حياة الإمام الرضا (ع)
الشيخ باقر شريف القرشي ج 2
[ 2 ]
حياة الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام
[ 3 ]
حياة الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام دراسة تحليل الجزء الثاني باقر شريف القرشي
[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور). صدق الله العلي العظيم القرآن الكريم
[ 7 ]
تقديم (1) في سيرة الامام الرضا (عليه السلام) ملتقى أصيل للمثل العليا، والقيم الكريمة التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني الانسان. ولعل الجانب الروحي من أظهر مميزاته وسماته، فقد انقطع إلى الله تعالى انقطاعا كاملا حتى تفاعل حبه مع جميع ذاتياته وعناصره، وقد أثرت روحانيته على الزاهد المعروف ب (معروف الكرخي) الذي كان من أعبد أهل زمانه فقد كانت هدايته، ونكرانه لذاته، وانصرافه عن ملاذ حياته على يد الامام (عليه السلام)، فقد رأى صرحا من القداسة والطهر فتكهرب به، وانجذب إليه، وسار على هديه في التجرد عن الدنيا، والاقبال على الخالق العظيم (2) لقد كانت قيم الامام العظيم مضرب المثل، في عصره، واستوعبت جميع لغات العصر، فقد شاعت مواهبه وعبقرياته، واحتفاف العلماء والرواة به، وهم ينتهلون من نمير علومه، ويسجلون ما يفتي به، وما يدلي به من روائع الحكم والآداب... وقد تحدثت الاندية والمجالس عن روعة دفاعه عن الفكر الاسلامي وذلك في مناظراته القيمة، واحتجاجاته الصارمة على العلماء والفلاسفة من مختلف المذاهب والاديان، وقد خاض القسم الاوفر منها في البلاط العباسي في (خراسان)، وقد ذكرنا نماذج منها في الحلقة الاولى من هذا الكتاب. (3) ولم يعرف السلك الدبلوماسي في العصر الاموي والعباسي مثل المأمون في
[ 8 ]
صياغته للمخططات السياسية، والتغلب على مجريات الاحداث مهما كانت غامضة ومعقدة، فقد احاطت به أزمات خطيرة وحرجة جدا كادت أن تقضي على حكومته، وتلف لواءها، وكان من ابرزها شيوع الفتن والثورات الشعبية في معظم ارجاء العالم الاسلامي التي سئمت من الحكم العباسي بالاضافة إلى صراعه المسلح مع أخيه الامين، وقتله له، وقد تخلص من هذه الاحداث بمهارة فائقة فأجبر الامام الرضا (عليه السلام) على قبول ولاية العهد التي هي أسمى مركز في الدولة العباسية بعد الخلافة، وضرب السكة الرسمية باسمه، وأخذت وسائل اعلامه تذيع بين المسلمين فضل المأمون وما أسداه من الاحسان إلى أهل البيت (عليهم السلام)، فقد رشح سيدهم وامامهم لهذا المنصب الخطير، ونقل بذلك الخلافة من بني العباس إلى السادة العلويين الذين هم دعاة العدل الاجتماعي والعدل السياسي في الاسلام، وقد اخمدت بهذه الخديعة نيران الحروب، وقضي على وسائل الفتن والتمرد على حكومته. (4) وكان الامام الرضا (عليه السلام) على علم لا يخامره شك بنوايا المأمون وزيف ما اظهره من الولاء الكاذب للاسرة العلوية، وانه يضمر له بالذات خلاف ما يظهره، وانه يبغي له الغوائل، ويكيده في غلس الليل وفي وضح النهار، فلم يشترك (عليه السلام) مع جهاز حكومته، ولم يبد أي نشاط أو تجاوب بأي عمل من اعمال الدولة، فقد تجرد تجردا تاما عن جميع شؤونها، ولم يبق له سوى الاسم انه ولي عهد المأمون، ويلقي هذا الكتاب الاضواء على هذه الجوانب، وما ألم بها من احداث. (5) وقد المحنا في تقديم الجزء إلى بحوث هذا الكتاب ومحتوياته بجزءيه، وانما كررنا ذكر بعضها في هذا التقديم نظرا لاهميتها، وبعد نظر القراء إليها سائلين من الله تعالى أن يحشرنا يوم نلقاه في زمرة العارفين بفضل أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، انه تعالى ولي القصد والتوفيق. النجف الاشرف المؤلف باقر شريف القرشي
[ 9 ]
علل الاحكام وغيرها وأجمعت العدلية من الشيعة والمعتزلة على أن كل حكم صادر من الشارع المقدس لم يكن عفويا مطلقا، وانما كان منوطا بمصلحة شاملة للفرد والمجتمع تعود عليهم بالخير العميم، سواء أكان ذلك الحكم واجبا أم مندوبا، وكذلك إذا كان الحكم محرما أم مكروها، فانه يشتمل على مفسدة ملزمة أو غير ملزمة تعود بالضرر الجسيم على الانسان، وان من المستحيل أن يصدر حكم من الشارع العظيم خاليا من المصالح أو فيه من المفاسد، فان ذلك يستلزم الطعن في حكمة الشارع، كما يستلزم لغوية التشريع، وعدم فائدته وخالفت في ذلك الاشاعرة فزعمت ان احكام الشارع كلها عفوية ومجردة عن الحكم والمصالح وهذا الرأي بادي الوهن يترتب عليه كثير من اللوازم الفاسدة ذكرتها مصادر علم الكلام. وعلى أي حال فقد أعلن الامام الرضا (عليه السلام) عن ضرورة اشتمال الاحكام الشرعية على المصالح في جانب الواجبات والمفاسد في جهة المحرمات وقد ادلى بذلك في تقديم اجوبته عن علل بعض الاحكام التي سأله عنها الفضل بن شاذان، قال (عليه السلام): ان سأل سائل هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلا من الافعال لغير علة ولا معنى ؟ قيل له: يجوز ذلك لانه حكيم غير عابث ولا جاهل فان قال قائل: فاخبرني لم كلف الخلق ؟ قيل لعلل كثيرة فان قال فأخبرني عن تلك العلل
[ 10 ]
معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها (1). وعلى أي حال فقد شاعت في عصر الامام تساؤلات كثيرة عن علل بعض البحوث الكلامية كما شاعت تساؤلات أخرى عن الحكمة في تشريع بعض الاحكام الشرعية وهناك تساؤلات أخرى عن أحوال الانبياء وشؤون الامم الماضية وقد عرضت على الامام الرضا (عليه السلام) فأجاب عنها وقد عرض عليه كوكبة منها محمد بن سنان كما سمع الفضل بن شاذان جملة منها من الامام (عليه السلام) وفيما يلي عرض لها: المسائل الكلامية: أما المسائل الكلامية التي ذكر عللها الامام (عليه السلام) فهي: أ - الحكمة في أمر الخلق بالاقرار بالله: وادلى الامام (عليه السلام) بالحكم الوثيقة التي من أجلها وجب على العباد الاقرار بالله تعالى، وبرسله وبما جاء من عنده، قال (عليه السلام): فإن قال قائل: لم أمر الخلق بالاقرار بالله، وبرسوله، وحجته وبما جاء من عند الله عزوجل ؟... وأجاب الامام بما يلي: قيل: لعلل كثيرة منها إن من لم يقر بالله عزوجل ولم يجتنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكباير ولم يراقب أحدا فيما يشتهي، ويستلذ من الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الاشياء وارتكب كل انسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والاموال وأباحوا الدماء والنساء وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل. ومنها ان الله عزوجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش ولا يكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عزوجل ومعرفة الآمر والناهي. (1) عيون أخبار الرضا 2 / 99 (*)
[ 11 ]
ولو ترك الناس بغير اقرار بالله عزوجل ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي ومنها إنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة فلولا الاقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وارادته يراقب أحدا في ترك المعصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله مستورا عن الخلق غير مراقب لاحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السر واخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد لا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون به من أنواع الفساد (1). ان أوثق عملية لاستئصال الجريمة واقصائها عن الفرد والمجتمع وتطهير الارض من الذنوب والآثام هو غرس الايمان بالله تعالى في اعماق النفوس ودخائل القلوب والاعتقاد بانه تعالى بالمرصاد لكل من يقترف جريمة وإثما في حق نفسه ومجتمعه وأنه سيعاقبه بأقسى ألوان العقاب عليها. ومن الطبيعي ان الانسان بمقتضى حبه لذاته، وسعيه لطلب الخير له، سوف يمتنع من اقتراف أي ذنب يؤدي إلى هلاكه وشقائه. لقد ازدات الجرائم في هذه العصور وازدادت العمليات الارهابية كقتل الابرياء واختطاف الطائرات وما شابه ذلك من الجرائم والموبقات وذلك مسبب عن ضعف الايمان بالله وقلة الوازع الديني في النفوس. إن الايمان بالله تعالى تبتنى عليه قوى الخير والسلام في الارض وانه أوثق طريق لاشاعة العدل والامن والرخاء بين الناس وبقلة الايمان وانعدامه ستزداد محنة الانسان وشقاؤه وبلاؤه. ب - بالاقرار لله بالوحدانية: قال (عليه السلام): فان قال قائل: فلم أوجب عليهم الاقرار والمعرفة بأن الله واحد أحد ؟. قيل لعلل منها انه لو لم يجب عليهم الاقرار والمعرفة لجاز أن يتوهموا مدبرين أو اكثر من ذلك وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لان كل (1) عيون أخبار الرضا 2 / 100. (*)
[ 12 ]
انسان منهم كان لا يدري لانه انما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه إذا لا يعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره. ومنها انه لو جاز ان يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الآخر وفي اجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة ان لا يطاع الله، وفي اجازة أن لا يطاع الله كفر بالله وبجميع كتبه ورسله واثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة. واباحة كل فساد وابطال كل حق. ومنها انه لو جاز ان يكون اكثر من واحد لجاز لابليس أن يدعي أنه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك اعظم الكفر واشد النفاق... (1) وحكى هذا المقطع ضرورة الايمان بوحدانية الله تعالى واستحالة وجود شريك له وقد أدلى الامام (عليه السلام) بأدلته الرائعة على ذلك وانه يلزم من وجود شريك لله تعالى اختلال النظام وفساد الكون وانعدام التوازن في هذه العوالم. ج - الله ليس كمثله شئ: قال (عليه السلام): " فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم الاقرار بالله بأنه ليس كمثله شئ ؟ قيل: لعلل منها: أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربهم وصانعهم ورازقهم ومنها انهم لولا يعلموا أنه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الاصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا ان يكون عليهم مشتبه وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من اخبار هذه الارباب وامرها ونهيها ومنها: أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شئ لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل (1) عيون أخبار الرضا 2 / 102. (*)
[ 13 ]
والتغيير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الاشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وابطال الربوبية... " (1). ذكر الامام (عليه السلام) في هذه المقطع العلل الوثيقة التي توجب على العباد الايمان بأن الله تعالى ليس كمثله شئ ولا شبيه له إذ لو كان له مثل لجرى عليه تعالى ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والفناء وغير ذلك وفي ذلك فساد الخلق وابطال الربوبية. د - العلة في تكليف العباد: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم ؟ قيل: لانه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالامر، والنهي والمنع من الفساد والتغاصب.. " (2). أفاد الامام (عليه السلام) أن العلة في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات هي بقاء الانسان واستمرار وجوده ففيها صلاحه والمحافظة على أمنه ومصالحه وسعادته وفي تركها شقاؤه وهلاكه. ه - العلة في معرفة الرسل: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة ؟ قيل: لانه لما ان لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم وكان الصانع متعاليا عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ظاهرا لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم امره ونهيه وادبه ويقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم ومضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان اتيانه عبثا لغير منفعة ولا صلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ... وحكى هذا المقطع الاسباب الموجبة لمعرفة الرسل والاقرار بنبوتهم وضرورة تصديقهم وإلا كانت معرفتهم عبثا ولغوا. (1) عيون أخبار الرضا 2 / 103 (*)
[ 14 ]
و - الحكمة في اطاعة أولي الامر: قال (عليه السلام): فان قال قائل: لهم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم ؟ قيل: لعلل كثيرة منها ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لانه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام. ومنها إنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس ولما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد له منه ولا قوام إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون فيئهم ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم. ومنها: انه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين، وغيرت السنن والاحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين، لانا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف اهوائهم وتشتت انحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) لفسدوا على نحو ما بيناو غيرت الشرايع والسنن والاحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق اجمعين " (1). وتحدث الامام (عليه السلام) في هذا المقطع عن ضرورة الامامة وانها عنصر أساس لاقامة الحياة الاسلامية وإقامة حدود الله تعالى وأحكامه وقد أقام الامام على ذلك المزيد من العلل والاسباب. ز - الامامة من نسل النبي: قال (عليه السلام) فان قال قائل: فلم لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ قيل: لعلل منها أنه لما كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من (1) عيون أخبار الرضا 2 / 100 - 101. (*)
[ 15 ]
غيره ويهتدى إليه بعينه ومنها انه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل اولاد الرسول اتباعا لاولاد اعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط لانه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل ذلك في اولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير اولاد الرسول تابعين واولاد اعداء الله واعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق. ومنها: ان الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة واذعنوا بالطاعة لم يتكبر أحد منهم أن يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه انهم اولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان ذلك داعية إلى الفساد والنفاق والاختلاف (1). لقد اقام الامام (عليه السلام) هذه التعاليل الوثيقة على ضرورة كون الامام من نسل النبي ومن ذريته فانه ادعى لشمل الامة وجمع الكلمة واجتنابها من ويلات التفرقة والاختلاف كما حدث ذلك حينما اقصيت العترة الطاهرة عن مراكز الحكم والمسؤولية فاختلفت الامة وشاعت فيها الاهواء وسادت فيها الفتن والعداوات وكان ذلك من اعظم ما منيت به الامة من الكوارث والخطوب. علل الاحكام الشرعية: وادلى الامام الرضا (عليه السلام) بكثير من علل الاحكام الشرعية وأسباب تشريعها وذلك فيما كتبه من أجوبة لاسئلة محمد بن سنان وما نقله عنه الفضل بن شاذان وتعتبر هذه البحوث من أروع البحوث وأكثرها فائدة لانها تلقي الاضواء على الاسباب الوثيقة التي من أجلها قنن الشارع العظيم أحكامه المقدسة وفيما يلي ذلك: غسل الجنابة: وتحدث الامام عن الاسباب التي دعت الشارع إلى إلزامه بالغسل من الجنابة قال (عليه السلام): علة غسل الجنابة: النظافة وتطهير الانسان نفسه مما أصاب من أذاه (1) عيون أخبار الرضا 2 / 102. (*)
[ 16 ]
وتطهير سائر جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله " (1) وبين الامام (عليه السلام) الغايات السامية التي من أجلها شرع الاسلام غسل الجنابة وهي: أ - النظافة: وعني الاسلام عناية بالغة بالنظافة واعتبرها من الايمان لانها من أحدث الوسائل في الوقاية من الامراض التي تنشأ معظمها من الاوساخ والقذارة والغسل من أظهر وسائل الطهارة والنظافة للجسم. ب - اعادة الحيوية للجسم: ان الجنابة توجب نحول الجسم وذبوله والغسل يعيد للبدن نشاطه وحيويته وقد اكدت ذلك البحوث الطبية الحديثة. غسل العيدين والجمعة: قال (عليه السلام) فيما أجاب به عن اسئلة محمد بن سنان: وعلة غسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الاغسال لما فيه من تعظيم العبد ربه واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله تعالى فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الايام وزيادة في النوافل والعبادة ولتكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة (2)... ". ويستحب الغسل يوم عيد الاضحى وعيد الفطر ويوم الجمعة وغيرها من المناسبات الدينية كيوم (عيد الغدير) وزيارة مراقد الائمة الطاهرين عليهم السلام وغير ذلك مما ذكره الفقهاء وقد عرض الامام (عليه السلام) إلى الحكمة في تشريع الغسل في هذه الموارد وهي: 1 - تعظيم الانسان لخالقه العظيم وطلب العفو والمغفرة منه تعالى. 2 - تعظيم الاعياد وتحفيز المسلمين إلى الاجتماع والتآلف فيما بينهم. (1) عيون أخبار الرضا 2 / 88. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 88 - 89. (*)
[ 17 ]
3 - تفضيل تلك الايام على غيرها من أيام السنة لوقوع هذه المناسبة العظيمة فيها. 4 - زيادة العبادة واحياء تلك الايام بذكر الله تعالى. 5 - وأما الغسل في يوم الجمعة فحكمته أن يكون البدن على طهارة ونظافة من الجمعة إلى الجمعة. غسل الميت: وعلل الامام (عليه السلام) وجوب ؟ ؟ غسل الميت بتعليلين: الاول: قال (عليه السلام): وعلة غسل الميت، أنه يغسل لانه يطهر، وينظف من أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله، لانه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة، فيستحب إذا ورد على الله ولقي الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله ليطلب به ويشفع له.. الثاني: قال (عليه السلام): وعلة أخرى أنه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له... (1). وعني الاسلام عناية بالغة بأموات المسلمين وقد دعا المسلمين إلى تشييعهم ومواساة أهلهم بمصابهم وأوجب على المسلمين وجوبا كفائيا تغسيلهم والصلاة عليهم ومواراتهم وقد علل الامام (عليه السلام) لزوم تغسيلهم بما يلي: أ - تطهير الميت من القذارة والجراثيم التي في جسمه من جراء مرضه وذلك بغسله بماء السدر والكافور وهما من معقمات البدن. ب - ان الميت بعد تغسيله يكون طاهرا نظيفا فإذا كان مؤمنا صافح الملائكة والمؤمنين من أهل الآخرة. ج - ان آخر ما يخرج من الميت هو الحويمن الذي خلق منه وبهذا يستحق الغسل وقد اكدت بعض النظريات الحديثة هذه الجهة وذهبت إلى أن الحويمن الذي تكون منه الانسان يبقى حيا ومنه يبعث وينتشر يوم القيامة. وعلى أي حال فإن أروع ما قنن للاموات من الاحكام هو ما قننه الاسلام. (1) عيون أخبار الرضا 2 / 89. (*)
[ 18 ]
لهم من التغسيل والمواراة في الارض. غسل مس الميت: قال (عليه السلام): وعلة اغتسال من غسله أو مسه فطهارة لما اصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرجت الروح منه بقي اكثر آفته فلذلك يتطهر منه ويطهر (1) إذا لامس الانسان الميت بعد برده وجب عليه الغسل وكذلك إذا غسله وقد علل الامام (عليه السلام) وجوب الغسل بأن الانسان بعد موته يكون كتلة من الجراثيم فيجب على من لامسه الغسل للتخلص من الاصابة بها. عدم وجوب الغسل للبول والغائط: قال (عليه السلام): وعلة التخفيف في البول الغائط لانه اكثر وادوم من الجنابة ففرض فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منهم ولا شهوة والجنابة لا تكون إلا باستلذاذ منهم والاكراه لانفسهم (2). وعلل الامام (عليه السلام) عدم وجوب الغسل للبول والغائط واكتفى فيه بالطهارة للموضعين لان إيجاب الغسل فيه مشقة شديدة وحرج لا يطاق فلذا رفعه الشارع. الوضوء: قال (عليه السلام): " فإن قال قائل: فلم أمروا بالوضوء وبدئ به ؟ قيل له: لان يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار وعند مناجاته له مطيعا له فيما أمره نقيا من الادناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية للفؤاد بين يدي الجبار (3). علل الامام (عليه السلام) وجوب الوضوء بالمناحي الروحية وهي: أ - ان الوضوء مقدمة للصلاة وجوهر الصلاة هو الاقبال على الله خالق الكون وواهب الحياة وعلى المصلي أن يتخلص من شواغل الحياة ويتجه بمشاعره (1) عيون أخبار الرضا 2 / 89. (2) عيون أخبار الرضا 2 /. (3) عيون أخبار الرضا 2 /. (*)
[ 19 ]
وعواطفه نحو الله تعالى وكان الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وقف للصلاة ترتعد فرائصه ويصفر لونه وسئل عن سبب ذلك فقال: انه واقف بين يدي ملك جبار فالوضوء مقدمة لهذه العبادة العظيمة وهو عبارة عن نظافة الجسم من الاقذار والادناس وهذا مما يناسب عظمة الصلاة. ب - ان الوضوء يطرد الكسل ويذهب النعاس ويهيئ ؟ ؟ المصلي للصلاة بنشاط وحيوية. ج - ان في الوضوء تزكية للفؤاد وطهارة للنفس لانه مقدمة للوقوف بين يدي الله تعالى. ويضاف لهذه الفوائد الروحية التي تفضل بها الامام (عليه السلام) فإن فيه فوائد صحية بالغة الاهمية كان منها انه يقي العيون من الاصابة بالرمد لانها تغسل بالماء النظيف عدة مرات في اليوم. ومنها غسل الانف بماء بارد وهو مما يقي من الاصابة بالزكام الذي هو مفتاح الامراض. ومنها أن غسل الوجه واليدين يقيهما من الاصابة بالامراض الجلدية والالتهابات فقد ذكر في الطب الحديث ان كثيرا من (الميكروبات) تصيب الانسان من طريق اختراق الجلد خصوصا طفيليات الديدان ولا شك ان الغسل المتكرر للمواضع المكشوفة من بدن الانسان من أهم طرق الوقاية من الاصابة بها. ومنها ان الجراثيم التي تدخل إلى الفم فإنما هي من طريق تلويث الايدي فإذا كانت الايدي مغسولة نظيفة على الدوام كانت أحسن وقاية من الاصابة بتلك الجراثيم (1). افعال الوضوء: قال (عليه السلام) فإن قائل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين وجعل المسح على الرأس والرجلين ولم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله ؟ قيل: لعلل شتى منها: ان العبادة العظمى إنما هي الركوع والسجود وإنما (1) الاسلام والطب الحديث (ص 62 - 63) للدكتور عبد العزيز. (*)
[ 20 ]
يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين. ومنها: ان الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين وإذا وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاعة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف. ومنها: أن الرأس والرجلين ليسا في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك (1) الوضوء عند أهل البيت (عليهم السلام) غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وقد ذكر الامام (عليه السلام) علل هذه الافعال وهي: أ - ان الصلاة التي من أجلها شرع الوضوء قوامها الركوع والسجود وهما يقومان بالوجه واليدين فالغسل يكون لهما لا لغيرهما. ب - إن في غسل الرأس والرجلين مشقة عظيمة وحرجا شديدا خصوصا في أيام البرد والسفر والمرض فاكتفى الشارع بالمسح لها. ج - ان الاعضاء البارزة في جسم الانسان هي الوجه واليدان دون غيرهما فالغسل يكون لها. وعلل الامام (عليه السلام) فيما كتبه لمحمد بن سنان بتعليل آخر يقرب من هذا التعليل قال (عليه السلام): وعلة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزوجل واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بهما الكرام الكاتبين. فغسل الوجه للسجود والخضوع وغسل اليدين ليقبلهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ومسح الرأس والقدمين لانهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين (2) وهذا التعليل قريب من التعليل الاول وهو ظاهر لا يحتاج لايضاح. (1) عيون أخبار الرضا 2 / 104. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 89. (*)
[ 21 ]
الصلاة: قال (عليه السلام): فان قال قائل: فلم أمروا بالصلاة ؟ قيل: لان في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الانداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والخشوع والاعتراف وطلب الاقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الارض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكرا لله غير ناس له ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا له عن أنواع الفساد (1). الصلاة معراج المؤمن وقربان كل تقي وقد ادلى الامام (عليه السلام) ببعض المصالح والحكم في تشريعها وهي: أ - من فوائد الصلاة وثمراتها: الاقرار بالعبودية المطلقة لله تعالى الخالق العظيم الذي ليس كمثله شئ وعلى المصلي أن يزداد في خشوعه وخضوعه وتذلله أمام الله ويطلب منه العفو والغفران من ذنوبه التي اقترفها في حياته. ب - إن الصلاة إذا وقعت صحيحة جامعة للشرائط فانها تقي الانسان من المعاصي وتزجره عن المنكر وتوجهه نحو الخير. ج - إن تكرار الصلاة في كل يوم من حكمته أن يكون الانسان على صلة وثيقة ودائمة بخالقه ومدبر شؤونه ومضافا لهذه الثمرات التي ادلى بها الامام عليه السلام فانها من أقوى الاسباب التي تمد المجتمع الانساني بالقوى الروحية الخلاقة. ان الانسان إذا لم تتصل روحه بخالقها فانه تظهر عليه مظاهر الوحشة والاكتئاب والصلاة تتيح له الاتصال بالمبدأ الفياض فتزيل عنه ما ألم به من الهلع والوحشة والاكتئاب وتودع فيه قوة نفسية يستطيع بها أن يقف أمام الاحداث التي يمنى بها. * (هامش) (1) عيون أخبار الرضا 2 / 103 - 104. (*)
[ 22 ]
أذان الصلاة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: أخبرني عن الاذان لم أمروا به ؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة وليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن نسيها (1). وإنما يقال: مؤذن لانه يؤذن بالصلاة (2). وتحدث الامام (عليه السلام) عن الحكمة في تشريع أذان الاعلام وهي: أ - تذكير الساهي للصلاة وتنبيه الغافل ليقوم بتأدية هذه الفريضة. ب - التعريف بدخول وقت الصلاة ليستعد المسلمون لادائها جماعة وفرادى. ج - ان الاذان دعوة لعبادة الخالق العظيم وإقرار له بالتوحيد. فصول الاذان: وحكى الامام (عليه السلام) العلل في فصول الاذان وهي: أ - البدء بالتكبير: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم بدأ فيه - أي في الاذان بالتكبير - وهو الله اكبر - قبل التهليل - وهو لا اله إلا الله. قيل: لانه أراد أن يبدأ بذكره وإسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره (3) عرض الامام (عليه السلام) إلى الحكمة في افتتاح الاذان ب (الله اكبر) من دون أن يفتتح ب (لا إله إلا الله) وذلك ليبتدأ الاذان ويفتتح باسمه تعالى بخلاف التهليل فإن اسمه تعالى يكون في الآخر وهذا غير مناسب لافتتاح الاذان ب - التكبير اربعا: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في أول الاذان اربعا ؟ (1) في العلل (لمن يتساهى). (2) عيون أخبار الرضا 2 / 105. (3) عيون أخبار الرضا 2 / 105. (*)
[ 23 ]
قيل: لان أول الاذان انما يبدأ غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الاذان (1). الغاية من الاذان هي تنبيه المسلمين للاستعداد للصلاة وجعل فيه التكبير اربعا لهذه الغاية كما يقول الامام (عليه السلام). ج - فصول الاذان مثنى: قال (عليه السلام): فلم جعل - أي الاذان - مثنى، مثنى ؟ قيل: لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الاول لم يسه عن الثاني ولان الصلاة ركعتان، ركعتان، ولذلك جعل الاذان مثنى مثنى (2). إن في كل فصل من فصول الاذان دعوة إلى الخير ودعوة إلى الفلاح والنجاح فتكرارها إنما هو لاجل تثبيت هذه المفاهيم في أذهان السامعين. د - الشهادتان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل بعد التكبير شهادتين ؟ قيل: لان أول الايمان انما هو التوحيد والاقرار لله عزوجل بالوحدانية والثاني الاقرار للرسول (صلى الله عليه وآله) بالرسالة وإن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان وإن أصل الايمان انما هو الشهادة فجعل الشهادتين في الاذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الايمان لان أصل الايمان انما هو الاقرار بالله وبرسوله (3). ويفتتح الاذان بعد التكبير بالشهادتين: الشهادة لله تعالى بالوحدانية والشهادة للنبي (صلى الله عليه وآله) بالرسالة وهما أصل الاسلام وشعاره فمن قال بهما فتترتب عليه آثار الاسلام فيحقن دمه وماله كما أن سائر الحقوق تثبت بشهادتين فكذلك الاسلام يثبت بالشهادتين. د - الدعاء للصلاة: قال (عليه السلام): فان قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى (1) عيون أخبار الرضا 2 / 105. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 105. (3) عيون أخبار الرضا. (*)
[ 24 ]
الصلاة ؟ قيل: لان الاذان إنما وضع لموضع الصلاة وانما هو النداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذان فقدم المؤذن قبلها أربعا التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما اتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى. (2) واهتم الاسلام اهتماما بالغا بالصلاة فجعلها في طليعة طقوسه الدينية وشرع الاذان للاعلام بدخول الوقت حتى يتهيأ المسلمون لاداء هذه الفريضة الكبرى وقد جعل في الاذان بحد الشهادتين وحي على الصلاة وهي دعوة لاقامتها كما أن الدعوة إلى الفلاح والى خير العمل في فصول الاذان شاملتان للصلاة فهي من الفلاح كما أنها من خير الاعمال. ه - التهليل في آخر الاذان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير ؟ قيل: لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه. ان التهليل في آخر الاذان هو نفي كل معبود وكل إله سوى الله تعالى مبدع الاكوان وخالق الحياة وكما فتح الاذان ب " الله اكبر " فقد ختم ب " لا إله إلا الله " فكانت فاتحة الاذان هو اسم الله تعالى وخاتمته كذلك. و - التهليل دون التسبيح: قال (عليه السلام): فإن قائل: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد واسم الله في آخرهما ؟ قيل: لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد. وعرض الامام (عليه السلام) إلى الحكمة في جعل التهليل آخر الاذان دون (1) عيون أخبار الرضا. (*)
[ 25 ]
التسبيح وهو (سبحان الله) والتحميد وهو (الحمد لله) لان التهليل أعظم منهما فإنه إقرار لله تعالى بالوحدانية ونفي كل معبود سواه ولا يعطى التسبيح والتحميد هذا المعنى. فصول الصلاة: وتحدث الامام (عليه السلام) عن الحكمة الكافية في معظم أجزاء الصلاة وشرائطها وفيما يلي ذلك: 1 - التكبيرات السبع: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات ؟ قيل: إنما جعل ذلك لان التكبير في الركعة الاولى التي هي الاصل سبع تكبيرات تكبيرة الاستفتاح - وهي تكبيرة الاحرام التي يفتتح بها الصلاة - وتكبيرة الركوع - اي حين الهبوط للركوع - وتكبيرتان للسجود فإذا ذكر الانسان اول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله فإن سها في شئ منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته... ". لهذه الغاية شرعت التكبيرات السبع حين الدخول في الصلاة وأحدى هذه التكبيرات تكبيرة الاحرام. 2 - قراءة القرآن: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بالقراءة - أي بقراءة القرآن - في الصلاة ؟ قيل: لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا وليكون محفوظا فلا يضمحل ولا يجهل. ولهذه الحكمة فقد أمر بقراءة الفاتحة وسورة أخرى من القرآن في الصلاة في الركعة الاولى والثانية. 3 - قراءة الفاتحة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم بدأ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور ؟ قيل: لانه ليس شئ في القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة ما
[ 26 ]
جمع في سورة الحمد وذلك أن قوله تعالى: (الحمدالله): إنما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر وشكر لما وفق عبده للخير. (رب العالمين) تمجيد له وتحميد وإقرار وانه هو الخالق المالك لا غيره. (الرحمن الرحيم): استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه. (مالك يوم الدين): إقرار له بالبعث والنشور والحساب والمجازات وإيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا. (اياك نعبد): رغبة وتقرب إلى الله عزوجل وإخلاص بالعمل له دون غيره. (واياك نستعين) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامته لما أنعم الله عليه وبصره. (اهدنا الصراط المستقيم): استرشاد لادبه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة بربه وبعظمته وبكبريائه. (صراط الذين انعمت عليهم): توكيد في السؤال والرغبة وذكر لما تقدم من أياديه ونعمه على اوليائه ورغبة في مثل تلك النعم. (غير المغضوب عليهم): إستعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه. (ولا الضالين): اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فقد اجتمع فيها من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شئ من الاشياء.. ". ولهذه المطالب العظيمة والمعاني السامية فقد أمر الشارع بافتتاح الصلاة بها لا بغيرها من سور القرآن الكريم فقد أثر عنه أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وهذا النفي نفي للماهية لو جئ بغير الفاتحة في الصلاة. 4 - التسبيح في الركوع والسجود: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود ؟
[ 27 ]
قيل: لعلل منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسبحا معظما شاكرا لخالقه ورازقه فلا يذهب به الفكر والاماني إلى غير الله ولهذا الجهات السامية فقد جعل التسبيح في الركوع والسجود دون غيره من سائر الاذكار. 5 - الركوع والسجدتان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل ركعة وسجدتان ؟ قيل: لان الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لان الصلاة إنما هي ركوع وسجود. ولهذه العلة فقد جعل السجود ضعف الركوع ليتساويا من هذه الحيثية كما أفاد الامام (عليه السلام). 6 - الدعاء في القنوت: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة ؟ ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة ؟ قيل لانه أحب أن يفتح قيامه - اي المصلي - لربه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك وليكون في القيام عند القنوت أطول عرض الامام (عليه السلام) إلى الحكمة في استحباب الدعاء قبل الدخول في الصلاة وذلك لاظهار العبودية المطلقة لله تعالى وإظهار الخضوع والتذلل له وليكون الدعاء في القنوت أطول وذلك لاظهار الانقياد والطاعة لله تعالى. 7 - الجهر والاخفات: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولم يجعل في بعض ؟ قيل: لان الصلاة التي يجهر فيها إنما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليمر المار فيعلم ان هاهنا جماعة فإذا أراد أن يصلي صلى وإن لم
[ 28 ]
ير جماعة تصلي سمع وعلم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما انما هما بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع. الصلاة التي يجهر فيها بقراءة الفاتحة والسورة هي صلاة الصبح والعشاءين وقد علل الامام ذلك لتنبيه المار في الظلام ليتحفز لاداء الصلاة وأما الصلاة التي يخفف بقراءتها فهي صلاة الظهر والعصر فلا موجب للجهر فيها وذلك لعدم وجود ظلمة في الوقت. 8 - رفع اليدين في التكبير: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم يرفع - أي المصلي - اليدين في التكبير ؟ قيل: لان رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فأحب الله عزوجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في رفع اليدين إحضار النية وإقبال القلب على ما قال وقصده. أما رفع اليدين في التكبير فهو ضرب من ضروب العبودية المطلقة لله تعالى كما فيه احضار للنية التي هي بداية الدخول في الصلاة. 9 - أوقات الصلاة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل الصلوات في هذه الاوقات ولم تقدم ولم تؤخر ؟ قيل: لان الاوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الارض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة: غروب الشمس معروف مشهور يجب عنده المغرب وسقوط الشفق مشهور معلوم يجب عنده العشاء الآخرة وطلوع الفجر مشهور معلوم يجب عنده الغداة وزوال الشمس مشهور معلوم يجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت معلوم مثل هذه الاوقات فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها. ذكر الامام (عليه السلام) الحكمة في جعل الاوقات الخاصة للصلاة وأنها مشهورة معروفة عند جميع أهل الارض على اختلاف لغاتهم فكما أنها مضبوطة ولذلك كان من الحكمة جعلها أوقاتا للصلاة وأضاف الامام (عليه السلام) لذلك
[ 29 ]
علة أخرى. قال (عليه السلام): وعلة أخرى: إن الله أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعته فأمرهم أول النهار أن يبدؤا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدؤا أولا بذكره وعبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدؤا أيضا بطاعته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاؤا من حرمة دنياهم فإذا جاء الليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم ابتدؤا أولا بعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فاوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت ؟ ؟ النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب أن يبدؤا أولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤا ان يصيروا إليه من ذلك فيكونون قد بدؤا في كل عمل بطاعته وعبادته فأوجب عليهم العتمة (1) فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم ". وألم كلام الامام (عليه السلام) بالحكم والمصالح التي من أجلها شرعت الصلاة في هذه الاوقات الخاصة ولم تشرع في غيرها. 10 - صلاة العصر: قال (عليه السلام): " فإن قال قائل: فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الاوقات أوجبها بين الظهر والمغرب ولم يوجبها بين العتمة والغداة وبين الغداة والظهر ؟ قيل: لانه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى أن يعم فيه الضعيف والقوي بهذه الصلاة من هذا الوقت وذلك أن الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارة والمعاملات والذهاب في الحوايج وإقامة الاسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشعرون به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجبا ولا يمكنهم ذلك فخفف (1) العتمة: ثلث الليل الاول بعد غيبوبة الشفق والعشاء الآخرة (*)
[ 30 ]
الله عنهم ولم يجعلها في أشد الاوقات عليهم ولكن جعلها في أخف الاوقات عليهم كما قال الله عزوجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ذكر الامام (عليه السلام) الحكمة في امتداد وقت صلاة العصر من صلاة الظهر إلى آخر وقت النهار وذلك للتخفيف على الناس وإن كان قد جعل وقتا لفضيلة أداء صلاة العصر وهو صيرورة الظل مثل سبعي الشاخص ومنتهى وقت الفضيلة ذهاب أربعة اسباع الشاخص (1). 11 - صلاة الجماعة: قال (عليه السلام): فإن قائل: فلم جعل - أي الشارع - الجماعة ؟ قيل: لئلا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة الله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا لان في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله وحده عز وجل وليكون المنافق والمستخف لما أقر بظاهر الاسلام والمراقبة وليكون شهادة الناس بالاسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والذود عن كثير من معاصي الله عزوجل. صلاة الجماعة من أهم العبادات في الاسلام وذلك لما يترتب عليها من المصالح والمنافع للمسلمين ومن بينها تعارف المسلمين بعضهم ببعض وشيوع المحبة والتآلف ببعض منافعها وحكمها في هذا المقطع من كلامه. 12 - صلاة السنة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنة أربعا وثلاثين ركعة ؟ قيل لان الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة كمالا للفريضة. أما صلاة السنة فيراد بها الرواتب اليومية وهي ثمان ركعات للظهر قبلها وثمان بعدها قبل العصر للعصر وأربع بعد المغرب لصلاة المغرب وركعتان من جلوس تعدان بركعة بعد صلاة العشاء وثمان ركعات لصلاة الليل وركعتا الشفع (1) منهاج الصالحين 1 / 113. (*)
[ 31 ]
بعدها وركعة الوتر بعدها وركعتان لصلاة الصبح قبلها فمجموعها تكون أربعا وثلاثين وقد علل الامام (عليه السلام) ذلك بجعل السنة مثلي الفريضة ليكون كمالا لها. 13 - صلاة السنة في أوقات مختلفة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ولم يجعل في وقت واحد ؟ قيل: لان أفضل الاوقات ثلاثة: عند زوال الشمس وبعد المغرب وبالاسحار فأحب أن يصلي له في كل هذه الاوقات الثلاثة لانه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت واحد. لقد ذكر الامام (عليه السلام) الحكمة في تفريق أوقات صلاة السنة فقد جعلت في أفضل الاوقات وأحبها عند الله تعالى مضافا إلى أن أداءها في وقت واحد لا يخلو من حرج وصعوبة. 14 - تحليل الصلاة بالتسليم قال: " فإن قال قائل: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل: لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام إنما هو بالتسليم. ولهذه الحكمة فقد جعل تحليل الصلاة بالتسليم فقد حرم الشارع على المصلي عند الشروع في الصلاة الكلام وغيره من سائر الافعال وينتهي هذا التحريم بالتسليم. صلاة الجمعة: وادلى الامام (عليه السلام) ببعض الحكم والمصالح في صلاة الجمعة وفيما يلي ذلك: أ - صلاة الجمعة ركعتين: قال (عليه السلام): فإن قائل: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع
[ 32 ]
الامام ركعتين وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين - يعني يصلي صلاة الظهر - ؟ قيل: لعلل شتى، منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله عز وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه. ومنها: إن الامام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ومن انتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام. ومنها: إن الصلاة مع الامام اتم واكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله. وانما قصرت صلاة الجمعة فصارت ركعتين لهذه الحكم والعلل التي أدلى بها الامام (عليه السلام). ب - حكمة الخطبة في صلاة الجمعة: قال (عليه السلام): " فإن قال قائل: فلم جعلت الخطبة ؟ قيل: لان الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون الامام سببا لموعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الاوقات ومن الاحوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة ". إن من أعظم الحكم والمصالح في صلاة الجمعة هي الخطبة التي يدلي بها الامام فإنها تستهدف نشر الوعي الديني والسياسي بين المسلمين كما تنمي في نفوسهم النزعات الخيرة وتهديهم إلى سواء السبيل. ج - خطبتان في صلاة الجمعة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعلت خطبتان ؟ قيل: لتكون واحدة للثناء والتحميد والتقديس لله عزوجل، والاخرى للحوائج والاعذار والانذار وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه بما فيه الصلاح والفساد ". واعرب الامام (عليه السلام) عن الحكمة في تشريع الخطبتين في صلاة الجمعة فأولى الخطبتين تكون في الثناء على الله تعالى خالق الكون، وواهب الحياة وبيان عظمته فيما أبدعه من العجائب في مخلوقاته والخطبة الثانية تكون لبيان ما يصلح المسلمين في دنياهم، وآخرتهم.
[ 33 ]
د - خطبة الجمعة قبل الصلاة: قال (عليه السلام): فإن قائل فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة ؟ قيل: لان الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا فإذا كثر ذلك على الناس صلوا وتركوه ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتسبوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا. واما العيدان فانما هما في السنة مرتان وهما أعظم من الجمعة والزحام فيهما أكثر والناس منهم ارغب فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم وليس هما بكثير فيملوا أو يستخفوا بهما ". وعلق الشيخ الصدوق (نضر الله مثواه) على هذا الحديث بقوله: جاء الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيد بعد الصلاة لانهما بمنزلة الركعتين الاخيرتين وأن أول من قدم الخطبتين عثمان بن عفان لانه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون على خطبته ويقولون: ما نصنع بمواعظه وقد أحدث ما أحدث: فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظارا للصلاة ولا يتفرقوا عنه. ه - تجب صلاة الجمعة على من كان على فرسخين: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك ؟ قيل: لان ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهب أو بريد ذاهب وجائي والبريد: أربع فراسخ فوجبت الجمعة على من هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير وذلك أنه يجئ على فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر ". ولهذه الجهة التي ذكرها الامام (عليه السلام) وجبت الجمعة على من كان على فرسخين لا أكثر و - نافلة الجمعة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات ؟ قيل: تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الايام ويستحب التننفل يوم
[ 34 ]
الجمعة بعشرين ركعة وقد زاد أربع ركعات على الست عشرة التي هي نوافل سائر الايام ويستحب أن يصلي ستا منها عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين عند الزوال ". صلاة المسافر: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم قصرت الصلاة في السفر ؟ قيل: لان الصلاة المفروضة أولا انما هي عشر ركعات والسبع إنما زيدت عليها بعد فخف الله عنهم تلك الزيادة لموضع السفر وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلا يشتغل عما لا بد له من معيشته رحمة من الله عز وجل وتعطفا عليه إلا صلاة المغرب فإنها لم تقصر لانها صلاة مقصورة في الاصل ". عرض الامام (عليه السلام) إلى الحكمة في قصر صلاة المسافر وهي ما يعانيه من المتاعب والمصاعب من سفره، خصوصا في تلك الازمات التي كانت فيها وسائل النقل محصورة بالحيوانات وبالسفن وكلاهما يوجبان المشقة والعناء، فتفضل الشارع فأسقط عن المسافر نصف الصلاة الرباعية تفضلا منه ورحمة بالعباد. المسافة الموجبة للقصر: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قيل: لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والاثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم. بين الامام (عليه السلام) الحكمة في جعل الشارع ثمانية فراسخ مسافة للتقصير ثم عقب (عليه السلام) ذلك بقوله: فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر ؟ قيل: لانه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة وذلك لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم، فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولا فرق بينهما ". أفاد الامام (عليه السلام) أنه لو لم تجعل المسافة في تقصير الصلاة ثمانية فراسخ التي هي مسيرة يوم للزم منه أن تكون مسافة التقصير في اليوم الثاني إذ هو نظير
[ 35 ]
اليوم الاول ولا ميزة له عليه وهكذا في اليوم الثالث وما زاد عليه ولازمه التسلسل المجمع على بطلانه واردف الامام كلامه هذا بقوله: فإن قال قائل: قد يختلف السير فلم جعلت مسيرة يوم ثمانية فراسخ ؟ قيل: لان ثمانية فراسخ مسير الجمال والقوافل وهو سير الذي يسيره الجمالون والمكارون ". سقوط نوافل النهار: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم ترك تطوع النهار - أي نوافل النهار - ولم يترك تطوع الليل ؟ قيل: لان كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها وذلك أن المغرب لا تقصير فيها، فلا تقصير فيما بعدها من التطوع وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوع ". عرض الامام (عليه السلام) إلى سقوط نافلة النهار وعدم سقوط نافلة الليل وقد علل ذلك بأن سقوط النافلة تابع لقصر الصلاة ولا تقصير في صلاة الليل وقد عقب على هذا بقوله: فإن قال قائل: فما بال العتمة - أي صلاة العشاء - مقصورة وليس تترك ركعتاه ؟ قيل: إن تلك الركعتين ليستا من الخمسين وإنما هما زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع ". أفاد الامام (عليه السلام) بأن صلاة العشاء تقصر في السفر فلم لا تسقط نافلتها وهي ركعتان من جلوس فأجاب الامام (عليه السلام) إن نافلة العشاء عند الشارع تعادل ركعة من قيام والسبب في ذلك ليتم بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة ولهذه العلة فلا تسقط نافلة العشاء عن المسافر فيصلي صلاة الليل في أوله. قال (عليه السلام) فأن قال قائل: فلم جاز للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل ؟ قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته ويشتغل المسافر باشغاله وارتحاله وسفره ".
[ 36 ]
أما صلاة الليل فهي في الهزيع الاخير من الليل وقد أباح الشارع للمسافر والمريض أن يصلياها في أول الليل وذلك تفضل ومنة منه عليهما كما أفاد الامام (ع) الصلاة على الميت: وتحدث الامام (عليه السلام) عن بعض العلل في أحكام الاموات والتي منها الصلاة قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بالصلاة على الميت ؟ قيل: ليشفعوا له ويدعوا بالمغفرة، لانه لم يكن في وقت من الاوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلب والاستغفار من تلك الساعة ". إن دعاء المؤمنين الذين يصلون على جنازة الميت بالمغفرة والرحمة له، من أهم ما يحتاج إليه الميت فلعل الله يستجيب الدعاء، ويعفو عنه ويمنحه المغفرة والرضوان. التكببرات الخمس على الميت: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبر أربعا أو ستا ؟ قيل: إن الخمس إنما أخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة. إن التكبيرات الخمس ترمز إلى الصلاة اليومية التي هي خمس صلوات. الصلاة على الميت بغير وضوء: قال (عليه السلام): فلم جوز الصلاة على الميت بغير وضوء ؟ قيل: لانه ليس فيها ركوع ولا سجود وإنما هي دعاء ومسألة وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أي حال كنت وانما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها الركوع والسجود ". ولهذا السبب فقد قيل بأن الصلاة على الميت دعاء وليست بصلاة حقيقية. الصلاة على الميت في كل وقت: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب " وبعد الفجر ؟.
[ 37 ]
قيل: لان هذه الصلاة إنما تجب في وقت الحضور والعلة ليست هي مؤقتة كسائر الصلوات وإنما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختيار وإنما هو حق يؤدى وجايز أن تؤدى الحقوق في أي وقت إذا لم يكن الحق مؤقتا ". ولم يجعل الشارع وقتا خاصا لصلاة الميت وإنما يصلي عليه في جميع آنات الزمان، لان الصلاة حق من حقوقه على الاحياء والحق يؤدى في كل وقت. تغسيل الاموات: وقد تقدم الكلام فيه تفصيلا. تكفين الاموات: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بكفن الميت ؟ قيل: ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد ولئلا تبدو عورته لمن يحمله ويدفنه ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره، وتغير ريحه ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد وليكون أطيب لانفس الاحياء ولئلا يبغضه حميم فيلغي ذكره ومودته فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به واجبا كان أو ندبا. ولهذه الحكم الوثيقة البالغة الاهمية فقد ألزم الشارع العظيم بتكفين الاموات احتراما لهم وصيانة لاجسادهم التي إن بدت مجها الاحياء، واحتقروها. دفن الاموات: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمر بدفنه ؟ قيل: لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه ولا يتأذى الاحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد وليكون مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه ". ولهذه الحكم الوثيقة فقد أوجب مواراة الاموات ودفنهم للستر عليهم فإنه إذا تفسخت أجسامهم وأنتشرت جيفهم فإنهم يشكلون خطرا على البيئة ويكونون مصدرا للاوبئة بالاضافة إلى قبح منظرهم وكراهة رائحتهم وغير ذلك مما أفاده الامام (ع).
[ 38 ]
صلاة الكسوف: فإن قال قائل: فلم جعلت للكسوف صلاة ؟ قيل: لانه آية من آيات الله عزوجل لا يدري لرحمة ظهرت أم لعذاب ؟ فأحب النبي (صلى الله عليه وآله) أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكرها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله عزوجل ". لهذه الجهة فقد أمر الشارع بالصلاة عند كسوف الشمس وخسوف القمر وعند كل مخوف سماوي أو أرضي كالريح السوداء والحمراء والخسف وغير ذلك مما ذكره الفقهاء. الحكمة في كيفية صلاة الآيات: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعلت عشر ركعات ؟ قيل: لان الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلى الارض أولا في اليوم والليلة فانما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات وإنما جعل فيها السجود، لانه لا يكون صلاة فيها ركوع إلا وفيها سجود ولكي يختموا أيضا صلاتهم بالسجود والخضوع وإنما جعلت أربع سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة لان أقل الفرض السجود في الصلاة لا يكون إلا على اربع سجدات ". صلاة الآيات ركعتان في كل واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كل واحد فيها وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس ويتشهد بعدهما ويسلم وقد حكى الامام (عليه السلام) الحكمة في جعل عشر ركوعات لهذه الصلة وهي أنها ترمز إلى ما كلف به العباد من الصلاة اولا وهي عشر ركعات. عيد الفطر: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل يوم الفطر عيدا ؟ قيل: لكي يكون للمسلمين مجمع يجتمعون فيه ويبرزون إلى الله عزوجل فيحمدونه على ما من عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرع ولانه أول يوم من السنة يحل فيه الاكل والشرب، لان أول شهور السنة عند أهل الحق (شهر رمضان) فأحب الله عزوجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه، ويقدسونه ".
[ 39 ]
لهذه العلل والحكم التي أدلى بها الامام (عليه السلام) فقد جعل يوم الفطر عيدا للمسلمين يجتمعون فيه ويبارك بعضهم بعضا على توفيق الله لهم بصيام شهر رمضان المبارك. صلاة العيد: قال (عليه السلام): " فإن قال قائل: فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة ؟ قيل: لان التكبير إنما هو لله وتمجيد على ما هدى وعافى كما قال الله عز وجل: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (1). وأعرب الامام (عليه السلام) عن الحكمة في جعل التكبير في صلاة العيد أكثر من غيره وذلك للتدليل على عظم هذا اليوم الاغر عند الله تعالى. الصوم: وتحدث الامام (عليه السلام) عن الحكمة في تشريع الصوم وعن بعض علل التشريع فيما يتعلق بأحكام شهر رمضان المبارك. قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمر بالصوم ؟ قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة وليكون الصائم خاشعا، ذليلا مستكينا مأجورا محتبسا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورايضا لهم على ما كلفهم ودليلا لهم في الآجل وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما أفترض الله لهم في أموالهم. لقد تحدث الامام (عليه السلام) عن الحكم والفوائد المترتبة على الصوم والتي منها العطف على الفقراء فإن الصائم عندما يجوع يشعر بألم الجوع فيدفعه ذلك للعطف على الفقراء والمساكين ومن حكم الصوم المساواة بين الاغنياء والفقراء في هذا الواجب. ومن حكمة تقوية الارادة في نفس الانسان وذلك بامتناعه عن الاكل (1) سورة البقرة آية 185. (*)
[ 40 ]
والشرب وغيرهما من متطلبات الجسد وقد وضع (جيهاردت) الالماني كتابا في تقوية الارادة جعل اساسه الصوم وذهب إلى أن الصوم هو الوسيلة الفعالة لسلطان الروح على الجسد وأن الانسان يعيش مالكا زمام نفسه وليس أسيرا لميوله المادية. هذه بعض حكم وفوائد الصوم وقد أدلى الامام (عليه السلام) بالكثير من فوائده. شهر رمضان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم جعل الصوم في (شهر رمضان) خاصة دون سائر الشهور ؟ قيل: لان (شهر رمضان) هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن وفيه فرق بين الحق والباطل كما قال الله عزوجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (1). وفيه نبئ محمد (صلى الله عليه وآله) وفيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم وهو رأس السنة يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو ضر أو منفعة أو رزق أو أجل ولذلك سميت ليلة القدر ". ولهذه الحكم فرض الله تعالى الصوم في هذا الشهر المبارك وميزه على بقية الشهور. إقتصار الصوم على شهر رمضان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بصوم (شهر رمضان) لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قيل: لانه قوة العبادة الذي يعم فيها القوي والضعيف وإنما أوجب الله الفرايض على اغلب الاشياء وأعم القوي ثم رخص لاهل الضعف ورغب أهل القوة في الفضل ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم ولو احتاجوا إلى اكثر من ذلك لزادهم ". إن حكمة الله تعالى وتدبيره للاشياء أقتضت أن تكون مصلحة العباد صيام (1) سورة البقرة آية 185. (*)
[ 41 ]
ثلاثين يوما ولو كانت المصلحة أقل من ذلك لنقصهم كما ان المصلحة لو كانت أكثر لزودهم عليه. ترك الحائض للصوم والصلاة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلي ؟ قيل: لانها في حد نجاسة (1) فأحب الله أن لا تعبده إلا طاهرة ولانه لا صوم لمن لا صلاة له ". ولهذه الجهة فقد سقط الصوم والصلاة عن الحائض إلا انها تقضي الصوم دون الصلاة إذا طهرت من الحيض. قضاء الحائض للصوم: قال (عليه السلام): فلم صارت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قيل لعلل شتى: فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بيتها والقيام بأمرها والاشتغال بمرمة معيشتها والصلاة تمنعها من ذلك كله لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك. ومنها: أن الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الاركان وليس في الصوم شئ من ذلك وإنما هو الامساك عن الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الاركان. ومنها: إنه ليس من وقت يجئ إلا عليها صلاة جديدة في يومها وليلتها وليس الصوم كذلك لانه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم وكلما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة ". ولهذه العلل الوثيقة فقد أسقط الشارع الصلاة عن الحائض قضاء لان في الاتيان بها مشقة وجهدا على المرأة بخلاف الصوم فإن قضاءه ليس فيه جهد وحرج عليها. (1) لعل الصحيح في حال نجاسة. (*)
[ 42 ]
قضاء شهر رمضان: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه (شهر رمضان) آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط القضاء فإذا أفاق بينهما أو اقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ؟ قيل: لان ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر فأما الذي لم يفق فإنه لما أن مرت عليه السنة كلها وقد غلب الله تعالى عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه سقط عنه وكذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه يوما وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة كما قال الصادق (عليه السلام): كلما غلب الله عليه العبد فهو أعذر له لانه دخل الشهر وهو مريض فلا يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء لانه بمنزلة من وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء كما قال الله عزوجل: (فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (1) وكما قال الله عزوجل: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه... عرض الامام (عليه السلام) إلى المريض إذا استمر به المرض من رمضان إلى رمضان الآخر ولم يبرأ فإنه لا قضاء عليه وإنما تجب عليه الفدية والسبب في ذلك أنه لا تكليف له بالقضاء لمرضه وأما من برأ في اثناء السنة ولم يصم ما عليه فإنه يجب عليه القضاء وذلك لتمكنه كما تجب عليه الفدية وعقب الامام على ذلك بقوله: فإن قال قائل: فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع ؟ قيل له: إنه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضين لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته ". (1) سورة المجادلة: آية 4. (2) سورة البقرة: آية 196. (*)
[ 43 ]
الصوم بدل تحرير الرقبة: قال (عليه السلام): فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما ؟ قيل: لان الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه ومصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. ولهذه العلل فقد جعل الشارع الصيام بدلا من تحرير الرقبة ولم يجعل الصلاة والحج وغيرها عوضا عنها لان لازم ذلك تعطيل الاعمال وعدم استطاعة الانسان على تحصيل معاشه. صيام شهرين متتابعين: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهرا واحدا أو ثلاثة أشهر ؟ قيل: لان الفرض الذي فرض الله على الخلق وهو شهر واحد فضوعف في هذا الشهر في كفارته توكيدا وتغليظا عليه ". التتابع في صيام شهرين: قال (عليه السلام): فلم جعلا متتابعيين ؟ قيل: لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به لانه إذا قضاه متفرقا هان عليه القضاء ". إن التتابع في صيام الشهرين إنما هو عقوبة لمن أفطر متعمدا منتهكا حرمات الله تعالى فشدد عليه تعالى بذلك. الحج: وتحدث الامام عن العلة في تشريع الحج وعلل بعض الاحكام المتصلة به. وجوب الحج: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمر بالحج ؟
[ 44 ]
قيل: لعلة الوفادة إلى الله عزوجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الاموال، وتعب الابدان والاشتغال عن الاهل والولد وحظر الانفس عن اللذات، شاخص في الحر والبرد ثابت ذلك عليه دايم مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع في شرق الارض وغربها ومن في البرد والحر (1) ممن يحج وممن لا يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري وكاسب ومسكين ومكار وفقير وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها من النفقة ونقل أخبار الائمة (عليهم السلام) إلى كل صقع وناحية كما قال الله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (2). الحج مؤتمر عام يهدف إلى غايات عظيمة ومنافع مهمة تعود بالخير العميم على العالم الاسلامي وقد أدلى الامام الرضا (عليه السلام) ببعضها ولو أردنا أن نستقصي ثمرات الحج وفوائده لضاق بنا المجال وأهم ما فيه تعارف الشعوب الاسلامية بعضها بحاجات البعض منها وذلك للوصول إلى مستوى رفيع بين شعوب العالم وأمم الارض ومضافا لذلك هي الناحية الاقتصادية فإن لكل شعب من الشعوب الاسلامية صناعات ومنتوجات لا توجد في غيرها وبواسطة الحج بمكن إبرام اتفاقات تجارية فيما بينها لتبادلها. وعلى أي حال فالحج يرمز إلى رفع مستوى الحياة الفكرية والعملية والاقتصادية للمسلمين ولا يضاهيه أي مؤتمر من مؤتمرات الدول العالمية الحج مرة واحدة: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ؟ قيل له: لان الله تعالى وضع الفرايض على أدنى القوم مرة كما قال الله عز وجل: (فما استيسر من الهدي) يعني شاة ليسع له القوي والضعيف وكذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج (1) لعل الصحيح: في البر والبحر. (2) سورة التوبة: آية 122. (*)
[ 45 ]
المفروض واحدا ثم رغب بعد اهل القوة بقدر طاقتهم ". حجة الاسلام إنما تجب على المسلم مرة واحدة ولم يفرض فيها التعدد للحكمة التي أدلى بها امام (عليه السلام) وهي أن الاسلام قد وضع تكاليفه وأحكامه على أدنى الناس قوة وأدناهم قوة في البدن والمال لا يتمكن الحج أكثر من مرة واحدة. فلذا وجب على الجميع مرة واحدة نعم قد يجب الحج بالنذر وشبهه وبالايجارة وغير لك مما ذكره الفقهاء. الاحرام: قال (عليه السلام): فإن قال قائل: فلم أمروا بالاحرام ؟ قيل: لان يخشعوا قبل دخول حرم الله عزوجل وأمنه ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشئ من أمر الدنيا وزينتها ويكونوا جادين فيما بينهم قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله تعالى ولبيته، والتذلل لانفسهم عند قصدهم إلى الله تعالى ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع ". إن الحاج إذا أحرم للحج أو للعمرة فيجب عليه أن يبتعد عن شهوات نفسه وملذاتها ويخرج عن مألوفاتها فتحرم عليه وسائل الرفاهية والزينة من النساء ولبس المخيط والطيب وحلق شعر رأسه ويجتنب هجر الكلام ومره فلا جدال ولا فسوق في الحج. إن الاحرام رياضة للنفس على احتمال المشاق والمكروه وفيها من التعظيم لله تعالى وإذلال النفس أمامه إلى غير ذلك من الحكم التي ذكرها الامام (عليه السلام). الطواف بالبيت: قال (عليه السلام) فيما كتبه لمحمد بن سنان: وعلة الطواف بالبيت إن الله تبارك وتعالى قال للملائكة: (إني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فردوا على الله تعالى بهذا الجواب فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عزوجل ان يتعبد بمثل تلك العبادة فوضع في السماء الرابعة
[ 46 ]
بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى (المعمور) بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم فطاف به فتاب الله عزوجل عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة ". إن الطواف حول الكعبة المقدسة فيه من الدروس الرفيعة التي منها: انه تخليد لذلك المكان المعظيم الذي بناه شيخ الانبياء ابراهيم (عليه السلام) لعبادة الله الواحد القهار في وقت لم يكن هناك بيت للعبادة سواه ومنها: أن الطواف معراج للمؤمن كالصلاة ففيه سمو للروح واتصال بالخالق العظيم إلى غير ذلك من الثمرات والفوائد. إستلا الحجر: قال (عليه السلام): وعلة استلام الحجر: ان الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق بني آدم القمه الحجر فمن ثم كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق ومن ثم يقال: عند الحجر أمانتي أديتها وميثاق تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ومنه قول سلمان ليجئ الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة ". لقد تحدث الامام (عليه السلام) عن الحكمة في استلام الحجر الاسود الذي هو موضع تقديس وتعظيم عند المسلمين فقد كرمه الرسول (صلى الله عليه وآله) وقبله ومما لا شبهة ان ذلك ينم عن سمو هذا الحجر الذي يشهد لمن وافاه يوم القيامة بالموافاة له. الحج في ذي الحجة: قال (عليه السلام): فان قال قائل: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة ؟ قيل: لان الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة أيام التشريق وكان أول ما حجت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة فأما النبيون آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وغيرهم من الانبياء إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم القيامة ". ولهذه الاسباب فقد جعل الحج في هذا الوقت المبارك دون غيره.
[ 47 ]
كلمة فيليب حتي في الحج: ومن الجدير بالذكر أن نختم هذا البحث عن الحج بكلمة للدكتور فيليب حتي قال: ولا يزال الحج على كر العصور نظاما لا يبارى في تشديد عرى التفاهم الاسلامي والتأليف بين مختلف طبقات المسلمين وبفضله يتسنى لكل مسلم أن يكون رحالة مرة في حياته على الاقل وأن يجتمع مع غيره من المؤمنين اجتماعا أخويا ويوحد شعوره مع شعور من سواه من القادمين من أطراف الارض وبفضل هذا النظام يتيسر للزنوج والبربر والصينين والفرس والترك والعرب وغيرهم اغنياء كانوا أم فقراء عظماء أم صعاليك أن يتآلفوا لغة وايمانا وعقيدة وقد أدرك الاسلام نجاحا لم يتفق لدين آخر من أديان العالم في القضاء على فوارق الجنس واللون والقومية خاصة بين ابنائه فهو لا يعترف بفاصل بين افراد البشر إلا الذي يقوم بين المؤمنين وبين غير المؤمنين ولا شك ان الاجتماع في مواسم الحج أدى خدمة كبرى في هذا السبيل " (1). الزكاة: قال (عليه السلام): فيما كتبه لمحمد بن سنان عن اجوبة مسائله في علل الاحكام قال: وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء لان الله تبارك وتعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة - وهم المرضى - والبلوى كما قال الله تعالى: (لتبلون في اموالكم وأنفسكم) (2) في اموالكم بإخراج الزكاة وفي انفسكم بتوطين الانفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزوجل والطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لاهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة على امر الدين وهم عظة لاهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في امور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الارحام (1) تأريخ العرب 1 / 187 ط 2. (2) سورة آل عمران: آية 186. (*)
[ 48 ]
واصطناع المعروف. الزكاة نظام اجتماعي خلاق يحفظ التوازن بين طبقات الامة ويقضى على داء الفقر الذي هو مأوى لكل جريمة ففي البيئات التي يشيع الفقر فيها تروج المذاهب المتطرفة وتستحل الاعمال الوحشية. إن الزكاة تطهر النفوس من البخل والقسوة والاثرة والطمع وغير ذلك من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي تبعث على الفتن والكراهية والعدوان... وقد تحدث الامام (عليه السلام) عن ثمراتها ومصالحها التي تعود على المجتمع بالخير العميم. علل بعض المحرمات: وادلى الامام (عليه السلام) بالعلل التي من أجلها حرمت بعض الاعمال في الاسلام ذلك فيما كتبه إلى محمد بن سنان عن أجوبة مسائله وهي: 1 - قتل النفس: قال (عليه السلام): وحرم الله قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير تعتبر جريمة القتل العمد من أخطر الجرائم وأشدها إخلالا بالامن وقد حرمه الاسلام وشدد في العقوبة على الجاني قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب) (1) ولو حلت هذه الجريمة لاوجبت فساد الخلق وفناءهم. 2 - عقوق الوالدين: قال (عليه السلام): وحرم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير... إن الله تعالى قرن حقوق الوالدين بحقوقه وطاعتهما بطاعته وإن من أفحش المحرمات عقوقهما والتنكر لما أسدياه على الولد من الوان البر والاحسان. 3 - الزنا: قال (عليه السلام): وحرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الانفس وذهاب الانساب وترك التربية للاطفال وما أشبه ذلك من وجوه الفساد. (1) سورة البقرة: آية 179. (*)
[ 49 ]
الزنا من أفحش الوان الرذائل ووصفه القرآن بالفاحشة قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) (1). والزاني يشكل جريمة على المجتمع الانساني لانه إن نشأ منه طفل فإنه ينشأ بلا أب يرعاه ويصاب بالعقد النفسية ويقترف أفظع الجرائم بالاضافة إلى إضاعة الانساب بينما الزواج ناموس طبيعي يفرض على المرء أن يبذل حياته لتربية أطفاله تربية صالحة ليكونوا قرة عين له. عقوبة الزاني: قال (عليه السلام): وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات. وكان من محاسن التشريع الاسلامي أن شرع العقوبات الصارمة لهذه الرذيلة وهي مائة جلدة لغير المحصن والرجم للمحصن قال تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (2) الشهادة المثبتة للزنا: قال (عليه السلام): والعلة في شهادة أربعة - اي الشهود - في الزنا واثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لان فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة لما فيه من قتل نفسه وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث. إن عقوبة الزنا لا تثبت إلا باربعة شهود عدول يرون حقيقة الزنا بالمشاهدة ولا بد أن يشهدوا جميعا فإذا تخلف واحد منهم تعرض الثلاثة الباقون لعقوبة القذف والحكمة في هذا التشديد لئلا يتجرأ الناس على اتهام بعضهم بعضا دون مبالاة. (1) سورة الاسراء: آية 32. (2) سورة النور: آية 2. (*)
[ 50 ]
4 - اللواط والمساحقة: قال (عليه السلام): وعلة تحريم الذكران للذكران والاناث بالاناث لما ركب في الاناث وما طبع عليه الذكران ولما في إتيان الذكران الذكران والاناث الاناث من انقطاع النسل وفساد التدبير وخراب الدنيا ". أما اللواط فإنه من الجرائم الخلقية وفيه خروج عن سنن الطبيعة وقد سماه الله تعالى بالفاحشة قال تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه: إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) (1). وعقوبة اللواط القتل لان في هذه الجريمة إضاعة الانساب وخراب الدنيا كما قال الامام (عليه السلام). واما المساحقة فإنها من الرذائل الخلقية وفيها شذوذ عن سنة الله تعالى وخروج عن طبيعة الانسان 5 - النظر إلى شعور النساء: قال (عليه السلام): وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالازواج والى غيرهن من النساء لما فيه من تهيج الرجال وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يحل وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) (2). أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن. إن النظر إلى شعر المرأة وزينتها يكهرب الرجل ويدفعه إلى اقتراف الحرام أما النظر إلى شعر العجائز الطاعنات في السن فإنه لا يبعث غراما ولا يولد شهوة فلذا أباحه الاسلام. 6 - الربا: وعرض الامام (عليه السلام) إلى بيان الاسباب والعلل في تحريم الربا وذلك في عدة بيانات وهي: (1) سورة العنكبوت: آية 28. (2) سورة النور: آية 60. (*)
[ 51 ]
أ - قال (عليه السلام): وعلة تحريم الربا: إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الاموال لان الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وكس على كل حال على المشتري وعلى البايع فحرم الله تبارك وتعالى الربا لعلة فساد الاموال كما حظر عل السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشده فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الدرهمين يدا بيد. ب - قال (عليه السلام): وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها ولم يكن ذلك منه - اي من المرابي - إلا استخفاف بالتحريم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر ". ج - قال (عليه السلام): وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف وتلف الاموال ورغبة الناس في الريح وتركهم القرض والفرض وصنايع المعروف ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الاموال. حرم الاسلام تحريما شاملا الربا واعتبره من أفحش أنواع الظلم وهويتنا في مع تعاليم الاسلام التي تدعو إلى المعونة والمساعدة والرحمة والربا يسبب العداوة والبغضاء وينشر البؤس والفقر بين الناس. إن الربا يؤدي إلى وجود طبقة رأسمالية في المجتمع تتضخم عندها الاموال وهي لا تعمل ولا تبذل جهدا في الحركة الاقتصادية. وقد ثبت أن الربا وسيلة لاستعمار الشعوب واحتلالها فالحكومات التي تستقرض تتضاعف عليها الفوائد فتعجز عن تسديدها وتقع بذلك تحت شبكة الاستعمار الذي ينهب الثروات ويترك البؤس شائعا في البلاد. وجاء تحريم الربا في القرآن تحريما قاطعا قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) (1) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فآذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (2). (1) سورة آل عمران: آية 130 - 131. (2) سورة البقرة: آية 278. (*)
[ 52 ]
وقد لعن الاسلام صاحب رأس المال والمدين والكاتب والشاهد لانهما أعانا على ما نهى الله عنه. 7 - أكل مال اليتيم: قال (عليه السلام): وحرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك إنه إذا أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا علم بشأنه ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فإذا اكل ماله فكأنه قد قتله وصيره إلى الفقر والفاقة مع ما خوف الله عز وجل وجعل من العقوبة في قوله عزوجل: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله) (1). ولقول أبي جعفر (عليه السلام): إن الله عزوجل وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله فيه من العقوبة مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا. لقد شدد الاسلام في تحريم أكل مال اليتيم وأمر بصيانة أمواله والمحافظة عليها حتى يبلغ قال تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) (2). وقد أدلى الامام (عليه السلام) بالاسباب الناجمة عن حرمة أكل مال اليتيم. 8 - السرقة: قال (عليه السلام): وحرمة السرقة لما فيه من فساد الاموال وقتل الانفس لو كانت مباحة ولما تأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب واقتناء الاموال إذا كان الشئ المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد. (1) سورة النساء: آية 9. (2) سورة النساء: آية 6. (*)
[ 53 ]
اما السرقة فهي من أفحش المحرمات لانها أكل لاموال الناس بغير حق فالسارق يأخذ مال الغير الذي أفنى عمره في تحصيله ويترك شبح الفاقة جاثما عليه وينعم هو بما سرقه منه وهو من أسوأ الوان الظلم وقد جعل الشارع العظيم عقوبة السارق قطع اليد قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) (1). ويشترط في السرقة التي توجب قطع اليد عدة شروط ذكرها الفقهاء فإذا توفرت فتقطع يد السارق. قطع يد السارق اليمنى: قال (عليه السلام): وعلة قطع اليمين من السارق ولانه يباشر الاشياء بيمينه وهي أفضل أعضائه وأنفعها له فجعل قطعها نكالا وعبرة للخلق لئلا يبغوا أخذ الاموال من غير حلها ولانه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه. وحرم غصب الاموال وأخذها من غير حلها لما فيه من أنواع الفساد والفساد محرم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد. ولهذه الاسباب الوثيقة التي أدلي بها الامام (عليه السلام) فقد أمر الاسلام بقطع يد السارق اليمنى دون اليسرى. 9 - الخمر: قال (عليه السلام): حرم الله الخمر لما فيها من الفساد ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إياهم على إنكار الله عزوجل والفرية عليه وعلى رسله وساير ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلة الاحتجاز من شئ من الحرام فبذلك قضينا على كل مسكر من الاشربة انه حرام محرم لانه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنبه من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا وينتحل مودتنا فإنه لا عصمة بيننا وبين شاربيها. أما مضار الخمر على الانسان وعلى المجتمع فهي كثيرة لا تحصى وقد حرمها (1) سورة المائدة: آية 38. (*)
[ 54 ]
الاسلام تحريما باتا قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر (1). والانصاب (2) والازلام (3) رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (4). إن الخمر سبب لكل رذيلة ومنشأ لارتكاب كل منكر وأن كثيرا من حوادث الزنا والسرقة وغيرهما من الجرائم تنشأ من الخمر مضافا إلى تدميره لصحة الانسان فإن الكحول التي فيها تتسرب إلى دم الانسان حتى أنه لو أخذ مقدار من دم السكران فإنه يحترق كما يحترق السبيرتو مضافا إلى ما يسببه من التهاب الجهاز الهضمي وارتفاع الضغط الدموي وغير ذلك وقد ذكرنا أضراره الصحية في كتابنا (العمل وحقوق العامل في الاسلام). 10 - الميتة: قال (عليه السلام): وحرمت الميتة لما فيها من فساد الابدان والآفة الخ.... أما أكل الميتة فهو يسبب كثيرا من الامراض وربما أدى الاكل منها إلى الوفاة (5) فإن الجراثيم لا تزال ملازمة لها وإن تعقيم لحم الميتة بطريق النار لا يجدي شيئا كما نص على ذلك الطب الحديث. 11 - الدم: قال (عليه السلام): وحرم الله عزوجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الابدان ولانه يورث الماء الاصفر ويبخر الفم وينتن الريح ويسئ الخلق ويورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل والده وصاحبه. وحرم الاسلام شرب الدم لانه يحمل إفرازات وسموما قاتلة أما إذا أخذ من دم حيوان مريض فإن الجراثيم التي فيه تنتقل إلى من يتناوله وبإجماع الاطباء أن الدم لا يعتبر غذاء مطلقا. (1) الميسر: هو القمار. (2) حجارة أو اصنام كان العرب يذبحون قرابينهم عندها. (3) الازلام: قطع من الخشب بهيئة السهام كانوا في الجاهلية يستقسمون بها لاجل التفاؤل والتشاؤم. (4) سورة المائدة: آية 90. (5) الاسلام والطب الحديث للدكتور عبد العزيز اسماعيل (ص 17) (*)
[ 55 ]
12 - الطحال: قال (عليه السلام): وحرم الطحال لما فيه من الدم ولان علته وعلة الدم والميتة واحدة لانه يجرى مجراها في الفساد. أما الطحال فقد حرمه الاسلام واعتبره كالدم والميتة وذلك لما يترتب على تناوله من الاضرار والمفاسد لجسم الانسان كما أفاد الامام (عليه السلام). 13 - الخنزير والقرد: قال (عليه السلام): وحرم الخنزير لانه مشوه جعله الله عزوجل عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته ولان غذاءه أقذر الاقذار مع علل كثيرة. وكذلك حرم القرد لانه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ على خلقته وصورته وجعل فيه شبها من الانسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليهم. لقد حرم الاسلام لحم الخنزير وقد أنقذ المسلمين بذلك من شر عظيم يقول: بيتي وديسكون: إن الاصابة بدودة لحم الخنزير تكاد تكون عامة في جهات خاصة من (فرنسا) و (المانيا) و (وايطاليا) و (بريطانيا) ولكنها تكاد تكون نادرة الوجود في البلاد الشرقية لتحريم دين أهلها أكل لحم الخزير وينقل لحم الخنزير كذلك مرض (الترنجينا) للانسان. وفيما يلي بعض الحقائق عن لحم الخنزير ومدى خطورته: أ - لا يمكن للطبيب الاخصائي أن يقرر أن خنزيرا غير مصاب بهذه الديدان بل أن جميعها مصابة بها. ب - إن الانثى الواحدة من هذه الديدان تضع (1500 جنين) في الغشاء المخاطي المبطن لامعاء المصاب فتوزع الملايين المولودة من الاناث جميعا بطريق الدورة الدموية وتبثها في جميع أجزاء الجسم وتتجمع الاجنة في العضلات.
[ 56 ]
فتسبب الاما شديدة والتهابات عضلية مؤلمة جدا ويصاب بعد ذلك بأورام خبيثة ج - انه لا يوجد علاج لهذا المرض ومضافا لذلك فإن لحم الخنزير ينقل للانسان بعض الجراثيم العفنة (والبارا تيفود) وهي تسبب للانسان تسمما حادا مصحوبا بالتهابات شديدة في الجهاز الهضمى قد تسبب الوفاة في بضع ساعات (1). 14 - الارنب: قال (عليه السلام): وحرم الارنب لانها بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لانها مسخ. أما الارنب فحرام أكله وقد ذكر الامام (عليه السلام) علل ذلك ولكن بعض المذاهب الاسلامية لم تستقذره وأباحت أكله. 15 - سباع الطير والوحش: قال (عليه السلام): وحرم سباع الطير والوحش كلها لاكلها الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك فجعل الله عزوجل دلائل ما يحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبي (عليه السلام): كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام وكل ما كانت له قانصة من الطير فحلال. وعلة أخرى يفرق بين ما يحل من الطير وما حرم قوله (عليه السلام): كل ما دف ولا تأكل ما صف. وحرم الاسلام سباع الطير كالبازي والرخمة وكذا يحرم من الطيور ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية وهي الشوكة خلف رجل الطائر خارجة عن الكف ويكفي وجود واحدة منها في حل الطير (2). وقد علل الامام (عليه السلام) الحرمة بأنها تأكل الجيف ولحوم الناس والعذرة ويتأثر لحمها بذلك فلحومها غير صالحة لمعدة الانسان. 16 - ما أهل به لغير الله: قال (عليه السلام): وحرم ما أهل به لغير الله الذي أوجب الله عزوجل (1) روح الدين الاسلامي (ص 405) ط الثالثة. (2) منهاج الصالحين 2 / 274. (*)
[ 57 ]
على خلقه من الاقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحللة ولئلا يسوى بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشياطين والاوثان لان في تسمية الله عزوجل الاقرار بربوبيته وتوحيده وما في الاهلال لغير الله من الشرك به والتقرب به إلى غيره. ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما يحل الله وبين ما حرم الله. لقد حرم ما أهل به لغير الله تعالى مما يتقرب به إلى الاصنام والاوثان وهو ما تعمله الجاهلية الاولى التي لا تملك وعيا ولا فكرا فهي كالبهائم وقد حرم الاسلام ذبائحها استقذارا لافكارها وأعمالها وإن ذبائحهم غير نظيفة ولا صالحة للاكل. كراهة أكل لحوم البغال: قال (عليه السلام): وكره أكل لحوم البغال والحمير الاهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها والخوف من قلتها لا لقذر خلقتها ولا لقذر غذائها. لقد كره الاسلام أكل لحوم البغال والحمير الاهلية وذلك لانهما من أهم وسائل النقل في تلك العصور وذبحها مما يوجب الشحة في وسائل النقل فلذا كره الاسلام ذبحها أما لحمها فهو صالح للاكل وليس فيه شئ مما يوجب الضرر بالصحة العامة. زواج الرجل بأربعة نسوة: قال (عليه السلام): وعلة تزويج الرجل أربعة نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد ؟ لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه والمرأة لو كان لها زوجان وأكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ؟ إذ هم مشتركون في في نكاحها وفي ذلك فساد الانساب والمواريث والمعارف. لقد بين الامام (عليه السلام) الحكمة في جواز زواج الرجل بأربع نساء دون المرأة فليس لها ذلك فإنه لو أبيح لها الزواج بأكثر من زوج واحد في زمان واحد فإن من يولد منها لمن يكون من الزوجين ؟ وبذلك تضيع الانساب وتفسد المواريث. الطلاق ثلاثا: قال (عليه السلام): وعلة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان وليكون ذلك تخويفا وتأديبا للنساء وزجرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها.
[ 58 ]
فيما لا ينبغي معصية زوجها. طلاق العدة هو أن يطلق الرجل زوجته مع اجتماع الشرائط ثم يراجع قبل خروجها من العدة فيواقعها ثم يطلقها في طهر آخر فتحرم عليه حتى تنكح زوجا آخر وقد ذكر الامام (عليه السلام) الحكمة في هذا الطلاق وأسبابه. المطلقة تسع تطليقات: قال (عليه السلام): وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا يستضعف المرأة وليكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات. المرأة إذا طلقت على النحو المذكور في المسألة السابقة فتزوجها شخص ثم طلقها فتزوجها زوجها الاول فطلقها ثلاثا على النهج السابق حرمت عليه حتى تنكح زوجا آخر فإذا تزوجها آخر وطلقها ثم تزوجها زوجها الاول فطلقها ثلاثا. على النهج السابق حرمت عليه مؤبدا وقد علل الامام (عليه السلام) ذلك بما ذكره وأما إذا كان الطلاق ليس عديا فإنها لا تحرم المطلقة مؤبدا وإن زاد عدد الطلاق على التسع. ميراث المرأة: أما ميراث المرأة فإنها ترث نصف ما يرث الرجل وقد علل (عليه السلام) ذلك بتعليلين وهما: الاول: قال (عليه السلام): وعلة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث لان المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال الثاني: قال (عليه السلام): " وعلة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الانثى لان الانثى في عيال الذكر إن احتاجت وعليه أن يعولها وعليه نفقتها وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا يؤخذ بنفقته ان احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك وذلك قول الله عزوجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا) (1). بما أن الرجل مسؤول عن الانفاق على المرأة بما تحتاجه من المسكن والطعام (1) سورة النساء: آية 234. (*)
[ 59 ]
واللباس وغير ذلك مما ذكره الفقهاء فلذا كان ميراثها نصف ميراث الرجل كما افاد الامام (عليه السلام) وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الاحكام التي أثرت عن الامام (عليه السلام). أحوال الانبياء والامم السالفة: وسئل الامام (عليه السلام) عن علل أحوال بعض الانبياء والامم السالفة فأجاب وفيما يلي بعضها: غرق فرعون: روى ابراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت لابي الحسن على بن موسى الرضا (عليه السلام): لاي علة أغرق الله عزوجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ؟ قال (عليه السلام): لانه آمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف قال الله عزوجل: (فلما رأو بأسنا قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأو بأسنا) (1) وقال عزوجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (2) وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين) فقيل له: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) (3). وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه فلما أغرق ألقاه الله على نجوة من الارض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع ثقله بالحديد على مرتفع من الارض وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع وكان ذلك آية وعلامة. ولعلة أخرى أغرق الله عزوجل فرعون وهي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى لم تغث فرعون ؟ لانك لم (1) سورة المؤمن: آية 84 - 85. (2) سورة الانعام: آية 158. سورة يونس: آية 90 - 92. (*)
[ 60 ]
تخلقه ولو استغاث بي لاغثته. غرق الدنيا أيام نوح: روى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله لاي علة أغرق الله عزوجل الدنيا كلها في زمن نوح وفيهم الاطفال وفيهم من لا ذنب له ؟ قال (عليه السلام): ما كان فيهم الاطفال لان الله عزوجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم وما كان الله عزوجل ليهلك بعذابه من لا ذنب له وأما الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيب المكذبين ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه. معجزة موسى: قال ابن السكيت للامام الرضا (عليه السلام): لماذا بعث الله عزوجل موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء آلة السحر وبعث عيسى بالطب وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالكلام والخطب ؟ فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لما بعث موسى كان الاغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات - وهي العلل والامراض - احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتي وأبرأ لهم الاكمه والابرص بإذن الله تعالى وأثبت به الحجة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) في وقت كان الاغلب على أهل عصره الخطب والكلام، فأتاهم من كتاب الله عزوجل ومواعظه وأحكامه، ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم. وبهر ابن السكيت وراح يقول: تالله ما رأيت مثلك اليوم قط فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال (عليه السلام): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه. فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب...
