فيض القدير شرح الجامع الصغير
المناوي ج 3

[ 1 ]
فيض الاقدير شرح الجامع الصغير من احاديث البشير النذير للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي ضبطه وصححه احمد عبد السلام الجزء الثالث تتمة حرف الهمزة حرف لراء دار الكتب العلمية بيروت لبنان جميع الحقوق محفوضة لدار الكتب العلمية بيروت لبنان
[ 2 ]
الطبعة الاولى 1415 ه‍ 1994 م دار الكتب العلمية بيروت لبنان
[ 3 ]
2595 (إنما سمي القلب) قلبا (من تقلبه) فإن القلب في الأصل مشترك معروف والخالص واللب ومنه قلب النخل ومصدر قلبت الشئ رددته على بدئه والإناء قلبته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه صرفته عنه والمراد العضو الرئيس المعلق بالجانب الأيسر المثلث الشكل المحدد الرأس سمي به لسرعة الخواطر وترددها عليه كما أشار إليه بقوله (إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة) أي ملقاة بأرض واسعة عديمة البناء (تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن) . وما سمي الإنسان إلا لنسيه * ولا القلب إلا أنه ينقلب ومن ثم قيل : ينبغي للعاقل الحذر من تقلب قلبه فإنه ليس بين القلب والكلب إلا التفخيم قال الغزالي : القلب غرض للخواطر لا يقدر على منعها والتحفظ عنها بحال ولا هي تنقطع عنك بوقت ثم النفس متسارعة إلى اتباعه والامتناع عن ذلك في مجهود الطاعة أمر شديد ومحنة عظيمة وعلاجه عسير إذ هو غيب عنك فلا يكاد يشعر به حتى تدب فيه آفة وتحدث له حالة ولذلك قيل : ما سمي القلب إلا من تقلبه والرأي يضرب بالإنسان أطوارا قال النظار وذوو الاعتبار : وفي الحديث رد على الصوفية في قولهم إن الطريق لا ينال بتعليم بل هو تطهير للنفس عن الصفات المذمومة أو تصفيتها ثم الاستعداد وانتظار الفتح ما ذاك إلا لأن القلب ترد عليه وساوس وخواطر تشوش القلب فيتقلب وإذا لم يتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم تشبث بالقلب خيالات فائدة تطمئن النفوس إليها مدة طويلة وربما انقضى العمر بغير نجاح . (طب عن أبي موسى) الأشعري قال العراقي : إسناده حسن وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه منهم بعضهم باللفظ المزبور . 2596 (إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب) أي يحرقها ويذيبها لما يقع فيه من العبادة يقال رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر ورمضت قدمه
[ 4 ]
احترقت من الرمضاء ورمضت الفصال إذا وجدت حر الرمضاء فاحترقت أخفافها ورمض الرجل أحرقت قدميه الرمضاء وخرج يترمض الظباء يسوقها في الرمضاء حتى تنفسخ أظلافها فيأخذها ذكره الزمخشري وغيره (محمد بن منصور) بن عبد الجبار التميمي صاحب التصانيف في الفقه وأصوله والحديث وغير ذلك ، الإمام في ذلك (السمعاني) بفتح السين وسكون الميم نسبة إلى سمعان بطن من تميم (وأبو زكريا يحيى بن منده في أماليهما عن أنس) ورواه أبو الشيخ أيضا . 2597 (إنما سمي شعبان لأنه يتشعب) أي يتفرع (فيه خير كثير للصائم) أي لصائمه (حتى يدخل الجنة) يعني [ ص 3 ] يكون صومه وما تفرع عليه سببا لادخاله الجنة مع السابقين الأولين أو بغير عذاب أو نحو ذلك والمقصود به بيان فضل صوم شعبان وعظم قدر الشهر (الرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ ابن حبان ] بلفظ تدرون لم سمي شعبان والباقي سواء . 2598 (إنما سميت الجمعة) أي إنما سمي يوم الجمعة يوم جمعة (لأن آدم) عليه السلام (جمع) بالبناء للمفعول أي جمع الله (فيها خلقه) أصوره أكمل تصوير على هذا الهيكل العجيب البديع وإلى هذا الحديث أشار النووي فتهذيبه بقوله : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سميت جمعة لاجتماع خلق آدم عليه السلام فيها . اه‍ وخفي هذا على الحافظ العراقي فلم يحضره مع سعة اطلاعه وعلو كعبه في هذا الفن فاعترض النووي حيث قال عقبه : لم أجد لهذا الحديث أصلا ومما قيل في سبب تسميتها به أيضا إنه لاجتماع الناس فيها أو لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم الجمعة أو لاجتماع آدم مع حواء عليهما السلام في الأرض فيها أو لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة (خط) في ترجمة أبي جعفر الأفواهي (عن سلمان) الفارسي وفيه عبد الله بن عمر بن أبي أمية قال الذهبي : فيه جهالة وقرشع الصبي ذكره ابن حبان في الضعفاء . 2599 (إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك) بالتحريك مغث الحمى كما في الصحاح وغيره أي شدتها (أو الحمى) التي هي حرارة غريبة بين الجلد واللحم فكأنه يقول حين تصيبه الحمى شديدة أو كانت أو حقيقة فكما أن الشديدة مكفرة فالخفيفة مكفرة أيضا كرما منه تعالى وفضلا (كمثل حديدة تدخل النار فتذهب خبثها) بمعجمة فموحدة مفنوحتين ما تبرزه النار من الوسخ والقذر (ويبقى طيبها
[ 5 ]
) بكسر الطاء وسكون التحتية فكذا الوعك أو الحمى يذهب بالخطايا والذنوب وضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقرير لأنه أوقع في القلب ويريك المتخيل متحققا والمعقول محسوسا ولذلك أكثر الله تعالى في كتبه للأمثال ولا يضرب المثل إلا لما فيه غرابة طب ك) في الإيمان (عن عبد الرحمن بن أزهر) بفتح الهمزة وزاي ساكنة الزهري المدني شهد حنينا قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب مرسل جيد . 2600 (إنما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بصاحبه من ألف تلاوته نظرا وعن ظهر قلب فإن من داوم ذلك ذل له لسانه وسهلت عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه (كمثل صاحب الإبل المعقلة) أي مع الإبل المعقلة بضم الميم وفتح العين وشد القاف أي المشدودة بعقال أي حبل شبه درس القرآن ولزوم تلاوته بربط بعير يخاف شراده (إن عاهد عليها) أي احتفظ بها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها (وإن أطلقها ذهبت) أي انفلتت شبه القرآن بالإبل المقيدة بالعقل فما دام تعهده موجودا فحفظه موجود كما أن الإبل ما دامت مشدودة بالعقال فهي محفوظة وخص الإبل لأنها أشد الحيوان الأهلي نفورا والمراد بالحصر حصر مخصوص بالنسبة لأمر مخصوص وهو دوام حفظه بالدرس كحافظ البعير بالعقل أما بالنسبة لأمور أخرى فله أمثلة أخرى . ألا ترى قد ضرب له أمثالا أخر كقوله مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة أفاده الحافظ العراقي دافعا به ما عساه يقال إن قضيته دلالة إنما على الحصر أنه لا مثل له سوى ذلك وهو أوضح من قول ابن حجر المراد حصر مخصوص بالنسبة للحفظ والنسيان بالتلاوة والترك (مالك) في الموطأ (حم ق ن ه عن ابن عمر) بن الخطاب . 2601 (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك) أي وإن لم يكن صاحبه (ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يجذيك) بجيم وذال معجمة أي يعطيك (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة) أي أنك إن لم تظفر منه بحاجتك جميعا لم تعدم واحدة منها إما الإعطاء وإما الشراء وإما الاقتباس للرائحة وكذا يقال في قوله (ونافخ الكير) بعكس ذلك وذلك أنه (إما أن يحرق ثيابك) بما تطاير من شرار الكير (وإما أن تجد) منه (ريحا خبيثة) والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما وفيه إيذان بطهارة المسك وحل بيعه وضرب المثل والعمل في الحكم بالأشياء والنظائر وأنشد بعضهم .
[ 6 ]
تجنب قرين السوء واصرم حباله فإن لم تجد منه محيصا فداره والزم حبيب الصدق واترك مراءه تنل منه صفو الود ما لم تماره ومن يزرع المعروف مع غير أهله يجده وراء البحر أو في قراره ولله في عرض السماوات جنة ولكنها محفوفة بالمكاره (ق عن أبي موسى) الأشعري . 2602 (إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل) الذي (يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) فيصح النفل بنية من أول النهار أي قبل الزوال وتناول مفطر عند الشافعية ويثاب من طلوع الفجر لأن الصوم لا يتجزأ (ن ه عن عائشة) قلت : يا رسول الله أهدي لنا حيس فخبأت لك منه فقال : أدنيه أما إني أصبحت وأنا صائم فأكل ثم ذكره قال عبد الحق : فيه انقطاع وذلك لأنه في طريق النساء من رواية أبي جعفر الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة ومجاهد لم يسمعه منها كما في علل الترمذي . 2603 (إنما مثل الذي) أي إنما مثل الإنسان الذي (يصلي ورأسه) أي والحال أن شعر رأسه (معقوص) أي مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود . قال أبو شامة : وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء (حم م طب عن ابن عباس) . 2604 (إنما هلك من كان قبلكم من الأمم) أي تسببوا في إهلاك أنفسهم بالكفر والإبتداع (باختلافهم في الكتاب) يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة فكفر بعضهم بكتاب بعض فهلكوا فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب والمراد بالاختلاف ما أوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو شحناء ونحو ذلك الاختلاف في وجوه المعاني واستنباط الأحكام والمناظرة لإظهار الحق فإنه مأمور به فضلا عن كونه منهيا عنه . قال الحرالي : والاختلاف انتقال من الخلاف وهو تقابل بين اثنين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه (م) في كتاب العلم (عن ابن عمرو) بن العاص قال : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع
[ 7 ]
أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج يعر ف في وجهه الغضب فذكره وفي رواية للترمذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان حمرة من الغضب فقال : أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم ثم ذكره وقضية كلام المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن البخاري وهو ذهول بل خرجه عن النزال بن سبرة عن ابن مسعود وليس بينهما إلا اختلاف قليل ومن ثم أطلق عزوه إليهما أئمة كالديلمي . 2605 (إنما هما قبضتان) تثنية قبضة والقبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وهو بالضم الاسم وبالفتح المرة والقبض الآخذ بجميع الكف (تنبيه) سبق عن العارف ابن عربي ما يفيد أن المراد بالقبضتين هنا سر الكمال الذاتي الذي إذا انكشف إلى الأبصار يوم القيامة يختلف أبصار الكافر فيرمى به في النار والمؤمن فيدخله الجنة فالقبضتان متحد معناهما مثنى لفظهما وبسرهما خلقت الجنة والنار والمنور والمظلم والمنعم والمنتقم وعلى ذلك المنوال قال : (والأرض جميعا قبضته) عرفنا من وضع اللسان أن يقال فلان في قبضتي يريد تحت حكمي وإن كان لا شئ منه في يديه البتة لكن أمره فيه ماض وحكمه عليه قاض كحكمه على ما ملكته يده حسا وقبضت عليه فلما استحالت الجارحة عليه تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو ملك ما قبضت عليه حالا (فقبضة في النار وقبضة في الجنة) أي أنه سبحانه وتعالى قبض قبضة وقال هذه إلى النار ولا أبالي وقبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي فالعبرة إنما هو بسابق القضاء الإلهي الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا ولا يناقضه خبر إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة غيب عنا والخاتمة ظاهرة لنا فنيطت الأعمال بها بالنسبة إلينا ومع ذلك فيتعين العمل لآية (فأما من أعطى واتقى) ولا يغتر بإيحاء النفس والشيطان أنه لا عبرة بالعمل بل بالسابقة أو الخاتمة فإنه تمويه وإضلال وغفلة عن وضع الأسباب للمسببات (حم طب عن معاذ) بن جبل . 2606 (إنما هما اثنتان الكلام والهدى) أي السيرة والطريق (فأحسن الكلام) مطلقا (كلام الله) المنزل على رسله في الكتب العلية الشأن وأعظمها الكتب الأربعة (وأحسن الهدي هدي محمد) النبي الأمي أي سيرته وطريقته (ألا) قال الحرالي : استفتاح وتنبيه وجمع للقلوب للسماع (وإياكم ومحدثات الأمور) أي احذروها وهي ما أحدث على غير قواعد الشرع كما سبق (فإن شر الأمور محدثاتها) التي هي كذلك (وكل محدثة) أي خصلة محدثة (بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم
[ 8 ]
الأمد) بدال مهملة كذا هو بخط المصنف فمن جعلها براء فقد حرف (فتقسو قلوبكم) (ولا تكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) * ومن ثم قال الحكيم بطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقل الذنوب وما أنصف من نفسه من أيقن بالحشر والحساب وزهد في الأجر والثواب وقال الغزالي : إذا أملت [ ص 6 ] العيش الطويل شغل قلبك وضاع وقتك وكثر همك وغمك بلا فائدة ولا طائل ومن طال أمله لا يذكر الموت فمن لم يذكره فمن أين لقلبه الحرقة فإذا طولت أملك قلت طاعتك فإنك تقول سوف أفعل والأيام بين يدي وتأخرت توبتك واشتد حرصك وقسى قلبك وعظمت غفلتك عن الآخرة وذهبت والعياذ بالله آخرتك (ألا إن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت) فكأنكم بالموت وقد حل بكم والساعة أدهى وأمر قال الطائي : من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن طال أمله ساء عمله وقال يحيى بن معاذ : الأمل قاطع عن كل خير والطمع مانع من كل حق والصبر صائر إلى كل ظفر والنفس داعية إلى كل شر ومن ثمرات طول الأمل ترك الطاعة والتكاسل فيها وترك التوبة وتسويفها والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة مخافة الفقر والنسيان للآخرة (ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه) أي من قدر الله عليه في أصل خلقته كونه شقيا فشقي حقيقة لا من عرض له الشقاء بعد وهو إشارة لشقاء الآخرة لا الدنيا (والسعيد من وعظ بغيره ألا إن قتال المؤمن كفر) أي يؤدي إلى الكفر لشؤمه أو كفعل الكفار أو إن استحل والمراد كفر النعمة لا الجحود (وسبابه فسوق) أي سبه وشتمه خروج عن طاعة الله (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث) من الأيام إلا لمصلحة دينية كما دلت عليه أخبار وآثار (ألا وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع (فإن الكذب لا يصلح لا بالجد ولا بالهزل) حيث كان لغير مصلحة شرعية كإصلاح بين الناس والكذب لغير ذلك جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه لأنه نتيجة النميمة والنميمة نتيجة البغضاء تؤول إلى العداوة وليس مع العداوة أمن ولا راحة (ولا يعد الرجل صبيه) يعني طفله ذكرا أو أنثى فتخصيص الصبي غالبي (فلا يفي له) بل ينبغي أن يقف عند قوله عند وعده لولده * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * وقوله فلا بالفاء هو ما رأيته في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أره ذكره بالفاء (وإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي إلى دخول نار جهنم (وإن الصدق) أي قول الحق (يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة) يعني أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذمة وذلك سبب لدخول الجنة بفضل الله (وإنه يقال) أي بين الملأ الأعلى ويكتب في اللوح أو في الصحف أو على ألسنة الخلق
[ 9 ]
بإلهام من الله تعالى (للصادق صدق وبر) في أقواله (ويقال للكاذ ب كذب وفجر) فيصير ذلك كالعلم عليه وذلك يحمل من له أدنى عقل على الرغبة في الأول والتحرز عن التساهل في الثاني (ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه والمراد أن دواعي الكذب قد ترادفت فيه حتى ألفها فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه فطامه وحينئذ يكتب عند الله كذابا ، وكرر حرف التنبيه زيادة في تقريع القلوب بهذه المواعظ وأن كل كلمة من هذه الكلمات حقيقة بأن يتنبه المخاطب بها ويلقي لها سمعا واعيا وقلبا مراعيا (ه عن ابن مسعود) قال الزين العراقي إسناده جيد . 2607 (إنما يبعث الناس) من قبورهم (على نياتهم) فمن مات على شئ بعث عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر . فيه أن الأمور بمقاصدها وهي قاعدة عظيمة مفرع عليها من الأحكام ما لا يخفى وفي رواية إنما يحشر الناس على نياتهم وفي رواية لابن ماجه أيضا بدون إنما . (ه عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن وقال الزين العراقي إسناد أحد روايتي ابن ماجه حسن . 2608 (إنما يبعث المقتتلون على النيات) أي إنما يؤتون يوم القيامة على نياتهم أي قصودهم التي كانوا عليها في الدنيا فيجازون على طبقها وتجري أعمالهم على حكمها قال الغزالي : فمن عزم ليلا على أن يصبح ويقتل مسلما أو يزني بإمرأة فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها فكيف يظن أن الله لا يؤاخذ بالنية والهم (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن شمر قال في الميزان عن الجوزجاني كذاب وعن ابن حبان رافضي يروي الموضوعات وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مناكير هذا منها وعمرو هذا واه وجابر الجعفي قد ضعفوه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي : وفيه جابر الجعفي ضعيف وقال الحافظ : رواه ابن أبي الدنيا باللفظ المزبور عن ابن عمر رضي الله عنه وسنده ضعيف ورويناه في فوائد تمام بلفظ إنما يبعث المسلمون على النيات وفيه ليث بن أبي سليم وفيه خلف . 2609 (إنما يسلط الله تعالى على ابن آدم من يخافه ابن آدم ولو أن ابن آدم يخف غير الله لم
[ 10 ]
يسلط الله عليه أحدا) من خلقه فيؤذيه (وإنما وكل) بالبناء للمفعول والتخفيف أي إنما فوض (ابن آدم) أي أمره (لمن رجا ابن آدم) أي لمن أمل منه حصول نفع أو ضر (ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله) أي لم يؤمل نفعا ولا ضرا إلا منه (لم يكله الله إلى غيره) لكنه تردد وشك فأحس بالمكروه فإنه إذا شك انتفخت الرئة للجبن الذي حل بها وضاق الصدر حتى زجزج القلب عن محله فلما ضاق على القلب محله ضاق محله التدبير وهو الصدر فحصل الاضطراب والقلق والخوف ولو أشرق عليه نور اليقين لما تزحزح ولما زاد عند عروض المخوف إلا ثباتا واتساعا لكمال وثوقه بربه وجزمه بأن النفع والضرر ليس إلا منه لا من الأسباب فافهم (الحكيم) الترمذي (عن ابن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر في سفر بجمع على طريق فقال : ما شأنكم . قالوا : أسد قطع الطريق فنزل فأخذ بأذنه فنحاه عن الطريق ثم قال : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما يسلط فذكره (فائدة) قال ابن عربي : أوحى الله إلى داود عليه السلام ابن لي بيتا يعني بيت المقدس فكلما بناه تهدم فأوحى الله إليه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال : ما كان إلا في سبيلك فقال : صدقت ومع هذا أليسوا عبيدي وإنه يقوم على يد ولدك سليمان فكان . 2610 (إنما يدخل الجنة من يرجوها) لأن من لم يرجها قانط من رحمة الله والمقنط جاهل بالله وجهله به يبعده عن دار كرامته ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (وإنما يجنب النار من يخافها) أي يخاف أن يعذبه ربه بها والله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به (وإنما يرحم الله من يرحم) أي يرق قلبه على غيره لأن الجزاء من جنس العمل فمن لا يرحم لا يرحم (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العلائي : إسناده حسن على شرط مسلم وأقول هذا غير مقبول ففيه سويد بن سعيد فإن كان الهروي فقد قال الذهبي : قال أحمد متروك وقال البخاري : عمي فلقي فتلقن وقال النسائي : غير ثقة وإن كان الدقاق فمنكر الحديث كما في الضعفاء للذهبي . 2611 (إنما يخرج الدجال) من دجل البعير طلاه بالقطران طليا كثيفا سمي به لستره الحق بباطله أو من دجل الشئ طلاه بالذهب موهه به لتمويهه على الناس أو من دجل في الأرض إذا ضرب فيها لكونه يطوفها كلها في أمد قليل أو من الدجل وهو الكذب وهو أعور كذاب (من غضبة) أي لأجل غضبة يتحلل بها سلاسله (يغضبها) قال الطيبي : قيل يغضبها في محل صفة غضبة والضمير للغضبة وهو في محل نصب على المصدر أي أنه يغضب غضبة فيخرج بسبب غضبه والقصد الإشعار بشدة غضبه
[ 11 ]
حيث أوقع خروجه على الغضبة وهي المرة من الغضب ويحتمل جعله مفعولا مطلقا على رأي من يجوز كونه ضميرا (حم م) في الفتن (عن حفصة) بنت عمر استشهد عنها خنيس بن حذافة السهمي يوم أحد ماتت سنة إحدى وأربعين أو غيرها ولم يخرجه البخاري . 2612 (إنما يرحم الله من) بيانية (عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في إنما كافة وبالرفع على أنها موصولة والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة وقضيته أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة الكاملة بخلاف من فيه رحمة ما . لكن قضية خبر أبي داود الراحمون يرحمهم الله شموله ورجحه البعض وإنما بولغ في الأول لأن ذكر لفظ الجلالة فيه دال على العظمة فناسب فيه التعظيم والمبالغة (فائدة) ذكر بعض العارفين من مشائخنا أن حجة الإسلام الغزالي رؤي في النوم فسئل ما فعل الله به فقال : أوقفني بين يديه وقال : بماذا جئت فذكرت أنواعا من العبادات فقال : ما قبلت منها شيئا ولكن غفرت لك هل تدري بماذا ؟ جلست تكتب يوما فسقطت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك (طب عن جرير) بن عبد الله وعزوه للطبراني كالصريح في أنه لم يره في شئ من الكتب الستة وهو غفول قبيح فقد عزاه هو نفسه في الدرر للشيخين معا من رواية حديث أسامة بن زيد وهو في كتاب الجنائز من البخاري ولفظه عن أسامة بن زيد قال : أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول : إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إليهم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال سعد : يا رسول الله ما هذا قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده إنما يرحم الله من عباده الرحماء . 2613 (إنما يعرف الفضل لأهل الفضل) لفظ رواية الخطيب ذو الفضل أي العلم والعمل لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى معرفته جهلوا فضله واسترذلوا أهله وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتنيات والطرف المشتهيات أولى أن يكون إقبالهم عليها وأحرى أن يكون إشتغالهم بها قال ابن المعتز : العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما ولذلك انصرف الجهال عن العلم وأهله انصراف الزاهدين وانحرفوا عنه وعنهم الخراف المعاندين فإن من جهل شيئا عاداه والناقص لعدم الفضل لعجزه عن بلوغ فضلهم يريد ردهم إلى درجة نقصه لعزته بنفسه ذكره الماوردي وقال الإمام الرازي : ما لم يكن
[ 12 ]
الإنسان أعلم من غيره لا يمكن معرفته قدره فلا يقدر [ ص 9 ] على التمييز بين رجلين إلا أعلم منهما لأنه لا بد أن يعرف مقدار معلومات كل ومقدار ما به زاد أحدهما على الآخر ونقص منه وهذا لا يتيسر إلا لأعلم من كل منهما وإذا لم يمكن الناقص أن يحيط بما هو أكمل منه في العرف الشاهد فكيف يمكن العقول الناقصة الإحاطة بجلال من جلاله غير متناه قال الماوردي : فيه أن الطالب إذا أحس من نفسه قوة لفرط ذكائه وحدة خاطره يعرف لمعلمه فضله ولا يظهر له الاستكفاء منه ولا الاستغناء عنه فإن في ذلك كفرا بنعمته واستخفافا بحقه لكن لا يبعثه معرفة الحق له على التقليد فيما أخذ عنه فربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل وأن اعتقاده حجة وإن لم يحتج فيفضي بهم الأمر إلى التسليم له فيما أخذوا عنه ويؤول به ذلك إلى التقصير فيميصدر منه لأنه يجتهد بحسب اجتهاد من يأخذ عنه فلا يبعد أن تبطل تلك المقالة إن انفردت أو يخرج أهلها عن عداد العلماء فيما شاركت لأنه قد لا يرى لهم من يأخذ عنهم ما كانوا يرونه لمن أخذوا عنه فيطالبوهم بما قصروا فيه فيضعفوا عن إبانته ويعجزوا عن نصرته فيذهبوا ضائعين ويصيروا عجزة مضعوفين اه‍ . (خط) في ترجمة أبي ظاهر الأنباري (عن أنس) قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد إذ أقبل علي فسلم ثم وقف ينتظر موضعا يجلس فيه وكان أبو بكر عن يمينه فتزحزح له عن مجلسه وقال : ههنا يا أبا الحسن فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فعرف السرور في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقضية تصرف المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة جعفر الدقاق الحافظ من روايته عنه ثم تعقبه بأن أبا زرعة ذكر عن الجرجاني أنقال : هو ليس بمرضي في الحديث ولا في كتبه كان فاسقا كذابا هذه عبارته فاقتصار المصنف على عزوه إليه وسكوته عما أعله به غير صواب ثم إن فيه أيضا محمد بن زكريا الغلابي قال الذهبي في الضعفاء : قال الدارقطني : يضع الحديث وقال ابن الجوزي : موضوع فإن الغلابي يضع (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن عائشة) قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر فأقبل العباس فأوسع له فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فذكره قال السخاوي : وهما ضعيفان ومعناه صحيح ولا يخدشه إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر انتهى . 2614 (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح) أي يرش بالماء حتى يعم موضع البول وإن لم يسل (من بول الذكر) أي الصبي الذي لم يتناول غير لبن للتغذي ولم يجاوز حولين ومثل الأنثى الخنثى وفارق الذكر بغلبة الإبتلاء بحمله دونهما أما إذا أكل غير لبن للتغذي أو جاوز حولين فيتعين الغسل وبهذا كله أخذ الشافعي وفينجاسة بول الطفل قال النووي : وما حكاه عياض عن الشافعي أنه طاهر فينضح باطل والإكتفاء بالنضح هو مذهب الشافعي كما تقرر وقال أبو حنيفة ومالك يغسل كغيره والحديث حجة عليهما (حم د ه ك عن أم الفضل) بنت الحارث امرأة العباس لبابة قالت كان الحسن في
[ 13 ]
حجر النبي صلى الله عليه وسلم فبال فقلت : أعطني إزارك أغسله فذكره وسكت عليه أبو داود وأقره المنذري وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر في تخريج المختصر حديث حسن وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالطفل وندب حمله . 2615 (إنما يقيم) للصلاة (من) أي المؤذن الذي (أذن) لها يعني هو أولى بالإقامة من غيره لأن ذلك حتم كما تعيده روايات أخر . (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلب بلالا ليؤذن فلم يوجد فأمر رجلا فأذن فجاء بلال فأراد أن يقيم فذكره قال الهيثمي : فيه سعد بن راشد السماك ضعيف . 2616 (إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا) أي مدة كونه فيها (مثل زاد الراكب) هو ما يوصل لمقصده بقدر الحاجة من غير فضلة في مأكله ومشربه وما يقيه الحر والبرد وهذا إرشاد إلى الزهد في الدنيا والاقتصار فيها على قدر الحاجة فإن التوسع فيها وإن كان قد يعين على المقاصد الأخروية لكن النعم الدنيوية قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله استكثار بقصد صرف الفاضل إلى ما يوصل إلى منازل الأبرار وإلا فالبعد البعد والفرار والفرار عن مظان الأخطار (طب هب) وكذا أبو يعلى من حديث يحيى بن جعدة (عن خباب) بمعجمة وموحدتين أولهما مشددة قال يحيى : عاد خبابا ناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : أبشر أبا عبد الله ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض فقال : كيف بهذا وأشار إلى أعلى البيت وأسفله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال المنذري : إسناده جيد وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة . 2617 (إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله) وما عدا ذلك فهو معدود عند أهل الحق من السرف وتركه عين الشرف وصرف النفس عن شهواتها حتى الحلال هو حقيقة تزكيتها وقتلها إضناؤها إنما هو إحياؤها وإطلاقها ترتع في شهواتها هو إرداؤها * (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) * والنفس مطية يقويها اضناؤها ويضعفها استمتاعها فعلى المؤمن رفع يده عما زاد على الكفاف وتخليته لذوي الحاجة ليتخذوه معاشا . (ت) في الزهد (ن) في الزينة (ه) في الزهد (عن أبي عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة فوق بن ربيعة بن عبد شمس القرشي بن خالد أو شيبة أو
[ 14 ]
هاشم أو هشام أو هشيم صحابي صغير من مسلمة الفتح مرض فجاء معاوية يعوده فقال : يا خالي ما يبكيك أوجع يعتريك أي يقلقك قال : كلا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا لم آخذ به فذكره . 2618 (إنما يلبس الحرير في الدنيا) لفظ عربي يسمى به لخلوصه إذ يقال لكل أمر خالص محرر وقيل فارسي معرب (من) أي مكلف وكلمة من هذه تدل على العموم فتشمل الإناث لكنه مخصوص بالرجال بأدلة خارجية (لا خلاق) أي نصيب (له في الآخرة) يعني من لاحظ ولا نصيب له من لبس الحرير في الآخرة فعدم نصيبه كناية عن عدم دخوله الجنة * (ولباسهم فيها حرير) * وهذا إن استحل وإلا فهو تهويل وزجر . قال الكرماني : وربما يتوهم أن فيه دليلا لحل لبسه للكافر وهو باطل إذ ليس في الحديث الإذن له في لبسه وهو مخاطب بالفروع فيحرم عليه كالمسلم قال الحرالي : والخلاق الحظ اللائق بالخلق والخلق وقال الراغب : الخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه وقال الزمخشري : الخلاق النصيب وهو كمال خلق الإنسان أي ما قدر له من خير كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب لأنه نصب أي أثبت اه‍ . (حم ق د ن ه) عن عبد الله بن عمر عن أبيه (عمر) بن الخطاب حدث عبد الله أن أباه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال عمر : يا رسول الله لولا اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك فذكره . 2619 (إنما يلبس علينا صلاتنا) أي إنما يخلط علينا فيها واللبس الخلط والإشكال (قوم يحضرون الصلاة بغير طهور) أي احتياط في الطهارة عند الحدثين بأن يغفلوا عن ما يطلب تعهده أو يتساهلوا فيما ينبغي التحري فيه منها (من شهد الصلاة) أي حضرها معنا (فليحسن الطهور) بالمحافظة على شروطه وواجباته وآدابه لئلا يعود شؤمه على المصلين معه فيجد الشيطان للتلبيس عليهم سبيلا سهلا بواسطته (حم ش) أبو بكر (عن أبي روح الكلاعي) قال : صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فلما انصرف ذكره وأبو الروح هذا هو شيب بن ذي الكلاع بفتح الكاف وخفة اللام وعين مهملة روى عنه عبد الملك بن عمير قال الذهبي : وله صحبة قال أبو روح : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال : إنما إلخ . 2620 (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم) أي طلب ضعفائها من الله تعالى النصر
[ 15 ]
والظفر لهذه العصابة الإسلامية (وصلاتهم وإخلاصهم) أي في جميع أعمالهم . قال في الكشاف : والنصر الإغاثة والإظهار على العدو ومنه نصر الله الأرض أغاثها . (ن) من حديث مصعب بن سعد (عن سعد) بن أبي وقاص رأى سعد أن له فضلا على من دونه فقال صلى الله عليه وسلم ذلك وهكذا رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي قال مصعب . 2621 (إنه ليغان) بغين معجمة من العين وهو الغطاء (على قلبي) الجار والمجرور نائب عن الفاعل ليغان أي ليغشى على قلبي وقال الطيبي : إسم إن ضمير الشأن والجملة بعده خبر له أو مفسرة والفعل مسند إلى الظرف ومحله الرفع بالفاعلية (وإني لأستغفر الله) أي أطلب منه الغفر أي الستر (في اليوم) الواحد من الأيام ولم يرد يوما معينا (مائة مرة) قال العارف الشاذلي : هذا غين أنوار لا غين أغيار لأنه كان دائم الترقي فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه ارتقى إلى رتبة أعلى منها فيعد ما قبلها كالذنب اه‍ أي فليس ذلك الغين غين حجاب ولا غفلة كما وهم وإنما كان تستغرقه أنوار التجليات فيغيب بذلك الحضور ثم يسأل الله المغفرة أي ستر ما له عليه لأن الخواص لو دام لهم التجلي لتلاشوا عند سلطان الحقيقة فالستر لهم رحمة وللعامة حجاب ونقمة ومن كلمات السهروردي : لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال المصطفى صلى الله عليه وسلم بل كمال أو تتمة كمال وهذا السر دقيق لا ينكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر وإن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما يقع به إن يكون ناويا فإن القصد من خلق العين إدراك الحسيات وذلك لا يمكن إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات عند قوم وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدة عند آخرين فكيفما ما كان لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين وعرائها عما يمنع انبعاث الأشعة عنها لكن لما كان الهوى المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الغبار الثائر تحركه الرياح فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف تأذت به فتغطت بالجفون وقاية لها ومصقلة للحدقة فيدوم جلاؤها فالجفن وإن كان نقصا ظاهرا فهو كمال حقيقة فلهذا لم تزل بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة لأن تصدأ بالغبار الثائر من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقة بصيرته سترا لها ووقاية وصقالا عن تلك الأغيرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها فصح أن الغين وإن كان نقصا فمعناه كمال وصقال حقيقة انتهى وهنا تأويلات بعيدة وتوجيهات غير سديدة وحسبك بهذا وأراد بالمائة التكثير فلا تدافع بينه وبين رواية السبعين الآتية وقال الحرالي : خص المائة لكمالها في العدد المثلث من الآحاد والعشرات وعشرها وتر الشفع لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرار له يجزئ عنه الثلاث (حم م) في الدعوات (د ه) في الصلاة (ن) في يوم وليلة (عن الأغر) بفتح الهمزة والمعجمة بن عبد الله (المزني) بضم الميم وفتح الزاي وقيل الجهني ومنهم من قرن بينهما قال البخاري : المزني أصح صحابي يروي عن معاوية بن قرة .
[ 16 ]
2622 (إنه) أي الشأن (من لم يسأل الله تعالى) أي يطلب من فضله (يغضب عليه) لأنه إما قانط وإما متكبر وكل واحد من الأمرين موجب الغضب قال بعض المفسرين في قوله تعالى * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) * أي عن دعائي فهو سبحانه يحب أن يسأل وأن يلح عليه ومن لم يسأله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه قال ابن القيم : هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه والدعاء عبادة وقد قال تعالى * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * فهو تعالى يغضب على من لم يسأله كما أن الآدمي يغضب على من يسأله . الله يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب فشتان ما بين هذين وسحقا لمن علق بالأثر وأبعد عن العين قال الحليمي : وإذا كان هكذا فما ينبغي لأحد أن يخلى يوما وليلة من الدعاء لأن الزمن يوم وليلة وما وراءهما تكرار فإذا كان ترك الدعاء أصلا يوجب الغضب فأدنى ما في تركه يوم وليلة أن يكون مكروها (ت عن أبي هريرة) وخرجه عنه أيضا أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي والخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن ابن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما ذكر ذكره كله الحافظ ابن حجر . 2623 (إني أوعك) أي يأخذني الوعك بسكون العين أي شدة الحمى وسورتها أو ألمها والرعدة فيها (كما يوعك رجلان منكم) لمضاعفة الأجر وكذا سائر الأنبياء كما ذكره القضاعي وتمام الحديث قيل : يا رسول الله وذاك لأن لك أجرين قال : أجل . (حم م) في الأدب (عن ابن مسعود) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن البخاري والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في الطب من حديث ابن مسعود ولفظه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت : إنك لتوعك وعكا شديدا فقال : أجل لأني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت : ذلك أن لك أجرين قال : أجل ذلك كذلك ما من مؤمن يصيبه أذى من شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها . 2624 (إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) بن الخطاب لمهابته كما سبق موضحا وهذا قاله وقد رأى حبشية تزفن والناس حولها إذ طلع عمر فانفضوا عنها مهابة له وخوفا منه
[ 17 ]
فتلك المرأة شيطان الإنسان لأنها تفعل فعل الشيطان (ت) في المناقب (عن عائشة) قالت : سمعنا لغطا وصوت صبيان فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن فقال : يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكبه أنظر إليها فقال : أما شبعت فأقول : لا إذ طلع عمر فانفض الناس فذكره قال الترمذي : صحيح غريب من هذا الوجه انتهى وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف لم يكن به بأس وقد يهم . 2625 (إني فيما لم يوح إلي) بالبناء للمفعول ويصح للفاعل (كأحدكم) فإني بشر لا أعلم إلا ما علمني ربي واعلم أنه كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم أحوال فتارة تؤخذ عنه فيقو : لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني أي طعام بر وإنعام ومحبة وإكرام وتارة ترد عليه فيقول : إني كأحدكم وتارة تستغرقه نور المشاهدات الربانية فيقول : لي وقت لا يسعني فيه غير ربي وتارة تختطفه الجذبات القريبة فيقول : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وبذلك يعرف أنه لا تناقض بين ما هو من هذا القبيل من الأخبار فتدبر (طب وابن شاهين في) كتاب (السنة عن معاذ) بن جبل قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرحني إلى اليمن استشار أصحابه فقال أبو بكر : لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا فذكره قال الهيثمي : وفيه أبو العطوف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف . 2626 (إني لم أبعث لعانا) أي مبالغا في اللعن أي الإبعاد عن الرحمة والمراد نفي أصل الفعل على وزان * (وما ربك بظلام) * وهذا قاله لما قيل له ادع على المشركين يعني لو كنت أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة الله ولصرت قاطعا عن الخير إني لم أبعث لهذا (طب عن كريز بن أسامة) العامري وقيل ابن سلمة بصري قال الذهبي : يقال له صحبة قال : قيل : يا رسول الله ادع الله على بني عامر فذكره قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفهم . 2627 (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) لمن أراد الله إخراجه من الكفر إلى الإيمان أو لأقرب الناس إلى الله وإلى رحمته لا لأبعدهم عنها فاللعن مناف لحالي فكيف ألعن قال المظهري : وفي هذا الحديث مباحث منها أن معنى قوله رحمة بهدايته للمسلم وتأخير العذاب عن نوع من الكفار وهم أهل الذمة وما عداهم أمر بقتلهم وغنم ما لهم وذا من أشد عذاب الدنيا ، وهب أن امتناعه هذا من الدعاء عليهم من جهة العموم فما المانع من جهة الخصوص ؟ ومنها أن طلب الدعاء عليهم لا ينحصر
[ 18 ]
في اللعن فما موقع الجواب بقوله لم أبعث لعانا ومنها أن لعن الكفار جائز وقد لعن الله الكافرين والظالمين وفي البخاري أنه دعا على قريش انتهى . (خد م عن أبي هريرة) . 2628 (إني لأمزح) أي بالقول وكذا بالفعل وتخصيصه بالأول ليس عليه معول (ولا أقول إلا حقا) لعصمتي عن الزلل في القول والعمل وذلك كقوله لامرأة زوجك في عينه بياض وقوله في أخرى لايدخل الجنة عجوز وقوله لأخرى لأحملنك على ولد الناقة وقيل لابن عيينة المزاح سبة فقال : بل سنة ولكن من يحسنه وإنما كان يمزح لأن الناس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه فلو ترك اللطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة والعناء فمزح ليمزحوا ولا يناقض ذلك خبر ما أنا من دد ولا الدد مني فإن الدد اللهو والباطل وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقا فمن زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد افترى وقال الماوردي : العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما أحدهما إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين وهذا يكون بما أنس من جميل القول وبسط من مستحسن الفعل كما قال حكيم لابنه : يا بني اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء والتقصير فيه نقص بالمؤانسين وتوحش بالمخالطين والثاني أن ينبغي من المزاح ما طرأ عليه وحدث به من هم وقد قيل لا بد للمصدور أن ينفث ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ذلك وأتى رجل عليا كرم الله وجهه فقال : احتلمت بأبي قال : أقيموه في الشمس واضربوا ظله الحد أما مزاح يفضي إلى خلاعة أو يفضي إلى سبة فهجنة ومذمة قال ابن عربي : ولا يستعمل المزاح أيضا في أحكام الدين فإنه جهل قال تعالى مخبرا عن قصة البقرة * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) * قال معناه لا أمزح في أحكام الدين فإن ذلك فعل الجاهلين ولكن اذبحوها فستروا الحقيقة فيها (طب) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن أنس) قال الهيثمي : إسناد الطبراني حسن انتهى وإنما لم يصح لأن فيه الحسن بن محمد بن عنبر ضعفه ابن قانع وغيره وقال ابن عدي : حدث بأحاديث أنكرتها عليه منها هذا . 2629 (إني وإن داعبتكم) أي لاطفتكم بالقول (فلا أقول إلا حقا) قاله لما قالوا له : إنك تداعبنا يا رسول الله والمداعبة مطلوبة محبوبة لكن في مواطن مخصوصة فليس في كل آن يصلح المزاح ولا في كل وقت يحسن الجد قال : أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى * وإني إذا جد الرجال لذو جد وقال الراغب : المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويجري
[ 19 ]
السفهاء وتركه يقبض المؤانس ويوحش المخالط لكن الاقتصاد منه صعب جدا لا يكاد يوقف عليه ولذلك يخرج عنه أكثر الحكماء حيث قيل المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء فحل لا ينتج إلا الشر (حم ت) وحسنه (عن أبي هريرة) وقال الهيثمي : إسناد أحمد حسن . 2630 (إني لأعطي رجالا) مفعوله الثاني محذوف أي الشئ (وأدع) أي والحال أني أترك (من هو أحب إلي منهم) أي أولى بالإعطاء منه (لا أعطيه شيئا) من الفئ ونحوه (مخافة) مفعول لقوله أعطي أي لأجل مخافة (أن يكبوا) بضم أوله وفتح الكاف (في النار) أي يقلبوا منكوسين فيها والكب الإلقاء على الوجه فقوله (على وجوههم) تأكيد يعني أعطي بعضا لعلمي بضعف إيمانه حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسقط في النار على وجهه وأترك بعضا في القسمة لعلمي بكمال إيمانه ورضاه بفعلي فمن المؤلفة الذين لم يصل نور الإيمان لقلوبهم وإنما كانوا عبيد الدرهم والدينار وكان يعطيهم الأقرع بن حابس وعيينة وابن مرداس وأبو سفيان ويزيد ابنه وفي شرح الأحكام لعبد الحق أن أخاه معاوية منهم حكاه المقدسي وغيره من علماء الآثار كذا قال وفيه حل الإعطاء لمن لم يتمكن الإسلام من قلبه وأن للإمام تمييز البعض لمصلحة وأنه يقدم الأهم فالأهم وفيه جواز الشفاعة إلى ولاة الأمور ومراجعة المشفوع إليه إذا لم يؤد إلى مفسدة والأمر بالتثبت وأن المشفوع إليه لا يعاب إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة وأنه ينبغي أن يعتذر للشافع ويبين له عذره في ردها وأنه لا يقطع بالجنة لأحد على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرون وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به اعتقاد بالقلب (حم ن عن سعيد) بن أبي وقاص قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت : يا رسول الله أعط فلانا فإنه مؤمن فقال : أو مسلم ؟ أقولها ثلاثا ويرددها علي ثلاثا أو مسلم ثم قال : إني أعطي إلخ وهذا الحديث رواه مسلم عن سعد بلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار وبلفظ إني لأعطي الرجل وغير أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار على وجهه فكان العزو لمسلم أولى . 2631 (إني تارك فيكم) بعد وفاتي (خليفتين) زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما (كتاب الله) القرآن (حبل) أي هو حبل (ممدود ما بين السماء والأرض) قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه (وعترتي) بمثناة فوقية (أهل بيتي) تفصيل بعد إجمال بدلا أو بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
[ 20 ]
وقيل من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي : وهذا لوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها وفروعه التي نشأوا عنه كما قال : " فاطمة بضعة مني " ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه (وإنهما) أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض) أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه وفي هذا مع قوله أولا إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته قال الحكيم : والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنا ما كان ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره (تنبيه) قال الشريف : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض . (حم طب عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي : رجاله موثقون ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة . 2632 (إني لأرجو) أي أؤمل (أن لا تعجز أمتي) بفتح التاء وكسر الجيم أي أغنياؤها عن الصبر على الوقوف للحساب (عند ربها أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يؤخرهم) في هذه الدنيا (نصف يوم) من أيام الآخرة قيل لسعد : كم نصف ذلك اليوم قال : خمسمائة عام أي أخذا من آية * (وإن
[ 21 ]
يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * وما تقرر من حمل الحديث على شأن يوم القيامة وتأويله بما ذكر هو ما مشى عليه بعض المحققين وذهب ابن جرير الطبري إلى إجرائه على ظاهره وقال : نصف اليوم خمسمائة سنة فإذا انضم إلى حديث ابن عباس إن الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الأخبار فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبا انتهى . قال جمع : وقد ظهر بطلان ذلك وقد بين السهيلي أنه ليس في هذا الحديث ما ينفي الزيادة على الخمسمائة قال : وقد جاء ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة وإذا ساءت فنصف يوم انتهى وقد ظهر بطلان ذلك أيضا وقال الطيبي : بعد ما زيف الحمل على يوم القيامة العجز هنا كناية عن كمال القرب والمكانة عند الله يعني إن لي عنده مكانة وقربة يحصل بها كل ما أرجوه فالمعنى إني لأرجو أن يكون لأمتي عند الله مكانة تمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمسمائة سنة بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة قال ابن حجر : بعد ما صوب تزييف الطيبي وتعقب جمع ما مر وما يعتمد عليه في ذلك ما أخرجه معمر في الجامع عن مجاهد عن عكرمة بلاغا في قوله تعالى * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * قال : الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة لا يدري كم مضى وكم بقي إلا الله (حم د) في الملاحم (عن سعد) بن أبي وقاص قال المناوي : سنده جيد وقال ابن حجر في الفتح : رواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا وخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي ثعلبة بلفظ والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم وصححه الحاكم ثم قال : أعني ابن حجر ورجاله ثقات لكن رجح البخاري وقفه . 2633 (إني نهيت) صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد (عن قتل المصلين) قال القاضي : أراد بالمصلين المؤمنين وإنما سمي المؤمن بالمصلي لأن الصلاة أشرف الأعمال وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان قال الحرالي : والنهي الحكم الواقع من الفعل التزاما إليه بمنزلة أثر الفعل المسمى بها لمنعه عما تهوي إليه النفس مما يتبصر فيه النهي (ه عن أبي هريرة) قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء فنفاه فقلنا : ألا تقتله فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لم يثبت وقال الزين العراقي : ضعيف وعده في الميزان من المناكير . 2634 (إني نهيت عن زبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي إعطاؤهم أي رفدهم واستشكل بقبول هدية المقوقس وغيره وجمع بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول لمصلحة كتأليف وتأنيس وأما الجمع بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين فتعقب بأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة وقيل يحمل القبول على من هو من أهل الكتاب والرد على أهل الوثن ومن زعم نسخ المنع كالمؤلف بأحاديث القبول أو عكسه عورض
[ 22 ]
بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص . (د ت) من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله (عن عياض بن حمار) بحاء مهملة وميم مخففة وراء قال : أهديت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ناقة فقال : أسلمت قلت : لا فذكره . 2635 (إني لا أقبل هدية مشرك) أي ما يهديه قل أو كثر إلا لمصلحة كما تقرر وأما غير المصطفى صلى الله عليه وسلم من الولاة فلا يحل له قبولها لنفسه عند الجمهور فإن فعل كانت فيئا (طب) عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب (عن كعب بن مالك) قال : جاء ملاعب الأسنة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهدية فعرض عليه الإسلام فأبى فذكره قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح وفيه قصة وقال ابن حجر : رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح . 2636 (إني لا أصافح النساء) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما استطعتن وأطقتن فقلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال : إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمائة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه (ت ن ه عن أميمة) بالتصغير (بنت رقيقة) بضم الراء وفتح القاف وهي بقافين بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف وقيل هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى فعلى الأول تكون بنت عم أبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثاني أخت خديجة زوجته ولشرفها نسبت إليها بنتها وهي أميمة بنت عبد بجاد بموحدة مفتوحة وجيم خفيفة من بني تميم بن مرة رهط الصديق ورواه عنه أيضا من هذا الوجه باللفظ المذكور أحمد والبيهقي قال ابن حجر في تخريج المختصر : حديث صحيح . 2637 (إني لم أؤمر أن أنقب) بشد القاف أفتش (عن قلوب الناس) لأعلم ما فيها (ولا أشق بطونهم) يعني لم أؤمر أن أستكشف ما في ضمائرهم بل أمرت بالأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر قاله لما جئ له بمال فقسمه بين أربعة فاعترضه رجل فأراد خالد بن الوليد ضرب عنقه فنهاه وقال : لعله يصلي قال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟ فذكره (حم خ عن أبي سعيد) الخدري .
[ 23 ]
2638 (إني حرمت ما بين لابتي المدينة) أي ما بين جبليها (كما حرم إبراهيم مكة) أي كما أظهر حرمة الحرم وظاهر هذا أن للمدينة حرما وهو مذهب الأئمة الثلاثة ونفاه أبو حنيفة قال الشافعية : فصيد الحرم المدني ونباته كالحرم المكي في حرمة التعرض له فيأتي هنا جميع ما هناك للتشبيه في الحرمة ويصير مذبوحه ميتة وغير ذلك ما عدا الفدية عملا بهذا الحديث (م عن أبي سعيد) الخدري . 2639 (إني لأشفع) وفي رواية إني لأرجو أن أشفع عند الله (يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر) بالتحريك جمع مدركقصب وقصبة وهو التراب المتلبد أو قطع الطين أو الطين العلك الذي لا يخالطه رمل (وشجر) يعني أشفع لخلق كثيرين جدا لا يحصيهم إلا الله تعالى فالمراد بمذكره التكثير وفيه جواز الشفاعة ووقوعها وهو مذهب أهل السنة وإذا جاز العفو عن الكبيرة فمع الشفاعة أولى وقد قال الله تعالى * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * فنحو لا يقبل منها شفاعة بعد تسليم عموم الأحوال والأزمان مختص بالكفار جمعا بين الأدلة (حم عن بريدة) تصغير بردة قال : دخلت على معاوية فإذا رجل يتكلم في علي فقال بريدة : يا معاوية أتأذن في الكلام قال : نعم وهو يرى أن يتكلم بمثل ما قال الآخر قال بريدة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني لأرجو أن أشفع إلخ أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي . قال الزين العراقي : سنده حسن وقال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي . 2640 (إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيلها) وفي رواية لمسلم أريد إطالتها (فأسمع بكاء الصبي) أي الطفل الشامل للصبية (فأتجوز في صلاتي) أي أخففها وأقتصر على أقل ممكن من إتمام الأركان والأبعاض والهيئات (شفقة) جملة حالية ورحمة (مما أعلم) ما مصدرية أو موصولة والعائذ محذوف وفي رواية للبخاري بدل مما لما باللام التعليلية (من) بيان لما (شدة وجد أمه) أي حزنها (ببكائه) في رواية من بكائه أي لأجل بكائه قال الزين العراقي : في هذه الرواية اختصار والمراد وأمه معه في الصلاة وولدها معها . (تنبيه) قوله في بعض الطرق لمسلم كان يسمع بكاء الطفل مع أمه وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه وأمه في المسجد في الصلاة وهذا من كريم عوائده ومحاسن أخلاقه وشفقته على أمته * (وكان بالمؤمنين رحيما) * وقد خصه الله من صفة الرحمة بأتمها وأعمها وذكر الأم
[ 24 ]
غالبي فإنه كان أرحم الناس بالصبيان فمثلها من قامقامها كحاضنته أو أبيه مثلا والقصد به بيان الرفق بالمقتدين وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه قوي عليه باعث الرحمة لأمه وغلبه مع علمه بأن بكاء الطفل وصراخه ينفعه كما قال ابن القيم نفعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفتح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك طبيعته لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور قيل وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير له انتظار لحوقه راكعا ليدرك الركعة أو قاعدا ليدرك الجماعة لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي فللعبادة أولى وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه والرفق بالمأموم والإتباع وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح . (حم ق د ه عن أنس) 2641 (إني سألت ربي) أي طلبت منه (أولاد المشركين) أي العفو عنهم وأن لا يلحقهم بآبائهم (فأعطانيهم خدما لأهل الجنة) في الجنة ثم علل كونهم في الجنة المستلزم لعدم دخولهم النار للخلود بقوله (لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك) فلا يكونون في النار معهم (ولأنهم في الميثاق الأول) أي قبضوا وهم على حكمهم في قوله * (ألست بربكم قالوا بلى) * قال الحكيم : فهم خدم أهل الجنة لأنهم لم يستوجبوا الجنة بقول ولا عمل وساروا إلى الآخرة وليس بأيديهم مفتاح الجنة وهو الشهادة ولم يدركوا العمل فيستوجبوا الجنة لأنها ثواب الأعمال وقد كانوا في الميثاق فجاز أن يدخلوها فأعطوا خدمة أهلها بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم . (الحكيم) الترمذي عن (أنس) إطلاق المصنف عزوه إليه غير سديد فإنه إنما ساقه بلفظ يروى عن أنس ولم يذكر له سندا . 2642 (إني لا أشهد على جور) أي ميل عن الاعتدال فكلما خرج عن الاعتدال فهو جور حراما أو مكروها وهذا قاله لمن خص بعض بنيه وجاء يستشهده وقال عياض : وفيه أنه يكره لأهل الفضل الشهادة فيما يكره وإن جاز . (ق ن) عن النعمان بن بشير . 2643 (إني عدل لا أشهد إلا على عدل) سببه ما تقرر من استشهاده على ما خص به ولده ، وبه وبما قبله تمسك أحمد على أن تفضيل بعض الأولاد في الهبة حرام والجمهور على كراهيته لقوله في رواية : أشهد على هذا غيري ولو كان حراما لم يأمر باستشهاد غيره عليه (ابن قانع) في المعجم (عنه) أي عن
[ 25 ]
النعمان (عن أبيه) بشير الأنصاري . 2644 (إني لا أخيس) بكسر الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية (بالعهد) أي لا أنقضه ولا أفسده قال الزمخشري : خاص بالعهد أفسده من خاس للطعام إذا فسد وخاس بوعده أخلفه (ولا أحبس) بحاء وسين مهملتين بينهما موحدة (البرد) أي لا أحبس الرسل الواردين علي ، قال الزمخشري : جمع بريد وهو الرسول . قال الطيبي : والمراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه لأن في تردد الرسل مصلحة كلية فلو حبسوا أو تعرض لهم بمكروه كان سببا لانقطاع السبل بين الفئتين المختلفتين وفيه من الفتنة والفساد ما لا يخفى على ذي لب (حم د) في الجهاد (ن) في السير (حب ك) كلهم (عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بعثتي قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام وقلت لا أرجع إليهم فذكره ثم قال : ولكن ارجع إليهم فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قال : فذهبت ثم أتيته فأسلمت . 2645 (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي) أي بالنبوة قيل هو الحجر الأسود وقيل البارز بزقاق المرفق وعليه أهل مكة سلفا وخلفا وكان ذلك (قبل أن أبعث) أي أرسل وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد البعث كما روي عن علي كرم الله وجهه ، فإن قيل : ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بإن والجملة الاسمية وليس المقام مقام إنكار ؟ قلنا : قد يكون علم منهم الغفلة عن مثل هذا في ذلك الوقت فأراد التنبيه عليه بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه كما في قوله سبحانه * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) * ولم ينكر أحد الموت لكن لما غلبت الغفلة عنه حسن أو بالنظر إلى غيرهم لأنه أمر مستغرب فهو في مظنة الإنكار فإن قيل : محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجرا كان يسلم وهو وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه فلم خصه قلنا : يحتمل أنه حجر ذو شأن عظيم ولهذنكره تنكير تعظيم ومن ثم قيل هو الحجر الأسود كما تقرر وبهذا المعنى يلتئم مع خبر عائشة لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا مدر ولا شجر إلا سلم علي قال ابن سيد الناس : وهذا التسليم يحتمل كونه حقيقة بأن أنطقه الله كما أنطق الجذع وكونه مضافا إلى ملائكة عنده من قبيل * (واسأل القرية) * قال غيره : والصحيح الأول معجزة له كإحياء الموتى معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام اه‍ والأول هو ما عليه قاطبة أهل الكشف ومعنى سماعه سلامه أنه فتح سمعه لإدراك سلامه فقد قال ابن عربي : فتح سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه قال : وإنما قل فتح سمعه لأن الحصى ما زال منذ خلق مسبحا بحمد موجده فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه وفي الروض الأنف الأظهر أن هذا التسليم حقيقة وأنه تعالى أنطقه إنطاقا كما
[ 26 ]
خلق الحنين في الجذع لكن ليس له شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأن الصوت عرض عند الأكثر ولم يخالف فيه إلا النظام وجعله الأشعري اصطكاك الجواهر بعضها ببعض ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من شرط الحياة والعلم مع الكلام والله أعلم أي ذلك كان أكان مقرونا بحياة وعلم فيكون الحجر به مؤمنا أم كان صوتا مجردا ؟ وأيا ما كان هو من إعلام النبوة وقال القرطبي : الصحيح من مذهب أئمتنا أن كلام الجماد راجع إلى أنه تعالى يخلق فيه أصواتا مقطعة من غير مخارج يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها (حم م ت عن جابر بن سمرة) قال في المنار : سكت عليه ولم يبين أنه من رواية سماك بن حرب انتهى ولفظ رواية مسلم إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن فقوله إني إلخ لعله سقط من قلم المؤلف . 2646 (إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر) بن صيفي الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة كان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب واسمه عمرو وقيل عبد عمرو كان يذكر البعث ويحث على دين الحنيفية فلما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم عانده وحبسه وخرج إلى مكة ورجع مع قريش يوم أحد محاربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ثم رجع لمكة فأقام بها فلما فتحت هرب إلى الروم فمات بها كافرا وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه حتى أنه استأذن المصطفى صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه فنهاه واستشهد بأحد جنبا فلذلك رأى الملائكة تغسله (بين السماء والأرض) أي في الهواء (بماء المزن) أي المطر (في صحاف الفضة) وكان قتله شداد بن الأسود وذلك أنه التقى هو وأبو سفيان بن حرب فاستعلى حنظلة عليه ليقتله فرآه شداد فعلاه بالسيف حتى قتله وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صاحبكم لتغسله الملائكة فسلوا صاحبته فقالت : خرج وهو جنب لما سمع الهاتف فقال : لذلك غسلته الملائكة وكفى بهذا شرفا وذا لا ينافيه الأخبار الناهية عن غسل الشهيد لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم . (ابن سعد) في الطبقات (عن خزيمة) بالتصغير (بن ثابت) الأوسي ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا وقتل مع علي بصفين . 2647 (إني أحدثكم) لفظ رواية الطبراني محدثكم (الحديث فليحدث الحاضر) عندي (منكم الغائب) عني فإن بالتحديث يحصل التبليغ ويحفظ الحديث وفيه وجو ب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي : رجاله موثقون .
[ 27 ]
2648 (إني أشهد) بضم الهمزة وكسر الهاء (عدد تراب الدنيا أن مسيلمة كذاب) في جرأته على الله تعالى ودعواه النبوة ، قيل للأحنف : كيف وجدت مسيلمة قال : ما هو بنبي صادق ولا بمتنبي حاذق قال الحرالي : والعدد اعتبار الكثرة بعضها ببعض (طب عن وبر) بالتحريك بضبط المصنف (الحنفي) بفتح المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة بطن كثير عامتهم كانوا باليمامة ووبر في الصحابة اثنان وبر بن مسهر له وفادة من جهة مسيلمة الكذاب فأسلم ووبر بن خنيس الخزاعي وظاهره أن المراد هنا الأول . 2649 (إني لأبغض) بضم الهمزة وغين معجمة مكسورة (المرأة تخرج من بيتها تجر ذيلها تشكو زوجها) يحتمل إلى القاضي ويحتمل إلى الناس كالأهل والجيران والأصهار والمعارف والحمل على الأعم أتم فيكره لها شكواه ولو محقة بل عليها الملاطفة والصبر ما أمكن ، نعم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا لوم على شكواها إذا فعل بها ما لا يجوز شرعا ولم ينجع فيه غير الشكوى (طب عن أم سلمة) قال الهيثمي : فيه يحيى بن يعلى وهو ضعيف وقال غيره : وفيه أبو هشام الرافعي قال الذهبي في الضعفاء : قال البخاري : رأيتهم مجمعين على ضعفه ويحيى بن يعلى الأسلمي لا التيمي قال الذهبي : ضعفه أبو حاتم وغيره وسعد الإسكاف تركوه واتهمه ابن حبان . 2650 (إني لم أبعث بقطيعة رحم) أي قرابة لأنه تعالى أكد وصلها وحظر قطعها وأخبر سبحانه فيما رواه الطبراني وغيره عن جرير مرفوعا بأنه شق لها أسماء من اسمه وأن من وصلها وصله ومن قطعها قطعه (طب عن حصين) مصغرا بمهملتين (ابن دحدح) بمهملتين كجعفر الأنصاري الأوسي قال الذهبي : له حديث رواه عروة بن سعيد عن أبيه عنه وفي الإصابة قال البخاري وابن أبي حاتم : له صحبة وقال ابن حبان : يقال له صحبة وفي الجمهرة لابن الكلبي قتل بالعذيب وقيل بالقادسية . 2651 (إني أحرج) لفظ رواية البيهقي أحرم (عليكم) أيها الأمة (حق الضعيفين) أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيرا بليغا وأزجره زجرا أكيدا ذكره النووي وقال غيره : أضيقه وأحرمه على من ظلمهما قال الزمخشري : ومن المجاز وقع في الحرج وهو ضيق المأثم
[ 28 ]
وأحرجني فلان أوقعني في الحرج وحرجت الصلاة على الحائض والسحور على الصائم لما أصبح أي حرما وضاق أمرهما وظلمك على حرج أي حرام ضيق وتحرج فلان من كذا أي تأثم وحلف بالمحرجات أي بالطلاق الثلاث (اليتيم والمرأة) وجه تسميتهما بالضعيفين ظاهرة بل محسوسة وقد مر ذلك مبسوطا فراجعه . (ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أي في الخطبة قال الحاكم : على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن فيه أبو صالح كاتب الليث ضعيف ومحمد بن عجلان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم : سئ الحفظ وسعيد بن أبي سعيد المقبري قال الذهبي : لا يحل الاحتجاج به وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن خويلد بن عمرو الخزاعي مرفوعا بلفظ اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة قال في الرياض : وإسناده حسن جيد فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى . 2652 (إني رأيت) أي في النوم كما جاء مصرحا به في رواية مالك (البارحة عجبا) أي شيئا يتعجب منه إذ البارحة أقرب ليلة مضت قالوا : وما هو يا رسول الله قال : (رأيت رجلا من أمتي) أي أمة الإجابة وكذا فيما بعده (قد احتوشته ملائكة العذاب) أي احتاطت به الملائكة الموكلون بالتعذيب من كل جهة يقال احتوش القوم بالصيد أقاموا به وقد يتعدى بنفسه فيقال احتوشوه (فجاء) إليه (وضوءه) يحتمل الحقيقة بأن يجسد الله ثواب الوضوء ويخلق فيه حياة ونطقا والقدرة صالحة ويحتمل أنه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثواب الوضوء وكذا يقال فيما بعده (فاستنقذه من ذلك) أي استخلصه منهم يقال أنقذته من الشر إذا خلصته منه فنقذ نقذا من باب تعب تخلص والنقذ بفتحتين ما أنقذته كذا في المصباح وغيره ، يعلمك في هذا الحديث بأن من فوائد الوضوء وثمراته لمداوم عليه إذا توجه عليه عذاب القبر بما اكتسبه من الأدناس والآثام يأتيه وضوءه فينقذ منه فالمقصود الحث على إدامة الوضوء (ورأيت رجلا من أمتي يأتي على النبيين) أراد به ما يشمل المرسلين بدليل نصه الآتي على أنه كان معهم (وهم حلق حلق) بفتحتين على غير قياس كما في الصحاح كغيره أي دوائر دوائر قال الزمخشري : حلق حلقة إذا أدار دائرة وقال الأصمعي : الجمع حلق بالكسر كسدرة وسدر وقصعة وقصع وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن الحلقة بالفتح لغة السكون قال ثعلب وكلهم يجيزه على ضعفه (كلما مر على حلقة طرد) أي أبعد ونحي وقيل له اذهب عنا قال في الصحاح : طرده أبعده وأطرد الرجل غيره طريدا أو أطرده نفاه عنه وقال له اذهب عنا وطرده السلطان عن البلد مثل أخرجه منه وزنا ومعنى (فجاء اغتساله من الجنابة فأخذه بيده فأجلسه إلى جنبي) فيه تنويه عظيم
[ 29 ]
بفضل الغسل من الجنابة حيث رفع صاحبه وأجلسه بجانب صدر الأنبياء وعظيم الأصفياء ولم يكتف بإدخاله حلقة من الحلق قال جدي رحمه الله : والاغتسال من الجنابة بقية من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الحكيم : فالجنابة إنما سميت جنابة لأن الماء الذي جرى من صلبه كان جاريا في الأصل من مياه الأعداء في ظهر آدم فأصابته زهومة تلك المياه بجوازه وممره من الصلب إلى مستقر العدو في الجوف ومستقره في المعدة في موضع الجنب فإذا خرج من العبد في يقظته أو نومه أوجب غسلا وإذا خرج عند خروج روحه أوجبه ولذلك يغسل الميت فالغسل تطهير من أثر العدو والجنب ممنوع من القراءة لأن الطهارة مقصودة وآثار العدو موجودة وهذا الرجل لو لم يغتسل في الدنيا لمنعه فقد طهارته الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه) بالبناء للمفعول (عذاب القبر) أي نشر عليه الملائكة الموكلون بإقامة عذاب القبر وعموه به يقال بسط الرجل الثوب بسطا نشره وبسط يده مدها منشورة وبسطها في الإنفاق جاوز القصد قال الزمخشري : ومن المجاز بسط عليهم العدل والعذاب وبسط لنا يده أو لسانه بما نحب أو بما نكره (فجاءته صلاته) أي ثوابها أو الملك الموكل بها (فاستنقذته من ذلك) أي خلصته من عذاب القبر وذلك لأن العذاب إنما يقصد العبد الآبق الهارب من الله وأهل الصلاة كلما عادوا إلى الله في وقت كل صلاة فوقفوا بين يديه نادمين متعوذين مسلمين نفوسهم إليه مجددين لإسلامهم يترضونه بالتكبير والتسبيح والتحميد والتهليل والركوع والسجود والرغبة والرهبة والتضرع في التشهد فيسقط عنهم عيوب إباقهم فزالت العقوبة التي استوجبوها والقصد بذلك الحث على الاهتمام بالصلاة (ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الحق أو عن الرحمة على ما سبق (فجاءه ذكر الله) أي ثواب ذكره الذي كان يقوله في الدنيا أو ملائكته (فخلصه منهم) أي سلمه ونجاه من فتنتهم فقال خلص الشئ من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا وخلص من الكدر صفا فالشيطان وجنده قد أعطوا السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طمعا في إغوائه فهو يوصل الزينة إلى النفو س ويهيجها تهييجا يزعزع أركان البدن ويستفز القلب حتى يزعجه عن مقره فلا يعتصم الآدمي بشئ أوثق ولا أحصن من الذكر لأن الذكر إذا هاج من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار فإذا رأى العدو ذلك ولى هاربا وخمدت نار الشهوة التي يهيجها وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده (ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا) أي يخرج لسانه من شدة العطش (فجاءه صيام رمضان) فيه الحمل السابق (فسقاه) حتى أرواه فهذا عبد اتبع هواه وأمعن في شهواته حتى بعد عن الرحمة عطش وإذا عطش يبس وإذا يبس قسا * (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) * وبالرحمة يرطب القلب ويروى والصيام ترك الشهوات ورفض الهوى وإنما جعل الحوض لأهل الموقف لأنهم يقومون من القبور عطاشا لأنهم دخلوها مع
[ 30 ]
الهوى والشهوة ثم لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح ومن ترك الهوى والشهوة سكن عطشه وروى برحمة الله وخرج من قبره إلى الله ريانا فأولئك الذين يسبقون إلى دخول الجنة قال في مختار الصحاح كأصله واللهثان بفتح الهاء العطش وبسكونها العطشان والمرأة لهثى وبابه طرب ولهاثا أيضا بالفتح واللهاث بالضم حر العطش ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش والتعب قال الزمخشري : من المجاز هو يقاسي لهاث الموت شدته (ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة) يعني احتاطت به الظلمة من جميع جهاته الست بحيث صار مغموسا فيها مغمورا (فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة) إلى النور والظلمة عدم النور وجمعها ظلم وظلمات كغرف وغرفات في وجوهها والظلام أول الليل والظلماء الظلمة (ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت) أي عزرائيل عليه السلام على ما اشتهر قال ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر (ليقبض روحه) أي ينزعها من جسده ويأخذها يقال قبضت الشئ قبضا أخذته (فجاءه بره) بكسر الباء (بوالديه فرده عنه) أي رد ملك الموت عن قبض روحه في ذلك الوقت لما أن بر الوالدين يزيد في العمر وقد جاء ذلك في عدة أخبار وذلك بالنسبة لما في اللوح أو الصحف أما العلم الأزلي فلا يتغير قال الحكيم : فبر الوالدين شكر لأنه قال * (اشكر لي ولوالديك إلي المصير) * فإذا برهما فقد شكرهما وقال في تنزيله * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * وإنما وجد العبد العمر من ربه في وقت انفصاله من أمه وقد كان في البطن حياة ولم يكن عمر فلما خرج أعطي العمر بمقدار فإذا وصل والديه ببر كان قد وصل الرحم الذي منه خرج والصلب الذي منه جرى فكان فعله ذاك شكرا فزيد منه العمر الذي شكر من أجله فرد عنه ملك الموت ، يعلمك في هذا الحديث أن العبد إذا وصل رحمه زيد في عمره لأنه بالصلة صار شاكرا فشكر الله له ووفى له بما وعد في تنزيله فزاد في عمره (ورأيت رجلا من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم) بكسر الصاد إحسانه إلى أقاربه بالقول والفعل (فقالت إن هذا كان واصلا لرحمه) أي بارا لهم محسنا إليهم كما تقرر . قال الزمخشري : ومن المجاز وصل رحمه وأمر الله بصلة الرحم أي القرابة (فكلمهم وكلموه وصار معهم) هكذا ساقه المصنف والذي رأيته في خط مخرجه الحكيم رأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت : يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه انتهى فالرحم أصل المؤمنين كلهم فمن تمسك بصلاته فقد أرضى المؤمنين كلهم ومن قطعها فقد أغضبهم كلهم وأيسوا من خيره وانقطعت الرحمة عنه لأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم كما في حديث (ورأيت رجلا من
[ 31 ]
أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه) أي يجعل يديه وقاية لوجهه لئلا يصيبه حر النار وشررها والوهج بفتحتين كما في الصحاح كغيره حر النار والوهج بسكون الهاء مصدر وهجت النار من باب وعد هجانا أيضا بفتح الهاء أي اتقدت وأوهجها غيره وتوهجت توقدت ولها وهيج أي توقد (فجاءته صدقته) أي جاء تمليكه شيئا لنحو الفقراء بقصد ثواب الآخرة (فصارت ظلا على رأسه) أي وقاية عن وهج الشمس يوم تدنو من الرؤوس يقال أنا في ظل فلان أي في ستره وظل الليل سواده لأنه يستر الأبصار عن النفوذ قال الزمخشري : ومن المجاز بتنا في ظل فلان (وسترا عن وجهه) أي حجابا عنه لأنه إذا تصدق فإنما يفدي نفسه ويفك جنايته والسترة ما يستر المار من المرور أي يحجبه كما في المصباح وغيره (ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله تعالى) وذلك لأن الأخلاق مخزونة عند الله في الخزائن كما تقدم في حديث فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا منها ليدر عليه ذلك الخلق كرائم الأفعال ومحاسن الأمور فيظهر ذلك على جوارحه ليزداد العبد بذلك محبة توصله إليه في الدنيا قلبا وفي الآخرة بدنا وإذا أحب الله عبدا أهبط عليه خلقا من أخلاقه وإذا رحمه أذن له في عمل من أعمال البر فهذه ثمرة الرحمة وتلك ثمرة المحبة (ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب) لفظ رواية الحكيم (قد أخذته الزبانية من كل مكان) أي الملائكة الذين يدفعون الناس في نار جهنم للعذاب من الزبن وهو الدفع يقولون أراد فلان حاجة فزبنه عنها فلان دفعه والناقة تزبن ولدها وحالبها عن ضرعها وزابنه دافعه وتزابنوا تدافعوا ووقع في أيدي الزبانية قال الزمخشري : وهم الشرط لزبنهم الناس وبه سميت زبانية النار لدفعهم أهلها إليها اه‍ . (فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك) أي استخلصاه منهم ومنعهم من دفعه فيها وفي رواية الحكيم بدله فاستنقذاه إلخ أدخلاه على ملائكة الرحمة قال : فالزبانية شرط الملائكة والشرط لمن جاهر بالمعصية من أهل الريب يأخذونهم فمن استتر بستر الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو وإن استعمل أعمال أهل الريب بعد أن يكون مستورا لا ينهتك فينفعه في القيامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينجيه من الزبانية (ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار) أي سقط من أعلاها إلى أسفلها والمراد نار جهنم (فجاءته دموعه) جمع دمع وهو ماء العين المتساقط عند البكاء لحزن القلب (اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله) أي من خوف عقابه أو عتابه أو عدم رضاه (فأخرجته من النار) نار جهنم فهذا عبد استوجب النار بعمله فأدركته الرحمة ببكائه من الخشية فأنقذته لأن دمعة من الخشية تطفئ
[ 32 ]
بحورا من النيران (ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله) أي سقطت صحيفة أعماله في يده اليسرى والصحيفة ما يكتب فيه من نحو قرطاس أو جلد ولفظ رواية الحكيم بدل إلى شماله من قبل شماله (فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته) من شماله (فجعلها في يمينه) ليكون ممن أوتي كتابه بيمينه فإن أعظم الأهوال في القيامة في ثلاثة مواطن عند نظائر الصحف وعند الميزان وعند الصراط بدليل حديث لا يذكر أحد أحدا في هذه المواطن فإذا وقعت الصحيفة في يمينه أمن وظهرت سعادته لقوله سبحانه وتعالى * (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) * الآية ، وسيجئ في خبر إن الله تعالى يقول : لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين فمن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة فمن قاسى خوفه في الدنيا أوجب له الأمن يوم القيامة فإذا جاءه الهول عند نظائر الكتب جاءه الخوف فنفعه بأن جعل صحيفته في يمينه (ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه) برجحان سيئاته على حسناته (فجاءه أفراطه) أي أولاده الصغار الذين ماتوا في حياته وذاق مرارة فقدهم : جمع فرط بفتحتين ومنه يقال للطفل الميت اللهم اجعله فرطا أي أجرا متقدما وافترط فلان فرطا إذا مات له أولاد صغار (فثقلوا ميزانه) أي رجحوها فثقلها رجحانها قال في الكشاف ومنه حديث أبي بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما في وصية له وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقلها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفتها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف انتهى . (تنبيه) قال المولى التفتازاني كغيره جميع أحوال يوم القيامة من الصراط والميزان وغير ذلك أمور ممكنة أخبر بها الصادق فوجب التصديق بها ولا استبعاد في أن يسهل الله تعالى العبور على الصراط وإن كان أحد من السيف وأدق من الشعر وأن توزن صحائف الأعمال أو تجعل أجساما نورانية وظلمانية فلا حاجة إلى تأويل الصراط بطريق الجنة وطريق النار أو الأدلة الواضحة أو العبادات أو الشريعة والميزان بالعدل والإدراك ونحو ذلك (ورأيت رجلا من أمتي على شفير جهنم) أي على حرفها وشاطئها وشفير كل شئ حرفه كالنهر وغيره ومنه شفر الفرج ويقولون قعدوا على شفير النهر والبئر والقبر وقرحت أشفار عينيه من البكاء وهي منابت الهدب (فجاءه وجله من الله تعالى) أي خوفه منه (فاستنقذه من ذلك) أي خلصه (ومضى) فالوجل هو وقت انكشاف الغطاء لقلب المؤمن فإذا كان ذلك فتلك خشية العبد فاقشعر جلده ، وإن جهنم حائلة يوم القيامة بين العباد وبين الجنة حتى تضرب الجسور وتهيأ القناطر فعندها يستبين الصراط وهو الطريق لأهلها فالخلق كلهم على شفير النار فوجل
[ 33 ]
العبد يجعل له السبيل لقطعها * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) * فالمغفرة نورها ساطع وهو نور الرأفة فإذا جاءت الرأفة وجد العبد قلبا وذهبت الحيرة وشجعت النفس فمضت (ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة) أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل (فجاءه حسن ظنه بالله) تعالى (فسكن) بالتشديد (رعدته) بكسر الراء فحسن الظن من المعرفة بالله وعظم أمل العبد ورجائه لربه من المعرفة فلا يضيع الله معرفة العبد لأنه الذي من عليه بها فلم يرجع في منه وقابله بأن أعطاه حسن الظن به في الدنيا من تلك المعرفة وحقق ظنه فأنجاه وسكن رعدته حتى مضى والرعدة الاضطراب يقال أصابته رعدة من البرد والخوف اضطراب وارتعد وأرعد وأرعده الخوف ورجل رعديد بالكسر ورعديدة جبان تصيبه رعدة من الخوف وقال الزمخشري : ومن المجاز رعد لي فلان وأبرق أرعد والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص فإن جرد الخوص قيل جريد (ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط) أي يجر أسته عليه لا يستطيع المشي (مرة ويحبو مرة) لفظ رواية الحكيم يزحف أحيانا ويحبو أحيانا هذا صريح في أن الحبو يغاير الزحف والذي في الصحاح والأساس وغيرهما أن الحبو الزحف فليحرر (فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز) أي حتى قطع الصراط ونفذ منه ومضى إلى الجنة سالما يقال جاز المكان يجوزه سار فيه وأجازه بالألف قطعه وأجازه نفذه وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة ولفظ رواية الحكيم بذل حتى جاز فأقامته ومضى على الصراط وذلك لأن الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم تأخذ بيده في وقت عثراته بمنزلة الطفل إذا مشى فتعثر في مشيه عجل إليه أبوه فبادر حتى يأخذ بيده فيقيمه فصارت صلوات العباد على نبيهم بمنزلة ذلك الأب العطوف الذي كلما عثر ولده بادر لعطفه بحفظه وإقامته (ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله فاكتفى بأحد الشقين عن الآخر لكونه معروفا بينهم (فأخذت بيده فأدخلته الجنة) أي فتحت له الأبواب التي أغلقت دونه فدخلها لأن هذه كلمة جامعة جعلت مفتاحا لأبواب الجنة وقد جاء في حديث إن المؤمنين يدعون من باب الجنة وإن أبوابها مقسومة على أبواب البر فباب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للحج وباب للجهاد وباب للأرحام وباب لمظالم العباد وهو آخرها فهذه سبعة أبواب مقسومة على أعمال البر وكذلك أبواب النيران مقسومة على أهلها ولكل باب منهم جزء مقسوم وباب للجنة زائد لأهل الشهادة يسمى باب التوبة فأري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق ووحي ليعلم العباد قوة هذه الأفعال الصادرة من العبيد أيام الدنيا ينادى لكل نوع
[ 34 ]
من هذه الأعمال من القوة هناك في الموقف وفي أي موطن يعينه ويؤيده ليعلم العباد أجناس هذه الأفعال ومنافعها عند ذلك الهول الأعظم . قال جمع من الأعلام : وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام فينبغي حفظه واستحضاره والعمل عليه مع الإخلاص فإنه الذي فيه الخلاص وقال ابن القيم : كان شيخنا يعظم أمر هذا الحديث ويفخم شأنه ويعجب به ويقول أصول السنة تشهد له ورونق كلام النبوة يلوح عليه وهو من أحسن الأحاديث الطوال ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجابا بحسنه وحرصا على النفع به ولهذا لما أورده الديلمي في الفردوس استشعر الاعتراض على نفسه فاعتذر بنحو ذلك . (تنبيه) قال القرطبي وغيره : هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالا خاصة تنجي من أحوال خاصة قال : لكن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص لله في عمله وصدق الله في قوله وفعله وأحسن نيته في سره وجهره فهو الذي تكون أعماله حجة له دافعة عنه مخلصة إياه فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار آخر فإن الناس مختلفو الحال في خلوص الأعمال (الحكيم) الترمذي (طب) وكذا الديلمي والحافظ أبو موسى المديني وغيرهم وكلهم (عن عبد الرحمن بن سمرة) بضم الميم قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فذكره قال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف انتهى وعزاه الحافظ العراقي أيضا إلى الخرائطي في الأخلاق قال : وسنده ضعيف انتهى وقال ابن الجوزي بعد ما أورده من طريقيه هذا الحديث لا يصح لكن قال ابن تيمية : أصول السنة تشهد له وإذا تتبعت متفرقات شواهده رأيت منها كثيرا . 2653 (إن) بالكسر شرطية وسيجئ عن الزمخشري توجيهها في نحو هذا التركيب (أتخذ منبرا) بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع لأنه آلته أي إن كنت اتخذت منبرا لأخطب عليه فلا لوم علي فيه (فقد اتخذه) من قبلي (أبي إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام وقد أمرت فيما أوحي إلي باتباعه قال ابن أبي زيد : وكان اتخاذ نبينا صلى الله عليه وسلم له سنة سبع وقيل سنة ثمان أي من الهجرة وفي مسند البزار بسند فيه انقطاع إن أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام (وإن أتخذ العصا) لأتوكأ عليها وأغرزها أمامي في الصلاة (فقد اتخذها) من قبل (أبي إبراهيم) عليه الصلاة والسلام فلا لوم علي في اتخاذها والظاهر أن مراده بها العنزة التي كان يمشي بها بين يديه وإذا صلى ركزها أمامه (البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي : فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ضعيف .
[ 35 ]
2654 (إن اتخذت) يا جابر (شعرا) أي أردت إبقاء شعر رأسك وأن لا تزيله بنحو حلق (فأكرمه) أي عظمه بدهنه وتسريحه وهذا قاله لجابر أو لأبي قتادة فكان بعد ذلك يرجله كل يوم مرتين كذا في الشعب للبيهقي فالرجل مأمور ندبا إما بإزالة شعره أو بالإحسان إليه بدهنه وترجيله (هب عن جابر) وفيه أحمد بن منصور الشيرازي قال الذهبي في الضعفاء : قال الدارقطني : أدخل على جمع من الشيوخ بمصر وأنا بها . 2655 (إن أدخلت الجنة) أي أدخلك الله إياها وجاء في رواية الطبراني أن المخاطب عبد الرحمن بن ساعدة (أتيت بفرس من ياقوتة) زاد في رواية حمراء (له جناحان) يطير بهما كالطير (فحملت عليه) أي أركبته (ثم طار) ذلك الفرس (بك حيث شئت) مقصود الحديث أن ما من شئ تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت حتى لو اشتهى أحدا أن يركب فرسا لوجده بهذه الصفة * (وفيها ما تشتهي الأنفس) * . * (فائدة) * قال ابن عربي : مراكب أهل الجنة تعظم وتصغر بحسب ما يريد الراكب . قال القاضي : معناه إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه والمعنى أنه ما من شئ تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف تشاء حتى لو اشتهيت أن تركب فرسا على هذه الصفة لوجدت ذلك ويحتمل أن المراد إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرسا من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفة والمعنى فيكون لك من المراكب ما يغنيك عن الفرس المعهود ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية أخرى وهو إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه طار بك حيث شئت ولعله عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يبين الفرق مراكب الجنة ومراكب الدنيا وما بينهما من التفاوت على سبيل التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة من جوهرة بما هو عندنا أنفس الجواهر وأدومها وجودا وأنفعها وأصفاها جوهرا وفي شدة حركته وسرعة انتقاله بالطيران اه‍ (ت) في صفة الجنة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال : إن أعرابيا قال : يا رسول الله إني أحب الخيل أفي الجنة خيل فذكره قال : وسأله رجل هل في الجنة من إبل فلم يقل ما قال لصاحبه قال : إن يدخلك الله الجنة يكون لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك اه‍ ثم قال الترمذي : إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب الأنصاري إلا من هذا الوجه اه‍ نعم رواه الطبراني عنه أيضا باللفظ المزبور قال المنذري والهيثمي : ورجاله ثقات اه‍ فكان ينبغي للمصنف أن يضمه إلى الترمذي في العزو . 2656 (إن أردت) بكسر التاء خطابا لعائشة (اللحوق بي أي ملازمتي في منزلتي في الجنة قال
[ 36 ]
في المصباح : اللحوق اللزوم واللحاق الإدراك (فليكفك من الدنيا كزاد الراكب) فاعل فليكفك أي مثل الزاد للراكب وهو في الأصل راكب الإبل خاصة ثم أطلق على كل من ركب دابة (وإياك) بكسر الكاف (ومجالسة الأغنياء) أي احذري ذلك لأنه من مبادئ الطمع وسبب لازدراء نعمة الله تعالى لما يرى من سعة رزقهم فهو أمر بالتقليل من الدنيا والاكتفاء باليسير حتى يكون عيشه كما كانوا يعتادونه من الزاد الذي يتخذه المسافر . قال الثوري : إذا خالط الفقير الغني فاعلم أنه مراء وقال بعضهم : إذا مال الفقير إلى الأغنياء انحلت عروته فإذا طمع فيهم انقطعت عصمته فإذا سكن إليهم ضل (ولا تستخلقي) بخاء معجمة وقاف (ثوبا) أي لا تعديه خلقا من استخلق نقيض استجد (حتى ترقعيه) أي تخيطي على ما تخرق منه رقعة قال القاضي البيضاوي : وروي بالفاء من استخلفه إذا طلب له خلفا أي عوضا واستعماله في الأصل بمن لكنه اتسع فيه بحرفها كما اتسع في قوله تعالى * (واختار موسى قومه) * انتهى . قال ابن العربي : ومعنى الحديث أن الثوب إذا خلق جزء منه كان طرح جميعه من الكبر والمباهاة والتكاثر في الدنيا وإذا رقعه كان بعكس ذلك وقد ورد أن عمر طاف وعليه مرقعة باثنتي عشرة رقعة فيها من أديم ورقع الخلفاء ثيابهم وذلك شعار الصالحين وسنة المتقين حتى اتخذ الصوفية شعارا فرقعت الجديد وأنشأته مرقعا وذا ليس بسنة بل بدعة عظيمة وفعلة داخلة باب الرياء وإنما قصد الشارع بالترقيع استدامة الانتفاع بالثوب على هيئته حتى يبلى وأن يكون دافعا للعجب ومكتوبا في ترك التكلف ومحمولا على التواضع وقد قيل فيمن فعل ذلك منهم : لبست الصوف مرقوعا وقلتا * أنا الصوفي ليس كما زعمتا فما الصوفي إلا من تصفى * من الأيام ويحك لو عقلتا وقال الزين العراقي : فيه أفضلية ترقيع الثوب وقد لبس المرقع غير واحد من الخلفاء الراشدين كعمر وعلي حال الخلافة لكن إنما يشرع ذلك بقصد التقلل من الدنيا وإيثار غيره على نفسه أما فعله بخلا على نفسه أو غيره فمذموم لخبر إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وكذا ما يفعله حمقاء الصوفية وجهالهم من تقطيع الثياب الجددثم ترقيعها ظنا أن هذا زي الصوفية وهو غرور محرم لأنه إضاعة مال وثياب شهرة ومقصود الحديث أن من أراد الارتقاء في درجات دار البقاء خفف ظهره من الدنيا واقتصر منها على أقل ممكن (ت ك) في اللباس والرقاق أخرجه الترمذي والحاكم معا من حديث سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان عن عروة (عن عائشة) قالت : جلست أبكي عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما يبكيك إن أردت إلخ . قال الحاكم : صحيح وشنع عليه الذهبي بأن الوراق عدم انتهى . وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال : صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن حسان الذي يروي عن ابن أبي ذئب ثقة إلى هنا كلامه وقال المنذري : رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من رواية صالح بن حسان وهو منكر الحديث وقال ابن حجر : تساهل الحاكم في
[ 37 ]
تصحيحه فإن صالحا ضعيف عندهم انتهى وكما لم يصب الحاكم في الحكم بتصحيحه لم يصب ابن الجوزي في الحكم بوضعه وإن صالحا ضعيف متروك لكن لم يتهم بالكذب . 2657 (إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى) أيعاملكم معاملة المحب لكم (ورسوله فأدوا) الأمانة (إذا ائتمنتم) عليها (واصدقوا إذا حدثتم) بحديث (وأحسنوا جوار من جاوركم) بكف طرق الأذى عنه ومعاملته بالإحسان وملاطفته وفي إفهامه أن من خان الأمانة وكذب ولم يحسن جوار جاره لا يحبه الله تعالى ولا رسوله بل هو بغيض عندهما (طب عن عبد الرحمن بن أبي قراد) ويقال ابن أبي القراد بضم القاف وخفة الراء الأنصاري السلمي ويقال له الفاكه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بطهور فغمس يده فيه ثم توضأ فتبعناه فقال : ما حملكم على ما صنعتم قلنا : حب الله ورسوله فذكره قال الهيثمي : فيه عبيد الله بن وافد القيسي وهو ضعيف . 2658 (إن أردت أن يلين قلبك) أي لقبول امتثال أوامر الله وزاجره (فأطعم المسكين) المراد به ما يشمل الفقير ومن كلمات إمامنا البديعة إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (وامسح رأس اليتيم) أي من خلف إلى قدام عكس غير اليتيم أي افعل به ذلك إيناسا وتلطفا به فإن ذلك يلين القلب ويرضي الرب (طب في مكارم الأخلاق هب عن أبي هريرة) قال : شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وفي سنده رجل مجهول . 2659 (إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار) أي طلب المغفرة من الله تعالى بأي صيغة دلت عليه والوارد أولى (فافعلوا) أي ما استطعتموه (فإنه ليس شئ أنجح عند الله تعالى ولا أحب إليه منه) لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من تحلى بشئ منها ومن صفاته الغفار وإنما وجه الأمر للإكثار لأن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة بساعة فيقابله بالاستغفار فإذا أدمن ذلك خرج من العيوب والذنوب وعادت عليه الستور التي هتكها عن نفسه باقتراف الذنوب وأخرج ابن عساكر أن زيد بن أسلم مرض فأراد أن يكتب وصية فلم يقدر لو صب يده فنام فرأى رجلا مبيضا فقال له : أنا ملك الموت ما يبكيك ولم أؤمر بقبضك ؟ قال : ذكرت النار قال : ألا أكتب لك براءة منها ؟ فأخذ ورقة ثم كتبها ثم دفعها إلي فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم أستغفر الله أستغفر الله حتى ملأ
[ 38 ]
القرطاس قلت : أين البراءة ؟ قال : تريد أوثق من هذا ؟ فاستيقظت والقرطاس بيدي فيه ذلك (الحكيم) الترمذي (عن أبي الدرداء) . 2660 (إن استطعت أن تكون أنت المقتول ولا تقتل أحدا من أهل الصلاة فافعل) سببه أن رجلا قال لسعد بن أبي وقاص : أخبرني عن عثمان قال : كان أطولنا صلاة وأعظمنا نفقة في سبيل الله ثم سأله عن أمر الناس فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره (ابن عساكر) في التاريخ (عن سعد) بن أبي وقاص وفيه محمد بن يعلى زنبور أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال أبو حاتم وغيره : متروك عن الربيع بن صبح مضعف عن علي بن زيد ابن جدعان ضعفوه . 2661 (إن تصدق الله يصدقك) قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال : ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : أهو هو ؟ قالوا : نعم صدق الله فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مجاهدا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولا فاختصره المؤلف (ن ك عن شداد بن الهاد) الليثي واسم الهاد أسامة بن عمرو وقيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلا ليهتدي إليه الأضياف . 2662 (إن تغفر اللهم تغفر جما) أي كثيرا (وأي عبد لك لا ألما) أي لم يلم بمعصية يعني لم يتلطخ بالذنوب وألم إذا فعل اللمم وهو صغار الذنوب واللمم في الأصل كما قال القاضي الشئ القليل وهذا بيت لأمية بن أبي الصلت تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم والمحرم عليه إنشاء الشعر لا إنشاده ومعناه إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوبا كثيرة فإن جميع عبادك خطاؤون (ت) في التفسير (ك) في الإيمان والتوبة (عن ابن عباس) قال الترمذي : حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 2663 (إن سركم أن تقبل) في رواية بدله أن تزكو (صلاتكم) أي يقبلها الله منكم بإسقاط
[ 39 ]
الواجب وإعطاء الأمر (فليؤمكم خياركم في الدين) لأن الإمامة وراثة نبوية وشفاعة دينية فأولى الناس بها أزكاهم وأتقاهم ليحسن الأداء وتقبل الشفاعة (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني عن أبي هريرة يرفعه بلفظ إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم ثم قال : فيه أبو الوليد خالد بن إسماعيل ضعيف وقال ابن القطان : فيه العلاء بن سالم الراوي عن خالد مجهول . 2664 (إن سركم أن تقبل صلاتكم) أي يقبلها الله ويثيبكم عليها (فليؤمكم علماؤكم) أي العاملون العالمون بأحكام الصلاة (فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم) أي هم الواسطة بينكم وبينه في الفيض لأن الواسطة الأصلي هو النبي صلى الله عليه وسلم وهم ورثته واستدل به وبما قبله ابن الجوزي للحنابلة على عدم صحة إمامة الفاسق ورده الذهبي بأنه لو صح لكان دليلا على الأولوية . (طب عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ابن أبي مرثد (الغنوي) بفتح المعجمة والنون صحابي بدري استشهد في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي : فيه يحيى بن يعلى الأسلمي ضعيف جداانتهى . 2665 (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون) هم (له) قالوا : أخبرنا يا رسول الله قال : (فإن الله يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي ؟ فيقولون : نعم) أحببناه (يا ربنا فيقول : لم ؟) أحببتموه (فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك) أي أملنا منك ستر الذنوب ومحو أثرها (فيقول : قد أوجبت لكم عفوي ومغفرتي) لأنه عند ظن عبده به كما في الخبر الآخر فحقق لهم رجاءهم وفي رواية فيقول قد وجبت لكم رحمتي (حم طب عن معاذ) ابن جبل قال الهيثمي : فيه عبيد الله بن زحر ضعيف وأعاده مرة أخرى وقال : رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن انتهى . 2666 (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (عن الإمارة) بكسر الهمزة أي عن شأنها وحالها (وما هي أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل) لأنها تحرك الصفات الباطنة وتغلب على النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا فإذا كانت محبوبة كان
[ 40 ]
الوالي ساعيا في حظ نفسه متبعا لهواه ويقدم على ما يريد وإن كان باطلا وعند ذلك يهلك ومن ثم أخرج ابن عوف عن المقداد قال : استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل فلما رجعت قال : كيف وجدت الإمارة قلت : ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول والله لا آلي على عمل أبدا (طب) وكذا البزار (عن عوف بن مالك) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي ؟ فناديت بأعلى صوتي وما هي يا رسول الله ؟ قال : أولها ملامة إلخ قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري : رواه البزار والطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح . 2667 (إن قضى الله تعالى شيئا) أي قدر في الأزل كون ولد (ليكونن) أي لا بد من كونه وإبرازه للوجود (وإن عزل) الواطئ ماءه عن الموطوءة بأن أنزل خارج فرجها وهذا قاله لمن سأله عن العزل يعني فلا فائدة للعزل ولا لعدمه كما سبق تقريره . (الطيالسي) أبو داود (عن أبي سعيد) الخدري . 2668 (إن قامت الساعة) أي القيامة سميت به لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لطولها فهو تلميح كما يقال في الأسود كافورا ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق (وفي يد أحدكم) أيها الآدميون (فسيلة) أي نخلة صغيرة إذ الفسيل صغار النخل وهي الودي (فإن استطاع أن لا يقوم) من محله أي الذي هو جالس فيه (حتى يغرسها فليغرسها) نديا قد خفي معنى هذا الحديث على أئمة أعلام منهم ابن بزيزة فقال : الله أعلم ما الحكمة في ذلك انتهى . قال الهيثمي : ولعله أراد بقيام الساعة أمارتها فإنه قد ورد إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشا بعد ، والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجئ بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا وفي الكشاف كان ملوك فارس قد أكثروا من [ ص 31 ] حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من عسف الرعايا ، فسأل بعض أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ، وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال : ما غرسته طمعا في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي : ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار ومن أمثالهم أمارة إدبار الأمارة كثرة الوباء وقلة العمارة ، وحكي أن كسرى خرج يوما يتصيد
[ 41 ]
فوجد شيخا كبيرا يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له : يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه فقال : أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل فقال له كسرى : زه وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل فقال له : أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها فقال كسرى : ز فأعطى ألف دينار فقال له أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين فقال له زه فأعطى ألف دينار أخرى ساق جواده مسرعا وقال : إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا (حم خد) وكذا البزار والطيالسي والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي : ورجاله ثقات وأثبات . 2669 (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا) أي يسعى على ما يقيم به أودهم (فهو) أي الإنسان الخارج لذلك أو الخروج أو السعي (في سبيل الله) أي في طريقه وهو مثاب مأجور إذ الخروج فيه كالخروج في سبيل الله أي الجهاد أو السعي كالسعي فيه (وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين) أي أدركهما الكبر أي الهرم عنده (فهو في سبيل الله) بالمعنى المقرر (وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها) أي عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام أو عن الوطئ الحرام (فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى) لا لواجب أو مندوب بل (رياء ومفاخرة) بين الناس (فهو في سبيل الشيطان) إبليس أو المراد الجنس أي في طريقهم أو على منهجهم . (طب عن كعب بن عجرة) بفتح فسكون قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا : يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فذكره قال الطبراني : لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن كثير انتهى قال الهيثمي : ورواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح وسبقه إليه المنذري . 2670 (إن كان في شئ من أدويتكم خير) أي شفاء ذكره القرطبي وأتى هنا بصيغة الشرط من غير تحقق الإخبار وجاء في البخاري الشفاء في ثلاث وذكرها فحقق الخبر (ففي) أي فهو في أي فيكون في (شرطة محجم) أي استفراغ الدم وهو بفتح الشين ضربة مشراط على محل الحجم ليخرج الدم والمحجم بالكسر قارورة الحجام التي يجتمع فيها الدم وبالفتح موضع الحجامة وهو المراد هنا ذكره
[ 42 ]
بعضهم وقال القرطبي : المراد هنا الحديدة التي يشترط بها قال في الفتح : وإنما خصه بالذكر لأن غالب إخراجهم الدم بالحجامة وفي معناه إخراجه بالفصد (أو شربة من عسل) أي بأن يدخل في المعجزات المسهلة التي تسهل الأخلاط التي في البدن والمراد به حيث أطلق عسل النحل وفيه شفاء للناس ومنافعه لا تكاد تحصى فمن أراد الوقوف عليها فعليه بكتب المفردات أو الطب واقتبس بعضهم من لفظ الشك ان ترك التداوي أفضل يعني أنه فضيلة تسليما للقضاء والقدر (أو لذعة) وفي رواية أو كية (بنار) بذال معجمة وعين مهملة أي حرقتها والمراد الكي . قال الزمخشري : واللذع الخفيف مس الإحراق ومنه لذعه بلسانه وهو أذى يسير ومنه قيل للذكي الفهم الخفيف لوذع ولوذعي (توافق داء) فتذهبه قال بعضهم : أشار به إلى جميع ضروب المعالجات القياسية وذكر أن العلل منها ما هو مفهوم السبب وغيره فالأول لغلبة أحد الأخلاط الأربعة فعلاجه باستفراغ الإمتلاء مما يليق به من المذكورات في الحديث فمنها ما يستفرغ بإخراج الدم بالشرط وفي معناه نحو الفصد ومنها ما يستفرغ بالعسل وما في معناه من المسهلات ومنها ما يستفرغ بالكي فإنه يجفف رطوبة محل المرض وهو آخر الطب وأما ما كان من العلل عن ضعف بعض القوى فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة ومن أنفعها العسل إذا استعمل على وجهه وما من العلل غير مفهوم السبب كسحر وعين ونظرة جني فعلاجه بالرقى وأنواع من الخواص وإلى هذا أشار بزيادته في رواية أو آية في كتاب الله وقال القرطبي : إنما خص المذكورات لأنها أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم العادة ولا يلزم كونها كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في البلد والعادة والهوى والمشاهدة قاضية باختلا ف العلاج والأدوية باختلاف البلاد والعادة (وما أحب أنا أن أكتوي) لشدة ألم الكي فإنه يزيد على ألم المرض فلا يفعل إلا عند عدم قيام غيره مقامه ولأنه يشبه التعذيب بعذاب الله انتهى ، فإن قيل : أصل إن الشرطية أن تستعمل في المشكوك وثبوت الخيرية في شئ من أدويتهم لا على التعيين محقق عندهم فما وجه إن ؟ فالجواب : أنها قد تستعمل لتأكيد تحقق الجواب كما يقال لمن يعلم أن له صديقا إن كان له صديق فهو زيد (حم ق ن) من حديث عاصم (عن جابر) ابن عبد الله قال : جاءنا جابر في أهلنا ورجل يشتكي جراحا به أو جراحا فقال : ما تشتكي فقال : جراح بي قد شق علي فقال : يا غلام ائتني بحجام فقال الغلام : ما تصنع به قال : أريد أن أعلق عليه محجما قال : والله إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبريه من ذلك قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد . 2671 (إن كان شئ من الداء يعدي) أي يجاوز صاحبه لغيره (فهو هذا يعني الجذام) هذا من كلام الراوي لا من تتمة الحديث قال في المطامح : قوله إن كان دليل على أن هذا الأمر غير محقق عنده
[ 43 ]
انتهى وحينئذ فلا تعارض بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة وسيجئ تحقق الجمع بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة (عد عن ابن عمر) بن الخطاب . 2672 (إن كان الشؤم) ضد اليمن مصدر تشاءمت وتيمنت قال الطيبي : واوه همزة خففت فصارت واوا ثم غلب عليها التخفيف ولم ينطق بها مهموزة (في شئ) من الأشياء المحسوسة حاصلا (ففي الدار والمرأة والفرس) يعني إن كان للشؤم وجود في شئ يكون في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلا ذكره عياض أي إن كان في شئ يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو للطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعا أو شرعا وقيل هذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن له دار يكره سكناها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا توافقه أن يفارقها بنقلة وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل بفراق أو بيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة قال القرطبي : ومقتضى هذا السياق أنه لم يكن متحققا لأمر الشؤم في الثلاث في الوقت الذي نطق لفظ الحديث فيه لكنه تحققه بعد ذلك فقال في الحديث الآتي إنما الشؤم إلخ وخص الثلاثة بالذكر لكونها أعم الأشياء التي يتداولها الناس وقال الخطابي : اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من خير وشر ولا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء الله تعالى وهذه الثلاثة ظروف جعلت مواقع الأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ولا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان . (مالك) في الموطأ (حم خ ه عن سهل بن سعد) الساعدي (ق عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن جابر) بن عبد الله . 2673 (إن كنت عبدا لله فارفع إزارك إلى أنصاف الساقين) قال الزمخشري : إن هذه من الشرط الذي يجئ به المدلى بأمره المتحقق لصحته هو كان متحققا أنه عبد الله ومنه قوله تعالى * (إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) * مع علمه بأنهم لم يخرجوا إلا لذلك ك واعلم أن إسبال الإزار بقصد الخيلاء حرام وبدونه مكروه ومثل الإزار كل ملبوس كقميص وسراويل وجبة وقباء ونحوها بل روي عن أبي داود الوعيد على إسبال العمامة قال الزين العراقي : والظاهر أن المراد به المبالغة في تطويلها وتعظيمها لأجرها على الأرض فإنه غير معهود فالإسبال في كل شئ يحسبه قال : ولو أطال أكمامه حتى خرجت عن المعتاد كما يفعله بعض المكيين فلا شك في تناول التحريم لما مس الأرض منها بقصد الخيلاء بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد فقد كان كم قميص
[ 44 ]
المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ (طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي إزار يتقعقع فقال : من هذا فقلت : عبد الله قال : إن كنت إلخ فرفعت إزاري إلى نصف الساقين ولم تزل إزرته حتى مات قال الزين العراقي : إسناده صحيح وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني بإسنادين وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح . 2674 (إن كنت) أيها الرجل الذي حلف بالله ثلاثا أنه يحبني (تحبني) حقيقة كما تزعم (فأعد للفقر تجفافا) أي مشقة وهو بكسر المثناة وسكون الجيم وبالفاء المكررة وهو ما جلل به الفرس ليقيه الأذى وقد يلبسه الإنسان فاستعير للصبر على مشاق الشدائد يعني أنك ادعيت دعوى كبيرة فعليك البينة وهو اختبارك بالصبر تحت أثقال الفقر الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم الموافق وتحمل مكروهه وتجرع مرارته والخضوع والخشوع بملابسته بأن تعد له تجفافا والتجفاف إنما يكون جنة لرد الشئ كذا قرره جمع وقال الزمخشري : معناه فلتعد وقاءا مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش . اه‍ . وقال بعضهم : ذهب قوم إلى أن من أحب أهل البيت افتقر وهو خلاف الحقيقة والوجود بل معنى الخبر فليقتد بنا في إيثارنا الفقر على الدنيا (فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل) إذا انحدر من علو (إلى منتهاه) أي مستقره في سرعة نزوله ووصوله والفقر جائزة الله لمن أحبه وأحب رسوله وخلعته عليه وبره له لأنه زينة الأنبياء وحلية الأولياء وشبهه بالسيل دون غيره تلويحا بتلاحق النوائب به سريعا ولات حين مناص له منها (حم ت) في الزهد (عن عبد الله بن مغفل) قال : جاء رجل فقال يا رسول الله والله إني أحبك فقال : انظر ماذا تقول قال : والله إني أحبك ثلاثا فذكره قال الطيبي : قوله انظر ماذا تقول أي رمت أمرا عظيما وخطبا كبير فتفكر فيه فإنك موقع نفسك في خطر وأي خطر تستهدفها غرض سهام البلايا والمصائب لاحقة به بسرعة لا خلاص له ولا مناص هذا على مقتضى قوله في الحديث الآتي المرء مع من أحب فيكون بلاؤه أشد من بلاء غيره فإن أشد الناس بلاءا الأنبياء وفيه أن الفقر أشد البلاء وأعظم المصائب ورواه عنه أيضا ابن جرير 2675 (إن كنت صائما) شهرا بعد شهر (رمضان) الذي هو الفرض (فصم) ندبا (المحرم فإنه شهر الله) قال الزين العراقي : هذا كالتعليل لاستحباب صومه بكونه شهر الله لا ما علله به القرطبي وابن دحية لكونه فاتحة السنة وتفضيل الأشخاص والأزمنة والأمكنة حيث ورد لا يعلل إلا إن ورد تعليله في كتاب أو سنة (فيه يوم تاب الله فيه على قوم) قال العراقي : يحتمل أنه تتمة للعلة للأمر بصيامه أي فإنه كذا وكذا ويحتمل الاستئناف وأنه لا تعلق له بالأمر بالصوم وقوله (ويتوب فيه على آخرين)
[ 45 ]
هذا من الإخبار بالغيب المستقبل قال : والظاهر أن هذا اليوم المبهم يوم عاشوراء ففي حديث أبي هريرة أنه يوم تاب الله فيه على آدم لكن فيه ضرار بن عمرو ضعفه ابن معين وغيره وقد ورد أيضا أنه تاب فيه على قوم يونس روى أبو الشيخ [ ابن حبان ] في فضائل الأعمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن نوحا هبط من السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكرا لله تعالى وفيه تاب الله على آدم وعلى أمه يونس وفيه فلق البحر لبني إسرائيل وفيه ولد إبراهيم وعيسى قال : وفيه عثمان بن مطر منكر الحديث وقال وهب : أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن مر قومك أن يتوبوا إلي في عشر المحرم فإذا كان في اليوم العاشر فليخرجوا إلي أغفر لهم . قال ابن رجب : هذا الحديث حث على التوبة فيه وأنه أرجى لقبول التوبة انتهى (ت عن علي أمير المؤمنين) قال : قال رجل : يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان فذكره قال الترمذي : حسن غريب قال الزين العراقي : تفرد بإخراجه الترمذي وقد أورده ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الله الواسطي ونقل تضعيف الأئمة له أحمد ابن حنبل وابن معين والبخاري والنسائي انتهى وما ذكره من تفرد الترمذي به لعله من حديث علي وإلا فقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة قال : جاء أعرابي بأرنب شواها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل وأمر القوم أن يأكلوا فأمسك الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يمنعك أن تأكل قال : إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فذكره . 2676 (إن كنت صائما) نفلا (فعليك بالغر البيض) أي الزم صومها (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أي ثالث عشر الشهر ورابع عشره وخامس عشره وهذا قاله لأبي ذر لما قال : يا رسول الله إني صائم قال : وأي الصيام تصوم قال : أول الشهر وآخره فقال له : إن كنت صائما إلخ قال أبو البقاء : أي هنا منصوبة بتصوم والزمان معها محذوف تقديره أي زمان الصوم تصوم ولذلك أجاب بفطر أول الشهر ولو لم يرد حذف المضاف لم يستقم لأن الجواب يكون على وفق السؤال فإذا كان الجواب بالزمان كان السؤال عن الزمان ويجوز أن لا يقدر في السؤال حذف مضاف بل يقدر في الجواب وبقدر صيام أول الشهر (ن طب عن أبي ذر) قال الهيثمي : وفيه حكيم بن جبير وفيه كلام كثير رواه عنه أيضا أحمد وفيه عنده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وقد اختلط . 2677 (إن كنت لابد سائلا) أي طالبا أمرا من الأمور (فاسأل الصالحين) أي أهل الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق أو من يتبرك بدعاية وترجى إجابته إذا دعا لك أو الساعين في مصالح الخلق بنحو [ ص 35 ] شفاعة ومعروف ومع ذلك لا يمنون على أحد بما أعطوه أو فعلوه معه لكون الواحد منهم يرى الملك لله في الوجود ويرى نفسه كالوكيل المستخلف في مال سيده
[ 46 ]
ليصرف منه على عبيده بالمعرو ف ومصداق ذلك في كلام الله ففي الزبور إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا ولا تسأل معادن الشر فترجع ملوما محسورا وفيه قيل : " اسأل الفضل إن سألت الكبارا " . قال المرسي : قال لي الشيخ يعني العارف والشاذلي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئا فمكثت على ذلك سنة ثم قال : إن أردت كونك منهم فلا تقبل من أحد شيئا فكنت أخرج إلى الساحل وألقط ما يقذفه البحر من القمح وقال في الحكم : لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعا ، من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعا ؟ ومن كلامهم البديع : " قرع باب اللئيم قلع ناب الكريم . وقال بعضهم : إذا احتاج الكريم إلى اللئيم * فقد طاب الرحيل إلى الجحيم وأنشد ابن الجوزي في الصفوة : لا تحسبن الموت موت البلاء * وإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا * أشد من ذاك لذل السؤال وقال بعضهم : ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال الغنى بسؤال وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخف كل نوال (د ن) عن مسلم بن يخشى عن ابن الفراسي (عن الفراسي) بفتح الفاء قال : قلت : أسأل يا رسول الله ؟ قال : لا ثم ذكره وإن كنت إلخ . قال الطيبي : اسأل أي اسأل وإن كنت عطف على محذوف أي لا تسأل الناس وتوكل على الله على كل حال وإن كان لا بد من السؤال فسل الصلحاء وخبر كان محذوف ولا بد معترضة مؤكدة بين الشرط والجزاء وفي وضع الصالحين موضع الكرماء إشارة إلى حل ما يمنحونه وصون عرض السائل صون ما لأن الصالح لا يمنح إلا حلالا ولا يكون إلا كريما لا يهتك العرض اه‍ قال عبد الحق وابن الفراسي : لا يعلم أنه روى عنه إلا بكر بن سوادة . 2678 (إن كنت) يا عائشة (ألممت بذنب) أي أتيته من غير عادة بل على سبيل الهفوة والسقطة وفي الصحاح الإلمام مقابلة المعصية من غير موافقة وهذا المعنى له هنا لطف عظيم معلوم بالذوق (فاستغفري الله تعالى) أي اطلبي منه الغفر أي الستر للذنب (وتوبي إليه) توبة صحيحة نصوحا (فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار) وهذا بعض من حديث واتهام عائشة بصفوان والقصة
[ 47 ]
مشهورة (هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن بشار أورده الذهبي في الضعفاء وقال : اتهمه أحمد وقال ابن معين : ليس بشئ وقال ابن عدي : صدوق ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لا علاء من البيهقي ولا أحق بالعزو وهو ذهول فقد خرجه أحمد قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة اه‍ وهوفي الصحيحين بدون قوله فإن إلخ . 2679 (إن كنتم تحبون حلية الجنة) بكسر الحاء وسكون اللام زينتها والمراد حلي الذهب والفضة (وحريرها فلا تلبسوهما في الدنيا) فإن من لبسهما من الرجال ومثلهم الخناثى في الدنيا لم يلبسهما في الآخرة كما في خبر آخر ويحرم على الرجل والخنثى استعمال حلي النقدين والحرير لغير ضرورة أو حاجة (حم ن ك عن عقبة بن عامر) الجهني . 2680 (إن لقيتم عشارا) أي مكاسا أي وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيما على دينهم أو مستحلا (فاقتلوه) لكفره قال في المصباح : عشرت المال عشرا من باب قتل وعشورا أخذت عشره واسم الفاعل على عاشر وعشار . (طب عن مالك بن عتاهية) بن حرب الكندي مصري قال الذهبي : له هذا الحديث وفيه رجل مجهول وابن لهيعة اه‍ وظاهر كلام المصنف أنه لم يرد مخرجا لأحق بالعزو من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد والبخاري في التاريخ وجازف ابن الجوزي فحكم بوضعه . 2681 (إن نساني الشيطان شيئا من صلاتي) أي من واجباتها كنسيان الاعتدال والقعود بين السجدتين أو مندوباتها كالتشهد الأول (فليسبح القوم) أي الرجال (وليصفق النساء) ندبا ونبه بذكر النسيان على أن من نابه شئ في صلاته يسبح الذكر وتصفق الأنثى ندبا فإن صفق وسبحت لم يضر لكنه خلاف السنة قال الزمخشري : القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال لقيامهم بأمور النساء والتصفيق ضرب أحد صفقي الكفين على الآخر اه‍ (د عن أبي هريرة) . . 2682 (أنا محمد بن عبد الله) علم منقول من مركب من إضافي سمي به بإلهام إلهي لجده لرؤيا رآها كما ذكر حديثها القيرواني العابر في كتاب البستان وهو أنه رأى سلسلة فضة خرجت منه لها طرف في السماء وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا
[ 48 ]
أهل المشرقين معلقون بها فعبر ت بمولود يتبعونه ويحمده أهل السماء (ابن عبد المطلب) اسمه شيبة الحمد أو غيرذلك وكنيته أبو الحارث كان مفزع قريش وشريفهم وملجأهم في الأمور وموئلهم في النوائب وأول من خضب بالسواد وكان يرفع من مائدته للطير والوحش في رؤوس الجبال ومن ثم يقال له مطعم طير السماء والشيخ الجليل صاحب الطير الأبابيل وجعل باب الكعبة ذهبا وكانت له السقاية والزيارة والسدانة والرفادة والحجابة والإفاضة والندوة وحرم الخمر على نفسه في الجاهلية (ابن هاشم) اسمه عمرو ولقب به لأنه أول من هشم الثريد لقومه في الجدب قال النيسابوري : كان النور على وجهه كالهلال لا يمر بشئ إلا سجد له ولا رآه أحد إلا أقبل نحوه ، سأله قيصر أن يتزوج ابنته لما رأى في الإنجيل من صفة ابنه قال ابن الأثير : مات وله عشرون أو خمس وعشرون سنة (ابن عبد مناف) اسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس كان يقال له قمر البطحاء لجماله سمي به لطوله وكان مطاعا في قريش (بن قصي) تصغير قصي أي بعيد لأنه بعد عن قومه في بلاد قضاعة مع أمه واسمه مجمع أو رند ، ملكه قومه عليهم فكان أول ملك من بني كعب وكان لا يعقد عقد نكاح ولا غزو إلا في داره (بن كلاب) بكسر الكاف والتخفيف منقول من المصدر بمعنى المكالبة أو من الكلاب جمع كلب لقب به لحبه للصيد اسمه حكيم أو حكيمة أو عروة وكنيته أبو زرعة وهو أول من حلى السيوف بالنقد (ابن مرة) بضم الميم كنيته أبو يقظة (بن كعب) كنيته أبو هصيص وهو أول من قال أما بعد وأول من جمع يوم العروبة وكان يجمع قريشا يومها فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ولده (ابن لؤي) بضم اللام وهمزة وتسهل (ابن غالب) كنيته أبو تيم (ابن فهر) بكسر فسكون اسمه قريش وإليه ينسب قريش فما كان فوقه فكناني (بن مالك) اسم فاعل من ملك يملك يكنى أبا الحارث (ابن النضر) بفتح فسكون اسمه قيس لقب به لنضارة وجهه وجماله ويكنى أبا مخلد أو عبد المطلب رأى في منامه شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان نور من نور فجذبت إلى السماء فأولت بالعز والسؤدد (بن كنانة) لقب به لأنه كان سترا على قومه كالكنانة أو الجعبة الساترة للسهام لأنه كان عظيم القدر يحج إليه العرب لعلمه وفضله (بن خزيمة) تصغير خزمة يكنى أبا أسد له مكارم وأفضال بعدد الرمال (ابن مدركة) بضم فسكون اسمه عمرو وحكى الرشاطي عليه الإجماع وكنيته أبو هذيل لقب به لأنه أدرك أرنبا عجز عنها رفقاؤه (بن إلياس) بكسر الهمزة أو بفتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر كنيته أبو عمرو وهو أول من أهدى البدن للبيت قيل وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج ولما مات أسفت زوجته خندف عليه فنذرت لا تقيم ببلد ما ت فيه ولا يظلها سقف وحرمت الرجال والطيب وخرجت سائحة حتى ماتت فضرب بها المثل (بن مضر) بضم ففتح معدول عن ماضر اسمه عمرو ومن كلامه
[ 49 ]
من يزرع شرا يحصده وخير الخير أعجله واحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحها واصرفوها عن هواها فيما يفسدها وكانت له فراسة وقيافة (ابن نزار) بكسر النون والتخفيف من النذر القليل لأن أباه حين ولد نظر إلى نور النبوة بين عينيه ففرح به وأطعمه كثيرا وقال : هذا نور في حق هذا وكنيته أبو إياد بن مسعد بن عدنان إلى هنا معلوم الصحة متفق عليه . قال ابن دحية : أجمعوا على أنه لا يجاوز عدنان وعن الحبر بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون ومن ثم أنكر مالك على من رفع نسبه إلى آدم عليه السلام وقال : من أخبره به أي لأنه من كلام المؤرخين ولا ثقة بهم قال ابن القيم : ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وهو الذبيح على الصواب . قال : والقول بأنه إسحاق باطل من عشرين وجها . وقال ابن تيمية : هو إنما يتلقى من أهل الكتاب وهو باطل بنص كتابهم (وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما) فرقة (فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني من عهد الجاهلية) قال مغلطاي : إنما كان آباؤه فضلاء عظماء لأن النبوة ملك وسياسة عامة والملك في ذوي الأحساب والأخطار وكلما كانت خصال الفضل أكثر كانت الرعية أكثر انقيادا وأسرع طاعة وكلما كان في الملك نقيصة نقصت أتباعه ورعاياه فلذا جعل من خير الفرق وخير البقاع (وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب تلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة آبائه في كلاب (فأنا خيركم نسبا) النسب اسم لعموم القرابة (وخيركم أبا البيهقي في الدلائل) أي في كتابه دلائل النبوة (عن أنس) ورواه الحاكم أيضا باللفظ المزبور عن أنس المذكور قال : بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجالا من كندة يزعمون أنه منهم فقال : إنما يقول ذلك العباس وأبو سفيان إذا قدما إليكم ليأمنا بذلك وإنا لا ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة ثم خطب الناس فقال : أنا محمد إلخ . 2683 (أنا النبي) عرفه باللام لحصر النبوة فيه (لا كذب) أي أنا النبي حقا لا كذب فيه فلا أفر من الكفار ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أهزم بل وعدني الله بنصره فلا يجوز لي أن أفر (أنا ابن عبد المطلب) نسب لجده لا لأبيه لشهرته به وللتصريف والتذكير فيما أخبرهم به الكهنة قبيل ميلاده أنه آن أن يظهر من بني عبد المطلب نبي فذكرهم بأنه ذلك المقول عنه لا للفخر فإنه كان يكرهه وينهى عنه ولا للعصبية لأنه كان يذمها ويزجر عنها ولا يشكل ذا بحرمة الشعر عليه لأن هذا إنما هو من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إلا أنه اتفق ذلك بغير قصد كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في
[ 50 ]
أوزان البحور غير عزيز ومنه في القرآن كثير . قال بعض شراح الشفاء : وذا عام في كل نبي لما في الشعر من الغلو ولا يقال قال الشافعي الشعر يزري بالعلماء فالنبوة أولى به (حم ن ق عن البراء بن عازب) . 2684 (أنا النبي لا كذب) أي أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول وقوله لا كذب بسكون الباء وحكى ابن المنير عن بعضهم فتحها ليخرج عن الوزن قال في المصابيح : وهذا تفسير للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وقد ذكروا ما يدفع كون هذا شعرا فلا حاجة لإخراج الكلام عما هو عليه في الرواية . (أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر) يعني استرضعت فيهم وهم من أفصح العرب (فأنى يأتيني اللحن) تعجب أي كيف يجوز علي النطق باللحن وأنا أعرب العرب ولذلك أعيي فصحاء العرب الذين يتنافسون بالشعر في مناظم قريضهم ورجزهم ومقطعاتهم وخطبهم وما يتصرفون فيه من الكناية والتعريض والاستعارة والتمثيل وصنوف البديع وضروب المجاز والإفتتان في الإشباع والإيجاز حتى قعدوا مقهورين مغمورين وبقوا مبهوتين مبهورين حتى استكانوا وأذعنوا وأسهبوا في الاستعجاب وأمعنوا (تنبيه) قال في الروض : إنما دفع أشراف العرب أولادهم إلى المراضع في القبائل ولم يتركوهم عند أمهاتهم لينشأ الطفل في الأعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا تفارقه الهيئة المعربة كما قال في الحديث : تمعددوا واخشوشنوا فكان ذلك يحملهم على الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات وكان عبد الملك بن مروان يقول : أضرنا حب الوليد لأن الوليد كان لحانا لكونه أقام مع أمه وغيره من إخوته أسكنوا البادية فتعربوا ثم أدبوا فتأدبوا (طب عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي : فيه ميسر بن عبيد وهو متروك . 2685 (أنا ابن العواتك) جمع عاتكة (من سليم) قال في الصحاح ثم القاموس : العواتك من جداته تسع وقال غيره : كان له ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج بالجيم بن ذكوان أم عبد مناف وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة وبقية التسع من غير بني سليم قال الحليمي : لم يرد بذلك فخرا بل تعريف منازل المذكورات ومنازلهن كمن يقول كان أبي فقيها لا يريد به إلا تعريف حاله ويمكن أنه أراد به الإشارة بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمهاته قال بعضهم : وبنو سليم تفخر بهذه الولادة وفي رواية لابن عساكر أن ابن الفواطم وهذا قاله يوم حنين قال في الروض : وعاتكة اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب وفي القاموس العاتك الكريم
[ 51 ]
والخالص من الألوان وقال ابن سعد : العاتكة هي في اللغة الطاهرة (ص طب عن سبابة) بمهملة مكسورة ومثناة تحتية ثم باء موحدة بضبط المصنف بخطه تبعا لابن حجر (ابن عاصم) ابن شيبان السلمي له صحبة قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح وقال الذهبي كابن عساكر في التاريخ اختلف على هشيم فيه . 2686 (أنا النبي) هذا وما قبله وما بعده من قبل ما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد به هنا إظهار شرفه وكونه عند ربه بمكان علي حيث خصه بأنه النبي (الأمي) أي الذي جعلني الله بحيث لا أهتد للخط ولا أحسنه لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض . * (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم) * وهذا أعلى درجات الفضل له حيث كان أميا آتيا بالعلوم الجمة والحكم المتوافرة وأخبار القرون الماضية بلا تعلم خط واستفادة من كتاب (الصادق الزكي) أي الصالح يقال زكى الرجل يزكو إذا صلح زكيته بالتثقيل نسبته إلى الزكاء بالمد وهو الصلاح (الويل كل الويل) أي التحسر والهلاك كله (لمن كذبني) فيما جئت به من عند الله (وتولى عني) أعرض ونأى بجانبه (وقاتلني ، والخير لمن آواني) أي أنزلني عنده وأسكنني في سكنه (ونصرني) أعانني على عدوي وقوى شوكتي عليه يقال نصرني على عدوي ونصرته منه نصرا أعنته قويته (وآمن بي وصدق قولي) الظاهر أن الجمع للإطناب إذ الإيمان للتصديق وقد يتمحل للتغاير (وجاهد معي) في سبيل الله أي بذل وسعه وطاقته في القتال لنصرة الدين وذكره ابن ظفر عن سفيان المجاشعي أنه رأى قوما من تميم اجتمعوا على كاهنتهم فسمعها تقول العزيز من والاه والذليل من حالاه والموفور من مالاه فقال سفيان : من تذكرين ؟ قالت : صاحب ب حل وحرم وهدي وعلم وبطش وحلم وحرب وسلم فقال سفيان : لله أبوك من هو ؟ قالت ت : نبي قد أتى يبعث إلى الأحمر والأسود بكتاب لا يفند اسمه أحمد . قال المؤلف من خصائصه إتيانه الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب . (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد عمرو بن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (الكلبي) له وفادة وشعر في الطبقات . 2687 (أنا أبو القاسم) هذا أشهر كناه وكنيته أيضا أبو ابراهيم وأبو المؤمنين قال ابن دحية : وأبو الأرامل ولم يطلع عليه ابن جماعة فعزاه لبعض مشايخه (الله يعطي) عباده من ماله من نحو فئ وغنيمة (وأنا أقسم) ذلك بينهم والمراد أن المال مال الله والعباد عباد الله وأنا قاسم بإذن الله بينكم فمن قسمت له قليلا أو كثيرا فبإذن الله وقد يشمل قسمة الأمور الدينية والعلوم الشرعية أي ما أوحى الله
[ 52 ]
إليه من العلوم والمعارف والحكم يقسمه بينهم فيلقي إلى كل أحد ما يليق به ويحتمل والله يعطي فهم ذلك لمن شاء (ك) في أخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . 2688 (أنا أكثر الأنبياء تبعا) بفتح المثناة الفوقية والباء الموحدة جمع تابع كخدم جمع خادم وهذا نصب على التمييز (يوم القيامة) خصه لأنه يوم ظهور ذلك بالجمع وهذا يوضحه حديث مسلم أيضا إن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد ثم إن الجزم هنا لا ينافيه قوله في حديث أبي هريرة وأرجو أن أكون أكثرهم تبعا فلعله قبل أن يكشف له عن أمته ويراهم ثم حقق الله له رجاءه (وأنا أول من يقرع باب الجنة) أي يطرقه للاستفتاح فيفتح له فيكون أول داخل كما سبق والقرع بالسكون الطرق يقال طرقت الباب بمعنى طرقته ونقرت عليه (م) في الإيمان (عن أنس) بن مالك ولم يخرجه البخاري . 2689 (أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا) أي أثيروا من قبورهم . قال الزمخشري : بعث الشئ وبعثره أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور . قال الرافعي في الكلام على هذا الخبر هو معنى قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض وهذا من كمال عناية ربه به حيث منحه هذا السبق وفيه مناسبة لسبقه بالنبوة (وأنا خطيبهم إذا وفدوا) أي قدموا على ربهم قال بعض شراح الترمذي : وهذه خطبة الشفاعة وقيل قبلها وقال خطيبهم دون إمامهم لأن الكلام في الآخرة ولا تكليف فيها وفيه رفعته على جميع الخلق في المحشر (وأنا مبشرهم) أي وأنا مبشرهم بقبول شفاعتي لهم عند ربي ليريحهم (إذا أيسوا) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ أبلسوا وهو رواية من الإبلاس الانكسار والحزن لأنه البشير النذير (لواء الحمد) أي رايته (يومئذ) أي يوم القيامة (بيدي) جريا على عادة العرب أن اللواء إنما يكون مع كبير القوم ليعرف مكانه إذ موضوعه أصالة شهرة مكان الرئيس وقد سئل المؤلف عن لواء الحمد هل هو لواء حقيقي أو معنوي فأجاب بأنه معنوي وهو الحمد لأن حقيقة اللواء الراية ولا يمسكها إلا أمير الجيش فالمراد أنه يشهر بالحمد يومئذ وما ذكره ليس من عندياته بل هو أحد قولين نقلهما الطيبي وغيره فقال : يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به على رؤوس الخلائق أو أن للحمد لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد وعليه كلام النوربشتي حيث قال : لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين
[ 53 ]
أرفع وأعلى من مقام الحمد ودونه ينتهي جميع المقامات ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحمد الخلائق في الدارين أعطي لواء الحمد ويأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وأضاف اللواء إلى الحمد الذي هو الثناء على الله بما هو أهله لأنه هو منصبه في الموقف وهو المقام المحمود المختص به (وأنا أكرم ولد آدم على ربي) إخبار بما منحه من السؤدد والإكرام وتحدث بمزيد الفضل والإنعام من كرامته على ربه أن أقسم بحياته وأشفق عليه فيما كان يتكلفه من العباد وطلب منه تقليلها ولم يطلبه من غيره بل حثهم على الزيادة وأقسم له أنه من المرسلين وأنه ليس بمجنون وأنه على خلق عظيم وأنه ما ودعه وما قلاه وولد مختونا على ما يأتي لئلا يرى أحد عورته واستأذن ملك الموت عليه في الدخول في قبض روحه ولم يفعل ذلك لأحد غيره وسبق أنه بعث بالبيان للتبيان ولما كان ذا من الأصول الاعتيادية التي قام الإجماع على وجوب اعتقادها بينه بهذا القول وأردفه بقوله (ولا فخر) دفعا لتوهم إرادته الافتخار به وهو حال مؤكدة أأقول ذلك غير مفتخر به فخر تكبر قال القرطبي : إنما قال ذلك لأنه مما أم بتبليغه لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك وأنه حق في نفسه وليرغب في الدخول في دينه ويتمسك به من دخل فيه ولتعظم محبته في قلوب متبعيه فيكثر أعمالهم ويطيب أحوالهم فيحصل شرف الدنيا والآخرة لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع فإن قيل هذا راجع للاعتقاد فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد قلنا من سمع شيئا من هذه الأمور من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة حصل له العلم به كالصحابة ومن لم يشافهه حصل له العلم به من طريق التواتر المعنوي لكثرة أخبار الآحاد به قال في الفتوحات وفي رواية بالزاي وهو التبجح بالباطل (ت عن أنس) وفيه الحسين بن يزيد الكوفي قال في الكاشف : قال أبو حاتم لين . 2690 (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي أول من تعاد فيه الروح يوم القيامة ويظهر (فأكسى بالبناء للمجهول (حلة من حلل الجنة) ويشاركه في ذلك إبراهيم الخليل عليه السلام وهذا دلالة على قربه من ربه وكرامته عليه إذ يكسى حيث عري الناس من لباس الجنة قبل دخولها كدأب الملوك مع خواصها فله المقام الخاص المعبر عنه بالمحمود ألا ترى إلى قوله (ثم أقوم عن يمين العرش) تلويح بقربه من ربه وكرامته عنده إذ يكسى من الجنة قبل دخولها بلباس ويقوم عن يمين العرش (ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري) خصيصة شرفني الله تعالى بها ، وأحد أعم العام وهو مدخول النفي والخلائق جمع خلق فبشمل الثقلين والملائكة وهذا هو الفضل المطلق ولا يعارضه خبر الشيخين أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا موسى عليه السلام متعلق بالعرش لجواز أن يكون بعد البعث صعقة فزع يسقط الكل ولا يسقط موسى عليه السلام اكتفاء بصعقة الطور فحين يرفع رأسه من هذه الصعقة يراه أخذا بجانب العرش فيكون المراد من النفخة تلك الصعقة ذكره القاضي (ت عن أبي هريرة)
[ 54 ]
2691 (أنا أول من تنشق عنه) للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (ثم أبو بكر) الصديق لكمال صداقته له (ثم عمر) الفاروق لفرقه بين الحق والباطل (ثم آتي أهل البقيع) لكرامتهم على ربهم وشرفهم لديه باستغفار نبيه لهم وقربهم منه قال القاضي : آتي فعل المتكلم والبقيع مقبرة المدينة (فيحشرون معي) أي أجتمع أنا وإياهم قال الطيبي : الحشر هنا الجمع كقوله تعالى * (وأن يحشر الناس ضحى) * (ثم أنتظر أهل مكة) أي المسلمين منهم حتى يأتون إلي وزاد في رواية حتى أحشر بين الحرمين قال السمهودي : وفيه بشر عظيمة لكل من مات بالمدينة وإشعار بذم الخروج منها مطلقا وهو عام في كل زمان كان نقله المحب الطبري وارتضاه (ت ك) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي : غريب وقال في الميزان : حديث منكر جدا وقال المناوي : فيه عاصم بن عمر العمري قال الترمذي : ليس بالحافظ والذهبي : ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح ومداره على عبيد الله بن نافع قال يحيى : ليس بشئ وقال علي يروي أحاديث منكرة وقال النسائي : متروك . 2692 (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) خصه لأنه يوم مجموع له الناس فيظهر سؤدده لكل أحد عيانا ، وصف نفسه بالسؤدد المطلق المفيد للعموم في المقام الخطابي على ما تقرر في علم المعاني فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم حتى أولو العزم من الرسل واحتياجهم إليه كيف لا وهو واسطة كل فيض وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز فهو أفضل حتى من خواص الملائكة كما نقل الإمام عليه الإجماع ومراده إجماع من يعتد به من أهل السنة (وأول من ينشق عنه القبر) أي أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصا له بتعجيل جزيل إنعامه قال القرطبي : ويعارضه خبر أنا أول من يبعث فأجد موسى عليه السلام متعلقا بساق العرش (وأول شافع) للعصاة أي لا يتقدمني شافع لا ملك ولا بشر في جميع أحكام الشفاعات (وأول مشفع) بشد الفاء أي مقبول الشفاعة ولم يكتف بقوله أول شافع لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول قال ذلك امتثالا لقوله تعالى * (وأما بنعمة ربك فحدث) * (الضحى : وهو من البيان الذي يجب تبليغه . (تنبيه) عورض ما في هذا الحديث من الأولية بما اقتضاه حديث ابن مسعود الذخرجه أحمد والنسائي والحاكم يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه الحديث وأجيب بأن هذا ضعفه البخاري . (م) (م) في المناقب (د) في السنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري .
[ 55 ]
2693 (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي أقول ذلك شكرا لا فخرا من قبيل قول سليمان عليه الصلاة والسلام * (علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ) * أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس وقيل لا أتكبر به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية (وبيدي لواء الحمد) بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه وحمله على لواء الجمال والكمال (ولا فخر) أي لا فخر لي بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا بعده (وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه) اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلا أو بيانا من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل فالأمثل إلا تحت لوائي (وأنا أول من تنشق عنه الأرض) وفي رواية تنشق الأرض عن جمجمتي (ولا فخر) أي أول من يعجل الله إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلا لجزيل الإنعام قال الطيبي : قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (وأنا أول شافع) يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة (وأول مشفع) بقبول شفاعته في جميع أقسام الشفاعة لله ثم أراد أن يتواضع لربه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في السيادة والشرف معجبا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا وتبجحا بل شكرا وتحدثا بالنعمة وإعلاما للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير البرية قال : ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شئ بخلاف ما هو عليه لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبرا عن أمر وجودي والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا إخبار عن شئ بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ علي وأطلقوه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدبا معه واحتراما فهو خبر عن الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما يتبدل ولا يلزم من
[ 56 ]
تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ كالإخبار عن الأمور الوضيعة وبيانه أن معنى كون الإنسان مكرما ومفضلا إنما هو بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره وفي وقت يزاد على ذلك العير وفي وقت يكرم بشئ لم يكرم به أحد فيقال عليه في المنزلة الأولى مكرم وفي الثانية مفضل مقيد وفي الثالثة مفضل مطلقا ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ذكره القرطبي قال : أغبط به وشد عليه يدك قال بعض الصوفية : وإنما أعلم أمته بالسادة وأنه أول شافع ليريحهم من التعب ذلك اليوم وذهابهم لنبي بعد نبي ليشفع لهم أو يرشدهم لنافع وأنهم يمكثون بمحلهم حتى تأتيه النوبة فيقول : أنا لها أنا لها فما ذهب إلي نبي بعد نبي إلا من لم يبلغه الخبر أو نسي ، وأخذ من الحديث أنه لا بأس بقول الشيخ لتلميذه : خذ مني هذا الكلام المحقق الذي لا تجده عند غيري أو نحو ذلك بقصد اعتنائه وعدم تهاونه به . (تتمة) قالوا في الخصائص ص : خص نبينا صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار لا يدخلها والشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة كما جوز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به ووردت به الأخبار في التي قبلها وصرح به عياض وغيره وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي وبالشفاعة لجمع من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره القزويني في العروة وبالشفاعة في الموقف تخفيفا عن من يحاسب وبالشفاعة فيمن دخل النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل أحدا منهم النار (حم ت في المناقب ه) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي : حسن صحيح . 2694 (أنا قائد المرسلين) والنبيين يوم القيامة أي أكون إمامهم وهم خلفي قال الخليل : القود أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بناصيتها (ولا فخر وأنا خاتم النبيين) والمرسلين (ولا فخر وأنا شافع) للناس (ومشفع) فيهم (ولا فخر) وجه اختصاصه بالأولية أنه تحمل في مرضات ربه ما لم يتحمله بشر سواه وقام لله بالصبر والشكر حق القيام فثبت في مقام الصبر حتى لم يلحقه من الصابرين أحد وترقى في درجات الشكر حتى علا فوق الشاكرين فمن ثم خص بذلك قال العارف ابن عربي : كما صحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثبتت السيادة له على جميع الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي إلا له فقد شفع في الرسل والأنبياء نعم والملائكة فأذن الله عند شفاعته له في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو أول شافع بإذن الله وأرحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فيخرجه المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها وأي شرف أعظم من شرف محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان ابتداء الدائرة به وحيث اتصل به آخرها لكمالها فيه ابتدئت
[ 57 ]
الأشياء وبه كملت . (الدارمي) في مسنده (عن جابر) قال الصدر المناوي : رجاله وثقهم الجمهور . 2695 (أنا سابق العرب) إلى الجنة كما صرح به هكذا في خبر أبي أمامة (وصهيب سابق الروم) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام (وسلمان) الفارسي (سابق الفرس) بضم الفاء وسكون الراء (وبلال سابق الحبش) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام (ك عن أنس) ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ أنا سابق العرب إلى الجنة وبلال سابق الحبش إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة انتهى . قال الزين العراقي في المغرب : حديث حسن وقال الهيثمي : سنده حسن قال الزين العراقي : وله شاهد من حديث أنس أيضا مرفوعا بلفظ السابق أربعة أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة وصهيب سابق الروم . حديث حسن أخرجه البزار هكذا في مسنده وأخرجه غيره بمعناه وقال : رجاله كلهم ثقات . 2696 (أنا أعربكم أنا من قريش) أي أنا أدخلكم في العرب يعني أوسطكم فيه نسبا وأنفسكم فيه فخذا لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نذار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة ومحمد ذروة قريش (ولساني لسان بني سعد بن بكر) لكونه استرضع فيهم وكان العرب تعتني باسترضاع أولادها عند نساء البوادي قال الزمخشري : هذا اللسان العربي كأن الله عزت قدرته مخضه وألقى زبدته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وقال الحرالي : من استجلى أحواله علم إطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها واستنهاء ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جميعها ، يؤثر عن عمر أنه قال أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أبا بكر بلسان كأنه أعجم لا أفهم مما يقولان شيئا (ابن سعد في الطبقات (عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا) . 2697 (أنا رسول من أدركت حيا) وكذا هو رسول من قبله كما دل عليه خبر وأرسلني إلى الخلق كافة (ومن يولد بعدي) إلى أن تقوم الساعة فلا نبي ولا رسول بعده بل هو خاتم الأنبياء والرسل وعيسى عليه الصلاة والسلام إنما ينزل بشرعه (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) .
