يقول: تجري من تحت أشجارها الانهار. لهم فيها ما يشاءون يقول: للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاءون مما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم. كذلك يجزي الله المتقين
[ 135 ]
يقول: كما يجزي الله هؤلاء الذين أحسنوا في هذه الدنيا بما وصف لكم أيها الناس أنه جزاهم به في الدنيا والآخرة، كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) يقول تعالى ذكره: كذلك يجزي الله المتقين الذين تقبض أرواحهم ملائكة الله، وهم طيبون بتطيبب الله إياهم بنظافة الايمان، وطهر الاسلام في حال حياتهم وحال مماتهم. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقوله: يقولون سلام عليكم يعني جل ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم: سلام عليكم صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة. كما: حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال: السلام عليك ولي الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين... إلى آخر الآية.
[ 136 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: فسلام لك من أصحاب اليمين قال: الملائكة يأتونه بالسلام من قبل الله، وتخبره أنه من أصحاب اليمين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا الاشب أبو علي، عن أبي رجاء، عن محمد بن مالك، عن البراء، قال: قوله: سلام قولا من رب رحيم قال: يسلم عليه عند الموت. وقوله: بما كنتم تعملون يقول: بما كنتم تصيبون في الدنيا أيام حياتكم فيها طاعة الله طلب مرضاته. القول في تأويل قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) يقول تعالى ذكره: هل ينتظر هؤلاء المشركون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتي أمر ربك بحشرهم لموقف القيامة. كذلك فعل الذين من قبلهم يقول جل ثناؤه: كما يفعل هؤلاء من انتظارهم ملائكة الله لقبض أرواحهم أو إتيان أمر الله فعل أسلافهم من الكفرة بالله لان ذلك في كل مشرك بالله. وما ظلمهم الله يقول جل ثناؤه: وما ظلمهم الله بإحلال سخطه، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بمعصيتهم ربهم وكفرهم به، حتى استحقوا عقابه، فعجل لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة قال: بالموت، وقال في آية أخرى: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة وهو ملك الموت وله رسل، قال الله تعالى: أو يأتي أمر ربك ذاكم يوم القيامة.
[ 137 ]
حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة يقول: عند الموت حين تتوفاهم، أو يأتي أمر ربك ذلك يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) يقول تعالى ذكره: فأصاب هؤلاء الذين فعلوا من الامم الماضية فعل هؤلاء المشركين من قريش سيئات ما عملوا يعني عقوبات ذنوبهم ونقم معاصيه التي اكتسبوها. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون يقول: وحل بهم من عذاب الله ما كانوا يستهزئون منه ويسخرون عند إنذارهم ذلك رسل الله، ونزل ذلك بهم دون غيرهم من أهل الايمان بالله. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) يقول تعالى ذكره: وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الاوثان والاصنام من دون الله: ما نعبد هذه الاصنام إلا لان الله قد رضي عبادتنا هؤلاء، ولا نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب إلا أن الله شاء منا ومن آبائنا تحريمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوباته أو بهدايته إيانا إلى غيره من الافعال. يقول تعالى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الامم المشركة الذين استن هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، وسلكوا سبيلهم في تكذيب رسل الله واتباع أفعال آبائهم الضلال. وقوله: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين يقول جل ثناؤه: فهل أيها القائلون لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا على رسلنا الذين نرسلهم بانذاركم عقوبتنا على كفركم، إلا البلاغ المبين يقول: إلا أن تبلغكم ما أرسلنا إليكم من الرسالة. ويعني بقوله المبين: الذي يبين عن معناه لمن أبلغه، ويفهمه من أرسل إليه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 138 ]
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له وأفردوا له الطاعة وأخلصوا له العبادة، واجتنبوا الطاغوت يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا. فمنهم من هدى الله يقول: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله، فوفقه لتصديق رسله والقبول منها والايمان بالله والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ونجا من عذاب الله ومنهم من حقت عليه الضلالة يقول: وممن بعثنا رسلنا إليه من الامم آخرون حقت عليهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذبوا رسله واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم الله بعقابه وأنزل عليهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: إن كنتم أيها الناس غير مصدقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤلاء الامم الذين حل بهم ما حل من بأسنا بكفرهم بالله وتكذيبهم رسوله، فسيروا في الارض التي كانوا يسكنونها والبلاد التي كانوا يعمرونها فانظروا إلى آثار الله فيهم وآثار سخطه النازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل الله ما أعقبهم، فإنكم ترون حقيقة ذلك وتعلمون به صحة الخبر الذي يخبركم به محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن تحرص يا محمد على هدى هؤلا المشركين إلى الايمان بالله واتباع الحق فإن الله لا يهدي من يضل. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفيين: فإن الله لا يهدي من يضل بفتح الياء من يهدي، وضمها من يضل. وقد اختلف في معنى ذلك قارئوه كذلك، فكان بعض نحويي الكوفة يزعم أن معناه: فإن الله من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هدي الرجل يريدون قد اهتدى، وهدي واهتدى بمعنى واحد. وكان
[ 139 ]
آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشام والبصرة: فإن الله لا يهدى بضم الياء من يهدى ومن يضل وفتح الدال من يهدى بمعنى: من أضله الله فلا هادي له. وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب، لان يهدي بمعنى يهتدى قليل في كلام العرب غير مستفيض، وأنه لا فائدة في قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لان ذلك مما لا يجهله أحد. وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى. فتأويل الكلام لو كان الامر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة. وما لهم من ناصرين يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم. وفي قوله: إن تحرص لغتان: فمن العرب من يقول: حرص يحرص بفتح الراء في فعل وكسرها في يفعل. وحرص يحرص بكسر الراء في فعل وفتحها في يفعل. والقراءة على الفتح في الماضي والكسر في المستقبل، وهي لغة أهل الحجاز. القول في تأويل قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله جهد أيمانهم حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته، وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم التي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه الله بعد مماته، وعدا عليه أن يبعثهم وعد عباده، والله لا يخلف الميعاد. ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلمون وعد الله عباده أنه باعثهم يوم القيامة بعد مماتهم أحياء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
[ 140 ]
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت تكذيبا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا في البعث فريقين: مكذب ومصدق. ذكر لنا أن رجلا قال لابن عباس: إن ناسا بهذا العراق يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، ويتأولون هذه الآية فقال ابن عباس: كذب أولئك، إنما هذه الآية للناس عامة، ولعمري لو كان علي مبعوثا قبل يوم القيامة ما أنكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه ! حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عباس: إن رجالا يقولون: إن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، ويتأولون: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال: لو كنا نعلم أن عليا مبعوث، ما تزوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، ولكن هذه للناس عامة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت قال: حلف رجل من أصحاب النبي (ص) عند رجل من المكذبين، فقال: والذي يرسل الروح من بعد الموت فقال: وإنك لتزعم أنك مبعوث من بعد الموت ؟ وأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا فقال المشرك: إنك تزعم أنك تبعث بعد الموت ؟ فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن عطاء بن أبي رباح أنه أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: قال الله: سبني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني فأما تكذيبه إياي فقال: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت قال: قلت: بلى وعدا عليه حقا. وأما سبه إياي فقال:
[ 141 ]
إن الله ثالث ثلاثة، وقلت: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. القول في تأويل قوله تعالى (ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) يقول تعالى ذكره: بل ليبعثن الله من يموت وعدا عليه حقا، ليبين لهؤلاء الذين يزعمون أن الله لا يبعث من يموت ولغيرهم الذي يختلفون فيه من إحياء الله خلقه بعد فنائهم، وليعلم الذين جحدوا صحة ذلك وأنكروا حقيقته أنهم كانوا كاذبين في قيلهم لا يبعث الله من يموت. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ليبين لهم الذي يختلفون فيه قال: للناس عامة. القول في تأويل قوله تعالى (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ئ والذين ها جروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) يقول تعالى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكون ونحدث لانا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كلفة علينا. واختلفت القراء في قراءة قوله: يكون فقرأه أكثر قراء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله: إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن كلام تام مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فيقال: فيكون، كما قال الشاعر:
[ 142 ]
يريد أن يعربه فيعجمه وقرأ ذلك بعض قراء أهل الشام وبعض المتأخرين من قراء الكوفيين: فيكون نصبا، عطفا على قوله: أن نقول له. وكأن معنى الكلام على مذهبهم: ما قولنا لشئ إذا أردناه إلا أن نقول له: كن، فيكون. وقد حكي عن العرب سماعا: أريد أن آتيك فيمنعني المطر، عطفا ب يمنعني على آتيك. وقوله: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم. من بعد ما ظلموا يقول: من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله. لنبوئنهم في الدنيا حسنة يقول: لنسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: و الذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم قال: هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة، فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين. حدثت عن القاسم بن سلام، قال: ثنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي: لنبوئنهم في الدنيا حسنة قال: المدينة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله (ص) من أهل مكة بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون.
[ 143 ]
وقال آخرون: عنى بقوله: لنبوئنهم في الدنيا حسنة لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لنبوئنهم لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن العوام، عمن حدثه أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ذخره لك في الآخرة أفضل. ثم تلا هذه الآية: لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى لنبوئنهم: لنحلنهم ولنسكننهم، لان التبوأ في كلام العرب الحلول بالمكان والنزول به. ومنه قول الله تعالى: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق. وقيل: إن هذه الآية نزلت في أبي جندل بن سهيل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن داود بن أبي هند، قال: نزلت والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا... إلى قوله: وعلى ربهم يتوكلون في أبي جندل بن سهيل. وقوله: ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يقول: ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر، لان ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله: ولاجر الآخرة أكبر أي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر لو كانوا يعلمون. القول في تأويل قوله تعالى (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون)
[ 144 ]
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صبروا في الله على ما نابهم في الدنيا. وعلى ربهم يتوكلون يقول: وبالله يثقون في أمورهم، و إليه يستندون في نوائب الامور التي تنوبهم. القول في تأويل قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الامم، للدعاء إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا ونهينا، إلا رجالا من بني آدم نوحي إليهم وحينا لا ملائكة، يقول: فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نرسل إلى من قبلهم من الامم من جنسهم وعلى منهاجهم. فاسئلوا أهل الذكر يقول لمشركي قريش: وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الامم رجال من بني آدم مثل محمد (ص) وقلتم هم ملائكة أي ظننتم أن الله كلمهم قبلا، فاسئلوا أهل الذكر وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والانجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنزلها على عباده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: فاسئلوا أهل الذكر قال: أهل التوراة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن سفيان، قال: سألت الاعمش، عن قوله: فاسئلوا أهل الذكر قال: سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة والانجيل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال: هم أهل الكتاب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال: قال لمشركي قريش: إن محمدا في التوراة والانجيل.
[ 145 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: لما بعث الله محمدا رسولا، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد. قال: فأنزل الله: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم وقال: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر فاسئلوا أهل الذكر: يعني أهل الكتب الماضية، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولا. قال: ثم قال: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم. وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال: نحن أهل الذكر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال: الذكر: القرآن. وقرأ: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، وقرأ: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم... الآية. القول في تأويل قوله تعالى (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) يقول تعالى ذكره: أرسلنا بالبينات والزبر رجالا نوحي إليهم.
[ 146 ]
فإن قال قائل: وكيف قيل بالبينات والزبر ؟ وما الجالب لهذه الباء في قوله بالبينات فإن قلت: جالبها قوله أرسلنا وهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة ما قبل إلا بعدها ؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو ؟ وأين الفعل الذي جلبها ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: الباء التي في قوله: بالبينات من صلة أرسلنا، وقال: إلا في هذا الموضع، ومع الجحد و الاستفهام في كل موضع بمعنى غير. وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال نوحي إليهم، ويقول على ذلك: ما ضرب إلا أخوك زيدا، وهل كلم إلا أخوك عمرا، بمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلم عمرا إلا أخوك ؟ ويحتج في ذلك بقول أوس بن حجر: أبني لبينى لستم بيد * إلا يد ليست لها عضد ويقول: لو كانت إلا بغير معنى لفسد الكلام، لان الذي خفض الباء قبل إلا لا يقدر على إعادته بعد إلا لخفض اليد الثانية، ولكن معنى إلا معنى غير. ويستشهد أيضا بقول الله عزوجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله ويقول: إلا بمعنى غير في هذا الموضع. وكان غيره يقول: إنما هذا على كلامين، يريد: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلنا بالبينات والزبر. قال: وكذلك قول القائل: ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه: ما ضرب إلا أخوك، ثم يبتدئ ضرب زيدا، و كذلك ما مر إلا أخوك بزيد ما مر إلا أخوك، ثم يقول: مر بزيد ويستشهد على ذلك ببيت الاعشى: وليس مجيرا إن أتى الحي خائف * ولا قائلا إلا هو المتعيبا
[ 147 ]
ويقول: لو كان ذلك على كلمة لكان خطأ، لان المتعيبا من صلة القائل، ولكن جاز ذلك على كلامين. وكذلك قول الآخر: نبئتهم عذبوا بالنار جارهم * وهل يعذب إلا الله بالنار فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر، وأنزلنا إليك الذكر. والبينات: هي الادلة والحجج التي أعطاها الله رسله أدلة على نبوتهم شاهدة لهم على حقيقة ما أتوا به إليهم من عند الله. والزبر: هي الكتب، وهي جمع زبور، من زبرت الكتاب وذبرته: إذا كتبته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: بالبينات والزبر قال: الزبر: الكتب. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بالبينات والزبر قال: الآيات. والزبر: الكتب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الزبر: الكتب. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والزبر يعني: بالكتب. وقوله: وأنزلنا إليك الذكر يقول: وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم. لتبين للناس يقول: لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك. ولعلهم يتفكرون يقول: وليتذكروا فيه ويعتبروا به أي بما أنزلنا إليك. وقد: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا الثوري، قال: قال مجاهد: ولعلهم يتفكرون قال: يطيعون. القول في تأويل قوله تعالى
[ 148 ]
(أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) يقول تعالى ذكره: أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب رسول الله (ص)، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا إذ قيل لهم ماذا أنزل ربكم: أساطير الاولين، صدا منهم لمن أراد الايمان بالله عن قصد السبيل، أن يخسف الله بهم الارض على كفرهم وشركهم، أو يأتيهم عذاب الله من مكان لا يشعر به ولا يدري من أين يأتيه ؟ وكان مجاهد يقول: عنى بذلك نمرود بن كنعان. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض... إلى قوله: أو يأخذهم على تخوف قال: هو نمرود بن كنعان وقومه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك، لان ذلك تهديد من الله أهل الشرك به، وهو عقيب قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فكان تهديد من لم يقر بحجة الله الذي جرى الكلام بخطابه قبل ذلك أحرى من الخبر عمن انقطع ذكره عنه. وكان قتادة يقول في معنى السيئات في هذا الموضع، ما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفأمن الذين مكروا السيئات: أي الشرك. القول في تأويل قوله تعالى: (أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ئ أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) يعني تعالى ذكره بقوله: أو يأخذهم في تقلبهم أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد
[ 149 ]
وترددهم في أسفارهم. فما هم بمعجزين يقول جل ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أو يأخذهم في تقلبهم يقول: في اختلافهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين قال: إن شئت أخذته في سفر. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أو يأخذهم في تقلبهم في أسفارهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقال ابن جريج في ذلك ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: أو يأخذهم في تقلبهم قال: التقلب: أن يأخذهم بالليل والنهار. وأما قوله: أو يأخذهم على تخوف فإنه يعني: أو يهلكهم بتخوف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشئ بعد الشئ حتى يهلك جميعهم، يقال منه: تخوف مال فلان الانفاق: إذا انتقصه، ونحو تخوفه من التخوف بمعنى التنقص، وقول الشاعر: تخوف السير منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن
[ 150 ]
يعني بقوله: تخوف السير: تنقص سنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عدي أنه كان يقول: هي لغة لازد شنوءة معروفة لهم ومنه قول الآخر: تخوف عدوهم مالي وأهدى * سلاسل في الحلوق لها صليل وكان الفراء يقول: العرب تقول: تحوفته: أي تنقصته، تحوفا: أي أخذته من حافاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتى التفسير بالحاء وهما بمعنى. قال: ومثله ما قرئ بوجهين قوله: إن لك في النهار سبحا وسبخا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن إبراهيم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية: أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فقالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله. قال: فخرج رجل ممن كان عند عمر، فلقى أعرابيا، فقال: يا فلان ما فعل ربك ؟ قال: قد تخيفته، يعني تنقصته. قال: فرجع إلى عمر فأخبره، فقال: قدر الله ذلك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أو يأخذهم على تخوف يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوف بذلك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: على تخوف قال: التنقص والتفزيع.
[ 151 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو يأخذهم على تخوف على تنقص. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: على تخوف قال: تنقص. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أو يأخذهم على تخوف فيعاقب أو يتجاوز. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو يأخذهم على تخوف قال: كان يقال: التخوف: التنقص، ينتقصهم من البلدان من الاطراف. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أو يأخذهم على تخوف يعني: يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى، ويعذب القرية ويهلكها، ويترك أخرى إلى جنبها. وقوله: فإن ربكم لرءوف رحيم يقول: فإن ربكم إن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجل لهم، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض، لرءوف بخلقه، رحيم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الارض، ولم يعجل لهم العذاب، ولكن يخوفهم وينقصهم بموت. القول في تأويل قوله تعالى: (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والمدينة والبصرة: أو لم يروا بالياء على الخبر عن الذين مكروا السيئات. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفيين: أو لم تروا بالتاء على الخطاب. وأولى القراءتين عندي الصواب قراءة من قرأ بالياء على وجه الخبر عن الذين مكروا
[ 152 ]
السيئات لان ذلك في سياق قصصهم والخبر عنهم، ثم عقب ذلك الخبر عن ذهابهم عن حجة الله عليهم وتركهم النظر في أدلته والاعتبار بها. فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من جسم قائم شجر أو جبل أو غير ذلك يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل يقول: يرجع من موضع إلى موضع، فهو في أول النهار على حال، ثم يتقلص، ثم يعود إلى حال أخرى في آخر النهار. وكان جماعة من أهل التأويل يقولون في اليمين والشمائل ما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله أما اليمين: فأول النهار وأما الشمال: فآخر النهار. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل قال: الغدو والآصال، إذا فاءت الظلال ظلال كل شئ بالغدو سجدت لله، وإذا فاءت بالعشي سجدت لله. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل يعني: بالغدو والآصال، تسجد الظلال لله غدوة إلى أن يفئ الظل، ثم تسجد لله إلى الليل، يعني: ظل كل شئ. وكان ابن عباس يقول في قوله يتفيأ ظلاله ما: حدثنا المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يتفيأ ظلاله يقول: تتميل. واختلف في معنى قوله: سجدا لله فقال بعضهم: ظل كل شئ سجوده. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يتفيأ ظلاله قال: ظل كل شئ سجوده.
