القائمة الرئيسية:
 Ø£Ù‚سام أخبار المستبصرين:
 Ø£Ù‚سام المقالات:
 Ø£Ù‚سام مكتبة الكتب:
 ÙƒØªØ§Ø¨ عشوائي:
 ØµÙˆØ±Ø© عشوائية:
 Ø§Ù„قائمة البريدية:
البريد الإلكتروني:
 Ø§Ù„أخبار
المسارالأخبار » حياة المستبصرين » الدكتور تاج الدين الجاعوني

الدكتور تاج الدين الجاعوني

القسم: حياة المستبصرين | 2009/08/16 - 03:55 PM | المشاهدات: 3996

الدكتور تاج الدين الجاعوني
( أردن ـ سني )

ولد في المملكة الأردنية الهاشمية بالعاصمة عمان، واصل دراسته الأكاديمية حتى نال شهادة الدكتوراه في الطب النسائي، لكنه مع ذلك كان يهوى الدراسات الدينية، فخصص الكثير من أوقاته لتوسيع آفاق رؤيته في المجال الديني، فلهذا مزج الطب بالدين والاخلاق، وجمع بين العلم والايمان والأدب، وكانت ثمرة ذلك أنّه اضاف إلى المكتبة الاسلامية كتاباً نفيساً مؤلف من أربعة أجزاء تحت عنوان "الانسان هذا الكائن العجيب، أطوار خلقه وتصويره في الطب والقرآن".

وقدّم فيه ثقافة طبّية ترفع مستوى ايمان المسلم بدينه، وقد مزج فيه المادة العلمية بالفكرة الدينية وقد حاول كما ذكر الاستاذ عبدالله الغريفي في تقديمه لكتابه هذا أن يتعامل مع الآيات القرآنية مع خلال الرؤية العلمية الناضجة ومن خلال المعايشة الروحية الوجدانية، بحيث تلتحم الرؤية العلمية مع المعايشة الروحية الوجدانية، وتتجلى روعة المضمون القرآني بما يحمل من دلالات اعجازية في كل المسارات، وتبنّى هذا الكتاب تنمية وعي الأجيال على أسس قرآنية وركائز ايمانية تساهم في تجذير الأصالة في داخل الأمة لمواجهة


التحديات الخطيرة التي تحاول مسخ الهوية الحقيقية لاجيالنا وتحاول أن تملىء المسيرة ضمن المفهومات الجاهلية الكافرة.

اهتمامه بطلب العلوم الدينية:

لم يسمح الدكتور تاج الدين لنفسه أن يكون علم الطب حاجزاً له يمنعه عن الاهتمام بطلب العلم الديني والبحث عن المعرفة الصحيحة التي تمنح صاحبها رؤية كونية مطابقة للواقع والحقيقة.

فيقول الدكتور تاج الدين في هذا المجال: "حثّت التعاليم الاسلامية في القرآن والحديث على طلب العلم والمعرفة بحيث عدّت الإنسان الجاهل أعمى وجعلت المعرفة مقياساً هادياً لتقييم الأشياء وترجيحها، وعدّت النظرة السطحية إلى الأشياء تافهة. انظر المنطلق الصحيح للمعرفة (وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(1)، القرآن يحثّ على كسب العلم وطلب المعرفة وإعمال الفكر فيلفت العقول إلى التعمّق وسبر أغوار الكائنات فيشحذ الاذهان ويشرح الصدور".

ويضيف الدكتور قائلا: "قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الاَْلْبَـبِ )(2)، وقال أيضاً: (يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمٌ )(3)، القرآن الكريم يفاضل بين الذين يعلمون والذين لايعلمون، ثم لا يترك الانسان في حيرة بل يزوّده بكل أنواع المعرفة، ويطلب منه أن يتدبّر ويتأمل، حتى يستذكر الحق والخير، والآيات في القرآن كثيرة تنبّه الإنسان وتحفّزه على اليقظة، وتحذّره من الغفلة، ليتسنى له إدراك الواقع الحق. ثم يقول:

 

____________

1- العنكبوت: 69.

2- الزمر: 9.

3- البقرة: 282.


(إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ )(1)، أولا يمايز بين العالم والجاهل، ثم يضع أمام الإنسان من المعارف في سائر المواضيع حول الطبيعة، والانسان، والحياة والسياسة والمجتمع والأحكام والحقوق والتاريخ والطب وكلّها لتوعية الإنسان ودعوته إلى الاعتبار".

ويؤكد الدكتور حول أهمية طلب العلوم الدينية: "إنّه ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة، فالمعرفة والعلم مقياس قيمة الإنسان، والقرآن الكريم يعمد إلى ايقاظ النفوس وحملها على أن تتدبّر وتتأمل، وهناك آيات كثيرة تُنبّه الانسان وتنير له الطريق ليتسنى له معرفة الحق والباطل".

طلبه للعقيدة الحقة:

يقول الدكتور تاج الدين: "لقد بيّن القرآن استلزام المعرفة للعقيدة، فقال: (لَّـكِنِ الرَّ سِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَوةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيماً )(2)، وقال: (وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَ ط مُّسْتَقِيم )(3)، وقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(4)، أجل دعا القرآن إلى طلب المعرفة، معرفة النفس ومعرفة الكون ومعرفة الله تعالى ومعرفة أحوال الناس والنواميس التاريخية، واكدّ على الحرية الفكرية في طلب الصائب من الآراء، قال (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ

____________

1- Ù‚: 37.

2- النساء: 162.

3- الحج: 54.

4- آل عمران: 18.


الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الاَْلْبَـبِ )(1)، وقال: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ)(2)".