[ 58 ]
2698 (أنا أول من يدق باب الجنة) من البشر (فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق) بالتحريك جمع حلقة بالسكون (على تلك المصاريع) يعني الأبواب والمصراع من الباب الشطر وفي رواية أنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وفي رواية أقعقع حلق الجنة وفي أخرى فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها والأولية تقتضي تحريك غيره أيضا قال ابن القيم : وذا صريح في أنها حلق حسية تتقعقع وتتحرك (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) . 2699 (أنا) بتخفيف النون (فئة المسلمين) أي الذي يتحيز المسلمون إليه فليس من انحاز إلي في المعركة بعد يعد فارا ويأثم الفارين قآاله لابن عمر وجمع فروا من زحف ثم ندموا فقالوا : نعرض أنفسنا عليه فإن كانت لنا توبة أقمنا وإلا ذهبنا فأتوه فقالوا : نحن الفارون قال : لا بل أنتم العكارون أي العائدون للقتال فقبلوا يده فذكره وأما قول المؤلف في المرقاة معناه أنا وحدي كاف لكل شئ من جهاد وغيره وكل من انحاز إلى بره مما يضره دينا ودنيا فلا يخفى ركاكته وبعده من ملائمة السبب (عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه يزيد بن زياد فإن كان المدني فثقة أو الدمشقي ففي الكاشف واه . 2700 (أنا فرطكم) بالتحريك أي سابقكم (على الحوض) أي إليه لأصلحه لكم وأهيئ لكم ما يليق بالوارد وأحوطكم وآخذ لكم طريق النجاة من قولهم فرس فرط متقدم للخيل ذكره الزمخشري وهذا تحريض على العمل الصالح المقرب له في الدارين وإشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على وفاة صحبه (حم ق عن جندب خ عن ابن مسعود) عبد الله (م عن جابر ابن سمرة) وسببه كما في مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إنا قد رأينا إخواننا قالوا : أو لسنا إخوانك قال : أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . قالوا : كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال : أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله ؟ قالوا : بلى قال : فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطكم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كإيذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك فأقول : سحقا سحقا انتهى وفي الباب سهل وأبو سعيد وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم . 2701 (أنا محمد وأحمد) أي أعظم حمدا من غيري لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره فهو
[ 59 ]
أحق بهذين الاسمين من غيره (والمقفى) بشدة الفاء وكسرها لأنه جاء عقب الأنبياء وفي قفاهم أو المتبع آثار من سبقه من الرسل (والحاشر) أي أحشر أول الناس (ونبي التوبة) أي الذي بعث بقبول التوبة بالنية والقول وكانت توبة من قبله بقتلهم أنفسهم أو الذي تكثر التوبة في أمته وتعم أو أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم أو المراد أن توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ في الدنيا . قال القرطبي : والمحوج إلى هذه الأوجه أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من مزية لنبينا صلى الله عليه وعليهم وسلم (ونبي الرحمة) بميم أوله بخط المصنف أي الترفق والتحنن على المؤمنين والشفقة على عباد الله المسلمين فقد مر أن الرحمة ومثلها المرحمة إذ هما بمعنى واحد كما قاله القرطبي إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطي هو وأمته منها ما لم يعطه أحد من العالمين ويكفي * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (حم م عن أبي موسى) الأشعري (زاد طب ونبي الملحمة) أي نبي الحرب وسمي به لحرصه على الجهاد ووجه كونه نبي الرحمة ونبي الحرب إن الله بعثه لهداية الخلق إلى الحق وأيده بمعجزات فمن أبى عذب بالقتال والاستئصال فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة وظاهر تخصيص المصنف الطبراني بهذه الزيادة أنها لا تعرف لأعلا منه والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد عن حذيفة بلفظ ونبي الملاحم قال الزين العراقي : وإسناده صحيح . 2702 (أنا محمد وأحمد) سبق أن هذا مما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد إظهار شرفه باختصاصه بهذا الاسم (أنا رسول الرحمة أنا رسول الملحمة) خص نفسه من بين الأنبياء بأنه نبي القتال مع مشاركة غيره منهم له فيه إشارة إلى أن غيره منهم لا يبلغ مبلغه فيه (أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم أبعث بالزراع) سره أنه لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدارين كان في الذروة العليا منه فاستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله بالجنان والبنان والسيف والسنان (ابن سعد) في الطبقات (عن مجاهد) بفتح الجيم وكسر الهاء بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (مرسلا) هو الإمام في القراءة والتفسير . 2703 (أنا دعوة إبراهيم) أي صاحب دعوته بقوله حين بنى الكعبة * (ابعث فيهم رسولا منهم) * وفائدته بعد فرض وقوعه نبيا مقدرا له ذلك التنويه بشرفه وكونه مطلوب
[ 60 ]
الوجود تاليا للكتاب مطهرا للناس من الشرك معروفا عند الأنبياء المتقدمين (وكان آخر من بشر بي) أي ببعثتي (عيسى ابن مريم) بشر بذلك قومه ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهوره قال تعالى حكاية عنه * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل ولأنه أبلغ من محمد (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبادة بن الصامت) قضية كلام المصنف أنه لم يقف لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر وهو غفلة فقد رواه الحارث ابن أبي أسامة والطيالسي وكذا الديلمي بأتم من هذا ولفظه أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب اه‍ . 2704 (أنا دار الحكمة) وفي رواية أنا مدينة الحكمة (وعلي بابها) أي علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها ومن زعم أن المراد بقوله وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه ، أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعا ما أنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها وأخرج عن ابن مسعود قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي كرم الله وجهه فقال : قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعنه أيضا أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن وأخرج أيضا عن سيد المرسلين وإمام المتقين أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وأخرج أيضا علي راية الهدى وأخرج أيضا يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتسعى وأنزلت عليه هذه الآية * (وتعيها أذن واعية) * وأخرج عن ابن عباس كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى (ت) عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الضياء (عن علي) أمير المؤمنين وقال : غريب وزعم القزويني كابن الجوزي وضعه أطال العلاء في رده وقال : لم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة فادحة في هذا الخبر سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر وسئل عنه الحافظ ابن حجر في فتاويه فقال : هذا حديث صححه الحاكم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال : إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا وأنه من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب قال : وبيانه يستدعي طولا لكن هذا هو المعتمد اه‍ . 2705 (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب) فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها أو لا بد للمدينة من باب فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه فمن أخذ
[ 61 ]
طريقه دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف ، خرج الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عليا هو أعلم مني فقال : أريد جوابك قال : ويحك كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزه بالعلم عزا وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه ، جاءه رجل فسأله فقال : ههنا علي فاسأله فقال : أريد أسمع منك يا أمير المؤمنين قال : قلا أقام الله رجليك ومحى اسمه من الديوان ، وصح عنه من طرق أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال : ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال لا والله . قال الحرالي : قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عنه القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه (عق عد طب ك) وصححه وكذا أبو الشيخ [ ابن حبان ] في السنة كلهم (عن ابن عباس) ترجمان القرآن (عد ك عن جابر) بن عبد الله ورواه أحمد بدون فمن إلخ . قال الذهبي : كابن الجوزي : موضوع . وقال أبو زرعة : كم خلق افتضحوا به وقال ابن معين : لا أصل له . وقال الدارقطني : غير ثابت وقال الترمذي عن البخاري : منكر وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال : من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول بل هو كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وقال الزركشي : الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفا فضلا عن كونه موضوعا وفي لسان الميزان هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقل أحواها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع اه‍ ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ثم قال : قال القاسم : سألت ابن معين عنه فقال : هو صحيح . قال الخطيب : قلت أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر وتبعه البخاري فقال : هو حديث حسن . 2706 (أنا أولى الناس) أي أخص (بعيسى ابن مريم) وصفه بأمه إيذانا بأنه لا أب له أي الذي خلق منها بغير واسطة ذكر يعني أنا أقربهم إليه (في الدنيا) وفي رواية في الأولى لأنه بشر أنه يأتي من بعده ومهد قواعد دينه ودعى الخلق إلى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت قال (وفي الآخرة) أيضا ، ثم كأن سائلا قال : ما سبب الأولوية فأجاب بقوله (ليس بيني وبينه نبي) أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل إن في سند خبره مقالا وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمنين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب (والأنبياء أولاد علات) بفتح المهملة أي أخوة
[ 62 ]
لأب والعلات أولاد الضرائر من رجل واحد والعلة الضرة (أمهاتهم شتى) أي متفرقة فأولاد العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة سميت علات لأن الزوج قد عل من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى (ودينهم واحد) أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء وهو إرشاد الخلق بالأب وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة بأمهات . قال القاضي : والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرائع فعبر عما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب ونسبهم إليه وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض بالأمهات وأنهم وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أعوامهم فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كل في عصره واحد وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله متمكنين من الوقوف عليه والتمسك به فعلى هذا المراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم ويحتمل تقريره بوجه آخر وهو أن أرواح الأنبياء لما بينهما من التشابه والاتصال كالشئ الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المرأة المشبهة بالأمهات انتهى . وقال الطيبي : كما يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة الدنيا والقيامة ويحتمل أن يراد بهما الحالة الأولى وهي كونه مبشرا والحالة الآخرة وهي كونه ناصرا مقويا لدين المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين هذا وبين آية * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) * أي أنا أخصهم به لأن الحديث وارد في كونه عليه الصلاة والسلام متبوعا والتنزيل في كونه تابعا وله الفضل تابعا ومتبوعا فإن قيل : أي تعلق لهذا بأمهات الأنبياء فالجواب : أنه تنبيه على فضل أمه . قال الزمخشري : وعيسى بالسريانية أيسوع ومريم بمعنى الخادم وقيل مريم بالعربية من النساء كالزين من الرجال ووزن مريم عند النحاة مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية وفيه إبطال لزعم أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام أنبياء ورسل منهم خالد بن سنان (حم ق د عن أبي هريرة) . 2707 (أنا أولى بالمؤمنين) بنص رب العالمين قال تعالى : * (النبي أولى بالمؤمنين) * قال بعض الصوفية : وإنما كان أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة ويترتب على كونه أولى أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم وإن شق عليهم وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم ويدخل فيه النساء بأحد الوجهين المفصلين في علم الأصول (من أنفسهم) أي أنا أولى بهم من أنفسهم في كل شئ من أمر الدارين لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود
[ 63 ]
فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمي أنفذ عليهم من حكمها وهذا قاله عليه الصلاة والسلام لما نزلت الآية ، ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم يذكما له في ذلك من الحظوظ بل اقتصر على ما هو عليه حيث قال : (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات (من المؤمنين) إلى آخر ما يأتي ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي بأن الأولوية قد تولى المصطفى صلى الله عليه وسلم تفسيرها بقوله فمن توفي إلخ ولا عطر بعد عروس ووجه الاندفاع أنه تفريع على الأولوية العامة لا تخصيص فلا ينافي ما سبق بل أفاد فائدة حسنة وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب الرسول أيضا (فترك) عليه (دينا) بفتح الدال (فعلي) قال ابن بطال : هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين (قضاؤه) من بيت المال قيل وجوبا لأن فيه حق الغارمين وقيل وعدا والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفئ الله عليه من غنيمة وصدقة ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين وإلا أثم إن كان حق الميت من بيت المال بقدر الدين وإلا فيسقطه (ومن ترك مالا) يعني حقا فذكر المال غالبي إذ الحقوق تورث كالمال (فهو لورثته) لفظ رواية البخاري فليرثه عصبته من كانوا وعبر بمن الموصولة ليعمم أنواع العصبة وفي الأولوية فيما ذكر وجه حسن حيث رد على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات وخص هذا القسم بالبيان دفعا لتوهم الانحصار في جانب الأمة وفيه أنه لا ميراث بالتبني ولا بالخلف وأن الشرع أبطلهما قال النووي : وحاصل معنى الحديث أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم أو موته أنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فلورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين فعلي مؤونتهم (حم ق ن ه عن أبي هريرة) . 2708 (أنا الشاهد على الله أن) أي بأن (لا يعثر) بعين مهملة ومثلثة أي يزل (عاقل) مسلم أي كامل العقل (إلا رفعه) الله من عثرته (ثم لا يعثر) مرة أخرى (إلا رفعه) منها (ثم لا يعثر) مرة ثالثة (إلا رفعه) منها كذلك وهكذا (حتى يجعل مصيره إلى الجنة) أي لا يزال يرفعه ويغفر له حتى يصير إليها وأفاد بذلك أن العبد إذا سقط في ذنب ثم تاب منه عفي عنه ثم إذا سقط فيه عفي عنه أيضا كذلك وهكذا وإن بلغ سبعين مرة فإنه تعالى يحب كل مفتن تواب كما سيأتي في حديث والعثرة الكبوة ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم كما في المصباح كغيره وخص العاقل لأن العقل هو الذي يهديه ويرشده إلى التخلص من الذنب والتوبة منه فغير العاقل غافل لا يبالي بما ارتكبه (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي : إسناده حسن وأعاده في موضع آخر ثم قال فيه محمد بن عمر بن الرومي وثقه ابن حبان وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات انتهى . 2709 (أنا برئ ممن حلق) أي من إنسان يحلق شعره عند المصيبة (وسلق) بسين وصاد أي
[ 64 ]
رفع الصوت بالبكاء عندها أو الضارب وجهه عندها (وخرق) ثوبه عندها ذكرا أو أنثى وفي رواية والشاقة التي تشق ثوبها عندها أي أنا برئ من فعلهن أو من عهدة ما لزمني بيانه أو مما يستوجبن أو هو على ظاهره وهو البراءة مفاعل هذه الأمور . (م ن ه عن أبي موسى) الأشعري مرض أبو موسى فأغمي عليه فصاحت امرأته برنة فأفاق فقال : ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه لهما معا جمع منهم الصدر المناوي . 2710 (أنا وكافل اليتيم) أي القائم بأمره ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم لا (في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا ومرشدا لهم ومعلما وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفا عن القيام بحقها . (حم خ د) في الأدب (ت) في البر (عن سهل بن سعد) وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم عن عائشة وابن عمر بزيادة ولفظه أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين أي سواء كان قريبا أو أجنبيا . 2711 (أنت أحق) أي أولى وهو أفعل من الحق الذي هو ملك الإنسان وجمعه حقوق تقديره أنت أثبت حقا (بصدر دابتك) أي بمقدم ظهرها (مني) أيها الرجل الذي تأخر وعزم علي أن أركب حماره فلا أركب على صدره لأنه المالك له ولمنفعته فأنت بصدره أحق (إلا أن تجعله) أي صدرها (لي) فجعله له إكراما لعظيم منزلته والتماسا لجليل بركته وهذا من كمال إنصاف المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتواضعه وإظهار حق المرء حيث رضي أن يركب خلفه (حم د ت عن بريدة) وفيه علي بن الحسين ضعفه أبو حاتم وقال العقيلي : كان مرجئا لكن معنى الحديث ثابت صحيح . 2712 (أنت) أيها الرجل القائل إن أبي يريد أن يجتاح مالي أي يستأصله (ومالك لأبيك) يعني أن أباك كان سبب وجودك [ ص 50 ] ووجودك سبب وجود مالك فصار له بذلك حق كان به أولى منك بنفسك فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر الحاجة فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع فكأنه لم يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم أو متوفرة
[ 65 ]
في هذه الواقعة المخصوصة (ه) في التجارة (عن جابر) بن عبد الله قال : قال رجل : يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال ابن حجر في تخريج الهداية : رجاله ثقات لكن قال البزار : إنما يعرف عن هشام عن ابن المنكدر مرسلا وقال البيهقي : أخطأ من وصله عن جابر (طب) وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي : فيه عبد الله بن إسماعيل الحوداني قال أبو حاتم : لين وبقية رجال البزار ثقات انتهى ومفهومه أن رجال الطبراني ليسوا كذلك . (وابن مسعود) قال : قال رجل : إن لي مالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال الهيثمي : فيه إبراهيم بن عبد الحميد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر : فيه من طريق ابن مسعود هذا معاوية بن يحيى وهو ضعيف وأما حديث سمرة فإن العقبلي بعد تخريجه عنه قال : وفي الباب أحاديث فيها لين وبعضها أحسن من بعض وقال البيهقي : روي من وجوه موصولا لا يثبت مثلها وقال ابن حجر في موضع آخر : قد أشار البخاري في الصحيح إلى تضعيف هذا الحديث . 2713 (أنتم) أيها المتوضئون من المؤمنين (الغر المحجلون) الغرة هنا محل الواجب والزائد عليه مطلوب ندبا وإن كان قد يطلق على الكل غرة لعموم النور لجميعه سمي النور الذي على مواضع الوضوء (يوم القيامة) غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس (من إسباغ الوضوء) أي من أثر إتمامه (فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) ندبا بأن يغسل مع الوجه مقدم الرأس وصفحة العنق ومع اليدين والرجلين العضدين والساقين ، وفي قوله منكم إشارة إلى أن الكفار لا يعتد بطهرهم ولا بقربتهم ولا يجازون عليها في الآخرة (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذا السيماء إنما يكون لمن توضأ في الدنيا وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا : كما يقال لهم أهل القبلة من صلى ومن لا ، قال في المطامح : وقد تعلق بالخبر على من زعم كالداودي وغيره من ضعفاء أهل النظر على أن الوضوء من خصائصنا وهو غير قاطع لاحتمال أن الخاص الغرة والتحجيل بقرينة خبر : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وقصره على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون أممهم يرده أن الوضوء كان معروفا عند الأنبياء فالأصل أنه شرع ثابت لأممهم حتى يثبت خلافه (م عن أبي هريرة) رواه مسلم من حديث عبد الله بن محمد قال : رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى كذلك ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وقال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتم إلخ .
[ 66 ]
2714 (أنتم أعلم بأمر دنياكم) مني وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية ، وفيه أنشدوا : إن الرسول لسان الحق للبشر بالأمر والنهي والإعلام والخبر هم أذكياء ولكن لا يصرفهم * ذاك الذكاء لما فيه من الغرر ألا تراهم لتأبير النخيل وما * قد كان فيه على ما جاء من ضرر هم سالمون من الأفكار إن شرعوا * حكما بحل وتحريم على البشر قال بعضهم : فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس للأفكار عليهم سلطان (م عن أنس) بن مالك (وعائشة) قالا : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يلقحون فقال : لو لم تفعلوا لصلح فخرج شيصا فذكره . 2715 (أنتم شهداء الله في الأرض) * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) * فهم عدول بتعديل الله لهم فإذا شهدوا على إنسان بصلاح أو فساد قبل الله شهادتهم وتجاوز عن من يستحق العذاب في علمه فضلا وكرما لأوليائه . قال القاضي : والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر والإمام كأنه سمي به لأنه يحضر النوادي ويبرم بحضرته الأمور إذ التركيب للحضور إما بالذات أو التصور ومنه قيل للمقتول في سبيل الله شهيد لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضوره (والملائكة شهداء الله في السماء) قال الطيبي : الإضافة للتشريف وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله كما أن الملائكة كذلك وهذا تزكية من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار معداتهم وأن الله يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم إكراما وتفضيلا وقال الفخر الرازي : لما جعل المؤمنين شهودا دل على أنه تعالى لا يظهر قبح فعلهم يوم القيامة إذ لو أظهر ذنبهم صارت شهادتهم مردودة وذلك لا يليق بحكمة الحكيم اللهم حقق رجاءنا بكرمك وفضلك . (طب عن سلمة بن الأكوع) 2716 (انبسطوا في النفقة) على الأهل والحاشية وكذا الفقراء إن فضل عن أولئك شئ (في شهر رمضان) أي أكثروها وأوسعوها يقال بسط الله الرزق كثره ووسعه (فإن النفقة فيه كالنفقة في
[ 67 ]
سبيل الله) في تكثير الأجر وتكفير الوزر أي يعدل ثوابها ثواب النفقة على الجهاد أي القتال لأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى وهذا خرج جوابا لسؤال إنسان لم يكن الجهاد في حقه أهم من الصرف في التوسعة في رمضان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في جزئه الذي جمعه فيما ورد فيه (عن ضمرة) كان ينبغي تمييزه لكثرة من تسمى به (وراشد بن سعد) المقرائي بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال من الطبقة الثالثة (مرسلا) أرسل عن سعد وعوف بن مالك وشهد صفين وقال الذهبي : ثقة مات سنة 113 . 2717 (انتظار الفرج من الله عبادة) أي انتظاره بالصبر على المكروه وترك الشكاية واحتج به من زعم أن التوكل قطع الأسباب ورده الحليمي بأن مراد الخبر حيث لا مخلص ولا مفزع إلا بالصبر أما من جعل الله له إلى الخلاص طريقا فليسلكها متوكلا على الله أن يؤديه ذلك إلى الخلاص مما هو فيه ألا ترى أن الأسير لو أمكنه الانفلات من الكفار فعليه الانفلات ويتوكل على الله (عد خط) من حديث الحسن بن سليمان صاحب المصلى عن محمد الباغندي عن عبيد بن هشام الحلبي عن مالك عن الزهري (عن أنس) ثم قال الخطيب : وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من فوقه وهما قبيحا لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان الخبائري عن بقية عن مالك وكذا حدث به الباغندي وصاحب المصلى له أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله انتهى . وقضية كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد من الستة لتخريجه وهو ذهول فقد قال هو نفسه في الدرر إنه عند الترمذي من حديث ابن مسعود في أثناء حديث بسند حسن هذه عبارته وبه يعرف أنه كما لم يصب هنا في اقتصاره على العزو للخطيب وحذف ما عقبه به من بيان علته وضعفه لم يصب في عدوله عن العزو للترمذي لخروجه عن قانونهم . 2718 (انتظار الفرج بالصبر عبادة) لأن إقباله على ربه في تفريج كربه وكشف ضره أو الظفر بمطلوبه مع صبره وعدم ضجره وعدم شكواه المخلوق وعدم اتهامه للحق فيما ابتلاه وتأخير كشفه عبادة وأي عبادة أي إذا حل بعبد بلاء فترك الجزع الهلع وصبر على مر القضاء فذلك منه عبادة يثاب عليها لما فيه من الانقياد للقضاء والتسليم لما تقتضيه أوامر النواميس الإلهية . (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال العامري في شرحه : حسن وأقول فيه عمرو بن حميد عن الليث قال في الميزان هالك أتى بخبر موضوع اتهم به ثم ساق هذا الخبر الذي هو حديث ابن عمرو (وعن ابن عباس) قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف قال : وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة وقضية صنيع المصنف أن لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن علي أمير المؤمنين .
[ 68 ]
2719 (انتظار الفرج من الله عبادة) أي من العبادة كما تقرر (ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل) بمعنى أنه لا يعاتبه على إقلاله من نوافل العبادات لا أنه لا يعاقبه على ترك المفروضات وفي خبر رواه الديلمي وبيض لسنده : الدنيا دول فما كان منها لك آتيك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه استراح بدنه ومن رضي بما رزقه الله قرت عيناه . (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (الفرج) بعد الشدة (وابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن علي أيضا . 2720 (انتعلوا وتخففوا) أي البسوا النعال والخفاف في أرجلكم (وخالفوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى فإن أولئك لا ينتعلون ولا يتخففون والظاهر أنه أراد في الصلاة ويحتمل الإطلاق وأن نصارى زمانه ويهود زمانه كان دأبهم المشي حفاة والأول أقرب (هب عن أبي أمامة) الباهلي . 2721 (انتهاء) بالمد (الإيمان إلى الورع) أي به تزكو الأعمال أي غاية الإيمان وأقصى ما يكون أن يبلغه من القوة والرسوخ أن يبلغ الإنسان درجة الورع الذي هو الكف عن المحرمات وتوقي التورط في الشبهات والارتباك في الشهوات (من قنع) أي رضي (بما رزقه الله تعالى) قليلا كان أو كثيرا (دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب فإنه لما ترك الحرص والطمع وفوض أمره إلى الله ورضي بما قسمه له وأمل منه الخير والبركة حقق الله ظنه وبلغه مأموله في الدنيا والآخرة (تنبيه) قال الغزالي : الورع أربع مراتب : ورع العدول وهو الكف عما يفسق تناوله وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق الاحتمال له وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة في حله لكنه قد يجر إلى محرم أو مكروه وورع الصديقين وهو ترك ما لا بأس به أصلا لكنه يتناول لغير الله (ومن أراد الجنة لا شك فلا يخاف في الله لومة لائم) أي لا يمتنع عن القيام بالحق للوم لائم له عليه . (قط في الأفراد عن ابن مسعود) قال الدارقطني : تفرد به عنبسة عن المعلى ، والمعلى عن شقيق قال ابن الجوزي : وعنبسة والمعلى متروكان قاله النسائي وغيره وقال ابن حبان يرويان الموضوعات لا يحل الاحتجاج بهما .
[ 69 ]
2722 (أنزل الله علي) في القرآن (أمانين لأمتي) قالوا : وما هما يا رسول الله ؟ قال : قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) مقيم بمكة بين أظهرهم حتى يخرجوك فلا يرد تعذيبهم ببدر أو المراد عذاب استئصال وأنت فيهم إكراما فإنك للعالمين رحمة فلما دنا العذاب أمر بالهجرة (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرو) أي وفيهم من يستغفر من لم يستطع الهجرة من مكة أو هم يقولون غفرانك أو لو استغفروا أو في أصلابهم من يستغفر أو وفيهم من يصلي ولم يهاجر بعد (فإذا مضيت) أي انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء (تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة) فكلما أذنب الواحد منهم واستغفر غفر له وإن عاود الذنب ألف مرة وقيل : هذا منسوخ بقوله تعالى عقب هذه الآية * (وما لهم ألا يعذبهم الله) * وقيل : النسخ لا يرد على الخبر ولكن ذلك إذا لم يبق فيهم من يستغفر . (ت عن أبي موسى) الأشعري وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي قال الذهبي : ضعفوه . 2723 (أنزل الله جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة فقال : إن الله تعالى يقرئك السلام يا محمد ويقول لك إني قد أوحيت إلى الدنيا) وحي إلهام أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي) أي لأجل محبتها إياه (فإني خلقتها) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة إذ الأصل خلقتك (سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي) أي الكفار فإنه سبحانه وتعالى يبتلي بها خواص عباده ويضيقها عليهم غيرة عليهم فهم منها سالمون ويزيل عنهم كراهة الموت بلطائف يحدثها لهم حتى يسأموا الحياة كما فعل بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين جاءه ملك الموت ليقبض روحه فبكى إبراهيم عليه السلام فعاد إليه في صورة شيخ هرم يأكل العنب وماؤه يسيل على لحيته فسأله إبراهيم عليه السلام عن عمره فذكر مثل سنه فاشتهى الموت فقبضه (هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون الظفري البدري وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وفيهم مجاهيل اه‍ .
[ 70 ]
2724 (أنزل القرآن على سبعة أحرف) اختلف فيه على نحو أربعين قولا من أحسنها ما قرره الحرالي حيث قال : الجوامع التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاياتها هي صلاح الدين والدنيا والمعاد وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة ستة هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح يستزيدها من ربه حرفا حرفا فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعا جامعا فرد الأزواج له فتم إنزاله على سبعة أحرف وتفصيل هذه السبعة تكفل بتبيانه الحديث الآتي بعده بخمسة أحاديث المغني عن طلبتها بالحدس والتأويل المبطل لشعب تلك الأقاويل وفي بيانه شفاء العي وثلج اليقين (حم ت عن أبي) بن كعب (حم عن حذيفة) قال الهيثمي : فيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه كلام لا يضر . 2725 (أنزل القرآن من سبعة أبواب) أي أبواب البيان كما في المنجد (على سبعة أحرف كلها) قال في الديباج : المختار أن هذا من متشابه الحديث الذي لا يدرك تأويله والقدر المعلوم منه تعدد وجوه القراءات (شاف كاف) أي كل حرف من تلك الأحرف شاف للغليل كاف في أداء المقصود من فهم المعنى وإظهار البلاغة والفصاحة وقيل المراد شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى وكونها من عند الله كاف في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه . (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي : رجاله ثقات . 2726 (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قال القاضي : أراد بها اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وهوازن واليمن وبني تميم ودوس وبني الحارث وقيل القراءات السبع وقيل إنما أراد أجناس الاختلافات التي يؤول إليها اختلاف معاني القرآن فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات : الثاني كالتقديم والتأخير نحو * (وجاءت سكرة الموت بالحق) * وجاءت سكرة الحق بالموت ، والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها نحو * (فإن الله هو الغني الحميد) * قرئ بالضمير وعدمه أو تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى مثل * (كالعهن المنفوش) * وكالصوف المنفوش أو اختلافه مثل * (وطلح منضود) * وطلع منضود أو بتغييرهما إما بتغيير هيئة كإعراب نحو * (هن أطهر لكم) * بالرفع والنصب أو صورة نحو * (انظر إلى العظام كيف ننشزها) البقرة : 259 * وننشرها أو حرف مثل * (باعد ، وبعد ، بين أسفارنا) * وقيل أراد أن في القرآن ما هو مقروء
[ 71 ]
على سبعة أوجه نحو * (فلا تقل لهما أف) فإنه قرئ بضم وفتح وكسر منونا وبسكون وقيل معناه أنزل مشتملا على سبعة معاني أمر ونهي وقصص وأمثال ووعد ووعيد وموعظة ثم قال : أعني البيضاوي : وأقول المعاني السبعة هي العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد (فمن قرأ على حرف منهما فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه) بل يتم قراءته بذلك (طب عن ابن مسعود) قضية كلامه أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور من حديث أبي بن كعب وهكذا عزاه له جمع منهم الديلمي . 2727 (أنزل القرآن على سبعة أحرف) حرف الشئ طرفه وحروف التهجي سميت به لأنها أطراف الكلمة (لكل حرف) في رواية لكل آية (منها ظهر وبطن) فظهره ما ظهر تأويله وعرف معناه وبطنه ما خفي تفسيره وأشكل فحواه أو الظهر اللفظ والبطن المعنى أو الظهر التلاوة والرواية والبطن الفهم والدراية . قال الطيبي : على في قوله على سبعة أحرف ليس بصلة بل حال وقوله لكل آية منها ظهر جملة اسمية صفة لسبعة والراجع في منها للموصوف وكذا قوله (ولكل حرف حد) أي منتهى فيما أراد الله من معناه (ولكل حد) من الظهر والبطن (مطلع) بشدة الطاء وفتح اللام موضع الاطلاع أي مصعد وموضع يطلع عليه بالترقي إليه فمطلع الظاهر التمرن في فنون العربية وتتبع أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة والعمل بمقتضاه وقيل المنع ومعناه أن لكل حد من حدود الله وهي ما منع عباده من تعديه موضع إطلاع من القرآن فمن وفق لإرتقاء ذلك المرتقى اطلع على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع . (تنبيه) قال ابن عربي : اغطس في بحر القرآن إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب التفسير لظاهره ولا تغطس فتهلك فإن بحره عميق ولولا قصد الغاطس للمواضع القريبة من الساحل ما خرج لكم أبدا فالأنبياء والورثة هم الذين يقصدون هذه المواضع رحمة بالعالم وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ولم يردوا ولم ينتفع بهم أحد ولا انتفعوا بأحد بل قصدهم بشج البحر فغطسوا فهم إلى الأبد لا يخرجون (طب عن ابن مسعود) ورواه البغوي في شرح السنة عن الحسن وابن مسعود مرفوعا . 2728 (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف) لا يناقض السبعة بجواز أن الله أطلعه أولا على القليل ثم الكثير كما عرف من نظائره . (حم طب ك عن سمرة بن جندب) قال الحاكم : صحيح ولا علة له وأقره الذهبي .
[ 72 ]
2729 (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا) بحذف التاءين للتخفيف (فيه فإنه مبارك كله) أي زائد الخير كثير الفضل (فاقرأوه الذي أقرئتموه) بالبناء للمجهول أي كالقراءات التي أقرأتكم إياها كما أنزله علي بها جبريل . * (فائدة) * قال المؤلف : من خصائصه أن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور ومشتمل على ما اشتملت عليه الكتب وزيادة وجامع لكل شئ ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما على سبعة أحرف وسبعة أبواب وبكل لغة عد هذه ابن النقيب وقراءته بكل حرف عشر حسنات عد هذه الزركشي (ابن الضريس عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الطبراني والبزار لكن بلفظ ولا تجافوا عنه بدل تحاجوا فيه قال الهيثمي : وإسنادهما ضعيف اه‍ فما أوهمه صنيع المؤلف من أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز غير جيد . 2730 (أنزل القرآن على عشرة أحرف) أي عشرة وجوه (بشير) اسم فاعل من البشارة وهي الخبر السار (ونذير من الإنذار الإعلام بما يخاف منه (وناسخ ومنسوخ) أي حكم مزال بحكم (وعظة) * (قد جاءتكم موعظة من ربكم) * (ومثل) * (تلك الأمثال نضربها للناس) * (ومحكم) فسره في الكشاف بما أحكمت عبارته بأن أحكمت من الاحتمال (ومتشابه) فسره بما يكون عبارته مشتبهة محتملة قال : ففي المحكم سهولة الاطلاع مع طمأنينة قلب وثلج صدر وفي المتشابه تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات (وحلال) وهو الذي به صلاح النفس والبدن لموافقته تقويمها (وحرام) وهو ما لا يصلح النفس والبدن إلا بالتطهير منه لبعده عن تقويمها وأشار بتأخير هذين الحرفين وهما حرفا صلاح الدنيا وأصلهما في التوراة وتمامها في القرآن ويلي هذين حرفا صلاح المعاد وهما حرفا البشارة والنذارة والزجر والنهي وذلك يأتي على كثير من خلال الدنيا لوجوب إيثار الآخرة لبقائها وكليتها على الدنيا لفنائها وجزئيتها وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن ويليهما حرفا صلاح الدين حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاقه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه بغير التفات لما سواه وحرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطأه من حيث قصور عقله عن دركه إلا أن يؤيده الله بتأييده فالحروف الخمسة للاستعمال والسادس للوقوف ليقف العبد لله بحرف كما أقدم الله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه ما تقدم من طرفه وعلمه وأصل هذين في الكتب المتقدمة وتمامها في القرآن ويختص بالسابع الجامع بين المثل الأعلى ومظهر الممثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد وكتابه وهو حرف المثل ولا ينال إلا بموهبة من الله لعبده فليتدبره من عقل ،
[ 73 ]
ذكره كله الحرالي (السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أبو عبيد فضائل القرآن عن أبي سلمة مرفوعا بلفظ نزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وخبر ما كان قبلكم وخبر ما هو كائن بعدكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله قال الكمال ابن ابي شريف : ورجال إسناده أئمة من رجال الصحيحين إلا عمر بن أبي سلمة فمن رجال السنن لكن فيه انقطاع . 2731 (أنزل القرآن بالتفخيم) أي التعظيم ومن تفخيمه إعطاؤه حقه وقفا وابتداء فإن رعاية الفواصل تزيد في البيان وزيادته تور ث التوقير أي التعظيم يعني اقرأوه على قراءة الرجال ولا تخضعوا الصوت به ككلام النساء ولا يدخل فيه كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء (ابن الانباري في) كتاب (الوقف) والابتداء (ك) في التفسير من حديث بكار بن عبد الله عن محمد بن عبد العزيز العوفي عن أبي الزناد عن خارجة (عن) أبيه (زيد بن ثابت) قال الحاكم : صحيح فقال الذهبي : لا والله العوفي مجمع على ضعفه وبكار ليس بعمدة والحديث واه منكر ، إلى هنا كلامه ، وأنت بعد إذ عرفت حاله علمت أن المصنف في سكوته عليه غير مصيب . 2732 (أنزل علي آيات) أحد عشر (لم نر) بالنون وروي بياء مضمومة (مثلهن قط) من جهة الفضل كذا قال والأظهر أن المراد لم تكن سورة آياتها كلها تعويذ من شر الأشرار وغيرهما وعلى الأول فلا يعارض ما تقدم في آية الكرسي لأن تلك آية واحدة وهذه آيات أو يقال إنه عام مخصوص أو يقال ضم هذا إلى ذلك ينتج أن الجميع سواء في الفضل . ذكره الأبي (قل أعوذ برب الفلق) الصبح لأن الليل يفلق عنه وفي المثل هو أبين من فلق الصبح أو الخلق لأنه فلق عنهم ظلمة العدم أو جهنم أو جب أو سجن أو بيت فيها إذا فتح صاأهل النار من شدة حره أو ما ينفلق من النوى والحب أو ما ينفلق من الأرض عن النبات أو الجبال عن العيون والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد وقيل فلق القلوب بالأفهام حتى وصلت إلى الدلائل والأعلام والمراد هنا السورة بكمالها وهكذا فيما يأتي (وقل أعوذ برب الناس) أي مربيهم وخصه به تشريفا ولاختصاص التوسوس به فالاستعاذة واقعة من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شر الجان والإنسان بغيرهما فلما نزلتا ترك التعوذ بما سواهما ولما سحر استشفى بهما هذا وقد بين بهذا الخبر عظم فضل هاتين السورتين وأن لفظة قل من القرآن وعليه الإجماع قال عياض : وفيه
[ 74 ]
رد على من نسب لابن مسعود كونهما ليستا من القرآن وعلى من زعم أن لفظ قل ليس من السورتين وإنما أمر أن يقول فقال (م ت ن عن عقبة بن عامر) الجهني . 2733 (أنزل علي عشر آيات من أقامهن) أي عدلهن وأحسن قراءتهن بأن أتى بهن على الوجه المطلوب في حسن الأداء (دخل الجنة : قد أفلح المؤمنون) أي دخلوا في الفلاح والفلاح الظفر بالمراد أي فازوا وظفروا بمرادهم قطعا إذ قد لتقريب الماضي من الحال وللتأكيد فكأن الفلاح قد حصل وهو الشهادة أو إدراك المطلوب والنجاة من الموهوب قال في الكشاف : قد نقيضة لما تثبت المتوقع ولما تنفيه ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه اه‍ (الآيات) العشرة من أول السورة والمراد أنه يدخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فالمؤمن الذي لم يقرأهن قط لا بد من دخوله الجنة وإن حوسب أو عذب . (ت عن عمر) بن الخطاب . 2734 (أنزلت صحف إبراهيم) بضمتين جمع صحيفة وأصلها كما قال الزمخشري قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه وتقول أي العرب صحائف الكتب خير من صحاف الذهب وفي الصحاح الصحيفة الكتاب (أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) قال الحليمي : يريد به ليلة خمس وعشرين نقله عنه البيهقي وأقره اه‍ . ثم إن ما ذكر من إنزاله في تلك الليلة أراد به إنزاله إلى اللوح المحفوظ فإنه نزل عليه فيها جملة ثم أنزل منه منجما في نيف وعشرين سنة وسره كما قال الفخر الرازي أنه لو نزل جملة واحدة لضلت فيه الأفهام وتاهت فيه الأوهام * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) * فهو كالمطر لو نزل دفعة لقلع الأشجار وخرب الديار وقال السيد : في تنزيله منجما تسهيل ضبط الأحكام والوقوف على حقائق نظم الآيات قال ابن حجر : وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * ولقوله * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع
[ 75 ]
والعشرين إلى الأرض أول * (اقرأ باسم ربك) * (طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي : فيه عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات اه‍ . ورواه عنه أيضا أحمد والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور من هذا الوجه لكن لم أر في النسخة التي وقفت عليها في أوله صحف إبراهيم والبقية سواء . 2735 (أنزلوا الناس منازلهم) أي احفظوا حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين وعلم وشرف فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس والخطاب للأئمة أو عام وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم وقال : هذا مما أدب به المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته من إيفاء الناس حقوقهم من تعظيم العلماء والأولياء وإكرام ذي الشيبة وإجلال الكبير وما أشبهه (م د عن عائشة) الصديقية وفيه أمران : الأول أنه يوهم أن مسلما خرجه مسندا ولا كذلك بل ذكره في أول صحيحه تعليقا فقال : وذكر عن عائشة قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم . الثاني أنه يوهم أن حديث أبي داود لا علة فيه وهو بخلافه بل هو منقطع فإنه أوله من حديث ميمون بن أبي شبيب أن عائشة مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنزلوا إلخ قال النووي في رياضه : ميمون لم يدرك عائشة قال وذكره الحاكم في علوم الحديث وذكر أنه صحيح . 2736 (أنزل) يا معاذ بن جبل (الناس منازلهم) أي المنازل التي أنزلهم الله إياها (من) وفي رواية في (الخير والشر) فإن الإكرام غذاء الآدمي والتارك لتدبير الله تعالى في خلقه لا يستقيم حاله وقد دبر الله تعالى الأحوال لعباده غنى وفقرا وعزا وذلا ورفعة وضعة ليبلوكم أيكم أشكر فالعامل عن الله يعاشر أهل دنياه على ما دبر الله لهم فإذا لم ينزله المنزلة التي أنزله الله ولم يخالقه بخلق حسن فقد استهان به وجفاه وتر ك موافقة الله في تدبيره فإذا سويت بين شريف ووضيع أو غني وفقير في مجلس أو عطية كان ما أفسدت أكثر مما أصلحت ، فالغني إذا أقصيت مجلسه أو أحقرت هديته يحقد عليك لما أن الله تعالى لم يعوده ذلك وإذا عاملت الولاة بمعاملة الرعية فقد عرضت نفسك للبلاء وقوله في الخير والشر يريد به أن من يستحق الهوان فلا يرفع أنفع قال علي : من أنزل الناس منازلهم رفع المؤونة عن نفسه ومن رفع أخاه فوق قدره فقد اجتر عداوته وقال زياد : انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري ومعنا رجل مزاح فكان يقول لصاحب طعامنا جزاك الله خيرا وبرا فيغضب فقال : اقلبوه له فإنا كنا نتحدث أن من لم يصلحه الخير يصلحه الشر فقال له المزاح : جزاك الله شرا فضحك وقال : ما تدع مزاحك (وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة) أي تلطف في تعليمهم رياضة النفس على التحلي
[ 76 ]
بمحاسن الأخلاق والتخلي عن رذائلها قال أبو زيد الأنصاري : الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتحرك بها الإنسان في فضيلة من الفضائل . (الخرائطي) في كتاب (مكارم الأخلاق عن معاذ) بن جبل . 2737 (أنشد الله) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة والله بالنصب وفي رواية بالله (رجال أمتي) أي أسألهم بالله وأقسم عليهم به (لا يدخلون الحمام إلا بمئزر) يستر عورتهم عمن يحرم نظره إليها فإن كشف العورة بحضرته حرام (وأنشد الله نساء أمتي أن لا يدخلن الحمام) أي مطلقا لا بإزار ولا بغيره كما يدل عليه ما قبله فدخول الحمام لهن مكروه تنزيها إلا لضرورة متأكدة كنفاس أو حيض وكان الإغتسال في غيره يضرها قال ابن حجر : معنى أنشد أسأل رافعا نشدتي أو صوتي (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2738 (انصر أخاك) في رواية أعن أخاك في الدين (ظالما) بمنعه الظلم من تسمية الشئ بما يؤول إليه وهو من وجيز البلاغة (أو مظلوما) بإعانته على ظالمه وتخليصه منه (قيل) يعني قال أنس : (كيف أنصره ظالما) يا رسول الله (قال : تحجزه عن الظلم) أي تمنعه منه وتحول بينه وبينه (فإن ذلك) أي منعه منه (نصرة) له أي منعك إياه من الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه الأمارة بالسوء لأنه لو ترك على ظلمه جره إلى الاقتصاص منه فمنعه من وجوب القود نصرة له وهذا من قبيل الحكم للشئ وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة (حم خ) في المظالم (ت) في الفتن (عن أنس) وروى مسلم معناه عن جابر . 2739 (انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما) قيل : كيف يا رسول الله ذلك ؟ قال : (إن يك ظالما فاردده عن ظلمه وإن يك مظلوما فانصره) وفي رواية للبخاري انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قالوا : هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما فقال : تأخذ فوق يديه ، كنى عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكن بالقول وعبر بالفوقية إيماء إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وفيه وفيما قبله إشعار بالحث على محافظة الصديق والاهتمام بشأنه ومن ثم قيل حافظ على الصديق ولو على الحريق . (فائدة) في المفاخر للضبي إن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر وعنى به ظاهره وهو ما اعتيد من حمية
[ 77 ]
الجاهلية لا على ما فسره المصطفى صلى الله عليه وسلم (الدارمي) في مسنده (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله وفي الباب عائشة وغيرها . 2740 (انظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر ومزيد التدبر والتأمل . قال الراغب : والنظر إجالة الخاطر نحو المرئي لإدراك البصيرة إياه فللقلب عين كما أن للبدن عينا (فإنك لست بخير من) أحد من الناس (أحمر) أي أبيض (ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى) أي تزيد عليه في وقاية النفس عما يضرها في الآخرة ومراتبها ثلاثة : التوقي عن العذاب المخلد ثم عن كل محرم ثم ما يشغل السر عن الحق تقدس (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي كالمنذري : رجاله ثقات إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر . 2741 (انظروا قريشا) قال الزمخشري : من النظر الذي هو التأمل والتصفح (فخذوا من قولهم وذروا فعلهم) أي اتركوا اتباعهم في أفعالهم فإنهم ذو الرأي المصيب والحدس الذي لا يخطئ ولا يخيب لكنهم قد يفعلون ما لا يسوغ شرعا فاحذروا متابعتهم فيه (حم حب عن عامر بن شهر) بمعجمة الهمداني أبي الكنود بفتح الكاف ثم نون صحابي نزل الكوفة وهو أحد عمال المصطفى صلى الله عليه وسلم على اليمن وأول من اعترض على الأسود الكذاب باليمن . 2742 (انظروا إلى من هو أسفل منكم) أي في أمور الدنيا أي الأحق والأولى ذلك (ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) فيها (فهو أجدر) أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى من هو فوق حقيق (أن لا تزروا) أي بأن لا تحتقروا (نعمة الله عليكم) فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا طمحت له نفسه واستصغر ما عنده من نعم الله وحر ص على الازدياد ليلحقه أو يقاربه وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد . قال الغزالي : وعجب للمرء كيف لا يساوي دنياه بدينه أليس إذا لامته نفسه فارقها يعتذر إليها بأن في الفساق كثرة فينظر أبدا في الدين إلى من هو دونه لا لمن فوقه أفلا يكون في الدنيا كذلك . وقال الحكيم : لا يزال الإنسان يترقى في درجات النظر علوا علوا كلما نال درجة سما به حرصه إلى النظر إلى ما فوقها فإذا نظر إلى مدونه في درجات الدين اعتراه العجب فأعجب بنفسه فطال بتلك الدرجة على الخلق واستطال فرمى به من ذلك العلو فلا يبقى منه عضو إلا انكسر وتبدد وكذا درجات
[ 78 ]
الدنيا إذا رمى ببصره إلى من دونه تكبر عليه فتاه على الله بكبره وتجبر على عباده فخسر دينه وقد أخذ هذا الحديث محمود الوراق فقال : لا تنظرن إلى ذوي ال‍ * مؤثل والرياش فتظل موصول النها * ر بحسرة قلق الفراش وانظر إلى من كان مث‍ * لك أو نظيرك في المعاش تقنع بعيش كيف كا * ن وترض منه بانتعاش (حم م ت) كلاهما في الزهد (عن أبي هريرة) . 2743 (انظرن) بهمزة وصل وضم المعجمة من النظر بمعنى التفكر والتأمل والتدبر (من) استفهام (إخوانكن) أي تأملن أيها النساء في شأن إخوانكن من الرضاع أهو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه ضمن الرضاعة وقدر الارتضاع فإن التحريم إنما يثبت إذا توفرت الشروط قاله لعائشة وقد رأى عندها رجلا ذكرت أنه أخوها منه ثم علل الباعث على إمعان النظر بقوله (فإنما) الفاء تعليلية لقوله انظرن (الرضاعة) المحرمة للخلوة (من المجاعة) بفتح الميم الجوع أي إنما الرضاعة المحرمة ما سد مجاعة الطفل من اللبن بأن أغذاه وأنبت لحمه وقوى عظمه فلا يكفي بنحو مصتين ولا إن كان بحيث لا يشبعه إلا الخبز كأن جاوز الحولين لأن المدار على تقوية عظمه ولحمه من لبنها بحيث يصير كجزء منها وأدنى ما يحصل ذلك خمس رضعات تامات في حال يكون اللبن فيه كافيا للطفل مشبعا له لضعف معدته وإنما يكون ذلك فيما دون حولين (حم ق د ن ه عن عائشة) قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال : يا عائشة من هذا ؟ قلت : أخي من الرضاعة فذكره . 2744 (انظري) أيتها المرأة التي هي ذات بعل (أين أنت منه) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه (فإنما هو) أي الزوج (جنتك ونارك) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شئ فقال : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم قال : كيف أنت منه ؟ قالت : لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة (ابن سعد) في الطبقات (طب عن عمة حصين) بضم الحاء وفتح الصاد بضبط المؤلف (ابن محصن) بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الصاد المهملة قال حصين : حدثتني
[ 79 ]
عمتي أنها ذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وصنيع المؤلف قاض بأنه لم ير هذا في أحد الكتب الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل لغيرها وهو عجيب فقد رواه النسائي من طريقين وعزاه له جمع جم منهم الذهبي في الكبائر ولفظه : قالت عمة حصين وذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : انظري أين أنت منه فإنه جنتك ونارك أخرجه الذهبي من وجهين وفي الباب أحاديث كثيرة هذا نصه بحروفه . 2745 (أنعم على نفسك) بالإنفاق عليها مما آتاك الله من غير إسراف ولا تقتير (كما أنعم الله عليك) أي ولا يحجزك عن ذلك خوف الفقر فإن الحرص لا يزيل الفقر ، كل حريص فقير ولو ملك الدنيا ، وكل قانع غني وإن كان صفر اليدين ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني بغنى سيده ففي الإمساك خوف الفقر إباق العبد عن ربه (ابن النجار) في التاريخ (عن والد أبي الأحوص) بحاء وصاد مهملتين . 2746 (أنفق) بفتح الهمزة أمر بالإنفاق (يا بلال ولا تخشى من ذي العرش) قيد للمنفي (إقلالا) فقرا من قل بمعنى افتقر وهو في الأصل بمعنى صار ذا قلة وما أحسن من ذي العرش في هذا المقام أي أتخاف أن يضيع مثلك من هو مدبر الأمر من السماء إلى الأرض ؟ كلا . قال الطيبي : الذي يقتضيه مراعاة السجع أن يوقف على بلال وإقلال بغير ألف وإن كتب بالألف ليزدوجا كما في قولهم آتيك بالغدايا والعشايا وقوله ارجعن مأزورات غير مأجورات اه‍ . وإنما أمره بذلك لأنه تعالى وعد على الإنفاق خلفا في الدنيا وثوابا في العقبى فمن أمسك عن الإنفاق خوف الفقر فكأنه لم يصدق الله ورسوله . قال الطيبي : وما أحسن ذكر العرش في هذا المقام . قال الغزالي : قال سفيان : ليس للشيطان سلاح كخوف الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ بالباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء وخرج الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري عن بلال يرفعه يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال : إذا رزقت فلا تمنع قال : وكيف لي بذلك ؟ قال : ذاك وإلا فالنار قال المؤلف في مختصر الموضوعات : وهذه الأحاديث كانت في صدر الإسلام حين كان الإدخار ممنوعا والضيافة واجبة ثم نسخ الأمران وإنما يدخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنسخ (البزار) في مسنده (عن بلال) المؤذن قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي صبر من تمر فقال : فما هذا فقلت : ادخرناه لشتائنا قال : أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم أنفق إلخ قال الهيثمي : إسناده حسن (طب عن ابن مسعود) قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر فقال : ما هذا قال : أعددته لأضيافك فذكره . قال الهيثمي : قال رواه بإسنادين أحدهما حسن وفي الآخر قيس بن الربيع وفيه كلام وبقية رجاله ثقات ورواه أيضا عن أبي هريرة وفيه
[ 80 ]
مبارك بن فضيلة وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وأطلق الحافظ العراقي أن الحديث ضعيف من جميع طرقه لكن قال تلميذه الحافظ ابن حجر في زوائد البزار إسناد حديثه حسن . 2747 (أنفقي) أي تصدقي يا أسماء بنت أبي بكر الصديق (ولا تحصي) لا تبقي شيئا للإدخار أو لا تعدي ما أنفقتيه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك (فيحصي الله عليك) أي يقلل رزقك بقطع البركة أو بحبس مادته أو بالمحاسبة عليه في الآخرة وهو بالنصب جواب النهي والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العد ملزومه أو من الحصر الذي هو المنع (ولا توعي) بعين مهملة أي لا تحفظي فضل مالك في الوعاء وهو الظرف أو لا تجمعي شيئا في الوعاء وتدخريه بخلا به (فيوعي الله عليك) أي يمنع عنك مزيد نعمته عبر عن منع الله بالإيعاء ليشاكل قوله لا توعي فإسناد الإيعاء إليه تعالى للمشاكلة والإحصاء معرفة قدر الشئ‌وزنا أو عدا أو كيلا وكثيرا ما يراد بالإنفاق في كلام الشارع الأعم من الزكاة والصدقة فيشمل جميع وجوه الإنفاق من المعارف والحظوظ التي تكسب المعالي وتنجي من المهالك (حم ق) في الزكاة (أسماء بنت أبي بكر) قالت : قلت يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير أي زوجها أفأتصدق ؟ فذكره . 2748 (أنكحوا) أي أكثروا من الوطئ (فإني مكاثر بكم) أي الأمم يوم القيامة كما يجئ في خبر آخر (ه عن أبي هريرة) . 2749 (أنكحوا الأيامى) أي النساء اللاتي بلا أزواج جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا أم ثيبا كما في الصحاح (على ما تراضى به الأهلون) جمع أهل وهم الأقارب والمراد هنا الأولياء (ولو قبضة) بفتح القاف وتضم ملء اليد (من أراك) أي ولو كان الصداق الذي وقع عليه التراضي شيئا قليلا جدا أي لكنه يتمول فإنه جائز صحيح وفيه رد على الحنفية في إيجابهم أن لا ينقص عن عشرة دراهم والأراك شجر معروف يستاك بقضبانه الواحدة أراكة أو شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود ولها ثمر في عناقيد يملأ العنقود الكف ولا تبعد إرادته هنا (طب عن ابن
[ 81 ]
عباس) قال الهيثمي : فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه ضعفوه انتهى وقال ابن حبان : يروى عن أبيه نسخة كلها موضوعة وقال الدارقطني : أبوه ضعيف أيضا . 2750 (أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة) يحتمل أن المراد بأمهات الأولاد النساء التي يلدن فهو حث على نكاح الولود وأن المراد السراري جمع سرية نسبة إلى السر وهو الجماع والإخفاء لأن المرء كثيرا ما يسر بها ويسترها عن حرمه وضمت سينه لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في السنة للدهر دهري وجعلها الأخفش من السرور لأنه يسر بها (حم) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي : وفيه يحيى بن عبد الله المغافري وقد وثق وفيه ضعف . 2751 (أنهاكم عن كل مسكر) أي عن كل شئ من شأنه الإسكار (أسكر عن الصلاة) أي أزال كثرة العقل عن التمييز حتى صد عن أداء الصلاة كما أشير إليه بقوله تعالى * (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * سواء اتخذ ذلك من العنب أم من غيره . قال النووي : هذا صريح في أن كل مسكر حرام وإن كان من غير العنب . وقال القرطبي : هذا حجة على من يعلق التحريم على وجود الإسكار والشارب من غير اعتبار وصف المشروب وهم الحنفية واتفق أصحابنا على تسمية جميع الأنبذة خمرا لكن قال أكثرهم هو مجاز وحقيقة الخمر عصير العنب وقال جمع : حقيقة فيهما وقال ابن السمعاني : قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من جلي الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النبيذ ومن ذلك أن علة الإسكار في الخمر كون قليله يدعو إلى كثيره وذلك موجود في النبيذ فالنبيذ عند عدم الخمر يقوم مقامه لحصول الفرح والطرب بكل منهما وإن كان النبيذ أغلظ والخمر أرق وأصفى لكن الطبع يحتمل ذلك في النبيذ لحصول السكر كما يحتمل المرارة في الخمر لطلب السكر قال : وبالجملة فالنصوص المحرمة بتحريم كل مسكر وإن قل مغنية عن القياس (م عن أبي موسى) الأشعري قال : استفتي النبي صلى الله عليه وسلم في البتع بكسر فسكون نبيذ العسل والمزن نبيذ الشعير حتى ينبذ أي حتى يشتد فذكره . 2752 (أنهاكم عن الكي) نهي تنزيه كما يعرف من أخبار أخرى وفي غير حالة الضرورة وعدم قيام غيره مقامه وقيل إنما نهى عنه لأنهم كانوا يعظمونه ويرون أنه يبرئ ولا بد أو أنه ينهى عنه قبل نزول الداء وعن استعماله على العموم فإن له داء مخصوصا ومحلا مخصوصا وفي مسلم عن عمران أنه
[ 82 ]
كان يسلم عليه الملائكة فلما اكتوى تركت السلام فلما تركه يعني تاب عاد السلام عليه (وأكره الحميم) أي الماء الحار أي استعماله في نحو الشرب والطهارة لكن المراد إذا كانت شديدة الحرارة لضرره ولمنعه الإساغة والكراهة حينئذ شرعية بل إن تحقق الضرر كان النهي للتحريم (ابن قانع) في معجم الصحابة (عن سعد الظفري) بفتح الظاء المعجمة والفاء وآخره راء نسبة إلى ظفر بطن من الأنصار قال الذهبي : الأصح أنه سعد بن النعمان بدري . 2753 (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) سواء كان من عصير العنب أو من غيره فالقطرة من المسكر حرام وإن انتفى تأثيرها فبين بهذا أن كل ما كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله وإن لم يسكر متناوله بما تناوله لقلته كقطرة واحدة (ن عن سعد) بن أبي وقاص ، قال الزين العراقي : قال البيهقي في الخلافيات : رواته ثقات ورواه عنه أيضا ابن حبان والطحاوي واعترف بصحته . 2754 (أنهاكم عن صيام يومين) أي يوم عيد (الفطر و) يوم عيد (الأضحى) فصومهما حرام ولا ينعقد ومثلهما أيام التشريق لأنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى (ع عن أبي سعيد) الخدري . 2755 (أنهاكم عن الزور) وفي رواية من قول الزور أي الكذب والبهتان لتماديه في القبح والسماجه في جميع الأديان أو شهادة الزور ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك أو هو كقولهم هذا حلال وهذا حرام وقولهم في التلبية لبيك لا شريك لك إلا شريك تملكه وما ملك والمراد اجتنبوا الانحراف عن سنن الشريعة لأن الزور من الإزورار وهو الانحراف فيرجع إلى الأمر بالاستقامة فكأنه قال استقم كما أمرت (طب عن معاوية) بن أبي سفيان . 2756 (أنهر) وفي رواية أمر وأخرى أمرر (الدم) أي أسله (بما شئت) أي أزهق نفس البهيمة بكل ما أسال الدم غير السن والظفر ذكره الزمخشري شبه خروج الدم من محل الذبح بجري الماء في النهر (واذكر اسم الله عليه) تمسك به من شرط التسمية عند الذبح وحمله الشافعية على الندب لخبر إن قوما قالوا : يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال : سموا أنتم وكلوا (ن) في الصيد والذبائح (عن عدي بن حاتم) قلت : يا رسول الله أرسل كلبي فيأخذ الصيد ولا أجد ما أذكيه به أفأذكيه بالمروة أي وهي حجر أبيض والعصا فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه بل خرجه أيضا عن عدي أبو داود وابن ماجه . قال ابن حجر : ورواه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرمى عن قطري عن عدي انتهى .
[ 83 ]
2757 (أنهشوا اللحم) أزيلوه عن العظم بالفم ولا تحزوه بالسكين قالوا : ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان قال ابن العربي : وإذا فعل غير ذلك لا يرده في القصعة وليحبسه بيده وليضعه أمامه (نهشا) بشين معجمة بخطه وقال الحافظ العراقي : بسين مهملة ولعلهما روايتان وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري . قال الزين العراقي : والأمر للإرشاد بدليل تعليله بقوله (فإنه أشهى وأهنأ وأمرأ) وفي رواية وأبرأ أي من السوء ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان يقال هنؤ الطعام يهنو فهو هني ومرؤ فهو مري أي صار كذلك وهنأ في الطعام ومرأ من حد ضرب أي ساغ لي فإذا أفردوا قالوا : أمرأني بالألف وفي الكشاف : الهني والمري صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا ما ينقبض . قيل : الهني ما يلذ به الآكل والمري ما تحمد عاقبته وقيل : هو ما ينساغ في مجراه . قال العراقي : ولم يثبت النهي عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما لو عسر نهشه بالسن فيقطع بالسكين وكذا لو لم يحضر سكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني (حم ت ك عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت . قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم انتهى وتعقبه مغلطاي بأنه في كتاب الأطعمة لأبي عاصم من حديث الفضل بن عباس قال : كنا في وليمة فسمعت صفوان يقول فذكره قال أعني مغلطاي : وفيه شئ آخر وهو أن حديث أبي عاصم متصل وحديث الترمذي منقطع فيما بين عثمان بن أبي سليمان وصفوان اه‍ وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده . 2758 (أنهكوا الشوارب) أي استقصوا قصها والإنهاك الاستقصاء (وأعفوا اللحى) أي اتركوها فلا تأخذوا منها شيئا (خ عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهره أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي وغيره إلى مسلم من حديث عبد الله بن عمر . 2759 (اهتبلوا) أي اغتنموا الفرصة قال الزمخشري : من المجاز هو مهتبل عزته وسمعت كلمة فاهتبلتها اغتنمتها وافترصتها انتهى ومنه أخذ في النهاية قول اهتبل كذا اغتنمه (العفو عن عثرات ذوي المروءات) أي أصحاب المروءات فإن العفو عنهم فيها مندوب ندبا مؤكدا والخطاب للأئمة أو أعم وقد سبق هذا موضحا . (أبو بكر المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء
[ 84 ]
الموحدة نسبة إلى جده وهو محمد بن عمران بغدادي صاحب أخبار وتصانيف ف (في كتاب المروءة عن عمر) بن الخطاب . 2760 (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) أي تحرك فرحا وسرورا بنقلته من دار الفناء إلى دار البقاء لأن أروا الشهداء مستقرها تحت العرش تأوي إلى قناديل هناك كما في خبر وإذا كان العبد ممن يفرح خالق العرش بلقائه فالعرش يدق في جنب خالقه أو اهتز استعظاما لتلك الوقعة التي أصيب فيها أو اهتز حملته فرحا به فأقيم العرش مقام حامليه وقوله عرش الرحمن نص صريح يبطل قول من ذهب إلى أن المراد بالعرش السرير الذي حمل عليه قال ابن القيم : كان سعد في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين لا تأخذه في الله لومة لائم وختم له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وحلفائه ووافق حكمه حكم الله من فوق سبع سماوات ونعاه جبريل عليه السلام يوم موته فحق له أن يهتز العرش له (حم م عن أنس) بن مالك (حم ق ت ه عن جابر) قال المصنف : وهذا متواتر . 2761 (أهل البدع) أي أصحابها جمع بدعة ما خالف الكتاب والسنة مجملا أو مفصلا (شر الخلق) مصدر بمعنى المخلوق (والخليقة) بمعناه فذكره للتأكيد أو أراد بالخلق من خلق وبالخليقة من سيخلق أو الخلق الناس والخليقة البهائم وإنما كانوا شر الخلق لأنهم أبطنوا الكفر وزعموا أنهم أعرف الناس بالإيمان وأشدهم تمسكا بالقرآن فضلوا وأضلوا ذكره الطيبي وهذا مستمد من قوله تعالى * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * و * (أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) * الآية قال مجاهد : السبل البدع وسبق أن الكلام في بدعة تخالف أصول الشرع وإلا كوضع المذاهب وتدوينها وتصنيف العلوم وتقرير القواعد وكثرة التفريع وفرض ما لم يقع وبيان حكمه وتفسير القرآن والسنة واستخراج علوم الأدب وتتبع كلام العرب فمندوب محبوب وأهله ليسوا بشر الخليقة بل خيرها (حل) من حديث محمد بن عبد الله بن عمار عن المعافى بن عمران عن الأوزاعي عن قتادة (عن أنس) ثم قال : تفرد به المعافى عن الأوزاعي بهذا اللفظ . 2762 (أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) لا يعارضه خبر ابن مسعود أنتم شطر أهل الجنة وفي رواية نصفهم لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم رجا أولا أن يكونوا
[ 85 ]
نصفا فأعطاه الله رجاءه ثم زاده (حم ت) في صفة الجنة (ه حب ك) في الإيمان (عن بريدة) بن الحصيب وقال الحاكم : على شرطهما وقال الترمذي : حسن ولم يبين لم لا يصح . قيل : لأنه روي مرسلا ومتصلا قال في المنار : ولا ينبغي أن يعد ذلك مانعا لصحته (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه خالد بن شريك الدمشقي وهو ضعيف ووثق (وعن ابن مسعود) قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف وأنتم ربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها فقلنا : الله ورسوله أعلم فقال : كيف أنتم وثلثها قالوا : فذلك أكثر ثم ذكره قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة (وعن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي : وفيه القاسم بن حصن وهو ضعيف وأعاده مرة أخرى ثم قال : فيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف جدا وفي اللسان كالميزان هذا حديث منكر . 2763 (أهل الجنة جرد مرد) أي لا شعر على أبدانهم ولا لحالهم قيل إلا هارون أخا موسى عليه الصلاة والسلام فإن لحيه إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا ، في ترجمة الأسعد وسئل عند ذلك فقال : وما في جنان الخلد ذو لحية يرى * سوى آدم فيما روينا في الأثر وما جاء في هارون فالذهبي قد * رأى ذاك موضوعا فكن صيقل الفكر حكاه الغزالي وفي رواية ذكرها في لسان الميزان إلا موسى فلحيته إلى سرته (كحل) أي على أجفانهم سواد خلقي (لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم) قيل : أراد أن الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل إرادة الجنس بل لا تزال عليهم الثياب الجدد كما أنها لا تنقطع أكلها من حينه بل كل مأكول يخلفه مأكول آخر وكل ثمرة قطعت خلفتها أخرى وهكذا لا يقال الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية متعرضة للاستحالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في الجنان لأنا نقول إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلا متفاوتة في الكيف متساوية في القوة لا يقوى شئ منها على إحالة الآخر متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض على أن قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده نقص عقل وضعف بصيرة (ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب اه‍ وفيه معاذ بن هشام حديثه في الكتب الستة قال ابن معين : صدوق وليس بحجة . 2764 (أهل الجنة من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع) في البحر يحتمل أن معناه من ملأ أذنيه من ثنا الناس خيرا عمله
[ 86 ]
ومن ملأ من ثناء الناس شرا عمله فكأنه قال : أهل الجنة من لا يزال يعمل الخير حتى ينتشر عنه فيثنى عليه بذلك وفي الشر كذلك ومعنى قوله أهل الجنة أي الذين يدخلونها ولا يدخلون النار ومعنى أهل النار أي الذين استحقوها لسوء أعمالهم سموا بدخولها أهل النار لكنهم سيدخلون الجنة إذا صحبهم إيمان ويكون أهل النار بمعنى الذين استحقوها بعظائم وأفعال السوء ثم يخرجون بشفاعته ويجوز أن يرحم منهم من يشاء ولا يعذبه اه‍ . فإن قلت : ما فائدة قوله وهو يسمع بعد قوله ملأ الله أذنيه ؟ قلت : قد يقال فائدته الإيمان إلى أن ما اتصف به من الخير والشر بلغ من الاشتهار مبلغا عظيما بحيث صار لا يتوجه إلى محل ويجلس بمكان إلا ويسمع الناس يصفونه بذلك فلم تمتلئ أذنيه من سماعه ذلك بالواسطة والإبلاغ بل بالسماع المستفيض المتواتر واستعمال الثناء في الذكر الجميل أكثر من القبيح كما في المصباح وجعله ابن عبد السلام حقيقة في الخير مجازا في الشر . (ه عن ابن عباس) وفيه أبو الجوزاء قال الذهبي : قال البخاري فيه نظر . 2765 (أهل الجور) أي الظلم (وأعوانهم في النار) لأن الداعي إلى الجور الطيش والخفة والأشر والبطر الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان فجوزوا من جنس مرتكبهم (ك) في الأحكام (عن حذيفة) وصححه وتعقبه الذهبي فقال : بل منكر . 2766 (أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض) يعني هم عذابه الشديد يصبه على من يشاء من العبيد قال الزمخشري : من المجاز * (صب عليهم ربك سوط عذاب) * أي فلما علم أن الضرب بالسوط أشد ألما من غيره عبر به (ينتقم بهم ممن يشاء من عباده) أي يعاقبه بهم قال في الصحاح انتقم الله منه عاقبه (وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم) أي يمتنع عليهم ذلك (وأن يموتوا إلا هما) أي قلقا (وغيظا) أي غضبا شديدا . قال في المصباح : الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الغضب (وغما) أي كربا ووهنا (وحزنا) في إشعاره إيذان بأن أهل الشام قد رزقوا حظا في سيوفهم وشاهده ما رواه الخطيب في التاريخ أن عمر كتب إلى كعب الأحبار : اختر لي المنازل فكتب إليه : بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال : السخاء أريد اليمن فقال : حسن الخلق أنا معك وقال : الجفاء أريد الحجاز فقال : الفقر وأنا معك وقال : البأس أريد الشام فقال السيف وأنا معك وقال : العلم أريد العراق فقال : العقل وأنا معك وقال : الغنى أريد مصر فقال : الذل وأنا معك فاختر لنفسك (حم ع طب والضياء) المقدسي (عن خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء (بن فاتك) بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية الأسدي
[ 87 ]
الصحابي قال ابن أبي حاتم : بدري له صحبة وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني موقوفا على خريم ورجالهما ثقات . 2767 (أهل القرآن) أي حفظته الملازمون لتلاوته العاملون بأحكامه في الدنيا وقيل أهله من بحث على أسراره ومعانيه (عرفاء أهل الجنة) الذين ليسوا بقرء أي هم زعماؤهم وقادتهم وفيه أن في الجنة أئمة وعرفاء فالأئمة الأنبياء فهم إمام القوم وعرفاءهم القراء والعريف من تحت يد الإمام فله شعبة من السلطان فالعرافة هناك لأهل القرآن الذين عرفوا بتلاوته وعملوا به (الحكيم) الترمذي (عن أبي أمامة الباهلي) 2768 (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال بيت الله . قال الحكيم : وإنما يكون هذا في قارئ انتفى عنه جور قلبه وذهب جناية نفسه فأمنه القرآن فارتفع في صدره وتكشف له عن زينته ومهابته فمثله كعروس مزين مد يده إليها دنس متلوث متلطخ بالقذر فهي تعافه وتتقذره فإذا تطهر وتزين وتطيب فقد أدى حقها وأقبلت إليه بوجهها فصار من أهلها فكذا القرآن فليس من أهله إلا من تطهر من الذنوب ظاهرا وباطنا وتزين بالطاعة كذلك فعندها يكون من أهل الله وحرام على من ليس بهذه الصفة أن يكون من الخواص وكيف ينال هذه الرتبة العظمى عبد أبق من مولاه واتخذ إلهه هواه ؟ * (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) * (أبو القاسم بن حيدر في مشيخته عن علي) أمير المؤمنين وظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول عجيب فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس قال الحافظ العراقي : بإسناد حسن والعجب أن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه وأحمد في الدرر عن أنس المذكور باللفظ المزبور . 2769 (أهل النار كل جعظري) أي فظ غليظ متكبر أو جسم عظيم أكول (جواظ) أي جموع منوع أو ضخم مختال في مشيته أو صياح مهدر (مستكبر) أي متعاظم مرتفع تيها وعجبا * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * (وأهل الجنة الضعفاء) أي هم المتواضعون الخاضعون ضد المتكبرين الأشرين فهم الضعفاء عن حمل التكبر وأدنى الناس بمال أو جاه
[ 88 ]
أو قوة بدن وعن المعاصي (المغلبون) بشد اللام المفتوحة أي الذين كثيرا ما يغلبون والمغلب الذي يغلب كثيرا وهؤلاء هم أتباع الرسل في هذه الأخلاق وغيرها (ابن قانع) في المعجم (ك) في التفسير (عن سراقة) بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف (ابن مالك) ابن جعثم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني بنونين المدلجي أبو سفيان أسلم بعد الطائف قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . 2770 (أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأسمع طاعة) في رواية للطبراني بدله وأنجع طاعة يقال نجع له بحق إذا أقر به وبالغ فيه والرقة ضد الغلظة والجفوة واللين ضد القسوة فاستعيرت في أحوال القلب فإذا تباعد عن الحق وأعرض عن قبوله وأعرض عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة فكان شغافه صفيقا لا ينفذ فيه الحق وجرمه طبا لا يؤثر فيه الحق وإذا انعكس ذلك يوصف بالرقة واللين فكان حجابه رقيقا لا يأباه نفوذ الحق وجوهره يتأثر عن النصح والفؤاد والقلب وإن كان واحدا على ما عليه الأكثر لكن الخبر ينبئ عن التمييز بينهما وهو أن الفؤاد سمي به لنفوذه والقلب سمي قلبا لكثرة تقلبه فكأنه أراد بالأفئدة ما يظهر منها للأبصار وبالقلوب ما يظهر منها للبصائر (طب عن عقبة ابن عامر) الجهني قال الهيثمي : وإسناده حسن وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد رواه من هذا الوجه بهذا اللفظ أحمد في المسند . 2771 (أهل شغل الله) بفتح الشين وسكون الغين وبفتحتين (في الدنيا هم أهل شغل الله في الآخرة وأهل شغل أنفسهم في الدنيا هم أهل شغل أنفسهم في الآخرة) لأن الآخرة أعواض وثواب مرتب على ما كان في النشأة الأولى قال ابن عطاء الله : الدار الدنيوية بيت العمل وأساس الخير لأهل التوفيق والشر لغيرهم لأن فيها ما ليس في الدار الآخرة وهو كسب الأعمال وكل سر لم يظهر في الدنيا لم يظهر في الآخرة * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) * فمن كان مخلصا في شغله بالعمل في الدنيا كانت دنياه آخرته ومن اشتغل بلذة نفسه وآثر الحياة الدنيا على الآخرة * (فإن الجحيم هي المأوى) * (قط في الأفراد فر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف . 2772 (أهون أهل النار عذابا) أي أيسرهم وأدونهم فيه (يوم القيامة رجل) لفظ رواية مسلم
[ 89 ]
لرجل أي هو أبو طالب كما يجئ (يوضع في أخمص قدميه جمرتان) تثنية جمرة وهي القطعة من النار الملتهبة (يغلي منهما دماغه) وفي رواية للبخاري يغلي منهما أم دماغه قال الداودي : المراد أم رأسه وأطلق على الرأس أم الدماغ من تسمية الشئ مما يجاوره وفي رواية ابن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدميه وحكمة انتعاله بهما أنه كان مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بجملته لكنه كان مثبتا لقدميه على ملة عبد المطلب حتى قال عند الموت هو على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه فقط لتثبيته إياهما على ملة آبائه الضالين قال الغزالي : انظر إلى من خفف عليه واعتبر به فكيف من شدد عليه ؟ ومهما شككت في شدة عذاب النار فقرب أصبعك منها وقس ذلك به انتهى وتمسك به من ذهب إلى أن الحسنات تخفف عن الكافر وقال البيهقي : ولمن ذهب لمقابله أن يقول خبر أبي طالب خاص والتخفيف عنه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلبه وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب فإن حسناته أحبطت بموته كافرا (م عن النعمان بن بشير) الأنصاري لكن لفظ رواية مسلم من حديث النعمان إن أهون وإنما قال أهون في حديث ابن عباس الآتي فهذا مما لم يحرر المؤلف فيه التخريج . 2773 (أهون أهل النار عذابا أبو طالب) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه) هذا وما قبله يؤذن بموته على الكفر وهو الحق ويزعم بعض الناس أنه أسلم قال الزمخشري : يا سبحان الله أكان أبو طالب أخمل أعمامه حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس ويخفى إسلامه ؟ انتهى وأما ما رواه تمام في فوائده من حديث ابن عمر إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي كان في الجاهلية فتناوله المحب الطبري في حق عمه على أنها شفاعة في التخفيف كما في مسلم قال ابن حجر : ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت منها شئ وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة عن علي قال : لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات قال : اذهب فواره قال : إنه مات مشركا قال : اذهب فواره وفيه أن عذاب الكفار متفاوت وأن الكافر قد ينفعه عمله الصالح في الآخرة . قال ابن حجر : لكنه مخالف للقرآن ، قال تعالى * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * وأجيب باحتمال أن هذا من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم وبأن منع التخفيف إنما يتعلق بذنب الكفر لا غيره وبذلك يحصل التوفيق بين هذا الحديث وما أشبهه وبين قوله تعالى * (لا يخفف عنهم العذاب) * (حم م عن ابن عباس) وفي الباب أبو سعيد وجابر وغيرهما . 2774 (أهون الربا) بموحدة تحتية (كالذي ينكح) أي يطأ (أمه) في عظم الجرم وفظاعة الإثم (إن
[ 90 ]
أربى الربا) أشده وأعظمه (استطالة المرء في عرض أخيه) في الإسلام أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وذكره بما يؤذيه أو يكرهه (أبو الشيخ [ ابن حبان ]) في كتاب (التوبيخ عن أبي هريرة) . 2775 (أوتروا) من الوتر بفتح أوله وبكسر والفتح لغة أهل الحجاز الفرد أي صلوا صلاة الوتر (قبل أن تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح يعني في أية ساعة من الليل فيما بين صلاة العشاء والفجر ولا يختص بوقت من الليل فإذا طلع الفجر خرج وقته وفيه إيماء إلى أن تأخيره أفضل أي لمن وثق باليقظة (حم م ت ه عن أبي سعيد) قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فذكره الحاكم واستدركه فوهم . 2776 (أوتيت) بالبناء للمجهول (مفاتيح) وفي رواية مفاتح (كل شئ إلا الخمس) المذكورة في قوله تعالى (* (إن الله عنده علم الساعة) * الآية) بكمالها ومنه أخذ أنه ينبغي للمفتي والعالم إذا سئل عن ما لم يعلم أن يقول لا أعلم ولا ينقصه ذلك بل هو آية ورعه وتقواه ووفور علمه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه : وأبرد ما علي كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول لا أعلم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب . 2777 (أوتي موسى الألواح وأوتيت المثاني) أي السور التي تقصر عن المئين فتزيد على المفصل كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني (أبو سعيد النقاش) بفتح النون وشد القاف وبعد الألف شين معجمة نسبة لمن ينقش السقوف وغيرها بغدادي في حديثه مناكير (في فوائد العراقيين) أي في جزئه الحديثي الذي جمعه في ذلك (عن ابن عباس) . 2778 (أوثق عرى الإيمان) أي أقواها أو أثبتها وأحكمها جمع عروة وهي في الأصل ما يعلق به نحو دلو أو كوز فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإيمان وقال الحرالي : العروة ما يشد به العباءة ونحوها يتداخل بعضها في بعض دخولا لا ينفصم بعضه من بعض إلا بفصم طرفه فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه وقال الزمخشري : هذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فبحكم اعتقاده والتيقن به (الموالاة) أي
[ 91 ]
التحابب والمعاونة (في الله) أي فيما يرضيه (والمعاداة في الله) أي فيما يبغضه ويكرهه (والحب في الله والبغض في الله عز وجل) قال مجاهد : عن ابن عمر فإنك لا تنال الولاية إلا بذلك ولا تجد طعم الإيمان حتى تكون كذلك اه‍ . ومن البغض في الله بغض كثير ممن ينسب نفسه للعلم في زمننا لما أشرق عليهم من مظاهر النفاق وبغضهم لأهل الخير فيتعين على من سلم قلبه من المرض أن يبغضهم في الله لما هم عليه من التكبر والغلظة والأذى للناس قال الشافعي : عاشر الكرام تعش كريما ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم ومن ثم قيل مخالطة الأشرار خطر ومبالغة في الغرر كراكب بحر إن سلم من التلف لم يسلم قلبه من الحذر (طب عن ابن عباس) وفي الباب عن البراء أيضا كما خرجه الطيالسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تدرون أي عرى الإيمان أوثق ؟ قلنا : الصلاة ؟ قال : الصلاة حسنة وليست بذلك ، قلنا : الصيام ؟ قال : مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال : مثل ذلك ثم ذكره . 2779 (أوجب) فعل ماض أي عمل الداعي عملا وجبت له به الجنة أو فعل ما يجب به الجنة والأول لابن حجر والثاني للمؤلف (إن ختم) دعاءه (بآمين) أي يقول آمين فذلك الفعل مما يوجب الجنة ويبعده من النار ويحتمل أن المراد أن إعطاءه المسؤول صار واجبا بذلك (د عن أبي زهير النميري) بضم النون وفتح الميم وسكون المثناة نسبة إلى نمير بن عامر بن صعصعة قال : ألح رجل في المسألة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه فذكره . 2780 (أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء) أي أعلمه بواسطة الملك جبريل أو غيره والوحي لغة إعلام في خفاء وسرعة وشرعا إعلام الله نبيه بما شاء (أن قل لفلان العابد) الملازم لعبادتي (أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك) الزاهد في الدنيا المنقطع للتعبد إذ الزهفيها يريح القلب والبدن كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : أمت مطامعي فأرحت نفسي * فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا * وفي إحيائه عرضي مصون والراحة زوال المشقة والتعب كما في المصباح وغيره (وأما انقطاعك لي) أي لأجل عبادتي (فتعززت بي) أي صرت بي عزيزا (فماذا عملت فيما لي عليك قال : يا رب وماذا لك علي قال) أي الله لنبيه قل له (هل عاديت في عدوا أو واليت في وليا) زاد الحكيم في روايته وعزتي لا ينال رحمتي من لم
[ 92 ]
يوال في ولم يعاد في اه‍ . فذلك العابد ظن أنه بزهده في الدنيا وانقطاعه عن أهلها قد بلغ الغاية وارتقى النهاية فأعلمه الله بأن ذلك مشوب بحظوظ نفسانية وأن ترك بعض ما لا يزن كله عند الله جناح بعوضة ليس بكبير أمر بالنسبة لأولئك الكمل ، وإنما الذي عليه التعويل التصلب في مباراة أعداء الله ومباعدتهم ومعاداتهم * (أولئك حزب الشيطان) * فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من مولاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله بل هو الإخلاص بعينه فإذا أحببت الأشياء من أجله وعاديت الأشياء من أجله فقد أحببته بل ليس معنى حبنا له غير ذلك ذكره العارف ابن عربي وغيره وعلم منه أن الحب في الله والبغض في الله مرتبة من وراء مقام الزهد أعلى منه وأن من زهد في الدنيا لينال نعيم الآخرة ليس بزاهد كامل لأنه تعوض باق عن فان وقد انتقل من رغبة فيما سوى الله إلى رغبة فيما سواه أعلى منها وذلك كله من جملة معاملة الأكوان فلم تخلص معاملته لله وإنما تخلص إذا زهد في مقام الزهد بمعنى أنه لم ير له ملكا لشئ في الدارين حتى يزهد فيه كما قال بعضهم : ترحل عن مقام الزهد قلبي * فأنت الحق وحدك في شهودي أأزهد في سواك وليس شئ * أراه سواك يا سر الوجودي (حل خط) في ترجمة محمد بن الورد الزاهد (عن ابن مسعود) وفيه علي بن عبد الحميد قال الذهبي : مجهول وخلف بن خليفة أورده في الضعفاء وقال ثقة كذبه ابن معين . 2781 (أوحى الله تعالى إلى ابراهيم : يا خليلي) أي يا صديقي فيا له من خطاب ما أشرفه (حسن خلقك) بضم اللام مع سائر الأنام (ولو مع الكفار) فإنك إن فعلت ذلك (تدخل مداخل الأبرار) أي الصادقين الأتقياء الذين أحسنوا طاعة مولاهم ، تحروا محابه وتوقوا مكارهه (فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي) أي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظله (وأن أسكنه حظيرة قدسي) أي جنتي وأصل الحظيرة موضع يحاط عليه لتأوي إليه الإبل والغنم يقيها نحو برد وريح وأن أدنيه من جواري بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح أي أقربه مني يقال جاوره مجاورة وجوارا إذا لاصقه في المسكن وقد امتثل هذا السيد الجليل أمر ربه فبلغ من حسن الخلق وكمال الدربة ما لم يبلغه أحد سواه إلا ما كان من ولده نبينا ، انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم والزيغ الشنيع الذي عصى أمر العقل وانسلخ من قضية التمييز والغباوة التي لبس بعدها شئ كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه في أرشف مساق مع استعماله الملاطفة والمجاملة والرفق واللين والأدب الجميل وكمال حسن الخلق منتصحا في ذلك بنصيحة ربه مسترشدا بإرشاده (تنبيه) قال الراغب : التخلق والتشبيه بالأفاضل ضربان محمود وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدرب على
[ 93 ]
الوجه الذي ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي ، ومذموم وهو ما كان رياء وتصنعا ويتحراه فاعله ليذكر به ويسمى تصنعا وتشيعا ولا ينفك صاحبه من اضطرا ب يدل على تشيعه . (فائدة) قال العارف ابن عربي ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم طائعهم وعاصيهم وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة وعموم لطائفه من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله . (الحكيم) الترمذي عن أبي هريرة قال الزيلعي : وهذا معضل (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري ولم يوجهه وقال الهيثمي : فيه مؤمل بن عبد الرحمن وهو ضعيف . 2782 (أوحى الله إلى داود) عليه السلام يا داود (أن قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من يذكرني وإن ذكري إياهم أن ألعنهم) أي أطردهم عن رحمتي وأبعدهم عن إكرامي ودار كرامتي قال حجة الإسلام : هذا في عا ص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان (ابن عساكر) في ترجمة داود (عن ابن عباس) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو قصور فقد خرجه الحاكم والبيهقي في الشعب والديلمي باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور . 2783 (أوحى الله إلى داود) عليه الصلاة والسلام (ما من عبد يعتصم) أي يتمسك (بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته) أي والحال أني أعرف من نيته أنه يستمسك بي وحدي وأن ظاهره كباطنه في الإلتجاء والتعويل علي وحدي وفي بعض النسخ أعرف ذلك من قلبه بدل نيته (فت كيده السماوات) السبع (بمن فيها) من الملائكة وغيرهم والكواكب وأفلاكها وغير ذلك من سائر خلق الله أي يخدعونه ويمكرون به يقال كاده كيدا أخدعه ومكر به والاسم المكيدة (إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا) أي مخلصا من خداعهم له ومكرهم قال به بعضهم : وإنما قال تعالى أعرف ذلك إلخ وفيه نصرته بذلك إشارة إلى أنه مقام يعز وجوده في غالب الناس ولهذا قال في الحكم لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان له هو واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره دافعا اه‍ في بعض الكتب المنزلة : يقول الله : وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي
[ 94 ]
ولأقطعنه من وصلي أتؤمل غيري وأنا الكريم وتطرق أبواب الغير وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم وقطعت رجاه (وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يديه) أي حجبت ومنعت عنه الطرق والجهات والنواحي التي يتوصل بها إلى الاستعلاء والسمو ونيل المطالب وبلوغ المآرب فمن اعتصم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا واغتر بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله قال في الصحاح : السبب كل شئ يتوصل به إلى غيره وأسباب السماء نواحيها قال الزمخشري : الأسباب الوصل وتقول ما لي إليه سبب أي طرق والسمو العلو ويقال سما يسمو سموا علا ومنه قيل سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف (وأرسخت الهوى من تحت قدميه) يحتمل أن الهوى بضم الهاء وكسر الواو وهو السقوط من علو إلى أسفل ويكون المعنى أثبت الهوى تحت قدميه فلا يزال في مهواه هابطا عن منازل العز والشرف متباعدا عن مولاه ويحتمل أنه الهوى بالقصر وهو ميل النفس وإشرافها إلى مذموم والهوى أيضا الشئ الخالي ، ومن كلامهم لا تتبع الهوى فمن تبع الهوى قال الإمام الرازي في تفسيره : الذي جربته طول عمري أن الإنسان كلما عول في أمر على غير الله صار سببا للبلاء والمحنة وإذا عول على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل المطلوب على أحسن وجه فهذه التجربة قد استمرت من أول عمري إلى هذا الوقت ، فعلم أن كل من استند في نصرته إلى الخلق بنفسه أو بوكيله أو بقلبه تخلفت عنه نصرة الحق تعالى إلا أن يكون مشهده أن نصرة الخلق من جملة نصرة الحق تعالى له من جهة أنه الملهم لهم أن ينصروه فإنه تعالى ينصر عبده بواسطة وبدونها والكل منه فلا يقدح ذلك في مقام الاستناد إليه تعالى بل هو أكمل لأن فيه استعمال الآلة وعدم تعطيلها (وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني وغافر له) ما فرط منه من الصغائر ومقيلا له ما سقط فيه من هفوة أو عثرة (قبل أن يستغفرني) أي قبل أيطلب مني الغفر أي الستر وإنما نزلناه على الصغائر والهفوات لأنه فرضه أولا مطيعا له (ابن عساكر) في التاريخ (عن كعب بن مالك) ورواه عنه الديلمي أيضا في الفردوس . 2784 (أوسعوا مسجدكم) أيها المؤمنون الذين يعمرون مسجدا (تملؤوه) أي فإنكم مستكثرون حتى تملؤوه لأن الناس سيدخلون في دين الله أفواجا فلا تنظروا إلى قلة عددكم اليوم وأصل الوسع تباعد الأطراف والحدود ذكره الحرالي (طب) وكذا أبو نعيم والخطيب (عن كعب بن مالك) قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يبنون مسجدا فذكره قال الهيثمي : وفيه محمد بن درهم ضعيف انتهى وقال الذهبي في المهذب : هو واه ، وفي الميزان عن جمع محمد هذا ضعيف ثم ساق له هذا الحديث وأقول
[ 95 ]
فيه أيضا يحيى الحماني قال الذهبي في الضعفاء : قال أحمد : كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين وقيس بن الربيع ضعفوه وهو صدوق . 2785 (أوشك) بلفظ المضارع أي أقرب وأتوقع قال النحاة : واستعمال المضارع فيه أكثر من الماضي (أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير) أي تستبيح الرجال وطء الفروج على وجه الزنا وتستبيح لبس الحرير الذي حرم عليهم لغير ضرورة وأراد بالأمة طائفتين منهم ويكون ذلك آخر الزمان . (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين . 2786 (أوصاني الله بذي القربى) أي ببرهم لأنهم أحق الناس بالمعروف قال الحرالي : هم المتوسلون بالوالدين لما لهم من أكيد الوصلة والقربى فعلي من القرابة وهو قرب في النسب الظاهر أو الباطن ذكره الحرالي (وأمرني أن أبدأ بالعباس ابن عبد المطلب) أي ببره فإنه عمي وعم الرجل صنو الأب فهو أب مجازا (ك عن عبد الله بن ثعلبة) بن صعير بمهملتين مصغرا ويقال ابن أبي صعير قال في التقريب كأصله : له رواية ولم يثبت له سماع . 2787 (أوصي الخليفة من بعدي) قال الحرالي : قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره (بتقوى الله) أي بمخافته والحذر من مخالفته (وأوصيه) ثانيا (بجماعة المسلمين أن يعظم كبيرهم) قدرا أو سنا (ويرحم صغيرهم) أي كذلك (ويوقر) أي يعظم (عالمهم) بشئ من العلوم الشرعية (وأن لا يضرهم فيذلهم) أي يهينهم ويحقرهم (ولا يوحشهم) أي يبعدهم ويقطع مودتهم ويعاملهم بالجفاء وعدم الوفاء (فيكفرهم) أي يلجئهم إلى تغطية محاسنه ونشر مساوئه وعيوبه ويجحدون نعمته ويتبرأون منه فيؤدي إلى تفرق الكلمة وتحرك الفتنة . قال الفارابي : الوحشة بين الناس الإنقطاع وبعد القلوب عن المودات وكفر النعمة جحدها وتغطيتها (وأن لا يغلق بابه دونهم) يعني يمنعهم عن الوصول إليه وعرض الظلامات عليه (فيأكل قويهم ضعيفهم) أو يستولي على حقه ظلما قال الزمخشري : من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه ثم الذي رأيته في نسخ البيهقي عقب قوله فيكفرهم وأن لا يخصيهم فيقطع نسلهم وليس قوله وألا يغلق إلخ ثابت في النسخ التي وقفت عليها فليحرر قال ابن العربي : قد جعل الله الخلافة مصلحة للخلق ونيابة عن الحق وضابطا
[ 96 ]
للقانون وكافا عن الاسترسال بحكم الهوى وتسكينا لثائرة الدماء وثائرة الغوغاء أولهم آدم وآخرهم عيسى والكل خليفة لكن من أطاع الله فهو خليفة له ومن أطاع الشيطان فهو خليفة للشيطان . (تنبيه) ذهب الصوفية إلى أن الخليفة على الحقيقة بعده القطب قال العارف ابن عربي : حضرت الخلافة التي هي محل الإرث والأنبياء انتشرت راياتها ولاحت أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ثم خفيت بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تظهر أبدا إلى يوم القيامة عموما لكن قد تظهر خصوصا ، فالقطب معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحل النظر والتجلي ومنه تصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب وله صفات إذا اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب وإلا فهو غيره ومنه يكون الإمداد لملك ذلك العصر (هق عن أبي أمامة) قال الذهبي : في المذهب وهذا لم يخرجوه . 2788 (أوصيك أن لا تكون لعانا) أي أن لا تلعن معصوما فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على اللاعن كما في خبر سبق وصيغة المبالغة هنا غير مرادة (حم تخ طب) كلهم من طريق عبيد الله بن هودة الفريعي عن رجل من هجيم (عن جرموز) بالجيم الفريعي البصري قال : قلت ، يا رسول الله أوصني فذكره وجرموز قال ابن السكن وابن أبي حاتم : له صحبة ونسبه ابن قانع فقال جرموز (بن أوس) بن جرير الهجيمي قال ابن حجر : ورأيت في رواية قال ابن هودة قال : حدثني جرموز فذكره فلعله سمعه عنه بواسطة ثم سمعه منه والرجل المبهم في الرواية الأولى جزم البغوي وابن السكن بأنه أبو تميمة الهجيمي . اه‍ وقال الحافظ العراقي : لم يستحضره حيث قال في المغني فيه رجل لم يسم واقتصر على ذلك وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني من طريق عبيد الله بن هودة عن رجل عن جرموز وهي طريق رجالها ثقات وجرموز له صحبة . 2789 (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير : هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله والله مطلع على جميع أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها . (تنبيه) قال الراغب : حق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة : البشر ثم نفسه ثم الله تعالى ومن استحى
[ 97 ]
من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من الله فلعدم معرفته بالله ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله تعالى . (الحسن بن سفيان) في جزئه (طب هب) كلهم (سعيد بن يزيد بن الأزور) الأزدي قال الذهبي : روى عنه أبو الخير اليزني وزعم أ له صحبة اه‍ . قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني فذكره قال الهيثمي : رجاله وثقوا على ضعف فيهم . 2790 (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين قال الغزالي : ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى الله بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها . قد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم فهي الجامعة لخيري الدارين الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات (والتكبير على كل شرف) أي محل عال من أشرف فلان إلى كذا إذا تطاول له ورماه ببصره ومنه قيل للشريف شريف لارتفاعه على من دونه وهذا قاله لمن قال له أريد سفرا فأوصني فذكره فلما ولى الرجل قال : اللهم ازوي له الأرض وهون عليه السفر قال ابن القيم : وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك (ه عن أبي هريرة) وفيه أسامة بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وجمع وأورده الذهبي في الضعفاء . 2791 (أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شئ) إذ التقوى وإن قل لفظها جامعة لحق الحق والخلق شاملة لخير الدارين إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور كما مر غير مرة ومن اتقى الله حفظه من أعدائه ونجاه من الشدائد ورزقه من حيث لا يحتسب وأصلح عمله وغفر زلله وتكفل له بكفلين من رحمته وجعل له نورا يمشي به بين يديه وقبله وأكرمه وأعزه ونجاه من النار إلى غير ذلك مما مر ويأتي ببراهينه (وعليك بالجهاد) أي الزمه (فإنه رهبانية الإسلام) أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل (وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن) أي الزمهما (فإنه) يعني لزومهما (روحك) بفتح الراء راحتك (في السماء وذكرك في الأرض) بإجراء الله ألسنة الخلائق بالثناء الحسن عليك أي عند توفر الشروط والآداب ومنها أن يجمع
[ 98 ]
حواسه إلى قلبه ويحضر في لبه كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذوات أحوال جوارحه حتى تأخذ كل جارحة منه قسطها منها وبذلك تنحات عنه الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر فلم يقرأ القرآن من لم يكن ذا حاله ولم يذكر من لم يكن كذلك ذكره الحرالي وغيره (حم عن أبي سعيد) قال الهيثمي : رجاله ثقات . 2792 (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته) أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى وتجنب الرياء فيها قال حجة الإسلام : وإذا أردنا تحديد التقوى على موضع علم السر نقول الحد الجامع تبرئة القلب عن شر لم يسبق عنك مثله بقوة العزم على تركه حتى يصير كذلك وقاية بينك وبين كل شر قال : وهنا أصل أصيل وهو أن العبادة شطران اكتساب وهو فعل الطاعات واجتناب وهو تجنب السيئات وهو التقوى وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب يصوموا نهارهم ويقوموا ليلهم واشتغل المنتبهون أولو البصائر والاجتناب إنما همتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم (وإذا أسأت فأحسن) * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * (ولا تسألن أحدا) من الخلق (شيئا) من الرزق ارتقاء إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل بوعد الله وحسن كفايته وضمانه * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * وقد قال أهل الحق : ما سأل إنسان الناس إلا لجهله بالله تعالى وضعف يقينه بل إيمانه وقلة صبره وما تعفف متعفف إلا لوفور علمه بالله وتزايد معرفته به وكثرة حيائه منه (ولا تقبض أمانة) وديعة أو نحوها مصدر أمن بالكسر أمانة فهو أمين ثم استعمل في الأعيان مجازا فقيل الوديعة أمانة ونحو ذلك والنهي للتحريم إن عجز عن حفظها وللكراهة إن قدر ولم يثق بأمان نفسه وإن وثق بأمانة نفسه فإن قدر ووثق ندب بل إن تعين وجب (ولا تقض بين اثنين) لخطر أمر القضاء وحسبك في خطره خير من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن ذلك كما صرح به في الحديث (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح وفيه قضية اه‍ . وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقط منه بعد ولا تسأل أحدا وإن سقط سوطك هكذا هو ثابت في رواية أحمد وكأنه سقط من القلم . 2793 (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء) يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير (ونور لك في الأرض) أي بهاء وضياء يعلو بين أهل
[ 99 ]
الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص . قال الزمخشري : فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير) كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك (فإنه مطردة للشيطان) أي مبعدة له (عنك) يقال طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد . وقال الزمخشري : طرده أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد . قال ابن السكيت : طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي ظهير ومساعد لك عليه إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي : والضمير في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة (ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه قال الماوردي : واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار وقال حجة الإسلام : كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب * (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) * (عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي) كما تقرر وجهه فيما قبله (أحب المساكين) المراد بهم ما يشمل الفقراء كما سبق في أمثاله (وجالسهم) فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر (انظر إلى من) هو (تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من) هو (فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق (أن لا تزدري نعمة الله عندك) كما سبق بتوجيهه أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه (صل قرابتك) بالإحسان إليهم (وإن قطعوك) فإن قطيعتهم ليست عذرا لك في قطيعتهم (قل الحق) أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن المنكر (وإن كان مرا) أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع . قال الطيبي : شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مر المذاق لكن عاقبته محممودة . قال بعض العارفين : من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول
[ 100 ]
ومواطنه ثم تقول : أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي الله من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى * (لا خير في كثير من نجواهم) * الآية ثم قال : * (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله) * ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله (لا تخف في الله لومة لائم) أي كن صلبا في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي لهم مما هو فيه) أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فسمع إنسانا يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال : أرى الناس يذكرونني بما ليس في فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال : أنا أستحي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته (يا أبا ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه الله (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده . (عبد بن حميد في تفسيره) أي تفسيره للقرآن (طب عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس . 2794 (أوصيك يا أبا هريرة بخصال أربع لا تدعهن) أي لا تتركهن أبدا ما بقيت أي مدة
[ 101 ]
بقائك في الدنيا فإنهن مندوبات ندبا مؤكدا (عليك بالغسل يوم الجمعة) أي الزمه وداوم عليه فلا تهمله إن أردت حضورها وإن لم تلزمك وأول وقته من صادق الفجر والأفضل تقريبه من رواحه إليها فإن عجز عن الماء تيمم بدلا عنه (والبكور إليها) من طلوع الفجر إن لم تكن معذورا ولا خطيبا وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم ندب التبكير (ولا تلغ) أي لا تتكلم باللغو في حال الخطبة يقال لغا الرجل تكلم باللغو وهو اختلاط الكلام ولغا به تكلم به فالكلام حال الخطبة على الحاضرين مكروه عند الشافعية حرام عند الأئمة الثلاثة والخلاف في غير الخطيب ومن لم يستقر في محل ومن خاف وقوع محذور بمحترم وظن وقوعه به إن سكت وإلا فلا حرمة بل يجب الكلام في الأخيرة (ولا تله) أي لا تشتغل عن استماعها بحديث ولا غيره فإنه مكروه عند الشافعية حرام عند غيرهم بل يحرم عند الشافعية أيضا على بعض الأربعين الذين يلزمهم كلام فوته سماع ركن (وأوصيك) أيضا بخصال ثلاث لا تدعهن أبدا ما بقيت في الدنيا عليك (بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من أي أيام الشهر كانت فإنه مندوب مؤكد ويسن كون تلك الثلاث هي البيض وهي الثالث عشر وتالياه كما بينه في الخبر المار وهو قوله إن كنت صائما إلخ (فإنه) أي صيامها (صيام الدهر) أي بمنزلة صيامه لأن الحسنة بعشر أمثالها فاليوم بعشرة والشهر ثلاثين فذلك عدد أيام السنة (وأوصيك بالوتر) أي بصلاته ندبا مؤكدا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية ووقته بين العشاء والفجر ووقت اختياره إلى ثلث الليل إن أردت تهجدا أو لم تعتد اليقظة آخر الليل فحينئذ تصليه (قبل النوم) فإذا أردت تهجدا ووثقت بيقظتك فالأفضل تأخيره إلى آخر صلاة الليل التي يصليها بعد نومه (وأوصيك بركعتي الفجر) أي بصلاتهما والمحافظة عليهما (لا تدعهما) لا تتركهما ندبا (وإن صليت الليل كله) فإنه لا يجزئ عنهما (فإن فيهما الرغائب) أي ما يرغب فيه من عظيم الثواب جمع رغبة وهي العطاء الكثير ومن ثم كانت أفضل الرواتب مطلقا فيكره تركها بل حرمه بعض الأئمة . (ع عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن داود اليماني قال الذهبي : ضعفوه . 2795 (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي : أوصيكم بأصحابي إلخ وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم (ثم) بعد ذلك (يفشوا الكذب) أي ينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف الرجل)
[ 102 ]
تبرعا (ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) أي لا يطلب منه الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشئ يتوقعه من حطام الدنيا قال ابن العربي : وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه زورا (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال غيبتها (وعليكم بالجماعة) أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير : وإن كان الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شئ لم يجز خلافها (وإياكم والفرقة) أي احذروا الإنفصال عنها ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضا (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكانا قال في الصحاح : بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال الزمخشري : ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها (فليلزم الجماعة) فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها . قال الغزالي : ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة إلخ يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه ، الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهما في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة الدين وغيظ الكفار والملحدين ، الثالث أن ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه بأن له ربا على حسناته مثيبا وسيئاته مجازيا ومن كان كذلك فهو لتوحيد الله مخلصا قال ابن جرير : وفيه تكذيب المعتزلة في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام (حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما .
[ 103 ]
2796 (أوصيكم بالجار) أي بالإحسان إليه وكف صنوف الأذى والضرر عنه وإكرامه بسائر الممكن من وجوه الإكرام لما له من الحق المؤكد الذي ما يزال جبريل عليه السلام يؤكد فيه حتى كاد يورثه قال بعض العارفين : احفظ حق الجوار والجار وقدم الأقرب دارا وتفقدهم بما أنعم الله به عليك فإنك مسؤول وادفع عنهم الضرر وأردف عليهم الإحسان وما سمي جارا لك إلا لميلك بالإحسان له ودفع الضرر عنه وميله لك بذلك من جار إذا مال إذ الجور الميل فمن جعله من الميل إلى الباطل الذي هو الجور عرفا فهو كمن يسمي اللديغ سليما في القبض وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه . قيل : نزل جراد بفناء شريف من العرب فخرج أهل الحي ليأكلوه فسمع أصواتهم فخرج من خبائه وقال : ما تبغون قالوا : جارك الجراد فقال : إذ سميتموه جاري لأقاتلنكم عنه فقاتلهم حتى دفع عنه لكونهم سموه جارا (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي أمامة) الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجذعاء في حجة الوداع يقول أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلنا إنه سيورثه انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من الخرائطي وهو غفلة فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن أبي أمامة المذكور قال المنذري والهيثمي وإسناده جيد . 2797 (أوفق الدعاء) أي أكثره موافقة للداعي (أن يقول الرجل) في دعائه وذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان رجلا أو امرأة (اللهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا رب فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي) لا رب غيرك (وإنه) أي الشأن أنه (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك السيد المالك إن غفرت فبفضلك وإن عاقبت فبعدلك وإنما كان هذا أوفق الدعاء لما فيه من الاعتراف بالظلم وارتكاب الجرم ثم الإلتجاء إليه تعالى مضطرا لا يجد لذنبه غافرا غير ربه * (وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) * (محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب الصلاة له (عن أبي هريرة) رضي الله عنه . 2798 (أوفوا) من الوفاء قال القاضي : وهو القيام بمقتضى العهد وكذا الإيفاء (بحلف الجاهلية (1) أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع قال الحرالي : والإيفاء الأخذ بالوفاء (1) قال في النهاية أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذالك الذي ورد النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم لاحلف في السلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الارحام فهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده إلا شدة يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق .
[ 104 ]
والوفاء إنجاز الموعود في أمر معهود (فإن الإسلام لم يزده) أي العهد المبرم فيها (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به أما ما يخالف الشرع كالفتن والقتال فلا وفاء به (ولا تحدثوا حلفا في الإسلام) أي لا تحدثوا فيه حلفا ما فالتنكير للجنس أو إن كنتم حلفتم أن يعين بعضكم بعضا فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به لكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم بعضا فإنه لا عبرة به ولا يناقضه أنه حالف بين المهاجرين والأنصار لأن المراد أنه آخى بينهم وبفرض أن المراد التحالف فطريق الجمع ما تقرر (حم ت) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه . 2799 (أوقد على النار) أي نار جهنم (ألف سنة حتى احمرت) بعدما كانت شفافة لا لون لها ولا ترى والظاهر أنه أراد بالألف فيه وفيما يأتي التكثير وأن المراد الزمن الطويل (ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة كالليل المظلم (1) قال الطيبي : هذا قريب من قوله تعالى * (يوم يحمى عليها في نار جهنم) * أي يوقد الوقود فوق النار أي النار ذات طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى اه‍ . وقيل : ما خلق الله النار إلا من كرمه جعلها الله سوطا يسوق به المؤمنين إلى الجنة وقال بعضهم : النار أربعة نار لها نور بلا حرقة وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام ونار لها حرقة ولا نور لها وهي نار جهنم ونار لها حرقة ونور وهي نار الدنيا ونار لا حرقة ولا نور وهي نار السحر (ت ه عن أبي هريرة) مرفوعا وموقوفا قال الترمذي : ووقفه أصح ورواه البيهقي عن أنس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (وقودها الناس والحجارة) * ثم ذكره . (1) والقصد الاعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها . 2800 (أولم) أي اتخذ وليمة (ولو بشاة) مبالغة في القلة فلو تقلية لا امتناعية فلا حد لأقلها ولا لأكثرها ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدره المجزئ والخطاب لعبد الرحمن بن عوف الذي تزوج والأمر للندب عند الجمهور وصرفه عن الوجوب خبر هل علي غيرها أي الزكاة قال : لا إلا أن
[ 105 ]
تطوع وخبر ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به . (تنبيه) قال أبو حيان : هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره أولم على كل حال ولو بشاة ولا تجئ هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة (مالك) في الموطأ (حم ق عد) كلهم في النكاح (عن أنس) بن مالك (خ عن عبد الرحمن بن عوف) وله عدة طرق في الصحيحين والسنن . 2801 (أولياء الله) أي الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة (الذين إذا رؤوا ذكر الله) برؤيتهم يعني أن عليهم من الله سيما ظاهرة تذكر بذكره فإن رؤوا ذكر الخير برؤيتهم وإن حضروا حضر الذكر معهم وإن نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه كيفما حلوا فمن كان بين يدي ربه وآخرته فإنما يفتتح إذا لقيك بذكره ومن كان أسير نفسه ودنياه فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا فكل يحدثك عما يطلع قلبه فتنبه (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أولياء الله ؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من الحكيم ولا أعلى وهو عجب فقد رواه البزار عن ابن عباس رواه عن شيخه علي بن حرب الرازي قال الهيثمي : لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص . 2802 (أول الآيات) أي علامات الساعة (طلوع الشمس من مغربها) ولفظ رواية مسلم من المغرب والآيات إما أمارات دالة على قرب الساعة فأولها بعث نبينا صلى الله عليه وسلم أو أمارات متوالية دالة على وقوعها والكلام هنا فيها وجاء في خبر آخر أن أولها ظهور الدجال . قال الحليمي : وهو الظاهر فأولها الدجال فنزول عيسى عليه الصلاة والسلام فخروج يأجوج ومأجوج لأن الكفار في وقت عيسى عليه الصلاة والسلام يفتنون فمنهم من يقتل ومنهم من يسلم وتضع الحرب أوزارها فلو كانت الشمس طلعت قبل من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه الصلاة والسلام لأن طلوعها يزيل الخطاب ويرفع التكليف ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي : وهو كلام صحيح لو لم يعارض هذا الحديث الصحيح الذي في مسلم إن أول الآيات طلوع الشمس من المغرب (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه فضالة بن جبير وهو ضعيف وأنكر هذا الحديث اه‍ . وقضية تصرف المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره بل وابن حجر إلى مسلم وأحمد وغيرهما من حديث ابن عمر باللفظ المذكور مع زيادة وخروج الدابة إلى الناس ضحى . (تتمة) أخرج عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عمر موقوفا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة قال ابن حجر : وسنده جيد .
[ 106 ]
2803 (أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها) قال الديلمي : ويروى أسرع الأرضين . قال أبو نعيم : متفق عليه في الصحة وروى ابن عبد الحكم عن أبي هريرة كما في حسن المحاضرة وغيرها أن مصر أول الأرض خرابا ثم أرمينية على أثرها وفي مسند الفردوس عن حذيفة مرفوعا يبدو الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة وخراب البصرة من العراق وخراب مصر من جفاف النيل ، الحديث ، وفي الجفر الكبير للبسطامي خراب البصرة بالريح وخراب المدينة بالجوع وخراب بلخ بالماء والطاعون وخراب ترمذ بالطاعون وخراب مرو بالرمل وخراب اليمن بالجراد وخراب فارس بالقحط وخراب سمرقند ببني قنطوراء وخراب الشام بعدم الغيث وخراب السند بالريح وخراب سنجار بالرمل وخراب الروم ببني الأصفر وانقراض العرب بالضرب والحرب والطاعون وخراب الجبال بالصواعق والرواجف وخراب فرغانة بالزلازل والصيحة وخراب نسف بالجوع وخراب بخارى بالريح والطاعون وخراب طالقان بالنار وخراب سرخس بالريح والرمل وخراب هداه بالظلام ونيسابور بالريح وهمدان بالبرد والثلج وجرجان بالترك وطبرستان بالفراعنة وأصبهان بالهرج وقسم بالجنون وبغداد بالغرق والخسف والكوفة بالحرق وواسط بريح السموم والبصرة بالأكراد والبحرين بخراب البحر وسجستان بالخسف والنار والشام بالروم وحلوان بالمسيح ومصر من انقطاع النيل ومكة من الحبش وحلب بالأتراك والقدس بالحريق (ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) بن عبد الله وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو غفلة فقد رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور عن جابر المذكور . 2804 (أول العبادة) بضم اللام قال أبو البقاء وهي ضمة بناء (الصمت) أي أول مقام السالكين إلى الله تعالى أن لا يشغل أحدهم لسانه بغير ذكر الله قال رجل لبعض العارفين : أوصني قال : اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف لئلا يدنسه قال : وما غلاف الدين ؟ قال : ترك الكلام إلا فيما لا بد منه وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه (هناد) بن السري التميمي الدارمي الحافظ الزاهد كان يقال له راهب الكوفة لتعبده (عن الحسن) البصري (مرسلا) . 2805 (أول الناس هلاكا قريش) أي القبيلة بأسرها بنحو قتل أو فناء (وأول قريش هلاكا أهل بيتي) فهلاكهم من أشراط الساعة وأمارتها الدالة على قرب قيامها (طب) وكذا أبو يعلى (عن عمرو بن العاص) وفيه ابن لهيعة ومقسم مولى ابن عباس أورده البخاري في كتاب الضعفاء الكبير وضعفه ابن حزم وغيره .
[ 107 ]
2806 (أول الناس فناء) بالمد موتا وانقراضا (قريش وأول قريش فناء بنو هاشم) أي والمطلب كما يدل عليه ما قبله أي فيكون انقراضهم من علامات الساعة وأشراطها ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كما يأتي . (حم ع عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة . 2807 (أول الوقت) أي إيقاع الصلاة أول وقتها (رضوان الله) بكسر الراء وضمها بمعنى الرضا وهو خلاف السخط (وآخر الوقت عفو الله) قال الصديق ثم الشافعي : رضوانه أحب إلينا من عفوه وفيه دليل للشافعية على ندب تعجيل الصبح وعدم ندب الإسفار الذي قال به الحنفية وفيه أيضا تعجيل العشاء أول الوقت لخوف الفوت فإن قيل : قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وتأخير العشاء قلنا : محمول على فضيلة صلاة الليل أو على انتظاره الخبر من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة والوقت الزمان المفروض للعمل ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو وقت كذا * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * (قط عن جرير) سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح في سنده كذاب انتهى وعن قول ابن عبد الهادي عن معين فيه الحسين بن حميد كذاب ابن كذاب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال ابن حجر في سنده من لا يعرف وقال في الباب ابن عمر وابن عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة فحديث ابن عمر رواه الترمذي والدارقطني وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من كبار الكذابين وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات وفيه نافع أبو هرمز متروك وحديث علي رواه البيهقي عن أهل البيت وقال أظن سنده أصح ما في الباب قال أعني ابن حجر : ومع ذلك هو معلول ولهذا قال الحاكم لا أحفظ الحديث من وجه يصح وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي وقد تفرد به بقية عن مجهول مثله وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه إبراهيم بن زكريا متهم وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال هو معلول انتهى . 2808 (أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله) أي تفضله وإحسانه (وآخر الوقت عفو الله) أي مغفرته ومحوه لذنب من قصر وأخر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث كاد يخرج بعضها عنه وقد أفاد هذا الحديث وما قبله طلب تعجيل الصلاة أول وقتها وحرمة إخراج بعضها عن الوقت . (قط عن أبي محذورة) الجمحي المؤذن صحابي مشهور اسمه أوس أو سمرة أو سلمة أو سليمان وأبوه معين بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتية أو عمير .
[ 108 ]
2809 (أول بقعة) بضم الباء على الأشهر الأكثر فتجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع ككلبة وكلاب وهي القطعة من الأرض (وضعت من الأرض) أي من هذه الأرض التي نحن عليها (موضع البيت) الحرام أي الكعبة فله سر الأولية في المعابد كما قال تعالى * (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا) * وفي رواية لمسلم أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ثم الأقصى . قال الطيبي : لفظ الحديث موافق للفظ الآية والوضع غير والبناء غير ومعنى وضع الله جعله متعبدا قال الإمام الرازي : دلالة الآية على الأولية في الفضل والشرف أمر لا بد منه لأن المقصود الأولى من ذكر الأولية بيان الفضيلة ترجيحا له على بيت المقدس ولا تأثير لأوليته في البناء في هذا القصد (ثم مدت) بالبناء للمجهول أي بسطت (منها الأرض) من سائر جوانبها فهي وسط الأرض وقطبها (وإن أول جبل وضعه الله على ظهر الأرض أبو قبيس) بمكة وهو معروف (ثم مدت منه الجبال) واختلف في أول من بنى البيت قيل آدم وقيل شيث وقيل الملائكة قبل آدم ثم رفع في الطوفان فكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجونه ولا يعلمون محله حتى بواه الله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه . (تنبيه) في الروض الأنف : أول من بنى المسجد الحرام في الإسلام عمر وذلك أن الناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال : إنها بيت الله ولا بد للبيت من فناء وأنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم فاشترى الدور وهدمها وبنى المسجد المحيط بها ثم وسعه عثمان وزاد ابن الزبير في إتقانه لا في سعته (هب عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي قال في الميزان : عن العقيلي فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر وفيه أيضا من لا يعرف . 2810 (أول تحفة المؤمن) أي الكامل الإيمان والتحفة كرطبة ويجوز الضم والسكون وفي القاموس بالضم وكهمزة فظاهره أنها ما أتحفت به غيرك من البر واللطف كما في الصحاح وغيره (أن يغفر) بالبناء للمفعول أي يغفر الله لمن صلى عليه صلاة الجنازة إكراما له وفي رواية لمن خرج في جنازته إذ من شأن الملك إذا قدم عليه بعض خدمه بعد طول غيبته أن يتلقاه ببشرى وكرامة وأن يخلع عليه ويجيزه بجائزة سنية فإذا قدم العبد على سيده أتحفه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت وأولها المغفرة للمصلين والحاملين لأنهم شيعوه إعظاما إلى بابه واهتموا بشأنه متقربين بذلك إلى مولاه فجعل المغفرة لهم تحفة له لان حامل الهدية وموصلها لا بد له من جائزة وإذا كان لو أهدي لبعض ملوك الدنيا هدية لم يرض في حقه بانصراف من أحضرها إليه خائبا وقد عد ذلك ازدراءا بالهدية فما بالك بأكرم الأكرمين (الحكيم) الترمذي (عن أنس) من حديث معبد بن مسرور العبدي عن الحكم بن سنان بن عون عن
[ 109 ]
النميري والحكم بن سنان قال الذهبي : ضعفوه وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال صالح : الحديث ابتلي برواة ضعفاء ورواه الخطيب عن جابر والديلمي عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجوزي من الموضوعات . 2811 (أول جيش من أمتي يركبون البحر) للغزو (قد أوجبوا) أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة بذلك والبحر معروف وحقيقته الماء الكثير المجتمع في فسحة سمي به لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح ومعنى ركوبه الاستعلاء على ظهره كما تركب الدابة وهو مجاز إذ الركوب إنما هو على السفن حقيقة فيه فحذف ذلك اتساعا لدلالة الحال عليه (وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) ملك الروم يعني القسطنطينية أو المراد مدينته التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك (مغفور لهم) لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفورا له لكونه منهم إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك لخروجه بدليل خاص ويلزم من الجمود على العموم أن من ارتد ممن غزاها مغفور له وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد به حتى قال التفتازاني : الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه . قال الزين العراقي : وقوله بل في إيمانه أي بل لا يتوقف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده (فائدة) قال البسطامي في كتاب الجفر : القسطنطينية مدينة بناها قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية ودونه وهي مدينة مثلثة الشكل منها جانبان في البحر وجانب في البر ولها سبعة أسوار وسمك سورها الكبير أحد وعشرون ذراعا وفيه مائة باب وبابها الكبير يسمى باب الذهب وهو باب مموه بالذهب وفيها منارة من نحاس قد قلبت قطعة واحدة وليس لها باب وفيها منارة قريبة من مارستانها قد ألبست كلها بالنحاس وعليها قبر قسطنطين وهو راكب على فرس وقوائمه محكمة بالرصاص ما عدا يده اليمين فإنها مطلقة في الهواء كأنه سائر وقسطنطين على ظهره ويده موقوفة في الجو وقد فتح كفه يشير نحو بلاد الشام ويده اليسرى فيها كسرة مكتوب عليها ملكت الدنيا حتى بقيت في كفي مثل هذه الكسرة وخرجت منها كما ترى . (خ عن أم حرام) بحاء وراء مهملتين (بنت ملحان) بن خالد بن يزيد ابن حرام الأنصارية النجارية خالة أنس وزوجة عبادة بن الصامت يقال لها العميصاء والرميصاء لها مناقب وكان أهل الشام يستسقون بها . 2812 (أول خصمين يوم القيامة جاران) لم يحسن أحدهما جوار صاحبه ولم يف له بحقه ، ومقصود الحديث الحث على كف الأذى عن الجار وإن جار وأنه تعالى يهتم بشأنه وينتقم للجار المظلوم
[ 110 ]
من الظالم ويفصل القضاء بينهما وإلا فمن شعائر الإيمان الكف عن أذى الجيران وعدم منازعتهم ومعارضتهم فيما يصدر منهم وعنهم من الأضرار وسوء [ ص 85 ] العشرة والجوار ويجب أن تعلم أن ذلك ليس إلا بتسليط الله إياهم عليك لما تستوجبه أفعالك الذميمة وما يعفو الله أكثر فالحذر من المنازعة الحذر قال العارف ابن عربي : يا أيها المجادل كم ذا تتعنى ما ذاك إلا لخوفك من العدد وهذا لا يبطل حقيقة الواحد الأحد ولو علمت أن العدد هو الأحد ما شرعت في منازعة أحد (طب) وكذا أحمد (عن عقبة بن عامر) قال العراقي : سنده ضعيف وقال المنذري رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد وقال الهيثمي : أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير أبي نسافة وهو ثقة وأعاده بمحل آخر وقال : إسناده حسن . 2813 (أول زمرة) بضم الزاي طائفة أو جماعة والزمر الأفواج المتفرقة بعضها إثر بعض (تدخل الجنة على صورة القمر) أي على صورة مثل صورة القمر (ليلة البدر) ليلة تمامه وكماله في الحسن والإضاءة (والثانية) أي التي تدخل عقبهم تكون (على لون أحسن كوكب دري) بضم الدال وكسرها وراء وياء مشددتين أي مضئ متلألئ كالزهرة في صفائها وزهرتها منسوب إلى الدر أو فعيل من الدرء بالهمزة فإنه يدفع الظلام بضوئه (في السماء) قال المحقق أبو زرعة : ورد في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من صورة القمر فروى الترمذي مرفوعا لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقد يقال إنهم يكونون على صورة القمر عند دخولهم الجنة ثم يزداد إشراق نورهم فيها بدليل قوله لو أن رجلا إلخ أو يقال المذكور هنا إشراق وجوههم من غير حلي والمذكور ثم إشراق حليهم بدليل قوله فبدت أساوره فالزيادة للحلي لا للوجود (لكل رجل منهم زوجتان) في رواية اثنتان لتأكيد التكثير . قال الطيبي : ثناه للتكثير نحو * (ارجع البصر كرتين) * لا للتحديد لخبر أدنى أهل الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة فاعترض بأن تأكيد المثنى باثنتين ورجع ضمير التثنية إليه يدل على أن القصد معنى الإثنينية فلا يبعد أن يكون لكل زوجتان موصوفتين أن (على كل زوجة) منهما (سبعون حلة) يعني حلل كثيرة جدا فالعدد للتكثير لا للتحديد كنظائره بحيث (يبدو مخ ساقها من ورائها) زاد الطبراني كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وهو كناية عن غاية لطافتهما ويكون له سبعون لسن بهذا الوصف ثم إن هذا اللفظ محتمل لكونهما من نساء الدنيا أو الحور ويؤيد الأول خبر أبي يعلى فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما وبعده فلا تعارض بين ذا وخبر أقل ساكني الجنة النساء لأنهن في الجنة باعتبار الحور وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل
[ 111 ]
الجنة وأكثر أهل النار كما شهدت به الأخبار (حم ت) وكذا الطبراني في الأوسط (عن أبي سعيد) الخدري وكذا ابن مسعود قال الترمذي : حسن صحيح قال الهيثمي : إسناد ابن مسعود صحيح وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر والثانية على مثل أضوأ كوكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في الجنة عزب اه‍ ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه وليس في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل وفي رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها . 2814 (أول سابق إلى الجنة) أي إلى دخولها (عبد) يعني قن ذكرا كان أو أنثى أو خنثى (أطاع الله) بأن امتثل أوامره وتجنب نواهيه (وأطاع مواليه) أو قال سيده شك راويه أبو صيفي وذلك لأن له أجرين كما مر في عدة أخبار فاستحق بذلك السبق إلى دار القرار والمراد أنه أول سابق بعد من مر أنه أول داخل (تنبيه) قال الرضي : مذهب البصريين أن أول أفعل ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال جمهورهم على أنه من تركيب دول كددن ولم يستعمل هذا التركيب إلا في أول ومتصرفاتها (طس خط عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه بشر بن ميمون أبو صيفي وهو متروك وقاغيره وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال في الميزان : عن البخاري يتهم بالوضع وعن الدارقطني متروك الحديث وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر . 2815 (أول شهر رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار) أي في أوله يصب الله الرحمة على الصائمين صبا ويسح عليهم البركة سحا وفي وسطه يغفر الله لصوامه وفي آخره يعني في آخر ليلة منه كما ورد في خبر يعتق جمعا حافلا عظيما من النار كانوا قد استوجبوها وهذا تنبيه عظيم بفضل صوامه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في كتاب فضائل رمضان (خط وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره . 2816 (أول شئ يحشر الناس نار تحشرهم) من المشرق إلى المغرب أي تخرج من جهة المشرق
[ 112 ]
فتسوقهم إلى جهة المغرب فذلك أول الحشر والحشر الجمع مع سوق وفي وراية أول أشراط الساعة نار تحشر الناس إلخ قال القاضي : لعله لم يرد به أول الأشراط مطلقا بل الأشراط المتصلة بالساعة الدالة على أنها تقوم عما قريب أو أراد بالنار نار الحرب والفتن كفتنة الترك فإنها سارت من المشرق إلى المغرب (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما أبعد النجعة بالعزو للطيالسي وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري ومسلم وكذا أحمد ولفظهم أول من يحشر الناس نار تجئ من قبل المشرق فتحشر الناس إلى المغرب . 2817 (أول شئ) أي أول مأكول (يأكله أهل الجنة) في الجنة إذا دخلوها (زيادة كبد الحوت) (1) وهي القطعة المنفردة عن الكبد المتعلقة به وهي أطيب الكبد وألذه وفي رواية من زائدة كبد الثور أي ثور الجنة وحكمة خصوصية أكلهم منهما أنهما أساس الدنيا لأنها مركبة على متن ثور والثور على ظهر حوت والحوت في الماء ولا يعلم ما تحت الماء إلا الذي خلقه فالأكل منهما إشارة إلى خراب الدنيا وبشارة بفساد أساسها وأمن العود إليها وخص الأكل بالزائدة لما بينه الأطباء أن العلة إذا وقعت في الكبد دون الزائدة رجى برؤه وإن وقعت في الزائدة هلك العليل لا محالة فأكلهم من الزائدة أدخل في البشرى أفاده ابن جماعة ثم هذه الأولية لا تدافع بينها وبين خبر إذا سكن أحدكم الجنة أتاكم ملك فيقول إن الله يأمركم أن تزوروه إلى أن قال ثم توضع مائدة الخلد ، الحديث ما ذاك إلا لأنه لا مانع من أن زيادة الكبد توضع قبل تلك المائدة وأن هذا جار على المألوف في الدنيا من أنه بمجرد الذبح يعجل بالكبد فتشوى فيأكلها الحاضرون حتى ينضج الطعام بعد (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أخبرنا ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير المكثرين الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن بهرام وهو ثقة بل رواه سلطان الفن البخاري بلفظ أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبحوت يأكل منه سبعون ألفا انتهى فعدول المصنف للطيالسي واقتصاره عليه تقصير عجيب . (1) وحكمة اختصاصها بأولية الاكل أنها أبرد شئ في الحوت فبأكلها تزول الحراره الحاصلة لهم في الموقف . 2818 ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) أي المفروضة وهي الخمس لأنها أول ما فرض عليه بعد الإيمان وهي علم الإيمان وراية الإسلام (فإن صلحت) بأن كان قد صلاها متوفرة
[ 113 ]
الشروط والأركان وشملها القبول (صلح له سائر عمله) يعني سومح له في جميع أعماله ولم يضايق في شئ منها في جنب ما واظب من إدامة الصلاة التي هي علم الدين (وإن فسدت) أن لم تكن كذلك (فسد سائر عمله) (1) أي ضويق فيه واستقصى فحكم بفساده وأخذ منه الأئمة أن حكمة مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميلها بها إن عرض نقص قال الطيبي : الصلاح كون الشئ على حالة استقامته وكماله والفساد ضد ذلك وذلك لأن الصلاة بمنزلة القلب من الإنسان فإذا صلحت صلحت الأعمال كلها وإذا فسدت فسدت (طس والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي : فيه القاسم بن عثمان قال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها وقال ابن حبان : هو ثقة وربما أخطأ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف عندهم وهو ذهول فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مع تغيير يسير ولفظه يعني الترمذي إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر انتهى . فإن انتقص من فريضته شئ قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على مثل ذلك . (1) وهذا مخرج مخرج الزجر والتحذير من التفريط فيها ، واعلم أن من أهم أو أهم ما يتعين رعايته في الصلاة الخشوع فإنه روحها ولهذا عده الغزالي شرطا وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه وما كان كذلك فحق العبد أن يكون خاشعا فيه لصولة الربوبية على العبودية . 2819 (أول ما يرفع من الناس) (1) في رواية من هذه الأمة (الأمانة) قال ابن العربي : وهي أي هنا معنى يحصل في القلب فيأمن به المرء من الردى في الآخرة والدنيا وأصله الإيمان (وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة) كلما ضعف الإيمان بحب الدنيا ونقص نوره بالمعاصي والشهوات وذهبت هيبة سلطانه من القلوب اضمحلت الأمانة وإذا ضعفت الأمانة وخانت الرعية فيها فأخرت الصلاة عن أوقاتها وقصر في إكمالها أدى ذلك إلى ارتفاع أصلها (ورب مصل) آت بصورة الصلاة (لا خلاق له عند الله) أي لا نصيب له عنده من قبولها والإثابة عليها وفي رواية ورب مصل لا خير فيه أي لكونه غافلا لاهي القلب وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل كما في حديث آخر وقد قال تعالى : * (وأقم الصلاة لذكري) * فظاهر الأمر الوجوب والغفلة ضده فمن غفل في جميع صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره تعالى فلا خلاق له عنده فافهم وقد روى ابن المبارك في الزهد عن عمار بن ياسر يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه (الحكيم) الترمذي (عن زيد بن ثابت) قال في اللسان عن العقيلي : حديث فيه نكارة ولا يروى من وجه يثبت وقال الأسدي : سلام بن واقد أي أحد رواته منكر الحديث انتهى وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد المشاهير الذين رمز لهم والأمر بخلافه فقد خرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر وغيره وخرجه الطبراني في الصغير من حديث عمر . (2) والأولية نسبية إذ رفع القرآن يسبقها .
[ 114 ]
2820 (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة) وتمامه عند مخرجه الطبراني في روايته عن أنس ولا دين لمن لا أمانة له ولا أمانة لمن لا عهد له وحسن العهد من الإيمان انتهى وفي رواية أول شئ يفقد من أمتي الأمانة من دينهم قال ابن العربي : وصفة رفع الأمانة وفقدها أن ينام الإنسان فتقبض من قلبه والمعنى فيه أن المرء في النوم متوفي ثم مرجوع إليه روحه فإذا قبضت على صفة من الأمانة ردت إليه بدونها وتحقيقه أن الأعمال لا يزال يضعفها نسيانها حتى إذا تناهى الضعف ذهبت بالنوم عن النفس فإذا ردت عليه ردت دونها فلا يبقى لها أثر وما عنده من الإيمان وأصل الإعتقاد الضعيف في ظاهر القلب ثم ينام فلا ترجع إليه إلا بعد نزع باقي الأمانة بقوة فلا يبقى شئ (طب عن شداد بن أوس) قال الهيثمي : فيه المهلب بن العلاء لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات . 2821 (أول ما يرفع من الناس الخشوع) أي خشوع الإيمان الذي هو روح العبادة وهو الخوف أو السكون أو معنى يقوم في النفس يظهر عنه سكون الأطراف يلائم مقصوده العبادة قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ، وخرج بخشوع الإيمان خشوع النفاق والفرق بينهما أن الأول خشوع القلب لله بالإجلال والوقار والمهابة والحياء والثاني يبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع (طب عن شداد بن أوس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي : فيه عمران القطان ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه أحمد . 2822 (أول شئ يرفع من هذه الأمة) المحمدية (الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا) خشوع إيمان بل خشوع تماوت ونفاق فيصير الواحد منهم ساكن الجوارح تصنعا ورياء ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة وقال الراغب : قال رجل للحسن البصري : أمؤمن أنت قال : إن كنت تريد قول الله تعالى * (آمنا بالله وما أنزل إلينا) * فنعم به نتناكح ونتوارث وإن أردت قوله * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * فلا أدري (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي : سنده حسن انتهى وظاهر اقتصار المصنف على عزوه للطبراني أنه لا يوجد مخرجا لأحد أعلى ولا أولى بالعزو وهو قصور فقد
[ 115 ]
خرجه الإمام أحمد في المسند من حديث عوف بن مالك ولفظه أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا يكاد يرى خاشعا وليكونن أقوام يتخشعون وهم ذئاب ضواري انتهى بحروفه . 2823 (أول) في رواية أثقل (ما يوضع في الميزان) من أعمال البر (الخلق الحسن) لجمعه جميع الخيرات وبه ينشرح الصدر للعبادات وتسخو النفس في الدنيا في المعاملات ذكر الغزالي له تتمة وهي السخاء قال الجنيد : أربع ترفع العبد إلى أعلا الدرجات وإن قل علمه ، الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخلق . قال الغزالي : وحسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل بكمال الحكم والى اعتدال قوة الغضب والشهوة وهذا الاعتدال يحصل على وجهين أحدهما بجود إلهي وكمال نظري بحيث يخلق الإنسان كامل العقل حسن الخلق قد كفي سلطان الغضب والشهوة فيصير بغير معلم عالما وبغير مؤدب متأدبا والثاني اكتسابه بالمجاهدة والرياضة (طب) وكذا أبو الشيخ [ ابن حبان ] والقضاعي والديلمي (عن أم الدرداء) خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي نزلت الشام وماتت في إمرة عثمان ومن العجب قول الحافظ الزين العراقي في المغني لم أقف لحديث أول ما يوضع إلخ على أصل . 2824 (أول ما يوضع في الميزان نفقة الرجل على أهله) أي على من تلزمه مؤونته من نحو زوجة ووالد وولد وخادم وغيرها والأولية في هذا الخبر وما قبله على معنى من . خص الرجل لأنه الذي تلزمه النفقة غالبا لا لإخراج غيره فأول ما يوضع في ميزان الأنثى والخنثى نفقتهما على من تلزمهما نفقته من أصل وفرع وخادم ونحوها . (طس عن جابر) قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفه وقال المنذري حديث ضعيف وقال غيره : فيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه أبو زرعة والدارقطني . 2825 (أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة مبنيا للمفعول في محل الصفة وما نكرة موصوفة والعائد الضمير في يقضى أي أول قضاء يقضى (بين الناس يوم القيامة في الدماء) وفي رواية بالدماء أي أول ما يحكم الله تعالى بين الناس يوم القيامة في متعلقات الدماء أو أول القضايا القضاء في الدماء أو أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء وذلك لعظم مفسدة سفكها ولا يناقضه خبر أول ما يحاسب به العبد الصلاة لأن ذلك في حق الحق وذا في حق الخلق أي أن أول بمعنى من أول ، أو أول ما يحاسب به من الفرائض البدنية الصلاة ثم أول ما يحكم فيه من المظالم الدماء قال الحافظ العراقي : وظاهر الأخبار أن الذي يقع أولا المحاسبة على حق الله تعالى وفي حديث الصور
[ 116 ]
الطويل أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول : يا رب سل هذا لم قتلني (حم ق ن ه عن ابن مسعود) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الأربعة وليس كذلك بل رواه الكل إلا أبا داود والبخاري والترمذي وابن ماجه في الديات ومسلم في الحدود والنسائي في المحارم . 2826 (أول ما يحاسب به العبد) أي الإنسان حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى (الصلاة) لأنها أم العبادات وأول الواجبات بعد الإيمان (وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) لأنها أكبر الكبائر بعد الشرك والبداءة بها تدل على أهميتها وعظم مفسدة القتل فإنه هدم البنية الإنسانية التي بنتها القدرة الإلهية فليس بعد الكفر ذنب أعظم من القتل وما في هذا الحديث موصولة وهو موصول حرفي ويتعلق الجار بمحذوف أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في ذلك وقد استدل بهذا الخبر وما قبله على أن القضاء يختص بالناس ولا دخل للبهائم فيه وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم بعد القضاء بين الناس . (ن عن ابن مسعود) عبد الله . 2827 (أول ما يرفع من هذه الأمة) الإسلامية (الحياء والأمانة) تمامه كما في الفردوس فسلوهما الله عز وجل [ ص 90 ] الحياء خير كله فبزواله يحل الشر كله وبزوال الأمانة تحل الخيانة ثم يحتمل أن المراد الأمانة المتعارفة التي هي ضد الخيانة أو الصلاة (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو يعلى وأبو الشيخ [ ابن حبان ] (عن أبي هريرة) وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو متروك فقول العامري حسن غير حسن . 2828 (أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان) أي الأصنام (شرب الخمر) قال القضاعي وذلك من أول ما بعث من قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة فلم يبح له قط ، وقوله بعد عبادة الأوثان لا يقتضي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عبدها ، حاشاه حاشاه من ذلك إذ الأنبياء معصومون (وملاحاة الرجال أي مقاولتهم ومخاصمتهم ومنازعتهم ومناظرتهم بقصد الاستعلاء فتلك الملاحاة هي السم الناقع ولم يكن السلف يتناظرون على ذلك بل لقصد تحقيق الحق لوجه الله تعالى قال الشافعي : ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه وعن علي : إياكم وملاحاة الرجال فإنهم لا يخلون من
[ 117 ]
عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل لكم بما ليس فيكم واعلموا أن الكلام ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمعا فلا بد من إنتاج . (تنبيه) من ألفاظهم البديعة البليغة من زرع الإحن حصد المحن (طب) وكذا البزار (عن أبي الدرداء وعن معاذ بن جبل) قال الهيثمي : فيه عمرو بن واقد وهو متروك رمي بالكذب وقال الذهبي في المهذب : فيه إسماعيل بن رافع واه وأورده في الميزان في ترجمة عمرو بن واقد من حديثه وقال البخاري : منكر الحديث وعن النسائي ومروان كان يكذب . 2829 (أول ما يهراق) أي يصب (من دم الشهيد) شهيد الدنيا والآخرة وهو من قائل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ومات في المعركة بسبب القتال (يغفر) الله (له ذنبه كله إلا الدين) بفتح الدال وفي رواية للطبراني أيضا أول قطرة تقطر من دم الشهيد يكفر بها ذنوبه والثانية يكسى من حلل الإيمان والثالثة يزوج من الحور العين انتهى . وفي هذا السياق دلالة على أن الكلام في دم القتل أو ما أدى إليه لا في دم جراحة لم يمت منها كما هو مبين وظاهر أن المراد بالدين دين الآدمي لا دين الله تعالى . (طب ك عن سهل بن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون التحتية ابن واهب الأنصاري بدري جليل وفيه عند الحاكم عبد الرحمن بن سعد المدني قال الذهبي : له مناكير وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح . 2830 (أول من أشفع له) عند الله تعالى (يوم القيامة من أمتي) أمة الإجابة (أهل بيتي) مؤمنو بني هاشم والمطلب وأصحاب الكساء (ثم الأقرب) ثم بعدهم أشفع للأقرب (فالأقرب) إلى (من قريش) القبيلة المشهورة (ثم الأنصار) الأوس والخزرج (ثم من آمن بي واتبعني من اليمن) أي من أقطار اليمن وجهاته (ثم من سائر العرب) على اختلاف طبقاتهم وشعوبهم وقبائلهم (ثم) من آمن بي من (الأعاجم) جمع عجمي والمراد بهم هنا ما عدا العرب (ومن أشفع له أولا) وهم أهل البيت (أفضل) ممن بعدهم أي ثم من بعدهم أفضل وهكذا ولا يعارضه خبر أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة إلخ لأن الأول في الآحاد والجماعة والثاني في أهل البلد كله فيحتمل أن المراد البداءة في قريش بأهل المدينة ثم مكة ثم الطائف وكذا الأنصار ومن بعدهم ويحتمل أن المراد أنه يبدأ من أهل المدينة بقريش ثم الأنصار ثم من بعدهم من أهل مكة كذلك على هذا الترتيب ومن أهل الطائف بذلك كذلك (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفهم ورواه الدارقطني في الأفراد عن أبي الربيع الزهراني
[ 118 ]
عن حفص بن داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال الدارقطني : تفرد به حفص عن ليث انتهى . وحكم ابن الجوز بوضعه وقال ليث ضعيف وحفص كذاب وهو المتهم به انتهى وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات وأخرجه أيضا أبو الطاهر المخلص في السادس من حديثه . 2831 (أول من أشفع له من أمتي) أمة الإجابة (أهل المدينة) النبوية (وأهل مكة وأهل الطائف) قد تقرر وجه الجمع بينه وبين ما قبله فلا تغفل (طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفهم . 2832 (أول من يلحقني من أهلي) أي أول من يدرك ويصير معي بعد انتقالي من هذه الدار إلى ديار الأفراح والأخيار (أنت يا فاطمة) الزهراء ، خاطبها بذلك في مرضه الذي مات فيه وذلك أنها دخلت عليه فرحب بها وقبلها وأسر إليها أنه ميت فبكت فأسر إليها أنها أول أهله لحوقا به فضحكت (وأول من يلحقني من أزواجي زينب) مشتق من الزنب وهو الحسن كذا في المطامح عن شيخه البرجيني (وهي أطولكن كفا) كذا هو في خط المصنف وفي رواية يدا ولم يرد الطول الحسي بل المعنوي وهو كثرة الصدقة يقال : ما طالت يده لصرف كذا إذا لم يكن معه مال وفلان يده طولى يستعمله في الجاه والمال وأنه لذو طول في ماله وقدرته وهو ذو طول علي ومنة وقد تطول علي بذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن واثلة) بن الأسقع . 2833 (أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر) أي لا أقوله فخرا (ثم تنشق عن أبي بكر وعمر) رضي الله عنهما (ثم تنشق عن الحرمين) أي عن أهل الحرمين (مكة والمدينة) إكراما لهم وإظهارا لمزيتهم على غيرهم (ثم أبعث بينهما) أي أنشر وأذهب بين الحرمين لأجمع إلى الفريقين وقد سبق توضيحه قال في الصحاح وغيره : بعث الموتى نشرهم من قبورهم وقال الزمخشري : بعث الشئ أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور (ك) في معرفة الصحابة من حديث عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم : صحيح وتعقبه الذهبي فقال : عاصم هو أخو عبيد الله ضعفوه .