[ 61 ]
اولو العزم: قال (عليه السلام): إنما سمي أولو العزم بأولي العزم لانهم كانوا أصحاب الشرائع والعزايم وذلك أن كل نبي بعد نوح وكل نبي كان في أيام ابراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى زمن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) فهؤلاء الخمسة أولو العزم فهم أفضل الانبياء والرسل وشريعة محمد (صلى الله عليه وآله) لا تنسخ إلى يوم القيامة ولا نبي بعده إلى يوم القيامة فمن ادعى بعده نبوة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه.. الحواريون: روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): لم سمي الحواريون الحواريين ؟ قال (عليه السلام): اما عند الناس فإنهم سموا حواريين لانهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل وهو إسم مشتق من الخبز الحوار (1) وأما عندنا فسمي الحواريون الحواريين لانهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير. قال: فقلت له: فلم سمي النصاري ؟ قال: لانهم من قرية اسمها (ناصرة) من (بلاد الشام) نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر. ابراهيم خليل الله: روي الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: إنما اتخذ الله عزوجل ابراهيم خليله لانه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله عزوجل اسماعيل صادق الوعد: روى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: أتدري لم سمي اسماعيل صادق الوعد ؟ قلت: (1) الخبز الحوار هو الذي نخل مرة بعد مرة وفي القاموس انه الدقيق الابيض. (*)
[ 62 ]
لا أدري فقال: وعد رجلا فجلس له حولا ينتظره. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل أحوال بعض الانبياء والامم السالفة التي أدلي بها الامام (عليه السلام). علل بعض الشؤون الاسلامية: وأثرت عن الامام (عليه السلام) كوكبة من الاحاديث في تعليل بعض الشؤون الاسلامية وهي: القرآن غض: روي ابراهيم بن العباس عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه روى عن أبيه أن رجلا سأل الامام الصادق (عليه السلام) فقال له: ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضة ؟ فقال (عليه السلام): لان الله لم ينزله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة. إن القرآن الكريم المعجزة الكبرى للاسلام وذلك لما فيه من أحكام خلاقة تساير الزمن وتساير التطور وليس فيها ما يشذ عن سنن الكون ولا ما يخالف الفطرة مضافا لروعة فصاحته وعظيم بلاغته فمهما تداولته الايام فهو غض جديد. علي قسيم الجنة والنار: قال المأمون للرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن أخبرني عن جدك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار ؟ وبأي معنى فقد كثر فكري في ذلك ؟ قال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين الم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس انه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " حب علي إيمان وبغضه كفر " فقال: بلي فقال الرضا (عليه السلام): " فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال أبو الصلت الهروي: فلما انصرف الرضا إلى منزله أتيته فقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أحسن ما أجبت به المأمون ؟ فقال الرضا: يا أبا الصلت إنما كلمته من حيث هو ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن على
[ 63 ]
(عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (ص): يا على أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك... الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو رمز لكل مكرمة في الاسلام فهو قسيم الجنة والنار ليس في ذلك شك وقد تواترت الاخبار بذلك عن النبي (ص) (1) وقد علل الرضا (عليه السلام) بهذا التعليل الوثيق الذي أعجب به المأمون. عدم إرجاع فدك: روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم لم يسترجع فدك لما ولي أمر الناس ؟ قال (عليه السلام): لانا أهل بيت إذا ولينا الله عزوجل لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو ونحن أولياء المؤمنين إنما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن يظلمهم ولا نأخذ لانفسنا.... ". إستولي أبو بكر على فدك وأخذها من يد سيدة نساء العالمين والسبب في ذلك أن لا تقوى شوكة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي حرب اقتصادية الغرض منها شل الحركة المعادية للحكم القائم وقد ظلت فدك بأيدي الولاة والحاكمين وقد استرجعت للسادة العلويين أيام عمر بن عبد العزيز وأيام المأمون والحديث عنها ذو شجون والحاكم هو الله تعالى يحكم بين عباده بالحق في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. صحابة النبي (ص): روى محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: حدثني أبي قال سئل الرضا (عليه السلام) عن قول النبي (ص): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وعن قوله: " دعوا لي أصحابي "، فقال (عليه السلام): هذا صحيح يريد من لم يغير بعده ولم يبدل قيل وكيف يعلم أنهم قد غيروا أو بدلوا ؟ قال: لما يرونه من أنه (صلى الله عليه وآله) قال ليذادن (2) برجال من (1) الصواعق المحرقة (ص 75) وفي كنز العمال 6 / 402 قال علي أنا قسيم النار وفي كنوز الحقائق للمناوي (ص 92) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي قسيم النار. (2) ليذادن: أي ليطردن. (*)
[ 64 ]
أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرايب الابل عن الماء فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: بعدا لهم وسحقا (1) افترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل. وليست الصحبة عاصمة عن الخطأ ففي الصحابة سمرة بن جندب وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم من رؤوس النفاق والضلال. انحراف الناس عن علي (ع): روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الامام الرضا (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال (عليه السلام): انما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله لانه كان قتل من آبائهم وأجدادهم وأخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عددا كثيرا فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك لانه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل ماكان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه. لقد وتر الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الاقربين والابعدين في ذات الله تعالى وحصد رؤوس المشركين بسيفه الذي أقام به الاسلام وقد أترعت نفوس القوم بالكراهية والبغض له فمالوا عنه وحكموا غيره. سكوت الامام عن أخذ حقه: روي الهيثم بن عبد الله الرماني قال: سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم لم يجاهد أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم جاهد في أيام ولايته ؟ (1) روى النجاري 6 / 119 ط الاميرية عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فاقول: يا رب اصحابي فيقال: انك لا تدري ما احدثوا بعدك وبهذا المضمون روايات كثيرة. (*)
[ 65 ]
قال (عليه السلام): لانه اقتدى برسول الله (صلى الله عليه وآله) في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة تسعة أشهر وذلك لقلة أعوانه عليهم وكذلك علي (عليه السلام) ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم فلما لم تبطل نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة أشهر فكذلك لم تعطل إمامة علي مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة إذ كانت العلة المانعة لهما واحدة. إن الامام أمير المؤمنين ترك حقه ولم يجاهد أعداءه وذلك لقلة الناصر فقد قال (عليه السلام): وطفقت أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير فرأيت أن الصبر على هاتا احجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى... إن الامام لم تكن له فئة ينصرونه ولم يكن يأوي إلى ركن شديد مع كثرة أعدائه ومناوئيه فصبر سلام الله عليه وترك حقه إيثارا للمصلحة العامة وحفظا على كلمة المسلمين. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الشوؤن الاسلامية التي أدلى بها الامام (عليه السلام). (*)
[ 67 ]
جوامع الكلم وأثرت عن الامام الرضا (عليه السلام) جمهرة من غرر الحكم والآداب والوصايا والنصائح وغيرها مما ينفع الناس وقد دللت على أنه كان المربي الاكبر للعالم الاسلامي في عصره وانه قد جهد على تهذيب المسلمين وتربيتهم بلباب الحكمة ونلمح لبعض ما أثر عنه: فضل العقل: أما العقل فهو أفضل نعمة أنعمها الله به على الانسان وميزه به عن الحيوان السائم وقد تحدث الامام الرضا (عليه السلام) عنه في بعض أحاديثه وهي: أ - قال (عليه السلام): صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله (1). ما اروع هذه الكلمة الحكيمة فان العقل هو الصديق الاكبر للانسان الذي يحميه ويصونه وينقذه من محن الدنيا وخطوبها وعدو الانسان الاكبر هو الجهل الذي يلقي به في متاهات سحيقة من هذه الحياة. (1) اصول الكافي 1 / 11 وسائل الشيعة 11 / 161. (*)
[ 68 ]
ب - روى أبو هاشم الجعفري قال: كنا عند الرضا (عليه السلام) فتذاكرنا العقل والادب فقال (عليه السلام): يا أبا هاشم العقل حباء من الله والادب كلفة فمن تكلف الادب قدر عليه ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا (1). أما الادب فهو أمر مكتسب يقدر على تحصيله الانسان وأما العقل فانه هبة ومنحة من الله تعالى لا يتمكن الانسان من كسبه. ج - روى الحسن بن الجهم قال ذكر العقل عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال: لا يعبأ بأهل الدين ممن لا عقل له.. قلت له: جعلت فداك ان ممن يصف هذا الامر قوما لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول فقال: ليس هؤلاء ممن خاطب الله إن الله خلق العقل فقال له اقبل فأقبل وقال له: ادبر فأدبر فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت شيئا أحسن منك أو أحب إلى منك بك آخذ وبك أعطي... (2). انه ليس هناك شئ خلقه الله أفضل من العقل وعليه يرتكز التكليف فالذي فقد عقله غير مكلف وغير مأثوم بما يقترفه من أنواع المحرمات فالعقل هو أحد الشروط في صحة التكليف ونفوذه على المكلف. د - قال (عليه السلام): أفضل العقل معرفة الانسان نفسه (3). ان الانسان إذا عرف نفسه كيف صورت وكيف تنتهي فقد ظفر بالخير العميم فان ذلك يبعده عن النزعات الشريرة ويبعثه نحو النزعات الخيرة كما يدل ذلك على معرفة خالقه العظيم وفي الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه. التفكر في أمر الله: قال (عليه السلام): ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم انما العبادة كثرة التفكر في أمر الله عزوجل (4) (1) اصول الكافي 1 / 23. (2) اصول الكافي 1 / 11. (3) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 196. (4) الميزان 8 / 369 وسائل الشيعة 11 / 153. (*)
[ 69 ]
ان التفكر في مخلوقات الله والتأمل في بدائع خلقه والنظر فيما يحتويه هذا الكون من الاسرار والعجائب يدلل ذلك - بصورة واضحة - على الخالق العظيم وإذا عرف الانسان ربه فقد نجا من اقتراف الشر وارتكاب الجريمة وصار مصدر عطاء وخير لنفسه ومجتمعه محاسبة النفس: قال (عليه السلام): من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر (1). ان محاسبة الانسان لنفسه فيما يعمله من حسنات وسيئات فيردعها عن اقتراف السيئات وينمي فيها الخيرات دليل على سمو النفس والظفر بالربح والخير ومن غفل عن محاسبة نفسه فانها تهبط به إلى مستوى سحيق من الشر ماله من قرار. الحلم: قال (عليه السلام): " لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما " الحديث (2). ان الحلم من أفضل النزعات الكريمة التي يتصف بها الانسان فالحلم عن المسئ والصفح عن المعتدي عليه من سمو النفس وبلوغها ارقى درجات الكمال وان الانسان بالحلم يسود غيره ويكون لمجتمعه رائد خير ودليل هدى. الصمت: قال (عليه السلام): من علامات الفقه - أي المعرفة - الحلم والعلم والصمت: ان الصمت باب من أبواب الحكمة ان الصمت يكسب المحبة انه دليل على كل خير (3). ان الصمت وحفظ اللسان يقيان الانسان من شر عظيم ويجنباه المكاره التي هي وليدة الكلام والنطق. التواضع: قال (عليه السلام): التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه. (1) اصول الكافي 2 / 111. (2) اصول الكافي 2 / 113. (3) اصول الكافي 2 / 124. (*)
[ 70 ]
وقال (عليه السلام) فيما كتبه لمحمد بن سنان: التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي لاحد إلا مثل ما يؤتي إليه إن أتي إليه بسيئة درأها (1) بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس والله يحب المحسنين (2). ان حقيقة التواضع ان يعطي الانسان للناس من التكريم والاحسان والبر مثل ما يحب ويتمنى ان يعطى لنفسه. ان التواضع دليل على شرف النفس وسموها ومن تواضع للناس أحبوه واكرموه وأحبه الله ورفعه. الخصال الكريمة في المؤمن: قال (عليه السلام): لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه فأما السنة من ربه فكتمان سره قال الله عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فان الله عزوجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال: (خذ العفو وأمر بالعرف) وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء " (3). يا لها من خصال كريمة ترفع مستوى الانسان إلى قمة الشرف والكمال وتجنبه من الوقوع في المهالك. أحسن الناس واسوأ الناس. قال علي بن شعيب (4) دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي: - يا علي من أحسن الناس معاشا ؟ - يا سيدي أنت أعلم به مني. - يا علي من حسن معاش غيره في معاشه. - يا علي من أسوأ الناس معاشا ؟ (1) درأها: أي دفعها. (2) الدر العظيم ورقة 216. (3) وسائل الشيعة 11 / 241. (4) قال صاحب تنقيح المقال: لم اقف على علي بن شعيب بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفت على علي بن أبي شعيب المدائني وان له كتابا صغيرا والظاهر كونه اماميا. (*)
[ 71 ]
- يا سيدي أنت أعلم به مني. - من لم يعش بخيره في معاشه. وجعل الامام (عليه السلام) يوصيه بفعل الخير والاحسان إلى الناس قائلا: يا علي احسنوا جوار النعم فانها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي ان شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده (1) ". وحوت هذه الكلمات الدعوة إلى فعل الخير والاحسان إلى الناس والبر بهم. الايمان والاسلام: قال (عليه السلام): الايمان فوق الاسلام بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة وما قسم في الناس شئ أقل من التقوى (2). ان اليقين بالله من اقوى درجات الايمان وهو من صفات المتقين العظام الذين امتحن الله قلوبهم للايمان. العجب المفسد للعمل: سأل أحمد بن نجم الامام الرضا (عليه السلام) عن العجب المفسد للعمل ؟ فقال (عليه السلام): العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا ويحسب أنه يحسن صنعا ومنها أن يؤمن العبد فيمن على الله، والله المنة عليه فيه " (3). ان العجب بالمعنى الثاني ناشئ عن فقدان الايمان وعدم نضوج الفكر وهو المفسد للعمل. الذنوب: قال (عليه السلام): كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون (4). لقد أحدث الناس الوانا رهبية من المعاصي والذنوب ما لم تكن معلومة (1) البحار 78 / 341. (2) مواهب الرحمن 1 / 64. (3) البحار 78 / 335. (4) وسائل الشيعة 11 / 240. (*)
[ 72 ]
ومعروفة من قبل فصب الله عليهم انواعا من المحن والبلاء ولم يعرفونها من قبل. الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال (عليه السلام): لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ! " (1). ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر منهج أصيل في الحياة الاسلامية وان اهماله له مضاعفاته السيئة التي منها اشاعة المنكرات وعدم استجابة دعاء الاخيار. من أحب عاصيا قال (عليه السلام): من أحب عاصيا فهو عاص ومن أحب مطيعا فهو مطيع ومن أعان ظالما فهو ظالم ومن خذل ظالما فهو عادل انه ليس بين الله وبين أحد قرابة ولا تنال ولاية الله إلا بالطاعة (2). ان من احب عمل قوم حشر في زمرتهم كما في الحديث فمن أحب العاصي كان عاصيا ومن أحب المطيع كان مطيعا. خيار الناس: سئل الامام (عليه السلام) عن خيار العباد فقال (عليه السلام) الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا اساؤوا استغفروا وإذا أعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا عفوا " (3). حقا ان من يتصف بهذه الصفات الكريمة فهو من افضل الناس ومن خيارهم وانه قد بلغ قمة الكمال والفضل. شرف العمل: قال (عليه السلام): إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله " (4). (1) وسائل الشيعة 11 / 394. (2) وسائل الشيعة 11 / 446. (3) تحف العقول: (ص 445). (4) تحف العقول: (ص 445). (*)
[ 73 ]
ان العمل لاعاشة العيال جهاد في سبيل الله وشرف يكتسبه العامل ومجد يفخر به. تمامية العقل: قال (عليه السلام): لا يتم عقل امرئ مسلم حتى يكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره ويستقل كثير الخير من نفسه لا يسأم من طلب الحوائج إليه ولا يمل من طلب العلم طول دهره الفقر في الله أحب إليه من الغنى والذل في الله احب إليه من العز في عدوه والخمول أشهى إليه من الشهرة ". ثم قال (عليه السلام): العاشرة وما العاشرة ؟ قيل له: ماهي ؟ قال (عليه السلام): لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني واتقى انما الناس رجلان: رجل خير منه واتقى ورجل شر منه وادنى، فإذا لقي الذي شرمنه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي وإذا رأى الذي هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه " (1). حقا ان من يتصف بهذه الصفات العشر فقد كمل ايمانه وكمل عقله وكان على اتصال وثيق بالله تعالى فيعزه ويعلي ذكره في الدنيا وبمنحه الدرجات العليا يوم القيامة. حقيقة التوكل على الله: سأله رجل عن قول الله تعالى: (ومن يتوكل على الله هو حسبه) (2) فقال (عليه السلام): التوكل درجات: منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك فما فعل بك كنت راضيا وتعلم أنه لم يألك إلا خيرا ونظرا وتعلم أن الحكم في ذلك له فتوكل عليه بتفويض ذلك إليه ومن ذلك الايمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها إليه والى أمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها (3). (1) تحف العقول: (ص 443) (2) سورة الطلاق: آية 3. (3) تحف العقول: (ص 443). (*)
[ 74 ]
واعطى الامام (عليه السلام) صورة واضحة عن حقيقة التوكل على الله تعالى وهو ان يفوض الانسان أموره كلها إليه تعالى فان ذلك هو محض الايمان واليقين بالله. اركان الايمان: قال (عليه السلام): الايمان اربعة اركان: التوكل على الله والرضى بقضاء الله والتسليم لامر الله والتفويض إلى الله قال العبد الصالح (1) (وأفوض أمري إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا) (2). ان الايمان بالله يقوم على هذه الاركان الاربعة فإذا اتصف بها الشخص فقد بلغ ذروة الايمان ومنتهاه. خصال كريمة: قال (عليه السلام): خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشئ من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته والكرم في طباعه والرضى في خلقه والنبل في نفسه والمخالفة لربه (3). ان من اتصف بهذه الصفات الكريمة قد حاز قصب السبق في الشرف والمروءة وهو الذي يرجى رفده وكرمه. شكر النعم: قال (عليه السلام): من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل " (4) ان شكر المنعم واجب فمن لم يشكره وتنكر له فانه لا يشكر الله عز وجل على نعمه وألطافه التي اسداها إليه. وصاياه ونصائحه: وادلى الامام (عليه السلام) ببعض الوصايا والنصائح لخواص شيعته كان منها ما يلي: (1) العبد الصالح: هو مؤمن آل فرعون. (2) تحف العقول) (ص 445). (3) تحف العقول: (ص 446). (4) وسائل الشيعة 11 / 542. (*)
[ 75 ]
أ - وصيته لاحمد: وأوصى الامام (عليه السلام) احمد بن محمد بن أبي نصر بوصية جاء فيها: لا تمل الدعاء فانه من الله بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس فانا أهل بيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من اساء الينا فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة. (1) لقد اوصاه بمكارم الاخلاق ومحاسن الافعال التي يسمو بها الانسان. ب - وصيته لابراهيم: وأوصى الامام (عليه السلام) ابراهيم بن أبي محمود بوصية جاء فيها: اخبرني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق عن ابليس فقد عبد ابليس إلى ان قال: يا بن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فانه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه فان ادنى مايخرج به الرجل من الايمان أن يقول للحصاة: هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة (2). وحفلت هذه الوصية بلزوم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بنهجهم والاهتداء بسيرتهم فان ذلك النجاة والامن من الهلاك والفوز برضوان الله تعالى. ج - نصيحته لاحمد والحسين: قال أحمد بن عمر والحسين بن يزيد: دخلنا على الرضا (عليه السلام) فقلنا له: إنا كنا في سعة من الرزق ونضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يرد ذلك إلينا. فأجابهما الامام بلزوم القناعة والرضى بما قسم الله لهما قائلا: (1) وسائل الشيعة 4 / 1129. (2) وسائل الشيعة 18 / 92. (*).
[ 76 ]
" أي شئ تريدون أن تكونوا ملوكا ؟ أيسركم أن تكونوا مثل طاهر (1) وهرثمة (2) وانكم على خلاف ما أنتم عليه ؟ ". فانبرى أحدهما قائلا: لا والله ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه - يعني منحرفا عن أهل البيت -. فقال (عليه السلام): ان الله يقول: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) (3). احسن الظن بالله فان من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها واخرجه منها سالما إلى دار السلام " (4) لقد اوصاهما الامام (عليه السلام) بالقناعة التي هي كنز لا يفنى وعرفهما أنهما يملكان ما هو أثمن واغلى من الذهب والفضة وهو الولاء لاهل البيت (عليهم السلام) الذي هو من اعظم نعم الله على عباده المخلصين. د - المساواة بين الغني والفقير: وأوصى الامام أصحابه بالمساواة بين الغني والفقير بالسلام فقد قال: من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عزوجل وهو عليه غضبان (5). ومثلت هذه الوصية الاخلاق العظيمة عند أهل البيت (عليهم السلام) الذين خلقهم الله رحمة لعباده، فقد الزموا شيعتهم بالمساواة بين ابناء المسلمين حتى بالسلام وكرهوا التمايز بينهم. (1) طاهر هو أبو الطيب الملقب بذي اليمنين لانه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين وفيه يقول بعض الشعراء " كلتا يديك يمين حين تضربه " كان واليا على خراسان من قبل المأمون وهو الذي اطاع بحكومة الامين وقتله واقام المأمون مكانه وكان شيعيا من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام). (2) هرثمة بن اعين كان من قادة المأمون ومن اصحاب الامام الرضا وخواصه. (3) سورة سبأ: آية 12. (4) تحف العقول (ص 448). (5) وسائل الشيعة 8 / 442. (*)
[ 77 ]
ه - التبسم في وجه المؤمن: واوصى الامام اصحابه بالتبسم في وجه المؤمن وعدم مقابلته بالغيظ قال (عليه السلام): من تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب الله له حسنة ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه " (1). هذه هي معالي الاخلاق التي كان الائمة (عليهم السلام) يوصون بها اصحابهم ليكونوا قدوة حسنة إلى الناس. و - وصية عامة: وأوصى الامام (عليه السلام) أصحابه وسائر الناس بهذه الوصية القيمة: اتقوا الله أيها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه واعلموا أنكم لا تشكرون الله بشئ بعد الايمان بالله ورسوله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أحب من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لكم إلى جنان ربهم فان من فعل ذلك كان من خاصة الله " (2). لقد حفلت هذه الوصية بالحث على تقوى الله تعالى ومعونة الاخوان واسداء المعروف إليهم. صلة الارحام: وأثرت عن الامام الرضا (عليه السلام) كوكبة من الاحاديث في حث أصحابه وشيعته على صلة الارحام كان منها ما يلي: أ - قال (عليه السلام): يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث ستين: فيصيرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء (3) ب - قال (عليه السلام) ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة الرحم حتى ان الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم (1) وسائل الشيعة 8 / 483. (2) الدر النظيم ورقة 215. (3) وسائل الشيعة 15 / 243. (*)
[ 78 ]
فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل آجله إلى ثلاث سنين " (1). ج - قال (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): صل رحمك ولو بشربة ماء وأفضل ما توصل به الرحم كف الاذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الاجل محبة في الاهل " (2). ان خير وسيلة لترابط المجتمع وتضامنه هو البر بالارحام والاحسان إليهم فإن ذلك يوحد ما بين عواطفهم ومشاعرهم وبذلك تتكون الخلايا الصالحة التي ينشأ منها المجتمع. من حكم بعض الانبياء: روى الامام الرضا (عليه السلام) بعض الحكم القيمة التي ادلى بها بعض الانبياء (عليهم السلام) وفيما يلي بعضها: مناجاة موسى: قال (عليه السلام): ان موسى بن عمران لما ناجى ربه قال: يا رب أبعيد أنت مني فاناديك أم قريب فاناجيك ؟ فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني قال موسى: اني اكون في حال أجل أن اذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال " (3). في صحف ابراهيم: قال (عليه السلام): في صحف ابراهيم: أيها الملك المغرور إني لم ابعثك لتبني البناء ولا لتجمع الدنيا ولكن بعثتك لترد عني المظلوم فاني لا أردها ولو كانت من كافر " (4). عيسى مع الحواريين: قال (عليه السلام): قال عيسى للحواريين: يا بني اسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا (1) وسائل الشيعة 15 / 245. (2) أصول الكافي 2 / 151. (3) الفصول المهمة (ص 224) وسائل الشيعة 1 /. (4) تأريخ اليعقوبي. (*)
[ 79 ]
دنياهم " (1). وقد المحنا في البحوث السابقة إلى بعض ما أثر عن الامام (عليه السلام) من أحوال الانبياء وقد حفلت ببعض ما ادلوا به من الكلمات الحكمية. وعظ وارشاد: ونقل الرواة والمؤرخون طائفة من كلام الامام وشعره في الوعظ، والارشاد كان منها ما يلي: 1 - قال محمد بن عبيدة: دخلت على الرضا (عليه السلام) فبعث إلى صالح بن سعيد فوعظنا جميعا وكان من وعظه أنه قال: " قال أبو جعفر - يعني الامام محمد الباقر (عليه السلام) - كن خيرا لا شر معه كن ورقا لا شوك معه ولا تكن شوكا لا ورق معه وشرا لا خير معه. ثم قال: " ان الله يبغض القيل والقال، وايضاع المال وكثرة السؤال ". ثم قال: " ان بني اسرائيل شددوا فشدد الله عليهم قال لهم موسى: اذبحوا بقرة قالوا: ما لونها ؟ فلم يزالوا يشددون حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا ". ثم قال: ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إن الحكماء ضيعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها " (2). 2 - كتب المأمون إلى الامام يطلب منه أن يعظه فكتب إليه هذه الابيات: إنك في دنيا لها مدة * يقبل فيها عمل العامل أما ترى الموت محيطا بها * يسلب فيها أمل الآمل تعجل الذنب بما تشتهي * وتأمل التوبة من قابل والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العاقل (3). (1) أصول الكافي 2 / 137. (2) البحار 72 / 345. (3) اعيان الشيعة. 4 / ق 2 / 199 نقلا عن الاختاص. (*)
[ 80 ]
3 - ومما نظمه في الوعظ هذه الابيات: كلنا يأمل مدا في الاجل * والمنايا هن آفات الامل لا تغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل انما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم ارتحل (1). 4 - قيل له: كيف اصبحت ؟ فقال (عليه السلام): اصبحت بأجل منقوص وعمل محفوظ والموت في رقابنا والنار من ورائنا ولا ندري ما يفعل بنا ! " (2). 5 - قال ياسر الخادم: سمعت عليا الرضا بن موسى (عليه السلام) يقول: اوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواضع: يوم ولد إلى الدنيا ويخرج المولود من بطن أمه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى احكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " (3). 6 - شكا إليه رجل أخاه فأنشأ (عليه السلام) يقول: أعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغط على عيوبه واصبر على بهت السفي * - ه وللزمان على خطوبه ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حبيبه (4) 7 - وانشد النوفلي للامام (عليه السلام) هذه الابيات: رأيت الشيب مكروها وفيه * وقار لا تليق به الذنوب إذا ركب الذنوب أخو مشيب * فما أحد يقول: متى يتوب سأصحبه بتقوى الله حتى * يفرق بيننا الاجل القريب (5). (1) عيون التواريخ 3 / 227 مصور في مكتبة الامام امير المؤمنين تسلسل 2769 البداية والنهاية 10 / 250. (2) تحف العقول (ص 446). (3) نور الابصار (ص 140). (4) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 198. (5) عيون التواريخ 3 / 227. (*)
[ 81 ]
كلماته القصار: وأثرت عن الامام الرضا كوكبة من الكلمات القصار حفلت بروائع الحكم والآداب كان منها ما يلي. 1 - قال (عليه السلام): إن للقلوب إقبالا وادبارا ونشاطا وفتورا فإذا أقبلت بصرت وفهمت وإذا أدبرت كلت وملت، فخذوها عند اقبالها ونشاطها واتركوها عند ادبارها وفتورها " (1). 2 - قال (عليه السلام): " اصحب السلطان بالحذر والصديق بالتواضع والعدو بالتحرز والعامة بالبشر " (2). 3 - قال (عليه السلام): الاجل آفة الامل والبر غنيمة الحازم والتفريط مصيبة ذي القدرة والبخل يمزق العرض والحب داعي المكاره وتحقيق أمل الامل وتصديق مخيلة الراجي والاستكثار من الاصدقاء في الحياة والباكين بعد الوفاة " (3) 4 - قال (عليه السلام): انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن متعظ فأما صاحب سوط وسيف فلا " (4). 5 - قال (عليه السلام): من تعرض لسطان جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر فيها " (5). 6 - قال (عليه السلام) للمأمون: ما التقت فئتان قط إلا نصر الله اعظمهما عفوا ". (6) 7 - قال (عليه السلام): إن مشي الرجال مع الرجل فتنة للمتبوع ومذلة للتابع " (7). 8 - قال (عليه السلام): صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله " (8). (1) أعيان الشيعة. (2) أعيان الشيعة. (3) أعيان الشيعة. (4) تأريخ اليعقوبي 3 / 181. (5) تاريخ اليعقوبي 3 / 181. (6) تاريخ اليعقوبي 3 / 181. (7) تأريخ اليعقوبي 3 / 181. (8) بحار الانوار 78 / 335. (*)
[ 82 ]
9 - قال (عليه السلام): التودد إلى الناس نصف العقل " (1). 10 - قال (عليه السلام): الاخ الاكبر بمنزلة الاب " (2). 11 - قال (عليه السلام): من اخلاق الانبياء التنظف " (3). 12 - قال (عليه السلام) لم يخنك الامين ولكن أئتمنت الخائن " (4). 13 - قال (عليه السلام): ما من شئ من الفضول إلا ويحتاج إلى فضول من الكلام " (5). 14 - قال (عليه السلام): ان الله يبغض القيل والقال واضاعة المال وكثرة السؤال " (6). 15 - سئل الامام (عليه السلام) عن السفلة ؟ فقال: من كان له شئ يلهيه عن الله " (7). 16 - قال (عليه السلام): من السنة إطعام الطعام عند التزويج " (8). 17 - قال (عليه السلام): السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه " (9). 18 - قال (عليه السلام): إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (10). 19 - قال (عليه السلام): يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت " (11). 20 - قال (عليه السلام): عونك للضعيف أفضل من الصدقة (12). 21 - قال (عليه السلام) لابي هاشم داود بن القاسم الجعفري: يا داود إن لنا عليكم حقا برسول (صلى الله عليه وآله) وان لكم علينا حقا فمن عرف حقنا وجب حقه ومن لم يعرف حقنا فلا حق له " (13). 22 - قال (عليه السلام): ليس لبخيل راحة ولا لحسود لذة ولا للملوك وفاء ولا لكذوب مروة " (14). 23 - قال (عليه السلام): إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه وإذا كان غائبا فسمه " (15). (1) و (2) و (3) و (4) و (5) و (6) بحار الانوار 78 / 335. (7) و (8) و (9) و (10) و (11) و (12) و (13) و (14) و (15) تحف العقول (ص 446 - 450). (*)
[ 83 ]
24 - قال (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن لابيه وأمه، ملعون ملعون من اتهم أخاه ملعون ملعون من غش أخاه ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخاه " (1). 25 - قال (عليه السلام): من استفاد أخا في الله استفاد بيتا في الجنة " (2). 26 - قال (عليه السلام): المؤمن الذي إذا أحسن استبشر وإذا أساء استغفر والمسلم الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده وليس منا من لم يأمن جاره بوائقه " (3). 27 - قال له رجل: سل لي ربك التقية الحسنة والمعرفة بحقوق الاخوان والعمل بما أعرف من ذلك فقال الرضا (عليه السلام): قد اعطاك الله ذلك، لقد سألت أفضل شعار الصالحين ودثارهم " (4). 28 - قال (عليه السلام): لا تبذل لاخوانك من نفسك ما ضره عليك اكثر. من نفعه لهم " (5). 29 - قال (عليه السلام): من فرج عن مؤمن فرج الله عنه يوم القيامة " (6). 30 - قال (عليه السلام): لا يجتمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد وأمل طويل وحرص غالب وقطيعة لرحم وايثار الدنيا على الآخرة " (7). 31 - قال (عليه السلام): إن الانسان إذا ادخر طعام سنته خف ظهره واستراح " (8). (1) وسائل الشيعة 8 / 563. (2) وسائل الشيعة 8 / 565. (3) وسائل الشيعة 8 / 488. (4) وسائل الشيعة 11 / 474. (5) وسائل الشيعة 11 / 544. (6) وسائل الشيعة 12 / 587. (7) وسائل الشيعة 12 / 19. (8) وسائل الشيعة 2 / 320. (*)
[ 84 ]
32 - قال (عليه السلام): من كثرت محاسنة مدح بها واستغنى عن التمدح بذكرها ". 33 - قال (عليه السلام): من طلب الامر من وجهه لم يزل وإن زال لم تخذله الحيلة. 34 - قال (عليه السلام) كفاك ممن يريد نصحك بالنميمة ما يجد في نفسه من سوء الحساب في العاقبة ". 35 - قال (عليه السلام): " المسكنة مفتاح البؤس ". 36 - قال (عليه السلام): " من لم يتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه ". 37 - قال (عليه السلام) للحسن بن سهل في تعزيته: " التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة ". 38 - قال (عليه السلام): " إن البراءة من أبي موسى الاشعري من محض الاسلام وانه من كلاب أهل النار ". 39 - قال (عليه السلام): الغوغاء قتلة الانبياء. 40 - قال (عليه السلام): " الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر ". 41 - قال (عليه السلام): " من لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير ". وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من روائع الحكم والآداب.
[ 85 ]
أصحابه ورواة حديثه وكان الامام الرضا (عليه السلام) - في عصره - عملاق الفكر الاسلامي وأعلم انسان على وجه الارض - كما يقول المأمون - وقد أمد العالم الاسلامي بجميع مقومات الارتقاء والنهوض وقد اتخذ الجامع النبوي - زاده الله شرفا - معهدا لدروسه ومحاضراته وقد احتف به العلماء والرواة وطلبة الفقه وهو ابن نيف وعشرين عاما (1) وهم يسجلون فتواه وما يدلي به من روائع الحكم وفنون الآداب. ووجد العلماء في احاديثه امتدادا ذاتيا لاحاديث جده الرسول (صلى الله عليه وآله) الملهم الاول لقضايا الفكر والعلم في الارض وامتدادا مشرقا لآبائه الائمة الطاهرين رواد النهضة العلمية والحضارية في دنيا الاسلام ويقول الرواة: إنه ليس في الارض سبعة اشراف كتب عنهم الحديث عند الخاص والعام إلا علي بن موسى (عليه السلام) (2). (1) تهذيب التهذيب. (2) البحار 12 / 29. (*)
[ 86 ]
وبلغ من اهتمام العلماء باحاديثه انه حينما اجتاز في نيسابور ازدحموا عليه وقد بلغ عددهم ما ينيف على عشرين الفا وهم يحملون المحابر وطلبوا منه أن يتحفهم بحديث عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فروى لهم الحديث - الذي سمي بالحديث الذهبي - كما سنذكره ونظرا لاهميته فقد كتبه بعض أمراء السامانية بالذهب وأوصى أن يدفن معه (1) وقد حظي بالرواية عنه بعض تلامذة جده الامام الصادق (عليه السلام) وبعض تلامذة أبيه الامام موسى (عليه السلام) (2) كما روى عنه جمهرة من العلماء المعاصرين له ونعرض إلى تراجم أصحابه ورواة حديثه لان ذلك - فيما نحسب - من متممات البحث عن شخصيته لانه يكشف عن جانب مهم عن حياته العلمية. (1) إبراهيم بن العباس: ابن محمد الصولي الشاعر الملهم الكبير يكنى أبا اسحاق، من المع شعراء عصره ومن اكثرهم ولاء ومحبة لائمة أهل البيت (عليهم السلام) اتصل بالامام الرضا (عليه السلام) اتصالا وثيقا وكان ابراهيم يكن في نفسه أعمق الود وخالصه للامام (عليه السلام) ونعرض إلى بعض الجوانب من حياته. وفادته على الامام: وفد ابراهيم مع شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على الامام الرضا (عليه السلام) حينما بايع له المأمون بولاية العهد وقد انشده دعبل قصيدته الخالدة التي تعد من محاسن الشعر العربي وسنذكرها في ترجمته وانبرى من بعده ابراهيم فانشده قصيدته التي لم يعرف منها غير هذا البيت: أزالت عزاء القلب بعد التجلد * مصارع أولاد النبي محمد ويحكي هذا البيت توجع الصولي وأساه على ما حل بأهل بيت النبوة من عظيم المحن والخطوب التي صبها عليهم اعداء الاسلام، وفيما احسب ان القصيدة كلها بهذه الجودة والمتانة والتفجع على مصائب أهل البيت ولما فرغ من إنشادها وهب الامام لهما عشرين الف درهم من الدراهم التي عليها اسمه الشريف اما دعبل (1) اخبار الدول (ص 115). (2) رجال البرقي (ص 53). (*)
[ 87 ]
فصار بجائزته إلى قم المقدسة فاشترى أهلها كل درهم بعشرة فباع حصته بمائة الف درهم واما ابراهيم بن العباس فلم يزل عنده بعضها حتى مات (1). ومن شعره في مدح الامام الرضا (عليه السلام) هذه الابيات: كفى بفعال امرئ عالم * على أهله عادلا شاهدا (2). ارى لهم طارفا مونقا * ولا يشبه الطارف التالاد (3). يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مائة واحدا (4). فلا حمد الله مستنصرا * يكون لاعدائكم حامدا فضلت قسيمك في قعدد * كما فضل الوالد الوالدا (5). وحكت هذه الابيات عميق ايمانه بأهل البيت، وولائه لهم، وقد كنى عنهم خوفا من السلطة العاتية التى كانت تأخذ بالظن والتهمة لكل من والى عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله). نماذج من شعره: ويعتبر شعر الصولي من روائع الشعر العربي، ومن مختار شعره قوله: دنت بأناس عن ثناء زيادة * وشط بليلى عن دنو مزارها وان مقيمات بمنعرج اللوى * لاقرب من ليلى وهاتيك دارها (6) وله: ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكنت أظنها لا تفرج (7) (1) امالي المرتضى 1 / 485، وجاء في اعيان الشيعة 6 / 16 ان الابيات التى قالها ابراهيم كتبت على ظهر دفتر، وعليها توقيع (متوق خائف) وانه كان يكنى عن الامام في مدحه له. (2) يقول السيد الامين: في شرحه لهذا البين: كفى بفعال آل أبى طالب شاهدا على طيب اصلهم. (3) علق السيد الامين على هذا البيت بقوله: الطارف: الحديث، والتالد القديم، كنى به عن بنى العباس بان لهم طارفا مونقا بتوليهم الخلافة ولكنه لا يشبه اصلهم بطيب افعاله. (4) لم يصرح ابراهيم باسم المخاطبين، فقد عنى آل أبى طالب وعلى رأسهم الامام الرضا (عليه السلام)، وقد من عليهم المأمون بما اعطاهم من بعض الهبات التى هي من أموالهم. (5) المخاطب بقوله: فضلت هو الامام العظيم الرضا (عليه السلام) والمراد بقسيمه هو المأمون. (6) وفيات الاعيان 1 / 25. (7) وفيات الاعيان 1 / 29. (*)
[ 88 ]
وله ايضا: كنت السواد لمقلتي * فبكى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت * فعليك كنت احاذر (1) حرقه لديوان شعره: كان ابراهيم صديقا لاسحاق بن ابراهيم، فانسخه شعره في الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ودفع إليه شيئا من شعره بخطه وكانت النسخة عنده حتى ولي الطاغية المتوكل، وولى ابراهيم ديوان الضياع، وقد حصل تباعد وكراهية بين ابراهيم واسحاق فعزله ابراهيم عن ضياع كانت بيده وطالبه بمال والح عليه، واساء مطالبته، فدعا اسحاق بعض من يثق به من أخوانه، وقال له: امض إلى ابراهيم بن العباس فاعلمه أن شعره في علي بن موسى بخطه عندي، وبغير خطه، والله لئن استمر على ظلمي، ولم يزل عني المطالبة لاوصلن الشعر إلى المتوكل، قال: فصار الرجل إلى ابراهيم بن العباس فأخبره بذلك، فاضطرب اضطرابا شديدا وجعل الامر في ذلك إلى الواسطة، فاسقط عنه جميع ما كان طالبه به، وأخذ الشعر منه، واحلفه انه لم يبق عنده منه شئ، فلما حصل عنده عمد إلى احراقه بحضرته (2). نموذج من كتابته: وكان ابراهيم كاتبا بليغا، ومن بديع ما كتبه عن بعض ملوك العباسيين إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم، ويتوعدهم: " اما بعد: فان لامير المؤمنين أناة، فان لم تغن عقب بعدها وعيدا، فان لم يغن أغنت عزائمه والسلام ". وعلق ابن خلكان على هذه الرسالة بقوله: وهذا الكلام مع وجازته في غاية الابداع (3). وفاته: توفي ابراهيم في منتصف شعبان سنة (243 ه) ب (سر من رأى) (4). (1) وفيات الاعيان 1 / 29. (2) امالي المرتضى 1 / 485. (3) وفيات الاعيان 1 / 29. (4) وفيان الاعيان 1 / 29. (*)
[ 89 ]
2 - ابراهيم بن أبي البلاد: واسم أبى البلاد يحيى بن سليم الغطفاني، يكنى أبا اسماعيل عده الشيخ الطوسي في رجاله من اصحاب الامام الصادق (عليه السلام)، قال: " كان ثقة فقيها قارئا، وعمر دهرا طويلا حتى كاتبه علي بن موسى الرضا برسالة، وروى عنه ابناه يحيى ومحمد، ومحمد بن سهل بن اليسع وآخرون " (3). قال النجاشي: " كان ابراهيم ثقة، قارئا، أدبيا، وكان ابوه ضريرا راوية للشعر، وله يقول الفرزدق: " يا لهف نفسي على عينيك من رجل ". وروى ابراهيم عن ابى عبد الله، وأبى الحسن موسى والرضا (عليهم السلام)، بعث إليه الامام الرضا رسالة، وأثنى عليه له كتاب يرويه عنه جماعة (2). 3 - ابراهيم بن أبى محمود: الخراساني، وثقه النجاشي، وقال: " إنه روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب يرويه أحمد بن محمد بن عيسى " (3). قال الكشي: " قال نصر بن الصباح: ابراهيم بن أبى محمود كان مكفوفا روى عنه أحمد بن عيسى مسائل موسى (عليه السلام) تقدر بخمس وعشرين ورقة، عاش بعد الرضا ". روى حمدويه قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشاب، قال: حدثنا ابراهيم بن أبى محمود قال: دخلت على أبى جعفر، ومعى كتب إليه من أبيه فجعل يقرأها، ويضع كتابا كبيرا على عينيه، ويقول: خط أبى والله، ويبكى حتى سالت دموعه على خديه، فقلت له: جعلت فداك قد كان أبوك ربما قال لى في المجلس الواحد مرات اسكنك الله الجنة، فقال: وأنا أقول لك: ادخلك الله الجنة، فقلت: جعلت فداك تضمن لي على ربك أن تدخلني الجنة، قال: نعم، قال: فأخذت رجله فقبلتها (4). (1) لسان الميزان 1 / 41. (2) النجاشي. (3) النجاشي. (4) النجاشي. (*)
[ 90 ]
4 - ابراهيم بن اسحاق: النهاوندي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه صالح بن محمد الهمداني (1). 5 - ابراهيم بن اسماعيل: ابن داود، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه موسى بن جعفر المدائني (2). 6 - ابراهيم بن بشر: قال النجاشي: " له مسائل إلى الامام الرضا (عليه السلام)، روى عنه محمد بن عبد الحميد (3). 7 - ابراهيم بن سلامة: النيشابوري عده الشيخ من اصحاب الرضا (عليه السلام) واضاف أنه وكيل (4) قال السيد الخوئي: " اختلف في حال الرجل فمنهم من أعتبره حجة، ومنهم من لم يعتبره، واستدل من قال باعتباره بمقدمتين: الاولى انه كان وكيلا عن الامام الرضا (عليه السلام). الثانية: انهم سلام الله عليهم لا يوكلون الفاسق " وناقش السيد في كلا المقدمتين (5). 8 - ابراهيم بن شعيب: الواقفي قال: كنت جالسا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلى جانبى رجل من أهل المدينة، وحادثته مليا، وسألني من أين أنت ؟ فاخبرته أنى رجل من أهل العراق، قلت له: فمن أنت ؟ قال: مولى لابي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقلت له: لي إليك حاجة، قال: وما هي ؟ قلت: توصل لي إليه رقعة، قال: نعم إذا شئت فخرجت، وأخذت قرطاسا، وكتبت فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم إن من كان قبلك من آبائك كان يخبرنا باشياء فيها دلالات وبراهين، وقد (1) التهذيب الجزء السادس باب فضل زيارة أبى الحسن علي بن موسى (عليه السلام). (2) التهذيب الجزء الرابع: باب صيام ثلاثة أيام في كل شهر. (3) النجاشي. (4) رجال الطوسي. (5) معجم رجال الحديث 1 / 91. (*)
[ 91 ]
احببت أن تخبرني باسمى واسم أبى وولدي ". قال: ثم ختمت الكتاب، ودفعته إليه، فلما كان من الغد أتانى بكتاب مختوم ففضضته وقرأته، فإذا في اسفل الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم يا أبا أبراهيم إن من آبائك شعيبا وصالحا، وإن من ابنائك محمدا وعليا وفلانا وفلانة " (1). 9 - ابراهيم بن شعيب: العقرقوفي (2) عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) قال الشيخ المامقانى: " هو عندنا مجهول الحال، والعلم عند الله " (4). 10 - ابراهيم بن صالح: عده الشيخ في رجاله من غير تلقيب ولا توصيف من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) قال النجاشي: " ابراهيم بن صالح الانماطي (6) الاسدي ثقة روى عن أبى الحسن (عليه السلام) ووقف له كتاب يرويه عدة " (7). 11 - ابراهيم بن عبد الحميد: قال الشيخ: إنه من اصحاب الامام أبى عبد الله (عليه السلام) ادرك الامام الرضا (عليه السلام) ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله واقفي له كتاب (8) وقال: في (الفهرست): " ابراهيم بن عبد الحميد ثقة له اصل أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد " (9). وتوثيق الشيخ له في (الفهرست) يدل على أنه ليس واقفيا، ويمكن أن يكون أنه (1) الكشى. (2) العقرقوفي: نسبة إلى عقرقوف، قيل: هي قرية من نواحى الدجيل وقيل من نواحي نهر عيسى بينها وبين بغداد اربعة فراسخ إلى جانبها تل عظيم عال يرى من مسافة خمسة فراسخ، جاء ذلك في مراصد الاطلاع. (3) رجال الطوسي. (4) تنقيح المقال. (5) رجال الطوسي. (6) الانماطي: نسبة إلى انماط جمع نمط وهو ثوب من الصوف يطرح على الهودج له خمل رقيق. (7) النجاشي. (8) رجال الطوسي. (9) فهرست الطوسي. (*)
[ 92 ]
رجع عن الوقف، ودان بدين الحق. 12 - ابراهيم بن على: ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وأم علي سيدة النساء بطلة كربلا السيدة زينب (عليها السلام)، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 13 - ابراهيم بن محمد: الاشعري، القمي، قال النجاشي: انه ثقة روى عن الامام موسى، والامام الرضا (عليهما السلام)، وأخوه الفضل، وكتابهما شركة رواه الحسن بن أبى علي بن فضال عنهما (2) وثقة ابن داود في رجاله، والفاضل المجلسي وغيرهم (3). 14 - ابراهيم بن محمد: الخزاز روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه الحسن بن سعيد (4). 15 - ابراهيم بن محمد: مولى خراساني، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 16 - ابراهيم بن محمد: الهمداني، كان وكيلا للامام الرضا (عليه السلام) (6) وعده الشيخ من اصحاب الامام الرضا والامام الجواد، والامام الهادي (عليهم السلام) (7) قال الكشى: انه حج اربعين حجة (8). 17 - ابراهيم بن موسى: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن حمزة (9). (1) رجال الطوسي. (2) النجاشي. (3) تنقيح المقال. (4) معجم رجال الحديث 1 / 152. (5) رجال الطوسي. (6) النجاشي. (7) رجال البرقي. (8) الكشي. (9) معجم رجال الحديث 1 / 162. (*)
[ 93 ]
18 - ابراهيم بن هاشم: أبو إسحاق القمى، اصله من (الكوفة)، وانتقل إلى (قم المقدسة)، عده الشيخ النجاشي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وقال: ان اصحابنا يقولون: إنه اول من نشر حديث الكوفيين ب (قم)، له كتب منها كتاب النوادر، وكتاب قضايا الامام امير المؤمنين (عليه السلام) (1) 19 - ابراهيم بن هاشم: العباسي (2) عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3) وظاهره انه امامي مجهول الحال (4) قال السيد الخوئي: والصحيح هاشم بن ابراهيم لا ابراهيم بن هاشم كما في النجاشي (5). 20 - أحمد بن أبى نصر: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن محمد (6). 21 - أحمد بن أشيم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7) روى عن يونس وروى عنه أحمد بن محمد (8). 22 - أحمد بن عامر: ابن سليمان بن صالح بن وهب الذى استشهد مع ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حدث ابنه عبد الله قال: ولد أبى سنة (157 ه) ولقى الامام الرضا (عليه السلام) سنة (174 ه) ومات الرضا بطوس سنة (202 ه) يوم الثلاثاء لثمان عشر خلون من جمادي الاولى وشاهدت أبا الحسن، وأبا محمد (عليهما السلام)، وكان أبى مؤذنا لهما، هكذا جاء في النجاشي. (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) تنقيح المقال 1 / 39. (5) معجم رجال الحديث 1 / 152. (6) التهذيب الجزء السادس باب المهور والاجور. (7) رجال الطوسي. (8) التهذيب الجزء الاول باب تلقين المحتضر. (*)
[ 94 ]
23 - أحمد بن عمر: الحلال، كان يبيع الحل - يعنى الشيرج - روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وله عنه مسائل (1). 24 - أحمد بن الفيض: عده الشيخ من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (2) وهو امامي مجهول الحال. 25 - أحمد بن محمد: ابن أبى نصر البزنطي، كوفى، ثقة الامام الرضا (عليه السلام)، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتابا، وله من الكتب كتاب الجامع وله كتاب (النوادر)، قال الشيخ في كتابه (الغيبة): " كان واقفا ثم رجع لما ظهر من المعجزات على يد الامام الرضا (عليه السلام) الدالة على صحة إمامته، فالتزم الحجة وقال: بامامته، وامامة من بعده من ولده. قال أحمد: كنت عند الامام الرضا (عليه السلام) فأمسيت عنده، قال: فقلت انصرف ؟ فقال لي: لا تنصرف فقد أمسيت، قال: فأقمت عنده فقال (عليه السلام): لجاريته هاتي مضربتي ووسادتي فافرشي لاحمد في ذلك البيت، قال: فلما صرت في البيت دخلني شئ، فجعل يخطر ببالي من مثلى في بيت ولي الله (3)، وعلى مهاده، فناداني يا أحمد ان امير المؤمنين (عليه السلام) عاد صعصعة بن صوحان فقال: يا صعصصة لا تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك، وتواضع لله يرفعك. وهو ممن أجمع على الاقرار له بالفضل وتصحيح ما يصح عنه. توفي سنة (221 ه) (4). 26 - أحمد بن محمد: ابن حنبل بن هلال الشيباني عده الشيخ من أصحاب الامام أبى الحسن الرضا (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) وفى رواية " فقلت: الحمد لله حجة الله ووارث علم النبيين أنس بي الخ ". (4) معجم رجال الحديث (237 - 239). (*)
[ 95 ]
(عليه السلام) (4) قال ابن حجر: احمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اسد الشيباني المروزى، نزيل بغداد، أبو عبد الله أحد الائمة، ثقة، حافظ، فقيه، حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، مات سنة (241 ه) وله سبع وسبعون سنة (2). 27 - أحمد بن محمد: ابن عيسى الاشعري، القمي، شيخ القميين، ووجيههم وكان الرئيس الذى يلقى السلطان، ولقى أبا جعفر الثاني، وأبا الحسن العسكري (عليهما السلام). له كتب فمنها (كتاب التوحيد) وكتاب (فضل النبي (ص) وكتاب (المتعة) وكتاب (النوادر) وكان غير مبوب فبوبه داود بن كورة، وكتاب (الناسخ والمنسوخ) وكتاب (الاطعمة) وكتاب (المسوخ) وكتاب (فضائل العرب) قال ابن نوح: ورأيت له عند الدبيلي كتابا في (الحج). 28 - احمد بن يوسف: مولى بنى تيم الله، كوفي، كان منزله بالبصرة، وتوفي ببغداد، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، واضاف انه ثقة (3). 29 - ادريس بن زيد: من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه مع على بن ادريس اولا مع توصيفهما بصاحبي الرضا (عليه السلام) ووصفه بالقمي عند ذكر طريقه إليه ثانيا (4). 30 - ادريس بن عبد الله: ابن سعد الاشعري ثقة له كتاب، يروى عن الامام الرضا (عليه السلام) (5). (1) رجال الطوسي. (2) تقريب التهذيب، وترجمة في تهذيب التهذيب. (3) الكشي. (4) رجال الطوسي. (5) معجم رجال الحديث 3 / 9. (6) النجاشي. (*)
[ 96 ]
31 - ادريس بن عيسى: الاشعري، القمي، عده الشيخ من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) ثقة، وروى عنه حديثا واحدا (1). 32 - ادرس بن يقطين: عده الشيخ من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (6) (2). 33 - اسحاق بن آدم: الاشعري، القمي، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) كتاب يرويه جماعة (3). 34 - اسحاق بن ابراهيم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا والامام الجواد (عليهما السلام) (4) قال الكشي: انه وصل إلى خدمة الامام الرضا (عليه السلام) بواسطة الحسن بن سعيد الاهوازي (5). 35 - اسحاق بن ابراهيم: الحنظلي يعرف بابن راهوية عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 36 - اسحاق بن محمد: الحضيني عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). 37 - اسحاق بن الامام موسى: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، روى عن أخيه وعن عمه عن الامام أبى عبد الله (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن مسلم (8). (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) رجال البرقي. (5) الكشي. (6) رجال الطوسي. (7) رجال الطوسي. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 97 ]
38 - اسماعيل بن سعد: الاحوص، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن خالد (1). 39 - اسماعيل بن عباد: القصري - من قصر بن هبيرة - عده البرقى من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (2). 40 - اسماعيل بن عيسى: روى عن الامام أبى الحسن، والامام الرضا (عليهما السلام)، وروى عنه ابنه سعد (3). 41 - اسماعيل بن قتيبة: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (4). 42 - اسماعيل بن مهران: ابن أبى نصر السكوني، مولى، كوفى، يكنى أبا يعقوب، ثقة، معتمد عليه، من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، ألف مجموعة من الكتب كان منها: 1 - الملاحم. 2 - ثواب القرآن. 3 - الاهليلجة. 4 - صفة المؤمن والفاجر. 5 - خطب الامام امير المؤمنين (عليه السلام). 6 - نوادر. 7 - النوادر (5). (2) معجم رجال الحديث 3 / 133. (7) البرقي. (3) معجم رجال الحديث 3 / 158. (4) رجال الطوسي. (5) الكشي. (*)
[ 98 ]
وقد طعن في حديثه ابن الغضائري، وقال: ليس حديثه بالنقي فيضطرب تارة، ويصلح أخرى، ويروى عن الضعفاء كثيرا ويجوز أن يخرج شاهدا، وبنى سيدنا الخوئي على وثاقته لشهادة جعفر بن محمد بن قولوية، وعلي بن أبراهيم، والشيخ والنجاشى والعياشي بوثاقته وليس فيما ذكره ابن الغضائري دلالة على عدم وثاقته بل ان نفى النقاوة من حديثه من جهة أنه يروى عن الضعفاء (1). 43 - اسماعيل بن همام: ابن عبد الرحمن البصري مولى كندة، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) ثقة هو وأبوه وجده له كتاب يرويه عنه جماعة (2). 44 - اصرم بن مطر: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 45 - افلح بن يزيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 46 - افلح بن يزيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وكذلك عده الشيخ واضاف إنه مجهول (5). 47 - الياس بن عمرو: الصيرفي الخزاز خير من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، ولما حضرته الوفاة قال لمن حوله: اشهدوا علي وليست ساعة الكذب هذه الساعة سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله ويتولى الائمة فتمسه النار (6). 48 - أيوب بن نوح: كوفى، مولى النخع، ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (1) معجم رجال الحديث 3 / 188 - 189. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) الكشي. (*)
[ 99 ]
(عليه السلام) (1) وكان وكيلا وتوفى ولم يخلف إلا مائة وخمسين دينارا، وكان الناس يظنون أن عنده مالا كثيرا لانه كان وكيلا للائمة (عليهم السلام) (2). (ب) 49 - البائس: مولى حمزة بن السبع الاشعري ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 50 - بكر بن صالح: الرازي عده الشيخ البرقي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) قال الشيخ: له كتاب في درجات الايمان ووجوه الكفر والاستغفار والجهاد (5). قال ابن الغضائري: ضعيف جدا كثيرا التفرد بالغرائب (6). (ت) 51 - ثلج بن أبى ثلج: اليعقوبي من ولد داود بن على اليعقوبي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). (ج) 52 - جعفر بن بشير: البجلي: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8) من زهاد الشيعة وعبادهم ونساكهم، وله مسجد بالكوفة باق في (بجيلة). يقول النجاشي وأنا وكثير من اصحابنا إذا وردنا الكوفة نصلى فيه مع المساجد التى يرغب في الصلاة فيها. توفي جعفر رحمه الله ب (الابواء) سنة (208 ه) وكان يلقب قفة العلم، وله (1) رجال الطوسي. (2) الكشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال البرقي. (5) معجم رجال الحديث. (6) معجم رجال الحديث. (7) رجال الطوسي. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 100 ]
من مؤلفات ما يلي: 1 - كتاب المشيخة. 2 - كتاب الصلاة. 3 - كتاب المكاسب. 4 - كتاب الصيد. 5 - كتاب الذبائح (1). قال الشيخ: له كتاب ينسب إلى جعفر بن محمد (عليه السلام)، وراوية الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (2). 53 - جعفر بن ابراهيم: الحضرمي عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 54 - جعفر بن ابراهيم: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) وروى عنه ابراهيم بن هاشم (4). 55 - جعفر بن عيسى: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) روى عن الامام الكاظم (عليه السلام)، وروى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه أخوه محمد بن عيسى (6). 56 - جعفر بن المثنى: الخطيب، مولى لثقيف، واقفى، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) معجم رجال الحديث 4 / 46. (5) رجال الطوسي. (6) معجم رجال الحديث 4 / 92. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 101 ]
57 - جعفر بن محمد: القزويني ذكره الشيخ في باب الكنى من اصحاب الامام الرضا (عله السلام) (1). (ح) 58 - الحسن بن ابراهيم: الكوفي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 59 - الحسن بن اسباط: الكندي، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 60 - الحسن بن اسد: البصري، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 61 - الحسن بن بشير: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (5). 62 - الحسن بن بشار: المدائني، من أصحاب الامام الكاظم والرضا (عليهما السلام) ثقة صحيح كان واقفيا ثم رجع (6). 63 - الحسن بن الجهم: ابن بكير بن أعين أبو محمد الشيباني، ثقة، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) له كتاب (7). 64 - الحسن بن الجهم: الرازي، من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال ابى داود. (7) النجاشي. (8) معجم رجال الحديث 4 / 304. (*)
[ 102 ]
65 - الحسن بن الحسين. الانباري روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه علي بن الحكم (1). 66 - الحسن بن الحسين: ابن صالح، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه علي بن عبد الغفار (2). 67 - الحسن بن الحسين العلوي: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، روى عنه أحمد بن محمد. 68 - الحسن بن راشد (3): عده الشيخ من غير توصيف من اصحاب الامام (عليه السلام) (4). 69 - الحسن بن زياد: عده الشيخ من اصحجاب الامام الرضا (عليه السلام)، واضاف أن له كتاب (5). 70 - الحسن بن سعيد: الكوفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 71 - الحسن بن شاذان: الواسطي، قال: كتبت إلى أبى الحسن الرضا (عليه السلام) أشكو إليه جفاء أهل (واسط)، وحملهم علي، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقع (عليه السلام) بخطه: " ان الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق اوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربك، وفلو قد قام سيد الخلق لقالوا: " يا ويلنا من بعثنا من (1) معجم رجال الحديث 4 / 313. (2) معجم رجال الحديث 4 / 315. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (*)
[ 103 ]
مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " (1). 72 - السحن بن شعيب: المدائني، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 73 - الحسن بن عباد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). 74 - الحسن بن العباس: المعروفي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه على بن محمد (4). 75 - الحسن بن على: ابن فضال مولى لتيم الرباب، كوفى ثقة (5) قال النجاشي: قال أبو عمرو: قال الفضل بن شاذان: كنت في قطيعة الربيع، مسجد الربيع أقرأ على مقرئ يقال له: اسماعيل بن عباد، فرأيت قوما يتناجون، فقال أحدهم: بالجبل رجل يقال له ابن فضال أعبد من رأينا أو سمعنا به فانه ليخرج إلى الصحراء فيسجد السجدة، فيجئ الطير فيقع عليه فما يظن إلا انه ثوب أو خرقة، وان الوحش ليرعى حوله، فما تنفر منه لما قد أنست به، وان عسكر الصعاليك ليجيئون يريدون الغارة أو قتال قوم، فإذا رأوا شخصه طاروا في الدنيا فذهبوا - أي خوفا منه - قال الفيض: فظننت ان هذا رجل كان في الزمان الاول فبينا أنا بعد ذلك بيسير قاعد في قطيعة الربيع مع أبى رحمه الله، إذ جاء شيخ حلو الوجه، حسن الشمايل عليه قميص نرسي، ورداء نرسي، وفي رجليه نعل مخضر فسلم على أبى فقام إليه أبى فرحب به، وبجله، فلما ان مضى يريد ابن أبى عمير قلت: من هذا الشيخ ؟ فقال: هذا الحسن بن علي بن فضال، قلت: هذا ذلك العابد الفاضل ؟ قال: هو ذاك، قلت: ليس هو ذلك، ذاك بالجبل، قال: هو ذاك كان يكون بالجبل ما اغفل عقلك من غلام، فاخبرته بما سمعت من القوم فيه قال: هو ذلك، فكان بعد ذلك يختلف إلى أبى، ثم خرجت إليه بعد إلى الكوفة (1) معجم رجال الحديث 4 / 367. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) معجم رجال الحديث 4 / 382. (5) رجال الطوسي. (*)
[ 104 ]
فسمعت منه كتاب ابن بكير وغيره من الاحاديث، وكان يحمل كتابه ويجئ إلى الحجرة فيقرأه علي، فلما حج ختن طاهر بن الحسين، وعظمه الناس لقدره وماله، ومكانه من السلطان، وكان قد وصف له، فلم يصر إليه الحسن، فارسل إليه أحب أن تصير إلي، فقال: مالي ولطاهر لا اقربهم ليس بينى وبينهم عمل، فعلمت بعد هذا ان مجيئه إلي كان لدينه، وكان مصلاه بالكوفة في الجامع عند الاسطوانة التى يقال لها السابعة، ويقال لها: اسطوانة ابراهيم (عليه السلام)، وكان يجتمع هو وأبو محمد الحجال، وعلي ابن اسباط، وكان الحجال يدعى الكلام فكان من أجدل الناس فكان ابن فضال يعزي بينه وبيني في الكلام في المعرفة، وكان يحبنى حبا شدايدا، وكان الحسن عمره كله فطحيا مشهورا بذلك حتى حضره الموت فمات، وقد قال: بالحق رضي الله عنه وله من الكتب ما يلي: 1 - كتاب الزيارات. 2 - كتاب الثارات. 3 - كتاب النوادر. 4 - كتاب الرد على الغالية. 5 - كتاب الشواهد من كتاب الله. 6 - كتاب المتعة. 7 - كتاب الناسخ من المنسوخ. 8 - كتاب الملاحم. 9 - كتاب الصلاة. 10 - كتاب يرويه عن ابنه علي بن الامام الرضا (عليه السلام) وكانت وفاته رحمه الله سنة (224 ه) (1). 75 - الحسن بن علي: ابن زياد الوشاء، البجلى، الكوفي، من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) ومن وجوه هذه الطائفة، وقد روى عن جده الياس انه لما حضرته الوفاة قال: اشهدوا على، وليست ساعة الكذب هذه الساعة لسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ويتولى الائمة فتمسه النار (1) النجاشي. (*)
[ 105 ]
ثم اعاد الثانية والثالثة من غير أن أسأله. وروى احمد بن محمد بن عيسى قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا فسألته أن يخرج لى كتاب العلاء بن رزين القلا، وأبان بن عثمان الاحمر فأخرجهما إلى، فقلت له: أحب أن تجيزهما لي، فقال لي: يا رحمك الله، وما عجلتك ؟ اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لا ستكثرت منه، فإني ادركت في هذا المسجد - يعنى مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد. له كتب منها (كتاب ثواب الحج) وكتاب (النوادر) وله (مسائل الرضا) (1). 76 - الحسن بن علي: ابن يقطين، بن موسى، مولى بنى هاشم كان فقيها، متكلما روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، له كتاب (مسائل أبى الحسن موسى (عليه السلام)) (2). 77 - الحسن بن علي: الديلمي، ذكره الوحيد في التعليقة وقال: مولى الرضا (عليه السلام) (3). 78 - الحسن بن علي: مولى تيم الله بن ثعلبة كوفى، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 79 - الحسن بن علي: الوشا، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، قال: كنت مع أبى وأنا غلام فتعشينا عند الامام الرضا (عليه السلام) (5). (1) النجاشي. (2) النجاشي. (3) معجم رجال الحديث 5 / 678. (4) رجال الطوسى. (5) معجم رجال الحديث 5 / 75. (*)
[ 106 ]
80 - الحسن بن عمر: ابن يزيد عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 81 - الحسن بن فضال: روى عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وعن جماعة وروى عنه بنوه احمد وعلي ومحمد، وموسى بن عمر (2). 82 - الحسن بن قارن: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه ابراهيم بن هاشم (3). 83 - الحسن بن القاسم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) روى الكشي بسنده عن الحسن بن القاسم قال: حضر بعض ولد جعفر (عليه السلام) الموت، فأبطأ عليه الرضا (عليه السلام) فغمني ذلك لابطائه على عمه محمد، ثم جاء، فلم يلبث أن قام، فقمت معه، فقلت له: جعلت فداك عمك في الحال التى هو فيها تقوم وتدعه ؟ فقال (عليه السلام): عمي يدفن فلانا - يعني الذى هو عندهم - قال: فوالله ما لبثنا ان تماثل المريض للشفاء، ودفن أخاه الذى كان عندهم صحيحا، فكان الحسن يعرف الحق بعد ذلك، ويقول به (5). 84 - الحسن بن محبوب: السراد، ويقال له الزراد، يكنى أبا علي، مولى بجيله، كوفى، ثقة، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عن ستين رجلا من أصحاب الامام أبى عبد الله (عليه السلام)، وكان جليل القدر، الف مجموعة من الكتب كان منها ما يلي: (1) رجال الطوسى. (2) معجم رجال الحديث 5 / 88. (3) معجم رجال الحديث 5 / 93. (4) رجال الطوسى. (5) رجال الكشى. (*)
[ 107 ]
1 - كتاب المشيخة. 2 - كتاب الحدود. 3 - كتاب الديات. 4 - كتاب الفرائض. 5 - كتاب النكاح. 6 - كتاب الطلاق. 7 - كتاب النوادر، نحو الف ورقة. 8 - كتاب التفسير. 9 - كتاب العتق. وعده الشيخ الكشى من الفقهاء الذين اجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم عند تسمية الفقهاء من اصحاب الامام الكاظم والامام الرضا (عليه السلام) توفى سنة (224 ه) وله من العمر خمسة وسبعون عاما (1). 85 - الحسن بن محمد: ابن ابى طلحة، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 86 - الحسن بن محمد. ابن سهل النوفلي ضعفه النجاشي، وقال: لكن له كتاب حسن، كثير الفوائد أسماه (مجالس الرضا مع أهل الاديان) (3). 87 - الحسن بن محمد: القمي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه الخبيري (4). 88 - الحسن بن محمد: النوفلي، الهاشمي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) (5). (1) الكشي. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) التهذيب الجزء السادس باب فضل زيارة أبى الحسن موسى. (5) معجم رجال الحديث 5 / 138. (*)
[ 108 ]
89 - السحن بن النضر: الارمني، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى (1). 90 - الحسن بن يزيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) 91 - السحن بن يونس: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 92 - الحسن التفليسي: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 93 - الحسين بن ابراهيم: ابن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (1). 94 - الحسين بن ابى سعيد: المكاري، أبو عبد الله، كان هو وأبوه وجهين في الواقفة، دخل على الامام الرضا (عليه السلام)، فقال له: فتحت بابك للناس، وقعدت للناس تفتيهم، ولم يكن أبوك يفعل هذا ؟ فقال (عليه السلام): ليس علي من هارون - اي الرشيد - بأس، ثم قال له: اطفأ الله نور قلبك، وادخل الفقر بيتك، ويلك أما علمت أن الله اوحى إلى مريم أن في بطنك نبيا، فولدت مريم عيسى (عليه السلام)، فمريم من عيسى، وعيسى من مريم، وأنا من أبي، وأبي مني، فقال له: اسألك عن مسألة ؟ فقال له: ما اخالك تسمع مني... سل فقال له: رجل حضرته الوفاة، فقال: ما ملكته قديما فهو حر، وما لم يملكه بقديم فليس بحر. (1) معجم رجال الحديث 5 / 151. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (*)
[ 109 ]
فقال (عليه السلام) له: اما تقرأ هذه الآية " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " فما ملك الرجل قبل الستة اشهر فهو قديم، وما ملك بعد الستة اشهر فليس بقديم، ثم خرج من عند الامام (عليه السلام) ولم يلبث أن نزل به الفقر والبلاء (1). 95 - الحسين بن بشار: الواسطي، مولى زياد، ثقة، صحيح، روى عن الامام أبى الحسن موسى (عليه السلام)، وروى عن أبى الحسن الرضا (عليه السلام). ولما توفي الامام الكاظم (عليه السلام) خرج الامام الرضا، وهو غير مؤمن بموت الامام الكاظم، ولا مقر بامامة الرضا، واراد أن يسأله، ولما انتهى إلى الامام، وكان ب (الصوي)، فاستأذن عليه ودخل، فرحب به الامام، وادناه إليه ثم قال له: " يا حسين إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب، وتنظر إلى الله من غير حجاب فوال آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ووال ولي الامر منهم ". وبادر الحسين قائلا: " انظر إلى الله عزوجل ؟ ". فقال (عليه السلام): أي والله. وجزم الحسين بعد ذلك بموت الامام الكاظم، وامامة ولده الرضا من بعده. والتفت الامام (عليه السلام) إليه، وقال له: " ما أردت أن آذن لك لشدة الامر، وضيقه - وذلك للرقابة التي فرضت عليه من قبل السلطة العباسية - ولكن علمت الامر الذي أنت عليه - وهو الوقف - ". واضاف الامام قائلا: " خبرت بأمرك ". يعني اطلعت على ما انت عليه ؟ فقال الرجل: بلى: (2). 96 - الحسين بن بشير: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن محمد (3). (1) الكشى. (2) الكشي. (3) معجم رجال الحديث 5 / 208. (*)
[ 110 ]
97 - الحسين بن الجهم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1) وذهب الامام الاستاذ الخوئي إنه من المحتمل وقوع التحريف في الاسم، والصحيح هو الحسن، وقد تقدمت ترجمته في الحسن بن الجهم الرازي (2). 98 - الحسين بن خالد: الصيرفي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3) روى الصدوق بسنده عن صفوان بن يحيى قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فدخل عليه الحسين بن خالد الصيرفي، فقال له: جعلت فداك انى اريد الخروج إلى (الاعوض)، فقال (عليه السلام): حيثما ظفرت بالعافية فالزمه، فلم يقنعه ذلك، فخرج يريد (الاعوض) فقطع عليه الطريق وأخذ كل شئ كان معه من المال (4). 99 - الحسين بن زياد: عده الشيخ من رواة الامام الرضا (عليه السلام) واضاف ان له كتاب الرضا (عليه السلام) (5). 100 - الحسين بن سعيد: ابن حماد ابن مهران الاهوازي من موالى الامام على بن الحسين (عليه السلام) ثقة، روى عن الامام الرضا، وأبي جعفر الثاني، وأبى الحسن الثالث (عليهم السلام)، وأصله كوفى، وانتقل مع أخيه الحسن إلى (الاهواز) ثم تحول إلى (قم المقدسة) فنزل على الحسن بن أبان، وتوفى ب (قم). وله ثلاثون كتابا وهى: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب النكاح والطلاق، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض، كتاب التجارات، كتاب الاجارات، كتاب الشهادات، كتاب الايمان والنذور والكفارات، كتاب الاشربة، كتاب المكاسب، كتاب التقية، كتاب الخمس، كتاب (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث 5 / 214. (3) رجال الطوسي. (4) الكشي. (5) رجال الطوسي. (*)
[ 111 ]
المروة والتجمل، كتاب الصيد والذبائح، كتاب المناقب، كتاب المثالب، كتاب التفسير، كتاب المؤمن كتاب الملاحم كتاب المزار، كتاب الدعاء، كتاب الرد على الغالية، كتاب العتق والتدبير (1). 101 - الحسين بن شعيب: المدائني، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 102 - الحسين بن صالح: الخثعمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 103 - الحسين بن عبد ربه: له مكاتبة إلى الامام الرضا (عليه السلام) رواها ابنه علي بن الحسين (4). 104 - الحسين بن علي: ابن ربيع، مولى بنى هاشم عده البرقي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام (5). 105 - الحسين بن علي: ابن يقطين، ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 106 - الحسين: ابن عمر، ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). 107 - الحسين بن قياما: واقفي، روى الكشي بسنده عن الحسين بن بشار قال: استأذنت أنا والحسين بن قياما على الامام الرضا (عليه السلام) في (صرنا) فاذن لنا، قال - اي الرضا -: افرغوا من حاجتكم، قال له الحسين: تخلو الارض من أن يكون فيها إمام ؟ (1) الكشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) معجم رجال الحديث. (5) رجال البرقي. (6) رجال الطوسى. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 112 ]
فقال (عليه السلام): لا إلا واحد صامت لا يتكلم، قال: فقد علمت أنك لست بامام، قال (عليه السلام): ومن اين علمت ؟ قال: إنه ليس لك ولد، وانما هي في العقب ؟ ! فقال (عليه السلام) له: فوالله لا تمضى الايام والليالي، حتى يولد ذكر من صلبي يقوم مثل مقامي يحيى الحق، ويمحق الباطل (1). 108 - الحسين بن موسى: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) كما عده من اصحاب الاما الكاظم وقال إنه واقفي (2) وللامام (عليه السلام) رسالة نذكرها عند عرض رسائله. 109 - الحسين بن مياح: نقل ابن داود عن أبن الغضايري انه من اصحاب الامام الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وانه ضعيف غال (3). 110 - الحسين بن يسار: المدائني، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه علي بن أحمد بن أشيم (4). 111 - حماد بن بكر: ابن محمد الازدي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 112 - حماد بن عثمان: ابن عمرو، بن خالد الفزارى، مولاهم كوفى، كان يسكن (عرزم) فنسب إليها هو واخوه عبد الله ثقتان رويا عن الامام الصادق (عليه السلام)، وروى حماد عن الامام الكاظم، والامام الرضا (عليهما السلام) توفي حماد بالكوفة سنة (190 ه) (6). (1) الكشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال ابن داود. (4) معجم رجال الحديث 6 / 117. (5) رجال البرقى. (6) الكشي. (*)
[ 113 ]
113 - حماد بن عثمان: الناب، عده الشيخ البرقى من اصحاب الامام أبى عبد الله والكاظم والرضا (عليهم السلام) (1) وعده الكشي ممن أجمعت العصابة على ما يصح عنهم، توفي سنة (190 ه) بالكوفة (2). 114 - حماد بن عيسى: أبو محمد الجهني، مولى، أصله من (الكوفة)، وسكن (البصرة)، روى عن الامام أبي عبد الله الصادق عشرين حديثا، وعن الامام أبى الحسن وعن الامام الرضا (عليهما السلام)، وكان ثقة في حديثه، صدوقا، قال: سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام) سبعين حديثا، فلم أزل ادخل الشك على نفسي حتى اقتصرت على هذه العشرين (3). وفد على الامام الكاظم (عليه السلام)، فقال له: جعلت فداك ادع الله لي يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كل سنة فقال (عليه السلام): اللهم (صل على محمد وآل محمد)، وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة، قال عماد: فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج اكثر من خمسين سنة، فال: وحججت ثماني واربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتى وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي قد رزقت كل ذلك، فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي القصير فلما صار في الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله، فغرق في الماء، وتوفي قبل أن يحج زيادة على خمسين حجة (4). وقد الف مجموعة من الكتب منها (كتاب الزكاة)، (وكتاب الصلاة)، وغيرها (5). (1) البرقى. (2) الكشي. (3) النجاشي. (4) الكشي. (5) الكشي. (*)
[ 114 ]
115 - حمدان بن ابرهيم: الاهوازي، كوفي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 116 - حمزة بن بزيع: الواقفي، فقد استماله إلى الوقف علي بن أبى حمزة البطايني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي حينما طمعوا بالحقوق الشرعية التى أؤتمنوا عليها، وقد بذلوا شيئا منها إلى حمزة بن بزيع وابن مكارى وكرام الخثعمي (2). روى ابراهيم بن يحيى بن أبى البلاد قال: قال الرضا (عليه السلام): ما فعل الشقي حمزة بن بزيع ؟ فقلت: هو ذا قد قدم، فقال (عليه السلام): يزعم أن أبي حي هو اليوم شكاك لا يموتون غدا إلا على الزندقة (3). 117 - حيدر بن أيوب: وهو ممن روى النص من أبى الحسن موسى (عليه السلام) على امامة ولده علي الرضا (عليه السلام) (4). (خ) 118 - خلف بن سلمة: البصري، عده الشيخ من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (5). 119 - خيران مولى الامام الرضا: قال النجاشي: له كتاب اخبرنا به احمد بن محمد بن هارون الخ (6). (د) 120 - دارم بن قبيصة: قال النجاشي دارم بن قبيصة بن نهشل بن مجمع أبو الحسن التميمي الدارمي (1) الكشي. (2) الكشي). (3) الكشي. (4) معجم رجال الحديث 6 / 311. (5) رجال الطوسي. (6) النجاشي. (*)
[ 115 ]
السابح، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وله عنه " كتاب الوجوه والنظائر " و " كتاب الناسخ والمنسوخ ". وطعن فيه ابن الغضائري، وقال: لا يؤنس بحديثه ولا يوثق (1). 121 - داود بن سليمان: ابن جعفر، أبو أحمد القزويني، ذكره ابن نوح في رجاله، له كتاب عن الامام الرضا (عليه السلام) (2). 122 - داود بن علي: العبدي، كان من اصحاب المهدي العباسي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 123 - داود بن علي: اليعقوبي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) وعده النجاشي ممن روى عن الامام الكاظم (عليه السلام)، واضاف أنه ثقة وله كتاب (5). 124 - داود بن القاسم: ابن اسحاق ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، أبو هاشم الجعفري كان عظيم المنزلة عند الائمة (علييهم السلام) منهم الامام الرضا والامام الجواد، والامام الهادي، والامام الحسن العسكري، وحجة الله في أرضه الامام المنتظر (عليهم السلام)، وقد روى عنهم كلهم، وله اخبار ومسائل، وشعر جيد فيهم، وكان مقدما عند السلطان، وله كتاب (6). روى الكليني بسنده عن داود بن القاسم قال: دخلت على أبى جعفر (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة، واشتبهت علي فاغتممت، ثم تناول (عليه السلام) احداها وقال: هذه رقعة فلان فبهت، فنظر إلي فتبسم، فقلت جعلت (1) معجم رجال الحديث 7 / 90. النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) النجاشي. (6) معجم رجال الحديث 7 / 121. (*)
[ 116 ]
فداك إني لمولع بأكل الطين فادع الله لي فسكت، ثم قال لي: بعد ثلاثة أيام ابتداء منا يا أبا هاشم قد اذهب الله عنك أكل الطين، قال أبو هاشم: فما شئ أبغض إلي منه اليوم (1). 125 - داود بن مافنة: الصرمي، مولى بنى قرة، ثم بنى حرمة، كوفى روى عن الامام الرضا (عليه السلام) يكنى أبا سليمان، وبقى إلى ايام أبى الحسن العسكري (عليه السلام)، وله مسائل إليه (2). 126 - داود بن النعمان: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3) وروى الكشي بسنده عن حمدوية عن اشياخه انهم قالوا: داود بن النعمان خير فاضل وهو عم الحسن بن علي بن النعمان، وكان علي بن النعمان اوصى بكتبه لمحمد بن اسماعيل بن بزيع (4). 127 - دعبل بن علي: الخزاعى، شاعر الاسلام الذي وهب حياته لله، وناهض أئمة الظلم والجور، ونصر أئمة الهدى والحق، وجاهد كأعظم ما يكون الجهاد في سبيلهم، فتعرض لسخط ملوك العباسيين، ونقمتهم، فطاردته أجهزتهم، ومخابراتهم، وبقي صامدا لم يحفل بما عاناه من الاهوال والخطوب لقد كان دعبل لسان الجبهة المعارضة للحكم العباسي الفاسد الذي استأثر بخيرات البلاد، وانفقها بسخاء على الدعارة والمجون، وترك البلاد تموج بالفقر والحرمان، وراح دعبل بادبه الفياض يهجو اولئك الملوك، ويثير سخط العامة عليهم. ونعرض - بايجاز - إلى ترجمة دعبل، واعطاء صورة موجزة عن شخصيته الملهمة. مكانته العلمية: وبالاضافة لما يتمتع به دعبل من المواهب الادبية التي جعلته في الرعيل الاول (1) الكشي. (2) معجم رجال الحديث. (3) رجال الطوسي. (4) الكشي. (*)
[ 117 ]
من ادباء عصره، فقد كان من العلماء، فقد روى عن الامام الرضا وأبي جعفر محمد الجواد (عليهما السلام) (1). اللذين هما من مصادر الفقه عند الامامية، كما روى عن جماعة من الاعلام في عصره كان من بينهم ما يلي: 1 - الحافظ شعبة بن الحجاج المتوفي (160 ه) وبهذا الطريق يروى عنه الحديث في كتب الفريقين كما في أمالي الشيخ (ص 240) وتأريخ ابن عساكر (5 / 228). 2 - الحافظ سفيان الثوري المتوفي سنة (161 ه) تأريخ ابن عساكر (5 / 228). 3 - إمام المالكية مالك بن أنس المتوفي سنة (179 ه). 4 - أبو سعيد سالم بن نوح البصري المتوفي بعد الماءتين. 5 - أبو عبد الله محمد بن عمرو الواقدي المتوفي سنة (207 ه). 6 - الخليفة المأمون العباسي المتوفى سنة (218 ه). 7 - أبو الفضل عبد الله بن سعد الزهري البغدادي المتوفى سنة (260 ه). 8 - محمد بن سلامة يروى عنه بطريقة شيخ الطائفة في أماليه عن الامام امير المؤمين (عليه السلام) خطبته (الشقشقية) الشهيرة. 9 - سعيد بن سفيان الاسلمي المدني، أمالى الشيخ (ص 227). 10 - محمد بن اسماعيل. 11 - مجاشع بن عمر. 12 - موسى بن سهل الراسبى. كما روى عن دعبل جماعة من مشاهير الرواة كان من بينهم: 1 - أبو الحسن على أخو دعبل. 2 - موسى بن حماد اليزيدي. 3 - أبو الصلت الهروي المتوفي (236 ه). 4 - هارون بن عبد الله المهلبى. 5 - علي بن الحكم. (1) معجم رجال الحديث 7 / 148. (*)
[ 118 ]
6 - عبد الله بن سعيد الاقشرى. 7 - موسى بن عيسى المروزي. 8 - ابن النادى احمد بن أبى داود المتوفي سنة (272 ه). 9 - محمد بن موسى البربري (1). وقد كشفت هذه الجهة عن مكانته العلمية، وان معارفه لم يقتصر على الاداب والشعر، وانما كانت شاملة للحديث والفقه. مؤلفاته: والف دعبل كوكبة من الكتب دلت على قدراته العلمية، كان من بينها: 1 - كتاب طبقات الشعراء: وهو من الكتب القيمة، ومن الاصل المعول عليها في الادب والتراجم وقد نقل عنه اعلام المؤلفين كابن عساكر، والخطيب البغدادي، وابن خلكان، واليافعي وغيرهم، وكان من بين ابوابه ما يلى: 1 - أخبار شعراء البصرة. 2 - أخبار شعراء الحجاز. 3 - أخبار شعراء بغداد. وغير ذلك من الابواب التى حفل بها، وهو من امهات الكتب. 2 - كتاب الواحدة في مناقب العرب ومثالبها (2). 3 - ديوان شعر: وقد جمعه الصولي، ويحتوى على ثلاث مائة ورقة حسبما نص عليه ابن النديم (3) وليس له وجود في خزائن المخطوطات العربيعة، واكبر الظن انه قد ضاع كبقية المخطوطات العربية التي خسرها العالم العربي والاسلامى. وقد انبرى - مشكورا - الاستاذ المغفور له عبد الصاحب الدجيلى فبذل جهدا شاقا في عده سنين إلى جمع ما عثر عليه من شعر دعبل وابرزه إلى عالم النشر بعنوان (1) الغدير 2 / 273 مقدمة ديوان دعبل (ص 22 - 24 -) لعبد الصاحب الدجيلى. (2) الغدير 2 / 371 - 372. (3) الفهرست (ص 229). (*)
[ 119 ]
" ديوان دعبل بن على الخزاعى " وقد طبع في النجف الاشرف سنة (1382 ه) ويحتوى على مقدمة وافية عرض فيها لحياة دعبل وآثاره، وقد اسدي بذلك خدمة للفكر والادب. شعره: أما شعر دعبل فهو من مناجم الادب العربي، وقد صور بصدق في كثير من مقطوعاته الحياة السياسية والاجتماعية في عصره، وما عاناه المسلمون من ضروب الجور وأنواع الظلم من حكام بني العباس الذي كان حكمهم امتدادا للحكم الاموي بل كان في كثير من الاحيان أشد وأقسى من الحكم الاموي. مدحه ورثاؤه للعلويين: ووهب دعبل أدبه وفكره للعلويين الذين هم دعاة العدل الاجتماعي في الاسلام، والذين ناضلوا كأشد ما يكون النضال لاعلان حقوق الانسان، وانقاذ الفقراء والمحرومين من ويلات الحكم الاموى والعباسي، وهذه نماذج مما قاله في مدحهم ورثائهم: مدحه للامام امير المؤمنين: ألا انه طهر زكى مطهر * سريع إلى الخيرات والبركات غلاما وكهلا خير كهل ويافع * وأبسطهم كفا إلى الكربات وأشجعهم قلبا، وأصدقهم أخا * واعظمهم في المجد والقربات أخو المصطفى بل صهره ووصيه * من القوم والستار للعورات كهارون من موسى على رغم معشر * سفال لئام شقق الشرات فقال: ألا من كنت مولاه منكم * فهذا له مولى بعيد وفاتي أخي ووصيي وابن عمى ووارثي * وقاضي ديونى من جميع عداتي (1) وليس في هذا الشعر تكلف، وانما هو منسجم مع الواقع، وصادق كل الصدق، فقد حكى بعض صفات الامام امير المؤمنين (عليه السلام) والتى منها أنه طهر طاهر، كما انه من أندى الناس كفا، ومن اشجعهم قلبا، فقد خاض أهوال الحروب، وهو الاسد الضرغام الذى أباد قوى الشرك والالحاد، كما انه من الصق (1) ديوان دعبل (ص 98 - 99). (*)
[ 120 ]
الناس برسول الله (ص) فهو اخوه، وصهره ووصيه، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، وقد قال في حقه يوم (غدير خم) من كنت مولاه فهذا علي مولاه ولنستمع إلى مقطوعة أخرى من شعره في مدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نطق القرآن بفضل آل محمد * وولاية لعليه لم تجحد لولاية المختار من خير الورى * بعد النبي الصادق المتودد إذ جاءه المسكين حال صلاته * فامتد طوعا بالذراع وباليد فتناول المسكين منه خاتما * هبة الكريم الاجود بن الاجود فأختصه الرحمن في تنزيله * من حاز مثل فخاره فليعدد إن الاله وليكم ورسوله * والمؤمنين فمن يشأ فليجحد يكن الاله خصيمه فيها غدا * والله ليس بمخلف في الموعد (1) وواضح هذا الشعر كل الوضوح فقد حكى فضيلة من فضائل الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، وهي ان مسكينا قصد جامع الرسول في يثرب فطلب من المسلمين أن يسعفوه، فلم يعطه أحد منهم شيئا وكان الامام امير المؤمنين (عليه السلام) يصلي فأومأ إليه، واعطاه خاتمه، وهو كل ما يملكه، وحينما فرغ الامام من صلاته نزل الوحى على الرسول (ص) وهو يقلد الامام وساما من أغلى الاوسمة التى قلدته بها السماء، فقد نزل الوحي بهذه الآية الكريمة: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2) ودلالة هذه الآية واضحة فقد حصرت الولاية العامة في الله تعالى والرسول الاعظم، والامام امير المؤمنين الذى ادى الزكاة وهو في حال ركوعه. وهذه الآية من اوثق الادلة على امامة الامام امير المؤمنين وانه احق وأولى بخلافة المسلمين من غيره، فقد قرن تعالى ولايته بولاية الله وولاية رسوله... ولنستمع إلى ابيات أخرى قالها في الامام (عليه السلام): سقيا لبيعة أحمد ووصيه * أعني الامام ولينا المحسودا أعنى الذى نصر النبي محمدا * قبل البرية ناشئا ووليدا أعنى الذى كشف الكروب ولم يكن * في الحرب عند لقائها رعديدا (1) ديوان دعبل (ص 101). (2) سورة المائدة: آية 55. (*)
[ 121 ]
اعني الموحد قبل كل موحد * لا عابدا وثنا ولا جلمودا وهو المقيم على فراش محمد * حتى وقاه مكايدا ومكيدا وهو المقدم عند حومات الندا * ما ليس ينكر طارفا وتليدا (1) وعرض دعبل في هذه الابيات إلى نصرة الامام (عليه السلام) للرسول (صلى الله عليه وآله)، فهو المنافح الاول عن كلمة التوحيد وبجهوده وجهاده قام دين الاسلام، وقد كشف الكروب عن النبي (ص) في احلك الظروف وأقساها ففي واقعة بدر وأحد والخندق وغيرها كان الامام البطل الاوحد الذى اطاح برؤوس المشركين، وسحق جيوشهم، ورفع راية التوحيد. وعرض دعبل إلى مبيت الامام (عليه السلام) على فراش النبي (ص) ووقايته له بمهجته، وقد قام باروع عملية فدائية في الاسلام فما اعظم آياديه على هذا الدين، هذا بعض ما قاله دعبل في مدح الامام امير المؤمنين (عليه السلام). رثاؤه للامام الحسين: وروع المسلمون بكارثة كربلاء التي انتهكت فيها حرمة الرسول (ص) في ابنائه وذريته فقد ابادت جيوش الامويين بوحشية قاسية عترة النبي (ص) واقترفت فيهم افظع الجرائم، وقد اهتز لهول هذه الفاجعة الضمير الانساني، وقد اندفع دعبل الذى هو علوى الفكر إلى رثاء الامام الحسين (عليه السلام) فرثاه بذوب روحه في مجموعة من روائع نظمه كان من بينها هذه اللوحات: أأسبلت دمع العين بالعبرات * وبت تقاسي شدة الزفرات وتبكي على آثار آل محمد * وقد ضاق منك الصدر بالحسرات ألا فابكهم حقا وأجر عليهم * عيونا لريب الدهر منسكبات ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم * بداهية من أعظم النكبات سقى الله أجداثا على طف كربلا * مرابع أمطار من المزنات وصلى على روح الحسين وجسمه * طريحا على النهرين بالفلوات قتيلا بلا جرم ينادى لنصره * - فريدا وحيدا - أين أين حماتي أأنسى - وهذا النهر يطفح - ظامئا * قتيلا ومظلوما بغير ترات (1) ديوان دعبل (ص 102). (*)
[ 122 ]
فقل لابن سعد - أبعد الله سعده - * ستلقى عذاب النار واللعنات سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا * وأقنت بالآصال والغدوات على معشر ضلوا جميعا وضيعوا * مقال رسول الله بالشبهات لقد رفعوا رأس الحسين على القنا * وساقوا نساء حسرا ولهات توفوا عطاشا نازحين وغادروا * مدارس وحى الله مندرسات يغز على المختار أن يمكث ابنه * طريحا بلا دفن لدى الهبوات ويرفع رأس الرمح رأس حبيبه * ويسرى به للشام في الحربات وينكثة بالعود من لاكت أمه * لحمزة كبدا لم يسغ بلهاة مصائب أجرت عين كل موحد * دماء رماها القلب بالعبرات (1) ومثلت هذه الابيات لوعة الخزاعى وأساه على ما حل بابن الرسول وريحانته من فوادح الخطب، والمصائب المذهلة التى تذوب من هولها الجبال، فقد قتله البغاة استجابة لرغبات أسيادهم الامويين، وتركوا جثمانه الشريف ملقى على صعيد كربلا لم يواروه وأحتزوا رأسه الشريف، وجعلوا يطوفون به في الاقطار والامصار تشفيا منه، واظهارا لفرحتهم الكبرى بقتله... ولنستمع إلى مقطوعة أخرى من رثائه للامام الحسين (عليه السلام) يقول: رأس ابن بنت محمد ووصيه * يا للرجال على فتاة يرفع والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا جازع من ذا ولا متخشع ايقظت اجفانا وكنت لها كرى * وانمت عينا لم تكن بك تهجع كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم نعيك كل اذن تسمع ما روضة إلا تمنت أنها * لك مضجع ولحظ قبرك موضع (2) لقد نعى دعبل ذهاب الحمية الاسلامية، فقد استسلم المسلمون للذل والهوان، ومدوا اعناقهم بخنوع لحكومة يزيد التى استهانت بقيمهم ومقدراتهم، فرفعت رأس ابن بنت نبيهم على أطراف الاسنة والرماح يطاف به في الاقطار والامصار وذلك بمنظر ومسمع من جميع الاوساط ولم يبد أحد نقمته وسخطه على يزيد، وفيما أحسب أن ذلك كان ناجما من العنف والارهاب اللذين سادا على الامة، (1) ديوان دعبل (ص 107). (2) ديوان دعبل (ص 99 - 100). (*)
[ 123 ]
فكانت السلطة تأخذ بالظنة والتهمة، وتأخذ البرئ بالسقيم، والمقبل بالمدبر، ومن الطبيعي ان ذلك أوجب انتشار أوبئة الخوف عند المسلمين.... هذه بعض مراثي دعبل لسيد الشهداء (عليه السلام). هجاؤه: لقد نقم دعبل على ملوك عصره العباسيين، وهجاهم بأقذع الوان الهجاء، ولم يكن بذلك مدفوعا وراء العواطف والاهواء التى لا تمت إلى الحق بصلة، فقد جانب اولئك الملوك الحق، وسخروا اقتصاد الامة إلى شهواتهم فانفقوا ملايين الاموال على المغنين والعابثين وجلبوا لقصورهم ما حرم الله من الخمر، وانواع اللهو في حين أن الامة كانت تعانى الفقر والحرمان، وقد خيم عليها البؤس ولنستمع إلى بعض هجائه. هجاؤه للرشيد: ولما توفي الامام الرضا (عليه السلام) سارع المأمون فدفنه إلى جانب أبيه، وسئل عن ذلك، فقال: ليغفر الله لهارون بجواره للامام الرضا، ولما سمع دعبل ذلك هزأ وقال: قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر وأي هجاء لهارون أقذع وأمر من هذا الهجاء، فقد عبر عنه تارة بشر الناس، وآخر بالرجس، وان قربه من مثوى الامام لا ينتفع به، فكل امرئ يعامل بما كسبت يداه، ولا عبرة بغير ذلك. هجاؤه لابراهيم: ولما بايع امأمون الامام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد غضب العباسيون وانتفخت اوداجهم، فعمدوا إلى ابراهيم بن المهدى شيخ المغنين فبايعوه، وانبرى دعبل إلى هجائه فقال: نعر ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفا إليه كل أطلس مائق ان كان ابراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده للمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده لمخارق
[ 124 ]
أني يكون وليس ذاك بكائن * يرث الخلافة فاسق عن فاسق (1) وأقذع هجاء وأمره هذا الهجاء فان الخلافة لو صلحت لابراهيم لصلحت لغيره من المغنين، كمخارق وزلزل ومارق، وبذلك تكون الدولة دولة المغنين، وان من المستحيل أن تتحول الخلافة إلى هذا المستوى السحيق، وأن يرث الخلافة فاسق عن فاسق، ومن الطريف ان الجند اجتمعوا حول بلاطه يطالبونه برواتبهم ولم يكن عنده شئ من المال فانبرى أحد الظرفاء فخاطب الجند فقال لهم: سوف يخرج ابراهيم ويغني لهذا الجانب بصوت، وبغنى للجانب الآخر بصوت، وهذا هو أرزاقكم وسمع دعبل بذلك فقال: يا معشر الاجناد لا تقنطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا فسوف يعطيكم معبدية * يلتذ بها الامرد والاشمط (2) والمعبديات لقوادكم * لا تدخل الكيس ولا تربط وهكذا يرزق أجناده * خليفة مصحفه الربط أرأيتم هذه السخرية ؟ وهذا الاستهزاء بشيخ المغنين الذى يرزق أجناده بالغناء الذى لا يدخل الكيس. ولا يربط ! ؟. هجاؤه للمعتصم: أما هجاء دعبل للمعتصم فكان مرا وقاسيا، وكان المعتصم طاغيا، ظالما لا عهد له بالرأفة والرحمة، وقد صدق دعبل في هجائه له بهذه المقطوعة: بكى لشتات الدين مكتئب صب * وفاض بفرط الدمع من عينه غرب وقام إمام لم يكن ذا هداية * فليس له دين وليس له لب وما كانت الانباء تأتي بمثله * يملك يوما أو تدين له العرب ولكن كما قالوا الذين تتابعوا * من السلف الماضين إذ عظم الخطب ملوك بنى العباس في الكتب سبعة * ولم تأتنا عن ثامن لهم الكتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة * كرام إذا عدوا وثامنهم كلب واني لاعلي كلبهم عنك رفعة * لانك ذو ذنب وليس له ذنب (1) ديوان دعبل (ص 174). (2) الامرد: الذى لا لحية له، والاشمط الذى له لحية.