ومن هذا المنطلق توجه الدكتور تاج الدين إلى البحث عن المذهب الاسلامي الصحيح الذي يوصله إلى الحق، فكلّف نفسه التنقيب في هذا المجال، بغض النظر عما يُعتقد به ابواه الذين كانا ينتميان إلى المذهب السني وبغض النظر عن المعتقدات التي تلقاها من المجتمع الذي عاش في كنفه.

تغييره للانتماء المذهبي:

اخلص الدكتور الجاعوني في بحثه عن الحقيقة، وحاول أن يتحرّر من كل فكرة سابقة قبل الشروع بالبحث والتقصّي، واجتهد ليستخلص بعون الله سبحانه وتعالى لنفسه صورة واضحة تورده مورد الصدق، فكانت النتيجة أنّه وجد أهل البيت (عليهم السلام) هم صفوة الله تعالى في خلقه، وهم سفن نجاة الأمة وأمانها من الاختلاف في الدين واعلام هدايتها وثقل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبقيته في أمته ولولا هم لضاع الحق وذهب النور، فلهذا فتح الدكتور تاج الدين عقله وقلبه ليتلقى العلم من هؤلاء.

ثم ادرك الدكتور بأنّ أيقن الطرق إلى الصواب هو ما بينه أهل البيت (عليهم السلام) ، وأنّ سبيلهم واضح لا يلجه شك أو شبهة وأنّ مذهبهم يؤدي إلى معرفة الحق، وأنّهم أغنوا الأمة الاسلامية عن اتباع المسالك الضالة التي ابتدعها من ليس له أهل.

ومن هذا المنطق تحوّل الدكتور تاج الدين من مذهبه السابق واعتنق من أعماق وجوده مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ثم حاول أن يوطّن نفسه للدعوة إلى سبيل

____________

1- الزمر: 17 ـ 18.

2- البقرة: 256.


الحق وأن ينبّه مَن حوله إلى الحقائق التي حاول البعض كتمانها واخفاءها وفقاً لما أملت عليهم مصالحهم الذاتية.

وقد وُفق الدكتور في ضوء استطاعته أن يتلقّى على عاتقه هذه المهمة الصعبة، وكانت من جملة الأمور التي قام بها هي نشر جملة من المقالات في بعض الصحف المعترف بها من قبيل صحيفة الدستور، وحاول الدكتور من خلال هذه المقالات أن يعرّف الناس بمكانة ائمة أهل البيت (عليهم السلام) ومقامهم ومنزلتهم التي رسمها رسول الله(صلى الله عليه وآله)لهم من بعده.

مؤلفاته:

(1) "الانسان هذا الكائن العجيب، أطوار خلقه وتصويره في الطب والقرآن":

صدر عام 1413هـ ـ 1993م عن دار عمار، الاردن في أربعة أجزاء.

ذكر المؤلف في المقدمة: "إن ما اقدمه هو لقطات علمية أو قل مشاهد قرآنية، حقائق طبية معروفة للكثيرين ليست هي بالاسرار ولا بالألغاز، وإنما هي آيات أو قل معجزات يجب التوقف عندها ودراستها واستيعابها.. هذا العمل المتواضع يسلّط الأضواء فقط على بعض الآيات الشريفة التي تعالج خلق الانسان.. من أجل بعث وعي قرآني".

ويتطرّق المؤلف في الأجزاء الأربعة من هذا الكتاب إلى اطوار خلقة الانسان وكل أطوار حياته منذ أن يكون نطفه في الرحم إلى أن يخرج انساناً وفي كل مراحل حياته، ويقدم المؤلف خلال ابحاثه النصائح الطبية التي تتجسد فيها عناصر الوقاية من كثير الامراض وحماية الاطفال والنساء والرجال من كثير من عوامل الاعاقة وحماية الانسان من المزالق المرضية.


وقفة مع كتابه: "الانسان هذا الكائن العجيب"

يوضّح الكاتب فكرة الكتاب وما يريد أن يقول فيه، فيقول:

قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ ءَايَـتِنَا فِى الاَْفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ )(1) صدق الله العلي العظيم وقال:(وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـوَ تِ وَالاَْرْضِ)(2) وقال أيضاً: (وَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـوَ تِ وَ مَا فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لاََيَـت لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ)(3) وقال: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(4)... حثّ الإنسان المؤمن الواعي على التفكير. وقال تعالى يحذّر من الجهل والجهالة: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ )(5).. وقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )(6) وقال: (وَ مِنَ النَّاسِ مَن يُجَـدِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَـن مَّرِيد )(7). وقال يستحثّ الناس على اتّباع النافع من البصائر والعلوم (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(8)... وقال أيضاً: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى

____________

1- فصلت: 53.

2- آل عمران: 191.

3- الجاثية: 13.

4- الأعراف: 176.

5- الأنفال: 21.

6- الأنفال: 22.

7- الحج: 3.

8- الزمر: 18.


الظُّـلُمَـتِ)(1) هكذا حثّت التعاليم الإسلامية في القرآن والحديث على طلب العلم والمعرفة بحيث عدّت الإنسان الجاهل أعمى وجعلت المعرفة مقياساً هادياً لتقييم الأشياء وترجيحها، وعدّت النظرة السطحيّة إلى الأشياء تافهة. انظر المنطلق الصحيح للمعرفة (وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(2).. القرآن يحثّ على كسب العلم وطلب المعرفة وإعمال الفكر فيلفت العقول إلى التعمّق وسبر أغوار الكائنات فيشحذ الأذهان ويشرح الصدور...

(فَلْيَنظُرِ الاِْنسَـنُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآء دَافِق * يَخْرُجُ مِنم بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئبِ * إِنَّهُو عَلَى رَجْعِهِ ى لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ )(3).