[ 153 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن ثابت عن الضحاك: يتفيأ ظلاله قال: سجد ظل المؤمن طوعا، وظل الكافر كرها. وقال آخرون: بل عنى بقوله يتفيأ ظلاله كلا عن اليمين والشمائل في حال سجودها، قالوا: وسجود الاشياء غير ظلالها. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد وحدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قالا: ثنا حكام، عن أبي سنان، عن ثابت عن الضحاك، في قول الله: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله قال: إذا فاء الفئ توجه كل شئ ساجدا قبل القبلة من نبت أو شجر، قال: فكانوا يستحبون الصلاة عند ذلك. حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحماني، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد في قول الله: يتفيأ ظلاله قال: إذا زالت الشمس سجد كل شئ لله عزوجل. وقال آخرون: بل الذي وصف الله بالسجود في هذه الآية ظلال الاشياء، فإنما يسجد ظلالها دون التي لها الظلال. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله قال: هو سجود الظلال، ظلال كل شئ ما في السموات وما في الارض من دابة، قال: سجود ظلال الدواب، وظلال كل شئ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله ما خلق من كل شئ عن يمينه وشمائله، فلفظ ما لفظ عن اليمين والشمائل، قال: ألم تر أنك إذا صليت الفجر كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ؟ ثم بعث الله عليه الشمس دليلا، وقبض الله الظل. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر في هذه الآية أن ظلال الاشياء هي التي تسجد، وسجودها: ميلانها ودورانها من جانب إلى جانب وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس يقال من ذلك: سجدت النخلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميل للركوب. وقد بينا معنى السجود في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
[ 154 ]
وقوله: وهم داخرون يعني: وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذل له وخضع ومنه قول ذي الرمة: فلم يبق إلا داخر في مخيس * ومنجحر في غير أرضك في جحر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وهم داخرون: صاغرون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وهم داخرون: أي صاغرون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله. وأما توحيد اليمين في قوله: عن اليمين و الشمائل فجمعها، فإن ذلك إنما جاء كذلك، لان معنى الكلام: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلال ما خلق من شئ عن يمينه: أي ما خلق، وشمائله. فلفظ ما لفظ واحد، ومعناه معنى الجمع، فقال: عن اليمين بمعنى: عن يمين ما خلق، ثم رجع إلى معناه في الشمائل. وكان بعض أهل العربية يقول: إنما تفعل العرب ذلك، لان أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد، فيقال للرجل: خذ عن يمينك، قال: فكأنه إذا وحد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مسألة فيه واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر: بفي الشامتين الصخر إن كان هدني * رزية شبلي مخدر في الضراغم
[ 155 ]
فقال: بفي الشامتين، ولم يقل: بأفواه وقول الآخر: الواردون وتيم في ذرا سبإ * قد عض أعناقهم جلد الجواميس ولم يقل: جلود. القول في تأويل قوله تعالى: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) يقول تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لامره ما في السموات وما في الارض من دابة يدب عليها، والملائكة التي في السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة. والذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون. وكان بعض نحويي البصرة يقول: اجتزئ بذكر الواحد من الدواب عن ذكر الجميع. وإنما معنى الكلام: ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من الدواب والملائكة، كما يقال: ما أتاني من رجل، بمعنى: ما أتاني من الرجال. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إنما قيل: من دابة، لان ما وإن كانت قد تكون على مذهب الذي، فإنها غير مؤقتة، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الجزاء، والجزاء يدخل من فيما جاء من اسم بعده من النكرة، فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه، ولا تسقط من من هذا الموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالا ل من وما، فجعلوه بمن ليدل على أنه تفسير لما ومن لانهما غير موقتتين، فكان دخول من فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وكان دخول من أدل على ما لم يوقت من من وما، فلذلك لم تلغيا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 156 ]
(يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة التي في السموات وما في الارض من دابة، ربهم من فوقهم، أن بعذبهم إن عصوا أمره. ويفعلون ما يؤمرون يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) يقول تعالى ذكره: وقال الله لعباده: لا تتخذوا لي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودين، فإنكم إذا عبدتم معني غيري جعلتم لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك. فإياي فارهبون يقول: فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكا. القول في تأويل قوله تعالى: (وله ما في السماوات والارض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون) يقول تعالى ذكره: ولله ملك ما في السموات والارض من شئ، لا شريك له في شئ من ذلك، هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبيده حياتهم وموتهم. وقوله: وله الدين واصبا يقول جل ثناؤه: وله الطاعة والاخلاص دائما ثابتا واجبا، يقال منه: وصب الدين يصب وصوبا ووصبا كما قال الديلي: لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه * يوما بذم الدهر أجمع واصبا
[ 157 ]
ومنه قول الله: ولهم عذاب واصب وقول حسان: غيرته الريح تسفي به * وهزيم رعده واصب فأما من الالم، فإنما يقال: وصب الرجل يوصب وصبا، وذلك إذا أعيا ومل ومنه قول الشاعر: لا يغمز الساق من أين ولا وصب * ولا يعض على شرسوفه الصفر وقد اختلف أهل التأويل في تأويل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين عن أبي نضرة، عن ابن عباس: وله الدين واصبا قال: دائما. حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبي حصين، عن عكرمة، في قوله: وله الدين واصبا قال: دائما. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن يعلى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائما.
[ 158 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال أخبرنا: إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: وله الدين واصبا قال: دائما. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وله الدين واصبا قال: دائما. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: وله الدين واصبا قال: دائما. حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وله الدين واصبا: أي دائما، فإن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا من خلقه إلا عبده طائعا أو كارها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واصبا قال: دائما، ألا ترى أنه يقول: عذاب واصب: أي دائم ؟ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وله الدين واصبا قال: دائما، والواصب: الدائم. وقال آخرون: الواصب في هذا الموضع: الواجب. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن يعلى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وله الدين واصبا قال: واجبا. وكان مجاهد يقول: معنى الدين في هذا الموضع: الاخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة،
[ 159 ]
قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وله الدين واصبا قال: الاخلاص. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الدين: الاخلاص. وقوله: أفغير الله تتقون يقول تعالى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتحذرون أن يسلبكم نعمة الله عليكم بإخلاصكم العبادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه. القول في تأويل قوله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله: فمن الله فقال بعض البصريين: دخلت الفاء، لان ما بمنزلة من فجعل الخبر بالفاء. وقال بعض الكوفيين: ما في معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله، لان الجزاء لا بد له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر: إن العقل في أموالنا لا نضق به * ذراعا وإن صبرا فنعرف للصبر وقال: أراد: إن يكن العقل فأضمره. قال: وإن جعلت ما بكم في معنى الذي جاز، وجعلت صلته بكم وما في موضع رفع بقوله: فمن الله وأدخل الفاء كما قال: إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم وكل اسم وصل مثل من وما
[ 160 ]
والذي، فقد يجوز دخول الفاء في خبره لانه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لانه اسم غير موصول، وكذلك تقول: مالك لي، فإن قلت: مالك، جاز أن تقول: مالك فهو لي، وإن ألقيت الفاء فصواب. وتأويل الكلام: ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة وفي أموالكم من نماء، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره، لان ذلك إليه وبيده. ثم إذا مسكم الضر يقول: إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض وعلة عارضة وشدة من عيش، فإليه تجأرون يقول: فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم. وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ومنه قول الاعشى: وما أيبلي على هيكل * بناه وصلب فيه وصارا يراوح من صلوات الملي‍ * ك طورا سجودا وطورا جؤارا يعني بالجؤار: الصياح، إما بالدعاء وإما بالقراءة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فإليه تجأرون قال: تضرعون دعاء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 161 ]
حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: الضر: السقم. القول في تأويل قوله تعالى: (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ئ ليكفروا بمآ آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) يقول تعالى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم ومن الشدة في معاشكم، وفرج البلاء عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون يقول: إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا في عبادتهم، فيعبدون الاوثان ويذبحون لها الذبائح شكرا لغير من أنعم عليهم بالفرج مما كانوا فيه من الضر. ليكفروا بما آتيناهم يقول: ليجحدوا الله نعمته فيما آتاهم من كشف الضر عنهم. فتمتعوا فسوف تعلمون، وهذا من الله وعيد لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآيات وتهديد لهم، يقول لهم جل ثناؤه: تمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم، وتبلغوا الميقات الذي وقته لحياتكم وتمتعكم فيها، فإنكم من ذلك ستصيرون إلى ربكم، فتعلمون بلقائه وبال ما كسبت أيديكم، وتعرفون سوء مغبة أمركم، وتندمون حين لا ينفعكم الندم. القول في تأويل قوله تعالى: (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون) يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون من عبدة الاوثان، لما لا يعلمون منه ضرا ولا نفعا نصيبا يقول: حظا وجزاء مما رزقناهم من الاموال، إشراكا منهم له الذي يعلمون أنه خلقهم، وهو الذي ينفعهم ويضرهم دون غيره. كالذي: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم قال: يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم نصيبا مما رزقناهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم وهم مشركو العرب، جعلوا لاوثانهم نصيبا مما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لاوثانهم.
[ 162 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم قال: جعلوا لآلهتهم التي ليس لها نصيب ولا شئ، جعلوا لها نصيبا مما قال الله من الحرث والانعام، يسمون عليها أسماءها ويذبحون لها. وقوله: تالله لتسئلن عما كنتم تفترون يقول تعالى ذكره: والله أيها المشركون الجاعلون الآلهة والانداد نصيبا فيما رزقناكم شركا بالله وكفرا، ليسألنكم الله يوم القيامة عما كنتم في الدنيا تفترون، يعني: تختلقون من الباطل والافك على الله بدعواكم له شريكا، وتصييركم لاوثانكم فيما رزقكم نصيبا، ثم ليعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نعمه وافترائكم عليه. القول في تأويل قوله تعالى: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ئ وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) يقول تعالى ذكره: ومن جهل هؤلاء المشركين وخبث فعلهم وقبح فريتهم على ربهم، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبرهم وأنعم عليهم، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر، واستحق عليهم الحمد البنات، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه، نزه جل جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات، فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إليه ما لا ينبغي إضافته إليه. ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لانفسهم ويحبونه لها، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لانفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم. وفي ما التي في قوله: ولهم ما يشتهون وجهان من العربية: النصب عطفا لها على البنات، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك: ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون، فتكون ما للبنين، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله: ولهم ما يشتهون فيكون معنى الكلام: ويجعلون لله البنات ولهم البنون. وقوله: وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا يقول: وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له، ظل وجهه مسودا من كراهته له وهو كظيم يقول قد كظم الحزن، وامتلا غما بولادته له، فهو لا يظهر ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 163 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون، ثم قال: وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم... إلى آخر الآية، يقول: يجعلون لله البنات ترضونهن لي ولا ترضونهن لانفسكم وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هون، أو دسها في التراب وهي حية. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرب جارية خير لاهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وهو كظيم قال: حزين. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: وهو كظيم قال: الكظيم: الكميد. وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) يقول تعالى ذكره: يتوارى هذا المبشر بولادة الانثى من الولد له من القوم، فيغيب عن أبصارهم من سوء ما بشر به يعني: من مساءته إياه مميلا بين أن يمسكه على هون: أي على هوان، وكذلك ذلك لغة قريش فيما ذكر لي، يقولون للهوان: الهون ومنه قول الحطيئة: فلما خشيت الهون والعير ممسك * على رغمه ما أثبت الحبل حافره
[ 164 ]
وبعض بني تميم جعل الهون مصدرا للشئ الهين. ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون: إن كنت لقليل هون المؤنة منذ اليوم قال: وسمعت: الهوان في مثل هذا المعنى، سمعت منهم قائلا يقول لبعير له: ما به بأس غير هوانه، يعني خفيف الثمن، فإذا قالوا: هو يمشي على هونه، لم يقولوه إلا بفتح الهاء، كما قال تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. أم يدسه في التراب يقول: يدفنه حيا في التراب فيئده. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: أيمسكه على هون أم يدسه في التراب يئد ابنته. وقوله: ألا ساء ما يحكمون يقول: ألا ساء الحكم الذي يحكم هؤلاء المشركون وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لانفسهم، وجعلوا لما لا ينفعهم ولا يضرهم شركا فيما رزقهم الله، وعبدوا من خلقهم وأنعم عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم) وهذا خبر من الله جل ثناؤه أن قوله: وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، والآية التي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله البنات، فبين بقوله: للذين لا يوءمنون بالآخرة مثل السوء أنه مثل، وعنى بقوله جل ثناؤه: للذين لا يوءمنون بالآخرة للذين لا يصدقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين مثل السوء وهو القبيح من المثل، وما يسوء من ضرب له ذلك المثل. ولله المثل الاعلى يقول: ولله المثل الاعلى، وهو الافضل والاطيب، والاحسن، والاجمل، وذلك التوحيد والاذعان له بأنه لا إله غيره.
[ 165 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولله المثل الاعلى قال: شهادة أن لا إله إلا الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سيعد، عن قتادة، قوله: للذين لا يوءمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى الاخلاص والتوحيد. وقوله: وهو العزير الحكيم يقول تعالى ذكره: والله ذو العزة التي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إياه، ولا يتعذر عليه شئ أراده وشاءه لان الخلق خلقه والامر أمره، الحكيم في تدبيره، فلا يدخل تدبيره خلل ولا خطأ. القول في تأويل قوله تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) يقول تعالى ذكره: ولو يوءاخذ الله عصاة بني آدم بمعاصيهم، ما ترك عليها يعني على الارض من دابة تدب عليها. ولكن يوءخرهم يقول: ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يعاجلهم بالعقوبة، إلى أجل مسمى يقول: إلى وقتهم الذي وقت لهم. فإذا جاء أجلهم يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم، لا يستأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يستقدمون له حتى يستوفوا آجالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، قال: كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم. وقرأ: لو يوءاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي، قال: ثنا
[ 166 ]
محمد بن جابر الجعفي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: سمع أبو هريرة رجلا وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، قال: فالتفت إليه فقال: بلى، والله إن الحباري لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم (1) ! حدثني يعقوب، قال: ثنا أبو عبيدة الحداد، قال: ثنا قرة بن خالد السدوسي، عن الزبير بن عدي، قال: قال ابن مسعود: خطيئة ابن آدم قتلت الجعل. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: كاد الجعل أن يهلك في حجره بخطيئة ابن آدم. حدثني المثنى، قال: ثنا أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال الله: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قال: نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ولا يقدم ما لم يحضر أجله، فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء. القول في تأويل قوله تعالى: (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون لله ما يكرهونه لانفسهم. وتصف ألسنتهم الكذب يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه أن لهم الحسنى فأن في موضع نصب، لانها ترجمة عن الكذب. وتأويل الكلام: ويجعلون لله ما يكرهونه لانفسهم، ويزعمون أن لهم الحسنى الذي يكرهونه لانفسهم، البنات يجعلونهن لله تعالى، وزعموا أن الملائة بنات الله. وأما الحسنى التي جعلوها لانفسهم: فالذكور من الاولاد وذلك أنهم كانوا يئدون الاناث من أولادهم ويستبقون الذكور منهم، ويقولون: لنا الذكور ولله البنات. وهو نحو قوله: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 167 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى قال: قول قريش: لنا البنون ولله البنات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: قول كفار قريش. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب: أي يتكلمون بأن لهم الحسنى أي الغلمان. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن لهم الحسنى قال: الغلمان. وقوله: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون يقول تعالى ذكره: حقا واجبا أن لهؤلاء القائلين لله البنات الجاعلين له ما يكرهونه لانفسهم ولانفسهم الحسنى عند الله يوم القيامة النار. وقد بينا تأويل قول الله: لا جرم في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وروي عن ابن عباس في ذلك، ما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا جرم يقول: بلى. وقوله: لا جرم كان بعض أهل العربية يقول: لم تنصب جرم ب لا كما نصبت الميم من قول: لا غلام لك قال: ولكنها نصبت لانها فعل ماض، مثل قول القائل: قعد فلان وجلس، والكلام: لا رد لكلامهم أي ليس الامر هكذا، جرم: كسب، مثل قوله: لا أقسم، ونحو ذلك. وكان بعضهم يقول: نصب جرم ب لا، وإنما بمعنى: لا بد، ولا محالة ولكنها كثرت في الكلام حتى صارت بمنزلة حقا. وقوله: وأنهم مفرطون يقول تعالى ذكره: وأنهم مخلفون متروكون في النار، منسيون فيها.
[ 168 ]
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال أكثرهم بنحو ما قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال: منسيون مضيعون. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: أخبرنا سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، عن شعبة، قال: أخبرني أبو بشر، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال: متروكون في النار، منسيون فيها. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: حصين، أخبرنا، عن سعيد بن جبير، بمثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن سعيد بن جبير بمثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأنهم مفرطون قال: منسيون. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: وأنهم مفرطون قال: متروكون في النار.
[ 169 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن القاسم، عن مجاهد: مفرطون قال: منسيون. حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة: وأنهم مفرطون يقول: مضاعون. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا بدل، قال: ثنا عباد بن راشد، قال: سمعت داود بن أبي هند، في قول الله: وأنهم مفرطون قال: منسيون في النار. وقال آخرون: معنى ذلك معجلون إلى النار مقدمون إليها. وذهبوا في ذلك إلى قول العرب: أفرطنا فلانا في طلب الماء، إذا قدموه لاصلاح الدلاء والارشية وتسوية ما يحتاجون إليه عند ورودهم عليه فهو مفرط. فأما المتقدم نفسه فهو فارط، يقال: قد فرط فلان أصحابه يفرطهم فرطا وفروطا: إذا تقدمهم. وجمع فارط: فراط ومنه قول القطامي: واستعجلونا وكانوا من صحابتنا * كما تعجل فراط لوراد ومنه قول النبي (ص): أنا فرطكم على الحوض: أي متقدمكم إليه وسابقكم حتى تردوه. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وأنهم مفرطون يقول: معجلون إلى النار. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأنهم مفرطون قال: قد أفرطوا في النار أي معجلون.