[ 125 ]
كأنك إذ ملكتنا لشقائنا * عجوز عليها التاج والعقد والاتب لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم * وصيف وأشتات وقد عظم الكرب (1) ومثلت هذه الابيات محنة المسلمين وشقاءهم بخلافة المعتصم الذي لم يتمتع باي صفة كريمة تؤهله لمركز الخلافة الاسلامية التى هي ظل الله في الارض، وقد ظل دعبل في عهده مختفيا يطارده الرعب والفزع فقد أوعز المعتصم إلى شرطته باعتقاله ولكنهم لم يظفروا به، ولما هلك المعتصم هجاه بهذه الابيات: قد قلت: إذ غيبوه وانصرفوا * في شر قبر لشر مدفون اذهب إلى النار والعذاب فما * خلتك إلا من الشياطين وما زلت حتى عقدت بيعة من * أضر بالمسلمين والدين (2) هجاؤه للواثق: ولما تولى الواثق عمد دعبل إلى طومار فكتب فيه الابيات التالية، ودفعها إلى الحاجب، وقال له: قل له هذه أبيات امتدحك بها دعبل، وهذه الابيات. الحمد لله لا صبر ولا جلد * ولا عزاء إذا أهل الهوى رقدوا خليفة مات لم يحزن له أحد * وآخر قام لم يفرح به أحد فمر هذا، ومر الشؤم يتبعه * وقام هذا فقام الويل والنكد ولما فضها الواثق وقرأها تميز غيظا وغضبا وطلب دعبل بكل ما يقدر عليه من الطلب فلم يظفر به حتى هلك الواثق (3). هذه صور من هجائة، وهي تمثل اندفاعه نحو الحق، ونصرته للمظلومين والمضطهدين في عصره. لقد كان دعبل من زعماء المعارضة للحكم العباسي في عصره، ومن الجناية على الفكر أن يوصم الرجل بأنه خبيث اللسان لم يسلم أحد من الخلفاء من لسانه (4) فان هذا القول رخيص، وبعيد عن الواقع لقد هام دعبل في حب أهل الببت الذين اضطهدتهم الحكومات العباسية، وجهدت في ظلمهم وظلم شيعتهم فاندفع دعبل (1) ديوان دعبل (ص 129 - 130). (2) ديوان دعبل (ص 209). (3) ديوان دعبل (ص 149). (4) الاغانى 18 / 29. (*)
[ 126 ]
بوحي من عقيدته إلى نصرتهم والذب عنهم والتشهير بخصومهم وليس في ذلك أي نقص عليه، وانما هو فخر وشرف له. إلى جنة المأوى: وظل دعبل معظم حياته مجاهدا ومناضلا قد سخر من ملوك عصره الذين استباحوا حرمات الله، فهجاهم بأمر وأقذع الوان الهجاء، وقد طادرته، السلطة، ورامت تصفيته جسديا ولكنه اختفى، وراح يجوب في الاقطار يلاحقه الفزع والخوف، وهو القائل في تائيته الخالدة: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لارجو الامن بعد وفاتي وقد اعلن بشجاعة فائقة استعداده للموت فقال: " لي خمسون سنة أحمل خشبتي - اي خشبة الاعدام - على كتفي ادور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك ". وكانت نهاية دعبل على يد ذئب من ذئاب عصره وهو مالك بن طوق التغلبي فقد طلبه فهرب إلى البصرة، وكان واليا عليها اسحاق بن العباس العباسي وقد بلغه هجاء دعبل له، فأمر بالقاء القبض عليه، فجئ به إليه مخفورا فدعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه، فانكر دعبل القصيدة التي قيلت في ذمه وان عددا له قالها ونسبها له ليغري بدمه، وجعل دعبل يتضرع إليه فاعفاه من القتل إلا أنه دعا بالعصي والمقارع، وانهال عليه ضربا بوحشية قاسية ثم خلى سبيله فهرب إلى (الاهواز) (1). وسارع مالك بن طوق فبعث رجلا حصيفا مقداما واعطاه سما، وأمره باغتيال دعبل، واعطاه عوض هذه الجريمة عشرة آلاف درهم، وانبرى الرجل مسرعا إلى (الاهواز) فجد في طلب دعبل فعثر عليه في قرية من نواحي (السوس) فاغتاله بعد صلاة العتمة، فضربه على ظهر قدمه بعكاز له زج مسموم فتسمم بدنه، ومات في غده، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى (السوس) فدفن فيها (2) وانتهت بذلك حياة هذا المجاهد الذى قارع الباطل بشجاعة، وقد رثاه صديقه الشاعر الكبير أبو تمام الطائي بهذه الابيات: (1) الاغاني 18 / 60. (2) الاغاني 18 / 60. (*)
[ 127 ]
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي * مثوى حبيب يوم مات ودعبل أخوى لا تزل السماء نحيلة * تغشاكما بسماء مزن مسبل جدث على الاهواز يبعد دونه * مسرى النعى ورمة بالموصل (1) رحم الله دعبلا فقد كان علما من اعلام الاسلام، وقد استشهد في سبيل المبادئ الكريمة والمثل العليا التى تبناها في جميع ادوار حياته. (ر) 128 - رحيم عبدوس: الخنجي، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه علي بن الحكم (2). 129 - ريان بن شبيب: خال المعتصم العباسي، ثقة سكن (قم)، وروى عنه أهلها، وجمع مسائل الصباح ابن نصر الهندي للامام الرضا (عليه السلام) (3) وقد روى عنه الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه ابراهيم بن هاشم (4). 130 - الريان بن الصلت: الاشعري، القمي، أبو على، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) ثقة صدوق، له كتاب جمع فيه كلام الامام الرضا (عليه السلام) في الفرق بين الآل والامة (5)، وروى معمر بن خلاد قال: قال لي الريان بن الصلت، وكان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان: أحب أن تستأذن لي على أبي الحسن (عليه السلام) فأسلم عليه وأودعه وأحب أن يكسوني من ثيابه، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه، قال: فدخلت عليه، فقال لي مبتدئا: يا معمر بن ريان ؟ أيحب أن يدخل علينا فأكسوه من ثيابي واعطيه من دراهمي ؟ قال: قلت سبحان الله ! ! والله ما سألني إلا أن أسألك ذلك له، فقال: يا معمر ان المؤمن موفق (1) وفيات الاعيان 1 / 180. (2) معجم رجال الحديث 7 / 183. (3) النجاشي. (4) فروع الكافي الجزء السابع كتاب الوصية. (5) النجاشي. (*)
[ 128 ]
قل له: فليجئ قال: فاذنت له فدخل عليه فسلم فدعا له بثوب من ثيابه، فلما خرج قلت: أي شئ أعطاك ؟ وإذا في يده ثلاثون درهما (1). (ز) 131 - زكريا بن آدم: ابن عبد الله بن سعد الاشعري، القمي، ثقة جليل، عظيم القدر، كان له وجه عند الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (2) وروى الكشي انه سمع من بعض اصحابنا عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، قال: دخلت على أبى جعفر الثاني (عليه السلام) في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا ابن آدم عنى خيرا، فقد وفوا لي. وروى محمد بن حمزة عن زكريا بن آدم قال: قلت للرضا (عليه السلام): انى أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم فقال: لا تفعل، فان أهل بيتك يدفع عنهم - أي البلاء - بك، كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم (عليه السلام) (3) ومما يدل على جلالة قدره وسمو مكانته ما رواه علي بن المسيب قال: قلت للرضا (عليه السلام): شقتي بعيدة، ولست أصل إليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال (عليه السلام): من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا، قال على بن المسيب: فلما انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألته عما احتجت إليه. وروى محمد بن اسحاق والحسن بن محمد قالا: خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابه (عليه السلام) في بعض الطريق فإذا فيه ذكرت ما جرى من قضاء الله به في الرجل المتوفي رحمه الله يوم ولد، ويوم قبض، ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به: صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله ومضى رحمه الله غير ناكث، ولا مبدل فجزاه الله أجر نبيه واعطاه خير أمنيته، وذكرت الرجل الموصى إليه، ولم تعرف فيه رأينا، وعندنا من المعرفة به اكثر مما (1) الكشي. (2) النجاشي. (3) الكشي. (*)
[ 129 ]
وصفت - يعني الحسن بن محمد بن عمران - (1) وقد كشفت هذه الرواية عن سمو مكانته عند الامام (عليه السلام). 132 - زكريا أبويحيى: كوكب الدم، عده الشيخ في باب الكنى من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) وقال أبو يحيى الموصلي: كان زكريا أبو يحيى شيخا من الاخيار (3) وضعفه ابن الغضايري. 133 - زكريا بن ادريس: ابن عبد الله بن سعد الاشعري، القمي أبو جرير، روى عن الامام أبى عبد الله (عليه السلام)، وأبى الحسن والرضا (عليهم السلام) له كتاب (4) وروى زكريا قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) من أول الليل في حدثان موت أبى جرير فسألني عنه، وترحم عليه، ولم يزل يحدثني وأحدثه حتى طلع الفجر، فقام (عليه السلام) فصلى الفجر (5). 134 - زكريا بن عبد الصمد: القمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف انه ثقة يكنى أبا جرير من اصحاب أبى الحسن موسى (عليه السلام) (6). 135 - زكريا بن محمد: أبو عبد الله المؤمن، روى عن الامام أبي عبد الله والامام أبى الحسن (عليهما السلام)، ولقي الامام الرضا (عليه السلام) في المسجد الحرام، وحكى عنه ما يدل على الوقف، وكان مختلط الامر في حديثه له كتاب منتحل الحديث (7). (1) الكشي. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 7 / 272. (4) النجاشي. (5) الكشي. (6) رجال الطوسي. (7) النجاشي. (*)
[ 130 ]
136 - زكريا بن يحيى: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه بكر بن صالح (1). (س) 137 - سعد بن حماد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف: إنه مجهول (2). 138 - سعد بن سعد: ابن الاحوص بن سعد بن مالك الاشعري القمي، ثقة روى عن الامام الرضا والامام أبى جعفر (عليهما السلام) كتابه المبوب، وروى محمد بن خالد عنه مسائله للامام الرضا (عليه السلام) (3) وروى عبد الله بن الصلت القمي قال: دخلت على الامام أبي جعفر الثاني في آخر عمره... قال: جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد فقد وفوا لي ! " (4). 139 - سعد خادم أبى دلف: قال الشيخ: له مسائل عن الامام الرضا (عليه السلام) أخبرنا بها عده من اصحابنا عن أبى الفضل عن ابن بطة عن أحمد بن عبد الله (5). 140 - سعيد بن جناح: الازدي مولاهم بغدادي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) هو وأخوه أبو عامر كانا ثقتين له كتاب صفة الجنة والنار، وكتاب قبض روح المؤمن والكافر (6). 141 - سعيد بن سعيد: القمي ثقة، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). (1) معجم رجال الحديث. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) الكشي. (5) فهرست الطوسي. (6) النجاشي. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 131 ]
142 - سليمان بن جعفر: الطالبي الجعفري، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى أبوه عن الامام أبى عبد الله وأبى الحسن (عليهما السلام)، وكانا ثقتين له كتاب (فضل الدعاء) (1). 143 - سليمان بن الجعفري: روى عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أبو أيوب المدني (2). 144 - سليمان بن حفص: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن اسماعيل (3). 145 - سليمان بن حفص: المروزي روى عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (4). 146 - سليمان بن داود: الخفاف: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 147 - سليمان بن رشيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6) روى عن أبيه وروى عنه محمد بن عيسى (7). 148 - السندي بن الربيع: الكوفي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) النجاشي. (2) معجم رجال الحديث 8 / 242. (3) معجم رجال الحديث 8 / 244. (4) معجم رجال الحديث 8 / 262. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (7) معجم رجال الحديث. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 132 ]
149 - سوادة القطان: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) وروى عنه الحسن بن علي ابن فضال (1). 150 - سهل بن الاشعري: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) وروى عنه ابنه محمد (2). 151 - سهل بن اليسع: ابن عبد الله بن سعد الاشعري، القمي، ثقة روى عن الامام موسى والامام الرضا (عليهما السلام) (3). (ش) 152 - شعيب بن حماد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) وعده البرقى من اصحاب الكاظم (عليه السلام) (5). (ص) 135 - صالح بن عبد الله: الخثعمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6) وكذلك عده البرقي. 154 - صالح بن علي: ابن عطية، البغدادي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7) وعده البرقى من أصحاب الامام الكاظم (عليه السلام). (1) معجم رجال الحديث. (2) معجم رجال الحديث 8 / 333. (3) معجم رجال الحديث. (4) رجال الطوسي. (5) رجال البرقي. (6) رجال الطوسي. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 133 ]
155 - صالح الخباز: الكوفي، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 156 - صباح بن نصر: الهندي: له مسائل الامام الرضا (عليه السلام) (2). 157 - صدقة الخراساني: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 158 - صفوان بن يحيى: أبو محمد البجلي، بياع السابري، كوفي، ثقة، ثقة، روى أبوه عن الامام أبى عبد الله الصادق (عليه السلام)، وروى هو عن الامام الرضا (عليه السلام)، وكانت له عنده منزلة شريفة ذكره الكشي في رجال الامام أبي الحسن موسى (عليه السلام). وقد توكل للامام الرضا والامام أبى جعفر الجواد (عليهما السلام)، وسلم مذهبه من الوقف، وكان على جانب عظيم من الزهد والعبادة، وقد بذل له جماعة من الواقفة اموالا كثيرة، فلم يستجب لهم، وكان صديقا حميما لعبد الله بن جندب، وعلي بن النعمان، وروى أنهم تعاقدوا في بيت الله الحرام، انه من مات منهم صلى من بقي صلاته، وصام عنه صيامه، وزكى عنه زكاته، فماتا وبقى صفوان، فكان يصلى في كل يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة اشهر، ويزكي زكاته ثلاث دفعات وكل ما يتبرع به عن نفسه مما عدا ما ذكرناه تبرع عنهما مثله. ومن شدة تحرجه وتقواه ان انسانا كلفه حمل دينارين إلى أهله في الكوفة، فقال له: إن جمالي مكراة، وأنا استأذن الاجراء، وكان على جانب كبير من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه احد من طبقته. وقد صنف ثلاثين كتابا لم يعرف منها إلا ما يلى: 1 - كتاب الوضوء. 2 - كتاب الصلاة. (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث. (3) رجال الطوسى. (*)
[ 134 ]
3 - كتاب الصوم. 4 - كتاب الحج. 5 - كتاب الزكاة. 6 - كتاب النكاح. 7 - كتاب الطلاق. 8 - كتاب الفرائض. 9 - كتاب الوصايا. 10 - كتاب الشراء والبيع. 11 - كتاب العتق والتدبير. 12 - كتاب البشارات. 13 - كتاب النوادر. وقد ذكرت عنه احاديث مشرقة في التقوى كما نقلت عن أئمة الهدى احاديث في مدحه والثناء عليه... انتقل إلى رحمة الله تعالى سنة (210 ه) (1). (ط) 159 - طاهر بن حاتم: ابن ما هوية القزويني، أخو فارس بن حاتم كان صحيحا ثم خلط، له كتاب ذكره الحسن بن الحسين (2) قال الشيخ: كان مستقيما ثم تغير، وأظهر القول بالغلو له روايات (3). (ع) 160 - عباد بن محمد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 161 - العباس بن جعفر: ابن محمد، ابن الاشعث روى الصدوق بسنده إلى الحسن بن على الوشاء، (1) معجم رجال الحديث 9 / 128 - 133. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (*)
[ 135 ]
قال: سألني العباس ابن جعفر، أن أسأل الامام الرضا (عليه السلام) أن يحرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يده غيره، فابتدأني (عليه السلام) قبل أن أسأله... اعلم صاحبك اني إذا قرئت كتبه إلى حرقتها (1). 162 - العباس بن محمد: الوراق، يونسي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 163 - العباس بن معروف: ابو الفضل مولى جعفر بن عبد الله الاشعري، قمي، ثقة، له كتاب الآداب، وله نوادر (3). 164 - العباس بن موسى: النخاس، كوفي، ثقة، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 165 - العباس بن هشام: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) وقال النجاشي: إنه من قبيلة بني أسد، وانه ثقة جليل في اصحابنا، كثير الرواية، كسر اسمه فقيل عبيس له كتب منها كتاب الحج، وكتاب الصلاة، وكتاب المثالب سماه كتاب خالات فلان وفلان، وكتاب جامع الحلال والحرام، وكتاب الغيبة، وكتاب نوادر، والرواة كثيرة عنه في هذه الكتب. توفي رحمه الله سنة (220 ه) (6) 166 - العباس مولى الامام الرضا: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن على (7). (1) عيون أخبار الرضا. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال النجاشي. (7) معجم رجال الحديث. (*)
[ 136 ]
167 - عباس النجاشي: كوفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 168 - عبد الجبار بن المبارك: النهاوندي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) كما عده من اصحاب الامام الجواد (عليه السلام) (2). 169 - عبد الحميد بن سعيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) كما عده من أصحاب الامام الكاظم (عليه السلام) (3). 170 - عبد الرحمن بن أبى نجران: مولى كوفي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى أبوه نجران عن الامام أبى عبد الله (عليه السلام)، وكان عبد الرحمن ثقة، ثقة، معتمدا على ما يرويه، له كتب كثيرة، قال أبو العباس: لم ار منها إلا كتابه في البيع والشراء (4). 171 - عبد السلام بن صالح: الهروي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، ثقة صحيح الحديث له كتاب " وفاة الرضا (عليه السلام) " (5) روى الصدوق عن محمد بن عبد الله بن طاهر، قال: كنت واقفا على رأس أبى، وعنده أبو الصلت الهروي، واسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبو الصلت الهروي: حدثني على بن موسى الرضا (عليه السلام) - وكان والله رضى كما سمي - عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: رسول الله (ص): الايمان قول وعمل، فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الاسناد ؟ فقال له أبى: هذا سعوط المجانين إذا سعط (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) النجاشي. (5) النجاشي. (*)
[ 137 ]
به المجنون أفاق (1). 172 - عبد العزيز بن مسلم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) وهو الذى روى عنه رواية مبسوطة في بيان مقام الامام (عليه السلام)، وان منزلة الامامة منزلة الانبياء، وانها خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله) ومقام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) وفيها الاستدلال بالآيات على انحصار الامامة في المعصومين (عليهم السلام) (3). 173 - عبد العزيز بن المهتدي: الاشعري، القمي، ثقة، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (4) قال في حقه الفضل بن شاذان: ما رأيت قميا يشبهه في زمانه، وقال ايضا في حقه: كان خير قمي فيمن رأيته، وكان وكيل الرضا (عليه السلام) (5) كما كان للامام الجواد (عليه السلام)، وقد دفع إليه أموالا من الحقوق فتسلمها وكتب إليه بعد البسملة " وقد عرفت الوجوه التى صارت إليك منها غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم " (6). 174 - عبد الله بن ابان: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7) روى عنه الامام الرضا وروى عنه علي بن اسماعيل الدغشني (8). 175 - عبد الله بن ابراهيم: الانصاري، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (9). (1) معجم رجال الحديث 10 / 20. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 10 / 38. (4) معجم رجال الحديث. (5) النجاشي. (6) الغيبة للطوسي. (7) رجال الطوسي. (8) معجم رجال الحديث 10 / 81. (1) رجال الطوسي. (*)
[ 138 ]
176 - عبد الله بن أيوب: الجزيني، أبو محمد، كان منقطعا إلى الامام الرضا (عليه السلام)، وكان فاضلا شاعرا أديبا، وقد رثا الامام الرضا (عليه السلام) وقال يخاطب ولده الامام الجواد: يا بن الوصي وصي أكرم مرسل * اعني النبي الصادق المصدوقا لا يسبقني في شفاعتكم غدا * أحد فلست بحبكم مسبوقا ويا بن الثمانية الائمة غربوا * وأبا الثلاثة شرقو تشريقا ان المشارق والمغارب أنتم * جاء الكتاب بذلكم تصديقا (1) 177 - عبد الله بن جندب: هو العالم العابد الزاهد، عده الشيخ من اصحاب الامام الصادق تارة، ومن اصحاب الامام الكاظم (عليه السلام) أخرى، وثالثة من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وهو أحد وكلاء الامام الكاظم والامام الرضا (عليهما السلام)، وقد قال للامام الكاظم (عليه السلام) الست عني راضيا، قال (عليه السلام): أي والله، ورسول الله عنك راض. وروى يونس بن عبد الرحمن قال: رأيت عبد الله بن جندب وقد أفاض من عرفات، وكان عبد الله أحد المجتهدين، قال يونس: فقلت له: قد رأى الله اجتهادك منذ اليوم، فقال عبد الله: والله الذى لا إله الا هو لقد وقفت موقفي هذا، وافضت ما سمعني الله دعوت لنفسي بحرف واحد لاني سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الداعي لاخيه المؤمن بظهر الغيب ينادى من اعنان السماء لك بكل واحدة مائة الف فكرهت أن ادع مائة الف مضمونة لواحدة لا ادري أجاب إليها أم لا ؟ وروى الحسن بن علي بن يقطين، وكان سئ الرأي في يونس، قال: قيل لابي الحسن (عليه السلام) وأنا اسمع ان يونس مولى آل يقطين يزعم ان مولاكم والمتمسك بطاعتكم عبد الله بن جندب يعبد الله على سبعين حرفا. ويقول إنه شاك، فقال (عيه السلام): هو والله أولى بأن يعبد الله على حرف، ما له ولعبد الله بن جندب إن عبد الله بن جندب لمن المخبتين (2). (1) معجم رجال الحديث وحياة الامام محمد الجواد (ع). (2) الكشي. (*)
[ 139 ]
178 - عبد الله بن الحارث: وهو ممن روى النص من الامام الكاظم (عليه السلام) على إمامة ولده الامام الرضا (عليه السلام) (1). 179 - عبد الله بن الصلت: أبو طالب القمي، مولى بني تيم، ثقة مسكون إلى روايته روى عن الامام الرضا (عليه السلام) يعرف له كتاب التفسير (2) وعده البرقي من اصحاب الامام الرضا ومن اصحاب الامام الجواد (عليهما السلام) (3). وقد كتب إلى الامام الجواد (عليه السلام) أن يأذن له أن يندب أباه، فكتب (عليه السلام) له أن اندبنى، واندب أبي (4) وكتب إلى الامام الجواد (عليه السلام) بأبيات شعر، وذكر فيها أباه الامام الرضا، وسأله أن يأذن له ليقول فيه الشعر فقطع الشعر وحبسه، وكتب في صدر ما بقى من القرطاس قد احسنت. فجزاك الله خيرا (5). 180 - عبد الله بن طاووس: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف أنه عاش مائة سنة (6). 181 - عبد الله بن علي: ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له نسخة رواها (7). 182 - عبد الله بن المبارك: النهاوندي، من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) معجم رجال الحديث نقلا عن الارشاد للشيخ المفيد. (2) النجاشي. (3) رجال البرقي. (4) الكشي. (5) الكشي. (6) رجال الطوسي. (7) النجاشي. (8) معجم رجال الحديث 10 / 35. (*)
[ 140 ]
183 - عبد الله بن محمد: الاسدي، الحجال مولى بنى تميم ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (1). وكذلك عده البرقي (2) قال النجاشي: انه ثقة، ثقة ثبت له كتاب يرويه عدة من اصحابنا. 184 - عبد الله بن محمد: ابن حصين الحضيني الاهوازي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) ثقة، ثقة له كتاب يرويه عدة من اصحابنا، اما اسم ذلك الكتاب فهو " المسائل للرضا (عليه السلام) " (3). 185 - عبد الله بن محمد: ابن علي بن العباس التميمي الرازي له نسخة عن الامام الرضا (عليه السلام) (4). 186 - عبد الله بن المغيرة: مولى بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب خزاز كوفي عده الشيخ بهذا العنوان من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) وروى الكشي قال: وحدث بخط أبى عبد الله الشاذاني قال العبيدي: محمد بن عيسى حدثني الحسن بن علي بن فضال قال: قال عبد الله بن المغيرة كنت واقفا فحججت على تلك الحالة، فلما صرت بمكة خلج في صدري شئ فتعلقت بالملتزم، فقلت: اللهم قد علمت طلبتي وارادتي، فارشدني إلى خير الاديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام)، فاتيت المدينة فوقفت ببابه فقلت للغلام: قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت نداءه ادخل يا عبد الله بن المغيرة فدخلت فلما نظر إلى قال: قد اجاب الله دعوتك وهداك لدينه، فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه (6). (1) رجال الطوسي. (2) رجال البرقي. (3) النجاشي. (4) معجم رجال الحديث. (5) رجال الطوسي. (6) الكشي. (*)
[ 141 ]
وروى سهل بن زياد الآدمي قال: لما صنف عبد الله بن المغيرة كتابه وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من زوايا مسجد الكوفة، وكان له أخ مخالف، فلما حضروا لاستماع الكتاب جاء أخوه، وجلس فقال عبد الله لهم: انصرفوا اليوم، فقال له أخوه: اين ينصرفون ؟ فاني جئت لما جاؤوا، فقال: لم جاؤوا ؟ قال يا أخي رأيت فيما يرى النائم ان الملائكة تنزل من السماء فقلت: لماذا ينزلون ؟ فقد قال: ينزلون ليستمعوا الكتاب الذى يخرجه عبد الله بن المغيرة، فأنا ايضا جئت لهذا، وأنا تائب إلى الله، فسر عبد الله بذلك (1). 187 - عبد الوهاب: المعروف بأبى كثير، النهاوندي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 188 - عبيد النصري: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 189 - عبيد الله: ابن أبى عبد الله روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه السياري (4). 190 - عبيد الله بن اسحاق المدائني روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه عمرو بن عثمان (5). 191 - عبيد الله بن عبد الله: الدهقان روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) وروى عنه على بن الريان (6). (1) معجم رجال الحديث 10 / 354. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الوطوسي. (5) معجم رجال الحديث 11 / 72. (6) معجم رجال الحديث 11 / 82. (*)
[ 142 ]
192 - عبيد الله بن علي: ابن عبيد الله عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 193 - عثمان بن راشد: من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) روى عن معروف بن خربوذ وروى عنه على بن حديد (2). 194 - عثمان بن عيسى: أبو عمرو، العامري، الكلابي، شيخ الواقفة ووجهها، وأحد الوكلاء المستبدين باموال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) وذكر نصر بن الصباح قال: كان له - يعني للامام الرضا (عليه السلام) - في يده مال فمنعه، فسخط عليه، وقال: ثم تاب وبعث إليه بالمال وكان يروى عن ابن حمزة، وقد رأى في المنام انه يموت ب (الحائر الحسيني) فترك منزله بالكوفة، وأقام ب (الحائر) حتى مات، ودفن هناك. وصنف كتبا منها، كتاب المياه. وقد عده ابن شهر اشوب من ثقات الامام الكاظم (عليه السلام)، وقال الامام الخوئي: لا ينبغي الشك في أن عثمان بن عيسى كان منحرفا عن الحق، ومعارضا للرضا (عليه السلام)، وهو غير معترف بإمامته، وقد استحل اموال الامام (عليه السلام)، ولم يدفعها إليه، وأما توبته ورده الاموال بعد ذلك فلم يثبت فانها رواية نصر بن الصباح وهو ليس بشئ (3). 195 - عطية بن رستم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (4). 196 - عقبة بن رستم: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث 11 / 116. (3) معجم رجال الحديث 11 / 126. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (*)
[ 143 ]
197 - علي بن أبي ثور: كوفي، عده الشيخ من اصصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 198 - علي بن أحمد: ابن اشيم عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 199 - علي بن ادريس: صاحب الامام الرضا (عليه السلام)، ذكره الصدوق في (المشيخة) روى عن الامام الرضا وروى عنه محمد بن سهل (3). 200 - علي بن اسباط: ابن سالم بياع الزطي (4) أبو الحسن المقري، كوفي ثقة، كان فطحيا، وجرت بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك، فرجع على عن فكرته وقال بامامة الامام الجواد (عليه السلام)، وكان من أوثق الناس وأصدقهم لهجة له كتاب الدلائل (5). 201 - على بن جعفر: ابن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، أبو الحسن جليل القدر وثيق الايمان، وهو أحد رواة النص على امامة الامام الكاظم (عليه السلام) كما كان من ثقاته، ونقل الرواة بوادر من ايمانه وتحرجه في الدين، وهذه بعضها: 1 - حدث علي بن حعفر، فقال: قال لى رجل احسبه من الواقفية: " ما أخوك أبو الحسن - يعنى الامام موسى (عليه السلام) - ". فاجابه: " قد مات ". " ما يدريك بذلك ؟ ". فاجابه بمنطق الفصل: (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 11 / 276. (4) الزطي: نوع من السودان والهنود، مجمع البحرين. (5) النجاشي. (*)
[ 144 ]
" إقتسمت أمواله، وأنكحت نساؤه، ونطق الناطق من بعده، - أي قام الامام من بعده - ". " من الناطق من بعده ؟ ". " أبو جعفر ابنه ". وانبرى الرجل قائلا: " وأنت في سنك، وقدرك، وأبوك جعفر بن محمد تقول: هذا القول في هذا الغلام ؟ ! ! ". واجابه بواقع الايمان قائلا: " ما أراك إلا شيطانا، ثم أخذ بكريمته فرفعها إلى السماء، وقال: ما حيلتى ان كان الله رآه أهلا لهذا - أي للامامة - ولم تكن هذه الشيبة أهلا لها ". ان. الامامة بيد الله تعالى، فهو الذى يختار لها من أزكياء عباده، ولا عبرة بتقدم السن وغيره. 2 - روى أبو جعفر عبد الله الحسين بن الامام موسى (عليه السلام) قال: كنت عند الامام أبى جعفر - يعني الامام الجواد (عليه السلام) - بالمدينة وعنده على بن جعفر وأعرابي من أهل المدينة جالس، فقال لي الاعرابي: " من هذا الفتى - وأشار إلى الامام الجواد - ". فقلت له: هذا وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". وبهر الاعرابي وقال: " يا سبحان الله ! رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مات منذ مائتي سنة كذا وكذا سنة... وهذا حدث، كيف يكون وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ ". واوضح له الحسين الامر قائلا: " هذا وصى علي بن موسى، وعلى وصى موسى بن جعفر، وموسى وصى جعفر بن محمد، وجعفر وصى محمد بن على، ومحمد وصي على بن الحسين وعلي وصي الحسين، والحسين وصي الحسن، والحسن وصي امير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن أبى طالب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". وعرف الاعرابي وصية الامام الجواد (عليه السلام) للنبى (ص) وكان الامام
[ 145 ]
قد بعث إلى طبيب لفصده، فقال علي بن جعفر، فقال: " يا سيدى يبدأ بي لتكون حدة الحديد في قبلك ". وانبرى الحسين فخاطب الاعربي قائلا: " هذا عم أبيه ". ولما فرغ الطبيب من عمليته أراد الامام ان يخرج، فأسرع علي بن جعفر فسوى له نعليه حتى يلبسهما ". ودل ذلك على عميق ايمانه ومعرفته بالامام وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى. 3 - روى محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر جالسا بالمدنية، وكنت أقمت عنده سنتين اكتب عنه ما يسمع من أخيه - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -: إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) المسجد اي مسجد النبي (ص) فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له الامام (عليه السلام). " يا عم اجلس رحمك الله ". فرد عليه علي بادب وخضوع قائلا: " يا سيدي كيف اجلس، وأنت قائم ؟ ". ولما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه على تعظيمه للامام (عليه السلام) قائلين: " أنت عم أبيه، وأنت تفعل هذا الفعل ؟ ". ولم يفهموا حقيقة الامامية، وان الله تعالى قد منحها للامام الجواد فأجابهم علي قائلا: " اسكتوا إذا كان الله عزوجل - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، وأهل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، وكيف أنكر فضله ؟ نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد " (1). (1) الكشبى. (*)
[ 146 ]
202 - علي بن حديد: ابن حكيم، المدائني، الازدي، الساباطي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1)، وعده البرقي من اصحاب الامام الرضا والجواد (عليهما السلام) وروى الكشي بسنده عن أبى علي بن راشد عن أبى جعفر (عليه السلام) قال: أبو على للامام: جعلت فداك قد اختلف اصحابنا فأصلي خلف اصحاب هشام بن الحكم ؟ قال (عليه السلام): عليك بعلي بن حديد، قلت: فآخذ بقوله ؟ قال: نعم، فلقيت علي بن حديد فقلت: نصلى خلف اصحاب هشام بن الحكم ؟ قال: لا. وفي هذه الرواية - ان صحت - دلالة على توثيق الرجل، ومدحه. 203 - على بن الحسن: ابن رباط، البجلي، الكوفي ثقة، معول عليه، من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، له كتاب الصلاة (2). 204 - علي بن الحسين: ابن يحيى: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 205 - علي بن سعيد: المدائني، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 206 - علي بن سويد: السائي (5) عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه ثقة (6) وروى الكشي أنه كتب إلى الامام الكاظم رسالة حينما كان في السجن يسأله فيها عن حاله، وعن جواب مسائل كتبها إليه، فاجابه برسالة جاء في بعض فصولها بعد البسملة " الحمد الله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، (1) رجال الطوسي. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسى. (5) السائي: ينسب إلى قرية قريبة من المدينة يقال لها الساية. (6) رجال الطوسي. (*)
[ 147 ]
وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ابتغى إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة، والاديان الشتى، فمصيب ومخطئ، وضال ومهتدي، وسميع وأصم، وبصير وأعمى، وحيران فالحمد لله الذى عرف وصف دينه بمحمد (صلى الله عليه وآله)، أما بعد: فانك امرؤ انزلك الله من آل محمد (ص) بمنزلة خاصة مودة بما الهمك من رشدك، وبصرك في أمر دينك بفضلهم، ورد الامور إليهم والرضى بما قالوا... ". وجاء في جانب آخر من هذه الرسالة. ادع إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته، ولا تحصر حصرنا، ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا أن نسب الينا: " هذا باطل " وإن كنت تعرف خلافه فانك لا تدري لم قلناه ؟ وعلى أي وجه وصفناه، آمن بما أخبرتك ولا تفش ما استكمتك، اخبرك أن من أوجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا ينفعه لا من دنياه ولا من آخرته " (1). وفي هذه الرسالة جوانب مهمة، وقد دلت على سمو مكانة على، وعظيم منزلته عند الامام (عليه السلام). 207 - علي بن سيف: ابن عميرة النخعي، الكوفي، مولى، ثقة، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب كبير (2). 208 - علي بن صاعد: البربري، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه ابنه الحسين (3). 209 - علي بن عبد الله: ابن عمران: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه سعد بن السندي (4). 210 - علي بن عبيد الله: ابن الحسين، بن علي بن الحسين (عليه السلام)، أبو الحسن، كان أزهد آل (1) الكشي. (2) النجاشي. (3) معجم رجال الحديث 12 / 66. (4) معجم رجال الحديث 12 / 87. (*)
[ 148 ]
أبي طالب، وأعبدهم في زمانه، وأختص بالامام موسى وبالامام الرضا (عليهما السلام) واختلط بالامامية، ولما أراد محمد بن ابراهيم طباطبا ان يبايع له أبو السرايا بعده أبى عليه، ورد الامر إلى محمد بن زيد... له كتاب الحج يرويه كله عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) (1). وروى الكشي قال: قرأت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار بخطه: حدثني محمد بن يحيى العطار، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سليمان بن جعفر، قال: قال لي علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (عليه السلام) اشتهي ان ادخل على أبي الحسن الرضا أسلم عليه، قلت: فما يمنعك عن ذلك ؟ قال: الاجلال والهيبة له، واتقي عليه، قال: فاعتل أبو الحسن (عليه السلام) علة خفيفة، وقد عاده الناس، فلقيت على بن عبيد الله فقلت: قد جاءك ما تريد، قد اعتل أبو الحسن (عليه السلام) علة خفيفة وقد عاده الناس، فان اردت الدخول عليه فاليوم، قال: فجاء إلى أبي الحسن (عليه السلام) عائدا، فلقيه أبو الحسن (عليه السلام) بكل ما يحب من المكرمة والتعظيم، ففرح بذلك علي بن عبيد الله فرحا شديدا، ثم مرض علي بن عبيد الله فعاده أبو الحسن (عليه السلام)، وأنا معه، فجلس حتى خرج من كان في البيت، فلما خرجنا أخبرتني مولاة لنا ان أم سلمة امرأة علي بن عبيد الله كانت وراء الستر تنظر إليه، فلما خرج خرجت، وانكبت على الموضع الذى كان أبو الحسن (عليه السلام) فيه جالسا تقبله، وتتمسح به. قال سليمان: ثم دخلت على علي بن عبيد الله فأخبرني بما فعلت أم سلمة، فخبرت أبا الحسن (عليه السلام)، فقال: يا سليمان إن على بن عبيد الله وامرأته وولده من أهل الجنة، يا سليمان إن ولد علي وفاطمة إذا عرفهم الله هذا الامر - يعني الامامة - لم يكونوا كالناس (2). 211 - علي بن عثمان: ابن رزين عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). (1) النجاشي. (2) الكشي. (3) رجال الطوسي. (*)
[ 149 ]
212 - علي بن علي: ابن رزين الخزاعي، أخو دعبل، له كتاب كبير عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى اسماعيل بن علي عن أبيه علي قال: حدثني أبي سنة اثنتين وسبعين ومائتين، قال: حدثنا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ب (طوس) سنة (189 ه) وكنا قصدناه على طريق (البصرة)، ودخلناها فصادفنا بها عبد الرحمن بن مهدي عليلا فأقمنا أياما، ومات عبد الرحمن، وحضرنا جنازته والصلاة عليه، ودخلنا على الرضا (عليه السلام) أنا وأخي دعبل فأقمنا عنده إلى آخر سنة (200 ه) وخرجنا إلى (قم) بعد أن خلع الرضا على أخي دعبل، قميص خز أخضر، وأعطاه خاتم فصه عقيق، ودفع إليه دراهم رضوية، وقال له: يا دعبل مر على (قم) فانك ستفيد بها، وقال له: احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه الف ليلة الف ركعة، وختمت فيه القرآن الف ختمة. قال اسماعيل: ولد أبى سنة (172 ه) وتوفى سنة (283 ه) فكان عمره (111) سنة، وولد عمي دعبل سنة (148 ه) في خلافة المنصور ورأي الامام موسى (عليه السلام)، ولقى الامام الرضا (عليه السلام) وتوفى سنة (245 ه) أيام المتوكل (1). 213 - على بن الفضل: الواسطي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وعده البرقى من اصحاب الامام الكاظم (عليه السلام)، ووصفه الصدوق بصاحب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 214 - علي بن مهدي: ابن صدقة الرقى، أبو الحسن، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3) روى عنه، قال النجاشي: له كتاب عن الرضا (عليه السلام) (4). (1) الكشي. (2) معجم رجال الحديث 12 / 125. (3) رجال الطوسي. (4) النجاشي. (*)
[ 150 ]
215 - على بن مهزيار: الاهوازي، أبو الحسن، دورقي الاصل، من عيون العلماء، ومن كبار الفقهاء، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، والامام أبى جعفر الجواد (عليه السلام)، واختص به، وتوكل له، وكذلك اختص وتوكل للامام الهادي (عليه السلام)، وكان من المتقين العباد ويقول الرواة: انه إذا طلعت الشمس سجد، ولا يرفع رأسه حتى يدعو لالف من أخوانه بمثل ما دعا لنفسه، وكان على جبهنه سجادة مثل ركبة البعير. رسائل الامام الجواد إليه: وبعث الامام أبو جعفر الجواد إليه بعدة رسائل فيها ثناء واكبار وتقدير له، ومن بينها ما يلى: 1 - بعث الامام الجواد هذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة " يا على احسن الله جزاك، واسكنك جنته، ومنعك من الخزى في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا، يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير، والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: إني لم ار مثلك لرجوت أن اكون صادقا فجزاك الله جنات الفرودس نزلا، وما خفى علي متاعك ولا خدمتك في الحر والبرد، والليل والنهار، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها انه سميع الدعاء " (1). وفي هذه الرسالة ثناء عاطر، واشادة بمقام هذا العالم الصالح الذى بلغ القمة في تقواه وصلاحه وولائه لائمة الهدى (عليهم السلام). 2 - ومن بين الرسائل التي بعثها الامام إليه هذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة: " اسأل الله أن يحفظك من بين يديك ومن خلفك، وفي كل حالاتك وابشر فاني أرجو أن يدفع الله عنك، واسأل الله أن يجعل لك الخيرة فيما عزم لك من الشخوص في يوم الاحد، فأخر ذلك إلى يوم الاثنين ان شاء الله، صحبك الله في سفرك، وخلفك في أهلك، وادى عنك أمانتك، وسلمت بقدرته الخ... " (2). 3 - وبعث الامام الجواد (عليه السلام) هذه الرسالة، وجاء فيها بعد البسملة: (1) الغيبة. (2) الكشي. (*)
[ 151 ]
" وصل إلى كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وقد ملاتني سرورا فسرك الله، وأنا ارجو من الكافي الدافع أن يكفيك كيد كل كائد إن شاء الله تعالى " (1). هذه بعض الرسائل التي بعثها الامام الجواد (عليه السلام) إليه وهي تكشف عن سمو مكانة علي بن مهزيار وجلالة شأنه وما له من الاهمية البالغة في نفس الامام (عليه السلام). مؤلفاته: والف علي بن مهزيار مجموعة من الكتب كان معظمها في الفقه الاسلامي ومن بينها ما يلي: 1 - كتاب الوضوء. 2 - كتاب الصلاة. 3 - كتاب الزكاة. 4 - كتاب الصوم. 5 - كتاب الحج. 6 - كتاب الطلاق. 7 - كتاب الحدود. 8 - كتاب الديات. 9 - كتاب التفسير. 10 - كتاب الفضائل. 11 - كتاب العتق والتدبير. 12 - كتاب التجارات والاجارت. 13 - كتاب المكاسب. 14 - كتاب المثالب. 15 - كتاب الدعاء. 16 - كتاب التجمل والمروة 17 - كتاب المزار. (1) الكشي. (*)
[ 152 ]
18 - كتاب الرد على الغلاة. 19 - كتاب الوصايا. 20 - كتاب المواريث. 21 - كتاب الخمس. 22 - كتاب الشهادات. 23 - كتاب فضائل المؤمنين وبزهم. 24 - كتاب الملاحم. 25 - كتاب التقية. 26 - كتاب الصيد والذبائح. 27 - كتاب الزهد. 28 - كتاب الاشربة. 29 - كتاب النذور والايمان والكفارات. 30 - كتاب الحروف. 31 - كتاب القائم. 32 - كتاب البشارات. 33 - كتاب الانبياء. 34 - كتاب النوادر (1). هذه بعض مؤلفاته وهي تحكي عن قدراته العلمية، وما يتمتع به من الفضل. 216 - على بن يحيى: يكنى أبا الحسين: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 217 - علي بن يونس: ابن بهمن: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3): 218 - عمار بن يزيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) يروى عنه الحسن (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (*)
[ 153 ]
والحسين ابنا سعيد (1). 219 - عمر بن زهير: الجزري: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 220 - عمر بن فرات: الكاتب، البغدادي عده الشبخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف انه فعال (3) وفي بعض المصادر أنه كان بوابا للامام. 221 - عمرو بن سعيد: المدائني، ثقة، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب يرويه جماعة (4). 222 - عيسى بن عثمان: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (5). 223 - عيسى بن عيسى: الكلامي، مولي لبنى عامر، كوفي، واقفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 224 - عبيس بن عثمان: عده الشيخ من اصحاب الامام، وأضاف أنه مجهول (7). (ف) 225 - فضالة بن أيوب: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف أنه عربي (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) النجاشي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 154 ]
ازدى (1) قال النجاشي: انه روى عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وكان ثقة في حديثه، مستقيما في دينه له كتاب الصلاة (2). 226 - الفضل بن سنان: النيسابوري: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، واضاف أنه وكيل للامام (3). 227 - الفضل بن سهل: ذو الرياستين، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) وهو من الد اعداء الامام الرضا (عليه السلام)، وهو وأخوه قد اغريا المأمون على قتل الامام (عليه السلام) (5) وفي الفضل وفي أخيه الحسن يقول الشاعر: تقول حليلتي لما رأتنى * أشد مطيتي من بعد حل ابعد الفضل ترتحل المطايا * فقلت نعم إلى الحسن بن سهل (ق) 228 - القاسم بن اسباط: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (6). 229 - القاسم بن الفضيل: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه ابن أبى عمير (7). 230 - القاسم بن يحيى: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8) وله كتاب في آداب الامام امير المؤمنين (عليه السلام). (1) رجال الطوسى. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسى. (4) رجال الطوسى. (5) معجم رجال الحديث 13 / 312. (6) رجال الطوسى. (7) معجم رجال الحديث 14 / 38. (8) رجال الطوسى. (*)
[ 155 ]
(م) 231 - محسن بن أحمد: القيسي، من موالي قيس غيلان، من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (1). 232 - محمد بن أبي جرير: القمي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن علي الجعفي (2). 233 - محمد بن أبى عباد: كان مشتهرا بسماع الغناء، وشرب النبيذ، سأل الامام الرضا (عليه السلام) عن السماع، فقال (عليه السلام): لاهل الحجاز رأى فيه، وهو في حيز الباطل واللهو، أما سمعت الله تعالى يقول: " وإذا مروا باللغو مروا كراما " (3). 234 - محمد بن أبي عمير: أبو أحمد الازدي من موالي المهلب بن أبي صفرة، بغدادي الاصل والمقام، لقي الامام أبا الحسن موسى (عليه السلام)، وسمع منه أحاديث كناه الامام في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الامام الرضا (عليه السلام) كان جليل القدر، عظيم المنزلة عند الشيعة وابناء السنة، ونقل عنه الجاحظ في (البيان والتبين)، قال عنه: " وكان وجها من وجوه الرافضة "، وكان حبس في أيام الرشيد، فقيل ليلى القضاء، وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة، واصحاب الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) (4) وروى الكشي يسنده عن الفضل بن شاذان، قال: دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه، ويقول: له أنت رجل عليك عيال، وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك، فلما اكثر عليه قال له: اكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد في السجود لذهبت عين ابن ابي عمير، ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا بعد زوال الشمس. (1) النجاشي والطوسي. (2) معجم رجال الحديث 14 / 248. (3) معجم رجال الحديث 14 / 283. (4) النجاشي. (*)
[ 156 ]
وروى الفضل قال: أخذ يوما شيخي بيدي، وذهب بي إلى ابن أبى عمير فصعدنا إليه في غرفة، وحوله مشايخ له يعظمونه ويبجلونه، فقلت: من هذا ؟ قال ابي: هذا ابن ابي عمير، قلت: الرجل الصالح العابد ؟ قال: نعم. وروى الفضل قال: ضرب ابن أبي عمير ماءة خشبة، وعشرين خشبة بأمر هارون تولى ضربة السندي بن هاشك على التشيع، وحبس، فأدى مائة واحدى وعشرين الفا حتى خلي عنه، فقلت: كان متمولا ؟ قال نعم: كان رب خمسمائة الف درهم (1). والف مجموعة كثيرة من الكتب ذكر ابن بطة ان له اربعة وتسعين كتابا، منها كتاب النوادر، كبير حسن، وكتاب الاستطاعة والافعال والرد على أهل القدر والجبر، وكتاب الامامة، وكتاب البداء، وكتاب المتعة، ومسائله للامام الرضا (عليه السلام) وغير ذلك (2). رحم الله محمد ابن أبى عمير، فقد كان من وجوه الشيعة، ومن اعلامهم، والمجاهدين عنهم. 235 - محمد بن أحمد: ابن غيلان كوفي، مولى له كتاب، ثقة عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 236 - محمد بن اسحاق: ابن عمار الصيرفي، الكوفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) وروى الكليني بسنده عن محمد بن اسحاق قال: قلت: لابي الحسن الاول - وهو الامام الكاظم (عليه السلام) - ألا تدلني إلى من آخذ عنه ديني ؟ فقال (عليه السلام): هذا ابني على، إن أبي أخذ بيدي فادخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا بنى ان الله عزوجل إذا قال قولا وفى به (5) وعده (1) الكشي. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) اصول الكافي الجزء الاول باب النص على الائمة. (*)
[ 157 ]
الشيخ المفيد من خاصة الامام الكاظم (عليه السلام) ومن ثقاته ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته (1). 237 - محمد بن اسحاق: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) وروى الكشي بسنده عن يزيد بن اسحاق اخي محمد وكان من ارفع الناس لهذا الامر قال: خاصمني مرة أخي أحمد، وكان مستويا - اي مؤمنا - فلما طال الكلام بيني وبينه، قلت له: إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول: فأسأله أن يدعو الله لي حتى أرجع إلى قولكم، قال: قال لي محمد: فدخلت على الرضا (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك ان لي أخا وهو أسن مني، وهو يقول: بحياة أبيك، وأنا كثيرا ما أنا ظره، فقال لي يوما: سل صاحبك إن كان بالمنزل الذى ذكرت أن يدعو الله لي حتى أصير إلى قولكم فاني أحب أن تدعو الله له، قال: فالتفت أبو الحسن (عليه السلام) نحو القبلة، فذكر ما شاء الله ان يذكر، ثم قال: اللهم خذ بسمعه وبصره، ومجامع قلبه حتى ترده إلى الحق، وكان يقول هذا وهو رافع يده اليمنى، قال: فلما قدم اخبرني بما كان فوالله ما لبثت إلا يسيرا حتى قلت له بالحق (3). 238 - محمد بن أسلم: الطبري، الجبلي، اصله من الكوفة، كان يتجر إلى (طبرستان)، يقال: كان غاليا فاسد الحديث، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) (4). 239 - محمد بن أسلم: الطوسي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) وهو من رواة الحديث المعروف بالسلسلة الذهبية. 240 - محمد بن اسماعيل: ابن بزيع، مولى أبي جعفر المنصور، كان من صالحي الشيعة، وثقاتهم (6) قال (1) الارشاد. (2) رجال الطوسي. (3) الكشي. (4) النجاشي. (5) رجال الطوسي. (6) النجاشي. (*)
[ 158 ]
له الامام الرضا (عليه السلام): " إن لله تعالى بابواب الظالمين، من نور الله البرهان، ومكن له في البلاد، ليدفع بهم اوليائه، ويصلح الله به أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمن من الضر، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظلمة، اولئك امناء الله في أرضه، اولئك نور في رغبتهم يوم القيامة، ويزهر نورهم لاهل السموات كما تزهر الدرية لاهل الارض، اولئك من نورهم يوم القيامة، تضئ منهم القيامة، خلقوا والله للجنة، وخلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله... ". فانبرى محمد قائلا: " بماذا جعلني الله فداك ؟ ". قال (عليه السلام): " يكون معهم - أي مع الحكومة الجائرة - فيسرنا بادخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد " (1). وروى الحسين بن خالد الصيرفي قال: كنا عند الامام الرضا (عليه السلام) ونحن جماعة، فذكر محمد بن اسماعيل بن بزيع، فقال الامام (عليه السلام) لاصحابه: " وددت أن فيكم مثله " (2). والف مجموعة من الكتب كان منها (كتاب ثواب الحج) و (كتاب الحج) (3) وقد طلب من الامام الجواد (عليه السلام) أن يأمر له بقميص من ثيابه ليجعله كفنا له، فبعث إليه بقميص، فقال له كيف اصنع ؟ فقال (عليه السلام): انزع أزراره (4). 241 - محمد بن اورمة: أبو جعفر القمي، أتهمه القميون بالغلو، وبعثوا إليه من يقتله، فلما رأوا أنه يصلى كفوا عنه، قال ابن الغضايري: اتهمه القميون بالغلو، وحديثه نقي لا فساد (1) معجم رجال الحديث 10 / 107. (2) معجم رجال الحديث. (3) النجاشي. (4) معجم رجال الحديث. (*)
[ 159 ]
فيه، ولم أر شيئا ينسب إليه تضطرب منه النفس إلا اوراقا في تفسير الباطن، وما يليق بحديثه، واظنها موضوعة عليه ورأيت كتابا باخراج من أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) إلى القميص في براءته مما قذف به (1). عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) الف مجموععة كبيرة من الكتب، وكتبه صحاح إلا كتابا ينسب إليه ترجمته في تفسير الباطن فانه مختلط (3). 242 - محمد بن بحر: أخو مغلس، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 243 - محمد بن جذاعة: الفارسي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 244 - محمد بن جعفر: العنبي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 245 - محمد بن جعفر: المقنائي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). 246 - محمد بن جمهور: قال النجاشي: محمد بن جمهور القمي ضعيف الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه اشياء الله يعلم بها من عظمها، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وله كتب، كتاب الملاحم الكبير، كتاب نوادر الحج، كتاب أدب العلم (8) قال ابن الغضائري: إنه غال، فاسد الحديث، لا يكتب حديثه، رأيت له شعرا، يحلل فيه محرمات الله عزوجل (9). (1) معجم رجال الحديث 15 / 130. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (7) رجال الطوسي. (8) النجاشي. (9) معجم رجال الحديث 16 / 28. (*)
[ 160 ]
247 - محمد بن الحسن: ابن زياد، الميثمي الاسدي، مولاهم، أبو جعفر، ثقة عين، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (1). 248 - محمد بن الحسين: ابن يزيد، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه علي بن اسباط (2). 249 - محمد بن حمزة: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 250 - محمد بن خالد: البرقي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4) كان ضعيفا في الحديث، وكان أديبا، حسن المعرفة بالاخبار، وعلوم العرب، وله كتب منها كتاب التنزيل والتعبير، كتاب يوم وليلة كتاب التفسير، كتاب مكة والمدينة، كتاب حروب الاوس والخزرج كتاب العلل، كتاب في علم الباري، كتاب الخطب (5). 251 - محمد بن الخطيب: الاهوازي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 252 - محمد بن راشد: كان بابا للامام الرضا (عليه السلام) (7). 253 - محمد بن زيد: الرازمي، خادم الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) النجاشي. (6) رجال الطوسي. (7) معجم رجال الحديث 16 / 89. (8) النجاشي. (*)
[ 161 ]
245 - محمد بن زيد: الطبري، الكوفي الاصل، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1) روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه احمد بن المثنى ومروك بن عبيد (2). 255 - محمد بن سالم: القمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 256 - محمد بن سليمان: الديلمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 257 - محمد بن سماعة: الصيرفى، كوفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5) كان ثقة، ووجها من وجوه الشيعة له (كتاب الوضوء) و (كتاب الحيض) و (كتاب الصلاة) و (كتاب الحج) (6). 258 - محمد بن سنان: أبو جعفر الزاهري، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وهو ضعيف جدا لا يعول عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرد به، وروى محمد بن عيسى قال: كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل إذ دخل علينا محمد بن سنان فقال صفوان: إن هذا ابن سنان لقد هم أن يطير غير مرة، فقصصناه حتى ثبت معنا، وهذا يدل على اضطراب كان وزال عنه، وقد صنف كتبا منها: (كتاب الطرائف) و (كتاب الاظلة) و (كتاب المكاسب) و (كتاب الحج) و (كتاب الصيد والذبائح) و (كتاب الشراء والبيع) و (كتاب الوصية) و (كتاب النوادر). توفي سنة (226 ه) (7) وقد وثقه السيد الخوئي، وقال: انه كان من الموالين، (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث 16 / 111. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) النجاشي. (7) النجاشي. (*)
[ 162 ]
وممن يدين الله بموالاة أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) فهو ممدوح، فان ثبت فيه شئ من المخالفة فقد زال، وقد رضي عنه المعصوم سلام الله عليه، ولاجل ذلك عده الشيخ ممدوحا حسن الطريقة (1). 259 - محمد بن سهل: الاشعري، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وعن جماعة، وروى عنه جماعة (2). 260 - محمد بن سهل: البجلي، الرازي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 261 - محمد بن سهل: ابن اليسع الاشعري، القمي روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وعن الامام أبي جعفر الجواد له كتاب (4). 262 - محمد بن صدقة: العنبري، البصري، أبو جعفر، روى عن الامام أبي الحسن موسى، وعن الامام الرضا (عليهما السلام) له كتاب عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) (5). 263 - محمد بن عبد الله الصيقل: الازدي، عده البرقي من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 264 - محمد بن عبد الله: الاشعري، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). (1) معجم رجال الحديث 16 / 177. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسي. (4) النجاشي. (5) النجاشي. (6) رجال البرقي. (7) رجال الطوسي. (*)
[ 163 ]
265 - محمد بن عبد الله: الصيقل: روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (1). 266 - محمد بن عبد الله: ابن عمرو، بن سالم الصفار له نسخة تشبه كتاب الحلبي مبوبة كبيرة، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) (2). 267 - محمد بن عبد الله: ابن عيسى، الاشعري، القمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام). (3) 268 - محمد بن عبد الله: الخراساني، خادم الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه (4). 269 - محمد بن عبد الله: الطاهري، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 270 - محمد بن عبد الله: الطهوري، عده البرقي من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 271 - محمد بن عبد الله: القمي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر (7). 272 - محمد بن عبد الله: المدائني، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) معجم رجال الحديث 16 / 185. (2) النجاشي. (3) رجال الطوسى. (4) معجم رجال الحديث 16 / 283. (5) رجال الطوسي. (6) معجم رجال الحديث. (7) معجم رجال الحديث 16 / 288. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 164 ]
273 - محمد بن عبيد: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه علي بن سيف (1). 274 - محمد بن عبيد الله: الهمداني، روى عن الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (2). 275 - محمد بن عبيد الله: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر (3). 276 - محمد بن عبيدة: روى عن الامام أبي الحسن (عليه السلام)، وروى عنه ابراهيم بن محمد الهمداني (4). 277 - محمد بن عرفة: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 278 - محمد بن علي: ابن جعفر، عده البرقي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 279 - محمد بن علي: ابن الحسين بن زيد بن الحسين (عليه السلام): له نسخة يرويها عن الامام الرضا (عليه السلام) (7). 280 - محمد بن علي: الهمداني، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه ابراهيم بن هاشم وجماعة (8). (1) معجم رجال الحديث 16 / 296. (2) معجم رجال الحديث. (3) معجم رجال الحديث 8 / 298. (4) معجم رجال الحديث 16 / 306. (5) رجال الطوسي. (6) رجال البرقي. (7) النجاشي. (8) معجم رواة الحديث. (*)
[ 165 ]
281 - محمد بن عمار: ابن الاشعث النهدي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 182 - محمد بن عماره: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه سعد بن سعد (4). 283 - محمد بن عمر: ابن يزيد: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن الجهم (3). 284 - محمد بن عمر: ابن يزيد بياع السابري: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 285 - محمد بن عمر: الساباطي روي عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن أبي نصر (5). 286 - محمد بن عمر: الكناسي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 287 - محمد بن عمرو الزيات: ابن سعد روى عن الامام الرضا (عليه السلام) نسخته ثقة (7). 288 - محمد بن عيسى: ابن يقطين، مولى أسد بن خزيمة، أبو جعفر، جليل عند الشيعة ثقة عين، (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث 17 / 67. (3) معجم رجال الحديث 17 / 77. (4) رجال الطوسي. (5) معجم رجال الحديث 17 / 80. (6) رجال الطوسي. (7) النجاشي. (*)
[ 166 ]
كثير الرواية، حسن التصانيف (1) عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) الف مجموعة من الكتب منها: (كتاب الامامة) و (كتاب الواضح المكشوف في الرد على أهل الوقوف) و (كتاب المعرفة) و (كتاب بعد الاسناد) و (كتاب قرب الاسناد) و (كتاب الوصايا) و (كتاب اللؤلؤ) و (كتاب المسائل المحرمة) و (كتاب الضياء) و (كتاب ظرائف) و (كتاب التجمل والمروة) و (كتاب الفئ والخمس) و (كتاب الرجال) و (كتاب الزكاة) و (كتاب ثواب الاعمال) و (كتاب النوادر) (3). 289 - محمد بن عيسى: القمي: روى عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه مروك بن عبيد (4). 290 - محمد بن فرات: الجعفي، كذاب، منحرف عن الحق، كان يكذب على الامام الرضا (عليه السلام)، وقد شكاه إلى يونس، فقال له: يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات، وما يكذب علي ؟ فقال يونس: أبعده الله واشقاه، فقال (عليه السلام): قد فعل الله به ذلك، اذاقه الله حر الحديد، كما اذاق من كان قلبه ممن كذب علينا، يا يونس انما قلت ذلك، لتحذر عنه أصحابي، وتأمرهم بلعنه والبراءة منه، فان الله يبرأ منه (5). وروى علي بن اسماعيل الميثمي عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه قال: آذاني محمد بن الفرات آذاه الله، وأذاقه حر الحديد، آذاني لعنه الله آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد (عليه السلام) بمثله، وما كذب علينا خطابي بمثل ما كذب محمد بن الفرات، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد (6). (1) النجاشي. (2) رجال الطوسي. (3) النجاشي. (4) معجم رجال الحديث 17 / 136. (5) الكشي. (6) الكشي. (*)
[ 167 ]
ولم يلبث محمد بن فرات بعد دعاء الامام عليه إلا قليلا حتى قتله ابراهيم بن شكلة اخبث قتلة (1). 291 - محمد بن الفرج: الرخجي، ثقة، عده الامام من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2) كان شديد الولاء لائمة الهدى (عليهم السلام) ووثيق لصلة بهم وله مكاتبات معهم، ذكرها الكشي في ترجمته. 292 - محمد بن الفضل: الازدي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 293 - محمد بن الفضل: ابن عمر، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 294 - محمد بن الفضيل: صيرفي، يرمى بالغلو، له كتاب، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 295 - محمد بن الفيض: المدائني، مولى عمر بن الخطاب، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 296 - محمد بن القاسم: ابن الفضيل: روى عن الامام الكاظم والامام الرضا (عليهما السلام)، وروى عنه جماعة (7). (1) الكشي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) معجم رجال الحديث 17 / 177. (7) معجم رجال الحديث. (*)
[ 168 ]
297 - محمد بن القاسم: ابن الفضيل بن يسار: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه البرقي (1). 298 - محمد بن القاسم: البوشنجاني، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 299 - محمد بن كعب القرطي: وهو الذى رأى رسول الله (ص) في المنام، فقال له: يا محمد سررت بما تصنع مع اولادي في الدنيا ؟ فقال له محمد: لو تركتهم فبمن اصنع ؟ فقال (ص): فلا جرم تجزي مني في العقبى، فكان بين يديه طبق تمر صيحاني فسألته عن ذلك فأعطاني قبضة فيها ثمانية عشر تمرة، فتأولت ذلك أن اعيش ثماني عشرة سنة، ونسيت ذلك ورأيت يوما ازدحام الناس فسألتهم عن ذلك فقالوا: اتى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فرأيته جالسا في ذلك الموضع وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني، فسألته عن ذلك فناولني قبضة فيها ثماني عشرة تمرة، فقلت: زدنى منه، فقال: لو زادك جدي لزدناك (3). 300 - محمد بن كليب. الاشعري، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 301 - محمد بن منصور. ابن الابرد النخعي: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 303 - محمد بن منصور. الاشعثي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (6). (1) معجم رجال الحديث 17 / 179. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 17 / 199. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (*)
[ 169 ]
304 - محمد بن منصور. الاشعري، عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 305 - محمد بن منصور. ابن نصر، الخزاعي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 306 - محمد بن منصور. الكوفي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن سعد (3). 307 - محمد بن يحيى. ابن حبيب: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه أحمد بن يحيى (4). 308 - محمد بن يحيى. الساباطي روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه صفوان (5). 309 - محمد بن يزيد. الطبري، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) (6). 310 - محمد بن يونس. ابن عبد الرحمن: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). 311 - محمد مولى الرضا. عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 17 / 312. (4) معجم رجال الحديث 18 / 37. (5) معجم رجال الحديث 18 / 44. (6) معجم رجال الحديث 18 / 55. (7) رجال الطوسي. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 170 ]
312 - مرزبان: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه سعد بن سعد (1). 313 - مرزبان بن عمران: الاشعري، القمي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (2). 314 - مروان بن يحيى. عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (3). 315 - مروك بن عبيد: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه جماعة (4). 316 - مسافر: مولى الامام الرضا (عليه السلام)، أمره الامام الرضا فقال له: الحق بأبي جعفر - يعني الامام الجواد (عليه السلام) - فانه صاحبك (5). 317 - معاوية بن حكيم: ابن معاوية، بن عمار الدهني، ثقة جليل، من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) له كتب منها: (كتاب الطلاق) و (كتاب الحيض) و (كتاب الفرائض) و (كتاب النكاح و (كتاب الحدود) و (كتاب الديات) وله نوادر (6). 318 - معاوية بن سعد: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه محمد بن سنان (7). 319 - معاوية بن سعيد: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8) له كتاب (9) معجم رجال الحديث. / 245. (2) معجم رجال الحديث. (3) رجال الطوسي. (4) معجم رجال الحديث. (5) الكشي. (6) النجاشي. (7) معجم رجال الحديث 18 / 237. (8) رجال الطوسي. (9) النجاشي. (*)
[ 171 ]