الماء الدافق:

يبدأ الكاتب في توضيح بعض المصطلحات القرآنية لادوار الجنين على أساس ما يقوله الطب فيقول:

الماء الدافق ما هو؟ قال أكثر المفسرين هو السائل المنوي في الرجل... ولكن ماذا يقول الطب في المرأة؟... المعروف أنَّ للمرأة نوعين من الماء أولهما ماء لزج يسيل ولا يتدفّق وهو ماء المهبل، ويساعد فقط على ترطيب المهبل وتنظيفه من الجراثيم. أمّا الثاني فهو ماء متدفّق أجل ماء متدفّق يخرج من حويصلة المبيض مرّة كل شهر وفيه البويضة التي يلتقطها النفير (قناة فالوب) بوساطة أهداب ناعمة ملساء ويدفعها حتّى تلتقي بالحيوان المنوي في دهليز البوق... المهم أنّ كليهما يتدفقان... ماء الرجل وماء المرأة... وكلاهما يخرج من

____________

1- الأنعام: 122.

2- العنكبوت: 69.

3- الطارق: 5 ـ 9.


بين الصلب والترائب، أي من الخصية والمبيض... وكلاهما يتكوّنان بين العمود الفقري والأضلاع في الجنين وصدق الله العظيم الذي قال: (فَلْيَنظُرِ الاِْنسَـنُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآء دَافِق * يَخْرُجُ مِنم بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئبِ)(1).

(ثُمَّ جَعَلْنَـهُ نُطْفَةً)(2):

(أَوَ لَمْ يَرَ الاِْنسَـنُ أَنَّا خَلَقْنَـهُ مِن نُّطْفَة فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ )(3) القرآن يتحدَّث عن النطفة قبل 14 قرناً... تارةً ليذكّر الإنسان بأصله (هَلْ أَتَى عَلَى الاِْنسَـنِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـاً مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَـنَ مِن نُّطْفَة أَمْشَاج نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـهُ سَمِيعَام بَصِيرًا )(4) وطوراً ليذكّره بيوم الحساب. تارة ليحمله على البحث والاستقصاء أو التأمّل والتفكّر والاعتبار وطوراً ليحفزه على الإيمان بالواحد الأحد.. فيقول: (قُلْ سِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(5) ويقول في سورة القيامة: (أَيَحْسَبُ الاِْنسَـنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الاُْنثَى * أَلَيْسَ ذَ لِكَ بِقَـدِر عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى)(6).

النطفة أو الحيوان المنوي تفرزه الخصية بأعداد وفيرة تصل إلى أكثر من 350 مليون نطفة عند بعض الرجال وإلى النطفة الواحدة أو الصفر عند بعضهم الآخر (طبعاً في الأحوال غير الطبيعيّة). وإذا دقّقنا النظر في كل حيوان منوي

____________

1- الطارق: 5 ـ 7.

2- المؤمنون: 13.

3- يس: 77.

4- الإنسان: 1 ـ 2.

5- العنكبوت: 20.

6- القيامة: 36 ـ 40.


وجدناه "كالطوربيد" له رأس مصفّح مدبّب وله عنق صغير وله ذيل. ورأسه مثلّث الشكل يشبه رأس صاروخ أو قذيفة طوله 5 ميكرون (الميكرون 1000/1 من الملّميتر). تتحرّك "النطفة" بواسطة الذيل من المهبل إلى عنق الرحم ثمَّ إلى الرحم ومنها إلى النفير، لتلتقي بالبويضة (نطفة المرأة) في أحد النفيرين مكوّنة النطفة الأمشاج. العلم وقف حائراً سنيناً طويلة لا يعرف كيف يتكوّن الجنين والقرآن يتحدّث عن مراحل تخليق وتصوير الجنين خطوة خطوة قبل أربعة عشر قرناً وصدق الله العظيم في قوله تعالى: (ولتعلمنَّ نبأَهُ بعد حين)(1).

ومحمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم تخلُ أحاديثه من ذكر "النطفة" قال لليهودي الذي بعثته قريش ليسأله ممَّ يُخلَق الإنسان: "يا يهوديّ... مِن كلٍّ يُخلق... من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة"(2).

البويضة (نطفة المرأة):

إنّ عملية تكوّن البويضات تبدأ بهجرة الخلايا الجرثومية البيضيّة الأوليّة من أماكن أخرى من جسم الجنين إلى منطقة الغدة التناسليّة. وأول ما يتمايز من هذه الخلايا الجرثومية الأولية هو الخلية البيضيّة البدائية (أم البيض) ثم الخلية البيضية الأولية، ثم أم سلف البويضة ثم سلف البويضة.

يتضاعف أولا DNA (حامض ديزوكسي نيوكلييك) الصبغي (الكروموزومي) في الخلايا البيضيّة الأولية. ومن بعد تمر هذه الخلايا كمثيلاتها من الخلايا المنويّة الأوليّة في مرحلتين انقساميّتين مُنَصّفتين، وتنتهي بتكوّن بويضات تحتوي على نصف عدد الصبغيات الموجودة في خلايا الجسم العادية. وهذه البويضات الناضجة فالنطفة أصغر حجماً من البويضة.

 

____________

1- ص: 88.

2- عن الإمام أحمد في مسنده.


ونطفة الرجل فيها ذيل والبويضة كرويّة بلا ذيل!

نطفة الرجل تتحرّك بديناميكيّة ذاتيّة أمّا البويضة فتحمل بأهداب النفير إلى داخله والنطف توجد بالملايين بعد سن البلوغ أمّا البويضات فبالآف فقط.

النطفة قويّة الشكيمة "بطّوطيّة" (بعيدة السفر) أمّا البويضة فهي وديعة تمشي على استحياء إلى قدر محتوم فإمّا أن تصادف "فارس الأحلام" في دهليز البوق، فتعتنقه مكونّة النطفة الأمشاج، وإمّا أن تشاء الظروف أنْ لا يكون أحد في الانتظار، فتنكمش ثمَّ تذوب ثمَّ تخرج مع دم الطمث.