[ 170 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: مبعدون في النار. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أشعث السمان، عن الربيع، عن أبي بشر، عن سعيد: وأنهم مفرطون قال: مخسئون مبعدون. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الافراط الذي هو بمعنى التقديم، إنما يقال فيمن قدم مقدما لاصلاح ما يقدم إليه إلى وقت ورود من قدمه عليه، وليس بمقدم من قدم إلى النار من أهلها لاصلاح شئ فيها لوارد يرد عليها فيها فيوافقه مصلحا، وإنما تقدم من قدم إليها لعذاب يعجل له. فإذا كان معنى ذلك الافراط الذي هو تأويل التعجيل ففسد أن يكون له وجه في الصحة، صح المعنى الآخر وهو الافراط الذي بمعنى التخليف والترك وذلك أن يحكى عن العرب: ما أفرطت ورائي أحدا: أي ما خلفته وما فرطته: أي لم أخلفه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المصرين الكوفة والبصرة: وأنهم مفرطون بتخفيف الراء وفتحها، على معنى ما لم يسم فاعله من أفرط فهو مفرط. وقد بينت اختلاف قراءة ذلك كذلك في التأويل. وقرأه أبو جعفر القارئ: وأنهم مفرطون بكسر الراء وتشديدها، بتأويل: أنهم مفرطون في أداء الواجب الذي كان لله عليهم في الدنيا، من طاعته وحقوقه، مضيعو ذلك، من قول الله تعالى: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. وقرأ نافع بن أبي نعيم: وأنهم مفرطون بكسر الراء وتخفيفها. حدثني بذلك يونس، عن ورش عنه. بتأويل: أنهم مفرطون في الذنوب والمعاصي، مسرفون على أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أفرط فلان في القول: إذا تجاوز حده، وأسرف فيه. والذي هو أولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة الذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لموافقتها تأويل أهل التأويل الذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الاخرى عن تأويلهم. القول في تأويل قوله تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم)
[ 171 ]
يقول تعالى ذكره مقسما بنفسه عزوجل لنبيه محمد (ص): والله يا محمد لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى أمتك من الدعاء إلى التوحيد لله وإخلاص العبادة له والاذعان له بالطاعة وخلع الانداد والآلهة. فزين لهم الشيطان أعمالهم يقول: فحسن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر بالله وعبادة الاوثان مقيمين، حتى كذبوا رسلهم، وردوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربهم. فهو وليهم اليوم يقول: فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا، وبئس الناصر. ولهم عذاب أليم في الآخرة عند ورودهم على ربهم، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان، ولا هي نفعتهم في الدنيا بل ضرتهم فيها وهي لهم في الآخرة أضر. القول في تأويل قوله تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا وبعثناك رسولا إلى خلقنا إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فتعرفهم الصواب منه والحق من الباطل، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها. وقوله: وهدى ورحمة لقوم يوءمنون يقول: وهدى بيانا من الضلالة، يعني بذلك الكتاب، ورحمة لقوم يوءمنون به، فيصدقون بما فيه، ويقرون بما تضمن من أمر الله ونهيه، ويعملون به. وعطف بالهدى على موضع ليبين، لان موضعها نصب. وإنما معنى الكلام: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا للناس فيما اختلفوا فيه هدى ورحمة. القول في تأويل قوله تعالى: (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) يقول تعالى ذكره منبه خلقه على حججه عليهم في توحيده، وأنه لا تنبغي الالوهة إلا له، ولا تصلح العبادة لشئ سواه: أيها الناس معبودكم الذي له العبادة دون كل شئ، أنزل من السماء ماء يعني: مطرا، يقول: فأنبت بما أنزل من ذلك الماء من السماء الارض الميتة التي لا زرع بها ولا عشب ولا نبت بعد موتها بعد ما هي ميتة لا شئ
[ 172 ]
فيها إن في ذلك لآية يقول تعالى ذكره: إن في إحيائنا الارض بعد موتها بما أنزلنا من السماء من ماء لدليلا واضحا وحجة قاطعة عذر من فكر فيه لقوم يسمعون يقول: لقوم يسمعون هذا القول فيتدبرونه ويعقلونه ويطيعون الله بما دلهم عليه. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) يقول تعالى ذكره: وإن لكم أيها الناس لعظة في الانعام التي نسقيكم مما في بطونه. واختلفت القراء في قراءة قوله: نسقيكم فقرأته عامة أهل مكة والعراق والكوفة والبصرة، سوى عاصم، ومن أهل المدينة أبو جعفر: نسقيكم بضم النون. بمعنى: أنه أسقاهم شرابا دائما. وكان الكسائي يقول: العرب تقول: أسقيناهم نهرا وأسقيناهم لبنا: إذا جعلته شربا دائما، فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة قالوا: سقيناهم فنحن نسقيهم بغير ألف. وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة سوى أبي جعفر، ومن أهل العراق عاصم: نسقيكم بفتح النون من سقاه الله فهو يسقيه. والعرب قد تدخل الالف فيما كان من السقي غير دائم وتنزعها فيما كان دائما، وإن كان أشهر الكلامين عندها ما قال الكسائي، يدل على ما قلنا من ذلك، قول لبيد في صفة سحاب: سقى قومي بني مجد وأسقى * نميرا والقبائل من هلال فجمع اللغتين كلتيهما في معنى واحد. فإذا كان ذلك كذلك، فبأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجب القراءتين إلي قراءة ضم النون لما ذكرت من أن أكثر الكلامين عند العرب فيما كان دائما من السقي أسقى بالالف فهو يسقي، وما أسقى الله عباده
[ 173 ]
من بطون الانعام فدائم له غير منقطع عنهم. وأما قوله: مما في بطونه وقد ذكر الانعام قبل ذلك، وهي جمع والهاء في البطون موحدة، فإن لاهل العربية في ذلك أقوالا، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: النعم والانعام شئ واحد، لانهما جميعا جمعان، فرد الكلام في قوله: مما في بطونه إلى التذكير مرادا به معنى النعم، إذ كان يؤدي عن الانعام ويستشهد لقوله ذلك برجز بعض الاعراب: إذا رأيت أنجما من الاسد * جبهته أو الخراة والكتد بال سهيل في الفضيخ ففسد * وطاب ألبان اللقاح فبرد ويقول: رجع بقوله: فبرد إلى معنى اللبن، لان اللبن والالبان تكون في معنى واحد. وفي تذكير النعم قول الآخر: أكل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه
[ 174 ]
فذكر النعم. وكان غيره منهم يقول: إنما قال: مما في بطونه لانه أراد: مما في بطون ما ذكرنا وينشد في ذلك رجزا لبعضهم: مثل الفراخ نتفت حواصله وقول الاسود بن يعفر: إن المنية والحتوف كلاهما * يوفي المخارم يرقبان سوادي فقال: كلاهما، ولم يقل: كلتاهما وقول الصلتان العبدي: إن السماحة والمروءة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح وقول الآخر: وعفراء أدنى الناس مني مودة * وعفراء عني المعرض المتواني ولم يقل: المعرضة المتوانية وقول الآخر:
[ 175 ]
إذا الناس ناس والبلاد بغبطة * وإذ أم عمار صديق مساعف ويقول: كل ذلك على معنى هذا الشئ وهذا الشخص والسواد، وما أشبه ذلك. ويقول: من ذلك قول الله تعالى ذكره: فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي بمعنى: هذا الشئ الطالع، وقوله: إن هذه تذكرة فمن شاء ذكره ولم يقل ذكرها، لان معناه: فمن شاء ذكر هذا الشئ، وقوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون فلما جاء سليمان، ولم يقل جاءت. وكان بعض البصريين يقول: قيل: مما في بطونه لان المعنى: نسقيكم من أي الانعام كان في بطونه. ويقول: فيه اللبن مضمر، يعني أنه يسقي من أيها كان ذا لبن، وذلك أنه ليس لكلها لبن، وإنما يسقى من ذوات اللبن. والقولان الاولان أصح مخرجا على كلام العرب من هذا القول الثالث. وقوله: من بين فرث ودم لبنا خالصا يقول: نسقيكم لبنا، نخرجه لكم من بين فرث ودم خالصا يقول: خلص من مخالطة الدم والفرث فلم يختلطا به. سائغا للشاربين يقول: يسوغ لمن شربه فلا يغص به كما يغص الغاص ببعض ما يأكله من الاطعمة. وقيل: إنه لم يغص أحد باللبن قط. القول في تأويل قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره: ولكم أيضا أيها الناس عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والاعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا مع ما نسقيكم من بطون الانعام من اللبن الخارج من بين الفرث والدم. وحذف من قوله: ومن ثمرات النخيل والاعناب الاسم، والمعنى ما وصفت، وهو: ومن ثمرات النخيل والاعناب ما تتخذون منه لدلالة من عليه، لان من تدخل في الكلام مبعضة، فاستغني بدلالتها ومعرفة السامعين بما يقتضي
[ 176 ]
من ذكر الاسم معها. وكان بعض نحويي البصرة يقول في معنى الكلام: ومن ثمرات النخيل والاعناب شئ تتخذون منه سكرا، ويقول: إنما ذكرت الهاء في قوله: تتخذون منه لانه أريد بها الشئ، وهو عندنا عائد على المتروك، وهو ما، وقوله: تتخذون من صفة ما المتروكة. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا فقال بعضهم: عني بالسكر: الخمر، وبالرزق الحسن: التمر والزبيب، وقال: أنما نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ثم حرمت بعد. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أيوب بن جابر السحيمي، عن الاسود، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس، قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: السكر: ما حرم من شرابه، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرته. حدثنا ابن وكيع وسعيد بن الربيع الرازي، قالا: ثنا ابن عيينة، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: الرزق الحسن: ما أحل من ثمرتها، والسكر: ما حرم من ثمرتها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن الاسود، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس، بنحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: ثنا سفيان، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس بنحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الاسود بن قيس، قال: سمعت رجلا يحدث عن ابن عباس في هذه الآية: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: السكر: ما حرم من ثمرتيهما، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرتيهما.
[ 177 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس، بنحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا الاسود بن قيس، قال: ثني عمرو بن سفيان، قال: سمعت ابن عباس يقول، وذكرت عنده هذه الآية: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: السكر: ما حرم منهما، والرزق الحسن: ما أحل منهما. حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان البصري، قال: قال ابن عباس، في قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: فأما الرزق الحسن: فما أحل من ثمرتهما، وأما السكر: فما حرم من ثمرتهما. حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن الاسود، عن عمرو بن سفيان البصري، عن ابن عباس: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: السكر: حرامه، والرزق الحسن: حلاله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا العباس بن أبي طالب، قال: ثنا أبو عوانة، عن الاسود، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس قال: السكر: ما حرم من ثمرتهما، والرزق الحسن: ما حل من ثمرتهما. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الرزق الحسن: الحلال، والسكر: الحرام. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: ما حرم من ثمرتهما، وما أحل من ثمرتهما. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: السكر خمر، والرزق الحسن الحلال. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر وسفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: الرزق الحسن: الحلال، والسكر: الحرام.
[ 178 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بنحوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: السكر: الحرام، والرزق الحسن: الحلال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي رزين: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر، فكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم والشعبي وأبي رزين، قالوا: هي منسوخة في هذه الآية: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا أبو قطن، عن سعيد، عن المغيرة، عن إبراهيم والشعبي، وأبي رزين بمثله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: هي منسوخة نسخها تحريم الخمر. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: ذكر الله نعمته في السكر قبل تحريم الخمر، حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور وعوف، عن الحسن، قال السكر: ما حرم الله منه، والرزق: ما أحل الله منه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن الحسن، قال: الرزق الحسن: الحلال، والسكر: الحرام. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك، قال: الرزق الحسن: الحلال، والسكر: الحرام.
[ 179 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب، عن ليث، عن مجاهد قال: السكر: الخمر، والرزق الحسن، الرطب والاعناب. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: تتخذون منه سكرا قال: هي الخمر قبل أن تحرم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: تتخذون منه سكرا قال: الخمر قبل تحريمها، ورزقا حسنا قال: طعاما. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا أما السكر: فخمور هذه الاعاجم، وأما الرزق الحسن: فما تنتبذون، وما تخللون، وما تأكلون. ونزلت هذه الآية ولم تحرم الخمر يومئذ، وإنما جاء تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: قرأت على ابن أبي عذرة، قال: هكذا سمعت قتادة: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ثم ذكر نحو حديث بشر. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سكرا قال: هي خمور الاعاجم، ونسخت في سورة المائدة. والرزق الحسن قال: ما تنتبذون وتخللون وتأكلون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وذلك أن الناس كانوا يسمون الخمر سكرا، وكانوا يشربونها، قال ابن عباس: مر رجال بوادي السكران الذي كانت قريش تجتمع فيه، إذا تلقوا مسافريهم إذا جاءوا من الشام،
[ 180 ]
وانطلقوا معهم يشيعونهم حتى يبلغوا وادي السكران ثم يرجعوا منه، ثم سماها الله بعد ذلك الخمر حين حرمت. وقد كان ابن عباس يزعم أنها الخمر، وكان يزعم أن الحبشة يسمون الخل السكر. قوله: ورزقا حسنا يعني بذلك: الحلال التمر والزبيب، وما كان حلالا لا يسكر. وقال آخرون: السكر بمنزلة الخمر في التحريم وليس بخمر، وقالوا: هي نقيع التمر والزبيب إذا اشتد وصار يسكر شاربه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، في قوله: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال ابن عباس: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر والسكر حرام مثل الخمر وأما الحلال منه فالزبيب والتمر والخل ونحوه. حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: تتخذون منه سكرا فحرم الله بعد ذلك، يعني بعد ما أنزل في سورة البقرة من ذكر الخمر والميسر والانصاب والازلام، السكر مع تحريم الخمر لانه منه، قال: ورزقا حسنا فهو الحلال من الخل والنبيذ وأشباه ذلك، فأقره الله وجعله حلالا للمسلمين. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن موسى، قال: سألت مرة عن السكر، فقال: قال عبد الله: هو خمر. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي فروة، عن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: السكر: خمر. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم، قال: السكر: خمر. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حسن بن صالح، عن مغيرة، عن إبراهيم وأبي رزين، قالا: السكر: خمر. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
[ 181 ]
الضحاك يقول في قوله: تتخذون منه سكرا يعني: ما أسكر من العنب والتمر ورزقا حسنا يعني: ثمرتها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: الحلال ما كان على وجه الحلال حتى غيروها فجعلوا منها سكرا. وقال آخرون: السكر: هو كل ما كان حلالا شربه، كالنبيذ الحلال والخل والرطب. والرزق الحسن: التمر والزبيب. ذكر من قال ذلك: حدثني داود الواسطي، قال: ثنا أبو أسامة، قال: أبوروق: ثني قال: قلت للشعبي: أرأيت قوله تعالى: تتخذون منه سكرا أهو هذا السكر الذي تصنعه النبط ؟ قال: لا، هذا خمر، إنما السكر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخل والرزق الحسن: التمر والزبيب. حدثني يحيى بن داود، قال: ثنا أبو أسامة، قال: وذكر مجالد، عن عامر، نحوه. حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا قال: ما كانوا يتخذون من النخل النبيذ، والرزق الحسن: ما كانوا يصنعون من الزبيب والتمر. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي روق، عن الشعبي، قال: قلت له: ما تتخذون منه سكرا ؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخل قلت: والرزق الحسن ؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبي، قال: السكر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل. وعلى هذا التأويل، الآية غير منسوخة، بل حكمها ثابت. وهذا التأويل عندي هو أولى الاقوال بتأويل هذه الآية، وذلك أن السكر في كلام العرب على أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثاني: ما طعم من الطعام، كما قال الشاعر:
[ 182 ]
جعلت عيب الاكرمين سكرا أي طعما. والثالث: السكون، من قول الشاعر: جعلت عين الحرور تسكر وقد بينا ذلك فيما مضى. والرابع: المصدر من قولهم: سكر فلان يسكر سكرا وسكرا وسكرا. فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يسكر من الشراب حراما بما قد دللنا عليه في كتابنا المسمى: لطيف القول في أحكام شرائع الاسلام وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان المنسوخ هو ما نفى حكمه الناسخ وما لا يجوز اجتماع الحكم به وناسخه، ولم يكن في حكم الله تعالى ذكره بتحريم الخمر دليل على أن السكر الذي هو غير الخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كل ما طعم، ولم يكن مع ذلك، إذ لم يكن في نفس التنزيل دليل على أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت عليه الامة، فوجب القول بما قلنا من أن معنى السكر في هذا الموضع: هو كل ما حل شربه مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفسد أن يكون معناه الخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السكر نفسه، إذ كان السكر ليس مما يتخذ من النخل والكرم، ومن أن يكون بمعنى السكون. وقوله: إن في ذلك لآية لقوم يعقلون يقول: فيما إن وصفنا لكم من نعمنا التي آتيناكم أيها الناس من الانعام والنخل والكرم، لدلالة واضحة وآية بينة لقوم يعقلون عن الله حججه ويفهمون عنه مواعظه فيتعظون بها. القول في تأويل قوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) يقول تعالى ذكره: وألهم ربك يا محمد النحل إيحاء إليها أن أتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون يعني: مما يبنون من السقوف، فرفعوها بالبناء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 183 ]
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان، عن إسحاق التميمي، وهو ابن أبي الصباح، عن رجل، عن مجاهد: وأوحى ربك إلى النحل قال: ألهمها إلهاما. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: بلغني، في قوله: وأوحى ربك إلى النحل قال: قذف في أنفسها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه، قوله: وأوحى ربك إلى النحل قال: قذف في أنفسها أن اتخذي من الجبال بيوتا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: وأوحى ربك إلى النحل.... الآية، قال: أمرها أن تأكل من الثمرات، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذللا. وقد بينا معنى الايحاء واختلاف المختلفين فيه فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك معنى قوله: يعرشون. وكان ابن زيد يقول في معنى يعرشون، ما: حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يعرشون قال: الكرم. القول في تأويل قوله تعالى: (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) يقول تعالى ذكره: ثم كلي أيتها النحل من الثمرات، فاسلكي سبل ربك يقول: فاسلكي طرق ربك ذللا يقول: مذللة لك، والذلل: جمع ذلول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: فاسلكي سبل ربك ذللا قال: لا يتوعر عليها مكان سلكته.
[ 184 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فاسلكي سبل ربك ذللا قال: طرقا ذللا، قال: لا يتوعر عليها مكان سلكته. وعلى هذا التأويل الذي تأوله مجاهد، الذلل من نعت السبل. والتأويل على قوله: فاسلكي سبل ربك ذللا الذلل لك: لا يتوعر عليك سبيل سلكتيه، ثم أسقطت الالف واللام فنصب على الحال. وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاسلكي سبل ربك ذللا: أي مطيعة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ذللا قال: مطيعة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاسلكي سبل ربك ذللا قال: الذلول: الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه، قال: فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم. وقرأ: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم.... الآية. فعلى هذا القول، الذلل من نعت النحل، وكلا القولين غير بعيد من الصواب في الصحة وجهان مخرجان، غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسبل لانها إليها أقرب. وقوله: يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه يقول تعالى ذكره: يخرج من بطون النحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لان فيها أبيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الالوان. قال أبو جعفر: أسحر: ألوان مختلفة مثل أبيض يضرب إلى الحمرة. وقوله: فيه شفاء للناس اختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء التي في قوله: فيه، فقال بعضهم: عادت على القرآن، وهو المراد بها. ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: فيه شفاء للناس قال: في القرآن شفاء.