320 - معاوية بن يحيى: عده الشيخ من اصحاب الرضا (عليه السلام) (1). 321 - معاوية الجعفري: من رواة النص من الامام الكاظم (عليه السلام) على امامة ولده الرضا (عليه السلام) (2). 322 - معروف الكرخي: هو أبو محفوظ، ابن فيروز، وقيل فيرزان كان أبواه نصرانيين، من أهالي (بهريان) أحدى قرى (واسط)، سلمه أبوه إلى المعلم، فكان يقول له: قل: ثالث ثلاثة، فيأبى معروف ويقول: هو الواحد، فيضربه المعلم ضربا مبرحا، وهو يأبى أن يقول: ثالث ثلاثة، ثم هرب من المعلم، واسلم على يد الامام الرضا (عليه السلام) (3) ورجع إلى منزله فطرق الباب، فقالوا: من في الباب ؟ فقال: معروف، فقالوا على أي دين أنت ؟ قال: على الدين الحنفي، وأسلم أبواه وأهله جميعا (4) وكان بعد اسلامه حاجبا للامام الرضا (عليه السلام)، وازدحمت الشيعة على باب الامام، فكسروا اضلع معروف من شدة الزحام، وبقى أياما عليلا، وقد اوصى أن يتصدق بقميصه الذى كان لا بسا له لانه احب أن يخرج من الدنيا كما دخلها عريانا (5) رحم الله معروفا فقد كان من أفذاذ العارفين والمتقين، ونال الدرجة العليا ببركة الامام الرضا (عليه السلام). 323 - معمر بن خلاد: بغدادي، ثقة روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، له كتاب الزهد (6). (1) رجال الطوسي. (2) معجم رجال الحديث 18 / 295. (3) التصوف في الشعر العربي (ص 45). (4) طبقات الصوفية (ص 85). (5) التصوف في الشعر العربي. (6) النجاشي. (*)
[ 172 ]
324 - معن بن خالد: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، واضاف أنه ثقة، وله كتاب (1). 325 - مقاتل بن مقاتل: البلخي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، واضاف أنه واقفي خبيث (2) إلا ان الكشي ذكر رواية تدل على باستقامته وعدم وقفه، فقد روى الحسين بن عمر بن يزيد قال: دخلت على الامام الرضا (عليه السلام)، وأنا شاك في امامته، وكان زميلي في الطريق رجلا يقال له: مقاتل بن مقاتل، وكان قد مضى على امامته - اي امامة الرضا - بالكوفة، فقلت له: عجلت، فقال: عندي في ذلك - اي في إمامة الرضا - برهان، وعلم. قال الحسين: فقلت للامام الرضا (عليه السلام): قد مضى أبوك ؟ فقال: أي والله، وإني لفي الدرجة التي فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام)، ومن كان اسعد ببقاء أبي مني ؟ ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (والسابقون السابقون اولئك المقربون) العارف للامامة حين يظهر الامام، ثم قال: ما فعل صاحبك ؟ فقلت: من ؟ قال: مقاتل بن مقاتل المستوي الوجه، الطويل اللحية الاقنى الانف ؟ " واضاف (عليه السلام) يقول: " أما إنه ما رأيته، ولا دخل علي، ولكنه آمن وصدق " ثم إنه أوصاني به، ثم انصرفت من عند الامام، وإذا بمقاتل امامي، فقلت له: لك بشارة عندي الا أخبرك بها حتي تحمد الله مائة مرة، واخبرته بما قال الامام (عليه السلام) وعلق الامام الخوئي على هذه الرواية فقال: انها صريحة في أن الرجل كان قائلا بامامة الرضا (عليه السلام)، وعلى تقدير أنه كان واقفا فقد رجع عن وقفه (3). (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 18 / 359. (*)
[ 173 ]
326 - موسى بن أبي الحسن: الرازي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه ابراهيم بن هاشم (1). 327 - موسى بن جند: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 328 - موسى بن رنجوية: الارمني: ضعيف له كتاب عده البرقي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 329 - موسى بن سلمة: كوفي، له كتاب عن الامام الرضا (عليه السلام) أخبر به أحمد بن محمد (4). 330 - موسى بن عيسى: ابن عبيد اليقطيني، بعث له الامام الرضا (عليه السلام) هدية رزم ثياب، وغلمانا، واموالا يحج بها عنه، وكذلك بعث لاخيه موسى بن عبيد، وليونس بن عبد الرحمن، أموالا ليحجوا بها عنه (5). 331 - موسى بن القاسم: ابن معاوية، بن وهب البجلي، ثقة، ثقة جليل، عده الشيخ من اصحاب الامام أبى الحسن الرضا (عليه السلام) (6) له كتب، منها: (كتاب الوضوء) و (كتاب الصلاة) و (كتاب الزكاة) و (كتاب الصيام) و (كتاب النكاح) و (كتاب الطلاق) و (كتاب الحج) و (كتاب الحدود) و (كتاب الديات) و (كتاب الشهادات) و (كتاب الايمان والنذور) و (كتاب اخلاق المؤمن) و (كتاب الجامع) و (كتاب الادب) (7). (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) النجاشي. (5) معجم رجال الحديث. (6) رجال الطوسي. (7) النجاشي. (*)
[ 174 ]
332 - موسى بن معمر: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (1). 333 - موسى بن مهران: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 334 - موفق بن هارون: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 335 - موفق خادم الامام الرضا: قال الوحيد في التعليقة: يظهر منه كونه من خدامه بل ومن خواصه، واصحاب اسراره (4). (ن) 336 - نصر بن قابوس: اللخمي، القابوسي: روى عن الامام أبى عبد الله، وأبي ابراهيم، وأبي الحسن الرضا (عليهم السلام)، وكان ذو منزلة عندهم، له كتاب (5). 337 - نصر بن مغلس: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). (و) 338 - الوليد بن أبان: روى عن الامام الرضا (عليه السلام) وروى عنه أحمد بن محمد (7). 339 - الوليد بن أبان: الضبي، الرازي، عده البرقي من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) رجال الطوسي. (4) معجم رجال الحديث 19 / 100. (5) النجاشي. (6) رجال الطوسي. (7) معجم رجال الحديث 19 / 237. (8) رجال البرقي. (*)
[ 175 ]
(ه) 340 - هارون بن عمر: أبو موسى المجاشعي، صحب الامام الرضا (عليه السلام)، له كتب منها (كتاب ما نزل في القرآن في علي (عليه السلام) (1). 341 - هاشم بن ابراهيم: العباسي، ويقال له المشرقي، روى عن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب يرويه جماعة (2). 342 - هرثمة بن أعين: أبو حبيب: كان من خدم المأمون، وكان مواليا للامام الرضا (عليه السلام) (3). 343 - هشام بن ابراهيم: الاحمر، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 344 - هشام بن ابراهيم: العباسي، روى الريان، قال: دخلت على العباسي يوما، فطلب دواة وقرطاسا بالعجلة، فقلت: ما لك ؟ فقال: سمعت من الرضا (عليه السلام) أشياء أحتاج أن اكتبها، لا أنساها، فكتبها، فما كان بين هذا وبين أن جاءني بعد جمعة في وقت الحر، وذلك ب (مرو)، فقلت: من أين جئت ؟ فقال: من عند هذا، فقلت: من عند المأمون ؟ قال: لا، قلت: من عند الفضل بن سهل ؟ قال: لا من عند هذا، فقلت: من تعني ؟ قال: من عند على بن موسى، فقلت: ويلك خذلت أي شئ قصتك ؟ قال: دعني من هذا، متى كان آباؤه يجلسون على الكراسي ؟ حتى يبايع لهم بولاية العهد، كما فعل هذا ؟ فقلت: ويلك استغفر ربك، فقال: جاريتي فلانة أعلم منه. واسرع الريان فدخل على الامام الرضا (عليه السلام)، وأخبره بقصة (1) النجاشي. (2) معجم رجال الحديث. (3) معجم رجال الحديث 19 / 313. (4) رجال الطوسي. (*)
[ 176 ]
العباسي، وطلب منه أن يأذن له باغتياله، فنهاه الامام (عليه السلام) عن ذلك (1) وله احاديث مع الامام سنعرض لها في بحوث هذا الكتاب. 345 - الهيثم بن عبد الله: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه الحسين بن علي بن زكريا (2). 346 - الهيثم بن عبد الله: الرماني، كوفي، روى عن الامام موسى (عليه السلام)، وعن الامام الرضا (عليه السلام) له كتاب (3). (ي) 347 - ياسر: خادم الامام الرضا (عليه السلام)، وهو مولى حمزة بن اليسع، له مسائل (4). 348 - يحيى بن ابراهيم: ابن أبي البلاد، ثقة هو وأبوه من القراء، له كتاب (5). 349 - يحيى بن أحمد: ابن قيس، بن غيلان، عده الشيخ من اصحاب الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (6). 350 - يحيى بن بشار: دخل على الامام الرضا (عليه السلام) بعد وفاة أبيه، فجعل يستفهم عن بعض ما كلمه الامام، ثم قال (عليه السلام) له: نعم يا سماع، فقال له: جعلت (1) قرب الاسناد (ص 148). (2) معجم رجال الحديث 19 / 301. (3) النجاشي. (4) النجاشي. (5) النجاشي. (6) رجال الطوسي. (*)
[ 177 ]
فداك كنت والله القب بهذا في صباي، وأنا في الكتاب، فتبسم (عليه السلام) في رجهه (1). 351 - يحيى بن جندب: الزيات، عده البرقي من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 352 - يحيى بن سليمان: الكاتب، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (3). 353 - يحيى بن العباس: الوارق عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه مجهول (4). 354 - يحيى بن عمرو: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (5). 355 - يحيى بن المبارك: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 356 - يحيى بن محمد: ابن أبي حبيب، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن عمرو بن سعيد الزيات (7). 357 - يحيى بن موسى: الصنعاني، روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن أبي عمير (8). (1) معجم رجال الحديث. (2) رجال البرقي. (3) رجال الطوسي. (4) رجال الطوسي. (5) رجال الطوسي. (6) رجال الطوسي. (7) معجم رجال الحديث 20 / 110. (8) معجم رجال الحديث. (*)
[ 178 ]
358 - يحيى بن يحيى: التميمي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، وأضاف أنه عامي (1). 359 - يحيى بن يزيد: أبو خالد الكوفي، عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (2). 360 - يحيى الصنعاني: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه ابن أبي عمير (3). 361 - يزيد بن عمر: عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (4). 362 - اليسع بن حمزة: روى عن الامام الرضا (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن صندل (5). 263 - يعقوب بن سعيد: الكندي عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (6). 264 - يعقوب بن عبد الله: ابن جندب عده الشيخ من أصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (7). 365 - يعقوب بن يقطين: عده الشيخ من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) (8). 366 - يونس بن عبد الرحمن: مولى علي بن يقطين، كان وجها من وجوه الشيعة، وعلما من أعلامهم، رأى (1) رجال الطوسي. (2) رجال الطوسي. (3) معجم رجال الحديث 20 / 119. (4) رجال الطوسي. (5) معجم رجال الحديث 20 / 149. (6) رجال الطوسي. (7) رجال الطوسي. (8) رجال الطوسي. (*)
[ 179 ]
الامام الصادق (عليه السلام) بين الصفا والمروة، ولم يرو عنه، روى عن الامام الكاظم، والامام الرضا (عليهما السلام)، وكان وكيلا للامام الرضا، ومن خاصته، وقد قال عبد العزيز بن المهتدي للامام الرضا (عليه السلام): إني لا اقدر على لقائك في كل وقت، فعمن أخذ معالم ديني ؟ فقال (عليه السلام): خذ عن يونس بن عبد الرحمن (1). ويقول الرواة: إن الامام الرضا (عليه السلام) ضمن الجنة ليونس ثلاث مرات (2) وقال (عليه السلام) في حقه: يونس بن عبد الرحمن هو كسلمان في زمانه (3). وروى يونس قال: مات أبو الحسن موسى (عليه السلام)، وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون الف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون الف دينار، قال: رأيت ذلك، وتبين لي الحق، وعرفت من أمر أبى الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت فكلمت، ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا - أي زياد القندي وعلي بن أبي حمزة - إلي، وقالا لي: لا تدعو إلى هذا إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة الآلف دينار، قاال يونس: فقلت لهما: إنا روينا عن الصادقين (عليهم السلام) أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فان لم يفعل سلب عنه نور الايمان وما كنت ادع الجهاد، وأمر الله على كل حال، قال: فناصباني، واظهرا لي العداوة (4). وأثرت عن أئمة الهدى عليهم أخبار كثيرة في مدحه، والثناء عليه وانه من عمالقة التقوى، ومن علماء آل محمد (ص) وقبال تلك الاخبار وردت أخبار في ذمه، وهي إما موضوعة، أو أنها جاءت لاجل التقليل من أهميته في ذلك العصر الذي عانت الشيعة الوانا مريرة من المأسي والخطوب. الف يونس مجموعة كبيرة من الكتب معظمها في الفقه، وبعضها في تفسير القرآن الكريم، توفي رحمه الله في المدينة المنورة ودفن مجاورا لقبر النبي (صلى الله عليه (1) الكشي. (2) معجم رجال اللحديث. (3) الكشي. (4) الكشي. (*)
[ 180 ]
وآله)، وأبنه الامام الرضا (عليه السلام) بقوله: انظروا إلى ما ختم الله ليونس قبره بالمدينة مجاورا لرسول الله (صلى الله عليه وآله). 367 - يوسن بن يعقوب: البجلي، الدهني، ثقة، عده الشيخ المفيد في رسالته العددية: من الفقهاء الاعلام، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والاحكام الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم عن الامام الكاظم (عليه السلام)، وروى عن الامام الرضا (عليه السلام) (1). توفي يونس بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) بحنوطه وكفنه، وجميع ما يحتاج إليه، وأمر مواليه، وموالي أبيه وجده أن يحضروا جنازته، وقال لهم: هذا مولي لابي عبد الله (عليه السلام) وكان يسكن العراق، وقال لهم: احضروا في البقيع، فان قال لكم أهل المدينة انه عراقي لا ندفنه بالبقيع، فقولوا لهم: هذا مولى لابي عبد الله (عليه السلام)، وكان يسكن العراق فان منعتمونا ان ندفنه بالبقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع، ودفن في البقيع (2) وأمر الامام الرضا (عليه السلام) أن يرش على قبره الماء شهرا أو اربعين يوما (3) رحم الله يونس فقد فاز بولائه ومحبته لاهل البيت (عليهم السلام). وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) وهم كوكبة من اعلام عصره، وفيهم جمهرة من المؤلفين والرواة، والفقهاء الذين أمدوا الفقه الامامي بما دونوه بما افتى الامام (عليه السلام) من الاحكام الشرعية. (1) رجال الطوسي. (2) الكشي. (3) معجم رجال الحديث. (*)
[ 181 ]
عصر الامام (عليه السلام) واتسم عصر الامام الرضا (عليه السلام) بالعصر الذهبي، وانه من أزهى العصور وأروعها في التأريخ الاسلامي، ذلك لازدهار العمران وتطور الزراعة، وسيطرة الدولة الاسلامية على معظم مناطق العالم فقد اصبحت خاضعة للحكم العباسي، كما اصبحت بغداد عاصمة العالم الاسلامي، بل وعاصمة الدنيا، فقد كانت اعظم حاظرة يؤمها رجال العلم والسلك الدبلوماسي من مختلف انحاء العالم وذلك للظفر بمنصب من مناصب الدولة، أو لعرض ما تحتاجه بلادهم من الشؤون الادارية والاقتصادية والعلمية. وعلينا ان نعرض إلى شؤون ذلك العصر لما فيه من صلة وثيقة في البحث عن حياة الامام (عليه السلام). الحياة العلمية: وازدهرت الحياة العلمية في عصر الامام، وزهت انشطتها في جميع أنواع العلوم، وكان ذلك من ارقى الوان التقدم الحضاري التي انتهت إليه الدولة العباسية في جميع أدوار حكمها، ونعرض - بإيجاز - إلى بعض صور التقدم العلمي، وهي:
[ 182 ]
قمر ابن المقنع: وكان من بدائع مخترعات ذلك العصر هو القمر الذى صنعه عطاء الخراساني المعروف بالمقنع، فكان ذلك القمر يطلع، ويراه الناس من مسيرة شهرين ثم يغيب عنهم، وفيه يقول أبو العلاء المعري: افق انما البدر المقنع رأسه * ضلال وغي مثل بدر المقنع (1) وإليه اشار أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك الشاعر في جملة قصيدة بقوله: إليك فما بدر المقنع طالعا * بأسحر من الحاظ بدر المعمم (2) ولم تشر المصادر التى بايدينا إلى كيفية صنع ذلك القمر والى الاجهزة التي تكون منها كما لم تشر إلى أي بلد كان فيه ذلك القمر، واكبر الظن انه كان في بغداد عاصمة الملك العباسي في ذلك الوقت وعلى أي حال فان صنع ذلك القمر يعتبر اعظم انجاز علمي تحقق في تلك العصور. كما ان من المنجزات العلمية في تلك العصور استخدام البلور في السفن كما نص على ذلك بعض المؤرخين: المعاهد والمكتبات: وانشأت الحكومة العباسية المعاهد والمدارس في بغداد لتدريس العلوم الاسلامية وغيرها، فقد انشئت فيها حوالى ثلاثون مدرسة وما فيها من مدرسة إلا ويقصر القصر البديع عنها، وأشهرها النظامية (3) كما أنشئت فيها المكتبات العامة ومن اهمها: بيت الحكمة: فقد نقل إليها الرشيد مكتبته الخاصة، واضاف إليها من الكتب ما جمعه جده المنصور وأبوه المهدى، وفي عهد المأمون طلب من أمير (صقلية) بعض الكتب العلمية والفلسفية فلما وصلت إليه نقلها إلى مكتبة (بيت الحكمة) كما جلب إليها من خراسان الكثير من الكتب، وكان حيثما ما يسمع بكتاب جلبه لها (4). (1) الاعلام 5 / 29. (2) وفيات الاعيان 2 / 426. (3) رحلة ابن جبير (ص 208). (4) حياة الامام محمد الجواد (ص 197). (*)
[ 183 ]
وكان سهل بن هارون بن راهبون كاتبا في (دار الحكمة)، وقد جعله المأمون خازنا على قسم من المكتبة وهي الكتب الفلسفية التي نقلت إليه من جزيرة (قبرص)، وذلك ان المأمون لما هادن صاحب الجزيرة ارسل إليه يطلب خزانة كتب اليونان، وكانت مجموعة عندهم في بيت لا يظهر عليها أحد فجمع صاحب الجزيرة بطانته وذوي الرأي، واستشارهم في حمل الخزانة إلى المأمون فأشاروا عليه بعدم الموافقة إلا مطران واحد فانه قال له: الرأي أن تجعل بإنفاذها إليه فما دخلت هذه العلوم العقلية على دولة إلا افسدتها، واوقعت الخلاف بين علمائها، فارسلها إليه، فاغتبط بها المأمون وجعل سهل خازنا عليها (1) وكان الخازن العام للمكتبة غيلان الفارسي، وكان ينسخ للرشيد والمأمون. وظلت هذه الخزانة تغذي البحاثة وأهل العلوم بأنواع العلوم ولما استولى السفاك المغولي على بغداد عمد إلى اتلافها، وبذلك فقد خسر العالم الاسلامي اهم تراث له. ترجمة الكتب: وكان من مظاهر تطور الحياة العلمية والثقافية في ذلك العصر، الاقبال على تعريب اللغات الاجنبية، وقد تناولت كتب الطب والرياضة والفلك، وأصناف العلوم السياسية والفلسفية ذكر اسماء كثير منها ابن النديم في (الفهرست)، وكان يرأس ديوان الترجمة حنين بن اسحاق، وقد روى ابن النديم ان المأمون كانت بينه وبين ملك الروم مراسلات، وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله الاذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة المدخرة ببلاد الروم فاجابه إلى ذلك بعد امتناع، فأوفد المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق، وسلم صاحب (بيت الحكمة) وغيرهم فأخذوا مما وجدوا فلما حملوها إليه امر بنقلها فنقلت إلى (دار الحكمة) ((2) ومن الطبيعي أن تلك المعربة قد ساعدت على نمو الفكر العربي والاسلامي، كما ساهمت في تطور العلوم في البلاد الاسلامية فقد اشتغل الكثيرون من طلاب العلوم بتفقهها ودراستها. (1) تمهيد لتأريخ الفلسفة (ص 47). (2) الفهرست (ص 339). (*)
[ 184 ]
الخرائط والمراصد: ومن مظاهر التقدم العلمي في ذلك العصر: أن المأمون أمر بوضع خريطة لجميع أنحاء العالم سميت (الصورة المأمونية) وهي أول خريطة صنعت للعالم في العصر العباسي، كما أمر بانشاء مرصد فلكي فانشأ ب (الشماسية) وهي إحدى محلات بغداد (1). العلوم السائدة: أما العلوم السائدة دراستها في ذلك العصر فهي: علوم القرآن: أما علوم القرآن الكريم التي خاض العلماء في درسها وتدريسها فهي: 1 - التفسير: ويراد به تفسير آيات القرآن الكريم، وايضاح معانيها وبيان الناسخ من المنسوخ، والمطلق من المقيد والعام والخاص، وغير ذلك، وقد اتجه المفسرون في تفسيرهم إلى اتجاهين: الاول: التفسير بالمأثور، ونعني به تفسير القرآن الكريم بما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة الطيبين، وهذا ما سلكه معظم المفسرين الشيعة، كتفسير القمى، والبرهان والعسكري وغيرها، وحجة الشيعة في ذلك ان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم المخصوصون بعلم القرآن والعالمون بتفسيره، يقول الامام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) " ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء " (2). ويقول شيخ الطائفة الشيخ الطوسى: " إن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالاثر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن الائمة الذين قولهم حجة كقول النبي (ص) " (3). الثاني: التفسير بالرأي، ويراد به الاخذ بالاعتبارات العقلية الراجعة إلى (1) عصر المأمون 1 / 375. (2) التبيان 1 / 4. (3) حياة الامام محمد الباقر 1 / 181. (*)
[ 185 ]
الاستحسان، وقد ذهب إلى ذلك المفسرون من المعتزلة والباطنية فلم يعنوا بما أثر عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم وانما استندوا في تفسيره إلى ما يرونه من الاستحسانات العقلية (1) أما الاخذ بالظواهر فانه ليس من التفسير في شئ، ولا مانع منه. ومن الجدير بالذكر ان أول مدرسة للتفسير بالمأثور أقيمت في الاسلام كانت في عهد الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، فقد كان أول مفسر للقرآن وعنه أخذ حبر الامة عبد الله بن عباس وغيره من اعلام الصحابة، وقام من بعده الائمة الطاهرون فقد تناولت الكثير من محاضراتهم تفسير القرآن، وأسباب نزوله وفضل قراءة آياته. 2 - الحديث: ومن بين العلوم السائدة دراستها في ذلك العصر علم الحديث ونعني به ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عن أحد أوصيائه الائمة الطاهرين من قول أو فعل أو تقرير لشئ فان ذلك كله من السنة، وفي السنة كما في القرآن الكريم العام والخاص، والمطلق والمقيد وغير ذلك. وقد سبقت الشيعة إلى تدوين الاحاديث، فقد حث أئمة الهدى اصحابهم على ذلك، فقد روى أبو بصير قال: دخلت على الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: " ما يمنعكم من الكتابة، انكم لن تحفظوا حتى تكتبوا انه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها " (2) وقد قام جماعة من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام) إلى جمع الاحاديث الصحيحة في جوامع كبيرة، وهي الجوامع الاولى للامامية، وتعد الاساس لتدوين الجوامع الاربعة لمشايخ الاسلام الثلاثة (3). 3 - علم الفقه: ومن أجل العلوم الاسلامية وأميزها علم الفقه، وقد ساد انتشاره في ذلك العصر وغيره من سائر العصور، ويناط بهذا العلم الشريف معرفة التكاليف اللازمة (1) حياة الامام محمد الباقر 1 / 181. (2) حياة الامام محمد الجواد (ص 194). (3) مقدمة المقنع والهداية (ص 10). (*)
[ 186 ]
على المكلفين، وعليهم المسؤولية أمام الله تعالى في امتثالها وتطبيقها على واقع حياتهم. وقام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بدور فعال ونشط في انشاء مدرستهم الفقهية التي ضمت أعلام الفقهاء والعلماء كزرارة ومحمد بن مسلم، وجابر بن يزيد الجعفي، وأبي حنيفة وغيرهم من عيون العلماء، وقد دونوا ما سمعوه من الائمة الطاهرين في أصولهم التي بلغت زهاء اربعمائة أصل، ثم هذبت وجمعت في الكتب الاربعة التى يرجع إليها فقهاء الامامية في استنباطهم للاحكام الشرعية. وتعتبر الشيعة من اسبق المذاهب الاسلامية إلى تدوين الفقه يقول مصطفى عبد الرزاق: إن النزوع إلى تدوين الفقه، كان أسرع إلى الشيعة من سائر المسلمين ومن المعقول ان يكون النزوع إلى تدوين الاحكام الشرعية أسرع إلى الشيعة لان اعتقادهم العصمة في أئمتهم أو ما يشبه العصمة كان حريا أن يسوقهم إلى الحرص على تدوين أقضيتهم وفتاواهم (1). 4 - علم الاصول: ومن بين العلوم التي تدرس في تلك العصور وغيرها الاجتهاد واستنباط الاحكام الشرعية، وقد اسس هذا العلم الامام الاعظم أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام) (2). 5 - علم النحو: وهو من العلوم التي مثلت دورا مهما في العصر العباسي، فقد كانت بعض مسائله وبحوثه موضع جدل، وقد عقدت لها الاندية في قصور الخلفاء، وقد جرى نزاع وجدل حاد في بعض مسائله بين كبار علماء النحو، وذلك بمحضر من الخليفة العباسي. وتخصص بهذا العلم جماعة من الاعلام في ذلك العصر كان في طليعتهم الكسائي والفراء وسيبوبة... وأسس هذا العلم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) رائد الحكمة والعلم في الاسلام. (1) تمهيد لتأريخ الفلسفة الاسلامية (ص 202 - 203). (2) حياة الامام محمد الجواد (ص 195). (*)
[ 187 ]
6 - علم الكلام: وانتشر علم الكلام انتشارا واسعا في ذلك العصر، فقد خاض العلماء والتكلمون البحوث المهمة في هذا العلم للدفاع عن معتقداتهم ويعد في طليعة المتكلمين هشام بن الحكم تلميذ الامام الصادق (عليه السلام)، فقد ابطل معتقدات خصومه، وأثبت بأدلته الحاسمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذى هو دين الله الذي ارتضاه لعباده. ومن أشهر المتكلمين عند أهل السنة واصل بن عطاء، وأبو الهذيل العلاف، وأبو الحسن الاشعري وحجة الاسلام الغزالي. 7 - علم الطب: وانتشر علم الطب في ذلك العصر، ويعد الامام الرضا (عليه السلام) في طليعة علماء هذا الفن، وكانت رسالته في الطب من أروع البحوث الطبية حتى سميت بالرسالة الذهبية، وقد شجع ملوك بنى العباس على دراسة هذا العلم، ومنحوا الاموال الطائلة للمتخصصين فيه أمثال جبريل بن بختيشوع الطبيب الحاذق. 8 - الكيمياء: ومن أهم العلوم التي نالت الاهتمام في ذلك العصر هو علم الكيمياء، وقد تخصص فيه جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي، وقد تلقى بحوثه من عملاق الفكر الاسلامي الامام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي يسميه بعض علماء الغرب بالدماغ المفكر للانسانية، فكان هو المؤسس لهذا العلم. 9 - الهندسة المعمارية والمدنية: وبلغت الهندسة المعمارية والمدنية أوجها في ذلك العصر، فقد ابدع المهندسون ابداعا رائعا في هندستهم لقصور الخلفاء سواء أكانت في (بغداد) أم في (سر من رأى، فكانت تلك القصور من اضخم ما شيدت على امتداد التأريخ، ومن بدائع الهندسة المعمارية البرك التى صنعت في (سر من رأى)، والتي هام بها الشعراء، واذهلت افكار العلماء، ومضافا لذلك الالواح الفنية والمعلقات التى لم يصنع مثلها حتى في هذا القرن التي بلغت فيه الهندسة والتقدم (التكنولوجي) الذروة. 10 - الفلك: ومن العلوم السائدة في ذلك العصر علم الفلك، وقد كان من المتخصصين فيه
[ 188 ]
المأمون العباسي. هذه بعض العلوم السائدة في ذلك العصر وهي تمثل الانطلاق الفكري، والتطور العلمي في عصر الامام (عليه السلام). المراكز العلمية: أما المراكز العلمية في ذلك العصر فهي كالآتي: 1 - بغداد: وكانت بغداد حاظرة من حواظر العلم في الاسلام فهي - كما ذكرنا - عاصمة الملك، وعاصمة العلم، وقد سادت فيها انواع الثقافات العالية، وانتشرت فيها المعاهد والمدارس، وبيوت الحكمة، والمكتبات العامة والخاصة. 2 - يثرب: أما (يثرب) فانها من أهم المراكز العلمية في الاسلام، فقد تشكلت فيها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ضمت عيون الفقهاء والعلماء، وقد سهروا على تدوين أحاديث أئمة الهدى (عليهم السلام)، وقد عنوا بصورة خاصة بتدوين احاديثهم الخاصة في الفقه باعتباره النظام المتكامل في الاسلام كما تشكلت في (يثرب) مدرسة التابعين، وهي مدرسة فقهية عنت باخذ ما روى من الصحابة في الفقه. 3 - الكوفة: وتأتي الكوفة بعد يثرب في الاهمية، فقد كان الجامع الاعظم مركزا عاما للدرسات الاسلامية، وقد انتشرت الحلقات الدراسية التي تضم مئات الطلاب الذين يتلقون دروسهم من الاساتذة المتخصصين بالعلوم الاسلامية من الفقه والتفسير والحديث والعلوم العربية وقد عنت مدرسة الكوفة بصورة موضوعية وخاصة بعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، وقد حدث الحسن بن علي الوشاء، فقال: ادركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد (1). وكانت في الكوفة أسر علمية رفيعة الشأن قد تخرجت من جامع الكوفة وهي: آل حيان التغلبي، وآل أعين، وبنو عطية، وبيت بني دراج وغيرهم (2). (1) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 82. (2 (تأريخ الاسلام 2 / 338. (*)
[ 189 ]
وأنشئت في الكوفة مدرسة للنحو، وكان من اساتذتها البارزين الكسائي الذى عهد إليه الرشيد بتعليم ابنيه الامين والمأمون (1). 4 - البصرة: أما البصرة فكانت مركزا مهما لعلم النحو، وكان أول من أنشأ هذه المدرسة أبو الاسود الدؤلي تلميذ الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت هذه المؤسسة تنافس مدرسة الكوفة، وقد سمي نحاة البصرة " أهل المنطق " تمييزا لهم عن نحاة الكوفة، وكان من اعلام هذه المؤسسة سيبوبه الفارسي وهو مؤلف كتاب " سيبوبه " في النحو وهو من انضج الكتب العربية ومن اكثرها عمقا واصالة يقول دي بور: فلو نظرنا إلى كتاب سيبوبه لوجدناه عملا ناضجا، ومجهودا عظيما حتى ان المتأخرين قالوا: إنه لا بد أن يكون ثمرة جهود متضافرة لكثير من العلماء مثل قانون ابن سينا (2). وكما كانت البصرة مركزا مهما لعلم النحو فقد كانت مدرسة لعلم تفسير القرآن الكريم، وكان من العلماء البارزين في هذا الفن أبو عمرو بن العلاء، وبالاضافة لذلك فقد كانت البصرة مدرسة لعلم العروض واللغة، وكان المتخصص بهذين العلمين الخليل بن أحمد صاحب كتاب (العين) الذى هو أول معجم لغوي وضع في اللغة العربيا. هذه بعض مظاهر الحياة العلمية والثقافية في ذلك العصر، وكان الامام الرضا (عليه السلام) الرائد الاعلى للحركة العلمية فقد احتف به العلماء والفقهاء وهم ينتهلون من نمير علومه، كما عقدت في البلاط العباسي الاندية وقد ضمت كبار العلماء الذين ندبهم المأمون لامتحان الامام، وخرج العلماء، وهم يذيعون فضله ويذكرون باعجاب ثرواته العلمية الهائلة. الحياة الاقتصادية: ولم يعن الاسلام بشئ كما عنى بمكافحة الفقر، فقد اعتبره كارثة مدمرة يجب اقصاءه عن الحياة العامة، فقد الزم ولاة الامور على تنمية الاقتصاد وزيادة دخل (1) حياة الامام محمد جواد (ص 191). (2) تأريخ الفلسفة في الاسلام (ص 39). (3) حياة الامام محمد الجواد (ص 192). (*)
[ 190 ]
الفرد، وبسط الرخاء والرفاهية بين الناس وكان من بين ما عنى به في تطوير الاقتصاد أن الزم ولاة المسلمين، بانفاق اموال الدولة على الصالح العام، وذلك بتنمية الزراعة وإنشاء المشاريع العامة، وما تزدهر به البلاد، كما منع ولاة المسلمين أن يصطفوا لانفسهم واقربائهم شيئا من خزينة الدولة وقد جافى بنو العباس هذه السياسة الخلاقة فاتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا، وانفقوا الاموال الهائلة على شهواتهم وملاذهم وبناء قصورهم ووهبوا الاموال الطائلة للمغنين والعابثين، وادت هذه السياسة إلى ازمات حادة في الاقتصاد العام، فانقسم المجتمع إلى طبقتين: الاولى الطبقة الرأسمالية التى انحصرت عندها ثروة الامة، ولا عمل لها إلا التبطل واللهو والاسراف في المحرمات. الطبقة الثانية: وهي طبقة العمال والفلاحين، وقد شقيت هذه الطبقة، فقد شاع فيها الفقر والحرمان، وقد أدى هذا الانقسام في صفوف المجتمع إلى فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية، وانعدام الاستقرار في الحياة الاجتماعية والسياسية على حد سواء (1). ونتحدث - بايجاز - عن شؤون الحياة الاقتصادية العامة وما عاناه المواطنون من الشقاء والحرمان. واردات الدولة: أما واردات الدولة في عصر الامام الرضا (عليه السلام) فكانت ضخمة للغاية، فقد أحصيت الواردات من الخراج وحده فكان المجموع ما يزيد على (400 مليون) درهم (2) ومن الجدير بالذكر انه بلغ من سعة المال ووفرته أنه كان لا يعد، وانما كان يوزن، فكانوا يقولون: إنه ستة أو سبعة الآف قنطار من الذهب (3). ومن المؤسف حقا ان تلك الاموال الهائلة لم تنفق على تطوير حياة المسلمين، وانعاش الفقراء والمحرومين، وانما كان الكثير ينفقه الملوك ووزراؤهم، وابناؤهم وحاشيتهم على ملاذهم وشواتهم وقد انفقوا على لياليهم الحمراء ما لا يحصى، كما حظي المغنون والعابثون والماجنون بالثراء العريض. (1) الادارة الاسلامية في عز العرب (ص 82). (2) المقدمة (ص 179 - 180). (3) حياة الامام موسى بن جعفر. (*)
[ 191 ]
اسراف وتبذير. وأسرف ملوك العباسيين اسرافا هائلا، وانفقوا اموال المسلمين بغير تحرج على ملاذهم ورغباتهم الخاصة، فقد كان المأمون في دمشق، فأصابته ضائقة اقتصادية فحملت إليه ثلاثون مليون درهم من مال الخراج، فأمر بانفاق (24 مليون) درهم على اصحابه، والباقي انفقه على جنده (1) وكان الاسراف والتبذير بأموال المسلمين ظاهرة سائدة عند ملوك بني العباس فقد بني المهدي منتزها انفق عليه (خمسين مليون) درهم (2) وصرف المتوكل على قصره المعروف ب (الماحوزة) (50 مليون) درهم، وعلى قصره المعروف ب (العروس) (30 مليون) درهم وعلى البهو (25 مليون) درهم، يقول الشابشتي: ان المتوكل لما كان من ارباب الذوق والانس لا يقعده عما يشتهيه مال، وقد انصرف انصرافا عجيبا إلى بناء قصور فخمة في (سامراء) كثر عددها حتى بلغت ستة عشر قصرا انفق في سبيلها أموالا جساما تكاد تخرج عن حدود التصديق وفرة (3) ومن تبذير المتوكل انه انفق على ختان اولاده (86 مليون) درهم. زواج المأمون ببوران: ومن الوان البذخ والاسراف الهائل في اموال المسلمين هو ما انفقه المأمون من الاموال الطائلة المذهلة في زواجه بالسيدة بوران، فلم يقع نظير ما انفق على ذلك الزواج منذ خلق الله الارض. لقد امهر المأمون زوجته (الف الف دينار)، مع العلم ان قيمة الدينار في ذلك العصر كانت تساوي جملا، وشرط الحسن بن سهل والد السيدة بوران أن يبني بها في قريته الواقعة بفم الصلح 4) فاجابه إلى ذلك، ولما اراد الزواج سافر إلى (فم الصلح)، ونثر على العسكر الذى كان معه (الف الف دينار)، وصحب معه من الغلمان الصغار (ثلاثين الفا، وسبعة الآف) جارية، أما العسكر الذى كان معه فكانوا (اربعمائة الف) فارس، (وثلاث مائة الف) رجل، وكان الحسن يذبح لضيوفه (ثلاثين الف) رأس من الغنم، ومثيلها من الدجاج، (واربعمائة بقرة) واربعمائة (1) تأريخ ابن الاثير 6 / 433. (2) معجم البلدان 3 / 175. (3) الديارات (ص 364). (4) فم الصلح: كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى فم الصلح، معجم البلدان 5 / 177. (*)
[ 192 ]
جمل)، وسمى الناس هذه الدعوة " دعوة الاسلام " وهي تسمية مغلوطة فانه ليس من الاسلام في شئ مثل هذا الاسراف الذي كان من أموال المسلمين... لقد بلغت نفقات المأمون وحده على هذا العرس (38 مليون) درهم (1) من غير اعطاه لوالدها الحسن فقد اعطاه (عشرة ملايين درهم) من خراج فارس واقطعه الصلح (2). وعلى أي حال فانه حينما بنى المأمون بوران نثروا من سطح دار الحسن بن سهل بنادق عنبر فاستخف بها الناس وزهدوا فيها، ونادى فيهم شخص قائلا: كل من وقعت في يده بندقة فليكسرها فانه يجد فيها رقاعا في بعضها تحويل (بالف دينار)، وفي بعضها (عشرة أثواب) من الديباج وفي بعضها (خمسة أثواب)، وفي بعضها (غلام)، وفي بعضها (جارية) وحمل كل من وقعت بيده رقعة إلى الديوان واستلم ما فيها (3) كما انفق المأمون على قادة جيشه فقط (خمسين الف الف درهم) (4) ويقول الباهلي: مهنئا للحسن وابنته والمأمون: بارك الله للحسن * والبوران في الختن يا بن هارون قد * ظفرت ولكن بنت من (9) ولما كانت ساعة الزفاف أجلست بوران على حصير منسوج من الذهب ودخل عليها المأمون ومعه عماته، وجمهرة من العباسيات فنثر الحسن بن سهل على المأمون وزوجته (ثلاث مائة لؤلؤة) وزن كل واحدة مثقال، وما مد أحد يده لالتقاطها، وأمر المأمون عماته بالتقاطها، ومد المأمون يده فالتقط واحدة منها، وبادرت العباسيات بالتقاطها، وقال المأمون: قاتل الله أبا نوأس كأنه حضر مجلسنا هذا حيث قال في وصف الحمرة: كأن صغرى وكبرى من فواقعها * حصباء در على أرض من الذهب (6) لقد انفق المأمون والحسن بن سهل هذه الاموال على زواجه وهي - من دون شك - قد اختلست من بيت مال المسلمين الذي يجب انفاقه في شريعة الله على (1) الموفقات (ص 98). (2) نساء الخلفاء (ص 68). (3) تأريخ الطبري. (4) تزيين الاسواق 3 / 117. (5) الحدائق الوردية 2 / 220. (6) حضارة الاسلام. (*)
[ 193 ]
مكافحة الفقر، وازالة البؤس من دنيا الاسلام. ومن الجدير بالذكر ان هارون الرسيد لما تزوج بالسيدة زبيدة صنع وليمة لم يصنع مثلها في الاسلام، فقد جعل الهبات غير محصورة، فقدمت اوان من الذهب مملوءة بالفضة، واوان من الفضة مملوءة بالذهب، وفوانج المسك وقطع العنبر، وكان هذا هو الاسراف والتبذير الذي حرمه الاسلام حفظا لاقتصاد الامة من الانهيار. بؤس العامة وشقاؤها: وكانت الاكثرية الساحقة من المجتمع الاسلامي في عصر المأمون وغيره من عصور الحكم العباسي البؤس والحرمان، فقد كانت ترزح تحت كابوس رهيب من الفقر والبؤس، ولنستمع لابي العتاهية يحدثنا عما كانت عليه العامة من البؤس والشقاء يقول مخاطبا الملك العباسي: من مبلغ عني الاما * م نصائحا متواليه إني أرى الاسعار اس * - عار الرعية غاليه وأرى المكاسب نزرة * وارى الضرورة فاشيه وأرى غموم الدهر را * ئحة تمر وغاديه وأرى اليتامى في البيو * ت البائسات الخاليه من بين راج لم يزل * يسمو إليك وراجيه يشكون مجهدة باص * - وات ضعاف عاليه يرجون رفدك كي يروا * مما لقوه العافية ومصيبات الجوع إذ * تمسي وتصبح طاويه من للبطون الجائعا * ت وللجسوم العارية القيت أخبارا إلي * - ك من الرعية شافيه (1) وحكى هذا الشعر الاجتماعي الحالة السائدة في عصر أبي العتاهية، فملايين من الشعب المسلم عارية اجسامهم جائعة بطونهم خاوية ابدانهم في حين قد زخرت خزائن ملوك العباسيين بالملايين من اموال المسلمين غير أنها لم تنفق في صالحهم، وانما كانت تنفق على الشهوات وعلى ما يفسد الحياة العامة. (1) حياة الامام محمد الباقر. (*)
[ 194 ]
ولنستمع إلى بشار في ارجوزته التي يمدح فيها يزيد بن المهلب عامل المنصور الدوانيقي على (افريقية) يقول: وصبية اكبرهم صغير * إليك من خوف البلايا مور أما ترى فانت بي بصير * طالب خير خطوه قصير قد ساقه القحط ودهربور * بل غال نومي بائع مسعور يمشي برق بطنه مسطور * يهولني لقاؤه المحذور وأنا من رؤيته مذعور * يروعني وليس لي مجير إني لما اوليتني شكور * فهل لما بي من اذى تغيير (1) ارأيتم كيف كانت المجاعة سائدة في العصور العباسية الاولى لقد استجار هذا الشاعر بابن المهلب لينقذه من ويلات الفقر وكوارث البؤس، ويقول هذا الشاعر راجيا يعقوب ابن داود: يا ايها الرجل الغادي لحاجته * عند الخليفة بين المطل والجود إن الحوائج قد سدت مطالعها * فابعث لها جاه يعقوب بن داود قالت فطيمة: صم فينا فقلت لها: * إن شاء يعقوب صمنا يا ابنة الجود إذا ابن داود اعطاني معونته * كان الفراغ ولم اربع على عود (2) أرأيتم هذا التذلل والاستعطاف، فقد سدت نوافذ العيش على اغلب الطبقات، وعانى الناس الجوع والحرمان. الضرائب الثقيلة على المواريث: ومن ظلم العباسيين وجروهم أنهم فرضوا الضرائب الباهظة على تركة الاموات، وقد حكى لنا ابن المعتز في ارجوزته الوضع الراهن وما عاناه الناس من الظلم والقسوة يقول: ويل لمن مات أبوه موسرا * اليس هذا محكما مشتهرا وكان في دار البلاء سجنه * وقيل من يدري بانك ابنه فقال: جيراني ومن يعرفني * فنتفوا سباله حتى فني (3) (1) ديوان بشار 3 / 190. (2) ديوان بشار 3 / 59. (3) السبالة: الشارب. (*)
[ 195 ]
واسرفوا في لكمه ودفعه * وانطلقت اكفهم في صفعه ولم يزل في اضيق الحبوس * حتى رمى لهم بالكيس (1) لقد اسرف العباسيون في الظلم والجور، فنهبوا أموال الناس بغير حق، ويقول المؤرخون: ان كثيرا من الحكام يحاولون بعد موت ذوي الثروة انه لا وارث له حتى يستولوا على تركته (2) وهذا الاجراء القاسي يتصادم مع تعاليم الاسلام التي قضت بأن ما تركه الميت فلوراثه، وليس للحكام عليه أي سلطان نعم من مات ولا وارث له تنتقل تركته إلى بيت مال المسلمين، ولم يقتصر التعذيب ومصادرة أموال الناس بغير حق على طبقة خاصة من الناس وانما شملت امهات الخلفاء فقد عذب القاهر العباسي أم أخيه المقتدر، وعلقها برجلها لتخرج ما عندها من أموال، وتحمل اوقافها وتوكل في بيعها فامتنعت ولكن القاهر ارغمها على ذلك بعد تعذيب، وبطش شديد (3). القسوة في أخذ الخراج: وقاسى المسلمون كأشد ما تكون القسوة في أخذ الخراج منهم فقد استعملت الدولة عليهم جباة ارهابيين لا يرجون لله وقارا ولا يخافون سوء الحساب، فكانوا أشر من الافاعي، فقد أخذوا يعلقون الرجل البدين من ذراع واحدة حتى يشرف على الموت، وقد وصف ابن المعتز الحالة النكراء التي يؤخذ بها الخراج يقول: فكم وكم من رجل نبيل * ذي هيبة ومركب جليل رأيته يعتل بالاعوان * إلى الحبوس والى الديوان حتى أقيم في جحيم الهاجره * ورأسه كمثل قدر فائره وجعلوا في يده حبالا * من قنب يقطع الاوصالا وعلقوه في عرى الجدار * كأنه برادة في الدار وصفقوا قفاه صفق الطبل * نصبا بعين شامت وخل إذا استغاث من سعير الشمس * اجابه مستخرج برفس وصب سجان عليه الزيتا * وصار بعد بزة كميتا (1) الحضارة الاسلامية 1 / 199. (2) الحضارة الاسلامية 1 / 200. (3) الحضارة الاسلامية 1 / 234. (*)
[ 196 ]
حتى إذا طال عليه الجهد * ولم يكن مما أراد بد قال: ائذنوا لي أسأل التجارا * قرضا وإلا بعتهم عقارا واجلوني خمسة أياما * وطوقوني منكم انعاما فضايقوا وجعلوها اربعه * ولم يؤمل في الكلام منفعه وجاءه المعينون الفجرة * واقرضوه واحدا بعشره ثم تأدى ما عليه وخرج * ولم يكن يطمع في قرب الفرج وجاءه الاعوان يسألونه * كأنهم كانوا يدللونه وان تلكا اخذوا عمامته * وهشموا أخدعه وهامته فالآن زال كل ذاك اجمع * واصبح الجور بعدل يقمع (1) لقد وصف ابن المعتز القسوة البالغة التي يصبها الجباة على أهل الخراج، فقد ارهقوهم، وعذبوهم، وكان من تعذيبهم فيما يقول الرواة: انهم يضربون على رؤوسهم بالدبابيس (2) وتغرز في اظافيرهم اطراف القصب (3) وكان المنصور يعلق الناس من أرجلهم حتى يؤدوا ما عليهم (4). وأما أخذ الخراج في زمن المهدي العباسي فكان في منتهى القسوة، فكان أهل الخراج يعذبون بصنوف من العذاب من السباع والزنابير والسنانير (5). أما الرشيد فقد اشتد في أخذ الخراج، وبطش بالناس بطشا ذريعا واستعمل عليهم جباة لا رحمة ولا رأفة عندهم، فقد ولى عبد الله بن الهيثم في أخذ هذه الضريبة فعذب الناس بصنوف مريعة من الغذاب الاليم، فدخل عليه ابن عياض فرأى قسوته وعذابه للناس فقال له: ارفعوا عنهم اني سمعت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من عذب الناس في الدنيا عذبه الله يوم القيامة، فأمر برفع العذاب عن الناس (6) وجاء في وصية أبي يوسف للرشيد ما عومل به أهل الخراج من (1) الحضارة الاسلامية 1 / 132 - 133. (2) ذكر المعتزلة لاحمد بن يحيى (ص 92). (3) تأريخ ابن الاثير 8 / 181 - 182. (4) المحاسن والمساوئ (ص 339). (5) الوزراء والكتاب (ص 142). (6) تأريخ اليعقوبي 3 / 146. (*)
[ 197 ]
القسوة البالغة يقول: بلغني أنه قد يكون في حاشية العامل أو الوالى جماعة منهم من له حرمة، ومنهم من له إليه وسيلة ليسوا بابرار ولا صالحين يستعين بهم، ويوجههم في اعماله يقتضي بذلك الذمامات فليس يحفظون ما يوكلون بحفظه، ولا ينصفون من يعاملونه انما مذهبهم أخذ شئ من الخراج كان، أو من أموال الرعية، ثم انهم يأخذون ذلك كله - فبما بلغني - بالعسف والظلم والتعدي (1). واضاف بعد ذلك قائلا: وبلغني انهم يقيمون أهل الخراج في الشمس، ويضربونهم الضرب الشديد، ويعلقون عليهم الجرار، ويقيدونهم بما يمنعهم من الصلاة، وهذا عظيم عند الله، شنيع في الاسلام (2). وقد خولف بهذا الاجراء القاسي ما أمر به الاسلام من الرفق بالناس وتحريم القسوة معهم في أخذ الخراج وغيره من أي أمر كان ولكن حكام بني العباس قد جافوا ذلك وابتعدوا عنه. تركة ملوك العباسيين: وامتلات خزائن ملوك العباسيين بالاموال الطائلة التي اختلست من الشعوب الاسلامية، وأخذت بالعنف، والقهر، وهذه قائمة بما تركه بعض ملوكهم من الاموال. 1 - تركة المنصور: وترك المنصور الدوانيقي بعد هلاكه (اربعة عشر مليون دينار)، و (ستمائة مليون درهم) (3). 2 - تركة المهدي: وترك المهدي في خزائنه (سبعة وعشرين مليون درهم) (4). (1) الخراج (ص 116). (2) الخراج (ص 118). (3) مروج الذهب 3 / 318 البدء والتأريخ 6 / 92 أمراء الشعر العربي في العصر العباسي (ص 35). (4) الزبير (ص 23). (*)
[ 198 ]
3 - تركة الرشيد: وترك هارون الرشيد (تسعمائة مليون درهم) (1). هذه بعض الاموال التي تركوها، وقد استولوا عليها بغير حق وقد عانى المسلمون في جميع عهودهم الضيق والبؤس والحرمان هذه بعض معالم السياسة الاقتصادية في الحكم العباسي من اوله إلى منتهاه، وخلاصة القول فيها انها لم تكن مبينة على أسس سليمة، ولم تساير الاقتصاد الاسلامي الذي يهدف إلى انعاش الشعوب ونشر الرخاء والقضاء على البؤس والحاجة، فالملك العباسي كالملك الاموي ظل الله في الارض يتصرف في امكانيات العباد حسب رغباته، الم يقل الدوانيقي: " أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقة وتسديده، وأنا خازنه على فيئه اعمل بمشيئته، واقسمه بارادته، واعطيه باذنه، قد جعلني الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني فتحني وإذا شاء ان يقفلني قفلني " (2). وهذه السياسة القاتمة لا يقرها الاسلام، فان اموال المسلمين للمسلمين يجب أن تنفق على صالحهم ورفع مستواهم اقتصاديا وفكريا، وليس لرئيس الدولة أي سلطان عليها. كراهة المسلمين للحكم العباسي: وكره المسلمون الحكم العباسي، ونقموا منه كأشد ما تكون النقمة، وتمنوا رجوع الحكم الاموى على ما فيه من قسوة وعذاب، فقد ساسوا الامة بسياسة الظلم والجور، يقول عبد الرحمن الافريقي للمنصور الدوانيقي: " ظهر الجور ببلادنا فجئت لاعلمك، فإذا الجور يخرج من دارك ورأيت أعمالا سيئة، وظلما فاشيا، ظننته لبعد البلاد منك فجعلت كلما دنوت منك كان الامر اعظم ". فالتاع المنصور من كلامه وأمر باخراجه (3) وسأل المنصور ابن أبى ذؤيب فقال له: " أي الرجال أنا ". (1) عصر المأمون. (2) الطبري. (3) تأريخ بغداد 10 / 215. (*)
[ 199 ]
فاجابه بمنطق الاحرار الذي لا يخضع للسلطان قائلا: " أنت والله عندي شر الرجال، استأثرت بمال الله ورسوله، وسهم ذوى القربى واليتامى والمساكين، واهلكت الضعيف، واتبعت القوى، وأمسكت أموالهم " (1). وكانت سياسة ملوك بنى العباس متشابهة في الظلم والجور، يقول احمد بن أبي نعم: ما أحسب الجور ينقضى وعلى النا * س أمير من آل عباس فنفاه المأمون بسبب هذا لبيت إلى السند (2) ويقول أبو عطاء السندي: يا ليت جور بني مروان دام لنا * وليت عدل بني العباس في النار (3) واستنهض سليم العدوي الامة لتثور على الحكم العباسي يقول: حتى متى لا نرى عدلا نسر به * ولا نرى لولاة الحق اعوانا مستمسكين بحق قائمين به * إذا تلون أهل الجور الوانا يا للرجال لداء لا دواء له * وقائد ذى عمى يقتاد عميانا (4) ويقول شاعر الاحرار سديف: إنا لنأمل أن ترتد الفتنا * بعد التباعد والشحناء والاحن وتنقضي دولة احكام قادتها * فينا كأحكام قوم عابدي وثن وانتشر هذا الشعر، وسمعه المنصور فأوعن إلى عامله عبد الصمد بدفنه حيا ففعل (5). ويقول الدكتور أحمد محمود صبحي: " لكن ذلك المثل الاعلى للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين قد اصبح وهما من الاوهام فشراسة المنصور، والرشيد وجشعهم، وجور اولاد علي بن عيسى وعبثهم بأموال المسلمين يذكرنا بالحجاج وهشام ويوسف ين عمرو الثقفي، وعم الاستياء افراد الشعب بعد ان استفتح أبو عبد الله المعروف بالسفاح، وكذلك المنصور بالاسراف في سفك الدماء (1) الامامة والسياسة 2 / 145. (2) نهاية الارب 8 / 175. (3) حياة الامام الرضا (ص 108). (4) المستطرف 1 / 97. (5) العمدة لابن رشيق 1 / 75. (*)
[ 200 ]
على نحو لم يعرف من قبل (1). لقد نقم المسلمون من الحكم العباسي الذي لم يحقق أي هدف من أهدافهم ولا أي أمل من آمالهم، وانما كان سادرا في الطيش والعنف، وارغام الناس على ما يكرهون. الفتن والثورات الشعبية: وماجت البلاد الاسلامية بالفتن، وشاعت فيها الثورات السعبية وهي من دون شك كانت ناجمة من سوء السياسة العباسية التى لم ترع بأى حال من الاحوال مصالح المجتمع ورغباته الهادفة إلى تحقيق العدل السياسي، والعدل الاجتماعي بين الناس، ومن أهم الثورات التى اندلعت هي: ثورة أبي السرايا أما ثورة أبي السرايا فهي من اخطر الثورات التى اندلعت في ذلك العصر، وقد خسر المسلمون فيها مائتي الف مقاتل، ونتحدث - بايجاز - عن بعض معالم هذه الثورة، وهي: مفجر الثورة: أما مفجر هذه الثورة، وواضع تصاميمها ومخططاتها فهو الزعيم العلوي العظيم محمد بن ابراهيم المعروف بالطباطبائي (2) فقد رأى هذا العلوي الكريم ما مني به المسلمون من الظلم والاضطهاد وما عاناه السادة العلويون من التنكيل والارهاق فتحفز لاعلان الثورة لانقاذ المسلمين من الطغمة العباسية، الحاكمة وقد وصفه المؤرخون بانه كان شديد الرقة والعطف على الفقراء والمحرومين فقد اجتاز في بعض شوارع الكوفة فرأى عجوزا تتبع احمال الرطب فتلتقط ما يسقط منها، وتجمعه في كساء رث فسألها عن ذلك، فقالت له: " إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي، ولي بنات لا يعدن أنفسهن بشئ، فأنا اتتبع هذا في الطريق، واتقوته أنا وولدي ". ولما سمع ذلك انهارت قواه وانفجر باكيا، والتفت إليها قائلا بحرارة: " والله أنت وأشباهك تخرجوني غدا حتى يسفك دمي " (3). (1) نظرية الامامة (ص 381). (2) سمي بهذا الاسم للكنة في لسانه أيام طفولته، وقد لقبه بذلك ابوه، تاريخ ابن خلدون 4 / 8. (3) مقاتل الطالبيين (ص 539). (*)
[ 201 ]
ودفعه هذا الاحساس، والحدب على الفقراء لاعلان الثورة لينقذهم من الظالمين الذين اختلسوا أموال الشعب. واخذ محمد في تدبير اموره فاتصل بذوي الرأي والنفوذ من زعماء العرب وشخصيات المسلمين يطلب منهم الانضمام إليه والاشتراك معه في مقاومة الظلم وقلب الحكم القائم، والتقى بالزعيم العربي الكبير نصر بن شيث فعرض عليه الامر فانبرى نصر يعلن دعمه له، ويحرضه على الثورة قائلا له: " حتى متى توطئون بالخسف، وتهتضم شيعتكم، وينزى على حقكم " (2) والهبت هذه الكلمات عواطفه ومشاعره وتحفز محمد إلى الاسراع الثورة لما رأى اختلاف العباسيين وتفرق كلمتهم، وتشتت شملهم بسبب الفتنة الكبرى التي حدثت بين الامين والمأمون فقد اوجبت تصدع الحكم، وتطلع المجتمع إلى ثورة تنقذهم من ويلات الكم العباسي. انضمام أبي السرايا إلى الثورة: ومما زاد في احكام الثورة، وخطورتها انضمام القائد المحنك أبي السرايا إليها، وكان علوي الرأي يتحرق ألما على ما اصاب السادة العلويين من المأسي والخطوب على أيدي العباسيين، ومن الخير ان نتحدث عن بعض شؤون هذا القائد الملهم. انه السري بن منصور الشيباني الثائر الشجاع من الامراء العصاميين، خاض كثيرا من الحروب، ولما نشبت الفتنة بين الامين والمأمون التحق بمعسكر هرثمة بن أعين، وصار معه في الفي مقاتل، وخوطب بالامير، ولما قتل الامين نقص هرثمة من عطايا الجيش ومرتباتهم فساء ذلك أبا السرايا، وعزم على التخلي عنه، واستأذنه أن يحج فأذن له، واعطاه عشرين الف درهم فأخذها وفرقها بين أصحابه، وقد استمال بذلك قلوبهم، واوصاهم باتباعه إلى (عين التمر)، فلما انتهوا إليها أخذوا عاملها، ونهبوا أمتعته، ولقوا عاملا آخر لبني العباس فأخذوا أمواله، وقسموها بينهم، ولما انتهت الانباء إلى هرثمة فقد صوابه، وارسل جييشا لمناجزة أبي السرايا، ولما التقى الجيشان دارت بينهم معركة رهيبة فانهزم جيش هرثمة، ومني بخسارة فادحة وسار أبو السرايا قاصدا نحوا (الانبار)، فلما وصل إليها استولى على الادارة المحلية، وقتل (1) مقاتل الطالبيين (ص 519) (*)
[ 202 ]
عاملها ابراهيم الشروري، وصادر جميع أمواله. التقاء أبي السرايا بمحمد: وأخذ أبو السرايا يواصل الزحف بجيوشه، ولا ينتهي إلى بلد حتى يفتك بعمال بنى العباس، ووصل إلى (الرقة) وفيها التقى بالزعيم الكبير محمد بن ابراهيم، وبعد مباحثات جرت بينهما عرضا فيها ما يعانيه المسلمون من الذل والهوان والقهر من الحكم العباسي صمما على القضاء عليه، والدعوة إلى بيعة الرضا من آل محمد (1). واسند محمد إلى ابى السرايا القيادة العسكرية العامة ومنحه ثقته، وفوض إليه جميع شؤون الثورة ومخطاتها. اعلان الثورة: واعلن أبو السرايا الثورة على الحكم العباسي، وزحف بجيوشه نحو (نينوى)، واتجه صوب مرقد أبي الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام)، فزار المرقد الطاهر، واطال الزيارة، وجعل يتمثل بابيات منصور النمري قائلا: نفسي فداء الحسين يوم غدا * إلى المنايا عدو لا قافل ذاك يوم انحى بشفرته * على سنام الاسلام والكاهل كأنما أنت تعجبني ألا * ينزل بالقوم نقمة العاجل لا يعجل الله ان عجلت وما * ربك عما ترين بالغافل مظلومة والنبي والدها * يدير ارجاء مقلة حافل ألا مساعير يغضبون لها * بسلة البيض والقنا الذابل ورفع عقيرته قائلا: " من كان هاهنا من الزيدية فليقم إلي ؟ ". فوثب إليه جماعات من الجيش فخطبهم خطبة طويلة اشاد فيها بأهل البيت (عليهم السلام)، وبين مآثرهم وفضائلهم، وما عانوه من الظلم والاضطهاد من خصومهم واعدائهم، وعرج في خطابه على سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) فقال: " أيها الناس هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن ادركتموه (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 400 - 401 نقلا عن تأريخ ابن خلدون 7 / 243. (
[ 203 ]
ولحقتموه وهو غدا خارج طالب بثأره وحقه، وتراث آبائه، واقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته، انني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله، والذب عن دينه والنصر لاهل بيته، فمن كانت له نية في ذلك، فليلحق بي... ". واستجابت له الزيدية وغيرهم، واتجه أبو السرايا بجيوشه نحو الكوفة. وأما محمد فقد اعلن الثورة في نفس اليوم الذي ثار فيه أبو السرايا، وقد التفت حوله الجماهير الحاشدة، وظل محمد يترقب بفارغ الصبر قدوم أبي السرايا عليه، وقد طالت الايام حتى يئس منه اصحابه، ولاموا محمدا على الاستعانة به، واغتم محمد لتأخره عنه، وبينما هم في قلق واضطراب إذ طلعت عليهم جيوش أبي السرايا، ففرح محمد وسر سرورا بالغا، ولما قرب منه قام إليه محمد واعتنقه، وبقي معه أياما ثم اتجه معه صوب الكوفة، فلما انتهى إليها استقبله أهلها استقبالا رائعا، واظهروا الفرحة الكبرى بقدومه وبايعوه بالاجماع (1). واحتلت جيوش ابي السرايا الكوفة، ونهبوا جميع ما في قصر الفضل بن عيسى والي الكوفة، ولم يرغب بذلك أبو السرايا فاصدر أوامره المشددة إلى الجيش بالكف عن السلب والنهب وارجاع المنهوبات إلى أهلها. وارسل الحسن بن سهل حاكم العراق من قبل المأمون ثلاثة الآف فارس بقيادة زهير بن الحسن لحرب أبي السرايا، ولما انتهت إلى الكوفة التحمت مع جيوش أبي السرايا، فانهزم الجيش العباسي شر هزيمة، واستولى جيش أبي السرايا على جميع أمتعته (2) وقد انتصر أبو السرايا انتصارا رائعا، وسرى والخوف والرعب في نفوس العباسيين، وايقن الكثيرون منهم أن الثورة قد نجحت، وان مصيرهم في خطر عظيم. وفاة الزعيم محمد: ومن المؤسف حقا ان الزعيم الكبير محمد بن ابراهيم قد توفي وذهبت معظم المصادر التأريخية إلى انه توفي وفاة طبيعية وعزت بعض المصادر وفاته إلى أبي السرايا فقد دس إليه سما فاغتاله، ليتخلص منه، واكبر الظن انه توفي حتف انفه، ولم يكن * (هامش) (1) مقاتل الطالبيين (ص 533). (2) مقاتل الطالبيين. (*)
[ 204 ]
لابي السرايا أي ضلع فيها لان الثورة كانت في بدايتها، وليس من الممكن بأي حال من الاحوال أن يقدم أبو السرايا على اغتياله في تلك الظروف الحرجة التي لم يتيقن فيها بنجاح ثورته. ومهما يكن من أمر فان أبا السرايا قام بتجهيز الجثمان الطاهر فغسله وادرجه في اكفانه، وحملوه في غلس الليل البهيم إلى (الغري) فدفنوه فيه (1) ورجعوا إلى الكوفة، وفي الصبح جمع أبو السرايا الناس، ونعى إليهم الزعيم الكبير محمد وعزاهم بوفاته، فارتفعت الاصوات بالبكاء، والتفت إليهم قائلا: " ولقد اوصى أبو عبد الله إلى شبيهه، ومن اختاره وهو ابو الحسن علي بن عبيد الله، فان رضيتم به فهو الرضى، وإلا فاختاروا لانفسكم ". وساد الوجوم في جميع قطعات الجيش، ولم ينبس أحد ببنت شفة وانبرى العلوي محمد بن محمد بن زيد، وهو غلام حدث السن، فخاطب العلويين قائلا: " يا آل علي إن دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا - عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل وادرك الثأر ". والتفت الي علي بن عبيد الله، فقال له: " ما تقول: يا أبا الحسن، فقد وصانا بك، أمدد يدك نبايعك ". واضاف يقول: " ان أبا عبيد الله رحمه الله قد اختار، فلم بعدم الثقة في نفسه ولم يألوا جهدا في حق الله الذي قلده، وما رد وصيته تهاونا بأمره ولا ادع هذا نكولا عنه، ولكن أتخوف أن اشتغل به عن غيره، مما هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لامرك، واجمع شمل بني عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضى عندنا الثقة في أنفسنا ". ثم التفت إلى أبي السرايا فقال له: " ما ترى أرضيت به ؟ ". وسارع أبو السرايا قائلا: " رضاي من رضاك وقولي من قولك ". (1) مقاتل الطالبيين (*)
[ 205 ]
وجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وقام محمد في الوقت بعزم ثابت فنظم شؤون حكومته، وبعث عماله إلى الاقطار الاسلامية التي فتحها أبو السرايا، وهذه المناطف التي بعث إليها عماله: 1 - الكوفة: وقد ولى عليها اسماعيل بن علي. 2 - اليمن: وقد ولى عليها ابراهيم نجل الامام موسى بن جعفر. 3 - الاهواز: وقد جعل عليها زيد بن موسى. 4 - البصرة: وقد استمعل عليها العباس بن محمد. 5 - مكة: وقد جعل عليها واليا الحسن بن الحسن الافطس. 6 - واسط: وقد جعل عليها جعفر بن محمد بن زيد وجعل على شرطته روح بن الحجاج، واسند القضاء إلى عاصم بن عامر. وضربت النقود بالكوفة، وكتب عليها الآية الكريمة (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص) وأخذت الثورة تتسع في مناطق العالم الاسلامي، فقد سئم المسلمون من الحكم العباسي، واستجابوا بفرح وسرور إلى الحكم العلوي. وادرك العباسيون الخطر الذى يهدد حياتهم وزوال سلطانهم، فقد مني والى العراق الحسن بن سهل بهزيمة ساحقة، فكتب إلى طاهر بن الحسين لينضم إليه إلى قتال أبي السرايا، ولكن كتبت إليه رقعة فيها هذه الابيات، وقد اخفى صاحبها اسمه وهي: قناع الشك يكشفه اليقين * وأفضل كيدك الرأى الرصين تثبت قبل ينفذ فيك أمر * ويهيج لشره داء دفين اتندب طاهرا لقتال قوم * بنصرتهم وطاعتهم يدين سيطلقها عليك معقلات * تصر ودونها حرب زبون ويبعث كامنا في الصدر منه * ولا يخفى إذا ظهر المصون فشأنك واليقين فقد أنارت * معالمه واظلمت الظنون ودونك ما تريد بعزم رأي * تدبره ودع ما لا يكون ولما قرأ الحسن هذه الابيات رجع عن رأيه، وكتب إلى هرثمة بن أعين يسأله التعجيل في القدوم إليه، وأوفد لمقابلته السندي بن شاهك، وكانت بين الحسن
[ 206 ]
وهرئمة شحناء وتنافر، فلما التقى به السندي، وناوله الكتاب، فقرأه، وقال: " نوطئ نحن الخلافة، ونمهد لهم اكنافها، ثم يستبدون بالامور ويستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم واضاعتهم الامور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله، ولا كرامة حتى يعرف امير المؤمنين - يعني المأمون - سوء آثارهم وقبيح أفعالهم ". وتباعد عنه السندي، ويئس منه، ووردت عليه رسالة من المنصور بن المهدي، فلما قرأها استجاب، وقفل راجعا إلى بغداد فلما صار إلى (النهروان) خرج البغداديون إلى استقباله، وفي طليعتهم الوجوه وقادة الجيش، وحينما رأوه ترجلوا جميعا، ونزل في داره، وامر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار من الرجال ما شاء، وأطلقت إليه بيوت الاموال، واخذ هرثمة يجمع الجيوش ويعد العدة لمناجزة أبي السرايا، ولما كملت جيوشه وكان عددهم ثلاثين الف مقاتل ما بين فارس وراجل زحف بهم نحو الكوفة واجتاز على (المدائن) فاستولى عليها، وهزم عاملها، ثم زحف نحو (الكوفة)، والتقى جيشه بجيش أبي السرايا، فالتحما ودارت بينهما معارك رهيبة، وقد قتل من اصحاب ابي السرايا خلق كثير، وقد انهارت قواه العسكرية، ولم يعد قادرا على حماية (الكوفة) التي هي عاصمته، فهرب نحو (القادسية) ثم منها إلى (السوس) فاغلق اهلها عليه الابواب، وطلب أبو السرايا منهم أن يفتحوها له ففتحوها، ووقعت الحرب بينهم وبين أهالي السوس فانهزم أبو السرايا قاصدا (خراسان)، فنزل قرية يقال لها (برقانا) فخرج إليهم عاملها فاجتمع بهم، واعطاهم الامان فاستجابوا له، وفي نفس الوقت ارسلهم إلى الحسن بن سهل، وكان مقيما بالمدائن، فلما انتهوا إليه أمر بقتل أبي السرايا، فقتل، ثم امر بصلب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد، كما أمر بصلب بدنه في الجانب الغربي من بغداد (1) وكانت المدة بين خروجه وقتله عشرة أشهر (2). وانتهت بذلك هذه الحادثة الخطيرة، وقد قتل فيها ما يقرب من مائتي الف مقاتل، ومما لا شبهة فيه ان هذه الثورة وامثالها كانت ناجحة من سوء السياسة العباسية التي لم تألوا جهدا في ظلم الناس وارغامهم على الذل والعبودية للحكم العباسي. (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 403 - 406 نقلا عن مقاتل الطالبيين وغيره. (2) تأريخ الطبري 10 / 231 تأريخ ابن الاثير 5 / 177. (*)
[ 207 ]
وعلى أي حال فان الحياة السياسة في عصر الامام (عليه السلام) كانت مضطربة وبشعة، فقد شاعت الاضطرابات، وانتشر التمرد على الحكم العباسي في معظم البلاد الاسلامية. التنكيل بالعلويين: ومن أقسى المحن التي السادة العلويون في العصور العباسية الاولى، والتي شاهد بعضها الامام الرضا (عليه السلام) هو التنكيل القاسي بالعلويين فقد عمد العباسيون بشكل سافر إلى اضطهادهم وتصفيتهم جسديا.. وكان أول من أوقع الفتنة بين العلويين والعباسيين هو المنصور الدوانيقي (1) وهو القائل: " قتلت من ذرية فاطمة الفا أو يزيدون، وتركت سيدهم ومولاهم وامامهم جعفر بن محمد " (2). لقد قتل هذا العدد من ابناء رسول الله (ص) ليجعلهم ذخرا له يقدمهم إلى الله تعالى والى جدهم رسول الله (ص) وهو الذي ترك لولده خزانة رؤوس العلويين، وعلق بكل رأس ورقة كتب فيها اسم العلوي، وقد حوت رؤوس شيوخ وأطفال وشباب (3). وقال للامام الصادق (عليه السلام): " لاقتلنك ولاقتلن أهلك حتى لا أبقي على الارض منكم قامة سوط " (4). وقال أبو القاسم الرسي عندما هرب من المنصور إلى (السند): لم يروه ما أراق البغي من دمنا * في كل أرض فلم يقصر من الطلب وليس يشفي غليلا في حشاه سوى * أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي (5). ان ما اقترفه المنصور من اراقة دماء ابناء النبي (ص) من اسوأ الصفحات في (1) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص 261) مروج الذهب 4 / 222. (2) الادب في ظل التشيع (ص 68). (3) تأريخ الطبري 10 / 446. (4) المناقب 3 / 357. (5) النزاع والتخاصم للمقريزي (51). (*)
[ 208 ]
تأريخ الدولة العباسية كما يقول السيد أمير علي (1). وفي عهد الهادي عانت الاسرة العلوية الخوف والارهاب فقد اخافهم خوفا شديدا، والح في طلبهم، وقطع ارزاقهم، واعطياتهم إلى الآفاق بطلبهم (2) وهو صاحب (واقعة فخ) الشبيهة بكارثة كربلا في مآسيها، فقد بلغ عدد الرؤوس التي ارسلت إليه مائة ونيفا، وسبى الاطفال والنساء، وقتل السبى حتي الاطفال (3). وأما في عهد الرشيد فقد عانى العلويون أشد وأقسى الوان الظلم يقول الفخري: " لم يكن - أي الرشيد يخاف الله وأفعاله باعيان آل علي وهم اولاد بنت نبيه لغير جرم (4) وقد اقسم على تصفيتهم وتصفية شيعتهم يقول: حتام اصبر على آل بنى أبي طالب والله لاقتلنهم ولاقتلن شيعتهم " (5) وقد اوعز إلى عامله على يثرب بان يضمن العلويون بعضهم بعضا (6) وهو الذي هدم قبر سيد الشهداء وريحانة رسول الله (ص) الامام الحسين، وقطع السدرة التي كان يستظل تحتها الزائرون وقد قام بذلك عامله على الكوفة موسى بن عيسى العباسي (7). ومن اعظم ما اقترفه من (الاثم) اغتياله لامام المسلمين وسيد المتقين الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) بعدما قضى في سجونه حفنة من السنين. ويصف دعبل الخزاعي في قصيدته العصماء التي رثى بها الامام الرضا (عليه السلام) ما عاناه العلويون من القتل والسجن والتعذيب من العباسيين يقول: وليس حي من الاحياء نعلمه * من ذي يمان ومن بكر ومن مضر إلا وهم شركاء في دمائهم * كما تشارك ايسار على جزر قتلا وأسرا وتحريقا ومنهبة * فعل الغزاة بأهل الروم والخزر أرى أمية معذورين إن فعلوا * ولا أرى لبنى العباس من عذر (8) (1) مختصر تأريخ العرب (ص 18). (2) تأريخ اليعقوبي 3 / 136. (3) حياة الامام موسى بن جعفر. (4) الاداب السلطانية (ص 20). (5) الاغاني 5 / 225. (6) الولاة والقضاة (ص 198). (7) أمالي الشيخ (ص 330). (8) ديوان دعبل. (*)
[ 209 ]
ويقول منصور النمري: آل النبي ومن يحبهم * يتطامنون مخافة القتل أمن النصارى واليهود وهم * من أمة التوحيد في ازل وعرض الشاعر الكبير ابن الرومي في قصيدته التى رثى بها الشهيد الخالد يحيى إلى محن العلويين، وما جرى عليهم من صنوف التعذيب يقول: ألا ايهذا الناس طال ضريركم * بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج تبيعون فيه الدين شر أئمة * فلله دين الله قد كاد يمرج (1) إلى ان قال: بنى المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * ولبلواكم عما قليل مفرج (2) أما فيهم راع لحق نبيه * ولا خائف من ربه يتحرج (3) وقد عرض احرار الشعراء إلى ما عانوه السادة من الخطوب والمحن من أئمة الظلم والجور في كثير مما نظموه وقد ذكرنا القسم الكثير منه في مؤلفاتنا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من اراد الوقوف عليه فليراجعها، ونختم هذا البحث بالرسالة الآتية فقد عرضت ما جرى على العلويين. رسالة الخوارزمي: وكشف الخوارزمي في رسالته التي بعثها إلى أهالي (نيشابور) ما جرى على السادة العلويين من ضروب المحن والبلاء التي يعانها غيرهم وننقل بعض ما جاء منها قال: " فلما انتهكوا - أي بني أمية - ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الاثم العظيم غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم (أبا مجرم) لا أبا مسلم فنظر لا نظر الله إليه إلى صلابة العلوية، والى لين العباسية فترك تقاه واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، بقتله عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسلط طواغيت (1) أراد بشر الائمة العباسيين، ويمرج: أي يفسد ويضطرب. (2) الشلو: العضو، والمراد قتل ابنائهم. (3) مقاتل الطالبين (ص 646). (*)
[ 210 ]
خراسان، واكراد اصفهان، وخوارج سجستان على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل وجبل، حتى سلط الله عليه أحب الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وإن ركب ما لا يهواه، وخلت إلى الدوانيقي الدنيا فخبط فيها عسفا، وتقضى فيها جورا، وحيفا، وقد امتلات سجونه بأهل بيت الرسالة، ومعدن الطيب والطهارة، وقد تتبع غائبهم وتلقط حاضرهم حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسني ب (السند)، على يد عمر بن هشام الثعلبي، فما ظنك بمن قرب متناوله عليه ولان مسه على يديه... وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم، فقد عرفتم ما توجه على الحسن - والصحيح الحسين - بن على ب (فخ) من موسى، وما اتفق على علي بن الافطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن على الزيدي، وعلى القاسم بن على الحسيني من حبسه، وعلى غسان بن حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله، والجمله ان هارون مات وقد حصد شجرة النبوة، واقتلع غرس الامامة وانتم أصلحكم الله أعظم نصيبا في الدين من الاعمش فقد شتموه ومن شريك فقد عزلوه، ومن هشام بن الحكم فقد اخافوه ومن على بن يقطين فقد اتهموه... " وعرض بعد هذا إلى بني أمية، ثم عرض ثانيا لبني العباس قائلا: وقل في بني العباس فانك ستجد بحمد الله مقالا: وجل في عجائبهم فانك ترى ما شئت مجالا. يجبي فيؤهم فيفرق على الديلمي، والتركي، ويحمل إلى المغربي والفرغاني، ويموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات بيت المصطفى فلا تتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت (ظراط) لهم أو لا عجب أو مسخرة، أو ضارب فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة ويسلم فيهم من يعرفونه دهريا، أو سوفسطائيا، ولا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا ومانويا، ويقتلون من يعرفونه شيعيا، ويسفكون دم من سمى ابنه عليا. ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن خنيس قتيل داود بن على، ولو لم يحبس فيهم غير أبى تراب المروزي لكان ذلك جرحا لا يبرأ، وثائرة لا تطفأ، وصدعا لا يلتئم، وجرحا لا تلتحم.