البويضة كالأميرة تلبس التاج المشعَ.

النطفة (الحيوان المنوي) كالطوربيد يلبس قلنسوة المحارب على رأسه المدبّب وله عنق وذيل... ولا يهمّه سوى تنفيذ المهمّة التي أُنيطت به فهو دائم الحركة، جسور لا يبالي بالمخاطر، دؤوب، يبحث دون كَلل وملل وبلهفة المشتاق عن أميرة ذات تاج مشع، داخل دهليز موحش، وعر المسلك قاتم السواد مظلم الأركان، كثير التلافيف، ممتلىء بالتعاريج، وليس الذكر كالأنثى.

 

ولد أو بنت؟

قال الله تعالى: (أَيَحْسَبُ الاِْنسَـنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ (أي ماء الرجل، المني) الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الاُْنثَى)(1).

حقيقة علميّة يصدرها القرآن قبل أربعة عشر قرناً... يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم وهي أنَّ تحديد الجنس يعود للنطف عند الذكر. القرآن يمسّكنا بطرف الخيط، ويحثّنا في الوقت نفسه على البحث عن الطرف الآخر. فالله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نكون كسالى وخاملين، قال: (وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ

____________

1- القيامة: 36 ـ 39.


سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )(1).

وقال: (قُلْ سِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(2).. هنالك حث واستنفار على البحث والتنقيب، والتفكّر والتعقّل ومعرفة النفس والكون قال: (سَنُرِيهِمْ ءَايَـتِنَا فِى الاَْفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(3).

وقال جلّ وعلا لافتاً النظر ومذكّراً: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنم بُطُونِ أُمَّهَـتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْـاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الاَْبْصَـرَ وَ الاَْفْـِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(4).

ويعلّمكم الله والله بكل شيء عليم...

يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاُْنثَى)(5)... نطفة الرجل فيها خصائص التذكير والتأنيث فيها نوعان من الكروموزوم (الصبغيّات) الجنسي بينما نطفة المرأة نوع واحد من الكروموزوم الجنسي وهو الكروموزوم الأنثوي...

وأخيراً، بعد أربعة عشر قرناً يتوصّل العالم إلى معرفة الفروق بين النطفة "الحيوان المنوي" والبويضة "نطفة المرأة" فقد اتّضح أنَّ نواة البويضة الأنثويّة أو أيّة خلية أخرى لدى الأُنثى تحمل أجساماً جنسيّة من نوع (XX) (س س) وإن نطفة الرجل تحتوي أجساماً جنسيّة من نوع (XY) س ص فإذا انقسمت أصبحت النطف الجديدة إمّا (Y) ص أو (X) س أي ذكريّة (Y) ص وأنثوية (X) س. والحيوان المنوي الذي يحمل إشارة (Y) (ص) يختلف عن الحيوان المنوي الذي يحمل إشارة (X) (س).. وليس الذكر كالأنثى وهنالك اختلاف بينهما ليس في الشكل والمنظر فحسب بل في خصائص ومميزات متعدّدة فإذا ما لقَّحتْ نطفة

____________

1- العنكبوت: 69.

2- العنكبوت: 20.

3- فصّلت: 53.

4- النحل: 78.

5- آل عمران: 36.


ذكريّة (Y) ص بويضة (X) س كان الناتج إنساناً ذكراً فيه جسميات (X) س و(X) س. وهكذاترى أنَّ البويضة تعطي دائماً شارة الأنوثة، أمّا نطفة الرجل فهي التي بأمكانها تحديد أذكر أم أنثى لاحتوائها على خصائص الذكورة والأنوثة وصدق الله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاُْنثَى)(1) فلا يلومنّ أحد زوجته إذا هي أنجبت له إناثاً دون الذكور.

 

تكوّن النطفة الأمشاج:

قال الله تعالى: (وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَـتِهِ ى فَتَعْرِفُونَهَا وَ مَا رَبُّكَ بِغَـفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ )(2).

وقال أيضاً: (وَ خَلَقَ كُلَّ شَىْء فَقَدَّرَهُو تَقْدِيرًا )(3).

البويضة، قلّما تعيش أكثر من 36 ساعة بعد خروجها من المبيض، ونطفة الرجل تحتاج 7 ـ 30 ساعة للوصول إلى البويضة لتلقيحها... عمليّة حسابيّة تبدو بالنسبة لنا وكأنها مدروسة بدقّة، ولكنّها أي عمليّة تحديد المكان والزمان المناسبين لالتقاء النطفة بالبويضة (وهو الجزء الوحشي من قناة الرحم) بالنسبة لله تعالى هي كما يقول جل وعلا (إِنَّمَآ أَمْرُهُو إِذَآ أَرَادَ شَيْـاً أَن يَقُولَ لَهُو كُن فَيَكُونُ)(4)(فَسُبْحَـنَ الَّذِى بِيَدِهِ ى مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْء وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )(5)"فاعل لا بمعنى الحركات (ثُمَّ جَعَلْنَـهُ نُطْفَةً فِى قَرَار مَّكِين )(6).

جاء ذكر "القرار المكين" أيضاً في سورة المرسلات قال تعالى: (أَلَمْ

____________

1- آل عمران: 36.

2- النمل: 93.

3- الفرقان: 2.

4- يس: 82.

5- يس: 83.

6- المؤمنون: 13.


نَخْلُقكُّم مِّن مَّآء مَّهِين * فَجَعَلْنَـهُ فِى قَرَار مَّكِين * إِلَى قَدَر مَّعْلُوم * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَـدِرُونَ )(1).