[ 185 ]
وقال آخرون: بل أريد بها العسل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الادواء، وقد كان ينهي عن تفريق النحل وعن قتلها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه، فقال النبي (ص): اذهب فاسق أخاك عسلا ثم جاءه فقال: ما زاده إلا شدة، فقال النبي (ص): اذهب فاسق أخاك عسلا، فقد صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه، فكأنما نشط من عقال. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فذكر نحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، قال: شفاءان: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فيه شفاء للناس العسل. وهذا القول، أعني قول قتادة، أولى بتأويل الآية لان قوله: فيه في سياق الخبر عن العسل، فأن تكون الهاء من ذكر العسل، إذ كانت في سياق الخبر عنه أولى من غيره. وقوله: إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن في إخراج الله من بطون هذه النحل: الشراب المختلف، الذي هو شفاء للناس، لدلالة وحجة واضحة على من سخر النحل وهداها لاكل الثمرات التي تأكل، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال
[ 186 ]
والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفاء للناس، أنه الواحد الذي ليس كمثله شئ، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصح الالوهة إلا له. القول في تأويل قوله تعالى: * (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير) *. يقول تعالى ذكره: والله خلقكم أيها الناس وأوجدكم ولم تكونوا شيئا، لا الآلهة التي تعبدون من دونه، فاعبدوا الذي خلقكم دون غيره. ثم يتوفاكم يقول: ثم يقبضكم. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر يقول: ومنكم من يهرم فيصير إلى أرذل العمر، وهو أردؤه، يقال منه: رذل الرجل وفسل، يرذل رذالة ورذولة ورذلته أنا. وقيل: إنه يصير كذلك في خمس وسبعين سنة. حدثني محمد بن إسماعيل الفزاري، قال: أخبرنا محمد بن سوار، قال: ثنا أسد بن عمران، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، عن علي، في قوله: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر قال: خمس وسبعون سنة. وقوله: لكي لا يعلم بعد علم شيئا يقول: إنما نرده إلى أرذل العمر ليعود جاهلا كما كان في حال طفولته وصباه. بعد علم شيئا يقول: لئلا يعلم شيئا بعد علم كان يعلمه في شبابه، فذهب ذلك بالكبر ونسي، فلا يعلم منه شيئا، وانسلخ من عقله، فصار من بعد عقل كان له لا يعقل شيئا. إن الله عليم قدير يقول: إن الله لا ينسى ولا يتغير علمه، عليم بكل ما كان ويكون، قدير على ما شاء، لا يجهل شيئا ولا يعجزه شئ أراده. القول في تأويل قوله تعالى: * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سوآء أفبنعمة الله يجحدون) *. يقول تعالى ذكره: والله أيها الناس فضل بعضكم على بعض في الرزق الذي رزقكم في الدنيا، فما الذين فضلهم الله على غيرهم بما رزقهم برادي رزقهم على ما ملكت
[ 187 ]
أيمانهم يقول: بمشركي مماليكهم فيما رزقهم من الاموال والازواج. فهم فيه سواء يقول: حتى يستووا هم في ذلك وعبيدهم، يقول تعالى ذكره: فهم لا يرضون بأن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقتهم سواء، وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني. وهذا مثل ضربه الله تعالى ذكره للمشركين بالله. وقيل: إنما عنى بذلك الذين قالوا: إن المسيح ابن الله من النصارى. وقوله: أفبنعمة الله يجحدون يقول تعالى ذكره: أفبنعمة الله التي أنعمها على هؤلاء المشركين من الرزق الذي رزقهم في الدنيا يجحدون بإشراكهم غير الله من خلقه في سلطانه وملكه ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم يقول: لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ؟ فذلك قوله: أفبنعمة الله يجحدون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: هذه الآية في شأن عيسى ابن مريم، يعني بذلك نفسه، إنما عيسى عبد، فيقول الله: والله ما تشركون عبيدكم في الذي لكم فتكونوا أنتم وهم سواء، فكيف ترضون لي بما لا ترضون لانفسكم ؟ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم قال: مثل آلهة الباطل مع الله تعالى ذكره. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون وهذا مثل ضربه الله، فهل منكم من أحد شارك مملوكه في
[ 188 ]
زوجته وفي فراشه فتعدلون بالله خلقه وعباده ؟ فإن لم ترض لنفسك هذا، فالله أحق أن ينزه منه من نفسك، ولا تعدل بالله أحدا من عباده وخلقه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم قال: هذا الذي فضل في المال والولد، لا يشرك عبده في ماله وزوجته. يقول: قد رضيت بذلك لله ولم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكا في ملكه وخلقه. القول في تأويل قوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون). يقول تعالى ذكره: والله الذي جعل لكم أيها الناس من أنفسكم أزواجا يعني أنه خلق آدم زوجته حواء، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا: أي والله خلق آدم، ثم خلق زوجته منه ثم جعل لكم بنين وحفدة. واختلف أهل التأويل في المعنيين بالحفدة، فقال بعضهم: هم الاختان، أختان الرجل على بناته. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرو، عن ابن حبيش، عن عبد الله: بنين وحفدة قال: الاختان. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، عن ورقاء سألت عبد الله: ما تقول في الحفدة ؟ هم حشم الرجل يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: لا، ولكنهم الاختان. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال:
[ 189 ]
ثنا أبو أحمد، قالا جميعا: ثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، قال: الحفدة: الاختان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد الله، مثله. حدثنا ابن بشار وأحمد بن الوليد القرشي وابن وكيع وسوار بن عبد الله العنبري ومحمد بن خلف بن خراش والحسن بن خلف الواسطي، قالوا: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، قال: الحفدة: الاختان. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الحفدة: الاختان. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: بنين وحفدة قال: الحفدة: الاختان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الحفدة: الختن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: الاختان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الاختان. وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: وحفدة قال: الاصهار. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، قال: الحفدة: الاختان. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قال لي عبد الله بن مسعود: ما الحفدة يا زر ؟ قال: قلت: هم أحفاد الرجل من ولده وولد ولده. قال: لا، هم الاصهار. وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه. ذكر من قال ذلك:
[ 190 ]
حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سليم بن قتيبة، عن وهب بن حبيب الاسدي، عن أبي حمزة، عن ابن عباس سئل عن قوله: بنين وحفدة قال: من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قوله الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: بنين وحفدة قال: الحفدة: الخدام. حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجلي، عن سماك، عن عكرمة، قال: قال: الحفدة: الخدام. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن عكرمة، قال: هم الذين يعينون الرجل من ولده وخدمه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: وحفدة قال: الحفدة: من خدمك من ولدك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سلام بن سليم، وقيس عن سماك، عن عكرمة، قال: هم الخدم. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سلام أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، مثله. حدثني محمد بن خالد، قال: ثني سلمة، عن أبي هلال، عن الحسن، في قوله: بنين وحفدة قال: البنين وبني البنين، من أعانك من أهل وخادم فقد حفدك. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، قال: هم الخدم. حدثني محمد بن خالد وابن وكيع، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الحفدة: الخدم.
[ 191 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي و حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، جميعا عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بنين وحفدة قال: ابنه وخادمه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء و حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: بنين وحفدة قال: أنصارا وأعوانا وخداما. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: الحفدة: الخدم. حدثنا ابن بشار مرة أخرى، قال: ابنه وخادمه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة مهنة يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامة أكرمكم الله بها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: الحفدة، قال: الاعوان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة، قال: الذين يعينونه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: (بنين وحفدة) قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن الحسن، قال: الحفدة: الخدم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن عكرمة: (بنين وحفدة) قال: ولده الذين يعينونه. وقال آخرون: هم ولد الرجل وولد وله. ذكر من قال ذلك:
[ 192 ]
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وحفدة) قال: هم الولد وولد الولد (1). حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد و سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية: (بنين وحفدة) قال: الحفدة: البنون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك، قال حميد: حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال (2) حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) قال: الحفدة: الخدم من ولد الرجل هم ولده، وهم يخدمونه. قال: وليس تكون العبيد من الازواج، كيف يكون من زوجي عبد ؟ إنما الحفدة: ولد الرجل وخدمه. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (بنين وحفدة) يعني: ولد الرجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنما تخدمهم أولادهم الذكور. وقال آخرون: هم بنو امرأة الرجل من غيره. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) يقول: بنو امرأة الرجل ليسوا منه. (3).
[ 193 ]
ويقال: الحفدة: الرجل يعمل بين يدي الرجل، يقول: فلان يحفد لنا، ويزعم رجال أن الحفدة أختان (1) الرجل. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر عباده معرفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الازواج والبنين، فقال تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) فأعلمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة، والحفدة في كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسقة: جمع فاسق. والحافد في كلامهم: هو المتخفف في الخدمة والعمل، والحفد: خفة العمل، يقال: مر البعير يحفد حفدانا: إذا مر يسرع في سيره. ومنه قولهم: (إليك نسعى ونحفد): أي نسرع إلى العمل بطاعتك. يقال منه: حفد له يحفد حفدا وحفودا وحفدانا ومنه قول الراعي: كلفت مجهولها نوقا يمانية * إذا الحداة على أكسائها حفدوا (2) وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنهم المسرعون في خدمة الرجل المتخففون فيها، وكان الله تعالى ذكره أخبرنا أن مما أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلحون للخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا وخدمنا ومماليكنا إذا كانوا يحفدوننا فيستحقون اسم حفدة، ولم يكن الله تعالى دل بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله (ص) ولا بحجة عقل، على أنه عنى بذلك نوعا من الحفدة دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكل ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى من الحفدة دون عام، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم. وإذا كان ذلك كذلك فلكل الاقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا وجه في الصحة ومخرج في التأويل، وإن كان أولى بالصواب من القول ما اخترنا لما بينا من الدليل.
[ 194 ]
وقوله: (ورزقكم من الطيبات) يقول: ورزقكم من حلال المعاش والارزاق والاقوات. (أفبالباطل يؤمنون) يقول تعالى ذكره: يحرم عليهم أولياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل، فيصدق هؤلاء المشركون بالله. (وبنعمة الله هم يكفرون) يقول: وبما أحل الله لهم من ذلك وأنعم عليهم بإحلاله، (يكفرون) يقول: ينكرون تحليله، ويجحدون أن يكون الله أحله. القول في تأويل قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والارض شيئا ولا يستطيعون ئ فلا تضربوا لله الامثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون). يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثانا لا تملك لهم رزقا من السموات، لانها لا تقدر على إنزال قطر منها لاحياء موتان الارضين. والارض يقول: ولا تملك لهم أيضا رزقا من الارض لانها لا تقدر على إخراج شئ من نباتها وثمارها لهم ولا شيئا مما عدد تعالى في هذه الآية أنه أنعم بها عليهم. ولا يستطيعون يقول: ولا تملك أوثانهم شيئا من السموات والارض، بل هي وجميع ما في السموات والارض لله ملك، ولا يستطيعون يقول: ولا تقدر على شئ. وقوله: فلا تضربوا لله الامثال يقول: فلا تمثلوا لله الامثال، ولا تشبهوا له الاشباه، فإنه لا مثل له ولا شبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الامثال الاشباه. وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فلا تضربوا لله الامثال يعني اتخاذهم الاصنام، يقول: لا تجعلوا معي إلها غيري، فإنه لا إله غيري. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والارض شيئا ولا يستطيعون قال: هذه
[ 195 ]
الاوثان التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضرا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا. وقوله: فلا تضربوا لله الامثال فإنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الامثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الاشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه. واختلف أهل العربية في الناصب قوله: شيئا فقال بعض البصريين: هو منصوب على البدل من الرزق، وهو في معنى: لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا. وقال بعض الكوفيين: نصب شيئا بوقوع الرزق عليه، كما قال تعالى ذكره: ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا. أي تكفت الاحياء والاموات، ومثله قوله تعالى ذكره: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة. قال: ولو كان الرزق مع الشئ لجاز خفضه، لا يملك لكم رزق شئ من السموات، ومثله: فجزاء مثل ما قتل من النعم. القول في تأويل قوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون). يقول تعالى ذكره: وشبه لكم شبها أيها الناس للكافر من عبيده، والمؤمن به منهم. فأما مثل الكافر: فإنه لا يعمل بطاعة الله، ولا يأتي خيرا، ولا ينفق في شئ من سبيل الله ماله لغلبة خذلان الله عليه، كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شئ فينفقه. وأما المؤمن بالله فإنه يعمل بطاعة الله وينفق في سبيله ماله كالحر الذي آتاه الله مالا فهو ينفق منه سرا وجهرا، يقول: بعلم من الناس وغير علم. هل يستوون يقول هل يستوي العبد الذي لا يملك شيئا ولا يقدر عليه، وهذا الحر الذي قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق كما وصف ؟ فكذلك لا يستوي الكافر العامل بمعاصي الله المخالف أمره والمؤمن العامل بطاعته.
[ 196 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان بعض أهل العلم يقول. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالا فلم يقدم فيه خيرا ولم يعمل فيه بطاعة الله، قال الله تعالى ذكره: ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهذا المؤمن أعطاه الله مالا، فعمل فيه بطاعة الله وأخذ بالشكر ومعرفة حق الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لاهله في الجنة، قال الله تعالى ذكره: هل يستويان مثلا، والله ما يستويان: الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ قال: هو الكافر لا يعمل بطاعة الله ولا ينفق خيرا ومن رزقناه منا رزقا حسنا قال: المؤمن يطيع الله في نفسه وماله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ يعني: الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا يعني المؤمن، وهذا المثل في النفقة. وقوله: الحمد لله يقول: الحمد الكامل لله خالصا دون ما تدعون أيها القوم من دونه من الاوثان فإياه فاحمدوا دونها. وقوله: بل أكثرهم لا يعلمون يقول: ما الامر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، ما للاوثان عندهم من يد ولا معروف فتحمد عليه، إنما الحمد لله ولكن أكثر هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها لا يعلمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلهم بما يأتون ويذرون يجعلونها لله شركاء في العبادة والحمد. وكان مجاهد يقول: ضرب الله هذا المثل، والمثل الآخر بعده لنفسه، والآلهة التي تعبد من دونه. القول في تأويل قوله تعالى: (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).
[ 197 ]
وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه، فقال تعالى ذكره: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ يعني بذلك الصنم أنه لا يسمع شيئا ولا ينطق، لانه إما خشب منحوت وإما نحاس مصنوع لا يقدر على نفع لمن خدمه ولا دفع ضر عنه. وهو كل على مولاه يقول: وهو عيال على ابن عمه وحلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كل على من يعبده، يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه، كالابكم من الناس الذي لا يقدر على شئ، فهو كل على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم. أينما يوجهه لا يأت بخير يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير، لانه لا يفهم ما يقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم ولا يفهم عنه، فكذلك الصنم لا يعقل ما يقال له فيأتمر لامر من أمره، ولا ينطق فيأمر وينهي يقول الله تعالى: هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل يعني: هل يستوي هذا الابكم الكل على مولاه الذي لا يأتي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحق ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته ؟ يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله: وهو على صراط مستقيم يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحق في دعائه إلى العدل وأمره به مستقيم، لا يعوج عن الحق ولا يزول عنه. وقد اختلف أهل التأويل في المضروب له هذا المثل، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لا يقدر على شئ قال: هو الوثن. هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل قال: الله يأمر بالعدل. وهو على صراط مستقيم وكذلك كان مجاهد يقول إلا أنه كان يقول: المثل الاول أيضا ضربه الله لنفسه وللوثن. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا ورجلين أحدهما أبكم ومن يأمر بالعدل قال: كل هذا مثل إله الحق، وما يدعي من دونه من الباطل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 198 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم قال: إنما هذا مثل ضربه الله. وقال آخرون: بل كلا المثلين للمؤمن والكافر. وذلك قول يروى عن ابن عباس، وقد ذكرنا الرواية عنه في المثل الاول في موضعه. وأما في المثل الآخر: فحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه... إلى آخر الآية، يعني بالابكم: الذي هو كل على مولاه الكافر، وبقوله: ومن يأمر بالعدل المؤمن، وهذا المثل في الاعمال. حدثنا الحسن بن الصباح البزار، قال: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، قال: ثنا حماد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن يعلى بن أمية، عن ابن عباس، في قوله: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا قال: نزلت في رجل من قريش وعبده. وفي قوله: مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ... إلى قوله: وهو على صراط مستقيم قال: هو عثمان بن عفان. قال: والابكم الذي أينما يوجه لا يأت بخير، ذاك مولى عثمان بن عفان، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المئونة، وكان الآخر يكره الاسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما. وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في المثل الاول لانه تعالى ذكره مثل مثل الكافر بالعبد الذي وصف صفته، ومثل مثل المؤمن بالذي رزقه رزقا حسنا فهو ينفق مما رزقه سرا وجهرا، فلم يجز أن يكون ذلك لله مثلا، إذ كان الله إنما مثل الكافر الذي لا يقدر على شئ بأنه لم يرزقه رزقا ينفق منه سرا ومثل المؤمن الذي وفقه الله لطاعته فهداه لرشده فهو يعمل بما يرضاه الله، كالحر الذي بسط له في الرزق فهو ينفق منه سرا وجهرا، والله تعالى ذكره هو الرازق غير المرزوق، فغير جائز أن يمثل إفضاله وجوده بإنفاق المرزوق الرزق الحسن. وأما المثل الثاني، فإنه تمثيل منه تعالى ذكره من مثله الابكم الذي لا يقدر على شئ
[ 199 ]
والكفار لا شك أن منهم من له الاموال الكثيرة، ومن يضر أحيانا الضر العظيم بفساده، فغير كائن ما لا يقدر على شئ، كما قال تعالى ذكره مثلا، لمن يقدر على أشياء كثيرة. فإذا كان ذلك كذلك كان أولى المعاني به تمثيل ما لا يقدر على شئ كما قال تعالى ذكره بمثله ما لا يقدر على شئ، وذلك الوثن الذي لا يقدر على شئ، بالابكم الكل على مولاه الذي لا يقدر على شئ كما قال ووصف. القول في تأويل قوله تعالى: (ولله غيب السماوات والارض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شئ قدير) . يقول تعالى ذكره: ولله أيها الناس ملك ما غاب عن أبصاركم في السموات والارض دون آلهتكم التي تدعون من دونه، ودون كل ما سواه، لا يملك ذلك أحد سواه. وما أمر الساعة إلا كلمح البصر يقول: وما أمر قيام القيامة والساعة التي تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة، إلا كنظرة من البصر، لان ذلك إنما هو أن يقال له كن فيكون. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلا كلمح البصر أو هو أقرب والساعة: كلمح البصر، أو أقرب. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وما أمر الساعة إلا كلمح البصر قال: هو أن يقول: كن، فهو كلمح البصر فأمر الساعة كلمح البصر أو أقرب يعني يقول: أو هو أقرب من لمح البصر. وقوله: إن الله على كل شئ قدير يقول: إن الله على إقامة الساعة في أقرب من لمح البصر قادر، وعلى ما يشاء من الاشياء كلها، لا يمتنع عليه شئ أراده. القول في تأويل قوله تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون). يقول تعالى ذكره: والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها وتميزون بها الخير من الشر وبصركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به
[ 200 ]
الاصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والابصار التي تبصرون بها الاشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض. والافئدة يقول: والقلوب التي تعرفون بها الاشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها. لعلكم تشكرون يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والانداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك. وقوله: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا كلام متناه، ثم ابتدئ الخبر، فقيل: وجعل الله لكم السمع والابصار والافئدة. وإنما قلنا ذلك كذلك، لان الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والابصار والافئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم. القول في تأويل قوله تعالى: (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون). يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين: ألم تروا أيها المشركون بالله إلى الطير مسخرات في جو السماء، يعني: في هواء السماء بينها وبين الارض، كما قال إبراهيم بن عمران الانصاري: ويل امها من هواء الجو طالبة * ولا كهذا الذي في الارض مطلوب يعني: في هواء السماء. ما يمسكهن إلا الله يقول: ما طيرانها في الجو إلا بالله وبتسخيره إياها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعا. وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول: إن في تسخير الله الطير وتمكينه لها الطيران في جو السماء، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه
[ 201 ]
لاحظ للاصنام والاوثان في الالوهة. لقوم يؤمنون يعني: لقوم يقرون بوجدان ما تعاينه أبصارهم وتحسه حواسهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مسخرات في جو السماء: أي في كبد السماء. القول في تأويل قوله تعالى: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارهآ أثاثا ومتاعا إلى حين). يقول تعالى ذكره: والله جعل لكم أيها الناس، من بيوتكم التي هي من الحجر والمدر، سكنا تسكنون أيام مقامكم في دوركم وبلادكم. وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا وهي البيوت من الانطاع والفساطيط من الشعر والصوف والوبر. تستخفونها يقول: تستخفون حملها ونقلها، يوم ظعنكم من بلادكم وأمصاركم لاسفاركم، ويوم إقامتكم في بلادكم وأمصاركم. ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا. وبنحو الذي قلنا في معنى السكن قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: من بيوتكم سكنا قال: تسكنون فيه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وأما الاشعار فجمع شعر تثقل عينه وتخفف، وواحد الشعر شعرة. وأما الاثاث فإنه متاع البيت لم يسمع له بواحد، وهو في أنه لا واحد له مثل المتاع. وقد حكي عن بعض النحويين أنه كان يقول: واحد الاثاث أثاثة ولم أر أهل العلم بكلام العرب يعرفون ذلك. ومن الدليل على أن الاثاث هو المتاع، قول الشاعر:
[ 202 ]
أهاجتك الظعائن يوم بانوا * بذي الرئي الجميل من الاثاث ويروى: بذي الزي. وأنا أرى أصل الاثاث اجتماع بعض المتاع إلى بعض حتى يكثر كالشعر الاثيث وهو الكثير الملتف، يقال منه، أث شعر فلان يئث أثا: إذا كثر والتف واجتمع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أثاثا يعني بالاثاث: المال. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: أثاثا قال: متاعا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: أثاثا قال: هو المال. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن حرب الرازي، قال: أخبرنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن حميد بن عبد الرحمن، في قوله: أثاثا قال: الثياب. وقوله: ومتاعا إلى حين فإنه يعني: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت. كما:
[ 203 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ومتاعا إلى حين فإنه يعني: زينة، يقول: ينتفعون به إلى حين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ومتاعا إلى حين قال: إلى الموت. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ومتاعا إلى حين إلى أجل وبلغة. القول في تأويل قوله تعالى: * (والله جعل لكم مما خلق ظلا وجعل لكم من الجبال أكننا وجعل لكم سربيل تقيكم الحرو سربيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمة عليكم لعلكم تسلمون) * يقول تعالى ذكره: ومن نعمة الله عليكم أيها الناس، أن جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيره ظلالا تستظلون بها من شدة الحر، وهي جمع ظل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن قتادة، في قوله: * (مما خلق ظلالا) * قال: الشجر. حدثنا، بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة: * (والله جعل لكم مما خلق ظلا لا) * إي والله، من الشجر ومن غيرها. وقوله: * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) يقول: وجعل لكم من الجبال مواضع تسكنون فيها، وهي جمع كن، كما: حدثنا، بشر ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * يقول: غيرانا من الجبال يسكن فيها. * (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * يعني ثياب القطن والكتان والصوف وقمصها.