[ 211 ]
وكفاهم أن شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعارا، يهجون بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم، ودونت أخبارهم، ورواها الرواة، مثل الواقدي ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي، والشرقي بن القطامي والهيثم بن عدى، ودأب بن الكناني، وان بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوحي، بل ذكر معجزات النبي (ص) فيقطع لسانه، ويمزق ديوانه، كما فعل بعبد الله بن عمار البرقى ؟ وكما اريد بالكميت بن زيد الاسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النميري، وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي، مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن على بن الجهم الشامي، ليس الا لغلوهما في النصب، واستيحا بهما مقت الرب، حتى ان هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالا، ولا يبذلان نوالا الا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل مروان بن أبى حفصة الاموي، فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري، وأبي السمط بن أبي الجون الاموي وابن أبى الشوارب العبشمي. وعرج بعد هذا الكلام على بني أمية وما اقترفوه من ظلم العلويين ثم أستأنف الكلام عن العباسيين فقال: وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وان كرهوه، وبتفصيل من نقصوه وقتلوه، قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون: آل النبي ومن يحبهم * يتطامنون مخافة القتل أمن النصارى واليهود وهم * من أمة التوحيد في أزل وقال دعبل وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم (1). الم تر أني مذ ثمانين حجة * أروح واغدو دائم الحسرات أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات وقال على بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم: تأليت أن لا يبرح المرء منكم * يشل على حر الجبين فيعفج (1) لم يكن دعبل الخزاعي صنيعة بني العباس، وأنما هو صنيعة أهل البيت وشاعرهم وعانى في سبيلهم المصاعب والكوارث. (*)
[ 212 ]
كذاك بنو العباس تصبر منكم * ويصبر للسيف الكمي المدجج لكل أوان للنبى محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج وقال ابراهيم بن العباس الصولي: وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه المأمون: يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مئة واحدا وكيف لا ينتقضون قوما يقتلون بنى عمهم جوعا وسغبا، ويملاون ديار الترك والديلم فضة وذهبا، يستنصرون المغربي والفرغاني ويجنون المهاجرى والانصاري، ويولون انباط السود وزارتهم وتلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم، وفئ جدهم، يشتهي العلوي الاكلة فيحرمها، ويقترح على الايام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والاهواز، وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى ابن مريم المديني، والى ابراهيم الموصلي، وابن جامع السهمي، والى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، واقطاع بختيشوع النصراني قوت اهل بلد، وجاري بغا التركي والافشين الاشروسني، كفاية أمة ذات عدد. والمتوكل زعموا يتسرى بإثني عشر الف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية، وصفوة مال الخراج مقصورة على ارزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخاتنة، وعلى طعمة الكلابين، ورسوم القرادين، وعلى مخارق وعلوية المغني، زرزر، وعمر بن بانة المهلبي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دانق وجبة، ويشترون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر. والقوم الذين أحل لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبة، يتكففون ضرا، ويهلكون فقرا، ويرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيئه بعين مريضة، ويشتد على دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلا ان جده النبي (ص)، وأبوه الوصي، وأمه فاطمة، وجدته خديجة، ومذهبه الايمان، وامامه القرآن، وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمفرطة والى المغمزة، والى المزررة، وخمسه مقسوم على نقار الديكة الدمية، والقردة، وعلى رؤوس اللعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة. " وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات وأجرو العبادة وذويه الجرايات، وحرثوا تربة الحسين (عليه السلام) بالفدان، ونفوا زواره إلى البلدان وما
[ 213 ]
اصف من قوم هم نطق السكارى في ارحام القيان ؟ وماذا يقال في أهل بيت منهم البغا، وفيهم راح التخنيث وغدا، وبهم عرف اللواط ؟ كان ابراهيم ابن المهدي مغنيا، وكان المتوكل مؤنثا موضعا، وكان المعتز مخنثا، وكان ابن زبيدة معتوها مفركا وقتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وسم موسى ابن المهدي امه، وسم المعتضد عمه ". وعرض بعد هذا إلى مصائب الامويين، ثم ختم كلامه بعيوب العباسيين قائلا: " وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها، ومع قبحها وشنعها، صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرقوا في الملاهي والمعاصي اموال المسلمين... " (1). لا أكاد أعرف وثيقة سياسية جامعة مثل هذه الوثيقة فقد المت باحوال ملوك العباسيين، وحكت سوء سياستهم، التي منها قسوتهم البالغة على السادة العلويين، وحرمانهم من جميع حقوقهم الطبيعية، حتى بلغت بها الضائقة إلى حد لا يطاق، في حين أن الاموال الطائلة كانت تنفق على الشهوات، وعلى العابثين والمغنين والماجنين وأهل البيت ومن يمت إليهم من شيعتهم، لا يجدون الرغيف ولا الستر، ولا غير ذلك من مستلزمات الحياة. كما حكت هذه الوثيقة أمورا بالغة الاهمية والخطورة، ولا نحتاج إلى بيانها فهي واضحة في مدلولها. مع الواقفية: من الاحداث التي جرت في عصر الامام الرضا (عليه السلام)، وأزعجته إلى حد بعيد هي انتشار مذهب (الواقفية) بين صفوف الشيعة، فقد ذهب القائلون بالوقف إلى أن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) حي ولم يمت، ولا يموت، وانه رفع إلى السماء كما رفع المسيح بن مريم وانه هو القائم المنتظر الذى يملا الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا، وزعموا أن الذي في سجن السندي بن شاهك ليس هو الامام موسى (عليه السلام)، وانما شبه وخيل إلى الناس انه هو... ولا بد (1) حياة الامام الرضا (ص 100 - 106) نقلا عن رسائل الخوارزمي. (*)
[ 214 ]
من وقفة قصيرة للحديث عن يعض شؤون هذه العصابة: 1 - سبب الوققف: اما سبب الوقف فيعود إلى أن الامام الكاظم (عليه السلام) حينما كان في سجن هارون نصب وكلاء له لبعض الحقوق الشرعية التي كانت ترد إليه من الشيعة، وقد اجتمعت أموال كثيرة عند بعض الوكلاء، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون الف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون الف دينار، فلما توفي الامام الكاظم (عليه السلام) جحدوا موته، واشتروا بالاموال التي عندهم الضياع والدور، وقد طلبها الامام الرضا (عليه السلام) منهم فانكروا موت أبيه، وابوا من تسليمها له (1). 2 - انتشار الوقف: وانتشرت افكار (الواقفية) بسبب الدعاة، فقد بذلوا الاموال الطائلة بسخاء لشراء الضمائر، واضلال الناس فقد روى يونس بن عبد الرحمن قال: " مات أبو ابراهيم موسى (عليه السلام) وليس من قومه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعا في الاموال، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون الف دينار، وعند على بن أبي حمزة ثلاثون الف دينار، فلما رأيت ذلك، وتبينت الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما عرفت تكلمت ودعوت الناس إليه، فبعثا إلي، وقالا: ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نعينك، وضمنا لي عشرة الآف دينار، وقالا: كف، فأبيت، وقلت لهما، إنا روينا عن الصادقين (عليهم السلام) أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فان لم يفعل سلب نور الايمان، وما كنت لادع الجهاد في أمر الله على كل حال، فناصباني، واضمرا لي العداوة (2). بمثل هذه الاساليب والخدع انتشر مبدأ الوقف، ولكنه ما لبث أن تحطم، وانكشف زيفه، وظهر دجل دعاته. شجب الامام للواقفية: وانكر الامام الرضا عليه لسلام على دعاة االواقفية ما ذهبوا إليه، فقد كتب (1) البحار 2 / 308. (2) البحار 12 / 308. (*)
[ 215 ]
إليه بعض شيعته يسأله عنهم فأجابه (عليه السلام) " الواقف حائد عن الحق، ومقيم على سيئة إن مات لها كانت جهنم مأواه وبئس المصير " (1). وسأله بعض الشيعة عن جواز اعطاء الزكاة لهم فنهاه عن ذلك، وقال: إنهم كفار مشركون زنادقة (2) ووفد محمد بن الفضيل على الامام الرضا عليه السلام، فقال للامام يخبره بحال زعماء الوقف: " جعلت فداك، إني خلفت ابن أبي حمزة، وابن مهران وابن أبي سعيد - وهم زعماء الواقفية - أهل الدنيا عداوة لله تعالى... " فأجابه الامام: " ما ضرك من ضل إذا اهتديت، إنهم كذبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذبوا فلانا، وفلانا، وكذبوا جعفر وموسى (عليهما السلام)، ولي بآبائي أسوة... ". فانبرى محمد قائلا: " إنك قلت لابن مهران: أذهب الله نور قلبك، وادخل الفقر بيتك.. ". فقال الامام عليه السلام: " كيف حاله، وحال أخوانه ؟.. ". فأخبره محمد باستجابة دعائه، وانهم معانون البؤس والفقر قائلا: " يا سيدى. هم بأشد حال مكروبون ببغداد، لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة... ". لقد تميز موقف الامام عليه السلام بالشدة والصرامة تجاه هؤلاء الذين ساقتهم الاطماع إلى التمرد على الحق، وجحود الامام. الامام مع الحسين بن مهران: أما الحسين بن مهران فهو من أعلام الواقفية، وكان يكتب إلى الامام الرضا (عليه السلام) بلهجة تنم عن نفاقه وعدم ايمانه، فكان يأمر الامام وينهاه، وقد تخلى بذلك عن نواميس الادب، فلم يرع مقام الامام، وقد كتب إليه الامام برسالة، وأمر اصحابه باستنساخها لئلا يسترها ابن مهران، وهذه صورة الكتاب بعد البسلمة: (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 207. (2) البحار 12 / 909. (*)
[ 216 ]
" عافانا الله، وإياك، جاءني كتابك تذكر فيه الرجل الذى عليه الخيانة والغين، وتقول: احذره، وتذكر ما تلقاني به، وتبعث إلي بغيره، فاحتججت، فأكثرت، وزغمت عليه أمرا، واردت الدخول في مثله... تقول: إنه عمل في أمري بعقله وحيلته، نظرا فيه لنفسه، وإرادة أن تميل إليه قلوب الناس، ليكون الامر بيده، وإليه يعمل فيه برأيه، ويزعم أني طاوعته فيما أشار به علي وهذا أنت تشير علي فيما يستقيم عندك في العقل والحيلة بعدك " بغيرك " لا يستقم الامر الا بأحد الامرين: اما قبلت الامر على ما كان يكون عليه، واما اعطيت القوم ما طلبوا، وقطعت عليهم، وإلا فالامر عندنا معوج والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مالى وذاهبون به، فالامر ليس بعقلك، ولا لحيلتك يكون. ولا نفعل الذي نحلته بالرأي والمشورة، ولكن الامر إلى الله عزوجل وحده لا شريك له، يفعل في خلقه ما يشاء من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له ولن تجد له وليا مرشدا. فقلت: واعمل في أمرهم، وأحيل فيه، وكيف الحيلة، والله يقول: (وقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل) إلى قوله: عزوجل (وليقرفوا ما هم مقترفون) فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا وسلموا وقد كان منى ما أمرتك، وانكرت وانكروا من بعدي، ومد لي لقائي، وما كان ذلك مني الا رجاء الاصلاح لقول امير المؤمنين (عليه السلام): " اقتربوا أو سلوا فان العلم يفيض فيضا " وجعل يمسح بطنه ويقول: " ما ملئ طعام ولكن ملاته علما، والله ما آية نزلت في بر ولا بحر، ولا سهل ولا جبل الا أنا اعلمها، وأعلم في من نزلت " وقول أبي عبد الله (عليه السلام): " إلى الله اشكو أهل المدينة انما أنا فيهم كالشعرة ما انتقل، يريدونني أن لا أقول الحق: " والله لا أزال أقول الحق حتى اموت " فلما قلت حقا أريد به حقن دمائكم، وجمع أمركم على ما كنتم عليه أن يكون سركم مكتوما عندكم غير فاش في غيركم. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سر اسره الله إلى جبرئيل، وأسره جبرئيل إلى محمد، وأسره محمد (صلى الله عليه وآله) إلى علي، وأسره على إلى من شاء ". ثم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ثم أنتم تحدثون به في الطريق، فأردت
[ 217 ]
حيث مضى صاحبكم أن ألف أمركم عليكم لئلا تضعوه في غير موضعه، ولا تسألوا عنه غير أهله، فتكونون في مسألتكم إياهم هلكتم، فكم من دعا إلى نفسه، ولم يكن داخلا، ثم قلتم: لا بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك، ولا يتحول عنه إلى غيره قلت: لانه كان من التقية، والكف أولى، وأما إذا تكلم فقد لزمه الجواب فيما يسأل عنه، وصار الذي كنتم تزعمون أنكم تدعون به، فان الامر مردود إلى غيركم وان الفرض عليكم اتباعهم فيه اليكم فصيرتم ما استقام في عقولكم وآرائكم، وصح به القياس عندكم بذلك لازما لما زعمتم من أن لا يصح أمرنا، زعمتم حتى يكون ذلك علي لكم. فان قلتم: إن لم يكن كذلك لصاحبكم فصار الامر أن وقع إليكم نبذتم أمر ربكم وراء ظهوركم فلو اتبع اهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وما كان بد من أن تكونوا كما كان من قبلكم قد اخبرتم أنها السنن والامثال القذة بالقذة. وما كان يكون ما طلبتم من الكف أولا ومن الجواب آخرا شفاء لصدوركم ولا ذهاب شككم، وما كان بد من أن يكون ما قد كان منكم، ولا يذهب عن قلوبكم حتى يذهبه الله عنكم، ولو قدر الناس كلهم على أن يحبونا ويعرفوا حقنا، ويسلموا لامرنا فعلوا، ولكن الله يفعل ما يشاء ويهدي إليه من أناب. فقد اجبتك في مسائل كثيرة فانظر أنت ومن أراد المسائل منها وتدبرها، فان لم يكن في المسائل شفاء وقد مضى إليكم مني ما فيه حجة ومعتبر. وكثرة المسائل معتبة عندنا مكروهة، انما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا سبيلا إلى الشبهة والضلال ومن أراد لبسا لبس الله عليه، ووكله إلى نفسه، ولا ترى أنت واصحابك أني اجبت فذاك إلي وان شئت صممت فذاك إلي لا ما تقوله أنت وأصحابك، لا تدرون كذا وكذا، بل لا بد من ذلك إذ نحن منه على يقين، وانتم منه في شك " (1). وانتهت هذه الرسالة التى بعثها الامام إلى الحسين بن مهران، وقد احتوت على امور غامضة، بالاضافة إلى تقطع فصولها، وعدم ترابطها، واكبر الظن انه قد حذف (1) الكشي معجم رجال الحديث 6 / 104 - 107. (*)
[ 218 ]
منها ما يوجب ربطها، وايضاح المقصود منها. وعلى أي حال فقد عبرت هذه الرسالة عن محنة الامام (عليه السلام) وآلامه من الواقفية الذين غرتهم الدنيا. 2 - الحسين بن عمر: قال: سمعت يحيى بن أكثم (قاضي سامراء)، بعدما جهدت به، وناظرته، وحاورته، وواصلته، وسألته عن علوم آل محمد، فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرأيت محمد بن على الرضا (عليه السلام)، يطوف به، فناظرته في مسائل عندي، فأخرجها إلي، فقلت له: والله إني أريد أن أسألك مسألة، وإني والله لا ستحيي من ذلك ! فقال لي: أنا أخبرك، قبل أن تسألني، تسألني عن الامام. فقلت: هو والله هذا ! فقال: أنا هو. فقلت: علامة ؟ فكان في يده عصا، فنطقت وقالت: " إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة ! " (1). وروي الحسين بن عمر بن يزيد، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام)، وأنا يومئذ واقف، وقد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل، فأجابه في ست، وأمسك عن السابعة، فقلت: " والله لاسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل فسألته، فأجاب بمثل جواب أبيه في المسائل الست، فلم يزد في الجواد واولا ولا ياء، وأمسك عن السابعة. وقد كان أبي قال لابيه: إني احتج عليك عند الله يوم القيامة، أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما، فوضع (عليه السلام) يده على عنقه ثم قال له: نعم أحتج علي بذلك عند الله عز وجل، فما كان فيه من اثم فهو في رقبتي الخ (2). 3 - الوشاء: روى الوشاء قال: أتيت خراسان، وأنا من الواقفية، وقد حملت معي قناعا، (1) أصول الكافي 1 / 353. (2) اصول الكافي 1 / 353. (*)
[ 219 ]
وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم، ولم اعرف مكانه فلما قدمت، ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها، فقال لي أبو الحسن الرضا يقول لك: إبعث إلى الثوب الوشي الذي عندك، فقلت: ومن أخبر أبا الحسن بقدومي ؟ وأنا قدمت آنفا، وما عندي ثوب وشي، فرجع إليه، واخبره فعاد إلى، فقال لي: يقول لك: هو في موضع كذا وكذا، فطلبته حيث قال فبعثت به إليه (2) وكان ذلك سببا لهدايته. هؤلاء بعض المؤمنين الذين هداهم الله، ورجعوا عن الوقف ودانوا بامامة الامام الرضا (عليه السلام). مشكلة خلق القرآن: من الاحداث المهمة في عصر الامام (عليه السلام) هي مسألة خلق القرآن، فقد اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا، وعانى منهم جماعة سخط الدولة ونقمتها، وغضب الجمهور. لقد نشأت هذه الفكرة في آواخر الدولة الاموية، وكان أول من ابتدعها الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فهو أول من تكلم بها، وقد حرر وشرح فصولها واذاعها في دمشق، فطلبته السلطة فهرب منها ثم نزل الكوفة، فتعلم منه الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية (2) ويقول ابن الاثير: ان هشام بن عبد الملك قبض على الجعد وارسله مخفورا إلى خالد القسري أمير العراق وأمره بقتله، فحبسه خالد ولم يقتله فبلغ الخبر هشاما فكتب إليه يلومه ويعزم عليه بقتله، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه، فلما صلى العيد يوم الاضحى قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم، فاني أريد أن اضحي اليوم بالجعد، فانه يقول: ما كلم الله موسى، ولا اتخذ الله ابراهيم خليلا، تعالى الله عما يقول الجعد: ثم نزل وذبحه (3). وظلت هذه الفكرة بعد مقتل الجعد تحت الخفاء، وفي طي الكتمان إلى دور (1) اصول الكافي 1 / 354. (2) سرح العيون (ص 159). (3) عصر المأمون 1 / 395. (*)
[ 220 ]
هارون وعند ما ظهر أمر المعتزلة، وانتشرت افكارهم اعلنوا القول بخلق القرآن وكان من أهم الداعين إلى ذلك بشر المريسى، وقد الف فيها عدة كتب، وبلغ خبره هارون، فقال: والله لان أظفرني الله به لاقتلنه قتلة ما قتلتها أحدا، ولما بلغ بشر ذلك توارى واختفى طيلة حكم هارون (1). ولما ولي الحكم المأمون نشطت الحركة، وأخذت الفكرة بالنمو والاتساع وتبنى المأمون القول بخلق القرآن، وحمل الناس على القول بها فمن خالفها تعرض للنقمة والعذاب. وتعتبر هذه المسألة من أهم الاحداث الخطيرة التي حدثت في عصر الامام (عليه السلام)، وقد تعرض لبسطها وايضاح جوانبها الفلاسفة من المعتزلتة وغيرهم، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكلام النفسي فهي من فروعه، وبحوثه، ولولا خوف الاطالة لتحدثنا عنها بالتفصيل (2). الكذب على الائمة: وشاع افتعال الاحاديث والكذب على الائمة (عليهم السلام) في عصر الامام الرضا (عليه السلام)، وغيره من سائر العصور، وذلك للحط من شأنهم، والتقليل من أهميتهم، ومن بين تلك الاحاديث ما نقله أبو الصلت فقد قال للامام الرضا: " يا بن رسول الله ما شئ يحكيه الناس عنكم ؟ ". وسارع الامام قائلا: " " ما هو ؟ ". " يقولون: إنكم تدعون أن الناس عبيد لكم... ". فانكر الامام ذلك، وتبرأ منه وقال: " اللهم فاطر السموات والارض، عالم الغيب والشهادة، أنت تشهد بأني لم أقل ذلك قط، ولا سمعت أحدا من آبائي قاله، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الامة وان هذه منها: (1) النجوم الزاهرة 1 / 147. (2) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 213. (*)
[ 221 ]
ثم التفت إلى أبي الصلت فقال له: " يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما يقولون: فعلى من نبيعهم ؟ يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزوجل لنا من الولاية كما ينكره غيرك... " وعلق العلامة السيد هاشم معروف الحسني رحمه الله على هذه الرواية بقوله: لقد انكر الامام على السائل ذلك الاتهام الذي اراد أعداؤهم من خلاله التشنيع عليهم، وعده من جملة المظالم التي ارتكبتها الامة بحقهم لان نسبة ذلك لهم يعني أنهم يخالفون سنن الاسلام، ونصوص القرآن التي لا ترى فضلا لاحد إلا بالتقوى (1). وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الامام الرضا، وقد ذكرنا بحثا مفصلا عن هذا العصر في كتابنا (حياة الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ولا نكرر ما ذكرناه. (1) سيرة الائمة الاثني عشر 2 / 359. (*)
[ 223 ]
في عهد الرشيد والامين والمأمون عاصر الامام الرضا (عليه السلام) ثلاثة من ملوك العباسيين: وهم هارون الرشيد، والامين والمأمون، وفي عهد الرشيد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير، وذلك لما اتخذه هارون من اجراءات صارمة وقاسية ضد السادة العلويين عامة، وضد أبيه الامام الكاظم (عليه السلام) كما تحدثنا عنه في فصول هذا الكتاب، ونتحدث - بايجاز - عن هؤلاء الملوك، وعن مواقفهم مع الامام الرضا (عليه السلام). هارون الرشيد: وهو من أشهر ملوك بني العباس، فقد انتشر اسمه، وذاع ذكره في الشرق والغرب، واستوسقت له الدنيا، وزها له الملك، واصبحت عاصمته بغداد عروس الشرق، وامتد حكمه وسلطانه على أغلب أنحاء الارض، وهو القائل للسحاب: إنما تمطرين ففي ملكي وقد ذعنت له ملوك الارض، وصغرت أمام سلطانه، ونعرض إلى بعض ملامح شخصيته، وهي:
[ 224 ]
أ - القسوة: أما القسوة فكانت من عناصره ومقوماته، وكان فيما يقول المؤرخون جبارا سفاكا للدماء على نمط ملوك الشرق المستبدين، حسبما يقول الامير شكيب ارسلان (1). وكان من قسوته البالغة فتكه بالسادة العلويين، وتنكيله بهم فقد صب عليهم وابلا من العذاب الاليم لم يألفوه إلا في عهد جده الطاغية السفاك منصور الدوانيقي، وقد عرضنا إلى ما لاقوه في عهده من الضر والمحن والبلاء. ب - الحقد: ومن عناصر شخصية الرشيد أنه كان حقودا على ذوي الاحساب العريقة والشخصيات اللامعة التي تتمتع بمكانة مرموقة في الاوساط الاجتماعية، وقد حقد على سيد المسلمين الامام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فاودعه في ظلمات السجون ثم اغتاله بالسم، وذلك لما للامام من منزلة عظمي في نفوس المسلمين وهكذا كان حاقدا على كل من ذاع اسمه، وانتشر فضله بين الناس، فقد نكب البرامكة فقتل اعلامهم، وصادر املاكهم وتركهم باقصى مكان من الذل والهوان، وذلك لما لهم من مكانة عند الناس، فكانت الشعراء تلهج بذكرهم وتذيع جودهم وسخاءهم فغاظه ذلك، وورم أنفه فانزل بهم عقابه الصارم. لقد كان الحقد من مقومات شخصية هارون، وعنصرا بارزا من عناصره. التحلل: ولم يملك هارون أي رصيد من التقوى والايمان، فكان متحللا منسابا وراء شهواته وملاذه، وكان من مظاهر تحلله ما يلي: أ - شربه للخمر: كان هارون مدمنا على شرب الخمر، وربما كان يتولى بنفسه سقاية ندمائه، وكانت أخته علية تصنع له الخمر الجيد، وتبعثه إليه، وقد ذكرنا عرضا مفصلا لادمانه على الخمر، وعكوفه على شربها في كتابنا حياة الامام موسى بن جعفر (عليه السلام). (1) حياة الامام الرضا (ص 119). (*)
[ 225 ]
ب - ولعه بالغناء: ونشأ هارون بين احضان المغنيات والمطربات، وقد اجتمع في قصره عدد كبير من العازفات والمغنيات، فكان في قصره ثلثمائة جارية من الحسان يعزفن ويغنين (1) وقد جعل المغنين طبقات ومراتب، فكان ابراهيم الموصلي وابن جامع وزلزل الضارب في الطبقة الاولى، وكان زلزل يضرب على العود، ويغني الموصلي وابن جامع، والطبقة الثانية: اسحاق وسليم بن سلام وعمرو بن الغزال، والطبقة الثالثة: أصحاب المعازف والطنابر (2). وهام بحب ثلاث مغنيات من جواريه هن: غادر، وماردة، وهيلانة، وخنث وقال فيهن الشعر ومن قوله: ملك الثلاث الآنسات عناني * وحللن من قلبي أعز مكاني مالى تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن في عصيان ما ذاك إلا ان سلطان الهوى * وبه غلبن أعز من سلطاني (3) وقد عرضنا بصورة مفصلة إلى هذه الظاهرة من حياة الرشيد في كتابنا (حياة الامام موسى بن جعفر). ج - لعبه بالنرد: ومن تحلل هارون وعدم مبالاته باقتراف الحرام لعبه بالنرد (4) وهو من أنواع القمار، وقد لعب مرة مع اسحاق الموصلي بالنرد، وقد قامره على الخلعة التي عليها فغلبه اسحاق، فقام وخلع ما عليه من ثياب فامتنع الرشيد من لبسها وقال له: ويلك أنا البس ثيابك ؟ فقال اسحاق: أي والله إذا انصفت، وإذا لم تنصف قدرت وامكنك، قال: ويلك أو افتدي منك ؟ قال نعم: قال الرشيد: وما الفداء ؟ قال اسحاق: قل: أنت يا أمير المؤمنين فانك أولى بالقوة، فقال: أعطيك كل ما علي، قال اسحاق: فمر به يا امير المؤمنين فدعا بغير ما عليه من الثياب، ونزع ما كان عليه (1) التمدن الاسلامي 5 / 118. (2) التاج (ص 40 - 42). (3) تزيين الاسواق، فوات الوفيات 4 / 225. (4) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 70. (*)
[ 226 ]
فدفعه إلى ابراهيم (1) وكان يعلب بالشطرنج إذا سافر في دجلة (2). هذه بعض الاعمال التي أثرت عن هارون وقد دلت - بوضوح - على تحلله وعدم تمسكه بتعاليم الدين الحنيف. لقد اسرف هارون في الشهوات، وصار بلاطه مسرحا لجميع الوان الدعارة والمجون، فلا يكاد يخلو من حفلات الرقص والغناء وشرب الخمور، ولم يعد حكمه بأي حال من الاحوال يمثل أي جانب من جوانب الحكم الاسلامي. مع الامام الرضا: وحينما اغتال هارون الامام الرضا (عليه السلام) بعث عصابة من رجال الامن للاطلاع على شؤون الامام الرضا (عليه السلام) ومعرفة اتجاهاته وميوله. وشعر الامام (عليه السلام) بذلك فاراد التخلص من هارون فمضى إلى السوق والامن يتابعه فاشترى (عليه السلام) ديكا وكلبا وشاة، ورفع رجال الامن ذلك إلى هارون فلما عرف ذلك استراح من جانب الامام، وعرف انه ليس اهلا لان يقوم باي حركة ضده، وأمر رجال أمنه بالتوجه إلى بغداد. وانبرى الامام (عليه السلام) إلى نشر احكام الله وتعاليم الاسلام، وايضاح جوانب الامامة، وفزع بعض اعلام شيعته وخافوا بأنه لا يصيبه أي مكروه من هارون، وانه لا يخاف جانبه (3) بعد الذي صنعه من شراء الديك والكلب والكبش، وكان ممن خاف على الامام وحذره من بطش هارون هم: 1 - صفوان بن يحيى: قال صفوان: لما مضى أبو ابراهيم (عليه السلام) وتكلم أبو الحسن الرضا خفنا عليه، فقيل له: إنك قد اظهرت أمرا عظيما، وإنا نخاف عليك هذا الطاغية - يعني هارون - فقال (عليه السلام): ليجهد جهده فلا سبيل له علي (4). 2 - محمد بن سنان: قال محمد بن سنان: قلت لابي الحسن الرضا في أيام هارون، إنك قد شهرت (1) الاغاني 5 / 69 - 70. (2) الاغاني 9 / 64. (3) البحار 12 / 32. (4) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 97. (*)
[ 227 ]
نفسك بهذا الامر - أي اظهار الامامة - وجلست مجلس أبيك، وسيف هارون يقطر من دمائكم ! فقال (عليه السلام): جرأني على هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بنبي وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بامام (1). وشاية عيسى بن جعفر بالامام: وأنبرى عيسى بن جعفر نحو هارون حينما توجه من (الرقة) إلى (مكة) فقال له: " اذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب، فانك حلفت إن ادعى أحد بعد موسى الامامة ضربت عنقه صبرا، وهذا علي ابنه يدعى الامر - اي الامامة - ويقال فيه، ما في أبيه... ". فلم يحفل هارون بكلامه، ونظر إليه وقال له: " وما ترى ؟ أتريد أن أقتلهم كلهم ؟ ". وكان في المجلس موسى بن مهران فبادر إلى الامام الرضا (عليه السلام) فأخبره بالامر، فقال (عليه السلام): " مالي ولهم لا يقدرون الي على شئ " (2). وشاية يحيى بالامام: وممن وشى بالامام يحيى البرمكي، فقد قال لهارون: هذا على الرضا بن موسى قد تقدم، وادعى الامر لنفسه، فلم يحفل به هارون وقال له: يكفينا ما فعلنا بأبيه أتريد أن نقتلهم جميعا (3) وقد باءت بالفشل جميع المحاولات التي حيكت ضده. دعاء الامام على البرامكة: وكان للبرامكة دور خطير في التنكيل بالامام الكاظم (عليه السلام)، فقد أوغروا صدر الطاغية هارون عليه، وكان الامام الرضا (عليه السلام) عالما بذلك (1) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 97. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 226. (3) الاتحاف بحب الاشراف (ص 59). (*)
[ 228 ]
فراح يدعو عليهم فقد روى محمد بن الفضيل قال: لما كان في السنة التي بطش فيها بالبرامكة، ونزل بهم من البلاء ما نزل أبو الحسن الرضا واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه فسئل عن ذلك، فقال: إني كنت ادعو الله تعالى على البرمكة بما فعلوا بأبي فاستجاب الله لي اليوم فيهم، ولم يلبث يسيرا حتى بطش هارون بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم (3). وروى الحسن بن علي الوشاء عن مسافر قال: كنت مع أبى الحسن الرضا (عليه السلام) ب (منى)، فمر يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك فقال (عليه السلام): مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة ". وأضاف الامام قائلا: " واعجبي من هذا، هارون وأنا كهاتين وضم بأصبعه " قال مسافر: فوالله ما عرفنا معنى حديثه حتى دفناه معه (2). لقد استجاب الله دعاء وليه فأنزل عقابه الصارم بالبرامكة، فازال نعتهم وأباد اعلامهم، فقد نكل بهم هارون كأفظع وأقسى ما يكون التنكيل، فقتل جعفر، وقسمه نصفين، وجعل كل نصف في الاماكن الحساسة في بغداد والقى يحيى مع بقية ابنائه في سجونه، وصادر أموالهم المنقولة، وغير المنقولة. كبس دار الامام: ولما ثار محمد بن جعفر بن محمد على هارون أرسل الجلودي إلى مناجزته وأمره أن يغير على دور العلويين في المدينة، ويسلب ما على نسائهم من ثياب وحلي، ولا يدع على واحدة منهن الا ثوبا واحدا. وهجم الجلودي على دار الامام الرضا (عليه السلام)، فقام الامام وجمع السيدات من بنات رسول الله (ص) في بيت ووقف على باب البيت فقال الجلودي: للامام لا بد أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني الرشيد، فقال له الامام: أنا أسلبهن لك، وأحلف أني لا ادع عليهن شيئا إلا أخذته، فلم يزل الامام يطلب إليه، ويتوسل حتى سكن، وقام (عليه السلام) إلى البيت فأخذ ما على العلويات من حلي (1) عيون اخبار الرضا 2 / 225. (2) عيون اخبار الرضا. البحار. (*)
[ 229 ]
وحلل، ولم يدع عليهن شيئا حتى اقراطهن وخلاخيلهن وازرارهن، وسلم جميع ذلك إلى الجلودي ليقوم بتسليمه إلى طاغية بغداد (1). وتأثر الامام الرضا (عليه السلام) كأشد ما يكون التأثر من هذا الاعتداء الصارخ على بيته، فلم يرع هارون كرامة الامام، ولا كرامة بنات رسول الله (ص) واقترف معهن ما اقترفه جند يزيد مع عائلة ريحانة رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (عليه السلام) بعد مقتله، فقد تدافعوا كالكلاب المسعورة إلى نهب ما على العلويات من حلي وحلل. وعلى أي حال فان هارون لم يقم - فيما احسب - باجراء آخر ضد الامام (عليه السلام) غير هذا الاجراء... ومن الجدير بالذكر ان الامام قد انطوت نفسه على حزن عميق على ما حل بأبيه الامام موسى (عليه السلام) من المحن والخطوب التي صبها عليه هارون، فقد اودعه في ظلمات سجونه حفنة من السنين، وقابله بمزيد من التوهين ثم اغتاله بالسم، وكذلك صب جام غضبه على السادة العلويين فانزل بهم العقاب الصارم، وقتلهم تحت كل حجر ومدر ولم يرع فيهم آواصر النسب، وقرابتهم من رسول الله (ص) التي هي أولى بالرعاية والعطف من كل شئ. رسالة سفيان لهارون: من الخير ان ننهي الحديث عن هارون بهذه الرسالة القيمة التي بعثها سفيان الثوري أو (سفيان بن عينية) إلى هارون فانها تكشف عن الكثير من جوانب حياته، فقد كتب إليه هارون رسالة يطلب فيها وده، والاتصال به، فأجابه سفيان بما يلي: " من العبد الميت سفيان إلى العبد المغرور بالآمال هارون الذي سلب حلاوة الايمان، ولذة قراءة القرآن. أما بعد: فأني كتبت إليك اعلمك أني قد صرمت حبلك، وقطعت ودك، وانك جعلتني شاهدا عليك باقرارك على نفسك في كتابك، بما هجمت على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه، وانفذته بغير حكمه، ولم ترض بما فعلته، وأنت ناء عني، حين كتبت إلى تشهدني على نفسك، فأما أنا فأني قد شهدت عليك أنا وأخواني الذين حضروا قراءة كتابك، وسنؤدي الشهادة غدا بين يدي الله الحكم العدل. (1) عيون اخبار الرضا 2 / 161 البحار 49 / 166. (*)
[ 230 ]
يا هارون: هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضى بفعلك المؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل ؟ أم رضى بذلك حملة القرآن وأهل العلم - يعني العاملين - أم رضى بفعلك الايتام ؟ والارامل ؟ أم رضى بذلك خلق من رعيتك، فشد يا هارون مئزرك * وأعد للمسألة جوابا، وللبلاء جلبابا، واعلم أنك ستقف بين يدي الله الحكم العدل، فاتق الله في نفسك إذا سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القرآن، ومجالسة الاخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالما، وللظالمين إماما. يا هارون: قعدت على السرير، ولبست الحرير، واسبلت ستورا دون بابك وتشبهت بالحجة برب العالمين، ثم اقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس، ولا ينصفون، ويشربون الخمر، ويحدون الشارب، ويزنون، ويقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الاحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس، فكيف بك يا هارون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله احشروا الظلمة واعوانهم، فتقدمت بين يدي الله، ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يكفهما الا عدلك وانصافك والظالمون حولك، وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق، ووردت المساق. وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك، وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلاء على بلاء، وظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمدا (ص) في أمته، واعلم ان هذا الامر يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك، وكذلك الدنيا تفعل بأهلها واحدا بعد واحد فمنهم من تزود زادا نفعه، ومنهم من خسر دنياه وآخرته، وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فاني لا اجيبك والسلام... ". ثم بعث بالكتاب من غير طي ولا ختم (1) وحكى هذا الكتاب تصرف هارون باموال المسلمين، وانفاقها في غير جهاتها المشروعة كما حكت هذه الرسالة ايمان سفيان وقوة شخصيته، ونكرانه لذاته... وبهذه الرسالة نطوي الحديث عن حكومة هارون. (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 55 - 57 نقلا عن حياة الحيوان للدميري 2 / 188. (*)
[ 231 ]
حكومة الامين: وتسلم الامين بعد وفاة أبيه القيادة الاسلامية، وكان باجماع المؤرخين غير مؤهل لهذا المنصب الرفيع، وذلك لما يتصب به من نزعات وضيعة كان منها ما يلي: 1 - انهماكه في اللذات: وانصرف الامين بعد تقلده للخلافة إلى اللهو والطرب، وعهد بأمور الدولة إلى الفضل بن الربيع فجعل يتصرف في شؤون الدولة حسب رغباته وميوله (1) وقد جد في طلب الملهين (2). كما اشتغل بالخصيان ورقص النسا (3). كراهته للعلم: من صفات الامين بغضه للعلم، وكراهته للعلماء، وكان أميا، لا يقرأ ولا يكتب (4). وإذا كان بهذه الصفة فكيف قلده هارون شؤون المسلمين وجعله حاكما على اعظم امبراطورية في العالم كله ؟ لقد قلده الخلافة استجابة لعواطف السيدة زبيدة، وسائر الاسرة العباسية الذين كانت ميولهم معه. 3 - ضعف الرأي: ولم يتمتع الامين برأي حصيف، فلم تصقله التجارب، ولم تهذبه الايام، وقد أعطي الملك العريض، ولم يحسن أي شئ وقد وصفه المسعودي بقوله: " كان قبيح السيرة، ضعيف الرأي يركب هواه، ويهمل أمره، ويتكل في جليلات الخطوب على غيره ويثق بمن لا ينصحه " (5). ووصفه الكتبي بقوله: " وكان قد هان عليه القبيح فاتبع هواه ولم ينظر في شئ من عقباه، وانه كان من ابخل الناس على الطعام، وكان لا يبالي أين قعد، ولا مع من شرب " (6). (1) حياة الامام محمد الجواد (ص 284). (2) مآثر الانافة في معالم الخلافة 1 / 285 روضة الاعبان ورقة 99 وجاء فيه أنه اشترى عربية المغنية بمائة الف دينار. (3) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص 134) مختصر تأريخ الدولة (ص 134). (4) السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1 / 16. (5) التنبيه والاشراف (ص 302). (6) عيون التواريخ 3 / ورقة 212. (*)
[ 232 ]
ويقول عنه الفخري: " انه لم يجد للامين شيئا من سيرته يستحسنه فيذكره " (1). احتجابه عن الرعية: ومن نزعاته انه كان ينفر من الناس تكبرا عليهم، فقد احتجب عن رعيته وأهالي مملكته، وقد خف إليه اسماعيل بن صبيح، وكان أتيرا عنده، فقال له: " يا امير المؤمنين ان قوادك وجندك وعامة رعيتك قد خبثت نفوسهم وساءت ظنونهم، وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فان في ذلك تسكينا لهم ومراجعة لآمالهم... ". واستجاب الامين لهذه النصيحة، فجلس في بلاطه، ودخل عليه الشعراء فمدحوه في قصائدهم، وهو لا يفهم ما يقولون، ثم انصرف عن الناس فركب الحراقة إلى (الشماسية)، واصطفت له الخيل، وعليها الرجال، وقد اصطفوا على ضفاف دجلة وحملت معه مطابخ القصر، وما فيه من الخزائن. أما الحراقة التي ركبها فكانت سفينة صنعت شبيهة بالاسد، وما رأى الناس منظرا أبهى ولا أجمل من ذلك المنظر، وكان معه في السفينة ابو نواس ينادمه وقال يصف تلك السفينة: سخر الله للامين مطايا * لم تسخر لصاحب المحراب (2) فإذا ما ركبه سرن بحرا * سار في الماء راكبا ليث غاب أسدا باسطا ذراعيه يعدو * أهرت الشدق كالح الانياب (3) لا يعانيه ياللجام ولا الس * - وط ولا غمز رجله في الركاب عجب الناس إذ رأوك على صو * رة ليث يمر مر السحاب سجوا إذ رأوك سرت عليه * كيف لو أبصروك فوق العقاب (4) ذات زور ومنسر وجناحي * - ن تشف العباب بعد العباب تسبق الطير في السماء إذ ما اس * تعجلوها بجيئة وذهاب (1) الاداب السلطانية (ص 212). (2) صاحب المحراب: هو سليمان بن داود الذي بنى بيت المقدس. (3) اهرت الشدق: واسعه، كالخ الانياب: أي كاشرها. (4) العقاب: أحدى السفن التي كانت معدة للامين. (*)
[ 233 ]
بارك الله للامين وأبقا * ه له رداء الشباب ملك تقصر المدائح عنه * هاشمي موفق للصواب (1) هذ بعض نزعات الامين وصفاته وهي تحكي صورة انسان تافه قد اتجه صوب ملذاته وشهواته، ولم يعن بأي حال من الاحوال في شؤون الدولة الاسلامية، وانما كان متجها نحو شهواته. خلعه للمأمون: وتقلد الامين الخلافة يوم وفاة أبيه الرشيد، وقد تسلم خاتم الخلافة، والبردة، والقضيب التي كان يتسلمها الملوك من قبله من بنى العباس. ولم يمض زمان طويل من الوقت حتى فسدت العلائق ما بين الامين والمأمون، فقد لعبت الحواشي المحيطة بهما في خلق الازمات بينهما وتبودلت الرسائل بينهما وهي تحمل السباب والشتائم، لكل منهما وليس فيها أي دعوة إلى المودة والصفاء، وعمد الامين فخلع رسميا اخاه المأمون عن ولاية العهد وجعلها لولده موسى وهو طفل صغير في المهد، وسماه الناطق بالحق، وارسل إلى الكعبة المقدسة من جاء بكتاب العهد الذي علقه فيها الرشيد، وجعل فيه ولاية العهد إلى المأمون، وحينما أتى به مزقه، ولم يف به، وكان ذلك فيما يقول المؤرخون برأى الفضل بن الربيع، وبكر بن المعتمر في نكثه للعهد وبيعته لولده يقول رجل أعمى من أهل بغداد: أضاع الخلافة غشى الوزير، * وفعل الامام، ورأى المشير وما ذاك الا طريق الغرور * وشر المسالك طرق الغرور فعال الخليفة أعجوبة * وأعجب منه فعال الوزير وأعجب من ذا وذا أننا * نبايع للطفل فينا الصغير ومن ليس يحسن مسح انفه * ولم يخل من متنه حجر ظير وما ذاك الا بباغ وغاو * يريد ان نقض الكتاب المنير وهذان لولا انقلاب الزما * ن في العبر هذان أم في التفكير ولكنها فتن كالجبال * ترفع فيها بصنع الحقير (2) (4) ابو نواس (ص 103 - 104) لابن منظور. (1) مروج الذهب 3 / 309. (*)
[ 234 ]
الرشيد هو المسؤول عن هذه الاحداث: والقى الرشيد العداء والفتنة بين ابنائه فقد نصب الامين ملكا من بعده وجعل المأمون ولي عهده، وكتب بذلك العهود والمواثيق، وأشهد عليها، وعلقها في جوف الكعبة، مع علمه بالعداء العارم بين الاخوين فكانت النتيجة هي الاحداث المؤسفة التي ذهب ضحيتها عشرة الآف من المواطنين، وتخربت بغداد، وقد اعرب بعض الشعراء عن اسفه العميق على ما فعله الرشيد يقول: اقول لغمة في النفس مني * ودمع العين يطرد اطرادا خذي للهول عدته بحزم * ستلقي ما سيمنعك الرقادا فانك إن بقيت رأيت أمرا * يطيل لك الكآبة والسهادا رأى الملك المهذب شر رأي * بقسمته الخلافة والبلادا رأى ما لو تعقبه بعلم * لبيض من مفارقة السوادا اراد به ليقطع عن بنيه * خلافهم ويبتذلوا الودادا فقد غرس العداوة غير آل * وأورث شمل الفتهم بدادا والقح بينهم حربا عوانا * وسلس لاجتنابهم القيادا فويل للرعية عن قليل * لقد اهدى لها الكرب الشدادا والبسها بلاء غير فان * والزمها التضعضع والفسادا ستجري من دمائهم بحور * زواخر لا يرون لها نفادا فوزر بلائهم أبدا عليه * أغيا كان ذلك أم رشادا (1) الحروب الطاحنة: وبعد ما خلع الامين أخاه المأمون رسميا عن ولاية العهد، وأبلغه ذلك ندب إلى حربه علي بن عيسى، ودفع إليه قيدا من ذهب، وقال له: اوثق المأمون، ولا تقتله حتى تقدم به إلي، واعطاه مليوني دينار سوى الاثاث والكراع، ولما أنتهت الانباء من بغداد بالاجراءات التي أتخذها الامين ضد أخيه، بادر المأمون فخلع أخاه، ونصب نفسه حاكما عاما على العالم الاسلامي وقطع الخراج عن الامين، والغى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير، واعلن الخروج عن طاعته، وندب إلى قتاله طاهر بن الحسين وهرثمة بن اعين، وجهزهما بجيش. (1) تاريخ الطبري حوادث سنة 186 ه. (*)
[ 235 ]
والتقى الجيشان ب (الري)، والتحما في معركة رهيبة، جرت فيها انهار من الدماء، وأخيرا انتصر جيش المأمون على جيش الامين، وقتل القائد العام لقواته المسلحة، وانتهت جميع أمتعته وأسلحته، وكتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الرائع، ويهنئه فيه، وجاء في رسالته " كتبت إليك ورأس على بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي والحمد لله رب العالمين ". وبادر الفضل فسلم عليه بالخلافة وبشره بهذا الانتصار، وايقن المأمون بالنصر فبعث إلى طاهر بالهدايا والاموال، وشكره شكرا جزيلا على ذلك وسماه (ذا اليمينين، وصاحب خيل اليدين) وأمره بالتوجه إلى العراق لاحتلال بغداد، والقضاء على أخيه. ولما علم الفضل بن الربيع وزير الامين بهزيمة الجيش، ومقتل على بن عيسى بن ماهان أسقط ما في يده، وايقن بالرزء القاصم الذي حل بهم، وفي ذلك يقول الشاعر: عجبت لمعشر يرجون نجحا * لامر ما تتم به الامور وكيف يتم ما عقدوا وراموا * وأس بنائهم فيه الفجور أهاب إلى الضلال بهم غوي * وشيطان مواعده غرور يصيب بهم ويلعب كل لعب * كما لعبت بشاربها الخمور وكادوا الحق والمأمون غدرا * وليس بمفلح أبدا غرور هو العدل النجيب البر فينا * تضمن حبه منا الصدور وعاقبة الامور له يقينا * به شهد الشريعة والزبور (1) وحكى هذا الشعر انتصار المأمون، وانه الفائز بالخلافة وانه لا يتم أمر الامين لان الذين ناصروه كان أس بنائهم قائما على الفجور والبغي، وان انصاره قد أهاب بهم الضلال والغي، وان المنتصر هو المأمون فانه العدل النجيب الذي عقد له الولاء في قلوب الناس. محاصرة بغداد: وخفت جيوش المأمون إلى احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين، وقد (1) مروج الذهب 3 / 310. (*)
[ 236 ]
حاصرت بغداد، وايقن الامين بالهزيمة فكتب إلى طاهر يطلب منه الامان لنفسه وعائلته، وانصاره، وانه يستقيل من الخلافة لاخيه، فقال طاهر: " الآن ضيق خناقه، وهيض جناحه، وانهزم فساقه، لا والذي نفسي بيده حتى يضع يده في يدي، وينزل على حكمي ". ولم يجبه إلى شئ مما اراد. ودام الحصار على بغداد مدة طويلة حتى تخربت فيها معالم الحضارة، وعم الفقر والبؤس جميع سكانها وكثر العابثون والشذاذ فقاموا باغتيال الابرياء ونهب الاموال، ومطاردة النساء، وانبرى جماعة من خيار الناس بقيادة رجل يقال له سهل بن سلامة ممنعوا العابثين من ايذاء الناس، وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد. وعلى أي حال فقد منيت بغداد بأفدح الخسائر، وفقدت رينتها وشبابها، وشاع الثكل والحزن والحداد في جميع أنحائها، وقد رثاها جماعة من الشعراء يقول الاعمى في قصيدة له: وابكي لاحراق وهدم منازل * وقتل وانهاب اللهى والذخائر وابراز ربات الخدور حواسرا * خرجن بلا خمر ولا بمآزر تراها حيارى ليس تعرف مذهبا * نوافر كأمثال الظباء النوافر كأن لم تكن بغداد أحسن منظرا * وملهى رأته عين لاه وناظر بلى هكذا كانت فاذهب حسنها * وبدد منها الشمل حكم المقادر وحل بهم ما حل بالناس قبلهم * فأضحوا أحاديثا لباد وحاضر ابغداد يا دار الملوك ومجتنى * صفوف المنى يا مستقر المنابر ويا جنة الدنيا ويا مطلب الغنى * ومستنبط الاموال عند المتاجر أبيني لنا إين الذين عهدتهم * يحلون في روض من العيش ناضر واين الملوك في المواكب تغتدي * تشبه حسنا بالنجوم الزواهر والقصيدة كلها توجع والم على ما حل ببغداد من الدمار الشامل في الاموال والانفس، ويصف شاعر آخر حالة بغداد، وما حل بها من الخراب يقول: (1) مروج الذهب 3 / 313. (*)
[ 237 ]
من ذا أصابك يا بغداد بالعين * الم تكوني زمانا قرة العين الم يكن فيك قوم كان قربهم * وكان مسكنهم زينا من الزين صاح الزمان بهم بالبين فانقرضوا * ماذا لقيت بهم من لوعة البين (1) ورثى شاعر آخر بغداد وما حل بأهلها من الخطوب والنكبات يقول: بكت عيني على بغداد لما * فقدت غضارة العيش الانيق تبدلنا هموما من سرور * ومن سعة تبدلنا بضيق اصابتنا من الحساد عين * فافنت أهلنا بالمنجنيق فقوم أحرقوا بالنار قسرا * ونائحة تنوح على غريق وصائحة تنادي يا صحابي * وقائلة تقول أيا شقيقي وحوراء المدامع ذات دل * مضمخة المجاسد بالخلوق تنادي بالشفيق فلا شفيق * وقد فقد الشفيق مع الرقيق وقوم أخرجوا من ظل دنيا * متاعهم يباع بكل سوق ومغترب بعيد الدار ملقى * بلا رأس بقارعة الطريق توسط من قتالهم جميعا * فما يدرون من أي الفريق فلا ولد يقيم على أبيه * وقد هرب الصديق عن الصديق (2) وحكت هذه القصيدة الحالة الراهنة في بغداد من انتشار القتل، وفقدان الامن، وشيوع الخوف في جميع ارجاء بغداد. قتل الامين: وكان الامين في تلك المحنة الحازبة مشغولا بلهوه وطربه، وقد احاطت به جيوش المأمون، ويروي المؤرخون أنه كان يصطاد سمكا مع جماعة من الخدم وكان من بينهم (كوثر) وكان مغرما به فخرج ينظر إلى الجيش المحيط بالقصر فاصابته شجة في وجهه فجعل يبكي، فوجه الامين من جاء به فجعل يمسح الدم من وجهه وهو يقول: ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه * أخذ الله من قلبي لاناس حرقوه (3) (1) مروج الذهب 3 / 316. (2) مروج الذهب 3 / 317. (3) روضة الاعيان في اخبار مشاهير الزمان مصور في مكتبة السيد الحكيم تسلسل 3902 ورقة 103. (*)
[ 238 ]
وكانت الانباء تتوافد عليه بهزيمة جيشه، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك كله، وكان مشغولا مع كوثر في صيد الاسماك التي جعلها في حوض كبير له، وكان يقول: " يصطاد كوثر ثلاث سمكات وما صدت الا سمكتين ". وكان بهذه الحالة المزرية مشغولا بلهوه حتى هجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح، وتلا قوله تعالى: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " (1). وهجاه بعض الشعراء بقوله: إذا غدا ملك باللهو مشتغلا * فاحكم على ملكه بالويل والخرب أما ترى الشمس في الميزان هابطة * لما غدا وهو برج اللهو والطرب (2) وبعث طاهر برأس الامين إلى المأمون في (خراسان) فلما رآه حزن وتأسف فقال له الفضل: " الحمد الله على هذه النعمة الجليلة فان محمدا كان يتمنى أن يراك بحيث رأيته ". وأمر المأمون بنصب رأس أخيه في صحن الدار وقد وضع على خشبة، واعطى الجند، وأمر كل من قبض رزقة أن يلعنه فكان الجندي يقبض رزقه ويلعن الرأس وقبض بعض العجم عطاءه فقيل له: العن هذا الرأس فقال: لعن الله هذا ولعن والديه وادخلهم في كذا وكذا من امهاتهم، فقيل له: لعنت امير المؤنين، وكان المأمون يسمعه فتغافل عنه، وأمر بحط رأس أخيه وره إلى العراق فدفن مع جثته (3). وأنتهت بذلك حياة الامين، وقد حكت عن قساوة المأمون وعدم رأفته على أخيه، فقد سلب الرحمة من نفسه، وما ذاك إلا لحرصه على الملك. ولم تظهر لنا أية بوادر للامام الرضا (عليه السلام) في عهد الامين، لعل السبب في ذلك هو انشغاله في الحرب مع أخيه فقد اشغلته هذه الحرب عن التعرض للامام (عليه السلام) بأي مكروه. (1) عيون التواريخ 3 / ورقة 211. (2) حياة الحيوان للدميري 1 / 78. (3) مروج الذهب (ص 225 - 226). (*)
[ 239 ]
حومة المأمون: وقبل أن نتحدث عن شؤون الامام الرضا (عليه السلام) في عهد المأمون، نعرض - بايجاز - إلى اعطاء صورة عنه، وهي كما يلي: أمه: أما أم المأمون فكانت أمة وهي احدى خدامات قصر الرشيد، وقد عهد إليها بطبخ الطعام، ويصفها المؤرخون بانها كانت أشوه وأقذر جارية في مطبخ الرشيد، أما السبب في ملامسة الرشيد لها فتعزوه بعض المصادر إلى ان السيدة زبيدة لعبت مع الرشيد الشطرنج فغلبته، فحكمت عليه أن يطأ أقبح جارية في المطبخ، وهي (مراجل) فأبى هارون ذلك، وبذل لها خراج مصر والعراق لتعفيه، فأبت، ولم تقبل، وانصاع إلى حكمها فوطأ (مراجل) فعلقت منه المأمون (1) وقد ولد سنة (170 ه) وهي السنة التي استخلف بها الرشيد، فلما بشر به سماه المأمون تيمنا بذلك (2) وقد توفيت أمه في النفاس، وقد تولى تربيته الفضل بن سهل. وقد اتخذ الحاقدون على المأمون من أمه وسيلة لهجائه والتشهير به، وعدم لباقته لتولي منصب الخلافة، يقول له أخوه الامين: وإذا تطاولت الرجال بفضلها * فاربع فانك لست بالمتطاول اعطاك ربك ما هويت وانما * تلقى خلاف هواك عند مراجل تعلو المنابر كل يوم آملا * ما لست من بعدي بواصل (3) وفي أيام الفتنة عيره بأمه وكتب إليه: يا بن التي بيعت بابخس قمية * بين الملا في السوق هل من زائد ما فيك موضع غرزة من ابوة * إلا وفيه نطفة من واحد فرد عليه المأمون: وانما امهات الناس أوعية * مستودعات وللامات اكفاء فلرب معربة ليست بمنجبة * وطالما أنجبت في الخدر عجماء (4) (1) حياة الحيوان للدميري 1 / 72. (2) عصر المأمون 1 / 210. (3) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص 304). (4) محاسن بغداد دار السلام (ص 121). (*)
[ 240 ]
وقال الرقاشي في مدحه للامين وهو يعرض بمراجل أم المأمون: لم تلده أمة تعرف في السوق التجار (1) وليس على المأمون أي نقص من جهة أمه، فقد هدم الاسلام هذه النعرات الجاهلية، وساوى بين جميع أجناس البشر فليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى. صفات المأمون: أما صفات المأمون ونزعاته النفسية فهي كما يلي: الغدر: أما الغدر فهو من ذاتيات المأمون، ومن عناصره فقد بايع الامام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وبعد ما أنتهت مآربه السياسية غدر به فدس له سما قاتلا فقتله - كما سنوضح ذلك في البحوث الآتية - وقد غدر بطائفة من اعلام عصره ممن كان يحذر منهم وهم: 1 - عبد الله بن موسى الهادي: وكان يندد المأمون، وكان يعربد عليه إذا شرب معه فساء المأمون ذلك، فحبسه في منزله، وأقعد على بابه حرسا ثم أنه أظهر له الرضى، وصرف الحرس عن بابه، وكان عبد الله مغرما بالصيد فدس إلى خادم من خدمه فسقاه سما في دراج وهو ب (موسى باد) ولما أحس بالسم قال لاصحابه: هو آخر ما تروني (2). 2 - اسحاق بن موسى: الهادي، وقد احتفت به فصائل من الجيش حينما كان المأمون في (خراسان) وأمرته، فاستولى على بعض المناطق فدس إليه المأمون ابنه وخادما له فقتلاه وقاد به ابنه وقتل الخادم بالسياط (3). 3 - حميد بن عبد الحميد: الطوسي، دعاه المأمون لتناول الطعام، وكان عنده أحمد بن أبي خالد الاحول وهو من الحاقدين على حميد ومن اعدائه، ولما قربت المائدة أجلس المأمون أحمد إلى (1) الآداب السلطانية (ص 212). (2) اسماء المغتالين (ص 200). (2) اسماء المغتالين (ص 199). (*)
[ 241 ]
جانبه فساء ذلك حميد، وقال للمأمون: " يا أمير المؤمنين لا اماتني الله حتي يريني الدنيا عليك سهلة حتى ترى أينا انفع لك ". وانتهز أحمد هذه الفرصة فقال للمأمون: " يا أمير المؤمنين انما يتمنى فساد ملكك والفتنة ". فغضب المأمون وقام عن المائدة، ولم يتم غذاءه، وقد اضمر ذلك في نفسه، ولما اراد البناء ب (بوران) قال لحميد: يا أبا غانم قد اذنت لك في الحج، فانصرف حميد مسرورا وأمر بتهيئة أسباب السفر، ودخل جبريل بن بختيشوع عل حميد فقال له: يا أبا غانم طربدنك فاني ارجو أن تأتي بكل جارية معك حاملا، وكان حميد مغرما بالنكاح ثم سقاه شربة، وكان في مجلسه عبد الله الطيفوري، وكان متطببا فلما رأى الشربة فهم الامر، فقال لجبريل: " أبو غانم قد ضعف عن هذه ؟ ". وقصد بذلك أنه انكشف له ما دبر لابي غانم من الاغتيال، وتناول أبو غانم الشربة، فأثرب به في الوقت، وجعل الطيفوري يداويه حتى تماثل للشفاء قليلا إلا انه بعد ذلك أشربه السم وقضى عليه (1). 4 - الفضل بن سهل: واغتال المأمون الفضل بن سهل، وكان وزيره ومستشاره إلا انه خشي منه فدس إليه من قتله في الحمام، وسنوضح ذلك في البحوث الآتية. هؤلاء بعض الذين اغتالهم المأمون، ومقتديا بمعاوية فهو أول الملوك الذين فتحوا باب الاغتيال والغدر في الاسلام. القسوة: وظاهرة أخرى من صفات المأمون وهي القسوة وانعدام الرأفة من نفسه، فقد قتل أخاه، وحمل رأسه إليه، ولو كانت عنده نزعة من الرحمة لعفا عن أخيه بعد ما طلب العفو والامان وتسليم السلطة إليه، ومن قسوته انه ما اغتال الامام الرضا (عليه السلام) قابل السادة العلويين بمنتهى الشدة والصرامة، فعهد إلى (1) اسماء المغتالين (ص 199). (*)
[ 242 ]
جلاديه بقتلهم والتنكيل بهم أينما وجدوا (1). الدهاء: ولم تعرف الدبلوماسية الاسلامية في العصر العباسي من هو ادهى من المأمون، ولا من هو ادرى منه في الشؤون السياسية، فقد كان سياسيا من الطراز الاول، فقد استطاع بدهائه ان يتغلب على كثير من الاحداث الرهيبة التي المت به، وكادت تطوي حياته وسلطانه، فقد استطاع بمهارة فائقة أن يقضي على أخيه الامين الذى كان يتمتع بتأييد مكثف من قبل الاسرة العباسية والقيادات العسكرية العليا، كما استطاع أن يقضى على أعظم ثورة مضادة له، تلك ثورة القائد الملهم أبي السريا، التي اتسع نطاقها فشملت معظم الاقاليم الاسلامية، وقد سقط معظمها بأيدي الثوار، وكان شعار الثورة الدعوة إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد حمل الامام الرضا (عليه السلام) قسرا إلى (خراسان)، وهو الزعيم الاوحد للاسرة العلوية، والمرجع العام للعالم الاسلامي، فارغمه على قبول ولاية العهد وعهد إلى جميع أجهزة حكومته باذاعة مآثر الامام امير المؤمنين وباقي افراد الائمة الطاهرين، كما ضرب السكة باسم الامام الرضا (عليه السلام)، وقد أوهم الثوار والقوى العسكرية التي كان معظمها يدينون بالولاء لاهل البيت (عليهم السلام) بأنه علوي العقيدة وانه جاد في تحويل الخلافة إلى العلويين حتى ايقنوا أنه لا حاجة لاستمرار الثورة، واراقة الدماء وقضى بذلك على الثورات كما تعرف في نفس الوقت على العناصر الشيعية التي عجز آباءه عن معرفتهم، وهذا التخطيط السياسي فيما احسب من أروع المخططات السياسية التي عرفها العالم في جميع مراحل التأريخ (2). الميل إلى اللهو: وكان المأمون شديد الميل إلى اللهو، وكان بعض ما أثر عنه في ذلك ما يلى: أ - لعبه بالشطرنج: وأهم لعبة عند المأمون وأحبها إليه هي الشطرنج (3) فقد هام فيها، وقد وصفها بهذه الابيات: (1) حياة الامام الرضا. (2) حياة الامام محمد الجواد (ص 231 - 232). (3) العقد الفريد 3 / 254. (*)
[ 243 ]
ارض مربعة حمراء من أدم * ما بين الفين موصوفين بالكرم تذاكرا الحرب فاحتلا لها شبها * من غير أن يسعيا فيها بسفك دم هذا يغير على هذا وذاك على * هذا يغير وعين الحرب لم تنم فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركة * في عسكرين بلا طبل ولا علم (1) والم هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما احسب أنه اسبق من نظم فيه، واحاط باوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد اهتدى إلى ملك (فرنسا) ادوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الادوات التي اهداها الرشيد في متاحف (فرنسا) (2). ب - ولعه بالموسيقى: وكان المأمون مولعا بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرخون انه كان معجبا كأشد ما يكون الاعجاب بابي اسحاق الموصلي الذي كان من اعظم العازفين والمغنين في العالم العربي وقال فيه: " كان لا يغني أبدا إلا وتذهب عني وساوسي المتزايدة من الشيطان " (3). وكان يحيى لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كابيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وانما كانت لياليه الليالي الحمراء. ج - شربه للخمر: وعكف المأمون على الادمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثم في اقتراف هذا المحرم الذي هو من افحش المحرمات في الاسلام. إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته. التحف الثمينة التي اهديت للمأمون: وقام الامراء والاشراف بتقديم الهدايا القيمة والتحف الثمينة للمأمون تقربا إليه، وكان من بعض ما أهدي إليه ما يلي: (1) المستطرف 2 / 306. (2) حياة الامام محمد الجواد (ص 233). (3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108). (*)
[ 244 ]
1 - اهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطا من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة باتحاف العبيد للسادة، وقد قلت: على العبد حق وهو لا شك فاعله * وإن عظم المولى وجلت فواضله الم ترنا نهدي إلى الله ماله * وان كان عنه ذا غنى فهو قابله ولو كان يهدي للجليل بقدره * لقصر عنه البحر يوما وساحله ولكننا نهدي إلى من نجله * وان لم يكن في وسعنا ما يشاكله (1) 2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في اكياس من الابريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلما رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم أناث ؟ فقيل له أنها آناث فسر بذلك، وقال: قد علمت ان الرجل اعقل من أن يوجه على غير أتن (2). 3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيها الاخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذرا في التقصير (3). هذه بعض الهدايا التي قدمت للمأمون تقربا له، وطمعا في الظفر ببعض الوظائف منه. تظاهره بالتشيع: وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلى: من علمه التشيع: إنه اعلن امام حاشيته واصحابه انه اعتنق مذهب التشيع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوما على رأس المأمون، فقال لاصحابه: " أتدرون من علمني التشيع ؟ ". (1) صبح الاعشى 2 / 420. (2) التحف والهدايا (ص 109). (3) نفس المصدر. (*)
[ 245 ]
فقالوا جميعا: لا والله ما نعلم ؟. فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين: " كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت ؟ ". قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: " لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والانصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا اراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة الآف دينار إلى مائتي دينار يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: " يا امير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب ". فاقبل الرشيد على ابنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد (1) قد انهكته العبادة كأنه شن بال (2) قد كلم (3) السجود وجهه وأنفه فلما رأى الرشيد انه اراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل، ونظر إليه الجميع باجلال واكبار وتعظيم ووصل الامام إلى البساط والحجاب والقواد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس واجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: " يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ ". قال هارون: اولاد كلهم ؟ قال الامام: لا اكثرهم موالي وحشم، اما الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الاناث، والتفت إليه هارون فقال له: (1) المسخد: مصفر الوجه. (2) الشن البالي: القربة البالية. (3) كلم: اي جرح. (*)
[ 246 ]
- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن واكفائهن ؟ - اليد تقصر عن ذلك. - ما حال الضيعة ؟ تعطي في وقت وتمنع في آخر !. - هل عليك دين ؟ - نعم. - كم هو ؟ - عشرة الآف دينار. - يا بن العم أنا اعطيك من المال ما تزوج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع. فشكره الامام على ذلك وقال له: " وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله)، وصنو أبيه، وعم على بن أبي طالب (عليه السلام) وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، واكرم عنصرك وأعلى محتدك (1) ". فقال هارون: افعل ذلك وكرامة. وأخذ الامام (عليه السلام) يوصيه بالبر والاحسان إلى عموم الفقراء قائلا: " يا أمير المؤمنين ان الله قد فرض على ولاة العهد، ان ينعشوا فقراء الامة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني (2). فأنت أولى من يفعل ذلك... ". فانبرى هارون قائلا: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الامام (عليه السلام) فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على اولاده فقال لهم: " يا عبد الله، ويا محمد، ويا ابراهيم امشوا بين يدى عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله ". وأنصرف الامام (عليه السلام)، وفي نفس الطريق أسر إلى المأمون فبشره (1) المحتد: الاصل. (2) العاني: الغفير. (*)
[ 247 ]
بالخلافة، وقال له: " إذا ملك هذا الامر فاحسن إلى ولدي ". ومضى الامام مشيعا من قبل ابناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى ابيه قائلا: " يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد اعظمته، واجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ ". فقال هارون: " هذا امام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده... ". وبهر المأمون فقال لابيه: " يا امير المؤمنين اليست هذه الصفات لك وفيك ؟ ". فاجابه هارون بالواقع قائلا: " أنا امام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر امام حق، والله يا بني انه لاحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) منى ومن الخلق جميعا، ووالله إن نازعتني هذا الامر لاخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم ". ولما اراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك امير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لابيه: " تعطي ابناء المهاجرين والانصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة الآف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخس عطية اعطيتها أحدا من الناس ؟ ؟ ". فزجره هارون، وقال له: " اسكت لا أم لك، فاني لو اعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه ان يضرب وجهي غدا بمائة الف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم واعينهم ". واعرب هارون عن خشيته من الامام (عليه السلام)، وقضت سياسته في
[ 248 ]
محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلا: " يا امير المؤمنين، قد دخلت المدينة، واكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وان خرجت ولم اقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم فضل امير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده ". فامر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: " يا امير المؤمنين هذا لاهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه ". فأمر له بعشرة الآف دينار، ثم قال له: بناتي اريد أن ازوجهن فأمر له بعشرة الآف دينار، وقال له: لا بد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع (1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة الآف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الامام الكاظم (عليه السلام)، فلما انتهى إليه استأذن على الامام فاذن له فقال له: " قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، واخذت منه صلات ثلاثين الف دينار واقطاعا تغل في السنة عشرة الآف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شئ من ذلك، ما أخذته إلا لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك ". فشكره الامام (عليه السلام) على ذلك، وقال له: " بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهما واحدا، ولا من هذه الاقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا ولا تراجعني في ذلك ". وقبل مخارق يد الامام (عليه السلام)، وانصرف عنه (2). وحكت هذه الرواية ما يلي: 1 - احتفاء الرشيد بالامام الكاظم (عليه السلام) في حين أنه لم يحفل بأي انسان كان، فقد سيطر على اغلب انحاء الارض وسرى اسمه في الشرق والغرب. 2 - اعتراف هارون بان الامام الكاظم (عليه السلام) هو حجة الله على (1) الاقطاع: القطعة من الارض الزراعية. (2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93. (*)
[ 249 ]
العالمين وانه امام هذه الامة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وان هارون زعيم هذه الامة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق. 3 - حرمان الامام الكاظم من العطاء الذي يستحقه، وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه. 4 - اعطاء المغني (مخارق) الاموال إلطائلة، وحرمان ابناء النبي (صلى الله عليه وآله) من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية: رد فدك للعلويين: من الامور التي يستند القائلون إلى تشيع هارون رده ل (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها اشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكنوا من مناهضة اولئك الحكام، وقد قام المأمون بردها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي اسداها على العلويين بقوله: اصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الاجراء دليلا على تشيع المأمون. اشادته بالامام امير المؤمنين: واشاد المأمون بالامام امير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الاسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالب (عليه السلام) افضل الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) وقد روى الصولي اشعارا له في فضل الامام امير المؤمنين عليه كان منها ما يلي: لا تقبل التوبة من تائب * إلا بحب ابن أبي طالب أخو رسول الله حلف المهدي * والاخ فوق الخل والصاحب إن جمعا في الفضل يوما فقد * فاق أخوه رغبة الراغب فقدم الهادي في فضله * تسلم من اللائم والعائب ومن شعره الذي يرد به على من عابه في قربه لابناء النبي (ص) يقول: (1) تذكرة الخواص (ص 366). (*)
[ 250 ]
ومن غاو يغص علي غيظا * إذا ادنيت أولاد الوصي فقلت: أليس قد اوتيت علما * وبان لك الرشيد من الغوي وعرفت احتجاجي بالمثاني * وبالمعقول والاثر القوي بأية خلة وبأي معنى * تفضل ملحدين على علي علي اعظم الثقلين حقا * وأفضلهم سوى حق النبي (1) ومن شعره قاله في أهل البيت (عليهم السلام) هذه الابيات: إن مال ذو النصب إلى جانب * ملت مع الشيعي في جانب اكون في آل بني الهدى * خير بني من بني غالب حبهم فرض نؤدي به * كمثل حج لازم واجب (2) وهذا الشعر صريح في ولائه لاهل البيت (عليهم السلام) وتقديمه بالفضل على غيرهم. وروى له الصولي هذه الابيات في الامام علي (عليه السلام): الام على حب الوصي أبي الحسن * وذلك عندي من عجائب ذي الزمن خليفة خير الناس والاول الذي * اعان رسول الله في السر والعلن ولولاه ما عدت لهاشم امرة * وكانت على الايام تقضي وتمتهن فولى بني العباس ما اختص غيرهم * ومن منه أولى بالتكرم والمنن فاوضح عبد الله بالبصرة الهدى * وفاض عبيد الله جودا على اليمن وقسم اعمال الخلافة بينهم * فلا زال مربوطا بذا الشكر مرتهن (2) وحكى هذا الشعر الايادي البيضاء التي أسداها الامام امير المؤمنين (عليه السلام) إلى الاسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الاسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت ابناء الامام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الاسرة الاموية وقد اوضحنا في (1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي. (2) تذكرة الخواص (ص 367). (3) تذكرة الخواص (ص 366). (*)
[ 251 ]
هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم انهم ابناء النبي (صلى الله عليه وآله)، وانهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر. ونسب إلى المأمون هذان البيتان: إذا المرجى سرك أن تراه * يموت لحينه من قبل موته فجدد عنده ذكرى كل * وصل على النبي وآل بيته فرد عليه ابراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة: إذا الشيعي جمجم في مقال * فسرك أن يبوح بذات نفسه فصل على النبي وصاحبيه * وزيريه وجاريه برمسه (1) ومن الطريف ما ذكره الصولي أنه كان مكتوبا على سارية من سواري جامع البصرة " رحم الله عليا أنه كان تقيا " وكان يجلس إلى تلك السارية حفص ابو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشق على المأمون ذلك، وأمر باشخاصه إليه فلما مثل عنده قال له: " لم محوت اسم امير المؤمنين من السارية ؟ ". فقال الخطابي: " وما كان عليها ؟ ". قال المأمون: كان عليها: " رحم الله عليا انه كان تقيا " فقال: ان المكتوب رحم الله عليا انه كان نبيا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن ازيدك عند العامة نفاقا لادبتك، ثم امر باخراجه (2). (1) مروج الذهب 3 / 329. (2) تذكرة الخواص (ص 367). (*)
[ 252 ]
انتقاصه لمعاوية: واستدل القائلون بتشيع المأمون إلى أنه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع انحاء العالم الاسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي " أن برئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (1). وهذا لا يصلح دليلا على تشيع المأمون لان معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الاوساط، وانه الخصم اللدود للاسلام، وانه صاحب الاحداث والموبقات. استدلاله على امامة الامام علي: ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على امامة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وانه القائد الاول للمسيرة الاسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره. ومن اروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن اكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره اربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن اكثم من بين علماء بغداد، وقد ادلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الامام امير المؤمنين (عليه السلام) إلا ان المأمون فند حججهم بادلة حاسمة دلت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الاهمية البالغة، وفيما يلي ذلك: المأمون: ولما مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: " إني اريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجة، فمن كان حاقنا (2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا ارديتكم ". (1) مروج الذهب 3 / 361. (2) الحاقن: الذي يضايقه البول. (*)
[ 253 ]
ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلا: " أيها القوم انما استحضرتكم لاحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لانفسكم، وامامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، واشفقوا على أنفسكم من النار، وتقربوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلا سلطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم. إني رجل أزعم أن عليا (عليه السلام) خير البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي، وان كنت مخطئا فردوا علي وهلموا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سأتموني... ". وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة. علماء الحديث: وسارع علماء الحديث قائلين: " بل نحن نسألك... ". وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلا: " هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم، فإذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وان أتى بخلل فسددوه... " الدليل الاول: وأدلى عالم من علماء الحديث بحجته على أن أبا بكر هو خير هذه الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا: " نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: " إقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر " فلما أمر نبى الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس... ". جواب المأمون: وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشا موضوعيا فقال: " الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقا، أو كلها باطلا، أو بعضها
[ 254 ]
حقا، وبعضها باطلا، فلو كانت كلها حقا، كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة (1) فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو ان بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما اعتقده، وأخذ به. وروايتك هذه من الاخبار التي ادلتها باطلة في نفسها، وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحكم الحكماء، وأولى الخلق، بالصدق، وابعد الناس من الامر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك ان هذين الرجلين لا يخلو من ان يكونا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم ان يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة. وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق لانك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، إن أبا بكر سبى أهل الردة، وردهم عمر أحرارا، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة... ". ورد المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، واثبت أنه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحة. الدليل الثاني: وأنبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على افضيلة الشيخين وتقدمهما على الامام امير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص). قال: " ان النبي (ص) قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا... ". جواب المأمون: وزيف المأمون هذا الحديث قائلا: هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم قد صرحت ان النبي (صلى الله عليه وآله)، آخى بين أصحابه، وأخر عليا (1) اي اماتة الشريعة. (*)
[ 255 ]
(عليه السلام)، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرتك إلا لنفسي، فأي الروايتين ثبتت بطلت الاخرى... ". إن مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيز، وإنما كانت خاضعة للدليل الحاسم. الدليل الثالث: وأنبرى محدث آخر فقال: إن عليا (عليه السلام) قال على المنبر: خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر... ". مناقشة المأمون: وناقش المأمون هذا الحديث قائلا: هذا مستحيل لان النبي (ص) لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، ومما يكذب هذه الرواية قول علي لما قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي، ولكن اشفقت أن يرجع الناس كفارا، وقوله (عليه السلام): اني يكونان خيرا مني ؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لان يكون دليلا للخصم. الدليل الرابع: وقال عالم من علماء الحديث: إن أبا بكر اغلق بابه وقال: هل من مستقيل فاقيله، فقال (عليه السلام): قدمك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن ذا يؤخرك ؟ ". رد المأمون للحديث: ورد المأمون الحديث قائلا: هذا باطل لان عليا (عليه السلام) قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم انه قعد عنها حتى قبضت فاطمة (عليها السلام)، وأنها اوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها. ووجه آخر وهو ان النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للانصار: قد رضيت لكم احد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر... ". الدليل الخامس: وقال عالم آخر: إن عمرو بن العاص قال: يا نبي الله من أحب الناس إليك
[ 256 ]