قال المفسرون "الماء المهين" الحقير، قليل الغناء. والمراد به النطفة، والمراد "بالقرار المكين" الرحم، والقدر المعلوم مدّة الحمل، والقرار مصدر أُريد به المقرّ مبالغة، والمراد به الرحم التي تستقر فيها النطفة، والمكين المتمكّن، لتمكّنها في حفظ النطفة من الضياع والفساد، ولكون النطفة مستقرّةٌ متمكنة فيها... والمعنى ثمَّ جعلنا الإنسان نطفة في مستقر متمكّن هي الرحم، كما خلقناه أوّلا من سلالة من طين أي بدّلنا طريق خلقه من هذا إلى ذاك.

وقد اختلف العطف من "فاء" إلى "ثمَّ" لأنَّ ما عُطِفَ بـ "ثُمَّ" له بينونة كاملة مع ما عُطِفَ عليه، وما لم يكن فيه بينونة عُطِفَ "بالفاء"، كقوله (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـماً فَكَسَوْنَا الْعِظَـمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَــلِقِينَ)(2).

هنالك إذن انتقال من مرحلة إلى أخرى... من مرحلة الطين (وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَـنَ مِن سُلَــلَة مِّن طِين )(3) إلى مرحلة النطفة في القرار المكين (ثُمَّ جَعَلْنَـهُ نُطْفَةً فِى قَرَار مَّكِين)(4) والمقصود طور النطفة الأمشاج لقوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَـنَ مِن نُّطْفَة أَمْشَاج نَّبْتَلِيهِ)(5) وذلك حين تلتحم النطفة (الحيوان المنوي) مع النطفة (البويضة).

لنقف قليلا عند كلمة "مكين". القرار المكين هو المتمكن الذي تنمو فيه

____________

1- المرسلات: 20 ـ 23.

2- المؤمنون: 14.

3- المؤمنون: 12.

4- المؤمنون: 13.

5- الإنسان: 2.


النطفة الأمشاج، حتى تصير حميلا(1)، ثم جنيناً، ثمَّ تخرج طفلا، كامل الخِلقة سويَّ التكوين. هذا "القرار" عجيب لو أمعنّا النظر في شكله وتكوينه وقدراته. ما أعظم هذه الكلمة "مكين"، فقد جمعت كل المعاني المطلوبة لوصف الرحم. لم يقل سميك ولم يقل حصين ولم يقل متين فهو كل ذلك وأكثر... هو قرار مكين. فالرحم مؤمَّنة بعظام الحوض التي تحميها، ومميّزه بكثرة الأعضاء والأنسجة المسخّرة لخدمتها، وحفظها، ورعايتها، كالغدد، والأعصاب، والدم. وهي مشدودة بأربطة رحميّة، وهي مضغوطة، فلا تتمدّد طبيعيّاً إلاّ بعد الحمل، وهي مفروشة في الداخل بغطاء (طبقة) ملساء ناعمة رقية لاحتضان البويضة الملقَّحة. وهي ممسَّكة بحبال وأوتاد وأنسجة ومعلّقة كالجسر... إنّها فعلا مَحْضَن حريز كالحصن المنيع... إنّها قرار مكين..

والرحم تقع في الحوض الحقيقي لهيكل المرأة الذي يحميها... والرحم تستطيع أن تتمدّد وتتحرّك وتنمو حتى أنَّ حجمها يتضاعف أكثر من 2000 مرّة في نهاية الحمل. والرحم مع ذلك تبقى في مكانها لأنها مشدودة ومربوطة ومعلَّقة بأوتاد تحميها، وتحفظها، كجسر معلّق، تشدّها تارة، وترخيها أخرى بحسب ظروفها...

والرحم تقع في محور معيّن يلائم تقاسيم الحوض والبطن والفراغ الذي تملأه في الحمل، وفي غير الحمل.

والرحم ممسّكة بأغشية تشدّها إلى الحوض فهي أي الرحم يجب أن تتمكّن يوماً ما من حمل جنين قد يصل وزنه إلى 4 أو 5 كيلوغرامات. أو إلى حمل عدد من الأجنّة يفوق هذا الوزن!

والرحم (القرار المكين) محجوبة بالمهبل وبعضلات العجان من أسفل،

____________

1- حميلا: لفظ يطلق على الجنين الذي لم يبلغ الثلاثة أشهر.


ومحروسة بعضلات البطن من أمام ومربوطة بنسيج متين من خلايا خاصّة تمسكها بالمثانة وبالمستقيم من الخلف للمساندة.

والرحم متّصلة بالعنق، والعنق متّصل بالمهبل. وهذا يساعد على ثبات الرحم في مكانها كالجسر المعلّق. والرحم مطعَّمة ومقوّاة بعضلات ذي ثلاث طبقات لولا انقباضها الشديد بعد الولادة لاستمرَّ النزيف إلى ما لا نهاية.

والرحم تَعود إلى حجمها الأصلي بعد الولادة بمساعدة هرمونات نخاميّة (تفرزها الغدّة النخاميّة). والرحم مهيّأة للاستجابة لهرمونات كالأستروجين والبروجستيرون، فالأول يحرّك الرحم طرباً في المرحلة الأولى من الدورة الشهريّة فتَهتزّ، وتَنفتح، وتتقلّص، وتتلوّى، طالبةً النطفة، وبعد التلقيح تتهيّأ لتأثيرات الهرمون الثاني، أعني البروجستيرون، الذي يجعلها رزينة هادئة ساكنة، لأنَّ في طيّاتها نطفة (ملقَّحة) أمشاج تَودّ أن تحافظ عليها! وصدق الله العظيم في قوله تعالى: (وَ فِى الاَْرْضِ ءَايَـتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَ فِى أَنفُسِكُمْ)(1). والقرار المكين آية من آيات الله... يجب التوقّف عندها وتأمّلها ودراستها.