[ 204 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عنقتادة: * (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * من القطن والكتاب ولصوف. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ان ثور، عن معمر، عنقتادة: * (سرابيل تقيكما لحر) * قال: القطن والكتان. وقوله: * (سرابيل تقيكم بأسكم) * يقول: ودروعا تقيكم بأسكم، والبأس: هو الحرب، والمعنى تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم. كما. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة: * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * من هذا الحديد. وقوله: * (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * يقول ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التى وصفها في هذه الآيات نعمة منه بذلك عليكم، فكذا يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. يقول: لتخضعوا الله بالطاعة، وتذل منكم بتوحيده النفوس، وتخلصوا له العبادة. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: لعلكم تسلمون) التاء. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا ابن المبارك، عن حيظلة، عن شهر بن حوشب، قال: كان ابن عباس يقول: لعلكم تسلمون قال: يعني من الجراح (1). حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا عباد بن العوام، عن حنظلة السدوسي، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، أنه قرأها: (لعلم تسلمون من الجراحات، قال أحمد بن يوسف، قال أبو عبيد، يعني بفتح التاء واللام. قتأويل الكلام على قرأرة ابن عباس هذه: كذلك يتم نعمة عليكم بما جعل لكم من السرابيل التي تقيكم بأسكم، لتسلموا من السلام في حروبكم، والقرأءة التي لا أسجيز يا هذا، لإجماع الحجة، من قرأء الأمصار عليها.
[ 205 ]
فإن قال لنا قائل: وكيف جعل لكم سرابيل تقيكم الحر، فخص، بالذكر الحر دون البر، وهي تقي الحر والبرد ؟ أم كيف قيل: * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * وترك ذكر ما جعل لهم من السهل ؟ قيل له: قد أختلف في الذي من أجله جاء التنزيل كذلك، وسنذكر ما قيل في ذلك ندل على أولى الأقوال في ذلك بالصواب. فروي عن عطاء الخراساني قي ذلك ما: حدثني اللحارث قال: ثنا القاسم، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: إنما نزل القرآن على قد رمعرفتهم، ألا ترى إلى قوى الله تعالى ذكره: * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا) * وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم، كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله: * (ومن أصوافها من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله: * (ومن أصواب وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) * وما وجعل له عن غير ذلك أعظم منه و ؟ أكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر، ألا ترى إلى قوله: * (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) * يعجبهم من ذلك ؟ وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم، كانوا لا يعرفون به، ألا ترى إلى قوله: * (سرابيل تقيكم الحر) * وما تقى من البرد أكثر وأعظم ؟ ولكنهم كانوا أصحاب حر. فالسبب الذي من أجله خص، الله تعالى ذكره السرابيل بأنها تقي الحردون البرد على هذا القول، هو أن المخاطبين بذلك كانوا أصحاب حر، فذكر الله تعالى ذكره نعمته عليهم سائر الأحرف الأخر. وقال: آخرون: ذكر ذلك خاصة اكتفاء بذكر أحدهما من ذكر الآخر، إذا كان معلوما عند المخاطبين به معناه، وأن السرابيل التي تقي أيضا البرد، وقالوا: ذلك موجود في كلام العرب مستعمل، واستشهدوا لقولهم بقول الشاعر: وما أدري إذا يممت وجها * أريد الخير أيهما يلتبي
[ 206 ]
فقال: أيهما يليني: يريد الخير أو الشر، وإنما ذكر الخير لأنه إذا أراد الخير فهو يتقي الشر. وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: إن القوم خوطبوا على قدر معرفتهم، وإن كان في ذكر بعض ذلك دلالة على ما ترك ذكره لمن عرف المذكور هذه السورة دون غيرهم، فذكر إنماا عندهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن تولوا فإنما عليك البلغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكفرون) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عما أرسلتك به إليهم من الحق، فلم يستجبيوا لك وأعرضوا عنه، فما عليك من لوم ولا عذل، لأنك قد أديت ما عليك في ذلك، إنه ليس عليك إلا بلاغهم ما أرسلت به. ويعني بقوله * (المبين) * الذي يبين لمن سمعه حتى يفهمه. وأما قوله: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنى بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها، فقال، بعضهم: هو النبي (ص) عرفوا ثم جحدوها وكذبوه. ذكر من قال ذلك: حدثنا: محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * قال محمد (ص). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان عن السيدي مثله. وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم، ولكنهم ينكرون ذلك، فيز عمون أنهم ورثوه عن آبائهم. ذكر من قال ذلك:
[ 207 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثنا، المثنى، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * قال: هي المساكن والأنعام، وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب تعرف هذا كفار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لآبائنا، فروحونا (1) إياه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: فورثونا إياها. وزاء في الحديث عن ابن جريح، قال ابن نعمة ثم إنكار هم إياها كفرهم بعد. وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا: ابن وكيع، قال: ثنا معاوية، عن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن ليث، عن عون بن عبد الله بن عتبة: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * قال: إنكار هم إياها، أن يقول الرجل، لولا فلان، ما كان وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا. وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم: من رزقكم ؟ أقروا بأن الله هو الذي رزقهم، ثم ينكرون ذلك بقولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا. وأولى الأقوال: في ذلك الصواب وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: عني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله * (يعرفون نعمة الله) * النعمة عليهم بإرسال محمد (ص) إليهم داعيان إلى بعث به، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده إذ لم يكن معنى يدل على انصرافه عما قبله وعما بعده، فالذي قبل هذه الآية، قوله: * (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ انصرافه ما المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * وما بعده: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * وهو رسولها. فإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الآية، يعرف هؤلاء المشركون، بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك، ثم ينكرونك، ويجحدون نبوتك * (وأكثر هم الكافرون) * يقول: أكثر قومك الجاحدون نبوتك، لا المقرون بها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 208 ]
* (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون) * يقول تعالى ذكره: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها اليوم ويستنكرون * (يوم نبعث من كل أمة شيهدا) * وهو الشاهد عليها بما أجابت داعي الله، وهو رسولهم الذي أرسل إليهم، * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * يقوله: ثم لا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار، فيعتذروا مما كانوا بالله وبرسوله بكفرون * (ولا ثم يستعتبون) * فيتركوا الرجوع إلى الدنيا فينبيوا ويتربوا، وذلك، كما قال تعالى، * (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء) * الثول في تأويل ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال، ثنا سيعد، عن قتادة، قوله: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * وشاهدها وشاهدها نبيها، على أنه قد بلغ رسالات ربه، قال الله تعالى: * (وجئنا بك شهيدا على قولاء) * القولى في تأيويل قوله تعالى: * (وإذا رءالذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون) * يقول تعالى ذكره: وإذا عاين الذين كذبوك يا محمد وجحدوا نبوتك والأمم الذين كانوا على منهاج مشركي قومك عذاب الله، فلا ينجيهم من عذاب الله شئ لأنهم لا يؤذن لهم فيعتذرون فيخفف عنهم العذاب العذر الذي يدعونه، * (ولا هم ينظرون) * يقوله: ولا يرجئون بالعقاب، لأن وقت التوبة والإنابة قد فات، فليس ذلك وقتا لهما، وإنما هو وقت للجزاء على الأعمال، فلا ينظر بالعتاب ليعتب بالتوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا الذين أشركوا شركأء قالوا، ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم، القول إنكم لكذبون) * يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المشركون بالله يوم القيامد ما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة والأوثان وغيره ذلك: قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا في الكفر بك، والشركاء الذين
[ 209 ]
كنا ندعوهم آلهة من دونك. قال الله تعالى ذكره * (فألقواء) * يعني: شركاء هم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله * (القول) * يقول: قالوا لهم: لكاذبون المشركين، ماكنا ندعكم إلى عبادتنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال، ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثناشيل، حميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: * (فألقوا إليهم القول) * قال: حدثوهم. حدثنا القاسم، قال الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وألقوا إلى الله يوميذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يقول تعالى ذكره: وألقى امشركون إلى الله يومئذ السلم، يقول: استسلموا يومئذ وذلوا الحكمه فيهم، ولم تغن عنهم آلهتهم التي كانوا يدعون في الدنيا من دون الله، وتيرأت منهم، ولا قومهم، ولا عشائرهم الذين كانوا في الدنيا يدافعون عنهم. والعرب تقول: ألقيت إليه كذا تعني بذلك قلت له: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يقول: وأخطأ هم من آلهتهم ما كانوا يأملون من الشفاعة عند اله بالنجاة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سيعد، عن قتادة، قوله: * (وألقوا إلى الله يؤمئذ السلم) * يقول: ذلوا واستسلموا يومئذ * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدنهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * يقول تعالى ذكره: الذين جحدوا يا محمد نبوتك وكذبوك فيما حئتهم به من عند ربك، وصدوا عن الإيمان بالله وبرسوله ومن أراده، زدناهم عذابا يوم القيامة في جنهم فوق العذاب الذي هم فيه قبل أن يزادوه. وقيل: تلك الزيادة التي وعدهم الله أنزيد هموها عقارب وحيات. ذكر من قال ذلك.
[ 210 ]
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بنمرة، عن مسروق، عن عبد الله: * (زذنا هم عذابا فوق العذاب) * قال عقارب لها أنياب كالنخل. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق عن عبد الله مثله. حدثنا ابن إبراهم بن يعقوب الجوز جاني، قال: ثنا جعفر بن عوان، قال: أخبرنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله مثله. حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا إسرائيل، عن السدي، عن مرة عن عبد الله، قال: * (زدنا هم عذابا فوق العذاب) * قال: أفاعي. عبد الله، قال: أفاعي في النار (2). حدثنا: ابن وكيع: قال: ثنا أبي عن سفيان عن رجل عن مرة عن عبد الله مثله. حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن الصباح، قالا: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، قال: إن لجهنم، جبابا (3) فيها حيات أمثال البخت وعقاب أمثال البغال الدهم، يستغيث أهل النار إلى تلك الجبات أو
[ 211 ]
الساحل، فتثب إليهم فتأخذ بشفاههم وشفار هم إلى أقداهم، فيستغبثوب منها إلى النار، فيقولون: النار النار ! فتتبعهم حتى تجد حرها فترجع، قال: وهي أسراب (1) حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال إن لجنهم سواحل فيها حيات وعقارب أعناقها كأعناق البخت. وقوله * (بما كانوا يفسدون) * يقول: زدنا هم ذلك العذاب على ما بهم من العذاب بما كانوا يفسدون، بما كانوا في الدنيا يعصون الله ويأمرون عباده، بمعصيته، فذلك كان إفسادهم، اللهم إنا نسألك العافية يا مالك، الدنيا والآخرة الباقية. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شيهدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شئ وهدى ورحمه وبشرى للمسلين) * يقول تعالى ذكره: * (ويوم بنعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) * يقول: نسأل نبيهم الذي بعثناه إليهم للدعاء إلى طاعتنا. وقال * (من أنفسهم) * لأنه تعالى ذكره كان يبعث إلى أمم أنبياءها منها: ماذا أجابوكم، وما ردوا عليكم ؟ * (وجئنا بك شهيدا على هولاء) * يقول لنبيه محمد (ص): وجئنا بك يا محمد شاهدا على قومك وأمتك الذين أرسلتك إليهم بما أجابوك وماذا عملوا فيما أرسكتك به إليهم. وقوله * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * يقول: نزل عليك يا محمد هذا القرآن بيانا لكل ما بالناس إليه الحاجة من معرفة الحلال والحرام والثواب والعقاب. * (وهدى) * من الضلاة * (ورحمة) * لمن صدق به وعمل بما فيه من حدود الله وأمره ونهيه، فأحل حلاله وحرم حرامه. * (وبشرى للمسلمين) * يقول: وبشارة لمن أطاع الله وخضع له بالتوحيد وأذعن له باطاعة يبشره يجزيل ثوابه في الآخرة وعظيم كرامته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك.
[ 212 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، بن الزبير، عن ابن عيينة، قال ثنا أبان تغلب عن الحكم عن مجاهد: * (تبيانا لكل شئ) * قال: مما أحل وحرم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أبان بن تغلب عن مجاهد، في قوله * (تبيانا لكل شئ) * مما أحل لهم وحرم عليهم. حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبو أحمد، قال ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، قوله * (تبيانا لكل شئ) * قال: ما مرأبه، وما نهى عنه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * قال: ما أمروا به، ونهوا عنه. حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين قال: ثنا محمد بن فضيل، عن أشعث، عن رجل قال: قال ابن مسعود: أنزل في هذا القرآن كل علم وكل شئ قد بين لنا في القرآن. ثم تلا هذه الآية. القول في تأمل قوله تعالى: * (إن الله يأمر بالعدل الاحسن وإيناى ذى القربى وينهى عن الفحشا والمنكر والبغى يعظكم تذكرون) * يقول تعالى ذكره: إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل، وهو الإنصاف، ومن الإنصاف الإقرار بمن أنعم علينا بنعمة، والشكر له على إفضاله، وتولى الحمد أهله، وإذا كان ذلك هو العدل ولم يكن للأوثان والأصنام عندنا يد تستحق الحمد عليها، كان جهلا بنا حمدها وعبادتها، وهي لا تنعم فتشكر ولا تنفع فتعبد، فلزمنا أن نشهد أن لا إله إلا ألله وحده لا شريك له، ولذلك قال من قال: العدل في هذا الموضوع شهادة أن لا إله إلا الله. ذكر من قال ذلك. حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني
[ 213 ]
معاوية عن علي عن ابن عباس قوله: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * قال: شهادة أن لاإله إلا الله. وقوله * (إلاحسان) * فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر الله على طاعته فيما أمر ونهي، في والمنكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضة. كما: حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا، ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، * (والإحسان) * يقول: أداء الفرائض. وقوله * (وإيتاء ذي القربى) * يقول: وإعطاء ذي القريي الحق الذى أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم. كما: حدثني المثنى وعلي، قالا: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس * (وإيتاء ذي القربى) * يقول: الأرحام. وقوله: * (وينهى عن الفحشا) * قال الفحشاء في هذا الموضع: الزنا. ذكر من قال ذلك. حدثني المثنى، وعلى بن داود، قالا، ثنا عبد الله بن صالح، عن علي، عن ابن عباس: * (وينهى عن الفحشاء) * يقول: الزنا. وقوله: * (والبغى) * قيل: عني بالبغي في هذا الموضع: الكبر والظلم. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، * (والبغى) * يقول: الكبر والظلم. وأصل البغي: التعدي ومجاوزة القدر والحد من كل شئ. وقد بينا ذلك فيما مضى
[ 214 ]
وقوله: * (يعظكم لعلكم تذكرون) * يقول: يذكر كم أيها الناس ربكم لتذكروا فتنبيوا إلى أمره ونهيه، وتعرفوا الحق لأهله. كما: حدثني المثنى وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس * (يعظكم) * يقول: يوصيكم، * (لعلكم تذكرون) *. وقد ذكر عن ابن عيينة أنه كان يقول في تأويل ذلك: إن معنى العدل في هذا الموضوع استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا وإن معنى الإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانية، طن الفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته. وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في هذه الآية، ما: حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت منصور بن النعمان، عن عامر، عن شتير بن شكل، قال: سمعت عبد الله يقول: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل: * (إن الله يأمر بالعدل الإحسان وإيتاء ذي القربى) *... إلى آخر الآية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، عن شتير بن شكل، قال: سمعت عبد الله يقول: إن أجمع آية في القرآن لخير أو لشر، آية ف - سورة النحل * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * الآية حدثنا بشر، قال: ثنا سيعد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي) *.. الآية إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق يسئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأفوا بعهد الله إذا عهد ثم ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون.) *
[ 215 ]
يقول تعالى ذكره: وأفوا بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقد تموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقا لمن عاقد تموه به وواثقتموه عليه. * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيد ها) * يقول: ولا تخالفوا الأمر الذي تعاقدتم فيه الأيمان، يعني بعد ما شددتم الأيمان على أنفسكم، فتحنثوا في أيمانكم وتكذبوا فيها وتنقضوها بعد إبرامها، يقال منه: وكد فلان يمينه يوكدها توكيدا: إذا شددها، وهي لغة أهل الحجاز، وأما أهل نجد، فإنهم جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعيا يرعى الموفى بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به الناقض. وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل على اختلاف بينهم فيمن عني بهذه الآية وفيما أنزلت، فقال بعضهم: عني بها الذين بايعوا رسول الله (ص) على الإسلام، وفيهم أنزلت: ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن عمارة الأسدى قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى عن بريده قوله * (وأفوا بعهد الله إذا عاهد تم) * قال: أنزلت هذه الآية في بيعة النبي (ص) كان من أسلم بايع على الإسلام فقالوا: * (وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * هذه البيعة التي بايعتم على الإسلام * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * البيعة، فلا يحملكم قلة محمد (ص) وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان فيهم قلة والمشركين فيهم كثرة وقال آخرون: نزلت في الحلف الذي كان أهل الشرك تحالفوا في الجاهلية فأمرهم الله عزوجل في الإسلام أن يوفوا به ولا ينقضوه. ذكره من قال ذلك. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن أبن أبي نجيح عن مجاهد في قوهل الله تعالى: * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * قال: تغليظها في الحلف. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا عن ابن نجيح عن مجاهد مثله.