من النساء ؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال ؟ فقال: أبوها... ". رد المأمون: ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لانكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك، فكان عليا، فأي رواياتكم تقبل ؟ ". إن حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) أحب الخلق عند الله، واقربهم إليه. الدليل السادس: وانبرى عالم آخر فقال: " ان عليا قال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري... ". جواب المأمون: واجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: " كيف يجوز أن يقول علي: اجلد الحد على من لا يجب حد عليه، فيكون متعديا لحدود الله، عاملا بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين اصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقا أو كاذبا، فإن كان صادقا فإنى عرف ذلك بوحي ؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظني متحير، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم باحكامهم ويقيم حدودهم كذاب... ". الدليل السابع: وقال عالم آخر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ". جواب المأمون: قال المأمون: هذا الحديث محال لانه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها
[ 257 ]
النبي (ص): ان الله تعالى يقول: (إنا انشأناهن ابكارا عربا أترابا) (1) فان زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة، فقد رويتم أن النبي (ص) قال للحسن والحسين: انهما سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين وأبوهما خير منهما ". ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للاهواء والتيارات المذهبية. الدليل الثامن: وقال عالم آخر من علماء الحديث: " ان النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر... ". جواب المأمون: قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لان الله تعالى يقول: (إنا أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) (2) وقال تعالى: (واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم) (3) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا ؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوة مؤخرا ؟... ". ان مناقشة المأمون لهذه الاحاديث مبنية على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما. الدليل التاسع: وانبرى عالم آخر فادلى بحجته قائلا: " ان النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: ان الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة... ". جواب المأمون: وقال المأمون في رده على هذا الحديث: هذا مستحيل لان الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة. وليست هذه الروايات باعجب من روايتكم ان النبي (ص) قال: دخلت الجنة (1) سورة الواقعة: آية 35 - 37. (2) سورة النساء: آية 163. (3) سورة الاحزاب آية 7. (*)
[ 258 ]
فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لان السابق أفضل من المسبوق... ". الدليل العاشر: وأنبرى محدث آخر فقال: إن النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلا عمر بن الخطاب... ". جواب المأمون: قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضا لان الله تعالى يقول لنبيه (صلى الله عليه وآله): (ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص) ! !... ". الدليل الحادي عشر: وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة ". مناقشة المأمون: قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الاسلام وان كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان في انفسهما ". الدليل الثاني عشر: وقال عالم آخر: قال النبي (ص): " وضعت في كفة الميزان ووضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رفع الميزان ". جواب المأمون: وفند المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لانه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو اعمالهما، فإن كانت الاجسام فلا يخفى على ذي روح انه محال، لانه لا يرجح اجسامهما بأجسام الامة، وان كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس ؟. والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (1) سورة الانفال: آية 33. (*)
[ 259 ]
" اخبروني بما يتفاضل الناس ؟ ". وانبرى بعض العلماء فقال: " يتفاضلون بالاعمال الصالحة ". وعلق المأمون على هذا الكلام قائلا: " اخبروني ممن فضل صاحبه علي عهد النبي (ص) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به ؟ فان قلتم: نعم اوجدتكم في عصرنا هذا من هو اكثر جهادا، وحجا، وصوما، وصلاة، وصدقة من أحدهم... ". فانبروا جميعا قائلين: " صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص) ". فقال لهم المأمون: " انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي (عليه السلام) وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من اجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل علي (عليه السلام) اكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدوه... ". وحار القوم في الجواب، فقد سد عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عما يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلا: " ما لكم سكتم ؟... ". فقالوا: " قد استقصينا "، إذ لم تبق عندهم حجة يتمسكون بها، فقال لهم المأمون: " إني سائلكم اخبروني أي الاعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله)... ". فقالوا جميعا: " السبق إلى الاسلام لان الله تعالى يقول: (السابقون السابقون اولئك المقربون) (1)... ". (1) سورة الواقعة: آية 10 - 11. (*)
[ 260 ]
وسارع المأمون قائلا: " فهل علمتم أحدا أسبق من علي إلى الاسلام ؟... ". وارتفعت أصواتهم قائلين: " انه - اي على - سبق حدثا لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق... ". واجاب المأمون قائلا: " خبروني عن اسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص) ؟ فإن قلتم: بالهام فقد فضلتموه على النبي (ص) لان النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعيا، ومعرفا. وان قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيه في قوله: (وما أنا من المتكلفين) (1) وفي قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (2) وان كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وايثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلما بتأييد الله تعالى. وخلة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنه، وضعفه عن القبول. وعلة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحدا من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنه لم يدع أحدا غيره، فهذه فضيلة لعلى على جميع صبيان الناس ". والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: " أي الاعمال بعد السبق إلى الايمان ؟... ". فقالوا جميعا: " الجهاد في سبيل الله... ". وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجة في تقديم الامام على غيره بالفضل قائلا: (1) سورة الواقعة: آية 10 - 11. (2) سورة ص: آية 3 - 4. (*)
[ 261 ]
هل تجدون لاحد من العشرة في الجهاد ما لعلي (عليه السلام) في جميع مواقف النبي (ص) من الاثر ؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلا، قتل علي منهم نيفا وعشرين، واربعون لسائر الناس... ". وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: " كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبرها ". فرد عليه المأمون قائلا: " لقد جئت بهذا عجيبة ! ! كان يدبر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر ؟ أي الثلاث أحب إليك ؟ ". وأجاب العالم: " اعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه ". " ورد عليه المأمون قائلا: فما الفضيلة في العريش ؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين والله عزوجل يقول: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم فضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (1). ووجه المأمون خطابه إلى اسحاق بن حماد بن زيد وهو من كبار علماء الحديث فقال له: " اقرأ سورة هل أتى ". وأخذ اسحاق في قراءة السورة فلما انتهى إلى قوله تعالى: ويطعمون الطعام إلى حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إلى قوله: وكان سعيكم مشكورا " (2). قال له المأمون: (1) سورة النساء: آية 95. (*)
[ 262 ]
" فيمن نزلت هذه الآيات ؟ ". " في علي... ". وانبرى المأمون قائلا: " هل بلغك أن عليا (عليه السلام) قال حين اطعم المسكين واليتيم والاسير " انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " على ما وصف الله تعالى في كتابه ". " لا... ". " ان الله تعالى عرف سريرة علي ونيته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره... هل علمت أن الله تعالى وصف في شئ مما وصف في الجنة، ما في هذه السورة: " قوارير من فضة... ". " لا... ". " فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة ؟ ". " لا ادري ". " يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها وهذا مثل قوله (صلى الله عليه وآله): " يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير " وعنى به نساء كأنها القوارير رقة، وقوله (صلى الله عليه وآله): " ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا " أي كأنه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) (2) أي كأنه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان واحد مات. يا اسحاق الست ممن يشهد أن العشرة في الجنة ؟ ". " بلى... ". " أرأيت لو أن رجلا قال: ما ادري اصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك (1) سورة الدهر: آية 9. (2) سورة ابراهيم: آية 17. (*)
[ 263 ]
كافرا ؟... ". " لا... ". " أرأيت لو قال: ما ادري هذه السورة قرآنا أم لا أكان عندك كافرا ؟... ". " بلى... ". " يا اسحاق خبرني عن حديث الطائر المشوي اصحيح عندك ؟ ". " بلى... ". " بان والله عنادك، لا يخلو هذا من أن يكون كما دعاه النبي أو يكون مردودا، أو عرف الله الفاضل من خلقه، وكان المفضول أحب إليه، أو تزعم ان الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك ؟... ". وحار اسحاق ولم يهتد إلى الجواب، وبقي يتأمل فوجد مسلكا يدافع يه عن فكرته، فقال: " يا امير المومنين ان الله تعالى يقول في أبي بكر: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقوق لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) (1) فنسبه الله إلى صحبة نبيه (صلى الله عليه وآله) ". وسارع المأمون في الرد عليه قائلا: " سبحان الله ! ! ما أقل علمك باللغة والكتاب، أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن، فأي فضيلة في هذا ؟ أما سمعت قول الله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (2) فقد جعله له صاحبا، وقال الهزلي شعرا: ولقد غدوت وصاحبى وحشية * تحت الرداء بصيرة بالمشرق وقال الازدي: ولقد دعوت الوحش فيه وصاحبى * محض القوادم من هجان هيكل فصير فرسه صاحبه، وأما قوله: " إن الله معنا " فإن الله تبارك وتعالى مع البر والفاجر، أما سمعت قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا (1) سورة التوبة: آية 40. (2) سورة الكهف: آية 34. (*)
[ 264 ]
خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) (1). وأما قوله: " لا تحزن " فأخبرني عن حزن أبي بكر كان طاعة أو معصية، فإن زعمت أنه طاعة فقد جعلت النبي (ص) ينهى عن الطاعة، وهو خلاف صفة الحكيم، وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي ؟ واخبرني عن قوله تعالى: " فانزل الله سكينته عليه " على من ؟. وانبرى اسحاق فقال: " نزلت - أي السكينة - على أبي بكر لان النبي (ص) منزه عن صفة السكينة. فأجابه المأمون: " اخبرني عن قوله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (2). أتدري من المؤمنون الذين أرادهم الله في هذا الموضع ؟ ". " لا... ". وأخذ المأمون يشرح لاسحاق معنى الآية الكريمة قائلا: " إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي (ص) إلا سبعة من بني هاشم، علي (عليه السلام) يضرب بسيفه، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) والخمسة محدقون بالنبي (ص) خوفا من أن يناله سلاح الكفار حتى اعطى الله تبارك وتعالى رسوله (ص) الظفر عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا، ومن حضر من بني هاشم، فمن كان أفضل أمن كان مع النبي (ص) فنزلت السكينة على النبي (ص) وعليه أم من كان في الغار مع النبي (ص) ولم يكن أهلا لنزولها عليه يا اسحاق، من أفضل ؟ من كان مع النبي (ص) في الغار أو من نام على مهاده وفراشه، ووقاه بنفسه حتى تم للنبي (ص) ما عزم عليه من الهجرة. ان الله تبارك وتعالى أمر نبيه (ص) أن يأمر عليا بالنوم على فراشه، ووقايته بنفسه فأمره بذلك، فقال علي: اتسلم يا نبي الله ؟ فقال: نعم، قال: سمعا وطاعة، ثم أتى مضجعه، وتسجى بثوبه وأحدق المشركون به لا يشكون في أنه النبي (ص) (1) سورة المجادلة: آية 7. (2) سورة التوبة: آية 25 - 26. (*)
[ 265 ]
وقد اجمعوا على أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطلب الهاشميون بدمه، وعلي (عليه السلام) يسمع بأمر القوم فيه من التدبير في تلف نفسه، فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار، وهو مع النبي (ص) وعلي وحده فلم يزل صابرا محتسبا، فبعث الله تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش، فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا اين محمد ؟ قال: وما علمي به ؟ قالوا: فأنت غدرتنا ثم لحق بالنبي (ص) فلم يزل علي (عليه السلام) أفضل لما بدا منه، إلا ما يزيد خيرا حتى قبضه الله تعالى إليه، وهو محمود مغفور له. يا اسحاق أما تروي حديث الولاية ؟ " " نعم... ". " اروه... ". فرواه له، فقال المأمون: " أما ترى أنه أوجب لعلي (عليه السلام) على أبي بكر وعمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه ؟ ". فقال اسحاق: إن الناس يقولون: إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة ". فأنكر المأمون ذلك وقال: " واين قال النبي (ص) هذا ؟ ". فأجاب اسحاق: " قاله بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع ". وسارع المأمون لابطال ذلك قائلا: " متى قتل زيد بن حارثة ؟... أليس قد قتل قبل غدير خم ؟ " " بلى... ". " اخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمس عشرة سنة، يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاقبلوا اكنت تكره له ذلك ؟ ". " بلى... ". " وكر المأمون منكرا عليه قائلا: " أتنزه ابنك عما لا تنزه عنه النبي (ص)... ". والتفت إليه المأمون ليقيم عليه الحجة قائلا:
[ 266 ]
" اتروي قول النبي (ص) لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ؟. " نعم... ". " أما تعلم أن هارون أخو موسى لابيه وأمه ؟ ". " بلى... ". " فعلي كذلك ؟ ". " لا... ". سارع المأمون قائلا: " هارون نبي، وليس علي كذلك، فما المنزلة الثالثة إلا الخلافة، لقد قال المنافقون: إنه استخلفه استثقالا، فأراد ان يطيب نفسه، وهذا كما حكى الله تعالى عن موسى، حيث قال: لهارون (اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (1). وانبرى اسحاق قائلا: " إن موسى خلف هارون في قومه، وهو حي، ثم مضى، إلى ميقات ربه تعالى، وان النبي (ص) خلف عليا حين خرج إلى غزاته... ". ورد عليه المأمون: " اخبرني عن موسى حين خلف هارون أكان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عز وجل أحد من أصحابه ؟ ". " نعم... ". " أو ليس قد استخلفه على جميعهم ؟... ". " بلى... ". " فكذلك على خلفه النبي (ص) حين خرج إلى غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان، إذ كان اكثر قومه معه، وان كان قد جعله خليفة على جميعهم، والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله (صلى الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدي " وهو وزير النبي (ص) ايضا بهذا القول لان موسى قد دعا الله تعالى، وقال فيما دعا " واجعل لي وزيرا من أهلى (1) سورة الاعراف: آية 142. (*)
[ 267 ]
هارون أخى اشدد به أزري، واشركه في أمري " (1) فإذا كان علي منه بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره، كما كان هارون وزير موسى، وهو خليفته كما كان هارون خليفة موسى... ". مع علماء الكلام: وبعدما حاجج المأمون علماء الحديث، وتغلب عليهم بمناقشته للاحاديث التي تمسكوا بها، في الاستدلال على ما يذهبون إليه، التفت بعد ذلك إلى علماء الكلام فقال لهم: " اسألكم أو تسألوني ؟... ". " بل نسألك... ". س - والتفت عالم منهم، فقال للمأمون: " اليست إمامة علي (عليه السلام) من قبل الله عزوجل ؟ نقل ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نقل الفرائض مثل الظهر اربع ركعات، وفي مأتي درهم خمسة دراهم، والحج إلى مكة ؟ " فقال المأمون: بلى، فقال المتكلم: فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرائض، واختلفوا في خلافة علي وحدها ؟... ". ج - المأمون: " لان جميع الفرائض لا يقع فيها من التنافس والرغبة مثل ما يقع في الخلافة ". س - متكلم: وانبرى متكلم آخر فقال: ما انكرت أن يكون النبي (ص) أمرهم باختيار رجل منهم يقوم مقامه رأفة ورقة عليهم من غير أن يستخلف هو بنفسه، فيعصى خليفته فينزل بهم العذاب... ". ج - المأمون: وأجاب المأمون: انكرت ذلك من قبل أن الله تعالى ارأف بخلقه من النبي (ص) وقد بعث نبيه إليهم وهو يعلم أن فيهم عاص ومطيع، فلم يمنعه تعالى ذلك من ارساله. (1) سورة طه: آية 29 - 32. (*)
[ 268 ]
وعلة اخرى: لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم، فلو أمر الكل من كان المختار ؟ ولو أمر بعضا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا المعنى علامة، فان قلت: الفقهاء فلا بد من تحديد الفقيه وسمته ". وانبرى متكلم فقال: " روى أن النبي (ص) قال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح... ". فرد عليه المأمون هذه المقالة الفاسدة التي تستلزم التصويب المجمع على بطلانه، وهو ان ليس لله تعالى في كل واقعة حكم يصيبه من يصيبه، ويخطئه من يخطئه، وهذا جواب المأمون: " هذا القول لا بد ان يكون يريد كل المؤمنين أو البعض، فان اراد الكل فهذا مفقود لان الكل لا يمكن اجتماعهم، وان كان البعض، فقد روى كل في صاحبه حسنا مثل رواية الشيعة في على، ورواية الحشوية في غيره، فمتى يثبت ما تريدون من الامامة ؟ ". وقال متكلم آخر: " فيجوز أن تزعم أن اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) اخطأوا ". فأجابه المأمون: " كيف نزعم أنهم اخطأوا، واجتمعوا على ضلالة وهم لم يعلموا فرضا ولا سنة، لانك تزعم ان الامامة لا فرض من الله تعالى، ولا سنة من الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض ولا سنة خطأ ؟. وسارع متكلم آخر فقال للمأمون: " ان كنت تدعى لعلي من الامامة دون غيره فهات بينتك على ما تدعي... ". مناقشة المأمون: " ما أنا بمدع، ولكني مقر، ولا بينة على مقر، والمدعي من يزعم أن إليه التولية والعزل، وان إليه الاختيار، والبينة لا تعرى من أن تكون من شركائه، فهم خصماء، أو تكون من غيرهم، والغير معدوم، فكيف يؤتى بالبينة على هذا ؟ ". وقال متكلم آخر: " فما كان الواجب على علي (عليه السلام) بعد مضي رسول الله (صلى الله عليه
[ 269 ]
وآله) ؟ ". واجاب المأمون: " قد فعله - اي فعل ما يجب عليه - ". واشكل المتكلم قائلا: " افما وجب عليه أن يعلم الناس أنه إمام ؟ ". وسارع المأمون قائلا: " إن الامامة لا تكون بفعل منه في نفسه، ولا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك، وانها تكون بفعل من الله تعالى فيه، كما قال لابراهيم: (إني جاعلك للناس اماما) (1) وكما قال تعالى لداود: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض) وكما قال عزوجل للملائكة في آدم (إني جاعل في الارض خليفة) (3). فالامام انما يكون إماما من قبل الله تعالى، وباختياره إياه في بدء الصنيعة والتشريف في النسب والطهارة في المنشأ والعصمة في المستقبل، ولو كانت بفعل منه في نفسه كان من فعل ذلك الفعل مستحقا للامامة، وإذا عمل خلافها اعتزل فيكون خليفة من قبل افعاله ". واشكل متكلم آخر فقال: " لم أوجبت الامامة لعلى بعد الرسول (ص) ؟ ". واجاب المأمون: " لخروجه من الطفولة إلى الايمان كخروج النبي من الطفولية إلى الايمان والبراءة من ضلالة قومه عن الحجة، واجتنابه الشرك كبراءة النبي (ص) من الضلالة، واجتنابه للشرك، لان الشرك ضلم ولا يكون الظالم اماما، ولا من عبد وثنا باجماع، ومن شرك فقد حل من الله تعالى محل اعدائه، فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الامة حتى يجئ اجماع آخر مثله، ولان من حكم عليه مرة، فلا يجوز أن يكون حاكما، فيكون الحاكم محكوما عليه مرة، فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم والمحكوم عليه... ". (1) سورة البقرة: آية 124. (2) سورة ص: آية 26. (3) سورة البقرة: آية 30. (*)
[ 270 ]
واشكل شخص أخر من المتكلمين فقال: " لم لا يقاتل علي (عليه السلام) أبا بكر وعمر، كما قاتل معاوية ؟ ". واجاب المأمون: " المسألة محال لان لم اقتضاء، ولم يفعل نفي، والنفي لا يكون له علة، انما العلة، للاثبات، وانما يجب أن ينظر في أمر على (عليه السلام) امن قبل الله أم من قبل غيره، فان صح أنه من قبل الله تعالى، فالشك في تدبيره كفر لقوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1) فافعال الفاعل تبع له صلة، فإن كان قيامه عن الله تعالى، فافعاله عنه، وعلى الناس الرضى والتسليم، وقد ترك رسول الله (ص) القتال يوم (الحديبية) يوم صد المشركون هديه عن البيت، فلما وجد الاعوان وقوي حارب كما قال الله تعالى: في الاول: (فاصفح الصفح الجميل) (2) ثم قال عزوجل: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (3). وانبرى متكلم آخر فقال: " إذا زعمت أن امامة علي (عليه السلام) من قبل الله تعالى، وانه مفترض الطاعة، فلم لا يجوز إلا التبليغ والدعاء للانبياء (عليهم السلام) وجاز لعي أن يترك ما أمر به من دعوة الناس إلى طاعته ؟... ". جواب المأمون: " إنا لم نزعم أن عليا (عليه السلام) أمر بالتيليغ فيكون رسولا، ولكنه وضع علما بين الله تعالى وبين خلقه، فمن تبعه كان مطيعا، ومن خالفه كان عاصيا، فان وجد أعوانا يتقوى بهم جاهد، وان لم يجد اعوانا فاللوم عليهم لا عليه لانهم أمروا بطاعته على كل حال ولم يؤمر هو بمجاهدتهم إلا بقوة، وهو بمنزلة البيت، على الناس الحج إليه، فإذا حجوا أدوا ما عليهم، وإذا لم يفعلوا كانت اللائمة عليهم لا على البيت ". (1) سورة النساء: آية 65. (2) سورة الحجر: آية 85. (3) سورة التوبة: آية 5. (*)
[ 271 ]
وقال متكلم آخر: " إذا وجب أنه لا بد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار، كيف يجب بالاضطرار أنه (علي) دون غيره ؟... ". جواب المأمون: ورد المأمون هذه الشبهة بقوله: ان الله تعالى لا يفرض مجهولا، ولا يكون المفروض - أي الامامة وغيرها من التكاليف - ممتنعا، إذ المجهول ممتنع من قبل أن الله تعالى لا يفرض مجهولا، ولا يكون المفروض ممتنعا، فلا بد من دلالة الرسول (ص) على الفرض ليقطع العذر بين الله وبين عباده، أرأيت لو فرض الله تعالى على الناس صوم شهر فلم يعلم الناس أي شهر هو ؟ ولم يوسم بوسم وكان على الناس استخراج ذلك بعقولهم حتى يصيبوا ما أراد الله تعالى، فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول المبين لهم، وعن الامام الناقل لهم خبر الرسول إليهم.... ". واشكل متكلم أخر فقال: " من أين أوجبت أن عليا كان بالغا حين دعاه النبي (ص) فان الناس يزعمون أنه كان صبيا حين دعي، ولم يكن جاز عليه الحكم، ولا بلغ مبلغ الرجال... ". جواب المأمون: " انه لا يرى في ذلك الوقت من أن يكون ممن أرسل إليه النبي (ص) ليدعوه، فإن كان كذلك فهو محتمل التكليف، قوي على اداء الفرائض الخ... ". وجوم العلماء: ووجم علماء الحديث وعلماء الكلام، فقد افحمهم المأمون، والزمهم الحجة، واستدل على امامة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بأوثق الادلة وانصعها. أسئلة المأمون للعلماء: ووجه المأمون أسئل إلى العلماء، كان منها ما يلي: 1 - س: اليس قد روت الامة باجماع منها ان النبي (ص) قال: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فقال العلماء باجمعهم: " بلى يا امير المؤمنين ". وعرض عليهم المأمون حديثا نبويا آخر فقال: " ورووا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من عصى الله بمعصية صغرت أو
[ 272 ]
كبرت ثم اتخذها دينا، ومضى مصرا عليها فهو مخلد بين اطباق الجحيم ". وصدق العلماء الحديث وأقروا به، فقال لهم المأمون: خبروني عن رجل تختاره الامة، هل يجوز أن يقال له: خليفة رسول الله (ص) ومن قبل الله عزوجل، ولم يستخلفه الرسول (ص) ؟ فإن قلتم نعم، فقد كابرتم، وإن قلتم: لا وجب أن يكون فلان غير خليفة لرسول الله (ص). وأقبل المأمون يعظهم بعد حديث جرى بينه وبين العلماء في هذا الموضوع قائلا: " اتقوا الله، وانظروا لانفسكم، ودعوا التقليد، وتجنبوا الشبهات، فوالله ما يقبل الله تعالى إلا من عبد لا يأتي إلا بما يعقل، ولا يدخل إلا فيما يعلم أنه حق، والريب شك، وادمان الشك كفر بالله تعالى، وصاحبه في النار... ". والتفت إليهم بعد هذا التأنيب، قائلا: " اخبروني عن النبي (ص) هل استخلف حين مضى ؟ أم لا ". فقالوا جميعا: " لم يستخلف ". وأشكل عليهم المأمون قائلا: " فتركه ذلك - اي الاستخلاف لاحد من بعده - هدى أم ضلال ؟... ". فأجابوا: " بلى هدى ". وأنبرى المأمون يقيم الدليل على بطلان ما ذهبوا إليه قائلا: " فعلى الناس أن يتبعوا الهدى، ويتركوا الباطل ويتنكبوا الضلال ؟... ". فأجابوا: " وقد فعلوا ذلك - أي اتبعوا الهدى - ". وأخذ المأمون يقيم اروع الحجج والبراهين على زيف ما قالوه: قائلا: " لم استخلف الناس بعده - أي بعد النبي (ص) - وقد تركه هو فترك فعله ضلال، ومحال أن يكون خلاف الهدى هدى... وإذا كان ترك الاستخلاف هدى، فلم استخلف أبو بكر ولم يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ ولم جعل عمر الامر بعده شورى بين المسلمين خلافا على صاحبه، لانكم زعمتم أن النبي (ص) لم يستخلف،
[ 273 ]
وان أبا بكر استخلف، وعمر لم يترك الاستخلاف كما فعل أبو بكر، وجاء بمعنى ثالث - وهو الشورى التي نص عليها لتعيين الخليفة من بعده فخبروني أي ذلك ترونه صوابا، فإن رأيتم فعل النبي (ص) صوابا فقد أخطأتم أبا بكر، وكذلك القول في بقية الاقاويل وخبروني أيهما أفضل ما فعله النبي (ص) بزعمكم من ترك الاستخلاف، أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف ؟. وخبروني هل يجوز أن يكون تركه من الرسول (ص) هدى وفعله من غيره هدى ؟ فيكون هدى ضد هدى ؟ فاين الضلال حينئذ. وخبروني هل ولي أحد بعد النبي (ص) باختيار الصحابة منذ قبض النبي (ص) إلى اليوم ؟ فإن قلتم: لا فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي (ص). وإن قلتم: نعم، كذبتم الامة، وابطل قولكم: الوجود الذي لا يدفع وخبروني عن قول الله عزوجل: (قل لمن ما في السموات والارض قل لله) (1). أصدق هذا أم كذب ؟. فأجابوا: " نعم - انه صدق - ". وأنبرى المأمون قائلا: " اليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه ومالكه ؟ ". " نعم... ". وثار المأمون فقال: " ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة، تفرضون طاعته، وتسمونه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنتم استخلفتموه وهو معزول عنكم إذا غضبتم عليه، وعمل بخلاف محبتكم، ومقتول إذا أبى الاعتزال... ". وتكلم بعد هذا الكلام بعنف مع القوم، ثم استقبل القبلة ورفع يديه قائلا: " اللهم إني قد ارشدتهم، اللهم إني قد اخرجت ما وجب علي اخراجه من عنقي. (1) سورة الانعام: آية 12. (*)
[ 274 ]
اللهم إني ادين بالتقرب إليك بتقديم علي (عليه السلام) على الخلق بعد نبيك محمد (صلى الله عليه وآله)، كما أمرنا به رسولك (صلى الله عليه وآله)... (1) ". ووجم القوم، ولم يجدوا منفذا يسلكون فيه للدفاع عما يرونه وكان معظم استدلال المأمون على امامة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قائما على المنطق والدليل، ولا أكاد أعرف حقيقة ناصعة واضحة وضوح الشمس كامامة الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، فقد فرضته مواهبه وعبقرياته، وشدة انابته إلى الله وزهده، وتخليه من الدنيا كل ذلك جعله أولى بالنبي (صلى الله عليه وآله) من غيره، فلم يملك أحد من الصحابة، ولا من اقرباء النبي (ص) وارحامه مثل ما يملكه من الطاقات الندية الخلاقة من العلم والنزاهة والشرف وغير ذلك من الصفات الكريمة والنزعات العظيمة، وبهذه الجهة كان أولى بمركز النبي ومقامه، وأما قرابته من النبي فليس لها أي أثر في ترجيحه على غيره من المسلمين، فإن هذه الجهة لا تصلح دليلا تثبت به احقية الامام (عليه السلام) بالخلافة. وعلى أي حال فإن ما أقامه المأمون من هذه الادلة على امامة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن المقصود منها إلا التقرب إلى الامام الرضا (عليه السلام) حتى ينال ثقته منه، وقد صرح بذلك اسحاق بن حماد فقال: لم يكن الغرض في تفضيله الامام علي (عليه السلام) على جميع الصحابة إلا تقربا للامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وكان الامام نفسه يقول لاصحابه الذين يثق بهم: لا تغتروا بقوله: فما يقتلني والله غيره، ولكن لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله (2). عقده بولاية العهد للامام: وثمة دليل آخر اعتمد عليه الذاهبون إلى تشيع المأمون وهو عقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام)، وبذلك فقد عرض الخلافة التي تقمصها العباسيون إلى الخطر، وتسليمها إلى السادة العلويين. هذه أهم الادلة التي استند إليها القائلون بتشيع المأمون وانه علوي الفكر والرأي: (1) عيون أخبار الرضا 2 / 184 - 199 البحار. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 185. (*)
[ 275 ]
زيف تشيعه: والذى نراه بمريد من التأمل والتحقيق أن المأمون لم يكن من الشيعة، ولم يعتنق ولاء أهل البيت (عليهم السلام)، وانما بدرت هذه البوادر التى ذكرها لاغراض سياسية، لا علاقة لها مطلقا بدعوى التشيع، ويدعم ذلك ما يلي: 1 - إنه من الاسرة العباسية التى عرفت بالبغض والعداء لاهل البيت (عليهم السلام)، فلم تنجب هذه الاسرة الا الجبابرة الطغاة الذين صبوا جام غضبهم على آل النبي (ص) وعترته، فقد عمدوا إلى قتلهم وتشريدهم، والتنكليل بهم، وقد اقترفوا معهم ما لم تقترفه الاسرة الاموية بل ان الاسرة الاموية على ما عرفت به من العداء العارم لابناء النبي (ص) فإنها لم تقابلهم بمثل ما قابلتهم به بنو العباس، وقد كانت لبنى أمية من الفواضل ما ليست لبنى العباس، وقد اوضحنا بعض ما عانوه العلويون منهم في فصول هذا الكتاب. وعلى أي حال فإنه من المستبعد جدا أن يتحول المأمون عن خطة آبائه، ويغير منهجهم وسلوكهم بين عشية وضحاها فيكون علوي الرأي، ومواليا لخصوم آبائه، ويعرض دولته إلى الخطر. 2 - أما انتقاصه لمعاوية، والحكام الذين سبقوه، وتفضيل الامام امير المؤمنين (عليه السلام) عليهم، فإنه لم يكن جديا، وإنما كان صوريا لاغراض سياسية، فقد روى التغلبي، وكان معاصرا له قال المأمون: " وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا بانتقاص غيره من السلف، والله ما استجيز أن انتقص الحجاج بن يوسف، فكيف بالسلف الطيب " (1). إنه يتمنع من انتقاص الارهابي المجرم الحجاج الذي أغرق العراق لما سفكه من دماء الابرياء. ونسب له من الشعر ما يدعم ذلك، فقد قال: أصبح ديني الذي أدين به * ولست منه الغداة معتذرا حب علي بعد النبي ولا * اشتم صديقا ولا عمرا ثم ابن عفان في الجبان مع ال * أبرار ذاك القتيل مصطبرا (1) حياة الامام الرضا نقلا عن عصر المأمون 1 / 369. (*)
[ 276 ]
ألا ولا اشتم الزبير ولا * طلحة إن قال قائل غدرا وعائش الام لست أشتمها * من يفتريها فنحن منه برا (1) إلى غير ذلك من الشهواهد والادلة التي تثبت زيف تشيعه وانه لا علاقة له مطلقا بأهل البيت (عليهم السلام). 3 - اغتياله للامام الرضا (عليه السلام) بعد ما نفذت اغراضه السياسية ولم يكتف بذلك، وإنما أوعز إلى عامله على مصر بغسل المنابر التي كان يخطب عليها بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) (2) وهذا يكشف عما يكنه في اعماق نفسه من البغض والعداء للامام. لقد استبان بصورة واضحة للاسرة العلوية زيف ما يدعيه المأمون من الولاء لهم، وانه كان صوريا لا واقع له، ويقول الرواة إنه كتب إلى عبد الله شقيق الامام الرضا يعطيه الامان، ويضمن له ولاية العهد بعده كما صنع مثل ذلك باخيه الامام الرضا، وقد جاء في كتابه. " وما ظننت أن أحدا من آل أبي طالب يخافني بعدما عملته بالرضا... ". فاجابه برسالة كشف فيها عن نوايا المأمون، وهذا نصها: " وصل كتابك، وفهمته تختلني فيه عن نفسي ختل القانص وتحتال علي حيلة المغتال القاصد لسفك دمي. وعجبت من ذلك العهد، وولاية لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا، ففي أي شئ ظننت أني ارغب من ذلك ؟ أفي الملك الذى قد غرتك نضرته وحلاوته ؟ فوالله لئن أقذف وأنا حي، في نار تتأجج أحب إلى من أن ألي أمرا بين المسلمين أو أشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل. أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا أم ظننت ان الاستتار قد أملني وضاق به صدري ؟ فوالله إني لذلك، ولقد مللت الحياة، وابغضت الدنيا ولو وسعني في ديني أن أضع يدى في يدك حتى تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر علي المخاطرة بدمي، وليتك قدرت من غير أن أبذل نفسي لك فتقتلني، ولقيت الله عزوجل بدمي ولقيته قتيلا مظلوما، فاسترحت من هذه الدنيا. (1) البداية والنهاية 10 / 277. (2) الولاية والقضاة للكندي. (*)
[ 277 ]
واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضى الله عزوجل عني، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شئ من ذلك، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية، آية، فلم أجد شيئا أزلف للمرء عند ربه من الشهادة في طلب مرضاته. ثم تتبعته ثانية أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولاي صنف، فوجدته جل وعلا يقول: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة) فطلبت أي الكفار أضر على الاسلام، واقرب من موضعي فلم أجد أضر على الاسلام منك، لان الكفار أظهروا كفرهم فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت مال الله من غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحا، وانفقت مال الله على الملهين، واعطيته المغنين ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت باقطاره احاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند. فان يسعدني الدهر، ويعينني الله عليك، بانصار الحق أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضاه مني، وان يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الايام قبل ذلك فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عزوجل من نيتي والسلام... " (1). ووضعت هذه الرسالة المأمون على طاولة التشريح، فاظهرت زيفه، وكشفت خداعه، ودجلة، وانه لا واقع بأي حال من الاحوال إلى ما يزعمه من الولاء والحب لاهل البيت. أما الفصول الاخيرة من هذه الرسالة، فقد الحقت المأمون بقافلة الكفار الذين يجب جهادهم، والاطاحة بهم، كما بينت سياسة المأمون، وأنها تأخذ الناس بالظنة وتعاقبهم بالتهمة وبالاضافة إلى ذلك، فقد اعربت عن تحلل المأمون، وذلك بشربه للخمر، وانفاقه لاموال المسلمين على الملاهي والمغنين والعابثين والماجنين. لقد كانت هذه الرسالة صرخة مدوية في وجه الطاغية المأمون، وهي من الصفحات المشرقة في مناهضة الظلم والطغيان.
[ 278 ]
ومن الجدير بالذكر أنه يروي جانب آخر من هذه الرسالة أو من رسالة أخرى بعثها هذا السيد الجليل إلى المأمون يقول فيها: " هبني لا ثأر لي عندك، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم، وكنت الطف حيلة منهم بما استعملته من الرضا بنا والتستر لمحننا، تختل واحدا فواحدا منا، ولكنني كنت امرأ حبب إلى الجهاد، كما حبب إلى كل امرئ بغيته، فشحذت سيفي، وركبت سناني على رمحي، واستفرهت فرسي. ولم ادر أي العدو أشد ضررا على الاسلام، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شئ فقرأته فإذا فيه: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة). ومن بنود هذه الرسالة: " وتدبرت فإذا أنت أضر على الاسلام والمسلمين من كل عدو لهم لان الكفار خرجوا منه، وخالفوه، فحذرهم الناس، وقاتلوهم وأنت دخلت فيه ظاهرا، فأمسك الناس، وطفقت تنقض عراه، عروة، عروة، فأنت أشد اعداء الاسلام ضررا عليه... " (1). وحكمت هذه الفصول بعض الجوانب من السياسة العباسية التى تركزت على ظلم السادة العلويين، والتنكيل بهم، كما حكت تعطش السيد الجليل نجل الامام موسى (عليه السلام) إلى الجهاد للاطاحة بحكم المأمون الذى هو من الد اعداء الاسلام، فقد نقض عراه، عروة، عروة على حد تعبير هذه الرسالة. 4 - ابادته للسادة العلويين بعد اغتياله للامام الرضا (عليه السلام) فقد عمدت مخابراته ورجال أمنه إلى مطاردتهم، واستئصالهم، وقد اغتال كوكبة من ابناء الامام موسى (عليه السلام)، وقد استخدم السم كأعظم سلاح لتصفية ابناء النبي (ص) فقد اغتال بالسم السيد الشريف الجليل ابراهيم نجل الامام موسى (عليه السلام)، ولما توفي انزله في ملحودة قبره الفقيه أبن السماك، وانشد حينما الحده: (1) مقاتل الطالبيين (ص 630 - 631). (*)
[ 279 ]
مات الامام المرتضى مسموما * وطوى الزمان فضائلا وعلوما قد مات في الزوراء مظلوما * كما أضحى أبوه بكربلا مظلوما فالشمس تندب موته مصفرة * والبدر يلطم وجهه مغموما (1) إن اغتياله للسادة العلويين، ومطاردتهم حتى هربوا خوفا منه مختفين في الاقطار والامصار ينسف دعوى تشيعه، وانه لا علاقة له بالولاء لاهل البيت شأنه شأن آبائه الذين هم من الد اعداء ابناء النبي (صلى الله عليه وآله). أسباب تظاهره بالتشيع: ولا بد لنا من وقفة قصيرة للبحث عن بعض الاسباب التى دعت المأمون لتظاهره بالولاء لاهل البيت (عليه السلام)، واعلان تشيعه في المحافل الرسمية، وفيما أحسب ان الذى دعاه لذلك ما يلي: أ - إنه كان مختلفا كأشد ما يكون الاختلاف مع أسرته العباسية الذين كانت ميولهم مع أخيه الامين، لان أمه السيدة زبيدة، وهي من صميم الاسرة العباسية، وكانت من أندى الناس كفا، ومن اكثرهم عطاء وصلة للعباسيين، أما أم المأمون فهي (مراجل)، وكانت من اماء القصر، وكان العباسيون يحتقرون المأمون من جهة أمه، فأراد بما اظهره من الولاء للعلويين، وعقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) ارغامهم، واذلالهم، وقهرهم. ب - انه اراد باظهاره التشيع ارضاء قادة جيشه الذين كانت لهم ميول ومحبة لاهل البيت (عليهم السلام). ج - وانما عمد المأمون إلى العطف على العلويين، واذاعة فضائل الامام امير المؤمنين (عليه السلام) جلب عواطف الشعب البار الذين أترعت عواطفهم وقلوبهم بالمحبة والولاء لاهل البيت (عليهم السلام) وقد تسلح بهم في محاربته لاخيه الامين. د - ومن الاساب الوثيقة جدا التي دعت المأمون إلى التظاهر بالتشيع وعقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) هو القضاء على الثورة العارمة التي فجرتها الشيعة بقيادة السادة العظام من ابناء الامام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقد التهمت الكثير من مناطق العالم الاسلامي وكادت تقضي على الحكم العباسي، ولكنه (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 48 نقلا عن مختصر الخلفاء. (*)
[ 280 ]
استطاع بدهاء منقطع النظير القضاء عليها وذلك بعقده بولاية العهد للامام الرضا الذى هو سيد العلويين وزعيمهم بلا منازع، والذي يدين شطر كبير من هذه الامة بامامته. لقد اخمد المأمون الثورة، واستأصلها من جذورها بعطفه المصطنع لاهل البيت، وترشيحه للخلافة الامام الرضا ثم مبايعته له بولاية العهد، وضربه للسكة باسمه. ه - ولعل من جملة الاسباب التي حفزت المأمون إلى تظاهره بالتشيع، هو كشف الشيعة، ومعرفة السلطة باسمائهم واماكنهم بعد ما كانوا خلايا تحت الخفاء، فقد عجزت الحكومات العباسية السابقة على حكومة المأمون عن معرفتهم، والوقوف على نشاطاتهم ومعرفة خلاياهم، فاراد المأمون بما صدر منه من الاحسان إلى العلويين، وانتقاصه للخلفاء، وذمه لمعاوية، وغير ذلك مما صدر منه كشف الشيعة حتى تطاردهم اجهزة أمنه، وشرطته، وقد دلت على ذلك بعض الوثائق الرسمية التي صدرت منه... هذه بعض الاسباب التي دعت المأمون إلى التظاهر بالولاء لاهل البيت (عليهم السلام). منهج حكمه: ونهج المأمون في أيام حكومته منهج معاوية بن هند، فقد ذكر المؤرخون انه عرضت عليه سيرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) فأبى أن ينهج نهجهم، ويسير بسياستهم، ولكنه قبل أن يسير بسيرة معاوية الذئب الجاهلي الذي كان يأخذ الاموال من وجوهها، ويضعها كيف يشاء، وقال المأمون: ان كان فهذا (1) لقد اقتدى بمعاوية ونهج نهجه فعمد إلى اغتيال الابرياء فدس إليهم سما قائلا فقضى عليهم كما فعل معاوية بخصومة، وهو القائل: (ان لله جنودا من عسل) لقد كان المكر والخداع من أبرز صفاته، كما كان معاوية. (1) حياة الامام الرضا (ص 181) نقلا عن المحاسن والمساوئ للبيهقي (ص 295). (*)
[ 281 ]
الامام الرضا (عليه السلام) وولاية العهد نحن أمام حدث تأريخي مهم بالغ الخطورة أشغل الرأي العام، واذهل كافة الاوساط السياسية، وهو عقد المأمون بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) الامر الذي يؤذن بتحول الخلافة من بني العباس إلى خصومهم السادة العلويين فقد بهر الناس، وتساءلوا: كيف تحولت السياسة العباسية بين عشية وضحاها إلى هذا الخط المعاكس للخط السياسي الذي سلكه العباسيون منذ بداية حكمهم، وهو قهر السادة العلويين وابادتهم، فقد افنوا شبابهم فدفنوهم احياء والقوا باطفالهم في حوض دجلة، واستعملوا معهم جميع الوان الابادة... والمأمون فيما عرفه الناس، وعرفه التأريخ هو من ابناء هذه الاسرة الظالمة لاهل البيت (عليهم السلام) لم يشذ في سلوكه عن سلوك آبائه، ولم ينحرف عن اتجاههم المعادي للعلويين، قد تغذى وتربى على بغضهم وعدائهم فجده المنصور وأبوه الرشيد وهما قد سلكا جميع الطرق لتصفية العلويين جسديا، وسخرا جميع اجهزتهم السياسية والاقتصادية من شأن العلويين وكرامتهم، وابعادهم عن الساحة السياسية في دنيا العرب والاسلام.
[ 282 ]
وبعد هذا فما الذي دعا المأمون إلى هذا التغيير المفاجئ والعدول عن خطة آبائه ومنهجهم فعقد ولاية العهد إلى الامام الرضا (عليه السلام) ؟ كما انه كيف انصاع الامام الرضا إلى ذلك مع علمه بانحراف المأمون، وما يكنه في دخائر نفسه من البغض لاهل البيت (عليهم السلام) ؟ وهذا ما سنتحدث عنه. دوافع المأمون: ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في الاسباب والدوافع التي دعت المأمون إلى عقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) وهذه بعضها: 1 - إنه لم يكن له مركز قوي في الدولة الاسلامية، فقد كانت الاسرة العباسية تحتقره، وذلك من جهة أمه (مراجل) التي كانت من خدم القصر، مضافا إلى صلته القوية بالفضل بن سهل، وتوليته جميع أموره، وهو فارسي الاصل، وكذلك كان أخوه الامين يبغضه ويبغي له الغوائل، ويكيده من جهة منافسته له على السلطة، فاراد المأمون تدعيم مركزه، وتقوية نفوذه، والتغلب على الحاقدين عليه، فعقد بولاية العهد لاعظم شخصية في العالم الاسلامي وهو الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فهو ابن الامام الصادق الملهم الاول لقضايا الفكر والعلم في الاسلام، كما يدين بامامته والولاء له شطرا كبير من المسلمين، فلذا بادر إلى تعيينه لهذا المنصب الخطر في الدولة الاسلامية. 2 - وقبل أن يتسلم المأمون قيادة الدولة الاسلامية كان على علم بما يكنه المجتمع الاسلامي من الكراهية والبغض للاسرة العباسية، وذلك لما اقترفوه من الظلم والاستبداد بامور المسلمين، وما صبوه على السادة العلويين دعاة العدل الاجتماعي من أنواع الجور والطغيان، حتى تمنى المسلمون عودة الحكم الاموي على ما فيه من قسوة وعذاب يقول الشاعر: يا ليت جور بنى مروان عاد لنا * وليت عدل بني العباس في النار ويقول شاعر آخر: ما احسب الجور ينقضي وعلى ال * أمة وال من آل عباس فاراد المأمون ان يفتح صفحة جديدة للمواطنين، ويلقي الستار على سياسة آبائه، فعين الامام الرضا (عليه السلام)، والذي هو أمل الامة الاسلامية لولاية العهد.
[ 283 ]
3 - إن معظم جيش المأمون ضباطا وجنودا كانوا من الشيعة الذين يدينون بامامة الامام الرضا (عليه السلام) فاراد أن يكسب ودهم واخلاصهم. 4 - ان الثورة ضد الحكم العباسي قد اندلعت في معظم الاقاليم الاسلامية، وكان شعار الثوار الذي رفعوه الدعوة إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد استجاب الثوار لهذه البيعة التي عقدها للامام، وفي نفس الوقف فقد اضفى على الامام لقب الرضا ليجلب بذلك المأمون عواطف الثوار، وبالفعل فقد بايع الثوار المأمون واستراح من الخطر المحدق بدولته الذي كاد أن يلف لواءها، ويطوي معالمها، وكانت خطة المأمون، وانه من الطراز الاول في السلك الدبلوماسي فقد استطاع أن يتغلب على الاحداث المحيطة وينقذ حكومته من اعظم خطر محدق بها. 5 - وفي بيعة المأمون للامام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد فقد اكسب المأمون حكومته الشرعية، وانها ليست ظالمة كحكومة آبائه، وعلى هذا فالخروج عليه غير مشروع، ويجب على المسلمين مناهضة الثائرين عليه. 6 - ومن المكاسب التي ظفر بها المأمون في هذه البيعة هو انه تعرف على عناصر الشيعة وتعرف على هوياتهم ولم يعودوا يعملون في السر والخفاء فقد كانت خلاياهم سرية للغاية، وبعد البيعة ظهر أمرهم، وانكشفوا للسلطة. 7 - ومن الاهداف التي كان ينشدها المأمون في هذه البيعة هو اظهار الامام (عليه السلام) انه ليس من الزاهدين في الدنيا، وانما كان من عشاقها في قبوله لهذه البيعة ولم تكن تخفى على الامام جميع أهداف المأمون فقد أبطلها، وذلك بالشروط التي اشترطها على المأمون أن لا ينصب ولا يعزل، ويكون بمنحى عن الحكم كما سنوضح ذلك. هذه بعض الاهداف التي دعت المأمون إلى عقده ولاية العهد إلى الامام الرضا (عليه السلام) (1) ونعود للحديث عن ولاية العهد، وموقف الامام (عليه السلام) منها، وبعض المواضيع التي ترتبط بها، وفيما يلي ذلك: (1) عرض بصورة موضوعية وشاملة السيد جعفر مرتضى إلى الاهداف التي دعت المأمون لترشيح الامام ولي عهده، وقد احصاها إلى احدى عشر هدفا في كتابه حياة الامام الرضا. (*)
[ 284 ]
رسالة الفضل إلى الامام: وارسل الفضل بن سهل رسالة إلى الامام الرضا (عليه السلام) يطلب فيها القدوم إلى (خراسان)، ليتسلم الخلافة من المأمون وهذا نصها بعد البسملة: لعلي بن موسى الرضا، وابن رسول الله المصطفى، والمهتدي بهديه، والمقتدى بفعله، الحافظ لدين الله، الخازن لوحي الله، من وليه الفضل بن سهل، الذي بذل في رد حقه إليه مهجته، ووصل ليله فيه بنهاره. سلام عليك أيها المهتدي ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلى على محمد عبده. أما بعد: فاني أرجو أن الله قد ادى لك، واذن لك في ارتجاع حقك ممن استضعفك، وان يعظم مننه عليك، وأن يجعلك الامام الوارث، ويري اعداءك، ومن رغب عنك، منك ما كان يحذرون. وان كتابي هذا عن ازماع من امير المؤمنين عبد الله الامام المأمون ومني على رد مظلمتك عليك، واثبات حقوقك في يديك، والتخلي منها إليك، على ما اسأل الله الذي وقف عليه: ان تبلغني ما اكون بها أسعد العالمين، وعند الله من الفائزين، ولحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المؤدين، ولك عليه من المعاونين، حتى ابلغ في توليك ودولتك كلتا الحسنتين. فإذا أتاك كتابي - جعلت فداك - وأمكنك أن لا تضعه من يدك، حتى تسير إلى امير المؤمنين، الذي يراك شريكا في أمره، وشفيعا في نسبه، وأولى الناس بما تحت يده... فعلت ما أنا بخيرة الله محفوفا، وبملائكته محفوظا، وبكلاءته محروسا، وان الله كفيل لك بكل ما يجمع حسن العائدة عليك، وصلاح الامة بك وحسبنا الله ونعم الوكيل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته " (1). وحفلت هذه الرسالة التي رفعها اكبر مسؤول في الدولة العباسية بما يلي: 1 - إضفاء الالقاب الكريمة، والنعوت الرفيعة على الامام (عليه السلام)، من انه حافظ لدين الله تعالى، وخازن لوحيه وهذه الالقاب هي التي تضفيها الشيعة على أئمتهم. (1) حياة الامام الرضا (ص 442 - 443) نقلا عن كتاب التدوين لعبد الكريم الرافعي الشافعي. (*)
[ 285 ]
2 - اعلام الامام (عليه السلام) بارجاع الخلافة إليه وان الله تعالى قد شاء أن يرجع ويعود هذا الحق السليب الذي تناهبته أيدي الظالمين إلى أهله، وأصحابه، وهم أهل بيت النبوة وسيدهم الامام الرضا (عليه السلام). 3 - إن هذه الرسالة لم تكن بايحاء وتدبير من الفضل وحده، وإنما كانت منه ومن المأمون فهو الذي عزم على التخلي عن الخلافة وتسليمها للامام. 4 - واحتوت هذه الرسالة على طلب الفضل من الامام مغادرة يثرب فورا والتوجه إلى (خراسان) ليتسلم قيادة الحكم. موقف الامام: ولم تظهر المصادر التي بايدينا جواب الامام عن هذه الرسالة، إلا انه من الؤكد ان الامام رفض رفضا باتا الاستجابة لها، وذلك لعلمه بنوايا المأمون وانه لا واقع لرسالة الفضل إليه وانما كانت هناك دوافع سياسية ومدبرة تحت الكواليس هي التي دفعت الفضل والمأمون إلى هذا العرض. رسل المأمون إلى الامام: وأرسل المأمون وفدا رسميا لاشخاص الامام الرضا (ص) من (يثرب) إلى (خراسان)، أما الشخص الذي كان يرأس الوفد فقد ذهب اكثر المؤرخين إلى أنه الرجاء بن أبي الضحاك، وقيل انه عيسى بن يزيد المعروف بالجلودي، واستبعد ذلك السيد الامين، وقال: ان الجلودي كان من قواد الرشيد وكان عدوا للامام الرضا (عليه السلام)، وليس من الحكمة أن يبعثه المأمون لاشخاص الامام (1). وقد عهد المأمون إلى رئيس الوفد أن يأتي بالامام (عليه السلام) على طريق (البصرة)، و (الاهواز) و (فارس)، وأن لا يأتي به على طريق (الكوفة) و (قم) (2)، كما كتب المأمون إلى الامام الرضا (عليه السلام) أن لا يأخذ على طريق الجبل وقم، وانما يأخذ على طريق البصرة والاهواز وفارس (3). وواضح كل الوضوح السر في اصرار المأمون واهتمامه على أن لا يأتي الامام من (1) اعيان الشيعة 4 / 121. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 149. (3) اعيان الشيعة البحار. (*)
[ 286 ]
طريق الكوفة وقم هو ان هاتين المدينتين من مراكز الشيعة، واهلها ممن يدينون بالولاء للامام (عليه السلام) ويقولون بامامته، ومن الطبيعي انه إذا اجتاز عليهما فسوف يقابل بمزيد من الحفاوة والتكريم الامر الذي يعزز مركز الامام (عليه السلام)، ويشكل ذلك خطرا على الدولة العباسية، أما مرور الامام على (البصرة) فلا مكسب فيه للامام لانها كانت عثمانية الهوى، كما كانت تدين بالولاء للعباسيين وهذا الاجراء يكشف عن زيف خطة المأمون في التخلي عن الحكم، وارجاعه للعلويين. الامام يودع قبر النبي: ولم يجد الامام (عليه السلام) بدا من اجابة المأمون، فمضى إلى فبر جده الرسول (صلى الله عليه وآله) فودعه الوداع الاخير، وعلم انه لا عودة له إلى جواره، روى محول السجستاني قال: لما ورد البريد بأشخاص الامام الرضا إلى (خراسان) كنت أنا بالمدينة فدخل المسجد ليودع قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فودعه مرارا، وكان صوته يعلو بالبكاء والنحيب، فتقدمت إليه، وسلمت عليه، فرد السلام، وهنأته بما يصير إليه. فقال (عليه السلام): " ذرني فاني أخرج من جوار جدي (صلى الله عليه وآله) فأموت في غربة وادفن في جنب هارون ". قال محول: فخرجت متبعا طريق الامام حتى مات ب (صوس)، ودفن بجنب هارون " (1). الامام يأمر أهله بالبكاء عليه: وكان الامام الرضا (عليه السلام) على علم لا يخامره أدنى شك ان لا عودة له إلى أهله ووطنه، فودعهم الوداع الاخير، وجمع عياله وأمرهم بالبكاء والنحيب عليه، وهو يسمع ذلك، ووزع عليهم أثني عشر الف دينار (2) وعرفهم أنه لا يرجع إليهم أبدا. (1) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 122. (2) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 123 كشف الغمة 3 / 95. (*)
[ 287 ]
اقامة ولده الجواد مقامه: واقام الامام الرضا (عليه السلام) ولده الجواد مقامه وهو ابن سبع سنين أو يزيد على ذلك، وادخله مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ووضع يده على حافة القبر الشريف والصق ولده بالقبر، واستحفظه عند جده الرسول (ص) وقال له: أمرت جميع وكلائي، وحشمي، بالسمع والطاعة لك، وعرف أصحابه أنه القيم من بعده (1). إلى بيت الله الحرام: وقبل أن يتوجه الامام إلى (خراسان)، ويمم وجهه نحو بيت الله الحرام ليودعه الوداع الاخير، وقد صحب معه معظم عائلته، وكان من بينهم ولده الامام الجواد (عليه السلام)، ولما نتهى إلى بيت الله المعظم ادى التحية فطاف بالبيت وصلى بمقام ابراهيم، وسعى، وطاف معه ولده الامام الجواد فلما انتهى إلى حجر اسماعيل جلس فيه، واطال الجلوس فانبرى إليه موفق الخادم، وطلب منه القيام فابى، وقد بدا عليه الحزن والاسى، فاسرع موفق نحو الامام الرضا، وأخبره بشأن ولده، وبادر الامام الرضا، نحو ولده فطلب منه القيام فاجابه بنبرات مشفوعة بالبكاء والحسرات قائلا: " كيف أقوم وقد ودعت يا أبتي البيت وداعا لا رجوع بعده ؟ ". لقد رأى الامام الجواد (عليه السلام) ما بدا على أبيه من الوجل والاسى، فاستشف من ذلك انه النهاية الاخيرة من حياة أبيه، وفعلا قد تحقق ذلك فان الامام الرضا لم يعد في سفرته إلى الديار المقدسة، وقضى شهيدا مسموما على يد المأمون العباسي. إلى خراسان: وغادر الامام الرضا (عليه السلام) بيت الله الحرام متوجها إلى خراسان، وقد قوبل بمنتهى الحفاوة والتكريم والاجلال في كل بلد أو حي اجتازه، فقد سارع المسلمين إلى الاحتفاء به، وهم يتبركون بتقبيل يديه، ويعرضون عليه التشرف بضيافته وتقديم الخدمات له، كما يسألونه عن احكام دينهم، وهو (عليه السلام) يجيبهم عن ذلك. (1) الدر النظيم. (*)
[ 288 ]
في نيسابور: وطوت قافلة الامام البيداء تجذ في السير، لا تلوي على شئ حتى انتهت إلى (نيسابور) (1) وقد استقبل فيها استقبالا شعبيا منقطع النظير، فلم تشاهد (نيسابور) في جميع تأريخها مثل ذلك الاستقبال وكان في طليعة المستقبلين كبار العلماء والفضلاء ورجال الحديث، وقد رووا عنه الحديث الذهبي الذي سنذكره. ونزل الامام (عليه السلام) في محلة الغربي أو الفروي في دار شخص سماه أهل نيسابور (بسندة) وهي كلمة فارسية معناها في العربية (مرضي)، لان الامام (عليه السلام) ارتضاه من دون الناس فنزل في داره، وزرع الامام في تلك الدار لوزة فنبتت، وصارت شجرة وأثمرت في سنة، ولما علم الناس جعلوا يستشفون بلوزها فمن اصابته علة تبرك بالتناول من لوزها فعوفي ببركة الامام العظيم، وقد قطع بعض اغصانها شخص فعمي، وقطع تلك الشجرة ابن حمدان فأصابه العمى (2). وكان في (نيسابور) حمام فدخل فيه الامام (عليه السلام) فاغتسل فيه ثم خرج منه وصلى على ظهره، وأخذ أهالي (نيسابور) يتبركون بذلك الحمام فيغتسلون فيه ويشربون منه التماسا للبركة، ويصلون على ظهره ويدعون الله عزوجل في حوائجهم فتقضى لهم ببركة الامام العظيم (3). الحديث الذهبي: واحاط العلماء ورواة الحديث بالامام (عليه السلام)، وكان على بغلة شهباء، (1) نيسابور: قال ياقوت الحموي: نيسابور مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم ار فيما طوفت من البلاد كانت مثلها، وقال في مدحها أبو العباس الزوزني المعروف بالمأموني: ليس في الارض مثل نيسابور * بلد طيب ورب عفور وقال المرادي: يذم أهلها: لا تنزلن بنيسابور مغتربا * إلا وحبلك موصول بسلطان أو فلا أدب يجدي ولا حسب * يغني ولا رحمة ترعى لانسان وقد تخرج منها من أئمة العلم ما لا يحصى منهم الحافظ الامام أبو علي الحسين بن علي بن زيد بن داود بن يزيد النيسابوري الصائغ، معجم البلدان 5 / 331 - 332. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 133. (3) عيون أخبار الرضا 2 / 135. (*)
[ 289 ]
وقد لبس عمامته، وكان في مقدمة العلماء يحيى بن يحيى، واسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب وغيرهم (1) لما رأته الجماهير الحاشدة وهو بتلك الهيئة التي تحكي هيئة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعالت أصواتهم بالتهليل والتكبير مشفوعة بالاسى والبكاء، وقد ضجت البقعة بالبكاء فنادى العلماء والحفاظ: " معاشر الناس انصتوا، وعوا ولا تؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته ". والقى الامام (عليه السلام) على العلماء هذا الحديث الشريف فقال: " سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن على يقول: سمعت أبي امير المؤمنين على بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي ". ولما مرت الراحلة نادى أهل (نيسابور) فقال: " ولكن بشروطها، وأنا من شروطها " (2). ان كلمة لا إله إلا الله حصن من حصون الله تعالى، ولكنها ليست على اطلاقها موجبة للنجاة من العذاب، والامن من العقاب، ولكن بشروط منها الاقرار بامامة الامام الرضا (عليه السلام) الذي هو احد اوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد كتب هذا الحديث الشريف ما ينيف على عشرين الفا (3) من العلماء والحفاظ، أما اسند هذا الحديث الشريف فهو من أجل واروع الاحاديث المسندة يقول أحمد بن حنبل: لو قرئ هذا الاسناد على مجنون لبرئ من جنته (4) وقد اوصى (1) المنتظم لابن الجوزي مصور في مكتبة السيد الحكيم (ج 10 ورقة 67). (2) عيون أخبار الرضا 2 / 135 ونال هذا الحديث أهمية كبرى عند العلماء فذكروا له عدة طرق وادرجوه في الاخبار المتواترة التي هي قطيعة الصدور. (3) اخبار الدول (ص 115). (4) الصواعق المحرقة. (*)
[ 290 ]
بعض امراء السامانية ان يكتب هذا الحديث بالذهب ويدفن معه (1). إلى طوس: وسرت قافلة الامام (عليه السلام) من (نيسابور)، وهي تطوي الصحراء حتى انتهت إلى (سناباد)، وفيه جبل كانت تنحت منه القدور، فاستند إليه، قال: اللهم انفع به، وبارك فيما يجعل فيه، وفيما ينحب منه، ثم أمر بأن ينحب منه قدور له فنحتت له، وقال: لا يطبخ ما آكله إلا فيها. وفي (سناباد) دار حميد بن قحطبة الطائي التي فيها قبر هارون الرشيد فمضى إليها الامام، وانتهى إلى قبر هارون فخط بيده إلى جانبه، وقال لمن حوله: هذه تربتي، وفيها ادفن، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي، وأهل محبتي، والله ما يزورني منهم زائر، ولا يسلم على منهم مسلم إلا وجب له غفران الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت، ثم استقبل القبلة فصلى ركعتان ودعا بدعوات، ولما فرغ من صلاته سجد سجدة طال مكثه فيها فاحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة (2) ثم ناول (عليه السلام) بعض ثيابه إلى حميد لغسلها، فأخذها حميد واعطاها احدى جواريه فأخذتها، وسرعان ما اقبلت وقالت: وجدت رقعة في قميص أبي الحسن، فناولتها إلى حميد وسارع بها إلى الامام (عليه السلام) وقال له: ما فيها يا بن رسول الله (ص) ؟ فقال (عليه السلام): " هذه عوذة من امسكها في جيبه كان مدفوعا عنه، وكانت له حرز من الشيطان الرجيم، ومن السلطان... ". وطلب حميد من الامام أن يمليها عليه فأملاها وهذا نصها بعد البسملة: بسم الله إني اعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أو غير تقي أخذت بالله السميع البصير على سمعك وبصرك، لا سلطان لك علي، ولا على سمعي وبصري، ولا على شعري، ولا على بشري ولا على لحمي، ولا على دمي، ولا على مخي، ولا على عصبي، ولا على عظامي، ولا على أهلي، ولا على مالي، ولا على ما رزقني ربي، سترت بيني وبينك بستر النبوة الذي استتر به انبياء الله من سلطان الفراعنة، جبرئيل (1) اخبار الدول (ص 115). (2) عيون أخبار الرضا 2 / 136 - 137. (*)
[ 291 ]
عن يميني، وميكائيل عن يساري، واسرافيل من ورائي ومحمد (صلى الله عليه وآله) امامي، والله مطلع على ما يمنعك ويمنع الشيطان مني. اللهم لا يغلب جهله اناتك ان يستفزني ويستخفني، اللهم إليك التجأت، اللهم إليك التجأت، اللهم إليك التجأت (1). استقبال المأمون للامام: وأمر المأمون باستقبال الامام استقبالا رسميا، فخرجت القوات المسلحة لاستقباله وسائر ابناء الشعب، وكان المأمون في مقدمة مستقبليه، ومعه الفضل بن سهل، وبقية وزرائه ومستشاريه، فصافح الامام ورحب به ترحيبا حارا وخصص له دارا فخمة، مزودة بالخدم والحشم، وسائر ما يحتاج إليه، وعني به عناية فائقة. عرض الخلافة على الامام: وعرض المأمون الخلافة على الامام (عليه السلام) تنازله عن الخلافة رسميا، وتقليد الامام (عليه السلام) بها فقال له: " يا بن رسول الله قد عرفت فضلك، وعلمك وزهدك وورعك، وعبادتك، واراك أحق بالخلافة مني... ". فأجابه الامام: " بالزهد بالدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم ارجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا ارجو الرفعة عند الله... ". لقد اعرب الامام (عليه السلام) عن زهده في الدنيا، وورعه عن محارم الله تعالى مبتغيا بذلك الفوز في الدار الآخرة والرفعة عند الله. وسارع المأمون قائلا: " أني رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، واجعلها لك... ". ولم تخف على الامام نوايا المأمون: وانه انما قام بذلك تنفيذا لاغراضه السياسية، وكيف يتنازل عن الخلافة وقد قتل أخاه الامين من أجلها، وخرب بغداد ونشر في ربوع العالم الاسلامي الثكل والحزن والحداد فكيف يسلمها للامام (عليه السلام) ؟ (1) عيون اخبار الرضا 2 / 138. (*)
[ 292 ]
وأجابه الامام بجواب حاسم اغاظ المأمون، وورم منه أنفه قائلا له: " إن كانت هذه الخلافة لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه الله، وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك... ". وافحم المأمون فقد سد الامام عليه كل نافذة يسلك منها، وراح يقول مهددا للامام: " لا بد لك من قبول هذا الامر... ". فاجابه الامام: " لست أفعل ذلك طائعا أبدا... ". وبهر ذو الرياستين، وراح يقول: " واعجبا ! ! رأيت الميمون امير المؤمنين يفوض أمر الخلافة إلى الرضا، ورأيت الرضا يقول: لا طاقة لى بذلك، ولا قدرة لي عليه، فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منها... ". لقد كان الامام (عليه السلام) عالما بزيف هذا العرض، وعدم جديته فالمأمون من الاسرة العباسية الحاقدة على آل البيت (عليهم السلام) فقد ارتكب معهم من المجازر ما لم ترتكبه الاسرة الاموية فقتلوهم في وضح النهار وفي غلس الليل، وقد جهدوا أن لا يبقى علويا على وجه الارض، والمأمون ليس أقل خبثا، فقد اغتال سيد العلويين الامام الرضا وقتل غيره من السادة الاطهار، فكيف يثق الامام به. المبررات المزعومة للمأمون: أما المبررات المزعومة للمأمون في عرضه للخلافة على الامام الرضا (عليه السلام) فهي: 1 - انه وجه دعوة إلى الفضل بن سهل والى أخيه الحسن بن سهل فلما مثلا عنده عرض عليهما ما نواه من تقليد الامام للخلافة فجعل الحسن يعظم ذلك عليه، ويعرفه مضاعفات ذلك، فقال المأمون: " إني عاهدت الله أن أخرجها - أي الخلافة - إلى افضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل - يعني الامام الرضا " (1). (1) مقاتل الطالبيين (ص 562 - 563) الفصول المهمة (ص 241). (*)
[ 293 ]
ومعنى هذا أنه عقد عهدا مع الله يجب الوفاء به ان تم القضاء على أخيه وظفر به أن يعطي الخلافة إلى افضل رجل من آل أبي طالب، وكان أفضلهم في عصره هو الامام الرضا (عليه السلام)، ولكن لا واقع لذلك مطلقا كما دلت على ذلك الاحداث. 2 - انه حاول بنقل الخلافة إلى العلويين أن يكافئ الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما أسداه إلى العباسيين من فضل حينما ولي الخلافة فقد جعل عبد الله بن عباس وزيرا له كما قلده امارة البصرة، وكذلك قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، وغير ذلك من الآيادي التي اسداها إليهم، فاراد المأمون بما عمله مكافأة الامام في ولده (1). 3 - انه انما عمل ذلك طاعة لله وطلبا لمرضاته، والخير للامة، ومصلحة المسلمين (2). هذه بعض المبررات التي تذرع بها المأمون لنقل الخلافة إلى الامام الرضا (عليه السلام). زيف مبرراته: ولا واقع مطلقا لهذه المبررات، فلو كان المأمون صادقا فيها لما منع مرور الامام على الكوفة في مجيئه من يثرب، وذلك خشية من أن يكون له استقبال شعبى في هذه المدينة التي هي من مراكز الشيعة في العالم الاسلامي، وكذلك منع اجتيازه على (قم) للعلة ذاتها، ومضافا لذلك فان عبد الله بن أبي سهل النوبختي الذي كان عالما بالنجوم أخبره أن وقت البيعة للامام الرضا في الوقت الذي قرره المأمون ليس بصالح ولا يتم، فأمر المأمون على تنفيذ بيعته للامام في ذلك الوقت (3) الامر الذي ينم عن خبثه ودجلة في هذا الامر. عرض ولاية العهد على الامام: وحاول المأمون بجميع الطرق والوسائل اقناع الامام (عليه السلام) على قبول الخلافة أو ولاية العهد من بعده فامتنع من اجابته امتناعا شديدا، وقد استمرت (1) الآداب السلطانية (ص 219). (2) اعلن المأمون ذلك في وثيقة العهد التي سنذكرها. (3) فرج المهموم (ص 142) تأريخ الحكماء (ص 222 - 223). (*)
[ 294 ]
المحاولات على اقناعه اكثر من شهرين إلا انها لم تجد شيئا وأصر الامام على رفضه وامتناعه عن قبول أي منصب من مناصب الدولة. ارغام الامام: ونفذت جميع الطرق الدبلوماسية التي سلكها المأمون لاقناع الامام (عليه السلام) على قبول ولاية العهد، فرأى أن يسلك طريقا آخر وهو التهديد والتوعيد للامام، فقد بعث إلى الامام فلما مثل عنده جرى حوار بينهما فقال (عليه السلام) له: " والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزوجل، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لاعلم ما تريد ؟... ". وسارع المأمون قائلا: " ما أريد ؟... ". وطلب الامام منه الامان إن صارحه بالحقيقة قائلا: " الامام على الصدق ؟ ". " لك الامان... ". وبين الامام دوافع المأمون في اصراره على تقليده بولاية العهد قائلا " تريد بذلك أن يقول الناس: ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ؟... ". وغضب المأمون وورم أنفه، فصاح بالامام قائلا: " إنك تتلقاني أبدا بما اكرهه، وقد أمنت سطوتي فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد، وإلا أجبرتك على ذلك فان فعلت، وإلا وضربت عنقك... " (1). وانبرى الامام (عليه السلام) يتضرع إلى الله تعالى ويدعو قائلا: " اللهم انك قد نهيتني من الالقاء بيدي إلى التهلكة، وقد اكرهت واضطررت، كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل ان لم اقبل ولاية عهده، وقد اكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال (عليهما السلام) إذ قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه. (1) أمالي الصدوق (ص 43) عيون أخبار الرضا 2 / 140. (*)
[ 295 ]
اللهم لا عهد إلا عهدك، ولا ولاية لي إلا من قبلك، فوفقني لاقامة دينك، واحياء سنة نبيك محمد (صلى الله عليه وآله) فإنك أنت المولى، وأنت النصير، ونعم المولى أنت، ونعم النصير... (1). وقبل الامام ولاية العهد وهو باك حزين (2) قد طافت به الآلام والهموم. شروط الامام: وشرط الامام (عليه السلام) على المأمون شروطا تكشف عن عدم رضاه بولاية العهد، واجباره على قبول هذا المنصب، وهي: أ - لا يولي أحدا. ب - لا يعزل أحدا. ج - لا ينقض رسما. د - يكون مشيرا من بعيد في شؤون الدولة (3). وأجاز المأمون هذه الشروط التي تتصادم مع أهدافه، وتفضح نواياه. نص وثيقة ولاية العهد: ولم تقتصر ولاية العهد بين الامام (عليه السلام) وبين المأمون على البحوث الكلامية، وإنما دونت في وثيقة رسمية، وقع عليها الامام والمأمون، وشهد عليها كبار رجال الدولة، وقد نقلتها جمهرة من مصادر التأريخ، وقد اطلع عليها ابن الجوزي وقال: ابتاعها خالي بمأتي دينار، وحملها إلى سيف الدولة صدقة بن منصور، وكان فيها خطوط جماعة من الكتاب مثل الصولي عبد الله بن العباس، والوزير المغربي (4) وقد اطلع عليها علي بن عيسى الاربلي، ونقل نصها في كتابة (كشف الغمة) وذلك في سنة (670 ه) (5) ونحن ننقل نصها فقد جاء فيها بعد البسملة: " هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد، أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر. (1) عيون أخبار الرضا 1 / 19. (2) ينابيع المودة (ص 284). (3) عيون أخبار الرضا 2 / 140. (4) مرآة الزمان 5 / ورقة 148 مصور. (5) كشف الغمة. (*)
[ 296 ]
أما بعد: فإن الله عزوجل اصطفى الاسلام دينا، واصطفى من عباده رسلا دالين عليه، وهادين إليه، ويبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى أنتهت نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله) على فترة الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا عليهم وانزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به، ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيى عن بيتة، وان الله لسميع عليم. فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده (صلى الله عليه وآله)، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله)، الوحي والرسالة، وجعل قوام الدين، ونظام أمر المسلمين بالخلافة، واتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي يقام بها فرائض الله تعالى وحدوده، وشرائع الاسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه. فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسرتعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبيل، وحقن الدماء وصلاح ذات البين، وجمع الالفة، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين، واختلالهم، واختلاف ملتهم وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة. فحق على من استخلفه الله في ارضه، وائتمنه على خلقه أن يجهد الله نفسه، ويوثر ما فيه رضى الله وطاعته، ويعتمد لما الله مواقفه عليه، ومسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما أحله الله وقلده، فإن الله عزوجل يقول لنبيه داود: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بيين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " وقال الله عزوجل: (فوربك لنسألنهم اجمعين عما كانوا يعملون) وبلغنا ان عمر بن الخطاب قال: " لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها ".
[ 297 ]
وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله، ليعرض على أمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الامة، وبالله الثقة، وإليه المفزع، والرغبة في التوفيق والعصمة، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله بالرضوان والرحمة. وأنظر الامة لنفسه، وانصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه، من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، في مدة أيامه وبعدها، وأجهد رأيه فيمن يوليه عهده، ويختاره لامامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم، ومفزعا في جمع الفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم والامن باذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم، واختلافهم ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، فان الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الاسلام وكماله، وعزه وصلاح أهله، وألهم خلفاءه الخلافة من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي والفرقة والتربص للفتنة. ولم يزل امير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها، فانصب بدنه، واسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الامة ونشر العدل، واقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الامة من بعده افضل من يقدر عليه، في دينه وورعه وعمله، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا بالاستجارة في ذلك ومسألته، والهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، ومعملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس، وعلي بن أبي طالب فكره ونظره، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته، حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة. فكان خيرته بعد استخارته الله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا:
[ 298 ]
على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). لما رأى من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس. وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة والالسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا، وناشئا، وحدثا ومكتهلا فعقد له بالخلافة من بعده، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله أنه فعله ايثارا له، وللدين ونظرا للاسلام والمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحجة والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين. ودعا امير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه، فبايعوا مسرورين عالمين بإيثار امير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة. وسماه الرضا، إذ كان رضا عند امير المؤمنين، فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لامير المؤمنين، وللرضا من بعده علي بن موسى على اسمه وبركته، وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدورهم، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طلعة الله، والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم امير المؤمنين بها من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدة ذلك في جمع الفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم وقوة دينكم، ورغم عدوكم، واستقامة أموركم، وسارعوا إلى طاعة الله، وطاعة امير المؤمنين، فإنه الامن إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه ان شاء الله... " (1). وانتهت هذه الوثيقة وكان تأريخها يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين هجرية. وطلب المأمون من الامام الرضا (عليه السلام) أن يكتب بيده الشريفة بقبول هذا العهد، فكتب (عليه السلام) بخطه بعد البسملة ما يلي: (1) صبح الاعشى 9 / 362 - 366. (*)
[ 299 ]
" الحمد الله الفعال لما يشاء، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه يعلم خائنة الاعين، وما تخفى الصدور، وصلاته على نبيه خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين. أقول: وأنا على بن موسى بن جعفر: ان امير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل ارحاما قطعت وأمن انفسا فزعت بل أحياها وقد تلفت، واغناها إذ افترقت، ومبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين. وانه جعل إلى عهده، والامرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وفصم عروة أحب الله ايثاقها، فقد أباح الله حريمه، وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الامام منتهكا حرمة الاسلام، بذلك جرى السالف، فصبر منه على الفلتات ولم يعترض على العزمات، خوفا من شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية، ورصد فرصة تنتهز وبايقة تبتدر. وقد جعلت الله على نفسي ان استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم - عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة - بطاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأن لا اسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا، ولا مالا إلا ما سفكته حدود الله، وأباحته فرائضه، وأن اتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا، يسألني الله عنه، فإنه عزوجل يقول: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا). وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا، واعوذ بالله من سخطه، وإليه ارغب في التوفيق لطاعته، والحول بينى وبين معصيته، في عافية لي وللمسلمين. والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك، وما ادري ما يفعل بي، ولا بكم، إن الحكم إلا لله يقضى بالحق، وهو خير الفاصلين، ولكني أمتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه واشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا... ". وكتبت بخطي، وبحضرة امير المؤمنين اطال الله بقاءه والفضل بن سهل، وسهل بن الفضل، ويحيى بن اكثم وبشر بن المعتمر، وحماد بن النعمان، في شهر رمضان سنة احدى ومائتين.