 

العلقة، (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)(2):

تتعلّق البويضة الملقَّحة بادىء ذي بدء عن طريق استطالات زغابيّة آكلة كأشباه الجذور، وهي عبارة عن أهداب.. خمائل تربط بين العلقة وأتربة جدار بيت الرحم... بحيرات دمويّة وغدد... التي منها تتغذّى وتتنفّس. ثمّ بعد فترة يتكوّن الغشاء المشيمي الذي من بعضه تتكوّن المشيمة فيما بعد، وبخملاته تتعلّق العلقة بالرحم في الأسبوع الثاني. ثمّ يتكوّن المعلاق (رباط، ساق موصل) حوالي اليوم الرابع عشر، وهو الذي يربط الحميل بالغشاء المشيمي. وهذا المعلاق يتطوّر

____________

1- الذاريات: 20 ـ 21.

2- المؤمنون: 14.


إلى الحبل السرّي الذي يوصل الجنين بالمشيمة، ويحوي أوعية دمويّة تنقل الغذاء والأكسجين إلى الجنين وتخلّصه من الفضلات بتمريرها إلى المشيمة.

تنتهي مرحلة "العلقة" مجهرياً في نهاية الأسبوع الثالث من التقاء البويضة بالنطفة... وذلك بابتداء تكوّن الكتل البدينيّة(1) (قطاعات الفقرات الأولية ـ أصل العظام والعضل) ونظام الدورة الدمويّة.

 

(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً)(2):

المضغة هي المرحلة التالية لمرحلة العلقة، وتبدأ في اليوم الثالث والعشرين تقريباً بعد التلقيح (الأسبوع الرابع) أو اليوم الأربعين تقريباً بعد آخر "حيضة". تتشكّل أوّلا كتل بدينيّة. وهذه الكتل التي تظهر تدريجيّاً في أوقات متفاوتة تصل في النهاية من 42 إلى 45 كتلة على كل جانب من مِحور الجنين من أعلى إلى أسفل. وهي التي تتكوّن منها فقرات العمود الفقري...

المضغة: في هذه المرحلة لا يزيد حجمها بما يحيط بها من دم وأغشية مشيميّة عن "كرة الطاولة" أو "بيضة الحمام" فهي إذن كقطعة لحم بقدر ما يمضغ!

لنتحدّث الآن عن فترة تعرف في علم الأجنّة والتشريح بفترة "الحميل" وهي التي أشار إليها القرآن الكريم "بالمضغة"... هذه الفترة هي بالذات فترة تخلّق وتمايز، وأعني أنَّ الطبقات الثلاث التي يتكوّن منها الحميل تبدأ بتخليق أنسجة وأعضاء معيّنة. وبانتهاء هذه الفترة التي تمتد حسب علم الأجنّة إلى نهاية الشهر الثاني(3) يكون الحميل قد تكوّنت لديه أعضاء الأجهزة الرئيسيّة. والجدير بالذكر أنّه بسبب ذلك يتغيّر شكل الحميل إلى درجة كبيرة إذ يصبح بالإمكان الآن

____________

1- بديناتِ أوّلية (سلف الغضروف) هي أصول الفقرات، واللحم.

2- المؤمنون: 14.

3- من عمر الجنين الرحمي.


تمييز الملامح الرئيسيّة للشكل الخارجي لجنين بشري.

 

(وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا)(1):

1 ـ العمود الفقاري:

وهو من معطيات الطبقة المخلَّقة الوسطى للمضغة. فمع بداية الأسبوع الرابع أي حوالي الأربعين يوماً بعد آخر "حيضة" تبدأ خلايا طلائية متميّزة والمكوّنة للجدار الأمامي والجانبي للكتل الهيكليّة باتخاذ أشكال جديدة لها، متنوعة ثُمَّ تهاجر باتجاه الحبل الظهري. وهذه الخلايا التي تعرف بأجمعها بالخلايا الهيكليّة الأوليّة تكوّن أنسجة رخويّة، مخلخلة، تعرف بالأنسجة الضامّة. تحيط هذه الأنسجة بالحبل الشوكي والحبل الظهري لتكوّن العمود الفقاري... بعد ظهور مراكز التمعظم فيها مع بداية الأسبوع التاسع من عمر الجنين الرحمي.

 

(ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً)(2):

2 ـ العضل والجلد:

أمّا الجدار الخلفي المتبقّي للكتلة الهيكليّة، والذي يعرف الآن بالكتلة العضليّة، فيكوّن طبقة جديدة من الخلايا، تمتاز بوجود أنوية شاحبة. وهذه الخلايا بالذات تكسو العظام التي نشأت من حولها، باللحم (العضل). وبعد تكوّن العضل من خلايا هذه الكتل المتميّزة، تنتشر هذه المجموعات من الخلايا العضليّة تحت الطبقة الخارجيّة (أكتودرم) بعد أن تفقد خاصّيتها الضامّة، لتكوّن طبقة الجلد والأنسجة تحت الجلديّة.

 

____________

1- البقرة: 259، لا يبدأ العظم بالتخلق إلاّ بعد ظهور مراكز التمعظم في النسيج المضغي ابتداء من الأسبوع التاسع لنمو الجنين (باستثناء عظم الترقوة).

2- البقرة: 259.


وهكذا فإنّ كل كتلة هيكليّة تكوّن أوّلا المحتوى الغشائي فالغضروفي، فالعظمي للفقرة المتخلّقة عنها; ثمَّ تقوم بإكسائها تدريجياً باللحم (العضل والعصب والجلد)... ولا تظن أنَّ كلَّ هذا يتم في أسبوع أو أسبوعين، بل يمتد من الأسبوع الرابع حتى ما بعد ظهور مراكز التمعظم في أجسام الكتل الغضروفيّة في بداية الأسبوع التاسع.