[ 119 ]
2834 (أول من يشفع يوم القيامة) عند الله تعالى (الأنبياء) الفائزون بالإحاطة بالعلم والعمل المجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل (ثم العلماء) الذين يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في العلم العاملون به الذين هم شهداء الله في أرضه (ثم الشهداء) الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله ذكره كله القاضي قال القرطبي : فأعظم بمرتبة هي بين النبوة والشهادة . (الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وموحدة تحتية نسبة إلى موهب بطن من المعاقر في كتاب (فضل) العلماء (والعلم) وكذا أبو الشيخ [ ابن حبان ] والديلمي (خط) كلهم (عن عثمان) بن عفان وفيه عنبسة بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال : متروك متهم عن علاق بن أبي مسلم قال أعني الذهبي وهاه الأزدي عن أبان بن عثمان قال متكلم فيه . 2835 (أول من يدعى إلى الجنة) زاد في رواية يوم القيامة (الحمادون) صيغة مبالغة أي (الذين يحمدون الله) تعالى كثيرا (على) في رواية في (السراء) سعة العيش والسرور (والضراء) الأمراض والمصائب فهم راضون من الله تعالى في كل حال ولهذا قال عمر بن عبد العزيز : ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر وقيل له : ما تشتهي ؟ قال : ما يقضي الله تعالى وقال الفضيل : إن لم تصلح على تقدير الله وتحمده لم تصلح على تقدير نفسك ونظر رجل إلى قرحة في رجل ابن واسع فقال : إني لأرحمك قال إني لأحمد الله عليها منذ خرجت إذ لم تخرج في عيني (طب) وكذا في الأوسط والصغير (ك) في كتاب الدعاء (هب) وكذا أبو نعيم كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني وأبو نعيم والبيهقي فيه قيس بن الرفيع ضعفه الجمهور وقال الهيثمي في أحد أسانيد الطبراني قيس بن الربيع وثقه شعبة وضعفه القطان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح . 2836 (أول من يكسى) يوم القيامة (من الخلائق) على اختلاف أنواعها وطبقاتها وتباين أممها ولغاتها بعد ما يحشر الناس كلهم عراة أو الغالب أو بعد خروجهم من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى من ثياب الجنة (إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام لأنه جرد في ذات الله حين ألقي في النار أو لأنه لم يكن أخوف لله منه فتعجل كسوته إيناسا له ليطمئن قلبه أو لأنه أول من استن السراويل مبالغة في الستر وحفظا لفرجه
[ 120 ]
فلما اتخذ هذا النوع الذي هو أستر للعورة من جميع الملابس جوزي بأنه أول من يكسى ثم يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم حلة أعظم من كسوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لينجبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسي معه فلا تعارض بينه وبين الخبر المار أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى (1) (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي : فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس . (1) هذا التعليل فيه نظر فإن أول من يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل نص الحديث أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى اه‍ . 2837 (أول من فتق لسانه) ببناء فتق للمفعول وللفاعل أي الله (بالعربية) أي باللغة العربية وهي كما في المصباح كغيره ما نطق به العر ب (المبينة) أي الموضحة الصريحة الخالصة (إسماعيل) ابن إبراهيم الخليل قال الزمخشري : ويسمى أبو الفصاحة قال في الروض الأنف : وهو نبي مرسل إلى جرهم والعماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض وكفر بعض (وهو ابن أربع عشرة سنة) قال الديلمي : أصل الفتق الشق أي أنطق الله لسان إسماعيل حتى تكلم بها وكان أول من نطق بها كذلك وقال في المصباح : يقال العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان وهو اللسان القديم والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم وهي لغة الحجاز وما والاها انتهى . قال ابن حجر : وأفاد بهذا القيد أعني المبينة أوليته في ذلك بحسب الزيادة والبيان لا الأولية المطلقة وإلا فأول من تكلم بالعربية جرهم وتعلمها هو من جرهم ثم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ويشهد له ما حكي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل كون الأولية مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى إخوته من ولد إبراهيم (الشيرازي) في كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ظاهر عدول المصنف للشيرازي أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي من حديث ابن عباس باللفظ المزبور قال ابن حجر : وإسناده حسن ورواه الزبير بن بكارمن حديث علي رفعه باللفظ المزبور وحسن ابن حجر إسناده أيضا . 2838 (أول مخضب) أي لون شعره أي صبغه (بالحناء) يقال خضب بالتشديد كما في المصباح قال : والتخفيف من باب نفع لغة (والكتم) بفتحتين نبت فيه حمرة يخلط بالوشمة أو الحناء ويختضب به وفي كتب الطب الكتم من نبت الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر قدر
[ 121 ]
الفلفل ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصح به في الباديه (إبراهيم) الخليل فلذلك كان الخضب بهما مسنونا (وأول من اختضب بالسوا فرعون) فلذا كان الخضب فيه لغير الجهاد محرما وفرعون فعلون اسم أعجمي والجمع فراعنة قال ابن الجوزي : وهم ثلاثة فرعون الخليل واسمه سنان وفرعون يوسف واسمه الربان وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب اه‍ والظاهر أن المراد هنا الأول بقرينة ذكره مع إبراهيم (فر وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) وفيه منصور بن عمار قال العقيلي : فيه تجهم وقال الذهبي : له مناكير . 2839 (أول من دخل الحمامات) جمع حمام (وصنعت له النورة) بضم النون حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إليه من زرنيخ وغيره تفعل لإزالة الشعر (سليمان بن داود) النبي بن النبي (فلما دخله) أي الحمام (وجد حره وغمه فقال : أوه من عذاب الله أوه قبل أن لا يكون أوه) بسكون الواو وكسر الهاء وقيل بتشديد الواو وفتحها كلمة تقال عند الشكاية والتوجع يعني أنه ذكر بحره وغمه حر جهنم وغمها فإن الحمام أشبه بيت بجهنم النار من تحت والظلام من فوق ، والعارف الكامل لا يغفل عن الآخرة في كل لحظة لكونها نصب عينه بل له في كل ما يراه من ماء ونار أو غيرهما عبرة وموعظة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد أو إلى حية ذكر أفاعي جهنم أو إلى بشع مهول ذكر منكر ونكير أو الزبانية أو سمع صوتا هائلا ذكر نفخة الصور فلاتصرفه مهمات الدنيا عن مشاهدة مهمات العقبى (عق طب) وكذا في الإوسط عد هق) وكذا في الشعب (عن أبي موسى) الأشعري قضية كلام المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه والأمر بخلافه فقد تعقبه البيهقي بما نصه : تفرد به إسماعيل الأزدي . قال البخاري : ولا يتابع عليه وقال مرة : فيه نظر ، إلى هنا كلام البيهقي ، وفيه أيضا إبراهيم بن مهدي ضعفه الخطيب وغيره وقال الذهبي كابن عساكر في تاريخ الشام : حديث ضعيف وفي اللسان كأصله : هذا من مناكير إسماعيل ولا يتابع عليه وقال الهيثمي : بعد ما عزاه للطبراني فيه صالح مولى التوأمة ضعفوه بسبب اختلاطه وابن أبي ذؤيب سمع منه قبل الإختلاط وهذا من روايته عنه انتهى وأقول : لكن فيه أيضا هشام بن عمار وفيه كلام وعبد الله بن زيد البكري أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه أبو حاتم اه‍ فتعصيب الهيثمي الجناية برأس صالح وحده غير صالح . 2840 (أول من غير) بشد المثناة تحت (دين إبراهيم) الخليل وفي رواية دين إسماعيل ولا تدافع إذ دين إسماعيل هو دين إبراهيم أي أول من بدل أحكام شريعته وحولها وجعلها على خلاف ما
[ 122 ]
هي عليه ففي القاموس غيره جعله على خلاف ماكان عليه وحوله وبدله (عمرو بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء المهملة كذا في هذه الرواية وفي رواية أخرى عمرو بن عامر ولا تعارض كما أشار إليه الكرماني وغيره فعامر اسم ولحي لقب أو عكسه أو أحدهما اسم الأب والآخر الجد فنسب تارة لأبيه وتارة لجده (ابن قمعة) بالقاف (ابن خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وآخره فاء وهو (أبو خزاعة) القبيلة المشهورة وهو أول من ولي البيت بعد جرهم وورد في رواية لابن إسحاق بيان ذلك التغيير فقال : فنصب الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة (1) ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال : وسببه أنه كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال : أرحب أبا ثمامة فقال : لبيك من تهامة فقال : ادخل بلا ملامة فقال : ائت سيف جدة تجد آلهة معدة فخذها ولا تهب وادع إلى عبادتها تجب ، فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إليها فانتشر ت عنه عبادة الأصنام في العرب (طب عن ابن عباس) . (1) قال ابن عباس : البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها وتركوا الحمل عليها وركوبها ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا بحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى بحروا أذنها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها وكانت منافعها خاصة للرجال فإذا ماتت حلت للرجال والنساء والسائبة البعير الذي يسيب وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية إذا مرض أو غاب له قريب نذر فقال : إن شفاني الله إلخ فناقتي هذه سائبة ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة . 2841 (أول من يبدل سنتي) أي طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها بما أصلته لكم من الأحكام الإعتقادية والعملية (رجل من بني أمية) بضم الهمزة زاد الروياني في مسنده وابن عساكر يقال يزيد اه‍ . قال البيهقي في كلامه على الحديث : هو يزيد بن معاوية لخبر أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد (ع عن أبي ذر) الغفاري . (1) [ وقال الهيثمي : وعن أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا ؟ ؟ أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد . رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبادة (لعله أبا عبيدة ، راوي الحديث) . دار الحديث ] 2842 (أول ما يرفع) أي من الدنيا في آخر الزمان (الركن) اليماني والظاهر أن المراد الحجر الأسود وكلام المصنف في الساجعة صريح فيه قال : ولن تزال هذه الأمة بخير ما دام فيها إلا أن يرفعه جبريل (والقرآن) أي بذهاب حفظته أو بمحوه من صدورهم (ورؤيا النبي في المنام) يحتمل أن أل في النبي للعهد والمعهود نبينا صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك من خصائصه ويحتمل أن المراد الجنس فلا يرى أحد من الناس أحدا من الأنبياء في النوم أصلا (الأزرقي في تاريخ مكة) المشهور (عن عثمان) بن عمر (بن
[ 123 ]
ساج) بمهملة وآخره جيم الجزري مولى بني أمية وينسب إلى جده غالبا قال في التقريب : فيه ضعف (بلاغا) أي أنه قال : بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك 2843 (أول ما افترض الله تعالى على أمتي الصلوات الخمس) المعروفة (وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس (1) أي بموت المصلين واتفاق خلفهم على تركها (وأول ما يسئلون عن الصلوات الخمس فمن كان ضيع شيئا منها) بأن لم يفعله أو فعله مع اختلال بعض الأركان أو الشروط أو مع توفرها ولم تقبل لعدم نحو إخلاص (يقول الله تبارك وتعالى) أي لملائكته (انظروا) أي تأملوا (هل تجدون لعبدي نافلة من الصلاة) أي صلاة نافلة (تتمون بها ما نقص من الفريضة) أي فإن وجدتم ذلك فكملوا به فرضه لأن المصلي مثل التاجر الذي لا يخلص الربح حتى يخلص له رأس المال فلا يقبل له نفل حتى يؤدي الفرض وكذا يقال فيما يأتي (وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان فإن كان ضيع شيئا منه) بالمعنى المذكور فيما قبله (فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون منها ما نقص من صيام وانظروا في زكاة عبدي فإن كان ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة فيؤخذ ذلك) أي النفل (على فرائض الله) أي عنها (وذلك برحمة الله) العبد أي برفقه به وإحسانه إليه (وعدله) إذ لو لم يكمل له بها فرضه لخسر وهلك (فإن وجد فضلا) أي زيادة بعد تكميل الفرض (وضع في ميزانه) فرجح (وقيل له) من قبل الله تعالى على لسان بعض ملائكته أو من شاء (ادخل الجنة مسرورا) أي حال كونك فرحا منشرحا والسرور ما يسر به الإنسان (وإن لم يوجد له شيئا من ذلك) أي من الفرائض أو من النوافل التي يكمل بها نقصها (أمرت به الزبانية) أي أمرهم الله بإلقائه في النار (فأخذ) أي فأخذوا (بيديه ورجليه) خصهما إشارة إلى هوانه عليهم واستحقاره عندهم (ثم قذف به في النار) أي ألقي في نار جهنم ذميما مقبحا مستهانا به كالجيفة التي ترمى للكلاب . قال في المطامح : يؤخذ من هذه الأولية المذكورة في صدر هذا الخبر أن الصلاة لها أولوية عند الله سبحانه
[ 124 ]
وتعالى . قال ابن عطاء الله : واعلم أن الحق سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة حتى إذا قام العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما يجبر بالنافلة التي هي من جنسه فلذا أمر بالنظر في فريضة العبد فإن قام بها كما أمر الله جوزي عليها وأثبتت له وإن كان فيه خلل كملت من نافلته حتى قال البعض : إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة ولما جعل الله تعالى عباده أقوياء وضعفاء فسح على الصعفاء بالإكتفاء بالواجبات وفتح للأقوياء باب نوافل الخيرات فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته فقاموا بها تخليصا لأنفسهم من وجود الهلكة وملافاة العقوبة فما قاموا شوقا له ولا طلبا للوفاء مع ربوبيته بل قوبلوا بالمخالفة فلم يقبل منهم قيامهم هذا فإنهم لم ينهضوا إلا لأجل نفوسهم ولم يطلبوا إلا حظوظهم فقاموا بواجبات الله مجرورين بسلاسل الإيجاب ، عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بسلاسل وآخرون عندهم من غليان الشغف وشدة الحب ما ليس يكفيهم الواجبات بالنوافل وسرمدوا بها الأوقات وحملوا أنفسهم ما لا يطيقون بطاعته لباعث الشغف فأشفق عليهم الشارع فأمرهم بالقصد في عدة مواضع (الحاكم) في كتاب (الكنى) والألقاب (عن ابن عمر) بن الخطاب . (1) ويحتمل أن يكون المراد أول ما يرفع إلى الله تعالى من ثواب أعمالهم ثواب الصلاة فلا تعارض بينه وبين أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة . 2844 (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته) لأن الله تعالى قد أذنه بتعظيم أمرها وأشار إليه بالاهتمام بشأنها فإنها مقدمة عنده على غيرها حيث كان أول شئ بدأ به عباده من الفرائض وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أسلم رجل أول شئ يعلمه الصلاة لأنه إنما يضع الأمور على حسب وضع ربه ناظرا في ذلك إلى حكمته الإلهية فبعد تقرر هذه الأولية والأهمية عند العبد ناسب أن يكون أول السؤال عنها إذ لا عذر لها حينئذ (فإن كان أتمها كتبت له) أي أمر الله تعالى بكتابتها في صحف الملائكة أو المحاسبة أو غيرهما (تامة وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته : انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع) بزيادة من للتأكيد (فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) قال الحافظ العراقي : المراد من الإكمال إكمال ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة وأنه يحصل له ثوابه في الفرض وإن لم يفعله أو ما انتقص من فروضها وشروطها أو ما ترك من الفرائض رأسا اه‍ . (تنبيه) قال ابن عربي : في الفرائض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي الفرع وهو النفل عبودية الاختيار سمي نفلا لأنه زائد
[ 125 ]
فإنك في أصلك زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فأنت نفل في وجود الحق تعالى ففي أداء الفرائض أنت له وفي النفل أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم من حبه إياك من حيث ما أنت لك ولا نفل إلا بعد فرض في عين النفل فروض ونوافل فما فيه من الفروض تكمل الفرائض ولما لم يكن في قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل على فرائض ونوافل وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة وهذه الأفعال والأقوال فرائض فيها انتهى (حم د ه ك عن تميم الداري) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 2845 (أول نبي أرسل نوح) قال السهيلي : اسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على نفسه ولا تعارض بينه وبين ما بعده من أن أولهم آدم لأن نوحا أرسل إلى الكفار وآدم أول رسول إلى بنيه ولم يكونوا كفارا ثم نوح هو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم أفضلهم (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وهو في مسلم في أثناء حديث الشفاعة ولفظه : ائتوا نوحا أول رسول . 2846 (أول الرسل آدم) إلى بنيه وكانوا مؤمنين فعلمهم شرائع علم الله (وآخرهم محمد) صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى * (وخاتم النبيين) * فلا نبي بعده (وأول أنبياء بني إسرائيل موسى) بن عمران (وآخرهم عيسى) بن مريم (وأول من خط بالقلم) أي كتب ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود (إدريس) قيل سمي به لكثرة درسه كتاب الله وأبطله الزمخشري بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد العلمية فكان منصرفا فمنعه من الصرف دليل العجمة وهذا الحديث صريح في إبطال زعم الكلبي أن أول من وضع الخط نفر من طئ قيل وأول من كتب بالعربي إسماعيل وما ذكر هنا من أن أول من خط إدريس جرى عليه جمع وذكر آخرون منهم كعب الأحبار أن أول من كتب آدم كتب سائر الكتب قبل موته بثلاثمائة سنة في طين ثم طبخه فلما غرقت الأرض في زمن نوح بقيت الكتابة فأصاب كل قوم كتابهم وبقي الكتاب العربي إلى أن خص به إسماعيل فأصابه وتعلم العربية ذكره الماوردي وقال : كانت العرب تعظم قدر الخط وتعده من أجل نفع حتى قال عكرمة : بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادى به على أن يعلم الخط لخطره وجلالته عندهم . (فائدة) قال ابن فضل الله : كان إدريس يسمى هرمس المثلث كان نبيا وحكيما وملكا ووزيرا . قال أبو معشر : هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وأول من عمل الكيمياء وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنذر
[ 126 ]
بالطوفان وكان يسكن صعيد مصر فبنى هناك الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصناعات وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منها على تخليدها بعده وخيفة أن يذهب رسمها من العالم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم رفعه مكانا عليا (الحكيم) الترمذي (عن أبي ذر) وفيه عمرو بن أبي عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن عدي : مجهول وإبراهيم بن هشام الغساني قال أبو حاتم غير ثقة ونقل ابن الجوزي عن أبي زرعة أنه كذبه ويحيى بن يحيى الغساني خرجه ابن حبان ذكره كله الذهبي . 2847 (أولاد المشركين) أي من مات من أولاد الكفار قبل البلوغ (خدم أهل الجنة) في الجنة فهم من أهلها فيما يرجع من أمور الآخرة لأن كل مولود يولد على الفطرة ويتبع أشرف الأبوين دينا فيما يرجع إلى الدنيا وعليه نزل خبر إنهم من آبائهم وقيل هم من أهل النار وقيل بين الجنة والنار لا منعمين ولا معذبين وقيل من علم الله أنه يؤمن لو عاش ففي الجنة وغيره في النار وقيل بالوقف لعدم صحة التوقيف قال النووي : والصحيح الذي عليه المحققون الأول ورجح البيضاوي الأخير حيث قال : الثواب والعقاب ليسا لأحد بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون ذراري المسلمين والكفار من أهل الجنة والنار بل الموجب لهم هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآباؤهم في العدم فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم بشئ فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب لأن السعادة والشقاوة ليستا معللتين عندنا بل الله تعالى خلق من شاء سعيدا ومن شاء شقيا وعمل الأعمال دليل على السعادة والشقاوة وأنت تعلم أن عدم الدليل وعدم العلم به لا يوجبان عدم المدلول والعلم بعدمه وكما أن البالغين منهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا فهم مستعملون بأعمال أهل النار حتى يموتوا عليها فيدخلوا النار وأما الذين سعدوا فهم موفقون للطاعات وصالح الأعمال حتى يتوفوا عليها فيدخلوا الجنة فالأطفال منهم من سبق القضاء بأنه سعيد من أهل الجنة فهو لو عاش عمل عمل أهل الجنة ومنهم من جف القلم بأنه شقي من أهل النار فهو لو أمهل لاشتغل بالعصيان وانهمك في الطغيان . (طس عن سمرة) بن جندب (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي : فيه عباد بن منصور وثقه القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات . 2848 (ألا) بتخفيف اللام وفتح الهمزة حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقق ما بعده وتوكيده (أحدثكم حديثا عن الدجال) أي عن صفاته من الدجل وهو الخلط لكثرة خلطه الباطل بالحق ذكره الزمخشري وسبق فيه مزيد (ما حدث به نبي قومه) الجملة صفة لحديث . وما نافية أي لم يحدث نبي قومه بمثله في الإيضاح ومزيد البيان فإنه مامن نبي إلا وقد أنذر قومه به سيما نوح عليه السلام
[ 127 ]
لكن لم يوضحوا صفاته وأنا أوضحها غاية الإيضاح حتى كأنكم ترونه عيانا (إنه أعور) العين اليمنى كما في رواية وفي أخرى اليسرى وجمع بأن أحدهما ذاهبة والأخرى معيبة وأصل العور العيب فيصدق عليهما واقتصر عليه مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل ومن لا يهتدي للأدلة القطعية (1) (وأنه يجئ معه تمثال الجنة والنار) هذا بالنسبة للرائي فإما بالسحر فيخيل الدجال الشئ بصورة عكسه أو يجعل الله باطن الجنة نارا وعكسه أو كنى عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار (فالتي يقول إنها الجنة هي النار) أي سبب للعذاب بالنار يعني من دخل جنته استحق النار لأنه صدقه فأطلق اسم المسبب على السبب (وإني أنذركم) به (كما أنذر) به (نوح قومه) خصه به لأنه أول نبي أنذر قومه أي خوفهم ولأنه أول الرسل وأبو البشر الثاني وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله تعالى إذ لا يتخالجهم في الله الظنون إذ * (ليس كمثله شئ) * وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان وأن يستولي على مواشيهم فتتبعه أقوام بأبدانهم ويصدقونه بألسنتهم وإن عرفوا كذبه لا يقال إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم لأنا نقول بأن الأنبياء شاهدوا دقائق الكون واجتمع كله فيهم في آن واحد حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة فصاروا عند غلبة التجليات على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم ويلوح لهم الأمر من وراء كل وراء وتضمحل الحجب وذلك طور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبدا وقت التجلي فباندراج مسافات الأزمان وتداخلها وامتزاج بعضها ببعض صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد فتدبر . (ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . (1) فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب . 2849 (ألا) قال الطيبي : صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به (أحدثكم بما) أي بالعمل الذي (يدخلكم الجنة ؟) قالوا : بلى يا رسول الله حدثنا قال : (ضرب بالسيف) أي قتال به في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (وإطعام الضيف) لوجه الله لا رياء وسمعة كما يفعله كثير الآن (واهتمام بمواقيت الصلاة) أي بدخول أوقات الصلاة لإيقاع الصلاة أول وقتها يقال اهتم الرجل بالأمر قام به ويطلق الهم والاهتمام على العزم القوي والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت وهو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما ، وكل شئ قدرت له حينا فقد وقته توقيتا (وإسباغ الطهور) أي إتمام الوضوء أو الغسل قال في الصحاح : شئ‌سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أتمها وإسباغ الوضوء إتمامه قال الزمخشري : ومن المجاز أسبغ وضوءه (في الليلة القرة) بالتشديد أي الشديدة البرد قال في الصحاح : ليلة قارة وقرة بالفتح أي باردة ويوم قار وقر بالفتح بارد
[ 128 ]
والقرة بالكسر البرد (وإطعام الطعام على حبه) قال تعالى : * (ويطعمون الطعام على حبه) * أي مع حب الطعام أو شهوته أو عزته لقلته وحاجتهم وقيل على حب الله تعالى (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) . 2850 (ألا أحدثكم) في رواية أحمد والطبراني أحدثكما خطابا لعمار وعلي لما رآهما وقد اضطجعا في صور من النخل فناما فحركهما برجله وقال : ألا أحدثكما (بأشقى الناس ؟ رجلين) عطف بيان وقال أبو البقاء : تمييز كما تقول هذا أشقى الناس رجلا وجاز تثنيته وجمعه كما قالوا نعم الرجلين الزيدان ونعم رجالا الزيدون وهم أفضل الناس رجالا (أحيمر ثمود) تصغير أحمر وهو قدار بن سالف (الذي عقر الناقة) أي قتلها لأجل قول نبيهم صالح عليه السلام * (ناقة الله وسقياها) * أي احذروا أن تصيبوها بمكروه ولا تمنعوها عن شربها وكان أخبرهم أن لها شرب يوم ولهم شرب يوم وإنما قال أحيمر لأنه كان أحمر أشقر أزرق قصيرا ذميما (والذي) أي وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحه الله (يضربك يا علي) بن أبي طالب بالسيف (على هذه) يعني هامته (حتى يبل منها) بالدم (هذه) يعني لحيته فمرض علي كرم الله وجهه بعد موت المصطفى صلى الله عليه وسلم فخرج فضالة بن عبيد الأنصاري له عائدا فقال : ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت به لم يسلك إلا أعراب جهينة فقال : لست ميتا من مرضي هذا ثم ذكر الحديث رواه أحمد وعن أبي سنان الدولي أنه عاد عليا فقال : قد تخوفنا عليك قال : لكني بما ما تخوفت على نفسي سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول : فذكر نحوه خرجه الطبراني وحسنه الهيثمي ، واعلم أن هذا الحديث من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع ، وذلك أنه لما كانت ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ علي كرم الله وجهه سحرا فقال لابنه الحسن : رأيت الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوت له ما لقيت من أمته من اللدد فقال لي : ادع الله عليهم فقلت : اللهم أبدلني بهم خيرا وأبدلهم بي شرا لهم مني فدخل المؤذن على أثر ذلك فقال : الصلاة فخرج علي كرم الله وجهه من الباب ينادي الصلاة الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل لدماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك وأوثق وأقام علي الجمعة والسبت وانتقل إلى رحمة الله ليلة الأحد فقطعت أطراف ابن ملجم ثم جعل في قوصرة وأحرق بالنار (طب ك) وكذا أحمد والبزار كلهم (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي : رجال البزار موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار . 2851 (ألا أخبرك) أي أعلمك (بأخير) وفي رواية بدله بأعظم (سورة في القرآن) قال الطيبي :
[ 129 ]
نكرها وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة لم تجد به أعظم منها (الحمد لله رب العالمين) قال البيضاوي : خبر مبتدأ محذوف أي هي السورة التي مستهلها الحمد لله (1) قال النوربشتي : الحمد أعلى مقامات العبودية وقد جاء في البخاري أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها قال ابن النين : معناه أن ثوابها أعظم من غيرها وقال القرطبي : اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله تعالى والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها أخير وقال علي كرم الله وجهه : لو شئت لأمليت من تفسيرها سبعين وقرا وقد أفرد في جموم فضائلها تآليف كثيرة وذكر بعض العارفين أن من لازم قراءتها رأى العجب وبلغ ما يرجوه من كل أرب ومن خواصها إذا كتبت حروفها متفاصلة ومحيت بماء طاهر وشربها مريض لم يحضر أجله برئ وإذا قرئت إحدى وأربعين مرة بين سنة الفجر والصبح على وجع العين برئ بشرط حسن الظن من الوجيع والعازم اه‍ وفي بحر الروياني أن البسملة أفضل آيات القرآن ونوزع بحديث آية الكرسي قال ابن حجر في الفتح : وهو صحيح واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع منه جمع محتجين بأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها وأجيب بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل من حيث المعاني لا الصفة ويؤيده آية * (نأت بخير منها أو مثلها) * (حم عن عبد الله بن جابر البياضي) الأنصاري له صحبة قال الهيثمي : فيه عبد الله بن أحمد بن عقيل سئ الحفظ وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول شنيع فقد رواه البخاري في التفسير والفضائل وأبو داود والنسائي في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح بلفظ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وأعظم سورة في القرآن . (1) أي سورة الحمد بكمالها فهي أعظم سور القرآن فإنها أمه وأساسه ومتضمنة لجميع علومه . 2852 (ألا) قال القاضي : كلمة مؤلفة من حرفي الاستفهام والنفي لإعطاء التنبيه على تحقيق ما بعدها وذلك لأن الهمزة فيه للإنكار فإذا دخلت على نفي أفادت تحقيق الثبوت ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا ما كانت مصدرة بما يصدر بها جواب القسم وشقيقتها أما التي هي من طلائع القسم ومقدماته (أخبرك عن ملوك الجنة) وفي رواية ملوك أهل الجنة (رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان مؤمن (ضعيف) في نفسه أي منكر الخاطر متواضع القلب لهوانه على الناس (مستضعف)
[ 130 ]
بفتح العين على المشهور أي يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعفه ولفقره ورثاثته وخموله وفي رواية بكسر العين أي نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا (ذو طمرين) بكسر فسكون إزار ورداء خلقين (لا يؤبه له) أي لا يحتفل به (لو أقسم على الله لأبره) أي لو حلف يمينا على أن الله يفعل كذا أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه أي صدق وصدق يمينه يقال : أبر الله قسمك إذ لم يكن حانثا وقيل معنى أقسم على الله أن يقول اللهم إني أقسم عليك بجلالك أن تفعل كذا وهو غير مستقيم هنا لأنه قال لأبره أي صدقه ولا دخل للصدق والكذب في هذا اليمين فيدخلها الإبرار . قال الغزالي : وهذا الحديث ونحوه يعرفك مذمة الشهر وفضيلة الخمول وإنما المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت والجاه والمنزلة في القلوب وحب الجاه منشأ كل فساد (تنبيه) هذا الحديث نص في تفضيل الضعيف على القوي وقد وقع عكسه في خبر مسلم " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف " فإنه نص في تفضيل القوي على الضعيف وأجاب النووي بأن المراد بالقوة فيه عزيمة النفس والقريحة في شؤون الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على أعداء الله وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبمدح الضعيف فمن حيث رقة القلوب ولينها واستكانتها لربها وضراعتها إليه (ه عن معاذ) بن جبل قال المنذري : رواته محتج بهم في الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز وقال الحافظ العراقي في المغني : سنده جيد وفي أماليه حديث حسن وفيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين والجمهور ووثقه دحيم والحديث له شواهد اه‍ وظاهر كلامه أنه إنما هو حسن لشواهده . 2853 (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا : أخبرنا قال : (كل) إنسان (جعظري) بجيم مفتوحة وظاء معجمة بينهما عين مهملة فظ غليظ أو الذي لا يمرض أو الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده (جواظ) بفتح الجيم وشد الواو وظاء معجمة ضخم مختال في مشيه أو الأكول أو الفاجر أو الفظ الغليظ أو السمين الثقيل من الشره والتنعم (مستكبر) ذاهب بنفسه تيها وترفعا (جماع) بالتشديد أي كثير الجمع للمال (منوع) أي كثير المنع له والشح والتهافت على كنزه (ألا) قال القاضي : حرف تنبيه تذكر لتحقق ما بعدها مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ولا التي للنفي والإنكار إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ولذلك لا يقع بعدها إلا ما كان مصدرا بنحو ما يتلقى به القسم (أخبركم بأهل الجنة) قالوا : أخبرنا قال : (كل مسكين لو أقسم على الله لأبره) قال النووي : المراد بالحديث أن أغلب أهل الجنة والنار هذان الفريقان (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي : فيه خارجة بن مصعب وهو متروك .
[ 131 ]
2854 (ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون) أي ما اعتصم به المعتصمون قالوا : بلى أخبرنا قال : (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) زاد في رواية ولن يتعوذ الخلائق بمثلهما وسميتا بالمعوذتين لأنهما عوذتا صاحبهما أي عصمتاه من كل سوء (طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد رواه النسائي باللفظ المزبور عن عابس الجهني قال في الفردوس ويقال له صحبة . 2855 (ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله) أي ببيان معناها وإيضاح فحواها والفسر والتفسير البيان والإيضاح كما في الصحاح قال : أخبرني قال : (لا حول من معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله هكذا أخبرني جبريل يا ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود قال ابن الأثير : الحول ههنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله وقيل الحول الحيلة والأول أشبه اه‍ . (تتمة) حكى النووي في بستانه أن الخليل بن أحمد رؤي في النوم فقيل له : ما فعل بك ربك قال : غفر لي قيل : بما نجوت قال : بلا حول ولا قوة إلا بالله قيل : كيف وجدت علمك أي الأدب والشعر قال : وجدته هباء منثورا (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وقال : تفرد به صالح بن بيان وليس بقوي . 2856 (ألا أخبركم بأهل الجنة) قالوا : بلى قال : (كل ضعيف) قال أبو البقاء : برفع كل لاغير أي هم كل ضعيف عن أذى الناس أو عن المعاصي ملتزم الخشوع والخضوع بقلبه وقالبه (متضعف) بفتح العين كما في التنقيح عن ابن الجوزي قال : وغلط [ ص 102 ] من كسرها لأن المراد أن الناس يستضعفونه ويحتقرونه وفي علوم الحديث للحاكم أن ابن خزيمة سئل عن الضعيف قال : الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين (لو أقسم على الله لأبره) (1) (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا بلى . قال : (كل عتل) بالضم والتشديد الجافي أو الجموع المنوع أو الأكول الشروب (جواظ) بفتح
[ 132 ]
فتشديد كما تقرر (جعظري مستكبر) صاحب كبر والكبر تعظيم المرء نفسه واحتقاره غيره والأنفة من مساواته . (تنبيه) قال ابن عربي في كلامه على الأولين : إنما نالوا هذه المرتبة عند الله لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير الله أو تتعلق بكون من الأكوان سوى الله فليس لهم جلوس إلا مع الله ولا حديث إلا مع الله فهم في الله قائمون وفي الله ناظرون وإليه داخلون ومنقلبون وعنه ناطقون ومنه آخذون وعليه متوكلون وعنده قاطنون فما لهم معروف سواه ولا مشهود إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في غيابات الغيب المحجوبون وهم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مشي ستر كله حجاب فهذا حال هذه الطائفة (حم ق) في التفسير وغيره (ت) في صفة النار (ن) في التفسير (ه) في الزهد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) أخي عبد الله بن عمر لأمه ، قيل هو الذي استطول صلاة معاذ فانصرف وفي الباب أبو هريرة وابن عمر وغيرهما . (1) يوجد في النسخة هنا بياض . 2857 (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال الطيبي : من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزا من شركم اه‍ والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا : بلى قال : (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره) أي من يؤمل الناس الخير من جهته ويأمنون الشر من جهته (وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) أي وشركم من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره . قال الطيبي : التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيبا وترهيبا وترك الآخرين إذ لا ترغيب ولا ترهيب فيهما . قال الماوردي : يشير بهذا الحديث إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف . وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا ، إلى هنا كلامه . (حم ت حب عن أبو هريرة) قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناس جلوس فقال : ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال ثلاثا فقال له رجل : يا رسول الله أخبرنا فذكره لما توهموا معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثا فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في المهذب : سنده جيد وفي الباب أنس وغيره . 2858 (ألا أخبركم بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذا قوله (وشر الناس) إذ الكافر شر منه (إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله عز وجل) أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة الله (على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره) أي راكبا على واحد منهما
[ 133 ]
وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك (أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شئ منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده . (تنبيه) قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه . وقال قوم : الناس يخلقون أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون : الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقا واستدلوا بقوله تعالى : * (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * قال في الفردوس : الارعواء الندم على الشئ والانصراف عنه والترك له (حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره . 2859 (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن) قالوا : أخبرنا قال : (الصمت) أي الإمساك عن الكلام فيما لا يعنيك (وحسن الخلق) بالضم أي مع الناس ومن ثم قال الداراني : المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيبا فقال : يا بني إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة : أمر بين رشده فاتبعوه ، وأمر بين غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله تعالى . قال الماوردي : وهذا الحديث جامع لآداب العدل في الأحوال كلها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت عن صفوان بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة (مرسلا) قال الحافظ العراقي : رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجيب فقد خرجه أبو الشيخ [ ابن حبان ] في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعا وسنده ضعيف فإن قلت : إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت : كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا الكتاب وغيره .
[ 134 ]
2860 (ألا أخبركم عن الأجود) أي الأكرم والأسمح قالوا : بلى أخبرنا قال : (الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم) لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سئل في شئ قط وقال لا وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر (وأجودهم من بعدي رجل علم علما) من علوم الشرع (فنشر علمه) أي بثه لمستحقيه ولم يبخل به (يبعث يوم القيامة أمة وحده) قال في الفردوس : الأمة ههنا هو الرجل الواحد المعلم للخير المنفرد به (ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل) أو ينتصر . قال ابن رجب : دل هذا على أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أجود الآدميين على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم (ع عن أنس) قال المنذري : ضعيف وقال الهيثمي وغيره : فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث اه‍ . وأخرجه ابن حبان عن مكحول عن محمد بن هاشم عن سويد بن عبد العزيز عن نوح بن ذكوان عن أخيه عن الحسن عن أنس بلفظ ألا أخبركم بأجود الأجودين قالوا : بلى قال : فإن الله تعالى أجود الأجودين وأنا أجود ولد آدم وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه فيبعث يوم القيامة أمة وحده كما يبعث النبي صلى الله عليه وسلم أمة وحده اه‍ . وأورده الجوزي من حديث ابن حبان هذا ثم حكم بوضعه وقال : قال ابن حبان : منكر باطل وأيوب منكر الحديث وكذا نوح ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن أبا يعلى أخرجه ولم يزد على ذلك . 2861 (ألا أخبركم بشئ) يعني بدعاء بديع نافع للكرب والبلاء (إذا نزل برجل) يعني بإنسان وذكر الرجل وصف طردي وإنما ذكره لأن غالب البلايا والمحن إنما تقع للرجال قال : كتبت القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول (كرب) أي مشقة وجهد والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس كما في الصحاح وغيره (أو بلاء) بالفتح والمد محنة (من أمر الدنيا دعا به) الله تعالى (فيفرج عنه) أي يكشف غمه قال الأزهري وغيره فرج الله الغم بالتشديد كشفه قالوا : بلى أخبرنا قال : (دعاء ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام حين التقمه الحوت فنادى في الظلمات (لا إله إلا أنت) أي ما صنعت من شئ فلن
[ 135 ]
أعبد غيرك (سبحانك) تنزيه عن كل النقائص ومنها العجز وإنما قاله لأن تقديره سبحانك مأجورا أو شهوة للانتقام أو عجزا عن تخليصي مما أنا فيه بل فعلته بحكم الإلهية وبقتضى الحكمة (إني كنت من الظالمين) يعني ظلمت نفسي كأنه قال إني كنت من الظالمين وأنا الآن من التائبين لضعف البشرية والقصور في أداء حق العبودية وهذا القدر كاف في السؤال . قال المتنبي : وفي النفس حاجات وفيك فطانة * سكوتي كلام عندها وخطاب وإنما كان هذا الدعاء منجيا من الكرب والبلاء لإقرار الإنسان فيه على نفسه بالظلم . قال الحسن : ما نجى يونس والله إلا لإقراره على نفسه بالظلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (ك عن سعد) ابن أبي وقاص . 2862 (ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها) أي فخمها وبجالتها وفي الصحاح التعظيم التبجيل والتفخيم (ما بين السماء والأرض ولكاتبها) في مصحف أو لوح أو تميمة (من الأجر مثل ذلك) أي ثوابا عظيما يملأ ما بين السماء والأرض لو جسم (ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة والجمعة الأخرى) أي الصغائر الواقعة من يوالجمعة إلى يوم الجمعة التي بعدها (وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ) الآيات (الخمس الأواخر منها عند نومه) أي عند إرادته النوم (بعثه الله) أي أهبه (أي الليل شاء) قالوا : بلى أخبرنا بها قال : (سورة أصحاب الكهف) قال الحافظ ابن حجر : وذكر أبو عبيد أنه وقع في رواية شعبة زيادة كما أنزلت عقب قوله ومن قرأها وأوله على أن المراد أن يقرأها بجميع وجوه القراءات قال : وفي تأويله نظر والمتبادر أن المراد يقرؤها كلها بغير نقص حسا ولا معنى وقد يشكل بما رود من زيادة أحرف ليست من المشهورة ك‍ " سفينة صالحة " ونحو " وأما الغلام فكان كافرا " أو يجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته . (ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو الشيخ وابن جرير وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ابن مردويه غير سديد لإيهامه وروي من طرق أخرى عن ابن الضريس وغيره لكن بعضها كما قال الحافظ ابن حجر في أماليه معضل وبعضها مرسل . 2863 (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار) أي دخول نار جهنم (غدا) أي يوم القيامة وأصل
[ 136 ]
الغد اليوم الذي بعد يومك على أثره ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب قالوا : أخبرنا قال (على كل هين) مخففا من الهون بفتح الهاء وهو السكينة والوقار (لين) مخفف لين بالتشديد على فعيل من اللين ضد الخشونة قيل : يطلق على الإنسان بالتخفيف وعلى غيره على الأصل قال ابن الأعرابي : يمدح بهما مخففين ويذم بهما مثقلين (قريب) أي إلى الناس (سهل) يقضي حوائجهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه . قال الماوردي : بين بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير صارت ملقا وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقا والملق ذل والنفاق لؤم . (ع عن جابر) بن عبد الله (ت) في الزهد وقال : حسن غريب (طب) كلهم (عن ابن مسعود) قال الهيثمي : بعد ما عزاه لأبي يعلى فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف وقال عقب عزوه للطبراني : رجاله رجال الصحيح وقال العلائي : سند هذا أقوى من الأول انتهى . 2864 (ألا أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا : أخبرنا قال : (الذي يأتي بشهادته) أي يشهد عند الحاكم (قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلب منه المشهود له الأداء أو فسره مالك بمن عنده شهادة الإنسان لا يعلمها فيخبره أنه شاهد وحمله غيره على شهادة الحسبة فيما تقبل فيه فلا ينافي خبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد لأنه في غير ذلك (مالك حم م د) في القضاء (ت) في الشهادات (عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء صحابي مشهور ولم يخرجه البخاري . 2865 (ألا أخبركم بصلاة المنافق) قالوا : أخبرنا قال : (أن يؤخر) العصر أي صلاته (حتى إذا كانت الشمس) صفراء (كثرب البقرة) بمثلثة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة أي شحمها الرقيق الذي يغشى الكرش شبه به تفرق الشمس عند المغيب ومصيرها في موضع دون موضع (1) (صلاها) أي يؤخرها إلى ذلك الوقت تهاونا بها ويصليها فيه ليدفع عنه الاعتراض ومقصود الحديث أن ذلك من علامات النفاق وخصت لكونها الصلاة الوسطى عند الجمهور فمن تهاون بها تهاون بغيرها بالأولى . (تنبيه) قال العارف ابن عربي : اصفرار الشمس تغيير يطرأ على نور الشمس في عين الرائي من الجزء الأرضي الحائل بين العين وبين إدراك خالص النور والنور في نفسه لا يصفر ولا يتغير (قط ك) في الصلاة (عن رافع بن خديج) قال الحاكم : وأقره عليه الذهبي .
[ 137 ]
2866 (ألا أخبركم بأفضل) أي بدرجة هي أفضل (من درجة الصيام والصلاة والصدقة) أي المستمرات أو الكثيرات قالوا : أخبرنا به قال : (إصلاح ذات البين) أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم (فإن فساد ذات البين هي الحالقة) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات (حم د) في الأدب (ت) في الزهد (عن أبي الدرداء) وصححه الترمذي وقال ابن حجر : سنده صحيح وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وغيره . 2867 (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة) قالوا : أخبرنا قال : (النبي في الجنة) أي في أعلى درجاتها وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق (والشهيد) أي القتيل في معركة الكفار لإعلاء كلمة الله (في الجنة والصديق) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع (في الجنة والمولود) أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ (في الجنة والرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (يزور أخاه) في الإسلام (في ناحية المصر في الله) أي لا لأجل تأميل ولا مداهنة بل لوجه الله تعالى (في الجنة) ولكونه يحبه لا يحبه إلا لله وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه والمصر كل كورة يقسم فيها الفئ والصدقات . (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة) قالوا : بلى قال : (الودود) بفتح الواو أي المتحببة إلى زوجها (الولود) أي الكثيرة الولادة ويعرف في البكر بأقاربها (العوود) بفتح العين المهملة أي التي تعود على زوجها بالنفع (التي إذا ظلمت) بالبناء للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في قسم ونحو ذلك (قالت) مستعطفة له (هذه يدي في يدك) أي ذاتي في قبضتك (لا أذوق غمضا) بالضم أي لا أذوق نوما يقال أغمضت العين إغماضا وغمضتها تغمميضا أطبقت أجفانها (حتى ترضى) عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن فهي خليقة بكونها من أهل الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم (قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة) قال الطبراني ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي : فيه السري بن إسماعيل وهو متروك اه‍ وفيه
[ 138 ]
سعيد بن خيثم قال الذهبي : قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال الذهبي : قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي : متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال إسناده ضعيف بمرة . 2868 (ألا أخبركم بأفضل الملائكة) قالوا : أخبرنا قال : (جبريل) نص صريح بأفضليته على الكل لكن تردد المصنف بينه وبين إسرافيل وقال : لم أقف على نقل أيهما أفضل والآثار فيهما متعارضة اه‍ وكلامه صريح كما ترى في أنه لم يقف في ذلك على شئ وقد صرح بذلك الإمام الرازي وغيره قال المصنف في المطالب العالية : اعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم أما الأصناف فأعلاهم درجة حملة العرش ، المرتبة الثانية الحافون حول العرش ، الثالثة أكابر الملائكة منهم جبريل عليه السلام وصفاته في القرآن كثيرة وقدمه في الذكر على ميكائيل وذلك يدل أفضليته لأن جبريل صاحب الوحي والعلم وميكائيل صاحب الأرزاق والخيرات النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية ولأنه جعل جبريل ثاني نفسه فقال : * (وجبريل وصالح المؤمنين) * وسماه روح القدس ولأنه ينصر أولياءه ويقهر أعداءه ولأنه مدحه بصفات ست * (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) * ومن أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت ويجب أن يكون له شعب وأما إسرافيل عليه السلام فدلت الأخبار أنه صاحب الصور ، الرابعة ملائكة الجنة والنار ، الخامسة الموكلون ببني آدم السادسة الموكلون بأطراف العالم . إلى هنا كلامه . وذكر في تفسيره الكبير أن أشرف الملائكة جبريل وميكائيل عليهما السلام لتخصيصهما بالذكر في قوله * (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * وأن جبريل أفضل من ميكائيل واحتج عليه بما تقدم وظاهر كلام الزمخشري أن جبريل عليه السلام أفضل مطلقا (وأفضل النبيين آدم) عليه السلام ، قاله قبل علمه بأفضلية أولي العزم عليه كذا قيل ويحتاج لثبوت هذه القبلية (وأفضل الأيام يوم الجمعة) لما سبق له من الفضائل (وأفضل الشهور شهر رمضان) الذي أنزل فيه القرآن والذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار إلى غير ذلك من فضائله التي يضيق عنها نطاق الحصر (وأفضل الليالي ليلة القدر) التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم (وأفضل النساء مريم بنت عمران) الصديقة الكبرى ثم فاطمة فهي أفضل النساء بعدها قال العلقمي : هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين اه‍ . وإطلاقه ذلك غير مرضي بل ينبغي أن يقال إنها أفضل من حيث البضعة الشريفة والصديق أفضل بل وبقية الخلفاء الأربعة من حيث المعرفة وجموم العلوم ورفع منار الإسلام وبسط ماله من الأحكام على البسيطة كما
[ 139 ]
يدل على ذلك بل يصرح به كلام التفتازاني في المقاصد حيث قال بعد ما قرر أن أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم الأربعة ورتبهم على ترتيب الخلافة ما نصه وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة سيدة نساء العالمين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه نافع بن هرمز وأبو هرمز وهو ضعيف وقال في موضع آخر متروك . 2869 (ألا أدلك) بكسر الكاف بضبط المصنف خطابا لمؤنث وهي الشفاء لكن ما ذكرته في سبب الحديث لا يلائمه (على جهاد لا شوكة فيه) قال : بلى قال : (حج البيت) أي الكعبة يعني إتيانها للنسك فإنه جهاد للشياطين أو المراد أن ثواب الحج يعدل ثواب الغزو مع أن ذاك فيه مشقة وهذا لا مشقة فيه (طب عن الشفاء) جدة عثمان بن سليم أم أبيه قالت : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أريد الجهاد في سبيل الله فذكره قال الهيثمي : فيه الوليد بن أبي ثور وضعفه أبو زرعة وجمع ، وزكاه شريك . 2870 (ألا أدلك على كلمة من تحت العر ش من كنز الجنة) قال الطيبي : قوله من تحت العرش صفة كلمة ويجوز كون من ابتدائية أي ناشئة من تحت العرش وبيانية أي كائنة من تحت العرش ومستقرة فيه ومن الثانية بيانية وإذا قيل بأن الجنة تحت العرش والعرش سقفها جاز كون من كنز الجنة بدلا من تحت العرش قال : وليس ذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز بل من إدخال الشئ في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان : المتعارف وهو المال الكثير المحفوظ ، وغيره وهو هذه الكلمة الجامعة (تقول لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أجرها مدخر لقائلها كالكنز وثوابها معد له (فيقول الله أسلم عبدي واستسلم) أي فوض أمر الكائنات إلى الله وانقاد بنفسه لله مخلصا فإن لا حول دل على نفي التدبير للكائنات وإثباته لله والعرش منصة التدبير * (ثم استوى على العرش يدبر الأمر) * فقوله الله جزاء شرط محذوف أي إذا قال العبد هذه الكلمة يقول الله ذلك (تنبيه) قال العارف ابن عربي : رأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا الكنز آدم عليه السلام ورأيت تحته كنوزا كثيرة أعرفها اه‍ . (ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) وقال صحيح ولا أحفظ له علة وأقره الذهبي وقال ابن حجر : سنده قوي اه‍ . لكن قال الحافظ العراقي في أماليه : قد أعل بالاختلاف فيه على عمرو بن ميمون ولا مؤاخذة على الحاكم فيه فإنه نفى حفظه . 2871 (ألا أدلك) يا أبا هريرة (على غراس هو خير) لك (من هذا) الغراس الذي تغرسه وكان قد رآه يغرس فسيلا قال : بلى قال : (تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس
[ 140 ]
لك بكل كلمة منها) أي من هذه الكلمات الأربع (شجرة في الجنة) قد أفاد بهذا الحديث فضل هذه الكلمات وذكر الحميدي بعد التسبيح من قبيل الترقي فقد اتفقت الأخبار على أنه يملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وذلك لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وهذه الكلمات هي الباقيات الصالحات عند جمع جم (ه ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أغرس فذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 2872 (ألا أدلك) يا قيس بن سعد (على باب من أبواب الجنة) وفي رواية ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال : بلى قال : (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها لما تضمنت براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصولة إلى الجنة والباب ما يتوصل به إلى مقصود قال أبو البقاء : يحتمل أن موضع لا حول الجر بدلا من باب أو كنز والنصب بتقدير أعني والرفع بتقدير هو (حم ت ك) في الأدب (عن قيس بن سعد) بن عبادة الخزرجي صاحب شرطة النبي صلى الله عليه وسلم كان جوادا نبيلا سيدا من ذوي الرأي والدهاء والتقدم مات في آخر خلافة معاوية قال : دفعني أبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخدمه فمر بي وقد صليت فضربني برجله وقال : ألا أدلك فذكره قال الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 2873 (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا) من صحف الحفظة ونحوها كناية عن غفرانها (ويرفع به الدرجات) أي المنازل في الجنة أو المراد رفع درجته في الدنيا بالذكر الجميل وفي العقبى بالثواب الجزيل (إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله واستيعاب أعضاءه بالغسل (على المكاره) جمع مكرهة بمعنى الكره والمشقة يعني إتمامه بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة برد أو علة يتأذى معها بمس الماء أي من غير لحوق ضرر بالعلة وكإعوازه وتحمل مشقة طلبه أو ابتياعه بثمن غال ونحو ذلك ذكره الزمخشري (وكثرة الخطا) جمع خطوة بالضم وهي موضع القدمين وإذا فتحت تكون للمرة (إلى المساجد) وكثرتها أعم من كونها ببعد الدار أو كثرة التكرار . قال العارف ابن عربي وهذا رفع الدرجات فإنه سلوك في صعود ومشي . قال ابن سيد الناس : وفيه أن بعد الدار عن المسجد أفضل فقد صرح به في قوله لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريبا من المسجد : يا بني سلمة دياركم
[ 141 ]
تكتب آثاركم (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفردا في مسجد أو في بيته وقيل : أراد به الإعتكاف (فذلكم الرباط) أي المرابطة يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات فيكون جهادا أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع ، وأصله قول البيضاوي : المرابطة ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر ، إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء ، قال الطيبي : فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط المحلى بلام الجنس خبرا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى * (الم ذلك الكتاب) * إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال : (فذلكم الرباط فذلكم الرباط) كرره اهتماما به وتعظيما لشأنه وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل : أراد ثوابه كثواب الرباط . وقال العارف ابن عربي : الرباط الملازمة من ربطت الشئ وبالإنتظار ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة فلذلك أكده بقوله ثلاثا فانظر إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءا ومشيا وانتظارا وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاثا لثلاث هذا يدلك على شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم . قال في المطامح : وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي : أتاني ربي في أحسن صورة فوضع يده بين كتفي . الحديث . (مالك حم م ت ن عن أبي هريرة) ورواه عند الشافعي أيضا . 2874 (ألا أدلكم على أشدكم) قالوا : بلى قال : (أملككم لنفسه عند الغضب) لأن من لم يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار الشيطان في أسره وتحت أمره (طب في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا
[ 142 ]
فقال : ما يصنع هؤلاء قال : يريدون الشدة فذكره قال الهيثمي : فيه شعيب بن سنان وعمران القطان وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقوله يرفعون هكذا روي بالفاء قال العسكري : والصواب يربعون بموحدة تحتية . 2875 (ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (هم حملة القرآن) أي حفظته المداومون على تلاوته بتدبر (و) حملة (الأحاديث عني وعنهم) أي عن الأنبياء والصحابة (في الله وإليه) أي لا لغرض دنيا ولا لطمع في جاه ونحو ذلك فهؤلاء الفريقان هم خلفاء الدين وخلفاء اليقين على الحقيقة فأعظم بها من بشرى ما أسماها ومنقبة ما أعلاها (السجزي) يعني السجستاني نسبة إلى سجستان البلد المعروفة (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (خط في) في كتاب بيان (شرف أصحاب الحديث عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه عنه أيضا اللالكائي في السنة وأبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد . 2876 (ألا أرقيك) يا أبا هريرة (برقية) أي أعوذك بتعويذة يقال رقيته أرقيه رقيا وعوذته بالله والاسم الرقيا فعلى والمرة رقية والجمع رقى (رقاني بها جبريل) قال : بلى . قال : (تقول بسم الله أرقيك والله يشفيك) لفظه خبر والمراد به الدعاء (من كل داء) بالمد أي مرض (يأتيك من شر النفائات في العقد) النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ مع ريق قال في الكشاف : ولا تأثير لذلك أللسحر اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شئ ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به لكن الله قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الإمتحان ليميز الثبت المحق من غيره والمراد الاستعاذة من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن به أو أنه استعاذ من فتنتهن للناس لسحرهن وما يخدعهم به من باطلهن أو استعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن (ومن شر حاسد إذا حسد) أي إذا أظهر حسده وعمل بقضيته من بغي الغوائل الحسود لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر منه يعود على المحسود بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وقد يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره والحسد الأسف على الخير عند أهل الخير أو تمني زوال نعمة الغير وختم الشرور بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس وفي
[ 143 ]
الأرض من قابيل (ترقي بها ثلاث مرات) لفظ رواية الحاكم ثلاث مرارأي فإنها تنفع من كل داء إن صحبها إخلاص وصدق نية وقوة توكل . قال في المفهم فيه أن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يفعله كل أحد وقد تأكد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتتأكد المحافظة على ذلك ففيه أسرار يدفع الله به هذا الإضرار . (ه ك عن أبي هريرة) قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوذني فذكره ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن أبي هريرة هكذا . 2877 (ألا أعلمك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث بخط المصنف (كلمات) عبر بصيغة جمع القلة إيذانا بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها ونكرها تنويها بعظيم خطرها ورفعة محلها فتنوينها للتعظيم (تقوليهن (1) عند الكرب) بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيحزنه ويغمه (الله الله) برفعهما والتكرير للتأكيد (ربي لا أشرك به) أي بعبادته أي فيها (شيئا) من الخلق برياء أو طلب أجر لمن يسره أن يطلع على عمله فالمراد الشرك الخفي أو المراد لا أشرك بسؤاله أحدا غيره * (إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) * وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب (حم د ه عن أسماء) بفتح الهمزة والمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم وبالمهملة الخثعمية من المهاجرات تزوجها علي كرم الله وجهه بعد الصديق . (1) تقوليهن بحذف نون الرفع في جميع النسخ التي اطلعت عليها فإن كانت الرواية بحذفها فهو للتخفيف . 2878 (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير) بإسقاط الباء جبل طئ وأما بإثباتها فجبل باليمن والمراد هنا الأول ذكره ابن الأثير لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها صبير بالباء وضبطها بفتح الصاد (دينا) قال الطيبي : يحتمل كون دينا تمييزا عن اسم كان لما فيه من الإيهام وعليك خبره مقدما عليه وأن يكون دينا خير كان وعليك حال من المستتر في الخبر والعامل معنى الفعل المقدر ومن جوز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه (أداه الله عنك) إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال : بلى قال : (قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) من الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما
[ 144 ]
يسمع ويقع منه بموقع (حم ت ك) في الدعاء (عن علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 2879 (ألا أعلمك) أيها الرجل الذي شكا إلينا هموما وديونا لزمته (كلاما إذا قلته أذهب الله تعالى همك وقضى عنك دينك) قال : بلى قال : (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت) أي دخلت في الصباح أو المساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل) هما متقاربان عند الأكثر لكن الحزن عن أمر انقضى والهم فيما يتوقع والكسل عند انبعاث النفس ذكره بعضهم وقال القاضي الهم في المتوقع والحزن فيما وقع أو الهم حزن يذيب الجسم يقال همني الأمر بمعنى أذابني وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه فهو أبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة والعجز أصله التأخر عن الشئ من العجز وهو مؤخر الشئ وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشئ استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها والكسل التثاقل عن الشئ مع وجود القدرة والداعية إليه (وأعوذ بك من الجبن) أي ضعف القلب (والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين) أي استيلائه وكثرته (وقهر الرجال) غلبتهم وقال النوربشتي غلبة الدين أن يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله وقهر الرجال الغلبة لأن القهر يراد به السلطان ويراد به الغلبة وأريد به هنا الغلبة لما في غير هذه الرواية وغلبة الرجال كأنه أراد به هيجان النفس من شدة الشبق وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا المعنى سبق فهمي ولم أجد في تفسيره نقلا . وقال بعضهم : قهر الرجال جور السلطان وقال الطيبي من مستهل الدعاء إلى قوله والجبن يتعلق بإزالة الهم والآخر بقضاء الدين فعليه قوله قهر الرجال إما أن يكون إضافته إلى الفاعل أي قهر الدين إياه وغلبته عليه بالتقاضي وليس معه ما يقضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء دين من رجاله وأصحابه قال الرجل : ففعلت ذلك فأذهب الله همي وغمي وقضى ديني (د) في الصلاة (عن أبي سعيد) الخدري قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال : أراك جالسا هنا في غير وقت الصلاة فقال : هموم لزمتني وديون فذكره قال الصدر المناوي : فيه غسان بن عوف بصري ضعيف . 2880 (ألا أعلمك) يا علي (كلمات إذا قلتهن غفر الله لك) أي الصغائر (وإن كنت مغفورا لك) الكبائر قال : علمني . قال : (قل لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا
[ 145 ]
الله سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين) قال الحكيم : هذه جامعة وحده أولا ثم وصفه بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم ، حلم فوسعهم حلما وكرم فغمرهم بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال في تنزيله * (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) * ثم قال : * (ولقد عفى عنكم) * هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه بالتحميد . (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه ورواه الحاكم وقال : على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن حجر في فتاويه : أخرجه النسائي بمعناه وسنده صحيح وأصله في البخاري من طريق آخر اه‍ . (ورواه خط) في التاريخ (بلفظ إذا أنت قلتهن وعليك مثل عدد الذر) بذال معجمة ثم راء أي صغار النمل (خطايا غفر الله لك) وهكذا رواه أيضا الطبراني قال الهيثمي : وفيه حبيب ابن حبيب أخو حمزة الزيات وهو ضعيف اه‍ . 2881 (ألا أعلمك خصلات) إذا عملت بهن (ينفعك الله تعالى بهن) قال : علمني فقال : (عليك بالعلم) أي الزمه تعلما وتعليما والمراد العلم الشرعي ويلحق به آلته (فإن العلم خليل المؤمن) لأنه قد خله أي ضمه إلى الإيمان فإنه لما علم اهتدى فمال إلى من آمن به ليأتمر وينتهي بنهيه والخلة لغة الضم فكذا العلم لما ظهر في صدر المؤمن وجمعه حتى لا تنتشر جوارحه في شهواته وهواه سمي خليله (والحلم وزيره) لأن الحلم سعة الصدر وطيب النفس فإذا اتسع الصدر وانشرح بالنور أبصرت النفس رشدها من غيها وعواقب الخير والشر فطابت وإنما تطيب النفس بسعة الصدر وإنما تتسع ولوج النور الإلهي فإذا أشرق نور اليقين في صدره ذهبت الحيرة وزالت المخاوف واستراح القلب وهي صفة الحلم فهو وزير المؤمن يؤازره على أمر ربه على ما يقتضيه العلم فإذا نفد الحلم ضاقت النفس وانفرد بلا وزير (والعقل دليله) على مراشد الأمور يبصره عيوبها ويهديه لمحاسنها ويزجره عن مساويها (والعمل قيمه) يهئ له مساكن الأبرار في دار القرار ويدبر له في معاشه طيب الحياة * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم) * الآية . فالقيم شأنه أن يتوكل على الله حتى يكفيه مهماته (والرفق أبوه) فالأب له تربية ومع التربية عطف وحنو وتلطف بالولد فكذا الرفق يحوطه ويتلطف له في أموره ويعطف عليه في الراحة (واللين أخوه) فكما أن الأخ معتمد أخيه به
[ 146 ]
استراحته وإذا أعيا استند إليه فاستراح فكذا اللين راحة المؤمن يهدي نفسه ويطمئن قلبه ويستريح بدنه من الحدة والشدة والغضب وعذاب النفس (والصبر أمير جنوده) لأن الصبر ثبات القلب على عزمه فإذا ثبت الأمير ثبت الجند لحرب العدو وإذا أتت النفس بلذاتها فغلبت القلب حتى تستعمل الجوارح في المنهي فقد ذهب الصبر وهو ذهاب العزم فبقي القلب أسيرا للنفس فانهزم العقل والحلم والعلم والرفق واللين وجميع جنوده الذي أعطيها (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) . 2882 (ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا) أي كثيرا (يعلمهن إياه) بأن يلهمه إياها ويسخر له من يعلمه ذلك (ثم لا ينسيه) الله إياهن (أبدا) قال : علمني قال : (قل اللهم إني ضعيف) أي عاجز يقال ضعف عن الشئ عجز عن احتماله (فقو في رضاك ضعفي) أي اجبره به والضعف بفتح في الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلا ف القوة والصحة حسيا كان ذلك كضعف الجسد أو معنويا كضعف الرأي أو قلة الاحتمال وخذ إلى الخير بناصيتي) أي جرني إليه ودلني عليه (واجعل الإسلام منتهى رضاي) أي غايته وأقصاه (اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل) أي مستهان بي عند الناس (فأعزني وإني فقير فارزقني) أي ابسط لي في رزقي وفي رواية بدله فأغنني (طب عن ابن عمرو) بن العاص (ع ن عن بريدة) بن الحصيب قال الهيثمي : فيه أبو داود الأعمى وهو متروك وفي محل آخر واه ضعيف جدا انتهى وقال غيره كذاب . 2883 (ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وتنفع من علمته) إياهن قال : علمنيهن قال : (صل ليلة الجمعة) أي ليلة جمعة كانت (أربع ركعات) أمر بالصلاة قبل الدعاء لأن طالب الحاجة يحتاج إلى قرع من بيده الأمر كله وأفضل قرع بابه بالصلاة لما فيها من تعظيم الله وتمجيده والثناء عليه والخشوع والافتقار والخضوع وغير ذلك (تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب) أي بسورة الفاتحة بتمامها (ويس) أي وبعدها تقرأ
[ 147 ]
سورة يس بكمالها (وفي الثانية بفاتحة الكتاب) بتمامها (وحم الدخان) وبعدها تقرأ سورة حم الدخان بتمامها (وفي الثالثة بفاتحة الكتاب) بكمالها (وبالم السجدة) أي وتقرأ بعدها سورة السجدة (وفي الرابعة بفاتحة الكتاب) بتمامها (وتبارك المفصل) أي تقرأ بعدها سورة تبارك الذي هي من المفصل (فإذا فرغت من التشهد) في آخر الرابعة (فاحمد الله وأثن عليه) بما يستحقه من المحامد والثناء وظاهر هذا أن يأتي بذلك قبل السلام (وصل على النبيين) المراد بهم هنا ما يشمل المرسلين جميعا (واستغفر للمؤمنين) أي والمؤمنات كما في نظائره (ثم) بعد إتيانك بذلك (قل اللهم ارحمني بترك المعاصي) جمع معصية (أبدا ما أبقيتني) أي مدة دوام بقائك لي في الدنيا (وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني) من قول أو فعل فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع) بحذف حرف النداء وهو مراد (السماوات والأرض) أي مبتدعهما يعني مخترعهما على غير مثال سبق (ذا الجلال) أي العظمة (والإكرام والعزة التي لا ترام) أي لا يرومها مخلوق لتفردك بها (أسألك يا الله يا رحمن بجلالك) أي بعظمتك (ونور وجهك) الذي أشرقت له السماوات والأرض (أن تلزم قلبي حب كتابك) يعني القرآن (كما علمتني) إياه والظاهر أن المراد تعقل معانيه ومعرفة أسراره فإن قوله كما علمتني يشير إلى أنه يدعو بذلك وهو حافظ له قائل له بلسانه فإن المراد المعرفة العلمية القلبية (وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني) بأن توفقني إلى النطق به على الوجه الذي ترضاه في حسن الأداء (وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتطلق به لساني وتفرج به كربي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله ، وما أخطأ مؤمنا قط) (1) بنصب مؤمن بخط المصنف . (ت طب عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب) في إيراده لأنه غايته أنه ضعيف . (1) [ " وما أخطأ مؤمنا قط " : أي أن فائدة هذا الدعاء لم تفشل قط في إدراك المؤمن إذا دعا به . دار الحديث ] 2884 (ألا أنبئك بشر الناس) أي بمن هو شرهم قال : بلى قال : (من أكل وحده) بخلا وشحا أن
[ 148 ]
يأكل معه نحو ضيفه أو تكبرا أو تيها أن يأكل معه عياله وأولاده (ومنع رفده) بالكسر عطاءه وصلته (وسافر وحده) أي منفردا عن الرفقة (وضرب عبده) يعني قنه عبدا أو أمة (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان المتصف بهذه القبائح قال : أنبئني قال : (من) أي إنسان (يبغض الناس ويبغضونه) لدلالته على أن الملأ الأعلى يبغضه وأن الله يبغضه (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو في عداد الأشقياء (من يخشى) بالبناء للمجهول أي من يخاف الناس (شره ولا يرجى خيره) أي ولا يرجى الخير من جهته (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو من أهل النيران (من باع آخرته بدنيا غيره) إذ هو أخس الأخساء وأخسر الناس صفقة وأطولهم ندامة يوم القيامة (ألا أنبئك بشر من هذا من أكل الدنيا بالدين) كالعالم الذي جعل علمه مصيدة يصطاد بها الحكام ومرقاة لمصاحبة الحكام والزاهد الذي قصد بزهده ولبسه الصوف أن يعتقد ويتبرك به فيعطي ويعظم في النفوس فمن طلب الدنيا بالدين فما أعظم مصيبته وما أطول بغيه وأقطع خزيه وخسرانه فإن الدنيا التي يطلبها بالدين لا تسلم له والآخرة تسلب منه فمن طلبها بهما خسرهما جميعا ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعا . (تنبيه) من كلماتهم البليغة أرضى الناس بالخسار بائع الدين بالدينار (ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل ، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس وضعفه المنذري . 2885 (ألا أنبئكم بخياركم) أي بالذين هم من خياركم أيها المؤمنون قالوا : بلى قال : (الذين إذا رؤوا ذكر الله) أي بسمتهم وهيئتهم لكون الواحد منهم حزينا منكسرا مطرقا صامتا تظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه لا ينظر إليه ناظر إلا كان نظره مذكرا بالله وكانت صورته دليلا على علمه فأولئك يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقال العارف ابن عربي : من تحقق بعبوديته وتستر بعبادته بحيث إذا رؤي في غاية الضعف ذكر الله عند رؤيته فذلك عندنا هو الولي فهؤلاء هم الذين إذا رؤوا ذكر الله من صبرهم على البلاء ومحنة الله لهم الظاهرة فلا يرفعون رؤوسهم لغير الله في أحوالهم فإذا رؤي منهم مثل هذه الصفة ذكر الله بكونه اختصهم لنفسه قال : ومن لا علم له بما قلنا يقول الولي صاحب الحال هو الذي له التكوين والفعل بالهمة والتحكم في العالم والقهر والسلطان وهذه كلها أوصاف فإذا رؤوا ذكر الله وهذا قول من لا يعلم ومقصود الشارع ما ذكرناه (حم ه) وكذا أبو نعيم (عن أسماء بنت يزيد) من الزيادة ابن السكن الأنصارية صحابية جليلة صاحبة
[ 149 ]
حديث قال الهيثمي : فيه شهر بن حوشب وثقه غير واحد وضعف وبقية رجال أحد إسناديه رجال الصحيح . 2886 (ألا) قال القاضي : حرف تنبيه يؤكد بها الجملة المصدرة بها (أنبئكم بخير أعمالكم) أي أفضلها (وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب) قال الطيبي : مجرور عطف على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم (والورق) بكسر الراء الفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) يعني الكفار (فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلونكم بسيف أو غيره (ذكر الله) لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى الله تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا الله وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره * (قل إنما يوحى إلي أنما الهكم إله واحد) * أي الوحي مقصور على استئثار الله بالوحدانية لأن القصد الأعظم من الوحي التوحيد * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) * ولأمر ما تجد العارفين يؤثرونها على جميع الأذكار لما فيها من الخواص التي لا طريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق قالوا : وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد ، أو الغنى الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له الصدقة ، والقادر على الحج قيل له الحج ، أو من له أصلان قيل له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار وقال ابن حجر : المراد بالذكر هنا الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله شئ وأفضل الجهاد وغيره إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد وهذا الحديث يقتضي أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن وقضية الحديث المار وهو قوله أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن يقتضي عكسه فوقع التعارض بينهما وجمع الغزالي بأن القرآن أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى الله في جميع أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد مفتقرا إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى له فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى به فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب إلى الله لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هما واحدا وذكره ذكرا واحدا ليدرك درجة الفناء والاستغراق ولذلك قال تعالى : * (ولذكر الله أكبر) * . (تنبيه) أخذ ابن الحاج من ذلك ترك طلب الدنيا أعظم عند الله من أخذها
[ 150 ]
والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شئ أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال : أحبهما إلي الذي جانب الدنيا . (تنبيه آخر) قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا : فالطريق في ذلك أولا أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شئ سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ورد عليهم النظار وذوي الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة (ت) في الدعوات (ه) في ثواب التسبيح (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) عويمر قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي ورواه أحمد أيضا قال الهيثمي : وسنده حسن . 2887 (ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا) أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال الآخرة (جائعة عارية) بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار عن حالها (يوم القيامة) أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف الأعظم (ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة) من طعام دار الرضى (ناعمة يوم القيامة) بطاعتها مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى : * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * (ألا يا رب مكرم لنفسه) بمتابعة هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها (وهو لها مهين) فإن ذلك يبعده عن الله ويوجب حرمانه من منال حظ المتقين في الآخرة (ألا يا رب مهين لنفسه) بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة (وهو لها مكرم) يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية ولله در القائل وهو أبو إسحاق الشيرازي :
[ 151 ]
صبرت على بعض الأذى خوف كله * ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت وجرعتها المكروه حتى تجرعت * ولو جملة جرعتها لاشمأزت فيا رب عز ساق للنفس ذلة * ويا رب نفس بالتذلل عزت وما العز إلا خيفة الله وحده * ومن خاف منه خافه ما أقلت (ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله عند الله من خلاق) أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهما شرعيا كل يوم وقد فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد العزيز (ألا وإن عمل الجنة) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (حزن) ضد السهل (بربوة) بضم الراء وتفتح مكان مرتفع سمي ربوة لأنها ربت فعلت (ألا وإن عمل النار) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (سهل بسهوة) بسين مهملة أرض لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا خطر في قهر النفس وترك شهواتها (ألا يا رب شهوة ساعة) واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرم يفضي به إلى مواقعة كبيرة أو كلمة باطلة يمنع بها حقا أو يحق بها باطلا كأن يقتطع بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه (أورثت حزنا طويلا) في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من جوامع الكلم (ابن سعد) في الطبقات (هب عن أبي البجير) بالجيم صحابي قال الذهبي : له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضا وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه . 2888 (إيا ك) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره هنا باعد واتق (وكل أمر يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه . قال ذا النون : ثلاثة من أعلام الكمال وزن الكلام قبل التفوه به ، ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار ، وترك إجابة السفيه حلما عنه ، وأخرج أحمد في الزهد عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه : إياك وما يعتذر منه من القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من خير وخرج ابن عساكر عن ميمون بن
[ 152 ]
مهران قال لي عمر بن عبد العزيز : احفظ عني أربعا : لا تصحب سلطانا وإن أمرته بمعروف ونهيته عن منكر ، ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن ، ولا تصلن من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلمن بكلام تعتذر منه غدا . وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم : دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فلست بموسع عذرا كل من أسمعته نكرا ، وهذا الحديث عده العسكري من الأمثال وقد قال جمع : بهاتين الكلمتين جميع آداب الدنيا والدين وفيه جمع لما ذكره بعض سلفنا الصوفية أنه لا ينبغي دخول مواضع التهم ومن ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر من خوفه من وجود الألم فإن دخولها يوجب سقم القلب كما يوجب الأغذية الفاسدة سقم البدن فإياك والدخول على الظلمة وقد رأى العارف أبو هاشم عالما خارجا من بيت القاضي فقال له : نعوذ بالله من علم لا ينفع (الضياء) المقدسي (عن أنس) قال : قال رجل : يا رسول الله أوصني وأوجز فذكره ورواه عنه أيضا الديلمي في مسند الفردوس وسنده حسن قال : وأخرج البخاري في تاريخه وأحمد في الإيمان والطبراني في الكبير بسند جيد عن سعد بن عبادة الأنصاري وله صحبة موقوفا انظر إلى ما يعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر بلفظ إياك وما يعتذر منه . 2889 (إياك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (وما يسوء الأذن) قال ذلك ثلاثا والمراد احذري النطق بكلام يسوء غيرك إذا سمع عنك ذلك فإنه موجب للتنافر والتقاطع والعداوة وربما أوقع في الشرور والمراد بالأذن قوة منبثة في العصب المفروش في قعر الصماخ ، فيه تحذير من الغيبة لوخامة عاقبتها (حم م عن ابن أبي الغادية) بغين معجمة في خط المصنف قال : خرجت أنا وحبيب بن الحرث وأم العلاء مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا فقالت المرأة : أوصني فذكره (أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن العاص بن عمرو الطفاوي عن حبيب (بن الحارث) قلت : يا رسول الله أوصني فذكره قال في الإصابة : العاص مجهول (طب عن عمة العاص بن عمرو الطفاوي) بضم الطاء وفتح الفاء وبعد الألف واو نسبة إلى طفاوة بطن من قيس عيلان قال : حدثتني عمتي قالت : دخلت مع ناس على النبي صلى الله عليه وسلم قلت : حدثني حديثا ينفعني الله به فذكره قال الهيثمي : فيه العاص بن عمرو الطفاوي وهو مستورروى عنه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وتمام بن السريع وبقية رجال المسند رجال الصحيح اه‍ وقال السخاوي : هذا مرسل فالعاص لا صحبة له وقال شيخي يعني ابن حجرمجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات اه‍ ولذلك لم يذكره الذهبي في الصحابة . 2890 (إياك وقرين السوء) بالفتح مصدر (فإنك به تعرف) أي تشتهر بما اشتهر من السوء
[ 153 ]
قال تعالى : * (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) * ومن ثم قالوا : الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب . وقال علي كرم الله وجهه : الصاحب مناسب ، ما شئ أدل على شئ ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب . وقال بعض الحكماء : اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال آخر : يظن بالمرء لا يظن بقرينه قال عدي : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي فمقصود الحديث التحرز من أخلاء السوء وتجانب صحبة الريب ليكون موفور العرض سليم العيب فلا يلام بلائمة غيره (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) . 2891 (إياك والسمر بعد هدأة) بفتح وسكون (الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم وفي رواية الليل بدل الرجل ذكره المصنف على حاشية نسخته (1) (فإنكم لا تدرون ما يأتي الله تعالى في خلقه) (ك) في الأدب (عن جابر) وقال : على شرط مسلم وأقره الذهبي . (1) ومراده النهي عن التحدث بعد سكون الناس وأخذهم مضاجعهم ثم علل ذلك بقوله : فإنكم . 2892 (إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزا لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال العارف الجنيد : دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته فقال : جاءته البارحة الصبية فقالت : يا أبت هذا الكوز أعلقه لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء فقلت : لمن أنت قالت : لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز (حم هب عن معاذ) قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والبيهقي : رواة أحمد ثقات . 2893 (إياك والحلوب) أي احذر ذبح شاة ذات لبن فعولة بمعنى مفعولة يقال : ناقة حلوب أي هي مما يحلب قاله لأبي التيهان الأنصاري لما أضافه فأخذ الشفرة وذهب ليذبح له وفيه قصة طويلة
[ 154 ]
مشهورة في الأطعمة (1) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وخرجه الترمذي في الشمائل مطولا . (1) وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعا فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال : قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا : الجوع يا رسول الله فقال : وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلا : من أكرم مني اليوم أضيافا . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك فذكره وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا : الجوع يا رسول الله قال : وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلا من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورط ب فقال : كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا حتى شبعوا ورووا . 2894 (إياك والخمر) أي احذر شربها (فإن خطيئتها تفرع) بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين مهملة (الخطايا) أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها (كما أن شجرتها) يعني الكرمة (تفرع الشجر) أي تطول سائر الشجر التي تتعلبها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أم الخبائث (ه عن خباب) بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس . 2895 (إياك ونار المؤمن لا تحرقك) أي احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقا وحريق كل نار على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات (فإنه وإن عثر كل يوم سبع مرات) أراد التكثير لا التحديد وإن تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم (فإن يمينه) أي يده اليمنى (بيد الله) بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته (إذا شاء أن ينعشه) أي ينهضه ويقوي جانبه (أنعشه) أي إذا شاء أن يقيله من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك العثرة ليجدد عليه أمرا ويرفع له شأنا
[ 155 ]
وقدرا إن أحدكم ليدخل الجنة بالذنب يصيبه وليست تلك عثرة رفض بل عثرة تدبير فعثرات الأولياء تتجدد لهم بها كرامات ويبرز لهم ما كان غيبا عنهم من المحبة والعطف فينعشهم بذلك (الحكيم) الترمذي (عن الغار بن ربيعة) لم أر في الصحابة فيما وقفت عليه من اسمه كذلك فلينظر . 2896 (إياكم) بالنصب على التحذير (والطعام الحار) أي تجنبوا أكله حتى يبرد (فإنه) أي أكله حارا (يذهب بالبركة (1) إذ الآكل منه يأكل وهو مشغول بأذية حره فلا يدري ما أكل (وعليكم بالبارد) أي الزموا الأكل منه (فإنه أهنأ) للأكل (وأعظم بركة) من الحار ، فإن قلت : أول الحديث ناطق بأنه لا بركة فيه وختامه يشير إلى أن في كليهما بركة لكنها في البارد أعظم فهو كالمتدافع قلت : يمكن حمل قوله أولا يذهب بالبركة على أن المراد بمعظمها لا كلها فلا تدافع (عبدان في) كتاب معرفة (الصحابة عن بولا) بموحدة غير منسوب قال ابن حجر : الحديث إسناده مجهول كذا أورده أبو موسى بالموحدة لكن ذكره عبد الغني في المؤتلف بمثناة فوقية وهو الصواب وذكره ابن قانع بالموحدة فصحفه وأخطأ في إسناده اه‍ ملخصا . (1) قوله : يذهب بالبركة الباء للتعدية أي يذهب بمعظمها . 2897 (إياكم والحمرة) أي اجتنبوا التزين باللباس الأحمر القاني (فإنها أحب الزينة إلى الشيطان) بمعنى أنه يحب هذا اللون ويرضاه ويعطف على من تزين به ويقرب منه وهذا تمسك به من حرم لبس الأحمر القاني كالحنفية (طب عن عمران بن حصين) قال الديلمي : وفي الباب عبد الرحمن بن يزيد اه‍ قال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي لم أعرفه وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة وبقية رجالهما ثقات . 2898 (إياكم وأبواب السلطان) أي اجتنبوها ولا تقربوا بابا منها (فإنه) يعني باب السلطان الذي هو واحد الأبواب (قد أصبح صعبا) أي شديدا (هبوطا) أي منزلا لدرجة من لازمه مذلا له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ هبوطا بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطا بحاء مهملة أي يحبط العمل والمنزلة عند الله تعالى . قال الديلمي : وروي
[ 156 ]
خبوطا بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض اه‍ وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلها ك ويهلك (طب عن رجل من بني سليم) يعني به الأعور السلمي . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ورواه أيضا باللفظ المزبور عن أبي الأعور المذكور أبو نعيم والديلمي والبيهقي في الشعب . 2899 (إياكم ومشارة الناس) في رواية مشارة بفك الإدغام مفاعلة من الشر أي لا تفعل بهم شرا تحوجهم إلى أن يفعلوا بك مثله (فإنها تدفن الغرة) بغين معجمة مضمومة وراء مشددة الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس وكل شئ ترتفع قيمته فهو غرة (وتظهر العرة) بعين مهملة مضمومة وراء مشددة وهي القذر استعير للعيب والدنس ورأيت بخط الحافظ ابن حجر في اللسان العورة بدل العرة قال رجل للأعمش : كنت مع رجل فوقع فيك فههمت به فقال : لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئا وقيل لبعضهم فلان يبغضك قال : ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال مالك لمطرف : ما تقول في الناس قال : الصديق يثني والعدو يقع قال : وما زال الناس هكذا عدو وصديق لكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها (هب عن أبي هريرة) ظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه تفرد به الوليد بن سلمة الأردني وله من مثال هذا أفراد لم يتابع عليها اه‍ والوليد هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال : تركه الدارقطني ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني محمد بن الحسن بن هديم لم أعرفه . 2900 (إياكم والجلوس) أي احذروا ندبا القعود (على) في رواية في (الطرقات) يعني الشوارع المسلوكة وفي رواية الصعدات بضمتين وهي كالطرقات وزنا ومعنى وذلك لأن الجالس بها قلما سلم من رؤية ما يكره أو سماع ما لا يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغير ذلك مما قد يضعف القاعد عليها عن إزالته فقالوا : ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال : (فإن) وفي رواية فإذا (أبيتم) من الإباء (إلا) بالتشديد (المجالس) بفتح الميم مصدر ميمي أي إن امتنعتم إلا عن الجلوس في الطريق كأن دعت حاجة فعبر عن الجلوس بالمجالس وفي رواية فإن أتيتم إلى المجالس بالمثناة وبإلى التي للغاية
[ 157 ]
(فأعطوا) بهمزة قطع (الطريق حقها) أي وفوها حقوقها الموظفة على الجالس فيها قالوا : يا رسول الله وما حق الطريق قال : (غض) وفي رواية لأحمد غضوض قال أبو البقاء : جمع غض وجاز أن يجمع المصدر هنا لتعدد فاعليه ولاختلافه قال : ويجوز أن يكون واحدا كالقعود والجلوس (البصر) أي كفه عن النظر إلى المحرم (وكف الأذى) أي الامتناع مما يؤذي المارة من نحو إزراء وغيبة (ورد السلام) على المسلم من المارة إكراما له (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإن ظن أن ذلك لا يفيد أي ونحو ذلك كإغاثة ملهوف وتشميت عاطس وإفشاء سلام وغير ذلك من كل ما ندبه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات وزاد أبو داود وإرشاد السبيل والطبراني وإغاثة الملهوف ، والنهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق واحتج به من قال إن سد الذرائع أولوي لا لزومي لأنه أولا نهى عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا لا بد لنا منه فسح لهم فيه بشرط أن يعطوا الطريق حقها (حم د ق عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي : وفي الباب أبو هريرة وغيره . 2901 (إياكم والظن) أي احذروا اتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي : وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته فملم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذب فإنه أفسق الفساق انتهى وقال العارف زروق : إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل : إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عدوه * وأصبح في ليل من الشك مظلم (فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر السامع حث على الاجتناب (أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان واستشكل تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقته الواقع قولا أو غيره أو ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا . قال الغزالي : من مكائد الشيطان سوء الظن بالمسلمين * (إن بعض الظن إثم) * ومن حكم بشئ على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو ينظر إليه بعين الإحتقار ويرى نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات ولذلك منع الشرع من التعرض للتهم . (تنبيه) قال الراغب : الظن إصابة بضرب من
[ 158 ]
الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقر ب تارة من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة مبهما والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن تخمين لم يعتمد وذم به * (إن بعض الظن إثم) * اه‍ (ولا تجسسوا) بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي : التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري : التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله أو امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشئ بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشئ خفية وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني أعم (ولا تنافسوا) بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في الشئ والانفراد به ومنه * (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) * وروي تناجشوا من النجش . قال القاضي : التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة (ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة : المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره . قال في العارضة التدابر أن يولي كل منها صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم : والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوا صرتم أعداء (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه) بكسر الخاء بأن يخطب امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقا (حتى ينكح أو يترك) أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما إذا كان الخاطب مسلما فإن كان كافرا لم تحرم لكن الجمهور على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقا لكن له شروط مبينة في الفروع . (تنبيه) أخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال : ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيما في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم (مالك) في الموطأ (حم ق) في الأدب (د ت عن أبي هريرة) .
[ 159 ]
2902 (إياكم والتعريس) أي النزول آخر الليل لنحو نوم (على جواد الطريق) بتشديد الدال جمع جادة أي معظم الطريق والمراد نفسها (والصلاة عليها) أي الطريق يعني فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن) أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم الجالبة لذلك والمصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي . (ه عن جابر) بن عبد الله سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه : هذا الحديث معلل بأمرين : الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به ، والثاني أن فيه انقطاعا لكن رواه البزار مختصرا بسند على شرط مسلم اه‍ . وقال الولي العراقي : فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح . 2903 (إياكم والوصال) أي اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها . قال في المطامح : أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما قالوا : فإنك تواصل قال : (إنكم لستم في ذلك مثلي) أي على صفتي أو منزلتي من ربي (إني أبيت) في رواية أظل والبيتوتة والظلول يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند ربي دائما أبدا وهي عندية تشريف (يطعمني ربي ويسقيني) حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازا عما يغذيه الله به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهرا لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفوا صفوا فقلما تراه مجموعا في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب (فاكلفوا) بسكون فضم احملوا (من العمل ما تطيقون) بين به وجه حكمة النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله
[ 160 ]
والخضوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة وشدة الجوع تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور على أن الوصال للنبي مباح وقال الإمام : قربة وفي المطلب أن خصوصيته به على كل أمته لا على كل فرد فرد فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال وقال في المطامح : أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما (ق عن أبي هريرة) . 2904 (إياكم) نصب على التحذير (وكثرة الحلف في البيع) أي توقوا إكثاره فهو للزجر والتحذير على حد إياك والأسد أي باعد نفسك عنه واحذره وتقييده بالكثرة يؤذن بأن المراد النهي عن إكثار الأيمان ولو صادقة لأن الكثرة مظنة الوقوع في المكذب كالواقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه مع ما فيه من ذكر الله لا على جهة تعظيمه بل تعظيم السلعة فالحلف لها لا له أما الكاذبة فحرام وإن قلت (فإنه) تعليل لما قبله (ينفق) أي يروج البيع (ثم يمحق) بفتح حرف المضارعة أي يذهب بركته بوجه ما من تلف أو صرف فيما لا ينفع . قال الطيبي : ثم للتراخي في الزمن يعني وإن أنفق اليمين المبيع حالا فإنه يذهب بالبركة مآلا ويحتمل كونها للتراخي في الرتبة أي إن محقه لبركته أبلغ حينئذ من الإنفاق والمراد من محق البركة عدم النفع به دنيا أو دينا حالا أو مآلا أو أعم (حم م ن ه) كلهم في البيع (عن أبي قتادة) الأنصاري ولم يخرجه بهذا اللفظ البخاري . 2905 (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول (على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منن الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهبا من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده (حم ق ت عن عقبة بن عامر) وتمام الحديث قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو قال : الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل
[ 161 ]
من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه . 2906 (إياكم والشح) الذي هو قلة الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل بالمعاصي كما سبق (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالشح) كيف وهو من سوء الظن بالله (أمرهم بالبخل فبخلوا) بكسر الخاء (وأمرهم بالقطيعة) للرحم (فقطعوها) ومن قطعها قطع الله عنه رحمته وإفضاله (وأمرهم بالفجور) أي الميل عن القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي (ففجروا) أي أمرهم بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان * (أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا) * ومن ثم ورد لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الماوردي : وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذما : الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومين والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول (د ك) في الزكاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 2907 (إياكم والفتن) أي احذروا وقعها والقرب منها (فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) فإنه يؤدي إلى وقع السيف بآخرة . (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي ضعفوه . 2908 (إياكم والحسد) وهو كما قال الحرالي : قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له ومن ثم قال : (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي
[ 162 ]
بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات . (تنبيه) قال الغزالي : الحاسد جمع لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة فقصد محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل : وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب نشر العود (د) في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده (عن أبي هريرة) وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال : لا يصح . 2909 (إياكم والغلو في الدين) أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها وغوامض متعبداتها (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالغلو في الدين) والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية : قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشئ أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن بقوله تعالى : * (لا تغلوا في دينكم) * وسبب هذا الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك (حم ن ه ك عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن منيع والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية : هذا إسناد صحيح على شرط مسلم . 2910 (إياكم والنعي) بفتح فسكون وهو خبر الموت (فإن النعي من عمل الجاهلية) كانوا إذا مات منهم ذو قدر ركب منهم إنسانا فرسا ويقول نعاه أي كنزال فلانا أي انعه وأظهر خبر موته فهذا إذا وقع على وجه النوح يكون حراما وأما الإعلام بموته من غير نوح فلا بأس به (ت عن ابن مسعود) قال عبد الحق : روي مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه ابن القطان بما محصوله أنه ضعيف كيفما كان لكن رواية الرفع ضعف وممن بين ضعفه مطلقا الترمذي نفسه نعم روى الترمذي بسند صحيح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي .
[ 163 ]
2911 (إياكم والتعري) أي التجرد عن اللباس وكشف العورة حرام إن كان ثم من يحرك نظره إليه وأما إن كان في خلوة فإن كان لغرض جاز وإن كان لغير غرض حرم كشف السوءتين فقط (فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله) أي يجامع حليلته يريد الكرام الكاتبين (فاستحيوهم) أي استحيوا منهم (وأكرموهم) بالتستر بحضرتهم وعدم هتك حرمتهم (ت) في الاستئذان (عن ابن عمر) ابن الخطاب ، وقال حسن غريب قال ابن القطان : ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه ليث بن أبي سليم والترمذي نفسه دائما يضعفه ويضعف به . 2912 (إياكم وسوء ذات البين) أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد والبين من الأضداد الوصل والفراق (فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب أو المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي قتل مأخوذ من حلق الشعر وقال الزمخشري : الحالقة قطيعة الرحم والتظالم لأنها تجتاح الناس وتهلكهم كما يحلق الشعر يقال : وقعت فيهم حالقة لم تدع شيئا إلا أهلكته اه‍ (ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال : صحيح غريب انتهى وفيه عبد الله بن جعفر المخزومي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ثقة وقال ابن حبان : يستحق الترك . 2913 (إياكم والهوى فإن الهوى يصم ويعمي) قال الحرالي : الهوى نزوع النفس إلى سفل شهواتها مقابلة معتلي الروح لمنبعث الإنبساط لأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار وكان العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علوا وسفلا قاله الحرالي وقال القاضي : الهوى ميل النفس إلى ما تشتهيه والمراد هنا الاسترسال في الشهوات ومطاوعة النفس في كل ما تريد وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى الداهية وفي الآخرة إلى الهاوية قال العارف الجنيد : أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق فقال : إلي الساعة قلت : من غير موعد قال : بلى سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك . قلت : قد فعل قال : متى يصير داء النفس دواءها قلت : إذا خالف هواها قال : يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف اه‍ وقال الماوردي : الهوى عن الخير صادوللعقل مضاد ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهتوكا ومدخل الشر مسلوكا (السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عباس)
[ 164 ]
2914 (إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا) إما شك من الراوي وإما لأن الحق غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب (ومن تقول) بشد الواو (علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له نزلا أي بيتا فيها ومن ثم كان أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم الله وجهه : لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم أسمعه (حم ه ك عن أبي قتادة) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه . 2915 (إياكم ودعوة المظلوم) أي احذروا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كانت من كافر فإنه) أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة (ليس لها حجاب دون الله عز وجل) يعني أنها مستجابة قطعا وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي : الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا لضعيف لا يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا (سمويه عن أنس) وله شواهد كثيرة سبقت ويجئ كثير منها . 2916 (إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسبا ب مؤدية إلى تحري كبارها قال الغزالي : صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اه‍ . وإن الله يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلا زيادة في التوضيح فقال : (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي : تصير الصغيرة
[ 165 ]
كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله وكلما استصغره عظم عند الله لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم : إذا استخف بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل شئ بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان إلى كل شئ في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على قدره فيصير قلبه محجوبا عن الله فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك حتى يستوجب الحرمان (حم طب هب والضياء) المقدسي كلهم (عن سهل ابن سعد) قال الهيثمي : كالمنذري رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة . 2917 (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة) ذكر الأرض أو الفلاة مقحم (فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجئ بالعود والرجل يجئ بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما فيها) قال الغزالي : وتواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر قال العلائي : أخذ من كلام حجة الإسلام أن مقصود الحديث الحث على عدم التهاون بالصغائر ومحاسبة النفس عليها وعدم الغفلة عنها فإن في إهمالها هلاك بل ربما تغلب الغفلة على الإنسان فيفرح بالصغيرة ويتحجج بها ويعد التمكن منها نعمة غافلا عن كونها وإن صغرت سبب للشقاوة حتى أن من المذنبين من يتمدح بذنبه لشدة فرحه بمفارقته فيقول أما رأيتني كيف مزقت عرضه ويقول المناظر : أما رأيتني كيف فضحته وذكرت مساوئه حتى أخجلته وكيف استخففت به وحقرته ويقول التاجر : أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته وغبنته وذلك وأمثاله من المهلكات (حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عمران القطان وقد وثق اه‍ وقال الحافظ العراقي إسناده جيد وقال العلائي : حديث جيد على شرط الشيخين وقال ابن حجر سنده حسن .
[ 166 ]
2918 (إياكم ومحادثة النساء) أي الأجانب (فإنه) أي الشأن (لا يخلو رجل بامرأة) أجنبية بحيث تحتجب أشخاصهما عن أبصار الناس والحال أنه (ليس لها محرم) أي حاضر معهما (إلا هم بها) أي بجماعها أو بتعاطي مقدماته فيحرم ذلك تحرزا من مظان الفتنة ومواقع الشبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال الغزالي : قال إبليس لموسى عليه السلام : أريد أن أتوب اشفع لي إلى ربك فأوحى إليه مره أن يسجد لقبر آدم عليه السلام ليتاب عليه فاستكبر وقال : لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال إبليس : يا موسى لك علي حق بما شفعت لي فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن حين تغضب فإن وجهي في قلبك وعيني في عينك وحين الزحف فإني أذكر للمجاهد ولده وزوجته حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست ذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها (الحكيم) الترمذي (في كتاب أسرار الحج عن سعد بن مسعود) في الصحابة متعدد سعد بن مسعود الأنصاري وسعد بن مسعود الثقفي وسعد بن مسعود الكندي فكان ينبغي تمييزه . 2919 (إياكم والغيبة) التي هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة أو بالقلب كما في الإحياء (فإن الغيبة أشد من الزنا) أي من إثمه (إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه) وهيهات أن يغفر له فقد اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلا : ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها فكيف أمحوها قال الغزالي : والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقا فهو يرمي به حسناته شرقا وغربا ويمينا وشمالا وقد قيل للحسن : اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال : أهديت إلي بعض حسناتك فأحببت مكافأتك وقال ابن المبارك : لو كنت مغتابا لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي قال الغزالي : العجب ممن يطلق لسانه طول النهار في الأعراض ولا يستنكر ذلك مع قوله هنا أشد من الزنا فيجب على من لم يمكنه كف لسانه في المحاورات العزلة فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكون مع المخالطة اه‍ وقد نقل القرطبي الإجماع على أنها كبيرة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة) وفي الصمت (وأبو الشيخ [ ابن حبان ]) الأصبهاني في التوبيخ وابن حبان في الضعفاء وابن مردويه في التفسير كلهم (عن جابر) بن عبد الله (وأبي سعيد) الخدري ورواه الطبراني عن جابر بلفظ الغيبة أشد من الزنا والباقي سواء قال الهيثمي : وفيه عباد بن كثير متروك .
[ 167 ]
2920 (إياكم والتمادح) وفي رواية والمدح (فإنه الذبح) لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى وفي رواية فإنه من الذبح وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح فلذلك شبه به قال الغزالي رحمه الله : فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم وطلبه للشكر ظلم ، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير وأما ما مدح به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أرشد إلى ما يجوز من ذلك بقوله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى اه‍ . ويستثنى منه أيضا ما جاء عن المعصوم كالألفاظ التي وصف بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كقوله نعم العبد عبد الله (ه عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والحارث والديلمي . 2921 (إياكم) وفي رواية إياكن وهو ظاهر لأنه وقع خطابا لنساء عثمان بن مظعون لما مات كما في النهاية وغيرها (ونعيق الشيطان) يعني الصياح والنوح وأضيف للشيطان لأنه الحامل عليه (فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان) أي هو الآمر والموسوس به وهو مما يحبه ويرضاه ولفظ رواية مسند أحمد إياكن ونعيق الشيطان وهو من عنقه إذا أخذ بعنقه وعصر في حلقه ليصيح فجعل صياح النساء عند المصيبة مسببا عن الشيطان لحمله لهن عليه (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) وفيه علي بن زيد بن جدعان وقد سبق بيان حاله ورواه عن أنس أيضا أحمد وابن منيع والديلمي . 2922 (إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين) أي المدفون في البدن فالقعود فيها منهي عنه إرشادا لضرره وقد صرح بذلك جمع من الأطباء وقال الحارث بن كلدة : إياكم والقعود في الشمس فإن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوما ثم أنتم وهي سائر السنة (ك) في الطب من حديث محمد ابن زياد الطحان عن ميمون بن مهران (عن ابن عباس) وتعقب الذهبي على الحاكم بأنه من وضع الطحان انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه .
[ 168 ]
2923 (إياكم والخذف) بخاء وذال معجمتين أن تأخذ حصاة أو نواة بين سبابتيك وترمي بها (فإنها) أي هذه الفعلة (تكسر السن وتفقأ العين ولا تنكي العدو) نكاية يعتد بها (طب عن عبد الله بن مغفل) قال الهيثمي : فيه الحسن بن دينار وهو ضعيف لكن معناه في الصحيح ورواه عنه أيضا الدارقطني وزاد بيان السبب وهو أنه رأى رجلا يخذف فنهاه ثم ذكره . 2924 (إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال يذهب البهاء عن الوجه ويقطع الرزق) يعني يقلله ويقطع كثرة بركته (ويسخط الرحمن) أي يغضبه (والخلود) أي وفيه الخلود (في النار) أي نار جهنم أي إن استحله وهو زجر وتهويل وليس على ظاهره ويكفي في قبحه أنه مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأفضحها وأشنعها وأمر أن يشهد المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن بعض البهائم يستقبحه ففي البخاري عن عمرو بن ميمون : رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة فاجتمع عليهما القردة فرجموهما حتى ماتا (طس عد) عن إسحاق بن أحمد بن جعفر عن محمد بن إسحاق البكائي عن الحكم بن سليمان عن عمرو بن جميع عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عمرو بن جميع وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع من حديث ابن عدي هذا وقال : فيه عمرو بن جميع كذاب انتهى فتعقبه المؤلف بأن الطبراني خرجه ولم يزد على ذلك وهو تعقب أوهى من بيت العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند الطبراني أيضا فما الذي ضعفه . 2925 (إياكم والدين) بفتح الدال (فإنه هم بالليل) لأن اهتمامه بقضائه والنظر في أسباب أدائه يسلبه لذة نومه (ومذلة بالنهار) فإنه يتذلل لغريمه ليمهله هذا تحذير شديد عن إرتكاب الدين لا سيما لمن لا يرجو له وفاء وقيل الدين قد يعدم الدين . (هب عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن شهاب قال الذهبي : ضعفوه ورواه عنه أيضا الديلمي . 2926 (إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم) فكان من الكافرين قال ابن عطاء الله : كان الشاذلي يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله تعالى حتى أنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل به وعاص فأكرمه لأن ذلك الطائع جاء وهو متكبر بعمله والعاصي دخل بكثرة معصيته وذلة
[ 169 ]
مخالفته ومن ثم قال بعض العارفين : العاصي الذليل الحقير خير من الطائع المتكبر المعجب بنفسه ومعصية أورثت ذلا واحتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا (وإياكم والحرص) وهو كما قال الماوردي شدة الكد والاسراف في الطلب قال : وهو خلق يحدث عن البخل (فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة) فأخرج من الجنة فإنه حرص على الخلد في الجنة فأكل منها بغير إذن ربها طمعا فيها فالحرص على الخلد أظلم عليه فلو انكشفت عنه ظلمته لقال كيف أظفر بالخلد فيها مع أكلي منها بغير إذن ربي ففي ذلك الوقت حصلت الغفلة منه فهاجت من النفس شهوة الخلد فيها فوجد العدو فرصته فخدعه حتى صرعه فجرى ما جرى قال الخواص : الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا تتوهم أن أحدا يكذب ولا يحلف كاذبا فلذلك صدق من قال له أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصا على عدم خروجه من حضرة ربه الخاصة ونسي النهي السابق فانكشف له ستر تنفيذ احذار ربه فكانت السقطة في استعجاله بالأكل من غير إذن صريح فلذلك وصفه الله تعالى بأنه كان ظلوما جهولا حيث اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك ولذلك قال : * (خلق الإنسان من عجل) * * (وكان الإنسان عجولا) * اه‍ قال العارف ابن أدهم : قلة الحرص والطمع يورث الصدق والورع وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجذع قال الماوردي : الحرص والشح أصلا كل ذم وسببا كل لوم لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق فأما الحرص فيسلب كل فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من العبادة لتشاغله عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها فهذه ثلاث خصال هن جامعات للرذائل مانعات للفضائل من ان الحريص لا يستزيد بحرصه على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه . وقال بعض الحكماء : الحرص مفسدة في الدين والمروءة والله ما عرفت في وجه رجل حرصا فرأيت أن فيه مصطنعا وقال آخر : المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدة والمكالبة وليس للحريص غاية مطلوبة يقف عنها ولا نهاية محدودة يقنع بها لأنه إن وصل بالحرص إلى ما أمله أغراه ذلك بزيادة الحرص والأمل وإلا رأى إضاعة العناء لوما والصبر عليه حزما وصار لما سلف من عني به أقوى رجاء وأبسط أملا ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله لعلم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بما قسم (وإياكم والحسد فإن ابني آدم) قابيل وهابيل (إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا (1) فهو) أي الكبر والحرص والحسد (أصل كل خطيئة) فجميع الخطايا تنشأ عنها والكبر منازعة الذات المتعالية في الصفة
[ 170 ]
التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياها فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله وفي الآخرة نار الله والحرص مسابقة قدر الله ومن سبق القدر سبق وهو مغالبة الحق تقدس ومن غالبه غلب فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة النيران والحسد تسخط قضاء الله فيما لا عذر للعبد فيه فعقوبته في الدنيا الغيظ الشديد وفي الآخرة نار الوعيد وخص هذه الثلاثة بالذكر لأنها أصول الشر قال الحرالي : أصول الشر ثلاثة الكبر الذي كان سبب بلاء إبليس والحرص الذي كان سبب بلاء آدم عليه السلام من الشجرة والحسد الذي كان سبب قتل قابيل هابيل وقال أبو حاتم : أحيد الموت خوفا من ثلاثة أشياء الكبر والحرص والخيلاء فإن المتكبر لا يخرجه الله من الدنيا حتى يريه الهوان من أرذل أهله وخدامه والحريص لا يخرجه من الدنيا حتى يحوجه إلى كسرة أو شربة والمختال لا يخرجه منها حتى يمرغه ببوله وقذره (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) . (1) قال البيضاوي : أوحى الله إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأم الآخر فسخط منه قابيل لأن أخته كانت أجمل فقال لهما آدم : قربا قربانا فمن أيهما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل . 2927 (إياكم والطمع) الذي هو انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس (فإنه هو الفقر الحاضر) والحر عبد إن طمع والعبد حر إن قنع وقد قال علي كرم الله وجهه في قوله تعالى * (فلنحيينه حياة طيبة) * إنها القناعة وقال حكيم : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع وقال بشر : لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز لكفى وقال الشافعي : من غلبت عليه شهوة الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع وقال العارف المرسي رضي الله عنه : أردت أن أشتري شيئا ممن يعرفني وقلت : لعله يحابيني فنوديت السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين وقال : الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدا (وإياكم وما يعتذر منه) أي قوا أنفسكم الكلام فيما يحوج إلى الاعتذار كما سبق . (تتمة) قال بعض العارفين : الطمع طمعان طمع يوجب الذل لله وهو إظهار الإفتقار وغايته العجز والإنكسار وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية وطمع يوجب الذل في الدارين أي وهو المراد هنا وهو رأس حب الدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة والخطيئة ذل وخزي وحقيقة الطمع أن تعلق همتك وقلبك وأملك بما ليس عندك فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود وألقي فيها بذر الطمع بسقت أغصانها بالذل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت (طس) وكذا العسكري (عن جابر) قال الهيثمي : فيه ابن أبي حميد مجمع على ضعفه . 2928 (إياكم والكبر) فإنما أهلك إبليس الكبر قال : أنا خير منه وإنما كملت فضائل آدم عليه السلام باعترافه على نفسه (فإن الكبر يكون في الرجل) أي الإنسان (وإن عليه العباءة) من شدة الحاجة
[ 171 ]
وضنك المعيشة وقلة الشئ ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وماله وما ينبغي لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يتكبر وقيل لحكيم : هل تعرف نعمة لا يحسد عليها قا : التواضع قيل : فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه عليه قال : الكبر وقيل التواضع مع الجهل والبخل أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء وقيل في بخيل متكبر : جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما * تيه الملوك وأفعال المماليك قيل : أست في الماء وأنف في السماء (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : رجاله ثقات . 2929 (إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين) الثوم والبصل (أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا) فإن الملائكة تتأذى بريحهما (فإن كنتم لا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار قتلا) هذا مجاز من باب قوله يميتون الصلاة لكنه عكسه فإن إحياء الصلاة أداؤها لوقتها وإماتتها إخراجها عنه فحياة البقلتين عبارة عن قوة ريحهما عند طراوتهما وموتهما إزالة تلك الريح الكريهة بالنضج قال النوربشتي : وألحق بهما ما له ريح كريهة من كل مأكول وألحق به عياض من به بخر أو جرح له ريح وألحق بالمسجد نحو مدرسة ومصلى عيد من مجامع العبادات والعلم والذكر والولائم لا الأسواق ونحوها ذكره القاضي قال العراقي : وهل المراد بطبخهما استعمالهما في الطعام بحيث لا يبقى عينهما أو نضجهما مع بقائهما بحالهما ؟ الأقرب الثاني (طس عن أنس) قال الهيثمي : رجاله موثقون . 2930 (إياكم والعضه) بفتح العين وسكون الضاد المعجمة على الأشهر هي (النميمة القالة بين الناس) أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بينهما فيما يحكى للبعض عن البعض وقيل القالة بمعنى المقولة وزعم بعضهم أن القالة هنا جمع وهم الذين ينقلون الكلام ويوقعون الخصومة بين الناس ومن ثم قيل اجعل كلام الواشي ريحا تستريح وتريح قال أبو تمام : ومن يأذن إلى الواشين يسلق * مسامعه بألسنة حداد وقال المتنبي : لقد أباحك غشا في معاملة * من كنت معه بغير الصدق تنتفع وقال العارف الشعراني رضي الله عنه : قال لي الشيخ عبد الحق السنباطي رضي الله تعالى عنه : إذا قل عمل عبد ونقصت درجاته وأراد الله رفعهما أوقع العلماء العاملين في الغيبة فيه فتنقلب أعمالهم
[ 172 ]
التي تعبوا فيها طول عمرهم في صحائفه فيأخذ منها بقدر مظلمته فيصبح أعلى مقاما منهم من حيث لا يشعر ولا يشعرون . (أبو الشيخ [ ابن حبان ] في التوبيخ عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه . 2931 (إياكم والكذب) فإن جريمته عظيمة وعاقبته وخيمة فإن العبد إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه الله وكذبه إيمانه من قلبه لأنه إذا قال لما لم يكن أنه كان فقد زعم أنه تعالى خلقه ولم يكن خلقه فقد افترى على الله فيكذبه إيمانه فلذلك قال : (فإن الكذب مجانب للإيمان) بنص القرآن فإنه سبحانه علل عذاب المنافقين به في قوله : * (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) * ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي تجنبه لمنافاته لوصف الإيمان والتصديق ، روى ابن عبد البر في التمهيد أن عبد الله بن جراد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن ؟ قال : قد يكون ذلك قال : هل يكذب ؟ قال : لا . ومن آفات الكذب أنه يضيق الرزق فقد روى أبو الشيخ [ ابن حبان ] في الطبقات عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : الكذب ينقص الرزق (حم وأبو الشيخ في في التوبيخ وابن لال في مكارم الأخلاق) وابن عدي في الكامل (عن أبي بكر الصديق) رضي الله عنه قال قام فينا خطيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول ثم بكى وقال : إياكم والكذب إلخ قال الزين العراقي : وإسناده حسن اه‍ . وقال الدارقطني في العلل : الأصح وقفه ورواه ابن عدي من عدة طرق ثم عول على وقفه . 2932 (إياكم والالتفات في الصلاة فإنها) وفي رواية فإنه (هلكة) قال الراغب : الهلاك افتقاد الشئ عنك وهو عند غيرك موجود ومنه * (هلك عني سلطانيه) * وهلاك الشئ استحالته وفساده كقوله * (ويهلك الحرث والنسل) * والموت نحو * (إن امرؤ هلك) * (النساء : والهلكة في الحديث من القسم الثاني لاستحالة كمال الصلاة بالالتفات اه‍ . والالتفات في الصلاة بالصدر بحيث يخرج عن سمت القبلة حرام مبطل لها وبالوجه بلا حاجة مكروه تنزيها على الأصح عند أئمتنا الشافعية كالجمهور ولأن فيه ترك الاستقبال ببعض البدن وقال المتولي كالظاهرية : يحرم بلا ضرورة وقد ورد في كراهة الالتفات صريحا عدة أحاديث منها خبر أحمد وغيره لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف فإن كان الالتفات لحاجة لم يكره للاتباع رواه مسلم عن جابر والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث بكر الأسود عن الحسن . (هق عن أبي هريرة) ثم قال أعني العقيلي لا يتابع على هذا اللفظ قال وفي النهي عن الالتفات أحاديث صالحة كذا في لسان الميزان عنه وفيها بكر هذا قال البخاري : عن يحيى بن كثير
[ 173 ]
كذاب وضعفه النسائي وغيره وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في اقتصاره على العزو للعقيلي واقتطاعه من كلامه ما عقب به الخبر مبيان حاله الموهم أنه خرجه وأقره لم يصب في إيثاره الطريق المعلول على الطريق الصالحة التي أشار إليها العقيلي نفسه وأعجب من ذلك أنه اقتصر على العزو للعقيلي من كلامه فإنه أوهم أنه لا يوجد لأحد من الستة وقد خرجه الترمذي عن أنس مرفوعا بأتم من هذا ولفظه إياكم والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة اه‍ بحروفه ثم قال الترمذي حديث حسن فعدول المصنف عنه تقصير أو قصور . 2933 (إياكم والتعمق في الدين) أي الغلو فيوادعاء طلب أقصى غاياته (فإن الله تعالى قد جعله سهلا فخذوا منه ما تطيقون فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا) أي ولا يحب العمل المتكلف غير الدائم وإن كان كثيرا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض المتعمقين وكان الصحب أقل الأمة تكلفا اقتداءا به ودين الله بين الغالي والجافي خير الناس النميط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين قال الحرالي : محصول الحديث أن الدين مع سهولته ويسرته شديد لن يشاده أحد إلا غلبه والأحكام مع وضوحها قد تخفى لما في تنزيل الكليات على الجزئيات من الدقة إذ الجزء الواحد قد يتجاذبه كليات فأكثر فلا يجردها من مواقع الشبه إلا من نور الله بصيرته (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمر) بن الخطاب . 2934 (إياي) فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ عند النحاة كذا قيل قال ابن حجر : ويظهر أن الشذوذ في لفظه وإلا فالمراد بالتحقيق تحذير المخاطب فكأنه حذر نفسه بالأولى ليكون أبلغ ونحو نهي المرء نفسه ومراده نهي من يخاطبه (والفرج) أي دعني من الفرج (يعني في الصلاة) والمراد اتركوا إهمالها واصرفوا همتكم إلى سدها وظاهر أن قوله يعني إلخ من كلام الراوي أو المصنف لا من الحديث فتسوية الفرج من مندوبات الصلاة المؤكدة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجاله ثقات . 2935 (إياي أن تتخذوا) أي دعوني من اتخاذ (ظهور دوابكم منابر) يعني اتركوا جلوسكم عليها وهي واقفة كما تجلسون على المنابر فإن ذلك يؤذيها (فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى
[ 174 ]
بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل [ ص 135 ] لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم) والنهي مخصوص باتخاذ ظهورها مقاعد لغير حاجة أما لحاجة لا على الدوام فجائزة بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب على ناقته وهي واقفة (د عن أبي هريرة) قال ابن القطان : ليس مثل هذا الحديث يصح لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة ولا يعرف له حال ثم قيل هو رجل واحد وقبل رجلان وكيفما كان فحاله أو حالهما مجهولة فمثله لا يصح . 2936 (أيام التشريق) وهي الثلاثة بعد يوم العيد سميت به لأن لحم الأضاحي يشرق فيها بمنى أي يقدد ويبرز للشمس وقيل يوم العيد من أيام التشريق فتكون أربعة وعلى الأول لم يعد يوم النحر منها لأن له اسما خاصا وإلا فالمعنى المقدر يشمله وهو المذكور في قوله (أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها هكذا ذكره بعض الشراح لكن حكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه إنما هو بالفتح فحسب واستشهد بقوله سبحانه وتعالى : * (فشاربون شرب الهيم) * وأقره التاج السبكي وقال أبو البقاء : الأفصح الأقيس فتح الشين وهو مصدر كالأكل وأما ضمها وكسرها ففيه لغتان في المصدر أيضا والمحققون على أن الضم والكسر اسمان للمصدر لا مصدر (وذكر الله) أي أيام يأكل الناس فيها ويشربون ويذكرون فإضافة الأيام إلى الأكل والشرب والذكر إضافة تخصيص قال الأشرفي : وعقب الأكل والشرب يذكر الله لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حقوق الله وقال الطيبي : هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا للدعة والأكل والشرب لأن الناس في هذه الأيام ينبسطون فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة قول الشاعر : فسقي ديارك غير مفسدها * صوب السحاب وديمة تهمي وقال جمع : إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ك لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للمضيف أن يصوم دون إذ من أضافه كذا علله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فيما رواه عن البيهقي بسند مقبول واقتفاه في ذلك أكابر الأئمة فقالوا : سر ذلك أنه تعالى دعى عباده إلزيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه ومبلغ طاقته وذبحوا هديهم فقبله منهم واتخذ لهم منه ضيافة ونصب لهم مائدة جمعهم عليها وأطعمهم مما تقربوا به إليه والضيافة ثلاثة أيام فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام وسنة الملوك أنهم إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فقال : * (فكلوا منها وأطعموا) * ومذهب الشافعي أن صوم التشريق حرام ولا ينعقد وحرمه أبو حنيفة وعقده وجوزه مالك وأحمد للمتمتع العادم للهدي (حم م) في الصوم (عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة وياء تحتية وشين معجمة وهو
[ 175 ]
ابن عبد الله الهذلي قال ابن حجر : صحابي قليل الحديث ويقال له نبيشة الخير ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن نبيشة شيئا قال المصنف : وهذا متواتر . 2937 (أيكم خلف) بتخفيف اللام (الخارج) أي لنحو غزو (في أهله) أي حلائله وعياله (وماله بخير) أي بنوع من أنواعه كقضاء حاجة وحفظ مال (كان له) من الأجر (مثل أجر الخارج) لفظ رواية الصحيح مثل نصف أجر الخارج قال القرطبي : ولفظة مثل يشبه كونها مقحمة أي مزيدة من بضع الرواة قال ابن حجر : ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح ويظهر أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر قال ابن العربي : هذا من فضل الله تعالى حيث جعل خلافة الغازي في أهله كالغازي في الرتبة فإنه إذا خلفه بخير فكأنه لم يبرح من بيته لقيام أموره فيه وصلاح حاله فكأن هذا قد غزى والقائم على أهل الغازي وماله نائب عنه في عمل لا يمكن معه الغزو فليس مقتصرا على النية فقط بل عامل فيما يتعلق بالغزو فصار كأنه باشر معه الغزو فمن ثم كان له مثل أجره كاملا مضاعفا ولا يلزم تساوي ثوابيهما (م د عن أبي سعيد) الخدري قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم ذكره واستدركه الحاكم فوهم . 2938 (أيما) مركبة من أي وهي اسم ينوب مناب حرفه ومن ما المبهمة المزيدة (إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم) على التمام أي صحتهم (ثم ليغتسل هو) عن الجنابة (ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء) ساهيا (فمثل ذلك) فتصح صلاة المقتدين به ولا تصح صلاته فيلزمه الإعادة إلى هذا ذهب الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى بطلان صلاة المقتدي ببطلان صلاة إمامه مطلقا قال قياسا على ما لو صلى بغير إحرام والمصلي بلا طهر لا إحرام له والفرق بين الركن والشرط لا يؤثر إذ لازمهما متحد وهو ظهور عدم الشروع (أبو نعيم في معجم شيوخه وابن النجار) في التاريخ (عن البراء) بن عازب ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لمن ذكر مع وجوده لغيره فقد رواه الدارقطني والديلمي عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء وجويبر متروك والضحاك لم يلق البراء قال ابن حجر رحمه الله : خرجه الدارقطني بإسناد فيه ضعف وانقطاع
[ 176 ]
2939 (أيما امرئ) بجر امرئ إضافة أي إليه وبرفعه بدل من أي وما زائدة (قال لأخيه) أي في الإسلام (كافر فقد باء بها أحدهما) أي رجع بها أحدهما (فإن كان كما قال) أي كان في الباطن كافر (وإلا) أي وإن لم يكن كذلك (رجعت عليه) أي فيكفر قال النووي : ضبطنا قوله كافر بالرفع والتنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف قال القرطبي : صواب تقييده كافر بالتنوين على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي أنت كافر وهو كافر وجعله بعضهم بغير تنوين فجعله منادى مفردا محذوف حرف النداء وهو خطأ لأن حرف النداء لا يحذف مع النكرات ولا مع المبهمات إلا فيما جرى مجرى أمثل نحو أطرق كراء والباقي بها راجع إلى التكفيرة الواحدة ويحتمل عوده إلى الكلمة (م ت عن ابن عمر) بن الخطاب . 2940 (أيما امرأة) قال في التنقيح : أي مبتدأ في معنى الشرط وما زائدة لتوكيد الشرط وقوله الآتي فقد إلخ جواب الشرط (وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به سوأتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوأتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها يهتك الله سترها والجزاء من جنس العمل والهتك خرق الستر عما وراءه والهتيكة الفضيحة (حم ه ك) في الأدب (عن عائشة) رضي الله عنها دخل عليها نسوة من حمص فقالت : لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته قال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي لكن أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح وأطال في بيانه . 2941 (أيما) قال الكرماني : زيد لفظ ما على أي لزيادة التعميم (امرأة أصابت بخورا) بالفتح ما يتبخر به والمراد هنا ريحه (فلا تشهد) أي تحضر (معنا) أي الرجال (العشاء الأخيرة) لأن الليل آفاته كثيرة والظلمة ساترة خص العشاء لأنها وقت انتشار الظلمة وخلو الطريق عن المارة والفجار تتمكن حينئذ من قضاء الأوطار بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار فتنعكس القضية ذكره الطيبي وقيد بالآخرة ليخرج المغرب قال ابن دقيق العيد : وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال قال : وألحق به حسن الملبس والحلي الظاهر (حم م) في الصلاة (د ن
[ 177 ]
عن أبي هريرة) قال النسائي : ولا أعلم أحدا تابع يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد على قوله عن أبي هريرة وقد خالفه يعقوب الأشج رواه عن زينب الثقفية ثم ساق حديث بشر عن زينب من طرق به ولم يخرجه البخاري . 2942 (أيما امرأة أدخلت على قوم) في رواية ألحقت بقوم (من ليس منهم) بأن تنسب لزوجها ولدها من غيره (فليست من الله في شئ) أي من الرحمة والعفو أو لا علاقة بينها وبينه ولا عندها من حكم الله وأمره ودينه شئ كأنه قال : هي بريئة من الله في كل أمورها ولذا أنكر شيئا ثم أردف هذا الذم العام الشامل لجميع الأقسام بقوله (ولن يدخلها الله جنته) مع السابقين المحسنين بل يؤخرها ويعذبها ما شاء وقال لن إلخ ولم يكتف بدخولها في الأول لعمومه لأن النساء لا تقف على حقيقة المراد منه لما فيه من نوع إجمال وخفاء فعقبه بذكر أحد أنواعه التي يفهمها كل سامع قال الحرالي : وفي فليست إفهام أن من حفظت فرجها فلم ترتكب هذه الفاحشة العظمى فهي من الله في شئ لما أنها متمسكة بآية * (والذين هم لفروجهم حافظون) * اه‍ وذكر عدم دخول الجنة سيما النساء ودخولها من أقوى أسباب النعيم ولأن قوله لم يدخلها جنته تعريض بدخول النار إذ ليس ثم إلا جنة ونار (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) أي وهو يرى أنه منه ويتحقق ذلك كأنه يشاهد ذلك عيانا وهو ينكره وعبر بالجحود ليفيد مع الوعيد على النفي الوعيد على قذف الزوجة (احتجب الله تعالى منه) أي منعه رحمته وحرمه منها وهذا وعيد غليظ إذ لا غاية في النعيم أعظم من النظر إليه تقدس وهو الغاية القصوى فويل لمن لم ينلها (وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة) بجحوده ولده وهو يعلم أنه منه وإظهار كذبه على زوجته وهذا من أقوى أسباب الوعيد وقد ورد الوعيد الشديد في حق من انتفى من ولده في عدة أخبار منها خبر وكيع عن ابن عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة وفيه الجراح والد وكيع مختلف فيه ومنها خبر ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفيه محمد بن أبي الزعيرة منكر الحديث (د ن ه حب ك) وصححاه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة فذكره قال ابن حجر في التخريج : صححه الدارقطني في العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري وأنه لا يعرف إلا به وقال في الفتح بعد ما عزاه لأبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم في مسنده عن عبد الله بن يوسف حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد . 2943 (أيما امرأة خرجت من بيتها) أي محل إقامتها (بغير إذن زوجها) لغير ضرورة شرعية
[ 178 ]
(كانت) في مدة خروجها (في سخط الله تعالى) أي غضبه (حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها زوجها) أما لو خرجت لما يجوز الخروج له كإرادة زوجها لها بسوء فتنعكس القضية . (حط) من حديث إبراهيم بن هدية (عن أنس بن مالك) وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه تعقبه بقوله قال أحمد بن حنبل إبراهيم بن هدية لا شئ‌في أحاديثه مناكير وقال ابن معين : إنه كتب عنه ثم تبين له أنه كذاب خبيث قاعلي بن ثابت : هو أكذب من حماري هذا اه‍ وقال الذهبي في الضعفاء هو كذاب فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب وليته إذ ذكره بين حاله وكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتصاره على عزوه للخطيب وحده فإن أبا نعيم خرجه من طريقه وعنه الخطيب فعزوه للفرع وإهماله الأصل من سوء التصرف . 2944 (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق) في رواية طلاقها (من غير ما بأس) بزيادة ما للتأكيد والبأس الشدة أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له أو بأن يضارها لتنخلع منه (فحرام عليها) أي ممنوع عنها (رائحة الجنة) وأول ما يجد ريحها المحسنون المتقون لا أنها لا تجد ريحها أصلا فهو لمزيد المبالغة في التهديد وكم له من نظير قال ابن العربي : هذا وعيد عظيم لا يقابل طلب المرأة الخروج من النكاح لو صح وقال ابن حجر : الأخبار الواردة في ترغيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث ثوبان هذا (حم د ت ه حب ك عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي : حسن غريب وقال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي وابن حجر وصححه ابن خزيمة وابن حبان . 2945 (أيما امرأة) ذات زوج (ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) أي مع الفائزين السابقين وإلا فكل من مات على الإسلام لا بد من دخوله إياها ولو بعد دخوله النار ومثله الزوجة السرية بل أولى (ت ه) في النكاح (ك) في البر والصلة (عن أم سلمة) قال الترمذي : حسن غريب وقال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال ابن الجوزي : هو من رواية مشادر الحميري عن أمه عن أم سلمة وهما مجهولان .
[ 179 ]
2946 (أيما امرأة صامت) نفلا (بغير إذن زوجها) وهو حاضر (فأرادها على شئ) يعني طلب منها أن يجامعها فهو كناية حسنة عن ذلك (فامتنعت ت عليه كتب الله عليها) أي أمر كاتب السيئات أن يكتب في صحيفتها (ثلاثا من الكبائر) لصومها بغير إذنه واستمرارها فيه بعد نهيه ونشوزها عليه بعدم تمكينه أما الفرض فلا يجوز قطعه بجماع ولا غيره وهذا صريح في حرمة صوم المرأة نفلا بغير إذن زوجها وهو شاهد (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه بقية وهو ثقة ولكنه مدلس . 2947 (أيما إهاب) ككتاب جلد ميتة يقبل الدباغ قال الزمخشري : سمي الجلد به لأنه أهبة للحي وبناء للحماية على جسده كما قيل له المسك لإمساكه ما وراءه (دبغ) يعني اندبغ بنازع للفضول بحيث لا يعود له النتن والفساد لو نقع بماء (فقد طهر) بفتح الهاء وضمها أي ظاهره وباطنه دون ما عليه من شعر لكن قليله عفو وهذا حجة على أحمد في قوله إن جلد الميتة لا يطهر باندباغه ونص فيما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة أنه يطهر بدبغه لدلالة هذا اللفظ على الاستغراق من جهة الشرط ومن جهة الإبهام والتنكير بما وخرج بما يقبل الدباغ غيره كجلد خنزير فلا يطهر بالدبغ اتفاقا من الشافعية والحنفية وكذا الكلب عند الشافعية لا الحنفية قال الكمال : هذا الحديث كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب فيه وهو قوله * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده وعند صلاح كل من المضافين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود الضمير عود ضمير " ميثاقه " في قوله تعالى * (وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) (البقرة : 27) * إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين عوده إلى المضا ف إليه في قوله سبحانه * (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) * ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في نحو رأيت ابن زايد فكلمته لأن المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول غير الحديث الثاني فتعين هو مرادا به وإلا اختل النظم وإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط وهو ممقلنا فإن قيل يجب أن يخرج من الخبر أيضا جلد الميتة بطريق النسخ بخبر أصحاب السنن الأربعة أنه كتب قبل موته بشهر أو شهرين لا تتعففوا من الميتة بإهاب ولاعصب قلنا الاضطراب في سنده ومتنه منع تقديمه على هذا الحديث الصحيح فإن الناس معارض فلا بد من مشاكلته في القوة ثم إن هذا الحديث مع حديث مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا : إنها ميتة فقال : إنما حرم أكلها إلى ما ذهبوا إليه من أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص (ن ه) قال ابن جماعة بأسانيد صحيحة (عن ابن عباس) وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث ليس في أحد الصحيحين ولا كذلك بل هو في مسلم وهو مما تفرد به عن البخاري .
[ 180 ]
2948 (أيما رجل أم قوما) أي والحال أنهم (له) أي ولإمامته (كارهون) لأمر يذم فيه شرعا كوال ظالم ومن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها أو لا يتحرز عن النجاسة أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطى معيشة مذمومة أو يعاشر الفساق ونحوهم وشبه ذلك سواء نصبه الإمام أم لا (لم تجز صلاته أذنيه) أي لا يرفعهما الله رفع العمل الصالح بل أدنى رفع فيحرم عليه أن يؤمهم إن اتصف بشئ من هذه الأوصاف وكرهه الكل لذلك كما في الروضة ونص عليه الشافعي فإن كرهه أكثرهم كره لذلك وعلم من هذا التقرير أن الحرمة أو الكراهة إنما هي في حقه أما المقتدون الذي يكرهونه فلا تكره لهم الصلاة خلفه وظن بعض أعاظم الشافعية أن المسئلتين واحدة فوهم وخرج بقولنا أولا لأمر يذم ما لو كرهوه لغير ذلك فلا كراهة في حقه بل اللوم عليهم (طب) من رواية سليمان بن أيوب الطلحي (عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي : وسليمان قال فيه أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال البزار : صاحب مناكير 2949 (أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس) أي جعله أميرا على طائفة ولو قليلة جدا كعشرة والحال أنه (علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين) بفعله ذلك لعكسه المقتضى لتأميره المفضول على الفاضل وموضع ذلك ما إذا لم يقتض الحال والوقت خلاف ذلك وإلا أنيط بالمصلحة وعلى ذلك ينزل تأمير المصطفى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص على قوم فيهم أبو بكر وعمر وتأميره أسامة على من هما فيهم (ع عن حذيفة) بن اليماني . 2950 (أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها) منه (لمن دونه من خلق الله) أي وأطعم وكسى منه من دون نفسه من عياله وغيرهم (فإنها) يعني هذه الخصلة وهي الإطعام (له زكاة) أي نماء وبركة وطهرة (وأيما رجل مسلم لم تكن له صدقة) يعني لا مال له يتصدق منه (فليقل) ندبا (في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها) أي هذه الصلاة (له زكاة) فاستفدنا أن الصلاة عليه تقوم مقام الصدقة لذي العسرة وأنها سبب
[ 181 ]
لبلوغ المآرب وإفاضة المطالب وقضاء الحاجات في الحياة وبعد المما ت واقتصاره على الصلاة يؤذن بأنه لا يضم إليه السلام فيعكر على من كره الإفراد ونعما ذهب إليه البعض من تخصيص الكراهة بغير ما ورد فيه الإفراد بخصوصه كما هنا فلا نزيد فيه بل نقتصر على الوارد (ع حب ك عن أبي سعيد) الخدري قال القسطلاني : وهو مختلف فيه لكن إسناده حسن وأقول هو من رواية ابن لهيعة وهو معلوم الحال عن دراج عن أبي الهيثم وقد ضعفوه كما سبق . 2951 (أيما رجل) ذكر رجل غالبي والمراد إنسان (تدين دينا وهو مجمع) بضم الميم الأولى (على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا) أي يحشر في زمرة السارقين ويجازى بجزائهم قال في الفردوس يقال أدان إذا أخذ منه الدين ويقال أدنت الرجل وداينته إذا بايعت منه بأجل وأدنت منه إذا اشتريت منه بأجل (ه عن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء وسكون التحتية (بن سنان) بالنون ابن قاسط بالقاف الرومي الصحابي المعذب في الله وفيه يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال البخاري فيه نظر وعبد الحميد بن زياد قال البخاري شيخ . 2952 (أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا) قال الزمخشري : الصداق بالكسر أفصح عند أصحابنا البصريين (مات يوم يموت وهو زان) أي مات وهو ملتبس بإثم مثل إثم الزاني ، والزاني في النار بدليل قوله بعده والخائن في النار (وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن والخائن في النار) أي نار جهنم يعني يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرج (ع طب) من حديث عمرو بن دينار وكيل الزبير ابن شعيب البصري عن بني صهيب (عن صهيب) قال عمرو : قال بنو صهيب لصهيب : يا أبانا إن أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثون عن آبائهم فحدثنا فذكره قال الهيثمي : وعمرو بن دينار هذا متروك . 2953 (أيما رجل عاد مريضا فإنما يخوض) حالة ذهابه (في الرحمة) شبه الرحمة بالماء إما في التطهير ، وإما في الشيوع والشمول ثم نسب إليها ما هو منسوب إلى المشبه به من الخوض (فإذا قعد عند
[ 182 ]
المريض غمرته الرحمة) أي غمرته وسترته وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل قالوا فهذا للصحيح فما للمريض قال : تحط عنه ذنوبه . (حم) من حديث أبي داود ولعله الحبطي (عن أنس) قال أبو داو : أتيت أنس بن مالك فقلت : يا أبا حمزة المكان بعيد ونحن يعجبنا أن نعود ك فقال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول : فذكره قال الهيثمي وأبو داود ضعيف جدا . 2954 (أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه) أي رفع صوته قائلا (يا ويله عصم مني) بتزوجه (دينه) وفي رواية للديلمي والثعلبي إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويله عصم مني ثلثي دينه اه‍ . وهي مبينة أن المراد بالدين هنا معظمه (ع) من حديث خالد بن إسماعيل المخزومي (عن جابر) قال الهيثمي : فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك قال ابن الجوزي : تفرد به خالد وقال ابن عدي : وكان يضع وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به بحال اه‍ ، ورواه الطبراني في الأوسط من طريق خالد المذكور قال الهيثمي : وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي متروك . 2955 (أيما عبد جاءته موعظة) وهي التذكير بالعواقب (من الله في دينه) أي في شئ من أمور دينه (فإنها نعمة من الله سبقت إليه) أي ساقها الله إليه (فإن قبلها بشكر) زاده الله من تلك النعمة * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * (وإلا) أي وإن لم يقابلها بالشكر (كانت حجة من الله عليه) * (لئلا يكون للناس على الله حجة) * (ليزداد بها إثما ويزداد الله عليه بها سخطا) أي غضبا وعقابا (ابن عساكر) في التاريخ (عن عطية بن قيس) أخي عبد الله المازني شامي وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر ولا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن عطية المذكور وسببه أن المنصور أحضر الأوزاعي وقال له : ما أبطأ بك عنا قال : وما الذي تريده مني يا أمير المؤمنين قال : الأخذ عنك والاقتباس منك فساق له موعظة سنية جعل هذا الخبر مطلعها ورواه عن بسر أيضا ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء قال الحافظ العراقي وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح قال ابن عدي : يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق . 2956 (أيما عبد أو امرأة قال أو قالت لوليدتها) فعيلة بمعنى مفعولة أي أمتها والوليدة الأمة
[ 183 ]
وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الإنسان ثم أطلق ذلك على كل أمة (يا زانية ولم يطلع منها على زنا جلدتها وليدتها يوم القيامة) حد القذف (لأنه لا حد لهن في الدنيا) أي ليس لها مطالبتها فإقامة الحد عليه أو عليها في الدنيا لأنه لا يجب للولائد على ساداتهن في دار الدنيا فبين بالحديث سقوطه في الدنيا لشرف المالكية قال ابن العربي : وبه استدل علماؤنا على سقوط القصاص عنه بالجناية على أعضائه ونفسه لأنه عقوبة تجب للحر على الحر فسقط عن الحر بجنايته على العبد فأصل ذلك حد القذف وخبر من قتل عبده قتلناه باطل أو مؤول ففيه رد على مالك حيث ذهب إلى أن السيد لو قطع عضو عبده عتق عليه لكونه أتلف الرق في جزء منه فسرى إلى آخره كما لو أعتقه وخالفه عامة الفقهاء (ك عن عمرو بن العاص) أنه زار عمة له فدعت له بطعام فأبطأت الجارية فقالت : ألا تستعجلي يا زانية فقال عمرو : سبحان الله لقد قلت عظيما هل اطلعت منها على زنا ؟ قالت : لا فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال الحاكم : صحيح وتعقبه المنذري فقال : وكيف وعبد الملك بن هارون متروك متهم . 2957 (أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه ثم أقيم عليه حده) في الدنيا أي وهو غير الكفر أما هو إذا عوقب به في الدنيا فليس كفارة بل زيادة في النكال وابتداء عقوبة (كفر) الله (عنه) بإقامة الحد عليه (ذلك الذنب) فلا يؤاخذ به في الآخرة فإن الله أكرم وأعدل أن يثني عليه العقوبة (تنبيه) قال ابن العربي : هذا الحديث موضعه في حقوق الله أما حق الآدمي فلا يدخل تحت المغفرة فلو زنى بامرأة فأقيم عليه الحد كفر عنه لكن حق زوجها وأهلها باق فيما هتك من حرمتهم وجر من العار إليهم وكذا القاتل إذ اقتص منه فهو كفارة للقتل في حق الله وحق الولي لا المقتول فله مطالبته به في الآخرة اه‍ (ك) في الحدود (عن خزيمة بن ثابت) وقال : صحيح وأقره الذهبي . 2958 (أيما عبد) أي قن (مات في إباقه) أي حال تغيبه عن سيده تعديا (دخل النار) يعني استحق دخولها ليعذب بها على عدم وفائه بحق سيده (وإن كان قتل) حال أباقه (في سبيل الله) تعالى أي في جهاد الكفار ثم يخرج منها إن مات مسلما ويدخل الجنة قطعا (طس هب عن جابر) قال الهيثمي : فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات .
[ 184 ]
2959 (أيما عبد أبق من مواليه) بفتح الباء إعراضا عنهم وأي للشرط مبتدأ وما زائدة للتأكيد وأبق خبره لا صفة للعبد لأن المبتدأ يبقى بلا خبر وجواب الشرط قوله (فقد كفر) أي نعمة الموالي وسترها ولم يقم بحقها ويستمر هذا حاله (حتى يرجع إليهم) أو أراد بكفره أن عمله من عمل الكفار أو أنه يؤدي إلى الكفر فإن فرض استحلاله فذاك كافر حقيقة وذكره بلفظ العبدية هنا لا يناقضه خبر النهي عن تسميته عبدا بقوله لا يقل أحدكم عبدي لأن المقام هنا مقام تغليظ ذنب الإباق وثم مقام بيان الشفقة والإرفاق (م) في الإيمان (عن جرير) موقوفا ونقل عنه بعض رواته أنه قال سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لكن أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة . 2960 (أيما مسلم كسامسلما ثوبا على عري) أي على حالة عري للمكسي (كساه الله تعالى من خضر الجنة بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر أي من ثيابها الخضر فهو من إقامة الصفة مقام الموصوف كما ذكره الطيبي (وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ) أي عطش (سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق) اسم من أسماء الخمر (المختوم) أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك قال النوربشتي : الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه والمختوم الذي يختم من أوانيها وهو عبارة عن نفاستها وكرامتها وهذا إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل والنصوص فيه كثيرة والمراد أنه يختص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وشرابها ويظهر أن المراد المسلم المعصوم ويحتمل إلحاق الذمي العاري الجائع به (حم د) في الزكاة (ت) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال المنذري : رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي خالد بن يزيد الدالاني وحديثه حسن اه‍ . ولينه ابن عدي . 2961 (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا) أي لوجه الله تعالى لا لغرض آخر (كان في حفظ الله تعالى) أي رعايته وحراسته (ما بقيت عليه منه رقعة) أي مدة بقاء شئ منه عليه وإن قل وصار خلقا جدا وليس المراد بالثوب في هذا الحديث وما قبله القميص فحسب بل كل ما على البدن من اللباس .
[ 185 ]
(طب عن ابن عباس) وفيه خالد بن طهمان أبو العلاء قال الذهبي : ضعيف قال ابن معين : خلط قبل موته . 2962 (أيما) قال الطيبي : أيما من المقحمات التي يستغنى بها إما عن تفصيل غير حامل أو تطويل غير ممل (امرأة نكحت) أي تزوجت في رواية أنكحت نفسها وهي أوضح (بغير إذن وليها (1) أي تزوجت بغير إذن متولي أمر تزويجها من قريب أو غيره (فنكاحها باطل) أي فعقدها باطل ولا مجال لإرادة الوطء هنا لأن الكلام في صحة النكاح وفساده (فنكاحها باطل فنكاحها باطل) كرره لتاكد إفادة فسخ النكاح من أصله وأنه لا ينعقد موقوفا على إجازة الولي وأنه آركب على ثلاثة فيفسخ بعد العقد ويفسخ بعد الدخول ويفسخ بعد الطول والولادة وتخصيصه البطلان هنا بغير الإذن غالبي بدليل خبر لا نكاح إلا بولي لكن لما كان الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بإذنه خص به (فإن دخل بها) أي أولج حشفته في قبلها (فلها المهر بما استحل من فرجها) قال الرافعي : فيه أن وطء الشبهة يوجب المهر وإذا وجب ثبت النسب وانتفى الحد (فإن اشتجروا) أي تخاصم الأولياء وتنازعوا ومنه * (فيما شجر بينهم) * قال الرافعي : المراد مشاجرة الفضل لا الاختلاف فيما يباشر العقد (فالسلطان) يعني من له السلطان على تزويج الأيامى فيشمل القاضي (مولى من لا مولى له) أي من ليس له ولي خاص وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن لما سبق أن أيما كلمة استيفاء واستيعاب فيشمل البكر والثيب والشريفة والوضيعة قال القاضي : وهذا يؤيد منع المرأة مباشرة العقد مطلقا إذ لو صحت عبارتها للعقد لأطلق لها ذلك عند عضل الأولياء واختلافهم ولما فوض إلى السلطان قال أصحابنا : ومن البعيد تأويل الحنفية الحديث على الصغيرة والأمة والمكاتبة يعني حمله بعضهم أولا على الصغيرة لصحة تزويج الكبيرة نفسها عندهم كجميع تصرفاتها فاعترض بأن الصغيرة غير امرأة في الحكم فحمله بعضهم إجراء على الأمة فاعترض بقوله فلها المهر فإن مهر الأمة لسيدها فحمله بعض متأخريهم على المكاتبة فإن المهر لها (حم د ت ه ك) كلهم في النكاح (عن عائشة) حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وإعلاله بأنه من حديث ابن جريج عن سليمان عن الزهري وابن جريج ذكر أنه سئل الزهري عنه فأنكره ، أبطله الحاكم بأن أبا عاصم وعبد الرزاق ويحيى بن أيوب وحجاج بن محمد صرحوا بسماعه عن الزهري والثقة قد بيناه فلا ينسى بإنكاره وذكر نحوه ابن حبان (1) بغير إذن وليها لا مفهوم له عند الشافعي فنكاحها باطل وإن أذن لها وليها لحديث لا نكاح إلا بولي .
[ 186 ]
2963 (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن كان دخل بها فلها) عليه (صداقها) أي مهر مثلها (بما استحل من فرجها ويفرق بينهما) بالبناء للمجهول أي ويفرق القاضي بينهما لزوما (وإن كان لم يدخل بها فرق بينهما) بمعنى أنه يحكم ببطلان العقد (والسلطان ولي من لا ولي له) ولي امرأة ليس لها ولي خاص قال القاضي : هذه الأحاديث صريحة في المنع عن استقلال المرأة بالتزويج وأنها لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وقد اضطرب فيه الحنفية فتارة متجاسرون على الطعن فيها بما لا ينجع ومرة جنحوا إلى التأويل فقوم خصصوا امرأة بالأمة والصغيرة والمكاتبة فأبطلوا به ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل فإنه صدر الكلام بأي الشرطية وأكد بما الإبهامية ورتب الحكم على وصف الاستقلال وترتيب الجزاء على الشرط المقتضي مع أن الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان وعقد الصبية غير باطل عندهم بل موقوف على إجازة الولي والأمة لا مهر لها وقد قال : فلها المهر والكتابة بالنسبة إلى جنس النساء نادرة فلا يصح قصر العام عليها وقوم أولوا قوله باطل بأنه بصدد البطلان ومصيره إليه بتقدير اعتراض الأولياء عليها إذا زوجت نفسها بغير كفء وذلك مع ما فيه من إبطال قصد التعميم بزيف من وجوه أحدها أنه لا يناسب هذا التأكيد والمبالغة ثانيهما أن المنقول المتعارف في تسميته الشئ باسم ما يؤول إليه تسميته ما يكون المآل إليه قطعا * (إنك ميت وإنهم ميتون) * أو غالبا نحو * (إني أراني أعصر خمرا) * ثالثها أنه لو كان كذلك لاستحق المهر بالعقد لا بالوطء ولذلك قالوا : يتقدر المسمى بالوطء ويتشطر بالطلاق قبله وقد علق عليه السلام الاستحقاق على الوطء وجعل الاستحلال علة لثبوته وهو يدل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل ولم أر أحدا غيرهم من العلماء رخص للمرأة تزويج نفسها مطلقا وجوزه مالك رضي الله عنه للدنيئة دون الشريفة اه‍ (طب عن ابن عمرو) بن العاص . 2964 (أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها) وإن سفلت (فإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها) إن شاء (وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل) بها (فلا يحل له نكاح أمها) أي لا يجوز ولا يصح والفرق أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف ابنتها أخذ به الجماعة فقالوا : إذا دخل بامرأة حرمت عليه بنتها وقال داود : لا تحرم
[ 187 ]
إلا إن كانت في حجره (ت عن ابن عمرو) ابن العاص ثم قال أعني الترمذي : لا يصح من قبل إسناده إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح وهما يضعفان اه‍ 2965 (أيما رجل آتاه الله علما) تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي لكن خصه جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته (فكتمه) عن الناس عند الحاجة إليه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (1) شبه ما جعل من النار في فم الكاتم باللجام تشبيها بليغا حيث خص النار وهو الذي أخرجه من باب الاستعارة وهذا وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة أو حطام دنيا أو لتقيه مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل بالعلم ومن ثم قال علي كرم الله وجهه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا . (طب عن ابن مسعود) ورواه عنه في الأوسط أيضا قال الهيثمي : وفي سند الأوسط النضر بن سعيد ضعفه العقيلي وفي سند الكبير سواد بن مصعب وهو متروك اه‍ والحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل عن ابن مسعود من عدة طرق وطعن فيه بما محصوله أن فيه جماعة ما بين ضعيف ومتروك وكذاب (1) لما لجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار له عوقب في الآخرة بلجام من نار قال العلقمي وهذا خرج على معنى مشاكة العقوبة للذنب وهذا في العلم الذي يتعين عليه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول علموني ما الإسلام وما الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فيلزم أن يجاب السائل ويترتب على منعه الوعيد والعقوبة وليس الأمر كذلك ونوافل العلم الذي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها . 2966 (أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله) أي غضبه (حتى ينزع) أي يقلع ويترك وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود أي إذا وصلت إلى الإمام وثبتت كما يفيده أخبار آخر وإلا فالستر أفضل (وأيما رجل شد غضبا) أي شد طرفه أي بصره بالغضب ، (2) (على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) لأنه بمعاندة الله صار ظالما وقد قال تعالى : * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود : 18) (2) ويحتمل أن يكون المعنى اشتد قصبه .