[ 216 ]
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سيعد، عن قتادة، قوله: * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * يقول: بعد تشديدها وتغليظها. حدثنى يونس، قال: أخبرنا ابن وهب: قال ابن زيد: هؤلاء قوم كانوا حلقاء لقوم تحالفوا وأعطى بعضهم العهد فجاءهم قوم فقالوا: نحن أكثر وأعز وأمنع فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا، ففلوا فذلك قوم، فقالوا: نحن أكثر وأعز وأمنع، فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا ففعلوا فذلك قول الله تعالى: * (ولا تنقضوا الأيمان عبد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * أن تكون أمة هي أربى من أمة، هي أربي أكثر من أجل أن كان هولاء أكثر من أولئك نقضتم العهد فيما بينكم وبن هولاء فكان هذا في هذا. حدثني انب البرقي قال: ثنا ابن مريم، قال: أخبر نا نافع بن زيد، قال: سألت يحيى بن سعيد، عن قول الله * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * قال العهود: والصواب من القول في ذلك يقال: إن الله تعالى أمر في هذه الآية عبادد بالوفاء بعهوده التى يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان بعد توكيده على أنفسهم لآخرين بعقود تكو بينهم بحق مما لا يكرهه الله. وجائز أن تكون نزلت ف الذين بايعوا وأن تكون نزلت في الذين أرادو الانتقال بحلفهم عن حلفائهم لقلة عددهم في آخرين لكثرة دون شئ، وجائز أن تكون في غير ذلك. ولا خبرتثبت به الحجة أنها نزلت في شئ ذلك أولى بالحق، مما قلنا لدلالة ظاهره عليه، وأن الآية كانت قد نزلت لسبب من الأسباب، ويكون الحكم بها عاما في كل ماكان بعمنى السبب الذي نزلت فيه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال، ثني حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد: * (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * قال: وكيلا. قوله: * (إن الله يعلم ما تفعلون) * يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس يعلم ما تفعلون في العهود التي تعاهدون الله من الوفاء بها والأحلاف والأيمان التي تؤكدوها على أنفسكم، أتبرون فيها أم تنقضونها، يقول تعالى، ذكره: إن الله أيها الناس يعلم ما تفعلون في العهود التي تعاهدون الله من الوفاء بها والأحلاف والأيمان التي تؤكدونها على أنفسكم، أتبرون فيها أم تنقضونها، وغير ذلك من أفعالكم، حمص ذلك كله عليكم، وهو مسائلكم عنها وعما عملتم، فيها يقول: فاحذروا الله أن تلقوه وقد خالقتم فيها أمره ونهية، فتستوجبر، بذلك منه ما لا قبل لكم به من ألم عقابة: القول في تأويل قوله تعالى:
[ 217 ]
* (ولا تكونوا كالتى نقضت عزلها من بعده أنكثا تتخذون أيمنكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) *. يقول تعالى ذكره ناهيا عباده عن نقض الايمان بعد توكيدها، وآمرا بوفاء العهود، وممثلا ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بذلك العهود والمواثيق كالتي نقضت غزلها من بعد قوة يعني: من بعد إبرام. وكان بعض أهل العربية يقول: القوة: ما غزل على طاقة واحدة ولم يثن. وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير: كالتي نقضت غزلها من بعد قوة قال: خرقاء كانت بمكة تنقضه بعد ما تبرمه. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن صدقة، عن السدي: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم قال: هي خرقاء بمكة كانت إذا أبرمت غزلها نقضته. وقال آخرون: إنما هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد، فشبهه بامرأة تفعل هذا الفعل. وقالوا في معنى نقضت غزلها من بعد قوة، نحوا مما قلنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة قال: غزلها: حبلها تنقضه بعد إبرامها إياه ولا تنتفع به بعد. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال:
[ 218 ]
ثنا شبل، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كالتي نقضت غزلها من بعد قوة قال: نقضت حبلها من بعد إبرام قوة حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا قال: هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد الذي يعطيه، ضرب الله هذا له مثلا بمثل التي غزلت ثم نقضت غزلها، فقد أعطاهم ثم رجع، فنكث العهد الذي أعطاهم. وقوله: أنكاثا يعني: أنقاضا، وكل شئ نقض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نكث حبلا كان ذلك أو غزلا، يقال منه: نكث فلان هذا الحبل فهو ينكثه نكثا، والحبل منتكث: إذ انتقضت قواه. وإنما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد. وقوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه دخلا بينكم يقول: خديعة وغرورا ليطمئنوا إليكم وأنتم مضمرون لهم الغدر وترك الوفاء بالعهد والنقلة عنهم إلى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عددا منهم. والدخل في كلام العرب: كل أمر لم يكن صحيحا، يقال منه: أنا أعلم دخل فلان ودخلله وداخلة أمره ودخلته ودخيلته. و أما قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة فإن قوله أربى: أفعل من الربا، يقال: هذا أربى من هذا وأربأ منه، إذا كان أكثر منه ومنه قول الشاعر: وأسمر خطي كأن كعوبه نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر
[ 219 ]
وإنما يقال: أربى فلان من هذا وذلك للزيادة التي يريدها على غريمه على رأس ماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول: أكثر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول: ناس أكثر من ناس. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة قال: كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز منهم، فنهوا عن ذلك. حدثنا ابن المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.... وحدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم يقول: خيانة وغدرا بينكم. أن تكون أمة هي أربى من أمة أن يكون قوم أعز وأكثر من قوم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا أبو ثور، عن معمر، عن قتادة: دخلا بينكم قال: خيانة بينكم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 220 ]
تتخذون أيمانكم دخلا بينكم يغر بها، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، قال: فأول بدو هذا قوم كانوا حلفاء لقوم تحالفوا وأعطى بعضهم بعضا العهد، فجاءهم قوم قالوا: نحن أكثر وأعز وأمنع، فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا ففعلوا، وذلك قول الله تعالى: ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا أن تكون أمة هي أربى من أمة هي أربى: أكثر من أجل أن كانوا هؤلاء أكثر من أولئك نقضتم العهد فيما بينكم وبين هؤلاء، فكان هذا في هذا، وكان الامر الآخر في الذي يعاهده فينزله من حصنه ثم ينكث عليه، الآية الاولى في هؤلاء القوم وهي مبدؤه، والاخرى في هذا. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول: أكثر، يقول: فعليكم بوفاء العهد. وقوله: إنما يبلوكم الله به يقول تعالى ذكره: إنما يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بعهد الله إذا عاهدتم، ليتبين المطيع منكم المنتهي إلى أمره ونهيه من العاصي المخالف أمره ونهيه. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون يقول تعالى ذكره: وليبينن لكم أيها الناس ربكم يوم القيامة إذا وردتم عليه بمجازاة كل فريق منكم على عمله في الدنيا، المحسن منكم بإحسانه والمسئ بإساءته، ما كنتم فيه تختلفون والذي كانوا فيه يختلفون في الدنيا أن المؤمن بالله كان يقر بوحدانية الله ونبوة نبيه، ويصدق بما ابتعث به أنبياءه، وكان يكذب بذلك كله الكافر فذلك كان اختلافهم في الدنيا الذي وعد الله تعالى ذكره عباده أن يبينه لهم عند ورودهم عليه بما وصفنا من البيان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو شآء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشآء ويهدي من يشآء ولتسألن عما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربكم أيها الناس للطف بكم بتوفية من عنده، فصرتم جميعا جماعة واحدة وأهل ملة واحدة لا تختلفون ولا تفترقون ولكنه تعالى ذكره خالف
[ 221 ]
بينكم فجعلكم أهل ملل شتى، بأن وفق هؤلاء للايمان به والعمل بطاعته فكانوا مؤمنين، وخذل هؤلاء فحرمهم توفيقه فكانوا كافرين، وليسألنكم الله جميعا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم ونهاكم، ثم ليجازينكم جزاء المطيع منكم بطاعته والعاصي له بمعصيته. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم) *. يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دخلا وخديعة بينكم، تغرون بها الناس فتزل قدم بعد ثبوتها يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين. وإنما هذا مثل لكل مبتلي بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: زلت قدمه، كما قال الشاعر: سيمنع منك السبق إن كنت سابقا وتلطع إن زلت بك النعلان وقوله: وتذوقوا السوء يقول: وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء هو عذاب الله الذي يعذب به أهل معاصيه في الدنيا، وذلك بعض ما عذب به أهل الكفر. بما صددتم عن سبيل الله يقول: بما فتنتم من أراد الايمان بالله ورسوله عن الايمان. ولكم عذاب عظيم في الآخرة، وذلك نار جهنم. وهذه الآية تدل على أن تأويل بريدة الذي ذكرنا عنه في قوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والآيات التي بعدها، أنه عني بذلك: الذين بايعوا رسول الله (ص) على الاسلام، عن مفارقة الاسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به، لانه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم صد عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه
[ 222 ]
الآية فاعلي ذلك أنهم باتخاذهم الايمان دخلا بينهم ونقضهم الايمان بعد توكيدها، صادون عن سبيل الله، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر بالله لا صفة أهل النقل بالحلف عن قوم إلى قوم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ئ ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضا من الدنيا قليلا ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به يثبكم الله على الوفاء به، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك هو خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ما بين العوضين اللذين أحدهما الثمن القليل الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به. ثم بين تعالى ذكره فرق ما بين العوضين وفضل ما بين الثوابين، فقال: ما عندكم أيها الناس مما تتملكونه في الدنيا وإن كثر فنافد فان، وما عند الله لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باق غير فان، فلما عنده فاعملوا وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا. وقوله: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: وليثيبن الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السراء والضراء، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها ومسارعتهم في رضاه، بأحسن ما كانوا يعملون من الاعمال دون أسوئها، وليغفرن الله لهم سيئها بفضله. القول في تأويل قوله تعالى * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن يقول: وهو مصدق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة وبوعيد أهل معصيته على المعصية فلنحيينه حياة طيبة. واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالحياة الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن
[ 223 ]
يحييهموها، فقال بعضهم: عني أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي مالك، عن ابن عباس: فلنحيينه حياة طيبة قال: الحياة الطيبة: الرزق الحلال في الدنيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي مالك وأبي الربيع، عن ابن عباس، بنحوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي الربيع، عن ابن عباس، في قوله: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة قال: الرزق الحسن في الدنيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي الربيع، عن ابن عباس: فلنحيينه حياة طيبة قال: الرزق الطيب في الدنيا. حدثني المثنى، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي الربيع، عن ابن عباس: فلنحيينه حياة طيبة قال: الرزق الطيب في الدنيا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة يعني في الدنيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن مطرف، عن الضحاك: فلنحيينه حياة طيبة قال: الرزق الطيب الحلال. حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا عون بن سلام القرشي، قال: أخبرنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: فلنحيينه حياة طيبة قال: يأكل حلالا ويلبس حلالا.
[ 224 ]
وقال آخرون: فلنحيينه حياة طيبة بأن نرزقه القناعة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن أبي خزيمة سليمان التمار، عمن ذكره عن علي: فلنحيينه حياة طيبة قال: القنوع. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عصام، عن أبي سعيد، عن الحسن البصري، قال: الحياة الطيبة: القناعة وقال آخرون: بل يعني بالحياة الطيبة الحياة مؤمنا بالله عاملا بطاعته. ذكر من قال ذلك: حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فلنحيينه حياة طيبة يقول: من عمل عملا صالحا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة، فحياته طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحا، عيشته ضنكة لا خير فيها. وقال آخرون: الحياة الطيبة السعادة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فلنحيينه حياة طيبة قال: السعادة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: الحياة في الجنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، عن عوف، عن الحسن: فلنحيينه حياة طيبة قال: لا تطيب لاحد حياة دون الجنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: * (فلنحيينه حياة طيبه) * قال: ماطيب الحياة لأحد إلا في الجنة. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن فتادة، قوله * (من عمل صالحا من ذكر أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياه طيبه) * فإن الله لا يشاء عملا إلا في إخلاص، ويوجب من عمل ذلك، في إيمان قال الله تعالى * (فلحيينة حياة طيبة) * وهى الجنة.
[ 225 ]
حدثنا القاسم، قال ثني حجاج عن ابن جريح عن مجاهد، * (فلنحيينة حياة طبية) 8 قال الآخرة يحييهم، حياة طبية في الآخرة حدثني يونس قال: أخبرنا ان وهب قال قال: ابن زيد في قوله: الآخ رة في الجنة تلك، الحياة الطبية، قال * (ولنجز ينهم أجزهم بأحسن ما كانوا يعلمون) * وقال ألا تراه يقول (يا ليتنى قدمت لحياتي) قال: هذه آخرته. وقرأ أيضا: * (وإن الدار الآخرة، لهي الحيوان) * قال الآخرة دار احياة الأهل النار وأهل الجنة ليس فيها موت لأحد من القريقين. حدثني المثنى، ثال: ثنا إسحاق قا ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن): قال: الإيمان الإخلاص لله وحده، فبين أنه لا يقبل لا يقبل عملا إلا بالإخلاص له. وأولى الأقوال بالصواب قول من ذلك فنحيينه حياة طبية بالقناعة، فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه عل ما لعله لا يدر كه فيها. و إنما قلت ذلك أولى التأويلات في ذلك بالآية، لأن الله تعالى ذكره أو عد قوما قبلها على معصيتهم إياه إن عصوه أذاقهم السوء في الدنيا والعذاب في الآخرة فقال تعالى: * (ولا تتخذوا إيمانكم دخلوا بينكم، فتنزل قدم بعد ثبتوتها وتذرقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله) 8 فهذا لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم فهذا الهم، في الآخرة ثم أتبع ذلك قالذي هذه السيئة بحكمة أن يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدينا والغفران في الآخرة وكذلك فعل تعالى ذكره. وأما القول الذي روي هن بن عباس أنه الرزق الحلال، فهو، محتمل، أن يكون معناه
[ 226 ]
الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدينا بالذي يرزقه من احالال وإن قل فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله، لا أنه يرزقه الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب علهيم أعلب من السعة. وقوله * (ولنجزينهم أحر هم بأحسن ما كانوا يعملون) * قال: إذا صاروا إلى الله جزاهم أحر هم بأحسن ما كانوا يعملون. حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، بن سميع، عن أبي مالك، وأبي الربيع، عن ابن عباس مثله، حدثنا ابن وكيع، قال ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع عن أبي الربيع، عن ابن عباس * (ولنجزينهم أجر هم) * قال في الآخرة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن إسماعيل، بن سميع عن أبي الربيع، عن ابن عباس مثله، حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس * (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) * يقول: يجزيهم أجر هم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون. وقيل إن هذا الآية نزلت لهم أفضل أهل الملل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال: ثنا يعلي بن عبيد عن إسماعيل، عن أبي صالح، قال جلس ناس من أهل الأوثان وأهل التوارة وأهل الإنجيل فقال هؤلاء: نحن أفضل وقال هؤلاء: نحن أفضل فأنزل الله تعالى: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون) * القوى في تأويل قوله تعالى:
[ 227 ]
* (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ئ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ئ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإذا كنت يا محمد قارئا القرآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وكان بعض أهل العربية يزعم أنه من المؤخر الذي معناه التقديم. وكأن معنى الكلام عنده: وإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم، فاقرأ القرآن. ولا وجه لما قال من ذلك، لان ذلك لو كان كذلك لكان متى استعاذ مستعيذ من الشيطان الرجيم لزمه أن يقرأ القرآن، ولكن معناه ما وصفناه. وليس قوله: فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم بالامر اللازم، وإنما هو إعلام وندب وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن من قرأ القرآن ولم يستعذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قرأته أو بعدها أنه لم يضيع فرضا واجبا. وكان ابن زيد يقول في ذلك نحو الذي قلنا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم قال: فهذا دليل من الله تعالى دل عباده عليه. وأما قوله: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فإنه يعني بذلك: أن الشيطان ليست له حجة على الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا بما أمر الله به وانتهوا عما نهاهم الله عنه. وعلى ربهم يتوكلون يقول: وعلى ربهم يتوكلون فيما نابهم من مهمات أمورهم. إنما سلطانه على الذين يتولونه يقول: إنما حجته على الذين يعبدونه، والذين هم به مشركون يقول: والذين هم بالله مشركون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنما سلطانه قال: حجته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: إنما سلطانه على الذين يتولونه قال: يطيعونه.
[ 228 ]
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله لم يسلط فيه الشيطان على المؤمن. فقال بعضهم بما: حدثت عن واقد بن سليمان، عن سفيان، في قوله: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر. وقال آخرون: هو الاستعاذة، فإنه إذا استعاذ بالله منع منه ولم يسلط عليه. واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة الحجر. وقال آخرون في ذلك، بما: حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إلى قوله: والذين هم به مشركون يقال: إن عدو الله إبليس قال: لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل، وإنما سلطانه على قوم اتخذوه وليا وأشركوه في أعمالهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون يقول: السلطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما سلطانه على الذين يتولونه يقول: الذين يطيعونه ويعبدونه. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا فاستعاذوا بالله منه، بما ندب الله تعالى ذكره من الاستعاذة وعلى ربهم يتوكلون على ما عرض لهم من خطراته ووساوسه.
[ 229 ]
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية لان الله تعالى ذكره أتبع هذا القول: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وقال في موضع آخر: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم فكان بينا بذلك أنه إنما ندب عباده إلى الاستعاذة منه في هذه الاحوال ليعيذهم من سلطانه. وأما قوله: والذين هم به مشركون فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم فيه بما قلنا إن معناه: والذين هم بالله مشركون. ذكر من قال ذلك حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والذين هم به مشركون قال: يعدلون برب العالمين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: والذين هم به مشركون قال: يعدلون بالله. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: والذين هم به مشركون عدلوا إبليس بربهم، فإنهم بالله مشركون. وقال آخرون: معنى ذلك: والذين هم به مشركون، أشركوا الشيطان في أعمالهم. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: والذين هم به مشركون أشركوه في أعمالهم. والقول الاول، أعني قول مجاهد، أولى القولين في ذلك بالصواب وذلك أن الذين يتولون الشيطان إنما يشركونه بالله في عبادتهم وذبائحهم ومطاعمهم ومشاربهم، لا أنهم يشركون بالشيطان. ولو كان معنى الكلام ما قاله الربيع، لكان التنزيل: الذين هم مشركوه ولم يكن في الكلام به، فكان يكون لو كان التنزيل كذلك: والذين هم مشركوه في أعمالهم، إلا أن يوجه موجه معنى الكلام إلى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان
[ 230 ]
ويشركون الله به في عبادتهم إياه، فيصح حينئذ معنى الكلام، ويخرج عما جاء التنزيل به في سائر القرآن وذلك أن الله تعالى وصف المشركين في سائر سور القرآن أنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم سلطانا، وقال في كل موضع تقدم إليهم بالزجر عن ذلك: لا تشركوا بالله شيئا، ولم نجد في شئ من التنزيل: لا تشركوا الله بشئ، ولا في شئ من القرآن خبرا من الله عنهم أنهم أشركوا الله بشئ فيجوز لنا توجيه معنى قوله: والذين هم به مشركون إلى والذين هم بالشيطان مشركو الله. فبين إذا إذ كان ذلك كذلك أن الهاء في قوله: والذين هم به عائدة على الرب في قوله: وعلى ربهم يتوكلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخرى، والله أعلم بما ينزل يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من أحكامه، قالوا إنما أنت مفتر يقول: قال المشركون بالله المكذبو رسوله لرسوله: إنما أنت يا محمد مفتر أي مكذب تخرص بتقول الباطل على الله. يقول الله تعالى: بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد إنما أنت مفتر جهال بأن الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه لا يعلمون حقيقة صحته. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: وإذا بدلنا آية مكان آية قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإذا بدلنا آية مكان آية رفعناها فأنزل غيرها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وإذا بدلنا آية مكان آية قال: نسخناها، بدلناها، رفعناها، وأثبتنا غيرها.