والمهم أنَّ الترتيب الزمني لتخلّق هذه الأنسجة في علم الأجنّة يتبع الترتيب الزمني الذي تنبأ به القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً. فسبحان الله الذي وعّى الإنسان وبصّره بأعاجيب خلقه فقال تعالى: (يَـأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضْغَة مُّخَلَّقَة وَ غَيْرِ مُخَلَّقَة لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ)(1)... وقال تعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـماً فَكَسَوْنَا الْعِظَـمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَــلِقِينَ )(2).

3 ـ الأطراف والمفاصل:

يتغيّر شكل الحميل الخارجي كثيراً خلال الشهر الثاني بسبب حجم الرأس وتكوّن الأطراف والوجه والأذن والأنف والعينين. ومع بداية الأسبوع الخامس يظهر نتوآن ذراعين وساقين (براعم) على شكل مجاديف أوّلا، ثمّ تتسطّح هذه الامتدادات الغضروفيّة مكوّنة الذراعين والساقين. وبعد ذلك تظهر براعم في أماكن أخرى كالرسغ والكوع والرقبة مكوّنة الكعبرة والزند والعضد في الطرف العلوي وعظمة الفخذ وقصبة الساق والشظيّة في الطرف السفلي. أما سلاميات أصابع اليد والقدم فتظهر على شكل امتدادات مستطيلة أوّلا ثمَّ تتدوّر تدريجيّاً. وفي الأسبوع السابع تبدأ خلايا من الطبقة الوسطى المخلَّقة

____________

1- الحج: 5.

2- المؤمنون: 14.


للمضغة في التمايز تدريجياً لتكوين عضلات الأطراف فيما بعد، أي بعد ظهور مراكز التمعظم فيها وصدق الله العظيم في قوله تعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـماً فَكَسَوْنَا الْعِظَـمَ لَحْماً)(1) في نظام زمني دقيق كشف عنه القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً.

تبدأ الأجهزة في استكمال بنائها الأساسي خلال الشهر الثالث، مثل الكبد، والقلب والسمع، والبصر، والدماغ... وكذلك تشرع أعضاء الجنين التناسليّة في التمايز، ويصبح بالإمكان التفريق بين الذكر والأنثى. كما يُلاحظ للطفل حركات إراديّة. وقد اسْتُدِل من ذلك على "نفخ الروح فيه" لقوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ى)(2) وقد تصوّر وجهه واتّخذ الشكل الإنساني المميّز.

 

الأسبوع التاسع حتى الولادة (المرحلة الجنينيّة) (FOETAL PERIOD):

هذه المرحلة مرحلة نمو وتطور... وتبدأ من الأسبوع التاسع وتنتهي بالولادة. تمتاز هذه المرحلة بسرعة نمو الجنين، وكذلك نضوج الأجهزة والأعضاء التي تتكوّن منها إضافة إلى تحوّل المضغة تدريجيّاً إلى عظم فلحم (عضل وعصب الخ) (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـماً فَكَسَوْنَا الْعِظَـمَ لَحْماً)(3) وذلك بعد ظهور مراكز التمعظم في مختلف أجزاء الهيكل العظمي. يزداد طول الجنين خلال الشهور الثالث والرابع والخامس من الحمل بمعدل سنتمتر واحد تقريباً كل أسبوع; على حين يزيد وزن الجنين بشكل ملحوظ خلال الشهرين الأخيرين من الحمل (الثامن والتاسع).

 

____________

1- المؤمنون: 14.

2- السجدة: 9.

3- المؤمنون: 14.


الروح بين الطب والقرآن:

(وَ يَسْـَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )(1).

اتفق العلماء على أنَّ الإسقاط حرام أو مكروه، ولم يتفقوا على مسألة وقت دخول الروح وتأويل حديث الرسول الأكرم المروي عنه. عن عبدالله بن مسعود(رضي الله عنه): "إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أُمة أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة، مثل ذلك، ثم يكون مضغة في ذلك مثل ذلك. ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد"(2).

هنالك اختلاف عند العلماء حول ما إذا كانت الروح تُنْفَخ بعد الأربعين الأولى وأنَّ مراحل النطفة والعلقة والمضغة كلها تقع في الأربعين، أم أنَّ مرحلة كل واحدة منها تستغرق أربعين يوماً أو ليلة. إنَّ علم الأجنَّة يظهر أنَّ النطفة الأمشاج قد مرّت بمرحلة العلقة فالمضغة ثم أصبحت على هيئة إنسان مصغر له رأس وأُذنان وعينان ويدان ورجلان وأعصاب وعضل وقلب ينبض. وأنَّه في خلال

____________

1- الإسراء: 85.

2- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنَّ خلق أحدكم يجمع في بطن أُمة أربعين يوماً وأربعين ليلة ثم يكون علقة مثله ثم يبعث إليه الملك، فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح". أخرجه الشيخان. لاحظ لم تذكر النطفة ولا المضغة. وفي صحيح مسلم أيضاً: "أنَّ النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك فيقول يا رب ذكر أم أُنثى". وفي مسند الإمام أحمد: "إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوماً أو أربعين ليلة بعث إليها ملك فيقول يا رب شقي أم سعيد، فيُعلم". وعن حذيفة بن أسيد: "إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها". رواه مسلم، وفي رواية أُخرى عن الرسول الأكرم ذكرها مسلم في صحيحه: "إنَّ النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها" إلى آخر الحديث.