[ 188 ]
وأصل اللعنة الطرد لكن المراد به هنا في وقت أو حال أو الشخص أو على صفة أو نحو ذلك (وأيما رجل أشاع على رجل مسلم) أي أظهر عليه ما يعيبه (بكلمة وهو منها برئ يشينه بها (1) أي فعل ما فعل بقصد أن يشينه أي يعيبه أو يعيره بها (في الدنيا) بين الناس (كان حقا على الله أن يدليه يوم القيامة في النار حتى يأتي بإنفاذ ما قال) وليس بقادر على إنفاذه فهو كناية عن دوام تعذيبه بها من قبيل الخبر المار ، كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين (2) ومن قبيل قوله للمصورون أحيوا ما خلقتم (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفه وقال المنذري : لا يحضرني الآن حال إسناده . (1) قال في المصباح شانه من باب باع عابه والشين خلاف الزين . (2) لعله خرج مخرج الزجر عن هذه الخصلة . 2967 (أيما رجل ظلم شبرا من الارض) ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد (كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ أخر سبع أرضين) بفتح الراء وتسكن (ثم يطوقه) بضم أوله على البنا للمجهول وفي رواية فإنه يطوقه (يوم القيامة) أي يكلف نقل الأرض الذي أخذها ظلما إلى المحشر وتكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة أو معناه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض حالتئذ كالطوق في عنقه الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الطوق وبالأول جزم القشيري وصححه البغوي ولا مانع أن نتنوع هذه الصفات لهذا الجاني أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى ويستمر كذلك (حتى يقضى بين الناس) ثم يصير إلى الجنة أو إلى النار بحسب إرادة العزيز الجبار وهذا وعيد شديد للغاصب قاطع بأن الغضب من أكبر الكبائر (3) (طب) وكذا في الصغير (عن يعلى بن مرة) ورواه عنه أيضا أحمد بعدة أسانيد قال الهيثمي : ورجال بعضها رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان من هذا الوجه وكان ينبغي للمؤلف عزوه له ولأحمد فإنهما مقدمان عندهم على العزو للطبراني . (3) وهذا إن لم يحصل عفو من المغصوب منه ولم يفعل الغاصب ما يكفر التبعات . 2968 (أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما) من الضيافة أي لم يطعمه القوم تلك
[ 189 ]
الليلة (فله أن يأخذ) من مالهم (بقدر قراه) أي ضيافته أي بقدر ما يصرف في ثمن طعام يشبعه ليلته (ولا حرج عليه) في ذلك الأخذ قال الطيبي وقوله فأصبح الضيف مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأن المسلم الذي ضاف قوما يستحق لذاته أن يقرى فمن منع حقه فقد ظلمه فحق لغيره من المسلمين نصره وأخذ بظاهره أحمد فأوجب الضيافة وأن الضيف يستقل بأخذ ما يكفيه بغير رضى من نزل عليه أو على نحو بستانه أو زرعه وحمله الجمهور على أنه كان في أول الإسلام فإنها كانت واجبة حين إذ كانت المواساة واجبة فلما ارتفع وجوب المواساة ارتفع وجو ب الضيافة أو على التأكيد كما في غسل الجمعة واجب فلما ارتفع وجود الاستقلال بالأخر على المضطر لكنه يعزم بدله أو بعد على مال أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة من نزل بهم لأدلة أخرى كخبر لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس وأما قول بعض المالكية المراد أن له أن يأخذ من عرضهم بلسانه ويذكر للناس عيوبهم فعورض بأن من الأخذ العرض والتحدث بالعيب عيب ندب الشارع إلى تركه لا إلى فعله واستدل بالخبر على مسألة الظفر (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور قال الهيثمي كالمنذري ورجاله ثقات ورواه أبو داود عن المقدام بلفظ أيما رجل ضاف قوما فأصبح محروما والباقي سواء . 2969 (أيما نائحة) أي امرأة نائحة (ماتت قبل أن تتوب ألبسها الله سربالا) وقد تطلق السرابيل على الدروع (من نار وأقامها للناس يوم القيامة) لتشتهر في عرصات القيامة بين أهل ذلك الموقف الأعظم فالنوح حرام شديد التحريم . (ع عد ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي : سنده حسن . 2970 (أيما امرأة نزعت ثيابها) أي قلعت ما يسترها منها (في غير بيتها) أي محل سكنها (خرق الله عز وجل عنها ستره) لأنها لما لم تحافظ على ما أمرت به من التستر عن الأجانب جوزيت بذلك والجزاء من جنس العمل والظاهر أن نزع الثياب عبارة عن تكشفها للأجنبي لينال منها الجماع أو مقدماته بخلاف ما لو نزعت ثيابها بين نساء مع المحافظة على ستر العورة إذ لا وجه لدخولها في هذا الوعيد (حم طب ك هب عن أبي أمامة) 2971 (أيما امرأة استعطرت) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه (ثم خرجت) من بيتها (فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك (فهي زانية) أي
[ 190 ]
كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبت ب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها (وكل عين زانية) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن الله إذا حرم شيئا زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي الله عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب قال بعض الكبراء تزيين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة لأن العين رائد القلب فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن إياك أن تقع عين زوجك على شئ لا يستملحه أو يشم منك ما يستقبحه (حم ن ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وأقول فيه عند الأولين ثابت بن عمارة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال : قال أبو حاتم : ليس بالمتين عندهم ووثقه ابن معين . 2972 (أيما رجل أعتق غلاما ولم يسم) في العتق (ماله يعني ما في يده من كسبه وإضافته إليه إضافة اختصاص لا تمليك (فالمال له) أي للغلام يعني ينبغي لسيده أن يسمح له به منحة منه وتصدقا عليه بما في يديه ليكون إتماما للصنيعة وزيادة لنعمة الإعتاق ذكره ابن الكمال وغيره (عن ابن مسعود) . 2973 (أيما امرئ) بكسر الراء (ولي من أمر المسلمين شيئا لم يحطهم) بفتح فضم أي يكلؤهم ويحفظهم ويصونهم ويذب عنهم والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه (بما يحوط به نفسه) أي بالذي يحفظ به نفسه ويصونها فالمراد لم يعاملهم بما يحب أن يعامل به نفسه من نحو بذل ونصح ونفقة وغيرها (لم يرح رائحة الجنة) حين يجد ريحها الإمام العادل الحافظ لما استحفظ لا أنه لم يجده أبدا قال الحرالي : والولاية القيام بالأمر عن وصلة واصلة قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية : لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفريقه إنما هي القول بالحق والعمل بالمعدلة وأخذ الناس في ذات الله وقال العارف ابن عربي : الإمارة ابتلاء لا تشريف ولو كانت تشريفا بقيت مع صاحبها في الآخرة في دار السعداء ولو كانت تشريفا ما قيل له ولا تتبع الهوى فحجر عليه والتحجير ابتلاء والتشريف إطلاق ويتحكم في العالم من
[ 191 ]
أسعده الله به ومن أشقاه من المؤمنين ومع ذلك أمر بالحق أن يسمع له ويطيع وهذه حالة ابتلاء لا شرف فإنه في حركاته فيها على حذر وقدم غرور ولهذا تكون يوم القيامة ندامة (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه ساقه من حديث إسماعيل بن شبيب الطائفي وقال : أحاديثه مناكير غير محفوظة وأقره عليه في اللسان . 2974 (أيما رجل عاهر) العاهر الزاني وعهر إلى المرأة أتاها ليلا للفجور بها غلب على الزنى مطلقا (بحرة أو أمة) يعني زنى بها فحملت (فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث) لأن الشرع قطع الوصلة بينه وبين الزاني قريب له إلا من قبل أمه وماء الزنا لا حرمة له مطلقا ولا يترتب عليه شئ من أحكام التحريم والتوارث ونحوهما عند الشافعية . (ت) في الفرائض من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه (عن) جده (ابن عمرو) بن العاصي قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم . 2975 (أيما مسلم شهد له أربعة) من المسلمين وفي رواية أربعة نفر أي رجال (بخير) بعد موته من الصحابة أو من غيرهم فمن اتصف بالعدالة لا نحو فاسق ومبتدع (أدخله الله الجنة) أي مع السابقين والأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فمن مات على الإسلام دخلها ولا بد شهد له أحد أم لا قال الراوي : فقلنا أو ثلاثة قال : (أو ثلاثة) فقلنا : أو اثنان قال : (أو اثنان) قال : ثم لم نسأله عن الواحد أي استبعادا للاكتفاء في مثل هذا المقام العظيم بأقل من نصاب وترك الشق الثاني وهو الشهادة بالشر لفهمه حكمه بالقياس على الخير أو اختصارا قال النووي : من مات فألهم الله الناس بالثناء عليه بخير كان دليلا على كونه من أهل الجنة سواء اقتضته أفعاله أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها وبه تظهر فائدة الثناء (حم خ) في الجنائز والشهادات (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه مسلم . 2976 (أيما صبي) أو صبية (حج) حال صباه (ثم بلغ الحنث) بسن أو احتلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) يعني يلزمه ذلك (وأيما أعرابي حج) قبل أن يسلم (ثم) أسلم و (هاجر) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بإسلامه في استطاعته وإن لم يهاجر (وأيما
[ 192 ]
عبد) أي قن أو أمة (حج) حال رقه (ثم أعتق) أي أعتقه سيده (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بعد مصيره حرا قال الذهبي في المهذب : كأنه أراد بهجرته إسلامه كما تقرر وفيه أنه يشترط لوقوع الحج عن فرض الإسلام البلوغ والحرية فلا يجزئ حج الطفل والرقيق إن كملا بعده وعليه الشافعي نعم إن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزأهما وأعاد السعي (خط) في التاريخ (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ابن عباس) وظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله لم يرفعه إلا زيد بن زريع عن شعبة وهو غريب اه‍ قال ابن حجر : تفرد برفعه محمد المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عنه وأخرجه ابن عدي وقال : إن يزيد بن زريع سرقه من محمد بن منهال اه‍ . ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح اه‍ فلو عزاه المصنف له لكان أولى . 2977 (أيما مسلمين التقيا) في نحو طريق (فأخذ أحدهما بيد صاحبه) أي أخذه يده اليمنى بيده اليمنى (وتصافحا) ولو من فوق ثوب والأكمل بدونه (وحمدا الله) أي اثنيا عليه وزاد قوله (جميعا) للتأكيد (تفرقا وليس بينهما خطيئة) ظاهره يشمل الكبائر وقياس نظائره قصره على الصغائر (حم والضياء) المقدسي (عن البراء) بن عازب قال أبو داود : لقيني البراء فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال : تدري لم أخذت بيدك ؟ قلت : لا إلا أني ظننت أنك لم تفعله إلا لخير فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم ذكره . 2978 (أيما امرئ من المسلمين حلف عند منبري هذا على يمين كاذبة يستحق بها حق مسلم أدخله الله النار وإن كان على سواك أخضر) قال العكبري : تقديره وإن حلف على سواك فحذف لدلالة الأولى عليه وعلى في قوله على يمين زائدة أي حلف يمينا ، وفي ذكر المنبر زيادة في التأكيد قال الرافعي : وهذا إشارة إلى أن اليمين يغلظ بالمكان كما يغلظ بالزمان قال النووي : ودخل في قوله حق مسلم نحو جلد ميتة وسرجين وسائر الاختصاصات وكذا كل حق ليس بمال كحد قذف (حم عن جابر) بن عبد الله . (أيما امرئ اقتطع حق امرئ مسلم) أي ذهب بطائفة منه ففصلها عنه يقال اقتطعت من الشئ قطعة فصلتها (بيمين كاذبة كانت له نكتة) والنكتة في الشئ كالنقطة والجمع نكت ونكات مثل برمة
[ 193 ]
وبرم وبرام ونكات الضم عامي (سوداء من نفاق في قلبه لا يغيرها شئ إلى يوم القيامة) فإن لم يدركه العفو أدخل النار حتى تنجلي تلك النكتة ويكون فيها حتى يطهر من درنه ويصلح لجوار الرحمن في الجنان (الحسن بن سفيان طب ك عن ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور ابن وديعة (الأنصاري) قيل : هو أحد الستة الذين تخلفوا عن تبوك قال الذهبي : وذلك ضعيف . 2979 (أيما عبد) يعني قن ولو أمة قال ابن حزم : لفظ العبد لغة يتناول الأمة لكن في الفتح فيه نظر ولعله أراد المملوك وقال القرطبي : العبد اسم للملوك الذكر بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق : إن هذا الحكم لا يشمل الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى * (إلا آتي الرحمن عبدا) * فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما بطريق الإلحاق لعدم الفارق وقد قال إمام الحرمين : إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق (كوتب على مائة اوقية) مثلا ورواية الحاكم كوتب على ألف أوقية (فأداها إلا عشرة أواق) في نسخ أواقي بشد الياء وقد تخفف جمع أوقية بضم الهمزة وشد الياء معروفة (فهو عبد وأيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد) المراد أنه أدى مال الكتابة إلا شيئا قليلا بدليل الخبر الآتي المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فلا يعتق إلا بأداء جميع ما عدا القدر الذي يجب حطه عنه وهذا مذهب الجمهور ونقل عن علي كرم الله وجهه أنه يعتق عنه بقدر ما أدى والمكاتب بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال الراغب : اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه * (كتب عليكم الصيام) * أو جمع وضم ومنه كتب الخط وعلى الأول مأخذها من الالتزام وعلى الثاني من الخط لوجوده عند عقدها غالبا . قال الروياني : وهي إسلامية ونوزع بأنها كانت متعارفة في الجاهلية وأقرها الشارع وأحسن تعاريفها أنها تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة (حم د) في العتق والكتابة (ه) في الأحكام كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص ورواه الحاكم باللفظ وصححه وأقره الذهبي . 2980 (أيما رجل مسلم) وفي رواية الاقتصار على رجل وفي أخرى على مسلم (أعتق رجلا مسلما) لوجه الله تعالى خالصا (فإن الله تعالى جاعل وقاء كل عظم) بكسر الواو وتخفيف القاف ،
[ 194 ]
والوقاية ما يصون الشئ ويستره عما يؤذيه (من عظامه) أي العتيق (عظما من عظام محرره) بضم الميم وفتح الراء المشددة أي من عظام القن الذي حرره (من النار نار جهنم جزاءا وفاقا (وأيما امرأة مسلمة) أعتقت امرأة معلمة لوجه الله تعالى (فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها) بفتح الراء المشددة (من النار يوم القيامة) فاستفدنا أن الأفضل للذكر عتق الذكر وللأنثى الأنثى وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا لمن عكس محتجا بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد بخلاف الذكر وعورض بأن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها وبأن في عتق الذكر من المعاني العامة ما ليس في الأنثى لصلاحيته للقضاء وغيره مما لا يصلح له الإناث وفي قوله إن الله جاعل وقاء كل عظم إلى آخره إيماء إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقص ليحصل الاستيعاب وأنه ينبغي للفحل عتق فحل لينال المعنى المعهود في عتق جميع أعضائه وقول الخطابي هو نقص مجبور إذ الخصي ينتفع به فيما لا ينتفع بالفحل استنكره النووي وغيره والكلام في الأولوية (د حب عن أبي نجيح) بفتح النون (السلمي) وأبو نجيح السلمي في الصحابة اثنان أحدهما عمرو بن عبسة والآخر العرباض بن سارية فكان ينبغي تمييزه قال ابن حجر : إسناده صحيح ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات . 2981 (أيما أمة ولدت من سيدها) أي وضعت منه ما فيه صورة خلق آدمي (فإنها) ينعقد لها سبب العتق وتكون (حرة إذا مات) السيد (إلا أن يعتقها قبل موته) فإنها تصير حرة بالعتق ولا يتوقف عتقها على موته (ه ك عن ابن عباس) قال ابن حجر رحمه الله تعالى : له طرق عند ابن ماجه وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه الحسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف جدا اه‍ . ورد الذهبي تصحيح الحاكم له بأن حسينا هذا متروك وممن تعقبه عبد الحق وتبعه في المنار وغيره . 2982 (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس) وأكثروا اللغط (ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله) بأي صيغة كانت من صيغ الذكر (أو يصلوا على نبيه) محمد صلى الله عليه وسلم كذلك وفيه تلميح إلى قوله تعالى * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤو ك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) *
[ 195 ]
(كانت عليهم ترة (1) من الله) أي نقص وتبعة وحسرة وندامة لتفرقهم ولم يأتوا بما يكفر لفظهم من حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهاء ترة عوض عن واوه المتروكة كواو عدة وسعة (إن شاء) أي الله (عذبهم) لتركهم كفارة المجلس (وإن شاء غفر لهم) فضلا وطولا منه تعالى ورحمة لهم * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي . (1) قوله ترة بالنصب خبر لكان وأنها ضمير يرجع للجلوس المفهوم من جلسوا . 2983 (أيما امرأة توفي عنها زوجها) أي مات وهي في عصمته (فتزوجت بعده فهي) أي فتكون هي في الجنة زوجة (لآخر أزواجها) (1) في الدنيا قالوا وهذا هو أحد الأسباب المانعة من نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعده لما أنه سبق أنهن زوجاته في الجنة . (طب عن أبي الدرداء) وأصله أن معاوية خطب أم الدرداء بعد موت أبي الدرداء فقالت سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما امرأة إلخ وما كنت لأختار على أبي الدرداء فكتب إليها معاوية فعليك بالصوم فإنه محسمة قال الهيثمي : فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط . (1) [ ولا يعارض هذا الحديث بالحديثين التاليين لضعفهما : ورد في حديث طويل : " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا " بضم الخاء واللام ، قال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي . وورد حيث مثله عن أنس ، خاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني والبزار باختصار وفيه عبيد بن إسحاق وهو متروك وقد رضيه أبو حاتم ، وهو أسوأ أهل الإسناد حالا ويمكن الجمع بين الأحاديث الثلاثة بأنها تكون لآخر أزواجها إذا تساووا في الخلق ، وإلا فتختار أحسنهم خلقا ؟ ؟ ، والله أعلم . دار الحديث 2984 (أيما رجل ضاف قوما) أي نزل بهم ضيفا (فأصبح الضيف محروما) من القرى بأن لم يقدموا له عشاء تلك الليلة (فإن نصره) بفتح النون نصرته وإعانته على أداء حقه (حق على كل مسلم) أي مستحقة على كل من علم بحاله من المسلمين (حتى يأخذ بقرى ليلته) أي بقدر ما يصرفه في عشائه تلك الليلة أي ليلة واحدة كما في رواية أحمد والحاكم (من زرعه وماله) ويقتصر على ما يشد الرمق أي بشين معجمة بقية الروح أو مهملة أي بسد الخلل الحاصل من الجوع قال الطيبي : وأفرد الضمير فيهما باعتبار المنزل عليه والمضيف وهو واحد ثم هذا في المضطر أو في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المارة (1) (حم د ك) في الأطعمة (عن المقدام) بن معد يكرب قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر : إسناده على شرط الصحيح . (1) وقال العلقمي : قال شيخنا : هذه الأحاديث كانت في أول الأمر حين كانت الضيافة واجبة وقد نسخ وجوبها وقد أشار إليه أبو داود بقوله باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره . 2985 (أيما رجل كشف سترا) أي أزاله أو نحاه (فأدخل بصره) يعني نظر إلى ما وراء الستر
[ 196 ]
من حرم أو غيرهن (من قبل أن يؤذن له) في الدخول (فقد أتى حدا لا يحل أن يأتيه) أي فيحرم عليه ذلك (ولو أن رجلا) من أصحاب ما وراء المكشوف من الستر (فقأ عينه) أي الناظر أي قذفه بنحو حصاة فقلع عينه (لهدرت) أي عينه فلا يضمنها الرامي وفيه حجة للشافعي أن من نظر من نحو كوة أو شق إلى بيت لا محرم له فيه فرماه صاحب البيت فقلع عينه هدر وأوجب أبو حنيفة الضمان (ولو أن رجلا مر على باب) أي منفذ نحو بيت (لا سترة عليه) أي ليس عليه باب من نحو خشب يستر ما وراءه عن العيون (فرأى عورة أهله) من الباب (فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل الباب) في تركهم ما أمروا به من الستر وقلة مبالاتهم باطلاع الأجانب على عوراتهم وفي نسخ بدل الباب البيت وهي أقعد قال الزين العراقي : فيه أنه يحرم النظر في بيت غيره المستور بغير إذنه ولو ذميا وأنه يحرم الدخول بطريق أولى (حم ت عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أن كلا منهما روى الكل والأمر بخلافه فإن الترمذي لم يرو إلا بعضه وتمامه عند أحمد وقال الهيثمي كالمنذري ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف . 2986 (أيما وال ولي من أمر المسلمين شيئا) أي ولم يعدل فيهم (وقف به على جسر جهنم) يحتمل أنه أراد به الصراط ويحتمل غيره والواقف به بعض الملائكة أو الزبانية (فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو) من عن مكانه الذي هو فيه فيقع في جهنم عضوا عضوا فعلى الإمام أن يقاسي النظر في أمرعيته بظاهره وباطنه قال عمر : إن نمت الليل لأضيعن نفسي وإن نمت النهار لأضيعن الرعية فكيف بالنوم بين هاتين (ابن عساكر) في التاريخ (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن عاصم) بن سفيان السقفي وقيل المخزومي . 2987 (أيما راع غش رعيته) أي مرعيته يعني خانهم ولم ينصح لهم (فهو في النار) أي يعذب بنار جهنم شاء الله أن يعذبه قال الزمخشري : والراعي القائم على الشئ بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية ويقال من راعى هذا الشئ أي متوليه وصاحبه والرعي حفظ الشئ لمصلحته وذهب جمهور الصوفية إلى أن المراد بالراعي في هذا الخبر وما أشبهه كخبر كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو الروح الإنساني ورعية جوارحه فيجب أن يسلك بها في التخلية والتحلية أعدل المسالك وأن يعدل في مملكة وجودها لأنها بحسب الصورة هي المملكة وسلطان صولتها هو المالك ومرادهم بعدلها أن
[ 197 ]
يستعمل كل جارحة فيما طلب منها شرعا على جهة الرفق والاقتصاد وأن يبدل كل خلق ذميم بخلق حميد قويم بناء على أن الخلق يقبل التغيير وهو القول المنصو اه‍ (ابن عساكر) في التاريخ (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة (ابن يسار) ضد اليمين . 2988 (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه) أي ساداته (فهو زان) وفي رواية للترمذي فهو عاهر وهذا نص صريح في بطلان نكاحه بغير إذن سيده وإن أجازه بعد وهو مذهب الشافعي إذ لم يقل في الخبر إلا أن يجيزه السيد (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد : حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه بلفظ أيما مملوك نكح بغير إذن مولاه فهو عاهر وفي رواية للترمذي فنكاحه باطل . 2989 (أيما امرأة مات لها ثلاثة) وفي رواية ثلاث (من الولد) بفتحتين يشمل الذكر والأنثى وخص الثلاثة لأنها أول مراتب الكثرة (كن) في رواية كانوا أي الثلاث (لها) وأنث باعتبار النفس أو النسمة وهو بضم الكاف وشد النون والولد يشمل الذكر والأنثى والمفرد والجمع ويخرج السقط لكن فيه حديث مر (حجابا من النار) أي نار جهنم وتمام الحديث عند البخاري نفسه قالت امرأة : واثنا قال : واثنان هذا لفظه وكأنه أوحى إليه به حالا ولا يبعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين أو كان عنده علم به لكن أشفق عليهم أن يتكلموا فلما سئل لم يكن بد من الجواب وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم يقاربه صبر ويصرح به خبر الطبراني من مات له ولد ذكر أو أنثى سلم أو لم يسلم رضي أو لم يرض صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب دون الجنة اه‍ قال الهيثمي : رجاله ثقات إلا عمرو بن خالد فضعيف (خ عن أبي سعيد) الخدري قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل لنا يوما فوعظهن فذكره وفي أخرى قالت امرأة : واثنان قال : واثنان . 2990 (أيما رجل مس فرجه) أي ذكر نفسه ببطن كفه أو حلقة دبره فالمس عام مخصوص كما سيأتي بيانه (فليتوضأ) وجوبا حيث لا حائل لانتقاض طهره بمسه (وأيما امرأة مست فرجها) أي ملتقى المنفد من قبلها أو حلقة دبرها ببطن كفها (فلتتوضأ) وجوبا لبطلان طهرها به وإذا كان كذلك فمس فرج غيره أفحش وأبلغ في اللذة فهو أولى بالنقض وبهذا أخذ الشافعية والحنابلة وخالف الحنفية وسيأتي تقريره (حم قط عن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الذهبي في
[ 198 ]
التنقيح : وإسناده قوي وقال ابن حجر رحمه الله رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عنه هكذا وقيل عن المثنى بن الصباح عنه عن سعيد بن المسيب عن بسرة بنت صفوان وفي الباب طلق بن علي وغيره . 2991 (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما فهو فكاكه من النار) أي نار جهنم (يجزى) بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز أي ينوب (بكل عظم منه عظمامنه) حتى الفرج بالفرج كما في رواية (وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فهي فكاكها من النار تجزى بكل عظم منها عظما منها) حتى الفرج بالفرج وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه) بفتح الفاء وتكسر أي كانتا خلاصه (من النار يجزى بكل عظمتين منهما عظما منه) فأفاد أن عتق العبد يعدل عتق أمتين (1) ولهذا كان أكثر عتق النبي صلى الله عليه وسلم ذكورا وهذا تنويه عظيم بفضل العتق لا يساويه فيه غيره إلا قليلا . قال الخطابي رحمه الله : ويندب أن لا يكون القن المعتق ناقصا عضوا بنحو عور أو شلل بل يكون سليما لينال معتقه الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه من الرق في الدنيا قال : وقد يزيد نقص العضو في الثمن كالخصي يصلح لما لا يصلح له الفحل من نحو حفظ الحرم اه‍ . وأشار به إلى أن النقص المجبور بالمنفعة مغتفر (طب عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة (د ه طب عن مرة) بفتح الميم (ابن كعب) بن مرة الفهري (ت عن أبي أمامة) الباهلي وقال : حسن . (1) قال القاضي : اختلف العلماء هل الأفضل عتق الإناث أم الذكور فقال بعضهم الإناث لأنها إذا عتقت كان ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد وقال آخرون عتق الذكور أفضل لما في الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث كالقضاء والجهاد ولأن من الإناث من إذا عتقت تضيع بخلاف العبيد وهذا القول هو الصحيح . 2992 (أيما امرأة زوجها وليان) أي أذنت لهما معا أو أطلقت أو أذنت لأحدهما وقالت : زوجني بزيد وللآخر زوجني بعمرو (فهي) زوجة (للأول) أي السابق (منهما) ببينة أو تصادق معتبر
[ 199 ]
فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا معا (وأيما رجل باع بيعا) أي مرتا (من رجلين فهو للأول) أي فالبيع للسابق (منهما) فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا (حم ع ك) كلهم في النكاح إلا القزويني ففي التجارة كلهم من حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وحسنه الترمذي وقال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي قال ابن حجر : وصحته موقوفة على ثبو ت سماع الحسن من سمرة فإن رجاله ثقات . 2993 (أيما امرأة نكحت) أي تزوجت (على صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة والمد : أصله العطية وهي المسمى بالحلوان وقيل هو عطية خاصة (أو عدة) ظاهره أنه يلزمه الوفاء وعند ابن ماجه أو هبة بدل عدة (قبل عصمة النكاح) أي قبل عقد النكاح (فهو لها) أي مختص بها دون أبيها لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه لأبيها ما شرط فليس لأبيها حق فيه إلا برضاها (وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي وما شرط من نحو هبة أو عدة مع عقد النكاح فهو ثابت لمن أعطيه ولا فرق بين الأب وغيره قال الخطابي : هذا موكول على ما شرطه الولي لنفسه غير المهر (وأحق ما أكرم) بضم فسكون فكسر (عليه الرجل) أي لأجله فعلى للتعليل (ابنته (1) بالرفع خبر أحق وقد ينصب على حذف كان تقديره أحق ما أكرم لأجله الرجل إذا كانت ابنته (أو أخته) قال ابن رسلان : ظاهر العطف أن الحكم المذكور لا يختص بالأب بل في معناه كل ولي ولم أر من قال به (حم د ن ه عن ابن عمرو) ابن العاص . (1) وبهذا قال إسحاق بن راهويه وقد روى عن زين العابدين أنه زوج ابنته واشترط لنفسه شيئا وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين وقال للزوج جهز امرأتك وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وسفيان النووي ومالك في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب قال أصحابنا ولو نكح بألف على أن لأبيها أو أن يعطي أباها ألفا فالمذهب فساد الصداق المسمى ووجوب مهر المثل لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد والمهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها . 2994 (أيما امرأة) ثيب أو بكر (زوجت نفسها من غير ولي فهي زانية) نص صريح في اشتراط الولي لصحة النكاح وبهذا أخذ الشافعي وقوله من غير ولي إيضاح (خط عن معاذ) بن جبل قال ابن الجوزي : هذا لا يصح وفيه أبو عصمة نوح بن أبي مريم قال يحيى ليس بشئ لا يكتب حديثه وقال السعدي : سقط حديثه وقال مسلم والدارقطني ونوح وضع حديث فضائل القرآن .
[ 200 ]
2995 (أيما امرأة تطيبت) أي استعملت الطيب الذي هو ذو الريح (ثم خرجت إلى المسجد) تصلي فيه (لم تقبل لها صلاة) ما دامت متطيبة (حتى تغتسل) يعني تزيل أثر ريح الطيب بغسل أو غيره أي لأنها لا تثاب على الصلاة ما دامت متطيبة لكنها صحيحة مغنية عن القضاء مسقطة للفرض فعبر عن نفي الثواب بنفي القبول إرعابا وزجرا (ه عن أبي هريرة) وفيه عاصم بن عبد الله ضعفه جمع . 2996 (أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه) فيه حجة لمذهب الليث أن الممتنع وصل الشعر بالشعر أما لو وصلت شعرها بغير شعر كخرقة وصوف فلا يشمله النهي وبه أخذ بعضهم وضعفه الجمهور مطلقا (1) (ن عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره . (1) وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة . 2997 (أيما رجل أعتق أمة ثم تزوج بها بمهر جديد فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج (طب عن أبي موسى) الأشعري . 2998 (أيما رجل قام إلى وضوئه) يحتمل كونه بفتح الواو أي الماء ليتوضأ منه ويحتمل بالضم أي إلى فعل الوضوء (يريد الصلاة) بذلك الوضوء (ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة) تقطر منهما قال القاضي : هو مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وكذا يقال فيما بعده وقال الطيبي : هذا وما بعده تمثيل وتصوير لبراءته عن الذنوب كلها على سبيل المبالغة لكن هذا العام خص بالتغاير (فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة) تقطر منه (فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له ومن كل خطيئة كهيئة (يوم ولدته أمه) ويصير سالما من الذنوب مثل وقت ولادته (فإذا قام إلى الصلاة) وصلاها (رفعه الله عز وجل بها درجة)
[ 201 ]
أي منزلة عالية في الجنة (وإن قعد) أي عن الصلاة أي لم يصلها بذلك (قعد سالما من الخطايا قال الطيبي : فإن قلت ذكر لكل عضو ما يختص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك العضو والوجه مشتمل على الأنف والفم فلم خصت بالذكر دونهما قلت العين طليعة القلب ورائده وكذا الأذن فإذا ذكرا أغنيا عن سائرها قال : والبصر واليد والرجل كلها تأكيدات تفيد مبالغة في الإزالة واعلم أنه قد زاد في رواية للطبراني بعد غسل اليدين إلى المرفقين فإذا مسح برأسه تناثرت خطاياه من أصول الشعر والمراد بخطايا الرأس نحو الفكر في محرم وتحريك الرأس استهزاء بمسلم وتمكين المرأة أجنبيا من مسه مثلا والخيلاء بشعره والعمامة وإرسال العذبة فخرا وكبرا ونحو ذلك (تنبيه) قال القصيري : ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ونفضهما مما يشغله عنه وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يملكه ويهبطه من أعلا عليين إلى أسفل سافلين وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله وتطهير الأنف من الأنفة والكبر والعين من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر واليدين تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله والرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز وهكذا ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى (حم عن أبي أمامة) الباهلي قال المنذري : رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسبها الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به . 2999 (أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله) أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله (فبلغ) إلى العدو (مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة) أي مثل أجر نسمة (أعتقها من ولد إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليه السلام (وأيما رجل شاب في سبيل الله) أي في الجهاد أو في الرباط يعني من هول ذلك ويحتمل أن المراد داوم على الجهاد حتى أسن (فهو له نور) أي فالشيب نور له فإن قلت : ورد في غير ما خبر أن الشيب نور لكل مؤمن فما الذي تميز به هذا المجاهد قلت : فالشيب في نفسه نور لكل مؤمن كما في حديث فالحاصل لهذا الرجل نور على نور (وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فكل عضو من المعتق) بكسر
[ 202 ]
التاء (بعضو من المعتق) بفتحها (فداء (1) من النار) أي يجعله الله له فداء من نار جهنم والمرأة مثل الرجل (وأيما رجل قام) أي هب من نومه أو تحول من مقعده (وهو) أي والحال أنه (يريد الصلاة) يعني التهجد (فأفضى الوضوء إلى أماكنه سلم من كل ذنب وخطيئة هي له فإن قام إلى الصلاة رفعه الله بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن رقد) بعد ذلك (رقد سالما) من الذنوب والبلايا لحفظ الله له ورضاه عنه (طب عن عمرو بن عبسة) بن عامر أو ابن خالد السلمي . (1) بنصب فداء على الحال أو التمييز أو المفعول المطلق والمراد مثل الرجل . 3000 (أيما وال ولي أمر أمتي بعدي (1) أقيم على الصراط) أي وقف به على متن جهنم (ونشرت الملائكة صحيفته) التي فيها حسناته وسيئاته (فإن كان عادلا نجاه الله بعدله) أي بسبب عدله بين خليقته (وإن كان جائرا انتفض به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله) أي تفارق كل مفصل مفصل منه (حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة عام) يعني بعدا كثيرا جدا فالمراد التكثير لا التحديد كما في نظائره (ثم ينخرق به الصراط فأول ما يتقي به النار أنفه وحر وجهه) لأنه لما خرق حرمة من قلده الله أمره من عباده واستهان بهم وخان فيما جعل أمينا عليه ناسب أن ينخرق به متن الصراط والجزاء من جنس العمل وهذا وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد والظاهر أن في الحديث تقديما وتأخيرا وأن الانخراق به قبل تفرق أعضائه ثم تتفرق أعضاؤه من الهوى وقد يقال هو على بابه ويكون المراد بالأعضاء اليدين والرجلين خاصة (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه . (1) قوله بعدي قيد بالبعدية لإخراج من ولي أمر أمته في حياته من أمرائه فإنه لا يجري فيه التفصيل الآتي لأنهم كلهم عدول . 3001 (أيما مسلم استرسل إلى مسلم) أي استأنس واطمأن إليه (فغبنه) في بيع أو شراء أي
[ 203 ]
غلبه بنقص في العوض أو غيره (كان غبنه ذلك ربا) أي مثل الربا في التحريم ومنه أخذ بعض الأئمة ثبوت الخيار الغبن ومذهب الشافعي رضي الله عنه لا حرمة ولا خيار لتفريط المشتري بعدم الاحتياط (حل عن أبي أمامة) ورواه عنه الطبراني أيضا باللفظ المزبور وفيه موسى بن عمير القرشي الراوي عن مكحول قال الذهبي قال أبو حاتم ذاهب الحديث . 3002 (أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة) الظاهر أن المراد بقعودها عليهم تعزبها ليتمهم وصبرها عن الرجال وعن التوسع في النفقة منهم لأجل الأولاد وأن المراد بالمعية المعية في السبق إلى الجنة بقرينة خبر أنا أول من يدخل الجنة لكن تبادرني امرأة فأقول من أنت فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتامي وأما درجة المصطفى صلى الله عليه وسلم فليس معه فيها أحد (ابن بشران) في أماليه (عن أنس) . 3003 (أيما راع) أي حافظ مؤتمن على شئ من أمور المسلمين وكل من وكل بحفظ شئ فهو راع ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام وأمرائه ولاية أمور الرعية (لم يرحم رعيته) بأن لم يعاملهم بالرحمة ولم يذب عنهم وأهمل أمرهم وضيع حقهم (حرم الله عليه الجنة) أي دخولها قبل تطهيره بالنار لأن الراعي ليس بمطلوب لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فإذا لم يتصرف فيه بما أمر به فقد غش وخان فاستحق دخول دار الهوان وهذا شامل حتى للرجل الذي هو من آحاد الناس فإنه راع لعياله فإذا لم ينظر إليهم بالشفقة والعطف والإحسان فهو داخل في هذا الوعيد الشديد نسأل الله الغفران وأن يرضي عنا خصماءنا يوم الحساب والميزان (خيثمة الطرابلسي في جزئه) الحديثي (عن أبي سعيد) الخدري . 3004 (أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة) تعميم بعد تخصيص (حتى يكبر (1) أي يطعن في السن (أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا) بالتشديد أي مثل ثوابهم أجمعين قال في الفردوس : النشئ الأحداث الواحد ناشئ مثل خادم وخدم وأنشأ الرجل إذا ابتدأ والنشئ ابتداع الشئ وابتداؤه اه‍ . وظاهره أن هذا الثواب الموعود إنما هو في علم شرعي قصد بطلبه وجه الله تعالى (طب عن أبي أمامة) قال في الميزان : هذا منكر جدا اه‍ . وقال الهيثمي : فيه يوسف ابن عطية متروك الحديث .
[ 204 ]
(1) بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن ويموت على ذلك قال في الصحاح : كبر بمعنى طعن في السن بكسر الباء في الماضي وفتحها في المضارع وأما كبر بمعنى عظم فهو بضمها 3005 (أيما قوم نودي فيهم بالأذان صباحا كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى) ذلك اليوم وتلك الليلة (حتى يمسوا وأيما قوم نودي فيهم بالأذان مساء كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى حتى يصبحوا) أي يدخلوا في الصباح والظاهر أن المراد بالعذاب هنا القتال بدليل خبر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل بساحة قوم فسمع الأذان كف عن القتال ذلك اليوم (طب عن معقل ابن يسار) قال الهيثمي : فيه أغلب بن تميم وهو ضعيف . 3006 (أيما مال أديت زكاته) الشرعية لمستحقيها (فليس بكنز (1) فلا يدخل صاحبه بادخاره في قوله تعالى * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * (خط) من حديث عبد العزيز البالسي (عن جابر) أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح قال أحمد : اضرب على حديث عبد العزيز البالسي فإنه كذاب وقال موضوع . (1) وإن دفن في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن لم يدفن فيدخل صاحبه في آية والذين يكنزون . 3007 (أيما راع استرعى رعية) أي طلب منه أن يكون راعي جماعة أي أميرهم (فلم يحطها) أي لم يحفظها يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا حفظه وصانه وذب عنه (بالأمانة والنصيحة) أي بإرادة الخير والصلاح (ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شئ (1) يعني أنه يبعد عن منازل الأبرار ويساق مع العصاة إلى النار فإذا طهر من دنسه شمله الغفران وصلح إلى جوار الرحمن قال العارف ابن عربي : فالحاكم خليفة الله فإن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما هم فيه من فنون اللذات وميل الشهوات ولم ينظر في أحوال من أمر النظر في أحواله من رعاياه فقد عزل نفسه عن الخلافة بفعله ورمت به المرتبة وبقي عليه السؤال من الله والوبال والخيبة وفقد الرياسة والسيادة وحرمه الله خيرها وندم حيث لا ينفعه الندم (خط عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب العبسي . (1) بمعنى أنه يحرم منها وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لأن رحمة الله ترجى للعاصين .
[ 205 ]
3008 (أيما وال ولي شيئا من أمر أمتي) أمة الإجابة (فلم ينصح لهم) في أمر دينهم ودنياهم (ويجتهد لهم) فيما يصلحهم (كنصيحته وجهده) أي اجتهاده (لنفسه كبه الله تعالى على وجهه يوم القيامة في النار) نار جهنم (1) لأن الله تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم النصيحة لهم لا لنفسه فلما قلب القضية استحق النار الجهنمية (طب عن معقل بن يسار) ضد اليمين . (1) أي ألقاه الله فيها على وجه الإذلال والإهانة والاحتقار وقد تدركه الرحمة فيعفى عنه . 3009 (أيما وال ولي على قوم فلان) لهم أي لاطفهم بالقول والفعل (ورفق) بهم وساسهم بلطف (رفق الله تعالى به يوم القيامة) في الحساب والعتاب ومن عامله بالرفق في ذلك المقام فهو من السعداء بلا كلام والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله (ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب عن عائشة) رضي الله عنها . 3010 (أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع) بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس (فإن عليه مثل أوزار من اتبعه) على ذلك (ولا ينقص من أوزارهم شيئا) فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع) بالبناء للمجهول أيضا أي اتبعه قوم عليها (فإن له مثل أجور من اتبعه) منهم (ولا ينقص من أجورهم شيئا) فإن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة على الخير قال تعالى : * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * ، * (وتعاونوا على البر والتقوى) * * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) * وفيه ث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به (ه عن أنس) . 3011 (أين الراضون بالمقدور) أي بما قدره الله تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم
[ 206 ]
قليل (أين الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه مين الى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل : أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا ولست بمفراح إذ الدهر سرني * ولا جازع من صرفه المتقلب وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا (هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا) . 3012 (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن تمو ت حتى تستوفي رزقها) * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) * (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي : ومن الدليل على القضاء وكونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق قال الفخر الرازي : يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * وقال الزمخشري : قيل لبزرجمهر : تعال نتناظر في القدر قال : وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا دل على باطن ، ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن التدبير ليس للعباد ، وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع
[ 207 ]
الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا وبين كيفية الإجمال بقوله فيه (خذوا ما حل) لكم تناوله (ودعوا) أي اتركوا (ما حرم) عليكم أخذه ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقا قدر له لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه ، والعبد أسير القدرة سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل الله به فإنها إنما تكون بالله والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر باضطراره ، عالم بافتقاره ، والدنيا حجاب الآخرة ، ومن كشف عن بصر قلبه ، رأى الآخرة بعين إيقانه ، ومن نظر إلى الآخرة زهد في الدنيا ، إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال : إن لي نفسا تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى مناصب الآخرة (ه عن جابر) . 3013 (أيها الناس عليكم بالقصد) أي الزموا السداد والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (عليكم بالقصد) كرره للتأكيد قال الحكماء الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر : أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز (فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما والملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شئ فيورث الكلال في الفعل والاعراض عنه وهذا مستحيل في حقه فإسناد الملال إليه تقدس على طريق المشاكلة من قبيل * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * أو هو محمول على غايته وهو الاعراض (ه ع حب عن جابر) بن عبد الله . 3014 (أيها الناس) قال ابن مالك في شرح الكافية : إذا قلت أيها الرجل فأيها والرجل كاسم واحد وأي مدعو والرجل نعت له ملازم لأن أي مبهم لا يستعمل بغير صلة إلا في الجزاء والاستفهام وها حرف تنبيه فإذا قلت يا أيها الرجل لم يصح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة وأي يتوصل به إليه وإن قصد به مؤنث زيدت التاء نحو * (يا أيتها النفس المطمئنة) * (اتقوا الله) أي بالغوا في الخوف منه باستحضار ما له من العظمة وإظهار نواميس العدل يوم الفصل (فوالله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى) له (منه يوم القيامة) (1) الذي يظهر فيه عدله أتم الظهور ويدين فيه العباد بما فعلوا ولهذا لما
[ 208 ]
سب رجل الحجاج عند الحسن فقال مه فإن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه . (عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري . (1) حيث لم يعف عنه المظلوم ولم تحفه العناية الإلهية فيرضيه الله عنه وذكر المؤمن غالبي فمن له ذمة أو عهد أو أمان كذلك . 3015 (أيها الناس لا تعلقوا علي بواحدة) أي لا تأخذوا علي في فعل ولا قول واحد يعني لا تنسبوني فيما أشرعه وأسنه كان وحيا إلهيا وحكما ربانيا أي ما لم يقم دليل على أن ذلك من الخصوصيات (ما أحللت إلا ما أحل الله تعالى وما حرمت إلا ما حرم الله تعالى) أي فإني مأمور في كل ما آتيه أو أذره وقد فرض الله في الوحي اتباع الرسول فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * ومن رد فإنما رد على الله (تنبيه) قال العار ف ابن عربي : لو جاز أن يجئ الكاذب بما جاء به الصادق لانقلبت الحقائق وتبدلت القدرة بالعجز ولاستند الكذب إلى حضرة العز وهذا كله محال وغاية الضلال فما ثبت للواحد الأول يثبت للثاني في جميع الوجوه والمعاني (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) . 3016 (أيها المصلي وحده) أي المنفرد عن الصف (ألا) هلا (وصلت إلى الصف فدخلت) معهم (أو جررت إليك رجلا) من الصف ليصطف معك (إن ضاق بك المكان) أي الصف (فقام معك) فصرتما صفا (أعد صلاتك) التي صليتها منفردا عن الصف (فإنه لا صلاة لك) أي كاملة قاله لرجل رآه يصلي خلف القوم والأمر بالإعادة للندب لا للوجوب (طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة ابن معبد رواه عنه أبو يعلى وفيه مالك بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة ضعفه أبو داود عن السري بن إسماعيل قال يحيى : استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي : متروك . 3017 (أيتها الأمة) أي أمة الإجابة (إني لا أخاف عليكم فيما لا تعلمون) فإن الجاهل إذا لم يقصر معذور (ولكن انظروا) أي تأملوا (كيف تعملون فيما تعلمون) قال عيسى عليه الصلاة والسلام : مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت وكذا من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ، وقال ابن دينار : إذا لم يعمل العالم
[ 209 ]
بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفاء وقال السقطي : اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر فسألته فقال : قيل لي في النوم كيف تضيع العلم ضيعك الله فقلت : إني لا أحفظه قال : حفظه العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل (حل) من حديث الحسين بن جعفر القتات عن حميد بن صالح عن فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال : لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن عبيد الله بن موهب المدني . 3018 (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء (عبد زارأخا له في الله (1) نودي) من قبل الله على لسان بعض ملائكته (أن طبت) في نفسك (وطابت لك الجنة ويقول الله عز وجل عبدي زارني علي قراه) أي علي ضيافته (ولن أرضى لعبدي بقرى دون الجنة) أضاف الزيارة إليه تعالى وإنما هي للعبد المزور العاجز حثا للخلق على المؤاخاة في الله والتزاور والتحابب فيه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن زيارة المؤمن لأخيه في الله تعالى عيادة لله من حيث أنها إنما فعلت لوجه الله فهو على المجاز والاستعارة فافهم (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس) (1) وفي العزيزي في بالفاء كما في كثير من النسخ . 3019 (أي) بفتح الهمزة وتخفيف الياء مقلوب يا ، وهو حرف نداء ذكره أبو البقاء (أخي) ناداه نداء تعطف وشفقة ليكون أدعى إلى الإمتثال والقبول * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * (إني موصيك بوصية (1) فاحفظها) عني (لعل الله أن ينفعك بها) أي باستحضارها والعمل بمضمونها (زر القبور) أي قبور المؤمنين لا سيما الصالحين (تذكر بها) أي بزيارتها أو مشاهدة القبور والاعتبار بحال أهلها (الآخرة) لأن من رأى مصارع من قبله وعلم أنه عما قريب صائر إليهم حركه ذلك لا محالة إلى تذكر الآخرة قال أبو ذر : قلت : يا رسول الله بالليل ؟ قال : لا (بالنهار) لما في الليل من مزيد الاستيحاش ولعل هذ لغير الكاملين أما من أنسه ليس إلا بالله ووحشته ليست إلا من الناس فهما في حقه سيان بشهادة خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ليلا يستغفر
[ 210 ]
لأهله وتكون الزيارة (أحيانا) لا في كل وقت (ولا تكثر) منها لئلا تتعطل عن مهماتك الأخروية والدنيوية قال السبكي وزيارتها أقسام أحدها لمجرد رؤيتها بغير معرفة بأصحابها ولا قصد استغفار لهم ولا تبرك بهم ولا أداء حق لهم وهو مستحب لهذا الخبر ، الثاني الدعاء لهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وهو مستحب لكل ميت مسلم ، الثالث للتبرك إذا كانوا صلحاء قال السار مساجي المالكي : وذلك في غير قبر بني بدعة وفيه نظر ، الرابع لأداء حقهم فمن له حق على إنسان يبره بزيارته ومنه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فينبغي ذلك رحمة للميت ورقة وتأنيسا والآثار في انتفاع الموتى بزيارة الأحياء وإدراكهم لها لا تحصى (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو) أي فارغ من الروح (عظة بليغة) وأعظم بها من عظة قال الذهبي : هدواء للنفوس القاسية والطباع المتكبرة وقيل لبعض الزهاد : ما أبلغ العظات ؟ قال : النظر إلى محلة الأموات وقال بعضهم : لنا من كل ميت نشاهده عظة بحاله وعبرة بماله والموعظة بفتح الميم الوعظ وهي التذكير بالعواقب وقال بعضهم : الموعظة التذكير بالله وتليين القلوب بالترغيب والترهيب (وصل على الجنائز) من عرفت منهم ومن لم تعرف (لعل ذلك يحزن قلبك فإن الحزين في ظل الله تعالى) أي في ظل عرشه أو تحت كنفه (معرض لكل خير وجالس المساكين) أي والفقراء إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (وسلم عليهم) أي ابتدئهم بالسلام (إذا لقيتهم) في الطرق وغيرها (وكل مع صاحب البلاء تواضعا لله تعالى) بمؤاكلته (وإيمانا به) أي تصديقا بأنه لا يصيبك من ذلك البلاء إلا ما قدر عليك في الأزل وأنه لا عدوى ولاطيرة وهذا خوطب به من قوي توكله كما خاطب بقوله فر من المجذوم من كان ضعيف التوكل فالتدافع مدفوع (والبس الخشن الضيق من الثياب) من نحو قميص وجبة وعمامة (لعل العز والكبرياء لا يكون لهما فيك مساغ وتزين أحيانا) بالملابس الحسنة (لعبادة ربك) كما في الجمعة والعيدين (فإن المؤمن كذلك يفعل) أي يلبس الخشن حتى إذا جاء موسم من المواسم الإسلامية أو اجتماع لعبادة تزين (تعففا) أي إظهارا للعفة على الناس (وتكرما) عليهم (وتجملا (2) بينهم حتى يدفع عنه سمة الفقر ورثاثة الهيئة (ولا تعذب شيئا مما خلق الله بالنار) فإنه لا يعذب بالنار إلا خالقها وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وهذا هو المقام الذي درج عليه جمهور الأولياء والعاقل من تبعهم في ذلك فإن قيل إن بعض الصحب كان يلبس الحلة بخمسمائة دينار
[ 211 ]
ولبس طاوس اليماني بردة بسبعين دينارا ولبس الشافعي حلة بألف دينار كساها له محمد بن الحسن لما ورد بغداد ومعلوم أن هؤلاء موصوفون بكمال الزهد فالجواب أنهم لم يفعلوه رغبة في الدنيا بل اتفاقا أو بيانا لامتهانهم إياها أو عملا برخصة الشارع أحيانا فإنه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقد قال بعض العارفين : إذا أحكم العبد مقام الزهد لم يضره ما لبس وأكل (فائدة) أخبرنا والدي الشيخ تاج العارفين المناوي الشافعي قال : حدثنا الشيخ الصالح زين الدين معاذ قال : حدثنا شيخ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام شرف الدين يحيى المناوي من حفظه ولفظه إملاء عن المحقق الحافظ أبي زرعة القرافي عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن أحمد بن عساكر عن زينب الشقرية عن علامة الإسلام أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري لنفسه : ليس السيادة أكماما مطرزة * ولا مراكب يجري فوقها الذهب وإنما هي أفعال مهذبة * ومكرمات يليها العقل والأدب وما أخو المجد إلا من بغى شرفا * يوما فهان عليه النفس والسلب وأفضل الناس حر ليس يغلبه * على الحجى شهوة فيه ولا غضب (ابن عساكر) في ترجمة أبي ذر (عن أبي ذر) وفيه موسى بن داود أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول ويعقوب ابن إبراهيم لا يعرف عن يحيى بن سعيد عن رجل مجهول . (1) أي بليغة عظيمة النفع لمن فتح الله قفل قلبه وجعل خليفته مستقيمة وأذنه سميعة . (2) يحتمل أنه بالحاء المهملة أي تحملا عنهم مؤونة مواساته ويحتمل بالجيم أي تجملا في الملبس للتحدث بالنعمة . 3020 (أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا) أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعد (1) وكان صلى الله عليه وسلم واقفا على شفير قبر وبكى حتى بل الثرى وإذا كان هذا حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا ؟ والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل خصوصا الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير ، ولله در حسان رضي الله عنه حيث يقول : تخير خليلا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل (تتمة) حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال : يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال : من خيرهم ومن شرهم قال : يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال
[ 212 ]
: ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعدد ت لهذا اليوم قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال : نعم والله العدة ثم قال الفرزدق : أخاف وراء القبر إن لم يعافني * أشد من القبر التهابا وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا (حم ه عن البراء) بن عازب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى ثم ذكره قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه : إسناده حسن وفيه محمد بن مالك أبو المغيرة قال في الميزان : قال ابن حبان لا يحتج به ثم أورد له هذا الخبر . (1) أي فليتخذ عدة تنفعه في بيت الظلمة والوحشة وهو العمل الصالح . 3021 (أيحسب) الهمزة للإنكار (أحدكم) فيه حذف تقديره أيظن أحدكم (إذا كان يبلغه الحديث عني) حال كونه (متكئا على أريكته (1) أي سريره أو فراشه أو منصته وكل ما يتكؤ عليه فهو أريكة قال القاضي : الأريكة الحجلة وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس جمعها أرائك وقال الراغب : سميت به إما لكونها متخذة من الأراك أو لكونها مكانا للإقامة وأصل الأراك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات قال البغوي : أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم وقال المظهر : أراد بالوصف التكبر والسلطنة (أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن (2) هذا من تتمة مقولة ذلك الإنسان أي قد يظن بقوله بيننا وبينكم كتاب الله أن الله لم يحرم إلا ما في القرآن وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع للمصنف عازيا لأبي داود وقد سقطت منه لفظة وأصله أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا هكذا هو ثابت في رواية أبي داود فسقط من قلم المؤلف لفظ يظن قال بعض شراح أبي داود وقوله يظن بدل من يحسب بدل الفعل من الفعل كقول الشاعر : متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا فقوله تلمم بدل من تأتنا لأن الإلمام نوع من الإتيان (ألا) يعني تنبهوا لما ألقيه عليكم (وإني والله قد أمرت) بفتح الهمزة والميم (ووعظت) ومتعلق الأمر والوعظ محذوف أي أمرت ووعظت بأشياء
[ 213 ]
(ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن) بكسر الميم وسكون المثلثة وتفنح أي قدره (أو أكثر) وهي في الحقيقة مستمدة مني فإنها بيان له * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) * قال المظهر : أو في قوله أو أكثر ليست للشك لترقبه الزيادة طورا بعد طور ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ثم كوشف بالزيادة متصلا به قال الطيبي : مثلها في قوله تعالى * (مائة ألف أو يزيدون) * (وإن الله تعالى لم يحل لكم) بضم الياء وكسر الحاء (أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب) أي أهل الذمة (إلا بإذن) منهم لكم صريحا وفي معنى بيوتهم متعبداتهم من نحو كنيسة وبيعة (ولا ضرب نسائهم) أي ولا يحل لكم ضرب أحد نسائهم لأخذ الطعام أو غيره قهرا أو لتجامعوهن فلا تظنوا أن نساء أهل الذمة حل لكم كنساء الحربيين (ولا أكل ثمارهم) أي ونحوها من كل مأكول (إذا أعطوكم الذي عليهم) من جزية وغيرها والحديث كناية عن عدم التعرض لهم بالإيذاء في أهل أو مسكن أو مال إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية وإنما وضع قوله الذي عليهم موضع الجزية إيذانا بفخامة العلة وفيه وجوب طاعة الرسول وقد نطق به التنزيل قال الطيبي : وكلمة التنبيه مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية معطية معنى تحقق ما بعدها ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا مصدرا بما يصدر به جواب القسم وشقيقتها أما وتكررها يؤذن بتوبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا ، مع الكتاب ، فكيف بمن رجح الرأي على الحديث ؟ قيل وما أوتيه غير القرآن على أنواع : أحدها الأحاديث القدسية التي أسندها إلى رب العزة . الثاني ما ألهم . الثالث ما رآه في النوم . الرابع ما نفث جبريل عليه السلام في روعه أي في قلبه في غير ما موضع (د) في الخراج (عن العرياض) بكسر العين المهملة وفتح التحتية ابن سارية السلمي بضم المهملة قال : نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وكان صاحبها ماردا متكبرا فقال : يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمر ابن عوف أن يركب فرسا وينادي إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وإن اجتمعوا للصلاة فاجتمعوا فصلى بهم فذكره قال المناوي رحمه الله : فيه أشعث بن شعبة المصيصي فيه مقال . (1) في النهاية : الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر ولا يسمى منفردا أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة اه‍ . قال ابن رسلان : ويترجح هذا هنا فإنهم كانوا في غزوة خيبر ولم تكن الحجلة موجودة عليه وهي بفتح الحاء والجيم بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار . (2) ليس بظاهر بل المقول محذوف أي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله إن الله لم يحرم إلخ . 3022 (أيمن امرئ وأشأمه) أي أعظم ما في جوارح الإنسان يمنا أي بركة وأعظم ما فيها شؤما أي شرا (ما بين لحييه) وهو اللسان واللحيان بفتح اللام وسكون المهملة العظمان اللذان بجانبي الفم فقوله أيمن بضم الميم من اليمن وهو البركة وأشأم بالهمزة بعد الشين من الشؤم وهو الشر وقد مر مرارا أن أكثر خطايا ابن آدم من اللسان وأن الأعضاء كلها تكفره وأنه إن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت فهو المتبوع والإمام في الخير والشر (طب عن عدي بن حاتم)
[ 214 ]
(فصل في المحلى بأل من هذا الحرف) أي حرف الهمزة وهو ختامه . 3023 (الآخذ) بالمد (بالشبهات) جمع شبهة وهي هنا محل تجاذب الأدلة وتعارض المعاني والأسباب واختلاف العلماء (يستحل الخمر بالنبيذ) أي يتناول الخمر بالنبيذ ويقول النبيذ حلال (والسحت بالهدية) أي يتناول ما يصل إليه من نحو الظلمة أو ما يأخذ من الرشوة بأنه هدية والهدية سائغة القبول والسحت بضمتين وإسكان الثاني تخفيف كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله كذا في المصباح (والبخس بالزكاة) بموحدة وخاء معجمتين وسين مهملة ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكس يتأولون فيه الزكاة والصدقة فالأخذ بالشبهات يقع فيما تحققت حرمته تثبتا بمجرد احتمال محض لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي وهو لا عبرة به وكمغصوب احتمل إباحة مالكه فهو حرام صر ف (فر عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا أبو نعيم وأبو الشيخ من طريقهما وعنهما أورده الديلمي مصرحا فعزوه إلى الأصل كان أولى ثم إن فيه بشار بن قيراط قال الذهبي : متهم أي بالوضع . 3024 (الآخذ والمعطي سواء في الربا) أي آخذ الربا ومعطيه في الإثم سواء لا مزية لأحدهما على الآخر فيه فليس الإثم مختصا بآخذه كما قد يتوهم وإن كان الآخذ محتاجا كما مر لكن الذي يظهر أنه يكون عند احتياجه أقل إثما فالتساوي في الإثم لا في مقداره (قطك عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي ومن طريقه خرجه الدارقطني . 3025 (الآمر) بالمد (بالمعروف) أي في الشئ المعروف في الشرع بالحسن (كفاعله) في حصول الأجر له والإثابة عليه في الآخرة (يعقوب بن سفيان في مشيخته) أي في الجزء الذي جمعه في تراجم مشايخه (فر) كلاهما (عن عبد الله بن جراد) الخفاجي العقيلي وفيه عمرو بن إسماعيل بن مجالد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال النسائي والدارقطني متروك عن يعلى بن الأشدق قال البخاري وغيره لا يكتب حديثه .
[ 215 ]
3026 (الآن حمي الوطيس) بفتح فكسر التنور أو شبهه أو الضراب في الحرب أو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأها عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق من قبيل الاستعارة لشدة المعركة والتحامها وقرنها بالحمو ترشيحا للمجاز قاله يوم حنين وقد نظر إلى الجيش وهو على بغلته وفي رواية هذا حمى الوطيس قال الطيبي : هذا مبتدأ والخبر محذوف أي هذا القتال حين اشتد الحرب وهذا لفظ بديع لم يسمع بمثله (حم م عن العباس) بن عبد المطلب (ك عن جابر) بن عبد الله (طب عن شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدي الجبحي المكي قتل علي أباه يوم أحد وأسلم هو يوم الفتح . 3027 (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) بنونين وفي رواية بنون أي في هذه الساعة تبين لي من الله أنا أيها المسلمون نسير إلى كفار قريش ويكون لنا الظفر عليهم ولا يسيرون إلينا ولا يظفرون علينا أبدا قاله حين أجلي عنه الأحزاب وهذا من معجزاته فقد كان كذلك فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة قال السيرافي : معنى الآن أنه الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم وهو الزمان الذي هو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة وفي شرح المفصل للأندلسي الفرق بين الزمان والآن أن الزمان ماله مقدار يقبل التجزئة والآن لا مقدار له فإن ما كان من الأزمة متوسطا بين الماضي والمستقبل وهو اسم للوقت الحاضر وزعم الفراء أن أصله من آن يئين إذا أتى وقته كقولك آن لك أن تفعل فأدخلوا عليه أل وبنوه على ما كان عليه من الفتح وقيل أصله أو آن ثم حذفوا الواو ونوزع في ذلك (حم خ) في المغازي (عن سليمان بن صرد) بضم ففتح ابن الجوز بفتح الجيم الخزاعي صحابي بن صحابي مشهور . 3028 (الآن قد بردت عليه جلده) يعني الرجل الذي مات وعليه ديناران فقضاهما رجل عنه بعد يوم قال الراغب : الآن كل زمان مقدر بين زمانين ماضي ومستقبل نحو الآن أفعل كذا وأصل البرد خلاف الحرارة فتارة تعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب بردا ، وبرد الماء كذا كسبه بردا ومنه البرادة لما يبرد الماء وبرد الإنسان مات لما يعرض له من عدم الحرارة بفقد الروح أو لما عرض له من السكوت وقولهم للنوم برد إما لما يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون (حم قط ك عن جابر) قال : مات رجل فغسلناه وكفناه وأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فخطا خطوة ثم قال : أعليه دين ؟ قلت : ديناران ، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فصلي عليه ثم قال بعد بيوم ، ما فعل الديناران قلت إنما مات بالأمس فعاد عليه الغد فقال : قبضتهما فقال : الآن بردت عليه جلدته ، ثم قال الهيثمي : سنده حسن .
[ 216 ]
3029 (الآيات بعد المائتين) مبتدأ وخبر أي تتابع الآيات وظهور الأشراط على السابع والتوالي بعد المائتين قال الطيبي : والظاهر في اعتبار المائتين بعد الإخبار وهذا قاله قبل أن يعلمه الله تعالى بأنها تتأخر زمنا طويلا وفي الميزان : قال البخاري هذا حديث منكر . لقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شئ . (ه ك) في الفتن كلاهما معا من حديث عون بن عمارة عن عبد الله بن المثنى عن أبيه عن جده (عن أبي قتادة) قال الحاكم : على شرطهما وشنع عليه الذهبي وقال : أحسبه موضوعا وعون بن عمارة ضعفوه اه‍ وابن المثنى ضعيف أيضا وسبقه إلى الحكم بوضعه ابن الجوزي وتعقبه المصنف فما راح ولا جاء . 3030 (الآيات خرزات) بالتحريك جمع خرزة كقصب وقصبة (منظومات في سلك فانقطع) أي فإذا انقطع (السلك فيتبع بعضها بعضا) أي فيقع بعضها أثر بعض من غير فصل بزمن طويل قال ابن حجر : حديث ابن عمرو هذا ورد عنه ما يعارضه وهو ما أخرجه عنه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد موقوفا وخرجه عنه البالسي مرفوعا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة هذا لفظه قال : ويمكن الجواب بأن المدة ولو كانت عشرين ومائة سنة لكنها تمر مرا سريع كمقدار عشرين ومائة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر . الحديث (حم ك) في الفتن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي : فيه أي عند أحمد علي بن زيد وهو حسن الحديث . 3031 (الآيتان من آخر سورة البقرة) وهما قوله * (آمن الرسول) * إلى آخر السورة (من قرأهما) بكمالهما (في ليلة) وفي رواية بعد العشاء الأخيرة (كفتاه) في ليلته شر الشيطان أو الثقلين أو الآفات أو أغنتاه عن قيام الليل أو الكل . (حم ق ه عن ابن مسعود) ظاهر صنيعه أنه لم يخرجه من الأربعة إلا ابن ماجه وليس كما أوهم فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي في فضائل القرآن عن ابن مسعود أيضا فاقتصاره على القزويني رحمه الله تعالى غير جيد . 3032 (الأبدال) بفتح الهمزة جمع بدل بفتحتين خصهم الله تعالى بصفات منها أنهم ساكنون إلى الله بلا حركة ومنها حسن أخلاقهم (في هذه الأمة ثلاثون رجلا) قيل سموا أبدالا لأنهم إذا غابوا
[ 217 ]
تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم (قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن) عليه السلام أي انفتح لهم طريق إلى الله تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام وفي رواية قلوبهم على قلب رجل واحد قال الحكيم : إنما صار ت هكذا لأن القلوب لهت عن كل شئ سواه فتعلقت بتعلق واحد فهي كقلب واحد قال في الفتوحات : قوله هنا على قلب إبراهيم وقوله في خبر آخر على قلب آدم وكذا قول في غير هؤلاء ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب فكل علم يرد على القلب ذلك الكبير من ملك أو رسول يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان ومعناه ما ذكر وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي : إنما قال على قلب إبراهيم عليه السلام لأن الولاية مطلقة ومقيدة والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها والمقيدة تلك الأفراد وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم فلهذا قال هنا على قلب إبراهيم عليه السلام وفي حديث آخر على قلب موسى عليه السلام وفلان وفلان ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة للكلية ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهرا كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء (كلما مات رجل) منهم (أبدل الله مكانه رجلا) فلذلك سموا أبدالا أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم وظاهر كلام أهل الحقيقة أن الثلاثين مراتبهم مختلفة قال العارف المرسي : جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش رجل أشقر أزرق العين فقلت له : ما علومك ومقامك قال : علومي أحد وسبعين علما ومقامي رابع الخلفاء ورأس الأبدال السبعة قلت : فالشادلي قال : ذاك بحر لا يحاط به وقال العارف المرسي : كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي فدخل عليه جماعة فقال : هؤلاء أبدال فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالا فتحيرت فقال الشيخ : من بدلت سيئاته حسنات فهو بدل فعلمت أنه أول مراتب البدلية وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد ابن حنبل : ما تقوفي بشر الحافي بن الحارث قال : رابع سبعة من الأبدال (حم عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما . 3033 (الأبدال في أمتي) أمة الإجابة (ثلاثون) رجلا (بهم تقوم الأرض) أي تعمر (وبهم تمطرون وبهم تنصرون) على عدوكم لأن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض فلما انقطعت النبوة أبدل الله
[ 218 ]
مكانهم هؤلاء فيهم يغاث أهل الأرض ويكثر إدرار الفيض وفي بعض الآثار أن الأرض شكت إلي الله ذهاب الأنبياء عليهم السلام وانقطاع النبوة فقال : سوف أجعل على ظهر ك صديقين ثلاثين فسكتت (تنبيه) في خبر لأبي نعيم في الحلية بدل قوله هنا بهم تقوم الأرض إلخ بهم يحيى ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء قال : وقيل لابن مسعود راوي الخبر : كيف بهم يحيي ويميت ويمطر قال : لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء . (تتمة) روى الحكيم الترمذي أن الأرض شكت إلى ربها انقطاع النبوة فقال تعالى : فسوف أجعل على ظهرك أربعين صديقا كلما مات رجل منهم أبدلت مكانه رجلا ولذلك سموا بدلا أبدال الله أخلاقهم فهم أوتاد الأرض وبهم تقوم الأرض وبهم تمطرون (طب عنه) أي عن عبادة قال المصنف : سنده صحيح . 3034 (الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون) على العدو (وبهم يرزقون) أي يمطرون فيكثر النبات * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * ولا ينافي تقييد النصرة هنا بأهل الشام إطلاقها فيما قبله لأن نصرتهم لمن هم في جوارهم أتم وإن كانت أعم (فائدة) قال العارف ابن عربي رضي الله عنه في كتاب حلية الأبدال : أخبرني صاحب لنا قال : بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر الله تعالى إذ حسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضا عنه حصيرا وقال : صلي عليه وباب بيتي علي مغلوق فداخلني منه فزع فقال لي : من يأنس بالله لم يجزع ثم قال : اتق الله في كل حال ثم إني ألهمت الصوت فقلت : يا سيدي بماذا تصير الأبدال أبدالا فقال : بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت : الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف ولا أعرف كيف دخل ولا كيف خرج وبابي مغلوق انتهى . قال العارف ابن عربي : وهذا رجل من الأبدال اسمه معاذ بن أشرس والأربعة المذكورة هي عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله تعالى قال : وإذا رحل البدل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي . فإن ظهر شوق من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموه وهو غائب عنهم وقد يكون هذا من غير البدل لكن الفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك غيره وغير البدل لا يعرف ذلك وإن تركه لأنه لم يحكم هذه الأربعة المذكور في ذلك قلت يا من أراد منازل الأبدال * من غير قصد منه للأعمال لا تطمعن بها فلست من أهلها * إن لم تزاحمهم على الأحوال واصمت بقلبك واعتزل عن كل من * يدنيك من غير الحبيب الوالي
[ 219 ]
وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم * وصحبتهم في الحل والترحال بيت الولاية قسمت أركانه * ساداتنا فيه من الأبدال ما بين صمت واعتزال دائم * والجوع والسهر النزيه العالي (طب عن عوف بن مالك) قال المصنف : سنده حسن . 3035 (الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) زاد الحكيم في رواية عن أبي الدرداء لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر * (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شخصا آخر يشبههم كما تقرر وإذا جاز في الجن أن يتشكلوا في صور مختلفة فالملائكة والأولياء أولى وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجسام وعالم الأرواح سموه عالم المثال وقالوا : إنه ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد وجه تطور الولي بثلاثة أمور : الأول أنه من باب تعدد الصور بالتمثيل والتشكل كما يقع للجان ، الثاني من طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد فيراه الرائيان كل في بنية وهي بنية واحدة لكن الله طوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستغراق فظن به أنه في مكانين وإنما هو في واحد وهذا أجود ما حمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم ، الثالث أنه من باب عظم جثة الولي بحيث ملأ الكون فشوهد في كل مكان (حم عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال المصنف : أخرجه عنه أحمد والحاكم والطبراني من طرق أكثر من عشرة . 3036 (الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة) فإذا كان عند قيام الساعة ماتوا جميعا ثم إنه لا تناقض بين أخبار الأربعين والثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا منهم ثلاثون قلوبهم على قلب إبراهيم وعشر
[ 220 ]
ليسوا كذلك فلا خلاف كما يصرح به خبر الحكيم عن أبي هريرة (الخلال) في كتابه الذي ألفه (في كرامات الأولياء فر عن أنس) وأورده ابن الجوزي في الموضوع ثم سرد أحاديث الأبدال وطعن فيها واحدا واحدا وحكم بوضعها وتعقبه المصنف [ أي السيوطي ] بأن خبر الأبدال صحيح وإن شئت قلت متواتر وأطال ثم قال مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوي بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة اه‍ . وقال السخاوي : خبر الأبدال له طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة ثم ساق الأحاديث المذكورة هنا ثم قال وأصح مما تقدم كله خبر أحمد عن علي مرفوعا البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم [ أي بدعائهم ] الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب ثم قال ، أعني السخاوي ، رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة اه‍ . وقال شيخه ابن حجر في فتاويه : الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا وأما القطب فورد في بعض الآثار وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت . 3037 (الأبدال من الموالي) ظاهره أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم : ولا يبغض الموالي إلا منافق اه‍ . وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضا أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئا قال الغزالي : إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال بالله وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء . (خاتمة) قال ابن عربي الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال والإمامان أخص منهم والقطب أخص الجماعة والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ويكون على قلب عيسى له اليماني والذي على قلب نبي من الأنبياء فالذي على قلب آدم له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له العراقي والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله (الحاكم في) كتاب (الكنى) له (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه بل فيه الرحال ابن سالم قال في الميزان : لا يدرى من هو والخبر منكر اه‍ . وخرجه عنه [ أي عن عطاء ] أيضا أبو داود في مراسيله وإنما خالف المصنف [ أي السيوطي ] عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه " لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع " فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته [ أي ابن تيمية ] وليته نفى الرواية [ أي وليته حكم بعدم صحة الأحاديث ] بل نفى الوجود [ أي نفى أن يكون قد ورد لفظ الأبدال في خبر صحيح أو ضعيف ] وكذب من ادعى الورود ثم قال : وهذا التنزل لهذا العدد ليس حقا في كل زمن فإن المؤمنين يقلون ويكثرون وأطال وهو خطأ بين بصريح هذه الأخبار بأن كل من مات منهم أبدل بغيره . وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب ، والظن به أنه من القبيل الثاني .
[ 221 ]
3038 (الأبعد فالأبعد) أي من داره بعيدة (من المسجد) الذي تقام فيه الجماعة (أعظم أجرا) ممن هو أقرب منه فكلما زاد البعد زاد الأجر لما في البعد من كثرة الخطى وفي كل خطوة عشر حسنات قال ابن رسلان : بشرط كونه متطهرا وفيه تأمل وهذا الحديث يوافقه خبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاهم عن بيع بيوتهم لبعدها عن المسجد وقال : إن لكم بكل خطوة درجة ولا يعارض ذلك الخبر الآتي فضل الدار القريبة من المسجد إلخ لأن كل واقعة لها حكم يخصها فأصل القضية تفضيل الدار القريبة من المسجد على البعيدة فلما ثبت لها هذا الفضل رغب كل الناس في ذلك حتى أراد بنو سلمة بيع دورهم والإنتقال قرب المسجد فكره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يعرى ظاهر المدينة فأعطاهم هذا الفضل في هذه الحالة ونزل فيه * (ونكتب ما قدموا وآثارهم) * وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم حين نزلت : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ذكره المؤلف وفي الإسناد كما قال الأزدي نظر . (حم د ه ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم : صحيح مدني الإسناد فرد اه‍ . وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب إسناده صالح وفي الميزان المتن معرو ف . 3039 (الإبل عز لأهلها) أي لملاكها (والغنم بركة) يشمل المعز والضأن (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أي منوط بها ملازم لها كأنه عقد فيها لإعانتها على جهاد أعداء الدين وقمع شر الكافرن وعدم قيام غيرها مقامها في الإجلاب والفر والكر عليهم (ه عن عروة) بضم العين (ابن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة أو ابن أبي الجعد (البارقي) بموحدة وقاف صحابي نزل الكوفة وكان أول من قضى بها . 3040 (الإثمد) بكسر الهمزة والميم حجر الكحل المعروف (يجلو البصر) أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس كما مر ويأتي (ويثبت الشعر) بتحريك العين هنا أفصح للازدواج وأراد بالشعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها . (تخ عن معبد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة (بن هوذة) بالذال المعجمة بضبط المصنف وهو الأنصاري كما قال في التقريب كأصله صحابي له حديث أي وهو هذا وهو جد عبد الرحمن بن النعمان .
[ 222 ]
3041 (الأجدع) بسكون الجيم ودال مهملة مقطوع نحو أنف أو أذن وغلب إطلاقه على الأنف (شيطان) قيل سمي به لأن المجادعة لمخاصمة وربما أدت لقطع طرف كما سمي المار بين يدي المصلي شيطانا لكون الشيطان هو الداعي إلى المرور . قال الطيبي : هو استعارة عن مقطوع الأطراف لمقطوع الحجة (حد ه) جميعا في الأدب (ك) كلهم (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال المناوي : فيه مجالد بن سعيد قال أحمد : ليس بحجة وابن معين لا يحتج به والدارقطني ضعيف وكذا الحاكم اه‍ فعزو المصنف الحديث للحاكم وسكوته عن تضعيفه له غير سديد . 3041 (الإحسان) أي المذكور في نحو * (للذين أحسنوا الحسنى) * * (إن الله يحب المحسنين) * * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) * فأل فيه للعهد الذهني قيل وحقيقته سجية في النفس تحمل على مجازات المسئ بجوائز المحسن وقيل هو معرفة الربوبية والعبودية معا وقيل انفاق المعنى على العيان والإحسان لمن أساء كائنا من كان وقيل هو إتقان العبادة بإيقاعها على وجهها مع رعاية حق الحق مراقبته واستحضار عظمته ابتداء ودواما وهو نحو أن أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق كما قال (أن تعبد الله) من عبد أطاع والتعبد التنسك والعبودية الخضوع والذلة (كأنك تراه) بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه فجمع مع الإيجاز بيان المراقبة في كل حال والإخلاص في سائر الأعمال والحث عليهما بحيث لو فرض أنه عاين ربه لم يترك شيئا من ممكنه والثاني من لا ينتهي إلى هذه الحال لكن عليه أن الحق مطلع عليه ومشاهد له وقد بينه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (1) أي فإن لم ينته اليقين والحضور إلى هاتيك الرتبة فإلى أن تحقق من نفسك أنك بمرأى منه تقدس لا يخفى عليه خافية قائم على كل نفس بما كسبت مشاهد لكل أحد من خلقه في حركته وسكونه فكما أنه لا يقصر في الحال الأول لا يقصر في الحال الثاني لاستوائهما بالنسبة إلى إطلاع الله وقوله فإن لم إلخ تعليل لما قبله فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله في عبادته واستحضار قربه منه حتى كأنه يراه شق عليه فيستعين عليه بإيمانه بأن الله مطلع عليه لا يخفاه منه شئ يسهل عليه الانتقال إلى ذلك المقام الأكمل الذي هو مقام الشهود الأكبر (م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حم ق ه عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا .
[ 223 ]
(1) قال النووي : وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبقية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشئ من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته ؟ . 3043 (الإحصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف) فإن إحصان النكاح هو الوطء في القبل في نكاح صحيح وإحصان العفاف أن يكون تحته من يعفه وطأها عن النظر إلى الوطء الحرم (ابن أبي حاتم طس) وكذا البزار (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الهيثمي : وفيه مبشر بن عبيد وهو متروك اه‍ . 3044 (الاختصار في الصلاة) أي وضع اليد على الخصر (راحة أهل النار) يعني اليهود لأن ذلك عادتهم في العبادة وهم أهلها لا أن لأهل جهنم راحة لقوله سبحانه وتعالى * (لا يفتر عنهم العذاب) * ذكره الزمخشري . وقال القاضي : أي يتعب أهل النار من طول قيامهم في الموقف فيستريحون بالاختصار . (حب هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب : قلت هذا منكر ورواه جماعة حفاظ عن هشام اه‍ . وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن الأزور هشام بن هشام أتى بخبر ساقط ثم أورد هذا الخبر وساقه في اللسان عن العقيلي وقال : لا يتابع على لفظه . 3045 (الأذان) هو لغة الإعلام من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو لاستماع الناس من الأذن التي هي آلة السمع كأنه يلقي الشئ فيها وشرعا كلمات مخصوص شرعت للإعلام بدخول وقت المكتوبة (تسع عشرة كلمة) بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرا قبل قولهما جهرا (والإقامة إحدى عشرة كلمة) وفي الحديث حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن التكبير في أول الأذان أربع إذ لا يكون ألفاظه تسعة عشر إلا بناء على ذلك وذهب مالك إلى أنه مرتين لروايته من وجوه أخر قال القرطبي : الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية المتضمنة لوجوده تعالى وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة المحمدية ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وهو إشارة إلى المعاد ثم أعاد من اعاد تأكيدا وحكمة اختيار القول له دون الفعل لسهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان (تنبيه) قال العارف ابن العربي رضي الله عنه في حكمة ترتيب الأذان إذا نظر الإنسان بعين بصره وبصيرته إلى الأسباب التي وضعها الله أعلاما وشعائر لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء حين سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعض ودل البرهان على توقف وجود بعضها على بعض وسمع الحق يعظم شعائر الله قال الله أكبر أي هي وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وبما أنه أمر
[ 224 ]
بتعظيمها فهو أكبر منها فلما أتمها كوشف على حقارة الأسباب في أنفسها وافتقارها إلى موجدها ورآها مسبحة خالقها بنطقها وحالها من حيث دلالتها على واضعها قال ثانيا الله أكبر أي الذي وضع الأسباب وأمر بتعظيمها أكبر وأتى بها مرتين أخرتين إشارة إلى أنه أكبر بدليل الحس وبدليل العقل ثم تشهد خفيا يسمع نفسه كمن يتصور الدليل أولا في نفسه ثم يقولها ثانيا نافيا لألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون مثبتها لمستحقها عقلا وشرعا هذا كله مع نفسه ثم يرفع بها صوته فيسمع غيره من متعلم ومدع وجاهل وغافل ثم لما شهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل مشهد به علما وقربة بالنداء على أن الرسول جاء به من عند الله ثم شرع بعد الشهادتين الحيعلتين ليدعو بالواحدة نفسه وبالأخرى غيره فيقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره أقبلوا على ما ينجيكم من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجليه ثم يقول الله أكبر الله أكبر لنفسه ولغيره ولمن ينتظر الصلاة بالمسجد ولمن هو خارجه في أشغاله أي الله أولى بالتكبير من الذي منعكم من الإقبال على الصلاة وإنما لم يرفع الحيعلتين والتكبير الثاني لأن القصد به القربة والعقل لا يستقل بإدراكها فهي للشرع وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره ثم ختمه بالتوحيد المطلق لما تضمن الأذان أفعالا منسوبة للعبد فربما وقع في نفس المدعو أو الداعي إلى فعلها فخيف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم فختم بالتوحيد إشارة إلى تفرده بالخلق وإنما قال في الإقامة قد قامت بلفظ الماضي والصلاة مستقلة إشارة إلى أن من كان منتظرا للصلاة أو آتيا إليها أو مشتغلا ببعض شروطها فمات قبل إدراكها فقد قامت له الصلاة فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الأجر الثاني فقد يكون كالأول في إقامة نشأتها وقولا كمن يأتي بها خداجا من حيث فعلها (ن عن أبي محذورة) بحاء مهملة وذال معجمة أوس بن معير وقيل سمرة بن معير الجمحي كما مر فظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي أيضا بل عزاه القسطلاني لمسلم أيضا . 3046 (الأذنان من الرأس) لا من الوجه ولا مستقلتان يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس وإلا لكان بيانا للخلقة فقط والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك ربه قال الأئمة الثلاثة واستظهروا بآية * (وأخذ برأس أخيه يجره إليه) * قالوا بإذنه وقال الشافعية هما عضوان مستقلان وإضاقتها هنا إلى الرأس إضافة تقريب لا تحقيق بدليل خبر البيهقي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه والآية فيها خلاف للمفسرين . (حم) من حديث سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة قال الذهبي
[ 225 ]
سنان ليس بحجة (دت ه عن أبي أمامة) قال ابن حجر عن الترمذي ليس بالقائم وقال الدارقطني في حديث أبي أمامة هذا شهر بن حوشب وليس بقوي ووقفه أصح (ه عن أبي هريرة وعن عبد الله بن زيد) قال ابن حجر كالبيهقي : فيه سويد بن سعيد وقد اختلط (قط عن أنس) وقال : إرساله أصح (وعن أبي موسى) الأشعري (وعن ابن عباس) وقال : تفرد به أبو كامل عن غندر وهو مبهم وتابعه الربيع بن بدر وهو متروك والصواب إرساله (وعن ابن عمر) بن الخطاب قال أعني الدارقطني وهو وهم والصواب موقوف (وعن عائشة) قال أعني الدارقطني فيه أبو اليمان حذيفة ضعيف والمرسل أصح ومن ثم قال في الخلافيات : هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ما منها إسناد إلا وله علة وقال ابن حزم : أسانيده كلها واهية وقال عبد الحق : هذه طرق لا يصح منها شئ لكن تعقبه ابن القطان بأن خبر الحبر ليس بضعيف بل حسن أو صحيح وبرهن عليه ومغلطاي بأن خبر أبي هريرة لا علة له إلا من قبل سويد وقد خرج له مسلم وقول البيهقي اختلط منازع فيه . 3047 (الارتداء) وهو وضع الرداء على الكتفين (لبسة العرب) بضم اللام أي توارثوها عن آبائهم في الجاهلية كانوا كلهم [ ص 174 ] في إزار ورداء وكانوا يسمونها حلة (والالتفاع) وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه (لبسة الإيمان) أي أهله لأنهم لما علاهم من الحياء من ربهم ما أخجلهم اضطروا إلى مزيد الستر فرأوا أن الالتفاع أستر لستره ما فيه الحياء وهو الوجه والرأس لأن الحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ولذا قال الصديق رضي الله عنه : إني لأدخل الخلاء فأتقنع حياء من الله فكانوا في الأعمال التي فيها حشمة يعلوهم الحياء كما يعلوها في غيرهم وكان الالتفاع لبسة بني إسرائيل ورثوه عن آبائهم وهذه الأمة أيدت باليقين النافذ لحجب القلوب فمن تقنع من الحياء تقنع لعلمه بأن الله يراه علم يقين لا علم تعلم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه سعد بن سنان الشامي وهو ضعيف جدا ونقل عن بعضهم توثيقه ولم يصح وقال غيره : وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية قال الذهبي في الضعفاء : متهم أي بالوضع . 3048 (الأرض كلها مسجد) أي محل للسجود (إلا الحمام والمقبرة) فإنهما غير محل للصلاة فيهما تنزيها وتصح ما لم تتبين نجاسة محل منها للصلاة كما لو نبشت المقبرة هذا ما عليه الشافعية وأخذ أحمد بظاهره فأبطل الصلاة فيهما مطلقا ومنع بأن التأكيد بكل ينفي المجاز فدل على الصحة فيهما عند التحرز من النجاسة قال ابن حجر رحمه الله : وهذا الحديث يعارضه عموم الخبر المتفق عليه وجعلت
[ 226 ]
الأرض طيبة وطهورا ومسجدا قال الرافعي : واحتج بهذا بعض أصحابنا على أنه لو قال جعلت هذه الأرض مسجدا لا تصير وقفا مسجدا بمجرد هذا اللفظ . (حم د ت ه حب ك) كلهم في الصلاة وكذا البزار (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي : حديث في اضطراب وتبعه عبد الحق وضعفه جمع قال النووي رحمه الله والذي ضعفوه أتقن من الحاكم الذي صححه وقال ابن حجر في تخريج الشرح هو حديث مضطرب وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وقال في تخريج الهداية قال الترمذي : فيه اضطراب أرسله سفيان ووصله حماد واختلف فيه علي بن إسحاق وصححه ابن حبان والحاكم قال : ويعارضه عموم قوله في حديث جابر وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا متفق عليه وفي حديث أبي أمامة وجعلت لي الأرض كلها مسجدا اه‍ وقال ابن تيمية : أسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه . 3049 (الأرض أرض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهو له) أي فهو ملكه والموات كسحاب وغراب الأرض التي لم يتيقن عمارتها في الإسلام وليست من حقوق عامر فتملك بالأحياء من غير لفظ لأنها إعطاء من المصطفى صلى الله عليه وسلم بنص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث لأنه تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منها من يشاء ما شاء ولذلك أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم فيما أقطعه لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأرض الشام (طب عن فضالة) بفتح الفاء وضاد معجمة (بن عبيد قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . 3050 (الأرواح) التي تقوم بها الأجساد (جنود مجندة) أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (منها ائتلف) أي ألف قلبه قلب الآخر وإن تباعدا كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة (وما تناكر منها) أي لم يتوافق ولم يتناسب (اختلف) أي نافر قلبه قلب الآخر وإن تقاربا جسدا فالإئتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه وبالتناكر ما بينهما من التباين والتنافر وذلك لأنه سبحانه عرف ذاته للأرواح بنعوته فعرفها بعض بالقهر والجلال وبعض باللطف والجمال وبعض بصفات أخر ثم استنطقها بقوله * (ألست
[ 227 ]
بربكم) * ثم أوردها في الأبدان فالتعارف والتنافر يقع بحسب ذلك والتعارف والتناكر بحسب الطباع التي جبل عليها من خير وشر وكل شكل يميل إلى شكله فالتعارف والتناكر من جهة المناسبة المحكمة بين الفريقين فيميل الطيب للطيب والخبيث للخبيث ويألفه ومنشأ ذلك أحكام التناسب ولهذا قال الشافعي : العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم (حكى) الشيرواني أن تمرلنك كان يحب رجلا من معتقدي العجم ويتردد إليه فوجد الرجل في قلبه ميلا لتمرلنك فتخوف وقال : ما المناسبة فمنع تيمورا من دخوله عليه فسأله عن سببه فذكر ما خطر له فقال تمرلنك : بيني وبينك مناسبة وهي أنك تحب بيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا والله أحبهم وأنت رجل كريم وأنا أحب الكرم فهذه المناسبة المقتضية للميل لا ما في من الشر وقد يتفق اجتماع مادتي الخبيث والطيب في شخص واحد فيصدران منه ويميل لكل منهما بكل من الوصفين (نكتة) حكى بعضهم أن اثنين اصطحبا في سفينة فقعد أحدهما على طرفها والآخر بوسطها فسقط من على الطرف في البحر فرما الآخر نفسه عليه فأخرجا بالحياة فقال الأول للثاني : أنا كنت بطرفها فوقعت فمالك أنت قال لما وقعت : أنت غبت بك عني * فحسبت أنك أني (خ) في بدء الخلق (عن عائشة) لكن معلقا ولم يصل به سنده كما قاله عبد الحق وغيره فإطلاق المصنف العزو إليه غير سديد (حم م) في الأدب (د عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : رجال الطبراني رجال الصحيح . 3051 (الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين لا خير في أسفل من ذلك) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي : قوله لا خير إلخ لأنه إما حرام إن نزل عن الكعبين أو شبهه إن حاذاهما ولا خير في كل من الأمرين اه‍ . وذلك لما فيه من التشبه بالنساء بل إن قصد الخيلاء حرم مطلقا وما ذكروه في الإزار حلا وحرمة وكراهة فهو في القميص فقد خرج أبو داود عن ابن عمر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص (حم) وكذ الطبراني (عن أنس) قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح . 3052 (الإسبال في الإزار) (1) قال الطيبي : قوله في الإزار هو خبر مبتدأ أي الإسبال المذموم أو
[ 228 ]
الذي فيه الكلام بالجواز وعدمه كائن في هذه الثلاثة الإسبال المذموم أو المراد إرخاؤه إلى الأرض (والقميص والعمامة فمن جر منها شيئا) على الأرض (خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) أي نظر رحمة ورضى إذا لم يتب فيندب للرجل الاقتصار على نصف الساق وله إرساله إلى الكعبين فحسب وللمرأة الزيادة بنحو شبر قال ابن حجر : وفي تصوير جر العمامة نظر إلا أن يراد ما جرت به العادة من العرب من إرخاء العذبات فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وقد خرج النسائي من حديث جعفر بن أمية عن أبيه كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفيها بين كتفيه وقد يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه الذي يظهر أن إطالتها بحيث يخرج عن العادة كفعل بعض الحجازيين يدخل فيه وقال الزين العراقي : ما من الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد (د ن ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال النووي في رياضه : إسناده صحيح وقال المناوي : فيه عبد العزيز بن رواد تكلموا فيه . (1) قال النووي : وحكم المسألة أنه لا يجوز الإسبال إلى تحت الكعبين إن كان للخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وأجمعوا على جواز الإسبال للنساء فقد صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإذن لهن في إسبال ذيولهن ذراعا وأما القدر المستحب للرجال فإلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهة فإلى الكعبين اه‍ . قال في الفتح : والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق ، وحال جواز وهو إلى الكعبين ، وكذلك للنساء حالان : حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر شبر ، وحال جواز بقدر ذراع . 3053 (الاستئذان) للدخول وهو استدعاء الإذن أي طلبه (ثلاث) من المرات (فإن أذن لك فادخل وإلا) أي وإن لم يؤذن لك (فارجع) لأنه سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان بقوله * (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) * قال ابن العربي رحمه الله تعالى ولا يتعين هذا اللفظ (م ت عن أبي موسى) الأشعري (وعن أبي سعيد) الخدري قال : كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال : أنشدكم بالله هل سمع أحد منكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الاستئذان إلخ قال : ومم ذاك ؟ قال : استأذنت على عمر فسلمت ثلاثا ثم انصرفت فقال : قد سمعناك ونحن على شغل استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك فقال أبي بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت فشهدت وقضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه الحافظ العراقي وغيره إلى البخاري وعبارته في المغني وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث إلخ ولما روى أبو موسى هذا الخبر لعمر في خلافته قال : لتأتيني عليه ببينة وإلا فعلت وفعلت فأتي بأبي سعيد وفي رواية فأتي بأبي بن كعب فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أحببت أن أتثبت واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أم لا ؟ فقال المازري :
[ 229 ]
صورة الاستئذان أن يقول السلام عليكم أدخل ؟ ثم هو مخير بين أن يسمي نفسه أو لا قال ابن العربي : ولا يتعين هذا اللفظ وفيه انه لا يجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاثة نعم إن علم أنه لم يسمع زاد على الأصح عند الشافعية وحكمة كون الاستئذان ثلاثا تكفل ببيانها الحديث الآتي على أثره وفيه أن لرب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن إذا كان في شغل ديني أو دنيوي كذا قيده الحافظ ابن حجر وليس على ما ينبغي بل الصواب فك القيد . 3054 (الاستئذان ثلاث) من المرات (فالأولى تستمعون) بالتاء المثناة الفوقية أوله بضبط المصنف أي يستمعون أهل المنزل الاستئذان عليهم (والثانية يستصلحون) أي يصلحون المكان ويسوون عليهم ثيابهم ونحو ذلك (والثالثة يأذنون) للمستأذن عليهم (أو يردون) عليه بالمنع (تنبيه) قال ابن عربي : لما كان أول مطلع الحكمة هو الباء وجب أن يكون في أول رتبة من العدد وهو الزوج الأول ولما خفي الواحد في حجاب الباء جعلت عليه آية من الوتر الذي هو جمع الباء وذلك الحرف هو الجيم فكان كفاية في الإبلاغ والتعريف والإعلان حتى كثر في الشرع ومواقع العلم ظهور أثر الثلاث فيمن له قطرة قبول ومن لم يظهر أثر الثلاث فيه قضى عليه بفقد الفطرة القابلة لما استعملت له الثلاث فيه كان الأولى يخرج ويتحر ك من حال الفقد الأول والثانية تطلع على مبادئ ما إليه الوجهة والثالثة تخلص ما إليه الوجهة ويكمل التحقق به ومثل ذلك في الشرائع ورتب العلم كثير وعليه ورد هذا الخبر ونحوه وهذا الحديث كالذي قبله يقتضي أن المستأذن لا يشرع له طرق الباب لكن محله من قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه الصوت فيدق عليه الباب كما في قصة جابر المسطورة في البخاري في أبواب الاستئذان (قط في الأفراد عن أبي هريرة) قال الزين العراقي : سنده ضعيف اه‍ . وذلك لأن فيه عمر ابن عمران السدوسي قال في الميزان : مجهول وقال الأزدي : منكر الحديث أحد المتروكين ثم ساق له هذا الخبر مما أنكر عليه . 3055 (الاستجمار تو) بفتح المثناة فوق وشد الواو أي وتر وهو ثلاثة والتو الفرد قال الزمخشري : ومنه قولهم سافر سفرا توا إذا لم يخرج في طريقه على مكان والتو حبل مفتول طاقا واحدا (ورمي الجمار) في الحج (تو) أي سبع حصيات (والسعي بين الصفا والمروة تو) أي سبع (والطواف تو) أي سبعة أشواط وقيل أراد بفردية السعي والطواف أن الواجب منهما مرة ولا يثنى ولا يكرر أو أراد بالاستجمار الاستنجاء (وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو) ليس تكرارا بل المراد بالأول الفعل
[ 230 ]
وبالثاني عدد الأحجار وفيه وجوب تعدد الحجر لضرورة تصحيح الإيتار بما يتقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بحجر واحد أي مسحة واحدة قيل وفيه الاستنجاء بالحجر مع وجود الماء وهو هفوة إذ مفاد الخبر إنما هو الأمر بالإيتار وأما كونه مع وجود الماء أو فقده فمن أين (م) في الحج (عن جابر) وخرج منه البخاري الاستجمار خاصة . 3056 (الاستغفار في الصحيفة) أي في صحيفة المكلف التي يكتب عليه فيها كاتب اليمين (يتلألأ نورا) يحتمل أن ذلك التلألؤ يكون يوم القيامة حين يعطى كتابه بيمينه ويحتمل أنه في الدنيا أيضا فهو يتلألأ فيها من حين كتابته وأعظم بهذه منقبة جليلة للاستغفار والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشئ بما يصونه عن الدنس ومن قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله أن يصون عبده عن العذاب والتوبة ترك الذنوب على أحد الوجوه (ابن عساكر) في التاريخ (فر عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة القشيري بضم القاف كما مر وفيه بهز بن حكيم وقد مر قول الذهبي فيه . 3057 (الاستغفار ممحاة للذنوب) بكسر الميم وسكون الثانية مفعلة أي مذهب للآثام لأن الإدمان عليه يخرج العبد من الذنوب ويعيد عليه الستور التي هتكها عن نفسه بارتكاب الخطايا وفي بعض الآثار أن الاستغفار يجئ يوم القيامة محدقا بأعمال الخلائق له رنين حول العرش يقول إلهي حقي حقى (تنبيه) سئل أحدهم أيما أفضل : التسبيح والتهليل والتكبير أو الاستغفار ؟ فقال : يا هذا الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور ولا بد من قرن التوبة بالاستغفار لأنه إذا استغفر بلسانه وهو مصر عليه فاستغفاره ذنب يحتاج للاستغفار ويسمى توبة الكذابين (فر عن حذيفة) ابن اليمان وفيه عبيد بن كثير التمار قال الذهبي : قال الأزدي متروك عن عبيد الله بن خراش ضعفه الدارقطني وغيره عن عمه العوام بن حوشب . 3058 (الاستنجاء) وهو كما في المشارق إزالة النجو : أي الأذى الباقي في فم المخرج وأكثر استعماله في الحجر (بثلاثة أحجار) أي محصور في ذلك فلا يصح بأقل منها وإن أنقى لورود النهي عن الأقل في حديث مسلم ولفظه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم والمراد ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر لكن الأحجار أفضل من حجر فإن حصل الإنقاء بالثلاث فذاك وإلا زيد إلى الإنقاء فإن حصل بوتر فذاك وإلا سن الإيتار ويجب أن تكون الثلاثة
[ 231 ]
(ليس فيهن رجيع) أي ليس فيهن عذرة لأنه نجس وفي معناه كل نجس فلو استنجى به ولو جافا لم يجزه وتعين الماء لأن المحل صار نجسا بنجاسة أجنبيو الرجيع وهو فعيل بمعنى مفعول ذكره الزمخشري في المجاز وقيل سمي به لرجوعه عن الطهارة بالاستحالة ولرجوعها إلى الظهور بعد كونها في البطن أو لرجوعها عن كونها طعاما أو علفا قال الرافعي : فيه إشارة إلى أن غير الأحجار من كل جامد طاهر قالع غير محترم كالأحجار وتعددها وأنها ثلاثة قيل وصحة العمل بالمفهوم حتى لا يجب التكرار في الاستنجاء بالماء وقد حمله شرذمة من السلف على ظاهره فمنعوا الاستنجاء بالماء والسنة تبطل قولهم وقول ابن المسيب لما سئل عن الاستنجاء بالماء ذاك وضوء النساء إنما ذكره لفهمه غلوا من السائل في منع الأحجار فقابله بالمبالغة في رد غلوه . (فائدة) الاستنجاء لغة إزالة النجو بفتح فسكون بغسل أو مسح كما في الصحاح كغيره لكن استعماله كما قال عياض في الغسل أكثر وفي النهاية هو إخراج النجو من البطن والنجو العذرة (طب عن خزيمة بن ثابت) وفي الباب عائشة وغيرها . 3059 (الإسلام) قال الراغب : أصله الدخول في السلم وهو أن يسلم كل من ضرر صاحبه ثم صار اسما للشريعة (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة) اسم جنس أراد به الصلوات الخمس قال القاضي : إقامتها تعديل أركانها وإدامتها والمحافظة عليها والصلاة فعلة من صلى إذا دعى (وتؤتي الزكاة) لمستحقيها (وتصوم رمضان) حيث لا عذر (وتحج البيت) اسم جنس غلب على الكعبة وصار سلما لها كالنجم للثريا والسنة لعام القحط (إن استطعت إليه سبيلا) أي طريقا بأن تجد زادا أو راحلة بشرطهما وقيد بها في الحج مع كونها قيدا فيما قبله اتباعا للنظم القرآني وإشارة إلى أن فيه من المشقة ما ليس في غيره على أن فقدها في نحو صلاة وصوم لا يسقط فرضها بل وجوب أدائه بخلاف الحج ثم المراد الإسلام الكامل فتارك ما عدا الشهادتين ليس بمسلم كامل ؟ لا كافر قال العارف ابن عربي : الصلاة وقعت في المرتبة الثانية من قواعد الإيمان مشتقة من المصلي وهو الذي يلي السابق في الجلبة والسابق ههنا التوحيد ثم جعل بجنبها الزكاة لكونها طهرة المال كما كان في الصلاة طهارة الثوب والبدن والمكان وأولاها الصوم دون الحج لكون زكاة الفطر مشروعة بانقضاء الصوم فلما كان الصوم أقرب نسبة إلى الزكاة جعل بجنبها فلم يبق للحج مرتبة إلا الخامسة (م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وظاهره أن الكل رواه هكذا فقط لكن في الفردوس بقية وتغتسل من الجنابة ، وعزاه لمسلم .
[ 232 ]
3060 (الإسلام علانية والإيمان في القلب) وأشار بيده إلى صدره قال الراغب : إنما قال ذلك لأن الإيمان يقال باعتبار العلم وهو متعلق بالقلب والإسلام بفعل الجوارح اه‍ . واعلم أن الإسلام والإيمان طال فيما بينهما من النسب الكلام والحق أنهما متلازما المفهوم فلا ينفك أحدهما عن الآخر فلا يوجد شرعا إيمان بدون إسلام ولا عكسه فإن الإسلام يطلق على الأعمال كما يطلق على الانقياد لغة وشرعا وأن الإيمان يطلق عليهما شرعا باعتبار أنه متعلق بهما فهما على وزان الفقير والمسكين فإذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده وإن قرن بينهما كما هنا فهما متغايران باعتبار أصل مفهومهما ، فاكتف بذلك عما هنالك من الإسهاب (ش عن أنس) قال عبد الحق : حديث غير محفوظ تفرد به علي بن مسعدة وفي توثيقه خلف قال أبو حاتم : لا بأس به والبخاري فيه نظر وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وقال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح . 3061 (الإسلام ذلول) كرسول أي سهل منقاد من الذل بالكسر اللين ضد الصعوبة (لا يركب إلا ذلولا) يعني لا يناسبه ويليق به ويصلحه إلا اللين والرفق والعمل والتعامل بالمسامحة والتسامح (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي : فيه أبو خلف الأعمى منكر الحديث اه‍ وأقول فيه أيضا معاذ بن رفاعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره . 3062 (الإسلام يزيد ولا ينقص) قال البيهقي : قال عبد الوارث : أراد أن حكم الإسلام يغلب ومن تغليبه أن يحكم للولد بالإسلام بإسلام أحد أبويه اه‍ . وقال جمع : معناه أن الإسلام يزيد بالداخلين فيه ولا ينقص بالمرتدين أو يزيد بما فتح الله من البلاد ولا ينقص بما غلب عليه الكفرة منها وتعلق بظاهره من ورث المسلمين من الكفار والأئمة الأربعة كالخلفاء الأربعة على المنع والخبر بفرض دلالته على التوريث فيه مجهول وضعيف قال القرطبي الحديث ليس نصا في المراد بل محصوله أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث وقد عارضه قياس آخر وهو أن التوارث متعلق بالولاية ولا ولاية بين مسلم وكافر لقوله تعالى : * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * الآية وأطال في ذلك فلا يقاوم الخبر الصحيح الصريح وهو أن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم (حم) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو عن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلمي عن معاذ (د) أي أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة به (ك) وقال : صحيح ولم يتعقبه الذهبي (هق) كلهم من هذا الوجه (عن معاذ) بن جبل قال الحافظ في الفتح قال الحاكم صحيح
[ 233 ]
وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ لكن سماعه منه ممكن وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم هو كلام يحكى ولا يروى ولعله ما وقف على ما ذكر اه‍ وسبب هذا الحديث كما في أبي داود عن عبد الله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر يهوديا ومسلما في ميراث أخ لها يهودي فورث المسلم وقال : حدثني أبو الدرداء أن رجلا حدثه عن معاذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال ابن عبد البر : وهذا لا حجة فيه وليس في اللفظ ما يعطيه وجعله ابن الجوزي موضوعا ونازعه المؤلف . 3063 (الإسلام يعلو ولا يعلى) عليه قال البيهقي : قال قتادة : يعني إذا أسلم أحد أبوين فالولد مع المسلم فالعلو في نفس الإسلام بأن يثبت الإسلام إذا ثبت على وجه ولا يثبت على آخر كما في المولود بين مسلم وكافر فإنه يحكم بإسلامه وقال ابن حزم : معناه إذا أسلمت يهودية أو نصرانية تحت كافر يفرق بينهما ويحتمل العلو بحسب الحجة أو بحسب النصرة في العاقبة فإنهما للمسلمين وبذلك عرف أن الحديث ليس نصا في توريث المسلم من الكافر كما قيل (الروياني) محمد بن هارون في مسنده (قط هق والضياء) المقدسي والخليل في فوائده كلهم (عن عائذ) بالمد والهمزة والمعجمة (ابن عمرو) المزني ممن بايع تحت الشجرة وكان صالحا تأخرت وفاته وعلقه البخاري ورواه الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل قال ابن حجر : وسنده ضعيف . 3064 (الإسلام يجب) أي يقطع وفي رواية يهدم (ما كان قبله) من كفر وعصيان يترتب عليهما من حقوق الله أما حقوق عباده فلا تسقط إجماعا ولو كان المسلم ذميا والحق ماليا وظاهر الخبر أن مجرد الإسلام مكفر للسوابق ، هبه أساء وأحسن بعد ، وأما خبر من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر فوارد على منهج التحذير (ابن سعد) في الطبقات (عن الزبير) بن العوام (وعن جبير بن مطعم) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه باللفظ المزبور . 3065 (الإسلام نظيف) أي نقي من الوسخ والدنس (فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) يحتمل النظافة الحسية ويحتمل المعنوية أي لا يدخلها إلا المطهر من دنس العيوب ووسخ الآثام ومن
[ 234 ]
كان ملطخا بذلك لا يدخلها حتى يطهر بالنيران أو يدركه عفو الرحمن وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكابر صحبه من الحرص على النظافة الحسية والمعنوية ما لا يوصف وكان عمر إذا قدم مكة يطوف سككها فيقول : قموا فناءكم ، فمر بدار أبي سفيان فأمره فقال : نعم حتى يجئ مهاتنا الآن فطاف فلم يره فعل فأعاد وأعاد ثلاثا فوضع الدرة بين أذنيه ضربا فقالت هند : لرب يوم لو ضربته لاقشعر بطن مكة (طس) من حديث نعيم بن موزع عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي : فيه نعيم بن موزع وهو ضعيف قال ابن الجوزي : تفرد به نعيم قال ابن عدي : وهو ضعيف يسرق الحديث وعامة ما يرويه غير محفوظ وقال ابن حبان : يروي عن الثقات العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال اه‍ ومن ثم ضعفه السخاوي وغيره . 3066 (الأشرة) بشين معجمة البطر أو أشده (شر) في كل ملة قال في المصباح : أشر أشرا من باب تعب بطر وكفر النعمة فلا يشكرها (خد ع عن البراء) بن عازب . 3067 (الأشعريون في الناس كصرة فيها مسك) بتشديد الياء هم قبيلة ينسبون إلى الأشعر بن أدد بن زيد بن يشخب نزلوا غور تهامة من اليمن فيما بيجبال السروات وما يليها من جبال اليمن إلى أسياف البحر ولما قدموا على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم : أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل ثم ذكره وكان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يحبهم وقال في حديث الشيخين : إنهم مني وأنا منهم وسياقه أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أي فرغ زادهم أو قل طعام عيالهم جمعوا ما عندهم في ثوب ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم وفيه تنبيه على مكارم أخلاقهم ومواساة لإخوانهم وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم وفيه منقبة عظيمة للأشاعرة وكذا قيل فإن عنى قائله ما هو المتبادر من هذا اللفظ وهم أهل السنة المنسوبون إلى شيخ السنة أبي الحسن الأشعري ففساده بين وإن أراد تلك القبيلة فصحيح (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن البصري عن الزهري مرسلا) . 3068 (الأصابع يجري مجرى السواك) في حصول أصل السنة بها (إذا لم يكن سواك) يعني إذا كانت خشنة لأنها حينئذ تزيل القلح وهذا في أصبع غيره أما أصبعه فلا تجزئ مطلقا ولو خشنة متصلة أو منفصلة عند الشافعية لأنها لا تسمى سواكا ، وقوله إذا لم يكن سواك يفهم أنه إذا كان ثم سواك لا تجزئ والتفصيل بين الوجود وعدمه لم أره لأحد من المجتهدين والحديث ضعيف (أبو نعيم في كتاب
[ 235 ]
السواك عن عمرو بن عوف المزني) بضم الميم والزاي ورواه عنه [ ص 181 ] أيضا باللفظ المزبور الطبراني وقال : لم يروه عن كثير بن عبد الله إلا أبو غزية قال الهيثمي : ضعيف وقد حسن الترمذي حديثه اه‍ وأقول أبو غزية أورده الذهبي في الضعفاء . 3069 (الأضحى) جمع أضحاة وهي الأضحية وسميت باسم الوقت الذي يشرع فيه ذبحها وهو ارتفاع النهار (علي فريضة) أي واجبة وجوب الفرض (وعليكم) أيها الأمة (سنة) غير واجبة فالوجوب من خصائصه ولا خلاف في كونها من شرائع الدين وهي عند الشافعية والجمهور سنة كفاية مؤكدة أخذا بهذا الحديث وما أشبهه وهي رواية عن مالك وله قول آخر بالوجوب وعن أبي حنيفة يلزم الموسر قال أحمد : يكره أو يحرم تركها لخبر أحمد وابن ماجه من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا (طب عن ابن عباس) قال ابن حجر : رجاله ثقات لكن في رفعه خلف . 3070 (1) (الاقتصاد) أي التوسط في النفقة بين التبذير والتقتير (نصف العيش) أي المعيشة (وحسن الخلق) بضم الخاء واللام : أي كرم الأخلاق (نصف الدين) لأنه يحمل صاحبه على ترك ما يشين دينه ومروءته فمن حازه فقد حاز نصف الدين ، والنصف الثاني هو معاملة الخالق . (خط عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف (1) هذا الحديث والأحاديث التي بعده إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة) لم نجد للعلامة المناوي عليها شرحا في عامة النسخ ، ولعله سقط من النساخ شاعت به النسخ ، فأثرنا وضع شرح لها مقتبس من كلام المحققين إتماما للفائدة وسدا للخلل وبالله التوفيق اه‍ مصححه . 3071 (الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد) أي التحبب والتقرب (إلى الناس) بفعل المعروف ومساعدة الضعفاء وغير ذلك من مكارم الأخلاق (نصف العقل) إذ ينشأ عنه الألفة والمحبة ، والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله ، وينشأ عنه السلامة من شرهم (وحسن السؤال نصف العلم) لأن السائل إذا أحسن السؤال مع شيخه أقبل عليه وبين له ما أشكل عليه مراعاة لأدبه معه ، ويترتب على ذلك أن ينتفع بعلمه (طب في مكارم الأخلاق هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما .
[ 236 ]
3072 (الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب) في الإكرام والاحترام والرجوع إليه والتعويل عليه وتقديمه في المهمات ، والمراد : الأكبر دينا وعلما ، وإلا فسنا (طب عد هب عن كليب الجهني) 3073 (الأكل في السوق دناءة) قال في القاموس : الدنيئة النقيصة اه‍ . فهو خارم للمروءة ، راد للشهادة إن صدر ممن لا يليق به . (1) (طب عن أبي أمامة ، خط عن أبي هريرة) بسند ضعيف . (1) وفي أيامنا يحمل هذا الحديث على الأكل في السوق ماشيا أو واقفا . أما الأكل في الأماكن المعدة للأكل فلا يتناولها هذا النهي وإن كانت قد توجد قريبا من الأسواق ، خصوصا لأصحاب ا لحرف والأعمال . وبعض أسباب كراهة الأكل في السوق تظهر بعد التأمل في الأحاديث الأخرى التالية : رقم 14 " آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد " رقم 1599 " أما أنا فلا آكل متكئا " رقم : 2581 " إنما أنا عبد : آكل كما يأكل العبد ، وأشرب كما يشرب العبد " ورقم 9694 " لا آكل وأنا متكئ " ففي هذه الأحاديث تبيان لعبوديته صلى الله عليه وسلم . أما الأكل واقفا أو ماشيا في السوق فيحول دون حسن الاتصاف بالعبودية ، بل يمنع الإنسان من التوجه إلى شكر الله على نعمة الطعام أثناء تناوله ، ففيه مشابهة ، ولو في الظاهر فقط ، لصورة الاستخفاف بتلك النعمة ، وعدم القيام بحق شكرها بالالتفات إلى المولى بأدنى ما يمكن من المحاولة ، وأقلها الجلوس . وقد اعتبر كثير من العلماء الأكل في السوق رادا للشهادة إن صدر ممن لا يليق به . هذا ما ظهر من أسباب الكراهة ، والله أعلم . دار الحديث 3074 (الأكل بأصبع واحدة أكل الشيطان) أي مثل أكله ، وأضيف إليه لأنه الآمر به ، والحامل عليه ، وإنما ذمه بذلك لما فيه من التكبر (وباثنين أكل الجبابرة) أي العتاة الظلمة أهل التكبر (وبالثلاث) أي الإبهام والسبابة والوسطى (أكل الأنبياء) وخلفائهم وورثتهم ، وهو الأنفع الأكمل الذي ينبغي أن يقتدى به . والأكل بالخمس مذموم لأنه فعل أهل الشره . ولهذا لم يحفظ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أكل بالخمس (أبو أحمد الغطريف) بكسر المعجمة والراء بينهما طاء ساكنة (في جزئه ، وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) . 3075 (الأكل مع الخادم) يطلق على الذكر والأنثى والعبد والحر (من التواضع) فهو مندوب إليه حيث لا مانع : كأن كان الخادم أمردا جميلا يخشى منه الفتنة ، وتمام الحديث : فمن أكل معه اشتاقت له الجنة (فر عن أم سلمة) بسند ضعيف . 3076 (الإمام ضامن) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن المأموم إذا أدركه في الركوع (والمؤذن مؤتمن) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم وإفطارهم وسحورهم وعلى حرم الناس لإشرافه على دورهم ، فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة (اللهم أرشد الأئمة) ليأتوا بالصلاة على أتم الأحوال (واغفر للمؤذنين) تقصيرهم في مراعاة الوقت بتقدم عليه أو تأخر عنه ، واستدل بعضهم بهذا على تفضيل الأذان على الإمامة لأن الأمين أفضل من الضمين . (د ت
[ 237 ]
حب هق عن أبي هريرة ، حم عن أبي أمامة) وسنده صحيح 3077 (الإمام ضامن فإن أحسن) الطهور والصلاة (فله) الأجر (ولهم) أي المأمومين الأجر كذلك (وإن أساء) في صلاته أو طهوره بأن أخل ببعض الأركان أو الشروط (فعليه) الوزر والتبعة (ولا عليهم) وتمام الحديث كما في ابن ماجه : كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم فقيل له : تفعل ذلك ولك من القدم ما لك قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : الإمام فذكره (ه ك عن سهل بن سعد) الساعدي . 3078 (الإمام) الأعظم (الضعيف) عن إقامة الأحكام الشرعية (ملعون) أي مطرود من منازل الأبرار وعليه التخلي عن منصبه إن أراد الخلاص في الدنيا والآخرة وعلى الأمة نصب غيره ، وإنما خصه بهذا الوعيد لأنه مسؤول عن رعيته متحمل بكل ما يأتون من أوزار (طب عن ابن عمر) بن الخطاب . 3079 (الأمانة) أي كثرتها وقوتها (في الأزد والحياء في قريش) أي هما في القبيلتين أكثر منهما في غيرهما (طب عن أبي معاوية بن الأزدي) . 3080 (الأمانة غنى) بوزن رضى : أي هي سبب الغنى ، لأن من اتصف بها رغب الناس في معاملته فيحسن حاله ويكثر ماله (القضاعي) في الشهاب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه . 3081 (الأمانة تجلب) وفي رواية تجر (الرزق) أي هي سبب لتيسيره وحلول البركة فيه وحب الناس له ، (والخيانة تجلب الفقر) أي تمحق بركة الرزق وتنفر الناس عن صاحبها (فر عن جابر) بن عبد الله (القضاعي) في الشهاب (عن علي) بإسناد حسن . 3082 (الأمراء من قريش ما عملوا فيكم) أي مدة دوام معاملتهم لكم (بثلاث) من الخصال
[ 238 ]
وبينها بقوله (ما رحموا إذا استرحموا) بالبناء للمجهول : أي طلبت منهم الرحمة (وأقسطوا) أي تمسكوا بسيرة العدل (إذا قسموا) ما جعل إليهم من غنيمة أو خراج أو فئ (وعدلوا إذا حكموا) فلم يجوروا في حكم من الأحكام . ومفهوم الحديث أنهم إذا عدلوا عن هذه الأحكام جاز العدول بالإمارة عنهم ، ولعل المراد أن هذا حض لهم على أن يتمسكوا بتلك الخصال ، إذ لا يجوز الخروج على الإمام بمجرد الجور (ك عن أنس) بن مالك . 3083 (الأمراء من قريش ، من ناوأهم) أي عاداهم (أو أراد أن يستفزهم) أي يفزعهم ويزعجهم (تحات) أي تفتت (تحات) أي كتفتت (الورق) من الشجرة وذلك كناية عن إهلاكه وإذلاله وإهانته (ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن كعب بن عجرة) . 3084 (الأمر) أي هجوم الموت (أسرع) وفي رواية أعجل (من ذاك) أي من البناء ، وسببه كما رواه أبو (1) عبد الله بن عمرو بن العاص قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا " أي حائط خص في الرواية الأخرى ، وهو بيت يعمل من خشب وقصب " فذكره . (د عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص . (1) ولكن الصحابي المعروف هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، فليدقق قوله " أبو عبد الله " . دار الحديث 3085 (الأمر المفظع) بفاء وظاء أي الشديد (والحمل المضلع) أي المثقل (والشر الذي لا ينقطع) هو (إظهار البدع) من أصول : كالعقائد الزائغة ، وفروع : كالمحدثات على خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (طب عن الحكم بن عمير) والحديث ضعيف . 3086 (الأمن والعافية نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) لأن بهما يتيسر التنعم بغيرهما من النعم (طب عن ابن عباس) رضي الله عنهما . 3087 (الأمور كلها خيرها وشرها من الله تعالى) أي كل كائن وما يكون بقدرته وإرادته ، فهو سبحانه وتعالى خالق الخير والشر والنفع والضر والإيمان والكفر ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم
[ 239 ]
يكن * (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ، وإن يردك بخير فلا راد لفضله) * (طس عن ابن عباس) بسند ضعيف . 3088 (الأناة) بوزن قناة : أي التأني (من الله تعالى) أي مما يرضاه ويثيب عليه (والعجلة من الشيطان) أي هو الحامل عليها بوسوسته لأن العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب (ت عن سهل بن سعد) الساعدي . 3089 (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) لأنهم كالشهداء بل أفضل ، والشهداء أحياء عند ربهم . وفائدة التقييد بالعندية الإشارة إلى أن حياتهم ليست بظاهرة عندنا ، وهي كحياة الملائكة ، وكذا الأنبياء ولهذا كانت الأنبياء لا تورث ، وقوله يصلون قيل المراد به التسبيح والذكر (ع عن أنس) بن مالك ، وهو حديث صحيح . 3090 (الأنبياء قادة) جمع قائد : أي يقودون الناس للعلم والموعظة (والفقهاء سادة) جمع سيد وهو الذي يفوق قومه في الخير والشرف : أي مقدمون في أمر دين الله (ومجالستهم زيادة) في الخير والعلم والتفقه في الدين (القضاعي عن علي) 3091 (الأيدي ثلاثة فيد الله) هي (العليا) لأنه المعطي في الحقيقة (ويد المعطي) أي المناول (التي تليها) وفيه حث على التصدق (ويد السائل) أي الآخذ للصدقة (السفلى) وفيه زجر للسائل عن سؤاله الخلق وحث له على الرجوع إلى مولاه الحق (فأعط الفضل) أي الفاضل عن عيالك (ولا تعجز) بفتح التاء وكسر الجيم : بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) ومن تلزمك نفقته بأن تتصدق بمالك كله ثم تقعد تسأل الناس . (حم د ك عن مالك بن نضلة) بفتح فسكون : والد أبي الأحوص الصحابي .
[ 240 ]
3092 (الإيمان) هو (أن تؤمن) تصدق (بالله) أي بأنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله وملائكته) أي بأن لله ملائكة مخلوقين من النور وهم عباد له تعالى سفراء بينه وبين رسله ، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * ليسوا بذكور ولا إناث (وكتبه) بأنها كلام الله القديم القائم بذاته المنزه عن الحروف والأصوات التي أنزلها على بعض رسله لهداية الناس (ورسله) وبأن لله رسلا أرسلهم الله إلى الناس لإرشادهم إلى ما فيه مصلحة معاشهم ومعادهم وهم معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها (و) تؤمن (باليوم الآخر) وهو من الحشر إلى ما لا نهاية أو إلى فصل القضاء (وتؤمن بالقدر خيره وشره) حلوه ومره : أي بأن ما قدره الله في الأزل من خير أو شر لا بد من وقوعه (م عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ، والحديث صحيح . 3093 (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار) أي بأنهما موجودتان الآن لأنهما باقيتان لا تفنيان : الجنة للطائعين والنار للفاسقين (والميزان) أي بأن وزن الأعمال حق (وتؤمن بالبعث بعد الموت) أي بإعادة الأجساد بعد فنائها للحساب (وتؤمن بالقدر خيره وشره) أي تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك (هب عن عمر) بن الخطاب . 3094 (الإيمان) هو (معرفة) أي اعتقاد (بالقلب وقول باللسان) أي إقرار (وعمل بالأركان) والمراد أن الأعمال شرط في كماله وأن الإقرار باللسان يعرب عن التصديق القلبي . (ه طب عن علي) وهو حديث ضعيف . 3095 (الإيمان بالله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان) المراد بذلك الإيمان
[ 241 ]
الكامل الذي تترتب عليه الثمرة الكبرى (الشيرازي في الألقاب عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها . والحديث ضعيف . (1) . (1) إلى هنا تم ما قد نقص من شرح الإمام المناوي فتنبه . 3096 (الإيمان) أي ثمراته وفروعه فأطلق الإيمان وهو الإقرار والتصديق عليها مجازا لكونها من حقوقه ولوازمه (بضع) بفتح الباء وكسرها من ثلاث إلى تسع على الأصح (وسبعون) بتقديم السين على الموحدة (شعبة) بضم أوله خصلة وأصلها الطائفة من الشئ والغصن من الشجر قال الكرماني : شبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما شبه في حديث بني الإسلام على خمس بخباء ذي أعمد وأطناب قال القاضي : أراد التكثير على حد * (إن تستغفر لهم) * واستعمال لفظ السبعة والسبعين للتكثير كثيرا والمراد الحصر فيقال إن شعب الإيمان وإن كانت متعددة لكن حاصلها يرجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس على وجه يصلح معاشه ويحسن معاده ، وذلك أن يعتقد ويستقيم في العمل اه‍ . قال الطيبي : والأظهر معنى التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني شعب الإيمان أعداد مبهمة ولا نهاية لكثرتها إذ لو أريد التحديد لم يبهم (وأفضلها قول لا إله إلا الله) أي أفضل الشعب هذا الذكر فوضع القول موضع الذكر لا موضع الشهادة فإنها من أصله لا من شعبه والتصديق القلبي خارج منهما إجماعا قال القاضي : ويمكن أن يراد أنه أفضلها من وجه وهو أنه يوجب عصمة الدم والمال لا أنه أفضل من كل وجه وإلا لزم كونه أفضل من الصلاة والصوم ويجوز أن يقصد الزيادة المطلقة لا على ما أضيف إليه أي المشهور من بينها بالفضل في الأديان قول لا إله إلا الله (وأدناها) مقدارا (إماطة الأذى) أي إزالة ما يؤذي كشوك وخبث وحجر (عن الطريق) الظاهر أن المراد المسلوك ويحتمل العموم وسيجئ في خبر تقيير الطريق بكونه للمسلمين (والحياء) بالمد (شعبة من الإيمان) أي الحياء الإيماني وهو المانع من فعل القبيح بسبب الإيمان لا النفساني المخلوق في الجبلة وأفرده بالذكر لأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة الآخرة فيزجر عن الآثام وزعم أن الحياء قد يمنع الأمر بالمعروف فكيف يدعو إلى سائرها يمنع بأن هذا المانع ليس بحياء حقيقة بل عجز وإعياء وإطلاق الحياء عليه مجاز وإنما الحقيقي خلق يبعث على تجنب القبيح . قال الزمخشري : جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون خلقيا واكتسابيا لجميع أعمال البر وقد يكون غريزة لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على أعمال الخير ومانعا من المعاصي قال : وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال ومنعه الكرماني بأن معناه شعب الإيمان بضولفظ إماطة الأذى غير داخلة في حقيقة الإيمان والتصديق خارج عنه اتفاقا (د ن)
[ 242 ]
في الإيمان (ه) في السنة (عن أبي هريرة) ورواه عنه الترمذي أيضا لكن أسقط والحياء إلخ وفيه عنده عبد الله بن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ليس بقوي ورواه البخاري مختصرا بلفظ الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان قال الكرماني : وتخصيص الستين لأن العدد إما زائد وهو ما أجزاؤه أكثر منه كاثني عشر فإن لها نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف السدس فمجموع الأجزاء أكثر من اثني عشر وإما ناقص فهو ما أجزاؤه أقل منه كأربعة فإن لها ربع ونصف فقط وإما تام فهو ما أجزاؤه مثله كستة فإن أجزاءها النصف والثلث والسدس وهي مساوية للستة والفضل من بين الأنواع الثلاثة التام فلما أريد المبالغة فيه جعلت آحادها أعشارا فذكره لمجرد الكثرة قال القاضي والتركيب دال كما ترى على التفرق والانقسام . 3097 (الإيمان يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن لاذعانهم إلى الإيمان من غير كبير كلفة ومن اتصف بشئ وقوي إيمانه ونسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيره فلا تعارض بينه وبين خبر الإيمان في أهل الحجاز ثم المراد الموجودين حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمن وهو نسبة إلى اليمن وألفه عوض عن ياء النسبة فلا يجتمعان ، واليمن ما على يمين الكعبة من بلاد الغور قال أبو عبيد : مكة من أرض تهامة وتهامة من اليمن ولذا سميت مكة وما يليها من أرض الحجاز تهامة فعليه مكة يمانية ومنها ظهر الإيمان وقيل قاله بتبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريدهما وقيل أراد الأنصار وهم يمانيون في الأصل وقد نصروا الإيمان فنسبه لهم . (ق عن ابن مسعود) قال المصنف : وهو متواتر وفي الباب عن ابن عباس بزيادة والفقه يمان والحكمة يمانية رواه البزار . 3098 (الإيمان قيد الفتك) أي يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان عذرا كما يمنع القيد من التصرف بمنع الإيمان من الغدر (لا يفتك مؤمن) خبر بمعنى النهي لأنه متضمن للمكر والخديعة أو هو نهي وما روي من الفتك بكعب بن الأشرف وابن أبي حقيق وغيرهما فكان قبل النهي أو هي وقائع مخصوصة بأمر سماوي لما في المفتوكين من الغدر وسب الإسلام وأهله قال الزمخشري الفرق بين الفتك والغيلة أن الفتك أن تهتبل غرته فتهلكه جهارا والغيلة أن تكتمن له في محل فتقتله خفية اه‍ . وظاهر أن المراد في الحديث هما معا قال العسكري : الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث ما هو أحسن منه من غير تعمل (تخ د) في
[ 243 ]
الجهاد (ك عن أبي هريرة حم عن الزبير) بن العوام جاء إليه رجل فقال : ألا أقتل لك عليا ؟ فقال : كيف تقتله ومعه الجنود ؟ قال : أفتك به قال : لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره (د عن معاوية) وسبب تحديثه به أنه دخل على عائشة فقالت : أقتلت حجرا وأصحابه يا معاوية ما أمنك أن يقعد لك رجلا يفتك بك ؟ فقال معاوية : إني في بيت أمان سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره ثم قال : كيف أنا في حوائجك قالت : صالح قال : فدعيني وحجرا غدا نلتقي عند الله قال المناوي وغيره وسنده جيد ليس فيه إلا أسباط بن الهمداني وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي وقد خرج لهما مسلم . 3099 (الإيمان الصبر والسماحة) قال البيهقي : يعني بالصبر الصبر عن محارم الله وبالسماحة أن يسمح بأداء ما افترض عليه اه‍ ففسر الإيمان بهما لأن الأول يدل على الترك والثاني على الفعل وبما قاله البيهقي صرح الحسن البصري فقال : الصبر عن المعصية والسماحة على أداء الفرائض . (تنبيه) قال الغزالي : الصبر ملاك الإيمان لأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر والصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات السالكين ينتظم من معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل وكذا الصبر لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة والصبر على التحقيق عبارة عنهما ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة والإنس والبهائم فإن الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم لنقصانها ولا الملائكة لكمالها لأن البهائم سلطت عليها الشهوات فصارت مسخرة لها فلا باعث لها على حركة أو سكون إلا هي ولا قوة لها تصادم الشهوة حتى تسمى ثبات تلك القوة صبرا والملائكة جردوا للأشواق إلى الحضرة الربوبية والابتهاج بدرجة القرب منها ولم يسلط عليها شهوة صادة صارفة عنها حتى يحتاج إلى مصادمة ما يصرفها عن حضرة الجلال بجند آخر وأما الإنسان فقد تعارض فيه الأمران فاحتاج إلى ثبات جند في مقابلة جند آخر قام للقتال بينهما لتضاربهما وذلك هو حقيقة الصبر (ع طب في مكارم الأخلاق عن جابر) قال الهيثمي : فيه يوسف بن محمد ابن المنكدر متروك وقال النسائي : ضعيف انتهى . وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر . 3100 الإيمان بالقدر نظام التوحيد) إذ لا يتم نظامه إلا باعتقاد أن الله تعالى منفرد بإيجاد الأشياء على ما هي عليه وأن كل نعمة منه فضل وكل نقمة عدل وأنه أعلم بطباع خلقه منهم وأنه غير ملوم ولا مطعون عليه وأن له تكليفهم بما شاء من الأفعال مع تقدير أسباب منعهم منها وهو تكليف ما لا يطاق (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن معاذ قال في الميزان فيه لين وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال حديث لا يصح ومحمد بن معاذ في حديثه وهم .
[ 244 ]
3101 (الإيمان بالقدر) بفتحتين (يذهب الهم والحزن) لأن العبد إذا علم أن ما قدره الله في الأزل لا بد موقوعه وما لم يقدره يستحيل وقوعه استراحت نفسه وذهب حزنه على ما وقع له من المكروه الماضي ولم يهتم لما يتوقعه وأذى الناس للعبد لا بد له منه كالحر والبرد لا حيلة فيه والمتسخط من أذاهما غير عاقل والكل جار بقدر ومن ثم قال ذو النون : من وثق بالمقادير لم يغتم ومن عرف الله رضي بالله وسر بقضائه وقال بعضهم : الإتكال على القضاء أروح وقلة الاسترسال أحزم (ك في تاريخه والقضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفيه السدي بن عاصم الهمداني مؤدب المعتز قال في الميزان وهاه ابن عدي وقال يسرق الحديث وكذبه ابن خراش قال ومن بلاياه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال السري قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به . 3102 (الإيمان عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع) أي شأن أهله تجنب المحرمات والاكتفاء بالبلغة وترك التشوق إلى المفقود والاستغناء بالموجود والعفة قمع النفس عن تعاطي ما لا ينبغي (جل) من حديث بشر بن منصور عن عمارة بن راشد (عن محمد بن النضر الحارثي) الصوفي الزاهد (مرسلا) ثم قال : وهذا مما لا يعرف له طريقا عن محمد إلا مرسلا وهذا نقل الرواية عنه نقلا وحفظ عنه أحاديث لم يذكر إسنادها فذكرها إرسالا قال : وكان محمد وضرباؤه من المتعبدين لم يكن من شأنهم الرواية كانوا إذا وصوا إنسانا أو وعظوه ذكروا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إرسالا . 3103 (الإيمان بالنية واللسان) أي يكون بتصديق القلب والنطق بالشهادتين (والهجرة) من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام تكون (بالنفس والمال) متى تمكن من ذلك فإن لم يتمكن إلا بنفسه فقط هاجر بها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور (فائدة) قال القونوي : للإيمان صورة وروح ولكل منهما صفتان ولكل صفة حكمان وصفة صورة الإيمان هي المعبر عنها بقولهم الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان وله شرطان معنويان عليهما يتوقف صحة الإقرار والعمل وهما النية والإخلاص إذ بهما يثبت الانقياد المحقق والتمييز بين المنافق ولهذين الشرطين حكمان أحدهما زماني والآخر مكاني فالزماني كأوقات الصلاة وهو اسم الصوم والحج والمكاني استقبال القبلة ووجوب اجتناب الصلاة في البيع
[ 245 ]
المصورة والمواضع النجسة ونحو ذلك وفي الحج يجتمع أحكام الزمان والمكان والتصديق الذي هو روح الإيمان ينقسم قسمان جملي وهو تصديق المخبر الصادق على وجه كلي إما بأمر يجده في نفسه دون سبب خارجي أو يكون الموجب له آية ومعجزة والقسم الآخر تصديق تفصيلي منسحب الحكم على أفراد اختبارات المخبر المصدق وما يتضمنه من الأمور المحكوم بوقوعها ويتبع ذلك رغبة أو رهبة موجبات استحضار ما قرن المخبر الصادق بإخبار أنه من تفاصيل الوعد والوعيد ولهذا الاستحضار درجات . (عبد الخالق بن زاهر الشحاني) بضم المعجمة وإهمال الحاء ثم نون محدث مشهور (في الأربعين عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه . 3104 (الإيمان والعمل أخوان) أي (شريكان في قرن واحد لا يقبل أحدهما إلا بصاحبه) لأن العمل بدون الإيمان الذي هو تصديق القلب لا فائدة له والتصديق بمجرده بلا عمل لا يكفي أي في الكمال (ابن شاهين في السنة) عن علي أمير المؤمنين وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الحاكم والديلمي باللفظ المزبور عن علي المذكور . 3105 (الإيمان والعمل قرينان لا يصلح كل واحد منهما إلا مع صاحبه (1) وهما الخلطان اللذان يتركب منهما الأدوية لأمراض القلوب كلها (ابن شاهين) في السنة (عن محمد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم بن الحنفية ثقة المدني عالم من الطبقة الثانية (مرسلا) وأخرجه عنه الحاكم أيضا قال : ومحمد بن علي هذا لا يبعد أن يكون ابن الحنفية . (1) أي فإذا انتفى الإيمان لم ينفع العمل وإذا انتفى العمل لم يكمل الإيمان . 3106 (الإيمان نصفان فنصف في الصبر ونصف في الشكر) أي ماهية مركبة منهما وذلك لأن الناس صنفان معطى فعليه الشكر وممنوع فعليه الصبر فإذا شكر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه وإذا صبر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه أو يقال وجه التصنيف أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى شرطين فعل وترك فالفعل العمل بالطاعة وهو حقيقة الشكر والترك الصبر عن المعصية والدين كله في هذين فعل المأمور وترك المحظور وأن الإيمان مبني على ركنين يقين وصبر
[ 246 ]
فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهي عنه ولا يحصل له التصديق بذلك إلا باليقين ولا يمكن الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلا بالصبر فصار الصبر نصفا والشكر نصفا قا الغزالي رحمة الله عليه : فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهل بكلا شطري الإيمان ثم هو غفلة عن وصفين من أوصاف الرحمن ولا سبيل للوصول إلى القرب إلى الله تعالى أبا لإيمان وكيف يتصور سلوك الإيمان دون معرفة ما به الإيمان ومن به الإيمان فهذا قاله في موضع وقال في آخر هذا باعتبار النظر إلى الأعمال والتعبير عنها بالإيمان (هب عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي وغيره : متروك ورواه القضاعي بهذا اللفظ وذكر بعض شراحه أنه حسن . 3107 (الإيماء خيانة) أي الإشارة بالعين والحاجب أو غيرهما خفية من الخيانة المنهي عنها (وليس لنبي أن يومئ) وهذا قاله لما أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح كان رجل من الأنصار نذر إن رآه أن يقتله فجاء عثمان فشفع له وقد أخذ الأنصاري بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم متى يومئ إليه فشفع عثمان حتى تركه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأنصاري هلا وفيت بنذرك قال : انتظرت متى تومئ فذكره (ابن سعد) في الطبقات (عن سعيد بن المسيب مرسلا) وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعفوه قال ابن عساكر : وروى معناه الحسن بن بشر عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس . 3108 (الأئمة من قريش) لفظ الأئمة جمع تكسير معرف باللام ومحله العموم على الصحيح وبه احتج الشيخان يوم السقيفة فقبله الصحب وأجمعوا عليه ولا حجة لمن منع اشتراط القرشية في خبر السمع والطاعة ولو عبد لحمله على من أمره الإمام على نحو سرية أو ناحية جمعا بين الأدلة قال السبكي وفيه شاهد للشافعي بالإمامة بل بانحصار الإمامة لأن الأئمة من قريش يدل بحصر المبتدأ على الخبر عليه ولا يعني بالإمامة إمامة الخلافة فحسب بل هي وإمامة العلم والدين (أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها) قال ابن الأثير : هذا على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم أي إذا صلح الناس وبروا وليهم الأخيار وإذا فسدوا وفجروا وليهم الأشرار وهو كحديثه الآخر كما تكونوا يولى عليكم قال ابن حجر : وقع مصداق ذلك لأن العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية بسكناها الحرم فلما بعدث المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعى إلى الله توقف غالب العرب عن اتباعه وقالوا : ننظر ما يصنع قومه فلما فتح مكة وأسلمت قريش تبعوهم ودخلوا في دين الله أفواجا واستمرت الخلافة والإمارة فيهم وصارت الأبرار تبعا للأبرار والفجار تبعا للفجار (وإن أمرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا) بجيم ودال
[ 247 ]
مقطوع الأنف أغيره (فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه فليقدم عنقه) ليضرب بالسيف ولا يرتد عن الإسلام ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بحال . (تنبيه) ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث فشرطوا كون الإمام قرشيا وقيده طوائف ببعضهم فقالت طائفة وهم الشيعة : لا يجوز إلا من ولد علي . وقالت طائفة : يختص بولد العباس وهو قول أبو مسلم الخراساني وأتباعه . وقالت طائفة : لا يجوز إلا من ولد جعفر بن أبي طالب نقله ابن حزم . وقالت أخرى : من ولد عبد المطلب . وقال بعضهم : لا يجوز إلا من ولد أمية وبعضهم لا يجوز إلا من ولد عمر . قال ابن حزم : ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق وقال الخوارج وطائفة من المعتزلة : يجوز كون الإمام غير قرشي وإنما الإمام لمن قام بالكتاب والسنة ولو أعجميا وبالغ ضرر ابن عمر فقال : تولية غير القرشي أولى لأنه أقل عشيرة فإذا عصى أمكن خلعه . قال ابن الطيب : ولم يعرج على هذا القول بعد ثبوت خبر الأئمة من قريش وانعقد الإجماع على اعتباره قبل وقوع الخلاف قال ابن حجر : عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري ودام فتنتهم أكثر من عشرين سنة حتى أييدوا فكذا من تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج كابن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس وكعبد المؤمن وذويه ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بمذاهبهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها وقال عياض : اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب كافة العلماء وقد عدوها في مسائل الإجماع ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة قال ابن حجر : ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر فقد أخرج أحمد عنه بسند رجاله ثقات أنه قال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن أدركني أجلي بعده استخلفت معاذ بن جبل ومعاذ أنصاري لا قرشي فيحتمل أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر أو رجع عمر (ك) في المناقب (هق عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم : صحيح وتعقبه الذهبي فقال : حديثه منكر وقال ابن حجر رحمه الله : حديث حسن لكن اختلف في رفعه ووقفه ورجح الدارقطني وقفه قال : وقد جمعت طرق خبر الأئمة من قريش في جزء ضخم عن نحو أربعين صحابيا فقول العلائي لم أجده ذهول قال التاج السبكي رحمه الله تعالى : ذكر في المجموع أن حديث الأئمة من قريش في الصحيحين ولعله أراد بالمعنى وإلا فالذي فيهما لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان قال ابن حجر : وفيهما الناس تبع لقريش . 3109 (الأيم) في الأصل من لا زوج له والمراد هنا عند الشافعي الثيب بأي طريق كان كما
[ 248 ]
يفيده عطف البكر عليها إذ الشئ لا يعطف على نفسه وما خالفه فزائل عن الظاهر تابع لدليله (أحق بنفسها من وليها) في الرغبة والزهد في الزواج وفي اختيار الزوج لا في العقد فإن مباشرته لوليها لخبر لا نكاح إلا بولي ونبه بأحق على أن لوليها حقا أيضا لكن حقها آكد وآمن ثم قالوا : لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم تجبر وفي عكسه تجبر (والبكر البالغ تستأذن في نفسها) أي يستأذنها وليها في تزويجه إياها أيا كان أو غيره (وأذنها صماتها) بالضم سكوتها قال الشافعية : مفهوم الحديث أن ولي البكر أحق بها من نفسها لأن الشئ إذا قيل بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه فقوله أحق بنفسها جمع نصا ودلالة والعمل بالدلالة واجب كوجوبه بالنص وإنما شرع للولي استئذانها تطييبا لنفسها لا وجوبا عند الشافعي بدليل جعله صماتها إذنها والصمات ليس بإذن وإنما جعل بمنزلة الإذن لأنها قد تستحي أن تفصح (مالك) في الموطأ (حم م ع) كلهم في النكاح (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الشافعي ولم يخرجه البخاري . 3110 (الأيمن فالأيمن) أي ابتدؤا بالأيمن أو قدموا الأيمن يعني من عند اليمين في نحو الشرب فهو منصوب وروى رفعه وخبره محذوف أي الأيمن أحق ورجحه العيني بقوله في بعض طرق الحديث الأيمنون فالأيمنون وكرر لفظ الأيمن للتأكيد إشارة إلى ندب البداءة بالأيمن ولو مفضولا وحكى عليه الاتفاق بل قال ابن حزم : لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذنه قال ابن العربي : وكل ما يدور على جمع من كتاب أو نحوه فإنما يدور على اليمين قياسا على ما ذكر وتقديم من على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن عن اليمين بل لجهته ولا يعارض هذا ما مر في خبر الأمر بمناولة السواك الأكبر ولا ما يجئ في خبر من قوله في القسامة كبر كبر ولا قوله في حديث أبي يعلى : كان إذا سقي قال : ابدأوا بالكبير لحمله على الحالة التي يجلسون فيها متساويين بين يديه أو عن يساره أو خلفه فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن أو يخص من عموم الأمر بالبداءة بالكبير ما لو قعد بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل فالأيمن لم يمتز بمجرد القعود في الجهة اليمنى بل لخصوص كونها يمين الرئيس فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل وأخذ من الحديث أن كل ما كان من أنواع التكريم يقدم فيه من على اليمين (مالك حم ق ع عن أنس) قال : أتي النبي بلبن شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي ثم ذكره وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله عند الكل والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البخاري : ألا فيمنوا هذا لفظه في كتاب الكتابة وفيه ندب التيامن وتفضيل اليمين على الشمال وأن ما يتناول من نحو طعام وشراب فالسنة إدارته من جهة اليمين وأن الجلوس عن يمين الإمام والعالم أفضل وإن كل من أكل أو شرب في مجلس ندب له أن يشرك أهل المجلس فيه وأن من جلس مجلسا مشتركا فهو أولى بمجلسه ولا يقام عنه وإن كان ثم أفضل منه وغير ذلك .
[ 249 ]
* 2 * حرف الباء الموحدة أي هذا باب الأحاديث التي أولها حرف الباء الموحدة التحتية (فصل) في حرف الباء مع الهمزة . 3111 (بسم الله) قال العارف ابن عربي : لما كانت الأسماء الإلهية سبب وجود العالم المؤثرة له كانت البسملة خبر مبتدأ مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره فكأنه يقول بسم الله ظهر العالم واختصت الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة الله (الرحمن الرحيم) فهو رحمن الدنيا والآخرة لأنه رحم كل شئ من العالم في الدنيا والرحمة في الآخرة مختصة بقبضة السعادة وكل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة ، والسين سين وياء ونون ، والميم ميم وياء وميم ، والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض والتنوين في اسم لتحقق العبودية فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله بحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي (مفتاح كل كتاب) أي لفظ البسملة قد افتتح به كل كتاب من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ، ويحتمل أن المراد أن حقها أن تكون في مفتتح كل كتاب استعانة وتيمنا بها ويعكر على الأول المتبادر ما ورد في حديث ضعيف أنها مما خص به إلا أن يقال أن هذا اللفظ متروك الظاهر لضعفه ومخالفته للقطعي وهو * (إنه من سليمان وإنه) * الآية ، وفي رواية للدارقطني سندها متصل بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن وهي أم الكتاب وهي السبع المثاني والبسملة آية من كل سورة مطلقا (1) قال العارف ابن عربي : وبسملة براءة هي التي في النمل فإن الحق سبحانه وتعالى إذا
[ 250 ]
وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رجمته براءة وهي البسملة بحكم التبري من أهلها برفع الرحمة عنهم وقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت رحمتها بإيمانها تنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو البسملة التي سلبت عن المشركين وصف عين خلاصة تلك الآية ذلك الحرف المقدم لأنه أول البسملة في كل سورة والسورة التي بسملة لها أبدلت بالباء فقال تعالى براءة ، قال لنا بعض أحبار الإسرائيلين ما لكم في التوحيد حظ لأن افتتاح سور كتابكم بالباء فأجبته ولا أنتم فإن أول التوراة باء وكذا بقية الكتب فأفحم ولا يمكن غير ذلك فإن الألف لا يبدأ بها أصلا اه‍ . قال البوني : من علم ما أودع الله في البسملة من الأسرار وكتبها لم يحترق بالنار وروي أنها لما نزلت اهتزت الجبال لنزولها وقالت الزبانية من قرأها لم يدخل النار وهي تسعة عشر حرفا على عدد الملائكة الموكلين بالنار ومن أكثر ذكرها رزق الهيبة عند العالم السفلي والعلوي وهي أول ما خط بالقلم العلوي على الصفح اللوحي وهي التي أقام الله تعالى بها ملك سليمان فمن كتبها ستمائة مرة وحملها معه رزق الهيبة في قلوب الخلائق ومن كتبها وجودها إعظاما لها كتب عند الله من المتقين (خط في الجامع) بين آداب القارئ والسامع (عن أبي جعفر معضلا) (1) (2) . (1) قال صاحب الاستغناء في شرح الأسماء الحسنى عن شيخه السويسي : أجمع علماء كل أمة على أن الله عز وجل افتتح كل كتاب من الكتب المنزلة من السماء بالبسملة . (2) المعضل ما سقط من سنده اثنان سواء كان الساقط الصحابي والتابعي أم غيرهما . 3112 (باب أمتي) أي باب الجنة المختص بأمتي من بين الأبواب قال الحكيم الترمذي : وهو المسمى باب الرحمة والمراد أمة الإجابة فإن قلت : هذا يناقضه النص على تخيير بعض هذه الأمة بين الدخول من أي أبواب الجنة شاء ، وأن باب الصائم يدعى الريان إلى غيرذلك قلت : كلا لا منافاة لأن لهم بابا خاصا بهم فلا يدخل منه غيرهم ويشاركون غيرهم من بقية الأبواب (الذي يدخلون منه الجنة) بعد فصل القضاء والانصراف من الموقف (عرضه) أي مساحة عرضه (مسيرة الراكب المجد) أي صاحب الجواد وهو الفرس الجيد أو المجود الذي يكون دوابه جيادا وقال الديلمي : المجود المسرع والتجويد السير بسرعة ، وقال الطيبي : المجود يحتمل أن يكون صفة لراكب والمعنى الذي يجود ركض الفرس وأن يكون المضاف إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه (ثلاثا) من الأيام مع لياليها (ثم إنهم ليضغطون) أي ليعتصرون (عليه) أي على ذلك الباب حال الدخول (حتى تكاد مناكبهم تزول) من شدة الزحام ولا ينافيه خبر إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة
[ 251 ]
وهجر لأن الراكب المجود غاية الإجادة على أسرع مجرى ليلا ونهارا يقطع المسافة بينهما ثم إنه لا تعارض بين الخبرين وخبر أحمد أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما لما سيجئ فيه قال القرطبي وقوله باب أمتي يدل على أنه لسائر أمته ممن لم يغلب عليه عمل يدعى به ولهذا يدخلون مزدحمين (ت) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب واستغربه قال : وسألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه وقال خالد بن أبي بكر أي أحد رجاله له مناكير عن سالم اه‍ ومن ثم أعله المناوي بخالد هذا وقال له مناكير . 3113 (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا) أي قبل موت فاعليها (البغي) أي مجاوزة الحد والظلم (والعقوق) للوالدين وإن عليا أو أحدهما أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع (ك) في البر (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي . 3114 (بادروا) أي سابقوا وتعجلوا من المبادرة وهي الاسراع (الصبح بالوتر) أي سابقوه به بأن توقعوه قبله قال الطيبي : كأن الصبح مسافر يقدم عليك طالبا منك الوتر وأنت تستقبله مسرعا بمطلوبه وإيصاله إلى بغيته (م ت) كلاهما في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب ، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من الستة غير هذين ، وهو عجيب فقد خرجه معهما أبو داود . 3115 (بادروا) أي أسرعوا (بصلاة المغرب) أي بفعلها (قبل طلوع النجم) أي ظهور النجوم للناظرين فإن المبادرة بها مندوبة لضيق وقتها ويبقى وقتها إلى مغيب الشفق على المفتى به عند الشافعية والحنابلة (تنبيه) فرق ابن القيم بين المبادرة والعجلة بأن المبادرة انتهاز الفرصة في وقتها فلا يتركها حتى إذا فاتت طلبها فهو لا يطلب الأمور في أدبارها ولا قبل وقتها بل إذا حضر وقتها بادر إليها ووثب عليها والعجلة طلب أخذ الشئ قبل وقته . (حم قط عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه ابن لهيعة قال الذهبي : وشاهده لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم . 3116 (بادروا أولادكم بالكنى) جمع كنية أي بوضع كنية حسنة للولد من صغره (قبل أن تغلب عليهم الألقاب) أي قبل أن يكبروا فيضطر الناس إلى دعائهم بلقب يميز الواحد منهم زيادة تمييز على الاسم لكثرة الاشتراك في الأسماء وقد يكون ذلك اللقب غير مرضكا لأعمش ونحوه فإذا نشأ الولد وله كنية كان في دعائه بها غنية وهذا أمر إرشاد (تنبيه) قال ابن حجر : الكنية بضم فسكون من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما تستدل به عليه صريحا وقد اشتهرت الكنى للعرب
[ 252 ]
حتى غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وقد يكون للواحد أكثر من كنية واحدة وقد يشتهر باسمه وكنيته معا فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بالتحريك وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك هو الاسم . (قط في الأفراد عد) وكذا أبو الشيخ في الثواب وابن حبان في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال مخرجه ابن عدي بشر بن عبيد أحد رجاله منكر الحديث وقد كذبه الأزدي وأورده في الميزان في ترجمته وقال : إنه غير صحيح وقال ابن حجر في الألقاب : سنده ضعيف والصحيح عن ابن عمر من قوله اه‍ وأورده ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بأن الشيرازي في الألقاب رواه من طريق آخر فيه إسماعيل بن أبان وهو متروك وجعفر الأحمر ثقة ينفرد . 3117 (بادروا بالأعمال فتنا) جمع فتنة وهي الاختبار ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار (كقطع الليل المظلم) جمع قطعة وهي طائفة منه يعني وقوع فتن مظلمة سوداء والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذره أو تعسره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة والمتراكمة كتراكم ظلام الليل ثم وصف نوعا من شدائد الفتن بقوله (يصبح الرجل) فيها (مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا) هذه رواية الترمذي ورواية مسلم بأو على الشك وهذا لعظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذه الإنقلابات (يبيع أحدهم دينه بعرض) بفتح الراء (من الدنيا قليل) أي بقليل من حطامها قال في الكشاف : العرض ما عرض لك من منافع الدنيا قال في المطامح : هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية التي أخبر أنها ستكون بعده وكانت وستكون وقد أفردها جمع بالتأليف (حم م) في الإيمان (ت) في الفتن (عن أبي هريرة) لكن قليل لم أره في النسخة التي وقفت عليها من مسلم . 3118 (بادروا بالأعمال هرما) أي كبرا وعجزا (ناغصا) بغين معجمة وصاد مهملة أي مكدرا (وموتا خالسا) أي يخلسكم بسرعة على غفلة كأنه يختطف الحياة عند هجومه (ومرضا حابسا) أي معوقا مانعا (وتسويفا مؤيسا) قال في الفردوس : هو قول الرجل سوف أفعل سوف أعمل فلا يعمل إلى أن يأتيه أجله فييأس من ذلك قال الحكماء : والإمهال رائد الإهمال (هب عن أبي أمامة) ورواه الديلمي في الفردوس عن أنس .
[ 253 ]
3119 (بادروا بالأعمال ستة) أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وتأنيث الست لأنها حطط ودواه ذكره الزمخشري وقال القاضي : أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سد عليهم باب التوبة وقبول العمل (طلوع الشمس من مغربها) فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل (والدخان) أي ظهوره (ودابة الأرض والدجال) أي خروجهما سمي به لأنه خداع ملبس ويغطي الأرض بأتباعه من الدجل وهو الخلط والتغطية ومنه دجلة نهر بغداد منها غطت الأرض بمائها (وخويصة أحدكم) تصغير خاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان وصغرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم من بعث وحساب وغيرهما وقيل هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله وما يهتم به (وأمر العامة) القيامة لأنها تعم الخلائق أو الفتنة التي تعمي وتصم أو الأمر الذي يستبد به العوام وتكون من قبلهم دون الخواص (حم م عن أبي هريرة) وما ذكره المؤلف من أن سياق حديث مسلم هكذا غير صحيح فإنه عقد لذلك بابا وروى فيه حديثين عن أبي هريرة لفظ الأول بادروا بالأعمال ستة طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان أو الدابة أو خاصة أحدكم وأمر العامة ولفظ الثاني بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم اه‍ . 3120 (بادروا بالأعمال ستا) من أشراط الساعة قالوا : ما هي يا رسول الله ؟ قال : (إمارة السفهاء) بكسر الهمزة أي ولايتهم على الرقاب لما يحدث منهم من العنف والطيش والخفة جمع سفيه وهو ناقص العقل والسفه كما في المصباح وغيره نقص العقل (وكثرة الشرط) بضم فسكون أو فتح أعوان الولاة والمراد كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم يكثر الظلم والواحد منهم شرطي كتركي أو شرطي كجهني سمي به لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها والشرط العلامة (وبيع الحكم) بأخذ الرشوة عليه فالمراد به هنا معناه اللغوي وهو مقابلة شئ بشئ (واستخفافا بالدم) أي بحقه بأن لا يقتص من القاتل (وقطيعة الرحم) أي القرابة بإيذائه أو عدم إحسان أو هجر وإبعاد (ونشئا يتخذون القرآن) أي قراءته (مزامير) جمع مزمار وهو بكسر الميم آلة الزمر يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة وقد كثر ذلك في هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها
[ 254 ]
(يقدمون) يعني الناس الذين هم أهل ذلك الزمان (أحدهم ليغنيهم) بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات (وإن كان) أي المقدم (أقلهم فقها) إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والإسماع بتلك الألحان والأوضاع . قال العارف ابن عطاء الله : أمره بالمبادرة بالعمل في هذه الأخبار يقتضي أنها من الهمم إلى معاملة الله والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها . (طب) من حديث عليم (عن عابس) بموحدة مكسورة ثم مهملة ابن عبس (الغفاري) بكسر المعجمة وخفة الفاء نزيل الكوفة قال عليم : كنا جلوسا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليم : لا أعلمه إلا عابس أو عبس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون فقال : يا طاعون خذني ثلاثا فقلت : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتمنى أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب فقال : سمعته يقول : بادروا إلخ قال الهيثمي : فيه عثمان بن عمير وهو ضعيف . 3121 (بادروا بالأعمال سبعا) أي سابقوا وقوع الفتن بالإشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها (ما) في رواية هل (ينتظرون) بمثناة تحتية بخطه (إلا فقرا منسيا) بفتح أوله أي نسيتموه ثم يأتيكم فجأة (أو غنى مطغيا) أي * (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) * (أو مرضا مفسدا) للمزاج مشغلا للحواس (أو هرما مفندا) (1) أي موقعا في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان (أو موتا مجهزا) بجيم وزاي آخره أي سريعا يعني فجأة ما لم يكن بسبب مرض كقتل وهدم بحيث لا يقدر على التوبة من أجهزت على الجريح أسرعت قتله (أو الدجال) أي خروجه (فإن شر منتظر) بل هو أعظم الشرور المنتظرة كما في خبر سيجئ (أو الساعة والساعة أدهى وأمر) قال العلائي : مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات وقد كان صلى الله عليه وسلم من المحافظة على ذلك بالمحل الأسمى والحظ الأوفى ، قام في رضا الله حتى تورمت قدماه (ت ك) في الفتن وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) قال المنذري : رواه الترمذي من رواية محرر ويقال محرز بالزاي وهو واه عن الأعرج عنه . (1) قال العلقمي : الفند في الأصل الكذب وأفند تكلم بالفند ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة وأفنده الكبر إذا أوقعه في الفند . 3122 (باكروا بالصدقة) سارعوا بها والإبكار الإسراع إلى الشئ لأول وقته (فإن البلاء
[ 255 ]
لا يتخطى الصدقة) تعليل للأمر بالتبكير وهو تمثيل جعلت الصدقة والبلاء كفرسي رهان فأيهما سبق لم يلحقه الآخر ولم يتخطه والتخط تفعل من الخطو وفي خبر مرفوع عند الطبراني أن نفرا مروا على عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال : يموت أحد هؤلاء اليوم فرجعوا ومعهم حزم حطب فحل حزمة فإذا حية سوداء فقال لصاحبها : ماذا عملت اليوم قال : ما عملت شيئا إلا أنه كان معي فلقة خبز فسألني فقير فأعطيته فقال : دفع بها عنك (طس عن علي) أمير المؤمنين (هب عن أنس) قال الهيثمي : فيه عيسى بن عبد الله بن محمد وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات . 3123 (باكروا في طلب الرزق) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ المصححة بادروا طلب الرزق (والحوائج فإن الغدو بركة ونجاح) أي هو مظنة الظفر بقضاء الحوائج ومن ثم قالوا المباكرة مباركة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار فيندب التبكير للسعي في المعاش وقضاء القضايا قال ابن الكمال : ولهذا ندبوا الإبكار لطلب العلم وقيل : إنما ينال العلم ببكور الغراب ، قيل لبزرجمهر : بم أدركت العلم قال : ببكور كبكور الغراب وتملق كتملق الكلب وتضرع كتضرع السنور وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار (طس عد) وكذا البزار (عن عائشة) قال الهيثمي : فيه إسماعيل بن قيس بن سعد وهو ضعيف . 3124 (بحسب المرء) بسكون السين أي يكفيه في الخروج عن عهدة الواجب والباء زائدة (إذا رأى منكرا) يعني علم به والحال أنه (لا يستطيع له تغييرا) بيده ولا بلسانه (أن يعلم الله تعالى) من نيته (أنه له منكر) بقلبه لأن ذلك مقدوره فيكرهه بقلبه ويعزم أنه لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله (تخ طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : فيه الربيع ابن سهل وهو ضعيف . 3125 (بحسب امرئ من الإيمان) أي يكفيه منه من جهة القول (رضيت بالله ربا) أي وحده لا شريك له (وبمحمد رسولا) أي مبلغا (وبالإسلام دينا) أتدين بأحكامه دون غيره من الأديان فإذا قال ذلك بلسانه أجريت عليه أحكام الإيمان من عصمة الدم والمال وغير ذلك من الأحكام الدنيوية فإن اقترن بذلك التصديق القلبي صار مؤمنا إيمانا حقيقيا موجبا لدخول الجنة وظاهر الحديث أنه
[ 256 ]
لا يشترط الاتيان بلفظ الشهادتين بل يكفي ما ذكلتضمنه معناه واشترط الاتيان بلفظهما جمع لأدلة أخرى ومحل تفصيله كتب الفروع (طس عن ابن عباس) قال الطبراني : تفرد به محمد بن عمير عن هشام انتهى ورواه عنه الديلمي أيضا بإسقاط الباء أوله . 3126 (بحسب امرئ من الشر) أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يشار إليه بالأصابع) أي يشير الناس بعضهم لبعض بأصابعهم (في دين أو دنيا) فإن ذلك شر وبلاء ومحنة (إلا من عصمه الله تعالى) لأنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة عظيمة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكرا من الكبائر غير متعارف بينهم بخلاف ما تقارب الناس فيه ككثرة صلاة أو صوم فليس محل إشارة ولا تعجب لمشاركة غيره له فأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإشارة بالأصابع إلى أنه عبد هتك الله ستره فهو في الدنيا في عار وغدا في النار ومن ستره الله في هذه الدار لم يفضحه في دار القرار كما في عدة أخبار قال الغزالي : حب الرياسة والجاه من أمراض القلوب وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها يبتلى به العلماء والعباد فيشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وحملوها على العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ولم تعتقد باطلاع الخالق فأحبت مدح الخلق لهم وإكرامهم وتقديمهم في المحافل فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته وإنما حياته الشهوة الخفية وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عنده من المقربين فإذن المحمود المحو والخمول إلا من شهره الله لينشر دينه من غير تكلف منه كالأنبياء والخلفاء الراشدين والعلماء المحققين والأولياء العارفين (هب عن أنس) وفيه يوسف بن يعقوب فقد قال النيسابوري : قال أبو علي الحافظ : ما رأيت بنيسابور من يكذب غيره وإن كان القاضي باليمن فمجهول وابن لهيعة وسبق ضعفه (د عن أبي هريرة) رواه عنه من طريقين وضعفه وذلك لأن في أحدهما كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال أبو حاتم : تكلموا فيه وعطاء بن مسلم الخراساني فيهم أيضا وقال ضعفه بعضهم وفي الطريق الآخر عبد العزيز بن حصين ضعفه يحيى والناس ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن أبي هريرة وقال الهيثمي : وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف اه‍ . 3127 (بحسب امرئ يدعو) أي يكفيه إذا أراد أن يدعو (أن يقول اللهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة) فإنه في الحقيقة لم يترك شيئا يهتم به إلا وقد دعى به ومن رحمة الله فهو من سعداء
[ 257 ]
الدارين (طب عن السائب بن يزيد) بن سعد المعروف بابن أخت عز قيل وهو ليثي كناني وقيل كندي قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف . 3128 (بحسب أصحابي القتل) أي يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل فإنه كفارة لجرمه وتمحيص لذنوبه وأما المصيب فهو شهيد ذكره ابن جرير حيث قال : يعني يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل إن قتل فيها عن العقاب في الآخرة على قتاله من قاتل من أهل الحق إن كان القتال المخطئ عن اجتهاد وتأويل أما من قاتل مع علمه بخطئه فقتل مصرا فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه ولا يناقضه خبر من فعل معصية فأقيم عليه الحد فهو كفارة لأن قتال أهل الحق له كفارة عن قتاله لهم وأما إصراره على معصية ربه في مدافعته أهل الحق عن حقهم وإقامته على العزم للعود لمثله فأمره إلى الله فقتله على قتاله هو الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه عقوبة ذنبه إلى هنا كلامه (حم طب عن سعيد بن زيد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون فتن يكون فيها ويكون فقلنا : إن أدركنا ذلك هلكنا فذكره قال الهيثمي : رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات . 3129 (بخ بخ (1) كلمة تقال للمدح والرضا وتكرر للمبالغة فإن وصلت جرت ونونت وربما شددت (لخمس) من الكلمات (ما أثقلهن) أي أرجحهن (في الميزان) التي توزن بها أعمال العباد يوم التناد (لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر) يعني أن ثوابهن يجسد ثم يوزن فيرجح على سائر الأعمال وكذا يقال في قوله (والولد الصالح) أي المسلم (يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه) عند الله تعالى قال الديلمي : الاحتساب أن يحتسب الرجل الأجر بصبره على ما أصابه من المصيبة (البزار) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي : حسن يعني البزار إسناده إلا أن شيخه العباس ابن عبد العزيز البالساني لم أعرفه (ن حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سلمى) راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حمصي له صحبة وحديث في أهل الشام ورواه عنه أيضا ابن عساكر وقال : يعرف بكنيته ولم يقف على اسمه وقال غيره اسمه حريث (حم عن أبي أمامة) قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا الطبراني من حديث سفينة قال المنذري : ورجاله رجال الصحيح . (1) بفتح الموحدة وكسر المعجمة منون فيها صيغة تعظيم ويقال في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ منونة وبخ منونة مضمومة وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول منون والثاني مسكن ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين وبخ بخ مشددين كلمة تقال للمدح والرضى .