[ 231 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سيعد، عن قتادة، قوله: * (إذا بدلنا آية مكان) * هو كقوله * (ما ننسخ من آية لاو ننسها.) * حدثنى يونس، قال: أخبرنا ابنن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: * (وإذا بدلنا آية مكان آية) * قولوا: إنما أنت مفتر تأتى بشئ وتنقضه، فتأتى بغيره، قال: وهذا التبديل ناسخ، ولا نبدل آية مكان آية إلا بنسح، القول في تأويل قوله تعالى: * (قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للقائلين لك إنما أنت مفتر فيما تتلو عليهم من آي كتابنا: أنزله روح القدس يقول: قل جاء به جبرئيل من عند ربي بالحق. وقد بينت في غير هذا الموضع معنى روح القدس، بما أغنى عن إعادته وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا جعفر بن عون العمري، عن موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن كعب، قال: روح القدس: جبرئيل. وقوله: ليثبت الذين آمنوا يقول تعالى ذكره: قل نزل هذا القرآن ناسخه ومنسوخه روح القدس علي من ربي، تثبيتا للمؤمنين وتقوية لايمانهم، ليزدادوا بتصديقهم لناسخه ومنسوخه إيمانا لايمانهم وهدى لهم من الضلالة، وبشرى للمسلمين الذين استسلموا لامر الله وانقادوا لامره ونهيه وما أنزله في آي كتابه، فأقروا بكل ذلك وصدقوا به قولا وعملا. ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربي مبين يقول تعالى ذكره: ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم، إنما يعلم محمد ا هذا الذي يتلوه بشر من بنى آدم، وما هو عند الله، يقول الله تعالى ذكره مكذبهم
[ 232 ]
في قيلهم ذلك: ألا تعلمون كذب ما تقولون ؟ إن لسان الذي تلحدون إليه، يقول: تميلون إليه بأنه يعلم محمدا، أعجمي وذلك، أنهم فيما ذكر كانوا يزعمون أن الذي يعلم محمدا عربي مبين) * يقول وهذا القرآن لسان عربي مبين. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في اسم الذي كان المشركون يوعمون أنه يعلم محمدا (ص) هذا القرآن من البشر، فقال بعضهم، كان اسمه بلعام وكان قينا بمكة نصرانيا. ذكر من قال ذلك. حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال، ثنا أبو عاصم، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم بن عبد الله الملائى، عن مجاهد عن أبن عباس، قال، كان رسول الله (ص) يعلم قينا بمكة، وكان أعجمي اللسان، وكان اسمه بلعام فكان المشركون فأنزل الله تعالى ذكره: * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعحمي وهذا لسان عربي مبين) * وقال آخرون: اسمه يعيش: ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن سفيان عن حبيب، عن عكرمة، قال كان (ص) يقرئ علاما المغيرة أعجميا قال اسفيان أراه يقال له يعيش قال فذلك قوله * (لسان الذي يلحدون إليه يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربي مبين) * حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعمله بشر) * وقد قالت قريش، إنما يعلمه بشر، عبد لبني الحضرمي يقال له يعيش قال الله تعالى: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * وكان يعيش يقرأ الكتب. وقال آخرون: بل كان اسمه جبر. ذكر من قال ذلك:
[ 233 ]
حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: كان رسول الله (ص) فيما كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني بياضة الحضر مى، فانوا يقولون: والله ما يعلم كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني علام الحضرمي فأنزل الله تعالى في قولهم، * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه لسان الذى يلحدون إليه أعجمي إليه وهذا لسان عربي مبين) * حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: هني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد الله بن كثير: كانوا يقولون: إنما يعلمه نصراني على المروة، ويعلم محمدا رومي يقولون اسمه جبر وكان صاحب كتب عبد لابن الحضرمي، قال الله تعالى: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى) * قال: وهذا قول قريش إنما يعلمه بشر، قال الله تعالى: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى، وهذا لسان عربي مبين) * وقال آخرون بل كانا غلامين اسم أحدهما يسار والآخر جبر. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا معن نب أسد، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن حصين، عن عبد الله بن مسلم الحضرمي، نحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل عن، حصين عن عبد الله بن مسلم قال كان غلامان فكان يقرآن كتابا لهما بلسانهما فكان النبي (ص) يمر عليهما فيقوم يستمع منهما، فقال، فقال المشركون، يتعلم منهما فأنزل منهما، فأنزل الله تعالى ما كذبهم به، فقال * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * وقال آخرون بل كان ذلك سلمان الفارسي، من قال ذلك:
[ 234 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد من سليمان قال: سمعت يقول في قوله: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى) *، كانوا يقولون: إنما يعلمه سلمان الفارسي: حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال. ثنا ورفاء وحدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) * قال قول: كفارة قريش: إنما يعلم محمدا عبد ابن الحضرمي، وهو صاحب كتاب، يقول الله: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * وقيل: إن الذي قال ذلك رجل كاتب لرسول (ص) ارتد عن الإسلام. ذكر من قال: ذلك حدثنى يونس، قال: أخبرنا ان وهب قال. أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسبب: أن الذي ذكر الله إنما يعلمه بشر إنما افتتن إنه كان من خواتم الآيي، ثم يشتغل عنه رسوله (ص) سميع عليهم) أو عزيز حكيم وغير ذلك فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو غزيز عليم ؟ فيقول رسول الله (ص) أي ذلك كتبت فهو كذلك ففتنه ذلك فقال: إن محمدا يكل ذلك إلى فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسبب من الحروف السبعة واختلف القراء في قوله: * (يلحدون) * فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة * (لسان الذي يلحدون إليه) * بضم الياء من الحد يلحد بمعنى يعترضون ويعدلون إليه ويعر جون إليه من قوله الشاعر قدني من نصر الخبيبين قدي ليس أميري بالشحيح الملحد
[ 235 ]
وقرأ ذلك عامة قرأء أهل الكوفة لسان الذي يلحدون إليه) بفتح الياء، يعنى: يميلون إليه، من لحد فلان إلى هذا الأمر يلحدا ولحود. وهما عندي لغتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارى، فمصيب فيهما الصواب، وقيل * (وهذا لسان عربي مبين) * يعني: القرآن كما تقول العرب لقصيدة من الشعر يعرضها الشاعر: هذا لسان تريد، قصيدته، كما قال الشاعر لسان الشوء تهديها إلينا * وحنت وما حسبتك أن تحينا يعني باللسان القصيدة والكملة: القول في تأويل قوله تعالى: القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ئ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) *. يقول تعالى: إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته فيصدقون بما دلت عليه، لا يهديهم الله يقول: لا يوفقهم الله لاصابة الحق ولا يهديهم لسبيل الرشد في الدنيا، ولهم في الآخرة وعند الله إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب مؤلم موجع. ثم أخبر تعالى ذكره المشركين الذين قالوا للنبي (ص): إنما أنت مفتر، أنهم هم أهل الفرية والكذب، لا نبي الله (ص) والمؤمنون به، وبرأ من ذلك نبيه (ص) وأصحابه، فقال: إنما يتخرص الكذب ويتقول الباطل، الذين لا يصدقون بحجج الله وإعلامه لانهم لا يرجون على الصدق ثوابا ولا يخافون على الكذب عقابا، فهم أهل الافك وافتراء الكذب، لا من كان راجيا من الله على الصدق الثواب الجزيل، وخائفا على الكذب العقاب الاليم. وقوله: وأولئك هم الكاذبون يقول: والذين لا يؤمنون بآيات الله هم أهل الكذب لا المؤمنون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 236 ]
* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدر فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *. اختلف أهل العربية في العامل في من من قوله: من كفر بالله ومن قوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا، فقال بعض نحويي البصرة: صار قوله: فعليهم خبرا لقوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا، وقوله: من كفر بالله من بعد إيمانه فأخبر لهم بخبر واحد، وكان ذلك يدل على المعنى. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هذان جزءان اجتمعا، أحدهما منعقد بالآخر، فجوابهما واحد كقول القائل: من يأتنا فمن يحسن نكرمه، بمعنى: من يحسن ممن يأتنا نكرمه. قال: وكذلك كل جزاءين اجتمعا الثاني منعقد بالاول، فالجواب لهما واحد. وقال آخر من أهل البصرة: بل قوله: من كفر بالله مرفوع بالرد على الذين في قوله: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ومعنى الكلام عنده: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره من هؤلاء وقلبه مطمئن بالايمان. وهذا قول لا وجه له وذلك أن معنى الكلام لو كان كما قال قائل هذا القول، لكان الله تعالى ذكره قد أخرج ممن افترى الكذب في هذه الآية الذين ولدوا على الكفر وأقاموا عليه ولم يؤمنوا قط، وخص به الذين قد كانوا آمنوا في حال، ثم راجعوا الكفر بعد الايمان والتنزيل يدل على أنه لم يخصص بذلك هؤلاء دون سائر المشركين الذين كانوا على الشرك مقيمين، وذلك أنه تعالى أخبر خبر قوم منهم أضافوا إلى رسول الله (ص) افتراء الكذب، فقال: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر، بل أكثرهم لا يعلمون وكذب جميع المشركين بافترائهم على الله وأخبر أنهم أحق بهذه الصفة من رسول الله (ص)، فقال: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون. ولو كان الذين عنوا بهذه الآية هم الذين كفروا بالله من بعد إيمانهم، وجب أن يكون القائلون لرسول الله (ص) إنما أنت مفتر حين بدل الله آية مكان آية، كانوا هم الذين كفروا بالله بعد الايمان خاصة دون غيرهم من سائر المشركين لان هذه في سياق الخبر عنهم، وذلك قول إن قاله قائل فبين فساده مع خروجه عن تأويل جميع أهل العلم بالتأويل.
[ 237 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أن الرافع ل من الاولى والثانية، قوله: فعليهم غضب من الله والعرب تفعل ذلك في حروف الجزاء إذا استأنفت أحدهما على آخر. وذكر أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر وقوم كانوا أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم، فثبت على الاسلام بعضهم وافتتن بعض. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان... إلى آخر الآية. وذلك أن المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذبوه، ثم تركوه، فرجع إلى رسول الله (ص) فحدثه بالذي لقي من قريش والذي قال فأنزل الله تعالى ذكره عذره: من كفر بالله من بعد إيمانه... إلى قوله: ولهم عذاب عظيم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال: ذكر لنا أنها نزلت في عمار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون وقالوا: اكفر بمحمد فتابعهم على ذلك وقلبه كاره، فأنزل لله تعالى ذكره: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا: أي من أتى الكفر على اختيار واستحباب، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي (ص)، فقال النبي (ص): كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئنا بالايمان. قال النبي (ص): فإن عادوا فعد. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال: نزلت في عمار بن ياسر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: لما عذب الاعبد أعطوهم ما سألوا إلا خباب بن الارت، كانوا يضجعونه على الرضف فلم يستقلوا منه شيئا.
[ 238 ]
فتأويل الكلام إذن: من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره على الكفر فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان، موقن بحقيقته صحيح عليه عزمه غير مفسوح الصدر بالكفر لكن من شرح بالكفر صدرا فاختاره وآثره على الايمان وباح به طائعا، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك ورد الخبر عن ابن عباس. حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم. فأما من أكره فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالايمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، لان الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) *. يقول تعالى ذكره: حل بهؤلاء المشركين غضب الله ووجب لهم العذاب العظيم، من أجل أنهم اختاروا زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة، ولان الله لا يوفق القوم الذين يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ئ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه الآيات أيها الناس، هم القوم الذين طبع الله على قلوبهم، فختم عليها بطابعه، فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصم أسماعهم فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج الله إبصار معتبر ومتعظ. وأولئك هم الغافلون يقول: وهؤلاء الذين جعل الله فيهم هذه الافعال هم الساهون عما أعد الله لامثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم. وقوله: لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون الهالكون، الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من كرامة الله تعالى. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 239 ]
* (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الاسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله وصبروا على جهادهم إن ربك من بعدها لغفور رحيم يقول: إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور، يقول: لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون وللايمان معتقدون، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى الله وتوبتهم. وذكر عن بعض أهل التأويل أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله (ص) كانوا تخلفوا بمكة بعد هجرة النبي (ص)، فاشتد المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم، فأيسوا من التوبة، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فهاجروا ولحقوا برسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال: ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب النبي (ص) بالمدينة أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم وكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. قال ابن جريج: قال الله تعالى ذكره: من كفر بالله من بعد إيمانه ثم نسخ واستثنى، فقال: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم
[ 240 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ذكر لنا أنه لما أنزل الله أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا، كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة. فلما جاءهم ذلك تبايعوا بينهم على أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله. فخرجوا فأدركهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله تعالى: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا... الآية. حدثنا أحمد بن منصور قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالاسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم وقتل بعض فقال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهم فاستغفروا لهم فنزلت أن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى آخر الآية قال وكتب إلى من بقي في مكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم قال فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلت هذه الآية * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا وأيسوا من كل خير ثم نزلت فيهم ثم * (أن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم ثم نجا من نجا وقتل من قتل. حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن اسحاق قال نزلت هذه ااية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ثم أن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا. وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في شأن ابن أبي سرح ذكر من قال ذلك. حدثني ابن حميد قال ثنا يحي بن وضاح عن الحسين عن يزيد عن عكرمة والحسن البصري قالا في سورة النحل * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من
[ 241 ]
أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال ثم أن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم وهو عبد الله بن أبي سرح الذي الذي كان يكنب لرسول الله (ص) فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به النبي (ص) أن يقتل يوم فتح مكة فاستجار له أبو عمرو فأجاره النبي (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تخاصم عن نفسها، وتحتج عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شر أو إيمان أو كفر. وتوفي كل نفس ما عملت في الدنيا من طاعة ومعصية. وهم لا يظلمون: يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدموه من خير أو شر، فلا يجزي المحسن إلا بالاحسان ولا المسئ إلا بالذي أسلف من الاساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسئ إلا ثواب عمله. واختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله قيل تجادل فأنث الكل، فقال بعض نحويي البصرة: قيل ذلك لان معنى كل نفس: كل إنسان، وأنث لان النفس تذكر وتؤنث، يقال: ما جاءني نفس واحد وواحدة. وكان بعض أهل العربية يرى هذا القول من قائله غلطا ويقول: كل إذا أضيفت إلى نكرة واحدة خرج الفعل على قدر النكرة: كل امرأة قائمة، وكل رجل قائم، وكل امرأتين قائمتان، وكل رجلين قائمان، وكل نساء قائمات، وكل رجال قائمون، فيخرج على عدد النكرة وتأنيثها وتذكيرها، ولا حاجة به إلى تأنيث النفس وتذكيرها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) *.
[ 242 ]
يقول الله تعالى ذكره: ومثل الله مثلا لمكة التي سكانها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة. وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى ويقتل بعضها بعضا ويسبي عضها بعضا، وأهل مكة لا يغار عليهم ولا يحاربون في بلدهم، فذلك كان أمنها. وقوله: مطمئنة يعني: بأهلها، لا يحتاج أهلها إلى النجع كما كان سكان البوادي يحتاجون إليها. يأتيها رزقها رغدا يقول: يأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة. وقوله: من كل مكان يعني: من كل فج من فجاج هذه القرية ومن كل ناحية فيها. وبنحو الذي قلنا في أن القرية التي ذكرت في هذا الموضع أريد بها مكة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان يعني: مكة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قرية كانت آمنة مطمئنة قال: مكة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة قال: ذكر لنا أنها مكة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: قرية كانت آمنة قال: هي مكة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة... إلى آخر الآية. قال: هذه مكة. وقال آخرون: بل القرية التي ذكر الله في هذا الموضع مدينة الرسول (ص). ذكر من قال ذلك:
[ 243 ]
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني عبد الرحمن بن شريح، أن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي، حدث أنه سمع مشرح بن عاهان، يقول: سمعت سليم بن نمير يقول: صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي (ص) وعثمان محصور بالمدينة فكانت تسأل عنه ما فعل، حتى رأت راكبين، فأرسلت إليهما تسألهما، فقالا: قتل فقالت حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية، تعني المدينة التي قال الله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله قرأها. قال أبو شريح: وأخبرني عبد الله بن المغيرة عمن حدثه، أنه كان يقول: إنها المدينة. وقوله: فكفرت بأنعم الله يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم الله التي أنعم عليها. واختلف أهل العربية في واحد الانعم، فقال بعض نحويي البصرة: جمع النعمة على أنعم، كما قال الله: حتى إذا بلغ أشده فزعم أنه جمع الشدة. وقال آخر منهم الواحد نعم، وقال: يقال: أيام طعم ونعم: أي نعيم، قال: فيجوز أن يكون معناها: فكفرت بنعيم الله لها. واستشهد على ذلك بقول الشاعر: وعندي قروض الخير والشر كله فبؤس لذي بؤس ونعم بأنعم وكان بعض أهل الكوفة يقول: أنعم: جمع نعماء، مثل بأساء وأبؤس، وضراء وأضر فأما الاشد فإنه زعم أنه جمع شد. وقوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف يقول تعالى ذكره: فأذاق الله أهل هذه القرية لباس الجوع وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللباس لها. وذلك أنهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء
[ 244 ]
رسول الله (ص)، حتى أكلوا العلهز والجيف. قال أبو جعفر: والعلهز: الوبر يعجن بالدم والقراد يأكلونه. وأما الخوف فإن ذلك كان خوفهم من سرايا رسول الله (ص) التي كانت تطيف بهم. وقوله: بما كانوا يصنعون يقول: بما كانوا يصنعون من الكفر بأنعم الله، ويجحدون آياته، ويكذبون رسوله. وقال: بما كانوا يصنعون وقد جرى الكلام من ابتداء الآية إلى هذا الموضع على وجه الخبر عن القرية، لان الخبر وإن كان جرى في الكلام عن القرية استغناء بذكرها عن ذكر أهلها لمعرفة السامعين بالمراد منها، فإن المراد أهلها فلذلك قيل: بما كانوا يصنعون فرد الخبر إلى أهل القرية، وذلك نظير قوله: فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ولم يقل قائلة، وقد قال قبله: فجاءها بأسنا، لانه رجع بالخبر إلى الاخبار عن أهل القرية ونظائر ذلك في القرآن كثيرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون) *. يقول تعالى ذكره: ولق جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية رسول منهم يقول: رسول الله (ص) منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم. فكذبوه ولم يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله. فأخذهم العذاب وذلك لباس الجوع والخوف مكان الامن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتل بالسيف. وهم ظالمون يقول: وهم مشركون، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولقد جاءهم رسول منهم إي والله، يعرفون نسبه وأمره. فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) *.