[ 300 ]
وكتب الفضل بن سهل وزير المأمون ما صورته: " رسم امير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه بحرم سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الروضة والمنبر على رؤس الاشهاد، ومرأى ومسمع من وجوه بني هاشم، وسائر الاولياء والاجناد، وهو يسأل الله أن يعرف امير المؤمنين وكافة المسلمين الحجة به على جميع المسلمين وابطال الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ". وكتب الفضل بن سهل في التأريخ المعين فيه. وكتب يحيى بن اكثم القاضي ما صورته: " شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذه الصحيفة ظهرها وبطنها، وكتب بخطه بالتأريخ. وكتب حماد بن النعمان ما صورته: " شهد حماد بن النعمان بمضمون ظهره وبطنه ". وكتب بشر بن المعتبر ما صورته: " شهد بمثل ذلك بشر بن المعتمر وكتب بخطه بالتأريخ " (1). ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في وثيقة المأمون، وما كتبه الامام الرضا (عليه السلام)، وما شهد به الفضل بن سهل، وفيما يلي ذلك: محتويات وثيقة ولاية العهد: وحفلت وثيقة ولاية العهد التي وقعها المأمون والامام الرضا بما يلي: أولا - الاشادة بالاسلام، وبكتاب الله العظيم الذي هو المنهج الكامل والدستور الشامل لسعادة الانسان، وصلاحه. ثانيا - الاشادة بالرسول العظيم داعية الله الاكبر، ورافع مشعل التوحيد، والنقطة الفكرية في الارض. ثالثا - بيان أهمية الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فبها قوام الدين، ونظام أمر المسلمين، وهي ظل الله في الارض. رابعا - لزوم طاعة المسلمين للخلفاء، فان عدم طاعتهم تنجم منه الاضرار البليغة (1) صبح الاعشى 9 / 392 - 393. (*)
[ 301 ]
على العالم الاسلامي. خامسا - ان على الخلفاء مسؤوليات خطيرة، والتي منها ايثار طاعة الله على كل شئ، والحكم بالحق والعدل بين الناس، إلى غير ذلك من المسؤوليات الجسام التي عرضتها الوثيقة بصورة شاملة. سادسا - إن من أهم مسؤوليات الخلفاء تعيين ولاة العهد من بعدهم، وان يكون التعيين قائما على الاختيار التام والفحص الشديد في أمر من يعينه من بعده، وان لا يكون الاختيار خاضعا للمحاباة والاهواء، فان في ذلك تعريض الامة لاخطار جسام تمني بها. سابعا - ان المأمون قد بذل جهدا شاقا وعسيرا في اختيار ولي عهده، فلم يجد في الاسرة العلوية، ولا في الاسرة العباسية من هو أفضل من الامام الرضا (عليه السلام)، وذلك لما يتمتع به من الصفات الكريمة التي منها: أ - الفضل البارع. ب - العلم النافع. ج - الزهد الخالص في الدنيا. د - الورع عن محارم الله تعالى. وهذه الصفات الكريمة هي التي دفعت المأمون لانتخاب الامام الرضا (عليه السلام) وترشيحه لولاية العهد من بعده. محتويات ما كتبه الامام: أما محتويات ما كتبه الامام الرضا (صلى الله عليه وآله) على وثيقة ولاية العهد، فهي كما يلي: أولا - الاشادة بصلات المأمون للسادة العلويين، فقد انعشهم بها بعد ما عانوا من الضيق والحرمان، والظلم من حكام بني العباس الذين جهدوا على أن لا يبقى علويا على وجه الارض، فقد دفنوهم احياء وقتلوهم تحت كل حجر ومدر والقوا باطفالهم في حوض (دجلة)، حتى ماتوا إلى غير ذلك من المأسي التي صبها العباسيون على العلويين. ثانيا - اشار الامام (عليه السلام) بقوله: " إذ كان بذلك زاريا على الامام الخ " إلى
[ 302 ]
جده الامام امير المؤمنين باب مدينة علم النبي (ص) ورائد حكمته الذي اقصاه القوم عن منصبه الذي قلده النبي (ص) له في يوم (غدير خم)، وقد عانت الامة من جراء ذلك الوانا رهيبة من المأسي والويلات فقد اصبحت الخلافة بأيدي الجناة أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد والمنصور وغيرهم من أئمة الظلم والجور الذين لم يألوا جهدا في ظلم الناس وارغامهم على ما يكرهون. وأشار الامام (عليه السلام) بقول: " فصبر منه على الفلتات " إلى قول عمر بن الخطاب الذى وصم بيعة أبي بكر بأنها فلتة وقى الله المسلمين شرها فقد صبر الامام امير المؤمنين (عليه السلام) على هذه الفلتة " وفي العين قذى وفي الحلق شجى " - على حد تعبيره - وذلك حرصا منه على كلمة الاسلام من الانهيار ووحدة المسلمين من التصدع، وذلك لقرب المسلمين من الجاهلية، وتربص القوى المعادية للاسلام للفتك والانقضاض عليه إذا حدث انقسام بين صفوف المسلمين الامر الذي دعا الامام امير المؤمنين (عليه السلام) للصبر على نهب تراثه. ثانيا - إن الامام (عليه السلام) قد قطع على نفسه عهدا مسؤولا عنه أمام الله، وأمام المسلمين أن يسوس الناس سياسة قوامها العدل الخالص، والحق المحض، ويعيد للناس سيرة جده الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله)، ويختار لجهاز الحكم الاكفاء الصالحين الذين يخشون الله تعالى ويبتغون الدار الآخرة... بكل هذه الاهداف العظيمة سيحققها الامام إذا تقلد خلافة المسلمين. رابعا - واستشف الامام (عليه السلام) من وراء الغيب انه لا يتقلد الخلافة، ولا تنعم الامة في حكمه، فقد قرأ في (الجامعة) و (الجفر) اللذين هما من ودائع النبوة، وفيهما علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ان الخلافة لا تنتهي إلى الامام (عليه السلام)، وان تقلده لولاية العهد انما هو خداع وتضليل من قبل المأمون. محتوى كتابة الفضل: اما ما كتبه الفضل بن سهل على وثيقة ولاية العهد فانه يشير إلى أن هذه الوثيقة متى أمر المأمون بقراءتها في الجامع النبوي بين الروضة والمنبر الشريف على رؤوس الاشهاد من وجوه الهاشميين، والقوات المسلحة وسائر الناس ليكون ذلك ابلغ في توكيد العهد، ودفع آراء الجاهلين والمغرضين. هذه بعض محتويات الوثيقة وملحقاتها، وقد كانت صريحة في محتوياتها، وليس
[ 303 ]
فيها أي لبس أو غموض. البيعة للامام: وعقد المأمون لبيعة الامام الرضا (عليه السلام) مهرجانا شعبيا عاما خضرته الوزراء، وكبار رجال الدولة، وقادة القوات المسلحة وبقية ابناء الشعب، وفي طليعتهم العلويون والعباسيون، وكان ذلك في يوم الثلثاء في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك (1) سنة (201 ه) (2). وجلس المأمون على دست الخلافة، ووضع للامام الرضا (عليه السلام) وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلس المأمون، وعليه عمامة، وقد تقلد سيفا، وأمر المأمون ولده العباس أن يبايع للامام فكان أول من بايعه (3) ثم بايعه الناس. كيفية البيعة: اما كيفية بيعة الناس للامام (عليه السلام) فكانت فريدة لم يألفها ملوك الامويين والعباسيين، فقد رفع (عليه السلام) يده، وتلقى بظهرها وجهه الشريف، وباطنها وجوه المبايعين، وبهر المأمون من ذلك، وراح يقول للامام: " ابسط يدك للبيعة... ". فاجابه (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا كان يبايع " (4) ولعل ذلك يستند إلى قوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم) فلا يصح أن يكون يد المبايع فوق يد النبي (صلى الله عليه وآله) أو فوق يد الامام (عليه السلام). الامام يخبر بعدم تمامية هذا الامر: ولما جلس الامام الرضا (عليه السلام) ذلك المجلس، وقد لبس الخلع، والخطباء والشعراء يشيدون بفضله، ويدعون الناس إلى مبايعته نظر (عليه السلام) إلى بعض مواليه، وقد داخله السرور، وعمته الافراح، فأشار إليه فأسرع نحوه فأسر إليه قائلا: (1) عيون التواريخ 3 / ورقة 221. (2) سر السلسلة العلوية (ص 38) مرآة الزمان 6 / ورقة 40 تأريخ القضاعي. (3) البحار. (4) مقاتل الطالبيين. (*)
[ 304 ]
" لا تشعل قلبك بشئ مما ترى من هذا الامر، ولا تستبشر فإنه لا يتم " (1) وتحقق ما أخبر به الامام (عليه السلام) فانه لم تتم هذه البيعة للامام، وخاس المأمون بعهده ووعده، فغدر بالامام ودس إليه سما فاغتاله. خطبة المأمون: ولما انتهت مراسيم البيعة قام المأمون فاعتلى المنبر، وخطب الناس فقال في جملة خطابه: " أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والله لو قرأت هذه الاسماء على الصم البكم لبرأوا بادن الله عزوجل " (2). خطبة الامام الرضا: ولما تمت البيعة للامام الرضا (عليه السلام)، وطلب منه المأمون ان يعتلى المنبر، ويخطب الناس، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والثناء عليه: " أيها الناس ان لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكم علينا حق به، فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم... ". ولم يذكر الامام غير هذه الكلمات (3) التي اعرب فيها عن حقه على الناس لانه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذى بر بدينهم ودنياهم، وأخرجهم من حياة التيه والضياع، فإذا وفوا له بحقه، وأقاموه خليفة عليهم فقد وجب عليه أن يقيم في ربوعهم الحق، بجميع رحابه ومفاهيمه. خطبة العباس: وأنبرى العباس الخطيب، فخطب خطابا رائعا بليغا، وختم خطابه بهذا البيت: (1) الفضول المهمة (ص 238). (2) عيون اخبار الرضا 2 / 147. (3) عيون أخبار الرضا. (*)
[ 305 ]
لا بد للناس من شمس، ومن قمر * فأنت شمس، وهذا ذلك القمر (1) الممتنعون من البيعة للامام: وامتنع جماعة من البيعة للامام (عليه السلام)، فقد حقدوا عليه، وكرهوه، ونقموا على المأمون ببيعته بولاية العهد للامام وهم: 1 - عيسى الجلودي. 2 - علي بن عمران. 3 - أبو يونس (2). وأمر المأمون بالقاء القبض عليهم وايداعهم في السجن. تنفيذ حكم الاعدام فيهم: وأمر المأمون بإخراج هؤلاء الثلاثة الممتنعين من البيعة للامام من السجن، فلما مثلوا عنده رأوا الامام إلى جانبه فتميزوا غيظا وغضبا، وانبرى علي بن أبي عمران فقال للمأمون: " أعيذك بالله يا امير المؤمنين أن تخرج هذا الامر الذي جعله الله لكم، وخصكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم، ومن كان آباؤك يقتلونهم، ويشردونهم في البلاد... ". فصاح المأمون: " يا بن الزانية، وأنت بعد على هذا ؟... ". ثم أمر بضرب عنقه، فنفذ ذلك فيه، وأدخل عليه أبو يونس فلما رأى الامام إلى جانب المأمون محاطا بهالة من الحفاوة والتكريم ساءه ذلك، وخاطب المأمون قائلا: " يا امير المؤمنين هذا الذي بجنبك، والله صنم يعبد من دون الله... ". فأمر المأمون باعدامه فأعدم، ودخل عليه الجلودي، وكان من أعدي الناس لاهل البيت (عليهم السلام) وهو الذي بعثه الرشيد لسلب بنات رسول الله (ص) في (1) تذكرة الخواص (ص 364). (2) عيون اخبار الرضا. (*)
[ 306 ]
يثرب، ومصادرة ما عليهن من حلى وحلل، فجاء إلى بيت الامام الرضا (عليه السلام) واراد الهجوم على بيت الامام، وسلب ما على العلويات من ثبات فأبى الامام فلم يعن به الجلودي، وأخذ الامام يتوسل إليه، ويعده بأن يأتي ما أراد فانصاع لقوله، ودخل الامام إلى بيته فجمع له كل ما على العلويات من حلي وحلل فجاء به إلى الجلودي فأخذه وقد طلب الامام من المأمون أن يهب له الجلودي، فقال المأمون: " يا سيدي هذا الذي فعل ببنات محمد (ص) ما فعل من سلبهن ؟... ". ونظر الجلودي إلى الامام وهو يكلم المأمون ويتوسل إليه في العفو عنه فظن الغبي أنه يريد الانتقام منه لما فعله معه، فقال للمأمون: " يا أمير المؤمنين أسألك بالله، وبخمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في... ". والتفت المأمون إلى الامام الرضا فقال له: " يا أبا الحسن قد استعفى، ونحن نبر قسمه... ". وخاطب المأمون الجلودي فقال له: " لا والله لا أقبل قوله فيك... ". ثم التفت إلى الشرطة، وقال لهم: الحقوه بصاحبيه، فقدم وضربت عنقه (1). قرارات هامة: وأصدر المأمون قرارات هامة بمناسبة عقده ولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام)، وهي: 1 - اعطاء الجنود رواتبهم سنة كاملة. 2 - ترك لباس الاسود الذي كان لباس العباسيين (2) ولبس اللباس الاخضر، لان ذلك فيما أحسب هو لباس أهل الجنة، قال تعالى (ويلبسون ثبابا خضرا من سندس واستبرق) (3). (1) عيون أخبار الرضا 2 / 161 - 162. (2) ورد في بعض الاخبار ان جبرئيل هبط على النبي (ص) في قباء أسود فقال (ص): له يا جبرئيل ما هذا الزي ؟ فقال: زي ولد عمك العباس، يا محمد ويل لولدك من ولد عمك العباس، جاء ذلك في وسائل الشيعة 3 / 279. (3) سورة الكهف: آية 31. (*)
[ 307 ]
3 - ضرب الدراهم والدنانير باسم الامام الرضا (عليه السلام) وقد اورد السيد عبد القادر أحمد اليوسف نماذج من تلك النقود ما يلي: (الدينار) كتب في مركز وجهه: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". وكتب على النطاق: بسم الله ضرب هذا الدينار بسمرقند سنة اثني ومائتين. وكتب على الطوق: " لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ". وكتب في مركز القفا الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله مما أمر الامير الرضا ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن على بن أبي طالب. وكتب على طوق مركز القفا: " محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ". (الدرهم) نقل عبد القادر صورة الدرهم من متحف برلين المرقم (1295) صورة الكتابة في مركز الوجه: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له " سنة ثلاث ومائتين. كتابة الطوق " لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ". كتابة القفا: " الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله، مما أمر به الرضا. كتابة الطوق: " محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين ولو كره المشركون ". صورة أخرى من الدرهم الموجود في المتحف البريطاني في لندن تحت رقم (289). مركز الوجه: كتب عليه " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". النطاق: كتب عليه سنة اثنين. الطوق: كتب عليه " لله الامر من قبل ومن بعد ". مركز القفا: مر به...... المسلمين علي بن موسى... علي بن أبي طالب
[ 308 ]
... ذو الرياستين. الطوق: محمد رسول الله. ان هذه النقاط هي حروف ممحاة لانها مصورة هكذا (الكتلوكات) العالمية، وومسحت هذه الكتابة نتيجة قدم هذه النقود، وتداولها الكثير، وتوجد نماذج من الدراهم ضربت سنة (704 ه) تيمنا بسكة الامام، وقد كتب عليها ما كتب على السكة الاصلية (1). زواج الامام بابنة المأمون: وعرض المأمون على الامام اللرضا (عليه السلام) أن يتزوج الاميرة السيدة أم حبيب (2) فقبل الامام ذلك وتزوج بها، وانما عمد المأمون تقربا للامام، وحتى تقوى العلاقة بينهما، ويرى بعض المحللين للاخبار ان سبب ذلك ان تكون ابنته عينا لابيها على جميع تصرفات الامام وتحركاته وهذا ليس ببعيد عن سياسة المأمون ودهائه. البيعة للامام في جميع الاقطار: وأمر المأمون جمع ولاته وعماله في جميع الاقطار والاقاليم الاسلامية بأخذهم البيعة للامام الرضا بولاية العهد من جميع المواطنين، وهذه بعض الاقاليم التي أخذ منها البيعة. 1 - يثرب: واستقبلت يثرب بجميع قطعاتها الشعبية نبأ ولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) بمزيد من الافراح والابتهاج، وسارع والي يثرب عبد الجبار المساحقي إلى الجامع النبوي ليأخذ البيعة من أهالي المدينة إلى الامام بعد أن أمره المأمون بذلك، واعتلى اعواد المنبر فخطب الناس وكان من جملة خطابه: " أيها الناس هذا الامر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون هذا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب سلام الله عليهم. (1) الامام علي الرضا ولي عهد المأمون (ص 62 - 65). (2) ذكر أبو الفرج ان الامام الرضا تزوج بابنة المأمون أم الفضل، وهو خطأ والصحيح انه تزوج بام حبيب. (*)
[ 309 ]
ستة آباؤهم من خير من يشرب صوب الغمام (1) لقد كانت البيعة للامام الرضا من أهم ما تصبوا إليه الامة الاسلامية، ومن اغلى امانيها، فهي تتقرب بفارغ الصبر رجوع الحكم للامام ليقيم فيها العدل الخالص، وينشر الامن والرخاء في ربوعها، وينقذها من جور العباسيين وظلمهم. 2 - مصر: وكتب المأمون إلى عامله على مصر (السري) يأمره بأخذ البيعة من المصريين لولي عهده الامام الرضا، وقد ورد الكتاب على (السري) في شهر محرم سنة (202 ه) وقام (السري) بأخذ البيعة إلى الامام (عليه السلام)، إلا ان ابراهيم بن المهدي شيخ المغنين ببغداد قام في افساد هذه البيعة فقد كتب إلى وجوه الجند وقادتهم بمصر يأمرهم بخلع المأمون وولي عهده، وبالوثوب على (السري)، وقد استجاب له جماعة منهم الحارث بن زرعة بن محزم بالفسطاط، و عبد العزيز الوزير الجروي باسفل الارض، وسلامة بن عبد المك الازدي الطحاوي بالصعيد، وسليمان بن غالب بن جبريل، و عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الجبار الازدي فناهضوا (السري)، ودعوا الناس إلى بيعة ابراهيم وجعلوا الوالي على مصر عبد العزيز الازدي، فحاربهم (السري)، وظفر بعبد العزيز، وبجمع من أهل بيته فقتل بعضهم، وبعث ببعضهم مع ابنه عبد العزيز إلى المأمون فقتلهم، وهرب الباقون إلى الحروري وذلك لمنعته (2) وأخمدت بذلك الثورة، وبايع الناس إلى الامام. 3 - مكة: ووجه المأمون إلى مكة المكرمة عيسى الجلودي ليأخذ البيعة من أهلها للامام، وكان في مكة مقيما ابراهيم اخو الامام الرضا (عليه السلام)، ودعا عيسى المكيين إلى بيعة الامام (علله السلام) والى لبس اللباس الاخضر، فاستجابوا له فرحين شاكرين، داعين للمأمون على تحقيق أمنيتهم، وأملهم في هذه البيعة (3). 4 - الكوفة: وتلقت الاكثرية الساحقة في الكوفة بمزيد من الفرح والسرور نبأ البيعة للامام، (1) العقد الفريد 5 / 226. (2) الولاة وكتاب القضاء (ص 168). (3) تأريخ اليعقوبي 3 / 277. (*)
[ 310 ]
وقد عهد المأمون لاخذ البيعة من الكوفيين العباس نجل الامام موسى (عليه السلام)، وامده ابراهيم بن عبد الحميد بمائة الف درهم، وقال له: قاتل عن أخيك فإن أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك، وأنا معك، وقام العباس بهذه المهمة فاستجاب له جمهور كبير منهم، وقال له قوم: إن كنت تدعو للمأمون ثم من بعده لاخيك فلا حاجة لنا في دعوتك، وإن كنت تدعو إلى أخيك أو بعض أهل بيتك أو إلى نفسك اجبناك فقال لهم العباس: أنا ادعو إلى المأمون اولا، ثم من بعده لاخي الرضا (1). وامتنع هؤلاء من البيعة للامام، وأخذوا ينددون بمن بايع، ويدعونهم إلى نكث البيعة، ولما علم ابراهيم بن المهدي تخاذل أهل الكوفة اوعز إلى جيشه المقيم في النيل بقيادة سعيد، وأبي البيط لاخضاع الكوفة، والقضاء على التمرد، وسرت جيوش ابراهيم حتى انتهت إلى (القنطرة) قرب (دير الاعور) فاعترضتهم قوة عسكرية بقيادة العلوية علي بن محمد بن جعفر، وأبي عبد الله شقيق الزعيم الكبير أبي السرايا فالتحمت معها، وأخيرا انتصرت جيوش ابراهيم بن مهدي. وزحفت جيوش ابراهيم نحو (الكوفة)، وقد ارتدت اللباس الاسود، وكان شعارها " يا منصور لا طاعة للمأمون " وجبن أهل الكوفة من مناجزتهم فارسلوا وفدا لطلب الامان للعباس وجماعته من القائد العام لجيش ابراهيم فأجابهم إلى ذلك، وشرط عليهم أن يخرج العباس وأصحابه من الكوفة، واقبل الوفد إلى العباس، وهو لا يعلم بذلك فقالوا له: ان عامة من معك غوغاء، وقد ترى ما يلقى الناس من الحرب والنهب والقتل فاخرج من بين أظهرنا لا حاجة لنا فيك (1). وخرج العباس من الكوفة وقد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير، وأستبان له أن أهل الكوفة لا ذمة لهم، ولا وفاء لهم بعهد ووعد ودخلت جيوش ابراهيم الكوفة ولم تحدث اية مصادمات بينها وبين الجماعة التي بايعت الامام بولاية العهد. هذه بعض المناطق التي اخذت فيها البيعة للامام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد. (1) تأريخ الطبري. (*)
[ 311 ]
ناقدون للامام: ووجه جماعة من الشيعة وغيرهم نقدا للامام الرضا (عليه السلام) على قبوله لولاية العهد من قبل المأمون العباسي كان منهم: 1 - محمد بن عرفة: واقبل محمد بن عرفة نحو الامام، وقال له: " يا بن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟ ". فاجابه الامام: " ما حمل جدي امير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى " (1) لقد ارغم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى التي عقدها عمر بن الخطاب لانتخاب الخليفة من بعده، وقد اعلن الامام عن أساه وحزنه لانضمامه مع اعضاء الشورى، قائلا: " فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الاول حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر " وكما ارغم جده واكره على الدخول في الشورى فكذلك ارغم هو على قبول ولاية العهد. 2 - رجل: وانكر عليه رجل تقلده لولاية العهد قائلا له: " كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون ؟ ". فقال (عليه السلام) له: - أيهما أفضل النبي أو الوصي ؟ - النبي. - ايهما أفضل المسلم أو المشرك ؟ - لا بل المسلم. - ان العزيز (عزيز مصر) كان مشركا، وكان يوسف نبيا، وان المأمون مسلم، وأنا وصي، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال له: اجعلني على خزائن الارض، وأنا اجبرت على ذلك (1). (1) وسائل الشيعة 12 / 148. (2) وسائل الشيعة 12 / 146. (*)
[ 312 ]
3 - الريان بن الصلت: ودخل الريان بن الصلت على الامام الرضا (عليه السلام) فقال له: " يا بن رسول الله إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا ؟ " فاجابه الامام: " قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك، وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم ان يوسف كان نبيا رسولا، فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز، قال له: اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك، على اكراه واجبار بعد الاشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الامر إلا دخول خارج منه، فالي الله المشتكي، وهو المستعان " (1). واعرب الامام عن كراهته البالغة وبغضه الشديد لهذا المنصب إلا أنه ارغم وأجبر على ذلك. 4 - خارجي: واقبل خارجي يشتد نحو الامام فقال له: اخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت فيه، وهم عندك كفار، وأنت ابن رسول الله (ص)، فما حملك على هذا ؟ فقال (عليه السلام): وهؤلاء اكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته ؟ اليس هؤلاء على حال يزعمون أنهم موحدون، واولئك لم يوحدوا الله ولم يعرفوه ويوسف بن يعقوب نبى ابن نبى، فسأل العزيز وهو كافر فقال: " اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم " وكان يجلس مجلس الفراعنة، وانما أنا رجل من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجبرني على هذا الامر، واكرهني عليه، ما الذي أنكرت، ونقمت علي وراح الخارجي يقول: " أشهد أنك ابن رسول الله، وانك صادق " (2). واعرب الامام (عليه السلام) في أحاديثه مع الناقدين له عن ارغامه على قبول ولاية العهد، فقد خير بينها وبين القتل فاختار ولاية العهد لا نقاذ نفسه من الهلاك الذي لا يعود باية فائدة على القضية الاسلامية. (1) وسائل الشيعة 12 / 147. (2) وسائل الشيعة 12 / 149 - 150. (*)
[ 313 ]
الناقمون على المأمون: ونقمت القوى المعادية لاهل البيت (عليهم السلام) على المأمون لعقده بولاية العهد للامام الرضا، واعتبروا ذلك تحويلا للخلافة عن الاسرة العباسية التي ينعمون في ظلالها. وكان من أشد الناقمين على المأمون الاسرة العباسية، فقد اعتبرت ذلك خطرا على مملكتهم، وقد قامت قيامتهم، وورمت آنافهم وقاموا بما يلى من الاجراءات: خلع المأمون: وخلع العباسيون بيعة المأمون، واعتبروها لاغبة، واعلنوا أمام الجماهير عصيانهم للمأمون، وطلبوا من المواطنين رفض بيعته، وبيعة ولي عهده، فاستجاب لهم خلق كثير، وبذلك فلم تعد بيعة للمأمون في اعناقهم. البيعة لابراهيم بن شكلة: وعمد العباسيون إلى بيعة عميدهم ابراهيم بن شكلة (1) شيخ المغنين، والموسيقين في بغداد، ودعي له بالخلافة، وسمي بالمرضي (2) وكانت خلافته موضع استهزاء وسخرية من قبل الاوساط الواعية والمفكرة، وذلك لاستهتاره، وتحلله من جميع القيم والاعراف وفيه يقول الشاعر الاجتماعي الثائر دعبل الخزاعي: نصر ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفا إليه كل اطلس مائق (3) ان كان ابراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده للمارق أنى يكون وليس ذاك بكائن * يرث الخلافة فاسق عن فاسق (4) لقد سخر دعبل من الخلافة التي تولاها هذا المائق المتحلل، وإذا صلحت له فلتصلح من بعده لاقرانه المغنين امثال زلزل ومخارق ومن سخرية الاقدار أن تؤول الخلافة الاسلامية لابراهيم، ويتولى شؤون المسلمين وكان ابراهيم - فيما يقول (1) شكلة: أم ابراهيم وكانت جارية سوداء، وكان ابراهيم شديد عظيم الجثة حتى قيل له التنين، وفيات الاعيان 1 / 20. (2) تأريخ اليعقوبي. (3) نعر: صاح، والاطلس: الذئب، والمائق: المغيظ الباكي. (4) وفيات الاعيان 1 / 21 تأريخ بغداد لطيفور (ص 160). (*)
[ 314 ]
المؤرخون - من أعدى الناس لآل علي (عليه السلام)، وحينما علم بعقد ولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) ورم انفه وانتفخت اوداجه غيظا وغضبا وأثر عنه من الشعر في ذلك هذه الابيات: فلا جزيت بنو العباس خيرا * على زعمي ولا اغتبطت بري أتوني مهطعين وقد أتاهم * بوار الدهر بالخير الجلي وحل عصائب الاملاك منها * وشدت في رؤوس بني علي فضجت أن تشد على رؤوس * تطالبها بميراث النبي (1) وفي عهده أصيبت الخزينة المركزية بالعجز، واجتمع الاجناد على بلاطه مطالبين بارزاقهم، فخرج إليهم رسوله، وقال لهم: إنه لا مال عنده، وطلب احد الظرفاء، فقال: بدلا من المال فليخرج الخليفة فيغني لاهل هذا الجانب ثلاثة اصواب، ولاهل ذلك الجانب ثلاثة اصوات (2). ونظم دعبل هذه الصورة المضحكة بقوله: يا معشر الاجناد لا تقنطوا * وارضوا بما كان ولا تسخطوا فسوف تعطون حنينية * يلتذها الامرد والاشمط (3) والمعبديات لقوادكم * لا تدخل الكيس ولا تربط (4) وهكذا يرزق قواده * خليفة مصحفه البربط (5) قد ختم الصك بارزاقكم * وصحح العزم فلا تسخطوا بيعة ابراهيم مشؤومة * يقتل فيها الخلق أو يقحطوا (6) رسالة المأمون للعباسيين: وتبودلت رسائل السب والقذف بين المأمون واعمامه واقربائه العباسيين، وكان من بينها هذه الرسالة التي بعثها المأمون للعباسيين (7) وهذا نصها بعد البسملة: (1) الولاة وكتاب القضاة (ص 168). (2) وفيات الاعيان 1 / 21. (3) الامرد: الذي لا لحية له، الاشمط: الذي له لحية. (4) المعبديات: اصوات من الغناء تنسب إلى معبد المغني. (5) البربط: الطبل. (6) عصر المأمون 3 / 255 - 256 (7) وهي جواب عن رسائلهم التي بعثوها للمأمون، وطلبوا منه الاجابة عليها فأجابهم بهذه الرسالة التي جردتهم من كل محتوى نبيل وشريف. (*)
[ 315 ]
" الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين أما بعد: عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم، ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم، وكبيركم، وعرفكم مقبلين، ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلما جاءكم به الصادق محمد (صلى الله عليه وآله)، حتى كأنكم من الامم السالفة، التي هلكت بالخسفة والغرق، والريح والصيحة والصواعق والرجم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها ؟ والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لو لا أن يقول قائل: إن المأمون ترك الجواب عجزا لما اجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلة أخطاركم وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائبا... ". وحفل هذا المقطع من كلام المأمون بما يلي: 1 - انه ابتدأ رسالته بالصلاة على النبي، ثم عطف عليه آله فصلى عليهم وعقب ذلك بقوله: " على رغم الراغمين " وعنى الراغمين بنى العباس الذي جهدوا على محو ذكر آل النبي (ص) وازالة ارصدتهم الروحية والفكرية من دنيا الاسلام. 2 - ان المأمون مطلع على خفايا نفوس العباسيين، وعالم بدخائل قلوبهم، عرفهم مقبلين ومدبرين، عرفهم مندفعين نحو الباطل نابذين للحق، تاركين لكتاب الله، وما جاء به الرسول الاعظم (ص). 3 - انه انما اجابهم عن رسائلهم لا عناية بهم، وانما كي لا يقال انه عاجز عن الجواب... ولنعد لنقرأ الفصل الثاني من رسالة المأمون. " أما بعد: فان الله تعالى بعث محمدا (ص) على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها، لا يرون أحدا يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبينا (ص) أمينا من أوسطهم بيتا، وأقلهم مالا فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها، ثم آمن به امير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن سبع سنين، لم يشرك بالله شيئا طرفة عين، ولم يعبد وثنا، ولم يأكل ربا، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله اما مسلم مهين أو كافر معاند، إلا حمزة فانه لم يمتنع من الاسلام،
[ 316 ]
ولا يمتنع الاسلام منه فمضى لسبيله على بينة من ربه. وأما أبو طالب فانه كفله ورباه، ولم يزل مدافعا عنه، ومانعا منه، فلما قبض الله أبا طالب فهم القوم، واجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون... ". عرض هذا المقطع إلى بعثة الرسول الاعظم (ص) في مجتمع متكبر يرى أنه لا يدانيه، ولا يساويه أحد، وفي فجر الدعوة المشرقة ما آمن به إلا أم المؤمنين السيدة خديجة، وقد رصدت لدعوته جميع اموالها، ومن بعدها آمن به الامام امير المؤمنين سلام الله عليه، وكان عمره الشريف سبع سنين، ولم يسجد لصنم ولم يعبد وثنا، وانما عبد الله تعالى عن إيمان واخلاص. أما اعمام النبي (ص) فكان فيهم المشرك والحاقد والضال، وهو أبو لهب، وكان فيهم بطل الاسلام أسد الله الشهيد حمزة الذي اعز الله به الاسلام، ونافح عن الرسول بكل بسالة حتى استشهد. وخيرة اعمام النبي (ص) هو أبو طالب الذي آمن بالاسلام واعتنق اهدافه ومبادئه، ووقف إلى جانب الرسول (ص) يحميه، ويدفع عنه كيد المعتدين، ولما انتقل هذا العملاق العظيم إلى حظيرة القدس، فقد النبي (ص) المحامي والمدافع عنه، وهمت قريش بقتله فخرج (ص) مهاجرا إلى (يثرب) فاتخذها مقرا لدعوته، وعاصمة لحكومته، فقد وجد فيها الصفوة الصادقة المتفانية في الذب عنه، ولنعد إلى فصل آخر من فصول هذه الرسالة. " ولم يقم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فانه آزره، ووقاه بنفسه، ونام في مضجعه، ثم لم يزل بعد مستمسكا بأطاف الثغور، وينازل الابطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش، منيع القلب يؤمر على الجميع، ولا يؤمر عليه أحد، أشد الناس وطأة على المشركين، واعظمهم جهادا في الله، وافقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله واعرفهم بالحلال والحرام. وهو صاحب الولاية في حديث " غدير خم " وصاحب قوله (ص): " أنت مني
[ 317 ]
بمنزلة هارون من موسى " إلا انه لا نبي بعدي " وصاحب يوم الطائف، وكان أحب الخلق إلى الله تعالى والى رسول الله (ص) وصاحب الباب فتح له، وسد أبواب المسجد وهو صاحب الراية يوم خيبر، وصاحب عمرو بن عبدود في المبارزة، وأخو رسول الله (ص) حين آخى بين المسلمين. وهو منيع جزيل، وهو صاحب آية (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وهو ختن خديجة، وهو ابن عم رسول الله (ص) رباه وكفله، وهو ابن أبي طالب في نصرته وجهاده، وهو نفس رسول الله (ص) في يوم المباهلة. وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر يتقلدان أمرا حتى يسألانه عنه، فما رأى انفذاه، ولم يره رداه، وهو دخل من بني هاشم في الشورى، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه، كما دفع العباس رضوان الله عليه، ووجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه. فأما تقديمكم العباس عليه، فان الله تعالى يقول: (اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله). والله لو كان ما في امير المؤمنين من المناقب والفضائل والآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل من رجالكم أو غيره لكان مستأهلا للخلافة، مقدما على اصحاب رسول الله (ص) بتلك الخلة، ثم لم تزل الامور تترقى به إلى ان ولي أمور المسلمين فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس، تعظيما لحقه، ووصلة لرحمه، وثقة به فكان من أمره الذي يغفر الله له... ". وعرض هذا المقطع إلى بعض فضائل الامام أبي الحسين رائد الحكمة والعلم في دنيا الاسلام، والتي منها دفاعه عن النبي (صلى الله عليه وآله) فقد آزره، ووقاه بنفسه ومهجته، وبات على فراشه حينما احتمت قريش على قتله (صلى الله عليه وآله)، وقد نازل الابطال، فحصد رؤوسهم دفاعا عن الاسلام، فكان من أشد الناس وطأة على الكافرين والملحدين، فما اعظم عائدته على الاسلام ! ومن فضائله أنه كان اعلم المسلمين، وافقههم، واكثرهم احاطة ودراية باحكام الدين، وشريعة سيد المرسلين وقد عقد النبي (ص) له الولاية، وجعله خليفة من بعده في (غدير خم) وقال مقالته الذائعة " من كنت مولاه فهذا علي مولاه
[ 318 ]
اللهم من والاه، وعاد من عاداه، واشاد النبي (ص) به مرة اخرى فقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ". وكان من سمو منزلته، وعظيم شأنه عند النبي (ص) أنه أمر بسد جميع الابواب التي كانت على جامعه الاعظم ولم يستثن منها الا باب علي فإنها ظلت مفتوحة، لم تغلق، ومن مناقبه أنه صاحب الراية (يوم خيبر) فهو الذي فتح حصون (خيبر) وقضى على اليهود، وهو صاحب عمرو بن عبدود الذي جبن المسلمون عن منازلته، فلم يبرز إليه سوى بطل الاسلام وحاميه الامام (عليه السلام). ومن مناقب الامام امير المؤمنين ان النبي (ص) لما آخى بين المسلمين، فبقى علي وحده فآخاه النبي (ص) وقال له: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة. ومن مناقبه وفضائله أنه نزلت فيه وفي ولديه وزوجته سيدة نساء العالمين الآية الكريمة (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). ومن مناقبه أن النبي (صلى الله عليه وآله) زوجه بسيدة نساء المسلمين وبضعته فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلم يكن لها كفوء سواه. ومن عظيم مناقبه أنه نفس النبي (ص) كما دلت على ذلك بوضوح آية المباهلة، فكان سلام الله عليه بمواهبه وعبقرياته امتدادا ذاتيا لشخصية الرسول الكريم التي ملات الآفاق نورا. ونظرا لسمو ذاته، وعظيم مكانته كان أبو بكر وعمر لا ينفذان أمرا حتى يأخذ رأيه فيه، ومن الطبيعي ان ذلك الامر مما يتعلق باحكام الدين. وفي هذا المقطع انه لو وجدت بعض فضائل الامام امير المؤمنين (عليه السلام) في رجل من المسلمين لكان أهلا ليتقلد الخلافة والامرة على المسلمين، هذا بعض ما قاله المأمون في هذا المقطع، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: " ثم نحن وهم يد واحدة - كما زعمتم - حتى قضى الله تعالى بالامر إلينا، فأخفناهم، وضيقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم، ويحكم ان بني امية انما قتلوا من سل منهم سيفا، وانا معشر بني العباس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية، بأي ذنب قتلت، ولتسألن نفوسا ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة احياء، هيهات، انه من عمل مثقال ذرة خير يره، ومن يعمل مثقال
[ 319 ]
ذرة شرا يره ". عرض هذا المقطع إلى بعض ما جرى على آل النبي (ص) من المأسي من حكام بني العباس، فقد جهدوا على ظلمهم، وتصفيتهم جسديا يقول المنصور الدوانيقي للامام الصادق (عليه السلام): " لاقتلنك، ولاقتلن أهلك، حتى لا أبقي منكم قامة سوط " (1). وقال المنصور: " قتلت من ذرية فاطمة الفا أو يزيدون، وتركت سيدهم ومولاهم جعفر بن محمد... " (2). وقال اسماعيل الديباج عندما هرب من المنصور: لم يروه ما أراق البغي من دمنا * في كل أرض فلم يقصر من الطلب وليس يشفي غليلا في حشاه سوى * أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي (3) وقد عرض المأمون إلى الوان رهيبة مما صبه العباسيون على السادة العلويين من المأسي والتي منها: أ - ابادة العلويين جملا. ب - القاؤهم وهم احياء في حوض دجلة والفرات حتى ماتوا غرقا. ج - دفنهم وهم احياء في بغداد والكوفة. إلى غير ذلك من صنوف الارهاق والتنكيل الذي عاناه ابناء النبي (صلى الله عليه وآله) من العباسيين... ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة: " وأما ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم، إذ هونتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الاموال والرجال، نبعث إليه فيؤتى به، فكذبتم ودبرتم، ونسيتم قول الله تعالى: (ومن بغي عليه لينصرنه الله) واعرب المأمون - في هذا المقطع - عن الاحداث التي جرت بينه وبين أخيه الامين، وانها (1) المناقب 3 / 357، البحار 47 / 178. (2) الادب في ظل التشيع (ص 68). (3) النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 51). (*)
[ 320 ]
تستند إلى العباسيين فهم الذين حببوا إليه خلع المأمون والنكاية به، ولم يكن ما وقع عن رأي الامين وتدبيره، وهذا فصل آخر من هذه الرسالة: " وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لابي الحسن الرضا فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا، ولا اظهر عفة، ولا اورع ورعا ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا اطلق نفسا، ولا ارضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وان البيعة له لموافقة رضى الرب عز وجل، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم. ولعمري لو كانت بيعتي محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي، واحلى في عيني، ولكن اردت أمرا، واراد الله امرا فلم يسبق أمري أمر الله ". وحكى هذا المقطع بيعته للامام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد وانها لم تكن محاباة، أو اندفاعا وراء العواطف والاهواء وانما كانت عن اجتهاد وتبصر، وتدبر في أمور المسلمين، وذلك لما يتمتع به الامام العظيم من الصفات الرفيعة، والتي منها: أ - ان الامام أفضل انسان على وجه الارض. ب - إن الامام اعف انسان. ج - الورع عن محارم الله. د - اجماع المسلمين على تعظيمه، وتقديمه بالفضل على غيره. ه - انه (عليه السلام) لا تأخذه في الله لومة لائم. وهذه الصفات هي التي دفعت المأمون إلى البيعة للامام بولاية العهد، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: وأما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم علي، وممايلتكم إياه، فلما قتلته، وتفرقتم عباديد فطورا اتباعا لابن أبي خالد، وطورا أتباعا لاعرابي، وطورا اتباعا لابن شكلة، ثم لكل من سل سيفا على، ولولا ان شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحدا، فكلكم حلال الدم محل بنفسه ". وأعرب المأمون عن الجفاء والحرمان الذي لحق بالعباسيين في عهده فانهم هم السبب في ذلك، فقد أيدوا الامين وناصروه، ولما قتل انضموا إلى كل من أعلن
[ 321 ]
التمرد على حكومته امثال ابراهيم بن شكلة وغيره، وبذلك فقد ملاوا قلب المأمون حقدا عليهم، ولولا ان طبيعته التجاوز - كما يقول - لما ابقى عباسيا على وجه الارض، وهذا فصل آخر من رسالته يقول: " وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني... اتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير ؟ ويلكم إن العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب، تدبره النساء، وتكلفه الاماء، ثم لم يتفقه في الدين، ولم يعرف حلالا من حرام إلا معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلا قد احكمته التجارب، وتفقه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها ما كان له عندي إلا ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال فان لساني لم يزل مخزونا عن امور وانباء كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف علما بأن الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوما. فإذا أبيتم إلا كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، عما وجده في كتاب الدولة وغيرها، ان السابع من ولد العباس، لا يقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته، فإذا اودعت فودعها، إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لانفسكم معقلا، وهيهات مالكم إلا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصدا أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلا بحقها... ". وحفل هذا المقطع بذكر الاسباب التي دعت المأمون إلى عدم ترشيح ولده العباس لولاية العهد، فانه لم يستجمع الشرائط التي ينبغي توفرها في ولي العهد من العلم والفضل والتقوى وغيرها، فقد كان العباس غلاما لم تهذبه الايام، ولم تصقله التجارب، ولم يقم على تكوينه علم أو ثقافة، وانما كان صبيا تدير أموره النسوان، وتدبر شؤونه الامهات فكيف يصح ان يرشحه لهذا المنصب الخطير ؟ واضاف المأمون بعد هذا إلى أن الرشيد أخبره عما وجده في كتاب الدولة من أن نهاية الدولة العباسية تكون بعد الملك السابع من بني العباس، وبعده لا تقوم للعباسيين قائمة. وقد اخطأ الرشيد فقد استمرت الدولة العباسية بعد السابع من ملوكهم، وكانت نهايتها على يد هولاكو التتار، فقد حصد رؤوس العباسيين، وازال ملكهم
[ 322 ]
وسلطانهم... ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: " وأما ما كنت اردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق لها في نفسه، واختيار مني له، فما كان ذلك مني إلا أن اكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم، وهي الطريق أسلكها في اكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفئ بيسير ما يصيبهم منه... ". وأعرب المأمون بيعته للامام الرضا (عليه السلام) كانت من أجل صالح العباسيين، ففي هذه البيعة قد حقن دماءهم، ولعل سبب ذلك هو انفجار البلاد بثورات متصلة تنادي للرضا من آل محمد (ص) ليقيم في ربوع الوطن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، وحينما جاء بالامام الرضا ونصبه ولي عهده خمدت تلك الثورات، ولو استمرت لقضت على الحكم العباسي، وقضت على العباسيين... ونعود لفصل آخر من هذه الرسالة يقول: " وإن تزعموا أني اردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فإني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم، وابنائكم من بعدكم وأنتم ساهون، لاهون، تائمون، في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم، وما اظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة، همة أحدكم أن يمسى مركربا، ويصبح مخمورا، تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنثون مأفونون، لا يتفكر متفكر منكم في اصلاح معيشة، ولا استدامه نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. اضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، واكببتم على اللذات فسوف تلقون غيا، وايم الله لربما أفكر في أمركم فلا أجد أمة من الامم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال إلا أصبت تلك الخلة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة لم اكن اظن ان ابليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها، وقد اخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الارض، وقد اتخذتموهم شعارا ودثارا، استخفافا بالمعاد وقلة يقين بالحساب، وأيكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود... ". لقد وصف المأمون أسرته باقبح الصفات التى لا يتصف إلا اراذل البشر، وشذاذ الآفاق، لقد صورهم بصورة تشمئز منها النفوس، ويترفع عنها أقل الناس
[ 323 ]
احساسا... ولنستمع إلى فصل آخر من رسالته يقول: " وأما ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن نور الله وجهه، فلعمري أنها عندي للنهضة والاستقلال الذى ارجو به قطع الصراط، والامن والنجاة من الخوف يوم الفزع الاكبر، ولا أظن عملا هو عندي أفضل من ذلك إلا أن أعود بمثلها إلى مثله، واين لي بذلك وأين لكم بتلك السعادة... ". لقد رد المأمون على أسرته التي عابت عليه عقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) وانه قد عثر بذلك عثرة لا تغفر، فأجابهم انه قد خطا بذلك خطوة كبرى لنهضة الامة واستقلالها، فقد رشح لزعامتها افضل انسان على وجه الارض يقيم الحق، وينشر العدل، ويعيد للاسلام كرامته... وهذا فصل آخر من هذه الرسالة يقول: " وأما قولكم: إني سفهت آراء آبائكم، واحلام اسلافكم، فكذلك قال مشركو قريش: " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلا من الانبياء، فافقهوا، وما أراكم تعقلون ". ورد المأمون بهذا الكلام على ما زعمته أسرته من أنه سفه آراء آبائه، وأفسد أحلام اسلافه، وذلك ببره واحسانه إلى آل النبي (صلى الله عليه وآله)، فان هذا المنطق الهزيل قد تمسك به المشركون من قبل حينما دعاهم الرسول الاعظم إلى كلمة التوحيد فرفضوا ذلك فقالوا: " انا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون "... ولنستمع إلى الفصل الاخير من هذه الرسالة يقول: " وأما تعييركم إياي: بسياسة المجوس، وإياكم فما اذهبكم " الانفة " في ذلك، ولو ساستكم القردة والخنازير، وما اردتم إلا امير المؤمنين، ولعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا وامهاتنا في القديم، فهم المجوس الذين اسلموا، وأنتم المسلمون الذين ارتدوا، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد فهم يتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويتقربون من الخير، ويتباعدون من الشر، ويذبون عن حرم المسلمين، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر، ويتباشرون بما نال الاسلام وأهله من الخير... منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
[ 324 ]
وليس منكم إلا لاعب بنفسه، مأفون في عقله، إما مغن، أو ضارب دف، أو زامر، والله لو ان بني أمية الذين قتلتموهم بالامس نشروا فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا، وصناعة واخلاقا. ليس منكم إلا من إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ولا تأنفون، ولا ترجون إلا خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوبا، ويصبح باثمه معجبا، كأنه قد اكتسب حمدا، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل الف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس من زين له معصية أو اعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة، وتربده المطمورة، مشتت الاحوال، فان ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح، وما تهذرون به من عذاب السنتكم وإلا فدونكم تعلو بالحديد، ولا قوة إلا بالله، وعليه توكلي وهو حسبي... " (1). وانتهت هذه الرسالة، وقد ادلى المأمون في آواخرها بعيوب أسرته وفضائحها، ولا أعلم أن أسرة عربية قد وصمت بمثل الفضائح التي ذكرها المأمون، والتي انتهت بهذه الاسرة إلى مستوى سحيق ماله من قرار. (1) البحار 49 / 208 - 214 الطبيعة الحديثة حياة الامام الرضا (ص 453 - 460) وقد نقلناها منه. (*)
[ 325 ]
شؤون الامام في (خراسان) ولا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عن بعض شؤون الامام الرضا (عليه السلام) حينما كان مقيما في (خراسان)، وفيما يلي ذلك: وفادة الشعراء على الامام: وبادرت كوكبة من اعلام الشعر العربي في ذلك العصر نحو الامام الرضا (عليه السلام) تقدم له تهانيها، وتبريكاتها لتويه ولاية العهد، كان منهم الشاعر الكبير دعبل الخزاعي الثائر على الظلم والجور، والمعبر عن الآم المظلومين والمضطهدين ومنهم الشاعر الملهم ابراهيم بن العباس الصولي نابغة عصره في الادب نظما ونثرا (1) ومنهم الاديب الكبير الشاعر رزين بن علي شقيق دعبل الخزاعي. وقبل سفرهم إلى (خراسان) قال دعبل لابراهيم: إني اريد أن أصحبك إلى خراسان ؟ فقال له ابراهيم: " حبذا أنت صاحبا ومصحوبا، ان كنا على شريطة بشار... ". (1) عرضنا لترجمته في البحث عن اصحاب الامام ورواة حديثه. (*)
[ 326 ]
وبادر دعبل قائلا: " ما شريطته ؟... ". قال قوله: أخ خير من آخيت أحمل ثقله * ويحمل عني إذا حمله ثقلي أخ إن نبا دهر بنا كنت دونه * وإن كان كون كان لي ثقة مثلي أخ ماله لي لست أرهب بخله * ومالي له لا يرهب الدهر من بخلي (1) وفي اثناء سفرهم قطع عليهم الطريق فاضطروا إلى ركب حمير تحمل الشوك، فقال ابراهيم: أعيدت بعد حمل الشوك أحمالا من الخزف * نشاوى لا من الخمر بل من شدة الضعف وقال: لرزين اجز هذا، فقال: فلو كنتم على هذا تصيرون إلى النصف * تساوت حالكم فيه ولم تبقوا على الخصف ثم قال لدعبل: اجز هذا يا أبا علي، فقال: إذا فات الذي فات فكونوا من ذوي الظرف * وخفوا نقصف اليوم فإني بايع خفي (2) وانتهت قافلة هؤلاء الاعلام تطوي البيداء لا تلوي على شئ حتى انتهت إلى خراسان، وفور وصولهم، بادروا إلى مقابلة الامام (عليه السلام) فانشده دعبل تائيته الخالدة التي سنذكرها، وانشده ابراهيم بن العباس قصيدته التي لم يرو المؤرخون منها إلا هذا البيت: ازالت عناء القلب بعد التجلد * مصارع اولاد النبي محمد واحتفى بهم الامام، وقابلهم بمزيد من الحفاوة والتكريم. جائزة الامام لدعبل: وهبب الامام إلى دعبل صرة فيها عشرة الآف درهم من الدراهم المضروبة باسمه (3) ولم تكن تلك الدراهم قد وقعت في يد أحد قبل دعبل، فرفض دعبل (1) تأريخ ابن عساكر 5 / 331. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 141 - 142. (3) الاغاني 18 / 29، معجم الادباء 4 / 194 وفي رجال الكشي (ص 314) انه اعطاه ست مائة دينار، وفي الاتحاف انه اعطاه مائة دينار وهو بعيد عما عرف به الامام من الكرم والسخاء. (*)
[ 327 ]
أخذها، وقال: لا والله ما هذا أردت، ولا له خرجت، وانما جئت للتشرف به، والنظر إلى وجهه، وطلب من خادم الامام أن يهب الامام له ثوبا من ثيابه، فانفذ إليه الامام بجبة خز (1) مع الدراهم، وقال له: خذ هذه الصرة فانك ستحتاج إليها. وانصرف دعبل حتى انتهى إلى (قم)، وقد اذيع فيها حديث جبة الامام (عليه السلام) فسارع القميون إلى دعبل، وسألوه أن يبيع إليهم الجبة بثلاثين الف درهم (2) فأبى وسار عن (قم) فلحقه قوم من القميين، وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال، وإلا فأنت أعلم، فقال لهم: إني والله لا أعطيكم إياها طوعا، ولا تنفعكم غصبا، فانها انما تراد لله عزوجل، وهي محرمة عليكم، وحلف أن لا يبيعها إليهم إلا ان يعطوه بعضها لتكون في كفنه فاعطوه كما واحدا فكان في اكفانه (3) ويقول الرواة: إن جارية لدعبل كانت أثيرة عنده قد مرضت فعصبها دعبل بما عنده من جبة الامام (عليه السلام) فبرأت (4). وأما الدراهم فقد باع دعبل كل درهم منها بعشرة دراهم إلى أهالي (قم) فبلغت حصته مائة الف درهم (5). جائزة ابراهيم من الامام: ومنح الامام (عليه السلام) ابراهيم الصولي عشرة الآف درهم من الدراهم التي ضرب عليها اسمه الشريف، ولم يبعها ابراهيم وانما بقيت عنده (6) فتصرف في بعضها، وبقي الآخر عنده حتى توفي. القصيدة الخالدة لدعبل: وتعد قصيدة دعبل التي القاها على الامام الرضا (عليه السلام) من ذخائر (1) مقدمة ديوان دعبل (ص 52). (2) في رجال النجاشي (ص 197) وفي البحار 12 / 71 ان الامام خلع عليه قميصا أخضر، وخاتما فصه عقيق، وقال له: احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه الف ليلة بالف ركعة، وختمت فيه القرآن الف ختمة. (3) الاغاني 18 / 29. معجم الادباء 4 / 194. (4) البحار 12 / 71. (5) امالي المرتضى 1 / 484. (6) امالي المرتضى 1 / 484. (*)
[ 328 ]
الادب العربي، ومن مناجم التراث الاسلامي وهي من أشهر قصائد دعبل، وقد اثرت في نفس الامام تأثيرا بالغا، حتى بكى، وأغمى عليه ثلاث مرات (1) لانه عرض فيها الفجائع القاسية التى حلت بأهل البيت (عليهم السلام)، وقد كتبها دعبل في ثوب وأحرم فيه وأوصى أن يكون في اكفانه (2). وقد انتشرت قصيدة دعبل انتشارا هائلا في ذلك العصر، وقد سمعها المأمون فاعجب بها، وطلب من دعبل أن يقرأها عليه، وقال له: لا بأس عليك ولك الامان من كل شئ فيها، وقد رويتها إلا إني أحب أن أسمعها من فيك، فانشدها والمأمون يبكي حتى اخضلت لحيته من دموعه (3). ومن طريف ما ينقل عن هذه القصيدة الغراء ان دعبل لما سار من (مرو) في قافلة قطع عليهم اللصوص الطريق، وأخذوا كل ما معهم، واتفق ان لصا كان ينهب ما عند دعبل وينشد بيتا من قصيدته التي القاها على الامام وهو: ارى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات فقال له دعبل: لمن هذا البيت ؟ فقال له لرجل من خزاعة يقال له دعبل، فقال له: انا دعبل، ثم انشده القصيدة فذهل ونادى ببقية اللصوص أن يردوا على القافلة ما أخذوه منها تكريما لشاعر أهل البيت فردوه عليهم (4). ونظرا لاهمية هذه القصيدة فقد انبرى جمع من الاعلام إلى شرحها، ومن بين هذه الشروح: 1 - شرح السيد نعمة الله الحزائري. 2 - شرح كمال الدين محمد بن محمد الشيرازي. 3 - شرح الحاج ميرزا علي التبريزي (5). نص القصيدة: ونقل المغفور له الفاضل عبد الصاحب الدجيلي نص القصيدة في ديوان دعبل (1) الاغاني 18 / 42. (2) معجم الادباء 4 / 194. (3) الاغاني 18 / 42. (4) نور الابصار (ص 147) الاتحاف (ص 163) البحار 12 / 71، مقدمة ديوان دعبل (ص 53). (5) الذريعة. (*)
[ 329 ]
عن جمهرة من المصادر الخطوطة والمطبوعة ونحن ننقلها عنه، وهذا نصها: 1 - تجاوبن بالارنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات 2 - يخبرن بالانفاس عن سر أنفس * أسارى هوى ماض وآخر آت 3 - فاسعدن أو اسعفن حتى تقوضت * صنوف الدجى بالفجر منهزمات 4 - على العرصات الخاليات من المها * سلام شج صب على العرصات 5 - فعهدي بها خضر المعاهد مألفا * من العطرات البيض والخفرات 6 - ليالي يعدين الوصال على القلى * وبعد تدانينا على الغربات 7 - وإذ هن يلحظن العيون سوافرا * ويسترن بالايدي على الوجنات 8 - وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة * يبيت لها قلبي على نشوات 9 - فكم حسرات هاجها بمحسر * وقوفي يوم الجمع من عرفات (1) 10 - الم تر للايام ماجر جورها * على الناس من نقص وطول شتات 11 - ومن دول المستهترين ومن غدا * بهم طالبا للنور في الظلمات (2) 12 - فكيف ومن أنى يطالب زلفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات 13 - سوى حب ابناء النبي ورهطه * وبغض بني الزرقاء والعبلات (3) 14 - وهند وما ادت سمية وابنها * اولو الكفر في الاسلام والفجرات (4) 15 - هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهات (5) 16 - ولم تك إلا محنة كشفتهم * بدعوى ضلال من هن وهنات 17 - تراث بلا قربى وملك بلا هدى * وحكم بلا شورى بغير هدات (6) 18 - رزايا ارتنا خضرة الافق حمرة * وردت اجاجا طعم كل فرات 19 - وما سهلت تلك المذاهب فيهم * على الناس إلا بيعة الفلتات (7) (1) محسر وعرفات: اسمان لموضعين في مكة المكرمة. (2) دول المستهترين: هي دول بني أمية، ودول بني العباس الذين استهانوا بجميع الاعراف والقيم الاسلامية. (3) بنو الزرقاء: هم ابناء مروان طريد رسول الله (ص) والزرقاء أمه، وهي من النساء الفاجرات في الجاهلية، والعبلات احدى قبائل قريش. (4) هند: ام معاوية الصحابي المزعوم صاحب الاحداث والموبقات في الاسلام، وسمية: اسم لام زياد الارهابي المحرم. (5) يشير إلى الحكم الاموي الذي نقض عهد الله، وخاس بجميع القيم الاسلامية. (6) يشير إلى أن الحكم الاموي لم يستند إلى الشورى ولا إلى القربى. (7) يشير إلى بيعة أبي بكر التي وصمها عمر بقوله: ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها. (*)
[ 330 ]
20 - وما نال إصحاب السقيقة إمرة * بدعوى تراث، بل بأمر ترات (1) 21 - ولو قلدوا الموصى إليه زمامها * لزمت بمأمون من العثرات (2) 22 - أخا خاتم الرسل المصطفى من القذى * ومفترس الابطال في الغمرات (3) 23 - فان جحدوا كان الغدير شهيده * وبدر وأحد شامخ الهضبات (4) 24 - وآى من القرآن تتلى بفضله * وايثاره بالقوت في اللزبات (5) 25 - وغر خلال ادركته بسبقها * مناقب كانت فيه مؤتنفات 26 - مناقب لم تدرك بكيد ولم تنل * بشئ سوى حد القنا الذربات 27 - نجي لجبريل الامين وأنتم * عكوف على العزى معا ومناة (6) 28 - بكيت لرسم الدار من عرفات * واذريت دمع العين بالعبرات 29 - وفك عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار اقفرت وعرات 30 - مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات (7) 31 - لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات (8) 32 - ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات (9) (1) السقيفة: التي ارادها دعبل هي سقيفة بني ساعدة التي تآمروا فيها على الخلافة، والنبي مسجى لم يدفن، وقد اسفر هذا المؤتمر عن اقصاء الامام امير المؤمنين عن مركز الخلافة الامر الذي جر للمسلمين الويلات والدمار. (2) الوصي: هو الامام امير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه ولو تقلد الخلافة لصان المسلمين من العثرات. أخو خاتم الرسل: وهو الامام امير المؤمنين (عليه السلام) فقد قال له النبي: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة. (4) الغدير: هو الموضع المعروف الذي عقد فيه النبي (ص) البيعة للامام امير المؤمنين، وبيعة الغدير جزء من الاسلام فمن انكرها فقد انكر الاسلام كما يقول بعض اعلام العصر. (5) الايات الواردة في الامام علي منها آية المباهلة، وآية المودة، وآية التطهير، وآية التصدق بالخاتم وغيرها من الآيات التي اشادت بعملاق الاسلام. (6) العزى ومناة: صنمان لقريش كانوا يعبدونهما من دون الله. (7) يشير إلى بيوت السادة ابناء النبي الذين حصدتهم سيوف الامويين والعباسيين حتى اقفرت بيوتهم من تلك الكواكب المشرقة بنور الايمان والتوحيد. (8) هذه المواضع المقدسة التي ذكرها دعبل هي التي كان يقيمون فيها السادة العلويون فيحيون لياليهم فيها بالعبادة إلى الله وتلاوة كتابه. (9) ذو الثفنات: هو لقب لسيد الساجدين والعابدين الامام زين العابدين فقد كانت له ثفنات كثفنات البعير في مواضع سجوده من كثرة سجوده لله. (*)
[ 331 ]
33 - ديار لعبد الله والفضل صنوه * نجى رسول الله في الخلوات 34 - منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات 35 - منازل قوم يهتدي بهداهم * فتومن منهم زلة العثرات 36 - منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات 37 - منازل جبريل الامين يحلها * من الله بالتسليم والرحمات 38 - منازل وحي الله معدن علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات 39 - ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف للايام والسنوات 40 - فيا وارثي علم النبي وآله * عليكم سلام دائم النفحات 41 - قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات 42 - واين الالي شطت بهم غربة النوى * وأفانين في الآفاق مفترقات 43 - هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخيير حماة 44 - مطاعيم في الاعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات (1) 45 - وما الناس إلا حاسد ومكذب * ومضطعن ذو إحنة وترات 46 - إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويم حنين اسبلوا العبرات (2) 47 - فكيف يحبون النبي ورهطه * وهم تركوا أحشاءهم وغرات (3) 48 - لقد لا ينوه في المقال واضمروا * قلوبا على الاحقاد منطويات (4) 49 - فان لم تكن إلا بقربى محمد * فهاشم أولى من هن وهنات 50 - سقى الله قبرا بالمدينة غيثه * فقد حل فيه الامن بالبركات 51 - نبى الهدى صلى عليه مليكه * وبلغ عنه روحه التحفات 52 - وصلى عليه الله ماذر شارق * ولاحت نجوم الليل مبتدرات 53 - أفاطم لو خلت الحسين مجدلا * وقد مات عطشانا بشط فرات 54 - اذن للطمت الخد فاطم عنده * وأجريت دمع العين في الوجنات (1) يشير دعبل إلى كرم أهل البيت وانهم مطاعيم في الاعسار للفقراء والمحرومين. (2) يشير دعبل إلى القوى المعادية لاهل البيت الذين وترهم سيف علي وسيوف المؤمنين، فانهم إذا ذكروا قتلاهم بكوا عليهم أحر البكاء. (5) إن القوى المنحرفة عن أهل البيت كيف يحبون النبي وأهله. (4) اراد دعبل ان المعادين للاسلام لاينوا النبي بكلامهم ولكن قلوبهم قد انطوت على عدائه. (*)
[ 332 ]
55 - افاطم قومي يا بنة الخير واندبي * نجوم سماوات بارض فلاة 56 - قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلوات (1) 57 - وأخرى بأرض الجوزجان محلها * وقبر بباخمرى لدى الغربات (2) 58 - وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات (3) 59 - فأما الممضات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات 60 - قبور لدى النهر من ارض كربلا * معرسهم فيها بشط فرات 61 - توفوا عطاشا بالفرات فليتني * توفيت فيهم قبل حين وفاتي 62 - إلى الله اشكوا لوعة عند ذكرهم * سقتني بكأس الذل والفظعات 63 - أخاف بأن أزدارهم فيشوقني * مصارعهم بالجزع فالنخلات 64 - تقسمهم ريب الزمان كما ترى * لهم عفرة مغشية الحجرات 65 - سوى أن منهم بالمدينة عصبة * - مدى الدهر - انضاء من اللزبات 66 - قليلة زوار سوى بعض زور * من الضبع والعقبان والرخمات 67 - لهم كل حين نومة بمضاجع * ثوت في نواحي الارض مختلفا ت 68 - وقد كان منهم بالحجاز وأهلها * مغاوير ويختارون في السروات 69 - تنكب لاواء السنين جوارهم * فلا تصطليهم جمرة الجمرات (4) 70 - حمى لم تزره المذنبات وأوجه * تضئ لدى الاستار في الظلمات (1) أشار دعبل إلى مراقد السادة العلويين، وأول مرقد لهم قبر الامام على (عليه السلام) في النجف التي هي في ظهر الكوفة وقبر الشهيد مسلم بن عقيل، وفي طيبة قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)، وفي فخ قبر الحسين بن علي بن الحسن وغيره من العلويين. (2) الجوزجان: فيها قبر الشهيد العظيم يحيى بن زيد الذي استشهد أيام الوليد الاموي، وباخمرى: هي موضع بين الكوفة وواسط فيها استشهد ابراهيم بن عبد الله بن الحسن في أيام الطاغية الدوانيقي. (3) أما القبر الذي ببغداد فهو قبر باب الحوائج الامام الكاظم وقبر حفيده الامام الجواد ونعت كثير من المصادر ان دعبل لما انتهى إلى هذا البيت قال له الامام الرضا أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين، فقال: بلى يابن رسول الله فقال (عليه السلام). وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الاحشاء بالزفرات إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الغم والكربات فقال دعبل) هذا القبر الذي بطوس قبر من ؟ قال الامام (عليه السلام): هو قبري، جاء ذلك في المناقب 3 / 450 وغيره. (4) اللاواء: الشدة. (*)
[ 333 ]
71 - إذا أوردوا خيلا تسعر بالقنا * مساعر جمر الموت والغمرات 72 - وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان والسورات 73 - وعدوا عليا ذا المناقب والعلا * وفاطمة الزهراء خير بنات 74 - وحمزة والعباس ذاالهدي التقى * وجعفر الطيار في الحجبات 75 - اولئك لا منتوج هند وحزبها * سمية من نوكى ومن قذرات (1) 76 - ستسأل تيم عنهم وعديها * وبيعتهم من افخر الفجرات (2) 77 - هم منعوا الآباء من أخذ حقهم * وهم تركوا الابناء رهن شتات (3) 78 - وهم عدولوها عن وصي محمد * فبيعتهم جاءت على الغدرات (4) 79 - ملامك في أهل النبي فانهم * أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي 80 - تخيرتهم رشدا لامري فانهم * على كل حال خيرة الخيرات 81 - نبذت إليهم بالمودة صادقا * وسلمت نفسي طائعا لولاتي 82 - فيا رب زدني من يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي 83 - سأبكيهم ما حج لله راكب * وما ناح قمري على الشجرات 84 - بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عناة أو لحمل ديات 85 - وللخيل لما قيد الموت خطوها * فأطلقتم منهن بالذربات (5) 86 - أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم أسرتي وبناتي (6) 87 - وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عنيد لاهل الحق غير موات 88 - فيا عين بكيهم وجودي بعبرة * فقد آن للتسكاب والهملات (7) (1) النوكي: الحمق. (2) اراد بتيم: ابو بكر، واراد بعدي عمر بن الخطاب، ويرى دعبل انهما مسؤولان عما لحق بأهل البيت من المأسي والنكبات فهما اللذان اقصيا الامام امير المؤمنين عن الخلافة وسببا للعترة الطاهرة الوانا مريرة من المصائب. (3) اشار دعبل إلى ان الملوك السابقين هم الذي منعوا السادة العلويين من أخذ حقهم، وتركوا السادة من ابنائهم رهن شتات. (4) الوصي هو الامام امير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه وقد شجب دعبل تحول الخلافة عنه، وتقليدها لغيره. (5) الذربات: الداهيات. (6) يريد دعبل أنه يحب ويخلص لمن أحب وأخلص لاهل البيت عليهم، وان كانوا بعادا عنه في النسب، ويعادي من عاداهم، وان كانوا أسرته وبناته. (7) الهملات: هي الدموع. (*)
[ 334 ]
89 - لقد حفت الايام حولي بشرها * وإني لارجو الامن بعد وفاتي (1) 90 - الم تر أني من ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات 91 - ارى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات (2) 92 - فكيف أداوي من جوى بي والجوى * أمية أهل الفسق والتبعات 93 - فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد حفل القصرات (3) 94 بنات زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات 95 - سأبكيهم ماذر في الارض شارق * ونادى منادى الخير بالصلوات 96 - وما طلعت شمس وحان غروبها * وبالليل أبكيهم وبالغدوات 97 - ديار رسول الله اصبحن بلقعا * وآل زياد تسكن الحجرات 98 - وآل رسول الله تدمى نحورهم * وآل زياد آمنوا السربات 99 - وآل رسول الله تسبى حريمهم * وآل زياد ربة الحجلات 100 - إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * اكفا عن الاوتار منقضبات (4) 101 - فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع نفسي إثرهم حسرات 102 - خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات (5) 103 - يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات 104 - سأقصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كفاني ما القى من العبرات 105 - فيا نفس طيبي ثم يا نفس ابشري * فغير بعيد كل ما هو آت 106 - ولا تجزعي من مدة الجور إنني * ارى قوتي قد آذنت بشات 107 - فان قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر من عمري لطول حياتي 108 - شفيت ولم أترك لنفسي رزية * ورويت منهم منصلي وقناتي (6) (1) في رواية: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها، وفي رواية ان دعبل لما انشد هذا البيت رفع الامام (عليه السلام) يديه بالدعاء، وقال له: آمنك الله يا خزاعي يوم الفزع الاكبر. (2) في رواية ان دعبل لما بلغ إلى هذا البيت جعل الامام الرضا يقلب كفه ويقول: " أجل والله منقبضات ". (3) القصرات: جمع مفرده قصرة، وهي أصل العنق. (4) في رواية ان دعبل لما فرغ من انشاد هذا البيت جعل الامام الرضا (عليه السلام) جعل يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات. (5) عندما انتهى دعبل من انشاد هذا البيت، والبيت الذي بعده قال له الامام: " يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك " المناقب 3 / 450. (6) المنصل: حديدة السهم والرمح والسكين. (*)
[ 335 ]
109 - فإني من الرحمن ارجوا بحبهم * حياة لدى الفردوس غير بتات (1) 110 - عسى الله أن يأوي لذا الخلق انه * إلى كل قوم دائم اللحظات 111 - فان قلت عرفا أنكروه بمنكر * وغطوا على التحقيق بالشبهات 112 - أحاول نقل الشمس عن مستقرها * واسمع احجارا من الصلدات 113 - فمن عارف لم ينتفع ومعاند * يميل مع الاهواء والشهوات 114 - قصارى منهم أن أموت بغصة * تردد في صدري وفي اللهوات 115 - كأنك بالاضلاع قد ضاق رحبها * لما ضمنت من شدة الزفرات (2) وانتهت هذه القصيدة العصماء التي نالت رضا الامام ودعاءه لدعبل بالفوز يوم الفزع الاكبر. وقد تأثر الامام كأشد ما يكون التأثر في الابيات التي رثى بها دعبل الامام الحسين (عليه السلام)، فقد بكى الامام أمر البكاء، وأغمي عليه غير مرة، فقد نخبت قلبه فاجعة كربلا، وكان يقول: إن أمر الحسين أسهر جفوننا، وأسبل دموعنا، واذل عزيزنا، يا ارض كرب وبلاء اورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فان البكاء عليه يحط الذنوب والعظام (3). ويشتد حزن الامام ويتضاعف أساه إذا حل شهر المحرم، وقد قال: كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر محرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكارثة تغلبه حتى تمضى منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، وكان يقول: " هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين (4). وقال (عليه السلام): إن المحرم شهر كان أهل الجاهلة يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وانتهكت فيه حرمتنا وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، واضرمت النيران في مضاربنا وانتهبت ما فيه من ثقلنا، ولم يرعوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا (5). (1) غير بتات: اي غير منقطعة وانما هي حياة خالدة ودائمة. (2) ديوان دعبل. (3) الانوار النعمانية 3 / 238. (4) الانوار النعمانية 3 / 238. (5) الانوار النعمانية 3 / 238. (*)
[ 336 ]
وروى الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا في أول يوم من المحرم فقال لي: " يا بن شبيب أصائم أنت ؟ ". " لا... ". وأخذ الامام يعرفه حرمة ذلك اليوم قائلا: " هذه اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه عزوجل، فقال: يا رب هب لي من لدنك ذرية طيبة، إنك سميع الدعاء، فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلى في المحراب: ان الله يبشرك بيحيى، فمن صام هذا اليوم، ثم دعا الله عز وجل استجاب له، كما استجاب لزكريا. يا بن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان فيه أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها، ولا حرمة نبيها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله ذلك لهم أبدا. يا بن شبيب ان كنت باكيا لشئ فابك الحسين بن علي بن أبي طالب، فانه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيه، ولقد بكت السموات السبع، والارضون لقتله، ولقد نزلت إلى الارض من الملائكة اربعة الآف لنصرته فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (عليه السلام) فيكونون معه من انصاره وشيعته، وشعارهم: " يا لثارات الحسين " (1). لقد اخلدت كارثة كربلا الحزن والاسى لاهل البيت (عليهم السلام) فهم وشيعتهم في حزن مستمر لا ينسون ما حل بسبط الرسول (صلى الله عليه وآله) من عظيم المحن والرزايا، فقد انتهكت في يوم عاشوراء حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فلم يرع في ذلك اليوم الخالد في دنيا الاحزان أي حرمة لله، ولا لرسوله (صلى الله عليه وآله)، فقد عمد جيش ابن مرجانة إلى قتل سبط رسول الله (ص) بتلك القتلة المروعة... ولنعد بعد هذا إلى متابعة شؤون الامام في (خراسان). (1) الانوار النعمانية 3 / 239. (*)
[ 337 ]
انفاق جميع ما عنده: وانفق الامام (عليه السلام) جميع ما يملك (بخراسان) على الفقراء والبؤساء فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: " إن هذا المغرم... ". فرد عليه الامام ببالغ الحجة قائلا: " بل هو المغنم، لا تعدن مغرما ما اتبعت به أجرا وكرما " (1). انه ليس من المغرم في شئ انفاق الامام جميع ما عنده على الفقراء والمحرومين، وانقاذهم من غائلة الفقر وويلات البؤس، وانما المغرم ما كان ينفقه ملوك العباسيين واخوانهم الامويون من الاموال الطائلة على شهواتهم ولياليهم الحمراء، ولم ينفقوا اي شئ على فقراء المسلمين. خطبة الامام في التوحيد: وتعتبر هذه الخطبة من غرر خطب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن روائع ما أثر عنهم في قضايا التوحيد، ولو ولم يكن للامام الرضا (عليه السلام) من تراث إلا هذه الخطبة لكفى بها للتدليل على امامته، وبلوغه مرتبة سامية من العلم والفضل لم يبلغها إلا الائمة المعصومون سلام الله عليهم... ونظرا لاهميتها البالغة فقد تصدى سماحة المغفور له يحيى بن محمد علي إلى شرحها، وقد جاء في مقدمتها: " إن الخطبة المعروفة الواردة في التوحيد إلى جناب الحضرة المقدسة والساحة المطهرة... ثامن أئمة الدين إمام الورى علي بن موسى الرضا عليه التحية والثناء، لما كانت بحرا عميقا، محتويا على فوائد ومعارف... جامعة من فنون العلم وصنوف المعروفة ما لا يجمعه سواها الخ... " (2). اما سبب انشاء الامام لهذه الخطبة فهو ان المأمون لما اراد أن يولي الامام ولاية العهد حسده بنو هاشم - وهم بنو العباس - وقالوا له: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر (3) بتدبير الخلافة ؟ فابعث إليه رجلا يأتينا به (1) بحار الانوار 12 / 29. (2) شرح خطبة الامام الرضا في التوحيد مخطوطة في مكتبة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) تسلسل (1728). (3) في نسخة ليس له بصيرة. (*)
[ 338 ]
فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر، وانصب لنا علما نعبد الله عليه، فصعد المنبر، فقعد مليا لا يتكلم، ثم انتفض واستوى قائما، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي وأهل بيته، ثم قال: " أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (1) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة، ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف، من عرف بالتشبيه ذاته (2) ولا إياه وحده من اكتنهه (3) ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه (4) ولا صمد صمده من أشار إليه (5) ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه. كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته (6) خلق الله الخلق حجابا بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره، وادوات اياهم دليل على ان لا اداة فيه لشهادة الادوات بفاقة المتأدين. واسماؤه تعبير، وافعال تفهيم، وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه، فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله (7) وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: كيف فقد شبهه، ومن قال: لم ؟ فقد علله، ومن قال: (1) اراد كل صفة وموصوف متعددان ذاتا أو اعتبارا فانهما من صفات الممكن أما الواجب تعالى فان صفاته عين ذاته، ولا تعدد بينه وبين صفاته. (2) يريد انه لا يعرف الله، من يشبه ذات الله تعالى. (3) يريد: أن من يطلب كنهه تعالى وحقيقته فهو ليس من الموحدين لانه قد جعله من الممكنات التي يمكن معرفتها. (4) اراد انه لم يصدق بالله تعالى من جعل له نهاية. (5) يعنى ان من اشار إلى الله تعالى فقد ضل عن الطريق لان الله ليس له جهة خاصة حتى يشار لانه أينما تولوا فثم وجه الله تعالى. (6) اراد ان الله معروف ومعلوم بالفطرة الاصيلة وبالعقول النيرة المستقيمة، فان جميع الوجود تدلل عليه. (7) المعنى انه قد توهم، وبعد عن الصواب من تصور انه احاط بمعرفة الخالق العظيم. (*)
[ 339 ]
متى ؟ فقد وقته، ومن قال: فيم ؟ فقد ضمنه، ومن قال: إلام ؟ فقد نهاه، من قال: حتام فقد غياه (1) ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه ومن جزأه وصفه، ومن وصفه فقد الحد فيه، لا يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحول فكرة (2) مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة (3) سميع لا بآلة، بصير لا بأداة. لا تصحبه الاوقات، ولا تضمنه الاماكن، ولا تأخذه السنات (4) ولا تحده الصفات، ولا تقيده الادوات، سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده (5) والابتداء أزالة، بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له (6) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الاشياء عرف ان لا ضد له، وبمقارنته بين الامور عرف ان لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو (7) بالبلل، والصرد (8) بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرتها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عزوجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) (9) ففرق بها بين قبل وبعد، ليعلم ان لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها ان لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم ان لا حجاب بينه وبينها غيرها. (1) المعنى انه من سأل عن حد أو نهاية أو غاية ذلك فيما يتعلق بذات الخالق العظيم، فانه قد ضل ضلالا بعيدا، وانحرف عن الحق إذ كيف يصل الانسان المحدود فكرة إلى معرفة الله تعالى. (2) لا بحول فكرة: أي لا بقوة الفكر. (3) المجسة: آلة الحس. (4) السنة: النعاس. (5) اي سبق وجوده العدم. (6) عرف ان لا مشعر له: يعني انه تعالى لعلوه عن مرتبة المصنوع عرف ان لا مشعر له. (7) الجسو: المس. (8) الصرد: بفتح الصاد، وكسر الراء من يجد البرد سريعا، ومنه رجل مصراد لمن يشتد عليه البرد ولا يطيقه، مجمع البحرين. (9) سورة الذاريات: آية 49 والآية استشهاد للمضادة، والمعنى من كل شئ خلقنا ضدين كالامثلة المذكورة بخلافة تعالى فانه لا ضد له. (*)
[ 340 ]
له معنى الربوبية إذ لا مربوب (1) وحقيقة الالهية إذ لا مألوه (2) ومعنى العالم، ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية، كيف ولا تغيبه من، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع (3) انما تحد الادوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها (4) وفي الاشياء يوجد افعالها (5) منعتها قد الازلية (6) وجنبتها لولا التكملة افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت عن مباينها لما تجلى صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الاوهام، وفيها أثبتت غيره (7) ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الاقرار، وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالاقرار يكمل الايمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة، ولا معرفة إلا بالاخلاص ولا اخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع أثبات الصفات للتشبيه (8) فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه من صانعه لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولا متنع من الازل معناه. (1) المراد ان كل صفة كمالية في الوجود ثابته له تعالى بذاته إذ أنها حاصلة له من غيره وهذا مفاد " ان الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه ". (2) المراد انه تعالى هو المالك للتصرف، والعبد مألوه له تعالى يتصرف في شؤنه. (3) المراد انه كيف لا يستحق الخالق ان يكون قبل الخلق والحال انه تغيبه من التي هي لا بتداء الزمان عن فعله أي يكون فعله متوقفا على زمان حتى يكون غاليا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان، منتظرا لحضور ابتدائه، كما لا تقربه التي هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال: قد قرب وقت فعله، لانه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه، بل كل الاوقات سواء بالنسبة إليه، ولعل لا تحجبه عن مراده لعل التي هي للترجي لانه إذ يترجى شيئا، وانما أمر إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون كما لا توقته في مبادئ أفعاله متى، فلا يقال: متى علم متى قدر لان صفاته الكمالية ومبادئ أفعاله، ازلية كوجوده كما لا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفة وفعلا (حين) لانه فاعل الزمان، كما لا تقارنه بشئ (مع) إذ ليس معه شئ ولا في مرتبته شئ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق. (4) المراد انما يتقيد في الفعل والتأثير بالادوات امثالها في المحدودية والجسمانية. (5) الامور الممكنة هي التي تتأثر وتؤثر بالآلات واما الحق فمنزه عن ذلك. (6) المراد ان انصاف الاشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقييدها بها يمنعها من الاتصاف بالقدم والازلية. (7) اي في الاشياء أثبت الله التغيير والاختلاف وذلك بحسب حدودها الامكانية. (8) اي لا نفي لتشبيهة تعالى بالمخلوق مع اثبات الصفات الزائدة له اخذنا هذه التعاليق من هامش الكتاب وهي للسيد هاشم الحسيني الطهراني. (*)
[ 341 ]
ولما كان للباري معنى غير المبروء، ولو حد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء إذا لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول ديلا بعد ما كان مدلولا عليه ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إباءته عن الخلق ضيم إلا بامتناع الازلي أن يثني، وما لا بدء له أن يبدأ، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا، وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين " (1). وحوت هذه الخطبة العظيمة غوامض البحوث الفلسفية والكلامية، وقد ظهرت فيها القدرات العلمية الهائلة للامام الرضا (عليه السلام)، وانكشف للعباسيين زيغ ما ذهبوا إليه من عجز الامام وعدم قدرته على الخوض في البحوث العلمية، ومن المؤكد ان معظم المستمعين لخطاب الامام لم يفقهوا هذه المسائل الفلسفية التي عرضها الامام (عليه السلام)، والتي تناولت أهم قضايا التوحيد. الخطبة التي كتبها الامام للمأمون: وطلب المأمون من الامام الرضا (عليه السلام) أن يكتب له خطبة ليقرأها على الناس حينما يصلى بهم، فكتب (عليه السلام) له هذه الخطبة الجليلة وقد جاء فيها بعد البسملة: " الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا على صنع شئ استعان، ولا من شئ خلق، كما كون منه الاشياء، بل قال له: كن فيكون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الجليل عن منابذة الانداد، ومكابدة الاضداد، واتخاذ الصواحب، والاولاد وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، وأمينه المجتبى، أرسله بالقرآن المفصل، ووحيه، الموصل، وفرقانه المحصل، فبشر بثوابه، وحذر من عقابه، (صلى الله عليه وآله). أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكتمون، فان الله لم يتركم سدى، ولم يخلقكم عبثا، ولم يمكنكم هدى... الحذر، والحذر عباد الله فقد حذركم الله نفسه، فلا تعرضوا للندم، واستجلاب النقم، والمصير إلى (1) التوحيد (ص 34 - 41). (*)
[ 342 ]
عذاب جهنم، ان عذابها كان غراما، انها ساءت مستقرا ومقاما، لا تطفى، وعيون لا ترقى، ونفوس لا تموت، ولا تحيى في السلاسل والاغلال، والمثلات والنكال، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، ان الله كان عزيزا حكيما، نار احاط بها سرادقها، فلا يسمع لهم نداء، ولا يجاب لهم دعاء ولا يرحم لهم بكاء، ففروا عباد الله إلى الله بهذه الانفس الفانية، في الصيحة المتوالية، في الايام الخالية، من قبل أن ينزل بكم الموت، فيغصبكم أنفسكم، ويفجعكم بمهجكم، ويحول بينكم وبين الرجعة هيهات حضرت آجالكم، وختمت أعمالكم، وجفت أقلامكم، فلا للرجعة من سبيل، ولا إلى الاقامة من وصول عصمنا الله وإياكم بما عصم به اولياءه الابرار، وارشدنا واياكم لما ارشد له عباده الاخيار... " (1). وحفلت هذه الخطبة بالدعوة إلى فعل الخير، واجتناب الحرام والزهد في الدنيا، والتحذير من عذاب الله وعقابه. المأمون يطلب من الامام محاسن الشعر: وطلب المأمون من الامام (عليه السلام) ان ينشده أحسن ما رواه في الحلم، فقال (عليه السلام) أحسن ما رويته هذه الابيات: إن كان دوني من بليت بجهله * أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل وإن كان مثلي في محلي من النهي * هربت لحلمي كي أجل عن المثل وان كنت ادني منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدم والفضل واعجب المأمون بهذه الابيات وانبرى يقول: " من قائله ؟... ". " بعض فتياننا... ". وقال المأمون: أنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، فقال (عليه السلام) هذه الابيات: إني ليهجرني الصديق تجنبا * فاريه أن لهجره أسبابا وأراه ان عاتبته اعريته * فارى له ترك العتاب عتابا وإذا ابتليت بجاهل متحلم * يجد المحال من الامور صوابا اوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا (1) الدر النظيم ورقة 215. (*)