[ 258 ]
3130 (بخل الناس بالسلام) أي بخلوا حتى بخلوا بالسلام الذي لا كلفة فيه ولا بذل مال ومن بخل به فهو بغيره من سائر الأشياء بخل وفيه حث على بذل السلام وإفشائه والإمساك عنه من أخبث الأفعال الرديئة والخصال المؤدية إلى الضرر والأذية . (حل عن أنس) 3131 (براءة من الكبر لبوس) لفظ رواية البيهقي لباس (الصوف) بقصد صالح لا إظهار للتزهد وإيهاما لمزيد التعبد (ومجالسة فقراء المؤمنين) بقصد إيناسهم والتواضع معهم (وركوب الحمار) أي أو نحوه كبرذون حقير (واعتقال العنز) أو قال البعير هكذا وقعت في رواية مخرجه البيهقي على الشك يعني اعتقاله ليحلب لبنه والمراد أن فعل هذه الأشياء بنية صالحة تبعد صاحبها عن التكبر (حل هب) من حديث محمد بن عيسى الأديب عن عثمان بن مرداس عن محمد بن بكير عن القاسم بن عبد الله العمري عن زيد عن عطاء (عن أبي هريرة) قال أبو نعيم : ورواه وكيع عن خارجة ابن زيد مرسلا وقال البيهقي : رواه القاسم من هذا الوجه وروى أيضا عن أخيه عاصم عن زيد كذلك مرفوعا وقيل عن زيد عن جابر مرفوعا اه‍ ورواه الديلمي عن السائب بن يزيد والقاسم بن عبد الله العمري هذا أورده الذهبي في المتروكين وقال الزين العراقي في شرح الترمذي فيه القاسم العمري ضعيف وجزم المنذري بضعف الحديث ولم يبينه . 3132 (برئ من الشح) الذي هو أشد البخل (من أدى الزكاة) الواجبة إلى مستحقيها (وقرى الضيف) إذا نزل به (وأعطى في النائبة) أي أعان الإنسان على ما ينوبه أي ينزل به من المهمات والحوادث (هناد) في الزهد (ع) في مسنده (طب) كلهم من طريق مجمع بن يحيى بن زيد بن حارثة (عن) عمه (خالد بن زيد بن حارثة) ويقال ابن زيد بن حارثة الأنصاري قال في الإصابة : إسناده حسن لكن ذكره يعني خالد بن زيد البخاري وابن حبان في التابعين . 3133 (برئت الذمة) أي ذمة أهل الإسلام (ممن) أي من مسلم (أقام مع المشركين) يعني الكفار وخص المشركين لغلبتهم حينئذ (في ديارهم) فلم يهاجر منها مع تمكنه من الهجرة وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره قيل : لم يا رسول الله قال : لا تتراءى نارهما وكانت الهجرة في صدر الإسلام
[ 259 ]
واجبة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أما بعد الفتح فلا هجرة كما نطق به الحديث الآتي (طب عن جرير) بن عبد الله البجلي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يوجد مخرجا لأحد من الستة لكن رأيته في الفردوس رمز للترمذي وأبي داود فلينظر . 3134 (بردوا طعامكم) أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلا فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك لكم فيه) وأما الحار فلا بركة فيه كما في عدة أخبار ويظهر أن المراد بتبريده أن يصير باردا تقبله البشرة ويتهنئ به الآكل بأن يكون فاترا لا باردا بالكلية فإن أكثر الطباع تأباه فالمراد بالبرد أول مراتبه (عد عن عائشة) ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له . 3135 (بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام) أي إطعام الطعام للمسافرين ومخاطبتهم باللين والتلطف وترك الشح والتعسف فإن ذلك من مكارم الأخلاق المأمور بها في جميع الملل (ك عن جابر) بن عبد الله . 3136 (بر الوالدين) بالكسر الاحسان إليهما قولا وفعلا قال الحرالي : البر الاتساع في كل خلق جميل (يجزئ عن الجهاد) في سبيل الله تعالى أي ينوب عنه ويقوم مقامه يقال جزا بغيره يجزي أي ينوب ويقضي وهذا في حق بعض الأفراد فكأنه ورد جوابا لسائل اقتضى حاله ذلك وإلا فالجهاد مرتبة عظيمة في الدين كما سلف وقد ثبت في الشريعة في حرمة الوالدين ووجوب برهما والقيام بحقهما ولزوم مرضاتهما ما صيره في حيز التواتر وسئل المحابسي عن برهما أيجب فقال : ما يزيد أمرهما على أمر الله ومنه واجب ومندوب فإذا تقابل أمرهما وأمر الله فأمر الله أوجب وقال العلائي : ذكر جمع أن ضابط برهما يعبر بضابط جامع مانع . (تنبيه) قال الإمام الرازي : أجمع أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين والإحسان إليهما إحسانا غير مقيد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى * (وبالوالدين إحسانا) * وقد ثبت في الأصول أن الحكم المترتب على الوصف مشعر بعلية الوصف فدلت الآية على أن الأمر بتعظيم الوالدين بمحض كونهما والدين وذلك يقتضي العموم (ش عن الحسن مرسلا) هذا تصريح من المصنف بأن مراده الحسن البصري وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الحسن بن علي فلا يكون مرسلا . 3137 (بر الوالدين يزيد في العمر) أي في عمر البار كما نطقت به الكتب السماوية ففي السفر
[ 260 ]
الثاني من التوراة أكرم أبا ك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيكها الرب إلهك (والكذب) أي الذي لغير مصلحة مهمة (ينقص الرزق) أي يضيق المعيشة لأن الكذب خيانة والخيانة تجلب الفقر كما مر في غير ما حديث (والدعاء) بشروطه وأركانه (يرد القضاء) الإلهي أي غير المبرم في الأزل فإنه لا بد من وقوعه كما بينه بقوله (ولله عز وجل في خلقه قضاءان قضاء نافذ وقضاء محدث) مكتوب في صحف الملائكة أو في اللوح المحفوظ فهذا هو الذي يمكن تغييره وأما الأزلي الذي في علم الله فلا تغيير فيه البتة (وللأنبياء) أي والمرسلين (على العلماء) أي العلماء بعلم طريق الآخرة العاملون بما علموا (فضل درجتين) أي زيادة درجتين أي هم أعلا منهم بمنزلتين عظيمتين في الآخرة (وللعلماء) الموصوفين بما ذكر (على الشهداء) في سبيل الله بقصد إعلاء كلمة الله (فضل درجة) يعني هم أعلى منهم بدرجة فأعظم بدرجة هي تلي النبوة وفوق الشهادة وذلك يحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع في تحصيل العلو النافعة بشرط الإخلاص والعمل (تنبيه) قال الماوردي : البر نوعان صلة ومعروف فالصلة التبرع ببذل المال في جهات محمودة لغير غرض مطلوب وهذا يبعث على سماحة النفس وسخائها ويمنع منه شحها وإبائها * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * والثاني نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بحسن قول ويبعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيصير ملقا مذموما (أبو الشيخ) الأصبهاني (في) كتاب (التوبيخ عد) كلاهما (عن أبي هريرة) وضعفه المنذري . 3138 (بروا آباءكم) أي وأمهاتكم وكأنه اكتفى به عنه من قبيل * (سرابيل تقيكم الحر) * وأراد بالآباء ما يشمل الأمهات تغليبا كالأبوين فإنكم إن فعلتم ذلك (يبركم أبناؤكم) وكما تدين تدان (وعفوا) عن نساء الناس فلا تتعرضوا لمزاناتهم فإنكم إن التزمتم ذلك (تعف نساؤكم) أي حلائلكم عن الرجال الأجانب لما ذكر قال الراغب : دخلت امرأة يزيد ابن معاوية وهو يغتسل فقالت : ما هذا قال : جلدت عميرة ثم دخل وهي تغتسل فقال : ما هذا قالت : جلدني زوج عميرة (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري : إسناده حسن وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أحمد غير منسوب والظاهر أنه من المتكثرين من شيوخه فلذلك لم ينسبه اه‍ وبالغ ابن الجوزي فجعله موضوعا .
[ 261 ]
3139 (بروا آباءكم) يعني أصولكم وإن علوا (تبركم أبناؤكم وعفوا عن النساء تعف نساؤكم) عن الرجال (ومن تنصل إليه) أي انتفى من ذنبه واعتذر إليه (فلم يقبل) اعتذاره (فلم يرد على الحوض) الكوثر يوم القيامة قال عبد الحق : في هذا الحديث ونحوه دلالة على وجوب الإيمان بالحوض وقد أنكره بعض الزائغين ومن أنكره لم يرده (طب) عن أحمد بن داود المكي عن علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك عن أبي الزبير عن جابر (ك) من طريق إبراهيم بن الحسين ابن ديديل عن علي بن قتيبة عن مالك عن أبي الزبير (عن جابر) قال ابن الجوزي : موضوع علي بن قتيبة يروي عن الثقات البواطيل اه‍ وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا اه‍ وأورده في الميزان في ترجمة علي بن قتيبة الرفاعي وقال : قال ابن عدي : له أحاديث باطلة عن مالك ثم أورده في هذا الخبر . 3140 (بركة الطعام) أي نموه وزيادة نفعه في البدن (الوضوء قبله) أي تنطيف اليد بغسلها (والوضوء بعده) كذلك قال الطيبي : معنى بركته قبله نموه وزيادة نفعه وبعده دفع ضرر الغمر الذي علق بيده وعيافته وقال الزين العراقي : أراد نفع البدن به وكونه يمري فيه لما فيه من النظافة فإن الأكل معها بنهمة وشهوة بخلافه مع عدمها فربما يقذر الطعام فلا ينفعه بل يضره قال الراغب : وأصل البرك صدر البعيوبرك البعير ألقى بركه واعتبر منه معنى اللزوم وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء به والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشئ سمي به لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير قال تعالى : * (ذكر مبارك) * تنبيها على ما يفيض من الخيرات الإلهية ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة خير زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة اه‍ وهذا لا يناقضه خبر الترمذي أنه قرب إليه طعام فقالوا : ألا نأتيك بوضوء فقال : إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة لأن المراد بذلك الوضوء الشرعي وذا الوضوء اللغوي وفيه رد على من زعم كراهة غسل اليد قبل الطعام وبعده وما تمسك به من أنه من فعل الأعاجم لا يصلح حجة ولا يدل على اعتباره دليل (حم د ت ك) كلهم في الأطعمة (عن سلمان) قال : قرأت في التوراة بركة الطعام الوضوء قبله فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل صرح بضعفه أبو داود وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث قيس ابن الربيع وهو مضعف ، وقال الحاكم : تفرد به قيس قال الذهبي : هو مع ضعف قيس فيه إرسال اه‍ . ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث لكن قال المنذري : قيس وإن كان فيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن .
[ 262 ]
3141 (بشرى الدنيا) كذا بخط المصنف أي بشرى المؤمن في الدنيا (الرؤيا الصالحة) يراها في منامه أو ترى له فيه والبشارة الخبر الصدق السار وأما * (فبشرهم بعذاب أليم) فاستعارة تهكمية . (تنبيه) قال بعضهم : الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي فيطلع الله النائم على ما جهله من معرفة الله والكون في يقظته ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أصبح سأل هل رأى أحد منكم رؤيا هذه الليلة ؟ وذلك لأنها آثار نبوة في الجملة فكان يحب أن يشهدها في أمته قال : والناس في غاية من الجهل بهذه المرتبة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتني بها ويسأل عنها كل يوم وأكثرهم يهزأ بالرائي إذا رآه يعتمد الرؤيا (طب عن أبي الدرداء) . 3142 (بشر من شهد بدرا) أي حضر وقعة بدر للقتال مع أهل الإسلام (بالجنة) أي بدخولها مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يشهد شيئا من المشاهد (قط في الأفراد عن أبي بكر) الصديق . 3143 (بشر هذه الأمة) أمة الإجابة (بالسناء) بالمد ارتفاع المنزلة والقدر (والدين) أي التمكن فيه (والرفعة) أي العلو في الدنيا والآخرة (والنصر) على الأعداء (والتمكين في الأرض) (ونمكن لهم في الأرض ونجعلهم أئمة) (فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا) أي قصد بعمله الأخروي استجلاب الدنيا وجعله وسيلة إلى تحصيلها (لم يكن له في الآخرة من نصيب) لأنه لم يعمل لها (حم) عن أبي قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح (حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن أبي) ابن كعب قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي في موضع ورده في آخر بأن فيه من الضعفاء محمد بن أشرس وغيره . 3144 (بشر) خطاب عام لم يرد به معين (المشائين) بالهمز والمد أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها ظلمة الليل (إلى المساجد) القريبة أو البعيدة (بالنور التام) أي من جميع جوانبهم فإنهم يختلفون في النور بقدر عملهم (يوم القيامة) أي على
[ 263 ]
الصراط والمراد المنابر التي من نور ، لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضئ لهم يوم القيامة وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم وإن كان منهم من يمشي في ضوء مصباحه لأنه ماش في ظلمة الليل متكلف زيادة مؤونة الزيت أو الشمع فله ثواب ذلك مع نور مشيه كالحاج إذا زادت مؤونته لبعد المشقة فله ثوابها مع ثواب الحج وقيل إنما قيد النور بالتمام لأن أصل النور يعطى لكل من تلفظ بالشهادتين من مؤمن أو منافق لظاهر حرمة الكلمة ثم يقطع نور المنافقين فيقولون (ربنا أتمم لنا نورنا) * وقال الطيبي : تقييده بيوم القيامة تلميح إلى قصة المؤمنين وقولهم فيه (ربنا أتمم لنا نورنا) ففيه إيذان أن من انتهز هذه الفرصة وهي المشي إليها في الظلم في الدنيا كان مع النبيين والصديقين في الأخرى (وحسن أولئك رفيقا) (د ت) كلاهما في الصلاة (عن بريدة) بن الخصيب قال الترمذي : غريب قال المنذري : ورجاله ثقات اه‍ . (ه ك عن أنس) وسكت عليه وسنده عن داود بن سليمان عن أبيه عن ثابت البناني به وقال ابن طاهر : لم يتابع داود عليه وهو عن ثابت غير ثابت وسليمان هذا هو ابن مسلم مؤذن مسجد ، قال في الميزان : عن العقيلي لا يتابع على حديثه ثم ساق له هذا الخبر وقال : لا يعرف إلا به زاد في اللسان عنه وفي هذا المتن أحاديث متقاربة في الضعف واللين . (د عن سهل بن سعد) الساعدي وقال : صحيح على شرطهما ولم يخرجاه اه‍ . وقال ابن الجوزي : حديث لا يثبت اه‍ . وعده المصنف في الأحاديث المتواترة . 3145 (بطحان) بضم الموحدة وسكون المهملة واد بالمدينة لا ينصرف قال عياض : هذه رواية المحدثين وأهل اللغة بفتح الموحدة وكسر الطاء (على بركة من برك الجنة) وفي رواية على ترعة من ترع الجنة قال الديلمي : الترعة الروضة على المكان المرتفع خاصة وقيل هي الدرجة (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي : فيه راو لم يسم . 3146 (بعثت) أي أرسلت (أنا والساعة) بالنصب مفعول معه والرفع عطف على ضمير بعثت وقوأبي البقاء الرفع يفسد المعنى إذ لا يقال بعثت الساعة اعترضوه (كهاتين) الأصبعين السبابة والوسطى وقال عياض : هو تمثيل لاتصال زمنه بزمنها وأنه ليس بينهما شئ كما أنه ليس بينهما أصبع أخرى ويحتمل أنه تمثيل لقرب ما بينهما من المدة كقرب السبابة والوسطى قال الأبي : وهل يعني بما بينهما في الطول أو العرض ؟ والأرجح الأول وقال غيره : إن دينه متصل بقيام الساعة لا يفصله عنه دين آخر كما لا فصل بين السبابة والوسطى وقال القاضي : معناه أن نسبة تقدم بعثته على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الأصبعين على الأخرى وفيه إشهار بأنه لا نبي بينه وبينها كما لا يتخلل أصبع بين
[ 264 ]
هاتين الأصبعين ومحصوله أنه كناية عن قربها وبه جاء التنزيل (اقتربت الساعة) (تنبيه) قال القرطبي : لا منافاة بين هذا وبين قوله ما المسؤول عنها بأعلم من السائل لأن مراده هنا أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع ولا يلزم منه علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة وقال الكرماني : لا معارضة بين هذا وبين خبر إن الله عنده علم الساعة لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها عينا . (حم ق ت عن أنس) بن مالك (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي وفي الباب عن جابر وبريدة وغيرهما قال المصنف : وهذا متواتر . 3147 (بعثت إلى الناس كافة) قال الإمام : يختص بالمكلف واعترض بأن البعثة لشخص لا يقتضي تكليفه بل يكفي جري أحكام الإسلام عليه كتوارث ونحوه وقيل تقتضي البعثة إلى الناس أن كل من سمعه منهم يجب عليه إذا عقل وبلغ اتباعه فشمل الطفل وغيره (فإن لم يستجيبو لي فإلى العرب) كافة (فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش) الذين هم قومي (فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم) الذين هم آلي (فإن لم يستجيبوا لي فإلي وحدي) أي فلا أكلف حينئذ إلا نفسي ولا يضرن آآي مخالفة من أبى واستكبر (لا تكلف إلا نفسك) * وهذا مسوق لبيان عموم رسالته وأنها ثابتة كيفما كان وعلى أي حال فر ض يعني بعثت إلى الناس كافة وأمرت أن أدعوهم إلى دين الإسلام سواء استجابوا لى أو لا وفيه أنه مرسل إلى نفسه وعليه أهل الأصول (ابن سعد) في الطبقات (عن خالد بن معدان مرسلا) 3148 (بعثت من خير قرون بني آدم) أي من خير طبقاتهم كائنين (قرنا فقرنا) طبقة بعد طبقة (حتى كنت من القرن الذي كنت فيه) إذ القرن أهل كل زمان من الاقتران لأنهم يقترنون في أعمارهم وأحوالهم في زمن واحد وحتى غائبة لبعثت وأراد به تقلبه في الأصلاب أبا فأبا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه فالفاء للترتيب في الفضل على الترقي تقربا من أبعد آبائه إلى أقربهم فأقربهم كما في : خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل (ع) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة) ولم يخرجه . 3149 (بعثت بجوامع الكلم) أي القرآن سمي به لإيجازه واحتواء لفظه اليسير على المعنى
[ 265 ]
الغزير واشتماله على ما في الكتب السماوية وجمعه لما فيها من العلوم السنية : وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف (ونصرت بالرعب) أي الفزع يلقى في قلوب الأعداء قال ابن حجر : ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو ما ينشأ عنه من الظفر بالعدو (وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) قال الزمخشري وغيره : أراد ما فتح على أمته من خزائن كسرى وقيصر لأن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود قيصر الدراهم أقول وهذا يرجح الحديث الوارد في صدر الكتاب أتيت بمقاليد الدنيا إلخ أنه كان مناما (فوضعت) بالبناء للمجهول أي المفاتيح (في يدي) بالإفراد وفي رواية بالتثنية أي وضعت حقيقة أو مجازا باعتبار الاستيلاء عليها (ق ن عن أبي هريرة) قال أبو هريرة : فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتشلونها أي تستخرجونها . 3150 (بعثت بالحنيفية السمحة) أي الشريعة المائلة عن كل دين باطل قال ابن القيم : جمع بين كونها حنيفية وكونها سمحة فهي حنيفة في التوحيد سمحة في العمل وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال وهما قربتان وهما اللذان عابهما الله في كتابه على المشركين في سورة الأنعام والأعراف (ومن خالف سنتي) أي طريقتي بأن شدد وعقد وتبتل وترهب (فليس مني) أي ليس من المتبعين لي العاملين بما بعثت به الممتثلين لما أمرت به من الرفق واللين والقيام بالحق والمساهلة مع الخلق قال الحرالي : إنما بعث بالحنيفية السمحة البيضاء النقية واليسر الذي لا حرج فيه (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) اه‍ ، واستنبط منه الشافعية قاعدة إن المشقة تجلب التيسير (خط عن جابر) بن عبد الله وفيه علي بن عمر الحربي أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق ضعفه البرقاني ومسلم بن عبد ربه ضعفه الأزدي ومن ثم أطلق الحافظ العراقي ضعف سنده وقال العلائي : مسلم ضعفه الأزدي ولم أجد أحدا وثقه لكن له طرق ثلاث ليس يبعد أن لا ينزل بسببها عن درجة الحسن . 3151 (بعثت بمداراة الناس) أي خفض الجناح ولين الكلمة لهم وترك الأغلاط عليهم فإن ذلك من أقوى أسباب الألفة واجتماع الكلمة وانتظام الأمر وهي غير المداهنة كما سبق ويجئ (طب عن جابر) قال : لما نزلت سورة براءة قال ذلك وفيه عبد الله بن لؤلؤة عن عمير بن واصل قال في لسان الميزان يروي عنه الموضوع وعمر بن واصل اتهمه الخطيب بالوضع وفيه أيضا مالك بن دينار الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء ووثقه بعضهم .
[ 266 ]
3152 (بعثت بين يدي الساعة) مستعار مما بين يدي جهة الإنسان تلويحا بقربها والساعة هنا القيامة وأصلها قطعة من الزمان (بالسيف) خص نفسه به وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا لأنه لا يبلغ مبلغه فيه أقول ويحتمل أنه إنما خص نفسه به لأنه موصوف بذلك في الكتب فأراد أن يقرع أهل الكتابين ويذكرهم بما عندهم أخرج أبو نعيم عن كعب خرج قوم عمارا وفيهم عبد المطلب ورجل من يهود فنظر إلى عبد المطلب فقال : إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئى هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد (حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له) أي ويشهد أني رسوله وإنما سكت عنه لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصر الكلام على الأهم في المقام (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي : يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري : يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه (وجعل الذل) أي الهوان والخسران (والصغار) بالفتح أي الضيم (على من خالف أمري) فإن الله تعالى خلق خلقه قسمين علية وسفلة وجعل عليين مستقرا لعليه وأسفل سافلين مستقرا لسفله وجعل أهل طاعته وطاعة رسوله الأعلين في الدارين وأهل معصيته الأسفلين فيها والذلة والصغار لهؤلاء وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره فالعز لأهل طاعته ومتابعيه * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * وعلى قدر متابعته تكون العزة والكفاية والفلاح (ومن تشبه بقوم فهو منهم) أي حكمه حكمهم وذلك لأن كل معصية من المعاصي ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله ، فاللوطية ميراث عن قوم لوط وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث قوم شعيب والعلو في الأرض ميراث قوم فرعون والتكبر والتجبر ميراث قوم هود فكل من لابس من هؤلاء شيئا فهو منهم وهكذا (حم ع طب) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه عبد الرحمن بن ثابت عن ثوبان وثقه ابن المديني وأبو حاتم وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات وذكره البخاري في الصحيح في الجهاد تعليقا وفي الباب أبو هريرة وغيره .
[ 267 ]
3153 (بعثت داعيا) بحذف مفعوله للتعميم وفاعله تعظيما وتفخيما أي بعثني الله داعيا بمن يريد هدايته (ومبلغا) ما أوحاه الله إلي إلى الخلق (وليس إلي من الهدى شئ) لأني عبد لا أعلم المطبوع على قلبه من غيره قال الزمخشري : وقد جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبعه فقد ضيع نفسه ومثاله أن يفجر الله عينا غديقة فيسقي ناس زرعهم وماشيتهم بمائها فيفلحوا ويبقى ناس مفرطون عن السقي فيضيعوا فالعين المعجزة في نفسها نعمة من الله ورحمة للفريقين لكن الكسلان حرم نفسه ما ينفعها كذا قرره (وخلق) لفظ رواية العقيلي وجعل (إبليس مزينا) للدنيا والمعاصي ليضل بها من أراد الله إضلاله (وليس إليه من الضلالة شئ) فالرسل إنما هم مستجلبون لأمر جبلات الخلق فطرهم فيبشرون من فطر على خير وينذرون من جبل على شر والشيطان إنما ينشر حبائله لأمر جبلات الخلق كما تقرر فكلا الفريقين لا يستأنفون أمرا لم يكن بل يظهرون أمرا كان مغيبا وكذا حال كل إمام وعالم في زمنه ودجال وضلال في أوانه فإنما يميز كل منهما الخبيث من الطيب (عق) عن محمد بن زكريا البلخي عن عيسى بن أحمد البلخي عن إسحاق ابن الفرات عن خالد بن عبد الرحمن بن الهيثم عن سماك عن طارق عن عمر ثم قال مخرجه العقيلي خالد ليس بمعروف بالنقل وحديثه غير محفوظ ولا يعرف له أصل (عن عمر) بن الخطاب ثم قال : أعني ابن عدي في قلبي من هذا الحديث شئ ولا أدري سمع خالد من سماك أم لا ؟ ولا أشك أن خالدا هذا هو الخراساني فالحديث مرسل عن سماك انتهى . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المؤلف بأن خالدا روى له أبو داود ووثقه ابن معين قال : وحينئذ فليس في الحديث إلا الإرسال اه‍ . وقال الذهبي : خالد بن عبد الرحمن قال الدارقطني : لا أعلمه روى غير هذا الحديث الباطل ثم ساق هذا بلفظه وسنده . 3154 (بعثت مرحمة) للعالمين (وملحمة) يعني بالقتال قال في الفردوس : الملحمة المقتلة (ولم أبعث تاجرا) أي أحترف بالتجارة (ولا زارعا) وفي رواية ولا زراعا صيغة مبالغة (ألا) حرف تنبيه كما سبق (وإن شرار الأمة) أي من شرارهم (التجار والزارعون إلا من شح على دينه) أي أمسك عليه ولم يفرط في شئ من أحكامه بإهمال رعايته قيل أراد تجار الخمر وقيل أعم والمراد من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة أو لا يتوقى الربا ونحو ذلك وعلى نقيضه يحمل مدحه للتجارة في عدة أخبار (حل) عن عبد الله بن محمد عن صالح الوراق عن عمرو بن سعيد الحمال عن الحسين بن حفص عن سفيان عن أبي موسى السمالي عن وهب (عن ابن عباس) ورواه ابن عدي أيضا من طريق آخر فحكاه عنه ابن
[ 268 ]
الجوزي ثم حكم بوضعه فتعقبه المؤلف بوروده من طريق أخرى وهو طريق أبي نعيم هذا وبأن الدارقطني خرجه في الأفراد من طريق ثالث فينجبر . 3155 (بغض بني هاشم والأنصار كفر) أي صريح أن بغض بني هاشم من حيث كونهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وبغض الأنصار من حيث كونهم ناصروه وظاهروه (وبغض العرب نفاق) أي لا يصدر بغضهم إلا عن نوع نفاق إما في الإعتقاد أو في العمل المنبعث عن هوى النفس ونصيب الشيطان فإنهم إنما شرفوا بالدين وخير الناس وأفضلهم في الدين كانوا من العرب وهم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد الناس وسيد كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وإذا كان هؤلاء خيار الناس وهم من العرب صار للعرب بهم الشرف أما أوائلهم فلأنهم كانوا سببا لنصرة هذا الدين وأما من بعدهم فلكونهم نسلهم فصح لهم الشرف ورجع الشرف إلى الدين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه من لم أعرفهم وأعاده في محل آخر بعينه وقال رجاله ثقات وقال شيخه الزين العراقي في القرب حديث حسن صحيح ورواه مسلم بمعناه . 3156 (بكاء المؤمن) ناشئ (من قلبه) أي من حزن قلبه (وبكاء المنافق من هامته) أي رأسه يرسله منها متى شاء فهو يملك إرساله دفعة كما سيجئ في خبر قال الصلاح الصفدي : رأيت من يبكي بإحدى عينيه ثم يقول لها قفي فتقف دمعها ويقول للأخرى ابك أنت فيجري دمعها ورأيت آخر له محبوب فإذا قال له ابكي بكى وإذا قال له وهو في وسط البكاء اضحك ضحك ورأيت من يبكي بإحدى عينيه والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر وإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه كذا في مختصر الفتح . (عق طب حل عن حذيفة) وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال العقيلي والأزدي : منكر الحديث ثم ساق له العقيلي هذا قال في لسان الميزان ويشبه أن يكون موضوعا اه‍ . فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه غير صواب . 3157 (بكروا بالإفطار) أي تقدموا به وقدموه في الوقت وقت الفطر قال الديلمي : والتبكير التقدم في أول الوقت وإن لم يكن أول النهار (وأخروا السحور) أي أوقعوه آخر الليل ما لم يؤد إلى شك في طلوع الفجر فإنه أعظم للأجر . (عد عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي في الفردوس أيضا .
[ 269 ]
3158 (بكروا في الصلاة في يوم الغيم) أي حافظوا عليها وقدموها فيه لئلا يخرج الوقت وأنتم لا تشعرون وإخراج الصلاة عن وقتها عظيم الجرم جدا لا سيما العصر كميشير إليه قوله (فإنه) أي الشأن (من ترك صلاة العصر حبط عمله) أي بطل ثوابه وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله فإنه في حق من مات مرتدا بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه ذلك وحمله الدميري على المستحل أو من تعود الترك أو على حبوط الأجر (حم ه حب عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي وظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول عجيب مع كونه كما قال الديلمي وغيره في البخاري عن بريدة باللفظ المزبور . 3159 (بلغوا عني) أي انقلوا عني ما أمكنكم ليتصل بالأمة نقل ما جئت به (ولو) أي ولو كان الإنسان إنما يبلغه مني أو عني (آية) واحدة من القرآن وخصها لأنها أقل ما يفيد في باب التبليغ ولم يقل ولو حديثا إما لشدة اهتمامه بنقل الآيات لأنها المعجزة الباقية من بين سائر المعجزات ولأن حاجة القرآن إلى الضبط والتبليغ أشد إذ لا مندوحة عن تواتر ألفاظه وإما للدلالة على تأكد الأمر بتبليغ الحديث فإن الآيات مع كثرة حملتها واشتهارها وتكفل حفظ الله لها عن التحريف واجبة التبليغ فكيف بالأحاديث فإنها قليلة الرواة قابلة للإخفاء والتغير ؟ ذكره القاضي البيضاوي ، وقال الطيبي : بقوله بلغوا عني يحتمل أن يراد باتصال السند بنقل عدل ثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو انتهاء الشئ إلى غايته وأن يراد أداء اللفظ كما سمعه من غير تغيير والمطلوب بالحديث كلا الوجهين لوقوع قوله بلغوا عني مقابلا لقوله الآن حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج إذ ليس في التحديث ما في التبليغ من الحرج والضيق ويعضد هذا التأويل آية * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * أي وإن لم تبلغ لما هو حقه فما بلغت ما أمرت به وحديث نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها الحديث وقوله ولو آية أي علامة تتميم ومبالغة أي ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة بنحو يد أو أصبع فإنه يجب تبليغه حفظا للشريعة وفي صحيح ابن حبان فيه دليل على أن السنن يقال لها آي قال في التنقيح : وفيه نظر إذ لم ينحصر التبليغ عنه في السنن بل القرآن مما بلغ وفيه جواز تبليغ بعض الحديث قال الطيبي : ولا بأس به للعالم وإباحة الكتابة والتقييد لأن النسيان من طبع الإنسان ومن اعتمد على حفظه لا يؤمن عليه الغلط في التبليغ فترك التقييد يؤدي إلى سقوط أكثر الحديث وتعذر تبليغه ذكره في شرح السنة وفي الجليس للمعافى النهرواني الآية لغة تطلق على العلامة الفاصلة والأعجوبة الحاصلة والبلية النازلة فمن الأول قوله تعالى * (أن لا تكلم الناس) * ومن الثاني *
[ 270 ]
(إن في ذلك لآية) * ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية ويجمع بين هذه المعاني أنه قيل لها آية لدلالتها وفضلها وإبانتها وقال ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما عنده من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع مجاء به الشارع اه‍ . (وحدثوا عن بني إسرائيل) بما بلغكم عنهم مما وقع لهم من الأعاجيب وإن استحال مثلها في هذه الأمة كنزول النار من السماء لأكل القربان ولو كان بلا سند لتعذر الاتصال في التحديث عنهم لبعد الزمان بخلاف الأحكام المحمدية (ولا حرج) لا ضيق عليكم في التحديث به إلا أن يعلم أنه كذب أولا حرج أن لا تحدثوا وعليه فزاده دفعا لتوهم وجوب التحديث من صورة صدور الأمر بقال الطيبي : ولا منافاة بين إذنه هنا ونهيه في خبر آخر عن التحديث وفي آخر عن النظر في كتبهم لأنه أراد هنا التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم وبالنهي العمل بالأحكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر الإسلام قبل استقرار الأحكام الدينية والقواعد الإسلامية فلما استقرت أذن لأمن المحذور (ومن كذب علي متعمدا) يعني ومن لم يبلغ حق التبليغ ولم يحفظ في الأداء ولم يراع صحة الإسناد (فليتبوأ) بسكون اللام فليتخذ (مقعده من النار) أي فليدخل في زمرة الكاذبين نار جهنم والأمر بالتبوئ تهكم كما مر وقد استفدنا وجوب تبليغ العلم على حامليه وهو الميثاق الذي أخذه الله على العلماء قال البغوي : ولهذا الحديث كره قوم من الصحب والتابعين إكثار الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوفا من الزيادة والنقصان والغلط حتى أن من التابعين من كان يهاب رفع المرفوع فيقفه على الصحابي (حم خ) في بني إسرائيل (ت) في العلم (عن ابن عمر) . 3160 (بلوا أرحامكم) أي أندوها بما يجب أن تندى به وواصلوها بما ينبغي أن توصل به (ولو بالسلام) يقال الوصل بلل يوجب الالتصاق والاتصال والهجر يفضي إلى التفتت والانفصال قال الزمخشري : استعار البلل للوصل كما يستعار اليبس للقطيعة لأن الأشياء تختلط بالنداوة وتتفرق باليبس وقال الطيبي : شبه الرحم بالأرض الذي إذا وقع الماء عليها وسقاها حق سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء وإذا تركت بغير سقي يبست وبطل نفعها فلا تثمر إلا البغض والجفاء ومنه قولهم سنة جماد أي لا مطر فيها وناقة جماد أي لا لبن فيها وقال الزين العراقي : بين به أن الصلة والقطيعة درجات فأدنى الصلة ترك الهجر وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مندوب (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي وهو ضعيف (طب عن أبي الطفيل) بضم المهملة عامر بن واثلة بمثلثة مكسورة الليثي الكناني ولد عام أحد وكان من شيعة علي قال الهيثمي : فيه راو لم يسم (هب عن أنس) بن مالك (وسويد) بضم المهملة (بن عمرو) الأنصاري قتل يوم موته قال البخاري : طرقه كلها ضعيفة ويقوي بعضها بعضا .
[ 271 ]
3161 (بنو هاشم وبنو المطلب كشئ واحد) أي كشئ واحد في الكفر والإسلام ولم يخالف بنوا المطلب بني هاشم أصلا بل ذبوا عنهم بعد البعثة وناصروهم فلذا شاركوهم في خمس الخمس وجعلوا من ذوي القربى وأما عبد شمس ونوفل فإنهما وإن كانوا أخوي هاشم والمطلب فأولادهم خالفوا آباءهم فحرموا من الخمس وروى سي بسين مهملة وياء مشددة أي كل منهما مقترن بالآخر ملتصق به والسي المثل والنظير يعني هما سواء نظراء أكفاء قال الخطابي : وهذه الرواية أجود ولم يبين وجهه وقال الدماميني هما سواء . (تتمة) قال ابن جرير : كان هاشم توأم عبد شمس خرج ورجله ملصقة برأس عبد شمس فما خلص حتى سال بينهما دم فأول بأن يكون بينهما حروب فكان بين بني أمية وبين بني العباس ما كان (طب عن جبير بن مطعم) قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بينهما قلت أنا وعثمان : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة فذكره ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد خرجه الإمام الشافعي من عدة طرق عن جبير بل عزاه في الفردوس لأمير المحدثين البخاري ثم رأيته فيه في كتاب الجهاد بأداة الحصر ولفظه إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد . 3162 (بني الإسلام) بالبناء للمفعول أي أسس واستعمال الموضوع للمحسوس في المعاني مجاز علاقته المشابهة شبه الإسلام ببناء محكم وأركانه الآنية بقواعد ثابتة محكمة حاملة لذلك البناء فتشبيه الإسلام بالبناء استعارة ترشيحية (على) دعائم وأركان (خمس) وهي خصاله المذكورة قيل المراد القواعد ولذلك خلت عن التاء ولو أريد الأركان لالتحقت ونوزع بأن في رواية مسلم خمسة وهي صريحة في إرادة الأركان وتقدير خمس وصفا أقرب من تقديره مضافا لجواز حذف الموصوف إذا علم بخلاف المضاف إليه (شهادة) يجره مع ما بعده بدلا من خمس وهو أولى ويصح رفعه بتقدير مبتدأ أي هي أو أحدها أو خبر أي منها ونصبه بإضمار أعني وخص الخمس بكونها أركانه ولم يذكر معها الجهاد مع كونه ذروة سنامه لأنها فروض عينيه وهو كفاية ولأن فرضيته تنقطع بنزول عيسى عليه السلام بخلاف الخمس (أن لا إله إلا الله) في رواية إيمان بالله ورسوله (وأن محمدا رسول الله) أخذ منه أبو الطيب أنه يشترط في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد عليه بالرسالة ولم يتابع مع اتجاهه قال ابن حجر رحمه الله : لم يذكر الإيمان بالملائكة وغيره مما هو في خبر جبريل عليه السلام لأنه أراد بالشهادة تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما جاء به فيستلزم ذلك (وإقام) أصله إقامة حذفت تاؤه للازدواج (الصلاة) أي المداومة عليها (وإيتاء) أي إعطائها (الزكاة) أهلها فحذف للعلم به ورتب هذه الثلاثة في جميع
[ 272 ]
الروايات لأنها وجبت كذلك وتقديما للأفضل فالأفضل (وحج البيت) أي الكعبة (وصوم رمضان) لم يذكر فيهما الاستطاعة لشهرتها ووجه الحصر أن العبادة إما بدنية محضة كصلاة أو مالية محضة كزكاة أو مركبة كالأخيرين وأفاد ببنا الإسلام عليها أن البيت لا يثبت بدون دعائمه وليست هي إلا هذه الخمس وما بقي من شعب الإيمان المذكور في حديثه المار تجري مجرى تحسين البناء وتكميله والشهادتان هما الأساس الكلي الحامل لجميع ذلك البناء ولبقية تلك القواعد (حم ق ت ن) في الإيمان كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي : وقع في جامع الأصول أن ذا لفظ مسلم خاصة ولفظ الشيخين غيره وقد انعكس عليه بل هو لفظ الصحيحين . 3163 (بورك لأمتي في بكورها) يوم الخميس هكذا ساقه ابن حجر في الفتح عازيا للطبراني فكأنه سقط من قلم المصنف وفي رواية أخرى بعد بكورها قال ابن حجر : هذا لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط ثم قال أعني ابن حجر وأما حديث بورك لأمتي في بكورها أي بدون ذكر الخميس فأخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بغين معجمة هكذا ذكره في الفتح في تضاعيف أفعال الجهاد (طس) من حديث عبد الله بن جعفر عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث (عن أبي هريرة) قال ابن حجر : حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا (عبد الغني في) كتاب (الإيضاح) أي إيضاح الأشكال (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الديلمي : وفي الباب جابر بن عبد الله . 3164 (بول الغلام) أي الذي لم يطعم غير لبن للتغذي ولم يعبر حولين (ينضح) أي يرش بماء يغلبه وإن لم يسل لأنه حالتئذ ليس لبوله عفونة يفتقر في إزالتها إلى مبالغة (وبول الجارية أي الأنثى (يغسل) وجوبا كسائر النجاسات لأن بولها لغلبة البرد على مزاجها أغلظ وأنتن قال القاضي : المراد من النضح رش الماء بحيث يصل إلى جميع موارد البول من غير جري والغسل إجراء الماء على موارده والفرق بين الذكر والأنثى أن بولها بسبب استيلاء الرطوبة والبرد على مزاجها أغلظ وأنتن فتفتقر إزالته إلى مزيد مبالغة بخلافه وقيل الفرق أن نجاستها مكدرة لأنها تخالط رطوبة فرجها في الخروج وهي نجسة أي عند بعض العلماء في حديث عمرو بن شعيب (ه عن أم كرز) بضم أوله وسكون الراء بعدها زاي الكعبية المكية صحابية لها أحاديث قال مغلطاي : فيه انقطاع بين عمرو وأم كرز كما نص عليه في تهذيب الكمال في غير ما موضع وقال النقاش : عمرو ليس تابعيا . 3165 (بيت لا تمر فيه جياع أهله) لكونه أنفس الثمار التي بها قوام النفس والأبدان مع كونه
[ 273 ]
أغلب أقوات الحجاز وفي رواية لابن ماجه بسند جيد كما قاله زين الحفاظ بيت لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه اه‍ كان عن غير الغالب أخلى فيجوع أهله قال القرطبي : ويصدق هذا على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد وبكون الغالب فيه صنفا واحدا فيقال على بلد ليس فيه إلا البر بيت لا بر فيه جياع أهله فكأن التمر إذ ذاك قوتهم كما تقوله أهل الأندلس بيت لا تين فيه جياع أهله وبقول أهل إيلان بيت لا رب فيه جياع أهله قال ابن العربي رحمه الله تعالى : وأنا أقول ما يناسب الخلقة والشرعة وتصدقه التجربة بيت لا زبيب فيه جياع أهله وأهل كل قطر يقولون في قوتهم مثله وقال الطيبي : الحديث يحمل على الحث على القناعة في بلاد يكثر فيه التمر يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله وإنما الجائع من ليس عنده تمر وفيه تنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادخاره (حم م د ت ه) كلهم في الأطعمة (عن عائشة) ذكر الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال لا أعرفه إلا من حديث يحيى بن حسان بن سليمان بن بلال . 3166 (بيت لا صبيان فيه) يعني لا أطفال فيه ذكورا أو إناثا (لا بركة فيه) ظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو الشيخ بيت لا خل فيه قفار أهله وبيت لا تمر فيه جياع أهله اه‍ (أبو الشيخ) في الثواب (عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون الفروي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له مناكير واتهمه بعضهم أي بالوضع وقدامة بن محمد المدني خرجه ابن حبان . 3167 (بيع المحفلات) أي المجموعات اللبن في ضروعها لإيهام كثرة لبنها (خلابة) أي غش وخداع (ولا تحل الخلابة لمسلم) يعني لا يحل لمسلم أن يفعلها مع غيره ويثبت للمشتري الخيار (حم ه عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا ابن أصبغ قال عبد الحق : روي مرفوعا وموقوفا وقال ابن القطان : وهذا منه مسالمة الحديث كأنه لا عيب فيه إلا إن وقف ورفع وذا منه عجب فإن الحديث في غاية الضعف ثم أطال في بيانه . 3168 (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة فحمل أحد الاسمين على الآخر شائع سائغ كالقمرين ذكره الزمخشري وتبعه القاضي فقال : غلب الأذان على الإقامة وسماها باسم واحد قال غيره : لا حاجة لارتكاب التغليب فإن الإقامة أذان حقيقة لأنها إعلام بحضور الوقت للصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت فهو حقيقة لغوية وتبعه الطيبي وقال : الاسم لكل منهما حقيقة لغوية إذ الأذان لغة
[ 274 ]
الإعلام فالأذان إعلام بحضور الوقت والإقامة إيذان بفعل الصلاة (صلاة) أي وقت صلاة والمراد صلاة نافلة ونكرت لتناول كل عدد نواه المصلي من النفل وإنما لم يجر على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر نطق بالتخيير بقوله (لمن شاء) أن يصلي فذكره دفعا لتوهم الوجوب قال المظهر وإنما حرض أمته على صلاة النفل بين الأذانين لأن الدعاء لا يرد بينهما ولشرف هذا الوقت وإذا كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر وبقية الخبر عند البخاري وغيره ثلاثا قال ابن الجوزي : فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز (حم ق 4 عبد الله بن مغفل) كلهم في كتاب الصلاة . 3169 (بين كل أذانين صلاة إلا المغرب) فإنه ليس بين أذانها وإقامتها صلاة بل يندب المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها كان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها ولم تكن الصحابة يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه أنه يسن صلاة ركعتين قبلها . قال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها ممنوع انتهى (البزار) في مسنده عن عبد الواحد بن غياث عن حبان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة (عن) أبيه (بريدة) ثم قال البزار : لا نعلم رواه إلا حبان وهو بصري مشهور لا بأس به قال الهيثمي في موضع : لكنه اختلط وفي آخر فيه حبان بن عبد الله ضعفه ابن عدي وقيل : إنه اختلط انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال : تفرد به حبان وهو كذاب كذبه الفلاس وتعقبه المؤلف بأن الذي كذبه الفلاس غير هذا . 3170 (بين) وفي رواية لمسلم إن بين (الرجل) أراد الإنسان وإنما خص الرجل لأن الخطاب معه غالبا (وبين الشرك) بالله (والكفر) عطف عام على خاص إذ الشرك نوع من الكفر وكرر بين تأكيدا والتعبير بالواو هو ما وقع في جميع الأصول وعند أبي عوانة وأبي نعيم أو الكفر (ترك الصلاة) أي تركها وصلة بين العبد وبين الكفر يوصله إليه . (م) في كتاب الإيمان (د ت ه عن جابر) ولم يخرجه البخاري . 3171 (بين الملحمة) بفتح الميمين الحرب ومحل القتال من اشتباك الناس واختلاطهم أو من اللحم لكثرة لحوم الموتى (وفتح المدينة) القسطنطينية (ست سنين ويخرج المسيح الدجال في السابعة)
[ 275 ]
قال ابن كثير : يشكل بخبر الملحمة الكبرى وفتح المدينة وخروج الدجال في سبعة أشهر إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين وبين آخرها وفتح المدينة مدة قريبة تكون مع خروج الدجال في سبعة أشهر (حم د) في الملاحم (ه) في الفتن (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة كما مر قال المناوي : وفيه بقية وفيه مقال انتهى وأقول فيه أيضا سويد بن سعيد . 3172 (بين الركن والمقام ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلا برئ) يعني استجاب دعاءه وأبرأه من عاهته وفي رواية للطبراني أيضا بين الركن والمقام ملتزم من دعى الله عز وجل من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج الله عنه (طب عن ابن عباس) 3173 (بين العبد والجنة) أي دخولها (سبع عقبات) جمع عقبة كذا في نسخ ثم رأيت خط المصنف عقاب (أهونها الموت وأصعبها الوقوف بين يدي الله تعالى) في الموقف الأعظم يوم الفزع الأكبر (إذا تعلق المظلومون بالظالمين) قائلين يا ربنا أنت الحكم العدل فاقتص لنا منهم وهذا قد يشكل بخبر القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أهون (أبو سعد النقاش) بفتح النون وقاف مشددة وشين معجمة نسبة إلى نقش الحيطان والسقوف (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك . 3174 (بين يدي الساعة) أي قدامها وأصله أن يستعمل في مكان يقابل صدر الشخص وبين يديه ثم نقل إلى الزمن (أيام الهرج) أي قتال واختلاط والساعة الوقت التي تقوم فيه القيامة وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم (حم طب عن خالد بن الوليد) 3175 (بين يدي الساعة فتن) أي حروب وفساد في الأهواء والاعتقادات والمذاهب والمناصب (كقطع الليل المظلم) أي فتن مظلمة سوداء فظيعة جدا وقطع الليل طائفة منه زاد أحمد وأبو يعلى والطبراني يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير انتهى قال الحسن : فوالله لقد رأيناهم صورا ولا عقولا وأجساما ولا أحلاما فراش نار
[ 276 ]
وذباب طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز (ك عن أنس) بن مالك وفي الباب النعمان بن بشير . 3176 (بين يدي الساعة مسخ) قلب الخلقة من شئ إلى شئ أو تحويل الصورة إلى أقبح منها أو مسخ القلوب (وخسف ف) أي غور في الأرض (وقذف) أي رمي بالحجارة من جهة السماء قال التوربشتي : هذا من باب التغليظ والتشديد (ه عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية وقال غريب من حديث النووي لم يكتبه إلا من إبراهيم بن بسطام عن مؤمل . 3177 (بين العالم) أي العامل بعلمه (والعابد) غير العالم (سبعون درجة) يعني أن العالم فوقه بسبعين منزلة في الجنة وفي رواية للأصبهاني في الترغيب مائة درجة ولا تدافع لامكان أنه أراد بالسبعين هنا التكثير لا التحديد أو أن ذلك يختلف باختلاف أشخاص العلماء والعباد (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم أيضا قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف من طريقه . 3178 (بين كل ركعتين تحية) الظاهر أن المراد في كل ركعتين تشهدا يعني أن الأحب في النفل أن يتشهد في كل ركعتين والوصل مفصول بالنسبة إليه (هق عن عائشة) 3179 (بئس) كلمة جامعة للمذام مقابلة لنعم الجامعة لوجوه المدائح كلها قاله الحرالي (العبد عبد تخيل) بخاء معجمة أي تخيل في نفسه شرفا وفضلا على غيره (واختال) تكبر من الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب يقال اختال فهو مختال وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر (ونسي) الله (الكبير المتعال) أي ونسي أن الكبرياء والتعالي ليس إلا للواحد القهار (بئس العبد عبد تجبر) من الجبروت فعلوت من الجبر القهر بأن احتشى من الشهوات وجبر الخلق على هواه فيها فصار ذلك عادة له (واعتدى) في جبريته فمن خالف هواه قهره بقتل أو غيره (ونسي الجبار الأعلى) الذي له الجبروت الأعظم وقد صغرت الدنيا بمن فيها من الخلق والخليقة في جنب جبروته (بئس العبد عبد سها) بالأماني مستغرقا في شؤون هذا الحطام الفاني (ولها) بالإكباب على الشهوات والاشتغال باللهو واللعب أو ربما لا يعنيه عما خلق لأجله من العبادات (ونسي المقابر والبلى (1) أي من القبر يضمه يوما ويحتوي على أركانه ويبلي
[ 277 ]
لحمه ودمه (بئس العبد عبد عتا وطغى) أي بالغ في ركوب المعاصي وتمرد حتى صار لا ينفع فيه وعظ ولا يؤثر فيه زجر فصار إيمانه محجوبا والعتو التجبر والتكبر والطغيان مجاوزة الحد (ونسي المبتدأ والمنتهى) أي نسي من أين بدأ والى أين يعاد وصيرورته ترابا أي من كان ذلك ابتداؤه ويكون انتهائه هذا جدير بأن يطيع الله في أوسط الحالين (بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين) بتحتية ثم خاء معجمة فمثناة فوقية مكسورة أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة بخداع كما يطلب الصائد الصيد من قولهم ختل الصيد إذا اختفى له وختل الصائد إذا مشى للصيد قليلا قليلا لئلا يحس به شبه فعل من يرى ورعا ودينا ليتوصل به إلى المطالب الدنيوية بختل الذئب وللصائد فهذا عبد متضع مداهن قلت مبالاته بنفسه على الحقيقة إنما يبالي بما يعرض في العاجل فيطمس معالم الإيمان بحطام الدنيا وأوساخها يظهر الخشوع عند لقاء الخلق وتنفس الصعداء تحسرا على أدبار أمره ويظهر أنه في هيئة الزاهدين ويظهر الانقباض ليهاب ويكون في فريسته كالسباع والذئاب والختل الخداع والمراوغة (بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات) التي هي محل تعارض الأدلة واختلاف العلماء أو المكروه والمراد أنه يتشبث بالشبهات ويؤول المحرمات (بئس العبد عبد طمع يقوده) قال الأشرفي : تقديره وطمع ويمكن جعل قوله طمع فاعل يقوده متقدما على فعله قال الطيبي : وهو أقرب (بئس العبد عبد هوى يضله) أراد الهوى القصور وهو هوى النفس (بئس العبد عبد رغب) بفتح الراء بضبط المصنف (يزله) بضم الياء وكسر الزاي بضبط المصنف أي حرص وشدة على الدنيا وقيل سعة الأمل وطلب الكثير قال القاضي الرغب شره الطعام وأصله سعة الجوف بمعنى الرحب وإضافة العبد إليه للإهانة كقولهم عبد البطن ولأن مجامع همته واجتهاده مقصور عليه وعائد إليه (ت ك) في الرقاق (هب عن أسماء) فتح الهمزة وبالمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم الخثعمية صحابية هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب قال البيهقي في الشعب : إسناده ضعيف انتهى وكذا ذكره البغوي والمنذري وصححه الحاكم وليس كما زعم فقد رده الذهبي وقال : سنده مظلم (طب هب عن نعيم) بضم النون ابن حمار قال الذهبي والصحيح همار غطفاني روى عنه كثير بن مرة حديثا واحدا قال الهيثمي : وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف . (1) البلى بكسر الموحدة والقصر أو بفتحها والمد أي لم يستعد ليوم نزول قبره ولم يتفكر فيما هو صائر إليه من بيت الوحشة والدود . 3180 (بئس العبد المحتكر) أي حابس القوت الذي تعم حاجة الناس إليه ليغلو فيبيعه بزيادة
[ 278 ]
فإنه (إن أرخص الله الأسعار) ] أي أسعار الأقوات (حزن وإن أغلاها فرح) فهو يحزن لمسرة خلق الله ويفرح لحزنهم وكفى به ذما ومن ثم حرم الشافعية الاحتكار وقال القاضي رحمه الله تعالى : السعر القيمة التي يشيع البيع بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع (طب هب عن معاذ بن جبل) وفيه بقية وحاله معروف وثور بن يزيد ثقة مشهور بالقدر . 3181 (بئس) فعل ذم (البيت الحمام ترفع فيه الأصوات) فيتشوش الفكر عن الشغل بالذكر (وتكشف فيه العورات) أي غالبا بل لا يكاد يخلو عن ذلك لأن ما تحت السرة إلى ما فوق العانة لا يعده الناس عورة منهم لا ينفكون عن كشفه وقد ألحقه الشرع بالعورة وجعله كحريمها ولهذا يسن إخلاء الحمام وقال بعضهم : لا بأس بدخول الحمام لكن بإزارين إزار للعورة وإزار للرأس يستر عينيه عن النظر (عد عن ابن عباس) وفيه صالح بن أحمد القيراطي البزار قال في الميزان : قال الدارقطني : متروك كذاب دجال أدركناه ولم نكتب عنه وقال ابن عدي : يسرق الحديث ثم ساق هذا الخبر فما أوهمه اقتصار المصنف على عزو الحديث عدي من أنه خرجه وأقره غير صواب . 3182 (بئس البيت الحمام بيت لا يستر) أي لا تستر فيه العورة عن العيون (وماء لا يطهر) بضم الياء وشد الهاء وكسرها أي لكونه مستعملا عالبا وهذا تمام المرفوع منه ثم قالت عائشة عقب رفعها له كما هو ثابت في رواية مخرجه البيهقي : وما يسر عائشة أن لها مثل أحد ذهبا وأنها دخلت الحمام وقالت : لو أن امرأة أطاعت ربها وحفظت فرجها ثم آذت زوجها بكلمة باتت والملائكة تلعنها اه‍ (هب) من حديث يحيى بن أبي طالب عن أبي خباب عن عطاء (عن عائشة) ويحيى أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال : وثقه الدارقطني وقال موسى بن هارون : أشهد أنه يكذب وأبو جناب هو يحيى بن أبي حية أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه النسائي والدارقطني اه‍ . ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح وقال القطان : لا أستحل أو أروي عن حباب وقال الفارس : متروك الحديث . 3183 (بئس الشعب) بالكسر الطريق أو الطريق في الجبل (جياد) قالوا : يا رسول الله لم ذلك قال : (تخرج الدابة) أي تخرج منه دابة الأرض (فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين) هما
[ 279 ]
طرفا السماء والأرض أو المشرق والمغرب (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه رباح بن عبد الله بن عمر وهو ضعيف اه‍ وفي الميزان فيه رباح بن عبد الله قال أحمد والدارقطني : منكر الحديث وفي اللسان قال البخاري : لم يتابع عليه رباح وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء . 3184 (بئس الطعام طعام العرس يطعمه الأغنياء) استئناف جواب عن من سأل عن كونه مذموما (ويمنعه المساكين) والفقراء فهو لذلك مذموم وقضيته أنه إذا لم يخص بدعوته الأغنياء ولم يمنع منه المساكين لا يكون مذموما وهو ظاهر والإجابة إليه حينئذ واجبة (قط في فوائد ابن مردك عن أبي هريرة) . 3185 (بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف) أي لا ينزلونه عندهم للقيام بضيافته فإن الضيافة من شعائر الإسلام فإذا أجمع أهل محلة على تركها دل على تهاونهم بالدين (هب) وكذا الطبراني (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي : مصعب قال رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة . 3186 (بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان) أي يتقي شرهم ويكتم عنهم حاله لما علمه منهم أنهم بالمرصاد للأذى والإضرار إذا رأوا سيئة أفشوها وإذا رأوا حسنة كتموها وستروها ومن ثم استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم ممن هذا حاله كما تقدم في أدعيته فيظهرون الصلح والأخوة والاتفاق وباطنهم بخلافه (فر عن ابن مسعود) وفيه يحيى بن سعيد العطار أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن عدي : بين الضعف عن سوار وقال النسائي وغيره متروك وقال البخاري : منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر . 3187 (بئس الكسب أجر الزمارة) بفتح الزاي وشد الميم الزانية كذا في الفردوس والنهاية والقاموس وغيرها فهو نهي عن كسب المغنية وقيل بتقديم الراء على الزاي من الرمز الإشارة بنحو حاجب أو عين والزواني تفعلنه قال ثعلب : الزمارة البغي الحسناء (وثمن الكلب) ولو معلما فإن أكله من أكل أموال الناس بالباطل لعدم صحة بيعه . (أبو بكر ابن مقسم في جزئه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي .
[ 280 ]
3188 (بئس مطية الرجل) أي بعيره فعيلة بمعنى مفعولة (زعموا) يعني كلمة زعموا أراد به النهي عن التكلم بكلام يسمعه من غيره ولا يعلم صحته أو عن اختراع القول بإسناده إلى من لا يعرف فيقول زعموا أنه قد كان كذا وكذا فيتخذ قوله زعموا مطية (1) يقطع بها أودية الإسهاب وقيل سماه مطية لأنه يتوصل بهذا المقصود من إثبات شئ في المشيئة كما أنه يتوصل إلى موضع بواسطة المطية وأكثر ما ورد في القرآن فهو في معرض الذم وإنما صح الإسناد إليه والفعل لا يسند إليه لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ قال الخطابي : وأصل هذا أن الرجل إذا أراد الظفر لحاجة والسير لبلد ركب مطية وسار فشبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يقدم الرجل أمام كلامه ويتوصل به لحاجته من قولهم زعموا بالمطية وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا يثبت قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيله وأمر بالتوثق فيما يحكي والتثبت فيه لا يرويه حتى يجده معزوا إلى ثبت (حم د) في الأدب (عن حذيفة) قال الذهبي في المهذب : فيه إرسال وقال ابن عساكر في الأطراف : حديث منقطع لأنه من رواية عبد الله بن زيد الجرمي عن حذيفة وهو لم يسمع منه . (1) [ يتخذ قوله " زعموا " مطية ، ليحمله ما لم يتحقق من صحته بنفسه ، فيروج هذا الكلام وإن كان كذبا . دار الحديث ] 3189 (بئس) فعل ذم (ما) نكرة موصوفة أي شيئا كائنا (لأحدكم أن يقول) هو المخصوص بالذم (نسيت آية كيت وكيت) بفتح التاء أشهر من كسرها أي كذا وكذا أوجه الذم دلالة هذا القول على تفريطه بعدم ملازمة تلاوة القرآن ودرسه نسبة الفعل إلى نفسه وهو فعل الله أو هو خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان من ضروب النسخ نسيان الشئ الذي ينزل ويدل عليه قوله (بل هو نسي) فهو نهي عن نسبة ذلك إليهم وإنما الله أنساهم لما له فيه من الحكمة ذكره الخطابي كغيره ، وقال الطيبي : قوله بل نسي إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى النفس المسبب عن عدم التعاهد إلى القول بالإنساء الذي هو من فعل الله من غير تقصير منه أي لا تقولوا ذلك القول بل قولوا ما قيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يشهد له ما روي عن عائشة رضي الله عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ بالليل فقال : يرحمه الله فقد أذكرني كذا وكذا آية كنت نسيتها قال أبو عبيد : أما الحريص على حفظ القرآن المداوم على تلاوته لكن النسيان يغلبه فلا يدخل في هذا وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان على ذنب أو سوء تعهده للقرآن من قوله تعالى * (أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) * . (حم ق ت ن عن ابن مسعود) * 2 * فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [ أي حرف الباء ] 3190 (البادئ) أخاه المسلم (بالسلام) إذا لقيه (برئ من الصرم) بفتح الصاد المهملة
[ 281 ]
وسكون الراء الهجر والقطع فإذا تلاح رجلان مثلا ثم تلاقيا فحرص أحدهما على البداءة بالسلام دون الآخر فقد خلص من إثم الهجران دونه (حل) من حديث محمد بن يحيى بن منده عن عبد الرحمن بن عمر بن رسته عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن أبي إسحاق عن أبي الأحوص (عن ابن مسعود) وقال : غريب تفرد به عن النووي ابن مهدي . 3191 (البادئ بالسلام برئ من الكبر) بالكسر العظمة وفي رواية لابن منيع البادئ بالسلام أولى بالله ورسوله والمراد بهذا الحديث وما قبله من يلقى صاحبه وهما سيان في الوصف بأن لا يكون أحدهما راكبا والآخر ماشيا أو ماشيا والآخر قاعدا إلى غير ذلك وإلا فالراكب يبدأ الماشي والماشي القاعد كما في الحديث الآتي فلا تدافع بين الحديثين . (هب خط في الجامع عن ابن مسعود) وفيه أبو الأحو ص قال ابن معين : ليس بشئ وأورده الذهبي في الضعفاء . 3192 (البحر) حقيقة الماء الكثير المجتمع في فسحة من الأرض سمي بحرا لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح (من جهنم) كناية عن أنه ينبغي تجنبه ولا يلقي العاقل بنفسه إلى المهالك ويرتعها مراتع الأخطار إلا لأمر ديني فالقصد بالحديث تهويل شأن البحر وتهويل خطر ركوبه فإن راكبه متعرض للآفات المتراكمة فإن أخطأته ورطة جذبته أخرى بمخالبها فكان الغرق رديف الحرق والغرق حليف الحرق والآفات تسرإلى راكبه كما يسرع الهلاك من النار لمن لابسها ودنا منها (أبو مسلم) إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن باعر بن كش الكشي (الكجي) بفتح الكاف وشدة الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص قيل له ذلك لأنه كان يبني دارا في البصرة ، وكان يقول هاتوا الكج وأكثر منه فقيل له ذلك وقيل له الكشي نسبة إلى جده الأعلى عا ش كثيرا حتى روى عنه القطيعي وغيره (في سننه) وكذا رواه أحمد كما في الدرر ولعل المؤلف أغفله ذهولا (ك هق) من حديث أبي عاصم عن محمد بن حي عن صفوان بن يعلى (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد التحتانية التميمي المكي وهو يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمة من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وكان جوادا خيرا قال الذهبي في المهذب لا أعرف ابن حي . 3193 (البحر الطهور ماؤه) بفتح الطاء المبالغ في الطهارة قاله لما سألوه أتتوضأ بماء البحر ؟ ولم يقل في جوابه نعم مع [ ص 216 ] حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعا
[ 282 ]
لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز وهذا وقع جوابا لسائل ومن حاله كحاله ممن سافر في البحر ومعه ماء قليل يخشى إن تطهر به عطش فبين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماء الطهور لأنه في هذا المقام أشد اهتماما بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو للطهورية فالتطهر به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم افجزاء به مؤول أو مزيف (الحل ميتته) أي الحلال كما في رواية سوار سألوا عن ماء البحر فأجابهم عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهما الحاجة انتظم الجواب بهما . قال ابن عربي : وذلك من محاسن الفتوى بأن يأتي بأكثر مما يسأل عنه تتميما للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسؤول عنه ويتاكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا قال اليعمري : هذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته ، لأنه عام مبتدأ إلا في معرض الجواب عن مسؤول عنه والباقي ورد مبتدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسؤول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن كانت الإضافة سائغة فيه بحكم اللغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير (ه عن أبي هريرة) وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد والأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق قيل يا رسول الله : إننا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي : حسن صحيح وسألت عنه البخاري فقال : صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم وإنما اقتصر المصنف على عزوه لابن ماجه لأنه بلفظ البحر في أوله ليس إلا فيه وعجب من العز بن جماعة رضي الله عنه مع سعة نظره كيف ذكر أنه لم يره فيما وقف عليه من كتب الحديث مع كونه في أحد دواوين الإسلام المتداولة . 3194 (البخيل) أي الكامل في البخل كما يفيده تعريف المبتدأ (من ذكرت عنده) أي ذكر اسمي بمسمع منه وقال في الإتحاف : هذا صادق بذكر اسمه وصفته وكنيته وما يتعلق به من المعجزات (فلم يصل علي) لأنه بخل على نفسه حين حرمها صلاة الله عليه عشرا إذ هو صلى واحدة ومنع أن يكتال له الثواب بالمكيال الأوفى فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه شبه تركه الصلاة عليه ببخله بإنفاق المال في وجوه البر ثم اشتق منه إسم الفاعل فجرت الاستعارة في المصدر أصلية وفي اسم
[ 283 ]
الفاعل تبعية أو شبه تاركها على طريق الاستعارة المكنية عن تركه إنفاقه في وجوهه ثم أثبت له البخل تخييلا حتى كأنه من جنسه تلويحا بحرمانه من الأجر وإيذانا بأن من تكاسل عن الطاعة يسمى بخيلا قال الفاكهاني : وهذا أقبح بخل وأشنع شح لم يبق بعده إلا الشح بكلمة الشهادة وهو يقوي القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكره . (تنبيه) قوله من ذكرت عنده قال المؤلف : كذا الرواية وأورده الطيبي بلفظ البخيل الذي ذكرت عنده وقال الموصول الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته كما في قراءة زيد بن علي * (الذي خلقكم والذين من قبلكم) * (حم ت) وقال : حسن غريب (ن حب ك) في الدعاء من حديث ث عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه (عن) جده (الحسين) بن علي قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي اه‍ وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول عجاب فقد عزاه هو نفسه في الدرر للترمذي من حديث الحسين وقال ابن حجر في الفتح : أخرجه باللفظ المذكور الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن فاقتصار المؤلف على عزوه لابن حبان والحاكم من حديث الحسين وحده قصور وتقصير ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد . 3195 (البذاء) بفتح الباء وبالهمزة وبالمد وبقصر الفحش في القول (شؤم) ضد اليمين وأصله الهمز فخفف واوا (وسوء الملكة لؤم) أي الإساءة إلى المماليك ونحوهم دناءة وشح نفس وسوء الملكة يدل على سوء الخلق وهو شؤم والشؤم يورث الخذلان ودخول النيران . (تنبيه) قال الراغب : البذاء الكلام القبيح يكون من القوة الشهوية طورا ومن القوة الغضبية طورا فمتى كان معه استعانة بالقوة المفكرة كان منه السباب ومتى كان من مجرد الغضب كان صوتا مجردا لا يفيد نطقا كما يرى ممن فار غضبه وهاج هائجه (تتمة) قالوا : علاج من ابتلي بالبذاء أو الفحش والسفه تعويد لسانه القول الجميل ولزوم الصمت أو الذكر فإن الإكثار منه يزيل هذا الداء (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي : فيه عبد الله بن غرارة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين . 3196 (البذاذة) بفتح الموحدة وذالين معجمتين قال الراوي : يعني التقحل بالقاف وحاء مهملة رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثارا للخمول بين الناس (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعا وزهدا وكفا للنفس عن الفخر والتكبر لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال وإلا فليس من الإيمان من عرض النعمة للكفران وأعرض عن شكر المنعم المنان فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات (تنبيه) قال العارف ابن عربي : عليك بالبذاذة فإنها من الإيمان وورد اخشوشنوا وهي من صفات الحاج وصفة أهل القيامة
[ 284 ]
فإنهم غبر شعث عراة حفاة وذلك أنفى للكبر وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع والعرف فلذلك جعلها من الإيمان وألحقها بشعبه فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة فلذلك جعلها من الإيمان (حم ه) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث صالح بن صالح عن عبد الله بن أبي أمامة (عن أبي أمامة) إياس بن ثعلبة الحارثي قال : ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا فقال : ألا تسمعون ألا تسمعون ثم ذكره قال الحاكم : احتج به مسلم بصالح وأقره الذهبي عليه وقال الحافظ العراقي في أماليه حديث حسن وقال الديلمي : هو صحيح ورواه عنه أيضا أبو داود في الترجل وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه حديث صحيح فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد ابن ماجه به غير جيد . 3197 (البر) بالكسر أي الفعل المرضي الذي هو في تزكية النفس كالبر في تغذية البدن وقوله البر أي معظمه فالحصر مجازي وضده الفجور والإثم ولذا قابله به وهو بهذا المعنى عبارة عما اقتضاه الشارع وجوبا أو ندبا والإثم ما ينهى عنه وتارة يقابل البر بالعقوق فيكون هو الإحسان والعقوق الإساءة (حسن الخلق) أي التخلق مع الخلق والخالق والمراد هنا المعروف وهو طلاقة الوجه وكف الإذى وبذل النداء وأن يحب للناس ما يحب لنفسه وهو راجع لتفسير البعض له بأنه الانصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والإحسان في العسر واليسر الى غير ذلك من الخصال الحميدة (والإثم ما حاك) بحاء مهملة وكاف (في صدرك) اختلج في النفس وتردد في القلب ولم يمازج نوره ولم يطمئن إليه (وكرهت أن يطلع عليه الناس) أي وجوههم أو أماثلهم الذي يستحيا منهم وحمله على العموم بعيد المراد بالكراهة هنا الدينية الخارمة فخرج العادية كمن يكره أن يرى آكلا لنحو حياء أو بخل وغير الخارمة كمن يكره أن يركب بين مشاة لنحو تواضع وإنما كان التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته وظاهر الخبر أن مجرد خطور المعصية إثم لوجود الدلالة ولا مخصص وذا من جوامع الكلم لأن البر كلمة جامعة لكل خير والإثم جامع للشر وقال الحرالي : الإثم سوء اعتداء في قول أو فعل أو حال ويقال للكذوب أثوم لاعتدائه بالقول على غيره (خد م) في الأدب (ت) في الزهد (عن النواس) بفتح النون وشد الواو (بن سمعان) بكسر المهملة وفتحها الكلابي قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم والبر فذكره واستدركه الحاكم فوهم وعجب ذهول الذهبي عنه في اختصاره . 3198 (البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) قال الراغب : قابل الإثم بالبر وهذا
[ 285 ]
القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما إذ الإثم للأفعال المبطئة عن الثواب ولتضمنه معنى البطء قال الشاعر : جمالية تكتفي بالرداف * إذا كذب الآثمات الهجيرا (والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن له القلب) لأنه سبحانه فطر عباده على الميل إلى الحق والسكون إليه وركز في طبعهم حبه (وإن أفتاك المفتون) أي جعلوا لك رخصة وذلك لأن على قلب المؤمن نورا يتقد فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا فاطمئن القلب وهش وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب ولم يمازجه فاضطرب القلب وإنما ذكر طمأنينة النفس مع القلب إيذانا بأن الكلام في نفوس ماتت منها الشهوات وزالت عنها حجاب الظلمات فالنفس المرتكبة في الكدورات المحفوفة بحجب اللذات تطمئن إلى الإثم والجهل وتسكن إليه ويستغرقها الشر والباطل فأعلم بالجمع بينهما أن الكلام في نفس رضيت وتمرنت حتى تجلت بأنوار اليقين ، قال بعض الصوفية وإنما اشتبه على علماء الظاهر الحلال بالحرام أحيانا لأنهم أفسدوا الشاهد الذي في قلوبهم كما أفسدوا عقولهم بحب الدنيا فدنسوها وأفسدوا إيمانهم بالطمع فأسقموه وأفسدوا جوارحهم الظاهرة بالسحت فلطخوها وأفسدوا طريقهم إلى الله فسدوها فليس لأهل التخليط من هذه العلامات شئ لأن الحق الأعظم الذي تشعبت منه الحقوق لا يسكن إلا في قلب طاهر وكذا الحكمة واليقين (حم عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة (الخشني) بضم المعجمة وفتح المعجمة الثانية وكسر النون اسمه جرثوم أو جرثوم أو جرهم أو ناشم قال : قلت : يا رسول الله أخبرني بما يحل وبما يحرم فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وصوب في النظر ثم ذكره قال الهيثمي : رجاله ثقات . 3199 (البر) بالكسر (لا يبلى) أي لا ينقطع ثوابه ولا يضيع بل هو باق عند الله تعالى وقيل أراد الإحسان وفعل الخير لا يبلى ثناؤه وذكره في الدنيا والآخرة (والذنب لا ينسى) أي لا بد أن يجازى عليه * (لا يضل ربي ولا ينسى) * ونبه به على شئ دقيق يغلط الناس فيه كثيرا وهو أنهم لا يرون تأثير الذنب فينساه الواحد منهم ويظن أنه لا يغير بعد ذلك وأنه كما قال : إذا لم يغير حائط في وقوعه * فليس له بعد الوقوع غبار قال ابن القيم : وسبحان الله ما أهلكت هذه البلية من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المفترين بها من العلماء فضلا عن الجهال ولم يعلم المفتري أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم والجرح المندمل على دغل (والديان لا يموت) فيه جواز إطلاق الديان على الله سبحانه
[ 286 ]
وتعالى لو صح الخبر (اعمل ما شئت) تهديد شديد وفي رواية بدله فكن كما شئت (كما تدين تدان) أي كما تجازي تجازى يقال دنته بما صنع أي جزيته ذكره الديلمي ومن مواعظ الحكماء : عباد الله الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر ولقد أمهل كأنه أهمل (عب عن أبي قلابة) بكسر القاف وخفة اللام (مرسلا) ورواه عنه أيضا كذلك البيهقي في الزهد وفي الأسماء ووصله أحمد فرواه في الزهد له من هذا الوجه بإثبات أبي الدرداء من قوله وهو منقطع مع وقفه ورواه أبو نعيم الديلمي مسندا عن ابن عمر يرفعه وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ضعيف وحينئذ فاقتصار المصنف على رواية إرساله قصور أو تقصير . 3200 (البربري) نسبة للبربر قال في الكشف : قوم معروفون بين اليمن والحبشة كان أكثر سودان مكة منهم سموا به لبربرة في كلامهم ، وفي الفائق أن أبا بلقيس لما غزاهم قال : ما أكثر بربرتهم فسموا به (لا يجاوز إيمانه تراقيه) جمع ترقوة عظم بين شفرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين قال الديلمي : زاد أنس في روايته أتاهم نبي قبلي فذبحوه وطبخوه وحسوا مرقه (طس) من حديث ابن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة (عن أبي هريرة) قال الديلمي : لم يروه عن ابن أبي ذؤيب إلا عبد المنعم بن بشير قال أعني الديلمي وفي الباب أنس . 3201 (البركة) أي النمو والزيادة في الخير (في نواصي الخيل) أي تنزل في نواصيها كما جاء هكذا مصرحا به في رواية الإسماعيلي وكنى بنواصيها عن ذواتها للمبالغة بينهما وذلك لأنها بها يحصل الجهاد الذي فيه إعلاء كلمة الله وسعادة الدارين وقد يراد بالبركة هنا ما يكون من نسلها والكسب عليها والمغانم والأجور ثم إنه لا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي الشؤم في ثلاث : في الفرس . الحديث لأن الخبر فسر بالغنيمة والثواب ولا منافاة بين الخبر بهذا المعنى والشؤم لجواز أن يحصلا به مع اشتماله على ما يتشاءم به وقيل المتشائم به غير المعد لنحو الغزو (حم ق) في الجهاد (ت) في الخيل (عن أنس) ورواه عنه ابن منيع والطيالسي وغيرهما وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه . 3202 (البركة) حاصلة (في ثلاث) من الخصال (في جماعة) أي صلاة الجماعة أو لزوم جماعة المسلمين (والثريد) مرقة اللحمة بالخبز (والسحور) يعني أنه قوت وزيادة قدرة على الصوم ففيه زيادة رفق وزيادة حياة إذ لولاه لكان نائما والنوم موت واليقظة حياة (طب هب عن سلمان) الفارسي قال
[ 287 ]
الزين العراقي : رجاله معروفون بالثقة إلا أبا عبد الله البصري وبقية رجاله ثقات وقال الديلمي وفي الباب أبو هريرة . 3203 (البركة في صغر القرص) أي في تصغير أقراص الخبز (وطول الرشاء) أي الحبل الذي يسقى به الماء (وقصر الجدول) (1) فعول النهر الصغير فالنهر القصير أعظم بركة وأكثر عائدة على الشجر والزرع من الطويل (أبو الشيخ في) كتاب (الثواب عن ابن عباس) السلفي بكسر المهملة وفتح اللام الحافظ أبو طاهر أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني محدث مكثر رحالة مرحول إليه (في الطيوريات عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي : قال النسائي : هذا الحديث كذب وقال الحافظ ابن حجر نقل عن النسائي أن هذا كذب قال السخاوي : وهو عند الديلمي بلا سند عن ابن عباس وكل ذلك باطل اه‍ . وما ذكره من أن الديلمي لم يسنده باطل بل قال : أنبأنا بجير بن جعفر بن محمد الأبهري عن أبي إسحاق بن أبي حماد عن محمد بن يونس العبسي عن عبد الله بن حمزة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن داود بن الحصين عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به وداود بن الحصين أورده الذهبي في الضعفاء وقال : لينه أبو زرعة ورمي بالقدر وقال أبو حاتم لولا رواية مالك عنه لترك حديثه وابن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه النسائي وابن أبي فديك مختلف فيه أيضا . (1) البركة في " قصر الجدول " وصول الماء للزرع بلا هدر ، أما الجدول الطويل فيتسرب الماء منه إلى الأرض تحته وحوله ، ويجف بعضه . دار الحديث . 3204 (البركة في المماسحة) أي المصافحة في البيع كذا ذكروه ولا مانع من إعماله بإطلاقه ويكون المراد المصافحة حتى عند ملاقاة الإخوان ونحو ذلك (د في مراسيله عن محمد بن سعد) بن منيع الهاشمي مولاهم البصري نزل بغداد كاتب الواقدي مات سنة ثلاثين ومائة عن اثنين وستين سنة . 3205 (البركة مع أكابركم) المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم أو المراد من له منصب العلم وإن صغر سنه فيجب إجلالهم حفظا لحرمة ما منحهم الحق سبحانه وتعالى وقال شارح الشهاب : هذا حث على طلب البركة في الأمور والتبحبح في الحاجات بمراجعة الأكابر لما خصوا به من سبق الوجود وتجربة الأمور وسالف عبادة المعبود قال تعالى * (قال كبيرهم) * وكان في يد المصطفى صلى الله عليه وسلم سواك فأراد أن يعطيه بعض من حضر فقال جبريل عليه السلام : كبر كبر فأعطاه الأكبر وقد يكون الكبير في العلم أو الدين فيقدم على من هو أسن
[ 288 ]
منه (حب) صححه (حل ك هب) وكذا البزار والطبراني كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم : على شرط البخاري وقال الديلمي : صحيح وقال البغدادي : حسن لكن قال الهيثمي : فيه نعيم بن حماد وثقه جمع وضعفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وصححه في الاقتراح قال الزركشي : وفي صحته نظر وله علة ثم أطال في بيانها وقال : لم يقف على هذه العلة تقي الدين فصححه قال : لكن له شواهد منها خبر الصحيح كبر كبر أي يتكلم الأكبر . 3206 (البركة في أكابرنا) أيها المؤمنون يحتمل أن المراد بالأكابر الأئمة ونوابهم كما يرشد إليه (فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا) أي يعظمه (فليس منا) أي على طريقتنا ولا عاملا بهدينا وفيه كالذي قبله إيذان بأن الأمة تختل بعد نبيها بما فقد من نوره ومن وجوده معهم ولهذا قالوا : ما نفضنا أيدينا من ترابه صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه علي بن يزيد الألباني وهو ضعيف . 3207 (البزاق والمخاط والحيض والنعاس) بعين مهملة كذا هو في نسخة المصنف بخطه فما في نسخ من أن اللفظ النفاس من تحريف النساخ أي طرو هذه المذكورات (في الصلاة) فرضها ونفلها (من الشيطان) يعني أنه يحب ذلك ويرضاه ويسر به لقطع الأخيرين للصلاة وللاشتغال بالأولين عن القراءة والذكر والخضوع والخشوع . (ه) من حديث عدي بن ثابت عن أبيه (عن) جده (دينار) قال مغلطاي : هو ضعيف لضعف ثابت بن عدي وغيره . 3208 (البزاق في المسجد) من المصلي وغيره ولو لحاجة (سيئة) أي حرام معاقب عليه لأنه تقذير للمسجد واستهانة به (ودفنه) في أرضه إن كانت ترابية أو رملية (حسنة) مكفرة لتلك السيئة وقوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه فبصق من هو خارج المسجد فيه حرام قال ابن أبي جمرة : ولم يقل تغطيته لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يقعد غيره عليها فيؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم التعميق في باطن الأرض وخرج بالرملية والترابية المسجد المبلط والمرخم فدلكها فيه ليس دفنا بل زيادة تقذير قال القفال : والحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فينجس فلا يدفن بالمسجد قال ابن حجر : وهذا على اختياره وينبغي التفصيل فيما لو خالط البصاق نحو دم فيحرم دفنه فيه وأما إذا لم يخالطه فيحل (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون .
[ 289 ]
3209 (البصاق في المسجد) أي إلقاؤه في أرضه أو جدره أو أي جزء منه وإن كان الباصق خارجه (خطيئة) بالهمز فعيلة وربما أسقطت الهمزة وشدت الياء أي إثم (وكفارتها) أي إذا ارتكب تلك الخطيئة فكفارتها (دفنها) أي دفن عينها وهو البصاق في تراب المسجد إن كان وإلا تعين اخراجه منه كأن يأخذه بنحو عود ولم يقل تغطيتها لما مر وظاهره أنه خطيئة وإن أراد دفنه وتقييد عياض بما لو لم يرده رده النووي (ق 3) في الصلاة (عن أنس) بن مالك . 3210 (البضع) بكسر الباء وفتحها (ما بين الثلاث) من الآحاد (إلى التسع) منها قاله في تفسير قوله تعالى : * (في بضع سنين) * (طب وابن مردويه) في تفسيره وكذا الديلمي (عن نيار) بكسر النون والفتح التحتية (بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء الأسلمي له صحبة ورواية وهو أحد من دفن عثمان ليلا وعاش إلى أول خلافة معاوية قال الهيثمي : فيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي وهو متروك . 3211 (البطن) أي الموت بداء البطن من نحو استسقاء وذات جنب (والغرق) أي الموت بالغرق في الماء مع عدم ترك التحرز (شهادة) أي الميت بهما من شهداء الآخرة . (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . 3212 (البطيخ) أي أكله (قبل) أكل (الطعام يغسل البطن) أي المعدة والأمعاء وما هنالك (غسلا) مصدر مؤكد للغسل (ويذهب بالداء) الذي بالبطن (أصلا) أي مستأصلا أي قاطعا له من أصله والمراد الأصفر لأنه المعهود عندهم وقول ابن القيم : المراد الأخضر قال الحافظ العراقي فيه نظر (ابن عساكر) في التاريخ (عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم) ورواه عنه الطبراني أيضا وعنه ومن طريقه خرجه ابن عساكر ثم قال : أخطأ فيه الطبراني في موضعين أحدهما أنه أسقط والده الفضل بن صالح بينه وبين أبي اليماني الثاني أنه صحف اسم جده قال بشير وإنما هو بشر اه‍ . وقال ابن عساكر : (شاذ) (1) بل
[ 290 ]
(لا يصح) أصلا إذ فيه مع شذوذه أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار الجرجاني قال البيهقي : روى أحاديث موضوعة لا أستحل رواية شئ منها ومنها هذا الخبر وقال الحاكم : أحمد هذا يضع الحديث كاشفته وفضحته اه‍ . (1) الشاذ ما خالف فيه الثقة غيره وتعذر الجمع بينهما والمخالفة بزيادة أو نقص في السند أو المتن وقيل ما انفرد به الراوي فقط . 3213 (البغايا) جمع بغي بالتشديد وهي الباغية التي تبغي الرجال (اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة) أي شهود فالنكاح بدونهم باطل عند الشافعي والحنفي ومن لم يشرط الشهود أوله بأنه أراد بالبينة ما به تبيين النكاح من الولي وكيفما كان هو شبهة فتسميتهن بالبغايا زجر وتغليظ . (ت) في النكاح (عن ابن عباس) وقال لم يرفعه غير عبد الأعلى ووقفه مرة والوقف أصح اه‍ . وقال الذهبي : عبد الأعلى ثقة . 3214 (البقرة) ومثلها الثور مجزأة (عن سبعة) في الأضاحي (والجزور) من الإبل خاصة يطلق على الذكر والأنثى من الجزر القطع مجزئ (عن سبعة) في الأضاحي قال ابن العربي : قال بهذا الحديث جميع العلماء إلا مالك وليس لهذا تأويل ولا يرده القياس اه‍ فيصح الاشتراك في النصيحة بكل من ذينك واجبا أو تطوعا سواء كانوا كلهم متقربين أو أراد بعضهم القربة وبعضهم اللحم كما اقتضاه الإطلاق وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة : يجو للمتقربين لا لغيرهم (حم د) في الأضاحي (عن جابر) بن عبد الله وظاهره أنه لم يخرجه من الستة غيره وليس كما توهم بل خرجه مسلم في المناسك والنسائي وابن ماجه في الأضاحي عن جابر أيضا ولفظهم البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة وفي مسلم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة . 3215 (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة) أي تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة فلو ضحى ببقرة أو جزور كان الزائد على السبع تطوعا يصرفه إلى أنواع التطوع إن شاء وقوله (في الأضاحي) بين بذلك أن الكلام في الأضحية وفي رواية للترمذي عن ابن عباس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نحر البدنة عن عشرة والبقرة عن سبعة قاله إسحاق ولا أظن غيره وافقه (طب عن ابن مسعود) ومر غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يعزى لغيره فاقتصار المصنف على ذنيك من ضيق العطن وما أراه إلا ذهل عنه .
[ 291 ]
3216 (البكاء) من غير صراخ ولا صياح (من الرحمة) أي رقة القلب (والصراخ من الشيطان) ولهذا بكى المصطفى صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم بغير صوت وقال : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضا (ابن سعد) في الطبقات (عن بكير) بالتصغير (ابن عبد الله بن الأشج) بفتح المعجمة والجيم المدني (مرسلا) . 3217 (البلاء موكل بالقول) قال الديلمي : البلاء الامتحان والاختبار ويكون حسنا ويكون سيئا والله يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بما يكره ليمتحن صبره ومعنى الحديث أن العبد في سلامة ما سكت فإذا تكلم عرف ما عنده بمحنة النطق فيتعرض للخطر أو الظرف ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ : أنت في سلامة ما سكت فإذا تكلمت فلك أو عليك ويحتمل أن يريد التحذير من سرعة النطق بغير تثبت خوف بلاء لا يطيق دفعه وقد قيل اللسان ذئب الإنسان وما من شئ أحق بسجن من لسان قال حمدون القصار : إذا رأيت سكران يتمايل فلا تبغ عليه فتبتلي بمثل ذلك (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة) عن عبد الله بن أبي بدر عن يزيد بن هارون عن جرير بن حازم (عن الحسن) البصري (مرسلا عنه هب) عن أبي عن الحسن (عن أنس) ثم قال أعني البيهقي تفرد به أبو جعفر بن أبي فاطمة المصري أي وهو ضعيف ورواه القضاعي أيضا وقال : بعض شراحه غريب جدا . 3218 (البلاء موكل بالقول ما قال عبد لشئ) أي على شئ (لا والله لا أفعله أبدا إلا ترك الشيطان كل عمل وولع بذلك منه حتى يؤثمه) أي يوقعه في الإثم بإيقاعه في الحنث بفعل المحلوف عليه ولهذا قال إبراهيم النخعي : إني لأجد نفسي تحدثني بالشئ فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به (هب خط عن أبي الدرداء) وفيه هشام بن عمار قال أبو حاتم : صدوق وقد تغير فكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود : حدث بأرجح من أربعمائة حديث لا أصل لها وفيه محمد بن عيسى بن سميع الدمشقي قال أبو حاتم : لا يحتج به وقال ابن عدي : لا بأس به وفيه محمد بن أبي الزعزعة وهما اثنان أحدهما كذاب والآخر مجروح ذكرهما ابن حبان وأوردهما الذهبي في الضعفاء قال الزركشي : لكن يقويه
[ 292 ]
ما رواه الفقيه ابن لال في المكارم من حديث ابن عباس بلفظ " ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق) . 3219 (البلاء موكل بالمنطق زاد ابن أبي شيبة في روايته عن ابن مسعود ولو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا وفي تاريخ الخطيب : اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فقدموا الكسائي يصلي جهرية فأرتج عليه في قراءة الكافرون فقال اليزيدي : قارئ الكوفة يرتج عليه في هذه ؟ فحضرت جهرية أخرى فقام اليزيدي فأرتج عليه في الفاتحة فقال الكسائي : احفظ لسانك لا تقول فتبتلي * إن البلاء موكل بالمنطق (القضاعي) في مسند الشهاب (عن حذيفة) بن اليمان (وابن السمعاني) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى منهما وهو عجيب فقد خرجه البخاري في الأدب من حديث ابن مسعود وكذا ابن أبي شيبة وغيرهما . 3220 (البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها) وعليه أنشدوا : لا تنطقن بما كرهت فربما * نطق اللسان بحادث فيكون وقال آخر : لا تمزحن بما كرهت فربما * ضرب المزاح عليك بالتحقيق (خط) في ترجمة نصر الخراساني (عن ابن مسعود) وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وليس كذلك فإنه أورده في ترجمة نصر المذكور ونقل عن جمع أنه كذاب خبيث اه‍ وفيه أيضا عاصم بن ضمرة قال الذهبي : عن ابن عدي يحدث بأحاديث باطلة اه‍ ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه . 3221 (البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم) وهذا معنى قوله * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) * وظاهره أنه لا فضل
[ 293 ]
للزوم الوطن والإقامة به على الإقامة بغيره لكن الأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة علم مهما سلم له حاله في وطنه وإلا فليطلب موضعا أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل اه‍ وجرى على نحوه في الكشاف فقال : معنى الآية أنه إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمشى أمر دينه كما يجب فليهاجر لبلد آخر يقدر أنه فيه أسلم قلبا وأصح دينا وأكثر عبادة وأحسن خشوعا قال : وقد جربنا فلم نجد أعون على ذلك من مكة . (نكتة) قال ابن الربيع قال سفيان : ما أدري أي البلاد أسكن قيل له : خراسان قال : مذاهب مختلفة وآراء فاسدة قيل : فالشام قال يشار إليك بالأصابع قيل : فالعراق قال : بلد الجبابرة قيل : فمكة قال : تذيب الكبد والبدن (حم) من حديث أبي يحيى مولى آل الزبير (عن الزبير) بن العوام قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف وقال تلميذه الهيثمي : فيه جماعة لم أعرفهم وتبعه السخاوي وغيره ورواه الدارقطني عن عائشة وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح له مناكير وزمعة ضعفوه . 3222 (البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض) أي أن قراءة القرآن بإخلاص وحضور قلب وفي رواية البيت الذي يذكر فيه الله لينير لأهل السماء كما تنير النجوم لأهل الأرض (هب عن عائشة) 3223 (البيعان) بتشديد الياء أي المتبايعان يعني البائع والمشتري فالمتبايعان متفاعلان في البيع فكل منهما باع ماله بمال الآخر فلا حاجو لدعوى التغليب وأكثر الروايات المتبايعان قال أبو زرعة ولم يرد في شئ من طرقه البائعان فيما أعلم وإن كان استعمال لفظ البائع أغلب (بالخيار) في فسخ البيع أو إمضائه عند الشافعي والباء في بالخيار متعلقة بمحذوف تقديره معاملان بالخيار قال في المنضد ولا يجوز تعلقها بالبيعان إذ لو علقت بما في المتبايعين من معنى الفعل كان الخيار مشروطا بينهما في العقد وليس مرادا بدليل زيادته في رواية إلا بيع الخيار وإنما الفرض إذا تعاقد البيع كان لهما خيار فالباء للملابسة (ما لم) وفي رواية حتى (يتفرقا) بأبدانهما عن محلهما الذي تبايعا فيه قال القاضي : المفهوم من التفرق : التفرق بالأبدان وعليه إطباق أهل اللغة وإنما سمي الطلاق تفرقا في * (وإن يتفرقا) * لأنه يوجب تفرقهما بالأبدان ومن نفى خيار المجلس أول التفرق بالقول وهو الفراغ من العقد وحمل المتبايعين على المتساويين لأنهما بصدد البيع فارتكب مخالفة الظاهر من وجهين بلا مانع يعوق عليه مع أن الحديث رواه البخاري بعبارة تأبى قبول هذا التأويل (فإن صدقا) يعني صدق كل منهما فيما يتعلق به من ثمن
[ 294 ]
ومثمن وصفة مبيع وغير ذلك (وبينا) ما يحتاج لبيانه من نحو عيب وإخبار بثمن وغير ذلك من كل ما كتمه غش وخيانة (بورك لهما) أي أعطاهما الله الزيادة والنمو (في بيعهما) أي في صفقتهما وفي رواية للشافعي : وجبت البركة فيهما وقال الرافعي : فالأول جعل البركة مفعولة والثاني فاعلة (وإن كتما) شيئا مما يجب الإخبار به شرعا (وكذبا) في نحو صفات الثمن والمثمن (محقت) ذهبت واضمحلت (بركة بيعهما) أتى به لقصد الإزدواج بين النماء والمحق قيل : هذا يختص بمن وقع منه التدليس ، وقيل عام فيعود شؤم أحدهما على الآخر . (1) قال في المنضد : وهذه جملة أخرى مما يؤمر به في البيع لا تتعلق بقول البيعان إلخ (حم ق 3) في البيوع (عن حكيم بن حزام) . (1) [ والأوجه القول الأول لأن شرط محق بركة الإثنين في الحديث هو صدور المخالفة من الإثنين بنص قوله " وإن كتما وكذبا " ، فعندها تمحق بركة بيع الإثنين . أما إذا صدرت المخالفة من أحدهما فقط ، فيعود محق البركة عليه وحده لا على الآخر ، لقوله تعالى * (. . . ألا تزر وازرة وزر أخرى) * ، ولأن هذا الحال غش أحدهما خارج عن نص الحديث أصلا كما مر . أما الذي لم يغش ، فمع أن هذا الحديث لم يصرح بالوعد له بالبركة ، غير أنه تعود عليه البركة بتوكله على الله في صدقه وإخلاصه . فحسبنا الله ونعم الوكيل ، والحمد لله رب العالمين . دار الحديث ] 3224 (البيعان) تثنية بيع قال الزمخشري : فيعل من باع بمعنى اشترى كلين من لان اه‍ . وقد اتفق أهل اللغة على أن بعت واشتريت من الألفاظ المشتركة وتسميها حروف الأضداد ويقال في الشئ مبيع ومبيوع كمخيط ومخيوط قال الخليل : المحذوف من مبيع واو مفعول لأنها زائدة فهي أولى بالحذف وقال الأخفش : بل عين الكلمة قال الأزهري : وكلاهما صحيح (إذا اختلفا في البيع) أي في صفة من صفاته بعد الاتفاق على الأصل ولا بينة أو أقام كل منهما بينة (ترادا البيع) أي بعد التحالف فيحلف كل منهما على إثبات قوله ونفي قول صاحبه ثم يفسخ أحدهما العقد أو الحاكم ويرد المشتري المبلغ والبائع الثمن إن كان باقيا فإن كان تالفا فبدله عند الشافعي وقال أبو حنيفة : يتحالفان إن كانت السلعة باقية فإن تلفت فالقول للمبتاع وعن مالك روايتان كالمذهبين (طب عن ابن مسعود) وسببه أن ابن مسعود باع سبيا من مسبي للأشعث بن قيس بعشرين ألفا فجاءه بعشرة فقال : ما بعت إلا بعشرين فقال : إن شئت حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أجل فذكره . 3225 (البينة على المدعي) وهو من يخالف قوله الظاهر أو من لو سكت لخلى (واليمين على المدعى عليه) وهو من يوافق قوله الظاهر أو من لو سكت لم يترك لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين إلا في مسائل مفصلة في الفروع . قال ابن العربي : وهذا الحديث من قواعد الشريعة التي ليس فيها خلاف وإنما الخلاف في تفاصيل الوقائع والبينة في الأصل ما يظهر برهانه في الطبع والعلم والعقل بحيث لا مندوحة عن شهود وجوده ذكره الحرالي ، وقا القاضي : هي الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل (ت) في الأحكام (عن ابن عمرو) وهي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ابن حجر وإسناده ضعيف وفي الباب ابن عباس وابن عمر وغيرهما .
[ 295 ]
3226 (البينة على المدعي) وفي رواية على من ادعى (واليمين على من أنكر) ما ادعى عليه به (إلا في القسامة) فإن الأيمان فيها في جانب المدعي وبه أخذ الأئمة الثلاثة وخالف أبو حنيفة فأجراه على القاعدة وألحق الشافعية بالقسامة دعوى قيمة المتلفات وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وعلم مما تقرر أن هذا الحديث مخصص للحديث المتقدم وحكمته أن القتل إنما يكون غيلة وعلى ستر فبدئ فيه بأيمان المدعي لإيجاب الدية عند الشافعية والقتل عند المالكية الرادع للمتعدي والصائن للدماء الحاقن لها . (هق وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه مسلم الزنجي قال في الميزان عن البخاري منكر الحديث وضعفه أبو حاتم وقال أبو داود : لا يحتج به ثم أورد له أخبارا هذا منها ورواه الدارقطني باللفظ من طريقين وفيهما الزنجي المذكور وقال ابن حجر في تخريج المختصر خرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وهو حديث غريب معلول .
[ 296 ]
* 2 * حرف التاء 3227 (تابعوا بين الحج والعمرة) أي إذا حججتم فاعتمروا وإذا اعتمرتم فحجوا ونظمها في سلك واحد ليفيد وجوب العمرة كالحج وقال المحب الطبري : يجوز أن يراد التتابع المشار إليه بقوله تعالى : * (فصيام شهرين متتابعين) * فيأتي بكل منهما عقب الآخر بلا فصل وهذا ظاهر لفظ المتابعة وأن يراد اتباع أحدهما الآخر ولو تخلل بينهما زمن بحيث يظهر مع ذلك الاهتمام بهما ويطلق عليه عرفا أنه اتبعه (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال كذا قال الطيبي وقال في المطامح : يحتمل كو ذلك لخصوصية علمها المصطفى صلى الله عليه وسلم وكونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ولا عطاء أعظم من مباهاة الله بالحاج الملائكة (كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) مثل متابعتهما في إزالة الذنوب بإزالة النار الخبث لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوية والغضبية محتاج لرياضة تزيلها والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال والجوع والظمأ واقتحام المهالك مفارقة الوطن والإخوان وغير ذلك (وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبها من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة والمبرور المقبول أو الذي لا يشوبه إثم أو ما لا رياء فيه أو غير ذلك (حم ت ن) في الحج (عن ابن مسعود) قال الترمذي : حسن صحيح غريب . 3228 (تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وتنفي الذنوب من بني آدم كما ينفي الكير خبث الحديد) لجمعه لأنواع الرياضات كما تقرر قال ابن العربي : لكن ما مر يفيد أن المكفر من الذنوب إنما هو الصغائر لا الكبائر وإذا كانت الصلاة لا تكفرها فكيف الحج
[ 297 ]
والعمرة لكن هذه الطاعات ربما أثرت في القلب فأورثت توبة تكفر كل خطيئة كما قرره ابن العربي (قط في الأفراد طب عن ابن عمر) بن الخطاب اقتصاره على هذين يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور لكنه قال وينفيان الذنوب وممن رواه أيضا أحمد وأبو يعلى وغيرهما . 3229 (تأكل النار) أي نار جهنم (ابن آدم إلا أثر السجود) من الأعضاء السبعة المأمور بالسجود عليها (حرم الله عز وجل على النار أن تأكل أثر السجود) إكراما للمصلين وإظهارا لفضلهم (ه عن أبي هريرة) . 3230 (تبا للذهب والفضة) أي هلاكا لهما والتب الخسران والهلاك ينصب على المصدر أو بإضمار فعل أي ألزمهما الله الهلاك والخسران وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في مسند أحمد قالوا : يا رسول الله فأي المال نتخذ قال : قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة (حم عن رجل) من الصحابة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه الطبراني وغيره عن ثوبان . 3231 (تبسمك في وجه أخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يعني إظهارك له البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة قال بعض العارفين : التبسم والبشر من آثار أنوار القلب * (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) * قال ابن عيينة : والبشاشة مصيدة المودة والبر شئ هين وجه طليق وكلام لين وفيه رد على العالم الذي يصعر خده للنا س كأنه معرض عنهم وعلى العابد الذي يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن النا س مستقذر لهم أو غضبان عليهم قال الغزالي ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى يقطب ولا في الوجه حتى يعفر ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب (وأمرك بالمعروف) أي بما عرفه الشرع وحسنه (ونهيك عن المنكر) أي ما أنكره وقبحه (صدقة) بالمعنى المقرر (وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة) بالمعنى المذكور وهكذا اقتصر عليه المؤلف وقد سقط من قلمه خصلة ثابتة في الترمذي وغيره وهي قوله وبصرك تبصيرك فأوقع الاسم موقع المصدر (وإماطتك) تنحيتك (الحجر والشوك والعظم عن الطريق) أي المسلوك أو المتوقع السلوك فيما يظهر (لك صدقة وإفراغك) أي
[ 298 ]
صبك (من دلوك) بفتح فسكون واحد الدلاء التي يسقى منها (في دلوأخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يشير بذلك كله إلى أن العزلة وإن كانت فضيلة محبوبة لكن لا ينبغي قطع المسلمين بالكلية فإن لهم عليك حقا فاعتزلهم لتسلم من شرهم لكن لا تصير وحشيا نافرا بل قم بحق الحق والخلق من البشاشة للمسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند القدرة وإكرام الضيف وبذل السلام وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وإرشاد الضال وإزالة الأذى ونحو ذلك لكن لا تكثر من عشرتهم وراقب الله وأعط كل ذي حق حقه كذا قرره البعض وقال ابن العربي : ذكر خصالا سبعة الأولى القلب الثانية والثالثة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وذلك صدقة على المأمور والمنهي من الآمر الناهي الرابعة إرشاد الضال في أرض الضلال وهي عظمي إذ فيه خلاص من هلاك نفس كما أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلاص من تلف الدين الخامسة إرشادك الرجل إلخ وذلك بقود الأعمى إلى نحو ما يريد ومثله من هدى رفاقا يعني عرف طريقا في عمارة فهو أيضا صدقة وإن كان أقل من الأول السادسة إماطة الأذى عن الطريق وهو أقل درجات الأعمال ومع ذلك فأعظم بها من صدقة فقد غفر الله لمن جر غصن شوك عن الطريق السابعة إفراغك من دلوك في دلو أخيك سيما إذا لم يكن رشاء (خد ت حب) وكذا البزار (عن أبي ذر) أورده في الميزان في ترجمة عكرمة عن عمار العجلي من حديثه وقال : قال أبو حاتم : ثقة ربما يهم وقال أحمد : ضعيف وقال البخاري : لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه . 3232 (تبلغ الحلية) بكسر الحاء أي التحلي بأساور الذهب والفضة المكلل بالدر والياقوت (من المؤمن) يوم القيامة قال الطيبي : ضمن تبلغ معنى تتمكن وعدى بمن أي تتمكن من المؤمن من الحلية مبلغا يتمكن الوضوء منه قال الحسن : الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء (حيث يبلغ الوضوء) بفتح الواو ماؤه وقال أبو عبيد : الحلية هنا التحجيل لأنه العلامة الفارقة بين هذه الأمة وغيرها اه‍ . وجزم به الزمخشري فقال : أراد التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء وقد استدل بالخبر عن ندب التحجيل وزعم ابن القيم أنه لا يدل لأن الحلية إنما تكون في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف في حيز المنع لأن كل ما في الجنة مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما في خبر ليس في الدنيا شئ مما في الجنة إلا الأسماء (م) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال أبو حازم : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة وكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت له : ما هذا قال : لو علمت أنكم هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يبلغ إلخ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الصدر المناوي لهما معا .
[ 299 ]
3233 (تجافوا عن عقوبة ذي المروءة) على هفوة أو زلة صدرت منه فلا تعزروه عليها ندبا وقد سبق بيان ذي المروءة . (أبو بكر بن المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وموحدة خفيفة وآخره نون واعلم أني قد وقفت على هذا الحديث بخط الكمال بن أبي شريف عازيا للطبراني في المكارم بلفظ تجافوا عن عقوبة ذي المروءة وهو ذو الصلاح فلعل قوله وهو إلخ سقط من كلام المصنف أو ظهر له أنه مدرج (في كتاب المروءة) تأليفه (طب في) كتاب (مكارم الأخلاق) له (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف قال فيه البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبة متروك . 3234 (تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة) أي لا تؤاخذوه بذنب ندر منه لمروءته (إلا في حد من حدود الله تعالى) فإنه إذا بلغ الحاكم وثبت عنده وجبت إقامته (طس عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي : فيه محمد بن كثير بن مروان الفهري وهو ضعيف . 3235 (تجاوزوا) أي سامحوا من المجاوزة مفاعلة من الجواز وهو العبور من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى ذكره الحرالي (عن ذنب السخي) أي الكريم وفي رواية تجاوز للسخي عن ذنبه (فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر) أي سقط وفيه بيان محبة الله للسخي ومعونته له في مهماته وقد جاء في محبته أحاديث كثيرة فلما سخى بالأشياء اعتمادا على ربه وتوكوا عليه شمله بعين عنايته فكلما عثر في مهلكة أنقذه منها والمعاثر المهالك التي يعثر فيها ومعنى أخذ بيده خلصه من قولهم خذ بيدي أي خلصني مما وقعت فيه (قط في الأفراد) عن محمد بن مخلد عن إبراهيم بن حماد الأزدي عن عبد الرحيم بن حماد البصري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ثم قال الدارقطني : تفرد به عبد الرحيم وقد قال العقيلي : إنه حدث عن الأعمش بما ليس من حديثه اه‍ . ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن عبد الرحيم لم ينفرد به كما تشير إليه رواية الطبراني وهي ما ذكر ههنا بقوله (طب) عن أحمد بن عبيد الله بن جرير بن جبلة عن أبيه عن بشر بن عبيد الله الدارسي عن محمد بن حميد العتكي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود حل هب) من هذا الطريق بعينه (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي : عقبه هذا إسناد ضعيف مجهول اه‍ . وقال الهيثمي : فيه جماعة لم أعرفهم وقال مرة أخرى
[ 300 ]
بشر بن عبد الله الدارسي وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وهو تلبيس شنيع فإنه تعقبه بما نصه : هذا إسناد مجهول ضعيف وعبد الرحيم بن حماد أي أحد رجاله منفرد به واختلف عليه في إسناده اه‍ وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين : عبد الرحيم له مناكير اه‍ ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المصنف فأبرق وأرعد ولم يأت بطائل كعاداته . 3236 (تجاوزوا عن ذنب السخي) أي تساهلوا وخففوا فيه (وزلة العالم) العامل بقرينة ذكر العدل فيما بعده (وسطوة السلطان العادل) في أحكامه (فإن الله تعالى آخذ بيدهم كلما عثر عاثر منهم) لما أنهم مشمولون بعنايته كما مر (خط عن ابن عباس) . 3237 (تجاوزوا لذوي المروءة) بالهمزة وتركه الإنسانية والرجولية والتخلق بخلق أمثاله (عن عثراتهم والذي نفسي بيده) أي بقدرته وإرادته وتصريفه (إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله) تعالى يعني ينعشه من عثرته ويسامحه في زلته (ابن المزربان) في معجمه (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق ففيه إمام صدق ثبت (معضلا) . 3238 (تجب الصلاة) أي الصلوات الخمس (على الغلام) أي الصبي ومثله الصبية (إذا عقل والصوم) أي ويجب صوم رمضان (إذا أطاق صومه والحدود) أي وتجب إقامة الحدود عليه إذا فعل موجبها (والشهادة) أي وتجب شهادته أي قبولها إذا شهد (إذا احتلم) أي إذا بلغ سن الاحتلام أو خرج منيه وما ذكر من وجوب الصلاة والصوم بالتمييز والإطاقة لم أر من أخذ به من الأئمة (الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وباء موحدة نسبة إلى موهب بطن من المغافر وهو عمارة بن الحكم بن عباد المغافري الاسكندراني كان فاضلا صالحا صاحب تآليف (في) كتاب فضل (العلم عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد الأزدي قال ابن معين : لا شئ والنسائي متروك وساق له في الميزان هذا الخبر . 3239 (تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا) بين ذلك أن وجوب الجمعة
[ 301 ]
يختص بالذكور فخرج به المرأة ومثلها الخنثى فلا تلزمهما والبالغين فخرج بذلك الصبي ، الأحرار فخرج القن ، وكذا المبعض ، ويشترط مع ذلك الإقامة فلا تلزم المسافر لكن تستحب له وللعبد والصبي (الشافعي) في المسند (هق عن رجل) من الصحابة (من بني وائل) بفتح الواو وسكون الألف وكسر المثناة التحتية قبيلة معروفة قال الذهبي في المهذب : فيه إبراهيم بن أبي يحيى واه . 3240 (تجد المؤمن مجتهدا فيما يطيق) من صنوف العبادات وضروب الخيرات (متلهفا) أي مكروبا (على ما لا يطيق) فعله من ذلك كالصدقة كفقد المال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم وجود شرطه والمراد أن المؤمن هذا خلقه وهذه طبيعته وعادته (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد بن عمير) بتصغيرهما هو الليثي قاضي مكة قال الديلمي : تابعي ثقة (مرسلا) . 3241 (تجدون الناس معادن) أي أصولا مختلفة ما بين نفيس وخسيس كما أن المعدن كذلك (فخيارهم في الجاهلية) هم (خيارهم في الإسلام) قال الرافعي رحمه الله : وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر وأن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فإن أسلم استمر شرفه فكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية ثم لما أطلق الحكم خصه بقوله (إذا فقهوا) بضم القاف على الأجود ذكره أبو البقاء أي صاروا فقهاء ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفقه وأنه الفضيلة العظمى والنعمة الكبرى والمراد بالخيار في هذا ونحوه من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والفقه والحلم وغيرها متوقيا لمساوئها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (وتجدون خير الناس في هذا الشأن) أي الخلافة أو الإمارة (أشدهم له كراهية) يعني خيرهم دينا وعقلا يكره الدخول فيه خوفا منه لصعوبة لزوم العدل وحمل الناس على دفع الظلم (قبل أن) وفي رواية حتى (يقع فيه) فإذا وقع فيه قام بحقه ولا يكرهه أو معناه من لم يكن راغبا فيه إذا حصل له بلا سؤال تزول كراهته لما يرى من عون الله له فيأمن على دينه أو معناه أن العادة جرت بذلك وأن من حرص على شئ ورغب في طلبه قلما يحصل له ومن أعرض عنه وقلت رغبته فيه حصل له غالبا أو المراد بالشأن
[ 302 ]
الإسلام أي تجدون خير الناس أكثرهم كراهية للإسلام كعمر وعكرمة وأضرابهما ممن كان يكره الإسلام أشد كراهة فلما دخله أخلص وقال الطيبي : من خير الناس ثاني مفعول تجد والأول قوله أشدهم ولما قدم المفعول الثاني أضمر في الأول الراجع إليه كقولك على التمرة مثلها زبدا ويجوز أن يكون المفعول الأول خير الناس على مذهب من يجوز زيادة من في الإثبات (وتجدون شر الناس) وفي رواية بزيادة من يوم القيامة (عند الله ذا الوجهين) وفسره بأنه (الذي) يشبه المنافق (يأتي هؤلاء) القوم (بوجه ويأتي هؤلاء) القوم (بوجه) فيكون عند نا س بكلام وعند أعدائهم بضده * (مذبذبين بين ذلك) * وذلك من السعي في الأرض بالفساد أي إذا لم يكن لإصلاح ونحوه وشمل من يظهر الخير والصلاح وإذا خلا خلا بالمعاصي القباح . قال القرطبي : إنما كان شر الناس لأن حاله حالة المنافق إذ هو يتملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي : هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ويخلف لضدها وصنيعه نفاق محض وخداع بحت وتحيل على الاطلاع على أسرار الفريقين وهي مداهنة محرمة أما بقصد الإصلاح فمحمود وقوله ذا الوجهين ليس المراد به الحقيقة بل هو مجاز عن الجهتين كالمدحة والمذمة قال تعالى * (وإذا لقوا الذين آمنوا) * الآية (حم ق) في الادب والفضائل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه . 3242 (تجري الحسنات على صاحب الحمى ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق) يعني يكتب له بكل اختلاج أو ضرب حسنة وتكثر له الحسنات بتكثر ذلك وفيه رد على من زعم أن المرض ونحوه من المصائب إنما يحصل به التكفير لا الأجر وإنما يحصل بالصبر والرضا قال ابن حجر : والأولى حمل الإثبات والنفي على حالين فمن له ذنوب أفاد المرض تمحيصا ومن لاذنوب له يكتب له بقدره من الأجر ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة ومن أثبت الأجرية يحمل على تحصيل ثواب يعادل الذنب فإن لم يكن توفر للمريض الثواب (طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي : فيه محمد بن معاذ ابن أبي كعب عن أبيه وهما مجهولان كما قال ابن معين وغيره . 3243 (تجعل النوائح) من النساء جمع نائحة (يوم القيامة) في الموقف (صفين صف عن يمينهم وصف عن يسارهم) يعني أهل النار كما يدل عليه قوله (فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب) جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا وهذا وعد شديد يفيد أن النوح كبيرة . قال البلخي : من أصيب فمزق ثوبا أو ضرب صدرا أو نتف شعرا فكأنما أخذ رمحا ليقاتل به الله ومات ابن لابن المبارك
[ 303 ]
فعزاه مجوسي فقال : ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد أسبوع فقال ابن المبارك : اكتبوا هذه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) وروا الطبراني في الأوسط قال الهيثمي : وفيه سليمان بن داود اليماني ضعيف . 3244 (تجوزوا) أي خففوا (في الصلاة) أي صلاة الجماعة والخطاب للأئمة بقرينة قوله (فإن خلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة) والإطالة تشق عليهم فإن صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء وكذا إمام محصورين راضين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجاله ثقات اه‍ . وقال الديلمي حديث صحيح أورده الأئمة الكبار . 3245 (تجئ ريح) أي طيبة كما في رواية (بين يدي الساعة) أي قدامها قريبا منها (فيقبض فيها روح كل مؤمن) حتى لا يقال في الأرض الله الله (طب ك عن عياش) بفتح المهملة وشد التحتية وآخره معجمة (ابن أبي ربيعة) المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي واسم أبيه عمرو ويلقب ذاالرمحين أسلم قديما وهاجر الهجرتين . 3246 (تحرم الصلاة) التي لا سبب لها متقدم ولا مقارن (إذا انتصف النهار) أي عند الاستواء كل يوم (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تحرم فيه ولو لمن لم يحضرها وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه اعتضد بخبر يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف أو صلى في هذا المسجد أية ساعة شاء من ليل أو نهار (هق عن أبي هريرة) ظاهر كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال إسناده ضعيف وتبعه الذهبي قالا : وفي الباب عمر وابنه وأبو سعيد . 3247 (تحروا) بفتح أوله اطلبوا باجتهاد وهو بمعنى قوله في الحديث السابق التمسوا فكل منهما بمعنى الطلب والقصد لكن التحري أبلغ لاقتضائه الطلب بجد واجتهاد (ليلة القدر) بسكون الدال قال التوربشتي : إنما سكنت وإن كان الشائع في القدر الذي هو قرين القضاء فتحها إيذانا بأنه لم
[ 304 ]
يرد به ذلك فإن القضاء سبق الزمان وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وتبيينه وتحديده في المدة التي بعدها إلى مثلها من قابل ليحصل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار (في الوتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان) أي تعمدوا طلبها فيها والتحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشئ بالقول والفعل (حم ق)) في الصوم (ت عن عائشة) وفي الباب ابن عمر وابن عمرو وغيرهما . 3248 (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) قال التوربشتي : يحتمل أن يراد بها السبع التي تلي آخر الشهر وأن يراد السبع بعد العشرين وحمله على هذا مثل لتناوله إحدى وعشرين وثلاثا وعشرين وهذا لا ينافي حديث فالتمسوها في العشر الأواخر لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما قال ابن رجب : انتهاء بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم لليلة القدر إلى أنها في السبع الآخر وهذا مما يستدل به من رجح ليلة ثلاث وعشرين على أحد وعشرين فإنها ليست من السبع الأواخر وأول السبع الأواخر ليلة ثلاث وعشرين على حساب نقص الشهر دون تمامه لأنه المتيقن وقيل يحسب تماما واختاره ابن عبد البر ويجري ذلك في رواية العشر الأواخر وقيل لا قطعا لأن المعبر عنها بالعشر الأواخر وقيامها هو العشر الأواخر (مالك) في الموطأ (م د عن ابن عمر) بن الخطاب . 3249 (تحروا ليلة القدر فمن كان متحريها) أي مجتهدا في طلبها منكم لينال فضلها (فليتحرها ليلة سبع وعشرين) أي فإن كونها ليلتها أقرب من كونها غيرها وبهذا أخذ أكثر أهل الصوفية قالوا : لا سيما إن وافقت ليلة جمعة (حم عن ابن عمر) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . 3250 (تحروا ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين) من رمضان حاول جمع الجمع بينه وبين ما قبله بأنها تنتقل لكن مذهب الشافعي لزومها ليلة معينة وأجمع من يعتد به على وجودها وبقائها ما بقيت الدنيا (طب عن عبد الله بن أنيس) مصغر أنس الأنصاري قال الهيثمي : سنده جيد . 3251 (تحروا الدعاء عند فئ الأفياء) أي عند الزوال كذا في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ الحلية تحروا الدعاء في الفيافي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه
[ 305 ]
بل تمامه عند أبي نعيم وثلاثة لا يرد دعاؤهم عند النداء للصلاة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول القطر (حل عن سهيل بن سعد) الساعدي . 3252 (تحروا الصدق) أي قوله والعمل به (وإن رأيتم أن فيه الهلكة) في ظاهر الأمر (فإن فيه النجاة) في باطن الأمر باعتبار العاقبة والكذب بخلاف ذلك ومن ثم قال الحكماء : الصدق ينجيك وإن خفته والكذب يرديك وإن أمنته وقال الجاحظ : الصدق والوفاء توأمان والصبر والحلم توأمان فهن تمام كل دين وصلاح كل دنيا وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد قال الماوردي وقد يظن بعض الناس أ في الكذب اجتلاب النفع واستدفاء الضر فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع واستشفاقا للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمن وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يكون خيرا وهل يجنى من الشوك العنب ومن الكرم الحنظل (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصمت) أي في كتاب فضل الصمت (عن منصور بن المعتمر) بن عبد الله السلمي أبو غياث بمثلثة ثقيلة ثم موحدة ثقة ثبت من طبقة الأعمش (مرسلا) قال المنذري رواه هكذا معضلا ورواته ثقات انتهى ومنصور كان من أئمة الكوفة قال : ما كتبت حديثا قط ومناقبه جمة . 3253 (تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة) ظاهرا (فإن فيه النجاة) باطنا وآخرا (واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة) ولهذا قال بعض الحكماء : ليكن مرجعك إلى الحق ومفزعك إلى الصدق فالحق أقوى معين والصدق أفضل قرين ومحل هذا وما قبله ما إذا لم يترتب على الصدق وقوع محذور أو على الكذب مصلحة ظاهرة محققة وإلا ساغ الكذب بل قد يجب (هناد عن مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وشد الميم مكسورة (بن يحيى) بن يزيد (مرسلا) هو الأنصاري الكوفي قال الذهبي : ثقة وفي التقريب صدوق . 3254 (تحريك الأصابع) وفي رواية الأصبع (في الصلاة) يعني في التشهد (مذعرة) أي مخوفة والذعر الخوف (للشيطان) أي أنه يفرق منه فيتباعد عن المصلي لذلك فعلى هذا فتحريك المصلي أصبعه فيه سنة وإليه ذهب جمع شافعية فسنوا تحريك السبابة لكن المصحح عندهم أنه لا يحركها بل يقتصر
[ 306 ]
على رفعها عند قوله إلا الله (هق ه) وكذا الديلمي عن (ابن عمر) بن الخطاب ثم قال : أعني البيهقي تفرد به الواقدي وليس بالقوي وقال الذهبي في المهذب : بل مجمع على تركه وقال في موضع آخر : هالك وفي الميزان عن ابن المديني يضع الحديث ثم أورد له أخبارا هذا منها . 3255 (تحفة الصائم) بضم التاء وسكون الحاء وقد تفتح أصله وحفة أبدلت الواو تاء (الدهن والمجمر) يعني طرفته التي تذهب عنه مشقة الصوم وشدته وأصل التحفة طرفة الفاكهة ثم استعمل في غير الفاكهة من الألطاف ذكره ابن الأثير . (ت هب) من حديث سعد بن طريف عن عمير بن مأمون (عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين قال الديلمي : وسعد وعمير ضعيفان وقال ابن الجوزي : لا يعرف إلا من حديث سعد وقد قال يحيى : لا تحل الرواية عنه وقال ابن حبان : يضع الحديث انتهى وقال الذهبي تركه واتهمه ابن حبان . 3256 (تحفة الصائم الزائر) أخاه المسلم حال صومه (أن تغلف (1) لحيته ويذرر (2) وتجمر ثيابه ، وتحفة المرأة الصائمة الزائرة) لنحو أهلها أو بعلها أو أخوتها (أن تمشط) ببنائه للمفعول وكذا ما بعده (رأسها وتجمر ثيابها وتذرر) أي أن ذلك يذهب عنها مشقة الصوم ، وهل المراد أن ذلك يفعل بدل الضيافة أو أنه يضاف إلى الضيافة عند الغروب ؟ فيه احتمالان (هب) من رواية سعد بن طريف المذكور عن عمير المزبور (عنه) أي الحسن ثم قال أعني البيهقي عقبه وسعد غيره أوثق منه . (1) " تغلف لحيته " : تلطخها بكثرة ، وذلك بالطيب . دار الحديث (2) " يذرر " : يطيب بنوع طيب ، أو يكحل بنوع كحل ، ففي حديث عائشة " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه بذريرة " ، وهو نوع من الطيب . وفي حديث آخر " تكتحل المحد بالذرور " ، وهو ما يذر في العين من الدواء اليابس . من " النهاية " لابن الأثير ، بتصرف يسير . وفي لسان العرب " ذر الشئ ، يذره " : أخذه بأطراف أصابعه ثم نثره على الشئ . دار الحديث (3) " تجمر ثيابه " : تطيب بالبخور . دار الحديث 3257 (تحفة المؤمن) زاد الديلمي في روايته في الدنيا والتحفة ما يتحف به المؤمن من العطية مبالغة في بره وألطافه (الموت) لأن الدنيا محنته وسجنه وبلاؤه إذ لا يزال فيه في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته ومدافعة شيطانه والموت إطلاق له من هذا العذاب وسبب لحياته الأبدية وسعادته السرمدية ونيله للدرجات العلية فهو تحفة في حقه وهو وإن كان فناءا واضمحلالا ظاهرا لكنه بالحقيقة ولادة ثانية ونقله من دار الفناء إلى دار البقاء (1) ولو لم يكن الموت لم تكن الجنة ولهذا من الله علينا بالموت فقال : * (خلق الموت والحياة) * قدم الموت على الحياة تنبيها منه على أنه يتوصل منه إلى
[ 307 ]
الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلآء في قوله * (كل من عليها فان) * ونبه بقوله * (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * على أن هذه التغيرات لخلق أحسن فنقض هذه البينة لإعادتها على وجه أشرف قال أبو داود : ما من مؤمن إلا والموت خير له فمن لم يصدق فإن الله يقول : * (وما عند الله خير للأبرار) * وقال حبان بن الأسود : والموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب والمؤمن كريم على ربه فإذا قدم عليه أتحفه ولقاه روحا وريحانا وأمر له في قبره بكسوة ورياحين وبرد مضجعه وآنسه بملائكة كرام إلى أن يلقاه وقال الإمام الرازي : الموت سبب لخلاص الروح عن رحمة البدن والاتصال بحضرة الله ورحمته فكيف يعد من المكاره ؟ ومن ثم تمناه كثير وتمنى آخرون طول البقاء لإقامة الدين وإكثار العمل الصالح الرافع للدرجات المذهب للخطيئات وفرقة ثالثة لم تختر شيئا بل اختارت ما اختار الحق لها ومنهم الصديق قيل له في مرضه ألا ندعو لك طبيبا قال : قد رآني قال : فما قال ؟ قال : قال أنا الفعال لما أريد . (تنبيه) قال العارف ابن عربي : العارف أخرس منقطع منقمع خائف متبرم بالبقاء في هذا الهيكل وإن كان منورا لما عرفه الشارع أن الموت لقاء الله وأنه تحفة له فنغصت عليه الحياة الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء فهو صاف العيش رطيب الحياة في نفس الأمر لا في نفسه قد ذهب عنه كل مخوف وهابه كل ناظر إذا رؤي ذكر الله وأنس بالله بلا فصل ولا وصل . (تتمة) ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالموت في هذا الخبر ونحوه فناء اختيار العبد في مراد الله قال فلا يعارض ذلك الأحاديث المصرحة بأن حياة المؤمن أحسن من موته ومما جمع به أيضا أن الموت في حق من لم يصبر على الزمان وسخط الأقدار والحياة في الصابر على الأقدار المسلم لها (طب حل ك) في الرقاق (هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أبو نعيم : غريب من حديثه لم يروه عنه غير أبي عبد الرحمن الجيلي قال المنذري : بعد عزوه للطبراني إسناده جيد ورواه عنه القضاعي في الشهاب وقال شارحه حسن غريب وقال الحاكم : صحيح ورواه الذهبي بأن فيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف اه‍ . لكن قال الهيثمي : رجال الطبراني ثقات وأفاد الحافظ العراقي أنه ورد من طريق جيد فقال : رواه محمد بن خفيف الشيرازي في شرف الفقراء والديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بسند لا بأس به ورواه الديلمي من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا اه‍ . وبه يعرف أن المصنف قصر حيث اقتصر على عزوه للطرق التي لا تخلو عن مقال وإهمال الطريق السالمة عن الإشكال . (1) ولله در من قال : قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا * في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها أمان عقابه بلقائه * وفراق كل معاشر لا ينصف 3258 (تحفة المؤمن في الدنيا الفقر) لأنه سبحانه لم يفعله إلا لعلمه بأنه لا يصلحه إلا هو وأن الغنى يطغيه وقد يختار للعبد ما لا مصلحة له فيه فيرده مولاه إلى ما يعلمه أنه الأصلح الأنفع له قال كعب الأحبار : قال الله تعالى : يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين (فر عن معاذ) بن جبل وفيه يعقوب بن الوليد المدني قال الذهبي في الضعفاء : كذبه أحمد والناس وقال السخاوي : حرف اسمه على بعض رواته فسماه إبراهيم وللحديث طرق كلها واهية .
[ 308 ]
3259 (تحفة الملائكة تجمير المساجد) أي تبخيرها بنحو عود والتجمير التبخير كما تقرر يقال جمرت المرأة ثوبها إذا بخرته فإنهم يأوون إليها ويعكفون عليها وليس لهم حظ فيما في أيدينا إلا في الريح الطيبة والتحفة وزان رطبة ما أتحفت به غيرك وحكى الصاغاني سكون الحاء قال الأزهري : والتاء أصلها واو (أبو الشيخ) في الثواب (عن سمرة) ابن جندب ورواه عنه الديلمي عنه أيضا وفيه ضعف . 3260 (تحفظوا من الأرض فإنها أمكم) التي خلقتم منها (وإنه ليس من أحد) من الآدميين (عاملا عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به) يحتمل بناء مخبرة للفاعل أي أنها تخبر به الملائكة أي ملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة عند نزول الميت القبر أو أنها تشهد عليه بما عمله يوم القيامة ويحتمل على بعد بناؤه للمفعول وأن المراد أن الملائكة تخبرها به لتخفف أو تضيق عليه في الضم إذا أقبر فيها (طب عن ربيعة) بن عمرو ويقال ابن الحارث الدمشقي (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي : مختلف في صحبته قتل يوم مرج واهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره . 3261 (تحول إلى الظل) يا من هو جالس في الشمس (فإنه) أي الظل والتحول إليه (مبارك) كثير البركة والخير والنفع لمن تجنب الجلوس في الشمس الذي يحرك الداء الدفين (ك) في التوبة (عن أبي حازم) والد قيس ، اسمه حصين أو عوف أو عبد عوف قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد في الشمس فذكره . 3262 (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة) بالنوم عن صلاة الصبح قاله في قصة التعريس بالوادي فأمرهم بالتحول وقال : إنه مكان حضر فيه الشيطان فلما تحولوا أمر بلالا فأذن وأقام وصلى بهم الصبح ، واستفدنا ندب التحول لمن نام عن نحو ورده من مكانه (د هق عن أبي هريرة) وأصله في مسلم بدون ذكر الأذان والإقامة . 3263 (تختموا بالعقيق فإنه مبارك) أي كثير الخير والمراد المعدن المعروف قال الزركشي
[ 309 ]
وروى تخيموا بمثناة تحتية أي اسكنوا العقيق وأقيموا به وقال حمزة الأصبهاني في التنبيه على التصحيف : الرواة يروونه تختموا بالعقيق وإنما هو تخيموا وهو اسم واد بظاهر المدينة قال ابن الجوزي : بعيد وقائله أحق بأن ينسب إليه التصحيف اه‍ . قال الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس : لكن قول الأصبهاني لعله يعضده ما خرجه البخاري بلفظ أتاني جبريل فقال : صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وقل عمرة في حجة اه‍ . وفي الفتح روى أحمد عن عائشة تخيموا بالعقيق فإنه واد مبارك وقوله تخيموا بخاء معجمة وتحتية أمر بالتخيم والمراد به النزول هنالك اه‍ . وقال في حديث له شأن من تختم بالعقيق (1) وفق لكل خير وأحبه الملكان ومن خواصه تسكين الروع عند الخصام ويقطع نزف الدم (عق) من حديث محمد ابن زكريا البلخي عن الفضل بن الحسن الجحدري عن يعقوب بن الوليد المدني عن هشام عن أبيه عن عائشة ثم قال أعني العقيلي : ولا يثبت في هذا شئ ، وقال ابن الجوزي وتبعه المؤلف يعقوب كذاب يضع (وابن لال في مكارم الأخلاق ك في تاريخه هب خط وابن عساكر) في التاريخ خرجه هو والخطيب من طريق أبي سعيد شعيب بن محمد الشعيبي عن محمد بن وصيف الغامي عن محمد بن سهل بن الفضل عن خلاد بن يحيى عن هشام عن عروة عن عائشة (فر) كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قال الزركشي : رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها وأنس وعمر وعلي وغيرهم بأسانيد متعددة وفي اليواقيت للمطرزي عن إبراهيم الحربي أنه صحيح اه‍ . وخالفه المصنف فقال في الدرر سنده ضعيف وذلك لأن فيه أحمد بن عمير وغيره من الضعفاء وحكم ابن الجوزي بوضعه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وأمثل ما ورد في هذا الباب حديث البخاري في تاريخه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالتي هي أحسن اه‍ . فهذا أصل أصيل فيه . (1) في القاموس العقيق كأمير خرز أحمر يكون باليمن وسواحل بحر رومية منه جنس كدر كماء يجري من اللحم المملح وفيه خطوط بيض خفية ، من تختم به سكنت روعته عند الخصام وانقطع عنه الدم من أي موضع كان ونحاتة جميع أصنافه تذهب صفر الأسنان ومحروقه يثبت متحركها . 3264 (تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر) قيل أراد به اتخاذ خاتم فصه من عقيق وقال ابن الأثير : يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غنى اه‍ . وأقول يرده زيادته في رواية الديلمي عقب ينفي الفقر واليمين أحق بالزينة وقوله في رواية أخرى تختموا بالخواتم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه اه‍ . فدل السياق على أن المراد حقيقة التختم وهو جعله في الأصبع ولذا قال بعضهم الأشبه إن صح الحديث أن تكون لخاصية فيه كما أن النار لا توثر فيه ولا تغيره وأن من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أمور المعاش ويقوى قلبه ويهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج . (فائدة) روى الطبراني عن عائشة قالت : أتى بعض بني جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرسل معي
[ 310 ]
من يشتري لي نعلا وخاتما فدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلالا فقال : انطلق فاشتر له نعلا واستجدها ولا تكن سوداء واشتر له خاتما وليكن فصه عقيق (عد) من حديث عيسى بن محمد البغدادي عن الحسين بن إبراهيم البابي عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك ثم قال ابن عدي : حديث باطل والحسين مجهول ، وفي الميزان حسين لا يدرى من هو فلعله من وضعه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات قال : وقد أخرجه ابن عساكر عن أنس أيضا بلفظ تختموا بالعقيق فإنه أنجح للأمر واليمين أحق بالزينة اه‍ . قال في اللسان : وهو موضوع بلا ريب ، ولكن لا أدري من وضعه اه‍ . وبما تقرر يعرف أن اقتصار المؤلف على عزو الحديث لمخرجه ابن عدي وحذفه ما عقبه به من بيان كونه باطلا من سوء التصرف وتلبيس فاحش ولا قوة إلا بالله وقال ابن رجب رحمه الله : وكل أحاديث التختم بالعقيق لا يثبت منها شئ وقال العقيلي : لا يصح في التختم به شئ وجزم في الميزان بأنه موضوع وروى ابن زنجويه بسند ضعيف عن علي كرم الله وجهه مرفوعا من تختم بالياقو ت الأصفر منع من الطاعون . 3265 (تخرج الدابة) من الأرض تكلم الناس وهي ذات زغب وريش (ومعها خاتم سليمان) نبي الله بن داود (وعصى موسى) الكليم (فتجلو وجه المؤمن بالعصا) بإلهام من الله تعالى فيصير بين عينيه نكتة يبيض بها وجهه (وتخطم) أي تسم من خطم البعير كواه خطاما من أنفه إلى أحد خديه (أنف الكافر بالخاتم) فيسود وجهه (حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا لهذا يا مؤمن ويقول هذا لهذا يا كافر) قال الزمخشري : تخطم تؤثر على أنفه من خطمت البعير إذا وسمته بالكي بخطم من الأنف إلى أحد خديه وتسمى تلك السمة الخطام . (حم ت ه ك عن أبي هريرة) 3266 (تخرج الدابة) من الأرض (فتسم) بسين مهملة (الناس) يعني الكفار منهم أي تؤثر في وجهه أثرا كالكي والوسم بالمهملة الأثر في الوجه وبالمعجمة في البدن (على خراطيمهم) جمع خرطوم وهو الأنف (ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة) مثلا (فيقال ممن اشتريت فيقول من الرجل المخطم) وفي رواية من أحد المخطمين (حم عن أبي أمامة) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة .
[ 311 ]
3267 (تخللوا) أي استعملوا الخلال لاستخراج ما بين الأسنان من نحو طعام (فإنه نظافة) للفم والأسنان (والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة) وفي رواية بدل فإنه إلخ فإنه مصحة للناب والنواجذ والتخلل إخراج الخلة بالكسر وهي ما يبقى بين الأسنان من أثر الطعام والخلال بالكسر العود يتخلل به والخلالة بالضم ما يقع منها يقال فلان يأكل خلالته أي ما يخرجه من بين أسنانه إذا تخلل وهو مثل كما في الصحاح . (طس عن ابن مسعود) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك قال الهيثمي : فيه إبراهيم بن حبان قال ابن عدي : أحاديثه موضوعة وقال المنذري : رواه في الأوسط هكذا مرفوعا ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد حسن وهو الأشبه . 3268 (تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور ذكره الزمخشري قال : والاختيار أخذ ما هو خبر يتعدى إلى أحد مفعوليه بواسطة من ثم يحذف ويوصل الفعل نحو * (واختار موسى قومه) * وأصل النطفة الماء القليل والمراد هنا نطفة المني سمي نطفة لأن أصل النطف القطر (فانكحوا الأكفاء) جمع كفء (وأنكحوا إليهم) (1) فيه دليل ظاهر على اشتراط الكفاءة ورد على من لم يعتبرها (ه ك) في النكاح من حديث الحارث بن عمران الجعفري عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن عائشة وصححه الحاكم ورده الذهبي في التلخيص بأن الحارث متهم وعكرمة ضعفوه (هق) عن سعيد الأشج عن الحارث بن عمران عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال في المهذب : قلت الحارث وصاحباه ضعفاء وقال ابن حبان : الحارث كان يضع الحديث اه‍ . وقال ابن حجر في التخريج مداره على أناس ضعفاء أمثلهم صالح بن موسى الطلحي والحارث الجعفري وقال في الفتح : رواه ابن ماجه والحاكم وصححه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال ويقوي أحد الإسنادين في الآخر . (1) يحتمل أن المراد تزوجوا الخيرات وانضموا إليهن فالهمزة همزة وصل وإلا اتبعت ولا يصح مخالفتها في الفعلين وأطلق ضمير المذكر على المؤنث هذا والذي يظهر أن الهمزة في الثاني مقطوعة أي فأنكحوا مولاتكن الأكفاء ففيه حذف المفعول للأول للعلم به وزيادة إلى في الثاني على رأي الفراء وإبقاء ضمير المذكرين على أصله فتأمل والتأسيس خير من التأكيد لأن نكح يتعدى للثاني بالهمز كما في المصباح وهذا إذا لم تعلم الرواية .
[ 312 ]
3269 (تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر (فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) أي غالبا (تنبيه) قال الحكماء : ينبغي للرجل أن يقصد بالتزوج حفظ النسل والتحصين ونظام المنزل وحفظ المال لا مجرد نحو شهوة والمطلوب في الزوجة العقل والعفة والحياء فهذه أصول الصفات المطلوبة ، إذ الفطانة ومعرفة مصالح المنزل من فروع العقل ، ورقة القلب وطيب الكلام وطاعة الزوج وخدمته من فروع العفة ، والستر والبر وإخفاء الفوت وعدم الميل للزوج لنحو تهنئة وتعزية أو حمام من فروع الحياء ، وبعد الدخول ينبغي أن يراعى إيقاع الهيبة في نفسها بإظهار الفضائل وستر العيوب والانبساط فإن اطلاعها عليها يوجب الاستخفاف وكثرة الانبساط توجب الجرأة والتهاون في الطاعة (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) رضي الله عنها قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عيسى بن ميمون قال ابن حبان : منكر الحديث لا يحتج بروايته وقال الخطيب رحمه الله : حديث غريب وكل طرقه واهية اه‍ وقال السخاوي : أنجب وهو ضعيف ، وروى ابن عدي عن ابن عمرو مرفوعا تخيروا لنطفكم وعليكم بذوات الإدراك فإنهن أنجب وهو ضعيف . 3270 (تخيروا لنطفكم) فإن الولد ينزع إلى أصل أمه وطباعها ، قيل : ويدخل فيه اختيار المرضعة في أصلها وأهلها وخلقها (واجتنبوا هذا السواد) أي اللون الأسود كالزنج (فإنهن لون مشوه) أي قبيح وهو من الأضداد يقال للمرأة الحسناء الرائعة شوهاء (حل) عن أحمد بن إسحاق عن أحمد بن عمرو بن الضحاك عن عبد العظيم بن إبراهيم السلمي عن عبد الكريم بن يحيى عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن (أنس) بن مالك رضي الله عنه ثم قال مخرجه أبو نعيم من حديث زياد الزهري لم يكتبه إلا من هذا الوجه اه‍ وقال ابن الجوزي في العلل : فيه مجاهيل ونقل ابن أبي حاتم في علله عن أبيه تضعيف الحديث من جميع طرقه . (1) [ وفي ثبوت الحديث نظر لمخالفته الأصول . وورد في الحديث 4185 : دخلت الجنة فإذا جارية أدماء لعساء . فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ فقال : إن الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس ، فخلق له هذه . وفي شرحه : " أدماء " : شديدة السمرة . و " لعساء " : في لونها أدنى سواد ، ومشربة بالحمرة . فلو كان السواد تشويه لما حصل مكافأة لجعفر رضي الله عنه في الجنة ، والله أعلم . دار الحديث ] 3271 (تداووا عباد الله) وصفهم بالعبودية إيذانا بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل الذي هو من شرطها يعني تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) وهو سبحانه لو شاء لم يخلق دواء وإذا خلقه لو شاء لم يأذن في استعماله لكنه أذن ومن تداوى فعليه أن يعتقد حقا ويؤمن يقينا بأن الدواء لا يحدث شفاء ولا يولده كما أن
[ 313 ]
الداء لا يحدث سقما ولا يولده لكن الباري تعالى يخلق الموجودا ت واحدا عقب آخر على ترتيب هو أعلم بحكمته (غير داء واحد الهرم) أي الكبر جعل داء تشبيها به لأن الموت يعقبه كالداء ذكره البيضاوي كابن العربي رحمه الله وجعله أولى من القول بأنه استثناء منقطع وقال العكبري : لا يجوز في غير هنا إلا النصب على الاستثناء من دواء أما الهرم فيجوز رفعه بتقدير هو والجر على البدل من المجرور بغير والنصب على إضمار أعني قال ابن القيم : وقد تداوى وأمر بالتداوي لكن لم يكن هو وأصحابه يستعملون الأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان وجاء في بعض الروايات الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع بل قد يحدث داء آخر . (تنبيه) نقل أبو يعلى الحنبلي عن الإمام أحمد أنه يجوز الرجوع إلى قول طبيب ومن ثم خصه بما إذا لم يتعلق بالدين كإشارته بالفطر في رمضان أو الصلاة قاعدا لاتهامه فيه (حم 4) كلهم (في الطب حب ك) في الطب من حديث زياد بن علاقة (عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة ومهملة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عند كأن على رؤوسهم الطير فسئل فذكره قال الترمذي : حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأسامة ما روى عنه غير زياد . 3272 (تداووا من ذات الجنب) وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع والمراد هنا ورم يعرض في نواحي الجنب عن ريح غليظ مؤذ (بالقسط البحري) وهو العود الهندي (والزيت) المسخن بأن يدق ناعما ويخلط ويدلك به محله أو يلعق فإن جمعها كان أولى فإنه نافع له محلل لمادته مقو للأعضاء الباطنة مفتح للسدد وغير ذلك . (تنبيه) قال الحرالي : على المريض والطبيب أن يعلما أن الله أنزل الداء والدواء وأن المرض ليس بالتخليط وإن كان معه وأن الشفاء ليس بالدواء وإن كان عنده وإنما المرض بتأديب الله والبرء برحمته حتى لا يكون كافرا بالله مؤمنا بالدواء كالمنجم إذا قال مطرنا بنوء كذا ومن شهد الحكمة في الأشياء ولم يشهد مجريها صار بما علم منها أجهل من جاهلها (حم ك) في الطب (عن زيد بن أرقم) قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 3273 (تداووا بألبان البقر المعروفة فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء فإنها تأكل من كل الشجر) أفاد كالذي قبله أن التداوي لا ينافي التوكل وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام اعتل
[ 314 ]
فعرف بعض بني إسرائيل علته فقالوا : تداوى بكذا تبرأ فقال : لا حتى يعافيني بلا دواء فطالت علته فأوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي في خلقي بتوكلك علي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك ، من أودع العقاقير المنافع غيري ؟ (طب عن ابن مسعود) قال السخاوي : لهذا الحديث طرق بألفاظ مختلفة وفي الباب أبو هريرة وأسامة وجابر وغيرهم . 3274 (تداركوا الهموم) جمع هم بالفتح وهو الحزن (والغموم) جمع غم وأصله التغطية ومنه قيل للحزن الشديد غم لأنه يغطي السرور (بالصدقات) فإنكم إن داويتموها بذلك (يكشف الله تعالى ضركم وينصركم على عدوكم) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه الديلمي ويثبت عند الشدائد أقدامكم اه‍ بلفظه وهذا من الطب الروحاني (فر) من حديث مكحول (عن أبي هريرة) وفيه ميسر بن عبد ربه قال الذهبي في الضعفاء : كذاب مشهور اه‍ . 3275 (تدرون ما يقول الأسد في زئيره) أي في صياحه قالوا : لا قال : (يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف) قال في الفردوس : المعروف الخير يقال زأر يزأر زأرا اه‍ . ثم إن ذلك القول يحتمل الحقيقة بأن يطلب ذلك من الله بهذا الصوت ويحتمل أن ذلك عبارة عن كونه قد ركز في طباعه محبة أهل المعروف وعدم أذيتهم (طب في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي . 3276 (تذهب الأرض كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينضم بعضها إلى بعض) يحتمل أنه يريد وتصير بقعة في الجنة أو أنها تأتي شاهدة أو شافعة لزوارها وعمارها ثم تذهب (طس عد) عن وصيف بن عبد الله الأنطاكي عن الحسن بن محبوب عن أصرم بن حوشب عن قرة بن خالد عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الهيثمي وغيره : فيه أصرم بن حوشب كذاب وفي الميزان أن أصرم كذاب هالك وقال يحيى كذاب خبيث والدارقطني منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث عدي هذا وأقره عليه المؤلف فلم يتعقبه بشئ .