الأسبوع التاسع أو العاشر من عمره الحقيقي (الرحمي) (الحادي عشر أو الثاني عشر بعد آخر حيضة)، قد تصدر عنه حركات إرادية بسيطة. فكون الملَكَ ينفخ الروح بعد الأربعين الأولى، أقرب إلى الواقع، إذ لا يمكن أن يصدر عن الجنين حركات إرادية، دون جهاز عصبي يتأثر بالبيئة. فكونه أصبح وِحْدَة شبه مستقلة، يستجيب لحوافز خارجيّة، وكونُه شكلا أصبح كالإنسان كامل الأعضاء، ولو بصورة مصغرة، يشجع الأخذ بالتأويل الذي يجعل نفخ الروح بعد الأربعين الأولى لا الثالثة من عمره الحقيقي (الرحمي)، والله أعلم.

المشكلة الأساسية أنّنا لا نعرف ما هي الروح وما دمنا لا نقدر على تحديد كنهها، أو هويتها، وماهيتها، تظل مشكلة ضبط وقت دخولها الحقيقي في جسم الإنسان بارزة للعيان، وصدق ربنا العظيم في قوله تعالى: (وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا)(1). ولو أنَّ ربنا أخبرنا ما الروح لهان الأمر. ولكن هذا لا يمنع من التفكير بالواقع، حتى لا نظل نقتل أطفالنا لأتفه الأسباب، بحجة أنَّ الروح لم تُنْفَخ فيهم بعد، ذلك أنَّ بعض الأطباء والعلماء راحوا يصدرون الفتاوي بأنَّ القيام بإجهاض قبل نفخ الروح (وعندهم أنَّ نفخ الروح بعد الأربعين الثالثة) أمر جائز لا تَشَدّدَ فيه، بينما القيام به (أي الإجهاض) بعد نفخ الروح (أي بعد الأربعين الثالثة)، فهو محرَّم إلاّ إذا اقتضت ضرورة طبية.

 

حقوق الطفل أو الجنين:

ضَمِنَ الإسلام حقوق الطفل قبل تكوينه، وبعد تكوينه، في أثناء، وقبل، وبعد الولادة. ووضع في ذلك قوانين وتشريعات كقوانين الأحوال الشخصيّة وقوانين الوصيّة والميراث والولاية على النفس، والمال، والحضانة، والنسب،

____________

1- الإسراء: 85.


والطلاق، وحقوق الأولاد الخ.

أما ما يهمنا في هذا البحث الموجز فهو حقوق الجنين. قال الله تعالى: (وَ لاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْـاً كَبِيرًا )(1).

حرّم الإسلام قتل الطفل خشية الفقر قال الله تعالى: (وَ إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُـئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنب قُتِلَتْ )(2). لأنَّ بعض قبائل العرب كانت تئد بناتها خوفاً من العار أو الفاقة أو السبي. وقد وصف القرآن الكريم الأب الجاهل الذي يُبشَّر بميلاد ابنة وصفاً دقيقاً فقال: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالاُْنثَى ظَـلَّ وَجْهُهُو مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَ رَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ى أَيُمْسِكُهُو عَلَى هُون أَمْ يَدُسُّهُو فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ )(3).

أما عادة وأد البنات (بمعنى دسّهِنَّ في التراب) فقد انقرضت... ولكنْ مع ذلك فالوأد للآن ما زال للأسف يُمَارسَ في بعض البيوتات بشكل أو بآخر. فالزوج الذي يعتدي على زوجته بالضرب المُبرح، أو يُضارّها بالطلاق، الذي لا يصل في العدد إلى حد (ثم يراجعها) أو يحلف عليها غُبناً بالإيلاء أو يجافيها بالظهار، أو بأي شكل من الأشكال، من غير وازع من ضمير... هذا الزوج إنّما يمارس عملية وأد عصرية.

نعم، والزوج الذي يعتدي على زوجته دون حق كذلك يئد "البنات"، لأنَّه يقتل فيها الإحساس بالكرامة واحترام الذات، والحب والحنان والاستقامة والطموحات الخلاَّقة. والزوج الذي يُحدّد النسل خوفاً من أَنْ تلد زوجته بنتاً أخرى، كذلك يئد البنات، ويقتل الأولاد، إذا كانت ظروفه المالية والاجتماعية حسنة. والزوج الذي

____________

1- الإسراء: 31.

2- التكوير: 9.

3- النحل: 58 ـ 59.


يسوق زوجته لتجهض طفلها عند الطبيب أو في أيِّ مكان آخر دون سبب شرعي إنَّما يئد أو يقتل البنات والأولاد. ومنهم مَن يدفع الثمن غالياً فيفقد زوجته أيضاً.

وفي القرآن الكريم إشارة وتحذير للنساء اللائي يُفكّرن في قتل أولادهن، قال الله تبارك وتعالى: (يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَـتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْـاً وَ لاَ يَسْرِقْنَ وَ لاَ يَزْنِينَ وَ لاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـدَهُنَّ وَ لاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَـن يَفْتَرِينَهُو بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوف فَبَايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(1).

وبهذا يكون الكاتب قد جمع ما بين ما ورد في القرآن الكريم من اشارات كثيرة في عظمة الخلق وبين ما يقوله الطب الحديث في ذلك، وقدم مزيجاً مباركاً يوضح عظمة القرآن، ويدلل على انه الكتاب الإلهي الخالد الذي فيه تبيان كل شيء، فبعد أربعة عشر قرناً لازال يقدم للعلماء ما يبهر عقولهم، وصدق الله العلي العظيم حيث يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفاً كَثِيرًا )(2).

 

____________

1- الممتحنة: 12.

2- النساء: 82.


وفاته:

توفي الدكتور تاج الدين محمود الجاعوني بتاريخ 28 صفر عام 1427 هـ. ق. وذلك في بلدة (الرابية) من توابع العاصمة الأردنية (عمّان)، ودفن جثمانه الطاهر في هذه البلدة.


 Ø¹Ø±Ø¶ التعليقات
لا توجد تعليقات!
 Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© تعليق
الإسم: *
البلد:
البريد الإلكتروني:
التعليق: *
التحقق اليدوي: *