[ 343 ]
وبهر المأمون، وقال: ما أحسن هذا ؟ من قاله: فقال (عليه السلام): لبعض فتياننا، ثم قال المأمون: انشدني: أحسن ما رويته في استجلاب العدو وحتى يكون صديقا، فانشده الامام هذه الابيات: وذي غلة سالمته فقهرته * فاوقرته مني لعفو التحمل ومن لا يدافع سيئات عدوه * باحسانه لم يأخذ الطول من عل ولم ار في الاشياء أسرع مهلكا * لغمر قديم من وداد معجل (1) فقال المأمون: - ما أحسن هذا من قاله ؟ - قاله بعض فتياننا. - انشدني أحسن ما رويته في كتمان السر. فانشده: واني لانسى السر كي لا أذيعه * فيا من رأى سرا يصان بأن ينسى مخافة أن يجري ببالى ذكره * فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا فيوشك من لم يفش سرا وجال في * خواطره أن لا يطيق له حبسا (2) وراح المأمون يبدي اعجابه بما حفظه الامام (عليه السلام) من روائع الشعر رسالة الامام إلى ولده الجواد: وأرسل الامام الرضا (عليه السلام) من (خراسان) إلى ولده الامام الجواد هذه الرسالة وقد جاء فيها بعد البسملة: " فدتك نفسي بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من باب البستان الصغير، وانما ذاك من بخل بهم لئلا ينال أحد منك خيرا، فاسألك بحقي عليك، لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير، وإذا ركبت ان شاء الله فليكن معك ذهب وفضة لا يسألك أحد شيئا إلا اعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا، والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسين دينارا، والكثير إليك، ومن سألك من قريش فلا تعطه أقل من خمسة (1) الغمر: الحقد. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 174 - 175. (*)
[ 344 ]
وعشرين دينارا، والكثير إليك، اني انما أريد أن يوفقك الله، فاتق الله، واعط ولا تخف من ذى العرش اقتارا... " (1). أرأيتم هذه النفس الملائكية التي طبعت على البر والمعروف والاحسان إلى الناس... لقد كان الكرم عنصرا من عناصر الامام ومقوما من مقوماته، فقد حث ولده الجواد على صلة أرحامه، والبر بالبؤساء. لقد حكت هذه الرسالة لونا من الوان التربية الرفيعة لاهل البيت (عليهم السلام) فقد كانوا يربون ابنائهم على الشرف والفضيلة، ويغرسون في نفوسهم مكارم الاخلاق، ومحاسن الصفات، ليكونوا أمثلة للخير، وقدوة حسنة لهذه الامة. كتاب الحباء والشرط: نسب هذا الكتاب إلى الامام الرضا (عليه السلام)، وقد حفل بالثناء على الفضل بن سهل، والاشادة بجهوده الجبارة في اقامة ملك المأمون، ودحر الناهضين له من أخيه الامين وأبي السرايا وغيرهما، فقد بذل جميع طاقاته حتى قضى على تلك الثورات العارمة، وقد جزاه المأمون فمنحه الثراء العريض، ووهبه الاموال الطائلة، كما وهب مثل ذلك لاخيه الحسن بن سهل مجازاة لهما على عظيم اخلاصهما للمأمون، وها هو نص الكتاب بعد البسملة: " أما بعد: فالحمد لله البدئ الرفيع، القادر، القاهر، الرقيب على عباده المقيت على خلقه، الذي خضع كل شئ لملكه، وذل كل شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته، وتواضع كل شئ لسلطانه، وعظمته، واحاط بكل شئ علمه، واحصى عدده، فلا يؤوده كبير، ولا يعزب عنه صغير، الذي لا تدركه أبصار الناظرين، ولا تحيط به صفة الواصفين، له الخلق والامر والمثل الاعلى في السموات والارض، وهو العزيز الحكيم. والحمد لله الذي شرع للاسلام دينا، ففضله، وعظمه، وشرفه، وكرمه، وجعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه، ولا يهتدي من صرف عنه، وجعل فيه النور والبرهان، والشفاء والبيان، وبعث به من (1) الدر النظيم ورقة 215 - 216. (*)
[ 345 ]
اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله في الامم الخالية، والقرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) فختم به النبيين وقفى به على آثار المرسلين، وبعثه رحمة للعالمين، وبشيرا للمؤمنين المصدقين، ونذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة، وليهلك من هلك عن بينة، وان الله لسميع عليم. والحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة واستودعهم العلم والحكمة، وجعلهم معدن الامامة والخلافة، وأوجب ولايتهم، وشرف منزلتهم، فأمر رسوله بمسألة امته مودتهم إذ يقول: (قل لا اسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى) (1) وما وصفهم به من اذهاب الرجس عنهم، وتطهيره اياهم في قوله: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2). ثم أن المأمون بر برسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته، ووصل إرحام أهل بيته، فرد الفتهم، وجمع فرقتهم، ورأب صدعهم، ورتق فتقهم وأذهب الله به الضغائن والاحن بينهم، واسكن التناصر، والتواصل والمودة، والمحبة قلوبهم، فاصبحت بيمنه وحفظه، وبركته، وبره وصلته أيديهم واحدة، وكلمتهم جامعة، واهواؤهم متفقة، ورعى الحقوق لاهلها، ووضع المواريث مواضعها، وكافأ احسان المحسنين، وحفظ بلاء المبتلين، وقرب وباعد على الدين، ثم اختص بالتفضيل، والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه، فكان ذلك ذا الرياستين الفضل بن سهل، إذ رآه له موازرا، وبحقه قايما، وبحجته ناطقا، ولنقبائه نقيبا، ولخيوله قائدا، ولحروبه مدبرا ولرعيته سائسا، وإليه داعيا، ولمن أجاب إلى طاعته مكافيا، ولمن عدل عنها منابذا، وبنصرته متفردا، ولمرض القلوب والنيات مداويا، لم ينهه عن ذلك قلة مال ولا عواز رجال ولم يمل به الطمع، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل، بل عند ما يهول المهولون، ويرعد ويبرق له المبرقون والمرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين، من المجاهدين والمخاتلين أثبت ما يكون عزيمة، واجرأ جنانا، وانفذ مكيدة، واحسن (1) سورة الشورى: آية 20 قال العلامة: روى الجمهور في الصحيحين وأحمد بن حنبل في مسنده والثعلبي في تفسيره عن ابن عباس رحمه الله قال: لما نزلت (قل لا اسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين أوجبت علينا مودتهم ؟ قال: علي وفاطمة وابناهما. (2) سورة الاحزاب: آية 33، قال العلامة: أجمع المفسرون وروى الجمهور كاحمد بن حنبل وغيره أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). (*)
[ 346 ]
تدبيرا، واقوى في تثبيت حق المأمون، والدعاء إليه حتى غصم انياب الضلالة، وفل حدهم، وقلم اظفارهم، وحصد شوكتهم، وصرعهم مصارع الملحدين في دينهم، والناكثين لعهده، والوانين في أمره، والمستخفين بحقه الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه مع آثار ذي الرياستين في صنوف الامم من المشركين، وما زاد الله به في حدود دار المسلمين، مما قد وردت انباؤه عليكم، وقرئت به الكتب على منابركم، وحملة أهل لآفاق إليكم إلى غيركم فانتهى شكر ذي الرياستين بلاء امير المؤمنين عنده، وقيامه بحقه، وابتذاله مهجته، ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة، المحمود السياسة إلى غاية تجاوز بها الماضيين، وفاز بها الفائزون. وانتهت مكافأة امير المؤمنين إياه إلى ما حصل له من الاموال والقطايع، والجواهر، وان كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه، ولا بمقام من مقاماته، فتركه زهدا فيه، وارتفاعا من همته عنه، وتوفيرا له على المسلمين، واطراحا للدنيا، واستصغارا لها، وايثارا لآخرة ومنافسة فيها. وسأل امير المؤمنين ما لم يزل له سايلا، وإليه فيه راغبا من التخلي والتزاهد، فعظم ذلك عنده وعندنا، لمعرفتنا بما جعل الله عزوجل في مكانه الذي هو به من العز للدين والسلطان، والقوة على صلاح المسلمين، وجهاد المشركين، وما ارى الله به من تصديق نيته، ويمن نقيبته، وصحة تدبيره، وقوة رأيه، ونجح طلبته، ومعاونيه على الحق والهدى، والبر والتقوى، فلما وثق امير المؤمنين وثقنا منه، بالنظر للدين، وإيثار ما فيه صلاحه، واعطيناه سؤاله الذي يشبه قدره، وكتبنا له كتاب حباء وشرط، قد نسخ في أسفل كتابي هذا، واشهدنا الله عليه، ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد، والصحابة، والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة. وأمر امير المؤمنين بالكتاب إلى الآفاق ليذيع، ويشيع في أهلها ويقرأ على منابرها، ويثبت عند ولاتها وقضاتها، فسألني أن اكتب بذلك، وأشرح معانيه وهي على ثلاثة أبواب: ففي الباب الاول: البيان عن كل آثاره التي اوجب الله بها حقه علينا، وعلى المسلمين. الباب الثاني: البيان عن مرتبته في ازاحة علته في كل ما دبر، ودخل فيه ولا سبيل عليه، فيما
[ 347 ]
ترك وكره، وذلك لما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة إلا له وحده ولاخيه، ومن ازاحة العلة تحكيمها في كل من بغى عليهما وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى اوليائنا لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما، ولا معصية لها، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينهما. الباب الثالث: البيان عن عطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد، وحجة التحقيق لما سعى فيه من ثواب الآخرة بما يتقرر في قلب من كان شاكا في ذلك منه، وما يلزمنا له من الكرامة والعز والحباء الذي بذلناه له ولاخيه في منعهما ما نمنع منه انفسنا، وذلك محيط بكل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا... ". وانتهت هذه الكلمة، وقد اشادت بالجهود الجبارة التي بذلها الفضل بن سهل في توطيد حكومة المأمون، واقامة دولته، كما اشادته بنزاهته، ورفضه للجوائز والهبات الكثيرة، وطلبه للتقاعد، وقد رفض ذلك، وكانت هذه الكلمة مقدمة لكتاب الحباء والشرط، وهذا نصه بعد البسملة: " هذا كتاب حباء وشرط من عبد الله المأمون امير المؤمنين وولي عهده علي بن موسى الرضا لذي الرياستين الفضل بن سهل في يوم الاثنين لسبع ليال خلون من شهر رمضان سنة احدى ومائتين، وهو اليوم الذي تمم الله فيه دولة امير المؤمنين، وعقد لولي عهده، والبس الناس اللباس الاخضر، وبلغ أمله في اصلاح وليه، والظفر بعدوه انا دعوناك إلى ما فيه بعض مكافاتك، على ما قمت به من حق الله، تبارك وتعالى، وحق رسوله (صلى الله عليه وآله) وحق امير المؤمنين، وولي عهده على بن موسى، وحق هاشم التي بها يرجى صلاح الدين، وسلامة ذات البين بين المسلمين، إلى أن يثبت النعمة علينا وعلى العامة بذلك، وبما عاونت عليه امير المؤمنين من إقامة الدين والسنة، واظهار الدعوة الثانية وايثار الاولى، مع قمع المشركين، وكسر الاصنام، وقتل العتاة وساير آثارك الممثلة للامصار في المخلوع - وهو الامين - وقابل، وفي المسمى ب (الاصفر) المكنى بأبي السرايا، وفي المسمى بالمهدي محمد بن جعفر الطالبين، والترك الحوليه، وفي طبرستان وملوكها إلى بندار هرمز بن شروين، وفي الديلم وملكها (مهورس) وفي كابل وملكها هرموس ثم ملكها الاصفهيد، وفي ابن البرم، وحبال بدار بنده، وعرشستان، والغور واصنافها، وفي خراسان وبلون صاحب جبل التبت، وفي كيمان والتغرغر، وفي ارمينية والحجاز،
[ 348 ]
وصاحب السرير، وصاحب الخزر وفي المغرب وحروبه، وتفسير ذلك في ديوان السيرة. وكان ما دعواك إليه وهو معونة لك الف الف درهم، وغلة عشرة الف الف درهم جوهر اسواما اقطعك امير المؤمنين قبل ذلك، وقيمة ماءة الف الف درهم جوهرا يسيرا عندنا ما أنت له مستحق فقد تركت مثل ذلك حين بذله لك المخلوع، وآثرت الله ودينه، وانك شكرت امير المؤمنين وولي عهده، وآثرت توفير ذلك كله على المسلمين، وجدت لهم به. وسألتنا أن نبلغك الخصلة التي لم تزل لها تائقا من الزهد والتخلي ليصح عند من شك في سعيك للآخرة دون الدنيا وتركك الدنيا، وما عن مثلك يستغني في حال، ولا مثلك رد عن طلبه، ولو اخرجتنا طلبتك عن شطر النعيم علينا فكيف نأمر ؟ رفعت فيه المؤنة، واوجبت به الحجة، على من كان يزعم أن دعاك إلينا للدنيا لا للآخرة، وقد أجبناك إلى ما سألت به، وجعلنا ذلك لك مؤكدا بعهد الله وميثاقه اللذين لا تبديل لهما، ولا تغيير، وفوضنا الامر في وقت ذلك إليك، فما أقمت فعزيز مزاح العلة، مدفوع عنك الدخول فيما تكرهه، من الاعمال، كائنا ما كان، نمنعك مما نمنع به أنفسنا في الحالات كلها، وإذا اردت التخلي فمكرم، مزاح البدن، وحق لبدنك بالراحة والكرامة ثم نعطيك مما تتناوله، مما بذلناه لك في هذا الكتاب، فتركته اليوم. وجعلنا للحسن بن سهل مثل ما جعلناه لك، فنصف ما بذلناه من العطية، وأهل ذلك هو لك، وبما بذل من نفسه في جهاد العتاة، وفتح العراق مرتين، وتفريق جموع الشيطان بيده حتى قوى الدين، وخاض نيران الحروب، ووقنا عذاب السموم بنفسه وأهل بيته، ومن ساس من اولياء الحق، وأشهدنا الله وملائكته وخيار خلقه، وكل من أعطانا بيعته، وصفقة يمينه في هذا اليوم وبعده على ما في هذا الكتاب، وجعلنا الله علينا كفيلا، وأوجبنا على أنفسنا الوفاء بما اشترطنا من غير استثناء بشئ ينقصه في سر ولا علانية، والمؤمنون عند شروطهم، والعهد فرض مسؤول وأولى الناس بالوفاء من طلب من الناس الوفاء، وكان موضعا للقدرة قال الله تعالى: (واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون) (1). (1) سورة النحل: اية 91. (*)
[ 349 ]
وانتهت هذه الوثيقة التي عرفت بوثيقة الحباء والشرط وقد وقع عليها المأمون، والامام الرضا (عليه السلام). توقيع المأمون: وقد جاء فيه بعد البسملة: " قد أوجب امير المؤمنين على نفسه جميع ما في هذا الكتاب، واشهد الله تعالى، وجعله عليه داعيا وكفيلا " وكتب بخطه في صفر سنة (202) تشريفا للحباء، وتوكيدا للشروط. توقيع الامام الرضا: وجاء في توقيع الامام (عليه السلام) بعد البسملة " قد الزم على بن موسى الرضا نفسه بجميع ما في هذا الكتاب، على ما أكد فيه، في يومه وغده ما دام حيا، وجعل الله تعالى عليه داعيا وكفيلا، وكفى بالله شهيدا ". وكتب بخطه في هذا الشهر - اي صفر - وفي هذه السنة - اي سنة (202 ه) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم، وحسبنا الله، ونعم الوكيل (1). وانتهت هذه الوثيقة، وقد حكت صورا رهيبة من لاضطراب السياسي الذي منيت به البلاد الاسلامية، فقد أنتشرت فيها الثورات الشعبية، وعمت فيها الفتن، وهذا مما يؤكد بعض المصادر من أن عصر المأمون كان عصر فتن، واضطراب وقد اخمد هذه الثورات، واستأصل جذورها الفضل بن سهل، فقد كان خبيرا، ومضطلعا باخماد الثورات وقد اريقت انهار من الدماء، وانتشر الحزن والحداد في معظم االقطار الاسلامية، ومن الطبيعي ان تلك الثورات كانت ناجمة عن الظلم والجور، السائدين في ذلك العصر، فقد ساس العباسيون العالم الاسلامي سياسة قائمة لا بصيص فيها من نور العدل والحق وعلى أي حال فان هذه الوثيقة بقسيمتها لم تكن من انشاء الامام الرضا (عليه السلام)، وانما كانت من انشاء الجهاز الحاكم واعوانه، ونسبت إلى الامام الرضا، لتكسب الجهة الشرعية، وتكون غير قابلة للنقض ويدعم ذلك ما يلي: اولا - ان هذه الوثيقة قد منحت الملايين من الاموال إلى الفضل بن سهل، ووهبته (1) عيون أخبار الرضا 2 / 154 - 159. (*)
[ 350 ]
الثراء العريض جزاء لخدماته للمأمون وقمعه للثورات المعادية له، ومن الطبيعي أن تلك الاموال انما هي من الخزينة المركزية التي هي ملك لجميع المسلمين، ومما لا شبهة فيه أنه لا يجوز التفريط باقل القليل من أموال المسلمين ولا يجوز أن تعطى مكافأة أو غير ذلك إلى أي شخص، وانما يجب انفاقها على صالح المسلمين وتطوير حياتهم، وانعاشهم ونشر الرخاء عليهم، فكيف جاز للامام ان يجيز ذلك ويقر منح هذه الاموال للفضل. ثانيا: ان هذه الوثيقة قد حوت آيات من المدح والثناء على المأمون والفضل بن سهل، والطعن في ثورة أبي السرايا وثورة جعفر بن محمد الطالبين، وكل ذلك ليس من خلق الامام الرضا (عليه السلام)، فهو لا يمدح أحدا حتى يكون جديرا بالمدح والثناء، ولا يذم كذلك أحدا حتى يكون جديرا بالذم والتوهين، كانت هذه سيرته ومنهجه، فكيف يمنح المأمون هذا الثناء، وكيف يمدح هذا الفضل بهذا المدح ؟ مع العلم انه سلام الله عليه كان يكن في اعماق نفسه ودخائل ذاته الكراهية والبغضاء لهما، وذلك لعلمه بما انطوت عليه نفوسهما من الشر، والحقد عليه، وانما قام المأمون بتكريم الامام ومنحه ولاية العهد لمناورة سياسية لم تكن خافية عليه. ثالثا: إن هذه الوثيقة تتنافى مع ما اشترطه الامام (عليه السلام) على المأمون في قبوله لولاية العهد أن لا يتدخل في أي أمر من أمور الدولة، ويكون بمعزل عن جميع الاحداث السياسية، فكيف يتدخل في أمر الفضل، ويجازيه على اخلاصه للمأمون، وعلى سعيه في اخماد الثورات الملتهبة التي اندلعت ضد المأمون ؟ ! !. هذه بعض المؤاخذات التي تواجه نسبة هذه الوثيقة للامام الرضا (عليه السلام). مع أخيه زيد: وانضم زيد إلى الثورة التي اعلنها أبو السرايا داعية محمد بن ابراهيم الحسني، وقد قلد زيدا ولاية (الاهواز)، فسار إليها ليتولى مهام منصبه، فاجتاز على (البصرة)، وكانت خاضعة للحكم العباسي فأحرق دور بني العباس، ومن أجل ذلك لقب بزيد النار، ولما فشلت ثورة أبي السرايا، واستتر زيد فطلبه الحسن بن سهل فظفر به، فحسبه، ولم يزل في الحبس حتى ظفر ابراهيم شيخ المغنيين المعروف بابن شكلة، فهجم البغداديون على السجن، واخرجوا زيدا من السجن، ومضى إلى يثرب، ودعا
[ 351 ]
لبيعة محمد بن جعفر فبعث المأمون جيشا فقضى على ثورة، وأسر زيد وجئ به مخفورا إلى المأمون فقال له: " يا زيد خرجت بالبصرة، وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من أمية وثقيف، وغنى، وباهلة، وآل زياد، وقصدت دور بني عمك - يعني بني العباس - ". فقال له زيد بمرح: " يا امير المؤمنين أخطأت من كل جهة، وان عدت للخروج بدأت باعدائنا ". وضحك المأمون، وبعثه إلى الامام الرضا (عليه السلام) وقال له: وقد وهبت لك جرمه فأحسن ادبه (1) ولما مثل أمام الامام (عليه السلام) قال له: ويلك يا زيد، فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت، وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لاشد الناس عليك رسول الله (ص) يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله أن يعطي به... ". ولما انتهى كلام الامام إلى المأمون بكى، وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله (ص) (2). مع اخته فاطمة: وكتب الامام الرضا (عليه السلام) وهو في (خراسان) إلى السيدة الزكية فاطمة المعروفة بالسيدة معصومة أن تلحق به، فقد كانت أثيرة عنده، عزيزة عليه، ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت وسافرت إليه (3) ولما وصلت إلى (ساوه) مرصت فسألت عن المسافة بينها وبين (قم) فقيل لها: عشرة فراسخ فأمرت بحملها إلى (قم)، فحملت إليها، ونزلت في بيت موسى بن خزرج بزمام ناقتها، واقدمها إلى داره فبقيت عنده سبعة عشر يوما ثم انتقلت إلى حظيرة القدس، فقام موسى بتجهيزها، ودفنها في ارض كانت له، وبنى على مرقدها الطاهر (1) تنقيح المقال 1 / 471. (2) مرآة الجنان 2 / 13. (3) جوهرة الكلام (ص 146). (*)
[ 352 ]
سقيمة من البواري إلى ان بنت عليها السيدة زينب بنت محمد بن علي الجواد قبة (1) واصبح مرقدها الطاهر من اعز امكنة العبادة، والمراقد المطهرة في الاسلام، كما اصبحت تلك المدينة المقدسة جامعة من جوامع العلم، ومركزا من مراكز الثقافة في الاسلام. ويقول الحسن بن محمد القمي: كنت عند الامام الصادق (عليه السلام) فقال: " ان لله حرما وهو مكة ولرسوله (ص) حرما، وهو المدينة، ولامير المؤمنين حرما وهو الكوفة ولنا حرما وهو (قم)، وستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة، من زارها وجبت له الجنة (2) وقد اعلن الامام الصادق (عليه السلام) ذلك قبل ولادتها. صلاة العيد: وطلب المأمون من الامام الرضا (عليه السلام) أن يصلى بالناس صلاة العيد، ويخطب بعد الصلاة، لتطمئن بذلك قلوب العامة، ويعرفوا فضله، فامتنع الامام من اجابته، وقال له: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط، وهي عدم تدخله في أي أمر من الامور، فقال المأمون: انما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند، والشاكرية هذا الامر فتطمئن قلوبهم، ويقروا لما فضلك الله به، واصر المأمون عليه، فاضطر إلى إجابته، ولكنه شرط عليه أن يخرج إلى الصلاة كما كان يخرج جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجده الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت، وأوغر المأمون إلى القوات المسلحة، والى سائر الناس باستقبال الامام الرضا (عليه السلام) وخرجت الجماهير تنتظر خروج الامام وقد غصت بهم الطرقات وأشرفوا من اعلى منازهم، ولما طلعت الشمس قام الامام فاغتسل، ولبس عمامة بيضاء والقى طرفا منها على صدره الشريف، وطرفا بين كتفه، وأمر مواليه ان يصنعوا مثل صنعه، ثم أخذ بيده عكازة، وخرج بتلك الحالة التي تعنو لها الجباه، ورفع رأسه الشريف إلى السماء فكبر اربع تكبيرات، وقد تهيأ الجيش، وتزين باحسن زينة، ثم وقف على الباب فكبر اربعا وقال: " الله اكبر على ما هدانا، الله اكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام الحمد لله على ما أبلانا... ". (1) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 439. (2) تحفة العالم (ص 36) البحار. (*)
[ 353 ]
وضجت الارض بالتكبير، وماج الناس، وعلت اصواتهم بالتكبير وتذكروا في صورة الامام (عليه السلام) صورة جده الرسول (ص) الذي طور الحياة الفكرية في الارض، وتبين لهم زيغ اولئك الملوك الذين حكموهم بالظلم والجور. وكان الامام العظيم سلام الله عليه يمشي على قدميه، ويقف في كل عشر خطوات، ويكبر الله تعالى اربع مرات، وتخيل الناس ان السماء والارض، والحيطان تجاوبه، وصارت (مرو) ضجة واحدة، وبلغ المأمون ذلك فارتاع، وفزع، وانبرى إليه الفضل بن سهل فقال له: " يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع... ". وبعث المأمون بعض جلاوزته إلى الامام فسأله الرجوع، فدها (عليه السلام) بخفة فلبسه ورجع من دون أن يصلي بالناس (1) وقد اظهرت هذه البادرة روحانية الامام، وزهده في الدنيا، ورفضه لمباهج الملك والسلطان، ويصف البحري خروج الامام (عليه السلام) إلى الصلاة بهذه الكيفية بقوله: ذكروا بطلعتك النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا حتى انتهيت إلى المصلى لابسا * نور الهدى يبدو عليك فيظهر ومشيت مشية خاضع متواضع * لله لا يزهو ولا يتكبر ولو ان مشتاقا تكلف غير ما * في وسعه لمشى إليك المنبر (2) ويقول الرواة: إن خروج الامام إلى الصلاة بهذه الكيفية كانت من أهم العوامل التي ادت إلى حقد المأمون على الامام، واقدامه على اغتياله. استسقاء الامام: وحبس المطر عن الناس، فعزى ذلك بعض الحادقين على الامام (عليه السلام) ذلك إلى توليه ولاية العهد، وأخذوا يذيعون ذلك وينشرونه في الاوساط الشعبية للطعن بشخصية الامام (عليه السلام) وبلغ المأمون ذلك، فثقل (1) اصول الكافي 1 / 189 - 190 عيون اخبار الرضا 2 / 150 - 151 المناقب 4 / 371 - 372، كشف الغمة. (2) المناقب 4 / 372. (*)
[ 354 ]
عليه، وعرض ذلك على الامام وطلب منه أن يدعو الله تعالى لينزل المطر على الناس، فأجابه الامام: إني افعل ذلك يوم الاثنين، فقال له المأمون: ولم ذلك، فقال (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة، ومعه امير المؤمنين علي (عليه السلام)، وقال: يا بني انتظر بوم الاثنين، فابرز إلى الصحراء واستسق، فان الله تعالى سيسقيهم، واخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون من حالهم ليزدادوا علما بفضلك ومكانك من ربك عزوجل... ". وانتظر المأمون، وباقي حاشيته الاثنين، وقد أوعز إلى جميع الاوساط الشعبية بالخروج إلى الصحراء يوم الاثنين ولما حل هذا اليوم هرعت الناس إلى الصحراء، وخرج الامام (عليه السلام) وعليه هيبة الانبياء فلما انتهى إلى الصحراء نصب له منبر وقد حفت به الجماهير، وقد علت اصواتهم بالتهليل والتكبير. دعاء الامام: واعتلى الامام المنبر فحمد الله تعالى، واثنى عليه، ثم قال: " اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت، فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك، ورحمتك، وتوقعوا احسانك، ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا، عاما، غير رايث (1) ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم... وأصاف الامام قائلا: " فو الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق نبيا، لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم، وارعدت وأبرقت... ". ولما سمعت الجماهير كلام الامام ارادت الرجوع إلى أهلها لئلا يصيبهم المطر، فقال (عليه السلام): ليست هذه السحابة التي اطلت عليكم لكم، وانما هي لبلد وسماه لهم. وهكذا اطلت على الجماهير عشر سحب متوالية، ويخبر الامام عن كل سحابة انها تهطل في بلد وسماه، واطلت السحابة الحادية عشر، فقال (عليه السلام): (1) غير رايت: أي غير بطئ. (*)
[ 355 ]
" ايها الناس: هذه سحابة بعثها الله عز وجل لكم، فاشكروا الله على تفضله عليكم، وقوموا إلى مقاركم، ومنازلكم، فانها مساقة لكم، ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله.. ". ثم نزل من على المنبر، وسارعت الجماهير إلى بيوتها، فلما انتهت إليها هطلت السحابة بوابل من المطر لم يسبق له مثيل فملئت الاودية والحياض، والغدران، والفلوات. وايقن الناس بكرامة أهل البيت، وما لهم من المنزلة الوثيقة عند الله تعالى، وقالوا: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامات الله عزوجل لهم، وكانت هذه الكرامة من كرامات هذا الامام العظيم. خطاب الامام: وخطب الامام (عليه السلام) في حفل كبير حاشد على أثر هذه الكرامة فقال (عليه السلام): " أيها الناس: اتقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته، وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله تعالى بشئ بعد الايمان بالله، وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أحب إليه من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فان من فعل ذلك من خاصة الله تبارك وتعالى وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله عليه فيه ان تأمله وعمل عليه ؟ قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت، وكيت، فقال رسول الله: بل قد نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله عنه السيئات، ويبدلها حسنات، انه كان يمر مرة في طريق، عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر فسترها عليه، ولم يخبره فخافة أن يخجل، ثم ان ذلك المؤمن عرفه في مهواه (1) فقال له: اجرل الله لك الثواب واكرم لك المآب، ولا ناقشك في الحساب، فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم الله له إلا بخير بدعاء ذلك (1) المهواة: المطمئن من الارض ما بين جبلين. (*)
[ 356 ]
المؤمن، فاتصل قول رسول الله (ص) بهذا الرجل فتاب وأناب، وأقبل على طاعة الله عزوجل، فم تأت سبعة أيام حتى اغير على سرح (1) المدينة، فوجه رسول الله (ص) في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد... ". وانتهى خطاب الامام، وقد حفل بالدعوة إلى تقوى الله تعالى والتعاون والتآلف بين المسلمين، واعتبر ذلك من افضل الطاعات والقربات إلى الله تعالى. وعتاب وتحذير: وتحدثت الاندية والمجالس عن استسقاء الامام (عليه السلام) وهطول الامطار الغزيرة بدعائه، وقد ورمت أنوف العباسيين وعملائهم، وتميزوا غيظا وغضبا فقد ظهر فضل العلويين، وما لهم من المنزلة العظيمة عند الله تعالى وقد اشتد وغد خبيث كالكلب نحو المأمون، وجعل يعاتبه، ويحذره من عقده ولاية العهد للامام وظهور هذه الكرامة له قائلا: " يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تكون تأريخ الخلفاء (2) في اخراجك هذا الشرف العميم، والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي. لقد اعنت على نفسك وأهلك، وجئت بهذا الساحر، ولد السحرة، وقد كان خاملا فاظهرته، ومتضعا فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفا فنوهت به، وقد ملا الدنيا مخرقة (3) وتشوقا بهذا المطر الوارد عند دعائه، وما أخوفني ان يخرج هذا الرجل هذا الامر عن ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى ازالة نعمتك، والتواثب (4) على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك ؟... ". وحكى هذا منطق الجاهلية الرعناء التي حكمت على الرسول الاعظم انه ساحر، وذلك لظهور المعاجز والآيات على يده، وكذلك حكموا على حفيده بهذا الحكم.... ولنستمع إلى جواب المأمون: (1) السرح: المال السائم. (2) قوله: أن تكون تأريخ الخلفاء: كناية عن عظيم الواقعة وهي عقده بولاية العهد للامام، وانها ستكون موضع تأريخ للناس، ويحتمل أن يكون المراد أنت اخر الخلفاء. (3) المخرقة: الشعبذة. (4) وفي نسخة البحار (الريث). (*)
[ 357 ]
" وقد كان هذا الرجل - يعني الامام - مستترا عنا، يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، وليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتنونون به انه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وان هذا الامر لنا من دونه، وقد خشينا ان تركناه على تلك الحالة ان ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا منه ما لا نطيقه، والآن فإذ قد فعلناه، واخطأنا في أمره بما أخطأنا، واشرفنا من الهلاك بالتنويه على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا، قليلا، حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق لهذا الامر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه... " (1). لقد كشف المأمون الغطاء عن الدوافع التي دعته لعقد ولاية العهد للامام (عليه السلام) وهي: أولا - ان الامام (عليه السلام) كان يدعو الناس إلى نفسه سرا وبتقليده لولاية العهد يكون دعاؤه للمأمون، ويعترف بملكه وخلافته. ثانيا: انه اراد أن يظهر للملا أن الامام (عليه السلام) لم يكن زاهدا في الحكم، ومبتغيا الدار الآخرة. وقد اعترف أخيرا بالخطأ في ترشيحه لهذا المنصب، وانتدابه للقيام بالاستسقاء وغيره التي ظهرت روحانيته، وعظيم مكانته عند الله، ولكنه سوف يبغي له الغوائل، ويكيده حتى يقضى عليه. خشية المأمون من الامام: وخشى المأمون من الامام، وفزع من التفاف الجماهير حوله، وخاف على ملكه من الزوال، فقد استبان للناس فضل الامام (عليه السلام) وروحانيته، وانه هو القادر على أن يبسط العدل السياسي، والعدل الاجتماعي في ربوعهم، وان بني العباس لا لايقة لهم لزعامة الامة والتحكم في سلطان المسلمين. قرارات هامة: وأخذ المأمون يطيل التفكير، ويقلب الرأي على وجوهه مع مستشاريه للتخلص من الامام، فاتخذ من القرارات ما يلي: (1) عيون أخبار الرضا 2 / 169 - 170. (*)
[ 358 ]
أولا: عقد المؤتمرات العلمية التي تضم كبار علماء الدنيا لامتحان الامام لعله يعجز عن الاجابة فيتخذ من ذلك وسيلة للطعن في شخصية الامام، وابطال مذهب التشيع الذي ينص على ان الامام لا بد أن يكون اعلم أهل عصره، كما انه إذا عجز الامام فانه يكون في فسحة من عزله عن ولاية العهد. وقد فشلت هذه الخطة فشلا ذريعا، فقد حلق الامام، وارتفع صيته، واقرت جميع الوفود العلمية التي سألته بأنه يملك طاقات هائلة من العلوم لا تحد، وانه فوق العلماء في مواهبه وعبقرياته الامر الذي اوجب أن يقر باماته طائفة من كبار العلماء الذين امتحنوه. ثانيا: فرض الرقابة عليه، واحاطته بقوى مكثفة من الامن تحصي عليه انفاسه، وقد اسندت مديرية الرقابة التي تشرف عليه إلى هشام بن ابراهيم الراشدي الهمداني، وكان ابراهيم فيما يقول الرواة عالما اديبا، وكانت أمور الامام الرضا (عليه السلام) قبل ان يحمل إلى (خراسان) تجري من عنده وعلى يده، كما ان الاموال التي كانت ترسل إلى الامام كانت تبعث على يده، ولما حمل الامام إلى (خراسان) اتصل ابراهيم بذي الرياستين فاغراه بالمنصب والاموال، فتغلب هواه على دينه فانحرف عن الحق، فصار عينا على الامام فجعل ينقل جميع أخباره وشؤونه إلى الفضل والى المأمون، وقد اسند إليه المأمون حجابة الرضا، فكان لا يصل إليه إلا من أحب، وضيق على الامام غاية التضييق، وكان لا يتكلم بشئ قل أو كثر إلا أورده على المأمون وعلى وزيره الفضل (1) وبذلك فقد سيطر المأمون على جميع شؤون الامام، وعرف جميع من يتصل به. ثالثا: طرد الشيعة من الحضور في مجالس الامام والاستماع إلى حديثه، وقد عهد المأمون للقيام بذلك إلى حاجبه محمد بن عمرو الطوسي فطرد الشيعة، وزبرهم من الالتقاء بالامام (عليه السلام)، وقد قابل المأمون الامام بشراسة فغضب (عليه السلام)، وقام فصلى ركعتين، وقال في قنوته: " اللهم يا ذا القدرة الجامعة والرحمة الواسعة، والمنن والمتتابعة والآلاء والمتوالية، والايادي الجميلة، والمواهب الجزيلة، يا من لا يوصف بتمثيل، ولا يمثل بنظير، يا (1) عيون أخبار الرضا 2 / 153. (*)
[ 359 ]
من خلق فرزق، والهم فانطق وابتدع فشرع، وعلا فارتفع، وقدر فأحسن، وصور فأتقن، واجنح فابلغ، وانعم فاسبغ، واعطى فاجزل، يا من سما في العز ففات خواطف الابصار، ودنا في اللطف فجاز هواجس الافكار. يا من تفرد بالملك فلا ندله في ملكوت سلطانه، وتوحد بالكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه، يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الاوهام، وحسرت دون ادراك عظمته خطايف أبصار الانام، يا عالم خطرات قلوب العارفين وشاهد لحظات أبصار الناظرين، يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لجلالته، ووجلت القلوب من خيفته، وارتعدت الفرايض من فرقه، يا بدئ يا بديع، يا قوي يا منيع، يا علي، يا رفيع، صلى على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه، وانتقم لي ممن ظلمني، واستخف بي، وطرد الشيعة عن بابي وأذقه مرارة الذل والهوان كما اذاقنيها، واجعله طريد الارجاس وشريد الانجاس... " (1). واستجاب الله دعاء الامام (عليه السلام) فقد ثارت الغوغاء على المأمون حتى كادت أن تقضى عليه ولاقى من الرعب والهوان ما لا يوصف. وقام المأمون مرة أخرى بطرد الشيعة، وحاول النكاية بالامام فلما علم (عليه السلام) بذلك قام فاغتسل وصلى ركعتين ودعا في قنوته بهذا الدعاء: " اللهم أنت الله الحي، القيوم، الخالق، الرازق، المحي المميت، البدئ، البديع، لك الكرم، ولك الحمد، ولك المن، ولك الامر، وحدك لا شريك لك، يا واحد، يا أحد يا فرد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد صل على محمد وآل محمد... ". ثم دعا الله بصرف ما أهمه، فكشف عنه كيد المأمون وبغيه (2). عدم محاباة الامام للمأمون: ولم يجار الامام (عليه السلام) المأمون، ولم يصانعه، وانما وقف منه موقفا يتسم بالجد والصراحة، والنقد اللاذع لبعض اعماله وكان المأمون يتميز غيظا، ويكتم ذلك، مجاراة للامام (عليه السلام) وكان من بين مواقفه مع المأمون ما يلي: (1) عيون أخبار الرضا 2 / 172 - 173. (2) هامش المصباح (ص 293). (*)
[ 360 ]
1 - ان المأمون لما عرض الخلافة على الامام، وقال له: إني رأيت أن اعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك، وأبايعك... ". وانظروا إلى صراحة الامام في جوابه قال (عليه السلام): " إن كانت هذه الخلافة لك، والله جعلها لك فلا يجوز أن تخلع لباسا البسكه الله، وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك... " (1). ارأيتم هذا المنطق الفياض، والحجة الدامغة الحافلة بالحق والصدق، وقد فقد المأمون إهابه، فلم يدر ماذا يقول فالتجأ إلى الصمت والسكوت. 2 - ولما امتنع الامام عليه من قبول الخلافة عرض عليه المأمون ولاية العهد، فاجابه بهذا الجواب قائلا: " تريد بذلك - أي بتقليده لولاية العهد - أن يقول الناس: ان علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد ؟... ". والتاع المأمون، وورم أنفه، وصاح بالامام (عليه السلام) قائلا: " إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد، وإلا اجبرتك على ذلك، فان فعلت وإلا ضربت عنقك... " (2). ان الامام (عليه السلام) في جميع خطواته واعماله قد آثر رضى الله تعالى، فلم يحاب أحدا، ولم يصانع مخلوقا، ولو صانع المأمون وتقرب إليه، وارضى عواطفه لما قدم المأمون على اغتياله وقتله. 3 - وكان من صراحة الامام (عليه السلام) وعدم محاباته للمأمون أن المأمون قال له: " يا أبا الحسن إني فكرت في شئ، فنتج لي الفكر الصواب فيه، فكرت في أمرنا وأمركم، نسبنا ونسبكم، فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية... ". (1) عيون اخبار الرضا 2 / 139. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 140. (*)
[ 361 ]
فقال له الامام: " إن لهذا الكلام جوابا، إن شئت ذكرته لك، وإن شئت امسكت... ". وسارع المأمون قائلا: " إني لم أقله إلا لاعلم ما عندك منه... ". وانبرى يقيم له الحجة على أن العلويين أحق بالنبي، وأقرب إليه من العباسيين قائلا: " أنشدك بالله يا أمير المؤمنين، لو ان الله تعالى بعث نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها ؟ فقال المأمون: " يا سبحان الله ! ! وهل أحد يرغب عن رسول الله (ص) ؟. وبادر الامام الرضا قائلا: " افتراه كان يحل له أن يخطب إلي ؟... ". وافحم المأمون ولم يجد منفذا يسلك فيه لتبرير قربهم من النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد اقام الامام حجة دامغة لا مجال لانكارها والشك فهم ابناء بنته البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وابناؤها ابناؤه، وراح المأمون يقول: " انتم والله امس برسول الله رحما... " (1). وليس استحقاق أهل البيت للخلافة باعتبار أنهم الصق الناس برسول الله (ص) وأقربهم إليه، وانما لمواهبهم وعبقرياتهم ودراياتهم بما تحتاج إليه الامة في جميع مجالاتها الادارية والاقتصادية. الامام يرفض تعيين الولاة: وعرض المأمون على الامام الرضا (عليه السلام) تعيين من يشاء ويختار ليكون واليا على بعض الاقاليم الاسلامية، ورفض الامام (عليه السلام) الاستجابة لهذا الطلب، وقال له: " إني انما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر ولا أنهى، ولا اعزل ولا أشير حتى (1) كنز النوائد (ص 166). (*)
[ 362 ]
يقدمني الله قبلك، فوالله إن الخلافة لشئ ما حدثت به نفسي، ولقد كنت بالمدينة اتردد في طرقها على دابتي، وان أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون كالاعمام لي وان كتبي لنافذة في الامصار، وما زدتني من نعمة هي على من ربي " (1). لقد رفض الامام (عليه السلام) رفضا تاما التدخل في أي شأن من شؤون الدولة، وذلك للتدليل على عدم شرعية دولة المأمون، وانه انما دخل فيها عن كره واجبار. الامام يخبر بعدم دخوله بغداد: وقال المأمون للامام الرضا (عليه السلام) ندخل بغداد، وعرض عليه ما يفعله فيها، فقال (عليه السلام) له: تدخل أنت بغداد، وسمع بعض الشيعة هذا الكلام ففزع لانه يؤذن بعدم دخول الامام إلى بغداد، واختلى بالامام، وقال له: إني سمعت شيئا غمني، وذكر له ما قاله الامام، فقال (عليه السلام) له: " ما أنا وبغداد، لا أرى بغداد، ولا تراني... " (2). وكان ذلك من دلائل امامته، فانه لم يفارق (خراسان)، حتي اغتاله المأمون، ولم ير بغداد. الامام والفضل بن سهل: أما الفضل بن سهل (3) فهو أقوى شخصية في دولة المأمون، ويتمتع (1) عيون اخبار الرضا 2 / 166 - 167. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 224 - 225. (3) الفضل بن سهل السرخسي أسلم على يد المأمون سنة (190 ه) وكان من أخبر الناس بعلم النجوم، وقد طلب المأمون من والدة الفضل أن ترسل إليه بما خلفه ابنها فارسلت إليه صندوقا صغيرا مختوما ففضه، فإذا فيه درج، وفي الدرج رقعة من حرير مكتوب فيها بخطه بعد البسملة هذا ما قضى الفضل بن سهل على نفسه، قضى انه يعيش 48 سنة ثم يقتل ما بين ماء ونار، وقد عاش هذه المدة، ثم قتله غالب خال المأمون بسرخس، ومن بديع ما قاله ابراهيم بن العباس الصولي في مدحه: لفضل بن سهل يد * تقاصر عنها المثل فنائلها للغني * وسطوتها للاجل وباطنها للندى * وظاهرها للقبل = ويقول في مدحه ابو محمد عبد الله بن محمد: (*)
[ 363 ]
بصلاحيات واسعة النطاق، فقد سيطر على جميع أجهزة الدولة فكان دوره في حكومة المأمون كدور البرامكة أيام هارون الرشيد وكان ماهرا في الشؤون السياسية، ويقول فيه إبراهيم بن العباس: وإذا الحروب غلت بعثت لها * رأيا تفل به كتائبها رأيا إذا نبت السيوف مضى * عزم به فشفى مضاربها أجرى إلى فئة بدولتها * وأقام في أخرى نوادبها (1) وحكى هذا الشعر عن مهارة الفضل في الشؤون السياسية، وانه برأيه يستطيع أن يقضي على دولة ويقيم أخرى كما فعل في اسقاط دولة الامين، وإقامة دول المأمون. وعلى أي حال فقد كان الفضل أحد المفاوضين للامام الرضا (عليه السلام) في قبوله لولاية العهد، وقد هدد الامام، وتوعده ان رفض ذلك ونعرض فيما يلي إلى بعض شؤون الامام (عليه السلام) معه. عرض كاذب لاغتيال المأمون: وقام الفضل بن سهل وهشام بن ابراهيم بعملية لخداع الامام الرضا (عليه السلام) والقضاء عليه، فقد طلبا منه أن يخلي مجسله من كل أحد، ليفوضاه في سر، واخلي الامام مجلسه، فاخرج الفضل يمينا مكتوبة بالعتق والطلاق، وما لا كفارة له، وقالا له: " إنما جئناك لنقول كلمة الحق والصدق، وقد علمنا ان الامرة امرتكم، والحق حقكم يا بن رسول الله، والذي نقوله بألسنتنا عليه ضمائرنا، إلا ينعتق ما نملك، والنساء طوالق، وعلينا ثلاثون حجة راجلين، على أن نقتل المأمون، ونخلص لك الامر، حتى يرجع الحق إليك... ". = لعمرك ما الاشراف في كل بلدة * وإن عظموا للفضل إلا صنائع ترى عظماء الناس للفضل خشعا * إذا ما بدا والفضل لله خاشع تواضع لما زاده الله رفعة * وكل جليل عنده متواضع واصيب الفضل بابن يقال له العباس فجزع عليه جزعا شديدا فدخل عليه ابراهيم نجل الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) فعزاه وانشده. خير من العباس أجرك بعده * والله خير منك للعباس فقال له الفضل صدقت، وجاء ذلك في وفيات الاعيان 3 / 209 - 211. (1) الاغاني 9 / 31 - 32. (*)
[ 364 ]
ولم يخف على الامام خداعيهما، زويف قوليهما، فلو كانا صادقين في القول لقاما بذلك، قبل أن يفاوضا الامام، وهما يعلمان انه (عليه السلام) يرفض كل محاولة لا يقرها الاسلام، والتي منها عملية الاغتيال، فزجرهما، وقال لهما: " كفرتما النعمة، فلا تكون لكما السلامة، ولا لي إن رضيت بما قلتما... ". وبادرا نحو المأمون فاخباره بمقالة الامام فجزاهما خيرا، وسارع الامام نحو المأمون، واعلمه بالامر، وذلك لتبرير ساحته، وتبين للمأمون ان الامام لا يضمر له سوءا (1) واكبر الظن ان هذه العملية كانت بتدبير من المأمون للاطلاع على نوايا الامام تجاهه. وشاية بالامام: وعرضت البحوث الواعية في دراسة التأريخ الاسلامي إلى أن الفضل بن سهل لم يكن علوي الفكر (2) فقد قام بخطوات رهيبة معادية للامام الرضا (عليه السلام)، والتي كان منها وشايته بالامام إلى المأمون، فقد قال له: " إنك جعلت ولاية العهد لابي الحسن، وأخرجتها من بني أبيك والعامة، والعلماء، والفقهاء، وآل عباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك... " (3). ارأيتم كيف حرض الفضل على النكاية بالامام، والوشاية به فقد ملا قلب المأمون حقدا وكراهية للامام (عليه السلام). معارضته للامام: وكان الفضل شديد المعارضة للامام، فإذا ذهب الامام إلى رأي عاكسه، ودعا المأمون إلى نقضه، وكان ذلك ما نقله الرواة ان المأمون دخل على الامام، وقرأ عليه كتابا، فيه ان بعض قواته فتحت بعض قرى (كابل)، فقال له الامام: " أو سرك فتح قرية من قرى الشرك ؟... ". وسارع المأمون قائلا: (1) عيون اخبار الرضا 2 / 167. (2) يراجع في ذلك إلى كتاب الامام الرضا للسيد جعفر مرتضى فقد نفى عن الفضل نسبة التشيع بصورة جازمة خلافا لما ذهب إليه ابن خلكان في وفيات الاعيان 3 / 209 وغيره من أنه كان شيعيا. (3) عيون اخبار الرضا 2 / 160. (*)
[ 365 ]
" أو ليس في ذلك سرور ؟... ". والتفت إليه فأرشده إلى موضع السرور الذي ينبغي ان يسلكه قائلا: " يا أمير المؤمنين اتق الله في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، وما ولاك الله من هذا الامر، وخصك به، فانك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله، وقعدت في هذه البلاد - يعني (خراسان) - وتركت بيت الهجرة، ومهبط الوحي، وان المهاجرين والانصار يظلمون دونك، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه، ويعجز عن نفقته، ولا يجد من يشكو إليه حاله ولا يصل إليك. فاتق الله يا امير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والانصار، أما علمت ان والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط، من أراده أخذه ؟... ". وحكت هذه الكلمات الصراحة والنصيحة الخالصة، وليس فيها أي محاباة للمأمون ولا مجاراة لعواطفه وميوله، والتفت إلى الامام فقال له: " يا سيدي فما ترى ؟... ". واشار الامام عليه بالحق الذي فيه نجاته قائلا: " أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحول إلى موضع آبائك واجدادك وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فان الله تعالى سائلك عما ولاك... ". واستجاب المأمون لرأي الامام وقال له: " نعم ما قلت: يا سيدي، هذا هو الرأي... ". وأمر أن تقدم النوائب (1) للخروج إلى (يثرب)، وبلغ ذلك الفضل فغمه الامر، وسارع نحو المأمون فقال له: " ما هذا الرأي الذي أمرت به ؟... ". وعرض المأمون بما أشار عليه الامام عليه السلام، من اتخاذ المدينة المنورة عاصمة للملك، وانبرى الفضل يفند هذه الفكرة، ويشير عليه بعكس ما أشار عليه الامام قائلا: (1) النوائب: هي الجيوش والعساكر المعدة للنوائب. (*)
[ 366 ]
" يا أمير المؤمنين ما هذا الصواب، قتلت بالامس أخاك، وأزلت الخلافة عنه، وبنو أبيك معادون لك، وجميع أهل العراق، وأهل بيتك والعرب، ثم أحدثت هذا الحدث الثاني، إنك وليت ولاية العهد لابي الحسن، وأخرجتها من بني أبيك، والعامة والفقهاء والعلماء وآل العباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك. فالرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا، ويتناسون ما كان من أمر محمد أخيك، وها هنا مشايخ قد حدموا الرشيد، وعرفوا الامر فاستشرهم في ذلك، فان أشاروا بذلك فامضه ". فقال المأمون: " من هم ؟... ". فقال الفضل: مثل علي بن أبي عميران وأبي يونس، والجلودي - هؤلاء الذين نقموا بيعة أبي الحسن، ولم يرضوا بها... ". وأخيرا استجاب المأمون لرأي الفضل، وأعرض عما أشار عليه الامام من اتخاذ (يثرب) عاصمة للملك (1). (1) عيون أخبار الرضا 2 / 160. (*)
[ 367 ]
نعاية المطاف ولم يمض قليل من الوقت على تقليد الامام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد حتى تنكر له المأمون كأشد ما يكون التنكر، وأضمر له السوء والغدر، وأخذ يبغي له الغوائل، ويكيده في غلس الليل، وفي وضح النهار، ففرض عليه الرقابة الشديدة، وحبسه في بيته ومنع العلماء والفقهاء من الاتصال به، والنتهال من غير علومه كما منع سواد شيعته من التشرف بمقابلته. وقد ورم أنف المأمون، وتميز غضبا وغيظا بما يتمتع به الامام (عليه السلام) من المكانة العظمى في نفوس المسلمين، وقد ترسخت وازدادت حينما أسندت إليه ولاية العهد، فقد رأوا ترسله، وعدم تكلفه، وبعده عن مغريات الحياة، وزهده في الدنيا، ومشاركته للناس في آلامهم، وحنوه على الضعفاء، وعطفه على البؤساء، وسعة علومه، واحاطته بما تحتاج إليه الامة في جميع شؤونها، وشدة انابته إلى الله تعالى وتقواه إلى غير ذلك من معالي أخلاقه التي يحار الفكر فيها، والتي هي امتداد ذاتي إلى اخلاق جده الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي طور الحياة، وقضى على جميع التخلف والانحراف في دنيا العرب والمسلمين. رأى الناس الاخلاق العلوية الماثلة في الامام الرضا (عليه السلام) فهاموا
[ 368 ]
بحبه، وآمنوا بامامته في حين أن المأمون وسائر ملوك بني العباس قد اتصفوا بضد ما اتصف به الامام فانهم من حين أن تقلدوا الخلافة لم يؤثر عن أي أحد منهم مكرمة أو فضيلة فقد انسابوا وراء شهواتهم وملاذاتهم، وانفقوا الملايين من أموال المسلمين على ليالهم الحمراء، ورحم الله أبا فراس الحمداني الشاعر الملهم والثائر على الظلم والجور فقد قارن في رائعته الخالدة بين الحياة الرفيعة التي عاشها السادة العلويون، وبين الحياة الوضيعة المليئة بالاثم والمنكرات التي عاشها العباسيون يقول: تمسى التلاوة في أبياتهم سحرا * وفي بيوتكم الاوتار والنغم إذا تلوا آية غنى إمامكم: * " قف بالديار التي لم يعفها قدم " ومنكم عليه أم منهم وكان لكم * شيخ المغنين ابراهيم، أم لهم ؟ ما في بيوتهم للخمر معتصر * ولا بيوتهم للشر معتصم ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم * ولا يرى لهم قرد له حشم الركن والبيت والاستار منزلهم * وزمزم والصفا والحجر والحرم إن سيرة العلويين مشرقة كالشمس بنور الايمان، وسيرة خصومهم العباسيين مظلمة قاتمة لا بصيص فيها بنور الايمان، وهدى الاسلام وعلى أي حال فقد جهد المأمون أن يظهر للمجتمع الاسلامي عدم زهد الامام الرضا (عليه السلام) في تقليده لولاية العهد إلا أنه باء بالفشل فقد ظهر الامام عليه كالمع شخصية عرفها العلم الاسلامي في تقواه وورعه، واقباله على طاعة الله وعبادته، وعدم اشتراكه باي منحى من المناحي السياسية. ومهما يكن الامر فان هذا البحث هو الفصل الاخير من هذا الكتاب، ونعرض فيه إلى الشؤون الاخيرة من حياة الامام (عليه السلام)، وفيما يلي ذلك: نصيحة الامام للمأمون: وقدم الامام (عليه السلام) نصيحة خالصة للمأمون، نقية من كثير من المشاكل السياسية، فقد أشار عليه أن يعفيه من ولاية العهد ويعفي الضل بن سهل من الوزارة، وبذلك بتخلص من كيد العباسيين وبغيهم عليه (1) إلا ان المأمون لم يعفهما، وانما قام باغتيالهما كما سنعرض ذلك. (1) عيون اخبار الرضا 2 / 145. (*)
[ 369 ]
عزم المأمون على الرجوع إلى بغداد: وأخذ المأمون يطيل التفكير، ويقلب الرأي على وجوهه في الرجوع إلى (بغداد)، عاصمة آبائه، وزينة الشرق، ولكن يصده عن تحقيق هذه الامنية الغالية أمران: الاول - وجود الامام على بن موسى الرضا (عليه السلام) ولي عهده الذي تحقد عليه الاسرة العباسية كأشد ما يكون الحقد، فقد خلعت بيعة المأمون، وبايعت ابن شكلة شيخ المغنين انتقاما منه لتقليده للامام بولاية العهد. الثاني - وجود وزيره الفضل بن سهل على المسرح السياسي فقد نقم عليه العباسيون، معتقدين أنه هو الذي حبذ للمأمون عقد ولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام). ورأى المأمون أن يتخلص من الامام والفضل، ويصفيهما جسديا ليخلو له الجو، وينال بذلك رضى العباسين، ويزيل عنه سخطهم وانتقامهم، وهذا ما سنعرضه. حمام سرخس: ورأى المأمون أن يتخلص من الامام الرضا (عليه السلام)، ومن الفضل بن سهل دفعة واحدة حتى تخلص له الاسرة العباسية فاوعز إلى عصابة مجرمة من عملائه القيام باغتيال الامام والفضل في حمام (سرخس)، وطلب منهما الدخول في الحمام في وقت واحد، ويكون هو معهما، وذلك لتغطية الامر، وعدم انكشافه لاي أحد، وكان الامام عليه السلام يقظا حساسا فلم تخف عليه هذه المكيدة فرفض اجابته، فكتب المأمون إليه ثانيا يلتمسه، ويترجاه فاجابه الامام: " لست بداخل غدا الحمام، فاني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام في هذه الليلة يقول لي: يا على لا تدخل الحمام غدا، فلا ارى لك يا امير المؤمنين، ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا... ". فاجابه المأمون: " صدقت يا سيدي، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لست بداخل الحمام غدا، والفضل فهو اعلم وما يفعله... ". وتتضح مكيدة المأمون بالنسبة إلى الفضل فقد خلاه وشأنه ليلاقي مصرعه على
[ 370 ]
ايدي عصابته. مصرع الفضل: وبادر الفضل إلى الحمام، فحينما دخل فيه تناهبت جسمه سيوف العصابة فخر على الارض صريعا يتخبط بدمه، وما هي إلا لحظات وإذا به جثة هامدة لا حراك فيها، وبذلك فقد حقق المأمون شطرا من مهمته. وحينما قتل الفضل سارع اصحابه نحو المأمون ليأخذوا الثأر منه، فقد علموا أنه هو الذي أوعز بقتله، وبادر حراس قصر المأمون إلى غلق ابوابه خوفا من هجوم الثوار على المأمون إلا ان الثوار حملوا أقبسة من النار لحرق ابواب القصر، ولما علم المأمون بذلك فزع، والتجأ إلى الامام الرضا (عليه السلام) فاحتمى به، وخرج الامام (عليه السلام) إلى الثوار، وأمرهم بالانصراف فاستجابوا له، ونجا المأمون ببركة الامام (عليه السلام) (1) أما الذين قتلوا الفضل فكانوا خمسة اشخاص من حاشية المأمون كان من بينهم غالب خاله، وقد قبضت عليهم الشرطة، وجاءت بهم إلى المأمون، فقالوا له: أنت أمرتنا بقتله، فقال لهم: أنا اقتلكم باقراركم، وأما ما ادعيتموه من أني أنا أمرتكم بذلك فدعوى ليس لها بينة، ثم أمر بهم فضربت اعناقهم، وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل، وأظهر عليه الحزن الكاذب (2). اغتيال الامام: وقام المأمون باغتيال امام المسلمين، سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الامام الرضا (عليه السلام)، فدس له سما قاتلا في العنب، أو الرمان، كما سنذكره، وبذلك فقد قضى المأمون على المع شخصية في العالم الاسلامي، كانت مصدر الوعي والفكر في دنيا الاسلام. أقوال شاذة: وحاول بعض المؤرخون تنزيه المأمون من اقتراف هذه الجريمة النكراء، وانه لم يقدم على اغتيال الامام (عليه السلام)، وهذه بعض اقوالهم: (1) عيون اخبار الرضا 2 / 164. (2) تأريخ أبن خلدون 3 / 249، الكامل 5 / 191 حكيا ذلك قولا، الآداب السلطانية والدول الاسلامية (ص 218) بحر الانساب (ص 28). (*)
[ 371 ]
1 - موته حتف أنفه: ذهب (ابن خلدون) إلى ان الامام (عليه السلام) مات حتف أنفه فجأة على أثر عنب أكله (1) وكذا ذهب غيره إلى هذا القول (2). 2 - اغتيال العباسيين للامام: قال ابن الجوزي: لما رأى العباسيون أن الخلافة قد خرجت من أيديهم إلى أولاد علي بن أبي طالب سموا علي بن موسى الرضا فتوفى في قرية من قرى (طوس) يقال لها (سناباد)... وقد زعم قوم أن المأمون سمه، وليس كما ذكر، فان المأمون حزن عليه حزنا لم يحزنه على أحد، وكتب إلى الآفاق يعزونه (3). 3 - موته بالسم: وذكر فريق من المؤرخون أن الامام (عليه السلام) توفى مسموما (4) ولم يذكروا غير ذلك. هذه بعض الاقوال التي ذكرت وهي شاذة لا نصيب لها من الواقع فان من المقطوع به هو ان المأمون هو الذي اغتال الامام لا الاسرة العباسية، ولا غيرها، ولم يمت الامام حتف انفه، ولقد قدم المأمون على اقتراف هذه الجريمة للتخلص من الامام الذي شاع ذكره في جميع انحاء العالم الاسلامي، فقد ظهرت للعيان دلائل إمامته، وهام المسلمون بحبه، وذلك لما يتمتع به من معالي الاخلاق، وسموا الآداب، والاقبال على الله، والزهد في الدنيا وغير ذلك من صفاته العظيمة في حين أن المأمون وسائر ملوك بني العباس كانوا خالين من كل نزعة كريمة، وصفة رفيعة. وعلى أي حال فقد اجمع معظم المؤرخين والرواة ان المأمون هو الذي دس السم إلى الامام لا غيره، فقد اغتال بهذه الطريقة كوكبة من اعلام عصره خاف منهم (5). (1) تأريخ ابن خلدون 3 / 250. (2) وفيات الاعيان تأريخ الاسلام للذهبي 8 / ورقة 35. (3) تذكرة الخواص (ص 364) المنتظم 10 / ورقة 67. (4) البحار. (5) ذكرنا اسماء الذي اغتالهم المأمون في البحوث السابقة. (*)
[ 372 ]
إلى جنة المأوى: وامتحن الامام امتحانا عسيرا في تقلده لولاية العهد، فقد ضيق عليه المأمون غايد التضييق، ففرض عليه الرقابة الشديدة، واحاطه بقوى مكثفة من الامن، وقد سئم الامام من الحياة، وراح يدعوا الله تعالى أن ينقله من دار الدنيا إلى دار الخلود قائلا: " اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجل لي الساعة... " (3). واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله من دار الدنيا المحفوفة بالمكاره والآلام إلى دار الحق، ونعرض إلى كيفية وفاته، فقد دعا الامام (عليه السلام) في غلس الليل البهيم هرثمة بن أعين، فلما مثل عنده قال له: " يا هرثمة هذا آوان رحيلي إلى الله تعالى، ولحوقي بجدي وآبائي (عليهم السلام)، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي - يعني المأمون - على سمي في عنب ورمان مفروك، فأما العنب فانه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب، وأما الرمان فانه يطرح السم في كف بعض غلمانه، ويفرك الرمان بيده ليتلطخ حبه في ذلك السم، وانه سيدعوني في اليوم المقبل، ويقرب إلى الرمان والعنب،، ويسألني اكلها، فآكلها ثم ينفذ الحكم، ويحضر القضاء. فإذا أنا مت فسيقول: أنا أغسله بيدي، فإذا قال: ذلك، فقل له عني: بينك وبينه، أنه قال لي: لا تتعرض لغسلي، ولا لتكفيني ولا لدفني، فانك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك، وحل بك اليم ما تحذر فانه سينتهي. وأضاف الامام قائلا: فإذا خلى بينك وبين غسلي حتى ترى، فيجلس في علو من ابنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر، فلا تتعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي انا فيها، وضعني من وراء الفسطاط، وقف وراؤه، ويكون من معك دونك ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك. وانه - اي المأمون - سيشرف عليك، ويقول لك: يا هرثمة اليس زعمتم أن
[ 373 ]
الامام لا يغسله إلا إمام مثله، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى، وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن ب (طوس) ؟ فإذا قال ذلك: فقل له: إنا نقول: ان الامام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله، فان تعدى متعد فغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده، بأن غلب على غسله أبيه، ولو ترك أبو الحسن على بن موسى الرضا (ع) بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا، ولا يغسله الآن ايضا إلا هو من حيث يخفى، فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في اكفاني، فضعني على نعشي، واحملني، فإذا اراد أن يحفر قبري، فانه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري، ولا يكون ذلك ابدا، فإذا ضربت المعاول ينب عن الارض (1) ولم يحفر لهم منها شئ، ولا مثل قلامة ظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم، فقل لهم عني: اني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد، فإذا ضربت تقذفه في الارض إلى قبر محفور، وضريح قائم، فإذا انفرج القبر فلا تنزلني حتى يفور من ضريحه الماء الابيض فيملئ منه ذلك القبر....... فإذا غار الماء فانزلني في ذلك القبر والحدني في ذلك الضريح (2). وأمر الامام (عليه السلام) هرثمة بحفظ ما قاله، فاجابه هرثمة إلى ما اراد، وفي اليوم الثاني بعث المأمون خلف الامام، فلما حضر عنده قام إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه واجلسه إلى جانبه، واقبل عليه يحادثه، وامر بعض غلمانه أن يأتيه بعنب ورمان، قال هرثمة: فلم استطع الصبر واصابتني رعدة. وناول المأمون الامام العنقود من العنب، وقال له: " يا بن رسول الله ما رأيت عنبا احسن من هذا ؟... ". " فرد عليه الامام: " ربما كان عنبا حسنا منه في الجنة... ". وطلب من الامام أن يتناول منه شيئا فامتنع (عليه السلام) منه، فصاح المأمون: (1) ينسب عن الارض أي يمتنع ولا يوثر فيها. (2) عيون أخبار الرضا 2 / 247 وقريب منه في نور الابصار (ص 145). (*)
[ 374 ]
" لعلك تتهمنا بشئ ؟... ". وتناول المأمون ثلاث حبات، ثم رمى به، وقام، فقال له المأمون: " إلى اين ؟... ". فنظر إليه الامام، وقال له بنبرات خافته: " إلى حيث وجهتني... " (1). وسارع الامام إلى الدار، وقد تفاعل السم في جميع أجزاء بدنه، وقد ايقن بنزول الرزء القاصم، وبعث إليه المأمون يطلب منه وصيته ونصيحة له، فقال (عليه السلام) لرسوله: " قل له: يوصيك أن لا تعطي أحدا ما تندم عليه... " (2). وسرى السم في جميع أجزاء بدن الامام، وأخذ يعاني من أقسى الآلام وقد علم ان لقاءه بربه لقريب فأخذ يتلو آيات من الذكر الحكيم، ويستغفر الله تعالى، ويدعو للمؤمنين، ويقول الرواة: انه لما ثقل حاله امتنع أهل بيته واصحابه من الاكل والشرب، فالتفت (عليه السلام) إلى ياسر وقال له: " هل اكل الناس شيئا ؟... ". فرد عليه بصوت خافت حزين النبرات قائلا: " من يأكل مع ما انت فيه ". فانتصب (عليه السلام) ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع أحدا من حشمه إلا اجلسه على المائدة، وجعل يتفقد واحدا بعد واحد، ولما فرغوا من تناول الطعام، أمر بحمله إلى النساء، ولما فرغوا من الاكل أغمي عليه (3). وفي غلس الليل البهيم كان الامام يتلوا آيات من الذكر الحكيم، وكان آخر آية قرأها قوله تعالى: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعه (4) " وكان أمر الله قدرا مقدورا " (5) ثم فاضت نفسه الزكية إلى بارئها (6) (1) عيون اخبار الرضا 2 / 243. (2) عيون التواريخ 3 / 227. (3) عيون أخبار الرضا 2 / 241. (4) سورة آل عمران: آية 154. (5) سورة الاحزاب: آية 38. (6) عيون أخبار الرضا 2 / 241. (*)
[ 375 ]
تحفها ملائكة الرحمن، وتستقبلها في رياض الخلد ارواح الانبياء والاوصياء، لقد اظلمت الدنيا بفقده، واشرقت الآخرة بقدومه، وكانت وفاته رزءا على العلماء والفقهاء ورجال الفكر الذين كانوا ينتهلون من نمير علومه، كما كانت وفاته رزءا شعبيا عاما فقد فقدت الاوساط الشعبية من كان يسهر على مصالحهم، ويناضل عن قضاياهم. لقد انتقل الامام إلى حضيرة القدس بعد ما ادى رسالة ربه، فلم يشترك باي عمل ايجابي في جهاز دولة المأمون، ورفض أي تعاون معه، وقد سلب بذلك شرعية حكومة المأمون وانها لم تكن قائمة على حكم الله تعالى، وقد عانى من أجل ذلك جميع الوان الاضطهاد حتى قضى عليه المأمون. رياء المأمون: وأظهر المأمون الحزن، والجزع الكاذب، على وفاة الامام فقد خرج حافيا، حاسرا، يضرب على رأسه، ويقبض على لحيته، ويبكى، وقد رفع عقيرته ليسمعه الناس قائلا: " ما ادري أي المصيبتين اعظم علي، فقدي لك، وفراقي إياك، أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك... " (1). لقد أظهر المأمون الاسى على وفاة الامام (عليه السلام) لتبرير ساحته ودفع التهمة عنه بانه هو الذي اغتاله، ولكن سرعان ما انكشف رياؤه، واتضح للمجتمع بأنه هو المسؤول عن اغتياله. اخفاء موت الامام: واخفى المأمون موت الامام (عليه السلام) يوما وليلة (2) وفيما احسب أنه استعد لحالة الطوارئ، والخوف من الانتفاضة الشعبية عليه، فقد اوعز إلى رجال من أمنه، وقواته المسلحة بالاستعداد لكل حادث يحدث. تشييع جثمان الامام: وشيع جثمان الامام تشييعا حافلا لم تشاهد مثله (خراسان) في جميع ادوار (1) عيون اخبار الرضا 2 / 241. (2) مقاتل الطالبيين (ص 567) ارشاد المفيد (ص 316). (*)
[ 376 ]
تأريخها، فقد اغلقت الدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع الجثمان المقدس، وهم ما بين باك وواجم، ورفعت الاعلام السود، وسالت الدموع كل مسيل وتعالى الصراخ من كل جانب على الفقيد العظيم الذي كان ملاذا لهم، ويتقدم النعش المأمون وهو حاسر، في القدمين وخلفه الوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وهم يذكرون فضائل الامام، وما منيت به الامة من الخسارة العظمى بفقده. في مقره الاخير: وجئ بالجثمان المقدس تحت هالة من التكبير والتعظيم إلى مقره الاخير، فحفر له قبر بالقرب من قبر هارون قاتل أبي الامام فواراه المأمون فيه، وقد وارى معه كل ما تسمو به الانسانية من الصفات الرفيعة، والنزعات الكريمة. واقبلت الجماهير تعزي المأمون، وسائر العلويين والعباسيين على مصابهم الاليم وقد نخر الاسى والحزن قلوب الجميع، فقد فقدوا امام المسلمين، وسيد المتقين والمنيبين، ومن الجدير بالذكر ان المأمون سئل عن السبب في دفن الامام إلى جانب قبر أبيه فأجاب: ليغفر الله لهارون بجواره للامام الرضا (عليه السلام)، وقد فند ذلك الشاعر الملهم دعبل الخزاعي بقوله: اربع بطوس على قبر الزكي بها * ان كنت تربع من دين على وطر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر اقامة المأمون على قبر الامام: واقام المأمون عند القبر الشريف ثلاثة أيام صائما نهاره، قارئا للقرآن الكريم، ويترحم على الامام (عليه السلام)، وذلك لتنزيهه من اقتراف هذه الجريمة، واظهار اخلاصه وحبه للامام، إلا ان ثوب الرياء يشف عما تحته، فقد ظهر للجميع زيف ذلك، وانه لا واقع لحزنه المزعوم. المأمون مع هرثمة: ودعا المأمون هرثمة بن اعين، وطلب منه أن يحدثه بما سمع من الامام وما قاله له في سمه بالعنب والرمان، وجعل هرثمة يحدثه بذلك والمأمون يصفر وجهه مرة،
[ 377 ]
ويحمر أخرى وهو يقول بنبرات تقطر أسى وحسرات على ما اقترفه في حق الامام قائلا: " ويل للمأمون من الله، ويل له من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويل له من علي بن أبي طالب، ويل للمأمون من فاطمة الزهراء، ويل للمأمون من الحسن والحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسين، ويل للمأمون من محمد بن علي، ويل للمأمون من جعفر بن محمد، ويل له من موسى بن جعفر، ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا... هذا والله الخسران المبين ! وأمر المأمون هرثمة بكتمان قول الامام معه، وعدم اذاعته، وتلا قول الله تعالى: (يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما تعملون محيطا) (1). والويل للمأمون على ما أقترفه من عظيم الذنب، فقد اغتال سيد المسلمين، وإمام المتقين وفلذة من كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله). عمر الامام: اما عمر الامام (عليه السلام) الحافل بالمكرمات والفضائل فقد اختلف المؤرخون في مدته، وهذه بعض الاقوال: 1 - 47 سنة (2). 2 - 48 سنة (3). 3 - 49 سنة (4). 4 - 50 سنة (5). 5 - 51 سنة (6). 6 - 55 سنة (1 (7). (1) اعيان أخبار الرضا 2 / 249. (2) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (3) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (4) عيون التواريخ 3 / ورقة 226 كشف الغمة 3 / 56. (5) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (6) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (7) اصول الكافي 1 / 486 كفاية الطالب (ص 458) نور الابصار (ص 144) بحر الانساب (ص 28). (*)
[ 378 ]
7 - 57 - و 49 يوما أو 79 يوما (1). ومنشأ هذا الاختلاف هو الاختلاف في تأريخ ولادته (عليه السلام) ويرى السيد الامين ان منشأ هذا التضارب هو التسامح بعد السنة الناقصة سنة كاملة (2). رثاء الامام: كان نبأ وفاة الامام كالصاعقة على رؤوس المسلمين، فقد تلقوا النبأ المؤلم بأسى، وحزن عميق، فقد فقدوا بموته ما كانوا يأملونه، ويحلمون به من رجوع الخلافة الاسلامية إلى معدنها الاصيل، ويتخلصون من ذئاب البشرية، وائمة الظلم والجور، ويقام في ربوعهم العدل السياسي والعدل الاجتماعي، لقد خابت الآمال بموت الامام العظيم، وقد نخر الحزن القلوب، وسالت الدموع كل مسيل، وقد انبرت كوكبة من الشعراء فرثوا الامام بذوب روحهم، وكان من بينهم ما يلي: اشجع بن عمرو السلمي: ورثى اشجع بن عمرو السلمي الامام بقصيدة عصماء حكت حزنه العميق على فقد امام المسلمين، وصورت مدى الخسارة الكبرى التي مني بها العالم الاسلامي، وهذا نصها: يا صاحب العيس يحدي في أزمتها * اسمع وأسمع غدا يا صاحب العيس إقر السلام على قبر بطوس ولا * تقر السلام، ولا النعمى على طوس فقد اصاب قلوب المسلمين بها * روع وأفرخ فيها روع ابليس واخلست واحد الدنيا وسيدها * فأي مختلس منا ومخلوس ولو بدا الموت حتى يستدير به * لاقى وجوه رجال دونه شوس بؤسا لطوس فما كانت منازله * مما تخوفه الايام بالبوس معرس حيث لا تعريس ملتبس * يا طول ذلك من نأي وتعريس إن المنايا أنالته مخالبها * ودونه عسكر جم الكراديس أوفى عليه الردى في خيس أشبله * والموت يلقى أبا الاشبال في الخيس ما زال مقتبسا من نور والده * إلى النبي ضياء غير مقبوس في منبت نهضت فيه فروعهم * بباسق في بطاح الملك مغروس (1) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (2) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 78. (*)
[ 379 ]
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة * من القواعد والدنيا بتأسيس لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا * لطم الخدود ولا جدع المعاطيس من يوم طوس الذي نادت بروعته * لنا النعاة وافواه القراطيس حقا بأن الرضا أودى الزمان به * ما يطلب الموت إلا كل منفوس ذا اللحظتين وذا اليومين، مفترش * رمسا كآخر في يومين مرموس بمطلع الشمس وافته منيته * ما كان يوم الردى عنه بمحبوس يا نازلا جدثا في غير منزله * ويا فريسة يوم غير مفروس صلى عليك الذي قد كنت تعبده * تحت الهواجر في تلك الاماليس لولا مناقضة الدنيا محاسنها * لما تقايسها أهل المقاييس أحلك الله دارا غير زائلة * في منزل برسول الله مأنوس (1) ارأيتم هذه الاحزان الموجعة التي حلت بالعالم الاسلامي على فقد واحد الدنيا وسيدها الامام العظيم ؟ ! لقد صور أشجع السلمي برائعته مدى الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون، والتي هي جديرة بشق الجيوب ولطم الخلدود، فقد اودى الزمان بقائد الامة، وسيدها وامامها. وقد ذاعت هذه القصيدة، وحفظها الناس فخاف اشجع فغير الفاظها وجعلها في الرشيد (2). دعبل الخزاعي: وبكي دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت الامام الرضا (عليه السلام) أمر البكاء ورثاه بذوب روحه، وكان مما قاله في رثائه له هذه القصيدة: هو النفس إلا ان آل محمد * لهم دون نفسي في الفؤاد كمين أضر بهم إرث النبي فاصبحوا * يساهم فيه ميتة ومنون دعتهم ذئاب من أمية وأنتحت * عليهم دراكا ازمة وسنون وعاثت بنو العباس في الدين عيثة * تحكم فيه ظالم وظنين وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده * وها ذاك مأمون وذاك أمين (1) مقاتل الطالبيين (ص 568 - 570). (2) مقاتل الطالبيين (ص 568). (*)
[ 380 ]
فما قبلت بالرشد منهم رعاية * ولا لولي بالامامة دين رشيدهم غاو، وطفلاه بعده * لهذا رزايا دون ذاك مجون إألا أيها القبر الغريب محله * بطوس عليك الساريات هتون شككت فما ادري امسقى شربة * فأبكيك أم ريب الردى فيهون وأيهما ما قلت: ان قلت شربة * وان قلت موت إنه لقمين أتعجب للاجلاف أن يتخيفوا * معالم دين الله وهو مبين لقد سبقت فيهم بفضلك آية * لدي ولكن ما هناك يقين (1) وقال في رثاء الامام: ألا ما لعيني بالدموع استهلت * ولو فقدت ماء الشؤون لقرت على من بكته الارض واسترجعت له * رؤوس الجبال الشامخات وذلت وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمها ناحت عليه وكلت رزينا رضي الله سبط نبينا * فأخلفت الدنيا له وتولت فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا * لمرزئة عزت علينا وجلت وما خير دنيا بعد آل محمد * ألا لا نباليها إذا ما اضمحلت تجلت مصيبات الزمان ولا أرى * مصيبتنا بالمصطفين تجلت (2) ومما قاله في رثاء الامام: يا حسرة تتردد * وعبرة ليس تنفد على علي بن موسى * بن جعفر بن محمد قضى غريبا بطوس * مثل الحسام المجرد يا طوس طوباك قد * صرت لابن أحمد مشهد ويا جفوني استهلى * ويا فؤادي توقد (3) ومن رثائه للامام هذه المقطوعة: لقد رحل ابن موسى بالمعالي * وسار بسيره العلم الشريف وتابعه والدين طرا * كما يتتبع الالف الاليف (1) مقاتل الطالبيين (ص 571). (2) ديوان دعبل (ص 99). (3) ديوان دعبل (ص 101). (*)
[ 381 ]
فيا وفد الندى عودوا خفاف ال * حقائب لا تليد ولا طريف وقد كنا نؤمل أن سيبقى * امام هدى له رأي حصيف ترى سكناته فتقول: عز * وتحت سكونه الفضل المنيف له سمحاء تغدو كل يوم * بنائلة وسارية تطوف فأهدى ريحه قدر المنايا * مزار دونه نأي قذوف فقل للشامتين به رويدا * فما تبقى امرأ يمشي الحتوف سررتم بافتقاد فتى بكاه * رسول الله والدين الحنيف (1) وقال في رثائه: يا نكبة جاءت من الشرق * لم تتركن مني ولم تبق موت علي بن موسى الرضا * من سخط الله على الخلق واصبح الاسلام مستعبرا * لثلمة باينة الرتق سقى الغريب المبتنى قبره * بارض طوس مسبل الودق اصبح عيني مانعا للكرى * وأولع الاحشاء بالخفق (2) وحكى هذا الرثاء لوعة دعبل، وحزنه العميق على وفاة امام المسلمين وسيد المتقين الامام الرضا (عليه السلام) الذي ترك فقده ثلمة في الاسلام. 3 - ابن المشيع المدني: وممن اكتوى بنار الحزن على فقد الامام (عليه السلام) ابن المشيع المدني قال في رثاء الامام: يا بقعة بها سيدي * ما مثله في الناس من سيد مات الهدى من بعده والندى * وشمر الموت به يقتدي (3) لا زال غيث الله يا قبره * عليك منه رائحا مغتدى كان لنا غيثا به نرتوي * وكان كالنجم به نهتدي ان عليا بن موسى الرضا * قد حل والسودد في ملحد (1) ديوان دعبل (ص 108). (2) ديوان دعبل (ص 108 - 109). (3) قال المجلسي: في البحار، " وشمر الموت " لعل المعنى ان الموت شمر ذيلة وتهيأ لاماتة سائر الاخلاق الحسنة، أو الخلائق. (*)
[ 382 ]
يا عين فابكي بدم بعده * على انقراض المجد والسودد (2) 4 - الخوافي: ومن الشعراء الذي رثوا الامام (عليه السلام) علي بن أبي عبد الله الخوافي قال: يا ارض طوس سقاك الله رحمته * ماذا حويت من الخيرات يا طوس طابت بقاعك في الدنيا وطيبها * شخص ثوى بسناباد مرموس (3) شخص عزيز على الاسلام مصرعه * في رحمة الله مغمور ومغموس يا قبره أنت قبر قد تضمنه * حلم وعلم وتطهير وتقديس فخرا فانك مغبوط بجثته * وبالملائكة الابرار محروس (4) 5 - الضبي: ومن جيد ما رثى به الامام هذه القصيدة للشاعر الضبي قال الشيخ الصدوق وجدتها في كتاب لمحمد بن حبيب الضبي، واكبر الظن انها له كما اعلن ذلك في آخر القصيدة: قبر بطوس به أقام امام * حتم إليه زيارة ولمام قبر أقام به السلام وان غدا * تهدى إليه تحية وسلام قبر سنا انواره تجلو العمى * وبتربه قد تدفع الاسقام قبر يمثل للعيون محمد * ووصيه المؤمنون قيام خشع العيون لذا وذاك مهابة * في كنهها تتحير الافهام قبر إذا حل الوفود بربعه * رحلوا وحطت عنهم الاثام وتزودوا أمن العقاب وأومنوا * من أن يحل عليهم الاعدام الله عنه به لهم متقبل * وبذاك عنهم جفت الاقلام إن يغن عن سقى الغمام فانه * لولاه لم تسق البلاد غمام قبر على بن موسى حله * بثراه يزهو الحل والاحرام فرض إليه السعي كالبيت الذي * من دونه حق له الاعظام (1) عيون اخبار الرضا 3 / 250. (2) المرموس: المدفون. (3) عيون اخبار الرضا 2 / 251. (*)
[ 383 ]
من زاره في الله عارف حقه * فالمس منه على الجحيم حرام ومقامه لا شك يحمد في غد * وله بجنات الخلود مقام ولو بذاك الله أوفى ضامن * قسما إليه تنتهي الاقسام صلى الاله على النبي محمد * وعلى علي نصرة وسلام وكذا على الزهراء صلى سرمدا * رب بواجب حقها علام وعليه صلى ثم بالحسن ابتدى * وعلى الحسين لوجهه الاكرام وعلى ذي التقى ومحمد * صلى وكل سيد وهمام وعلى المهذب والمطهر جعفر * ازكى الصلاة وان أبى الاقزام الصادق المأثور عنه علم ما * فيكم به تتمسك الاقوام وكذا على موسى أبيك وبعده * صلى عليك وللصلاة دوام وعلى الرضا ابن الرضا الحسن الذي * عم البلاد لفقده الاظلام وعلى خليفته الذي لكم به * تم النظام فكان فيه تام فهو المؤمل أن يعود به الهدى * غضا وأن تستوثق الاحكام لولا الائمة واحد عن واحد * درس به واستسلم الاسلام كل يقوم مقام صاحبه إلى * أن تنتهي بالقائم الايام يا بن النبي وحجة الله التي * هي للصلاة وللصيام قيام ما من إمام غاب عنكم لم يقم * خلف له تشفى به الارغام إن الائمة تستوي في فضلها * والعلم كهل منكم وغلام أنتم إلى الله الوسيلة والاولى * علموا الهدى فهم له اعلام أنتم ولاة الدين والدنيا ومن * لله فيه حرمة وذمام ما الناس إلا من أقر بفضلكم * والجاحدون بهائم وسوام بل هم أضل عن السبيل بكفرهم * والمقتدى منهم بهم ازلام يدعون في دنياكم وكانهم * في جحدهم انعامكم انعام يا نعمة الله التي حبوبها * من يصطفي من خلقه المنعام ان غاب منك الجسم عنا انه * للروح منك اقامة ونظام ارواحكم موجودة اعيانها * إن عن عيون عيبت اجسام الفرق بينك والنبي نبوة * إذ بعد ذلك تستوي الاقدام
[ 384 ]
قبران في طوس الهدى في واحد * والغي في لحد يراه ضرام قبران مقترنان هذا ترعة (1) * جنوية فيها يزار امام وكذاك ذلك من جهنم حفرة * فيها يجدد للغوي هيام قرب الغوي من الزكي مضاعف * لعذابه ولانفه الارغام ان يدن منه فانه لمباعد * وعليه من خلع العذاب ركام وكذاك ليس يضرك الرجس الذي * يدنيه منك جنادل ورخام لا بل يريك عليك أعظم حسرة * إذ أنت تكرم واللعين يسام سوء العذاب مضاعف تجري به * الساعات والايام والاعوام يا ليت شعري هل بقائمكم غذا * يغدو ويكفي للقراع حسام تطفى يداي به غليلا فيكم * بين الحشا لم ترو منه اوام ولقد يهيجني قبوركم إذا * هاجت سواي معالم وخيام من كان يغرم بامتداح ذوي الغني * فبمدحكم لي صبوة وغرام والى أبي الحسن الرضا اهديتها * مرضية تلتذها الافهام خذها عن الضبي عبدكم الذي * هانت عليه فيكم الالوام إن اقض حق الله فيك فان لي * حق القرى للضيف إذ يعتام فاجعله منك قبول قصدي انه * غنم عليه حداني استغنام من كان بالتعليم ادرك حبكم * فمحبتي اياكم الهام (2) لم اقرأ شعرا ألذ ولا أطيب من هذا الشعر فقد حفل بروح الولاء والمودة الخالصة لاهل البيت دعاة الله والادلاء على مرضاته، مضافا إلى ما فيه من جزالة الالفاظ وجمال الاسلوب، فليس في هذه القصيدة كلمة غريبة يمجها السمع، وينفر منها الطبع، وانما كانت جميع كلماتها متناسقة عذبة خفيفة على الطبع، كما حفلت بحشد من القيم العليا التي تؤمن بها الشيعة في محبتهم لاهل البيت. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما قاله الشعراء في تأبين الامام وهو يكشف عن مدى الرزية الشاملة والرزء القاصم الذي مني به المسلمون في فقدهم للامام العظيم. (1) الترعة: الروضة وفي الحديث ان منبري هذا على ترع من ترع الجنة. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 252 - 254. (*)
[ 385 ]
فضل زيارة الامام: واصبح مرقد الامام الرضا (عليه السلام) في (خراسان) من أعز المراقد في الاسلام فقد حظى بهالة من الاكبار والتقديس بما لم يحظ به مرقد من مراقد اولياء الله تعالى، فقد تهافتت على زيارته ملايين المسلمين متقربين بذلك إلى الله تعالى، يقول محمد بن المؤمل: خرجنا مع امام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافدون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، فرأيت من تعظيم ابن خزيمة لتلك البقعة، وتواضعه لها، وتضرعه عندها ما حيرنا (1). ان الله تعالى خص قبر وليه الامام الرضا (عليه السلام) بفضيلة فقد جعله ملاذا للمنكوبين، وملجأ لذوي الحاجات، وقد شاعت هذه المكرمة عند جميع الاوساط، وقد كتب على بعض جوانب القبر الشريف بيتين من الشعر. من سره أن يرى قبرا برؤيته يفرج الله عمن رآه كربه فليأت ذا القبر ان الله أسكنه سلالة من رسول الله منتجبة (2). وقد تواترت الاخبار، بفضل زيارة الامام الرضا (عليه السلام)، وهذه بعضها: 1 - روى جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت وصي الاوصياء، ووارث علم الانبياء أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: حدثني سيد العابدين علي بن الحسين عن سيد الشهداء الحسين بن علي عن سيد الاوصياء امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة مني بارض (خراسان) ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه (3). 2 - روى محمد بن عمارة عن أبيه عن الامام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (1) تهذيب التهذيب 7 / 388. (2) الدر النظيم ورقة 214. (3) عيون اخبار الرضا 2 / 258. (*)
[ 386 ]
" ستدفن بضعة مني بارض (خراسان) لا يزورها مؤمن إلا اوجب الله عزوجل له الجنة، وحرم جسده على النار " (1). 3 - روى الحسن بن علي الوشاء قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إني سأقتل بالسم مظلوما، فمن زارني عارفا بحقي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (2). 4 - روى سليمان بن جفص المروزي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: إن ابني عليا مقتول بالسم ظلما، ومدفون إلى جنب هارون بطوس، من زاره كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). 5 - روى الصقر بن دلف (4) قال: سمعت سيدي علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدي الرضا (عليه السلام) بطوس، وهو على غسل، وليصل عند رأسه ركعتين، وليسأل الله حاجته في قنوته، فانه يستجيب له ما لم يسأل في إثم، أو قطيعة رحم، وان موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة لا يزورها مؤمن إلا اعتقه الله من النار وأحله إلى دار القرار (5). إلى غير ذلك من الاخبار التي أثرت عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وهي تحث على زيارة مرقد الامام الرضا (عليه السلام)، وتذكر المزيد من الاجر لمن حظي بزيارته. ولمرقد الامام (عليه السلام) أهمية بالغة عند ملوك المسلمين فقد قام الملك الشاه عباس بتذهيب القبة الشريفة التي هي على القبر، وقد بذل لها من خالص ماله، وقد استغرق مدة بنائها ست سنين، ولما تم بناؤها في سنة (1016 ه) مضى شاه عباس ماشيا من (اصفهان) إلى (خراسان) لزيارة المرقد الطاهر (6). (1) عيون أخبار الرضا 2 / 255. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 261. (3) عيون اخبار الرضا 2 / 260. (4) في رواية المصقر بن خلف. (5) عيون اخبار الرضا 2 / 262. (6) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 214. (*)
[ 387 ]
وقد حظي المرقد المعظم بعناية بالغة من قبل الملوك الايرانين ووزرائهم، وسائر المحسنين من ذوي الثراء العريض فاوقفوا له العمارات، والاراضي الواسعة، وارصدوا له بنوكا خاصة تدر بملايين الاموال، وقد تولى فريق من الجيش الايراني حراسة المرقد والقيام بخدمته، كما اقيمت بالقرب من المرقد مكتبة نفيسة، تعد في طليعة مكتبات الشرق الاوسط، فقد حفلت بما يزيد على اربعين الف مخطوط، اما ماله، وقد استغرق مدة بنائها ست سنين، ولما تم بناؤها في سنة (1016 ه) مضى شاه عباس ماشيا من (اصفهان) إلى (خراسان) لزيارة المرقد الطاهر (6). (1) عيون أخبار الرضا 2 / 255. (2) عيون اخبار الرضا 2 / 261. (3) عيون اخبار الرضا 2 / 260. (4) في رواية المصقر بن خلف. (5) عيون اخبار الرضا 2 / 262. (6) اعيان الشيعة 4 / ق 2 / 214. (*)
[ 387 ]
وقد حظي المرقد المعظم بعناية بالغة من قبل الملوك الايرانين ووزرائهم، وسائر المحسنين من ذوي الثراء العريض فاوقفوا له العمارات، والاراضي الواسعة، وارصدوا له بنوكا خاصة تدر بملايين الاموال، وقد تولى فريق من الجيش الايراني حراسة المرقد والقيام بخدمته، كما اقيمت بالقرب من المرقد مكتبة نفيسة، تعد في طليعة مكتبات الشرق الاوسط، فقد حفلت بما يزيد على اربعين الف مخطوط، اما الكتب المطبوعة فتعد بمئات الآف، وقد حوت جميع أنواع العلم القديمة والحديثة، وبالقرب من المرقد الشريف أقيم مضيف للامام الرضا (عليه السلام) يتولى اطعام الزائرين وينفق على جميع ذلك من المصارف والبنوك التي هي وقف للامام الرضا (عليه السلام). وبهذا تنطوي الصفحة الاخيرة من هذا الكتاب، واكرر ما اعلنته في مقدمة الكتاب من ان فضائل الامام (عليه السلام) وما أثر عنه من روائع الحكم والآداب لم يلم بها هذا الكتاب، وانما احتوى على دراسة موجزة ويسيرة عنه، سائلا من الله ان يتقبل ذلك، انه تعالى ولي التوفيق.