[ 315 ]
3277 (تذهبون الخير فالخير) بالتشديد والنصب أي الأفضل فالأفضل (حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذه) وأشار إلى حشف التمر أي لا يبقى إلا نخالة الناس وأشرارهم وأرذالهم ولا يزال الأمر في قهقرى حتى لا يقال في الأرض الله (تخ طب ك عن رويفع) بالفاء مصغر بن (ثابت) الأنصاري البخاري سكن مصر وولي إمرة المغرب له صحبة . 3278 (تربوا صحفكم) أي أمروا التراب عليها بعد كتابتها (فإنه أنجح لها) أي أكثر نجاحا ثم وجه ذلك بقوله (إن التراب مبارك) قال في مسند الفردوس : يعني يجفف المكتوب بالتراب بأن ينشر عليه وقيل أراه يضع المكتوب إذا فرغ منه على التراب سواء جف أم لا ، فإن فيه نجاح الحاجة والبركة وفي رواية لابن قانع تربوا الكتاب فإنه أنجح له وجميع ما في الباب ضعيف كما سبق روى الخطيب في الجامع من حديث عبد الوهاب الحجي : كنت بمجلس بعض المحدثين وابن معين بجنبي فكتبت صحفا فذهبت لأتربها فقال : لا تفعل فإن الأرض تسرع إليه فسقت إليه هذا الحديث فقال : إسناد لا يساوي فلسا (ه) من حديث أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير (عن جابر) قال البيهقي : وأبو أحمد من مشايخ بقية المجهولين وروايته منكرة وقال أبو طالب : سألت أحمد عنه فقال : حديث منكر وأورده ابن الجوزي عن جابر من أربعة طرق وزيفها كلها وفي الميزان كاللسان ما حاصله أنه موضوع . 3279 (ترك الدنيا أمر من الصبر) أي أشد مرارة منه قال بعض الحكماء : الدنيا من نالها مات منها ومن لم ينلها مات عليها (وأشد من حطم السيوف في سبيل الله عز وجل) في الجهاد وحطم الشئ كسره وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول عجيب بل بقيته عند مخرجه الديلمي من حديث ابن مسعود هذا ولا يتركها أحد إلا أعطاه الله مثل ما يعطي الشهداء وتركها قلة الأكل والشبع وبغض الثناء من الناس فإنه من أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها ومن سره النعيم فليدع الدنيا والثناء من الناس اه‍ . بلفظه ، فاقتصار المصنف على الجملة الأولى منه من سوء التصرف وإن كان جائزا (تنبيه) طريق ترك الدنيا بعد إلفها والأنس بها ورسوخ القدم فيها بمباشرة العادة أن يهرب من موضع أسبابها ويكلف نفسه في أعماله أفعالا يخالف ما يعتاده فيبدل التكلف بالتبذل وزي الحشمة بزي التواضع وكذا كل هيئة وحال في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده وما
[ 316 ]
يقتضي جاهه فيبدلها بنقيضها حتى يترسخ باعتياد ذلك ضدهاكما رسخ فيه من قبل باعتياده ضده فلا معنى للمعالجة إلا المضادة ويراعى في ذلك ك التلطف بالتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه إلا بالتدريج فيترك البعض ويسلي نفسه به وهكذا شيئا فشيئا إلى أن تنقمع لك الصفات التي رسخت فيه والى هذا التدريج الإشارة بخبر إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق الحديث . (تنبيه آخر) قال بعضهم : دواء الحرص على الدنيا إكثار التفكر في مدة قصرها وسرعة زوالها وما في أبوابها من الأخطار والهموم والتفكر في خساسة المطلب وملاحظة أن من أفضل المأكولات العسل وهو رضاب حيوان وأفضل المشروبات الماء وهو أهون شئ وأيسره وألذ الاستمتاعات المجامعة وهي تلاقي مبولين وأشرف الملابس الديباج وهو من دودة (فر عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار أيضا ومن طريقه عنه أورده الديلمي . 3280 (ترك السلام على الضرير خيانة) لأن شرعية السلام أن يفيض كل من المتلاقين الخير والأمان على صاحبه فمن امتنع من إفاضة هذا الخير فقد خان صاحبه والضرير معذور بعدم الإبصار (فر عن أبي هريرة) من طريق الطيالسي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى ثم إن فيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال أحمد ويحيى ليس بشئ وأبو زرعة غير قوي . 3281 (ترك الوصية عار) وهو كل شئ يلزم منه عيب أو شبه أو شين (في الدنيا ونار وشنار) بالفتح والتخفيف أقبح العيب كما في القاموس وغيره وفي الفردوس الشنار أقبح العيب والعار (في الآخرة) وفيه أن الوصية واجبة أي على من عليه حق لله أو لآدميين بلا شهود أما بالتطوع فمستحبة (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وقال الهيثمي : فيه جماعة لم أعرفهم ورواه فيه الديلمي أيضا . 3282 (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله) القرآن (وسنتي) أي طريقتي وكتاب بدل مما قبله أو خبر لمحذوف أي وهما إلخ (ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) قد مر بيانه موضحا بما منه أنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما ولا هدى إلا منهما والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما فوجوب
[ 317 ]
الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة لكن القرآن يحصل به العلم القطعي يقينا وفي السنة تفصيل معروف والمحصول مبسوط في الأصول . (ك عن أبي هريرة) قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكره . 3283 (تزوجوا في الحجز) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم الأصل والمنبت (الصالح) كناية عن العفة وقيل هو فصل ما بين فخذ الرجل والفخذ الآخر من عشيرته سمي به لأنه يحتجز بهم أي يمتنع وبالكسر بمعنى الحجز كناية عن العفة وطيب الإزار ذكره الزمخشري (فإن العرق دساس) أي دخال بالتشديد لأنه ينزع في خفاء ولطف يقال دسست الشئ إذا أخفيته وأخملته ومنه * (وقد خاب من دساها) * أي أخمل نفسه وأبخس حظها وقيل معنى دساس خفي قليل وكل من أخفيته وقللته فقد دسسته ، والمعنى أن الرجل إذا تزوج في منبت صالح يجئ الولد يشبه أهل الزوجة في العمل والأخلاق ونحوهما وعكسه بعكسه (عد) من حديث الموقدي عن الزهري عن أنس) قال ابن الجوزي : قال يحيى الموقدي ليس بشئ ، وقال النسائي متروك ، وقال علي لا يكتب حديثه ، ورواه الديلمي في مسند الفردوس والمديني في كتاب تضييع العمر عن ابن عمر وزاد وانظر في أي نصاب تضع ولدك قال الحافظ العراقي وكلها ضعيف . 3284 (تزوجوا النساء) ندبا عند الشافعية وقال الظاهرية : وجوبا عينا وبعض الحنفية هو فرض كفاية كالجهاد وأولى (فإنهن يأتين) وفي رواية يأتينكم (بالمال) وفي رواية ذكرها المصنف فإنهن يأتينكم بالأموال بمعنى أن إدرار الرزق يكون بقدر العيال والمعونة تنزل بحسب المؤونة فمن تزوج قاصد بتزوجه المقاصد الأخروية لتكثير الأمة لا قضاء الوطر ونيل الشهوة رزقه الله من حيث لا يحتسب ولا ينافي الأمر بالتزوج بشرطه * (ذلك أدنى أن لا تعولوا) * لأن معناه أن لا تجوروا ولا تميلوا يقال عال إذا مال وجار وتفسيره بتكثير عيالكم اعترضوه وقد أخذ بظاهر هذا الخبر وما بعده من ذهب من الشافعية إلى ندب النكاح مع فقد الأهبة والأصح عند الشافعية أن تركه حينئذ أولى ولا دلالة لأولئك في الحديث ولا في آية * (إن يكونوا فقراء) * عند التأمل إذ لا يلزم من الفقر وإتيائهن بالمال عدم وجدان الأهبة (البزار) في مسنده (خط) في التاريخ وكذا الدارقطني والحاكم وابن مردويه والديلمي كلهم من حديث مسلم بن جنادة عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال الحاكم : تفرد بوصله مسلم وهو ثقة وأقره الذهبي وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح خلا مسلم بن جنادة وهو ثقة (د في مراسيله) وكذا ابن أبي شيبة (عن عروة) بضم العين ابن
[ 318 ]
الزبير (مرسلا) قال المصنف : وله شواهد منها خبر الثعلبي عن ابن عجلان أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال : عليك بالباءة . 3285 (تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما) بنون ومثناة فوقية وقاف أي أكثر أولادا (وأرضى باليسير) في رواية من العمل أي الجماع ولولا هذه الرواية لكان الحمل على الأعم أتم فيشمل الرضا بالقليل من المعيشة لأن من لم تمارس الرجال لا تقول كنت فصرت وتقنع غالبا (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : فيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني . 3286 (تزوجوا الودود) المتحببة لزوجها بنحو تلطف في الخطاب وكثرة خدمة وأدب وبشاشة (الولود) ويعرف في البكر بأقاربها فلا تعارض بينه وبين ندب نكاح البكر قال أبو زرعة : والحق أنه ليس المراد بالولود كثرة الأولاد بل من هي في مظنة الولادة وهي الشابة دون العجوز الذي انقطع نسلها فالصفتان من واد واحد (فإني مكاثر بكم) أي أغلب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزويج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود (د ن) كلاهما في النكاح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وقاف (بن يسار) ضد اليمين قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه ثم ذكره ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن أنس قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح إلا حفص بن عمر وقد روى عنه جمع . 3287 (تزوجوا فإني مكاثر بكم) تعليل للأمر بالتزوج أي مفاخر (الأمم) السالفة أي أغالبهم بكم كثرة (ولا تكونوا كرهبانية النصارى) الذين يترهبون في الديورات ولا يتزوجون وهذا يؤذن بندب النكاح وفضل كثرة الأولاد إذ بها حصول ما قصده من المباهاة والمغالبة . (تنبيه) قال الحجة : لا ينتظم أمر المعاش حتى يبقى بدنه سالما ونسله دائما ولا يتم كلاهما إلا بأسباب الحفظ لوجودهما وذلك ببقاء النسل وقد خلق الغذاء سببا للحيوان وخلق الإناث محلا للحراثة لكن لا يختص المأكول والمنكوح ببعض الآكلين والناكحين بحكم الفطرة ولو ترك الأمر فيها سدى من غير تعريف قانون في الاختصاصات لتهاوشوا وتقاتلوا وشغلهم ذلك عن سلوك الطريق بل أفضى بهم إلى الهلاك فشرح
[ 319 ]
القرآن قانون الاختصاص بالأموال في آيات نحو المبايعات والمداينات والمواريث ومواجب النفقات والمناكحات ونحو ذلك وبين الاختصاص بالإناث في آيات النكاح ونحوها انتهى والنكاح تجري فيه الأحكام الخمسة فيكون فرض كفاية لبقاء النسل وفرض عين لمن خاف العنت ومندوبا لمحتاج إليه واجد أهبته ومكروها لفاقد الحاجة والأهبة أو واجدهما وبه علة كهرم أو عنة أو مرض دائم ومباحا لواجد أهبة غير محتاج ولا علة وحراما لمن عنده أربع (هق) قال : حدثنا الفلاس أنا محمد بن ثابت البصري عن أبي غالب (عن أبي أمامة) قال الذهبي في المهذب : محمد ضعيف وقال ابن حجر : فيه محمد بن ثابت ضعيف . 3288 (تزوجوا) فإن النكاح ركن من أركان المصلحة في الدين جعله الله طريقا لنماء الخلق وشرعة من دينه ومنهاجا من سبله قال ابن العربي : وقد اختلف هل الأمر بالتزوج للوجوب أو للندب أو للإباحة على أقوال والإنصاف أن الأزمة تختلف وحال الناس يتباين فرب زمان العزوبة فيه أفضل وحالة الوحدة فيها أخلص فإن لم يستطع فليتكل على الله ويتزوج فإني ضامن أن لا يضيعه (ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) يعني السريعي النكاح السريعي الطلاق قال ابن الأثير : هذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني نحو * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * . (تنبيه) اعلم أن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة يكون واجبا وهو طلاق الحكمين والمولى ومندوبا وهو من خاف أن لا يقيم حدود الله في الزوجية ومن وجد ريبة وحراما وهو البدعي وطلاق من لم يوفها حقها من القسم ومكروها فيما عدا ذلك وعليه حمل الحديث ومباحا عند تعارض مقتضى الفراق وضده (طب عن أبي موسى) الأشعري قال الديلمي : وفي الباب أبو هريرة . 3289 (تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق) أي بلا عذر شرعي (يهتز منه العرش) يعني تضطرب الملائكة حوله غيظا من بغضه إليهم كما هو بغيض إلى الله لما فيه من قطع الوصلة وتشتت الشمل أما لعذر فليس منهيا عنه بل قد يجب كما سلف في الإتحاف هذا دليل على كراهة الطلاق وبه قال الجمهور (عد) وكذا أبو نعيم والديلمي كلهم (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال السخاوي وسنده ضعيف قال ابن الجوزي : بل هو موضوع . 3290 (تساقطوا الضغائن) بينكم جمع ضغينة وهي الحقد والعداوة والحسد فإن ذلك من الكبائر (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب .
[ 320 ]
3291 (تسحروا) وهو تفعل من السحر وهو الأكل قبيل الصبح والأمر للندب إجماعا قال في شرح الترمذي : أجمعوا على أن السحور مندوب لا واجب (فإن في السحور بركة) قال العراقي : روي بفتح السين وضمها فبالضم الفعل وبالفتح ما يتسحر به والمراد بالبركة الأجر فيناسب الضم أو التقوي على الصوم فيناسب الفتح وللبركة في السحور جهات كالتقوي والنشاط والانبساط ذكره بعضهم وقال الزين العراقي : البركة فيه محتملة لمعان منها أنه يبارك في القليل منه بحيث يحصل به الإعانة على الصوم ويدل له قوله في حديث ولو بلقمة وقوله في الحديث الآتي ولو بالماء ويكون بالخاصية كما بورك في الثريد والطعام الحار إذا برد ومنه أنه يراد نفي التبعة فيه بدليل حديث الديلمي ثلاثة لا يحاسب العبد عليها أكل السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان ومنها أنه يراد بالبركة القوة على الصيام وغيره من أعمال النهار (حم ق ت ن ه عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ن عن أبي هريرة وعن ابن مسعود حم عن أبي سعيد الخدري) وفي الباب جابر وابن عباس وعرباض . 3292 (تسحروا من آخر الليل) أي في آخره (هذا الغذاء (1) في رواية فإنه الغذاء (المبارك) أي الكثير الخير لما يحصل بسببه من قوة وزيادة قدرة على الصوم قال الكلاباذي : فالبركة فيه بمعنى الإباحة بعد الحظر عنه من أول الليل فكأنها إباحة زائدة على الإفطار آخر النهار فهو رخصة والله يحب أن تؤتى رخصه فالترغيب في السحور ترغيب في قبول الرخصة ومعنى البركة فيه الزيادة ويمكن كونها زيادة في العمر لكون النوم موتا واليقظة حياة ففي مدة الحياة معنيان اكتساب الطاعة للمعاد والمرافق للمعاش وهو مما خصت به هذه الأمة واعلم أن القصد من الصوم كسر شهوتي البطن والفرج فينبغي تخفيف الأكل في السحور فإن زاد في قدره حتى فاتت حكمة الصوم لم يكن مندوبا بل فاعله ملام نبه عليه بعض الأفاضل (طب عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية (ابن عبد) بغير إضافة وهو السلمي أبو الوليد صحابي شهير أول مشاهده قريظة (وأبي الدرداء) قال الهيثمي : فيه جبارة بن مفلس ضعيف . (1) الغذاء بكسر الغين وذال معجمة وبالمد ما يغتذى به من طعام وشراب أما الغداء بفتحها ودال مهملة فضد العشاء .
[ 321 ]
3293 (تسحروا ولو بجرعة من ماء) لأنه طهور مزيل للمانع من أداء العبادة ولهذا من الله على عباده بقوله * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * ويحتمل أنه تحصل به الإعانة على الصوم بالخاصية ولأن به يحصل نشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره العطش وفيه رد على من ذهب من أئمتنا إلى أن التسحر إنما يسن لمن يرجو نفعه إذ من البين أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع بل لبيان أقله نفع أم لا (ع عن أنس) قال الهيثمي : فيه عبد الواحد بن ثابت الباهلي وهو ضعيف اه‍ . وسبقه الذهبي بأوضح منه فقال في الميزان : انفرد به عبد الواحد بن ثابت الباهلي قال العقيلي : لا يتابع عليه ورواه عنه إبراهيم بن الحجاج وقال البخاري : منكر الحديث . 3294 (تسحروا ولو بالماء) فإن البركة في الفعل باستعماله السنة لا في نفس الطعام وفي رواية للديلمي : تسحروا ولو بحبة وفي رواية ولو بتمرة ولو بحبات زبيب ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والاجتماع على الطعام وفيه كالذي قبله وبعده ندب التسحر وحصول أصل سنته ولو بجرعة ماء ويدخل وقته بنصف الليل وهل حكمته التقوي على الصوم أو مخالفة أهل الكتاب وجهان للشافعية (تنبيه) عدوا من خصائص هذه الأمة التسحر وتعجيل الفطر وإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر وكان محرما على من قبلهم بعد النوم وإباحة الكلام في الصوم وكان محرما على من قبلهم ، فيه عكس الصلاة ، ذكره في الأحوذي (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الله بن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف وهو ابن المعتمر العدوي قال في الكاشف : قيل له صحبة وهو حديث ضعيف لكن يقويه وروده من طريق آخر عند ابن النجار في تاريخه بلفظ تسحروا ولو بجرعة ماء صلوات الله على المتسحرين . 3295 (تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا) إذا تحققتم الغرو ب (ولو على شربة من ماء) ولا تواصلوا فإن الوصال عليكم حرام قال الغزالي : شذ جمع ممن يدعي التصوف فصرف ألفاظ الشارع عن ظاهر المفهوم منها إلى أمور باطنة لا تسبق الأفهام إليها فقالوا أراد بالسحور الاستفسار كما قالوا في * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) * أنه أشار إلى قلبه فهو الطاغي وفي * (ألق عصاك) * أي كل ما يتوكأ عليها مما سوى الله يلقيه وهذه خرافات يحرفون بها الكتاب والسنة وبطلانه قطعي وكيف يحمل التسحر على الاستغفار مع كون المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتسحر بتناول الطعام في السحر ويقول تسحروا (عد عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه هكذا رواه في الكامل من حديث حسين بن
[ 322 ]
عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وحسن هذا متروك قاله أحمد وغيره . 3296 (تسعة أعشار الرزق في التجارة) قال ابن الأثير : جمع عشيروهي العشر كنصيب وأنصباء اه‍ (والعشر في المواشي) في رواية بدل المواشي السائمات قال الزمخشري : وهي الناج فمرجعها واحد قال الماوردي : وإنما كان كذلك لأن التجارة فرع لمادتي الناج والزرع وهي نوعان تقليب في الحضر من غير نقلة ولا سفر والثاني تقليب في المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار مما يحتاجه الخاص والعام إذ هي مادة أصل الحضر وسكان الأمصار والمدن والاستمداد بها أعم نفعا وأكثر ربحا ولا يستغني عنه أحد من الأنام وأما المواشي فإنما هي مادة أهل الفلوات وسكان الخيام أنهم لما لم يستقر بهم دار ولم يضمهم أمصار افتقروا إلى الأموال المتنقلة فاتخذوا الحيوان ليستقل في النقلة بنفسه ويستغنى في العلوفة برأيه فمعظم نفعه إنما هو لأولئك اه‍ . وهذا لا يقتضي أفضلية التجارة على الصناعة والزراعة لأنه إنما يدل على أن الرزق في التجارة أكثر ولا تعارض بين الأكثرية والأفضلية (ص عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي) مقبول من الطبقة الثانية (ويحيى بن جابر الطائي مرسلا) هو قاضي حمص قال في الكشاف صدوق وفي التقريب : ثقة يرسل كثيرا ورواه أيضا إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن نعيم المذكور قال الحافظ العراقي : ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن منده ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان تابعي فعلى هذا الحديث من طريقه مرسل . 3297 (تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود) قال البيهقي في الشعب : يحتمل أن المراد كراهته الاقتصار على الإشارة في التسليم دون التلفظ بكلمة التسليم إذا لم يكن في حالة تمنعه من التكلم وقال السمهودي : هذا الحديث ربما دل على أن السلام شرع لهذه الأمة دون غيرهم وسيجئ في خبر ما ظاهره ينافيه (ع طس هب عن جابر) قال الهيثمي : رجال أبي يعلى رجال الصحيح وقال المنذري رواته رواة الصحيح . 3298 (تسمعون) بفتح فسكون (ويسمع) مبني للمجهول (منكم) خبر بمعنى الأمر أي لتسمعوا مني الحديث وتبلغوه عني وليسمعه من بعدي منكم قال الزمخشري : وإنما يخرج الأمر في
[ 323 ]
صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به فيجعل كأنه يوجد فهو مخبر عنه (ويسمع) بالبناء للمجهول (ممن يسمع) بفتح فسكون أي ويسمع الغير من الذي يسمع (منكم) حديثي كذا من بعدهم وهلم جرا وبذلك يظهر العلم وينشر ويحصل التبليغ وهو الميثاق المأخوذ عن العلماء قال العلائي : هذا من معجزاته التي وعد بوقوعها أمته وأوصى أصحابه أن يكرموا نقلة العلم وقد امتثلت الصحابة أمره ولم يزل ينقل عنه أفعاله وأقواله وتلقى ذلك عنهم التابعون ونقلوه إلى أتباعهم واستمر العمل على ذلك في كل عصر إلى الآن . (حم د ك عن ابن عباس) قال الحاكم : صحيح ولا علة له وأقره الذهبي وقال العلائي : حسن وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته ثم يأتي من بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن ويشهدون قبل أن يسألوا . 3299 (تسموا باسمي) محمد وأحمد وحقيقة التسمية تعريف الشئ بالشئ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده أو إلى ثلاثة أيام أو سبعة أو فوقها والأمر واسع وهذا نص صريح في الرد على من منع التسمي باسمه كالتكني قال المؤلف في مختصر الأذكار وأفضل الأسماء محمد (ولا تكنوا) بفتح التاء والكاف وشد النون وحذف إحدى التاءين أو بسكون الكاف وضم النون (بكنيتي) أي القاسم إعظاما لحرمتي فيحرم التكني به لمن اسمه محمد وغيره في زمنه وغيره على الأصح عند الشافعية وجوز مالك التكني بعده به حتى لمن اسمه محمد وقوله تسموا جملة من فعل وفاعل وباسمي صلة وكذا ولا تكنوا بكنيتي وهو من عطف منفي على مثبت وهذا قاله حين نادى رجل يا أبا القاسم فالتفت فقال لم أعنك إنما دعوت فلانا قال الحرالي : والتسمية إبداء الشئ باسمه للسمع في معنى المصور وهو إبداء الشئ بصورته في العين . (تنبيه) من الغريب ما قيل إنه يحرم التسمي باسمه محمد والتسمي بالقاسم لئلا يكنى أبوه أبا القاسم حكاهما النووي رضي الله عنه في شرح مسلم فأما الثاني فمحتمل وأما الأول فيكاد يكون باطلا لقيام الإجماع وظاهر كلامهم أنه إنما كنى بأبي القاسم فقط دون غيره وليس كذلك فقد أخرج البيهقي وابن الجوزي وغيرهما عن أنس قال : لما ولد إبراهيم ابن المصطفى صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم قال ابن الجوزي عقبه وقد نهى أن يكنى بكنيته هذا لفظه وقضيته الحرمة كأبي القاسم لكن قد يقال إنما حرم بأبي القاسم لأنه كان ينادى به لكونه أول ولد ولد له فاشتهر به ولم يكن يدعى بأبي إبراهيم (حم ق ن ه عن أنس) بن مالك قال : نادى رجل رجلا بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا فذكره (حم ق ه عن جابر) قال : ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه : لا تدعه يسمى باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ولد لي ولد فسميته محمدا فمنعني قومي فذكره قال ابن حجر : في الباب ابن عباس وغيره .
[ 324 ]
3300 (تسموا بأسماء الأنبياء) لفظه أمر ومعناه الإباحة لأنه خرج على سبب وهو تسموا باسمي وإنما طلب التسمي بالأنبياء لأنهم سادة بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أصلح الأعمال فأسماؤهم أشرف الأسماء فالتسمي بها شرف للمسمى ولو لم يكن فيها من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة مع ما فيه من حفظ أسماء الأنبياء عليهم السلام وذكرها وأن لا تنسى فلا يكره التسمي بأسماء الأنبياء بل يستحب مع المحافظة على الأدب ، قال ابن القيم : وهو الصواب وكان مذهب عمر كراهته ثم رجع كما يأتي وكان لطلحة عشرة أولاد كل منهم اسمه اسم نبي والزبير عشرة كل منهم مسمى باسم شهيد فقال له طلحة : أنا أسميهم بأسماء الأنبياء وأنت بأسماء الشهداء فقال : أنا أطمع في كونهم شهداء وأنت لا تطمع في كونهم أنبياء (وأحب الأسماء إلى الله) تعالى (عبد الله وعبد الرحمن) لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وعبده بالرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر (وأصدقها حارث وهمام) إذ لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما (وأقبحهما حرب ومرة) لما في حرب من البشاعة وفي مرة من المرارة وقيس به ما أشبهه كحنظلة وحزن ونحو ذلك (1) . (خد د ن عن أبي وهب الجشمي) بضم الجيم وفتح المعجمة وآخره ميم نسبة إلى قبيلة جشم بن الخزرج من الأنصار صحابي نزل الشام قال ابن القطان : فيه عقيل بن شبيب قالوا : فيه غفلة . (1) كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن . 3301 (تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم ؟) وفي رواية لعبد بن حميد تسبونهم بدل تلعنونهم وهذا استفهام إنكاري محذوف الهمزة . قال القاضي : أنكر اللعن إجلالا لاسمه كما منع ضرب الوجه تعظيما لصورة آدم وشذت طائفة فأخذوا من هذا الحديث منع التسمي بمحمد وأيدوه بأن عمر كتب إلى الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي وبأمره جماعة من المدينة بتغيير أسماء أبنائهم ورد بمنع دلالة الحديث على ذلك إذ مقتضاه النهي عن لعن من اسمه محمد لا عن التسمية به وقد مرت النصوص الدالة على الإذن فيه بل يأتي أخبار تدل على الترغيب فيه كقوله ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمدا وأحمد
[ 325 ]
وقوله ما اجتمع قوم في مشورة فيهم من اسمه محمد الحديث وبأن كتابة عمر رضي الله عنه كانت لكونه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد : فعل الله بك يا محمد وصنع فقال : لا أرى رسول الله يسب بك والله لا يدعى محمدا أبدا وكتب بذلك وأمر به فذكر له جماعة سماهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك فترك قال الطيبي : أمر أولا بالتسمي بأسماء الأنبياء فرأى فيه نوع تزكية للنفس وتنويها بشأنها فنزل إلى قوله : أحب الأسماء إلخ لأن فيه خضوعا واستكانة ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها فلا يصدق عليه هذا الاسم فنزل إلى قوله حارث وهمام (البزار) في مسنده (ع ك) في الأدب من حديث الحكم بن عطية عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي : والحكم وثقه بعضهم وهو لين اه‍ . وقال ابن القطان : رواه من حديث الحكم بن عطية وهو واه قال أحمد : لا بأس به لكن أبو داود روى عنه أحاديث منكرة وهذا من روايته عنه وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية وثقه أحمد وضعفه غير وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح : خرجه البزار وأبو يعلى وسنده لين . 3302 (تصافحوا) من الصفحة والمراد الإفضاء من اليد إلى صفحة اليد (يذهب الغل) أي الحقد والضغن (عن قلوبكم) (عد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الأصبهاني في الترغيب وخرجه مالك في الموطأ عن عطاء مرسلا قال المنذري : رواه مالك هكذا معضلا قال : وقد أسند من طريق فيها مقال يشير إلى حديث ابن عدي المذكور وقال ابن البارد : حديث مالك جيد . 3303 (تصدقوا فسيأتي عليكم زمان) يستغني الناس فيه عن المال لظهور الكنوز وكثرة العدل وقلة الناس وقصر آمالهم أول ظهور الأشراط وكثرة الفتن بحيث (يمشي الرجل) الإنسان فيه (بصدقته) يلتمس من يقبلها منه (فيقول) الإنسان (الذي يأتيه بها) يعني الذي يريد المتصدق أن يعطيه الصدقة (لو جئت بها) إلي (بالأمس) حيث كنت محتاجا إليها (لقبلتها) منك (فأما الآن) وقد كثرت الأموال اشتغلنا بأنفسنا وإنما نقصد نجاة مهجنا (فلا حاجة لي فيها) أي في قبولها فيرجع بها (فلا يجد من يقبلها) منه فكيفما كان هو من أشراط الساعة وزعم أن ذلك وقع في زمن عمر بن عبد العزيز فليس من الأشراط بعيد جدا وفيه حث على الإسراع بالصدقة وتهديد لمن أخرها عن مستحقها ومطلوبها حتى استغنى يعني المستحق الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل (1) (حم ق ت) في الزكاة (عن
[ 326 ]
3304 حارثة) بحاء مهملة ومثلثة (ابن وهب) الخزاعي صحابي نزل الكوفة وهو ربيب عمر بن الخطاب . (1) قال القسطلاني : وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني فيه الناس عن المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة وهذا في زمن الدجال أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن المهدي وعيسى أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فلا يلتفت أحد إلى شئ بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من أهله وولده ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته إلى آخر ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق يحيى بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بسند جيد قال : لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى قعد الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من بضعه فيهم فلا يجده فيرجع قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق إلى أهلها حتى استغنوا . 3304 (تصدقوا فإن الصدقة فكاكم من النار) أي هي خلاصكم من نار جهنم لأن من ثمراتها إزالة سوء الظن بالله عن العبد المردي في النار وتكذيب الشيطان فيما يعده من الفقر في الإنفاق فيها (1) (طس حل) وكذا أبو الشيخ [ ابن حبان ] [ ابن حبان ] والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي : رجاله ثقات اه‍ . وكأنه لم يصدر عن تحرير فقد قال الدارقطني : تفرد به الحارث بن عمير عن حميد قال ابن الجوزي : قال ابن حبان : الحارث يروي عن الأثبات الموضوعات . (1) قال العبادي : الصدقة أفضل من حج التطوع عند أبي حنيفة . 3305 (تصدقوا ولو بتمرة) وفي رواية ولو بشق تمرة (فإنها تسد من الجائع) قال الزمخشري : يريد أن نصف التمرة يسد رمق الجائع كما يورث الشبعان كظة على وقاحته فلا تستقلوا من الصدقة شيئا وقيل المراد المبالغة لا حقيقة التمرة لعدم غنائها ، وقف أعرابي على الدولي وهو يأكل تمرا فقال شيخ : هم غابر ماضيين ووفد محتاجين أكلني الفقر وردني الدهر ضعيفا مسيفا فناوله تمرة فضرب بها وجهه وقال له : جعلها الله حظك من حظك عنده (وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) قال الطيبي : أصله تذهب الخطيئة لقوله * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * ثم في الدرجة الثانية تمحو الخطيئة لخبر أتبع السيئة الحسنة تمحها ثم في الثالثة تطفئ الخطيئة لمقام الحكاية عن المباعدة عن النار فلما وضع الخطيئة موضع النار على الاستعارة المكنية أثبت لها على الاستعارة التخييلية ما يلازم النار من الإطفاء لتكون قرينة مانعة لها عن إرادة الحقيقة أو ما * (إنما ياكلون في بطونهم نارا) * فمن إطلاق اسم المسبب على السبب (ابن المبارك) في الزهد (عن عكرمة) البربري أحد الأعلام مولى ابن عباس متكلم في عقيدته وقيل يكذب على سيده (مرسلا) قال الحافظ العراقي : ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان .
[ 327 ]
3306 (تطوع الرجل في بيته) أي في محل سكنه بيتا كان أو غيره (يزيد على تطوعه) أي صلاته التطوع (عند الناس) أي بحضرتهم أو بمجامعهم أو بالمسجد ونحوه (كفضل) أي كما يزيد فضل (صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده) وهو خمس وعشرون درجة أو سبع وعشرون أو غير ذلك مما سيجئ وذلك لأنه أبعد عن الرياء (ش عن رجل) من الصحابة وإبهامه لا يضر لأن الصحب كلهم عدول . 3307 (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم) يعني يجب على من صلى ثم تبين له أنه كان بملبوسه أو بدنه قدر درهم من الدم أن يعيد صلاته وأخذ بمفهومه أبو حنيفة وابن جرير فقال : لا تعاد الصلاة من نجاسة دون الدرهم ومذهب الشافعي العفو عن قليل دم الأجنبي عرفا ولا يعفى عن نجاسة غير الدم وإن قل . (عد هق) عن روح بن الفرج عن يوسف بن عدي عن القاسم بن مالك عن روح بن غطيف عن الزهري بن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم تعقبه العقيلي بقوله : حدثني آدم قال : سمعت البخاري يقول هذا الحديث باطل وروح هذا منكر الحديث وذكره ابن عدي في ترجمة روح بن غطيف وقال ابن معين وهاه وقال النسائي : متروك ثم ساق لهذا الخبر اه‍ . وقال الذهبي : واه جدا ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال روح بن غطيف متروك الحديث وقال الحافظ ابن حجر : روح بن غطيف تفرد به عن الزهري وهو متروك وقال الذهبي : أخاف أن يكون موضوعا وقال البخاري حديث باطل وقال ابن حبان موضوع وحكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه وقال البزار : أجمع أهل العلم على نكرته قال أعني ابن حجر وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق أخرى عن الزهري لكن فيها أيضا أبو عصمة متهم بالكذب اه‍ . وبذلك استبان أن عزو المصنف لابن عدي وسكوته عما عقبته به من بيان القادح غير صواب بل وإن لم يتعقبه مخرجه فسكوت المصنف عليه غير مرضي لأنه من أحاديث الأحكام وهو شديد الضعف فعدم بيان حاله لا يليق بكماله . 3308 (تعافوا الحدود) بفتح التاء وضم الواو بغير همز (فيما بينكم) أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي (فما بلغني من حد) أي ثبت عندي (فقد وجب) علي إقامته والخطاب لغير الأئمة يعني أن الحدود الذي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم لبعض قبل أن تبلغني فإن بلغتني وجب علي أن أقيمها
[ 328 ]
لأن الحد بعد بلوغ الإمام والثبوت لا يسقط بعفو الآدمي كالمسروق منه وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلسقوطه (د ن) في القطع (ك) في الحدود من حديث عمرو بن شعيب (عن أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر : سنده إلى عمرو ابن شعيب صحيح اه‍ . مع أن فيه إسماعيل بن عياش وفيه كلام كثير وخلاف طويل وسببه كما في مسند أبي يعلى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق فأمر بقطعه ثم بكا فسئل فقال : كيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم قالوا : أفلا عفوت قال : ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ولكن تعافوا إلخ . 3309 (تعافوا تسقط الضغائن بينكم) هذا كالتعليل للعفو في هذا وما قبله كأنه قيل : لم التعافي قال : لأجل أن يسقط ما بينكم من الضغائن فإن الحدود إذا أقيمت أورثت شبهة للنفوس وحقدا ومنه التغرير (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : رواه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف . 3310 (تعاهدوا القرآن) أي داوموا على تكراره ودرسه لئلا تنسوه قال القاضي : تعاهد الشئ وتعهده محافظته وتجديد العهد به والمراد منه الأمر بالمواظبة على تلاوته والمداومة على تكراره ودرسه (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفصيا) بمثناة فوقية وفاء وصاد مهملة أي أسرع تفصيا وتخلصا وذهابا وانقلابا وخروجا (من قلوب الرجال) يعني حفظته (1) (من الإبل من عقلها) جمع عقال أي لهو أشد ذهابا من الإبل إذا تخلصت من العقال فإنها تفلت حتى لا تكاد تلحق ، شبه القرآن وكونه محفوظا على ظهر قلب بالإبل الآبدة النافرة وقد عقل عقلها وشد بذراعيها بالحبل المتين وذلك أن القرآن ليس من كلام البشر بل كلام خالق القوى والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم والله سبحانه بلطفه العميم من عليهم ومنحهم هذه النعم العظيمة فينبغي تعاهده بالحفظ والمواظبة ما أمكن (حم ق عن أبي موسى) الأشعري . (1) وخصهم لأنهم الذين يحفظونه غالبا ، فالأنثى كذلك . 3311 (تعاهدوا نعالكم) أي تفقدوها (عند أبواب المساجد) بأن تنظروا ما فيها فإن رأيتم بها خبثا فامسحوه بالأرض قبل أن تدخلوا قال الحافظ العراقي : وفي معنى النعل المداس اه‍ . وأقول وفي
[ 329 ]
معناهما القبقاب المعروف والمراد كل ما يدا س فيه بلا حائل بينه وبين الأرض (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (خط) في ترجمة محمد العكبري وكذا أبو نعيم (عن عمر) بن الخطاب وقال أعني الخطيب : هو غريب من حديث يزيد الفقيه ومن حديث مسعر بن كدام تفرد به يحيى بن هاشم السمسار اه‍ وقال ابن الجوزي : حديث باطل لا يصح وقال : قال ابن عدي : يحيى بن هاشم كان يضع اه‍ وقال الذهبي في الضعفاء : قالوا كان يضع الحديث . 3312 (تعتري الحدة) أي النشاط والخفة (خيار أمتي) والمراد هنا الصلابة والشدة والسرعة في إمضاء الخير وعدم الالتفات في ذلك إلى الغير (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه سلام بن سلم الطويل وهو متروك . 3313 (تعجلوا إلى الحج) أي بادروا به (فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) زاد الديلمي في روايته من مرض أو حاجة فالحج وإن كان وجوبه على التراخي فالسنة تعجيله خوفا من هجوم الآفات القاطعة والعوارض المعوقة وذهب أبو حنيفة إلى وجوب فوريته تمسكا بظاهر هذا الخبر ولأنه لو مات قبله مات عاصيا ولولا فوريته لم يعص ورد الأول بأنه محمول على الندب والاحتياط والثاني بأنه إذا مات ولا نزاع فيه والثالث بالمنع لأنه إنما يحل تأخيره بشرط سلامة العاقبة فلما مات تبين عصيانه (حم عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال وغيره . 3314 (تعرض أعمال الناس) الظاهر أنه أراد المكلفين منهم بقرينة ترتيبه المغفرة على العرض وغير المكلف لا ذنب له يغفر له كل جمعة مرتين قال القاضي : أراد بالجمعة الأسبوع فعبر عن الشئ بآخره وما يتم به ويوجد عنده والمعروض عليه هو الله تعالى أو ملك يوكله على جميع صحف الأعمال وضبطها (في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس (1) وسبق الجمع بينه وبين رفع الأعمال بالليل مرة وبالنهار مرة (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا) بالنصب لأنه استثناء من كلام موجب وفي رواية عبد بالرفع وتقديره فلا يحرم أحد من الغفران إلا عبد ومنه * (فشربوا منه إلا قليل) * (البقرة :
[ 330 ]
249) بالرفع ذكره الطيبي (بينه وبين أخيه في الإسلام شحناء) بفتح فسكون ونون ممدودة أي غل فيقال اتركوا هذين (حتى يفيئا) أي يرجعا عما هما عليه من التقاطع والتباغض والفيئة كبيعة الحالة من الرجوع قال الطيبي : أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التعبير والتنفير (م) في البر (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . (1) أي تعرض على الله وأما رفع الملائكة فإنه في الليل مرة وفي النهار مرة . 3315 (تعرض الأعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الله) أي للمذنبين ذنوبهم المعروضة عليه (إلا ما كان من متشاحنين) أي متعاديين (أو قاطع رحم) فيؤخر كل منهم حتى يرجع ويقلع . قا الحليمي : في عرض الأعمال يحتمل أن الملائكة الموكلين بأعمال بني آدم يتناوبون فيقيم معهم فريق من الاثنين إلى الخميس ثم يعرضون وفريق من الخميس إلى الاثنين وهكذا كلما عرج فريق قرأ ما كتب في موقفه من السماء فيكون ذلك عرضا في الصورة وهو غني عن عرضهم ونسخهم وهو أعلم بعباده منهم قال البيهقي : وهذا أصح ما قيل قال : والأشبه أن توكيل ملائكة الليل والنهار بأعمال بني آدم عبادة تعبدوا بها وسر عرضهم خروجهم عن عهدة التكليف ثم قد يظهر الله لهم ما يريد فعله بمن عرض عمله (طب عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي : فيه موسى بن عبيدة وهو متروك 3316 (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله وتعرض على الأنبياء) أي الرسل أي يعرض عمل كل أمة على نبيها (وعلى الآباء والأمهات) أي يعرض عمل كل فرع على أصله والكلام في أصل مسلم (يوم الجمعة) أي يوم كل جمعة (فيفرحون) يعني الآباء والأمهات ويمكن رجوعه إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أيضا (بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا) والمراد وجود أرواحهم أي ذواتها أي ويحزنون بسيئاتهم كما يدل عليه قوله (فاتقوا الله) خافوه (ولا تؤذوا موتاكم) الذين يقع العرض عليهم بارتكاب المعاصي وفائدة العر ض عليهم إظهار الله للأموات عذره فيما يعامل به أحياءهم من عاجل العقوبات وأنوا البليات في الدنيا فلو بلغهم ذلك من غير عرض أعمالهم عليهم لكان وجدهم أشد ، قال القرطبي : يجوز أن يكون الميت يبلغ من أفعال الأحياء وأقوالهم ما يؤذيه أو يسره بلطيفة يحدثها الله لهم من ملك يبلغ أو علامة أو دليل أو ما شاء الله * (وهو القاهر فوق عباده) * وعلى ما يشاء ، وفيه زجر عن سوء القول في الأموات وفعل ما كان يسرهم في حياتهم وزجر عن عقوق الأصول والفروع بعد موتهم بما يسوءهم من فعل أو قول ، قال : وإذا كان الفعل صلة وبرا كان ضده قطيعة وعقوقا . (الحكيم) الترمذي (عن والد عبد العزيز) .
[ 331 ]
3317 (تعرف) بشد الراء (إلى الله) أي تحبب وتقرب إليه بطاعته والشكر على سابغ نعمته والصبر تحت مر أقضيته وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليته (في الرخاء) أي في الدعة والأمن والنعمة وسعة العمر وصحة البدن فالزم الطاعات والإنفاق في القربات حتى تكون متصفا عنده بذلك معروفا به (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا بما سلف من ذلك التعرف كما وقع للثلاثة الذين آووا إلى الغار فإذا تعرفت إليه في الرخاء والاختيار جازاك عليه عند الشدائد والاضطرار بمدد توفيقه وخفي لطفه كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله * (فلولا أنه كان من المسبحين) * يعني قبل البلاء بخلاف فرعون لما تنكر إلى ربه في حال رخائه لم ينجه اللجأ عند بلائه قال : * (الآن وقد عصيت قبل) * وقيل المراد تعرف إلى ملائكته في الرخاء بالتزامك الطاعة والعمل فيما أولاك من نعمه فإنه يجازيك في الشدة يعرفك في الشدة بواسطة شفاعتهم بتفريج كربك والأول أولى لاستغنائه عن التقدير قال الصوفية : ينبغي أن يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقلبه بحيث يجده قريبا للاستغناء له من فيأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا والبرزخ والموقف فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه ذلك كله . (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن أبي هريرة) ورواه عنه القضاعي وغيره وقال بعض الشراح : حسن غريب . 3318 (تعشوا ولو بكف من حشف) تمر يابس فاسد أو ضعيف لا نوى له كالشيص (فإن ترك العشاء مهرمة) أي مظنة للضعف والهرم كما ذكره الزمخشري لأن النوم والمعدة خالية من الطعام يورث تحليلا للرطوبات الأصلية لقوة الهاضمة وفي رواية بدل مهرمة مسقمة وذلك لما فيه من هجوم المرة وهيجان الصفراء سيما في الصيف وشدة الحر وقال الزين العراقي : دل الحديث لو كان محلا للحجة على ندب العشاء لكون تركه مهرمة وفيه أنه لا ينبغي تعاطي الأمور المؤدية للهرم لأنه يضعفه عن العبادة وفي قوله ولو بكف من حشف إرشاد إلى سد الجائع جوعته بما تيسر من غير تكلف وقال العسكري : ربما توهم متوهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حث على الإكثار من الطعام وهذا غلط شديد فإن من أكل فوق شبعه أكل ما لا يحل له فكيف يأمر بأكله وإنما معناه أن القوم كانوا يخففون في المطعم ويدع المتغذي منهم الغذاء ولم يبلغ الشبع ويتواصون بذلك (ت) من حديث محمد بن يعلى الكوفي عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي بن عبد الملك بن علاق (عن أنس) بن مالك ثم قال الترمذي : هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعنبسة ضعيف وعبد الملك بن علاق مجهول اه‍ . وبه يعرف أن اقتصار
[ 332 ]
المؤلف على عزو الحديث لمخرجه وحذفه ما عقبه به من بيان حاله وعلله غير صواب وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين : عنبسة هذا متروك متهم وقال الزين العراقي : متفق على ضعفه وقال النسائي : متروك وقال أبو حاتم : وضاع قال الزين : ومدار الحديث على عنبسة هذا ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وكذا الصغاني وتعقبه المؤلف فلم يأت إلا بما حاصله أن له شاهدا . 3319 (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) أي مقدارا تعرفون به أقاربكم لتصلوها فتعليم النسب مندوب لمثل هذا وقد يجب إن توقف عليه واجب (فإن صلة الرحم محبة) مفعلة من الحب كمظنة من الظن (في الأهل مثراة) بفتح فسكون مفعلة من الثرى أي الكثرة (في المال) أي سبب لكثرته (منسأة في الأثر) مفعلة من النسء في العمر أي مظنة لتأخيره وقيل دوام استمرار في النسل والمعنى أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك ذكره البيضاوي وسمى الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال في العارضة : أما المحبة فالإحسان إليهم وأما النسأ في الأثر فيتمادى الثناء عليه وطيب الذكر الباقي له وهذا لا يناقضه ما في الخبر الآتي علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر لأن محل النهي إنما هو التوغل فيه والاسترسال بحيث ينتقل به عما هو أهم منه كما يفيده قوله وجهالة لا تضر أما علم ما يعرف به النسب بقدر ما يوصل به الرحم فمحبوب مطلوب للشارع كما يوضحه بل يصرح به خبر ابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا وتعلموا من العريبة ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا ، فتأمل قوله ثم انتهوا تجده صريحا فيما قررته قال ابن حزم في كتاب النسب : من علم النسب ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية ومنه مستحب فمن ذلك يعلم أن محمدا رسول الله هو ابن عبد الله الهاشمي فمن ادعى أنه غير هاشمي كفر وأن يعلم أن الخليفة من قريش وأن يعرف من يلقاه بنسب في رحم محرمه ليجتنب تزويج ما يحرم عليه منهم وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب بره من صلة أو نفقة أو معاونة وأن يعرف أمهات المؤمنين وأن نكاحهن حرام وأن يعرف الصحابة وأن حبهم مطلوب ويعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ولأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق ومن الفقهاء من يفرق في الحرية والاسترقاق بين العرب والعجم فحاجته إلى علم النسب آكد ومن يفرق بين نصارى بني تغلب وغيرهم في الجزية وتضعيف الصدقة وما فرض عليهم عمر الديوان إلا على القبائل ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك وتبعه علي وعثمان وغيرهما اه‍ . وقال ابن عبد البر : لعمري لم ينصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر اه‍ وكأنه لم يطلع على كونه حديثا أو رأى فيه قادحا يقتضي الرد (حم ت) في البر والصلة (ك) في البر (عن أبي هريرة) قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي : رجال أحمد قد وثقوا قال ابن حجر : لهذا
[ 333 ]
الحديث طرق أقواها ما خرجه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة وجاء هذا عن عمر أيضا ساقه ابن حزم بإسناد رجاله موثقون إأن فيه انقطاعا . 3320 (تعلموا مناسككم فإنها من دينكم) أي فإنها جزء من دينكم أو من جنسس دينكم أو من جملة ما فرض عليكم في الدين فالحج من الفروض العينية وكذا العمرة عند الشافعية فتعلم كيفيتهما من الفروض العينية كتوقف أدائهما عليه قالوا : والتعلم فعل يترتب عليه العلم غالبا (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر ممن يوضع لهم الرموز مع أنه قد خرجه أبو نعيم والطبراني والديلمي وغيرهم . 3321 (تعلموا العلم وتعلموا للعلم الوقار) الحلم والرزانة قال ابن المبارك : كنت عند مالك فلدغته عقرب ست عشرة لدغة فتغير لونه وتصبر ولم يقطع الحديث فلما فرغ سألته فقال : صبرت إجلالا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتب مالك إلى الرشيد إذا علمت علما فلير عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره لخبر العلماء ورثة الأنبياء (حل) من حديث حبو ش بن رزق الله عن عبد المنعم بن بشير عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) ثم قال : غريب من حديث مالك عن زيد لم نكتبه إلا من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم . 3322 (تعلموا العلم) أي الشرعي زاد في رواية فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده (وتعلموا للعلم السكينة) بتخفيف الكاف وشذ من شدد أي السكون والطمأنينة أو الرحمة (والوقار) لما ينبغي للعالم مراقبة الله في السر والعلن ولزوم السكينة والوقار والخضوع والخشوع والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله فإنه أمين على ما استودع من العلوم ومنح من الحواس الفهوم (وتواضعوا لمن تعلمون) بحذف إحدى التاءين (منه) فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع وتواضع الطالب لشيخه رفعة وذلة عز وخضوعه فخر وأخذ الحبر مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وسلم بركاب زيد بن ثابت وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا قال السليمي : ما كان إنسان يجترئ على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير وقال الشافعي : كنت أصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها وقال الربيع : والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر (طس عد عن أبي هريرة) قال الهيثمي : وفيه عباد بن كثير وهو متروك الحديث .
[ 334 ]
3323 (تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم الله) بما تعلمتوه (حتى تعملوا بما تعلمون) * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * قال العلائي : مقصود الحديث أن العمل بالعلم هو المطلوب من العباد النافع عند قيام الأشهاد ومتى تخلف العمل عن العلم كان حجة على صاحبه وخزيا وندامة يوم القيامة . (عد خط) في كتاب اقتضاء العلم للعمل (عن معاذ) ابن جبل و (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف قال ورواه الدارمي موقوفا على معاذ بسند صحيح 3324 (تعلموا من أهل العلم ما شئتم فوالله لا تؤجروا بجمع العلم حتى تعملوا) بمقتضاه لأن العلم كالشجرة والتعبد كالثمرة فإذا كانت الشجرة لا ثمر لها فلا فائدة لها وإن كانت حسنة المنظر فينبغي مزج العلم بالتعبد لأنه ليس ثم عمر طويل غالبا حتى يترك له برهة من العلم قبل العمل فيخشى عليه أن يموت وهو في السبب قبل وصوله للمقصود وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم العمل بالعلم من الأمور التي يغبط صاحبها عليها والمراتب التي يتمنى المرء الوصول إليها . " أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ويلبسون مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر : إياي تخادعون وبي تستهزؤون لأتيحن لكم فتنة تذر الحليم حيرانا " . (أبو الحسن بن الأحزم) بخاء معجمة وراء مهملة بضبط المصنف (المديني في أماليه عن أنس) بن مالك . 3325 (تعلموا الفرائض وعلموا النا س فإنه نصف العلم) إذ في الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت أي قسم واحد منه سماه نصفا توسعا في الكلام أو اعتبارا بحالتي الحياة والموت أو المراد أنه نصف العلم لما فيه من كثرة الغرض والتقدير والتعلقات ولا يعارضه ما في بعض الروايات من قوله فإنه من دينكم لأن من للتبعيض والجزء أعم من النصف وصدقهما ممكن ولا ينافيه الخبر الآتي العلم ثلاث : آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة لأنه لم يجعله أثلاثا بل أقساما ثلاثة فيجوز أن تكون الفريضة العادلة نصف العلم والباقيات النصف الآخر (وهو ينسى) فيه كما في الكافي دلالة على أن المراد بالتعلم هنا التكرار ولا يكفي تعلمه مرة واحدة وقد سقط الوجوب عن الأمة بل المراد تعلمه
[ 335 ]
بحيث لا ينسى فإنه أخبر بأنه مما ينسى وليس المراد الخبر عنه بذلك بل إنه يسرع إليه النسيان دون غيره لكثرة تشابهه فيكون قد حث على تكرار تعلمه ومداومة مدارسته فكأنه يقول تعلموا الفرائض وكرروها فإنها تنسى ومصداقه موجود فإنها أسرع العلوم نسيانا وأحوجها إلى المذاكرة والرياضة فيه بعمل المسائل وقال الماوردي : إنما حث على علم الفرائض لأنهم كانوا قريبين العهد بغير هذا التوارث ولئلا يعطل بتشاغلهم بعلم أعم منه في عباداتهم ومعاملاتهم فيؤدي إلى انقراضه (وهو أول شئ ينزع من أمتي) أي ينزع علمه منهم بموت من يعلمه وإهمال من بعدهم له . (تنبيه) قال بعضهم : قد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذا العلم أنه ينسى وأنه أول ما ينسى وخبر الصادق واجب الوقوع وواجب الوقوع لا يرفعه تعلمه ولا غيره فكيف أوقعه موقع العلة للحث على تعلمه ؟ وأجيب بأن تعلم العلم من حيث هو فخار في الدارين وزمن الانتزاع غيب عنا فكأنه حث على تعلمه واغتنام زمن وجوده وانتهاز الفرصة في تحصيله قبل انتزاعه فيفوت تحصيل أجره وذلك يدل على عظم شأنه فهو كخبر حجوا قبل أن لا تحجوا أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بهذا الثواب العظيم قبل أن يفوت لأنه فائت (ه ك) في الفرائض (عن أي هريرة) قال الحافظ الذهبي : فيه حفص بن عمر بن العطاف واه بمرة وقال ابن حجر : مداره على حفص هذا وهو متروك قال البيهقي : تفرد به حفص وليس بقوي . 3326 (تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض) قال الطيبي : هذا كقوله تعالى : * (إنما أنا بشر مثلكم) * أي كوني امرءا مثلكم علة لكوني مقبوضا لا أعيش أبدا وتمامه وأن العلم سيقبض أي بموت أهله كما تقرر وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما قال التوربشتي : ذهب بعضهم إلى أن الفرائض هنا علم المواريث ولا دليل معه والظاهر أن المراد ما افترضه الله على عباده وقيل أراد السنن الصادرة منه المشتملة على الأمر والنهي الدالة على ذلك كأنه قال تعلموا الكتاب والسنة فإني مقبوض أي سأقبض أراد به موته وخص هذين القسمين لانقطاعهما بقبضه إذ أحدهما أوحي إليه والثاني إعلام منه للأمة به (ت) في الفرائض من حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) وقال فيه اضطراب انتهى فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه ما عقبه له من بيان علته غير مرضي وقضية صنيع المؤلف أيضا أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد قال الحافظ في الفتح : خرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما انتهى قال الحافظ : رواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي . 3327 (تعلموا القرآن واقرأوه وارقدوا) أي اجعلوا آخر عملكم بالليل قراءة شئ منه كآية
[ 336 ]
الكرسي وسورة الكافرون (فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به) يحتمل أنه أراد في الصلاة (كمثل جراب) بكسر الجيم معروف وقال الصدر المناوي : العامة تفتحها (محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) فهو لا يفوح منه شئ وإن فاح فقليل وهذا يشير إلى أن المراد بالقيام فيه قراءته في التهجد وأما حمل القيام به على العمل بما فيه فلا يلاءم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (ت) في فضائل القرآن (ن) في السير (ه) في السنة (حب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي : حسن غريب انتهى ، واعلم أني وقفت على أصول صحيحة فلم أر فيها لفظ وارقدوا فليحرر . 3328 (تعلموا كتاب الله) القرآن أي احفظوه وتفهموه (وتعاهدوه) زاد في رواية واقتنوه أي الزموه (وتغنوا به) أي اقرأوه بتحزين وترقيق وليس المراد قراءته بالألحان والنغمات (فوالذي نفسي بيده) بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفلتا) أي ذهابا (من المخاض) أي النوق الحوامل (في العقل) حمع عقال وعقلت البعير حبسته وخص ضرب المثل بها لأنها إذا انفلتت لا تكاد تلحق (حم عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . 3329 (تعلموا من قريش) القبيلة المعروفة (1) (ولا تعلموها) الشجاعة أو الرأي الصائب والحز الثاقب والقيام بمعاظم الأمور ومهمات العلوم فإنها بها عالمة (وقدموا قريشا) في المطالب العالية والمصادر السامية (ولا تؤخروها) زاده تأكيدا في طلب التقديم وإلا فهو معلوم منه وعلل ذلك بقوله (فإن للقرشي) أي للرجل القريش (قوة رجلين) أي مثل قوة اثنين (من غير قريش) فعلم أن المراد القوة العلمية والقوة في الشجاعة والرأي كما تقرر وهو يدل على أن المراد بالتقديم التقديم للإمامة العظمى والإمارة (ش عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير مات المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه فإنه ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث غير هذا واختلف في اسم أبي خثمة فقيل عبد الله وقيل عامر مات سهل في خلافة معاوية . (1) وحذف المعمول يفيد العموم أي تعلموا منها كل شئ يطلب تعلمه .
[ 337 ]
3330 (تعلموا من النجوم) أي من علم أحكامها (ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر) فإن ذلك ضروري لا بد منه سيما للمسافر (ثم انتهوا) فإن النجامة تدعو إلى الكهانة والمنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر في النار كذا علله علي كرم الله وجهه قال ابن رجب : والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير فإنه باطل محرم قليله وكثيره وفيه ورد الخبر الآتي من اقتبس شعبة من النجوم وإلخ وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور بهذا الخبر قال ابن رجب : وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هو أهم منه وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين كما وقع من أهل هذا العلم قديما وحديثا وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ السلف في صلاتهم وهو باطل . (فائدة) قال الزمخشري : كان علماء بني إسرائيل يكتمون علمان عن أولادهم : النجوم والطب لئلا يكونا سببا لصحبة الملوك فيضمحل دينهم (ابن مردويه) في التفسير (خط في كتاب النجوم عن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه قال عبد الحق : وليس إسناده مما يحتج به وقال ابن القطان : فيه من لا أعرف اه‍ لكن رواه ابن زنجويه من طريق آخر وزاد : وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا . 3331 (تعمل هذه الأمة برهة) بضم الباء وقد تفتح أي مدة من الزمان (بكتاب الله) أي القرآن يعني بما فيه (ثم تعمل برهة بسنة رسول الله) صلى الله عليه وسلم أي بهديه وطريقته وما سنه من الأحكام (ثم تعمل) بعد ذلك (بالرأي) (1) في النهاية : المحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث وما لم يأت به خبر ولا أثر (فإذا عملوا بالرأي) كما ذكر (فقد ضلوا وأضلوا) أي استحسنوا رأي أنفسهم وعملوا به فقد ضل العاملون في أنفسهم وأضلوا من تبعهم (ع عن أبي هريرة) قال المحقق أبو زرعة : لا ينبغي الجزم بهذا الحديث فإنه ضعيف اه‍ ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال : فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري متفق على ضعفه اه‍ وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه غير مرضي وقال في الميزان : عثمان هذا قال البخاري تركوه ثم ساق له أخبارا هذا منها 3332 (تعوذوا بالله من جهد البلاء) بفتح الجيم أفصح من ضمها الحالة التي يمتحن بها الإنسان أو بحيث يتمنى الموت ويختاره عليها أو قلة المال وكثرة العيال أو غير ذلك (ودرك الشقاء)
[ 338 ]
بتحريك الراء وسكونها اسم من الإدراك لما يلحق الإنسان من تبعة والشقاء بمعنى الشقاوة وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : هو الهلاك وقيل هو واحد درجات جهنم ومعناه من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم أو من موضع يحصل لنا فيه شقاوة أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل أي من درك الشقاء إيانا أو من دركنا الشقاء (وسوء القضاء) أي المقضي لأن قضاء الله كله حسن لا سوء فيه وهذا عام في أمر الدارين (وشماتة الأعداء) أي فرحهم ببلية تنزل بعدوهم وسرورهم بما حل بهم من البلايا والرزايا والخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وشماتة الأعداء تقع لكل منهما (خ) في القدر وغيره (عن أبي هريرة) قضية كلام المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الديلمي في مسند الفردوس والصدر المناوي إلى مسلم أيضا في الدعوات ورواه عنه أيضا النسائي وغيره . 3333 (تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فإن الجار البادي يتحول عنك) قال الديلمي : البادي الذي يسكن البادية قال لقمان عليه السلام لابنه فيما رواه البيهقي عنه بسند عن الحسن : يا بني حملت الجندل والحديد وكل ثقيل فلم أحمل شيئا أكثر من جار السوء وذقت المرار فلم أذق شيئا أمر من الصبر (ن) وكذا البيهقي في الشعب (عن أبي هريرة) وأبي سعيد معا قال الحافظ العراقي : وسنده صحيح . 3334 (تعوذوا بالله من ثلاث فواقر) أي دواهي واحدتها فاقرة كأنها تحطم فقار الظهر (جار سوء) بالإضافة (إن رأى خيرا) عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي إن اطلع منك على خير (كتمه) عن الناس حسدا وشر وسوء طبيعة (وإن رأى) عليك (شرا أذاعه) أي أفشاه بين الناس ونشره (وزوجسوء) بالإضافة (إن دخلت) أنت (عليها) في بيتك (لسنتك) أي رمتك بلسانها وآذتك به (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها أو مالك أو عرضك (وإمام سوء) بالإضافة (إن أحسنت) إليه بقول أو فعل (لم يقبل) ذلك منك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة . (هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث بن هجام الهجيمي قال الذهبي في الضعفاء : ضعفوه وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر .
[ 339 ]
3335 (تعوذوا بالله من الرغب) بالتحريك العشار المكاس اي تعوذوا من مثل حاله أو من قربه أو من أذيته وسعايته هذا ما قرره بعض الشارحين ثم وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فرأيته كتب على الحاشية بإزاء الرغب هو كثرة الأكل هكذا كتب بخطه وهو حسن غريب ثم رأيت مخرج الحديث الحكيم الترمذي فسره بكثرة الأكل والجماع فقال : الرغب كثرة الأكل والشبع مفقود حتى يحتاج صاحبه أن يأكل في اليوم مرات وصاحب هذا ممن الحرص عليه غالب فالتهاب نار الحرص يهضم طعامه وينشف رطوبته حتى يسرع في يبسه فيصير تفلا يحتاج إلى أن ينقصه قال : وكانت لأبي سعيد الخدري ابنة رغيبة فدعا الله عليها فماتت قال : والحرص على الطعام جعامة النفس وإذا كانت النفس جعمة فصاحبها مفتون وابتلى الله الآدمي بهذه الشهوات فرب نفس مالت جعامتها إلى البطن ورب نفس مالت إلى الفرج فلذلك تجد الناس على ذلك فإذا عجز عنه فعلا لنحو كبر أو ضعف فقلبه منهوم ولسانه رافث وعينه طماحة خائنة (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري . 3336 (تغطية الرأس بالنهار فقه) أي من نتائج الفهم لكلام العلماء الحكماء فإن عندهم أن التقنع نهارا محبوب مطلوب (وبالليل ريبة) أي تهمة يستراب منها فإن من وجد إنسانا متقنعا ليلا إنما يظن به أنه لص أو يريد الفجور بامرأة أو نحو ذلك وإلا لما غطى وجهه وستر أمره ومحصول ذلك أنه نهارا حسن وليلا مذموم (عد عن واثلة) بن الأسقع وفيه نعيم بن حماد قال الذهبي : لين الحديث عن بقية وحاله معروف . 3337 (تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء) ممن دعا بدعاء متوفر الشروط والأركان (في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف في سبيل الله) أي في جهاد الكفار (وعند نزول الغيث) أي المطر (وعند إقامة الصلاة) يحتمل أنه يريد الصلوات الخمس ويحتمل العموم (وعند رؤية الكعبة) يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب والأول أقرب ، قال الغزالي : شرف الأوقات يرجع بالحقيقة إلى شرف الحالات فحالة القتال في سبيل الله يقطع عندها الطمع عن مهمات الدنيا ويهون على القلب حياته في حب الله وطلب رضاه وكذا يقال بنحوه في الباقي (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه عفير بن معدان وهو مجمع على ضعفه جدا وقال ابن حجر : حديث غريب وقد تساهل الحاكم في المستدرك
[ 340 ]
فصححه فرده الذهبي بأن فيه عفير بمهملة وفاء مصغرا واه جدا وقد تفرد به وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه . 3338 (تفتح أبواب السماء لخمس : لقراءة القرآن ، وللقاء يوم الزحف) في قتال الكفار (ولنزول القطر ، ولدعوة المظلوم ، وللأذان) أي أذان الصلاة والمراد أن الدعاء في هذه الأوقات مستجاب كما أفصح به فيما قبله وقال العامري : كأنها تفتح لنزول النصر عند القتال ونزول البر للمصلين فإذا صادف الدعاء فتحها لم يرد كما إذا صادف السائل باب السلطان الكريم مفتوحا لا يكاد يخيب أمله وفيه حث على حضور المسجد في الوقت لانتظار الفريضة وإجابة الدعاء (طس) من حديث حفص بن سليمان عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر : غريب وحفص هو القارئ إمام في القراءة ضعيف في الحديث وقال الهيثمي : فيه حفص بن سليمان ضعفه الشيخان وغيرهما . 3339 (تفتح أبواب السماء نصف الليل) الظاهر أن المراد ولا يزال مفتوحا إلى الفجر (فينادي مناد) أي من السماء من الملائكة بأمر الله تعالى (هل من داع) أي طالب من الله (فيستجاب له هل من سائل فيعطى) مسؤوله والجمع بينه [ ص 259 ] وبين ما قبله للتأكيد (هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها) أي تكتسب (أو عشار) أي مكاس فإنه لا يستجاب لهما لجرم ذنبهما قالوا : إنما كان الفتح نصف الليل لأنه وقت صفاالقلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات ، وهو وقت اجتماع الهمم وتعاون القلو ب واستدرار الرحمة وفيوض الخيور . (طب عن عثمان بن أبي العاص) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام . 3340 (تفتح لكم أرض الأعاجم) يعني العراقين بلاد كسرى ويحتمل أن المراد ما عدا أرض العرب وهو أقرب (وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات) من الحميم وهو الماء الحار وأول من اتخذه سليمان عليه السلام كما سبق (فلا يدخلها الرجال إلا بإزار) لأن دخولهم بدونه إن كان فيها
[ 341 ]
أحد رأى عورته أو لا أحد فقد يفجأه أحد ذكره ابن جرير (وامنعوا النساء أن يدخلنها) مطلقا ولو بإزار كما يفيده السياق (إلا مريضة أو نفساء) وقد خافت محذورا من الاغتسال في البيت أو احتاجت إلى دخوله في شد الأعضاء ونحو ذلك فلا تمنعونهن حينئذ للضرورة فدخول النساء الحمام مكروه إلا لضرورة وهذا من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقد وقع (ه عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه . 3341 (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) حقيقة لأن الجنة مخلوقة وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى كثرة الغفران ورفع المنازل وإعطاء جزيل الثواب (فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك بالله شيئا) أي ذنوبه الصغائر (1) بغير وسيلة طاعة (إلا رجل) قال التوربشتي : الوجه نصبه لأنه استثناء من كلام موجب وبه وردت الرواية الصحيحة وروى بالرفع قال الطيبي : وعليه فيقال الكلام محمول على المعنى أي لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل وذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان (كان بينه وبين أخيه) أي في الإسلام (شحناء) بفتح الشين المعجمة والمد أي عداوة (فيقال انظروا) بقطع الهمزة يعني يقول الله للملائكة النازلة بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا ذكره البيضاوي وقال الطيبي : ولا بد هنا من تقدير من يخاطب بقوله أنظروا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل اللهم اغفر لهما أيضا فأجاب أنظروا (هذين) أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التغيير والتنفير ذكره القاضي يعني لا تعطوا منها أنصباء رجلين بينهما عداوة (حتى) ترتفع و (يصطلحا) ولو بمراسلة عند البعد قال المنذري : قال أبو داود : إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوما وابن عمر هجر ابنا له حتى مات قال ابن رسلان : ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح وفي رواية اتركوا هذين حتى يفيئا . (تنبيه) عد المصنف من خصائص هذه الأمة فتح السماء لأعمالهم وأرواحهم (خد م) في البر (د) في الأدب (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن حبان ولم يخرجه البخاري ووهم المحب الطبري في عزوه له (1) فإن لم يوجد صغائر أو كفرت بخصال أخرى فنرجو من فضل الله أن يكفر من الكبائر بهذا وفي فتح الباري أن كل نوع من الطاعات مكفر لنوع مخصوص من المعاصي كالأدوية بالنسبة للداءات . 3342 (تفتح) بضم الفوقية مبنيا للمفعول (اليمن) أي بلادها سمي يمنا لأنه يمين الكعبة أو الشمس أو باسم يمن بن قحطان (فيأتي قوم يبسون) بفتح المثناة التحتية أو ضمها مع كسر الموحدة أو
[ 342 ]
ضمها وشد السين من البس وهو سوق بلين أي يسوقون دوابهم إلى المدينة أو معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها (فيتحملون) من المدينة إلى اليمن (بأهليهم) أي زوجاتهم وأبنائهم (ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى اليمن وهو عطف على أهليهم والمراد أن قوما ممن يشهد فتحها إذا رأوا سعة عيشها هاجروا إليها ودعوا إلى ذلك غيرهم (والمدينة) أي والحال أن الإقامة بالمدينة (خير لهم) من اليمن لكونها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات (لو كانوا يعلمون) بفضلها وما في الإقامة بها من الفوائد الدينية والعوائد الأخروية حتى يحتقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها ذكره البيضاوي وأيده الطيبي بتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لإشعاره بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرض عن الإقامة في جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك كرر قوما ووصفه في كل مرتبة بقوله يبسون استهجانا لذلك الفعل القبيح وجواب لو محذوف أي لو كانوا من العلماء لعلموا أن إقامتهم بالمدينة أولى وقد تجعل للتمني فلا جواب لها (وتفتح الشام) سمي به لكونه عن شمال الكعبة وفتح اليمن قبل الشام كما يلوح به ابتداء الخبر وللإتفاق على أنه لم يفتح شئ من الشام في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم فقول مسلم تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق مؤول بأن الثانية للترتيب الإخباري (فيأتي قوم يبسون) بفتح أوله وضمه وكسر الموحدة وضمها (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى الشام (والمدينة خير لهم) منها لما ذكر (لو كانوا يعلمون) بفضلها فالجواب محذوف كما في السابق واللاحق دل عليه ما قبله وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وكيفما كان ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا جسيما (وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) راحلين إلى العراق (والمدينة خير لهم) من العراق (لو كانوا يعلمون) وهذه معجزة ظاهرة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لإخباره بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم ويفارقون المدينة ولو لازموها لكان خيرا وقد كان ذلك كله على الترتيب المذكور وأما رواية تقديم فتح الشام على اليمن فمعناها أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام وأفاد فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو إجماع وأن بعض البقاع أفضل من بعض (مالك) في آخر الموطأ (ق) في الحج (عن سفيان) بتثليث السين (بن أبي زهير) قال ابن حجر واسم أبي زهير القرد بكسر القاف الشنؤي بفتح المعجمة وضم النون وبعد النون همزة ويقال الشنأى النمري بفتح النون صحابي حديثه في البخاري . 3343 (تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم) لأن تفريغ المحل شرط لتنزلات غيث الرحمة وما
[ 343 ]
لم يتفرغ المحل لم يصادف الغيث محلا ينزل فيه ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب وفضل الله لا يرده عن العبد إلا المانع الذي في قلبه من دنس الدنيا ودغلها وإذا تفرغ منها العبد وأقبل على ربه صنع له جميلا وهيأ له تدبيرا ينال به فوز العاجل والآجل وسعادة الدارين ولهذا قال بعضهم هذا أصل عظيم في تمهيد الطريق إلى الحق تقدير بصرف هموم الدنيا المستولية على قلوب الورى الشاغلة لهم عن الإقبال على مولاهم وهمومها كل هم ينشأ عن الهوى في لذة من لذاتها كملبس ومأكل ومنكح ومال وحشم وجاه فكل هم منها يحجب عن الله وعن الآخرة بحسب قوته وضعفه ، ولا طهارة للقلب إلا بالفراغ منها ، هما هما ولهذا قال (ما استطعتم) أي لا تتكلفوا بالتفريغ منها كلها جملة واحدة فإنه غير ممكن بل بالتدريج حسبما يعرفه خواص المسلكين وإنما يزال الشئ بضده فيستحضر بدوام الذكر وصفاء القلب هما من هموم الآخرة فيدفع هما من هموم الدنيا وينزله مكانه وهكذا لو غلب عليه الحرص يستحضر التوكل أو الأمل يستحضر قرب الأجل أو العاجل استحضر الآجل أو الحرام استحضر غضب الملك العلام ، وهكذا حتى يدفع بجميع همومها فيسير إلى الحق بكليته ويقبل عليه بحقيقته (فإن من كانت الدنيا أكبر همه) أي أعظم شئ يهتم به ويصرف كليته إليه (أفشى الله تعالى ضيعته) أي كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة (وجعل فقره بين عينيه) لأنه إذا رأى منه إقبالا على هذه الدنيا الدنيئة والشهوة الرديئة أعرض عنه حتى يتمكن حب هذه القاذورات منه ويتعالى في الغلو فيها فيضاد أقضية الله وتدبيره فيبوء بتدبيره ومن ثم قيل : من كانت الدنيا همه كثر في الدنيا والأخرى غمه (ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل قلو ب المؤمنين تفد) أي تسرع (إليه بالود والرحمة) أي من تفرغ من هموم الدنيا أقبل قلبه على الله بكليته أي حبا ومعرفة وخوفا فدل على أن هذا الإقبال ممكن وثمرته عاجلة أن يجعل الله تعالى له محبة ورحمة في قلوب خواص عباده ثم بين أثر ذلك بقوله تفد إليه بالود أي تقبل على مهماته وخدمته محبة له ثم أكد ذلك بغاية المنى فقال : (وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع) أي إلى حبه وكفايته ومعونته من جميع عباده ليعرف بركة فراغ قلبه ومن الخير الذي يسرع الله به إليه ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا والآخرة ومن كانت الدنيا أكبر همه تخوف بأحوالها وتقلبها ورغب في الجمع والمنع وذلك سم قاتل فمن رفض ذلك انكشف له الغطاء فوجد الله كافيا له في كل أمر فرفع باله عن التدبير لنفسه وأقبل على ملاحظة تدبير الله واستراح وسخر إليه الناس وأفاض عليه الخير بغير حساب ولا قياس : فإن امرءا دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور
[ 344 ]
قال الغزالي : ومن الأدوية النافعة في ذلك أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم من فوات لذات الدنيا فإنها لا آخر لها ولا كدر فيها فلذات الدنيا سريعة الدثور وهي مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافية عن كدر وفي الإقبال على الأعمال الأخروية والطاعات الربانيآة تلذذ بمناجاته تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاته لكفى فكيف بما يضاف إليه من النعيم الأخروي لكن هذه اللذة لا تكون في الإبتداء بل بعد مدة حتى يصير له الخير ديدنا كما كان السوء له ديدنا (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي الدرداء) وضعفه المنذري وقال الهيثمي : فيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب وهو كذاب اه‍ . وكذا ذكره غيره . 3344 (تفقدوا نعالكم عند أبواب المساجد) إذا أردتم دخولها وإدخال النعال معكم فإن كان علق بها قذر فأميطوه لئلا يصيب شيئا من أجزاء المسجد فينجسه أو يقذره وتقذيره ولو بالطاهرات حرام . (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال : لم نكتبه إلا من حديث أحمد بن صالح الشمومي انتهى . وأحمد هذا قال في الميزان عن ابن حبان يضع الحديث وساق هذا الحديث من مناكيره . 3345 (تفكروا في كل شئ) استدلالا واعتبارا من التفكر وهو يد النفس التي تنال بها المعلومات كما تنال بيد الجسم المحسوسات قاله الحرالي وقال الراغب : الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وهو تخيل عقلي موجود في الإنسان والتفكر جولان تلك القوة بين الخواطر بحسب نظر العقل وقد يقال للتفكر الفكر وربما ضل الفكر وأخطأ ضلال الرائد وخطاه والتفكر لا يكون إلا فيما له ماهيته مما يصح أن يجعل له صورة في القلب مفهوما فلهذا قال (ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق (1) ذلك كله) قال الديلمي : وفي رواية لابن عباس زيادة وإن ملكا من حملة العرش يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا والخالق أعظم من المخلوق . قال الفخر الرازي : أشار بهذا الحديث إلى أن من أراد الوصول إلى كنه العظمة وهوية الجلال تحير وتردد بل عمي فإن نور جلال الإلهية يعمي أحداق العقول البشرية وذلك النظر بالكلية في المعرفة يوقع في الضلال والطرفان مذمومان والطريق القويم أن يخوض الإنسان البحث المعتدل ويترك التعمق ومن ثم سميت كلمة الشهادة كلمة العدل فإن قيل كيف أمر الله بالعدل في بحر التوحيد وقد قال * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) فمن عجز عن العدل فيهن كيف يقدر على العدل في معرفته قلنا أظهر
[ 345 ]
عجزك في الضعيف وأقدرك على الشريف لتعرف أن الكل منه (أبو الشيخ [ ابن حبان ] [ ابن حبان ]) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة (عن ابن عباس) . (1) [ " وهو فوق ذلك " : " فوقية " منزهة عن صفات الأجسام ، فهي لا تزيده من الأرض بعدا ولا من السماء قربا ، كما في قواعد العقائد لحجة الإسلام الإمام الغزالي . دار الحديث 3346 (تفكروا في الخلق) أي تأملوا في المخلوقات ودوران الفلك وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد ومجاري هذه البحار والأنهار فمن تحقق ذلك علم أن له صانعا ومدبرا لا يعزب عنه مثقال ذرة ، وفي النصائح املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر (ولا تفكروا في الخالق) فإن كل ما يخطر بالبال فهو بخلافه (فإنكم لا تقدرون قدره) أي لا تعرفونه حق معرفته لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبلتم عليه من النقص قال العارف ابن عطاء الله : الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار ، الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له ، الفكرة فكرتان فكرة تصديق وإذعان وهي لأرباب الاعتبار المستدلين بالصفة على الصانع وبالمخلوق على الخالق أخذا من قوله سبحانه وتعالى (قل انظروا ماذا في السماوات) (سنريهم آياتنا في الآفاق) وفكرة أهل شهود وعيان وهم الذين عرفوا الصنعة بالصانع وشهدوا الخلق بالخالق استمدادا من قوله تعالى (أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (أبو الشيخ) في كتاب العظمة (عن ابن عباس) قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال : ما لكم لا تتكلمون فقالوا نتفكر في الله فذكره . 3347 (تفكروا في خلق الله) أي مخلوقاته التي يعرف العباد أصلها جملة لا تفصيلا كالسماوات بكواكبها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بينهما وهو الجو بغيومه وأمطاره ورعده وبرقه وصواعقه وما أشبه ذلك فلا تتحرك ذرة منه إلا ولله سبحانه ألوف من الحكمة فيه شاهدة له بالوحدانية دل على عظمته وكبريائه والتفصيل يطول والتفكر هو المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق قال القاضي : وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد ألا ترى إلى نصبه السماء ذات الطرائق ورفعه الفلك فوق رؤوس الخلائق وإجرائه الماء بلا سائق وإرساله الريح بلا عائق ؟ فالسماوات تدل على نعته والفلك يدل على حسن صنعته والرياح نشر من
[ 346 ]
نسيم رحمته والأرض تدل على تمام حكمته والأنهار تفجرت بعذوبة كلمته والأشجار تخبر بجميل صنعته (ولا تفكروا في الله فتهلكوا) لأن للعقول كما قال ابن عربي : حد اتفق عنده من حيث هي مفكر وآية مناسبة بين الحق الواجب الوجود لذاته وبين الممكن وإن كان واجبا به عند من يقول به وما أخذه الفكر به إنما يقوم صحيحه من البراهين الوجودية ولا بد بين الدليل والمدلول والبرهان والمبرهن عليه من وجه به يكون التعلق له نسبة إلى الدليل ونسبة إلى المدلول فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات بل من حيث إن هذه الذات منعوتة بالألوهية فهذا حكم آخر يستقل العقول بإدراكه وكم من عاقل يدعي العقل الرصين من العلماء النظار يقول : إنه حصل على مفرقة الذات من حيث النظر الفكري وهو غالط لتردده بفكره بين السلب والإثبات راجع إلى الوجود والسلب إلى العدم والنفي لا يكون صفة ذاتيت لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثبوتية فما حصل هذا المفكر المتردد بينهما من العلم بالله على شئ (أبو الشيخ) في العظمة (عن أبي ذر) الغفاري . 3348 (تفكروا في آلاء الله) أي أنعمه التي أنعم بها عليكم قال القاضي : والتفكر فيها أفضل العبادات (ولا تفكروا في الله) فإن العقول تحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام النظر بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلاله كبصر الخفاش بالإضافة إلى الشمس فلا يطيقه البتة نهارا ويتردد ليلا لينظر في بقية نور الشمس فحال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على نظرها ولا يطيق دوامه فإنه يفرق البصر ويورث الدهش فكذا النظر إلى ذات الله يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته لأن أكثر العقول لا تحتمله . (تنبيه) قال الراغب : نبه بهذا الخبر على أن غاية معرفة الإنسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة ويعرف أثر الصنعة فيها وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثلا لها بل هو الذي يصح ارتفاع كلها بعد بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ولما كان معرفة العالم كله يصعب على المكلف لقصور الأفهام عن بعضها واشتغال البعض بالضروريات جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه مثال كل ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر عن كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها حضرا وسفرا وليلا ونهارا فإن نشط وتفرغ للتوسع في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم فيطلع منه على الملكوت ليقرر علمه وإلا فله مقنع بالمختصر وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (أبو الشيخ) في العظمة (طس عد هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي : هذا إسناد فيه نظر قال الحافظ العراقي : قلت فيه الوزاع بن نافع متروك .
[ 347 ]
3349 (تفكروا في خلق الله) قال الجنيد : أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد (ولا تفكروا في الله) فإنه لا تحيط به الأفكار ، قالوا : كان الرجل من بني إسرائيل إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته سحابة ففعله رجل فلم تظله فشكى لأمه فقالت : لعلك أذنبت قال : لا قالت : فهل نظرت إلى السماء فرددت طرفك غير مفكر فيها قال : نعم قالت : من ههنا أتيت ، فعلى العاقل أن لا يهمل التفكر ومن الجوائز أن تروح غدا مع الجائز فالحازم لا يترك مسارح النظر ترقد ولا تكرى إلا وهو يقظان الفكر ، نهار يحول وليل يزول وشمس تجري وقمر يسري وسحاب مكفهر وبحر مستطر وخلق تمور ووالد يتلف وولد يخلف ما خلق الله هذا باطلا وأن بعد ذلك أثوابا وأحقابا وحشرا ونشرا وثوابا وعقابا قال الروذباذي : التفكر على أربعة أنحاء فكرة في آيات الله وفكرة في خلقه وعلامتها تولد المحبة وفكرة في وعد الله بثواب وعلامتها تولد الرغبة وفكرة في وعيده بالعذاب وعلامته تولد الرهبة وفكرة في جفاء النفس مع إحسان الله وعلامتها تولد الحياء من الله (حل عن ابن عباس) قال : خرج علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما تفكرون قالوا : نتفكر في الله فذكره قال الهيثمي : فيه الوزاع متروك شيخه العراقي سنده ضعيف جدا قال : ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أصح من هذا وقال السخاوي : هذه الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة لكن اجتماعها يكسب قوة . 3350 (تقبلوا) ويروى تكفلوا (لي بست) من الخصال (أتقبل لكم الجنة) أي تكفلوا لي بفعل هذه الستة أتكفل لكم بدخول الجنة والقبيل الكفيل (إذا حدث أحدكم فلا يكذ ب) أي إلا لضرورة أو مصلحة محققة كما سبق (وإذا وعد فلا يخلف) وإن كان وعد صبية كما سبق ويجئ في خبر (وإذا ائتمن فلا يخن) فيما جعل أمينا عليه (غضوا أبصاركم) عن النظر فيما لا يجوز (وكفوا أيديكم) فلا تبسطوها لما لا يحل (واحفظوا فروجكم) عن الزنا واللواط ومقدماتهما والسحاق ونحوه ومن تكفل بالتزام هذه المذكورات فقد توقى أكثر المحرمات فهو جدير بأن يتكفل له بالجنة (ك هب) وكذا ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) وفيه سعد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفوه وفي الميزان : أحاديثه واهية وقال النسائي : منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وقال المنذري رواته ثقات إلا سعد بن سنان قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير أن ابن سنان لم يسمع من أنس . 3351 (تقربوا إلى الله) أي اطلبوا رضاه فالمراد بقرب العبد من ربه قربه بالعمل الصالح
[ 348 ]
لا قرب المكان لأنه من صفات الأجسام المستحيلة عليه (ببغض أهل المعاصي) من حيث كونهم أهل المعاصي لا لذواتهم فالمأمور ببغضه في نفس الأمر إنما هو تلك الأفعال التي نهى الشارع عنها (والقوهم بوجوه مكفهرة) أي عابسة قاطبة فعسى أن ينجع ذلك فيهم فينزجروا (والتمسوا) ببذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة (رضا الله) عنكم (بسخطهم) عليكم فإنهم أعداء الكمال والفلاح والنجاح والصلاح (وتقربوا إلى الله بالتباعد عنهم) فإن مخالطتهم والقرب منهم دخان وصدأ للقلوب في وجه مرآة القلب وما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه وشاهد ذلك من التنزيل (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) قال البسطامي : إذا نظرت إلى رجل أعطي من الكرامات حتى ارتفع في الهواء فلا تغتر به حتى تنظر حاله عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة وفي الحديث شمول للعالم العاصي قال بشر : من طلب الرياسة بالعلم فتقرب إلى الله ببغضه فإنه مقيت في السماء والأرض كما يطلب التقرب بمحبة أهل الطاعات قال ابن عمر : والله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل لا أنامه وأنفقت مالي في سبيل الله ثم أموت وليس في قلبي حب لأهل الطاعة وبغض لأهل المعصية ما نفعني ذلك شيئا وقال العارف ابن السماك عند موته : اللهم إنك تعلم أني إذ كنت أعصيك أحب من يطيعك فاجعله قربة مني إليك وقال الشافعي : أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من بضاعته المعاصي وإن كنا جميعا في البضاعه (ابن شاهين في الأفراد عن ابن مسعود) . 3352 (تقعد الملائكة) أي الذين في الأرض منهم (على أبواب المساجد) أي الأماكن التي تقام فيها الجمعة وخص المساجد لما أن الغالب إقامتها فيها (يوم الجمعة) من أول النهار بقصد كتابة المبكرين إليها (فيكتبون) في صحفهم (الأول والثاني والثالث) وهكذا (حتى إذا خرج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (رفعت الصحف) أي طووا تلك الصحف ورفعوها للعرض (1) والمقصود بيان فضل التبكير وهو نص صريح في الرد على مالك حيث لم يذهب لندبه . (حم عن أبي أمامة) الباهلي . (1) فمن جاء بعد ذلك فلا نصيب له في ثواب التبكير 3353 (تقوم الساعة) أي القيامة (والروم أكثر الناس) ومن عداهم بالنسبة إليهم قليل وثبت
[ 349 ]
في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة لكن يكون الروم وهو قوم معروفون وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت . (حم م عن المستورد) ابن شداد فقال عمرو بن العاص للمستورد عند روايته ذلك : انظر ما تقول قال : أقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وأمنعهم ممن ظلم الملوك . 3354 (تقول النار للمؤمن يوم القيامة) بلسان القال أو الحال (جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي) (1) لأمن أفاض الله الإيمان على قلبه وشرح به صدره فالنار أذل وأقل من أن تجترئ عليه بل إذا لمعت بوارق نور اليقين عليها أخمدها وأطفأها ولخواص أهل الله السطوة التي لا تضاها وبه عرف أن المراد المؤمن الكامل ومن خاف الله حق خيفته خافته المخاوف ذكره الكلاباذي وقال العارف المرسي رضي الله عنه : الدنيا كالنار تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نور قناعتك لهبي وقال بعضهم : أطفئ البلوى بماء الصبر وبرده فليست نار البلية أعظم من نار جهنم لهذا الخبر وذلك لأن نور المؤمن الذي يطفؤ به نار جهنم في القيامة هو نوره الذي كان معه في الدنيا فليطفئ به لهب البلوى ما دام في الدنيا وهذا الحديث وما أشبهه لا ينبغي أن يقص على العوام ولا يذكر على المنابر وفي المحافل وقد اشتد النكير على من قال : وددت أن قد قامت القيامة حتى نصب خيمتي على متن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق وحمله على ذلك الانبساط بالدعاوي ولو اتبع السلف الصالح لأمسك عن هذا الشطح ولم ينطق بما يوهم تحقير ما عظم الله شأنه من أمر النار حيث بالغ في وصفها فقال : (اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) (طب حل) وكذا ابن عدي (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (بن منية) بضم الميم وسكون النون وهو ابن أمية كما مر ومنية أمه وقيل جدته من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وهو أول من أرخ الكتب وكان جوادا معروفا بالخير والكرم قال الهيثمي : فيه سليم بن منصور وهذا منكر الحديث وعن العقيلي فيه تجهم وعن الدارقطني يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها ثم له هذا الخبر قال السخاوي : وهو مع ذلك منقطع بين خالد ويعلى . (1) يحتمل أن المراد عند المرور على الصراط . 3355 (تكفير كل لحاء) بكسر اللام وحاء مهملة والمد أي مخاصمة ومسابة (ركعتان) يركعهما بعد الوضوء لهما فإنه يذهب الغضب كما ورد به خبر يجئ (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي
[ 350 ]
سنده ضعيف (1) وبين ذلك تلميذه الهيثمي فقال : فيه مسلمة بن علي وهو متروك وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه كلام كثير . (1) قال الجوهري : لاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته وفي المثل من لاحاك فقد عاداك وتلاحوا إذا تنازعوا . 3356 (تكون لأصحابي) من بعدي (زلة يغفرها الله لهم لسابقتهم معي) زاد الطبراني في روايته ثم يأتي بعدهم قوم يكبهم الله على مناخرهم في النار انتهى والحديث إشارة إلى ما وقع بين عظماء أصحابه من الحروب والمشاجرات التي مبدؤها قتل عثمان وكان بعده ما كان . (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن حذيفة قال الهيثمي : وفيه إبراهيم بن أبي الفياض يروي عن أشهب مناكير . 3357 (تكون) بعدي (أمراء) بضم الهمزة جمع أمير (يقولون) أي ما يخالف الشر والظاهر أنه أراد بالقول ما يشمل الفعل (ولا يرد عليهم) أي لا يستطيع أحد أن يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر لما يعلمون من حالهم أنه لا جواب لذلك إلا السيف (يتهافتون) أي يتساقطون من الهتف السقوط وأكثر ما يستعمل في الشر (في النار) نار جهنم (يتبع بعضهم بعضا) أي كلما مات واحد فأدخل فيها يتولى آخر فيعمل عمله فيموت فيقفو أثره وهذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع . (طب عن معاوية) بن أبي سفيان . 3358 (تكون فتن) أي محن وبلايا (لا يستطيع أن يغير فيها) ببناء بغير للمجهول أي لا يستطيع أحد أن يغير فيها ما يقع من المنكرات المخالفة للشرع (بيد ولا لسان) لعدم امتثال أمره وخوف القتل فيكفي فيها إنكار ذلك بالقلب بحيث يعلم الله منه أنه ليس براض بذلك وأنه لو استطاع لغيره وكل ذلك قد وقع . (رسته في الإيمان عن علي) أمير المؤمنين . 3359 (تكون النسم) بعد الموت (طيرا) أي على هيئة الطير أو في حواصل الطير على ما سبق
[ 351 ]
تفصيله (تعلق (1) بالشجر) أي تأكل منه والمراد شجر الجنة (حتى إذا كان يوم القيامة) يعني إذا نفخ في الصور النفخة الثانية (دخلت كل نفس في جسدها) الذي كانت فيه في الدنيا بأن يعيد الله الأجساد كما كانت عند الموت وتسكن أرواحها إليها قال الحكيم الترمذي : لعل هذا أي كونها في جوف الطيور في أرواح كمل المؤمنين اه‍ (طب عن م هانئ) بنت أبي طالب أو امرأة أنصارية ذكر كل منهما الطبراني من طريق قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا فذكره ، وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد باللفظ المذكور عن أبي هريرة المزبور وقد سبق عن الحافظ ابن حجر وغيره أن الحديث إذا كان في غير الكتب الستة ورواه أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي : وفيه ابن لهيعة . (1) وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العصاة ويقال علقت تعلق علوقا فنقل إلى الطير . 3360 (تمام البر) بالكسر (أن تعمل في السر عمل العلانية) فإن أبطن خلاف ما أظهر فهو منافق وإن اقتصر على العلانية فهو مرائي قال الماوردي : قال بعض الحكماء : من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر ، قال : فسري كإعلاني وتلك خليقتي * وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا ومن استوى سره وعلنه فقد كمل فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهورا وبالجميل مذكورا (طب عن أبي عامر السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وأخره نون الشامي قال : قلت : يا رسول الله ما تمام البر فذكره قال الهيثمي : فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف لم يتعمد الكذب وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ورواه الطبراني باللفظ المزبور من طريق آخر عن أبي مالك الأشعري ولو ضمه المصنف له لأحسن . 3361 (تمام الرباط) أي المرابطة يعني مرابطة النفس بالإقامة على مجاهدتها لتستبدل أخلاقها الردية بالحميدة قال الراغب : المرابطة كالمحافظة وهي ضربان مرابطة في ثغور المسلمين ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغر وفوض إليه مراعاته فيحتاج أن يراعيه غير مخل به كالمجاهدة بل هو الجهاد الأكبر كما في الحديث الآتي (أربعين يوما) لأنها مدة يصير المداومة فيها على الشئ خلقا كالخلق الأصلي الغريزي (ومن رابط أربعين يوما لم يبع ولم يشتر ولم يحدث حدثا) أي لم يفعل شيئا من الأمور الدنيوية
[ 352 ]
الغير الضرورية والحاجية أو غلق الباب وهجر الأصحاب وتجنب الأحباب (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب قال البوني : أجمع السلف على أن حد الفتح الرباني والكشف الوهباني لا يصح لمن في معدته مثقال ذرة من طعام وهو حد الصمدانية الجسمانية والأشهر عندهم أنه لا يصح ولا يكون إلا بتمام الأربعين كما اشترط الله على كليمه عليه السلام وأشار بهذا الحديث وذلك لتطهر معدته من كثائف الأغذية فتقوى روحانية روحه ويصفو عقله وقلبه وليس في مراتب السالكين إلى الله تعالى في أطوار سلوك الاسم أقل من أربعة عشر يوما ولا أقل لسالك مبادئ أسرار الصمدية من رياضة أربعة عشر وأما من تحركت عليه آثار العادة في أسبوع فقد ألزموه السبب وأخرجوه من الخلوات لعلمهم بخراب باطنه عن المرادات الربانية ، إلى هنا كلامه (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه أيوب بن مدركة وهو متروك . 3362 (تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار) أي النجاة من دخولها فذلك هو الغاية المطلوبة لذاتها فإن النعم تنقسم إلى ما هو غاية مطلوبة لذاتها والى ما هو وسيلة له أما الغاية فهي سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أمور أربعة بقاء لا فناء له وسرور لا غم فيه وعلم لا جهل معه وغنى لا فقر بعده وهي النعمة الحقيقية التي أشار إليها هنا وسئل بعض العارفين ما تمام النعمة قال : أن تضع رجلا على الصراط ورجلا في الجنة (حم خد ت) وكذا ابن منيع (عن معاذ) ابن جبل قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقول اللهم إني أسألك تمام نعمتك قال : ما تدري تمام النعمة فذكره . 3363 (تمسحوا بالأرض) ندبا بأن تباشروها بالصلاة بلا حائل بينكم وبينها (فإنها بكم برة) أي مشفقة كالوالدة [ البرة بأولادها يعني أن منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم فهي أصلكم الذي منه تفرعتم وأمكم التي منها خلقتم ثم هي كفاتكم إذا متم ذكره كله الزمخشري وبقوله أن تباشروها بالصلاة يعلم أن من قصر الأمر بالمباشرة على الجبهة حال السجود فقد قصر وقيل أراد التيمم ، وقيل التواضع بمباشرتها قاعدا أو نائما بلا حائل تشبها بالفقر أو إيثارا للتقشف والزهد (طص) وكذا القضاعي في مسند الشهاب (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي : رواه عن شيخه جبلة بن محمد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن محمد بن عمرو الغنوي وهو ثقة . 3364 (تمعددوا) أي تشبهوا بمعد بن عدنان في تقشفهم وخشونة عيشهم وكانوا أهل تقشف وفي رواية ذكرها ابن الأثير تمعززوا أي تشددوا في الدين وتصلبوا من العز والقوة والشدة والميم زائدة
[ 353 ]
كتمسكنوا من السكون (واخشوشنوا) أمر من الخشونة أي البسوا الخشن لا الحسن واطرحوا زي العجمة وتنعمهم وإيثارهم لين العيش وفي رواية ذكرها ابن الأثير واخشوشبوا بالباء الموحدة (وانتضلوا (1) وامشوا حفاة) قال الرامهرمزي : يعني اقتدوا بمعد بن عدنان في لبس الخشن والمشي حفاة فهو حث على التواضع ونهي عن إفراط الترفه قال بعضهم : وقد أجمع العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك التنعم ، قال الغزالي رحمه الله : التزين بالمباح غير حرام لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها إرتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك نعم يحرم على غني لبس ثوب خشن ليعطى لأن كل من أعطي شيئا لصفة ظنت فيه وخلى عنها باطنا حرم عليه قبوله ولم يملكه وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا من مشى حافيا في طاعة الله لا يسأله الله عز وجل يوم القيامة عما افترض عليه قال الطبراني : تفرد به محمد وشيخه لم أرض ذكرهما قال بعضهم : ورد الحفاء من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعله وأخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذيا وتنجيسا ويؤيده ندبه لدخول مكة بهذه الشروط قالوا : ومتى قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر كان فاسقا (طب) عن أبي حدرد وكذا أبو الشيخ [ ابن حبان ] [ ابن حبان ] وابن شاهين وأبو نعيم كلهم من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبي سعيد المقبري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي ورواه أيضا البغوي وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة والكل ضعيف . (1) يحتمل أن المراد تعلموا الرمي بالسهام في الصحاح انتضل القوم وتناضلوا رموا السبق . 3365 (تناصحوا في العلم) أي في تعلمه وتعليمه يعني علموه وتعلموه بإخلاص وصدق نية وعدم غش (ولا يكتم بعضكم بعضا) شيئا من العلم عن أهله (فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال) والمراد بالعلم الشرعي وما كان آلة له وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو نعيم والله سائلكم عنه (حل) عن الحسن بن أحمد السبيعي عن علي بن الحميد الفضائري عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن عبد الرحمن بن مهدي عن الحسين بن زياد عن يحيى بن سعيد الحمصي عن إبراهيم بن المختار عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسين بن زياد قال الأزدي متروك ويحيى بن سعيد الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال : قال ابن عدي بين الضعف وإبراهيم بن المختار فيه خلاف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف ورواه تمام في فوائده من حديث عبد القدوس بن حبيب الشامي عن عكرمة عن ابن عباس قال السخاوي وعبد القدوس متروك الحديث ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال المنذري : ورواته ثقات إلا أن أبا سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان فيه خلاف
[ 354 ]
3366 (تناكحوا) لكي (تكثروا) ندبا وقيل وجوبا (فإني) تعليل للأمر بالتناكح لكثرة النسل (أباهي بكم) أي أفاخر بسبب كثرتكم (الأمم) السالفة (يوم القيامة) بين به طلب تكثير الناس من أمته وهو لا يكون إلا بكثرة التناسل وهو بالتناكح فهو مأمور به قال بعض الشراح : وفيه أي بإطلاقه بحث لأن الشروع فيه بالفعل والاشتغال به تضييع ما هو أهم من العبادة ولذا علقوا الحكم بالمستطيع وقد اختلف فيه هل هو عبادة فقيل نعم وقيل لا ينعقد نذره قال ابن حجر : والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها يستلزم كونه حينئذ عبادة فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى صورة مخصوصة اه‍ . واعلم أن النكاح من أثقل السنن محملا وأصعب الحقوق قضاء وأعم الأمور نفعا وأجزل القضايا أجرا فإنه بموضوعه للدين تحصين وللخلق تحسين وفيه ستر العورة المعرضة للآفات وجلب للغنى والرزق وتكثير سواد أهل التوحيد . (فائدة) في فتاوى بعض أكابر الحنفية من له أربع نسوة وألف أمة وأراد شراء أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر ، ولو لامه أحد لو أراد تزوج ما فوق امرأة فكذلك ، قال تعالى : * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (عد عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري المدني (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد متصلا وهو قصور فقد أسنده ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف ورواه البيهقي في المعرفة وزاد في آخره عن الشافعي بلاغا حتى السقط وسند المرسل والمسند مضعف . 3367 (تنام عيناي ولا ينام قلبي) لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن ومن ثم كان سائر الأنبياء مثله لتعلق أرواحهم بالملأ الأعلى ، ومن ثم كان إذا نام لم يوقظ لأنه لا يدري ما هو فيه ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح لأن رؤيتها وظيفة بصرية (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلا) . 3368 (تنزهوا من البول) أي تباعدوا عنه واستبرأوا منه والنزاهة البعد عن السوء فمن بمعنى عن وفي الزاهد أصل التنزه في كلامهم البعد مما فيه الأدناس والقرب مما فيه الطهارة (فإن عامة عذاب القبر منه) أي من ترك التنزه عنه يعني أنكم وإن خفف عنكم في شرعنا ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين من قطع ما أصابه البول من بدن أو أثر فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة فإن من أهمل ذلك عذب في أول منازل الآخرة وهذه المنزلة إن كانت سهلة فما بعدها أسهل منه أو
[ 355 ]
صعبة فما بعدها أصعب وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة وتركها كبيرة وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته وظاهر الحديث يخالفه فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة كان العذاب على تركها أو على الصلاة بنجس لا على ترك التنزه منه قال : فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة لمنافاته للتنزه عنه وعليه الشافعية وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه يتناول بوله وبول غيره وفيه أيضا وجوب الاستنجاء وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عن أبي حنيفة ومالك أنه سنة قال الحكيم : إنما كان عامة عذاب القبر من البول لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي فإنه مقره ومقعده فإذا لم يتنزه منه دخل القبر بنجاسة العدو فعذب فيه ، وصرح الحكيم أيضا بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين لا للكافرين أما هم فعذابهم في القيامة لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي الله فيحاسبه الله في القبر على ألسنة الملائكة كأنه يستحي من عبده المؤمن فيعذب [ ص 270 ] فيه ليخرج يوم القيامة طاهرا كما قال حذيفة في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في الآخرة عذب إلى هنا كلامه وقال ابن عبد البر : الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإسلام دمه وخالفهما عبد الحق وقال : بل تعم الكافر قال ابن سيد الناس : وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره إن أراد الله في حق بعض عباده انتهى (قط) من حديث قتادة (عن أنس) ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله مرسل انتهى وقال الذهبي : سنده وسط . 3369 (تنظفوا بكل ما استطعتم) من نحو سواك وحلق وإزالة وسخ وصنان وغير ذلك في بدن وملبوس (فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة) شبهه ببيت قام على عمود أو أعمدة والمراد النظافة صورة ومعنى والشرائع كلها منظفات أو صورة عن الحدثين والخبث والمكروه والثناء عليها مبالغة لبناء الأصول من نحو صلاة وقراءة وزكاة وصوم وحج ومخالطة وفروعها عليها فالتشبيه من وجهين أو بمعنى أنها مما بنى عليه كخبر بني الإسلام على خمس فلا حصر ولا منافاة وبه انزاح الإشكال (ولن يدخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (إلا كل نظيف) أي نقي من الأدناس الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة كما تقرر وفيه أن النظافة مطلوبة في نظر الشرع وقد دل على هذا فيما ذكره بعضهم قوله تعالى * (ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) * (أبو الصعاليك الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي ينسب إليها كثير من العلماء (في جزئه عن أبي هريرة) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة بلفظ تنظفوا فإن الإسلام
[ 356 ]
نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف فيه جدا كما قال الحافظ العراقي : النظافة تدعو إلى الإيمان . 3370 (تنق (1) بالنون (وتوق) أي تخير الصديق ثم احذره أو اتق الذنب واحذر عقوبته أو تبق بالباء أي ابق المال ولا تسرف في الإنفاق . (البارودي في المعرفة عن سنان) بن سلمة بن المحبر البصري الهذلي ولد يوم حنين وله رؤية وقد أرسل أحاديث . (1) بفتح المثناة الفوقية والنون وشد القاف وتوق بفتح المثناة الفوقية والواو وشد القاف . 3371 (تنقه وتوقه) الهاء للسكت أي استنق النفس ولا تعرضها للهلاك وتحرز من الآفات . (طب حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه عبد الله بن مسعر بن كدام وهو متروك وفي الميزان عن العقيلي لا يتابع على حديثه والحديث لا يعرف إلا به ثم ساقه ذكر عقبه أنه تالف . 3372 (تنكح المرأ لأربع) أي لأجل أربع أي أنهم يقصدون عادة نكاحها لذلك (لمالها (1) بدل من أربع بإعادة العامل ذكره الطيبي (ولحسبها) بفتح المهملتين فموحدة تحتية شرفها بالآباء والأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل أراد بالحسب هنا أفعالها الحسنة الجميلة (ولجمالها (2) أي حسنها ويقع على الصور والمعاني قال الماوردي : فإن كان عقد النكاح لأجل المال وكان أقوى الدواعي إليه فالمال إذن هو المنكوح فإن اقترن بذلك أحد الأسباب الباعثة على الائتلاف جاز أن يثبت العقد وتدوم الألفة وإن تجرد عن غيره فأخلق بالعقد أن ينحل وبالألفة أن تزول سيما إذا غلب الطمع وقل الوفاء وإن كان العقد رغبة في الجمال فذلك أدوم ألفة من المال لأن الجمال صفة لازمة والمال صفة زائلة فإن سلم الحال من الإدلال المفضي للملل دامت الألفة واستحكمت الوصلة وقد كرهوا شدة الجمال البارع لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال (ولدينها) ختم به إشارة إلى أنها وإن كانت تنكح لتلك الأغراض لكن اللائق الضرب عنها صفحا وجعلها تبعا وجعل الدين هو المقصود بالذات فمن ثم قال (فاظفر بذات الدين) أي اخترها وقربها من بين سائر النساء ولا تنظر إلى غير ذلك (تربت يداك) افتقرتا أو لصقتا بالتراب من شدة الفقر إن لم تفعل قال القاضي : عادة الناس أن يرغبوا في النساء
[ 357 ]
ويختاروها لإحدى أربع خصال عدها واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره فلذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة وقوله تربت وغير مرة أن أصله دعاء لكن يستعمل لمعان أخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث على الشئ وهو المراد أيضا هنا وقد استدل بهذا الخبر من اعتبر المال في الكفاءة وأجيب من لم يعتبره كالشافعية بأن معنى كونها تنكح لذلك أن الغالب في الأغراض ذلك (ق د ن ه) في النكاح (عن أبي هريرة) وعد جمع هذا الحديث من جوامع الكلم . (1) لأنه أوقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد الدين أولى . (2) وفي الحديث خير النساء من تسر إذا نظرت وتطيع إذا أمرت ولا تخالف في نفسها ومالها ويؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها . 3373 (تهادوا تحابوا) قال ابن حجر تبعا للحاكم إن كان بالتشديد فمن المحبة وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة ويشهد للأول خبر البيهقي تهادوا يزيد في القلب حبا وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء وحث عليه خلق وهم الأولياء تؤلف القلوب وتنفي سخائم الصدور قال الغزالي : وقبول الهدية سنة لكن الأولى ترك ما فيه منة فإن كان البعض تعظم منته دون البعض رد ما تعظم (ع عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد رواه النسائي في الكنى وسلطان المحدثين في الأدب المفرد قال الزين العراقي : والسند جيد وقال ابن حجر : سنده حسن . 3374 (تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل) بكسر الغين المعجمة (عنكم) أي الحقد والشحناء لأن ابن آدم مقسوم عن ثلاثة أجزاء قلب بما فيه من الإيمان وروح بما فيه من طاعة الرحمن ونفس بما فيها من شهوة العصيان فالإيمان يدعو إلى الله والروح إلى الطاعة والنفس إلى البر والنوال فالقلوب تتآلف بالإيمان والروح بالطاعات وحظ النفس باق فإذا تهادوا تمت الألفة ولم يبق ثم حزازة . (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) . 3375 (تهادوا تزدادوا حبا) ندب إلى دوام المهاداة لتزايد المحبة بين المؤمنين فإن الشئ متى لم يزد دخله النقصان على مر الزمان ويحتمل تزدادوا حبا عند الله لمحبة بعضكم لبعض بقرينة خبر إن المتحابين في الله يظلهم الله تحت ظل عرشه (وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدا) كانت الهجرة في الإسلام تجب من مكة إلى المدينة وبقي شرف الهجرة لأولاد المهاجرين بعد نسخها (وأقيلوا الكرام عثراتهم) أي
[ 358 ]
زلاتهم في غير الحدود إذا بلغت الإمام على ما سبق تفصيله وفي حديث شر الناس من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة (ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي (عن عائشة) قال ابن حجر : في إسناده نظر وفي آخر الموطأ عن عطاء الخراساني برفعه تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه أيضا عن عائشة بلفظ تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم . قال الهيثمي فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات . 3376 (تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة في أرزاقكم) ومن كان واسع الإطعام أعطاه عطاءا واسعا ومن قتر قتر عليه (تنبيه) * قال شيخنا العارف الشعراوي : كان التابعون يرسلون الهدية لأخيهم ويقولون نعلم غناك عن مثل هذا وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال (عد عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي في الفردوس وزاد بعد قوله لأرزاقكم في عاجل الخلق من جسيم الثواب يوم القيامة . 3377 (تهادوا إن) في رواية الترمذي فإن (الهدية تذهب وحر الصدر) بواو وحاء مهملة مفتوحتين وراء غله وغشه وحقده وذلك لأن القلب مشحون بمحبة المال والمنافع فإذا وصله شئ منها فرح به وذهب من غمه بقدر ما دخل عليه من فرحه (ولا تحقرن جارة لجارتها) أي إهداء شئ لجارتها (ولو) أن تبعث إليها وتتفقدها (بشق فرسن شاة) وهو قطعة لحم بين ظلفي الشاة وحرف الجر زائد . قال الطيبي : وهو تتميم للكلام السابق ، أرشد إلى أن التهادي يزيل الضغائن ثم بالغ حتى ذكر أحقر الأشياء من أبغض البغيضين إذا حملت الجارة على الضرة وهو الظاهر كما يدل له خبر أم زرع للمجاورة بينهما اه‍ . وسبقه الزمخشري فقال : كنوا عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر (حم ت) من طريق أبي معشر (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي غريب وأبو معشر مضعف وقال الطوفي إنه أخطأ فيه قال البخاري : وغيره منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر وقال ابن حجر : في سنده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جدا . 3378 (تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة) بمهملة فمعجمة الحقد في النفس والعداوة
[ 359 ]
والبغضاء التي تسود القلب من السخام وهو الفحم جمعه سخائم لأن السخط جالب للحقد والبغضاء والهدية جالبة للرضى فإذا جاء بسبب الرضى ذهب بسبب السخط قال في الكشاف : والهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطى فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه (ولو دعيت إلى كراع) يد شاة (لأجبت وله اهدي إلي كراع لقبلت) قال ابن حجر : هذا يرد قول من قال في حديث لو دعيت إلى كراع لأجبت أن الكراع فيه اسم مكان لا يثبت وفي المثل أعط العبد كراعا يطلب ذراعا قال ابن بطال : أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع إلى الحث على قبول الهدية وإن قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشئ فحث على ذلك لما فيه من التآلف (هب) من حديث محمد بن منده عن بكر بن بكار عن عائذ بن شريح (عن أنس) بن مالك ومحمد بن منده أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال أبو حاتم لم يكن بصدوق وبكر بن بكار هو القيسي قال النسائي : غير ثقة وعائذ لم يروه عن أنس غيره وقد ضعف وفي اللسان عن مهران أنه كذاب وفي الميزان عن أبي ظاهر عائذ ليس بشئ وهذا الحديث رواه الطبراني عن أنس بلفظ تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة وتورث المودة فوالله لو أهدي إلي كراع لقبلته ولو دعيت إلى ذراع لأجبت . قال الهيثمي وفيه عائذ بن شريح ضعيف . 3379 (تهادوا فإن الهدية تضعف الحب) أي تزيده (وتذهب بغوائل الصدر) جمع غل وهو الحقد والتهادي تفاعل فيكون من الجانبين والطلب في جانب المهدى إليه آكد فإن للبر أثقالا والكريم لا يكاد يتخلص من تلك الأثقال إلا بأضعاف ذلك البر وإلا فهو في حياء وشغل نفس من الذي بره فإذا ضاعف عنه في المكافأة انحطت عنه أثقال بره وذهب خجل نفسه (طب عن أم حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف (بنت وداع) الخزاعية قال الهيثمي : وفيه من لا يعرف قال الحافظ ابن طاهر إسناده غريب وأقره ابن حجر . 3380 (تواضعوا) للناس بلين الجانب وخفض الجناح (وجالسوا المساكين) والفقراء جبرا وإيناسا فإنكم إن فعلتم ذلك (تكونوا من كبراء الله) أي الكبراء عنده الذين يفيض عليهم رحمته (وتخرجوا من الكبر) فإنه من تواضع لله رفعه الله قال في الحكم : من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع وقال ابن عربي : التواضع سر من أسرار الله منحه الله النبيين والصديقين وليس كل من تواضع تواضع ولا تنظر أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وبعض الصالحين هو التواضع بل هو تملق
[ 360 ]
لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه وقال العارف الفضيل : من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب وقال زروق : الكبر اعتقاد المزيد وإن كان في أدنى درجات الضعة والتواضع عكسه هذا هو الحقيقة وهو عند أهل الرسوم والعموم ما يقدر عليه أرباب الفطنة والكياسة من شبه التملق (حل عن ابن عمر) بن الخطاب . 3381 (تواضعوا لمن تعلمون منه) العلم أو غيره قال الماوردي : اعلم أن للمتعلم في زمن تعلمه ملقا وتذللا إن استعملهما غنم وإن تركهما حرم لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه والتذلل له سبب لإدامة صبره وبإظهار مكنونه تكون الفائدة وباستدامة صبره يكون الإكثار قال الحكماء : من لم يحتمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا وقالوا : إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب قعدت وأنت كبير حيث لا تحب قال : إن المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه * واصبر لجهلك إن جفوت معلما ولا يمنعه من ذلك علو منزلته وإن كان العالم خاملا فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالشهرة والمال وربما وجد الطالب قوة في نفسه لجودة ذكائه وحدة خاطره فترفع على معلمه ورماه بالإعنات والاعتراض فيكون كمن جاء فيه المثل السائر أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي * فلما قال قافية هجاني وهذا من مصائب العلماء وانعكاس حظوظهم أن يصيروا عند من علموه مستجهلين ولدى من قدموه مرذولين وقد رجح كثير حق الشيخ على حق الوالد (1) . (تنبيه) * قال العارف ابن عربي : حرمة الحق في حرمة الشيخ وعقوقه في عقوقه والمشايخ حجاب الحق الحافظون أحوال القلوب فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه بأن يدخل عليه في كلامه ويزاحمه في رتبته فإن وجود الحق إنما هو للأدباء ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيخ ومن قعد معهم في مجالسهم وخالفهم فيما يتحققون به من أحوالهم نزع الله نور
[ 361 ]
الإيمان من قلبه فالجلوس معهم خطر وجليسهم على خطر (تنبيه آخر) قال الغزالي : إن قيل هل يحصل العلم الذي تعلمه فرض ينظر الإنسان من غير معلم فاعلم أن الأستاذ فاتح وسهل والتحصيل معه أسهل وأروح والله تعالى بفضله يمن على من يشاء من عباده فيكون هو معلمهم (وتواضعوا لمن تعلمون) (2) بخفض الجناح والملاطفة (ولا تكونوا جبابرة العلماء) تمامه كما في مسند الفردوس فيغلب جهلكم علمكم انتهى قال تعالى : * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * (الشعراء) وإذا شرع التواضع لمطلق الناس فكيف بمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة وشرف الطلب وهم أولاده وينبغي أن يخاطب كلا منهم سيما الفاضل بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه وما فيه تعظيمه وتوقيره وتبجيله (تنبيه) لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ قعد بجانبه وأمر وزيره أن يقرأ فقال له مالك : يا أمير المؤمنين هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع وقد جاء في الخبر تواضعوا لمن تعلمون منه فقام الخليفة وجلس بين يديه مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع ولم يزده ذلك إلارفعة وهيبة بل ارتفع قدره بذلك حتى أثنى به عليه على مر الزمان . (غريبة) روأن شيخ الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي فجاء شيخ خليل في غيبته فتجرد ونزل الكنيف يعمل فيه فجاء الشيخ فوجده يعمل فرفع يده وابتهل في صلاح باطنه وشيوع علمه جزاء لما صنعه فأنجب حالا فسارت به الركبان إلى الآن وفي نشر الروض لليافعي رحمه الله تعالى أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح رضي الله عنه بخدمة نسائه وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيرا يعطيه رغيفا وحلوى فسأله ابن مفلح رضي الله تعالى عنه يوما : ما هذا فأخبره فقال : إنه الخضر عليه السلام فإن كان شيخك رح إليه وإن كنت شيخك فلا تأخذ منه فجاءه فأعطاه فرده فقال له الخضر عليه السلام : تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما : ما جلست مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم وما جلست قط مجلسا أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح (خط في الجامع عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال الذهبي : رفعه لا يصح وروى من قول عمر هو الصحيح انتهى . (1) قيل للإسكندر إنك لتعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك قال : لأن أبي سبب لحياتي الفانية وهو سبب حياتي الباقية وقيل لأبي منصور المغربي : كيف صحبت أبا عثمان قال : خدعته لا صحبته وقال بعضهم : من لم يعلم حرمة من تأدب به حرم بركته ومن قال لشيخه لا : لا يفلح أبدا . (2) ومن التواضع المتعين على العالم أن لا يدعى وقد قيل لسان الدعوى إذا نطق أخرسه الإمتحان وقال شاعر : ومن البلوى التي * ليس لها في العلم كنه أن من يحسن شيئا * يدعي أكثر منه . 3382 (توبوا إلى الله) أيها المؤمنون وإن كنتم من الكاملين قياما بحق العبودية إعظاما لمنصب
[ 362 ]
الربوبية لا رغبة في الثواب ولا رهبة من العقاب قال العلائي : بالتوبة الاستغفار الذي كان يكثر منه (فإني أتوب إليه كل يوم) امتثالا لقوله تعالى * (وتوبوا إلى الله جميعا) * أمرهم مع طاعتهم بالتوبة لئلا يعجبوا بطاعتهم فيصير عجبهم حجبهم فساوى فيه الطائع العاصي ووصفهم بالإيمان لئلا تتمزق قلوبهم من خوف الهجران فتوبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من غفلة القلوب وتوبة خواص الخواص مما سوى المحبوب فذنب كل عبد بحسبه لأن أصل معنى الذنب أدنى مقام العبد وكل ذي مقام أعلاه أحسنه وأدناه ذنبه ولذلك في كل مقام توبة حتى ترتفع التوبة عن التوبة ويكمل الوجود والشهود ذكره الحرالي (مائة مرة) ذكر المائة هنا والسبعين في رواية أخرى عبارة عن الكثرة لا للتحديد ولا للغاية كما يدل عليه * (إن تستغفر لهم سبعين مرة) * إذ لو استغفر لهم مدة حياته لم يغفر لهم لأنهم كفار به فالمراد هنا أتوب إليه دائما أبدا وتوبته ليست عن ذنب كما تقرر بل لكونه دائما في الترقي فكل مرتبة ارتقى إليها فما دونها ذنب يستغفر منه (خد عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه مسلم في الدعوات من حديث الأغر المزني الصحابي . 3383 (توضأوا مما مست) وفي رواية لأبي نعيم غيرت (النار) أي من أكل كل ما أثرت فيه بنحو طبخ أو شي أو قلي وأخذ بظاهره جماعة من الصحب والتابعين ، وقال الجمهور : منسوخ بخبر أبي داود عن جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء منه لكن عورض بخبر ابن عبد البر وغيره عن عائشة رضي الله عنها كان آخر الأمرين الوضوء منه ويجاب بأن حديث أبي داود أصح وبفرض عدم النسخ فالمراد الوضوء اللغوي جمعا بين الأدلة وهو غسل اليد والفم من الزهومة قال البيضاوي : الوضوء في أصل اللغة غسل بعض الأعضاء وتنظيفه من الوضاءة بمعنى النظافة والشرع نقله إلى الفعل المخصوص وقد جاء هنا على أصله والمراد فيه وفي نظائره غسل اليدين لإزالة الزهومة جمعا بين الأخبار وحمله بعضهم على المعنى الشرعي وزعم أنه منسوخ بحديث ابن عباس أنه لا وضوء من ذلك وهو إنما يتجه لو علم تاريخهما وتقدم الأول لا يقال ابن عباس متأخر الصحبة فيكون حديثه ناسخا لأنا نقول تأخر الصحبة وحده لا يقتضي تأخر الحديث نعم لو كانت صحبته بعد موت الآخر أو غيبته دل ذلك على تأخره أما لو اجتمعا عند الرسول فلا لجواز أن يسمع الأقدم صحبة من بعد سماعه اه‍ قال النووي : والخلاف كان في الصدر الأول ثم وقع الإجماع على عدمه قال الرافعي : وفي الحديث دلالة على أن لفظ المس يصح على إطلاقه وإن كان هناك حائل (حم م ن) في أبواب الطهارة في الدعوات (ن عن أبي هريرة) الدوسي زاد أبو نعيم في روايته فقال ابن عباس : كيف يصنع بالماء السخن فقال أبو هريرة : إذا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال (حم م ن عن عائشة) أشار بإيراده عن مسلم من
[ 363 ]
طريقيه والنسائي وابن ماجه للرد على ما قاله الصدر المناوي أنه من أفراد مسلم على الستة وعده المصنف من الأحاديث المتواترة . 3384 (توضأوا من لحوم الإبل) أي من أكلها فإنها لحوم غليظة زهمة فكانت أولى بالغسل من غيرها كلحوم الغنم وبهذا أخذ أحمد وابن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر والبيهقي فنقضوا الوضوء بالأكل منها واختاره النووي من الشافعية والجمهور على عدمه وأجيب بأنه منسوخ أو محمول على الندب أو غسل اليد والفم وبأنه أكل لحم كتف شاة ولم يتوضأ والأصل عدم الاختصاص (ولا توضأوا من لحم الغنم) أي من أكلها والفرق ما تقرر (وتوضأوا من ألبان الإبل) أي شربها (ولا توضأوا من ألبان الغنم) لما ذكر في لحمها (وصلوا في أمراح الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) فإنها من الشياطين كذا علله في خبر أبي داود قال الخطابي : ذهب جمع إلى إيجاب الوضوء من تلك وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم النظافة ونفي الزهومة وفي لحم الإبل ولبنها من الزهومة ما ليس في غيرها قال ابن سيد الناس : وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في مبارك الإبل (ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال مغلطاي : قال أبو حاتم : كنت أنكر هذا الحديث فوجد ت له أصلا لكنه موقوف أصح . * * (فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 3385 (التائب من الذنب) توبة مخلصة صحيحة (كمن لا ذنب له) لأن العبد إذا استقام ضعفت نفسه وانكسر هواه وتغيرت أحواله وساوى الذي قبله ممن لا صبوة له قال الطيبي : هذا من قبيل إلحاق الناقص بالكامل مبالغة كما نقول زيد كالأسد ولا يكون المشرك التائب معادلا بالنبي المعصوم (ه) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود (عن) أبيه عبد الله (بن مسعود) قال في الميزان : قال أبو حاتم حديث ضعيف وابن أبي سعيد مجهول رواه عنه مجهول هو يحيى بن خالد قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه والطبراني : رواة الطبراني رواة الصحيح لكن أبو عبيد لم يسمع من أبيه وقال ابن حجر حسن (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري وحمل السخاوي تحسين ابن حجر رحمه الله للطريق الأول على أنه باعتبار شواهده قال وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه .
[ 364 ]
3386 (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) لأن التائب حبيب الله * (إن الله يحب التوابين) * وهو سبحانه لا يعذب حبيبه بل يغفر له ويستره ويسامحه (وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب) لأن المحب يستر الحبيب فإن بدا منه شين غفره فإذا أحب عبدا فأذنب ستره فصار كمن لا ذنب له فالذنب يدنس العبد والرجوع إلى الله يطهره وهو التوبة فرجعته إليه تصيره في محل القرب منه كذا ظهر لي في تقريره ثم رأيت حجة الإسلام قال : معناه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضره الكفر الماضي بعد الإسلام . (القشيري في الرسالة) المشهورة في التصوف (وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) ورواه الديلمي أيضا باللفظ المزبور . 3387 (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) أخذ منه الغزالي أن التوبة تصح من ذنب دون ذنب إذ لم يقل التائب من الذنوب كلها لكن التوبة عما تمائل في حق الشهوة كمدمن الخمر دون آخر منه غير ممكن نعم تجوز التوبة عن الخمر دون النبيذ لتفاوتهما في السخط وعن الكثير دون القليل لأن لكثرة المعصية تأثيرا في كثرة العقوبة وقد اختلف في حد التوبة قال في المفهم : وأجمع العبارات وأسدها أنها اختيار ترك ذنب سبق حقيقة وتقديرا لأجل الله (والمستعفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) ومن ثم قيل : الاستغفار باللسان توبة الكذابين وقالت ربيعة رحمها الله : استغفارنا يحوج إلى استغفار قال الغزالي : والاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو ما يكون بمجرد اللسان ولا جدوى له فإن إنضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق فهذحسنة في نفسها تصلح لأن يدفع بها السيئة وعليه تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار والحاصل أن النطق بالاستغفار وإن خلا عن حل عقد الإصرار من أوائل الدرجات وليس يخلو عن الفائدة أصلا فلا ينبغي أن يظن أن وجوده كعدمه ذكره بعض الأكابر وقال النووي رضي الله عنه : فيه أن الذنوب وإن تكررت مائة مرة بل ألفا وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الكل مرة واحدة صحت توبته وفي الأذكار عن الربيع بن خيثم : لا تقل أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم تكن تفعل بل قل اللهم اغفر وتب علي قال النووي رضي الله عنه : هذا حسن وأما كراهة أستغفر الله وتسميته كذبا فلا يوافق عليه لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته وليس كذبا ويكفي في رده خبر أبي داود من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هوا الحي القيوم وأتوب آإليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف قال ابن حجر : هذا في لفظ أستغفر الله
[ 365 ]
أما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يتب وفي الاستدلال للرد عليه بالخبر نظر لجواز كون المراد ما إذ قالها وفعل شروط التوبة ويحتمل أن الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص أستغفر الله (ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل) أي في الكثرة المفرطة التي لا تحصى وضرب المثل بمنابت النخل دون غيرها لأن المدينة كانت كثيرة النخل ولا شئ أكثر منه فيها فخاطبهم بما يعرفون . (هب وابن عساكر) في التاريخ وكذا الطبراني والديلمي وابن أبي الدنيا كلهم (عن ابن عباس) قال الذهبي : إسناده مظلم وقال السخاوي : سنده ضعيف وفيه من لا يعرف وقال المنذري : الأشبه وقفه وقال في الفتح : الراجح أن قوله والمستغفر إلخ موقوف . 3388 (التؤدة) بضم التاء الفوقية وهمزة مفتوحة ودال مهملة مفتوحة التأني (في كل شئ خير) أي مستحسن محمود (إلا في عمل الآخرة) فإنه غير محمود بل الحزم بذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات ذكره القاضي وقال الطيبي : معناه أن الأمور الدنيوية لا يعلم أنها محمودة العواقب حتى يتعجل فيها أو مذمومة حتى يتأخر عنها بخلاف الأمور الأخروية لقوله سبحانه * (فاستبقوا الخيرات) * * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * كان البوشنجي في الخلاء فدعى خادمه فقال : انزع قميصي وأعطه فلانا فقال : هلا صبرت حتى تخرج قال : خطر لي بذله ولا آمن على نفسي التغير . (د) في الإيمان (هب عن سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم : صحيح على شرطهما المنذري لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزئه برفعه . 3389 (التؤدة والاقتصاد) التوسط في الأمور والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط (والسمت الحسن) أي حسن الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره وفي رواية والهدي بفتح الهاء السيرة السرية (جزء من أربع) وفي رواية من خمس (وعشرين جزءا من النبوة) أي أن هذا من أخلاق النبوة ومما لا يتم أمر النبوة بدونها وحق هذا اللفظ من أربعة بتاء التأنيث لكنه أنث باعتبار الأصل وفي رواية بالتاء على الأصل والتفاوت بين العددين من خمس وأربع لعله من وهم الرواة وطريق معرفة ذلك العدد بالرأي والاستنباط مسدود فإنه من علوم النبوة وروى ابن السني عن عائشة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إلى إخوانه فنظر في كوة من ماء إلى لمته وهيئته ثم قال : إن الله جميل يحب الجمال إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهئ من نفسه (طب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة كما مر .
[ 366 ]
3390 (التأني) أي التثبت في الأمور (من الله والعجلة من الشيطان) قال ابن القيم إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشئ في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين مذمومين التفريط والاستعجال قبل الوقت . قال الحرالي : والعجلة فعل الشئ قبيل وقته الأليق به وهذا الحديث من شواهده ما رواه البيهقي أيضا في سننه عن ابن عباس مرفوعا إذا تأنيت أصبت أو كدت وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ (هب) من حديث سعد بن سنان (عن أنس) قال الذهبي : وسعد ضعفوه وقال الهيثمي : لم يسمع من أنس وهو الراوي عنه ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور وزاد فيه وما أحد أكثر معاذير من الله وما من شئ أحب إلى الله من الحمد قال المنذري : ورواته رواة الصحيح وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح اه‍ وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله وإيثاره رواية البيهقي . 3391 (التاجر الأمين الصدوق) فيما يخبر به مما يتعلق بأحكام البيع من نحو إخباره بما قام عليه ومن عيب فيه وغير ذلك ولعل الجمع بينهما للتأكيد (المسلم مع الشهداء يوم القيامة) قال ابن العربي : هذا الحديث وإن لم يبلغ درجة المتفق عليه من الصحيح فإن معناه صحيح لأنه جمع الصدق والشهادة بالحق والنصح للخلق وامتثال الأمر المتوجه إليه من قبيل الرسول ولا يناقضه ذم التجار في الخبر المار لأنه محل لذم أهل الفجور والرياء والحرص بقرينة هذا الخبر أما مع تحري الأمانة والديانة فالإتجار محبوب مطلوب ولهذا كان السلف يقولون : اتجروا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل بدينه (ه ك) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم : صحيح واعترضه ابن القطان بأنه من رواية كثير بن هشام وهو وإن خرج له مسلم ضعفه أبو حاتم وغيره . 3392 (التاجر الصدوق الأمين) يحشر يوم القيامة (مع النبيين والصديقين والشهداء) قال الحكيم : إنما لحق بدرجتهم لأن احتظى بقلبه من النبوة والصديقية والشهادة فالنبوة انكشاف الغطاء والصديقية استواء سريرة القلب بعلانية الأركان والشهادة احتساب المرء بنفسه على الله فيكون عنده في حد الأمانة في جميع ما وضع عنده وقال الطيبي : قوله مع النبيين بعد قوله التاجر الصدوق حكم مرتب على الوصف المناسب من قوله * (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * وذلك أن اسم الإشارة يشعر بأن ما بعده جدير بما قبله لاتصافه بإطاعة الله وإنما ناسب الوصف
[ 367 ]
الحكم لأن الصدوق بناء مبالغة من الصدق كالصديق وإنما يستحقه التاجر إذا أكثر تعاطيه الصدق لأن الأمناء ليسوا غير أمناء الله على عباده فلا غرو لمن اتصف بهذين الوصفين أن ينخرط في زمرتهم * (وقليل ما هم) * (ت ك) في البيوع (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي : حسن غريب وقال الحاكم : من مراسيل الحسن اه‍ لكن له شواهد عند الدارقطني رحمه الله وغيره . 3393 (التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة) يعني يقيه الله من حر يوم القيامة على طريق الكناية أو يجعله الله في ظل عرشه حقيقة والتجارة صناعة التجار وهي القصد للبيع والشراء لتحصيل الربح . (الأصبهاني في ترغيبه) أي في كتاب الترغيب والترهيب (فر) كلاهما (عن أنس) بن مالك . 3394 (التاجر الصدوق لا يحجب من) أي عن (أبواب الجنة) أي أنه يدخل من أي أبواب الجنة شاء ولا يمنعه عنه خزنته وذلك لنفعه لنفسه ولصاحبه وسرايته إلى عموم الخلق قال سفيان الثوري وكانت له تجارة يقلبها : لولا تمندل بنو العباس بي أي جعلوني كالمنديل يمسحون بي أوساخهم ما فعلت (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس) . 3395 (التاجر الجبان) ضد الشجاع (محروم والتاجر الجسور) أي ذو الإقدام في البيع والشراء (مرزوق) قال الديلمي : ليس معناه أن الجبان يحرم الرزق لجبن قلبه ولا الجسور يرزق أكثر بل معناه أنهما يظنان كذلك وهما مخطئان في ظنيهما وما قسم لهما من الرزق لا يزاد فيه ولا ينقص ويؤيده خبر إن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يرده كره كاره والجبان المهيب عن الإقدام على الأمور فلعل جبنه من البذل لعزة المال عنده وقنوطه من عوده إلى يده سبب لحرمان الرزق وذلك ينشأ من ظلمة الشرك والشك فيحرم الرزق فيعذب قلبه ويتعسر أمره والجسور يقدم سخاوة نفسه على بذل ما في يده ومنشأه من كمال التوحيد والثقة بوعده تعالى فتسهل عليه أسباب الرزق ببركته فنبه على أن ربح الدنيا والدين ببركة بذل الدنيا وإخراجها انتهى والأقرب إجراؤه على ظاهره ولا مانع من أن يجعل الله جسارة التاجر وعدم تهيئته للإقدام على البيع والشراء بقصد الاعتماد على الله في تحصيل الربح سببا لسعة رزقه ، ومن ثم قيل :
[ 368 ]
لا تكونن للأمور هيوبا فإلى خيبة يكون الهيوب (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك قال شارحه العامري : حسن . 3396 (التثاؤب) بمثناة فوقية فمثلثة فهمزة بعد مدة أي سببه وهو كثرة الغذاء وثقل البدن (من الشيطان) أي ناشئ عن إبليس لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس واسترخائها ويميل بالبدن إلى الكسل والنوم فأضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة (فإذا تثاءب أحدكم) زاد الترمذي في الصلاة مع أنها غير قيد لكن طلب الرد فيها آكد (فليرده) أي فليأخذ في أسباب رده (ما استطاع) بأن يسد فمه مهما أمكن لقبحه وليس المراد أنه يملك رده لأن الواقع لا يرد (فإن أحدكم إذا قال ها) مقصور من غير همز حكاية صوت التثاؤب (ضحك منه الشيطان) فرحا بموافقة غرضه المذموم فأضافه إليه كأنه يحبه ويرتضيه ويتوسل به إلى ما يبتغيه من الكسل عن الصلاة والفتور عن العبادة ولأنه إنما يغلب غالبا من الشره وشدة الشبع الذي هو من عمل الشيطان والشيطان هو الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة (ق عن أبي هريرة رضي الله عنه) وفي الباب أبو سعيد . 3397 (التثاؤب الشديد) بمثلثة بعد الفوقية وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخار المختنق في عضلات الفم الشديد الذي يشوه صورة الإنسان (والعطسة الشديدة من الشيطان) ومن ثم عدوا من خصائص الأنبياء أنهم ما تثاءب أحد منهم قط ولا احتلم فإذا أحس الإنسان بتثاؤب أو عطس فليكظم وليضع يده على فمه ويخفض صوته ما أمكنه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وفيه وفيما قبله كراهة التثاؤب في الصلاة وغيرها وبه صرح في التحقيق للشافعية قال الحافظ ابن حجر : والمراد بكونه مكروها أنه لا يجري معه وإلا فدفع وروده غير مقدور له وإنما خص الصلاة في بعض الروايات لأنها أولى الأحوال به . (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أم سلمة) . 3398 (التحدث بنعمة الله شكر) أي إشاعتها من الشكر * (وأما بنعمة ربك فحدث) * والشكر ثلاثة أقسام شكر اللسان بالتحدث بالنعمة وشكر الأركان بالقيام بالخدمة وشكر الجنان بالاعتراف بأن كل نعمة منه تعالى (وتركها كفر) أي ستر وتغطية لما حقه الإظهار
[ 369 ]
والإذاعة قال بعض العارفين : ذكر النعم يورث الحب في الله ثم هذا الخبر موضعه ما لم يترتب على التحدث بها ضرر كحسد وإلا فالكتمان أولى كما يفيده قول الزمخشري : وإنما يجوز مثل هذا إذا قصد أن يقتدى به وأمن على نفسه الفتنة وإلا فالستر أفضل ولو لم يكن فيه إلا التشبه بأهل السمعة والرياء لكفى (ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير) فاشكر لمن أعطى ولو سمسمة (ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله) أي من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان عادته كفران نعم الله وترك الشكر له أو المراد أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس وينكر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر (والجماعة بركة والفرقة عذاب) أي اجتماع جماعة المسلمين وانتظام شملهم زيادة خير وأو أجر وتفرقهم يترتب عليه من الفتن والحروب والقتل وغير ذلك مما هو أعظم من كل عذاب في الدنيا وأمر الآخرة إلى الله . (فائدة) * أخرج في الحلية عن وهب أن بعض الأنبياء عليه السلام سأل ربه عن سبب سلب بلعام بعد تلك الآيات والكرامات فقال تعالى : إنه لم يشكرني يوما على ما أعطيته ولو شكرني على ذلك مرة واحدة لما سلبته نعمتي (هب عن النعمان بن بشير) وفيه أبو عبد الرحمن الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال الأزدي كذاب ورواه عنه أحمد بسند رجاله ثقات كما بينه الهيثمي فكان ينبغي للمؤلف عزوه له . 3399 (التدبير) أي النظر في عواقب الإنفاق إذ التدبير كما قاله المحقق الدواني أعمال الروية في أدبار الأمور وعواقبها لتتقن الأفعال وتصدر على أكمل الأحوال (نصف المعيشة) إذ به يحترز عن الإسراف والتقتير وكمال العيش شيئان مدة الأجل وحسن الحال فيها وهذا لا يعارض قول الصوفية أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك ما ذاك إلا لأن الكلام هنا في تدبير صحبه تفويض وكلامهم فيما لا يصحبه (والتودد) أي التحبب إلى الناس (نصف العقل) لأن العقل صنفان مطبوع ومسموع والمسموع صنفان معاملة مع الله ومعاملة مع الخلق كما قال بعضهم : العقل العبودية لله وحسن المعاملة مع خلقه وإقامة العبودية الرضا والوفاء حتى يكون الحكم في القضاء والوفاء في الأمر بالأداء وحسن المعاملة كف الأذى وبذل الندى فمن كف أذاه وبذل نداه وده الناس ومن فعل هذا فقد جاز نصف العقل وإن أقام العبودية لله استكمل العقل كله (والهم نصف الهرم) الذي هو ضعف ليس وراءه قوة ومن لم يصل إلى الهرم وزال الهم عاد ت القوة فالهم إذن نصف الضعف (وقلة العيال أحد اليسارين) اليسار خفض العيش واليسر زيادة الدخل على الخرج أو وفاء الدخل بالخرج فمن كثر عياله ودخله فضل له من خرجه أو وفى دخله بخرجه ومن قل دخله وعياله
[ 370 ]
ووفى دخله بخرجه أو فضل من دخله ففي كل من الحالين يكون في يسر ومن قل دخله وكثر عياله فهو في عسر كذا قرر بعضهم في شرح الحديث وقال البغدادي في شرح الشهاب : التدبير الإنفاق قصدا بغير إسراف ولا إقتار * (إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * والعقل ليستعان ببصيرته على جلب المنافع ودفع المضار فإذا تودد إلى الناس بما لا يثلم دينه كفوه بودهم من المؤن مثل ما يكفيه العقل فقام تودده مقام نصف العقل وجعل الهم نصف الهرم لأنه إذا توالى على القلب يضني ويبلي ويؤثر في نقصان بنية الإنسان ويوهن الظاهر والخيال مثل تأثير الهرم بطول الزمان فحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الاسترسال مع كثرة الهموم في الدنيا والمسامرة لهموم القلب ما يقدر يكن وما ترزق يأتك وقد قال : تفرغوا من هموم الدنيا فما أقبل عبد على الله بكل قلبه إلا جعل قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة والله بكل خير أوسع وجعل خفة العيال أحد اليسارين لأن الغنى نوعان غنى بالشئ والمال وغنى عن الشئ لعدم الحاجة إليه وهذا هو الحقيقي فقلة العيال لا حاجة معها إلى كثرة المؤن قالوا : وهذا الحديث من جوامع الكلم (القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال العامري في شرح الشهاب : غريب حسن وأقول وفيه إسحاق بن إبراهيم الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له مناكير وابلهيعة وقد مر غير مرة (فر) كلاهما (عن أنس) قال العراقي : فيه خلاد بن عيسى جهله العقيلي ووثقه ابن معين . 3400 (التذلل للحق أقرب إلى العز من التعزز بالباطل) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي ومن تعزز بالباطل جزاه الله ذلا بغير ظلم انتهى بلفظه . (فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن الحسين ابن بندار قال الذهبي : في الذيل اتهمه ابن ظاهر وأحمد بن عبد الرحمن الرقي قال الذهبي : قال الخطيب كان كذابا وهشام بن عمار قال أبو داود حدث بأرجح من أربعمائة حديث لا أصل لها وإسماعيل بن عيا ش غير قوي ومحمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن عمر) بن الخطاب (موقوفا) . 3401 (التراب ربيع الصبيان) أي التراب لهم يرتعون فيه ويلعبون ويهشون إليه طبعا كوقت الربيع للبهائم والأنعام أصله من الرتع المرج الذي ترتع الناس فيه والماشية حيث شاؤوا ولا يحتاجون إلى نجعة لعموم نفعه وارتفاقهم به بعد خروجها من الشتاء (خط في رواة مالك) بن أنس (عن سهل بن سعد) الساعدي وكذا رواه عنه الطبراني ومن طريقه الديلمي (د عن ابن عمر) بن الخطاب
[ 371 ]
قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبيان يلعبون بالتراب فنهاهم بعض أصحابه فقال : دعهم فذكره ثم قال الخطيب : المتن لا يصح وقال ابن الجوزي : قال ابن عدي : حديث منكر وقال الهيثمي : فيه محمد الرعيني متهم بهذا الحديث . 3402 (التسبيح للرجال) أي السنة لأحدهم إذا نابه شئ في صلاته أن يسبح (والتصفيق) أي ضرب إحدى اليدين على الأخرى وفي رواية للبخاري بدل التصفيق التصفيح قال الزركشي : بالحاء وبالقاف في آخره سواء يقال : صفق بيده وصفح إذا ضرب إحداهما على الأخرى ، قيل بالحاء الضرب بظاهر إحداهما على باطن الأخرى وقيل بل بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى للإنذار والتنبيه وبالقاف الضرب بجميع إحدى الصفحتين على الأخرى للهو واللعب (للنساء) إذا ناب إحداهن شئ في صلاتها فإذا ناب المصلي شئ في صلاته كتنبيه الإمام على سهو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خيف وقوعه في بئر أو نهش حية فالسنة عند ذلك للرجل أن يقول سبحان الله بقصد الذكر ولو مع التفهم وللمرأة أن تصفق بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهرها على بطن أخرى فلا تضرب بطنها على بطن الأخرى بل إن فعلته لاعبة عالمة بالتحريم بطلت صلاتها وإن قل لمنافاته الصلاة والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبه وإلا فإنذار نحو الأعمى واجب فإن لم يحصل الإنذار إلا بكلام أو فعل مبطل وجب وتبطل الصلاة به على الأصح وخص النساء بالتصفيق صونا لهن عن سماع كلامهن لو سبحن واللام في الرجال والنساء للتخصيص أي هما مختصان بهما فلا يكون التسبيح للنساء ولا التصفيق للرجال هذا هو المشروع لكن لو خالفوا فصفقوا وخالفن وسبحن لم تبطل وفي التسبيح والتصفيق للجنس أي هذا الجنس من القول والفعل فهو عام في بابه والخبر حجة على مالك في ذهابه إلى أن المرأة تسبح كالرجل وعلى أبي حنيفة في قوله إذا كان التسبيح جوابا قطع الصلاة وقد تدافع مفهوم الجملتين في الخنثى وألحقه الشافعية بالأنثى احتياطا . (حم عن جابر) قضية تصرف المصنف أن الشيخين لم يخرجاه وهو ذهول فقد جزم بعزوه لهما معا من حديث أبي هريرة وغيره الحافظ ابن حجر كالصدر المناوي وغيرهم وفي المنضد صحيح متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي اه‍ وقال الزين العراقي في شرح الترمذي : حديث أبو هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء أخرجه الأئمة الستة وقال ابن عبد الهادي : أخرجه الأئمة كلهم . 3403 (التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه) فيه وجهان الأول يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل واحد منهما يأخذ نصف كفة الحسنات فيملآنها معا لأن الأذكار هي أم
[ 372 ]
العبادات البدنية والغرض الأصلي من شرعها ينحصر في التنزيه والتمجيد والتسبيح يستوعب القسم الأول والتحميد يتضمن الثاني والثاني أن يراد بيان تفضيل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح فالتسبيح نصف الميزان والتحميد وحده يملؤه وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرءا عن النقائص منعوتا بنعوت الجلال وصفات الإكرام فيكون الحمد شاملا للأمرين وأعلى القسمين ويؤيده الترقي في قوله (ولا إله إلا الله ليس لها من دون الله حجاب) أي ليس لقبولها حجاب يحجبها عنه لاشتمالها على التنزيه والتحميد ونفي السوري صريحا ومن ثم جعله من جنس آخر لأن الأولين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال وهذا حصل منه القرب إلى الله من غير حاجز (حتى تخلص) أي تصل (إليه) المراد بهذا وشبهه سرعة القبول وكمال الثواب كما سبق (ت عن ابن عمرو) بن العاص رضي الله عنه . 3404 (التسبيح نصف الميزان) لأنه نصف العبودية (والحمد لله يملؤه) لأنه كمال العبودية إذ كمالها معرفة الله والافتقار إليه فصفاء معرفته تنزيهه عما يهجس في الخواطر وتقع عليه النواظر وكمال الافتقار إليه أن ترى نفسك في قبضته يصرفك كيف يشاء فمن قال سبحان الله على يقين من قلبه فقد صفت معرفته لله ومن قال الحمد لله على بصيرة منه فقد صح افتقاره إليه (والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض) لأن نظر العبد في مصالح نفسه إلى السماء والأرض إذ رزقه في السماء وقوته وقراره في الأرض فكلما دخل عليه مما يخل بعبودية الله من نظر إلى غير الله ورجاء وسكون لغيره فذلك المنظور إليه والمعكوف عليه هو بين السماء والأرض فإذا قال الله أكبر على يقين من أن يرد قضاؤه أو يضر معه ضار أو ينفع دونه نافع فكأنه لم ير بين السماء والأرض ولا فيهما إلا هو فإذا رفع الوسائط بينه وبينه ملأ له ما بين سمائه وأرضه نورا وجعل ما بينهما قواما لعيشه وخداما لإرادته وسخر له ذلك بإرادته كله (والصوم نصف الصبر) لأن الصبر حبس النفس على ما أمر الله أن يؤديه والصوم حبسها عن شهواتها وهي مناهي الله فمن حبس نفسه عنها فهو آت بنصف الصبر فإن صبر على إقامة أوامره فقد أتى بكمال الصبر (والطهور نصف الإيمان) لأن الإيمان تطهير السر عن دنس الشرك وتطهير الجوارح عن عبادة غير الله فمن تطهر لله فقد طهر ظاهره فقد أتى بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل الإيمان . (ت عن رجل من بني سليم) . 3405 (التسويف) أي المطل (شعار) في رواية الديلمي شعاع (الشيطان يلقيه في قلوب
[ 373 ]
المؤمنين) فيمطل أحدهم غريمه فيعجب الشيطان تأثيمه لأن مطل الغني ظلم وهو من الكبائر لكن اشترط بعضهم تكرره (فر عن عبد الرحمن بن عوف) وفيه حميد بن سعد قال الذهبي في الضعفاء مجهول . 3406 (التضلع من ماء زمزم) أي الإكثار من الشرب منه حتى تتمدد الأضلاع والأجناب (براءة من النفاق) لدلالة فاعل ذلك أنه إنما فعله إيمانا وتصديقا بما جاء به الشارع من ندب الإكثار منه واعتقادا لفضله قالوا : ومن خواصه أنه يقوي القلب ويجلو البصر (الأزرقي) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الراء وكسر القاف نسبة إلى جده إذ هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي (في تاريخ مكة عن ابن عبا س) هذا كالصريح في أن المصنف لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل عنه وهو ذهول شنيع فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس وخرجه أيضا الديلمي في الفردوس وغيره . 3407 (التفل) بمثناة فوقية أي البصاق وفي القاموس التفل والتفال بضمهما البصاق (في المسجد خطيئة) أي حرام (وكفارته أن يواريه) بمثناة فوقية أو تحتية في أرضه إن كانت ترابية أو رملية على ما مر (د عن أنس) بن مالك وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين لكن في مسند الفردوس عزاه لهما معا فليحرر . 3408 (التكبير) قال الحرالي : التكبير إشراق القدر أو المقدار حسا أو معنى (في الفطر) أي في صلاة عيد الفطر (سبع في الأولى) أي سبع تكبيرات في الركعة الأولى سوى تكبيرة التحرم بعد دعاء الإفتتاح وقبل القراءة (وخمس) من التكبيرات (في الآخرة) بعد استوائه قائما قبل التعوذ زاد الدارقطني في روايته سوى تكبيرة الصلاة (والقراءة بعدهما) أي السبع والخمس (كلتيهما) أي في كلتا (1) الركعتين وفيه أن السنة في الأولى من صلاة عيد الفطر سبع تكبيرات وفي الثانية خمس ومثلها في ذلك صلاة عيد
[ 374 ]
الأضحى قال بعض الأعاظم : حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاته وترا وجعل سبعا في الأولى لذلك وتذكيرا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقا إليها لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر وتذكيرا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام وخلق آدم عليه السلام في السابع يوم الجمعة ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمة ومنه تخفيف الثانية على الأولى وكانت الخمسة أقرب وترا إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمسا لذلك . (د حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي في العلل : سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال : هو صحيح اه‍ ومن ثم أخذ به الشافعي دون خبر الترمذي الذي أخذ به أبو حنيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر بعد القراءة لأن فيه كذبا ومن ثم قال ابن دحية : هو أقبح حديث في جامع الترمذي . (1) في كلتا هكذا بالألف مجرور بالكسرة المقدرة على الألف لأنه مقصور ولا يصح إعرابه إعراب المثنى لعدم إضافته إلى ضمير وأما الواقعة في المتن فإنها مجرورة بالياء تأكيدا للضمير المجرور لوجود شرطها وهو إضافتها للضمير . 3409 (التلبينة (1) بفتح فسكون حساء يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل بعسل أو لبن وشبهه باللبن في بياضه سمي بالمرة من التلبين مصدر لبن القوم إذا سقاهم اللبن حكى الزيادي عن بعض العرب لبناهم فلبنوا أي سقيناهم اللبن فأصابهم منه شبه سكر . ذكره الزمخشري (مجمة) بالتشديد وفتح الميمين أي مريحة قال القرطبي : روي بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم فعلى الأول مصدر أي جمام ، وعلى الثاني اسم فاعل من أجم ، وفي رواية البخاري تجم بضم الجيم (لفؤاد المريض) أي تريح قلبه وتسكنه وتقويه وتزيل عنه الهم وتنشطه بإخمادها للحمى من الإجمام وهو الراحة فلا حاجة لما تكلفه بعض الأعاظم من تأويل الفؤاد برأس المعدة فتدبر ، ونفع ماء الشعير للحي لا ينكره إلا جاهل بالطب (تذهب ببعض الحزن) فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته لقلة الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها لكن كثيرا ما يجتمع بمعدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي والحساء يجلوه عن المعدة قال ابن حجر : النافع منها ما كان رقيقا نضيجا غليظا نيئا (حم ق) في الطب من حديث عروة (عن عائشة) قال : كانت عائشة إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة (2) فطبخت ثم صنع ثريد فصبت
[ 375 ]
التلبينة عليها ثم قالت : كلوا منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكرته ورواه عنها أيضا الترمذي والنسائي . (1) وقال أبو نعيم في الطب : هي دقيق بحت أو فيه شحم والداودي يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فيكون لا يخالطه شئ فلذا يكثر نفعه ، وقال الموفق البغدادي : التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النئ . (2) وتقول هو البغيض النافع وتقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال : إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء وفي رواية والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء . 3410 (التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير) هذا ظاهر في أن البر والشعير صنفان وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وقال مالك صنف (والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو استزاد) أي طلب أكثر (فقد أربى) أي فعل الربا المحرم (إلا ما اختلفت ألوان) يعني أجناسه . (حم م ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . 3411 (التواضع (1) لا يزيد العبد إلا رفعة) في الدنيا لأنه بالتواضع للناس يعظم في القلوب وترتفع منزلته في النفوس (فتواضعوا يرفعكم الله تعالى) في الدنيا بوضع القبول في القلوب وإعظام المنزلة في الصدور وفي الآخرة بتكثير الأجر وإعظام القدر كما ذكره العلائي وغيره وحمله على الدنيا فقط والآخرة فقط في الثلاثة من ضيق العطن (والعفو) أي التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه (لا يزيد العبد إلا عزا) لأن من عرف بالعفو ساد وعظم في القلوب فهو على ظاهره أو المراد عزه في الآخرة بكثرة الثواب وترك العقاب (فاعفوا يعزكم الله) في الدارين (والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة) بمعنى أنه يبارك فيه وتندفع عنه المفسدات فينجبر نقص الصورة بذلك (فتصدقوا يرحمكم الله عز وجل)
[ 376 ]
أي يضاعف عليكم رحمته بإضعافه لكم أجرها قالوا : وهذا من جوامع الكلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذم الغضب) أي في كتاب ذمه (عن محمد بن عمير) بالتصغير (العبدي) ورواه الأصبهاني في الترغيب والديلمي في مسند الفردوس عن أنس قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف . (1) من الضعة بالكسر الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله وقيل هو الاستسلام للحق وترك الإعراض على الحكم وقيل هو أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو وضيعا عبدا أو حرا ذكرا أو غيره نظرا للقول لا للقائل فهو إنما يتواضع للحق وينقاد له وقيل هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا يفضل بهما غيره ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه . (تتمة) * مر الحسن بن علي بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه أدبا معه فنزل وأكل معهم وإن كان ذا جاه وحرمة تواضعا ولخبر من دعي فليجب ولو إلى كراع ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال : اليد أي النعمة لهم حيث أحسنوا أولا وبذلوا ما أمكنهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه . 3412 (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا) قال العلائي : ليس معناه أن صحتها مشروطة بعدم العود في مثل ذلك الذنب بل إنها مشروطة بالعزم على عدم الوقوع قال الغزالي رضي الله عنه للتوبة ثمرتان إحداهما تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له والثاني نيل الدرجات حتى يصير حبيبا وللتكفير درجات فبعضها محو لأصل الذنب بالكلية وبعضها تخفيف له وكان الحسن البصري رضي الله تعالى عنه يقول : إذا أذنب العبد ثم تاب لم يزدد من الله إلا قربا وهكذا كلما أذنب لأنه دائم السير بذنب وبلا ذنب حتى يصل إلى الآخرة . (ابن مردويه) في التفسير (هب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي : رفعه ضعيف اه‍ . وهو مع وقفه ضعيف أيضا ففيه كما قال العلائي إبراهيم بن مسلم الهجري وبكر بن خنيس ضعفهما النسائي وغيره وقال الهيثمي : رواه أحمد بلفظ التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه وسنده ضعيف أيضا . 3413 (التوبة النصوح) أي الصادقة أو البالغة في النصح أو الخالصة أو غير ذلك قال القرطبي في تفسيرها ثلاث وعشرون قولا (الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله ثم لا تعود إليه أبدا) أي ثم تنوي أن لا تعود إليه بقية عمرك بأن يوطن قلبه ويجرد عزمه على عدم العود إليه البتة فإن ترك وتردد في عوده إليه فهو لم يتبمنه . (تنبيه) * قال العارف ابن عربي : إذا فتح الله عين بصيرتك ورزقك الرجوع إليه المسمى توبة فانظر أي حالة أنت عليها لا تزول عنها إن كنت واليا اثبت على ولايتك أو عزبا فلا تتزوج أو متزوجا فلا تطلق واشرع في العمل بتقوى الله في الحالة التي أنت عليها كائنة ما كانت فإن لله في كل حال باب قربة إليه فاقرع ذلك الباب يفتح لك فلا تحرم نفسك خيره ولا تتحرك بحركة ناويا فيها قربة حتى المباح فإن فيه قربة من حيث إن إيمانك به أنه مباح ولهذا أتيته فتثاب عليه ولا بد حتى المعصية إذا أتيتها فانو المعصية فيها أي أنها معصية فتؤجر في الإيمان بها أنها معصية ولذلك لا تخلص معصية للمؤمن من غير أن يخالطها عمل صالح وهو الإيمان بكونها معصية وهم الذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا إلى هنا كلامه (ابن أبي حاتم وابن مردويه) في التفسير (عن أبي) بن كعب .