[ 245 ]
يقول تعالى ذكره: فكلوا أيها الناس مما رزقكم الله من بهائم الانعام التي أحلها لكم حلالا طيبا مذكاة غير محرم عليكم. واشكروا نعمة الله يقول: واشكروا الله على نعمه التي أنعم بها عليكم في تحليله ما أحل لكم من ذلك، وعلى غير ذلك من نعمه. إن كنتم إياه تعبدون يقول: إن كنتم تعبدون الله، فتطيعونه فيما يأمركم وينهاكم. وكان بعضهم يقول: إنما عني بقوله: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا طعاما كان بعث به رسول الله (ص) إلى المشركين من قومه في سني الجدب والقحط رقة عليهم، فقال الله تعالى للمشرلين: فكلوا مما رزقكم الله من هذا الذي بعث به إليكم حلالا طيبا. وذلك تأويل بعيد مما يدل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله تعالى قد أتبع ذلك بقوله: إنما حرم عليكم الميتة والدم... الآية والتي بعدها، فبين بذلك أن قوله: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا إعلام من الله عباده أن ما كان المشركون يحرمونه من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما قد بينا قبل فيما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشيطان، فإن كل ذلك حلال لم يحرم الله منه شيئا. القو في تأويل قوله تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكر مكذبا المشركين الذين كانوا يحرمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرم الله عليكم أيها الناس إلا الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح للانصاب فسمي عليه غير الله لان ذلك من ذبائح من لا يحل أكل ذبيحته، فمن اضطر إلى ذلك أو إلى شئ منه لمجاعة حلت فأكله غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم يقول: ذو ستر عليه أن يؤاخذه بأكله ذلك في حال الضرورة، رحيم به أن يعاقبه عليه. وقد بينا اختلاف المختلفين في قوله: غير باغ ولا عاد والصواب عندنا من القول في ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما حرم عليكم الميتة والدم... الآية قال: وإن الاسلام دييطهره الله من كل سوء، وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شئ من ذلك. قوله فمن اضطر غير باغ ولا عاد غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 246 ]
* (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ئ متاع قليل ولهم عذاب أليم) *. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب فتكون تصف الكذب، بمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، فتكون ما بمعنى المصدر. وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا بخفض الكذب، بمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم، هذا حلال وهذا حرام فيجعل الكذب ترجمة عن ما التي في لما، فتخفضه بما تخفض به ما. وقد حكي عن بعضهم: لما تصف ألسنتكم الكذب يرفع الكذب، فيجعل الكذب من صفة الالسنة، ويخرج على فعل على أنه جمع كذوب وكذب، مثل شكور وشكر. والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكذب لاجماع الحجة من القراء عليه. فتأويل ال إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذب، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تحرمون، ولا أحل كثيرا مما تحلون. ثم تقدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه، فقال: إن الذين يفترون على الله الكذب يقول: إن الذين يتخرصون على الله الكذب ويختلقونه، لا يخلدون في الدنيا ولا يبقون فيها، إنما يتمتعون فيها قليلا. وقال: متاع قليل فرفع، لان المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل، أو لهم متاع قليل في الدنيا. وقوله: ولهم عذاب أليم يقول: ثم إلينا مرجعهم ومعادهم، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام في البحيرة والسائبة.
[ 247 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: البحائر والسوائب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: وحرمنا من قبلك يا محمد على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الانعام، وذاك كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم. وما ظلمناهم بتحريمنا ذلك عليهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فجزيناهم ذلك ببغيهم على ربهم وظلمهم أنفسهم بمعصية الله، فأورثهم ذلك عقوبة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن عكرمة، في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل قال في سورة الانعام. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل قال: ما قص الله تعالى في سورة الانعام حيث يقول: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر... الآية. تأويل قوله تعالى * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم يقول تعالى ذكره إن ربك ذكره: إن ربك عصوا الله فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية الله وسفهوا بذلك ثم راجعوا الله والندم عليها والندم عليها والاستغفار والتوبة منها من بعد ما سلف منهم ما سلف من ركوب المعصية، وأصلح فعمل بما يحب الله ويرضاه، * (إن ربك من بعدها) * يقول: إن ربك يا محمد من بعد توبتهم له * (لغفور رحيم) * القول في تأويل قوله تعالى:
[ 248 ]
إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لانعمه اجتباه وهداه إلى صرا مستقيم يقول تعالى ذكره إن إبراهيم خليل الله كان معلم خير يأتم به أهل الهدى * (قانتا) * يقول: مطيعا الله حنفيا يقول مستقيما على دين الإسلام * (ولم يك من المشركين يقول: ولم يك يشرك أن إبراهيم منهم برى وأنهم منه برأء شكار لانعمة يقول: أهل الشرك به من قريش أن إبراهيم منه برئ وأنهم منه برأء شاكر لأنعمة يقول كان يخلص الشكر الله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك كما يفعل مشركو قريش. اجتنباه يقول: اصطفاه واختاره الإسلام لا اليهودية ولا النصرانية. وبنحو الذي قلنا في معنى أمة قانتا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنى زياكر بن يحنى، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم عن يحيى بن الحزار عن أبى العبيد دين، حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا أبو أحمد قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين عن أبي العبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت قال، الأمة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله حدثني يعقوب، قال عن منصور يعني ابن عبد الرحمن، عن الشعبي قال: ثني فروة نب نوفل الأشجعي، قال: قال: ابن مسعود: إن معاذا كان أمة قانتا حنيفا: فقلت في نفسي: علط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * فقال: تدري ما الأمة وما القانت ؟ قلت: الله أعلم: قال: الأمة، الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ولرسوله، وكذلك كن معاذ بن جيل الخير وكان مطيعا لله والرسوله. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال:
[ 249 ]
سمعت فراسا يحدث عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: إن معاذا كان أمة قاتنا الله. فقال رجل من أشجع يقال له فروة بن نوفل: نسي إنما ذاك إبراهيم، قال: فقال: عبد الله من نسي إنما كنا نشبه بإبراهيم. قال: وسئل عبد الله عن الأمة فقال: معلم الخير، والقانت: المطيع، الله ورسوله: حدثنا ابن بشار، ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن فراس، عن الشعبي عن مسروق قال: قرأت عند عبد الله هذه الآية، إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * فقال: كان معاذ أمة قاتنا قال: هل تدري ما الأمة الأمة، الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنابيان بن بشر البجلى، عن الشعبى، قال: ولكنه شبيه إبراهيم والأمة: معلم الخير، والقانت المطيع حدثني علي بن سعيد الكندي، قال ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن عون عن شعبي، قي قوله * (إن إبراهيم، كان أمة قانتا لله حنيفا) * قال مطيعا. حدثنا أبو كريب، قثال ثنا أبو بكر، قال: قال عبد الله إن معاذا كان أمة * (وأمة وسطا) * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن ليث، عن شهر بن حوشب: قا لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الارض وتخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا سيار عن الشعبي، قال: وأخبرنا زكريا ومجالد، عن الشعبي، عن مسروق عن أبن
[ 250 ]
مسعود نحو حديث يعقوب عن ابن عليه وزاد فيه، الأمة: الذي يعلم الخير ويؤتم به ويقتدى به، المطيع لله وللرسول. قال له أبو فروة الكندي: إنك وهمت: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثناروفاء حميعا عن ابن أبي نحيج عن مجاهد * (إن إبراهيم كان أمة) * على حدة * (قاتنالله قال، مطيعا. حدثنا القاسم قال، الحسين قال، ثني حجاج، عن ابن جريح عن، مجاهد مثله، إلا أنه قال، مطيعا في الدينا حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة أن ابن مسعود قال: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا. قال غير قتادة قال ابن مسعود هل: تدرون: ما الأمة، الذي يعلم الخبر. حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا الثوري عن فراس عن الشبعي عن مسروق قال: قرأت عند عبد الله بن مسعود: * (إن إبراهيم كان أمة قانتا) * فقال إن معاذا كان أمة قاتنا قال فأعادوا، عليهم، ثم قال أتدرون ما الأمة ؟ الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذ - يطيع الله وقد بينا معنى الأمة ووجوهها ومعنى القنانت بالخلاف المختلفين فيه في غير هذا الموضع من كتابا بشواهد فأعنى بذلك عن إعادته في إعادته في الموضع. القول: في تأويل قوله تعالى * (وءاتينه في الدينا حسنة وإنه في الأخرة لمن الصلحين) * يقول تعالى ذكره، وآتينا إبراهمى على ف ته الله وشكره على نعم وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكرا حسنا وثناء جملا باقياد على الأيام * (وإنه في الآخرة لمن الطالحين) * في هذا الدينا حسنا وثناء باقيا على الأيام * (وإنه في الآخرة، لمن الصاحين) * يقول: وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة الممن صلح أمره وشأنه عند الله حسنت فيها منزلة وكرامته.
[ 251 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال ثنا ورقاء: جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد * (وآتيناه في الدينا حسنة) * قا لسان صدق. حدثنا بشر قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة: * (وآتيناه في الدينا حسنة) فليس من أهل دين إلا تيولاه ويرضاه. القول في تأويل قوله تعالى * (ثم أحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وكان المشركين إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) ثم أحينا إليك يا محمد وقلنا لك: اتبع ملة إبراهيم الحيفية المسلمة حنفيا) يقول: مسلما على الدين الذي كان عليه إبراهيم بريئا من الأوثان والأنداد التي يعبدها قومك، كما كان إبراهيم تبرأ منها. قوله * (طنم جعل السبت على الدين اختلفوا فيه) * يقول تعالى ذكره: ما فرض الله أيها الناس تعظيم يوم السبب إلا على الذين اختلفوا فيه فقال: بعضهم، هو أعظم الأيام لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ثم سبت يوم السبت. قال آخرون: بل عظم الأيام الأحد، لأنه اليوم الذي ابتدأ فيه خلق الأشياء فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة الذي فرض الله عليهم تعظيمه واستحلوا وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا عاصم، قال، ثنا عيس، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * اتبعواه وتركوا الجمعة. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن
[ 252 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة: إنما جعل اسبت قال أرادو الجمعة فأخطئوا فأخذا السبت مكانه. حدثنا بشر قال، ثنا سعيد، عن قتاتدة قوله: * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * استله بعضهم، وحرمه بعضهم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان قال: ثنا سفيان عن السد ي عن أبي مالك وسعيد بن جبير * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * قال: باستحلالهم يوم السبت. حدثني يونس قال: أخبرني ابن وهب قال، قال ابن زيد: گ، قي قوله: * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * قال: كانوا يطلبون يوم الجمعة، فأخطئوه، وأخذوا يوم السبت فجعله عليهم قوله * (إن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة كانوا فيه يختلفون) * يقول تعالى عند مصير هم إليه يوم القيامة فيقضي بينهم، في ذلك وفي غيره مما كانوا فيه يختلفون في الدينا بالحق ويصل العدل بمجازاة المصبب فيه جزاء. الخطئ فيه منهم ما هو أهله. القول في تأويل قوله تعالى: * (أدع إلى سبيل ربلك بالحكم والموعظة الحسنة وجد لهم بالتى هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) ادع يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى االحسنة يقول: وبالعبر اجملية التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه وذكرهم من الآئة. وجادلهم بالتي هي أحسن) * يقول وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من عيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذي، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك.
[ 253 ]
وبنح الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله الله * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * أعرض عن أذا هم إياك حدثنا القاسم قال ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله. وقوله * (إبن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) خلقه وحاد الله وهو ألم بمن كان منهم سالكا قصد السبيل ومحجة الحق، وهو مجاز جميعهم جزاءهم عند ورود عليه. القول تأويل قوله تعالى: *، (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصبرين) * يقول تعالى ذكره للمؤمين، وإن عاقبتم المؤمنون من ظلمكم، واعتدى عليكم فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظم وولكتم أمره الهى حتى يكون هو المتولي عقوبته، * (لهو خير للصابرين) * يقول: للصبر عن عقوبة بذ لك خير لأهل الصبر احتسابا، واتبغاء ثواب الله، لأن من قوله: * (لهو) * كناية عن الصبر، وحسن ذلك وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله: ولئن صبرتم عليه. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية وقيل هي منسوخة أو محكمة ؟ فقال بعضهم: نزلت من أجل أن رسول الله (ص) وأصحابه أقسموا حين فعل المشركون يوم أحد ما فعلوا بقتلي المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المثلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يوما، فنا هم الله عن بهذه الآية وأمر هم أن يقتصوروا في التمثيل بهم أن هم ظفروا على مثل وإيثار الصبر عنه بقوله * (واصبر وما صبرك إلا بالله) 8 فسخ بذلك عندهم، ماكان أذن لهم فيه من المثلة. ذكر من قال ذلك:
[ 254 ]
حدثنا محمد بن عبد الا على قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود عن عامر: أن المسلمين، قالوا لما فعل المشركون بقتلاهم، يوم أحد: لئن ظهرنا عليهم لنفعلن والنفعلن فأنزل الله تعالى * (وإن عاقتبم فعاقتوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * قالوا: بل نصير. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب: قال: ثنا داود عن عامر، قال لما أي المسلمون ما فعل المشكون بقتلاهم يوم أحد من تقبر البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة قالوا: لئن أظفرنا الله بهم، لنفعلن، ولنعفلن ! فأنزل الله فيهم * (ولئين صبرتم لهو خير للصابرن واصبر وما صبرك إلا بالله) * حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عن محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، نزلت سورة حيث قتل حمزة ومثل به فقال، رسوله الله (ص) لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما سمع المسلمون بذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثله لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط: فأنزل الله، * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * إلى آخر السورة حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر، عن قتادة * (وإن عاقتبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم) * قال المسلمون يوم أحد فقال * (وإن عابتتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * إلى قوله * (لهو خير للصابرين) 8 ثم قال بعد: * (واصبر وما صبرك إلا بالله) * حدثنا القاسم، قا ثنا الحسين، قال ثني حجاج عن ابن جريح، قال: * (إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * ثم عزل وأخبر فلا يمثل، فنهي عن المثل، قال، مثل الكفار، بقتلي أحد، إلا حنظلة بن الراهب كان الراهب أبو عامر مع أبي سفيان، فتركوا حنظلة لذلك.
[ 255 ]
وقال آخرون نسخ ذلك بقوله في برأءة * (اقتلوا المشركين، حيث وجدتموهم) * قالوا وإنما قال * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم) * خير من الله للمومين أن لا يبدو وهم بقتال حتى بيدء وهم به فقال: * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدون إن الله لا يحب المعتدين) * ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * قال هذا خبر من الله نبيه أن يقال من قاتله. قال: ثم نزلت براءة وانسلاخ، الأشهر الحرم، قال: فهذا من المسنوح، وقال آخرون: بل عنى الله تعالى بقوله: * (واصبر ما صبرك إلا بالله) * بني الله خاصة دون سائر أصحابه فكان الأمر بالصبر له عزيمة من الله دونهم: ذكر من قال ذلك. حدثني: يونس: قال: أخبرنا ابن وهب قال: ابن زيد في قوله رجال لهم منعة فقالوا: يارسول الله لو أذن لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب، فنزل أنت يا محمد، ولا تكن، في ضيق ممن ينتصر، وما صبرك إلا بالله. ثم نسخ هذا وأمره بجهادهم. فهذا كله منسوخ وقال آخرون: لم يعن بهاتين، الآيتين، شئ مما ذكر هؤلاء وإنما عني بهمان أن من ظلم بظامة فلا يحل له أن ينال ممن ظلمه أكثر منه وقالوا: الآية: محكمة غير منسوخة: ذكر من قال: ذلك. حدثنا الحسن بن يحى قال أخبرنا عبدالرزق قال أخبرنا الثوري عن خالد، عن ابن سيرين: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * يقول: إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله.
[ 256 ]
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق: قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إن أخذ منك شيئا فخذ منه مثله. قال الحسن: قال عبد الرزاق قال: سفيان. ويقولون: إن أخذ منك دينار، فلا تأخذ مه إلا دينار وإن أخذ منك شيئا فلا تأخذ منه إلا مثل ذلك الشئ حدثنى محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال، ثنا لحسن قال ثنا روقاء جميعا عن ابن أبي نحيج عن مجاهد: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * لا تعتدوا حدثنا القاسم قا ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريح عن مجاهد، مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر من عوبت من المؤمنين التنزيل والتأويلات التي ذكرناها عمن ذكروها عنه محتملتها الآية كلها، فإذا كان ذلك، كذلك ولم يكن في الآية دلالة على وأن يقال: هي من حق من مال أو نفس الحق الذي جعله الله لهم إلى غيره أنها غير منسوخة إذا كان لا دلالة على نسخها وأن للقول بأنها محكمة وجها صحيحا مفهوما القول في تأويل قوله تعالى: * (وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزون عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) * يقوال تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) واصبر يا محمد على ما أصابك ما أذي قي الله. * (وما صبرك إلا بالله) * يقول: وما صبرك إن صبرك إلا بمعونة الله وتوفيعه إياك لذلك. ولا تحزون عليهم) * يقول: ولا تحزن على هؤلاء المشركين الذين يكذبونك وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة * (ولا تك في ضيق مما
[ 257 ]
يمكرون) * يقول ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل ونسبتم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة * (مما يمكرون) * مما يحتالون الخدع في الصد عن سبيل اله من أراد الإيمان بك والتصديق بما أنزل الله إليك. والختلف القرأة في العراق * (ولا تك في ضيق) بفتح الضاد في الضاد في الضيق، على لمعنى الذي وصفت من تأويله. وقراءة بعض قرأء أهل المدينة ولا تك في ضيق بكسر الضاد. وأولى القراءتين، بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأة: (في ضيق بفتح الضاد لأن الله تعالى إنما نهى نبيه (ص) أن يضيق صدره مما يلقي من أذى المشركين على تبليغة إياهم وحي الله وتنزيله، بعض ما يوحى إليك وصائق به صدرك حرج منه لتنذر به) * وقال معه ملك إنما أنت نذير) * وإذا كان هو الذي نهاه تعالى ذكره ففتح الضاد هو الكلام لا معروف من كلام العرب في ذلك المعنى، تقول العرب في صدري من هذا الأمر ضيق، إنما تكسر الضاد في الشئ المعاش وضيق المسكن ونحو ذلك. فإن وقع الضيق بفتح الضاد في موضع الضيق بالكسر، كان على الذي يتسع أحيانا ويضيق من قلة أحد وجهين، إنما على جمع الضيقة كما قال أعشى بني ثعلبة: فلئن ربلك من رحمة كشف الضيفة عنا وفسخ والآخرة على تخفيف الشئ الضيق، كما يخفف الهين اللين، فيقال: هو هين لين القول في تأيل قوله تعالى: * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) *
[ 258 ]
يقول تعالى: ذكره، * (إن الله) * يا محمد *) مع الذين اتقوا) * الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن القدم، عليها، * (والذين هم محسنون) * يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضة القيام بحقوقه ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونها هم عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، عن رجل عن الحسن * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * قال: اتقوا الله فيما حرم عليهم واحسنوا فيما افترض عليهم. حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن رجل عن الحسن مثله. * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) *
[ 258 ]
يقول تعالى: ذكره، * (إن الله) * يا محمد *) مع الذين اتقوا) * الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن القدم، عليها، * (والذين هم محسنون) * يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضة القيام بحقوقه ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونها هم عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، عن رجل عن الحسن * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * قال: اتقوا الله فيما حرم عليهم واحسنوا فيما افترض عليهم. حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن رجل عن الحسن مثله. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن هرم بن حيان العبدي لما حضره الموت، قيل له، أوص ! ما أدري ما أوصي ولكن بيعوا درعي فاقضوا عني ديني، فإن لم تف فيبعوا فرسي، فإت لم يف فيبعوا غلامي وأوصيكم بخواتيم سورة النحل * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والمواعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمتهدين وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خبر للصابرن) * ذكرنا أن نبي الله (ص) لما نزلت هذه الآية قال بل نصير. آخر تفسير سورة النحل تم الجزء الرابع عشر من تفسير الإمام محمد بن جرير طبري ويليه الجزء الخامس عشر وأوله: القول في تأويل قوله تعالى * (سبحان الذي أسرى بعبده) *