[ 377 ]
3414 (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فلا يكفي الاقتصار على الكفين عند الشافعية والحنفية إعطاء للبدل حكم المبدل واكتفى مالك رضي الله تعالى عنه بالكفين تمسكا بخبر عمار المصرح بالاكتفاء بالكفين قلنا المراد بالكفين الذراعان إطلاقا لاسم الجزء على الكل والمراد ظاهرهما مع الباقي وكون أكثر عمل الأمة على هذا يرجح هذا الحديث على حديث عمار فإن تلقي الأمة الحديث بالقبول يرجحه على ما أعرضت عنه وقوله ضربتان يفيد أن الضرب ركن لا يحتمل السقوط وعدم الاكتفاء بضربة واحدة وهو المفتى به عند الشافعية ومن ذهب إلى الاكتفاء بالضربة حمل الضربتين على إرادة الأعم من المسحين أو أنه خرج مخرج الغالب (طب ك) من حديث عبد الله بن الحسين عن جابر بن علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال الذهبي : عبد الله بن الحسين بن جابر رماه ابن حبان بسرقة الأخبار وابن ظبيان وهوه اه‍ وظبيان بمعجمة فموحدة تحتية وقال الهيثمي : قال ابن معين وجمع : ابن ظبيان كذاب خبيث اه‍ ورواه الدارقطني أيضا عن ابن عمر من طريقين وقال : في إحداهما علي بن ظبيان وقد تركه النسائي وغيره وفي الأخرى سليمان بن أبي داود الحراني وابن الأرقم وهما ضعيفان قال : والصواب أنه موقوف على ابن عمر قولا وفعلا وقال ابن حجر رحمه الله في تخريج الرافعي : علي بن ظبيان ضعفه غير واحد وروى من طريق فيها كلها مقال وقال في تخريج الهداية : رواه الدارقطني من طريقين آخرين واهيين وهو في الصحيحين بدون المرفقين اه‍ وبذلك عرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب .
[ 378 ]
حرف الثاء 3415 (ثلاث) نكرة هي صفة لمحذوف ومن ثم وقعت مبتدأة أي خصال ثلاث والخبر قوله (من كن) أي حصلن (فيه وجد) أصاب (حلاوة الإيمان) أي التلذذ بالطاعة وتحمل المشقة في رضى الله ورسوله وإيثار ذلك على عرض الدنيا وهذا استعارة بالكناية ثم شبه الإيمان بنحو العسل للجهة الجامعة وهو الالتذاذ فأطلق المشبه وأضاف إليه ما هو من خصائص المشبه به ولوازمه وهو الحلاوة على جهة التخييل وادعى بعض الصوفية أنها حلاوة حسية لأن القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يجد طعم الإيمان كذوق الفم طعم العسل يمكن كون الجملة الشرطية صفة لثلاث فيكون الخبر ثم إن هذه الثلاثة لا توجد إلا (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وأن مصدرية خبر مبتدأ محذوف أي أول الثلاثة كون الله ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من محبة سواهما من نفس وأهل ومال وكل شئ قال النووي : وعبر بما دون من لعمومها وجمعه بين اسم الله ورسوله في ضمير لا ينافيه إنكاره على الخطيب ومن يعصهما لأن المراد في الخطب الإيضاح لا الرمز وهنا إيجاز اللفظ ليحفظ وأولى منه قول البيضاوي ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة فإنها وحدها لاغية وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعارا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم اه‍ . وهنا أجوبة أخرى لا ترتضي ومحبة العبد ربه تنقسم باعتبار سببها والباعث عليها إلى قسمين أحدهما ينشأ عن مشاهدة الإحسان ومطالعة الآلاء والنظر في النعم فإن القلوب جبلت على حب المحسن إليها ولا إحسان أعظم من إحسان الرب تقدس وهذا القسم يدخل فيه كل أحد والثاني يتعلق بالخواص وهي محبة الجلال والجمال ولا شئ أكمل ولا أجمل منه فلا يجد كماله ولا يوصف جلاله ولا ينعت جماله وأسباب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها أنه أنقذنا به من النار وأوجب لنا باتباعه الفلاح الأبدي والنعيم السرمدي (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضى الله حتى تكون محبته لأبويه لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا (وأن يكره أن يعود في الكفر) أي يصير إليه واستعمال العود بمعنى الصيرورة غير عزيز (بعد إذ انقذه
[ 379 ]
الله منه) أي نحاه منه بالإسلام (كما يكره أن يلقى في النار) لثبوت إيمانه وتمكنه في جنانه بحيث انشرح صدره والتذ به وفيه تنبيه على الكفر كالنار وإشارة إلى التحلي بالفضائل وهو حب الله ورسوله وحب الخلق والتخلي عن الرذائل وهو كراهة الكفر وما يلزمه من النقائص وهو بالحقيقة لازم للأول إذ إرادة الكمال تستلزم كراهة النقصان فهو تصريح باللازم قال البيضاوي : جعل هذه الأمو الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان المحصل لتلك اللذة لأنه لا يتم إيمان عبد حتى يتمكن في نفسه أن المنعم والقادر على الإطلاق هو الله وما مانح ولا مانع سواه وما عداه وسائط وأن الرسول هو العطوف الحقيقي الساعي في إصلاح شأنه وإعلاء مكانه وذلك يقتضي أن يتوجه بشراشره نحوه ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطا بينه وبينه وإن تيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق فيتيقن أن الموعود كالواقع ، وقال البيضاوي : المراد بالحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أ الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضي ترجح جانبه وكماله بأن يمون نفسه بحيث يصير هواه تبعا لعقله ويلتذ به التذاذا عقليا إذ اللذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك وليس بين هذه واللذة الحسية نسبة يعتل بها والشارع عبر عن هذه الخلة بالحلاوة لأنها أظهر من اللذات المحسوسة فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة وأكل مال اليتيم أكل النار والعود إلى الكفر إلقاء في النار . (حم ق) في الإيمان (ت ن ه ح ح ح ح ح عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه قال النووي رحمه الله تعالى : هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام . 3416 (ثلاث من كن فيه نشر الله عليه) بشين معجمة : من ضد النشر الطبي (كنفه) بكاف ونون وفاء أي ستره وصانه وروى بمثناة تحتية وسين مهملة وبدل كنفه حتفه بحاء مهملة أي موته على فراشه وعلى الأول هو تمثيل لجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة (وأدخله جنته) الإضافة للتشريف والتعظيم (رفق بالضعيف) ضعفا معنويا يعني المسكين أو حسيا ولا مانع من شموله لهما (وشفقة على الوالدين) أي الأصلين وإن عليا (والإحسان إلى المملوك) أي مملوك الإنسان نفسه ويحتمل إرادة الأعم فيدخل فيه ما لو رأى غيره يسئ إلى مملوك ويكلفه ما لا يطيق فيحسن إليه بنحو إعانة له في العمل أو شفاعة عند سيده في التخفيف عنه ونحو ذلك . (ت) في الزهد (عن جابر) بن عبد الله ، وقال غريب اه‍ وفيه عبد الله بن إبراهيم المغافري قال المزي : هو متهم أي بالوضع . 3417 (ثلاث من كن فيه آواه الله) بالمد (في كنفه ونشر عليه رحمته وأدخله جنته) أي مع
[ 380 ]
السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وفي رواية بدل ونشر إلخ وألبسه محبته وأدخله في جنته قالوا : من ذا يا رسول الله قال : (من إذا أعطي شكر) المعطي على ما أعطاه (وإذا قدر غفر) أي وإذا قدر على عقوبة من استوجب العقوبة لجنايته عليه عفى عنه فلم يؤاخذه بذنبه (وإذا غضب) غضبا لغير الله (فتر) أي سكن عن حدته ولان عن شدته وكظم الغيظ ورد الشيطان خاسئا (ك هب) من حديث عمر بن راشد عن هشام عن محمد بن علي (عن ابن عباس) قال الحاكم : صحيح فرده الذهبي فقال : قلت بل هو واه فإن عمر قال فيه أبو حاتم وجدت حديثه كذبا اه‍ وذكر نحوه في الفردوس مع زيادة بل منبه على ذلك مخرجه البيهقي نفسه فقال عقب تخريجه : عمر بن راشد هذا شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه قال : وهو غير عمر بن راشد اليمامي اه‍ وبه يعرف أن المصنف كما أنه أساء التصرف في إسقاطه من كلام البيهقي وكما أعل به الحديث لم يصب في إيراده رأسا . 3418 (ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال) أي اجتماعها فيه يدل على كونه منهم (الرضى بالقضاء) أي بما قدره الله وحكم به (والصبر عن محارم الله) أي كف النفس عن ارتكابها أو شئ منها (والغضب في ذات الله عز وجل) أي عند رؤيته من ينتهك محارم الله وظاهر صنيع المصنف أن الديلمي خرجه هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل أسقط منه المصنف بعد قوله الأبدال الذين بهم قوام الدين وأهله اه‍ بلفظه (فر عن معاذ) بن جبل وفيه ميسرة بن عبد ربه قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين : كذاب مشهور وشهر بن حوشب قال ابن عدي : لا يحتج به . 3419 (ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا) يوم القيامة فلا يناقشه ولا يشدد عليه ولا يطيل وقوفه لأجله (وأدخله الجنة برحمته) أي وإن كان عمله لا يبلغه ذلك بقلته (تعطي من حرمك) عطاءه أو مودته أو معروفه (وتعفو عمن ظلمك) في نفس أو مال أو عرض (وتصل من قطعك) من ذوي قرابتك وغيرهم وتمامه كما في الطبراني قال يعني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : إذا فعلت هذا فما لي يا نبي الله قال : يدخلك الله الجنة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب طس ك) في
[ 381 ]
التفسير من حديث سليمان بن داود اليماني عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم : صحيح ، ورده الذهبي فقال : سليمان ضعيف ، وقال في المهذب سليمان واه ، وفي الميزان قال البخاري : سليمان منكر الحديث قال : ومن قلت فيه منكر الحديث لا تحل رواية حديثه ثم ساق له أخبارا هذا منها وقال العلائي : فيه سليمان ضعفه غير واحد وقال الهيثمي : فيه سليمان متروك . 3420 (ثلاث من كن فيه وقي شح نفسه) بالبناء للمفعول من الوقاية أي صانه الله تعالى عن أذى شح نفسه * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (من أدى الزكاة) الواجبة عليه إلى مستحقيها (وقرى الضيف) أي أنزله عنده وقربه وقرب إليه طعاما (وأعطى في النائبة) أي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث والفتن والحروب وغيرها (طب عن خالد بن زيد بن حارثة) ويقال ابن يزيد بن حارثة بحاء مهملة ومثلثة الأنصاري قال الذهبي : مختلف في صحبته وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : ذكره البخاري وابن حبان في التابعين قال الهيثمي : فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعيف اه‍ . لكن قال في الإصابة إسناده حسن . 3421 (ثلاث من كن فيه فإن الله تعالى يغفر له ما سوى ذلك) من الذنوب وإن كثرت (من مات لا يشرك بالله شيئا) في ألوهيته (ولم يكن ساحرا يتبع السحرة) ليتعلم السحر ويعلمه ويعمل به (ولم يحقد على أخيه في الإسلام) فإن الحقد شؤم وقد ورد في ذمه من الكتاب والسنة ما لا يحصى وهو من البلايا التي ابتلي بها المناظرون ، قال الغزالي : لا يكاد المناظر ينفك عنه إذ لا ترى مناظرا يقدر على أن لا يضمر حقدا على من يحرك رأسه عند كلام خصمه ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضمر الحقد ويرتبه في النفس وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق (خد طب عن ابن عباس) بإسناد حسن . 3422 (ثلاث من كن فيه فهي راجعة على صاحبها) أي فشرها يعود عليه (البغي) أي مجاوزة
[ 382 ]
الحد في الاعتداء والظلم (والمكر) أي الخداع (والنكث) بمثلثة نقض العهد ونبذه وتمامه عند الخطيب وغيره ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) * وقرأ * (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) * وقرأ * (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) * (أبو الشيخ وابن مردويه معا في التفسير) أي تفسير القرآن العظيم (خط) في ترجمة زيد بن علي الكوفي (عن أنس) وفيه مروان بن صبيح قال في الميزان : لا أعرفه وله خبر منكر ثم أورد هذا الخبر . 3423 (ثلاث من كن فيه استوجب الثواب) من الله تعالى (واستكمل الإيمان) في قلبه (خلق) بضم اللام (يعيش به في الناس) بأن يكون عنده ملكة يقتدر بها على مداراتهم ومسالمتهم ليسلم من شرهم (وورع) أي كف عن المحارم والشبهات (يحجزه) أي يمنعه (عن محارم الله) أي عن الوقوع في شئ منها (وحلم) بالكسر عقل يرده (عن جهل الجاهل) إذا جهل عليه فلا يقابله بمثل صنعه بل بالعفو والصفح واحتمال الأذى ونحو ذلك . (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي : فيه عبد الله بن سليمان قال البزار : حدث بأحاديث لا يتابع عليها وقال في موضع آخر فيه من لم أعرفهم . 3424 (ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن فليتزوج من الحور العين حيث شاء) أي في الجنة (رجل ائتمن على أمانة فأداها مخافة الله عز وجل) أي مخافة عقابه إن هو خان فيها (ورجل خلى عن قاتله) بأن ضربه ضربا قاتلا فعفى عنه قبل موته (ورجل قرأ في دبر كل صلاة) أي في آخرها والظاهر أن المراد الصلوات الخمس (قل هو الله أحد) أي سورتها بكمالها (عشر مرات) وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى كذلك وهذا تعظيم عظيم بقدر الأمانة وتنويه شريف بشرف سورة الإخلاص وفضيلة جليلة في العفو عن القاتل (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه . 3425 (ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره)
[ 383 ]
أي المشاق من كونه بماء شديد البرد في شدة البرد (والمشي إلى المساجد) أي للصلاة فيها جماعة ويمكن إرادة نحو الاعتكاف ايضا (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها (وإطعام الجائع الطعام لوجه الله تعالى لا لنحو رياء وسمعة ، قال القاضي : كونها تحت العرش عبارة عن اختصاصها بمكان من الله تعالى وقربة وباعتبار أنه لا يضع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها كما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه الملازمين لحضرته (أبو الشيخ في) كتاب (الثواب والأصبهاني في) كتاب (الترغيب) والترهيب (عن جابر) بن عبد الله . 3426 (ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء) أي يخير بين دخوله من أيها شاء (وزوج) بالبناء للمفعول أي زوجه الله (من الحور العين) في الجنة (حيث شاء : من عفا عن قاتله وأدى دينا خفيا) إلى مستحقه بأن لم يكن عالما به كأنه ورثه من نحو أبيه ولم يشعر به (وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة) أي مفروضة من الخمس (عشر مرات قل هو الله أحد) أي سورتها وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه أبي يعلى فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله قال : أو إحداهن (ع) من حديث عمر بن شهاب (عن جابر) بن عبد الله قال مغلطاي في عمر هذا كلام انتهى قال الهيثمي : فيه عمر بن شهاب متروك وأعاده في محل آخر وقال ضعيف جدا وقال الزين العراقي : رواه أيضا الطبراني وهو ضعيف . 3427 (ثلاث من حفظهن فهو ولي حقا) أي يتولاه الله ويحفظه (ومن ضيعهن فهو عدوي لي حقا : الصلاة) المفروضة يعني المكتوبات من الخمس (والصيام) أي صيام رمضان (والجنابة) أي الغسل من الجنابة ومثلها الغسل عن حيض أو نفاس في حق المرأة والمراد يكون المضيع عدوا لله أنه يعاقبه
[ 384 ]
ويذله ويهينه إن لم يدركه العفو فإن ضيع ذلك جاحدا فهو كافر فتكون العداوة على بابها (طس عن أنس) قال الهيثمي : فيه عدي بن الفضل وهو ضعيف (ص عن الحسن مرسلا) يعني الحسن البصري . 3428 (ثلاث من فعلهن فقد أجرم : من عقد لواء في غير حق) يعني لقتال من لا يجوز له قتاله شرعا (أو عق والديه) أي أصليه وإن عليا (أو مشى مع ظالم لينصره) تمامه عند الطبراني يقول الله تعالى : * (إنا من المجرمين منتقمون) * (تنبيه) أخرج البيهقي في الشعب أن كعب الأحبار سئل عن العقوق للوالدين ما يجدونه في كتاب الله قال : إذا أقسم عليه لم يبره وإذا سأله لم يعطه وإذا ائتمنه خان فذلك العقوق (ابن منيع) في المعجم (طب) كلاهما (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي فيه عبد العزيز بن عبد الله بن حمزة وهو ضعيف . 3429 (ثلاث من فعلهن أطاق الصوم) يعني سهل عليه فلم يشق (من أكل قبل أن يشرب وتسحر) أي آخر الليل (وقال) من القيلولة الاستراحة نصف النهار ولو بلا نوم ومعلوم بالوجدان أن هذه الثلاث تخفف مشقة الصوم (البزار) في المسند (عن أنس) ورواه عنه الحاكم أيضا لكن قال : ويمس شيئا من الطيب مكان القيلولة . 3430 (ثلاث من فعلهن ثقة بالله واحتسابا) للأجر عنده (كان حقا على الله أن يعينه) في معاشه وطاعته ويوفقه لمرضاته (وأن يبارك) في عمره ورزقه (من سعى في فكاك رقبته) أي خلاصها من الرق بأن أعتقها أو تسبب في إعتاقها (ثقة بالله واحتسابا) لا لغرض سوى ذلك (كان حقا على الله أن يعينه وأن يبارك له) كرره لمزيد التأكيد والتشويق إلى فعل ذلك (ومن تزوج ثقة بالله واحتسابا) أي فلم يخش العيلة بل توكل على الله وامتثل أمره في التزويج وأما نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تناكحوا تناسلوا (كان حقا على الله أن يعينه) على الإنفاق وغيره (وأن يبارك له) في زوجته (ومن أحيا أرضا ميتة ثقة بالله واحتسابا) أي طلبا للأجر بعمارتها نحو مسجد أو لتأكل منه العافية أو نحو ذلك (كان حقا على الله أن يعينه)
[ 385 ]
على إحيائها وغيره (وأن يبارك له) فيها وفي غيرها لأن من وثق بالله لم يكله إلى نفسه بل يتولى أموره ويسدده في أقواله وأفعاله ومن طلب منه الثواب بإخلاص أفاض عليه من بحر جوده ونواله (طس) وكذا البيهقي من حديث عبيد الله بن الوازع عن أيوب بن أبي الزبير (عن جابر) قال الذهبي في المهذب إسناده صالح مع نكارته عن أبي أيوب . 3431 (ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي داود) أي من أوتيهن فقد أوتي الشكر فهو شاكر كشكر آل داود المأمور به في قوله تعالى * (اعملوا آل داود شكرا) * (العدل في الغضب والرضى) فإذا عدل فيهما صار القلب ميزانا للحق لا يستفزه الغضب ولا يميل به الرضى فكلامه للحق لا للنفس وهذا عزيز جدا إذ أكثر الناس إذا غضب لم يبال بما يقول ولا بما يفعل ومن ثم كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أسألك كلمة الحق في الغضب والرضى (والقصد في الفقر والغنى) بحيث لا يضطره الغنى حتى ينفق في غير حق ولا يعوزه الفقر حتى يمنع من فقره حقا (وخشية الله في السر والعلانية) لأن الخشية ولوج القلب باب الملكوت وحينئذ يستوي سره وعلنه فإذا أوتي العبد هذه الثلاث قوي على ما قوي عليه آل داود وفي الحديث إشعار بذم إظهار الخشية والخشوع من غير تزيين الباطن بهما وذلك من الأمراض القلبية قال الغزالي : ودواؤه الاشتغال بحفظ السر والقلب ليتزين بأنوار باطنه أفعال ظاهره فيكون مزينا من غير زينة مهيبا من غير أتباع عزيزا من غير عشيرة وقال غيره : داود تيقن أن الخلق لا يكرمونه إلا بقدر ما جعل الله له في قلوبهم ويعلم أن باطنه موضع نظر الحق (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلى هذه الآية * (اعملوا آل داود شكرا) * ثم ذكره . 3432 (ثلاث من أخلاق الإيمان من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل) بأن يكون عنده ملكة تمنعه من ذلك خوفا من الله تعالى (ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق) بل يقول الحق حتى على
[ 386 ]
أبيه وابنه ويفعله معه (ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له) أي لم يتناول غير حقه يقال تعاطيت الشئ إذا تناولته (طص عن أنس) بن مالك رضي الله عنه قال الحافظ الهيثمي : فيه بشر بن الحسين وهو كذاب اه‍ فكان ينبغي للمصنف حذفه من هذا الكتاب . 3433 (ثلاث من الميسر) كمسجد (القمار) بكسر القاف ما يتخاطر الناس عليه كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بهما (والضرب بالكعاب) أي اللعب بالنرد قيل لما وجد الحكماء الدنيتجري على أسلوبين مختلفين منها ما يجري بحكم الاتفاق ومنها ما يجري بحكم الفكر والتخييل والسعي وضعوا النرد مثالا للأول والشطرنج للثاني (والصفير بالحمام) أي دعاؤها للعب بها وفي المصباح الصفير الصوت الخالي عن الحروف (د في مراسيله عن يزيد بن شريح) بالتصغير كذا وقفت عليه في نسخ وهو إما تحريف من النساخ أو سهو من المؤلف وإنما هو شريك بن طارق (التيمي) الكوفي قال ابن حجر : يقال إنه أدرك الجاهلية (مرسلا) أرسل عن أبي ذر وعمر قال الذهبي ثقة . 3434 (ثلاث من أصل الإيمان) أصل الشئ قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعها أي ثلاث خصال من قاعدة الإيمان (الكف عمن قال لا إله إلا الله) مع محمد رسول الله فمن قالها وجب الكف عن نفسه وماله وحكم بإيمانه ظاهرا (ولا يكفر بذنب) بضم التحتية وجزم الراء على النهي وكذا قوله (ولا يخرجه من الإسلام بعمل) أي بعمل يعمله من المعاصي ولو كبيرة بل هو تحت المشيئة خلافا للخوارج (والجهاد ماض) يعني الخصلة الثالثة ، اعتقاد كون الجهاد نافذا حكمه (منذ بعثني الله) يعني أمرني بالقتال وذلك بعد الهجرة وأول ما بعث أمر بالإنذار بلا قتال ثم أذن له فيه إذا بدأه الكفار ثم أحل له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم ثم مطلقا (1) (إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال) فينتهي حينئذ الجهاد وإنما جعل غاية الجهاد وخروجه لأن ما بعده يخرج يأجوج ومأجوج فلا يطاقون ثم بعد هلاكهم لم يبق كافر (لا يبطله جور جائر) أي لا يسقط فرض الجهاد بظلم الإمام وفسقه ولا ينعزل الإمام بجور أو فسق أو خلع (ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار) أي بأن الله قدر الأشياء في
[ 387 ]
القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على ما قدرها وزعمت القدرية (1) أنه إنما يعلمها بعد وقوعها قال في المطامح : هذا الخبر أصل من أصول القواعد من أعظم فوائده الإيمان بالقدر وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من الغيب لأنه الناطق عن الله المؤيد بالله (د) في الجهاد (عن أنس) وفيه كما قال المناوي رضي الله عنه يزيد بن أبي نشبة بضم النون لم يخرج له أحد من الستة غير أبي داود وهو مجهول كما قاله المزي وغيره . (1) أي من غير شرط ولا زمان ووجوب القتال مستمر بعد ذلك . (2) وسميت هذه الفرق قدرية لإنكارهم القدر . 3435 (ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما) فإن البول قائما خلاف الأولى أي إلا لضرورة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها (أو يمسح جبهته) من نحو حصى وتراب إذا رفع رأسه من السجود (قبل أن يفرغ من صلاته) ولو نفلا (أو ينفخ في) حال (سجوده) أي ينفخ التراب في الصلاة لموضع سجوده كما بينه هكذا في رواية الطبراني لهذا الحديث وظاهر أن ذكر الرجل في الثلاثة وصف طردي وأن المرأة والخنثى مثله (البزار) في المسند (عن بريدة) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه تلميذه الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه وقال : لا يروى عن بريدة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو عبيدة الحداد عن سعيد بن حبان وتعقبه العراقي بمنع التفرد بل تابعه عبد الله بن داود . 3436 (ثلاث من فعل الجاهلية) (1) أي من عادة العرب في الحالة التي كانوا عليها قبل الإسلام (لا يدعهن أهل الإسلام) أي لا يتركوهن (استسقاء بالكواكب) قال في الفردوس : عن الزهري إنما غلظ القول فيه لأن العرب كانت تزعم أن المطر فعل النجم لا سقيا من الله أما من لم يرد هذا وقال مطرنا في وقت كذا بنجم طالع أو غارب فجائز اه‍ والاعتماد على قول المنجمين والرجوع إليهم شديد التحريم مشهور فيما بين القوم ومن مجازفات المصنف التي كان ينبغي له الكف عنها قوله حكى لي من أثق به أني لما ولدت اجتمع بعض أهلي برجل من أرباب التقويم فأخذ لي طالعا فقال عليه في كل سنة فرد من عمره قطوع فاتفق أن الأمر وقع كذلك ما مررت على سنة فرد من عمري إلا وضعفت فيها ضعفة شديدة اه‍ . فكان الأولى به كف لسانه وقلمه عن مثل ذلك كيف وهو ممن ينكر على من يشتغل
[ 388 ]
بعلوم الأوائل أو ينقل أو يحكي عنها شيئا في كتبه حتى قال في بعض تآليفه إن الهيويين زعموا أن الشمس لا تكسف إلا في وقت كذا للمقابلة التي يزعمونها قاتلهم الله عليها هذا لفظه وقال في محل آخر أما نحن معاشر أهل السنة فلا ننجس كتبنا بقاذورات أهل المنطق ونحوه من علومهم (وطعن في النسب) أي في أنساب الناس كأن يقول هذا ليس من ذرية فلان أو ليس بابنه ونحو ذلك (والنياحة على الميت) فإنه من عمل الجاهلية ولا يزال أهل الإسلام يفعلونه مع كونه شديد التحريم وهذا من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع فلم يزل الناس بعده في كل عصر على ذلك وإن أنكر منهم شرذمة فلا يلتفت إلى إنكارهم ولا يؤبه باعتراضهم . (تنبيه) * قال ابن تيمية : ذم في الحديث من ادعى بدعوى الجاهلية وأخبر أن بعض أمور الجاهلية لا يتركه الناس ذما لمن يتركه وهذا يقتضي أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم مذموم في دين الإسلام وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها ومعلوم أن إضافتها إليها خرج مخرج الذم (تخ طب) كلاهما من طريق الوليد بن القاسم عن مصعب بن عبد الله بن جنادة عن أبيه (عن) جده (جنادة) بضم الجيم ثم نون (بن مالك) الأزدي الشامي نزيل مصر يقال اسم أبيه كثير مختلف في صحبته قال العجلي : تابعي ثقة قال في التقريب والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في الاسم وكنية الأب قال ابن سعد : وهو غير جنادة بن أبي أمية قال في الإصابة : رواه البخاري في تاريخه وقال : في إسناده نظر . (1) أي من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك . 3437 (ثلاث من الكفر بالله : شق الجيب) عند المصيبة (والنياحة) على الميت (والطعن في النسب) والمراد بالكفر بالله كفرنعمته فإن فرض أن فاعل ذلك استحله فالكفر على بابه (ك) في الجنائز (عن أبي هريرة) وصححه وأقره الذهبي . 3438 (ثلاث من نعيم الدنيا وإن كان لا نعيم لها) يدوم أو يعتد به (مركب وطئ) أي دابة لينة السير سريعته (والمرأة الصالحة) بأن تكون صالحة للاستمتاع بها والاعفاف صالحة لدينها صالحة لحفظ ماله ومنزله بحيث لا تخونه في نفسه ولا في ماله حضر أو غاب (والمنزل الواسع) لأن المنزل الضيق يضيق الصدر ويجلب الغم والهم والأمراض ويسئ الأخلاق ويمنع الارتفاق فأعظم بالثلاثة من نعمة (ش عن ابن قرة أو قرة) بن إياس بن هلال المزني جد إياس بن معاوية بن قرة قال الذهبي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله ، وفي التقريب : صحابي نزل البصرة .
[ 389 ]
3439 (ثلاث من كنوز البر) بالكسر (إخفاء الصدقة) حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله (1) (وكتمان المصيبة) عن الناس (وكتمان الشكوى) عنهم بأن لا يشكو بثه وحزنه إلا إلى الله (يقول الله تعالى إذا ابتليت عبدي) ببلية في نفسه كمرض ونحوه (فصبر) على ذلك (ولم يشكني إلى عواده) بضم المهملة وتشديد الواو أي زواره في مرضه (أبدلته لحما خيرا من لحمه) الذي أذابه شدة مقاساة المرض (ودما خيرا من دمه) الذي أحرقته الحمى بوهج حرها (فإن أبرأته) أي قدرت له البرء من مرضه (أبرأته) منه (ولا ذنب له) بأن أغفر له جميع ذنوبه حتى يعود كيوم ولدته أمه كما في رواية وظاهره أن المرض يكفر حتى الكبائر وفيه ما سلف تقريره (وإن توفيته فإلى رحمتي) أي فأتوفاه ذاهبا إلى رحمتي (طب حل) كلاهما من طريق قطن بن إبراهيم النيسابوري عن الجارود بن يزيد عن سفيان بن أشعث عن ابن سيرين (عن أنس) رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال : تفرد به الجارود وهو متروك وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بوضع بل هو ضعيف ، قال الحافظ العراقي : ورواه أيضا أبو نعيم في كتاب الإيجاز وجوامع الكلم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه وسنده ضعيف . (1) لأنه أبعد من الرياء لكن قال الفقهاء إذا كان المتصدق ممن يقتدى بهم فإظهار الصدقة في حقه أفضل . 3440 (ثلاث من كنوز البر) بالكسر (كتمان الأوجاع) في المصباح وجع فلان رأسه يجعل الإنسان مفعولا والعفو فاعلا ويجوز عكسه على القلب (والبلوى) أي الامتحان والاختبار (والمصيبات) هي كل ما يصيب الإنسان من مكروه وكل شئ ساءه فهو مصيبة (ومن بث) أي أذاع ونشر وشكى مصيبته للناس (لم يصبر) لأن الشكوى منافية للصبر (تمام) في فوائده من طريق ثابت بن عمرو عن مقاتل عن قيس بن سكن (عن ابن مسعود) وثابت هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثابت ت بن عمرو عن مقاتل قال الدارقطني رحمه الله : ضعيف .
[ 390 ]
3441 (ثلاث من الإيمان وفي رواية ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان (الإنفاق من الاقتار) أي القلة إذ لا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله تعالى بإخلافه ما أنفقه وقوة يقين وتوكل ورحمة وزهد وسخاء قال ابن شريف : والحديث عام في النفقة على العيال والأضياف وكل نفقة في طاعة وفيه أن نفقة المعسر على أهله أعظم أجرا من نفقة الموسر (وبذل السلام للعالم) بفتح اللام والمراد به جميع المسلمين من عرفته ومن لم تعرفه كبير أو صغير شريف أو وضيع معروف أو مجهول لأنه من التواضع المطلوب وفي نسخ بدل للعالم الشفقة على الخلق وهو بذل السلام العام والأول هو ما في البخاري (والإنصاف) أي العدل يقال أنصف من نفسه وانتصفت أنا منه (من نفسك) بأداء حق الله وحق الخلق ومعاملتهم بما يجب أن يعاملوه به والحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وشمل إنصافه نفسه من نفسه فلا يدعي ما ليس لها من كبر أو عظم وغير ذلك فتضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه قال أبو الزناد وغيره إنما كان من جمع الثلاث مستكملا للإيمان لأن مداره عليها إذ العبد إذا اتصف بالانصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا إلا أداه ولم يترك شيئا نهاه إلا اجتنبه وهذا يجمع أركان الإسلام وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواصل وعدم الاحتقار ويحصل به التآلف والتحبب والإنفاق من الاقتار يتضمن غاية الكرم لأنه إذا أنفق مع الحاجة كان مع التوسع أكثر إنفاقا وكونه مع الاقتار يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل وقال في الأذكار : جمع في هذه الكلمات الثلاث خير الدارين فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي حق الله وما أمر به ويجتنب ما نهى عنه ويؤدي للناس حقهم ولا يطلب ما ليس له وينصف نفسه فلا يوقعها في قبيح وبذل السلام للعالم يتضمن أن لا يتكبر على أحد ولا يكون بينه وبين أحد حق يمتنع بسببه السلام عليه والإنفاق يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل وقال في البستان : على هذه الثلاث مدار الإسلام لأن من أنصف من نفسه فيما لله وللخلق عليه ولنفسه من نصيحتها وصيانتها فقد بلغ الغاية في الطاعة وبذل السلام للخاص والعام من أعظم مكارم الأخلاق وهو متضمن للسلامة من المعاداة والأحقاد واحتقار الناس والتكبر عليهم والارتفاع فوقهم وأما الإنفاق من الاقتار فهو الغاية في الكرم وقد مدحه الله تعالى بقوله * (ويؤثرون على أنفسهم) * الآية وهذا عام في نفقته على عياله وضيفه والسائل وكل نفقة في طاعة وهو متضمن للتوكل على الله والاعتماد على فضله والثقة بضمانه للرزق وللزهد في الدنيا وعدم ادخار متاعها وترك الاهتمام بشأنها والتفاخر والتكاثر وغير ذلك وقال الكرماني : هذه جامعة لخصال الإيمان كلها لأنها إما مالية أو بدنية والإنفاق إشارة إلى المالية المتضمنة للوثوق بالله والزهد في الدنيا والبدنية إما مع الله وهو التعظيم لأمر الله وإما مع الناس وهو الانصاف والشفقة على الخلق وبذل السلام . (البزار) في مسنده عن عمار قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن بن عبد الله الكوفي شيخ البزار لم أر من ذكره (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي : فيه القاسم أبو عبد الرحمن وهو ضعيف .
[ 391 ]
3442 (ثلا ث من تمام الصلاة) أي من مكملاتها (إسباغ الوضوء) أي إتمامه بسننه وآدابه وتجنب مكروهاته (وعدل الصف) أي تسوية الصفوف وإقامتها على سمت واحد (والاقتداء بالإمام) يعني الصلاة جماعة فإنها من مكملات الصلاة ومن ثم كانت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ ببضع وعشرين درجة (هب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) هو الفقيه العمري أحد الأعلام وقد سبق . 3443 (ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل) الصائم (بالإفطار) بعد تحقق الغروب ولا يؤخر لاشتباك النجوم كما يفعله أهل الكتاب (وتأخير السحور) إلى قبيل الفجر ما لم يوقع في شك (ووضع اليمين على الشمال في قيام الصلاة) بأن يجعلهما تحت صدره فوق سرته قابضا باليمين (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي : رواه مرفوعا وموقوفا والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه . 3444 (ثلاث من الفواقر) أي الدواهي واحدتها فاقرة كأنها التي تحطم الفقار كما يقال قاصمة الظهر ذكره الزمخشري (إمام) يعني خليفة أو أميرا (إن أحسنت لم يشكر) ك على إحسانك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط من هفوة أو كبوة بل يعاقب عليه (وجار) جائر (إن رأى) أي علم منك (خيرا) فعلته (دفنه) أي ستره وأخفى أثره حتى كأنه لم يعرف خبره (وإن رأى) عليك (شرا أشاعه) أي نشره وأظهره وأفشاه بين الناس ليشينك به ويلحق بذلك العار والعيب (وامرأة) أي زوجة لك (إن حضرت) عندها (آذتك) بالقول والفعل (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها بالخنا والزنا وفي مالك بالإسراف والإعتساف وعدم الرفق والإلطاف فكل واحدة من هذه الثلاث هي الداهية والبلية العظمى فإن اجتمعت فذلك البلاء الذي لا يضاهى والحزن الذي لا يتناهى (طب عن فضالة) بفتح الفاء ومعجمة خفيفة (ابن عبيد) بالتصغير قال الحافظ العراقي : سنده حسن وقال تلميذه الهيثمي : فيه محمد بن عصام بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله وثقوا .
[ 392 ]
3445 (ثلاث أخاف على أمتي) الوقوع فيها والمراد أمة الإجابة (الاستسقاء بالأنواء) هي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله من ساعته فكانت العرب إذا سقط نجم وطلع آخر قالوا : لا بد من مطر عنده فينسبونه لذلك النجم لا لله ولو لم يريدوا ذلك وقالوا : مطرنا في ذلك الوقت جاز . (فائدة) في تذكرة المقريزي في ترجمته طه المطرز المعروف بابن شحم أن من شعره يخاطب الملك الكامل بقوله : دع النجوم لطرفي يعيش بها * وبالعزائم فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا * عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا (وحيف السلطان) أي جوره وظلمه وعسفه (وتكذيب بالقدر) محركا على ما سبق عما قريب . (نكتة) * قال الماوردي : من الأجوبة المسكتة أن إبليس ظهر لعيسى عليه الصلاة والسلام فقال : ألست تقول إنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك وعليك قال : نعم قال : فارم بنفسك من ذروة الجبل فإنه إن يقدر لك السلامة سلمت قال : يا ملعون إن لله تعالى أن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه (حم طب) وفي الأوسط والصغير وكذا البزار كلهم (عن جابر بن سمرة) وفيه محمد بن القاسم الأزدي وثقه ابن معين وكذبه أحمد وضعفه بقية الأئمة ذكره الهيثمي وغيره . 3446 (ثلاث أحلف عليهن) أي على حقيقتهن (لا يجعل الله تعالى من له سهم في الإسلام) من أسهمه الآتية (كمن لا سهم له) منها أي لا يساويه به في الآخرة (وأسهم الإسلام) هي (ثلاثة الصلاة) أي المفروضات الخمس (والصوم) أي صوم رمضان (والزكاة) بسائر أنواعها فهذه واحدة من الثلاث (و) الثانية (لا يتوفى الله عبدا) من عباده (في الدنيا) فيحفظه ويرعاه ويوفقه (فيوليه غيره يوم القيامة) بل كما يتولاه في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة يتولاه في العقبى ولا يكله إلى غيره (و) الثالثة (لا يحب رجل قوما) في الدنيا (إلا جعله الله) أي حشره (معهم) في الآخرة فمن أحب أهل الخير كان معهم ومن أحب أهل الشر كان معهم والمرء مع من أحب (والرابعة لو حلفت عليها) كما حلفت على أولئك الثلاث (رجوت) أي أملت (أن لا آثم) أي لا يلحقني إثم بسبب حلفي عليها وهي (لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة) في رواية الحاكم في الاخرة بدل يوم القيامة ثم قال فقال عمر
[ 393 ]
بن عبد العزيز : إذا سمعتم مثل هذا الحديث يحدث به عروة عن عائشة رضي الله عنها فاحفظوه اه‍ (حم ن ك هب) من حديث شيبة الحضرمي (عن عائشة) قال الحاكم : شيبة الحضرمي ويقال الخضري قد أخرجه البخاري وتعقبه الذهبي بأنه ما خرج له النسائي سوى هذا الحديث وفيه جهالة اه‍ . وفيه أيضا همام بن يحيى أورده الذهبي في الضعفاء وقال : من رجال الصحيحين لكن قال القطان : لا يرضى حفظه (ع عن ابن مسعود طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي : رجاله ثقات . 3447 (ثلاث إذا خرجن) أي ظهرن (لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها) فلا ينفع كافرا قبل طلوعها إيمانه بعده ولا مؤمنا لم يعمل صالحا قبل عمله بعده لأن حكم الإيمان والعمل حالتئذ كهو عند الغرغرة (والدجال) أي ظهوره (ودابة الأرض) أي ظهورها فإن قيل هذه الثلاث غير مجتمعة في الوجود فإذا وجد إحداها لم ينفع نفسا إيمانها بعد فما فائدة ذلك الآخرين قلنا لعله أراد أن كلا من الثلاثة مستبد في أن الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها فأيتها تقدمت ترتب عليها عدم النفع (م) في الإيمان (ت عن أبي هريرة) ولم يذكر البخاري هذا اللفظ إلا في طلوع الشمس من مغربها . 3448 (ثلاث إن كان في شئ شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كية تصيب ألما) أي تصادفه فتذهبه (وأنا أكره الكي ولا أحبه) فلا ينبغي أن يفعل إلا لضرورة (حم عن عقبة بن عامر) الجهني . 3449 (ثلاث أقسم عليهن) أي على حقيقتهن (ما نقص مال قط من صدقة) فإنه وإن نقص في الدنيا فنفعه في الآخرة باق فكأنه ما نقص وليس معناه أن المال لا ينقص حسا قال ابن عبد السلام
[ 394 ]
ولأن الله يخلف عليه لأن ذا معنى مستأنف (1) (فتصدقوا) ولا تبالوا بالنقص ص الحسي (ولا عفا رجل) ذكر الرجل غالبي والمراد إنسان (عن مظلمة ظلمها) بالبنا للمجهول (إلا زاده الله تعالى بها عزا) في الدنيا والآخرة كما سلف تقريره (فاعفوا يزدكم الله عزا ولا فتح رجل) أي إنسان (على نفسه باب مسألة) أي شحاذة (يسأل الناس) أي يطلب منهم أن يعطوه من مالهم ويظهر لهم الفقر والحاجة وهو بخلاف ذلك (إلا فتح الله عليه باب فقر) لم يكن له في حساب بأن يسلط على ما بيده ما يتلفه حتى يعود فقيرا محتاجا على حالة أسوأ مما أذاع عن نفسه جزاءا على فعله * (ولا يظلم ربك أحدا) * (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة . (1) معناه أن ابن آدم لا يضيع له شئ وما لم ينتفع به في دنياه انتفع به في الآخرة فالإنسان إذا كان له داران فحول بعض ماله من إحدى داريه إلى الأخرى لا يقال ذلك البعض المحول نقص من ماله وقد كان بعض السلف يقول إذا رأى السائل مرحبا بمن جاء يحول مالنا من دنيانا لأخرانا فهذا معنى الحديث وليس معناه أن المال لا ينقص في الحس . 3450 (ثلاث أقسم عليهن) أي أحلف على حقيقتهن (ما نقص مال عبد من صدقة) تصدق بها منه بل يبارك الله له فيه في الدنيا ما يجبر نقصه الحسي زيادة ويثيبه عليها في الآخرة (ولا ظلم عبد) بالبناء للمجهول (مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عز وجل عزا) في الدنيا والآخرة (ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) من حيث لا يحتسب (وأحدثكم حديثا فاحفظوه) عني لعل الله أن ينفعكم به (إنما الدنيا لأربعة نفر) أي إنما حال أهلها حال أربعة : الأول (عبد رزقه الله مالا) من جهة حل (وعلما) من العلوم الشرعية النافعة في الدين (فهو يتقي فيه) أي في كل من المال والعلم (ربه) بأن ينفق من المال في وجوه القرب ويعمل بما علمه من العلم ويعلمه لوجه الله تعالى لا لغرض آخر (ويصل فيه رحمه) أي في المال بالصلة منه وفي العلم بإسعافه بجاه العلم ونحو ذلك (ويعلم لله فيه حقا) من وقف وإقراء وإفتاء وتدريس (فهذا) الإنسان القائم بذلك (بأفضل المنازل) عند الله تعالى
[ 395 ]
لجمعه بين المال والعلم وجوزه لفضلهما في الدنيا والآخرة (و) الثاني (عبد رزقه الله علما) من العلوم الشرعية (ولم يرزقه مالا) يتصدق منه وينفق في وجوب القرب (فهو صادق النية يقول) فيما بينه وبين الله تعالى بصدق نية وصلاح طوية (لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان) أي الذي له مال ينفق منه في مرضاة الله ابتغاء لوجهه (فهو بنيته) أي يؤجر على حسبها ويعطى بقضيتها (فأجرهما سواء) أي فأجر علم هذا أو مال هذا سواء في المقدار أو فأجر عقد عزمه على أنه لو كان له من المال ما ينفق منه في الخير وأجر من له مال ينفق منه فيه سواء لأنه لو كان يملكه لفعل وعلى هذا فيكون أجر العلم زيادة له (و) الثالث (عبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما) أي من العلوم الشرعية وإن كان عنده من علم غيرها (يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه) أي لا يخافه فيه بأن لم يخرج ما فرض عليه من الزكاة (ولا يصل منه رحمه) أي قرابته (ولا يعلم لله فيه حقا) من إطعام جائع وكسوة عار وفك أسير وإعطاء في نائبة ونحو ذلك (فهذا) العامل على ذلك (بأخبث المنازل) عند الله أي أخسها وأحقرها عنده (و) الرابع (عبد لم يرزقه الله مالا ولا علما) ينتقع به (فهو يقول) بنية صادقة وعزيمة قوية (لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان) ممن أوتي مالا فعمل فيه صالحا (فهو بنيته) أي فيؤجر عليها ويجازي بحسبها (فوزرهما سواء) أي من رزق مالا فأنفق منه في وجوه القرب ومن علم الله منه أنه لو كان له مال لعمل فيه ذلك العمل فيكونان بمنزلة واحدة في الآخرة لا يفضل أحدهما على صاحبه من هذه الجهة (حم ت عن أبي كبشة) واسمه سعيد بن عمرو أو عمرو بن سعيد وقيل عمرو أو عامر بن سعيد صحابي نزل الشام (الأنماري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وآخره راء نسبة إلى أنمار . 3451 (ثلاث جدهن جد (1) بكسر الجيم فيهما ضد الهزل (وهزلهن جد) فمن هزل بشئ منها
[ 396 ]
لزمه وترتب عليه حكمه قال الزمخشري : والهزل واللعب من وادي الاضطراب والخفة كما أن الجد من وادي الرزانة والتماسك (النكاح) فمن زوج ابنته هازلا انعقد النكاح وإن لم يقصده (والطلاق) فيقع طلاق الهازل وحكى عليه الإجماع (والرجعة) ارتجاع من طلقها رجعيا إلى عصمته فإذا قال راجعتك عادت إليه واستحل منها ما يستحل من زوجته وبهذه أخذ الأئمة الثلاثة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ويعضده * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) * فجعل الهزو في الدين جهلا ولن يلحق الجهل إلا بأهله وقال المالكية : لا يصح نكاح الهازل لأن الفرج محرم فلا يصح إلا بجد انتهى قال ابن العربي : وروى بدل الرجعة العتق ولم يصح وقال ابن حجر : وقع عند الغزالي العتاق بدل الرجعة ولم أجده وخص الثلاثة بالذكر لتأكد أمر الفروج وإلا فكل تصرف ينعقد بالهزل على الأصح عند أصحابنا الشافعية إذ الهازل بالقول وإن كان غير مستلزم لحكمه فترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى ولا يقف على اختياره وذلك لأن الهازل قاصدا للقول مريدا له مع علمه بمعناه وموجبه وقصد اللفظ المتضمن للمعنى قصد لذلك المعنى لتلازمهما إلا أن يعارضه قصد آخر كالمكره فإنه قصد المعنى المقول وموجبه فلذلك أبطله الشارع (د ت ه) في الطلاق (عن أبي هريرة) قال الترمذي : حسن غريب وتعقبه الذهبي أخذا من ابن القطان بأن فيه عبد الرحمن بن حبيب المخزومي قال النسائي : منكر الحديث ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر . (1) وهذا الحديث له سبب وهو ما رواه أبو الدرداء قال : كان الرجل يطلق في الجاهلية وينكح ويعتق ويقول أنا طلقت وأنا لاعب فأنزل الله هذه الآية * (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) * أي لا تتخذوا أحكام الله في طريق الهزاء فإنها جد كلها فمن هزل فيها لزمته وفيه إبطال أمر الجاهلية وتعزيز الأحكام الشرعية اه‍ . 3452 (ثلاث حق على الله تعالى أن لا يرد لهم) أي لكل منهم (دعوة) دعا بها مع توفر الأركان والشروط وصدق النية (دعوة الصائم) بدل مما قبله على حذف مضاف أي دعوة الإنسان في حال تلبسه بالصوم (حتى يفطر) أي إلى أن يتعاطى مفطرا ويحتمل إلى أن يدخل أوان إفطاره وإن ليفطر بالفعل قال في الأذكار : هكذا الرواية حتى بمثناة فوقية (والمظلوم) فإن دعوته على ظالمه مستجابة (حتى) أي إلى أن (ينتصر) أي ينتقم ممن ظلمه باليد أو باللسان لأنه مضطر ملهوف قال تعالى * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) * أي لا يجيبه ولا يكشف ما به إلا الله (والمسافر) أي سفرا في غير معصية كما هو القياس الظاهر (حتى) أي إلى أن (يرجع) إلى وطنه لأنه مستوفز مضطرب قلما يسكن إلا إلى الرحل والترحال وهو على وجل من الحوادث فهو كثير الإنابة إلى الله تعالى فسره منفصل عن الأغيار ومتعلق بالجبار فلما صفا سره أسرعت له الإجابة وحتى في القرائن كلها بمعنى إلى كما قدرته (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه إسحاق بن زكريا الأيكي شيخ البزار ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . 3453 (ثلاث دعوات) بفتح العين (مستجابات) عند الله تعالى إذا توفرت شروطها (دعوة
[ 397 ]
الصائم) حتى يفطر ومراده كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه (ودعوة المسافر) حتى يصدر إلى أهله (ودعوة المظلوم) على من ظلمه حتى ينتقم منه بيد أو لسان (نكتة) * قال الماوردي : من الأجوبة المسكتة أنه قيل لعلي كرم الله وجهه كم بين السماء والأرض قال : دعوة مستجابة قيل كم بين المشرق والمغرب قال : مسيرة يوم للشمس ، فسؤال السائل إما اختبار وإما استبصار فصدر عنه من الجواب ما أسكته (عق هب عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سليمان الباغندي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : صدوق فيه لين . 3454 (ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن) أي في إجابتهن (دعوة المظلوم) على من ظلمه وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه (ودعوة المسافر) في سفر جائز (ودعوة الوالد لولده) لأنه صحيح الشفقة عليه كثير الإيثار له على نفسه فلما صحت شفقته استجيبت دعوته ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد لأنه معلوم بالأولى . (فائدة) * قال المقريزي في تذكرته : يستجاب الدعاء في أوقات منها عند القيام إلى الصلاة وعند لقاء العدو في الحرب وإذا قال مثل ما يقول المؤذن ثم دعا وبين الأذان والإقامة وعند نزول المطر ودعوة الوالد لولده والمظلوم حتى ينتصر ودعوة المسافر حتى يرجع والمريض حتى يبرأ وفي ساعة من الليل وفي ساعة من يوم الجمعة وفي الموقف بعرفة ودعوة الحاج حتى يصدر والغازي حتى يرجع وعند رؤية الكعبة ودعاء تقدمه الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ودعاء الصائم مطلقا ودعاؤه عند فطوره ودعاء الإمام العادل ودعا عبد رفع يديه إلى الله تعالى والدعاء عند خشوع القلب واقشعرار الجلد ودعاء الغائب للغائب (ه عن أبي هريرة) عدل عن عزوه للترمذي لأنه عنده من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر وأبو جعفر لا يعرف حاله ولم يروه عنه غير يحيى ذكره ابن القطان . 3455 (ثلاث دعوات) مبتدأ (مستجابات) خبره (لا شك فيهن) أي في استجابتهن (دعوة الوالد على ولده) ومثله سائر الأصول قبل ومثلهم الشيخ والمعلم (ودعوة المسافر) حتى يرجع (ودعوة المظلوم) حتى ينتصر أما المظلوم فلظلامته وقهره وأما المسافر فلغربته ووحدته وأما الوالد فلرفعة منزلته ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره
[ 398 ]
فلا ينافي خبر الديلمي عن ابن عمر يرفعه إني سألت الله أن لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه (تنبيه) قد ورد في التحذير من دعاء المظلوم أحاديث لا تكاد تحصى ومصرع الظالم قريب والرب تعالى في الدعاء عليه مجيب سيما بحالة الاحتراق والانكسار والذلة والصغار بين يدي الملك الجبار في ساعة الأسحار * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (حم خد) في الصلاة (د ت) في البر (عن أبي هريرة) قال الترمذي : حسن انتهى . والحديث رووه كلهم من حديث أبي جعفر المدني ويقال له المؤذن قال المناوي وغيره : ولا يعرف وقال ابن العربي في العارضة : الحديث مجهول وربما شهدت له الأصول . 3456 (ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده) يعني الأصل لفرعه كما تقرر (ودعوة الصائم) حتى يفطر (ودعوة المسافر) حتى يرجع قال هنا لا ترد في الحديث مستجابات وقيدها بلا شك فيهن تفننا في التقرير لأن لا ترد كناية عن الاستجابة والكناية أبلغ من الصريح فجبر الصريح هنا بقوله لا شك فيهن وهنا لم يحتج للجبر مع وجود الأبلغية وأخذ من هذا الخبر وما أشبهه أن الأب أولى بالصلاة على جنازة ولده (أبو الحسن بن مردويه في) الأحاديث (الثلاثيات والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن وفيه إبراهيم بن أبي بكر المروزي قال الذهبي لا أعرفه . 3457 (ثلاث أعلم أنهن حق) أي ثابت واقع لا شك فيه (ما عفا امرؤ) بدل مما قبله (عن مظلمة) ظلمها (إلا زاده الله تعالى بها عزا) في الدارين (وما فتح رجل على نفسه باب مسألة للناس) ليعطوه من أموالهم (يبتغي بها) أي المسألة (كثرة) من حطام الدنيا (إلا زاده الله بها فقرا) من حيث لا يشعر (وما فتح رجل على نفسه باب صدقة) أي تصدق من ماله (يبتغي بها وجه الله تعالى) لا رياء وسمعة وفخرا (إلا زاده الله) بها كثرة في ماله وآجره وسبق أن ذكر الرجل في هذا ونحوه ليس للاحتراز عن المرأة بل هو وصف طردي والمراد كل إنسان (هب عن أبي هريرة) . 3458 (ثلاث حق على كل مسلم) أي فعلهن متأكد عليه كما تقرر فيما قبل (الغسل يوم
[ 399 ]
الجمعة) بنيتها وتقريبه من ذهابه أفضل (والسواك) سيما للصلاة والعبادات ولحضور المجامع (والطيب) أي التطيب بما تيسر من أنواع الطيب فإن لم يجد شيئا منه تنظف ولو بالماء (ش عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير ضار لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول . 3459 (ثلاث كلهن حق على كل مسلم) أي فعلهن متأكد على كل منهم بحيث يقرب من الواجب (عيادة المريض) وإن كان المرض رمدا على الأصح وإن لم يكن له ثلاثة أيام على الأرجح في فروع الشافعية (وشهود الجنازة) أي حضور جنازة المسلم والمشي معه للصلاة عليه ودفنه (وتشميت العاطس إذا حمد الله) بأن يقول له يرحمك الله كما سبق مفصلا فإن لم يحمد الله لم يشمته لإساءته (خد عن أبي هريرة) 3460 (ثلاث خصال من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصالح) أي المسلم الذي لا يؤذي جاره (والمسكن الواسع) أي الكثير المرافق بالنسبة لساكنه ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص فرب واسع لرجل ضيق على آخر وعكسه (والمركب الهنئ) أي الدابة السريعة السير غير الجموح والنفور والخشنة المشي التي يخاف منها السقوط وانزعاج الأعضاء وتشويش البدن وفي إفهامه أن الجار السوء والمسكن الضيق والمركب الصعب من شقاوته وبذلك أفصح في رواية ابن حبان وجعلها أربعا بزيادة خصلة في كل من الجهتين فأخرج من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده مرفوعا أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنئ وأربع من الشقاوة الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء . (حم طب ك عن نافع بن عبد الحارث) الخزاعي صحابي ، استعمله عمر رضي الله عنه على مكة والطائف وكان فاضلا قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 3461 (ثلاث خلال من لم تكن فيه واحدة منهن كان الكلب) الذي يجوز قتله وهو في غاية المهانة والحقارة (خيرا منه) فضلا عن كونه مثله (ورع يحجزه عن محارم الله عز وجل أو حلم يرد به جهل الجاهل) إذا جهل عليه (أو حسن خلق) بضم اللام (يعيش به في الناس) فمن جمع هذه الثلاثة فقد رفع لقلبه علما شهد به مشاهد القيامة وصار الناس منه في عفاء وهو في نفسه في عناء ومن وصل إلى هذا المقام فقد خلف الدنيا ومن خلفها فقد خلف الهموم والغموم ، أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنه
[ 400 ]
لم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم فإنه ليس من عبد يلقاني إلى يوم القيامة إلا ناقشته الحساب إلا ما كان من الورعين فإني أجلهم وأدخلهم الجنة بغير حساب (هب عن الحسن) البصري (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو عجب ، فقد رواه الطبراني من حديث أم سلمة قال الهيثمي : رواه عن شيخه إبراهيم بن محمد وضعفه الذهبي . 3462 (ثلاث ساعات للمرء المسلم ما دعا فيهن) بدعوة (إلا استجيب له) بالبناء للمفعول يعني استجاب الله له (ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثما) أي ما فيه قطيعة قرابة أو ما فيه حرام وهو من عطف العام على الخاص وتلك الساعات هي (حين يؤذن المؤذن بالصلاة) أي صلاة كانت (حتى يسكت) يعني يفرغ من أذانه فمن عزم على حضور تلك الصلاة استجيب دعاؤه لاهتمامه بالمسارعة إلى ما أمر به (وحين يلتقي الصفان) في الجهاد لإعلاء كلمة الله (حتى يحكم الله بينهما) بنصر من شاء * (لا يسأل عما يفعل) * قال الحليمي : ولذلك ورد أن أبواب السماء تفتح عند ذلك واجد ما يفتتحها أن يكون مثلا لإجابته الدعاء وأنها لا تحجب ومعنى لا تحجب لا ترد (وحين ينزل المطر) من السحاب (حتى يسكن) أي إلى أن ينقطع ويستقر في الأرض ، وقال الحليمي رحمه الله : وذلك لأن نزول الغيث حال نزول رحمة الله والاسترحام في حال الرحمة أرجى منه في حال لا يعرف حقيقتها (حل عن عائشة) بإسناد ضعيف . 3463 (ثلاث) في نسخ ثلاثة (فيهن) في رواية فيها (البركة) أي النمو وزيادة الخير والأجر (البيع) بثمن معلوم (إلى أجل) معلوم (والمعارضة) بعين مهملة وراء مهملة في خط المصنف وقال على الحاشية : أي بيع العرض بالعرض وقال ابن حجر : النسخ مختلفة هل هي المفاوضة بفاء وواو أو بقاف وراء وقد أخرجه الحربي في غريبه بعين وراء وفسره ببيع عرض بعرض اه‍ . وجعله الديلمي المقارضة بقاف وراء وقال : هي في عرف أهل الحجاز المضاربة (وإخلاط البر) القمح (بالشعير) المعروف (للبيت) أي لأكل أهل بيت الخالط الذين هم عياله (لا للبيع) أي لا ليخلطه ليبيعه فإنه لا بركة فيه بل هو مذموم لما فيه من نوع تدليس قد يخفى على المشتري قال الطيبي : وفي الخلال الثلاث هضم من حقه
[ 401 ]
والأولان منهما يسري نفعهما إلى الغير وفي الثالث إلى نفسه قمعا لشهوته (ه) في البيع من طريق عبد الرحمن بن داود بن صالح بن صهيب عن أبيه (ابن عساكر عن صهيب) قال المؤلف : قال الذهبي حديث واه جدا اه‍ . وخرجه العقيلي من حديث بشر بن ثابت عن عمر بن بسطام عن نصير بن القاسم عن داود بن علي عن صالح بن صهيب عن صهيب فقال ابن الجوزي : موضوع وعبد الرحمن وعمر مجهولان وحديثهما غير محفوظ قال في الميزان : وعمر بن بسطام أتى بسند مظلم المتن باطل وفي اللسان قال العقيلي : إسناده مجهول وحديثه غير محفوظ ثم ساقه بهذا اللفظ . 3464 (ثلاث) من النبا ت (فيهن شفاء من كل داء) من الأدواء (إلا السام) أي الموت فإنه لا دواء له البتة (السنا) (1) بالقصر نبت معروف شريف مأمون الغائلة قريب الاعتدال يسهل الصفراء والسوداء ويقوي القلب (والسنوت) بفتح السين أفصح العسل أو الرب أو الكمون أو التمر أو الرازبانج أو الشبت وكل منهما نفعه عظيم ظاهر ، كذا وقفت عليه ، وساق المصنف هذا الحديث فقال أولا ثلاث ثم ذكر ثنتين وقد كنت توهمته أن فيه خللا من النساخ حتى وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فوجدتها بهذاللفظ لا زيادة ولا نقص (ن عن أنس) بن مالك . (1) وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ومن شقاق الأطراف وتشنج العضو وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والحكة وإذا طبخ في زيت وشرب نفع من أوجاع الظهر والوركين وهو يكون بمكة كثيرا وأفضل ما يكون هناك ولذلك اختار السنا المكي وقال في الهدي شرب مائه مطبوخا أصلح من شربه مدقوقا . 3465 (ثلاث لازمات) أي ثابتات دائمات (لأمتي سوء الظن) بالناس بأن لا يظن بهم الخير (والحسد) لذوي النعم على ما منحهم الله تعالى (والطيرة) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن التشاؤم فقال ما يذهبهن يا رسول الله ؟ فقال : (فإذا ظننت فلا تحقق) الظن وتعمل بمقتضاه بل توقف عن القطع به والعمل بموجبه (وإذا حسدت فاستغفر الله تعالى) أي تب إليه من اعتراضك عليه في تصرفه وخلقه فإنه حكيم لا يفعل شيئا إلا لحكمة (وإذا نظرت) من شئ (فامض) لمقصدك ولا ترجع كما كانت الجاهلية تفعله فإن ذلك ليس له تأثير في جلب نفع ولا دفع ضر . (تنبيه) أشار بهذا الحديث إلى أن هذه الثلاثة من أمراض القلب التي يجب التداوي منها وأن علاجها ما ذكر فمخرجه من سوء الظن أن لا
[ 402 ]
يحققه بقلبه ولا بجارحته أما تحقيقه بالقلب فبأن يصمم عليه ولا يكرهه ومن علامته أن يتفوه به فبأن يعمل بموجبه فيها والشيطان يلقي للإنسان أن هذا من فطنتك وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو إذا أساء الظن ناظر بنور الشيطان وظلمته أما إذا أخبرك به عدل فظننت صدقه فأنت مغرور (أبو الشيخ في) كتاب (التوبيخ طب عن حارثة بن النعمان) بن نقع بن زيد من بني مالك ابن النجار من فضلاء الصحابة شهد بدرا قال الهيثمي : فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري ضعيف . 3466 (ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة) أي أمة الإجابة (الحسد) للخلق (والظن) بالناس سوءا (والطيرة) أي التطير يعني التشاؤم (ألا أنبئكم بالمخرج منها) قالوا : أخبرنا يا رسول الله قال : (إذا ظننت فلا تحقق) مقتضى ظنك (وإذا حسدت) أحدا (فلا تبغ) أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به (وإذا تطيرت فامض) لأن الحسد واقع في النفس كأنها مجبولة عليه فلذلك عذرت فيه فإذا استرسلت فيه بمقالها وفعالها كانت باغية وينبغي للحاسد أن يرى أن حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا في إزالة حظه فإن ذلك مما يضره ولا يعيده ذكره القاضي وقال الغزالي : إذا يئس الإنسان أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقص وإنما يزول بأن ينال مثلها أو تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين لا ينفك القلب عن شهوة الآخر فإذا زالت نعمة المحسود كان أشهى عنده من دوامها وبزوالها يزول تخلفه ويقدم غيره وهذا لا ينفك القلب عنه فإن كان لورود الأمر لاختياره سعى في إزالة النعمة عنه فهو الحسد المذموم وإن كان نزعه التقوى من إزالة ذلك عفي عنه فيما يجده من طبعه من ارتياح إلى زوال نعمة محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه وهذا هو المعنى بالخبر (رسته في) كتاب (الإيمان) له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري الإمام المشهور بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن ابن عمر الأصبهاني الحافظ . 3467 (ثلاث لن تزلن في أمتي التفاخر بالأحساب) هذا ورد للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبع من الإفتخار بالآباء والإتكال عليهم والمسارعة إلى السعادة إنما هي بالأعمال لا بالأحساب (1) :
[ 403 ]
وما الفخر بالعظم الرميم وإنما * فخار الذي يبغي الفخار لنفسه (والنياحة) على الميت كدأب أهل الجاهلية (والأنواء) قال الزمخشري : هي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط منها في كل ثلاثة عشر ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته وانقضاء هذه النجوم مع انقضاء السنة فكانوا إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا : لا بد من رياح ومطر فينسبون كل غيم يكون عند ذلك إلى النجم الساقط فيقولون : مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك والنوء من الأضداد فسمي به النجم إما الطالع أو الساقط اه‍ (فائدة) قال الخطيب البغدادي رضي الله عنه : لقي منجم رجلا فقال المنجم : كيف أصبحت قال أصبحت أرجو الله وأخافه وأصبحت ترجو المشتري وزحل وتخافهما فنظمه بعضهم فقال : أصبحت لا أرجو ولا أخشى سوى * الجبار في الدنيا ويوم المحشر وأراك تخشى ما تقدر أنه * يأتي به زحل وترجو المشتري شتان ما بيني وبينك فالتزم * طرق النجاة وخل طرق المنكر (ع عن أنس) ورواه عنه البزار أيضا قال الهيثمي : ورجاله ثقات . (1) لئن فخرت بآباء ذوي حسب * لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا أو كيف يتكبر بنسب ذوي الدنيا وهي عند الله لا تساوي جناح بعوضة وكيف يتكبر بنسب أهل الدين وهم لم يكونوا يتكبرون وكان شرفهم بالدين والتواضع قد شغلهم خوف العاقبة عن التكبر مع عظيم علمهم وعملهم فكيف يتكبر بنسبهم من عاطل عن خصالهم ؟ . 3468 (ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن ما أخذن إلا بسهمة) أي قرعة فلا يتقدم إليها إلا من خرجت له القرعة (حرصا على ما فيهن من الخير) الأخروي (والبركة) أي الزيادة في الخير (التأذين بالصلاة) فإن المؤذن يغفر له مدى صوته ولا يسمعه إنس ولا جن ولا شئ إلا شهد له به يوم القيامة (والتهجير) أي التكبير (بالجماعات) أي المحافظة على حضورها في أول الوقت (والصلاة في أول الصفوف) أي الصف المتقدم منها وهو الذي يلي الإمام وقد ورد في فضله نصوص لا تكاد تحصى (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور أبو الشيخ وغيره قال الديلمي وفي الباب علي غيره . 3469 (ثلاث ليس لأحد من الناس) فيهن رخصة أي في تركهن (بر الوالدين مسلما كان)
[ 404 ]
الواحد منهم (أو كافر) يحتمل تقييده بالمعصوم ويحتمل خلافه (والوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافر) فيه الاحتمالان المذكوران (وأداء الأمانة لمسلم كان أو كافر) فيه ما في قبله (هب عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه وفيه إسماعيل بن أبان فإن كان هو الغنوي الكوفي فهو كما قال الذهبي كذاب وإن كان الوراق فثقة . 3470 (ثلاث معلقات بالعرش) أي عرش الرحمن (الرحم) متعلقا به (تقول اللهم إني بك فلا أقطع) أي أعوذ بك من أن يقطعني قاطع يريد الله والدار الآخرة (والأمانة) معلقة به (تقول اللهم إني أعوذ بك فلا أختان) أي إني أعوذ بك أن يخونني خائن يخشاك (والنعمة) معلقة به (تقول اللهم إني أعوذ بك فلا أكفر) أي أعوذ بك أن يكفر بي المنعم عليه الذي يخاف الله قال العارف ابن أدهم : إذا أردت معرفة الشئ بفضله فاقلبه بنقيضه فاقلب الأمان خيانة والصدق كذبا والإيمان كفرا تعرف فضل ما أوتيت فالحذر الحذر وقال العارف المحاسبي : ثلاثة عزيزة أو معدومة حسن وجه مع صيانة وحسن خلق مع ديانة وحسن إخاء مع أمانة (هب) وكذا البزار (عن ثوبان) بضم الثاء بضبط المصنف قال العلائي حديث غريب فيه يزيد بن ربيعة الرجي ضعيف متكلم فيه اه‍ . قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة متروك . 3471 (ثلاث منجيات) من عذاب الله تعالى (خشية الله) أي خوفه (تعالى في السر والعلانية والعدل في الرضى والغضب) العادل من لا يميل في الهوى فيجور في الحكم (والقصد في الفقر والغنى) أي التوسط فيهما (وثلاث مهلكات) أي يردين فاعلهن في الهلاك (هوى متبع وشح مطاع) قال ابن الأثير : هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق التي أوجبها الله عليه في ماله يقال أطاعه يطيعه فهو مطيع وطاع له يطوع ويطيع فهو طائع أي أذعن وأقر والاسم الطاعة (وإعجاب المرء بنفسه) قال القرطبي وهو ملاحظة لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله فإن وقع على الغير واحتقره فهو الكبر قال الغزالي : أحذرك ثلاثا من خبائث القلب هي الغالبة على متفقهة العصر وهي مهلكات وأمهات
[ 405 ]
لجملة من الخبائث سواها الحسد والرياء والعجب فاجتهد في تطهير قلبك منها فإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز ولا تظن أنه يسلم لك بنية صالحة في تعلم العلم وفي قلبك شئ من الحسد والرياء والعجب فأما الحسد فالحسود هو الذي ينشق عليه إنعام الله على عبد من عباده بمال أو علم أو محبة أو حظ حتى يحب زوالها عنه وإن لم يحصل له شئ فهو المعذب الذي لا يرحم فلا يزال في عذاب فالدنيا لا تخلو عن كثير من أقرانه فهو في عذاب في الدنيا إلى موته ولعذاب الآخرة أشد وأكبر وأما الهوى المتبع فهو طلبك المنزلة في قلوب الخلق لتنال الجاه والحشمة وفيه هلك أكثر الناس وأما العجب فهو الداء العضال وهو نظر العبد إلى نفسه بعين العز والاستعظام ونظره لغيره بعين الاحتقار وثمرته أن يقول أنا وأنا كما قال إبليس ونتيجته في المجالس التقدم والترفع وطلب التصدر وفي المحاورة الاستنكاف من أن يرد كلامه وذلك مهلك للنفس في الدنيا والآخرة قال الزمخشري : الإعجاب هو فتنة العلماء وأعظم بها من فتنة وقال في العوارف : وما نقل عن جمع كبار من كلمات مؤذنة بالإعجاب فهو بسقيا السكر وانحصارهم في مضيقه وعدم خروجهم لفضاء الفقر في ابتداء أمرهم فإنه إذا حدق صاحب البصيرة نظره علم أنه من استراق النفس قال عند نزول الوارد على القلب والنفس عند الاستراق المذكور تظهر بصفتها فتصدر عنها تلك الكلمات كقول بعضهم ما تحت خضر السماء مثلي وقول بعضهم أسرجت وألجمت وطفت في أقطار الأرض وقلت هل من مبارز فلم يخرج إلي أحد فهذا كله يطفح عليهم حال السكر فيحتمل . (أبو الشيخ في التوبيخ) وكذا البزار وأبو نعيم والبيهقي (طس) كلهم (عن أنس) قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف . 3472 (ثلاث مهلكات) أي موقعات لفاعلها في المهالك (وثلاث منجيات) لفاعلها (وثلاث كفارات) لذنوب فاعلها (وثلاث درجات) أي منازل في الآخرة (فأما المهلكات فشح مطاع) أي بخل يطيعه الناس فلا يؤدون الحقوق وقال الراغب : خص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به ذم إذ ليس هو من فعله وإنما يذم بالانقياد له (1) (وهوى متبع) بأن يتبع كل أحد ما يأمره به هواه (وإعجاب المرء بنفسه) أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحا قال القرطبي : وإعجاب المرء بنفسه هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله والإعجاب وجدان شئ حسنا قال تعالى في قصة قارون * (قال إنما أوتيته على علم عندي) * قال الله تعالى * (فخسفنا به) *
[ 406 ]
فثمرة العجب الهلاك قال الغزالي : ومن آفات العجب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى فإن عجب مخذول فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك قال عيسى عليه الصلاة والسلام : يا معشر الحواريين كم سراج قد أطفأته الريح وكم عابد أفسده العجب (وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية) قدم السر لأن تقوى الله فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف من شوب رؤية الناس وهذه درجة المراقبة وخشيته فيهما تمنع من ارتكاب كل منهي وتحثه على فعل كل مأمور فإن حصل للعبد غفلة عن ملاحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مولاه لجأ إلى التوبة ثم داوم الخشية (وأما الكفارات) جمع كفارة وهي الخصال التي من شأنها أن تكفر أي تستر الخطيئة وتمحوها (فانتظار الصلاة بعد الصلاة) ليصليها في المسجد (وإسباغ الوضوء في السبرات) جمع سبرة بسكون الموحدة وهي شدة البرد كسجدة وسجدات (ونقل الأقدام إلى الجماعة) أي إلى الصلاة مع الجماعة (وأما الدرجات فإطعام الطعام) للجائع (وإفشاء السلام) بين الناس من عرفته ومن لم تعرفه (والصلاة بالليل والناس نيام) أي التهجد في جوف الليل حال غفلة الناس واستغراقهم في لذة النوم وذلك هو وقت الصفاء وتنزلات غيث الرحمة وإشراف الأنوار (طس) وكذا أبو نعيم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال العلاء : سنده ضعيف وعده في الميزان من المناكير قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة ومن لا يعرف . (1) لأنه من لوازم النفس مستمد من أصل جبلتها الترابي وفي التراب قبض وإمساك وليس ذلك بعجيب من الآدمي وهو جبلي إنما العجيب وجود السخاء في الغريزة وهو النفوس الفاضلة الداعي إلى البذل والإيثار . 3473 (ثلاث من كن فيه فهو منافق) أي حاله يشبه حال المنافق (وإن صام) رمضان (وصلى) الصلوات المفروضة (وحج) البيت (واعتمر) أي أتى بالعمرة وإن عمل أعمال المسلمين من صلاة وصوم وحج واعتمار وغيرها من العبادات وهذا الشرط اعتراضي وأراد للمبالغة لا يستدعي الجواب ذكره الزمخشري (وقال إني مسلم إذا حدث كذب) في حديثه (وإذا وعد أخلف) فيما وعد (وإذا ائتمن خان) فيما جعل أمينا عليه وقد سبق الكلام على هذا مستوفى بما منه أنه ليس الكلام فيمن لم تتمكن منه هذه الخصال إنما المراد من صارت هجيراه وديدنه وشعاره لا ينفك عنها بدليل قرن الجملة الشرطية بإذا الدالة على تحقق الوقوع (رسته في) كتاب (الإيمان وأبو الشيخ في) كتاب (التوبيخ) كلاهما (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور لكن بدون حج واعتمر والباقي سواء فلو عزاه له ثم قال وزاد فلان وحج واعتمر لكان أقعد وأجود .
[ 407 ]
3474 (ثلاث من الإيمان) أي من قواعد الإيمان وشواهد أهله (الحياء) بحاء مهملة ومثناة تحتية (والعفاف والعي) والمراد به (عي اللسان) عن الكلام عند الخصام (غير عي الفقه) أي الفهم في الدين (والعلم) فإن العي عنهما ليس من أصل الإيمان بل محض النقص والخسران (وهن مما ينقصن من الدنيا) لأن أكثر الناس لاحياء عندهم فمن استحيا معهم ضيعوه والعفاف ليس من شأنهم فمن قصر منهم في الخصام خصموه (و) هن (يزدن في الآخرة) أي في عمل الآخرة الذي لا معول عند كل ذي لب إلا عليه (وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا) * (وللآخرة خير لك من الأولى) * (وثلاث من النفاق) أي من علامات النفاق وشأن أهله (البذاء والفحش) في القول والفعل (والشح) الذي هو أشد البخل (وهن مما يزدن في الدنيا) لكونهن طباع أهلها (وينقصن من الآخرة) لما فيهن من الوزر وارتكاب الإصر (وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا) (رسته عن عون) بفتح المهملة وآخره نون (ابن عبد الله بن عتبة بلاغا) وهو الهذلي الكوفي الزاهد الفقيه تابعي جليل وقيل روايته عن الصحب مرسلة قال الذهبي : وثقوه . 3475 (ثلاث) أي صوم ثلاث (من كل شهر) زاد النسائي أيام البيض (ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله) قال بعض الكمل : إشارة إلى مجموع صوم رمضان أدخل الفاء في الخبر لكون المبتدأ نكرة موصوفة أو الفاء زائدة واعترض بأنه صح خبر صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر فما فائدة إضافة رمضان إليه مع أن قوله إلى رمضان يصير مستدركا على توجيهه فالأقرب تعلق قوله إلى رمضان بمحذوف خبر لرمضان أي صوم رمضان إلى رمضان ولا يبعد أن يعطي الله بمجرد صوم رمضان ثواب سنة تفضلا (م د ن) كلهم في الصوم (عن أبي قتادة) ولم يخرج البخاري عن أبي قتادة شيئا . 3476 (ثلاث هن علي فريضة) لازمة ولفظ رواية الحاكم فرائض (وهن لكم تطوع الوتر
[ 408 ]
وركعتا الضحى والفجر) قال ابن حجر : يلزم من قال به وجوب ركعتي الفجر عليه ولم يقولوا به وإن وقع في كلام بعض السلف ووقع في كلام الآمدي وابن الحاجب وقد ورد ما يعارضه انتهى (أقول) أخشى أن يكون ذلك تحريفا فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك النحر بالنون وحاء مهملة لا بفاء وجيم ولعله هو الصواب فلينظر (حم ك) في الوتر عن شجاع عن يحيى بن أبي حبة عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الذهبي : ما تكلم الحاكم عليه وهو حديث منكر ويحيى ضعفه النسائي والدارقطني وقال ابن حجر : ولفظ رواية أحمد ركعتا الفجر بدل الضحى وفي رواية لابن عدي الوتر والضحى وركعتا الفجر ومداره على أبجناب الكلبي عن عكرمة وأبو جناب ضعيف ومدلس وقد عنعنه وقد أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد والبيهقي وابن الصلاح وابن الجوزي والنووي وغيرهم وخالف الحاكم فخرجه في مستدركه لكن لم يتفرد به أبو جناب بل تابعه أضعف منه وهو جابر الجعفي انتهى وقال في موضع آخر : الحديث ضعيف من جميع طرقه وقال في موضع : فيه أبو جناب ضعيف وله طريق أخرى فيها مندل وأخرى وضاح بن يحيى وأخرى فيها جابر الجعفي والكل ضعفاء وقال في موضع آخر : حديث غريب أورده ابن عدي في منكرات أبي جناب بجيم ونون خفيفة وموحدة وقد ضعفوه . 3477 (ثلاث وثلاث وثلاث) أي أعدهن وأبين حكمهن (فثلاث لا يمين فيهن) أي يعمل بمقتضاها بل إذا وقع الحلف ينبغي الحنث والتكفير لا يجب فيهن يمين (وثلاث الملعون فيهن وثلاث أشك فيهن) فلا أجزم فيهن بشئ (فأما الثلاث التي لا يمين فيهن فلا يمين للولد مع والده) أي لو كانت يمين الولد يحصل بسببه لوالده نحو أذى طلب للولد أن يكفر عن يمينه وكذا يقال في قوله (ولا للمرأة مع زوجها) فإذا حلفت على شئ يتأذى به فتحنث وتكفر (ولا للمملوك مع سيده) فإذا حلف المملوك على فعل شئ أو تركه وتأذى به سيده فيحنث ويكفر بالصوم لكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في كل ذلك (وأما الملعون فيهن فملعون من لعن والديه) أي يعود لعنه عليه (وملعون من ذبح لغير الله) كالأصنام (وملعون من غير تخوم الأرض) بضم المثناة الفوقية وخاء معجمة أي حدودها جمع تخم بفتح فسكون (وأما التي أشك فيهن فعزيز لا أدري أكان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبع أم لا) وهذا قبل علمه بأنه كان قد أسلم بدليل ما سيجئ في حديث لا تسبوا وفي رواية لا تلعنوا تبعا فإنه كان قد أسلم وهو تبع الحميري كان مؤمنا وقومه كافرين فلذلك ذمهم الله ولم يذمه (ولا أدري الحدود) التي تقام على أهلها في الدنيا (كفارة لأهلها في العقبى أم لا) وهذا قاله قبل علمه بأنها كفارة لها فقد صح
[ 409 ]
عند أحمد وغيره خبر من أصابه ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته وظاهره التكفير وإن لم يتب وعليه الجمهور واستشكل بأن قتل المرتد ليس بكفارة وأجيب بأن الخبر خص بآية * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * وظاهر الخبر أن القاتل إذا قتل سقطت عنه المطالبة في الآخرة ، وأباه جماعة (الإسماعيلي) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الميم وكسر العين المهملة نسبة إلى جد له اسمه إسماعيل (في معجمه وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) رضي الله عنهما . 3478 (ثلاث لا تؤخر ، وهن الصلاة إذا أتت) أي دخل وقتها قال ابن سيد الناس : رويناه بمثناتين فوقيتين وروي آنت بنون ومد بمعنى حانت وحاضرت وقال التوربشتي : أكثر المحدثين أنه بمثناتين فوقيتين وهو تصحيف وإنما المحفوظ من ذوي الإتقان أنه آنت على وزان حانت (والجنازة إذا حضرت) فإذا حضرت للمصلى لا تؤخر لزيادة المصلي ولا غيره للأمر بالإسراع بها ، نعم ينبغي انتظار الولي إن لم يخف تغيره قال المظهر : وفيه أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة وفي تحفة الألباب أن بلاد بلغار يشتد بردها فتصير الأرض كالحديد لا يمكن الدفن بها إلا تعهد الشتاء بثلاثة أشهر (والأيم إذا وجدت كفؤا) فإنه لا يؤخر تزويجها ندبا قال الطيبي : وجمع تعجيل الصلاة والجنازة والأيم في قرن واحد لما يشملها من معنى اللزوم فيها وثقل محلها على من لزم عليه مراعاتها والقيام بحقها وهذا الحديث فيه قصة وهي ما أخرجه ابن دريد والعسكري أن معاوية قال يوما وعنده الأحنف ما يعدل الأناة شئ فقال الأحنف : إلا في ثلاث تبادر بالعمل الصالح أجلك وتعجل إخراج ميتك وتنكح كفء أيمك فقال رجل : إنا لا نفتقر في ذلك إلى الأحنف قال : لم قال : لأنه عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا علي كرم الله وجهه فذكره الترمذي في الصلاة . (ك) في النكاح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي : غريب وليس سنده بمتصل وهو من رواية وهب عن سعيد مجهول وقد ذكره ابن حبان انتهى وجزم ابن حجر في تخريج الهداية بضعف سنده وقال في تخريج الرافعي : عنه رواه الحاكم من هذا الوجه وجعل محله سعيد بن عبد الرحمن الحجمي وهو من أغاليطه الفاحشة انتهى ومما رواه البيهقي في سننه عن سعيد بن عبد الله هذا قال وفي الباب أحاديث كلها واهية أمثلها هذا وبه عرف ما في جزم الحافظ العراقي بحسنه وما في قول المناوي رجاله ثقات . 3479 (ثلاث لا ترد) أي لا ينبغي ردها (الوسائد) جمع وسادة المخدة (والدهن) قال الترمذي : يعني بالدهن الطيب (واللبن) قال الطيبي : يريد أن يكرم الضيف بالطيب والوسادة واللبن ولا يردها فإنها هدية قليلة المنة فلا ينبغي ردها وأنشد بعضهم يقول : قد كان من سيرة خير الورى * صلى الله عليه طول الزمن أن لا يرد الطيب والمتكا * واللحم أيضا يا أخي واللبن
[ 410 ]
(ت) في الاستئذان (عن عمر) بن الخطاب وقال : غريب وفي الميزان عن أبي حاتم هذا حديث منكر وقال ابن القيم : حديث معلول رواه الترمذي وذكر علته ولا أحفظ الآن ما قيل فيه إلا أنه من رواية عبد الله بن مسلم بن حبيب عن أبيه عن ابن عمر وقال ابن حبان : إسناده حسن لكنه ليس على شرط البخاري . 3480 (ثلاث لا يجوز اللعب فيهن) لكون هزلهن جدا (الطلاق والنكاح والعتق) في رواية بدله الرجعة قال ابن حجر : وهذا هو المشهور فيه اه‍ فمن طلق أو تزوج أو أعتق هازلا نفذ له وعليه (طب عن فضالة بن عبيد) الأنصاري قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح قال ابن حجر : وفيه رد على النووي إنكاره على الغزالي إيراد اللفظ قائلا المعروف الخبر المار ثلاث جدهن إلخ اه‍ . 3481 (ثلاث) أصله ثلاث خصال بالإضافة حذف المضاف إليه ولهذا جاز الإبتداء بالنكرة (لا يحل لأحد) من الناس (أن يفعلهن) وأن وما بعدها يقدر بالمصدر الذي هو فاعل تقديره لا يحل لأحد فعلهن (لا يؤم رجل) أي ولا امرأة للنساء (قوما فيخص) منصوب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد * (لا يقضى عليهم فيموتوا) * (نفسه بالدعاء دونهم) في رواية بدعوة فتخصيص الإمام نفسه بالدعاء مكروه فيندب له أن يأتي بلفظ الجمع في نحو القنوت (1) قال ابن رسلان رحمه الله وكذا التشهد ونحوه من الأدعية (فإن فعل) أي خص نفسه بالدعاء (فقد) أي حقيق (خانهم) لأن كل ما أمر به الشارع فهو أمانة وتركه خيانة (ولا ينظر) بالرفع عطفا على يوم (في قعر) كفلس (بيت) أي صدره وفي المصباح قعر الشئ نهاية أسفله (قبل أن يستأذن) على أهله فيحرم الاطلاع في بيت الغير بغير إذنه (فإن فعل) أي اطلع فيه بغير إذنهم (فقد دخل) أي فقد ارتكب إثم من دخل البيت (2) (ولا يصلي) بكسر اللام المشدودة مضارع والفعل في معنى النكرة والنكرة في معرض النفي تعم فتشمل صلاة فرض العين والكفاية والسنة فلا يفعل شئ منها (وهو حقن) أي حاقن أي حابس للبول كالحاقب للغائط والحازق لذي خف ضيق (حتى يتخفف) بفتح المثناة التحتية ومثناة فوقية أي يخفف نفسه بإخراج الفضلتين لئلا يؤذيه بقاؤه وفي معناه الريح ونحوه مع الطهارة بلفظه (ت) في الصلاة بمعناه كلاهما (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه عنه أيضا ابن ماجه (د) في اختلاف يسير لفظي . (1) أي خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد . (2) والظاهر أن محل هذا إذا كان فيه من يحرم النظر إليه أو ما يكره المالك اطلاع الناس عليه .
[ 411 ]
3482 (ثلاث لا يحاسب بهن العبد) الفاعل لهن (ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته) قال في الفردوس : الخص من قصب وقيل مكتو ب في التوراة يا ابن آدم كسرة تكفيك وخرقة تواريك وجحر يؤويك (حم في كتاب (الزهد) له (هب) كلاهما (عن الحسن) البصري (مرسلا) ثم قال أعني البيهقي هكذا جاء مرسلا وهو مرسل جيد اه‍ ورواه الديلمي عمن له صحبة ويعضده ما خرجه هو أيضا عن الحسن بن علي وعثمان مرفوعا ثلاث ليس على ابن آدم فيهم حساب طعام يقيم صلبه وبيت يسكنه وثوب يواري عورته فما فوق ذلك فكله حساب . 3483 (ثلاث لا يفطرن الصائم) إذا وقعت في الصوم (الحجامة) فلو حجم نفسه أو حجمه غيره بإذنه لم يفطر لكن الأولى تركه وخبر أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ أو مؤول (والقئ) فمن ذرعه القئ أي سبقه فهو لا يفطر مطلقا ولا قضاء عليه (والاحتلام) فمن نام نهارا واحتلم فأنزل لم يبطل صومه ولا قضاء عليه قال الحافظ العراقي : فيه أن الحجامة لا تفطر الصائم قال ابن العربي : وكنت مترددا فيه لكثرة المعارضات في الروايات حتى أخبرني القاضي أبو المطهر بحديث أفطر الحاجم والمحجوم فرأيت حديثا عظيما ورجالا وسندا صحيحا فكنت تارة أحمله على لفظه وتارة أتأوله وتترامى بي الخواطر حتى قرأت على أبي الحسين بن المبارك فذكر بإسناد حديث أنس مر النبي صلى الله عليه وسلم بجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم فقال : أفطر هذا ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحجامة للصائم وهذا نص فيه ثلاث فوائد تسمية المحتجم وثبوت خطر الحجامة ومنعها للصائم وثبوت الرخصة بعد في الحظر (ت) وكذا البيهقي (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي : هذا غير محفوظ وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم مضعف والمشهور عن عطاء مرسل وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن من حديث أبي سعيد ونقل عن ابن عباس عند البزار بسند معلول وعن ثوبان عند الطبراني وهو ضعيف . 3484 (ثلا ث لا يعاد صاحبهن) أي لا تندب إعادته لا أنها لا تجوز (الرمد) أي وجع العين (وصاحب الضرس) أي الذي به وجع الضرس أو غيره من الأسنان (وصاحب الدمل) أي الذي به دمل أي خراج صغير وإن تعدد لأن هذه من الآلام التي لا ينقطع صاحبها بسببها غالبا وهذا صريح في أن وجع العين ليس بمرض وبه تمسك قوم وذهب آخرون إلى أنه مرض وعليه مالك فإنه سئل عمن به صداع شديد فقال : هو من الإفطار في سعة فقالوا : لا تندب عيادته لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو
[ 412 ]
وتعقب بأنه أمر خارجي قد يأتي مثله في بقية الأمراض كالمغمى عليه قال في المطامح : فجعله مرضا اه‍ . ويشهد له ما في أبي داود وصححه الحاكم عن زيد بن أرقم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عاده من وجع بعينه وهو عند البخاري رحمه الله تعالى في الأدب المفرد وسياقه أتم وبه أخذ الشافعية وحملوا الحديث على الغالب من عدم الانقطاع لذلك (طس عد عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال البيهقي في الشعب : حديث ضعيف وقال الهيثمي : فيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف اه‍ . وقال ابن حجر : هذا الحديث صحح البيهقي وقفه على يحيى بن أبي كثير وذلك لا يوجب الحكم بوضعه إذ مسلمة لم يجرح بكذب فجزم ابن الجوزي بوضعه وهم . 3485 (ثلاث لا يمنعهن) أي لا يجوز لأحد منعهن (الماء) أي ماء البئر المحفورة في موات فماؤها مشترك بين الناس والحافر كأحدهم فإن حفرها بملك أو موات للتملك ملكه أو للارتفاق فهو أولى به حتى يرتحل وفي جميع الحالات يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته للمحتاج (والكلأ) بالهمز والقصر النبات أي المباح وهو النابت في موات فلا يحل منع أهل الماشية من رعيه لأنه مجرد ظلم أما كلأ نبت بأرض ملكها بالإحياء فمذهب الشافعية حل بيعه (والنار) يعني الأحجار التي توري النار فلا يمنع أحد من الأخذ منها وأما نار يوقدها الإنسان فله منع من أخذ جذوة منها لا أن يأخذ منها مصباحا أو يدني منها ضغثا إذ لا ينقصها كذا ذكره جمع وقال صاحب العدة : لو أضرم نارا بحطب مباح بصحراء لم يمنع من ينتفع بها فلو جمع الحطب ملكه فإن أضرمه نارا فله منع غيره منها (ه عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي رضي الله عنه : سنده صحيح . 3486 (ثلاث يجلين البصر) بضم أوله وشد اللام (النظر إلى الخضرة) أي إلى الزرع الأخضر أو الشجر أو إلى كل أخضر (والى الماء الجاري) في نحو نهر خرج به الراكد كبركة (والى الوجه الحسن) أي عند ذوي الطباع السليمة والسلائق المستقيمة ويحتمل عند الناظر (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن محمد بن أحمد بن هارون الشافعي عن أحمد بن عمر الزنجاني عن أبي البحتري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال ابن الجوزي : باطل موضوع ووهب كذاب والشافعي هو الريرندي ليس بشئ قال الحاكم : حدث عن قوم لا يعرفون فقلت له إن أحمد بن عمر ما خلق بعد اه‍ . ولم يتعقب المؤلف إلا بأنه ورد من طريق آخر وهو ينافي قوله (د عن ابن عمر) أي عن محمد بن أحمد الوارق عن علي بن القباني عن عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي عن يحيى بن أيوب المقابري عن شعيب بن حرب عن مالك بن مغول عن طلحة عن مصرف عن نافع عن ابن عمر قال المؤلف : رجاله من شعيب فصاعدا رجال الصحيح والخوارزمي قال أبو نعيم في حديثه
[ 413 ]
نكارة (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي عن محمد الأنماطي عن محمد الأهوازي عن النعمان بن أحمد عن محمد بن حرب عن عباد بن يزيد عن سليمان بن عمرو النخعي عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه صفية (عن عائشة) رضي الله عنها أورده المؤلف في مختصر الموضوعات وقال : سليمان النخعي كذاب (الخرائطي في) كتاب (اعتلال القلوب) في التصوف عن أحمد بن الهيثم الكندي عن محمد بن زكريا عن محمد بن يحيى النيسابوري عن عيسى بن إبراهيم البركي عن حماد بن حميد الطويل عن أبي الصديق الناجي (عن أبي سعيد) الخدري قال المؤلف : حماد هو ابن سلمة وهو فمن فوقه عن رجال الصحيح وعيسى البركي روى له أبو داود ووثق وخالد بن يحيى هو الهذلي ثم قال أعني المؤلف وبمجموع هذه الطرق يرتقي الحديث عن درجة الوضع . 3487 (ثلاث يزدن في قوة البصر الكحل بالإثمد) أي التكحل بالكحل الأسود المشهور (والنظر إلى الخضرة) فيه الإحتمالات المقررة (والنظر إلى الوجه الحسن) على ما سبق قال السخاوي : كان النسائي يلبس الأخضر من الثياب ويقول الأخضر مما يزيد في قوة البصر (نكتة) قال في اللسان وروى جعفر بن علي الدقاق رضي الله عنه عن الحسين بن سهل التركي عن أبيه عن يحيى بن أكثم قال : دخلت على المأمون والعباس ابنه عن يمينه وكان من أحسن الناس وجها فجعلت أتأمله فنظر إلي المأمون فزجرني قلت يا أمير المؤمنين حدثني عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رفعه النظر إلى الوجه المليح يجلو البصر وإن في بصري ضعفا أردت أن أجلوه قال فأطرق ثم أنشد يقول : ألا لله درك أي قاض * رمته المرد بالحدق المراض يجن إذا رأى وجها مليحا * ويغلط في الحديث المستفاض قال في اللسان : هذا موضوع (أبو الحسن الفراء) بفتح الفاء وشد الراء نسبه إلى خياطة الفراء وبيعها (في فوائده) تخريج السلفي عن أحمد بن الحسن الشيرازي عن الحسين بن محمد الأهوازي عن الحسين بن محمد البيع عن محمد المحدث عن جعفر الطرائقي عن عبد الله بن عباد العبدي عن إسماعيل بن عيسى عن أبي هلال الراسبي عن أبي بريدة (عن) أبيه (بريدة) وأبو هلال ضعفه قوم ووثقه آخرون . 3488 (ثلاث يدخلون الجنة بغير حساب : رجل غسل ثيابه فلم يجد له خلفا) يلبسه حتى تجف ثيابه يعني أنه لفقره ليس له إلا ثيابه التي عليه ولا يمكن تحصيل شئ غيرها (ورجل لم ينصب على
[ 414 ]
مستوقده قدران) يعني لا قدرة له على تنويع الأطعمة وتلوينها لفقره ورثاثة حاله (ورجل دعى بشراب فلم يقل له) بالبناء للمجهول أي لم يقل له خادمه أو نحوه الذي استدعى منه إحضار الطعام والشراب (أيهما تريد) يعني لا قدرة له على تحصيل نوعين من الأشربة لضيق حاله وقلة ماله فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب (أبو الشيخ [ ابن حبان ] في الثواب عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي : وفي الباب أبو هريرة . 3489 (ثلاث يدركن بهن) أي بفعلهن (العبد) الإنسان (رغائب) جمع رغبة وهي العطاء الكثير (الدنيا والآخرة : الصبر على البلاء والرضا بالقضاء والدعاء في الرخاء) أي في حال الأمن وسعة الحال وفراغ البال فإن من تعرف إلى الله في الرخاء تعرف إليه في الشدة كما سبق تقريره موضحا والرخاء بالمد العيش الهنئ والخصب والسعة (أبو الشيخ) في الثواب (عن عمران بن حصين) ورواه الديلمي عن أبي هلال التيمي مرفوعا . 3490 (ثلاث يصفين لك ود أخيك) في الإسلام (تسلم عليه إذا لقيته) في نحو طريق (وتوسع له في المجلس) إذا قدم عليك وأنت جالس فيه (وتدعوه بأحب الأسماء إليه) من اسم أو كنية أو لقب (1) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البيهقي وثلاث من البغي تجد على الناس فيما تأتي وترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك وتؤذي جليسك فيما لا يعنيك (طس ك هب) كلهم من حديث أبي مطرف عن موسى بن عبد الملك (عن عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عثمان بن عبد الدار العبدري (الحجبي) بفتح وكسر الحاء المهملة والجيم الموحدة نسبة إلى حجابة الكعبة المعظمة صحابي شهير استشهد بأجنادين أو غيرها قال الحاكم أبو مطرف ثقة قال الذهبي : لكن موسى ضعفه أبو حاتم وقال الهيثمي في كلامه على أحاديث الطبراني فيه موسى بن عبد الملك بن عمير وهو ضعيف وعثمان بن طلحة هذا قتل أبوه وعمه يوم أحد كافرين وهاجر مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ودفع إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتاح الكعبة (هب عن عمر) بن الخطاب (موقوفا عليه) من قوله . (1) فيندب فعل هذه الخصال والملازمة عليها لتنشأ عنها المحبة وتدوم المودة .
[ 415 ]
3491 (ثلاث إذا رأيتهن فعند ذلك) أي عند رؤيتهن يعني عقبها على القرب منها (تقوم الساعة) القيامة (إخراب العامر وعمارة الخراب) قال ابن قتييبة : أراد به نحوا مما يفعله الملوك من إخراب بناء جيد محكم وإنتاج غيره في الموات بغير علة إلا إعطاء النفس الشهوة ومتابعة الهوى (وأن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا) أي يكون ذلك دأب الناس وديدنهم فمن أمرهم بمعروف عدوا أمره به منكرا وآذوه ومقتوه ومن نهاهم عن منكر فعلوه عدوا نهيه عنه نهيا عن معروف فعلوه فآذوه ومقتوه (وأن يتمرس الرجل) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فميم مفتوحات فراء مشددة مفتوحة فسين مهملة (بالأمانة) أي يتلعب بها (تمرس البعير بالشجرة) أي يتلعب ويعبث بها كما يعبث البعير بالشجرة ويتحكك بها والتمرس شدة الالتواء (ابن عساكر) في التاريخ (عن محمد بن عطية) بن عروة (السعدي) صدوق من الطبقة الثالثة كلام المؤلف كالصريح في أنه صحابي وهو غفلة عن قول التقريب وغيره وهم من زعم أنه له صحبة مات على رأس المائة ورواه أيضا من هذا الوجه الطبراني قال الهيثمي : وفيه يحيى بن عبد الله النابلسي وهو ضعيف فما أوهمه صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير غير سديد . 3492 (ثلاث أصوات يباهي الله بهن الملائكة الأذان) أي أذان المؤذن للصلاة (والتكبير في سبيل الله) أي حال قتال الكفار (ورفع الصوت بالتلبية) في النسك يقول لبيك اللهم لبيك وهذا في حق الذكر (ابن النجار) في تاريخه (فر) كلاهما (عن جابر) رضي الله تعالى عنه وفيه معاوية بن عمرو البصري قال الذهبي في الضعفاء : واه ورشدين بن سعد قال أبو زرعة والدارقطني ضعيف وقرة بن عبد الرحمن قال أحمد منكر الحديث جدا اه‍ . ومن ثم قال ابن حجر رحمه الله : حديث غريب ضعيف . 3493 (ثلاثة أعين لا تمسها النار) أي نار جهنم في الآخرة (عين فقئت) أي خسفت وبخست (في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله (وعين حرست) المسلمين (في سبيل الله) في الجهاد (وعين بكت من خشية الله) قال الطيبي : كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى : * (إنما
[ 416 ]
يخشى الله من عباده العلماء) * حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين : عين مجاهدة مع النفس والشيطان ، وعين مجاهدة مع الكفار ، والخوف والخشية متلازمان . قال في الإحياء : الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل (ك) في الجهاد عن محمد الأسدي عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم : صحيح ، ورده الذهبي بأن عمر ضعفوه . 3494 (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ذكر الثلاثة ليس للتقييد فإنه خصم كل ظالم لكنه أراد التغليظ عليهم لغرابة قبح فعلهم والخصم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد وهذ الحديث من الأحاديث القدسية فقد رواه البخاري رضي الله عنه بلفظ قال الله تعالى فوقع في هذه الرواية اختصار (ومن كنت خصمه خصمته) لأنه لا يغلبه شئ (رجل أعطى بي) أي أعطى الأمان باسمي أو بذكري أو بما شرعته من الدين كأن يقول عليك عهد الله أو ذمته (ثم غدر) أي نقض العهد الذي عاهد عليه لأنه جعل الله كفيلا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى والكفيل خصم المكفول به للمكفول له (ورجل باع حرا فأكل ثمنه) يعني انتفع به على أي وجه كان وخص الأكل لأنه أخص المنافع وذلك لأن من باع حرا فهو غاصب لعبد الله الذي ليس لأحد غير الله عليه سبيل فالمغصوب منه خصم الغاصب (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه) أي العمل (ولم يوفه) أجره لأنه استأجر عبدا وغلة العبد لمولاه فهو الخصم في صلب أجرة عبده هذا حكمة تخصيص هؤلاء لكنه تعالى أكرم الخصوم وأغناهم والكريم إذا ملك أحسن وإذا حاسب سمح وإذا سئل وهب والخبر مسوق لمعنيين أحدهما تعظيم هذه الخصال وأنها كبائر جرائم وخطايا عظائم يتعين الحذر منها الثاني الإخبار عن كرم الله وفضله وأن الخصم الغني الكريم الرؤوف الرحيم وإذا كان هو الخصم كان أرجى للعبد لأنه غني لا يتعاظمه ذنب ولا ينقصه شئ فيناقش فيه بل يرضى خصوم من شاء من عنده كما جاء في كثير من الأخبار فيا له من حديث جمع الخوف والرجاء اللذين هما سهما العبودية إذ هي اضطرار وافتقار فالخوف اضطرار والرجاء افتقار والعبادة لله إنما تصفو بخوف التقصير وشكر التوفيق فرؤية التقصير توجب الخوف ورؤية التقصير توجب الرجاء وقد قيل في معنى هذا الخبر أقاويل كثيرة وما سمعت أجود (ه) في الأحكام (عن أبي هريرة) ظاهر اقتصاره على ابن ماجه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين والأمر بخلافه فقد رواه سلطان المحدثين البخاري في البيع والإجارة لكن بدون ومن كنت خصمه خصمته ولفظه عن الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره اه‍ فهو عند البخاري من الأحاديث القدسية كما مر .
[ 417 ]
3495 (ثلاث تحت العرش يوم القيامة القرآن له ظهر وبطن يحاج العباد) وقال ابن الأثير وغيره ظهره لفظه وبطنه معناه أو ظهره ما ظهر تأويله وبطنه ما بطن تفسيره أو ظهره تلاوته وبطنه تفهمه أو ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان والعمل بمقتضاه وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد على حسب مراتبهم في الأفهام والعقول وتباين منازلهم في المعارف والعلوم وفيه تنبيه على أن كلا منهم إنما يطلب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه ، وقال الحكيم : ظهره يحاج الأمة وبطنه يحاج الخاصة فإن أهل الملة صنفان قال التوربشتي : وقوله له ظهر وبطن جملة مفصولة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تنبه السامع على جلالة شأن القرآن وامتيازه عما سواه واعترضه الطيبي ثم اختار أنها جملة اسمية واقعة حالا من ضمير القرآن بلا واو أي القرآن يحاج العباد مستقصيا فيه (والرحم تنادي صل من وصلني واقطع من قطعني) لأن الله تعالى أعطاها ذلك في الدنيا وأمر بالتراحم والتعاطف بها فمن امتثل أمره فاز بالكرامة ومن أبى نودي عليه بالخسران واستحقاق النيران (والأمانة) تنادي ألا من حفظني حفظه الله ومن ضيعني ضيعه الله قال القاضي : تحت العرش عبارة عن اختصاص هذه الثلاثة من الله بمكان وقرب منه واعتبار عنده بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها كما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه فإن التوسل بهم وشكرهم وشكايتهم لها تأثير عظيم لديه وخص الثلاثة لأن كل ما يحاوله المرء إما أمر دائر بينه وبين ربه خاصة أو بينه وبين الخلق عامة أو بينه وبين أقاربه وأهل بيته والقرآن وصلة بين العبد وربه فمن راعى أحكامه واتبع ظواهره وبواطنه أدى حق الربوبية وأتى بوظيفة العبودية والأمانة تعم عموم الناس فإن دمائهم وأموالهم وأعراضهم أمانا ت بينهم فمن قام بحقها أقام العدل وجانب الظلم ومن وصل الرحم وراقب الأقارب ودفع عنهم المخاوف وأحسن إليهم أدى حقه وخرج من عهدته ولما كان القرآن أعظم قدرا وأرفع منارا والقيام به يشمل الأمرين الآخرين قدم ذكره وأخبر عنه بأنه يحاج العباد أي يخاصمهم فيما أعرضوا عن أحكامه ولم يلتفتوا لمواعظه وأمثاله سواء ما ظهر معناه فأغنى عن التأويل أو خفي واحتاج إليه وأخر الأمانة لأنها أخصها وأفردها بالذكر وإن اشتملت محافظته على الأولين على محافظتها لأنها أحق حقوق الخلق أن تحفظ ولأنه أراد أن يبين أن صلة الرحم وقطيعته بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد اه‍ . وقال الأشرف : الضمير في تنادي عائد إلى الرحم ويمكن عوده إلى كل من الأمانة والرحم (الحكيم) الترمذي في نوادره (ومحمد بن نصر) في فوائده (عن عبد الرحمن بن عوف) ورواه عنه أيضا البغوي في شرح السنة قال المناوي : وفيه كثير بن عبد الله اليشكري متكلم فيه .
[ 418 ]
3496 (ثلاث تستجاب دعوتهم الوالد) لولده (والمسافر والمظلوم) على ظالمه لأن السفر مظنة حصول انكسار القلب بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب الإجابة والمظلوم مضطر (حم طب عن عقبة ابن عامر الجهني) . 3497 (ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله) لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (والمكاتب) أي العبد الذي كاتبه سيده على نجوم إذا أداها عتق (الذي يريد الأداء) أي الذي نيته أن يؤدي للسيد ما كاتب عليه (والناكح الذي يريد العفاف) أي المتزوج بقصد عفة فرجه عن الزنا واللواط أو نحوهما وإنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الثلاثة من الأمور الشاقة التي تكدح الإنسان وتقصم ظهره لولا أنه يعان عليها لما قام بها قال الطيبي : وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المذكورة في النفس وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل سافلين فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى إلى منزلة الملائكة في أعلى عليين . (تنبيه) قال العارف ابن عربي : إذا رأيت واحدا من هؤلاء فأعنه بطائفة من مال أو قال أوحال فإنك إذا أعنتهم فأنت نائب الحق في عونهم فإنه إذا كان عون هؤلاء حقا على الله فمن أعانهم فقد أدى عن الله ما أوجبه على نفسه فيتولى الله كرامته بنفسه فما دام المجاهد مجاهدا بما أعنته عليه فأنت شريكه في الأجر ولا ينقصه شئ وإذا ولد للناكح ولد صالح كان لك في ولده وعقبه أجر وأقر به عين محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وهو أعظم من عون المكاتب والمجاهد لما أن النكاح أفضل النوافل وأقربه نسبة للفضل الإلهي في إيجاده العالم وبعظم الأجر يعظم النسب إلى هنا كلامه (حم ت ن) في الجهاد (ه) في الأحكام (ك) في النكاح (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم وقال الترمذي : حسن . 3498 (ثلاثة على كثبان المسك) جمع كثيب بمثلثة الرمل المستطيل المحدوب (يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون) أي يتمنون جميعا أن يكون لهم مثل الذي لهم ويدوم عليهم ما هو فيهم والغبطة حسد خاص ليس بمذموم (عبد) أي قن ذكر أو أنثى (أدى حق الله وحق مواليه) أي قام بالحقين جميعا فلم يشغله أحدهما عن الآخر (ورجل يؤم قوما وهم به راضون) أو امرأة تؤم نساء وهن
[ 419 ]
بها راضيات والتخصيص بالرجل غالبي (ورجل ينادي بالصلوات الخمس كل يوم وليلة) أي يؤذن محتسبا كما جاء في رواية طالبا بأذانه الأجر من الله سبحانه وتعالى ولا يأخذ عليه أجرا في الدنيا . (حم ت) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال : حسن غريب وقال الصدر المناوي : فيه أبو اليقظان عثمان بن عمير قال الذهبي : كان شيعيا ضعفوه . 3499 (ثلاث على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم الفزع) أي الخوف (ولا يفزعون حين يفزع الناس) يوم القيامة (رجل تعلم القرآن فقام به يطلب وجه الله) أي لا للرياء والسمعة ولا ليتسلق به على حصول دنيا (وما عنده) من جزيل الأجر (ورجل نادى في كل يوم وليلة بخمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه) بل قام بحق الحق وحق سيده وجاهد نفسه على حمل مشقات القيام بالحقين ومن ثم كان له أجران واستوجب الأمان وارتفع على الكثبان (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه بحر بن كنين السقاء ضعيف بل متروك . 3500 (ثلاثة في ظل الله) أي في ظل عرشه كما في رواية (عز وجل يوم لا ظل إلا ظله) أي يوم القيامة (رجل حيث توجه علم أن الله معه) حيثما توجه * (أينما تولوا فثم وجه الله) * ، * (وهو معكم أينما كنتم) * (ورجل دعته امرأة) أجنبية (إلى نفسها) أي إلى الزنا بها (فتركها) أي ترك الزنا بها (من خشية الله تعالى) لا لغرض آخر كخوف من حاكم أو قالة أو نحو ذلك (ورجل أحب بجلال الله) أي يحب رجلا لا يحبه إلا إعظاما لله الذي خلقه فعدله فلم يحبه لنحو إحسانه له بمال أو جاه أو غير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه بشر بن نمير وهو متروك . 3501 (ثلاثة في ظل العرش) أي عرش الرحمن (يوم القيامة) في الموقف (يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم) أي القرابة بالإحسان ونحوه (يزيد الله في رزقه) في الدنيا أي يوسع عليه فيه (ويمد في
[ 420 ]
أجله) أي يطيل حياته بسبب صلته لأقربائه (وامرأة مات زوجها وتر ك عليها أيتاما صغارا) يعني أولادا منه ومن في معناهم كأولاد ولدها منه الذي ما ت عنهم ولا كافل لهم إلا هو (فقالت لا أتزوج بل أقيم على أيتامي) أكفلهم وأقوم به (حتى يموتوا أو يغنيهم الله تعالى) كأن يكبروا ويستغنوا بنحو كسب (وعبد) أإنسان (صنع طعاما) أي طبخه وهيأه (فأضاف) منه (ضيفه وأحسن نفقته) أي أحسن القيام بها (فدعا عليه) أي طلب له (اليتيم والمسكين) المراد به هنا ما يشمل الفقير لأنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (فأطعمهم لوجه الله) عز وجل عن كل نقص ووصف ليس في الكمال المطلق أقصاه وغايته أي فعل ذلك لوجه الله لا لغرض آخر كرياء أو سمعة أو توصل إلى شئ من المقاصد الدنيوية كبعض من يجمع الأيتام والزمناء والعميان عنده في نحو زاوية ويتشيطن على ولاة الأمور ويدخل عليهم بأنه ليس يريد الدنيا وإنما يريد مرتبا للقيام بأدواء هؤلاء حتى إذا تحصل على حظه من ذلك كتبه باسم نفسه واستخدم أهل الزاوية كالعبيد كما فعل الناس الآن ممن يزعم الصلاح (أبو الشيخ في) كتاب (الثواب والأصبهاني) في الترغيب (فر) كلهم (عن أنس) وفيه حفص بن عبد الرحمن قال الذهبي في الضعفاء : قال أبو حاتم : مضطرب الحديث . 3502 (ثلاثة في ضمان الله عز وجل) أي في حفظه وكلاءته ورعايته (رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله) أي يريد الصلاة أو الاعتكاف فيه (ورجل خرج غازيا في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (ورجل خرج حاجا) أي بمال حلال (حل عن أبي هريرة) . 3503 (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة) أي دخولها (مدمن الخمر أي الملازم لشربها آناء الليل وأطراف النهار المداوم عليها (والعاق) لوالديه أو أحدهما وقد سبق معنى العقوق فلا تغفل (والديوث) بمثلثة وهو الذي (يقر في أهله) أي زوجته أو سريته وقد يشمل الأقارب أيضا (الخبث) يعني الزنا بأن لا يغار عليهم وهؤلاء الثلاثة إن استحلوا ذلك فهم كفار والجنة حرام على الكفار أبدا وإن لم يستحلوا فالمراد بتحريمها عليهم منعهم من دخولها قبل التطهير بالنار فإذا تطهروا بها أدخلوها (حم عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات .
[ 421 ]
3504 (ثلاثة كلهم ضامن على الله) أي مضمون على حد * (عيشة رضية) * أي مراضية أو ذو ضمان كالقاسط والابن فهو من با ب النسب ذكره البيضاوي وسبق نحوه النووي في الأذكار فقال معنى ضامن صاحب الضمان والضمان الرعاية للشئ كما يقال تامر ولابن أي صاحب تمر ولبن (رجل خرج غازيا في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله (فهو ضامن على الله) الآية * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) * ولا يزال مضمونا عليه (حتى يتوفاه) الله (فيدخله الجنة) برحمته (أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ورجل دخل بيته بسلام) أي لازم بيته إيثارا للعزلة وطلبا للسلامة من الفتنة أو المراد أنه إذا دخله سلم على أهله ائتمارا بقوله سبحانه * (إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) * قال الطيبي : والأول أوجه وبملاءمة ما قبله أوفق لأن المجاهدة في سبيل الله سفرا والرواح إلى المسجد حضرا ولزوم البيت اتقاء من الفتن أخذ بعضها بحجزة بعض (فهو ضامن على الله) قال النووي رضي الله عنه في الأذكار : معناه أنه في رعايته وما أجزل هذه العطية وقال الطيبي : عدى ضامن بعلى تضمينا لمعنى الوجوب والمحافظة على سبيل الوعد أي يجب على الله وعدا أن يكلأه من مضار الدنيا والدين ولم يذكر الشئ المضمون به في الثالث اكتفاء بما قبله (د) في الجهاد ولم يضعفه (حب ك) في البيوع (عن أبي أمامة صحيح وأقره الذهبي . 3505 (ثلاثة ليس عليهم حساب) يوم القيامة (فيما طعموا) أي أكلوا أو شربوا (إذا كان) المأكول أو المشروب (حلالا : الصائم) عند الفطر (والمتسحر) للصوم (والمرابط في سبيل الله عز وجل) أي الملازم لبعض الثغور بقصد الجهاد (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه عبد الله بن عصمة عن أبي الصباح وهما مجهولان . 3506 (ثلاثة من كن فيه يستكمل إيمانه) بالبناء للمجهول أي اجتماعهن في إنسان تدل على كمال إيمانه (رجل لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشئ من عمله) بل إنما يعمل لوجه الله تعالى
[ 422 ]
مراعيا للإخلاص في سائر أعماله (وإذا عرض عليه أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخر اختار أمر الآخرة) لبقائها ودوامها (على الدنيا) لفنائها واضمحلالها وسرعة زوالها (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) . 3507 (ثلاثة من قالهن دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب (1) (من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) إلى الثقلين كافة (والرابعة لها من الفضل كما بين السماء والأرض وهي الجهاد في سبيل الله عز وجل) لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله العليا (حم عن أبي سعيد) الخدري . (1) فإن قيل لا حاجة إلى التقدير لأنه من انتفى منه خصلة من الخصال الثلاث لا يدخل الجنة أصلا فالجواب أن هذا فيمن قالهن من المسلمين وهل المراد قالهن في كل يوم أو مرة في عمره ؟ الظاهر الثاني . 3508 (ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاوة فمن السعادة المرأة الصالحة) الدينة العفيفة الجميلة (التي تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها) فلا تخونك بزنا ولا بسحاق ولا بتبرج ونحو ذلك (ومالك) فلا تخون فيه بسرقة ولا تبذير (والدابة تكون وطيئة) أي هنية سريعة المشي سهلة الانقياد (فتلحقك بأصحابك) بلا تعب ولا مشقة في الإحثاث (والدار تكون واسعة كثيرة المرافق) بالنسبة لحال ساكنها ويختلف ذلك ك باختلاف الأشخاص والأحوال (وثلاثة من الشقاء المرأة) السوء وهي التي (تراها فتسوؤك) لقبح ذاتها أو أفعالها (وتحمل لسانها عليك) بالبذاءة (وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك والدابة تكون قطوفا) بفتح القاف أي بطيئة السير والقطوف من الدواب البطئ (فإن ضربتها) لتسرع بك (اتبعتك وإن تركتها) تمشي بغير ضرب (لم تلحقك بأصحابك) أي رفقتك بل تقطعك عنهم (والداتكون ضيقة قليلة المرافق) بالنسبة لحال الساكن وعياله فرب دار ضيقة
[ 423 ]
بالنسبة لإنسان واسعة بالنسبة لآخر (ك) في النكاح (عن سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم : تفرد به محمد بن سعد عن أبيه فإن كان حفظه فعلى شرطهما وتعقبه الذهبي فقال محمد قال أبو حاتم صدوق يغلط وقال يعقوب بن شبة ثقة . 3509 (ثلاثة من الجاهلية) أي من أفعال أهلها (الفخر بالأحساب) أي التعاظم بالآباء (والطعن في الأنساب) أي أنساب الناس (والنياحة) على الميت كما مر بيانه موضحا (طب عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي : فيه عبد الغفور أبو الصباح ضعيف . 3510 (ثلاثة من مكارم الأخلاق عند الله) أضافها إليه للتشريف (أن تعفو عمن ظلمك) فلا تنتقم منه عند القدرة (وتعطي من حرمك) عطاءه أو تسبب في حرمانك عطاء غيره (وتصل من قطعك) ولا تعامله بمثل فعله . (فائدة) قال العارف ابن عربي : الأخلاق ثلاثة أنواع خلق متعد وخلق غير متعد وخلق مشترك والمتعدي قسمان متعدي بمنفعة كالجود والفتوة ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح وتحمل الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه وغير المتعدي كالورع والزهد والتوكل والمشترك كالصبر على أذى الخلق وبسط الوجه وكمال البشر (خط عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الديلمي باللفظ المذكور . 3511 (ثلاثة من السحر الرقى والتول والتمائم) قال الديلمي : التول ما يحبب المرأة إلى زوجها وقيل ما تجعله المرأة في عنقها لتحسن عند زوجها والتمائم واحدتها تميمة خرزات تعلقها العرب على أولادها لاتقاء العين فأبطلها الشارع ونهى عنها وأما ما ذكر في الرقى فمحمول على ما كان من كلام الجاهلية ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفرا بخلاف الرقى بالذكر ونحوه كما مر ويأتي (طب) من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف . 3512 (ثلاثة من أعمال الجاهلية لا يتركهن الناس) أي أهل الإسلام (الطعن في الأنساب
[ 424 ]
والنياحة) على الميت (وقولهم مطرنا بنوء كذا وكذا) أي بالنجم الفلاني من النجوم الثمانية والعشرين سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا فيعتقدو أن المطر هو فعل النجم قال الحليمي : أما القول بأنه قد يكون لبعضها بعض اتصال يمتزج منه طبائعها أي تتأدى بتلك الطبائع بالمجاوزة إلى الجو ويوصله الجو بمجاوزته الأرض إلى الأرض فيكون سببا لآثار تحدث في الأجسام الأرضية فهذا قد يكون إلا أن تلك الآثار أفعال لله لا للكواكب فتنقل الكواكب وتبدل أحوالها مواقيت لأقضية الله كجعله تحول الشمس ميقاتا للصلاة إلى هنا كلامه (طب) والبزار (عن عمرو بن عوف) بن مالك المزني قال الهيثمي : فيه كثير بن عبد الله المزني ضعيف . 3513 (ثلاثة مواطن لا ترد فيها دعوة عبد رجل يكون في برية بحيث لا يراه أحد إلا الله فيقوم فيصلي ورجل يكون معه فئة) في الجهاد (فيفر عنه أصحابه فيثبت) هو للعدو فيقاتل حتى يقتل أو ينتصر (ورجل يقوم من آخر الليل) أي يتهجد فيه عند فتح أبواب السماء وتنزلات الرحمة . (ابن منده وأبو نعيم) كلاهما (في الصحابة عن ربيعة بن وقاص) قال الذهبي : حديث مضطرب . 3514 (ثلاث نفر) بفتحتين أي ثلاث من الرجال (كان لأحدهم عشرة دنانير فتصدق منها بدينار وكان لآخر عشرة أواق فتصدق منها بأوقية وآخر كان له مائة أوقية فتصدق منها بعشرة أواق فهم في الأجر سواء كل قد تصدق بعشر ماله) أي فأجر الدينار بقدر أجر الأوقية بقدر أجر العشرة الأواق فلا فضل لأحدهم على الآخر (طب عن أبي مالك الأشعري) كعب بن عاصم وقيل عبيد وقيل عمر وقيل الحارث يعد في الشاميين . 3515 (ثلاثة هم حداث الله يوم القيامة) أي يكلمهم ويكلمونه في الموقف والناس في ذلك الهول مشغولون بأنفسهم (رجل لم يمش بين اثنين بمراء قط) بضم الطاء المشددة في الزمن الماضي
[ 425 ]
(ورجل لم يحدث نفسه بزنا قط) ولا بلواط (ورجل لم يخلط كسبه بربا قط) الرجل في الثلاثة وصف طردي فالمرأة كذلك . (حل عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا . 3516 (ثلاثة لا تحرم عليك أعراضهم) بل يجوز لك اغتيابهم (المجاهر بالفسق) فيجوز ذكره بما تجاهر به أي فقط (والإمام الجائر) أي السلطان الجائر الظالم (والمبتدع) أي المعتقد بما لا يشهد له شئ من الكتاب والسنة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتاب (ذم الغيبة عن الحسن مرسلا) هو البصري . 3517 (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم أذانهم) في رواية رؤوسهم أي لا ترتفع إلى السماء وهو كناية عن عدم القبول كما صرح به في رواية للطبراني وقال التوربشتي : لا يرتفع إلى الله رفع العمل الصالح بل شيئا قليلا من الرفع كما نبه عليه بذكر الأذن وخصها بالذكر لما يقع فيها من التلاوة والدعاء وهذا كقوله في المارقة يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم عبر عن عدم القبول بعدم مجاوزته الآذان بدليل التصريح بعدم القبول في رواية أخرى أو المراد لا يرفع عن آذانهم فتظلهم كما يظل العمل الصالح صاحبه يوم القيامة قال الطيبي : ويمكن أن يقال إن هؤلاء استوصوا بالمحافظة على ما يجب عليهم من مراعاة حق السيد والزوج والصلاة فلما لم يقوموا بما استوصوا به لم تتجاوز طاعتهم عن مسامعهم كما أن القارئ الكامل هو من يتدبر القرآن بقلبه ويتلقاه بالعمل الصالح فلما لم يقم بذلك لم يتجاوز من صدره إلى ترقوته (العبد الآبق) بدأ به تغليظا للأمر فيه (حتى يرجع) من إباقه إلى سيده إلا أن يكون إباقه لإضرار السيد به ولم يجد له ناصرا كما قاله بعض الأئمة (وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط) لأمر شرعي كسوء خلق وترك أدب ونشوز وهذا أيضا خرج مخرج الزجر والتهويل (وإمام قوم وهم له كارهون) فإن للإمام شفاعة ولا يستشفع المرء إلا بمن يحبه ويعتقد منزلته عند المشفوع إليه فيكره أن يؤم قوما يكرهه أكثرهم وهذا إن كرهوه لمعنى يذم به شرعا وإلا فلا كراهة واللوم على كارهه (ت) في الصلاة (عن أبي أمامة) وقال حسن غريب وضعفه الهيثمي وأقره عليه الزين العراقي في موضع وقال في آخر : إسناده حسن وقال الذهبي : إسناده ليس بقوي وروي بإسنادين آخرين هذا أمثلهما اه‍ . 3518 (ثلاثة لا ترى أعينهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة) إشارة إلى شدة إبعادهم عنها ومن بعد عنها قرب من الجنة (عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله) أي في الجهاد ويمكن
[ 426 ]
شموله للرباط أيضا (وعين غضت) بالتشديد أي خفضت وأطرقت وليس المراد بالبكاء من خشية الله بكاء النساء ورقتهن فتبكي ساعة ثم تترك العمل وإنما المراد خوف يسكن القلب حتى تدمع منه العين قهرا ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا هو البكاء المقصود وهذه هي الخشية المطلوبة لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم نعوذ بالله وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله (عن محارم الله) أي عن النظر إلى ما حرمه الله عليها فلم تنظر إلى شئ منها امتثالا لأمر الله (طب عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي : فيه أبو حبيب العبقري ويقال العنزي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 3519 (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا) بل شيئا قليلا (رجل أم قوما وهم له كارهون) أي أكثرهم لما يذم شرعا كفسق وبدعة وتساهل في تحرز عن خبث وإخلال بهيئة من هيئات الصلاة وتعاطي حرفة مذمومة وعشرة نحو فسقة (وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط) لنحو سوء خلقها أو لتفويتها عليه حقا من حقوقه المتوجهة عليها شرعا وجوبا أو ندبا (وأخوان) من نسب أو دين (متصارمان) أي متهاجران متقاطعان في غير ذات الله قال الطيبي : وأخوان أعم من جهة النسب أو الدين لما ورد ولا يحل لمسلم أن يصارم مسلما فوق ثلاث أي يهجره ويقطع مكالمته قال الزين العراقي وفيه وما قبله أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت زوجها ساخطا عليها من الكبائر لكن إذا كان غضبه عليها بحق (ه عن ابن عباس) قال مغلطاي في شرح ابن ماجه : إسناده لا بأس به ثم اندفع في بيانه وقال الزين العراقي في شرح الترمذي : إسناده حسن . 3520 (ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل) بين الرعية (والصائم حتى) أي إلى أن (يفطر (1)
[ 427 ]
من صومه وفي نسخ حين يفطر قال القاضي : الإمام بدل من دعوتهم على حذف مضاف أي دعوة الإمام ودعوة الصائم بدليل عطف (ودعوة المظلوم) عليه وقوله (يرفعها الله) في موضع الحال ويحتمل أن يجعل تفصيل ثلاثة وأن يكون القسم الثالث محذوفا لدلالة ودعوة المظلوم عليه وهو مبتدا ويرفعها خبره استأنف به الكلام لفخامة شأن دعاء المظلوم واختصاصه بمزيد قبول ورفعها (فوق الغمام) أي السحاب وقوله (وتفتح له أبواب السماء ويقول الرب تعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك) مجاز عن إشارة الآثار العلوية وجميع الأسباب السماوية وعلى انتصاره من الظالم ، وإنزال البأس عليه (ولو بعد حين) بدل على أنه سبحانه يمهل الظالم ولا يهمله . (تنبيه) * قال الغزالي : فيه أن الإمارة والخلافة من أفضل العبادات إذا كانتا مع العدل والإخلاص ولم يزل المتقون يحترزون منها ويهربون من تقلدها لما فيها من عظيم الخطر إذ تتحرك به الصفات الباطنة ويغلب على النفس حب الجاه والاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا (حم ت) في الدعوات (ه) في الصوم (عن أبي هريرة) قال الترمذي : حسن اه‍ وفيه مقال طويل بينه ابن حجر وغيره . (1) قال الدميري : يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له ولمن يحب وللمسلمين لهذا الحديث والرواية فيه حتى بالمثناة فوق فيقتضي استحباب دعاء الصائم من أول يومه إلى آخره لأنه يسمى صائما في كل ذلك اه‍ قلت : قوله والرواية فيه حتى بالمثناة من فوق هو كذلك في بعض الأصول وفي بعضها بالمثناة التحتية والنون وفي خط شيخنا كذلك ويؤيده رواية إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد كما تقدم وقول سائر أصحابنا يستحب للصائم أن يدعو عند إفطاره . 3521 (ثلاثة لا تسأل عنهم) أي فإنهم من الهالكين (رجل فارق) بقلبه ولسانه واعتقاده أو ببدنه ولسانه وخص الرجل بالذكر لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه فالأنثى مثله من حيث الحكم (الجماعة) المعهودين وهم جماعة المسلمين (وعصى إمامه) إما بنحو بدعة كالخوارج المتعرضين لنا والممتنعين من إقامة الحق عليهم المقاتلين عليه وإما بنحو بغي أو حرابة أو صيال أو عدم إظهار الجماعة في الفرائض فكل هؤلاء لا تسأل عنهم لحل دمائهم (ومات عاصيا) فميتته ميتة جاهلية (وأمة أو عبد أبق من سيده) أو سيدته أي تغيب عنه في محل وإن كان قريبا (فمات) فإنه يموت عاصيا (وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فتزوجت بعده فلا تسأل عنهم) فائدة ذكره ثانيا تأكدا للعلم ومزيد بيان الحكم (خد ع طب ك هب عن فضالة بن عبيد) قال الحاكم : على شرطهما ولا أعلم له علة وأقره الذهبي وقال الذهبي : رجاله ثقات . 3522 (ثلاثة لا تسأل عنهم رجل ينازع الله ازاره ورجل ينازع الله رداءه فإن رداءه) أكد بإن الجملة الإسمية لمزيد الرد على المنكر (الكبرياء وإزاره العز) فمن تكبر من المخلوقين أو تعزز فقد نازع
[ 428 ]
الخالق سبحانه رداءه وإزاره الخاصين به فله في الدنيا الذل والصغار وفي الآخرة عذاب النار (ورجل في شك من أمر الله) * (أفي الله شك) * (والقنوط) بالضم أي اليأس (من رحمة الله) * (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) * (خد ع طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي رجاله ثقات . 3523 (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) أي الملائكة النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في شئ من أحوالهم الحسنة والسيئة * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * (جيفة الكافر والمتضمخ) أي الرجل المتضمخ (بالخلوق) بالفتح طيب له صبغ يتخذ من الزعفران وغيره لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء (والجنب إلا أن يتوضأ) قال الكلاباذي : يجوز كونه فيمن أجنب من محرم أما من حلال فلا يجتنبه الملك ولا البيت الذي فيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا بغير حلم ويصوم ذلك اليوم وكان يطوف على نسائه بغسل واحد ويجوز كونه فيمن أجنب باحتلام وترك الغسل مع وجود الماء فبات جنبا لأن الحلم من الشيطان فمن تلعب به في يقظته أو نومه تجنبه الملك الذي هو عدو الشيطان اه‍ (د عن عمار بن ياسر) 3524 (ثلاثة لا تقربهم الملائكة بخير) ملائكة الرحمة والبركة ونحو ذلك لا الكتبة ولا ملائكة الموت كما سبق (جيفة الكافر) أي جسد من مات على الكفر (والمتضمخ بالخلوف) أي المتلطخ به قال القاضي : وهو طيب له صبغ يتخذ من زعفران ونحوه وسببه أنه توسع في الرعونة وتشبه بالنساء وذلك يؤذن بخسة النفس وسقوطها (والجنب إلا أن يبدو له أن يأكل) أي أو أن يشرب (أو ينام) قبل الاغتسال (فيتوضأ) فإنه إذا فعل ذلك لم تنفر الملائكة عنه ولم تمتنع عن دخول بيت هو فيه وبين بقوله (وضوءه للصلاة) أي المراد الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي وهو رد صريح على من اكتفى به قال القاضي : والكلام في جنب تهاون في الغسل وأخره حتى مر عليه وقت صلاة وجعل ذلك دأبا وعادة فإنه مستخف بالشرع متساهل في الدين غير مستعد لاتصالهم والاختلاط بهم لا أي جنب كان لما ثبت أن
[ 429 ]
المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد (طب عن عمار بن ياسر) قال في الفردوس : وفي الباب ابن عباس وغيره . 3525 (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) بخير (السكران) أي سكرا تعدى به (والمتضمخ بالزعفران) أي تعديا (والحائض والجنب) ومثلهما النفساء ويظهر أن المراد بالحائض والنفساء انقطع من دمه منهما وأمكنه الغسل لتفريطه بإهماله أما غيره ففيه احتمال (البزار) في مسنده (عن بريدة) بن الحصيب المسلمي قال الهيثمي : فيه عبد الله بن حكيم لم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 3526 (ثلاثة لا يجيبهم ربك عز وجل) أي لا يجيب دعاءهم (رجل نزل بيتا خربا) لأنه عرض نفسه للهلاك وخالف قول الله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (ورجل نزل على طريق السبيل) أي بالنهار يتخطاه المارة وربما تعثر به فرس فأهلكه وكذا بالليل فإن لله تعالى دواب يبثها فيه كما سبق في الخبر (ورجل أرسل دابته) أي أطلقها عبثا (ثم جعل يدعو الله أن يحبسها) عليه فلا يجيب الله دعوتهم لمخالفتهم ما أمروا به من التحفظ إذ الأول عرض نفسه لانهدام البيت عليه أو للسارق بنزوله بغير ما هو محفوف بالعمارة والثاني عرض نفسه للمار على الطريق والثالث لم يعمل بخبر اعقلها وتوكل (طب عن عبد الرحمن بن عائذ) بالمد والهمز والمعجمة (الثمالي) بمثلثة مضمومة والتخفيف نسبة إلى ثمالة بطن من الأزد وفي نسخ الثمامي قال الهيثمي : فيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه دحيم وضعفه أحمد . 3527 (ثلاثة لا يحجبون عن النار) أي نار جهنم (المنان) بما أعطاه (وعاق والده) فعاق أمه أولى (ومدمن الخمر) أي المداوم على شربها الملازم له لا ينفك عنه (رسته في) كتاب (الإيمان) له (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه . 3528 (ثلاثة لا يدخلون الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب كما مر (مدمن
[ 430 ]
الخمر وقاطع الرحم) أي القرابة (ومصدق بالسحر) قال الذهبي في الكبائر : ويدخل فيه تعليم السيمياء وعملها وهي محض السحر وعقد المرء عن زوجته ومحبة الزوج لامرأته وبغضها وبغضه وأشباه ذلك بكلمات مجهولة (ومن مات وهو مدمن الخمر) جملة حالية (سقاه الله من نهر الغوطة نهر) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف وهو نهر في نار جهنم (يجري) فيه القيح والصديد السائل (من فروج المومسات) الزانيات (يؤذي أهل النار ريح فروجهن) أي ريح نتنها وهذا أمر مهول جدا يحمل من له أدنى عقل على الإحجام عن الزنا وفيه أن الثلاثة كبائر قال الذهبي : وكثير من الكبائر بل عامتها إلا الأقل يجهل خلق من الأمة تحريمه وما بلغه الزجر فيه ولا الوعيد عليه فهذا الضرب فيهم تفصيل فينبغي للعالم أن لا يعجل على الجاهل بل يرفق به ويعلمه سيما إذا اقترب عهده بجهلته كمن أسر وأجلب إلى أرض الإسلام وهو تركي فبالجهد أنه تلفظ بالشهادتين فلا يأثم أحد إلا بعد العلم بحاله وقيام الحجة عليه (حم طب ك) في الأشربة (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 3529 (ثلاثة لا يدخلون الجنة) بالمعنى المقرر فيما قبله (العاق لوالديه) وإن عليا (والديوث) فيعول من ديثت البعير إذا دللته ولينته بالرياضة فكأن الديوث ذلل حتى رأى المنكر بأهله فلا يغيره (ورجلة النساء) بفتح الراء وضم الجيم وفتح اللام أي المتشبهة بالرجال في الزي والهيئة لا في الرأي والعلم فإنه محمود وقال الذهبي : فيه أن هذه الثلاثة من الكبائر قال فمن كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها فهو دون من يعرس عليها ولا خير فيمن لا غيرة فيه والقوادة التي لا تزال بالحرة حتى تصيرها بغيا عليها وزنيان (ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وقال في الكبائر : إسناده صحيح لكن بعضهم يقول عن عمر عن أبيه وبعضهم يقول عن ابن عمر مرفوعا وقال في الفردوس صحيح . 3530 (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا) تقييده هنابأبدا التي لا يجامعها تخصيص على ما قيل يؤذن بأن الكلام في المستحل (الديو ث والرجلة من النساء) بمعنى المترجلة (ومدمن الخمر) أي المداوم على شربها وتمامه عند مخرجه الطبراني قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث قال : الذي لا يبالي من دخل على أهله قلنا : فما الرجلة قال : التي تتشبه بالرجال قال ابن القيم : وذكر الديوث في هذا
[ 431 ]
وما قبله يدل على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له ، فالغيرة تحمي القب فتحمي له الجوارح فترفع السوء والفواحش وعدمها يميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة كان الهلاك (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي : فيه مساتير وليس فيهم من قيل إنه ضعيف ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب . 3531 (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم) إذا توفرت شروطه وأركانه (الذاكر الله كثيرا) يحتمل على الدوام ويحتمل الذاكر كثيرا عند إرادة الدعاء (والمظلوم) وإن كان كافرا (والإمام المقسط) أي العادل في رعيته (هب عن أبي هريرة) وفيه حميد بن الأسود أورده الذهبي في الضعفاء وقال : كان عفان يحمل عليه عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ثقة ضعفه أبو حاتم عن شريك بن أبي تمر قال يحيى والنسائي ليس بقوي . 3532 (ثلاثة لا يريحون رائحة الجنة) حين يجد المقربون ريحها (رجل ادعى إلى غير أبيه) لأنه كاذب آثم كالذي يدعي أن الله خلقه من ماء فلان غير ماء أبيه فهو كاذب على الله (ورجل كذب علي) أي أخبر عني بما لم أقل أو أفعل (ورجل كذب على عينيه) أي قال رأيت في منامي كذا لأنه كذب على الله وعلى ملك الرؤيا إذ الرؤيا الصالحة بشرى من الله وذلك ذنب كبير فيستحق العقوبة ولأن رؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة كما يجئ في عدة أخبار فكان الكاذب فيها متنبئا بادعائه جزء من ستة وأربعين جزءا من أجزاء النبوة ومدعي الجزء كمدعي الكل ذكره الكلاباذي (خط عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار قال الهيثمي : وفيه عبد الرزاق بن عمر ضعيف ولم يوثقه أحد . 3533 (ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم والامام) الاعظم (المقسط) إي العادل في حكمه والمراد في هذا وما قبله النفقا العملي (أبو الشيخ في كتاب التوبيخ عن جابر) وهذا ضعيف . 3534 (ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق بين النفاق : ذو الشيبة في الاسلام وذو العلم) أي
[ 432 ]
الشرعي (وإمام مقسط) أي عادل وهذا ضعيف لكن قالوا له شواهد منها ما رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعا لا يوسع المجلس إلا لثلاث لذي علم لعلمه ولذي سلطان ولذي سن لسنه وعن كعب قال نجد في كتاب الله علينا أن يوسع في المجلس لذي الشيبة المسلم والامام العادل ولذي القرآن ونعظمهم ونوقرهم ونشرفهم (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي هو من رواية عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف اه‍ . 3535 (ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة) المراد به نفي كمال القبول (صرفا) توبة أو نافلة أو وجها يصرف فيه عن نفسه العذاب (ولا عدلا) أي فريضة يعني لا يقبل الله فريضتهم قبولا تكفر به هذه الخطيئة وإن كان يكفر بها ما شاء من الخطايا (عاق) لوالديه (ومنان) بما يعطيه ومكذب بالقدر) بالتحريك أي بأن الأشياء كلها بتقدير الله وإرادته وأخذ الذهبي وغيره من هذا الحديث ونحوه أن المن كبيرة فعدوه منها (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : رواه بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف اه‍ . ومن ثم قال ابن الجوزي : حديث لا يصح قال ابن حبان عمر بن يزيد يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل اه‍ . لكن خالفهم الذهبي فقال : عمر صويلح . 3536 (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة) أي قبولا كاملا صلاة (الرجل) ومثله صلاة المرأة للنساء (يؤم قوما وهم) يعني أكثرهم (له كارهون) لمذموم شرعي قام به (والرجل لا يأتي الصلاة إلا دبارا) بكسر الدال أي بعد فوت وقتها وقيل جمع دبر وهو آخر وقت الشئ نحو * (وأدبار السجود) * والمراد يأتيها حين أدبر وقتها وهذا وارد فيمن اتخذه ديدنا وعادة (ورجل اعتبد محررا) أي اتخذه عبدا كأن يعتقه ثم يكتمه أو يعتقه بعد العتق فيستخدمه كرها أو يأخذ حرافيدعي رقه ويتملكه (د ه) كلاهما في الصلاة من رواية عبد الرحمن بن زيا الأفريقي عن عمران المغافري (عن ابن عمرو) ابن العاص قال في شرح المهذب : وهو ضعيف قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي عبد الرحمن الأفريقي ضعفه الجمهور وقال المناوي رضي الله عنه : ضعفه الشافعي رضي الله عنه وغيره . 3537 (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا ترفع لهم إلى السماء حسنة) رفعا كاملا (العبد الآبق) أي الهارب ومثله الأمة (حتى يرجع إلى مواليه) ذكره بلفظ الجمع ولم يقل مولاه لأن العبد تتناوله أيدي
[ 433 ]
الناس غالبا كذا قيل (والمرأة الساخط عليها زوجها) لموجب شرعي (حتى يرضى) عنها زوجها (والسكران) أي المتعدي بسكره فيما يظهر (حتى يصحو) من سكره وروى ابن عمرو مرفوعا من ترك الصلاة سكرا مر واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما فيها فسلبها ومن ترك الصلاة أربع مرات سكرا كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال قال : عصارة أهل جهنم قال الذهبي في الكبائر : سنده صحيح (ابن خزيمة) في صحيحه (حب هب) من حديث هشام عن عمار عن الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن ابن المنكدر (عن جابر) قال البيهقي في السنن : تفرد به زهير قال الذهبي في المهذب : قلت هذا من مناكير زهير اه‍ . وهشام سبق فيه كلام . 3538 (ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله) تكليم رضى عنهم أو كلاما يسرهم أو لا يرسل لهم الملائكة بالتحية وملائكة الرحمة ولما كان لكثرة الجمع مدخل عظيم في مشقة الخزي قال (يوم القيامة) الذي من افتضح في جمعه لم يفز (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة وعطف ولطف (ولا يزكيهم) يطهرهم من الذنوب أو لا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم يعرفون به ما جهلوا من عظمته واجترحوا من مخالفته وكررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل إزاره) أي المرخي له (1) الجار طرفيه خيلاء وخص الإزار لأنه عامة لباسهم فلغيره من نحو قميص حكمه (والمنان الذي لا يعطي) غيره (شيئا إلا منه) أي اعتد به على من أعطاه أو المراد بالمن النقص من الحق والخيانة من نحو كيل ووزن ومنه * (وإن لك لأجرا غير ممنون) * أي منقوص (والمنفق سلعته) بشد الفاء أي الذي يروج بيع متاعه (بالحلف) بكسر اللام وسكونها (الكاذب) أي الفاجر قال الطيبي : جمع الثلاثة في قرن لأن المسبل إزاره هو المتكبر المرتفع بنفسه على الناس ويحتقرهم والمنان إنما من بعطائه لما رأى من علوه على المعطى له والحالف البائع يراعي غبطة نفسه وهضم صاحب الحق والحاصل من المجموع احتقار الغير وإيثار نفسه ولذلك يجازيه الله باحتقاره له وعدم التفاته إليه كما لوح به لا يكلمهم الله وإنما قدم ذكر الجزاء مع أن رتبته التأخير عن الفعل لتفخيم شأنه وتهويل أمره ولتذهب النفس كل مذهب ولو قيل المسبل والمنان والمنفق لا يكلمهم لم يقع هذا الموقع (حم م 4 عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه . (1) إلى أسفل الكعبين بقصد الخيلاء .
[ 434 ]
3539 (ثلاثة لا يكلمهم الله) كلاما يسرهم بل بنحو * (اخسأوا فيها) * (يوم القيامة) استهانة بهم وغضبا عليهم بما انتهكوا من حرمته (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة (رجل) خبر مبتدأ محذوف (حلف على سلعته لقد أعطى بها أكثر مما أعطى) بالبناء للفاعل أي حلف أنه دفعت لبائعها أكثر مما أعطى فيها أو للمفعول أي أعطاني من يريد شراءها أكثر (وهو كاذب) أي والحال أنه كاذب في إخباره بذلك وكلمة قد هنا للتحقيق (ورجل حلف على يمين) بزيادة حرف الجر (كاذبة) أي محلوف يمين فسماه يمينا مجاز للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفا عليه (بعد العصر) خصه لشرفه بكونه وقت ارتفاع الأعمال وقول البعض لاجتماع ملائكة الليل والنهار حينئذ زيفه ابن حجر رحمه الله بأن بعد الصبح يشاركه في ذلك ولم يرد فيه فالأولى التوجيه بأن وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه وقيل هو ليس بقيد بل خرج مخرج الغالب لأن مثله يقع غالبا في آخر النهار حيث يريدون الفراغ من معاملتهم (ليقتطع بها مال رجل مسلم) أي ليأخذ قطعة من ماله وتخصيص الثالثة غالبي للإختصاص فالأنثى والخنثى والذمي كذلك (ورجل منع فضل مائه) الزائد على حاجته عن المحتاج (فيقول الله عز وجل اليوم) أي يوم القيامة (أمنعك) بضم العين (فضلي) الذي لا ينجي في ذلك اليوم غيره (كما منعت فضل ما لم تعمله يداك) وظاهر قوله فضل مائه بالإضافة أن الكلام في بئر حفرها بملكه أو بموات للارتفاق أو أطلق وفضل عن حاجته ما يحتاجه غيره وأما ما حفر للمارة فيجب بذله فضلا وأصلا فإن الحافر فيه كواحد من المارة فظاهر قوله آخرا ما لم تعمل يداك أن الكلام في المياه المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد ولا صنع للآدميين في انبساطها وإجرائها كماء الأودية والعيون ثم الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة لا ينحصرون في الثلاثة لأن العدد لا ينفي الزائد (ق عن أبي هريرة) واللفظ للبخاري . 3540 (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) كلام رضى ورحمة (ولا ينظر إليهم) نظر إنعام وإفضال (ولا يزكيهم) لا يطهرهم من دنس ذنوبهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم على ما اجترحوه (رجل على فضل ماء) يعني له ماء فاضل عن حاجته (بالفلاة) أي في المفازة (يمنعه) أي الفاضل من الماء (من ابن السبيل) أي المسافر المضطر للماء لنفسه أو حيوان محترم معه وقوله رجل مرفوع خبر مبتدأ محذوف (و) الثاني من الثلاثة (رجل بايع رجلا) بلفظ الماضي (بسلعة) أي ساوم فيها وروي سلعة بدون باء
[ 435 ]
فعليه يكون بايع بمعنى باع (بعد العصر) خص العصر لكونه وقت نزول الملائكة لرفع أعمال النهار وإذا حلف كاذبا في ذلك الوقت ختم عمل نهاره بعمل سئ فكان جديرا بالإبعاد والطرد عن رب العباد (فحلف له) أي البائع للمشتري (بالله) تعالى (لأخذها) بصيغة الماضي (بكذا وكذا فصدقه) أي المشتري البائع (وهو على غير ذلك) أي والحال أن البائع لم يشترها بما ذكره من الثمن (و) الثالث (رجل بايع إماما) أي عاقد الإمام الأعظم على أن يعمل بالحق ويقيم الحد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والحال أنه (لا يبايعه) لا يعاقده (إلا لدنيا) بلا تنوين كحبلى أي لغرض دنيوي (فإن) الفاء تفسيرية (أعطاه منها) أي الدنيا (وفا) بالتخفيف للفاء أي ذلك الرجل المبايع بما عاقده عليه (وإن لم يعطه) أي الإمام (منها لم يف) ببيعته لأن الإمامة نيابة عن الله ورسوله فمن عدل في متابعة ذلك النائب عن قانون الشريعة ومنهاج السنة وقصر متابعته له على ما يعطاه دون ملاحظة المبايع عليه فقد خسر خسرانا مبينا وضل ضلالا عظيما واستحق هذا الوعيد الشديد لتركه الواجب عليه من الإخلاص في البيعة . قال الخطابي : الأصل في المبايعة للإمام أن يبايع على أن يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فمن جعل مبايعته لما يعطاه دون ملاحظة المقصود فقد دخل في الوعيد (حم ق 4 عن أبي هريرة) . 3541 (ثلاثة لا يكلمهم الله) بما يسرهم أو بشئ أصلا وأن الملائكة يسألونهم (يوم القيامة) أو لا ينتفعون بآيات الله وكلماته قال القاضي : والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم لقوله (ولا يزكيهم) أي لا يثني عليهم (ولا ينظر إليهم) فإن من سخط على غيره واستهان به أعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات إليه كما أن من اعتد بغيره يكثر النظر إليه (ولهم) مع ذلك الأمر المهول (عذاب أليم) مؤلم موجع قال الواحدي : هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه قال الراغب : الألم الوجع الشديد (شيخ زان) لاستخفافه بحق الحق وقلة مبالاته به ورذالات طبعه إذ داعيته قد ضعفت وهمته قد فترت فزناه عناد ومراغمة (وملك كذاب) لأن الكذب يكون غالبا لجلب نفع أو دفع ضر والملك لا يخاف أحدا فيصانعه فهو منه قبيح لفقد الضرورة (وعائل) أي فقير (مستكبر) لأن كبره مع فقد سببه فيه من نحو مال وجاه وكونه مطبوعة عليه مستحكما فيه فيستحق أليم العذاب وفظيع العقاب وفيه دلالة على كرم الله في قبول عذر عبيده مما يكون منهم عن مخالفته (تنبيه) قال القونوي : سر عد الملك الكذاب منهم أن الكذب قسمان ذاتي وصفاتي فالصفاتي محصور في موجبين الرغبة والرهبة والملك محلها ظاهرا وليس
[ 436 ]
حكمه مع الرعية بصورة رهبة منهم أو رغبة فيما عندهم يوجب الإقدام على الكذب ، فإذا كان الملك كذابا فلا موجب له إلا لؤم الطبع فهو وصف ذاتي له والأوصاف الذاتية الجبلية تستلزم نتائج تناسبها (م ن عن أبي هريرة) رضي الله عنه . 3542 (ثلاثة لا ينظر الله إليهم) ولما كان لكثرة الجميع دخل عظيم في مشقة الخزي زاد قوله (يوم القيامة) الذي من افتضح في جمعه لم يفز (العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث ، وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى) قال الطيبي : يؤول على وجهين أحدهما من المنة الذي هي الاعتداد بالضيعة وهي إن وقعت في صدقة أحبطت الثواب أو في معروف أبطلت الضيعة ، وقيل من المنن وهو النقص يعني النقص من الحق والخيانة فيه (حم ن ك) وكذا البزار (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه عبد الله بن يسار الأعرج قال : قال الصدر المناوي لا يعرف حاله . 3543 (ثلاث لا ينظر الله) أي الملك الأعظم (إليهم يوم القيامة : المنان عطاءه) أي الذي يكثر المنة على غيره لإحسانه إليه والمنة لا تليق إلا بالله تعالى إذ هو الملك الحقيقي وغيره يعطي من ملك غيره فلم يجز له المن فإذا من كأنه ادعى لنفسه الملك والحرية وانتفى من العبودية ونازع الله صفات رب البرية فلا ينظر إليه نظر رحمنية (والمسبل إزاره) الذي يطول ثوبه ويرسله إذا مشى تيها وفخرا (خيلاء) أي يقصد الخيلاء بخلافه لا بقصدها ولذلك رخص المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء (ومدمن الخمر) قال الطيبي : جمع الثلاثة في قرن لأن المنان إنما من بعطائه لما رأى من فضله وعلوه على المعطى له أو صاحب الحق والمسبل إزاره وهو المتكبر الذي يترفع بنفسه على الناس ويحط منزلتهم ومدمن خمر يراعي لذة نفسه ويفخر حال السكر على غيره ويتيه والحاصل من المجموع عدم المبالاة بالغير (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : رجاله ثقات . 3544 (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) استهانة بهم وغضبا عليهم بما انتهكوا من محرماته وخالفوا من أوامره (ولا يزكيهم) لكونهم لم يزكوا أحكامه (ولهم عذاب أليم) يعرفون به ما جهلوا من عظمته واجترحوا من حرمته (أشيمط زان) في النهاية الشمط الشيب (وعائل مستكبر) أي
[ 437 ]
فقير ذو عيال لا يقدر على تحصيل مؤونتهم ولا يطلب من بيت المال أو من الناس المتكبر فهو آثم لإيصال الضرر إلى عياله (ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) فيه أن المن صفة ذم في حق العبد إذ لا يكون غالبا إلا عن بخل وكبر وعجب ونسيان منن الله عليه (تنبيه) قال القونوي : سر ما تقرر في الحديث أن الزنا في الشباب له فيه نوع عذر فإن الطبيعة تنازعه وتتقضاه وأما الشيخ فشهوته ضعفت وقوته انحطت فإذا كان زانيا فليس ذلك إلا لكونه مفسدا بالطبع فهو مجبول على الفساد فلذلك وصف ذاتي له فيستلزم النتائج الرديئة وأما العائل المستكبر فالعائل الفقير والمستكبر الذي يتعانى الكبر وهذا ينقسم أعني التكبر إلى قسمين ذاتي وصفاتي فالتكبر الصفاتي محصور في موجبين المال والجاه فالتكبر من الناس وإن كان قبيحا شرعا وعقلا لكن لأصحاب الجاه والمال فيه صورة عذر وأما عادمهما إذا تكبر فلا عذر له بوجه فالتكبر إذن صفة ذاتية له فلا جرم ينتج نتيجة رديئة ويأتي نحو ذلك التوجيه في الخلاف . (طب هب عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الثلاثة : ورجاله رجال الصحيح . 3545 (ثلاثة لا ينظر الله إليهم غدا) أي في الآخرة (شيخ زان) لاستخفافه بحق الله وقصده معصية بلا حاجة فإنه ضعفت شهوته عن الوطء الحلال فكيف بالحرام وكمل عقله ومعرفته وتجاربه وإنما يدعو إلى الزنا غلب الحرارة وقلة المعرفة وضعف العقل الحاصل كل ذلك زمن الشباب ولهذا قيل من لم يرعو عند الشيب ولم يستح من العيب ولم يخش الله في الغيب فليس لله فيه حاجة ، شيب وعيب (ورجل اتخذ الأيمان) أي الحلف بالله (بضاعته يحلف في كل حق وباطل وفقير مختال) أي مخادع مراوغ والختل الخداع والمراوغة (يزهو) أي يتكبر ويفتخر ويتعاظم (طب عن عصمة) بكسر العين وسكون الصاد المهملتين (ابن مالك) الأنصاري الخطم وغلط ابن منده في جعله خثعميا قال الهيثمي : إسناده ضعيف . 3546 (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) نظر رحمة (رجل حر باع حرا) فأكل ثمنه لكونه سلبه نعمة الحرية وأدخله في ذل العبودية (وحر باع نفسه) لكونه أذلها وأحقرها (ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه) أي استعمله حتى تعب وعرق بدنه فلما فرغ من عمله لم يعطه أجره فالرجل في
[ 438 ]
الثلاثة وصف طردي ثم إن ما ذكر في الثانية لا يعارض بما جاء في خبر إن الخضر باع نفسه لرجل لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا على أنه لمقاصد أخروية جليلة المقدا وليس الكلام فيها (الإسماعيلي في معجمه عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . 3547 (ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشرك بالله وعقوق الوالدين) بضم العين من العق وهو القطع قال الحافظ : والمراد به هنا صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل ما لم يتعنت الوالد وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباح فعلا وتركا وندبها في المندوب وفرض الكفاية كذلك (والفرار من الزحف) أي حين لا يجوز الفرار (طب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي فيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف . 3548 (ثلاثة) من الرجال أو رجال ثلاثة وخبره قوله (يؤتون أجورهم مرتين) وفي رواية البخاري ثلاثة لهم أجران (رجل من أهل الكتاب) أي الإنجيل لأن اليهودية نسخت يرشد إليه رواية البخاري رجل آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام بدل (آمن بنبيه) أو هو على عمومه لأن اليهود كانوا مأجورين بإيمانهم لكن بطل ذلك بكفرهم بعيسى عليه الصلاة والسلام فبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم يحسب ذلك الأجر (وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم) في عهد بعثته على ما جزم به العيني تبعا للكرماني لأن نبيه بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته أو بعدها إلى يوم القيامة على ما جرى عليه ابن حجر رحمه الله كشيخه البلقيني رضي الله عنه عملا بظاهر اللفظ والمؤمن من أهل الكتاب لا بد أن يكون مع إيمانه بنبيه مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم للميثاق المتقدم في آية * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) * (فآمن به واتبعه وصدقه) فيما جاء به إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي ووجه تعدد إيمانه المترتب عليه تعدد أجره أن إيمانه أولا تعلق بأن المنعوت بكذا رسوله وإيمانه ثانيا تعلق بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المتصف بتلك الوصاف فهما معلومان متباينان (فله أجران) أجر الإيمان بنبيه وأجر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذا حكم الكتابية لأن النساء شقائق الرجال كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال تبعا إلا ما خصه الدليل ثم لا يلزم على ذلك أن الصحابي الذي كان كتابيا أجره زائد على أجر كبار الصحابة كالخلفاء الأربعة لأن الإجماع خصهم وأخرجهم من هذا الحكم ويلتزم ذلك في كل صحابي لم يقم دليل على زيادة أجره على من كان كتابيا ولم يقل ومحمد مع كونه اخص إيذانا باستقلال كل منهما بالإيمان واعلم أن أهل الكتاب قسمان قسم غيروا وبدلوا وماتوا على ذلك فهم كفرة وقسم لا ولا وماتوا قبل
[ 439 ]
بعث النبي صلى الله عليه وسلم فهم مؤمنون ولهم أجر واحد وقسم أدركوا بعثته ودعاهم فلم يؤمنوا به فهم كفار وقسم آمنوا به فلهم أجران والحديث فيهم (وعبد مملوك) وصفه به لأن جميع الناس عباد الله فأراد تمييزه بكونه مملوكا للناس (أدى حق الله) من صلاة ونحوها (وحق سيده) بأن خدمه ونصح جهده له لأن من اجتمع عليه فرضان فأداهما ليس كمن عليه فرض واحد فأداه وفي رواية البخاري بدل سيده مواليه وعليه فإنما لم يقل مولاه لأن المراد من العبد جنس العبد حتى يكون عند التوزيع لكل عبد مولى لأن مقابلة الجمع بالجمع أو ما يقوم مقامه مفيدة للتوزيع أو أراد أن استحقاق الأجرين إنما هو عند أداء جميع حق مواليه لو كان مشتركا (فله أجران) أجر تأديته للعبادة وأجر نصحه وإحسانه وكرره لطول الكلام اهتماما والمراد أن له أجران من هذه الجهة وقد يكون لسيده جهات أخر يستحق بها أضعاف ذلك (ورجل كانت له أمة) يطؤها بملك اليمين وفي رواية الترمذي له جارية وضيئة قال العراقي : ليس في الكتب الستة وصفها بالوضاءة إلا فيه وفي كونها شرط لحصول الأجر الموعود بحث والمراد بقوله يطؤها يحل له وطؤها وإن لم يطأها (فغذاها) بتخفيف الذال المعجمة (فأحسن غذاءها) بالمد (ثم أدبها) بأن راضها بحسن الأخلاق وحملها على جميل الخصال (فأحسن تأديبها) بأن استعمل فيه الرفق والتلطف والتأني من غير ضرب ولا عنف (وعلمها) ما يتعين عليها من أحكام الدين وما يتيسر من مندوباته ومطلوباته (فأحسن تعليمها) بأن استعمل معها ما ندبوا إليه من اتصاف المعلم به من نحو حسن خلق ورفق في ضرب وغاير بين التأديب والتعليم مع أنه قد يدخل فيه لأن الأول عرفي والثاني شرعي والأول دنيوي والثاني أخروي (ثم أعتقها) عبر فيما قبله بالفاء وفيه بثم لأن التعليم والتأديب يتعاقبان على الوطء بل لا بد منهما فيه بل قبله لتعينهما على السيد بعد التمليك بخلاف الإعتاق (وتزوجها) بعد أن أصدقها ، قرن العتق بالتزويج لما فيه من قمع الكبر وإذلال النفس وترك التعاظم إن لم يكتف سيدها بعتقها حتى تزوجها ولم يتزوج ذات شرف وأصالة ومال (فله أجران) أحدهما في مقابل تعليمها وتأديبها والثاني لاعتاقها وتزوجها أو أحدهما لاعتاقها والثاني لتزوجها وكما كانت جهة الأجر فيه متعددة ومظنة الاستحقاق أكثر من ذلك أعاد قوله فله أجران وخص هذه الثلاثة بالأجرين مع ثبوت مثله لغيرهم كأزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم وكولد أدى حق الله وحق أبيه لأن الفاعل في كل منهما جامع بين أمرين بينهما مخالفة عظيمة فكان العامل لهما فاعل الضدين عامل بالمتنافيين بخلاف غيره وهذا أقعد من جواب البلقيني بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن فإن قيل ينبغي أن يكون للأخير أربعة أجور للتأديب والتعليم والإعتاق والتزويج قلنا لم يعتبر فيهما إلا الأجرين الأخيرين اللذين هما كالمتنافيين كأخواته وإن تميز بغيرهما ولهذا ميز بينهما على الأمرين الذين بلفظ ثم دون غيره وفيه ندب تأديب الأمة والزوجة وليس لك أن تقول ليس فيه إلا الأمة لأنه من التنبيه بالأدنى على الأعلى (حم ق ت ن ه عن أبي موسى) .
[ 440 ]
3549 (ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم تأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم الله عليه) لأنه لما حفظ جوارحه التي هي أمانة عنده فلم يستعملها في غير ما أمر الله به أو نهى عنه وكفها وقهرها خوفا من الله جوزي بالأمن يوم الفزع الأكبر (الأصبهاني في ترغيبه عن ابن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه . 3550 (ثلاثة يحبهم الله تعالى وثلاثة يبغضهم الله فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينهم وبينه فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم) بقا ف وباء موحدة بعد الألف كما في صحيح ابن حبان وغيره وما وقع في الترمذي وتبعه البغوي بأنه بعين مهملة فياء آخر الحروف فألف فنون تصحيف كما بينه المناوي وغيره (فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام أحدهم يتملقني) أي يتضرع إلي ويزيد في الود والدعاء والإبتهال (ويتلو آياتي) القرآن (ورجل كان في سرية فلقي العدو) يعني الكفار (فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له والثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم) بفتح الظاء صيغة مبالغة أي الكثير الظلم للناس أو لنفسه (ت) في صفة الجنة (ن) في الزكاة (حب ك) في الزكاة والجهاد (عن أبي ذر) قال الترمذي : حديث صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي ورواه ابن عساكر من حديث مطر ف بن عبد الله بن الشخير قال : بلغني عن أبي ذر حديث فكنت أحب أن ألقاه فلقيته فسألته عنه فذكره . 3551 (ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنأهم الله) أي يبغضها فأما الذين يحبهم الله (الرجل يلقى
[ 441 ]
العدو في فئة) أي جماعة من أصحابه (فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أيمسوا الأرض فينزلون) عن دوابهم (فيتنحى أحدهم فيصلي) وهم نيام (حتى) يصبح و (يوقظهم لرحيلهم) من ذلك المكان (والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما) بالبناء للمفعول والفاعل الله حتى يفرق الله أي بينه وبينه (بموت) لأحدهما (أو ظعن) بفتحتين أي ارتجال لأحدهما (والذين يشنأهم الله) أي يبغضهم (التاجر الحلاف) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الحلف على سلعته وفيه إشعار بأن القليل الصدق ليس محلا الذم (والفقير المختال والبخيل المنان) بما أعطاه (حم عن أبي ذر) قال الحافظ العراقي : فيه ابن الأحمس ولا يعرف حاله قال : ورواه أيضا أحمد والنسائي بلفظ آخر بإسناد جيد انتهى . 3552 (ثلاثة يحبهم الله عز وجل رجل قام من الليل) أي للتهجد فيه (يتلو كتاب الله) القرآن في صلاته وخارجها (ورجل تصدق صدقة بيمينه يخفيها) أي يكاد يخفيها (عن شماله ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه) دونه (فاستقبل العدو) وحده فقاتل حتى قتل أو فتح علية (ت) في صفة أهل الجنة من حديث أبي بكر بن عياش (عن ابن مسعود) وقال : غريب غير محفوظ وأبو بكر بن عياش كثير الغلط انتهى . 3553 (ثلاثة) من الأشياء (يحبها الله عز وجل) يثيب فاعلها ويرضاها (تعجيل الفطر) أي تعجيل الصائم الفطر إذا تحقق الغروب (وتأخير السحور) إلى آخر الليل ما لم يوقع التأخير في شك (وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة) . (طب) وكذا الديلمي (عن يعلى بن مرة) قال الهيثمي وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف . (1) [ " ضرب اليدين " : أي وضع الواحدة على الأخرى . دار الحديث ] 3554 (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق) بالضم (فلم يطلقها) فإذا دعى عليها لا يستجيب له لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها وهو في سعة من فراقها
[ 442 ]
(ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه) فأنكره فإذا دعى لا يستجاب له لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى * (وأشهدوا شهيدين من رجالكم) * (ورجل أتى سفيها) أي محجورا عليه بسفه (ماله) أي شيئا من ماله مع علمه بالحجر عليه فإذا دعى عليه لا يستجاب له لأنه المضيع لماله فلا عذر له (وقد قال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (1) (ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه لأن الجمهور رووه عن شعبة موقوفا ورفعه معاذ عنه انتهى وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في المهذب قال : هو مع نكارته إسناده نظيف . (1) قال البيضاوي : نهى الأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة وقيل : نهى لكل أحد إلى ما خوله الله من المال فيعطي امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم وهو أوفق لقوله * (التي جعل الله لكم قياما) * أي تقومون بها وتنتفعون وعلى الأول أول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياما . 3555 (ثلاثة يضحك الله إليهم) أي يرضى عليهم ويلطف بهم قالوا : الضحك منه تعالى محمول على غاية الرضى والرأفة والدنو والقرب كأنه قيل إنه تعالى يرضى عنهم ويدنو إليهم برأفته ورحمته قال الطيبي : ويجوز أن يضمن الضحك معنى النظر ويعدى تعديته بإلى فالمعنى أنه تعالى ينظر إليهم ضاحكا راضيا عنهم متعطفا عليهم لأن الملك إذا نظر إلى بعض رعيته بعين الرضى لا يدع من الإنعام والإكرام شيئا إلا فعله في حقهم وفي عكسه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم على والوجه الأول يضحك مستعار للرضى على سبيل التبعية والقرينة الصارفة نسبة الضحك إلى من هو متعال عن صفات الخلق (الرجل إذا) إذا متمحض للظرفية وهو بدل من الرجل والرجل موصوف أي رجال ثلاثة يضحك الله منهم وقت قيام الرجل بالليل فوضع الظرف مقام الرجل مبالغة على منوال قولهم أخطب ما يكون الأمير قائما أي أخطب أوقاته والأخطبية ليست للأوقات وإنما هي للأمير (قام من الليل يصلي) النافلة وهو التهجد (والقوم إذا صفوا للصلاة) وسووا صفوفهم على سمت واحد كما أمرهم به في حديث آخر (والقوم) أي المسلمون (إذا صفوا للقتال) أي لقتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله قال الطيبي : قدم قيام الليل على صف الصلاة وأخر صف القتال إما تنزلا فإن محاربة النفس التي هي أعدى عدو لله أشق من محاربة عدوك الذي هو الشيطان ومحاربة الشيطان أصعب من محاربة أعداء الدين أو ترقيا فإن محاربة من
[ 443 ]
يليك أقدم والأخذ بالأصعب فالأصعب أحرى وأولى من أخذ الأصعب ثم الأسهل (حم عن أبي سعيد) ورواه ابن ماجه في باب ما أنكرت الجهمية من حديث أبي سعيد مع بعض خلف لفظي . 3556 (ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعي الشمس بالنهار) يعني المؤذن ويظهر أن هذا في محتسب لا ياخذ على أذانه أجرا (ك في تاريخه فر عن أبي هريرة) وفيه جماعة مجاهيل . 3557 (ثلاثة يهلكون عند الحساب) يوم القيامة (جواد) بالتخفيف أي إنسان كثير الجود أعطى لغير الله (وشجاع) قاتل لغير إعلاء كلمة الله (وعالم) لم يعمل بعلمه وفيه إثبات الحساب والعذاب (ك عن أبي هريرة) . 3558 (ثلاثون) أي من السنين (خلافة نبوة) بالإضافة (وثلاثون خلافة وملك وثلاثون تجبر ولا خير فيما وراء ذلك) من السنين (يعقوب بن سفيان في تاريخه) ولفظ رواية الطبراني جبروت وكذا ابن عساكر في تاريخه (عن معاذ) بن جبل ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز في ديباجة كتابه وهو عجيب فقد رواه الطبراني عن معاذ أيضا وكذا الديلمي قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني : وفيه مطر بن العلاء الرملي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 3559 (ثمانية) من الناس (أبغض خليفة الله إليه يوم القيامة) قيل : ومن هم يا رسول الله قال (السقارون) بسين أو صاد مهملتين وقاف مشددة (وهم الكذابون) وفسره في خبر آخر بأنهم نشء يكون في آخر الزمان تحيتهم إذا التقوا التلاعن وإليه يميل كلام أهل اللغة (والخيالون) بخاء معجمة وشد التحتية (وهم المستكبرون والذين يكنزون البغضاء لإخوانهم) في الإسلام (في صدورهم) أي قلوبهم (فإذا) رأوهم و (لقوهم تخلقوا لهم) بمثناة فوقية وخاء معجمة مفتوحتين ولام مفتوحة شديدة وقاف أي
[ 444 ]
أظهروا من خلقهم خلاف ما في طويتهم (والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله) أي إلى طاعتهما (كانوا بطاء) بكسر الموحدة والمد بضبطه (وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره) من اللهو والمعاصي (كانوا سراعا) بتثليث السين المهملة (والذين لا يشرف لهم طمع من الدنيا إلا استحلوه بأيمانهم وإن لم يكن لهم ذلك بحق والمشاؤون) بين الناس (بالنميمة) ليفسدوا بينهم (والمفرقون بين الأحبة) بالفتن ونحوها (والباغون البرآء) أي الطالبون (الدحضة) بالتحريك في المصباح دحض الرجل زلق (أولئك يقذرهم الرحمن عز وجل) أي يكره فعالهم (أبو الشيخ في) كتاب (التوبيخ وابن عساكر) في التاريخ (عن الوضين بن عطاء مرسلا) هو الخزاعي الدمشقي قال الذهبي : ثقة وبعضهم يضعفه مات سنة تسع وأربعين ومائة . 3560 (ثمن الجنة لا إله إلا الله) أي قولها باللسان مع إذعان القلب وتصديقه فمن قالها كذلك استحق دخولها زاد الديلمي في روايته وثمن النعمة الحمد لله قال الحرالي : والثمن ما لا ينتفع بعينه حتى يصرف إلى غيره من الأعراض (عد وابن مردويه) في التفسير (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا (عبد بن حميد في تفسيره عن الحسن) البصري (مرسلا) قال الديلمي : وفي الباب ابن عباس وغيره . 3561 (ثمن الخمر حرام) فلا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ولا قيمة على متلفه قال البغوي : فلو أراق خمر ذمي أو قتل خنزيره فلا غرامة عليه لأنه لا ثمن لهما في حق الدين وفي تحريم بيعه دليل على تحريم بيع الأعيان النجسة وإن انتفع بها في الضرورة كالزبل (ومهر البغي حرام) أي ما تعطاه الزانية على الزنا بها حرام لا يحل لها تناوله وإن كان الزاني إنما أعطاه عن طيب قلب (وثمن الكلب حرام) لنجاسة عينه وعدم صحة بيعه ولو معلما عند الشافعية وخص الحنفية المنع بغيره وعن مالك فيه روايتان (والكوبة حرام) بضم فسكون طبل ضيق الوسط واسع الطرفين وبيعه باطل عند الشافعي
[ 445 ]
وأخذ ثمنه أكل له بالباطل ونبه به على تحريم بيع جميع آلات اللهو كطنبور ومزمار لكن إذا غيرت عن حالتها جاز بيعها (وإن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه فاملأ يديه ترابا) كناية عن منعه ورده خائبا (والخمر والميسر حرام وكل مسكر حرام) قال الحكيم : اعلم أن الخمر اسم لازم لجميع أنواع الأشربة ولو لم يكن كذلك لم يقل كل ثم بين أن علامة الخمر كل شئ أسكر والمسكر هو مفعل للسكر والسكر سد العقل ومنه يقال لسد النهر سكرا ومن قوله * (إنما سكرت أبصارنا) * أي سدت فالخمر اسم فيه صفة الفعل الذي يظهر منه الفساد لأنه يخمر الفؤاد أي يغطيه ويحول بينه وبين شعاع العقل فكل شراب فيه هذه الصفة فقد لزمه اسم التحريم (حم عن ابن عباس) ورواه أيضا الطيالسي والديلمي وغيرهما ورواه عنه الدارقطني ، وقال الغرياني في مختصره : وفيه يزيد بن محمد عن أبيه لم أجدهما . 3562 (ثمن القينة) الأمة غنت أو لا كما في الصحاح من التقيين وهو التزيين سميت به لأنها تزين البيت قال البيضاوي : وهنا أريد بها المغنية إذ لا وجه لحرمة ثمن غيرها (سحت) بضم فسكون أي حرام سمي به لأنه يسحت البركة أي يذهبها (وغناؤها حرام) أي استماعه (1) (والنظر إليها حرام وثمنها مثل ثمن الكلب) قال البيضاوي : التحريم مقصور على البيع والشراء لأجل التفخم وحرمة ثمنها يدل على فساد بيعها لكن الجمهور صححوه وأولوا الحديث بأن أخذ الثمن عليهن حرام كأخذ ثمن العنب من الخمار لأنه إعانة وتوسل لمحرم لا لأن البيع باطل (وثمن الكلب سحت ومن نبت لحمه على السحت) بتناوله أثمان شئ من هؤلاء أو غيرها قال في النهاية : السحت الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها والسحت الرشوة في الحكم (فالنار) أي نار جهنم (أولى به) لأن الخبيث للخبيث فأسند ما ذكر إلى اللحم لا إلى صاحبه إشعارا بالغلبة وأنه حيث لا يصلح لدار الطيبين التي هي الجنة بل لدار الخبيثين التي هي النار هذا على ظاهر الاستحقاق أما إذا تاب الله عليه أو غفر له بغير توبة أو أرضى خصمه أو نالته شفاعة شفيع فهو خارج من هذا الوعيد (طب عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الديلمي أيضا قال الذهبي : والخبر منكر . (1) حيث خيف منه فتنة ، وفي شرح البهجة لشيخ الإسلام زكريا وفي شرائه مغنية بالغين تساوي ألفا بلا غناء وجوه ثالثها إن قصد الغناء بطل وإلا فلا والأصح في الروضة صحته مطلقا واعتمده الرملي . 3563 (ثمن الكلب خبيث) فيبطل بيعه عند الشافعي وأخذ ثمنه أكل له بالباطل أو ردئ
[ 446 ]
دنئ فيصح بيعه عند الحنفية قالوا الخبيث كما يستعمل في الحرام يستعمل في الردئ الدنئ (ومهر البغي) أجرة الزانية فعيل من البغاء وهو صفة لمؤنث ولذلك سقطت التاء (خبيث) أي حرام إجماعا لأن بذل العوض في الزنا ذريعة إلى التوصل إليه فيكون في التحريم مثله (وكسب الحجام خبيث) أي مكروه لدناءته ولا يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ولو كان حراما لم يعطه قال الخطابي : قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ويفرق بينهما في المعنى بالأغراض والمقاصد قال القاضي : الخبيث في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع واسترداه كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى : * (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) * أي الحرام بالحلال والردئ من المال قال سبحانه وتعالى : * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * أي الدنئ من المال ولما كان مهر الزانية وهو ما تأخذه عوضا عن الزنا حرام كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام وكسب الحجام لما لم يكن حراما لأنه عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجرته كان المراد من المسند إليه المعنى الثاني وأما الأول فمبني على صحة بيع الكلب فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام قال عياض : وليس المراد بالحجام المزين بل من يخرج الدم (حم م د ت) كلهم في البيع (عن رافع بن خديج) ولم يخرجه البخاري . 3564 (ثمن الكلب خبيث وهو) أي الكلب (أخبث منه) أي أشد خبثا لنجاسة عينه أو رداءته على ما تقرر عن المذهبين (ك) من حديث يوسف بن خالد السمتي عن الضحاك عن عكرمة (عن ابن عباس) قال أعني الحاكم ويوسف واه خرجته لشدة الحاجة إليه اه‍ فعزو المصنف الحديث لمخرجه وسكوته عما عقبه به من بيان علته من سوء الصنيع ورواه عنه البيهقي في سننه وقال يوسف غيره أوثق منه فقال الذهبي عليه بل هو واه جدا . 3565 (ثنتان) أي دعوتان (لا تردان) وفي رواية لأبي داود قلما تردان (الدعاء عند النداء) أي عند حضور النداء أي الأذان وفي رواية حين تقام الصلاة (وعند البأس) بهمزة بعد الباء بمعنى الصف في سبيل الله للقتال كما في رواية (حتى يلحم بعضهم بعضا) بحاء مهملة مكسورة وأوله مضموم أي حين يلتحم الحرب بينهم ويلزم بعضهم بعضا وفي رواية بالجيم والإلجام إدخال الشئ في الشئ (د) في الجهاد (حب ك عن سهل بن سعد) قال في الأذكار : إسناده صحيح لكن قال الصدر المناوي رضي الله عنه : فيه موسى بن يعقوب الزمعي روى له أصحاب السنن قال النسائي : ليس بقوي وثقه ابن معين قال الذهبي : صويلح فيه لين وقال الحاكم : تفرد به موسى وله شواهد .
[ 447 ]
3566 (ثنتان ما) في رواية لا (تردان الدعاء عند النداء) يعني الأذان للصلاة (وتحت المطر) أي دعاء من هو تحت المطر لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة لا سيما أول قطر السنة والكلام في دعاء متوفر الشروط والأركان والآداب . (ك عنه) ثم قال : تفرد به موسى المذكور فيما قبله وله شواهد اه‍ . قال الذهبي : قلت لم ينفرد به . * 2 * فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 3567 (الثالث) أي الإنسان الذي ركب على البهيمة وعليها اثنان فكان هو الثالث وكانت لا تطيق ذلك (ملعون) أي مطرود عن منازل الأبرار يطهر بالنار فقوله (يعني على الدابة) مدرج من كلام الراوي لا من تتمة الحديث فلو بينه المصنف لكان أولى ثم إنه إنما قال في ثلاثة أقبلوا من سفر على هذه الهيئة فالكلام في ثلاثة مخصوصة ودابة معينة فلا يلزم منه حرمة ركوب أي ثلاثة كانوا على أي دابة كانت فلو كانت تطيق الدابة حمل ثلاثة أو أكثر لقوتها أو خفة راكبيها أو قصر المسافة جاز كما ذكره النووي وغيره أنه مذهبنا ومذهب الكافة وحكاية عياض عن البعض منعه فاسد ثم إني أقول قد ذكر الفقهاء أن للسيد أن يكلف عبده في بعض الأحيان ما لا يطيقه إلا بمشقة وأن الممنوع أن يكلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام فقياسه هنا كذلك ولم أر من تعرض له (طب عن مهاجر) بضم الميم وفتح الهاء وبالجيم (بن قنفد) بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة بن عمير بن جذعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي صحابي أسلم يوم الفتح ثم مات بالبصرة قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة على بعير فذكره . قال الهيثمي : رجاله ثقات اه‍ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب . 3568 (الثلث) بالرفع فاعل فعل محذوف أي يكفيك يا سعد الثلث أو خبر مبتدأ محذوف أي المشروع الثلث أو مبتدأ خبره محذوف أي الثلث كافيك وبالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر أو أعط الثلث (والثلث كثير) بموحدة أو بمثلثة شك الراوي والأكثر المثلثة أي هو كثير بالنسبة لما دونه في الوصية وهو مسوق لبيان الجواز بالثلث وأن الأولى أن ينقص عنه أو هو بيان لكون التصدق بالثلث أكمل أي أكثر أجرا والأول هو المتبادر إلى الفهم ومن ثم ذهب الشافعي إلى أنه يسن النقص عن الثلث إن كان ورثته فقراء وقد أجمعوا على جواز الوصية بالثلث وكذا بأكثر إن أجازها الورثة (حم ق ن ه عن ابن عباس) قال : قال سعد في مرضه للنبي صلى الله عليه وسلم : أتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قال : فالشطر ؟ قال :
[ 448 ]
لا . قال : فالثلث ؟ فذكره . 3569 (الثلث) يا سعد بن أبي وقاص (والثلث كثير) في الوصية (إنك إن تذر) بذال معجمة تترك وفي رواية البخاري تدع (ورثتك أغنياء خير) وروي بفتح همزة أن على للتعليل أي لأن تذر فمحله جر أو هو مبتدأ فمحله رفع وخبره خير وبكسرها على الشرط وجوابها جملة (من أن تذرهم عالة) أي فقراء جمع عائل وهو الفقير والفعل من عال يعيل إذا افتقر (يتكففون الناس) يطلبون الصدقة من أكف الناس أو يسألونهم بأكفهم وزاد في رواية ما في أيديهم أعطوهم أو منعوهم ثم عطف على قوله " إنك إن تذر " ما هو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث فقال (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله) أي ذاته لا للرياء والسمعة (إلا أجرت) بضم الهمزة مبنيا للمفعول (بها) أي عليها (حتى ما تجعل) أي الذي تجعله (في في امرأتك) إلا أجرت بالنفقة التي تبتغي بها وجه الله حتى بالشئ الذي تجعله في فم امرأتك فما اسم موصول وحتى عاطفة وقول الزركشي كابن بطال تجعل برفع اللام وما كافة كفت حتى عن عملها رده في مصابيح الجامع بأنه لا معنى للتركيب حينئذ إن تأملت فالأجود ما ذكر وفيه كالذي قبله إباحة جمع المال وحث على صلة الرحم وندب الإنفاق في القرب وأن الواجب يزداد أجره بالنية وأن ثواب الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله قال ابن دقيق العيد وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله ويشق تخليص هذا المقصود مما يشوبه قال : وقد يدل على أن الواجبات إذا أديت على قصد الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعله في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب وحتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة للمعنى (مالك حم ق 4) في الوصية (عن سعد) بن أبي وقاص قال جاءني المصطفى صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال : لا قلت : فالشطر قال : لا قلت : فالثلث فذكره ورواه عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا . 3570 (الثوم والبصل والكراث من سك إبليس) بسين مهملة مضمومة وكاف مشددة طيب معروف وهو عربي والمراد أن هذا طيبه الذي يحب ريحه ويميل إليه (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه رجل يقال له أبو سعيد روى عن أبي غالب وعنه عبد العزيز بن عبد الصمد ولم أجد من ترجمه .
[ 449 ]
3571 (الثيب أحق بنفسها من وليها) في الإذن بمعنى أنه لا يزوجها حتى تأذن له بالنطق لأنها أحق منه بالعقد كما تأوله الحنفية لأن ذلك ترده الأخبار الصحاح المفيدة لاشتراط الولي كخبر لا نكاح إلا بولي وأحق للمشاركة أي لها في نفسها حق ولوليها حق وحقها آكد (والبكر) أي البالغ (يستأذنها أبوها) يعني وليها أبا كان أو جدا وإن علا ندبا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية (في نفسها) يعني في تزويجها (وإذنها صماتها) بضم الصاد أي سكوتها زاد البيهقي وربما قال وصماتها إقرارها وهذه حجة لمن أجبر البكر البالغ والمخالف زعم أن الدلالة منه بطريق المفهوم وفي كونه حجة خلف وبتقديره فالمفهوم لا عموم له فيحمل على غير البالغ (حم دن عن ابن عباس) وظاهره أنه ليس في أحد الصحيحن وهو ذهول فإنه في صحيح مسلم بلفظه . 3572 (الثيب تعرب) أي تبين وتتكلم قال الزمخشري : الإعراب والتعريب الإبانة يقال أعرب عنه لسانه وعرب عنه (عن نفسها) لزوال حيائها بممارسة الرجال فيحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد فإذا لم تصرح فزوجها فهو باطل مطلقا عند الشافعي وجعله أبو حنيفة موقوفا على الإجازة (والبكر رضاها صمتها) أي سكوتها فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها نطقا اتفاقا إلا من شذ والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا إلا من شذ وفي الثيب غير البالغ قال أبو حنيفة ومالك يزوجها أبوها كالبكر وقال الشافعي : لا والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء واختلف في استئمارها والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها لو امتنعت وألحق الشافعي الجد بالأب وقال أبو حنيفة : يزوج الثيب الصغيرة كل ولي فإذا بلغت فلها الخيار وقال أحمد : إذا بلغت تسعا وعن مالك يلحق بالأب وصيه دون بقية الأولياء والحديث مسوق لاشتراط رضى المزوجة بكرا أو ثيبا صغيرة أو كبيرة لكن يستثنى الصغيرة من حيث المعنى لإلغاء عبارتها . (حم ه عن عميرة) بفتح العين المهملة بن جابر (الكندي) بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كندة قبيلة كبيرة مشهورة من اليمن قال الذهبي : صحابي قال الديلمي : وفي الباب عمر وعائشة رضي الله عنهما .
[ 450 ]
* 2 * حرف الجيم 3573 (جاءني جبريل) أي على هيئة من الهيئات المارة فقد سبق أنه كان يأتيه على كيفيات (فقال يا محمد إذا توضأت) وضوء الصلاة (فانتضح) أي رش الفرج والإزار الذي يليه بماء قليل بعد الوضوء لنفي الوسواس أو رشه بالماء بعد الاستنجاء لينتف ذلك أو استنج بالماء أو صب الماء على العضو ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ والأول كما قال النووي هو قول الجمهور وهو كما قال ابن سيد الناس : الأرجح ويؤيده ما صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ نضح فرجه بالماء (ت) في الطهارة (ه) من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن الأعرج (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن الترمذي اقتصر على تخريجه فلم يتعقبه بقادح والأمر بخلافه بل عقبه بقوله حديث غريب سمعت محمدا يعني البخاري يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث اه‍ . وقال العقيلي : لا يتابع على ما حدث به قال الدارقطني ضعيف بمرة وقال ابن الجوزي في العلل : حديث باطل اه‍ . 3574 (جار الدار أحق بدار الجار) فللجار إذا باع جاره داره أن يأخذها بالشفعة وعليه الحنفية وتأوله الشافعية وفيه نوع من البديع ويسمى العكس والتبديل وهو تقديم جزء على جزء ثم تأخير المقدم وتقديم المؤخر نحو كلام السيد سيد الكلام (ن ع حب عن أنس) بن مالك (حم د ت عن سمرة) بن جندب قال الترمذي : حسن صحيح اه‍ قال مغلطاي فيما كتبه على الترمذي : قال ابن حزم قال ابن حبان والدارقطني أخطأ الترمذي إنما هو موقوف على الحسن اه‍ . 3575 (جار الدار أحق بالشفعة) أي مقدم على الأخذ بها على غيره وهذا من أدلة من أثبت
[ 451 ]
الشفعة للجار كالحنفية وللمخالفين عنه أجوبة شهيرة (طب عن سمرة) بن جندب وضعفه الهيثمي وغيره . 3576 (جار الدار أحق بالدار من غيره) أي إذا باعها جاره (ابن سعد) في الطبقات (عن شريد بن سويد) الثقفي قيل : هو من حضرموت فخالف ثقفيا شهد الحديبية . 3577 (جالسوا) في رواية جالس بالإفراد فيه وفيما بعده (الكبراء) الشيوخ الذين لهم التجارب وقد سكنت حدتهم وذهبت خفتهم لتتأدبوا بآدابهم وتتخلقوا بأخلاقهم أو أراد من له رتبة في الديوإن صغر سنه وكبير الحال من جمع علم الوراثة إلى علم الدراسة وعلم الأحكام إلي علم الإلهام وقال بعضهم : مجالسة الصالحين هي الإكسير للقلوب بيقين لكن لا يشتر ظهور الأثر حالا وسيظهر بصحبتهم بعد حين وحسبك بصحبتهم إضافة التشريف والاختصا ص وفي قواعد زروق : الولي إذا أراد أغنى ومنه قول الناس خاطري أن أكون على بالك لعل الله ينظر إلي فيما أنا فيه قال : وأكثرهم في البداية يسرع أثر مقاصدهم في الوجود لاشتغالهم بما يعرض بخلافه في النهاية لاشتغال قلوبهم بالله تعالى قال العارف ابن عربي : والمأمور بمجالستهم من الشيوخ هم العارفون بالكتاب والسنة القائلون بها في ظواهرهم المتحققون بها في بواطنهم يراعون حدود الله ويوفون بعهده ويقومون بمراسم الشريعة وهم الذين إذا رؤوا ذكر الله أما من ليس لهم في الظاهر ذلك التحفظ فنسلم لهم أحوالهم ولا يصحبون ولو ظهر عليهم من خرق العوائد ما عسى أن يظهر فلا يعول عليه مع سوء أدبه مع الشرع وهل للمريد أن يجالس غير شيخه فيه خلاف قال بعضهم : نعم إذا ظهر للمريد أن الشيخ الآخر ممن يقتدى به فله ذلك وقال آخرون : لا كما لا يكون المكلف بين رسولين مختلفي الشرائع والمرأة بين زوجين وهذا إذا كان مريد تربية فإن كان يريد صحبة البركة فلا مانع من الجمع لأنه ليس تحت حكمهم لكن لا يجئ منه رجل في الطريق اه‍ . وقال رجل للعارف ياقوت العرش : ما بال سوس الفول يخرج صحيحا إذا دش وسوس القمح يخرج ميتا مطحونا فقال : لأن الأول جالس الأكابر فحفظوه والثاني صحب الأصاغر فطحن معهم ولم يقدروا على حمايته قال العارف المرصفي : وإذا كان من يجالس أكابر الأولياء يحفظ من الآفات فكيف من يجالس رب الأرض والسماوات (تنبيه) قال بعض الصوفية : ينبغي لمن يخدم كبيرا كاملا ثم فقده أن لا يصحب إلا من هو أكمل منه وإلا جعل صحبته مع الله قال رجل للعارف التستري أريد أصحبك قال : إذا مات أحدنا من يصحبه الثاني قال : الله تعالى قال : اصحبه الآن وجاء إليه رجل يبكي فقال : ما يبكيك قال : مات أستاذي قال : ما لك اتخذت أستاذا يموت (وسائلوا العلماء) العاملين
[ 452 ]
عما يعرض لكم من الأحكام ومن كان بالصفة المقررة فهو من كبراء زمانه وعلماء أوانه فيجب أن يجالس بالتوقير والإحترام ويسائل بالتبجيل والإعظام وذم الجوارح ومراقبة الخواطر (وخالطوا) في رواية خاللوا (الحكماء) أي اختلطوا بهم في كل وقت فإنهم المصيبون في أقوالهم المتقنون لأفعالهم المحافظون في أحوالهم ففي مداخلتهم تهذيب للأخلاق وفي النص على مسائلة العلماء تنبيه على إيجاب تقديم العلم على العمل ولم يوقت إيذانا بملازمة السؤال إلى الترحال من دار الزوال فكأنه قال كن متعلما أبدا وإذا أطلق العلماء فالمراد العارفون بالحلال والحرام وغيرهم يعرفه أو يضاف كعلم الكلام فكأنه حث على تعلم الفقه لعموم البلوى ومس الحاجة (تنبيه) قال الراغب : قال بعض الحكماء : مجالسة العلماء ترغبك في الثواب ومجالسة الحكماء تقربك من الحمد وتبعدك عن الذم ومجالسة الكبراء تزهدك فيما عدا فضل الله الباري تعالى وقال بعضهم : إذا جالست أهل الدنيا فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تحقيرها وتعظيم الآخرة أو أهل الآخرة فحاضرهم بوعظ الكتاب والسنة وتعظيم دار البقاء وتحقير دار الفناء أو الملوك فبسيرة أهل العدل مع حفظ الأدب والعفاف أو العلماء فبالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة مع الإنصاف وعدم الجدال المظهر حب العلو عليهم أو الصوفية فيما يشهد لأحوالهم ويقيم حجتهم على المنكر عليهم مع أدب الباطن قبل الظاهر والعارفين فيما شئت فإن لكل شئ عندهم وجه من وجوه المعرفة بشرط عدم المزج وحفظ الأسرار سيما من الأشرار . (تتمة) من أمثالهم طأ أعتاب العالمين تطأ رقاب العالمين (طب عن ابن جحيفة) بالتصغير قال الهيثمي : رواه الطبراني من طريقين أحدهما هذه والأخرى موقوفة وفيه عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي ضعفه أبو زرعة والدارقطني وساق له مناكير هذا منها . 3578 (جاهدوا) من المجاهدة مفاعلة من الجهد فتحا وضما وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة وكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيل الله لكنه إذا أطلق عرفا لا يقع إلا على جهاد الكفار (المشركين) يعني الكفار وخص أهل الشرك لغلبتهم إذ ذاك (بأموالكم) أي في كل ما يحتاجه المسافر من سلاح ودواب وزاد (وأنفسكم) أي بالقتال بالسلاح * (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم) * (وألسنتكم) بالمكافحة عن الدين وهجو الكافرين فلا تداهنهم بالقول بل جادلهم واغلظ عليهم ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين لحمله على البذاءة به لا على من أجاب منتصرا (حم د ن حب ك) في الجهاد (عن أنس) بن مالك قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود : إسناد صحيح . 3579 (جبل الخليل) أي الجبل المعروف بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام (مقدس) أي
[ 453 ]
مطهر (وإن الفتنة لما ظهرت في بني إسرائيل أوحى الله إلى أنبيائهم) أي الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل (أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل) فلا مزية على ذلك من بين جميع الأجبل فلا بأس بزيارته والتبرك به . (ابن عساكر) في التاريخ (عن الوضين بن عطاء مرسلا) . 3580 (جبلت القلوب) أي خلقت وطبعت (على حب من أحسن إليها) بقول أو فعل (وبغض من أساء إليها) بذلك لأن الآدمي مركب على طبائع شتى وأخلاق متباينة والشهوات فيه مركبة ومن رؤوس الشهوات نيل المنى وقضاء الوطر فمن بلغ نفس غيره مرامها فلنفسه أقامها فإذا أحسن إليها صفت وصارت طوعا له وإلا فهي كالكره فاستبان أن الألفة إنما تتم بين النفوس كأنها تقول شأني اللذات لا الطاعات فهل يبرني أحد حتى أحبه قال العارف ابن عطاء الله : من أحسن إليك فقد استرقك بامتنانه ومن آذاك فقد أعتقك ومن رق إحسانه وأخذ بعضهم من هذا الخبر (1) تأكد رد هدايا الكفار والفجار لأن قبولها يميل القلب إليهم بالمحبة قهرا نعم إن دعت إلى ذلك مصلحة دينية فلا بأس (تنبيه) لهذا الحديث قصة : أخرج العسكري قيل للأعمش إن الحسن بن عمارة ولي القضاء فقال الأعمش : يا عجبا من ظالم ولي المظالم ما للحائكين والمظالم فبلغ الحسن فقال : علي بمنديل وأثواب فوجه بها إليه فلما كان من الغد سئل الأعمش عنه فقال : بخ بخ هذا الحسن بن عمارة زان العمل وما زانه فقيل له قلت بالأمس ما قلت واليوم تقول هذا فقال : دع عنك هذا حدثني خيثمة عن ابن عمر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : جبلت إلى آخره وفي رواية ذكر للأعمش ابن عمارة فقال : بالأمس يطفف في المكيال والميزان واليوم ولي أمور المسلمين فلما كان جوف الليل بعث إليه ابن عمارة بصرة وتخت ثياب فلما أصبح أثنى عليه وقال : ما عرفته إلا من أهل العلم فقيل له في ذلك فقال : دعوني منكم ثم ذكره (عد حل هب) وكذا أبو الشيخ وابن حبان في روضة العقلاء والخطيب في التاريخ وآخرون كلهم من طريق إسماعيل بن أبان الخياط قال : بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش وقع فيه فبعث إليه بكسوة فمدحه فقيل له ذميته ثم مدحته فقال : إن خيثمة حدثني (عن ابن مسعود فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح فإن إسماعيل الخياط مجروح قال أحمد : كتبت عنه ثم وجدته حدث بأحاديث موضوعة فتركناه وقال
[ 454 ]
يحيى هو كذاب وقال الشيخان والدارقطني : متروك وقال ابن حبان : يضع على الثقات انتهى وفي لسان الميزان في ترجمة إسماعيل الخياط قال الأزدي : هو كوفي زائغ وهو الذي روى حديث جبلت القلوب قال الأزدي : هذا الحديث باطل انتهى . (وصحح هب وقفه) ابن مسعود وقال : إنه المحفوظ وقال ابن عدي المعروف وقفه وتبعه الزركشي وقال السخاوي : هو باطل مرفوعا وموقوفا وقول البيهقي كابن عدي الموقوف معروف عن الأعمش يحتاج لتأويل فإنهما أورداه كذلك بسند فيه من اتهم بالكذب والوضع إلى هنا كلامه وأقول : رأيت بخط ابن عبد الهادي في تذكرته قال مهنأ سألت أحمد ويحيى عنه فقالا ليس له أصل وهو موضوع . (1) ولهذا حرم على القاضي قبول الهدية لأنه إذا قبلها لم يمكنه العدل ولو حرص وكره قبولها من الكافرين إلا أن رجى إسلامه . 3581 (جددوا إيمانكم) قيل : يا رسول الله كيف نجدده قال : (أكثروا من قول لا إله إلا الله) فإن المداومة عليها تجدد الإيمان في القلب وتملأه نورا وتزيده يقينا وتفتح له أسرارا يدركها أهل البصائر ولا ينكرها إلا كل ملحد جائر . (حم ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح فاعترضه الذهبي بأن فيه صدقة بن موسى ضعفوه اه‍ لكن قال الهيثمي : إن سند أحمد جيد وقال في موضع آخر : رجاله ثقات . 3582 (جرير بن عبد الله) البجلي (منا أهل البيت ظهر) بالرفع بخط المصنف (لبطن) تمامه عند مخرجه قالها ثلاثا ، وجرير هذا من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم كان أميرا بهمدان من قبل عمر وشرع لأهلها أحكام الدين وعلمهم الفرائض والسنن ونصب قبلتهم وأعقب بها قال في الإصابة : كان جرير جميلا قال عمر : هو يوسف هذه الأمة وكان له أثر عظيم في فتح القادسية وكان طوله ست أذرع (طب عد) من حديث أبي بكر بن حفص (عن علي) أمير المؤمنين قا الهيثمي : وأبو بكر هذا لم يدرك عليا وفيه أيضا سليمان بن جرير لم أجد من وثقه وبقية رجاله ثقات اه‍ وفي الميزان عن ابن عدي أن هذا الحديث مما أنكر على أبان بن أبي حازم . 3583 (جزاء الغني من الفقير) إذا فعل معه معروفا أي قضاء ذلك (النصيحة) له (والدعاء) لأنهما مقدوره فإذا نصح ودعا له فقد كافأه على صنيعه يقال جزى عني أي قضى (ابن سعد) في الطبقات (ع طب) وكذا الديلمي كلهم (عن أم حكيم) بنت وداع الأنصارية قال الهيثمي : فيه رواية أربع نسوة بعضهن عن بعض وهو مما يعز وجوده اه‍ أي فيكون هذا من لطائف إسناده .
[ 455 ]
3584 (جزى الله الأنصار) اسم إسلامي سمى به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وخلفاءهم والأوس منسوبون إلى أوس بن حارثة والخزرج منسوبون إلى الخزرج بن حارثة وهما أبناء قبيلة وهي اسم أمهم وأبوهم حارثة بن عمرو (عنا خيرا) أي أعطاهم ثواب ما آووا ونصروا وجهدوا في ذلك (ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام) والد جابر بن عبد الله من كبار الأنصار وعلية الصحابة وفضلائهم (وسعد بن عبادة) بضم العين وخفة الموحدة التحتية عظيم الأنصار (ع حب ك) في الأطعمة وكذا أبو نعيم والديلمي (عن جابر) بن عبد الله قال : أمر أبي بحزيرة فصنعت ثم حملتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألحم هذا فقلت : لا فرجعت إلى أبي فحدثته فقال : عسى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهى اللحم فشوى داجنا ثم أمرني بحملها إليه فذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 3585 (جزى الله العنكبوت) معروف يقع على الذكر والأنثى والجمع والمذكر والمؤنث (عنا خيرا) أي أعطاها جزاء ما أسلفت من طاعته (فإنها نسجت علي في الغار) لفظ رواية الديلمي فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار حتى لم يرنا المشركون ولم يصلوا إلينا اه‍ بلفظه (ابن سعد) البصري (السمان) بفتح المهملة وشد الميم نسبة إلى بيع السمن أو حمله روى عن حميد الطويل وعنه أهل العراق مات سنة ثلاث أو تسع ومائتين (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة بمحبة العنكبوت (فر) كلاهما (عن أبي بكر) الصديق وهو عنده مسلسل أيضا بالمحبة للعنكبوت فقال : أخبرنا والدي وأنا أحبها أخبرنا فلان وأنا أحبها منذ سمعت ذلك إلخ . 3586 (جزوا) وفي لفظ قصوا وفي آخر أحفوا (الشوارب) أي خذوا منها قال ابن حجر هذه الألفاظ تدل على طلب المبالغة في الإزالة لأن الجز قص يبلغ الجلد والإحفاء الاستقصاء ومن ثم استحب أبو حنيفة وأحمد استئصاله بالحلق لكن المختار عند الشافعية قصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يستأصله فيكره وعزى لمالك والأمر للندب وجعله ابن حزم للوجوب وكأن ابن دقيق العيد لم يطلع عليه أو لم يلتفت إليه حيث قال : لا أعلم أحدا قال بالوجوب قاله العراقي قال ابن دقيق العيد والحكمة في قصها أمر ديني وهو مخالفة شعار المجوس في إعفائه وأمر دنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف (وأرخوا اللحى) بخاء معجمة على المشهور وقيل بالجيم وهو ما وقفت عليه في خط المؤلف من مسودة هذا الكتاب من الترك والتأخير وأصله الهمز فحذف تخفيفا ومنه قوله تعالى : * (ترجي من تشاء منهن)
[ 456 ]
* وقوله * (أرجه وأخاه) * وكان من زي آل كسرى كما قاله الروياني وغيره قص اللحى وتوفير الشوارب فندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مخالفتهم في الزي والهيئة بقوله (خالفوا المجوس) فإنهم لا يفعلون ذلك عقب الأمر بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها من هدي المجوس قال أبو شامة : ووجدت في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رأى له شاربا طويلا : خذ من شاربك فإنه أنقى لموضع طعامك وشرابك وأشبه بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأعفى من الجذام وإبراء من المجوسية . (تنبيه) لو استعمل غير القص مما يقوم مقامه في الإزالة كقرض الشارب بالأسنان كفى في حصول السنة لكن القص أولى اتباعا للفظ الحديث ذكره ابن دقيق العيد قال الزين العراقي : وقد يقال إن فيه استنباط معنى من النص يبطله كما في إخراج القيمة عن الشاة المنصوص عليها في الزكاة (م عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا . 3587 (جعل الله) أي اخترع وأوجد أو قدر (الرحمة مائة جزء) في رواية في مائة جزء أي أنه تعالى أظهر تقديره لذلك يوم تقدير السماوات والأرض (فأمسك) في رواية فأخر (عنده تسعة وتسعين جزءا) وفي رواية أخر عنده تسعة وتسعين رحمة وفي رواية وخبأ عنده مائة إلا واحدة (وأنزل في الأرض) بين أهلها (جزءا واحدا) وفي رواية وأرسل في خلقه كلهم رحمة قال القرطبي : هذا نص في أن الرحمة يراد بها الإرادة لا نفس الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم . وقال الكرماني : الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير ، والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مائة على التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله . وقال ابن أبي جمرة : نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فيفيد أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة وحكمة هذا العدد الخاص أنه عدد درج الجنة والجنة محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة (فمن ذلك الجزء) الواحد (يتراحم الخلق) أي يرحم بعضهم بعضا وفي رواية بها يتراحمون بها يعطف الوحش على ولدها وفي رواية تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض (حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن يصيبه) بمثناة تحتية أوله بضبط المصنف خص الفرس لأنها أشد الحيوان المألو ف إدراكا ومع ما فيها من خفة وسرعة تتحرز أن يصل الضرر منها لولدها رحمة له وعطفا عليه وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تتكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها وإدخال السرور على المؤمنين إذ النفس يكمل فرحها بما وهب لها وحث على الإيمان
[ 457 ]
واتساع الرجاء في الرحمة المدخرة وغير ذلك . (تنبيه) قال الزركشي : قال في هذه الرواية جعلها وفي غيرها خلق فإن قيل كيف هذا والرحمة صفة لله عز وجل وهي إما صفة ذات فتكون قديمة أو صفة فعل فكذلك عند الحنفية قيل عند الأشعري أن صفة الفعل حادثة وأصل النعمة الرحمة ورواية جعل أشبه من خلق وتؤول بما أول به * (إنا جعلناه قرآنا عربيا) * (ق عن أبي هريرة) وروا أحمد عن سلمان . 3588 (جعل الله الأهلة) جمع هلال (مواقيت للناس) للحج والصيام (فصوموا) رمضان (لرؤيته) أي الهلال هو واحد الأهلة (وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم) أي حال بينكم وبينه غيم أي سحاب (فعدوا) شعبان (ثلاثين يوما) ثم صوموا وإن لم تروه وعدوا رمضان ثلاثين يوما ثم أفطروا وإن لم تروه فإن الشهر يكون تسعة وعشرين وثلاثين ولا يكون أنقص ولا أكثر من ذلك (ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أبو نعيم والطبراني والديلمي عن طلق بن علي ورواه الدارقطني عن قيس بن طلق عن أبيه وقال : فيه محمد عن جابر ليس بقوي وقيس ضعفه أحمد وابن معين ووثقه العجلي . 3589 (جعل الله التقوى زادك) أي المسافة وقد سألنا أن ندعو له (وغفر ذنبك) أي محا عنك ذنوبك فلم يؤاخذك بها (ووجهك) بشدة الجيم (للخير) أي البركة والنمو (حيث ما تكون) أي في أي جهة توجهت إليها قاله لقتادة حين ودعه فيندب قول ذلك للمسافر مؤكدا (طب) وكذا الديلمي (عن قتادة بن عياش) أبي هاشم الجرشي وقيل الرهاوي . 3590 (جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار يقومون الليل ويصومون النهار ليسوا بأثمة) بالتحريك أي بذوي إثم (ولا فجار) جمع فاجر وهو الفاسق والظاهر أن المراد بالصلاة هنا الدعاء من قبيل دعائه لقوم أفطر عندهم بقوله صلت عليكم الملائكة . (عبد الله بن حميد والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك . 3591 (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهر بعشرة أشهر) أي صيام الشهر وهو رمضان بعشرة أشهر (وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة) قال في الفردوس : وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم من صام
[ 458 ]
رمضان وأتبعه بست من شوال فقد صام السنة كلها انتهى . (أبو الشيخ في) كتاب (الثواب عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم . 3592 (جعل الله عذاب هذه الأمة في دنياها) أي بقتل بعضهم بعضا في الحروب والاختلاف ولا عذاب عليهم في الاخر وهذه بشرى عظيمة لهم (1) (تنبيه) جعل لها معاني : أحدها : الشروع في الفعل كأنشأ وطفق ولها اسم مرفوع وخبر منصوب ولا يكون غالبا إلا فعلا مضارعا مجردا من أن قال ابن مالك : وقد تجئ جملة فعلية مصدرة بإذا كقول ابن عباس : فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا . الثاني : بمعنى اعتقد فتنصب مفعولين نحو * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * الثالث بمعنى صبر فتنصب مفعولين أيضا نحو * (فجعلناه هباءا) * الرابع : بمعنى أوجد وخلق فتتعدى إلى مفعول واحد نحو * (وجعل الظلمات والنور) * الخامس : بمعنى أوجب نحو جعل للعامل كذا . السادس : بمعنى ألقى كجعلت بعض متاعي على بعض (طب عن عبد الله بن يزيد) بن حصن بن عمرو الأوسي الخطمي شهد الحديبية . (1) هذه بشرى عظيمة لهم : إذا صح الحديث . وحيث أنه لم يصح ، فذلك يحول دون التواكل . دار الحديث . وورد في هذا المعنى الحديث 1622 : أمتي هذه أمة مرحومة ، ليس عليها عذاب في الآخرة ، إنما عذابها في الدنيا : الفتن ، والزلازل ، والقتل ، والبلايا . دار الحديث ] 3593 (جعلت قرة عيني في الصلاة) لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهم على مطالعة جلال الله وصفاته فيحصل له من آثار ذلك ما تقر به عينه (تنبيه) سئل ابن عطاء الله هل هذا خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم أم لغيره منه شرب فقال : قر العين بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود وليس معرفة كمعرفته فلا قرة عين كقرته انتهى ومحصوله أنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكنه أعطي في هذا المقام أعلاه وبذلك صرح الحكيم الترمذي فقال : إن الصلاة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم فلمحمد صلى الله عليه وسلم من ربه تعالى بحر ولما سواه أنهار وأودية فكل إنما ينال من الصلاة من مقامه فالأنبياء ثم خلفاؤهم الأولياء ينالون من الصلاة مقاما عاليا وليس للعباد والزهاد والمتقين فيه إلا مقام الصدق ومجاهدة الوسوسة ومن بعدهم من عامة المسلمين لهم مقام التوحيد في الصلاة والوساوس معهم بلا مجاهدة والأنبياء وأعاظم الأولياء في مفاوز الملكوت وليس للشيطان أن يدخل تلك المفاوز وما وراء المفاوز حجب وبساتين شغلت القلوب بما فيها عن أن يخطر ببالهم ما وراءها انتهى (طب عن المغيرة) بن شعبة ورواه عنه الخطيب في التاريخ أيضا . 3594 (جعلت لي الأرض مسجدا) أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود أو يصلح
[ 459 ]
أن يبنى فيه مكانا للصلاة ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لأن التنجس وصف طارئ والاعتبار بما قبله (وطهورا) فيه إجمال يفصله خبر مسلم جعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها لنا طهورا والخبر وارد على منهج الامتنان على هذه الأمة بأن رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة في بقاعها وكان من قبلهم إنما يصلون في كنائسهم وفيما يتيقنوا طهارته قال الحافظ العراقي : وعموم ذكر الأرض هنا مخصوص بغير ما نهى الشارع عن الصلاة فيه كخبر الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ثم هذا الخبر وما بعده قد تمسك بظاهره الحنفية في تصحيحهم أن يجمع بتيمم واحد أكثر من فرض قالوا يريد بقوله طهورا مطهرا وإلا لما تحققت الخصوصية لأن طهارة الأرض بالنسبة إلى جميع الأشياء ثابتة وإذا كان مطهرا تبقى طهارتها إلى وجود غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر ونوزعوا من طرف الشافعية المانعين للجميع بأن القول بموجب طهوريته لا يفيد إلا أنه مطهر وليس الكلام فيه بل في بقاء تلك الطهارة المفارقة به بالنسبة لغرض آخر وليس فيه دليل عليه وردوا عليهم بما فيه تكلف وتعسف يظهر ببادي الرأي للمصنف (ه عن أبي هريرة د عن أبي ذر) الغفاري . 3595 (جعلت لي كل أرض طيبة) بالتشديد من الطيب الطاهر أي نظيفة غير خبيثة (مسجدا وطهورا) قال الزين العراقي : أراد بالطيبة الطاهرة وبالطهور المطهر لغيره فلو كان معنى طهورا طاهرا لزم تحصيل الحاصل وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة وإن غلب ظن النجاسة وأن الصلاة بالمسجد لا تجب وإن أمكن بسهولة وكان جارا بالمسجد وخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لم يثبت وبفرضه المراد لا صلاة كاملة وهذا الخبر وما بعده قد احتجت به الحنفية على جواز التيمم بسائر ما على وجه الأرض ولو غير تراب وأخذ منه بعض المجتهدين أنه يصح التيمم بنية الطهارة المجردة لأنه لو لم يكن طهارة لم تجز الصلاة به وخالف الشافعي ورد ذلك بأنه مجاز لتبادر غيره والأحكام تناط باسم الحقيقة دون المجاز وبأنه لا يلزم من نفي الطهارة الحقيقية نفي المجازية . (تنبيه) قال القاضي : قد جاء فعول في كلام العرب لمعان مختلفة منها المصدر وهو قليل كالقبول والولوغ ومنها الفاعل كالصفوح والشكور وفيه مبالغة ليست في الفاعل ومنها المفعول كالركوب والحلوب ومنها ما يفعل به كالوضوء والغسول والفطور ومنها الإسمية كالذنوب وقد حمل الشافعي * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * على المعنى الرابع لقوله * (ليطهركم به) * ولقوله في هذا الخبر جعلت إلى آخره وهو ههنا بمعنى المصدر (تتمة) قال في الاختيار : إنما جعلت الأرض له مسجدا بوفور الحظ البارز على جميع الرسل منه تعالى ولأمته من حظه ما برزوا به على جميع الأمم حتى أقبل الله عليهم فإقباله عليهم طهرت بقاع الأرض حيثما انتصبوا فإذا كبروا رفعت الحجب ودخلوا في ستره وطهرت البقاع لهم حيثما وقفوا وإنما جعلت طهورا فإنهم إذا لم يجدوا الماء الذي جعله الله طهورا للخلق تطهروا بالصعيد فجعل ما تحت أقدامهم طهورا لهم عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء المذكور في قوله * (وينزل عليكم من السماء ماء
[ 460 ]
ليطهركم به) * وهو ماء الحياة الراكد تحت العرش خلقه الله حياة لكل شئ فمنه حياة القلوب ومنه حياة الأرواح (حم والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا ابن المنذر وابن الجارود قال ابن حجر وإسناده صحيح . 3596 (جعل الله الخير كله في الربعة) يعني المعتدل الذي ليس بطويل ولا بقصير وخير الأمور أوساطها ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم ربعة قال السخاوي : وما اشتهر على الألسنة من خبر ما خلا قصير من حكمة لم أقف عليه . (ابن لال) وكذا الديلمي عن عائشة بإسناد ضعيف . 3597 (جلساء الله غدا) أي في الآخرة (أهل الورع) أي المتقون للشبهات (والزهد في الدنيا) لأن الدنيا يبغضها الله ولم ينظر إليها منذ خلقها وبقدر قرب الإنسان منها يكون بعده عن الله وبقدر بعده منها يكون قربه إلى الله فكلما ازداد منها بعدا ازداد من ربه قربا فلا يزال يقرب حتى يشرفه بإجلاسه عنده (ابن لال) في مكارم الأخلاق (عن سلمان) الفارسي ورواه عنه الديلمي أيضا بإسناد ضعيف . 3598 (جلوس الإمام) أي الذي يقتدي به في الصلاة (بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب من السنة) بقدر ما يتطهر المقتدون قال ابن عبد الهادي كابن الجوزي : وفيه أنه يسن الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يسن انتهى (فر) وكذا تمام في فوائده (عن أبي هريرة) وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة حجة يدلس وهو في الزهري لين انتهى . 3599 (جمال الرجل فصاحة لسانه) أي أن يكون من فصحاء المصاقع الذين أورثوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال بالسليقة من غير تصنع ولا ارتجال ولا يناقضه خبر إن الله يبغض البليغ من الرجال لأن ذلك فيما كان فيه نوع تيه ومبالغة في التشدق والتفصح وذا في خلقي صحبه اقتصاد وساسه العقل ولم يرد به الاقتدار على القول إلى أن يصغر عظيما عند الله أو يعظم صغيرا أو ينصر الشئ وضده كما يفعله أهل زماننا ذكره ابن قتيبة قالوا : وذا من جوامع الكلم (القضاعي) والعسكري كلاهما من حديث محمد بن المنكدر (عن جابر) وكذا رواه عنه الخطيب والقضاعي وفيه أحمد بن عبد الرحمن بن
[ 461 ]
الجارود قال في الميزان عن الخطيب كذاب ومن بلاياه هذا الخبر وفي اللسان عن ابن طاهر كان يضع الحديث . 3600 (جنات الفردوس أربع جنات) مبتدأ (من ذهب) خبر قوله (حليتهما) بكسر الحاء (وآنيتهما وما فيها) والجملة خبر المبتدأ الأول ومتعلق من ذهب محذوف أي حليتهما وآنيتهما كائنة من ذهب (وجنات من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها) وفي رواية جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين خرجه الطبراني وابن أبي حاتم ورجاله كما قال ابن حجر ثقات وصرح جمع بأن الأولتين أفضل وعكس بعض المفسرين والحديث حجة للأولين وظاهر الحديث أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس قال ابن حجر : ويعارضه حديث أبي هريرة قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة خرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي حديث البزار خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وفي خبر البيهقي أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنان كلها ثم الظاهر أن هذه الأربع ليس منها جنة عدن (1) فإنها ليست من ذهب ولا فضة بل من لؤلؤ وياقوت وزبرجد لخبر أن ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم إنه تعالى جعل تركيب الصلاة على منوال ترتيب الجنة إشارة إلى أنه لا يدخلها إلا المصلون فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة من سجود وملاطها التسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد ومن ثم قال النبي إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم) ما هذه نافية (إلا رداء الكبرياء) قال النووي : لما كان يستعمل الاستعارات للتفهيم عبر عن مانع رؤيته تقدس برداء الكبرياء فإذا تجلى الله عليهم يكون إزالة لذلك وقال غيره : المراد أنه إذا دخل
[ 462 ]
المؤمنون الجنة وتبوؤوا مقاعدهم رفع ما بينهم وبين النظر إلى ربهم من الموانع والحجب التي منشأها كدورة الجسم ونقص البشرية والانهماك في المحسوسات الحادثة ولم يبق ما يحجزهم عن رؤيته إلا هيبة لجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء فلا يرفع ذلك منهم إلا برأفة ورحمة منه تفضلا على عباده وقال عياض : استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع لإدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته (على وجهه) أي ذاته وقوله (في جنة عدن) راجع إلى القوم أي وهم في جنة عدن لا إلى الله لأنه لا تحويه الأمكنة تعالى الله عن ذلك ذكره عياض وقال القرطبي : متعلق بمحذوف في محل الحال من القول أي كائنين في جنة عدن وقال القاضي : متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف ليفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة قال الهروي : هو ظرف لينظروا بين به أن النظر لا يحصل إلا بعد الإذن لهم في الدخول في جنة عدن سميت بها لأنها محل قرار رؤية الله ومنه المعدن لمستقر الجواهر (وهذه الأنهار تشخب) بمثناة فوقية مفتوحة وشين معجمة ساكنة وخاء معجمة مضمومة فموحدة أي تجري وتسيل (من جنة عدن ثم تصدع) أي تتفرق (بعد ذلك أنهارا) في الجنان كلها وفيه أن الجنان أربع وقال القرطبي : هي سبع وعدها وقال الحكيم : الفردوس سرة الجنة ووسطها والفردوس جنات فعدن كالمدينة والفردوس كالقرى حولها فإذا تجلى الوهاب لأهل الفردوس رفع الحجاب وهو المراد برداء الكبرياء هنا فينظرون إلى جلاله وجماله فيضاعف عليهم من إحسانه ونواله (حم طب عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . (1) قال القرطبي : قيل : الجنان سبع دار الجلال ودار السلام ودار الخلود وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم والفردوس وقيل : أربع فقط لهذا الحديث فإنه لم يذكر فيه سوى أربع كلها توصف بالمأوى والخلد والعدن والسلام وهذا ما اختاره الحليمي فقال : إن الجنتين الأولتين للمقربين والآخرتين لأصحاب اليمين وفي كل جنة درجات ومنازل وأبواب . 3601 (جنبوا مساجدنا) وفي رواية مساجدكم (صبيانكم) أراد به هنا ما يشمل الذكور والإناث (ومجانينكم) فيكره إدخالهما تنزيها إن أمن تنجيسهم للمسجد وتحريما إن لم يؤمن (وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم) أي إخراجها من أغمادها (واتخذوا على أبوابها) أي المساجد (المطاهر) جمع مطهرة ما يتطهر منه للصلاة (وجمروها) أي بخروها (في الجمع) جمع جمعة أي في كل يوم جمعة وكذا عيدان أقيمت صلاة العيد فيهما وفيه إنباء بأن من عمل في مساجد الله بغير ما وضعت له من ذكر الله كان ساعيا في خرابها وناله الخوف في محل الأمن وقد أجرى الله سنته أن من لم يقم حرمة مساجده شرده منها وأحوجه لدخولها تحت ذمة من أعدائه كما شهدت به بصائر أهل التبصرة سيما في الأرض المقدسة دول القلب بين هذه الأمة وأهل الكتاب (تنبيه) حكى ابن التين عن اللخمي أن هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد ورد بأن الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بذلك ولا عرف تاريخ فيثبت النسخ واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب
[ 463 ]
الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب : المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال مجمع الدين وأهله جاز فيه المتداول فيها دول القلب بين هذه الأمة وأهل الكتاب (ه) من رواية الحرث بن نبهان عن عتبة عن أبي سعيد عن مكحول (عن واثلة) ابن الأسقع قال الزين العراقي في شرح الترمذي : والحرث بن نبهان ضعيف وقال ابن حجر في المختصر حديث ضعيف وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال ابن حجر في تاريخ الهداية : له طرق وأسانيد كلها واهية وقال عبد الحق : لا أصل له . 3602 (جهاد الكبير) أي المسن الهرم (والصغير) الذي لم يبلغ الحلم (والضعيف) خلقة أو لنحو مرض (والمرأة الحج والعمرة) يعني هما يقومان مقام الجهاد لهم ويؤجرون عليهما كأجر الجهاد وقال العامري : الجهاد أكبر وأصغر فالأصغر جهاد أعداء الدين ظاهرا والكفار والأكبر جهاد أعداء الباطن النفس والشيطان سماه الأكبر لأنه أدوم وأخطر فجعل تعالى جهاد من ضعف عن الكفار الحج ولما فقدت المرأة أهلية الجها ألحقت بكرم الله بمن بذل نفسه وماله وجاهد فنظر إلى صدق نيتها لجهادها لنفسها في أداء حقوق زوجها وتبعها له وأداء أمانتها له في نفسها وبيته وماله (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح . 3603 (جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشئ) فإن ذلك شدة بلاء وإن الفقر يكاد يكون كفرا كما يأتي في حديث فكيف إذا انضم إليه كثرة عيال ولهذا قال ابن عباس : كثرة العيال أحد الفقرين وقلة العيال أحد اليسارين (ك في تاريخه عن ابن عمر) ابن الخطاب قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتعوذ بالله من جهد البلاء فذكره ورواه الديلمي أيضا كما ذكر . 3604 (جهد البلاء قلة الصبر) أي على الفقر والمصائب والآلام والأسقام فإن لم يصبر على البلاء لا يثاب فيفوته حظه من الدنيا والآخرة وأي بلاء أعظم من ذلك (أبو عثمان) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد المعروف بشيخ الإسلام (الصابوني) بفتح الصاد المهملة وضم الميم وآخره نون نسبة إلى الصابون قال السمعاني : لعل أحد أجداده عمله فعرف به كان إماما مفسرا محدثا فقيها واعظا صوفيا خطيبا أوحد وقتوعظ ستين سنة روى عن الحاكم وعنه البيهقي ومن لا يحصى (في) الأحاديث (المائتين فر عن أنس) بن مالك قال : الصابوني لم يروه عن وكيع مرفوعا إلا مسلم بن جنادة .
[ 464 ]
3605 (جهد البلاء أن تحتاجوا إلى ما في أيدي الناس فتمنعوا) أي فتسألونهم فيمنعونكم فيجتمع على الإنسان شدة الحاجة وذل المسألة وكلاحة الرد وينسب إلى الشافعي رضي الله عنه ومن العجيب من القضاء وصنعه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق وأحق أهل الله بالهم امرؤ * ذو همة يبلى برزق ضيق ولربما مرت بقلبي فكرة * فأود منها أنني لم أخلق (فر عن ابن عباس) ورواه عنه ابن لال أيضا ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فكان عزوه إليه أولى . 3606 (جهنم تحيط بالدنيا) أي من جميع الجهات كإحاطة السوار بالمعصم (1) (والجنة من ورائها) أي والجنة تحيط بجهنم (فلذلك صار الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة) فهو كالقنطرة عليها فما يعبر إلا عليه إليها وإن ذلك لسهل على من سهله الله عليه (خط فر) وكذا أبو نعيم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه محمد بن مخلد قال الذهبي : قال ابن عدي : حدث بالأباطيل ومحمد بن حمزة الطوسي قال الذهبي : قال ابن منده : حدث بمناكير عن أبيه قال الذهبي : قال ابن معين : ليس بشئ عن قيس قال الذهبي في الضعفاء : ضعف وهو صدوق اه‍ وفي الميزان هذا أي الخبر منكر جدا ومحمد واه وحمزة ترك وقال معن : سألت أحمد عن حمزة الطوسي فقال : لا يكتب عن الخبيث شئ اه‍ . (1) فالدنيا فيها كمح البيضة في البيضة ويحتمل أن يكون المراد بالدنيا أرض المحشر أو هو على حذف المضاف أي بأهل الدنيا . * 2 * فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 3607 (الجار أحق بصقبه) (1) محركا روي بصاد وبسين أي بسبب قربه من غيره وهذا كما
[ 465 ]
يحتمل كون المراد أنه أحق بالشفعة يحتمل أنه أحق بنحو بر أو صلة والدليل إذا تطرق له الاحتمال سقط به الاستدلال فلا حجة فيه للحنفية على ثبوت الشفعة للجار على أنه يستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك ولا قائل به (2) . (خ د ن ه عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ن ه عن الشريد) بوزن الطويل (ابن سويد) ولم يخرجه ورواه الشافعي عن أبي رافع قال في المنضد : والحديث في سنده اضطراب وأحاديث أنه لا شفعة إلا للشريك لا اضطراب فيها . (1) سئل الأصمعي عن معنى هذا الحديث فقال : لا أدري ولكن العرب تزعم أن الصقب اللزيق قال في المنتقى معنى الخبر الحث على عرض المبيع على الجار وتقديمه على غيره . (1) فائدة : إذا قضى حنفي بشفعة الجوار قيل ينقض قضاؤه لمخالفة النص والصحيح أنه لا ينقض للأحاديث الدالة له وعلى هذا هل يحل للمقضي له أن يفعله باطنا إذا كان شافعيا وجهان أصحها نعم وعليه النووي . 3608 (الجار أحق بشفعة جاره) أي الشريك أحق بشفعة شريكه (ينتظر) بالبناء للمفعول (بها) أي بحقه من الشفعة أو ينتظر بها الصبي حتى يبلغ (وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) قال الأبي : هذا أظهر ما يستدل به الحنفية على شفعة الجار لأنه بين بما يكون أحق ونبه على الاشتراك في الطريق لكنه حديث لم يثبت بل هو مطعون به (حم ع م عن جابر) قال البيهقي : فيه عبد الملك بن أبي سليمان تركه جماعة وقال الشافعي عن جمع تخلق أن لا يكون محفوظا وقال أحمد : حديث منكر وقال الترمذي : سألت عنه البخاري فقال : لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وأنكروه عليه وقال الترمذي : إنما ترك شعبة الحديث عن عبد الملك لهذا الحديث وقال الصدر المناوي : عبد الملك خرج له مسلم واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث لتفرده به وإنكار الأئمة عليه فيه حتى قال بعضهم : هو رأى لفظا أدرجه عبد الملك في الحديث . 3609 (الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق) أي التمس قبل السلوك في الطريق رفيقا تحصل به المرافقة على قطع السفر كما سبق (والزاد (1) قبل الرحيل) أي وأعد لسفرك زادا قبل الشروع فيه وإعداده لا ينافي التوكل وزاد الديلمي في رواية واتخذوا ذكر الله تجارة يأتكم الرزق بغير بضاعة اه‍ وكذا عند رافع بن خديج قال الزركشي : وأسانيده ضعيفة (خط في الجامع عن علي) أمير المؤمنين (تتمة) قال الراغب : قيل لرابعة لم لا تسألين الله في دعائك الجنة فقالت : الجار قبل الدار وبهذا النظر قال بعضهم : من عبد الله بعوض فهو لئيم وقال المصنف في الدرر : وسنده ضعيف انتهى ورواه عنه أيضا
[ 466 ]
الحاكم والدارمي والعقيلي في الضعفاء والعسكري قال السخاوي : وكلها ضعيفة لكن بالانضمام يتقوى . (1) وكل من الجار والرفيق والزاد يجوز نصبه بفعل مقدر ورفعه بالإبتداء أي اتخذه أو يتخذ . 3610 (الجالب) أي الذي يجلب المتاع يبيع ويشتري (مرزوق) أي يحصل له الربح من غير إثم (والمحتكر) أي المحتبس للطعام الذي تعم الحاجة إليه للغلاء (ملعون) أي مطرود عن الرحمة ما دام مصرا على ذلك الفعل الحرام (ه) في البيوع من حديث إسرائيل عن علي بن سالم عن علي بن زيد بن المسيب (عن عمر) بن الخطاب قال الذهبي : علي عن علي ضعفاء اه‍ وقال المناوي : فيه علي بن سالم مجهول وقال البخاري : لا يتابع على حديثه اه‍ وقال ابن حجر : سنده ضعيف وفي الميزان علي بن سالم بصري قال البخاري : لا يتابع على حديثه ثم أورد له هذا الخبر قال أعني في الميزان وماله غيره . 3611 (الجالب إلى سوقنا) أيها المؤمنون (كالمجاهد في سبيل الله) في حصول مطلق الأجر (والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله) القرآن في مطلق حصول الوزر وإن اختلفت المقادير وتفاوت الثواب والعقاب (الزبير بن بكار في أخبار المدينة) النبوية (ك) في البيع (عن اليسع بن المغيرة) المخزومي المكي التابعي قال في التقريب : كأصله لين الحديث (مرسلا) قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل في السوق يبيع طعاما بسعر هو أرخص من سعر السوق فقال : تبيع في سوقنا بأرخص قال : نعم قال : صبرا واحتسابا قال : نعم قال : أبشر فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي : خبر منكر وإسناده مظلم . 3612 (الجاهر بالقرآن) (1) أي بقراءته (كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة) شبه القرآن جهرا وسرا بالصدقة جهرا وسرا ووجه الشبه أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل لخائفه فإن لم
[ 467 ]
يخفه فالجهر لمن لم يؤذ غيره أفضل (دت ن) في الصلاة وحسنه الترمذي (عن عقبة بن عامر) الجهني (ك عن معاذ) بن جبل وفيه من الطريق الأول إسماعيل بن عياش ضعفه قوم ووثقه آخرون . (1) قال الشيخ يحيى النووي : جاءت أحاديث بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإسرار قال العلماء والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف فإن لم يخف فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما . 3613 (الجبروت في القلب) ومن ثم قالوا الظلم كمين في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه قال الديلمي : وأصل الجبروت القهر والسطوة والامتناع والتعظيم اه‍ . (ابن لال) والديلمي (عن جابر) بن عبد الله بسند ضعيف لكن شاهد خبر أحمد وابن منيع والحارث عن علي مرفوعا : إن الرجل ليكتب جبارا وما يملك غير أهله ببيته . 3614 (الجدال في القرآن كفر) أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعا إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم ولا يقضى فيه بضرس قاطع وليس فيه اتباع للبرهان ولا تأول على النصفة بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حق وباطل (ك) من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال : الشيخان لم يحتجا بعمر اه‍ . وعمر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه ابن معين وقال النسائي : ليس بقوي . 3615 (الجراد) بفتح الجيم والتخفيف اسم جنس واحده جرادة للذكر والأنثى : من الجرد لأنه لا ينزل على شئ إلا جرده وحلقه (نثرة حوت) بنون ومثلثة وراء أي عطسته يقال نثرت الشاة نثرا إذا عطست (في البحر) والمراد أن الجراد من صيد البحر كالسمك يحل للمحرم أن يصيده . ذكره كله الزمخشري وقال الديلمي : قال زياد حدثني من رأى الحوت ينثره وقد أجمعوا على حل أكله بغير تذكية لكن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته ثم اختلفوا في صفتها فقالوا : يقطع رأسه وقيل يوضع في قدر أو نار وقال ابن وهب أخذه ذكاة (ه) وكذا الخطيب كلاهما (عن أنس) بن مالك (وجابر) بن عبد الله (معا) قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو على الجراد اللهم اقتل كباره وأهلك صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معائشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء فقال رجل يا رسول الله تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره فقال : إنما الجراد فذكره قال ابن حجر سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات . 3616 (الجراد من صيد البحر) تمامه فكلوه قال القاضي : عده من صيده لأنه يشبهه من حيث أنه تحل ميتته ولا يفتقر إلى التذكية أو لما قيل إن الجراد يتوالد من الحيتان كالديدان وقال في الفتح هذا
[ 468 ]
حديث ضعيف ولو صح كان فيه حجة لمن قال : إنه لاجزاء فيه إذا قتله المحرم والجمهور على خلافه (د) في الحج (عن أبي هريرة) قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة قال : فاستقبلنا جراد فجعلنا نضرب بنعلنا وأسواطنا فذكره خرجه أبو داود من طريقين وافقه الترمذي في واحدة وكلاهما ضعيفة فالرواية التي انفرد بها فيها ميمون بن حبان وهو كما قال المناوي كعبد الحق ضعيف لا يحتج به والآخر فيها أبو المهزم ضعيف ولما خرجهما أبو داود نفسه قال الحديثان جميعا وهم اه‍ . 3617 (الجرس) بالتحريك الجلجل وحكى عياض سكون الراء قال جدنا الأعلى للإمام الزين العراقي : والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالسكون اسم الصوت فإن أصل الجرس بالسكون الصوت الخفي اه‍ . وتقدمه القرطبي فقال : بفتح الراء ما يعلق في أعناق الإبل مما له صلصلة وأما بسكونها فالصوت الخفي فقال بفتح الجيم وكسرها اه‍ . (مزامير) وفي رواية مزمار وفي رواية من مزامير (الشيطان) أخبر عن المفرد بالجمع لإرادة الجنس وأضافه إلى الشيطان لأن صوته شاغل عن الذكر والفكر فيكره سفرا وحضرا وينبغي لمن سمعه سد أذنيه لكن لا يجب لقولهم لو كان بجواره ملاهي محرمة لم يلزمه النقلة ولا يأثم بسماعها بلا قصد قال ابن حجر : الكراهة لصوته لأن فيه شبها بصوت الناقوس وشكله . قال النووي : والجمهور على أن الكراهة تنزيهية لا تحريمية (حم م د عن أبي هريرة) ووهم الحاكم فاستدركه . 3618 (الجزور) بوزن فعول من الجزر وهو القطع الواحد من الإبل يتناول الذكر والأنثى إلا أن اللفظة مؤنثة (عن سبعة) أي تجزئ عن سبعة أنفس في الأضاحي فيجوز شركة سبعة في بدنة أو بقرة يشترونها ويذبحونها عن أنفسهم وبه قال الأئمة الثلاثة وهو حجة على مالك والليث في ذهابهما إلى المنع أما الشاة فلا تجزئ عن واحد (الطحاوي) بفتح الطاء والحاء المهملتين نسبة إلى طحا قرية بصعيد مصر وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة تفقه على خاله المزني صاحب الشافعي ثم تحول حنفيا وصنف في الحديث عدة كتب (عن أنس) بن مالك ظاهر اقتصاره على الطحاوي أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه أبو داود في الأضاحي عن جابر بزيادة فقال : البدنة عن سبعة والجزور عن سبعة ورواه الترمذي بلفظ الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة في الأضاحي وما أراه إلا ذهل عنه . 3619 (الجزور في الأضحى عن عشرة) أي مجزئة عن عشرة ولم أر من قال به من المجتهدين بل حكى القرطبي الإجماع على المنع فيما زاد على سبعة (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : فيه عطاء بن
[ 469 ]
السائب وقد اختلط انتهى ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن مسعود المذكور ثم قال : أيوب أبو الجمل أحد رواته ضعيف وليروه عن عطاء غيره . 3620 (الجفاء كل الجفاء) أي البعد كل البعد (والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي) أي سمع المؤذن يؤذن (بالصلاة) المكتوبة (ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه) أي يدعوه إلى سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة في الجماعة (1) والفلاح والفلح البقاء ذكره الديلمي قال أبو البقاء : الجفاء في الأصل مصدر وهو هنا مبتدأ وكل الجفاء توكيد والكفر والنفاق معطوفان على الجفاء ومن سمع خبر المبتدأ إذ لا بد فيه من حذف مضاف أي إعراض من سمع لأن من بمعنى شخص أو إنسان والجفاء ليس بالإنسان والخبر يجب أن يكون هو المبتدأ في المعنى والإعراض جفاء وهذا الحديث من أقوى حجج من أوجب الجماعة لما أفاده من الوعيد قال الكمال : والمراد به أن وصف النفاق يتسبب عن التخلف عنها لا الإخبار بالواقع أن التخلف لا يقع إلا من منافق فإن الإنسان قد يتخلف كسلا مع صحة الإسلام ويقين التوحيد وعدم النفاق (طب) وكذا الديلمي من حديث ابن لهيعة عن زيان عن سهل بن معاذ (عن) أبيه (معاذ بن أنس) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور من الوجه المذكور ولعل المؤلف ذهل عنه وإلا فهو أحق بالعزو كما مر غير مرة قال الهيثمي : وفيه زيان بن فائد ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم . (1) بالسعي إلى الجماعة والمراد الحث على حضور الجماعة لأن المتخلف يصير كافرا أو منافقا . 3621 (الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة بعد الصلاة عبادة) أي من العبادة التي يثاب عليها فاعلها (والنظر في وجه العالم) أي العامل بعلمه والمراد العلم الشرعي (عبادة ونفسه) بفتح الفاء (تسبيح) أي بمنزلة التسبيح . (فر عن أسامة بن زيد) وفيه أحمد بن عيسى المصري أورده الذهبي في الضعفاء وقال : كان ابن معين يكذبه وهو ثقة . 3622 (الجلوس مع الفقراء) إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (من التواضع) الذي تطابقت الشرائع والملل على مدحه (وهو من أفضل الجهاد) إذ هو جهاد للنفس عما هو طبيعتها وسجيتها من
[ 470 ]
التكبر والتعاظم والتيه سيما على الفقراء (فر عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي قال الخطيب : قال لي محمد بن يوسف القطان كان يضع الحديث . 3623 (الجماعة بركة) أي لزوم جماعة المسلمين زيادة في الخير (والسحور) للصائم (بركة) أي نمو وزيادة في الأجر (والثريد بركة) لما فيه من المنافع التي ربما أربت على اللحم قال الديلمي زاد أنس بن مالك والمشورة بركة (ابن شاذان في مشيخته عن أنس) بن مالك ورواه الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى والديلمي من حديث أبي هريرة ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لابن شاذان مع وجوده لمن ذكر . 3624 (الجماعة رحمة) أي لزوم جماعة المؤمنين موصل إلى الرحمة * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * والفرقة عذاب) لأنه تعالى جمع المؤمنين على معرفة واحدة وشريعة واحدة ليألف بعضهم بعضا بالله وفي الله فيكونون كرجل واحد على عدوهم فمن انفرد عن حزب الرحمن انفرد به الشيطان وأوقعه فيما يؤديه إلى عذاب النيران قال العامري في شرح الشهاب : لفظ الجماعة ينصرف لجماعة المسلمين لما اجتمع فيهم من جميل خصال الإسلام ومكارم الأخلاق وترقي السابقين منهم إلى درجة الإحسان وإن قل عددهم حتى لو اجتمع التقوى والإحسان اللذان معهما الرحمة في واحد كان هو الجماعة فالرحمة في متابعته والعذاب في مخالفته (عبد الله) بن أحمد (في زوائد المسند) أي مسنده المشهور (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن النعمان بن بشير) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر : الجماعة إلخ قال الزركشي بعد عزوه لأحمد والطبراني : فيه الجراح بن وكيع قال الدارقطني : ليس بشئ وقال المصنف في الدرر : سنده ضعيف وقال السخاوي : سنده ضعيف لكن له شواهد . 3625 (الجمال في الرجل اللسان) أي فصاحة اللسان كما تفسره روايات أخر وهو معدود من جوامع الكلم ولما أرسل المصطفى إلى الكافة أيد طبعه بالفصاحة من غير تكلف لا كتكلف المتشدقين وسجع المتملقين المتصنعين (ك عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو قصور فقد رواه ابن لال والديلمي من حديث العباس بن عبد المطلب .
[ 471 ]
3626 (الجمال صواب القول بالحق والكمال حسن الفعال بالصدق) لأن جمال الكمال في سعة العلم والحق والعدل والصواب والصدق والأدب فإذا لم يعمل فهو جاهل وإذا علم احتاج أن يكون محقا فيعمل بذلك العلم فإذا عمل احتاج إلى إصابة الصواب فقد يعمل ذلك الغير في غير وقته فلا يصيب فإذا عمل الصواب احتاج إلى العدل فيكون مزيدا به وجه الله فإذا عدل احتاج إلى الصدق بأنه لا يلتفت إلى نفسه فيوجب لها ثوابا فتحتجب عنه المنية فذلك هو الجمال والكمال في الحقيقة وهذا قاله لعمه العباس لما جاءه وعليه ثياب بيض فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما يضحكك قال : جمالك قال : وما الجمال فذكره (الحكيم) الترمذي (عن جابر) بن عبد الله قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس والبيهقي في الشعب فعدوله للحكيم واقتصاره عليه الموهم غير لائق ثم إن فيه أيوب بن يسار الزهري قال الذهبي : ضعيف جدا تفرد به عنه عمر بن إبراهيم وهو ضعيف جدا . 3627 (الجمال في الإبل) أي في اتخاذها واقتنائها (والبركة) أي النمو والزيادة في الخير (في الغنم) يشمل الضأن والمعز (والخيل في نواصيها الخير) أي معقود في نواصيها إلى يوم القيامة وسيجئ بيانه (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن أنس) بن مالك . 3628 (الجمعة إلى الجمعة) المضاف محذوف أي صلاة الجمعة منتهى إلى الجمعة والجمعة بضم الجيم مخففة أشهر من فتحها وسكونها وكسرها وشدها وتاؤه ليست للتأنيث لأن اليوم مذكر بل للمبالغة كما في علامة (كفارة ما بينهما) من الذنوب الصغائر (ما لم تغش الكبائر) حكى ابن عطية عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر فإن لم تجتنب فلا تكفير بالكلية وعن الحذاق أنها تكفر الصغائر ما لم يصر عليها وإن فعل الفرائض لا يكفر شيئا من الكبائر أصلا وإلا لزم بطلان فرضية التوبة وقول ابن حزم العمل يكفر الكبائر رد بأنه إن أريد أن من عمل وهو مصر على كبير يغفر فهو معلوم البطلان من الدين ضرورة وأن من لم يصر وحافظ على الفرائض بغير توبة كفرت بذلك فمحتمل لظاهر آية * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * كذا قرره
[ 472 ]
جمع لكن أطلق الجمهور أن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة (ه عن أبي هريرة) ورواه الحاكم والديلمي بنحوه . 3629 (الجمعة) إنما تجب (على من سمع النداء) أي أذان المؤذن لها وفي رواية للدارقطني بدله التأذين فتجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء أكان داخل البلد أو خارجه عند الشافعي كالجمهور وقصر أبو حنيفة الوجوب على أهل البلد (تنبيه) قال في الرو ض : يوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية يوم العروبة ولم يسم الجمعة إلا في الإسلام ولهذا قال بعضهم : إنه اسم إسلامي وكعب بن لؤي جد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أول من جمع يوم العروبة وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه فيخطبهم ويذكرهم ذكره الماوردي في كتاب الأحكام (د) في الجمعة (عن ابن عمرو) بن العاص قال عبد الحق : الصحيح وقفه وقال ابن القطان : فيه أبو سلمة بن نبيه مجهول وعبد الله بن هارون مجهول وفي الميزان أبو سلمة بن نبيه نكرة تفرد عنه محمد بن سعيد الطائفي وشيخه ابن هارون كذلك . 3630 (الجمعة حق واجب على كل مسلم مكلف) زاد في رواية يؤمن بالله واليوم الآخر (في جماعة) فيشترط أن تقام في جماعة (إلا على أربعة) بالنصب لأنه استثناء من موجب (عبد مملوك) فلا جمعة عليه لشغله بخدمة سيده (أو امرأة) ومثلها الخنثى (أو صبي) ولو مراهقا (أو مريض) وكذا مسافر وكل من له عذر مرخص في ترك الجماعة وفي نسخ عبدا مملوكا إلى آخره بالنصب وهو أحسن لأنها عطف بيان لأربعة المنصوب وقد جرت عادة المتقدمين أن يكتبوا المنصوب بغير ألف فصورة الرفع مخرجة عليه وقد يعرب خبر مبتدأ محذوف وقال المظهر : إلا بمعنى غير وما بعده بالجر صفة لمسلم . (د ك) في الجمعة (عن طارق) بالمهملة والقاف (ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي بفتح الموحدة والجيم الأحمسي الصحابي الكوفي وقد مر . ظاهر صنيع المصنف أن أبا داود خرجه ساكتا عليه وليس كذلك بل تعقبه بقوله طارق هذا رأى النبي ولم يسمع منه شيئا اه‍ . وقال الخطابي : إسناده ليس بذلك ولعل المصنف اغتر بقول النووي على شرط الشيخين ومراده أنه مرسل صحابي وهو حجة على أن بعض المحققين رده بأن فيه عياش بن عبد العظيم ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا فكيف هو على شرطهما وبأن مرسل الصحابي إنما يكون حجة إن ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة اه‍ . ولما ذكر ابن حجر الخبر قال : فيه أربعة أنفس ضعفاء على الولاء قاله ابن القطان .
[ 473 ]
3631 (الجمعة على من آواه الليل إلى أهله) أي الجمعة واجبة على من كان بمحل لو أتى إليها أمكنه الرجوع بعدها إلى وطنه قبل دخول الليل وبه قال الحنفية واستشكل بأنه يلزم منه أن يجب السعي من أول النهار وهو مخالف لقوله تعالى * (إذا نودي للصلاة) * الآية قال الحرالي : والأهل مسكن المرء من زوج ومستوطن (ت عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه رواه ساكتا والأمر بخلافه بل تعقبه فقال : إسناده ضعيف إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري والمقبري مضعف قال أعني الترمذي : وقد ذكر أحمد بن الحسن هذا الحديث لأحمد ابن حنبل فغضب عليه وقال له استغفر ربك مرتين انتهى قال الدارقطني : عبد الله بن سعيد المقبري قال أحمد متروك وقال البخاري عن القطان استبان كذبه انتهى وقال الذهبي : معار ك ضعيف وعبد الله ساقط متهم وحجاج متروك . 3632 (الجمعة واجبة إلا على امرأ أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر) (1) (فائدة) قال ابن سراقة في الأعداد : خص نبينا بصلاة الجمعة والجماعة وصلاة الليل وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر . (طب عن تميم الداري) قال البخاري : فيه نظر وقال ابن القطان : فيه أبو عبد الله الشامي مجهول انتهى وأورده في الميزان في ترجمة الحكم بن عمر الجزري وقال : قال البخاري : لا يتابع عليه وفي اللسان قال أبو حاتم : هو شيخ مجهول وكذا الأزدي كذاب ساقط . (1) أي لا يلزمه الحضور إليها فإن حضر إلى المكان الذي تقام فيه حرم انصرافه ما لم يزد ضرره . 3633 (الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة) وبه أخذ بعض المجتهدين واشترط الشافعي أربعين لدليل آخر (طب عن أبي أمامة) قال الذهبي في المهذب : حديث واه وقال الهيثمي : فيه جعفر بن الزبير صاحب القسم وهو ضعيف جدا وقال ابن حجر : جعفر بن الزبير متروك وهياج بن بسطام متروك . 3634 (الجمعة واجبة على كل) أي على أهل كل (قرية) زاد في رواية للدارقطني فيها إمام (وإن
[ 474 ]
لم يكن فيها إلا أربعة) من الرجال وفي رواية وإن لم يكن إلا ثلاثة رابعهم إمامهم قال البيهقي يعني بالقرى المدائن وكذا روى عن الموقري والحكم الأيلي عن الزهري . (قط هب) عن معاوية بن سعيد التجيبي والوليد بن محمد والحكم بن عبد الله قالوا حدثنا الزهري (عن أبي عبد الله الدوسية) قال الدارقطني : كل هؤلاء متروكون ولم يسمع الزهري من الدوسية وكل من رواه متروك وقال الذهبي فيه متروكان وتالف وقال ابن حجر : هو ضعيف ومنقطع أيضا وقال في محل آخر : إسناده واه جدا . 3635 (الجمعة حج المساكين) جمع مسكين وهو الذي أسكنه الخلة وأصله دائم السكون كالمستكبر الدائم الكبر ذكره القاضي يعني من عجز عن الحج وذهابه يوم الجمعة إلى المسجد هو له كالحج وليس معناه سؤال الناس له (ابن زنجويه في ترغيبه والقضاعي) في مسند الشهاب والحارث بن أبي أسامة كلهم من حديث عيسى بن إبراهيم الهاشمي عن مقاتل عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عيسى هذا وقال عن جمع : هو منكر الحديث متروك انتهى وقال السخاوي : مقاتل ضعيف وكذا الراوي عنه . 636 (الجمعة حج الفقراء) قال العامري : لما عجز المسكين عن مال الحج أو ضعف وكان يتمناه بقلبه نظر الكريم إلى تحسره فأعطاه ثواب الحج بقصده على منوال خبر إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا إلا وقد سبقوكم إليه حبسهم العذر (القضاعي وابن عساكر عن ابن عباس) . 3637 (الجنازة متبوعة وليست بتابعة) وفي رواية الجنازة متبوعة لا تبع (1) قال الطيبي : قوله لا تبع صفة مؤكدة أي متبوعة غير تابعة (ليس منا) كذا قال هو في خط المصنف وفي نسخ ليس منها وفي نسخ المصابيح والمشكاة وغيرها ليس معها وهو أوضح (من تقدمها) أي لا يعد مشيعا لها قال الطبري هذا تقرير بعد تقرير ينبغي من تقدم الجنازة ليس ممن يشيعها فلا يثبت له الأجر وبهذا أخذ أبو حنيفة ووافقه النووي في الراكب وفضل الشافعية إطلاق المشي أمامها لأنهم شفعاء الميت إلى الله والشفيع
[ 475 ]
يمشي قدام المشفوع له (2) قالوا : والخبر ضعيف وقال البيهقي : الآثار بالمشي أمامها أصح وأكثر (ه) في الجنائز (عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي : حديث لا يثبت وفيه أبو ماجد قال الدارقطني : مجهول وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه من بين الستة وأنه لا علة له والأمر بخلافه أما أولا فلأن أبا داود والترمذي خرجاه أيضا في الجنائز واستغربه الترمذي ، وأما ثانيا فلأنه عندهم من رواية أبي ماجد وقد قال الترمذي عن البخاري أنه ضعفه وأن ابن عيينة قال ليحيى التميمي الراوي عن أبي ماجد من هو فقال : طائر طار فحدثنا اه‍ وقال الدارقطني : مجهول . وابن عدي : منكر الحديث . والذهبي : تركوه . وقال البيهقي : أحاديث المشي خلفها كلها ضعيفة . (1) في العلقمي قال شيخنا قال العراقي في قوله الجنازة متبوعة يحتمل ذلك في حالة الصلاة عليها جمعا بين الأحاديث . (2) والأفضل أن يكون قريبا منها وكل ما قرب منها هو أفضل سواء كان راكبا أو ماشيا ولو تقدم عليها كثيرا فإن كان بحيث لا ينسب إليها لكثرة بعده وانقطاعه عن تابعيها لم يحصل له فضيلة المتابعة ولو مشى خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة ولكنه فاته كمالها . 3638 (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) (1) أحد سيور النعل التي بوجهها والنعل ما وقيت به القدم (والنار مثل ذلك) أي النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل فضرب القرب مثلا بالشراك لأن سبب حصول الثواب والعقاب إنما هو سعي العبد ومجرى السعي بالأقدام وكل من عمل خيرا استحق الجنة بوعده ومن عمل شرا استحق النار بوعيده وما وعد وأوعد منجزان فكأنهما حاصلان ذكره الطيبي وقال غيره : أراد أن سبب دخول الجنة والنار مع صفة الشخص وهو العمل الصالح والسئ وهو أقرب إليه من شراك نعله إذ هو مجاوز له والعمل صفة قائمة به وقيل وجه الأقربية أن يسيرا من الخير قد يكون سببا لدخول الجنة وقليلا من المنكر قد يكون سببا للنار فينبغي الرغبة في كل أسباب الجنة وتجنب جميع أسباب النار (2) وعلى هذا فالقرب معنوي وإلا فالجنة فوق السماوات السبع قال تعالى * (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) * وثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وفي خبر رواه أبو نعيم وغيره أن الجنة في السماء وروى ابن منده عن مجاهد قلت لابن عباس : أين الجنة قال : فوق سبع سماوات قلت : فأين النار قال : تحت سبعة أبحر مطبقة ولا ينافيه خبر ابن أبي شيبة عن ابن عمرو موقوفا الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كل عام مرة لأنه أراد ما يحدثه الله بالشمس كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات جعلها الله تذكيرا بتلك الجنة وآية
[ 476 ]
تدل عليها كما جعل النار مذكرة بتلك وإلا فالجنة فوق الشمس وأكبر منها فكيف تعلق بقرونها (حم خ) في الرقائق (عن ابن مسعود) ولم يخرجه مسلم . (1) والشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة بعدها عين مهملة السير الذي يجعل فيه أصبع الرجل من النعل وكلاهما يختل المشي بفقده . (2) فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال ابن الجوزي : معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية . 3639 (الجنة لها ثمانية أبواب (1) والنار لها سبعة أبواب (2) إنما كانت أبواب الجنة ثمانية لأن مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وكذلك المفتاح ثمانية أسنان : الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبر والصلة فلكون أنواع الأعمال ثمانية جعلت أبوابها ثمانية وإنما كانت أبواب النار سبعة لأن الأديان سبعة : واحد للرحمن وستة للشيطان فالتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والدهرية والإبراهيمية والصنف السابع أهل التوحيد كالخوارج والمبتدعة والظلمة والمصرين على الكبائر فهؤلاء كلهم صنف فوافق عدة الأبواب عدة الأصناف ذكره السهيلي (ابن سعد) في الطبقات (عن عتبة بن عبد) عتبة بن عبد في الصحابة ثمالي وأنصاري وسلمي فكان ينبغي تمييزه . (1) بعضها مختص بجماعة لا يدخل منه غيرهم كالريان للصائمين وباب الضحى للملازمين على صلاتها وبعضها مشترك . (2) يدخلون منها أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية . 3640 (الجنة مائة درجة) يعني درجها الكبائر مائة وفي ضمن كل درجة منها درجات صغار كثيرة فلا تعارض بينه وبين خبر أحمد يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شئ معه (1) (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) هذا التفاوت إما بحسب الصورة كطبقات السماء أو بحسب المعنى أي باعتبار التفاوت في القرب إلى الله ولا مانع من الجمع ، وفيه دلالة على أنها في غاية العلو ونهاية الارتفاع ، ففيه رد لما روى ابن منده عن عبد الله أن الجنة في السماء الرابعة والذي قاله ابن عباس ودلت عليه الأحاديث أنها في السابعة ذكره السمهودي في ختم ابن ماجه وقوله ما بين كل درجتين إلى آخره يقتضي أن المسافة في ذلك مسيرة خمسمائة عام وهو مخالف لما رواه الترمذي أن ما بين كل درجتين مائة عام وأجيب بأن ذلك يختلف بالسرعة والبطء في
[ 477 ]
السير فالمائة للسريع والخمسمائة للبطئ ذكره ابن القيم (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذي وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الحاكم باللفظ المزبور وقال على شرطهما . (1) فهذا يدل على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن وهي تنيف على ستة آلاف آية فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن جمعت له تلك الدرجات كلها وهكذا كلما زادت أعماله زادت درجاته . 3641 (الجنة مائة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم) لسعة أرجائها وكثرة مرافقها ولعظم سعتها وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها (حم ع عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد رواه الترمذي عن أبي سعيد المذكور بلفظ الجنة مائة درجة ولو أن النا س كلهم في درجة واحدة لوسعتهم اه‍ بلفظه فالعدول عنه من ضيق العطن . 3642 (الجنة تحت أقدام الأمهات) يعني التواضع لهن وترضيهن سبب لدخول الجنة وتمامه كما في الميزان من شيئين أدخلن ومن شيئين أخرجن وقال العامري المراد أنه يكون في برها وخدمتها كالتراب تحت قدميها مقدما لها على هواه مؤثرا برها على بر كل عباد الله لتحملها شدائد حمله ورضاعه وتربيته وقال بعض الصوفية : هذا الحديث له ظاهر وباطن وحق وحقيقة لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم فقوله الجنة إلخ ظاهره أن الأمهات يلتمس رضاهن المبلغ إلى الجنة بالتواضع لهن وإلقاء النفس تحت أقدامهن والتذلل لهن والحقيقة فيه أن أمهات المؤمنين هن معه عليه السلام أزواجه في أعلى درجة في الجنة والخلق كلهم تحت تلك الدرجة فانتهاء زوس الخلق في رفعة درجاتهم في الجنة وآخر مقام لهم في الرفعة أول مقام أقدام أمهات المؤمنين فحيث انتهى الخلق فهن ثم ابتداء درجاتهن فالجنة كلها تحت أقدامهن وهذا قاله لمن أراد الغزو معه وله أم تمنعه فقال : الزمها ثم ذكره قال الذهبي فيه أن عقوق الأمهات من الكبائر وهو إجماع (القضاعي) في مسند الشهاب (خط في الجامع) كلاهما من حديث منصور بن مهاجر عن النضر الأبار (عن أنس) قال ابن طاهر : ومنصور وأبو النضر لا يعرفان والحديث منكر اه‍ . فقول العامري على شرحه حسن غير حسن . وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة ، وإلا لما أبعد النجعة ، وهو ذهول فقد خرجه النسائي وابن ماجه وكذا أحمد والحاكم وصححه وأعجب من ذلك أن المصنف في الدرر عزاه إلى مسلم باللفظ المذكور من حديث النعمان بن بشير ، فيا له من ذهول ما أبشعه . 3643 (الجنة تحت ظلال) وفي رواية للبخاري بارقة (السيوف) أي الجهاد مآله الجنة فهو تشبيه
[ 478 ]
بليغ كزيد بحرا وهو استعارة يعني أن ظلال السيوف والضرب بها في سبيل اللسبب للفوز بظلال بساتين الجنة ونعيمها لما أنه سبب موصل إليها ذكره بعضهم وفي النهاية هو كناية عن الدنو من الضرب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه وقال الطيبي : معناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله فاحضروا الجهاد بصدق النية واثبتوا وإنما نهى عن لقاء العدولما فيه من صورة الإعجاب والإتكال على النفس والوثوق بالقوة ولمخالفته للحزم والاحتياط وخص السيوف لكونها أعظم آلات الحرب وأنفعها (ك) في الجهاد (عن أبي موسى) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وكان على المصنف إثبات هذا في حرف إن لأنه في رواية الحاكم بأن في أوله كما رأيته في المستدرك بخط الذهبي ثم إن ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وهو ذهول فقد رواه البخاري عن ابن أبي أوفى مرفوعا بلفظ اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيو ف وأخرجه مسلم أيضا في المغازي وأبو داود في الجهاد فاقتصار المؤلف على الحاكم مضيق العطن وممن عزاه إلى الشيخين معا صاحب مسند الفردوس . 3644 (الجنة دار الأسخياء) السخاء المحمود شرعا لأن السخاء من أخلاق الله العظيمة وهو يحب من يتخلق بشئ من أخلاقه فلذلك صلحوا لجواره في داره ولذا ورد في خبر عبد الحكيم ما جبل الله وليا قط إلا على السخاء ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل سخت أنفسهم بدنياهم لأخراهم فوصلوا أرحامهم وآثروا بها فقراءهم وسلموا أنفسهم لعبادة الرحمن فظفروا بالجنان وأعلى من هؤلاء من سخت أنفسهم عن الدنيا بما فيها وعابوا الالتفاف إليها لشغلها عن المولى (خاتمة) قال الإمام الرازي الجنة موضعها فوق السماء وتحت العرش كما ذكره الإمام مالك فالجنة فوق السموات والنار في أسفل الأرضين كذا ذكره في تفسيره وذهب ابن حزم أن الجنة في السماء السادسة تعلقا بقوله تعالى * (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) * وسدرة المنتهى في السماء السادسة (عد) عن زيد بن عبد العزيز عن جحدر عن بقية عن الأوزاعي عن الزهري عن عائشة ثم قال مخرجه ابن عدي يسرق الحديث ويروي المناكير وقال الدارقطني : حديث لا يصح (والقضاعي) وكذا الدارقطني في المستجار والخرائطي كلهم (عن عائشة) وقال في الميزان : حديث منكر ما أفته سوى جحدر ومن ثم قال الدارقطني : لا يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع انتهى . قال العامري : في قوله حسن غريب غير مصيب . 3645 (الجنة) أي أبنيتها (لبنة من ذهب ولبنة من فضة) بين به أنها مبنية بناء حقيقيا دفعا لتوهم أن ذلك تمثيل وأن ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها تنظر إليها عيانا وهل المراد بناء قصورها ودورها أو بناء حائطها وسورها احتمالات رجح
[ 479 ]
الحافظ ابن حجر الثاني لخبر جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما (طس) وكذا البزار كلاهما (عن أبي هريرة) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح اه‍ . وقضية كلام المصنف أن ما ذكره هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته وملاطها المسك . (1) " لبن " ككتف [ أي بفتح اللام وكسر الباء ] : المضروب من الطين مربعا للبناء [ المضروب : المصنوع بالقوالب ] . من " القاموس " ، وما بين قوسين مربعين [ هكذا ] فمن دار الحديث . 3646 (الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام) حقيقة إذ الجنة درجات بعضها أرفع من بعض أو المراد الرفعة المعنوية من كثرة النعيم وعظيم المنال وقد يصار إلى الجمع هنا بين الحقيقة والمجاز كما تقرر فيما قبله (طس عن أبي هريرة) هذا من المصنف كالصريح في أن هذا الحديث لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما عدل عنه وأعظم به من غفلة فقد خرجه سلطان المحدثين البخاري وكذا أحمد والترمذي باللفظ المزبور وزادوا والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجرت أنهار الجنة الأربع وفوق ذلك يكون العرش اه‍ . 3647 (الجنة بالمشرق) الظاهر أن المراد به أن جهة بلاد المشرق كالعراقين وما والاهما كثيرة الأشجار الملتفة والغياض المونقة فإن الجنة اسم لذلك وإلا فقد ورد أن الجنة فوق السماء السابعة (فر عن أنس) فيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : مجهول وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلى ولا أشهر ولا أقدم من الديلمي وهو عجيب فقد خرجه الحاكم من هذا الوجه بهذا اللفظ ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فإهمال المصنف للأصل واقتصاره على العزو للفرع غير جيد . 3648 (الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها) الفاحش ذو الفحش في قوله أو فعله أي لا يدخلها مع الأولين الفائزين أولا يدخلها قبل تعذيبه إلا إن عفي عنه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في) كتاب (الصمت) أي فضله (حل) كلاهما (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحافظ العراقي : سنده لين . 3649 (الجنة لكل تائب) توبة صحيحة (والرحمة لكل واقف) أي مصر على المعاصي الديلمي
[ 480 ]
ويروى وقاف وهو المتأني كأنه يريد أن يتوب ثم يحجم ويتوقف فالرحمة قريب منه انتهى (أبو الحسن بن المهتدي في فوائده) الحديث (عن ابن عباس) وظاهر حال المصنف أن لم يقف عليه مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه في مسند الفردوس . 3650 (الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها) بكسر الميم طينها الذي يكون بين كل لبنتين أو ترابها الذي يخالطه الماء (المسك الآذفر) بذال معجمة في خط المصنف أي الذي لا خلط فيه أو الشديد الريح قالوا : لكن لونه مشرف لا يشبه مسك الدنيا بل هو أبيض (وحصباؤها) أي حصاؤها الصغار (اللؤلؤ والياقوت) الأحمر والأصفر (وتربتها الزعفران) وفي رواية تربتها درمكة بيضاء مسك خالص فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين يسمى ترابا فلما كانت تربتها طينة وماؤها طيب فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا أو يحتمل أن كونه زعفرانا باعتبار اللون مسكا باعتبار الريح وهذا من أحسن شئ وأظرفه تكون البهجة والإشراق في لون الزعفران والريح ريح المسك وكذا تشبيهها بالدرمكة وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهو معنى قول مجاهد : أرض الجنة من فضة وترابها مسك فاللون في البياض لون الفضة والريح ريح المسك مثل كثبان الرمل ولا يعارض ذلك كله خبر أبي الشيخ قلت ليلة أسري بي يا جبريل إنهم يسألوني عن الجنة فقال : أخبرهم أنها درة بيضاء وأرضها عقيان والعقيان الذهب لأن إخبار جبريل عن أرض الجنتين الذهبيتين اهتماما منه بالأفضل الأعلى (من يدخلها ينعم لا يبأس) أي لا يفتقر ولا يحتاج يعني أن نعيم الجنة لا يشوبه بؤس ولا يعقبه شدة تكدره يقال بئس الرجل إذا اشتدت حاجته أي لا يكون في شدة وضيق (لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم) إشارة إلى بقاء الجنة وجميع ما فيها ومن فيها وأن صفات أهلها من الشباب ونحوه لا يتغير وملابسهم لا تبلى وقد نطق بذلك التنزيل في عدة آيات لهم فيها نعيم مقيم أكلها دائم وظلها وفي طي ذلك تعريض بذم الدنيا فإن من فيها وإن نعم يبأس ومن أقام فيها لم يخلد بل يموت ويفنى شبابه ويبلى جسده وثيابه (حم ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ورواه عنه الطيالسي . 3651 (الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون) قا الحكيم : والصنف الثاني ثم الذين ورد النهي عن قتلهم في خبر نهى عن قتل ذوي البيوت وخبر نهى عن قتل الحيات فإن تلك في صور الحيات وهم من الجن وهم سكان
[ 481 ]
البيوت (تنبيه) قال ابن عربي : من الجن الطائع والعاصي مثلنا ولهم التشكل في الصور كالملائكة وأخذ الله بأبصارنا عنهم فلا يراهم إلا بعضنا بكشف إلهي ولما كانوا من عالم اللطف قبلوا التشكيل فيما يرون من الصور الحسنة فالصورة الأصلية التي ينسب إليها الروحاني إنما هي أول صورة أوجده الله عليها ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ولو كشف الله عن أبصارنا حتى نرى ما تصوره القوة المصورة التي وكلها الله بالتصوير في خيال المتخيل لرأيت مع كل إنسان ألف صورة مختلفة لا يشبه بعضها بعضا وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم وقع التناسل في الجان بإلقاء الهوى في رحم الأنثى فكانت الذرية والتوالد وهم محصورون في اثني عشر قبيلة أصولا ثم يتفرعون إلى أفخاذ وتقع بينهم حروب وبعض الزوابع يكون عند حربهم فإن الزوبعة تقابل ريحين يمنع كل منهما صاحبتها أن تخترقها فيؤدي ذلك إلى الدور المشهود في الغيرة في الحس فهذه حربهم لكن ما كل زوبعة حرب (مهمة) هذا العالم الروحاني إذا تشكل وظهر في صورة حسنة يقيده البصر بحيث لا يقدر أن يخرج عن تلك الصورة ما دام البصر ناظر إليه بالخاصية من الإنسان فإذا قيده ولم يبرح نظرا له وليس ثم ما يتوارى فيه أظهر له ذلك الروحاني صورة جعلها عليه كالستر ثم خيل له مشى تلك الصورة إلى جهة مخصوصة فيتبعها بصره فإذا تبعها خرج الروحاني عن تقييده فغاب عنه وبمغيبه تزول تلك الصورة عن النظر فإنها للروحاني كالنور مع السراج المنتشر في الزوايا نوره فإذا غاب جسم السراج فقد النور فمن يعرف هذا ويحب تقييده لا يتبع الصورة بصره وهذا من الأسرار الإلهية وليست الصورة غير الروحاني بل عينه وإن كانت بألف مكان وأشكال مختلفة وإذا قتلت صورة من تلك الصور تنقل ذلك الروحاني من الحياة الدنيا إلى البرزخ كما ننتقل نحن بالموت ولا يبقى له في الدنيا حديث مثلنا والفرق بين الجن والملائكة وإن اشتركوا في الروحانية أن الجن غذاؤهم من الأجسام الطبيعية بخلاف الملائكة (طب والبيهقي في) كتاب (الأسماء) والصفات وكذا أبو نعيم والديلمي كلهم (عن أبي ثعلبة الخشني) في اسمه أقوال قال الهيثمي : رجاله وثقوا وفي بعضهم ضعف وقال شيخه العراقي : صحيح الإسناد . 3652 (الجن لا تخبل) بخاء معجمة وباء موحدة في خط المصنف (أحدا في بيته عتيق من الخيل) لخاصية فيه علمها الشارع (1) وفيه تصريح بأن الجن تخبط وتخبل وما وقع للقاضي كالزمخشري مما يوهم إنكاره في آية الذي يتخبطه الشيطان حيث قال : إن التخبط والمس وارد على ما تزعم العرب أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجني يمسه فيختلط عقله فيشنع عليها بأن وجود الجن مما انعقد عليه الإجماع ونطق به كلام الله والأنبياء وحكى مشاهدتهم عن كثير من العقلاء وأهل الكشف فلا وجه لنفيها كما في شرح المقاصد وغيره (فائدة) أخرج ابن عباس عن ابن جرير في آية * (ومن الأرض
[ 482 ]
مثلهن) * قال : في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق قال ابن حجر : إسناده صحيح وأخرجه الحاكم والبيهقي في كل أرض أي من السب آدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم قال البيهقي : إسناده صحيح لكنه شاذ (تتمة) قال الحكيم الجن ألطف في الفهم وأسرع في الذكاء من الإنس لأن أجسامهم من نار مارج والآدمي من تراب فجوهرهم أرق وجوهر الآدمي أغلظ ولم تشغلهم الشهوات كشغل الآدمي فرقة جوهرهم عون لهم على درك الأشياء (طب عن عريب) بفتح العين المهملة بضبط المصنف وقال ابن حجر : بفتح أوله وكسر الراء بعدها تحتية ثم موحدة أبو عبد الله المليكي شامي قال البخاري : يقال له صحبة قال الذهبي له حديث من وجه ضعيف وأشار إلى هذا . (1) وحيث أن هذا الحديث ضعيف فلا يجزم به . وإن كان صلى الله عليه وسلم قاله فعلا ، فيكون ذلك كما قال المناوي : لخاصية في العتيق من الخيل علمها الشارع . والله أعلم . دار الحديث ] 3653 (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير) أي مسلم (برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) وفجوره إنما هو على نفسه والإمام لا ينعزل بالفسق (والصلاة) يعني المكتوبة (الخمس واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) لأن مرتكب الكبائر لا يخرج بارتكابها عن الإيمان فتصح الصلاة خلف كل فاسق ومبتدع لا يكفر ببدعته قال الأشرفي : قوله واجبة عليكم أي جائزة عليكم لأن الوجوب والجواز مشتركان في جانب الإتيان بهما قال : وقد تمسك بظاهره القائل بوجوب الجماعة وفي قوله وإن عمل الكبائر دلالة على أن من أتى الكبائر لا يكفر ولفظ الكبائر على صيغة الجمع يدل على تعدد صدور الكبيرة منه اه‍ . (والصلاة واجبة عليكم على كل مسلم يموت برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) لكن الوجوب هنا على الكفاية فيسقط الفرض بواحد ولا يجوز دفن من مات على الإسلام بدون صلاة وإن تعاطى جميع الكبائر ومات مصرا عليها ولم يتب عن شئ منها قال الطيبي : وفي ظاهر كل قرينة دلالة على وجوب أمر وجواز أمر فالأولى تدل على وجوب الجهاد على المسلم وعلى جواز كون الفاسق أميرا والثانية تدل على وجوب الصلاة جماعة وجواز أن يكون الفاجر إماما والثالثة على وجوب الصلاة عليهم وعلى جواز صدورها عن الفاجر هذا ظاهر الحديث ومن قال إن الجماعة لا تجب عينا تأوله بأنه فرض على الكفاية كالجهاد وعليه دليل إثبات ما ادعاه (د ع) وكذا البيهقي في السنن كلهم من حديث عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول (عن أبي هريرة) قال في المهذب : وهذا منقطع وفي الميزان بعدما ساقه من مناكير عبد الله بن صالح كاتب الليث هذا مع نكارته منقطع اه‍ . وتقدمه للتنبيه عليه الدارقطني فقال مكحول لم يلق أبا
[ 483 ]
هريرة وقال ابن حجر : لا بأس برواته إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة وفي الباب عن أنس خرجه سعيد بن منصور وأبو داود وفي إسناده أيضا ضعف . 3654 (الجهاد أربع) أي جهاد النفس الذي هو أصل جهاد العدو الخارج ومقدم عليه أربع مراتب المرتبة الأولى والثانية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي مجاهدتها على أن تأمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر في ذاتها ثم جهادها على أن تصدع الظلمة بالأمر والنهي وتجاهدهم باليد عند القدرة فاللسان بحيث لا يخاف في ذلك لومة لائم (و) المرتبة الثالثة (الصدق في مواطن الصبر) بأن يجاهدها على صدق العزيمة والصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق وتحمل ذلك كله لله وحده (و) المرتبة الرابعة (شنآن الفاسق) أي إظهار معاداته لله لأجل فسقه والمراد به ما يشمل المنافق فجهاد الكفار أخص بالسنان وجهاد المنافقين أخص باللسان قال ابن القيم وغيره : وجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمعانون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا ومددا ثم ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم فمن أمر بالمعروف شد عضد المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق ومن صدق في مواطن الصبر فقد قضى ما عليه . اه‍ بحروفه فاقتصار المصنف على بعض الحديث بغير ملجئ تقصير وإن كان جائزا (حل) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه عبيد الله الوصافي نقل في الميزان عن جميع تضعيفه واستحقاقه للترك ثم أورد له أخبارا هذا منها . 3655 (الجلاوزة) قال في الفردوس : هم أصحاب الشرط ، وفي القاموس الجلواز بالكسر الشرطي (والشرط) جمع شرطي وهو شرطي السلطان وشرط السلطان هم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على سائر الجند (وأعوان الظلمة كلاب النار) أي نار جهنم يعني أخسهم وأحقرهم كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها أو ينبحون على أهلها لشدة العذاب كالكلاب أو يكون فيها على صورة الكلاب (حل عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي باللفظ المزبور . 3656 (الجيران) بكسر الجيم جمع جار (ثلاثة : فجار له حق واحد) على جاره (وهو أدنى
[ 484 ]
الجيران حقا ، وجار له حقان ، وجار له ثلاث حقوق ، فأما الذي له حق واحد فجار مشرك) يعني كافر وخص المشرك لغلبته حينئذ (لا رحم له) أي لا قرابة بينه وبين جاره المؤمن فهذا (له حق الجوار) فقط بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح (وأما الذي له حقان) على جاره (فجار مسلم) فهذا (له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاث حقوق فجار مسلم ذو رحم) فهذا له (حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم) فاستفدنا أن المجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض على هذا الترتيب وأقرب أهل المرتبة الثالثة وأحقها بما يستوجبه الجار من الإكرام الزوجة فإن كانت قريبة فهي آكد وقد ورد في الإكرام من الأخبار والآثار ما لا يخفى على الموفقين . قال سبحانه وتعالى * (والجار ذي القربى والجار الجنب) * قيل الأول المسلم والثاني الكافر وقيل الأول القريب المسكين والثاني بعيده وقيل الأول البعيد والثاني الزوجة (البزار) في مسنده (وأبو الشيخ) الأصبهاني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (حل) وكذا الديلمي كلهم (عن جابر) ابن عبد الله قال الحافظ العراقي : والكل ضعيف اه‍ . وقال بعضهم : له طرق متصلة ومرسلة وكلها لا تخلو عن مقال ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن شيخه عبد الله بن محمد الحازمي قال الهيثمي : وهو وضاع .
[ 485 ]
* 2 * حرف الحاء 3657 (حافظ) من المحافظة مفاعلة من الحفظ وهو رعاية العمل على وهيئة ووقتا وإقامة بجميع ما يحصل به أصله ويتم به عمله وينتهي إليه كماله وأشار إلى كمال الاستعداد لذلك بإرادة الاستعلاء فقال (على العصرين) فجمع وعرف ليعم جميع كيفياتهما أي افعل في حفظهما فعل من يناظر آخر فإنه لا مندوحة بينهما في حال من الأحوال وهذا الحديث له تتمة وهو قول الصحابي قلت يا رسول الله وما العصران ؟ قال : صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها . قال الزمخشري سماهما بالعصرين وهما الغداة والعشي ، ولقد أحسن القائل أماطله العصرين حتى يملني * ويرضى بنصف الدين والأنف وقال الأكمل : هذا من باب التغليب غلب العصر على الفجر لأن رعاية العصر أشد من حيث الإشتغال بمصالحهم وقال الخطابي : غلب العصر على الفجر لزيادة فضلها لأنها الوسطى والغالب في التغليب رعاية الأشرف وتعقبه المحقق العراقي بأنه لا حاجة لادعاء التغليب لقول الصحاح العصران الغداة والعشي فالصلاتان واقعتان في نفس العصرين وخصهما بالأمر لأن وقتها مظنة للإشتغال عنهما (د ك هق) في المناقب (عن فضالة الليثي) الزهراني صحابي اسم أبيه عبد الله أو وهب قال : كان فيما علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لي ذلك . 3658 (حامل القرآن) أي حافظه المواظب على تلاوته (موقى) بالقاف مبنيا للمفعول أي محفوظ من النار أي من كل شر وبلاء مصان من الأذى فمن أراده بسوء مقت وخذل والعاقبة للمتقين وفي رواية يوقى بياء أوله (فرعن عثمان) ابن عفان ورواه عنه من طريقين وفيه حمد بن راشد المكحولي قال النسائي : ليس بقوي . 3659 (حامل كتاب الله تعالى) أي حافظ القرآن (له في بيت المسلمين في كل سنة مائتا دينار)
[ 486 ]
أي يستحق فيه ذلك القدر أي إن كان لائقا بمؤونته ومؤونة ممونه وإلا زيد أو نقص بقدر الحاجة والمصلحة كما دل عليه نصوص أخر ثم ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي فإن مات وعليه دين قضى الله عز وجل ذلك الدين اه‍ بلفظه فإتيان المصنف ببعض الحديث وحذفه بعضا من سوء التصرف وإن جاز (فر) وكذا العقيلي (عن سليك) بن عمرو وقيل ابن هدية الذي جاء والنبي يخطب (الغطفاني) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء نسبة إلى غطفان قبيلة كبيرة من قيس عيلان وفيه العباس بن الضحاك قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين : قال ابن حبان : دجال كذاب ومقاتل بن سليمان قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين : قال ابن حبان : كذبه وكيع وغيره ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف . 3660 (حامل القرآن حامل راية الإسلام) استعارة فإنه لما كان حاملا للحجة المظهرة للإسلام وقمع الكفار كان كحامل الراية في حربهم قال الغزالي : فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن واشتغالا برفع راية الإيمان (من أكرمه فقد أكرم الله ومن أهانه) من حيث أنه حامله (فعليه لعنة الله) أي الطرد والبعد عن رحمة الله وهذا في قارئ عمل على أنه مظهر لنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وسننه وأخلاقه وعشرته وصار للناس قدوة في مفروضات الدين وأسوة في مسنوناته وكمالاته ونور هدي في علمه غير قاصدين علوا ولا معاشا ذكره الحرالي (فر عن أبي أمامة) وفيه محمد بن يونس قال الذهبي في الضعفاء : قال ابن عدي : اتهم بالوضع وعبد الله بن داود قال الذهبي : ضعفوه وأبو بكر بن عياش قال الذهبي : ضعفه ابن نمير وهو ثقة ونور بن يزيد قال الذهبي : ثقة مشهور بالقدر . 3661 (حاملات) يعني النساء (والدات مرضعات رحيمات بأولادهن) أي لا يزلن كذلك فهن خيرات مباركات (لولا ما يأتين إلى أزواجهن) أي من كفران العشرة ونحوه (دخل مصلياتهن الجنة) في إفهامه أن غير مصلياتهن لا يدخلنها وهو وارد على منهج الزجر والتهويل والتخويف وإلا فكل من مات على الإسلام لا بد أن يدخلها أو لا يدخلنها حتى يطهرن بالنار إن لم يعف عنهن وسبب الحديث أن النساء ذكرن عنده فذكره (حم ه طب ك) وصححه (عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المصنف أن كلا من مخرجيه رواه كله وليس بصواب فابن ماجه والحاكم إنما رواه كما قال الحافظ العراقي دون قوله مرضعات وهي عند الطبراني في الصغير .
[ 487 ]
3662 (حب الدنيا رأس كل خطيئة) بشاهد التجربة والمشاهدة فإن حبها يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة وباطنة سيما خطيئة يتوقف تحصيلها عليها فيسكر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها وعن كراهتها واجتنابها ، وحبها يوقع في الشبهات ثم في المكروه ثم في المحرم وطالما أوقع في الكفر بل جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا فإن الرسل لما نهوا عن المعاصي التي كانوا يلتمسون بها حب الدنيا حملهم على حبها تكذيبهم فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا ولا تنسى خطيئة الأبوين فإن سببها حب الخلود في الدنيا ولا تنسى خطيئة إبليس فإن سببها حب الرياسة التي هي شر من حب الدنيا وكفر فرعون وهامان وجنودهما فحبها هو الذي عمر النار بأهلها وبغضها هو الذي عمر الجنة بأهلها ومن ثم قيل الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى خاسرا نادما (تنبيه) قال الغزالي : قد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم حب الدنيا رأس كل خطيئة ولو لم يحب الناس الدنيا هلك العالم وبطل المعاش إلا أنه علم أن حب الدنيا مهلك وإن ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحب من قلب الأكثر إلا الأقلين الذي لا تخرب الدنيا بتركهم فلم يترك النصح وذكر ما في حب الدنيا من الخطر ولم يترك ذكره خوفا من أن يترك ثقة بالشهوات المهلكة التي سلطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنم تصديقا لقوله * (ولكن حق القول مني) * الآية . (تنبيه) أخذ بعضهم من الحديث أنه ينبغي أن لا يؤخذ العلم إلا عن أقل الناس رغبة في الدنيا فإنه أنور قلبا وأقل إشكالات في الدين فكيف يؤخذ علم عمن جمع في قلبه رأس خطيئات الوجود كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله وحضرة رسوله فإن حضرته تعالى كلامه وحضرة رسوله كلامه ومن لم يتخلق بأخلاق صاحب الكلام لا يمكنه دخول حضرته ولو في صلاته إذ لا يفهم أحد عن أعلى صفة إلا أن صلح لمجالسته فمن زهد في الدنيا كما زهد فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أهل لفهم كلامه ولو رغب فيها كغالب الفقهاء لا يؤهل لذلك ولا يفهم مراد الشارع إلا إن فسر له بكلام مغلق قلق ضيق كذا في إرشاد الطالبين قال : وسمعت نصرانيا يقول لفقيه : كيف يزعم علماؤكم أنهم ورثة نبيهم وهم يرغبون فيما زهد رهباننا قال : كيف قال : لأنهم يأخذون في إقامة شعار دينهم من تدريس وخطابة وإمامة ونحوها عرضا من الدنيا ولو منعوه لعطلوها وجميع الرهبان يقومون بأمر ديننا مجانا فانظر قوة يقين أصحابنا وضعف يقين أصحابكم فلو صدقوا ربهم أن ما عنده خير وأبقى لزهدوا في الدنيا كما زهد فيها نبيهم والرهبان وشكى بعضهم لعارف كثرة خواطر الشيطان فقال : طلق بنته يهجر زيارتك وهي الدنيا تريد أن يقطع رحمه لأجلك قال : هو يأتي لمن لا دنيا عنده قال : إن لم تكن عنده فهو خاطب لها ومن خطب بنت رجل فتح باب مودته وإن لم يدخل بها وكان الربيع بن خيثم يقول : أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم يدخلها حب الآخرة (هب عن الحسن البصري (مرسلا) ثم قال أعني البيهقي ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ الزين العراقي : ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح ومثل به في شرح الألفية للموضوع من كلام الحكماء وقال هو من كلام مالك بن دينار كما رواه ابن أبي الدنيا أو من كلام عيسى عليه السلام كما رواه البيهقي في الزهد وأبو نعيم في الحلية وعد ابن الجوزي الحديث في
[ 488 ]
الموضوعات وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن ابن المديني أثنى على مراسيل الحسن والإسناد إليه حسن وأورده الديلمي من حديث علي وبيض لسنده . 3663 (حب الثناء من الناس يعمي ويصم) أي يعمي عن طريق الحق والرشد ويصم عن استماع الحق وإذا غلب الحب على القلب ولم يكن له رادع من عقل أو دين أصم عن العدل وأعمى عن الرشد . وقال وعين الرضى عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدي المساويا (فر عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي : في سنده ضعيف وذلك لأن فيه حميد بن عبد الرحمن قال الخطيب : مجهول والفضل بن عيسى قال الذهبي : ضعفوه عن عباد بن منصور ضعف أيضا وهذا الحديث رواه أيضا البغوي والعسكري عن أبي الدرداء بلفظ حبك الشئ يعمي ويصم وعده العسكري من الأمثال . 3664 (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم وإذا أبغضهم كان بغضهم علامة نفاقه لأن هذا الدين نشأ منهم وكان قيامه بسيوفهم وهممهم والظاهر من حال من أبغضهم أنه إنما أبغضهم لذلك وهو كفر ومن أمثالهم فرقك بين الرطب والفحم هو الفرق بين العرب والعجم (ك) في المناقب من حديث مغفل بن مالك عن الهيثم بن حماد عن ثابت (عن أنس) قال الحاكم : صحيح ورده الذهبي بأن الهيثمي متروك ومعقل مضعف . 3665 (حب أبي بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (إيمان وبغضهما نفاق) أي نوع منه على ما تقرر فيما قبله وهذا من مفاخرهما الشريفة ومناقبهما المنيفة قال ابن تيمية : وإذا كان بغضهم نوع نفاق فمقتضاه أن حبهم نوع إيمان (عد عن أنس) بن مالك وفيه حازم بن الحسين قال في الميزان عن أبي داود روى مناكير وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر . 3666 (حب قريش إيمان وبغضهم كفر وحب العرب إيمان وبغضهم كفر فمن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني) لأن من علامة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب فإن من يحب إنسانا يحب كلب محلته فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف
[ 489 ]
بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه ذلك وليس شركة في حب الله فإن من أحب رسول الله المحبوب لكونه رسوله وكلامه لكونه كلامه ومن ينتمي إليه لكونه من حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو كمال حبه (طس عن أنس) قال الهيثمي : فيه الهيثم بن حماد وهو متروك ورواه عن أنس أيضا الحاكم وقال : حسن صحيح واعترض بأن فيه عنده الهيثم المذكور قال الزين العراقي في القرب : لكن له شاهد من حديث ابن عمر في المعجم الكبير للطبراني . 3667 (حب الأنصار آية الإيمان) أي علامته (وبغض الأنصار آية النفاق) فإنهم آووا النبي صلى الله عليه وسلم وبذلوا الجهد في رفع منار الإسلام وجادوا بالأموال بل بالأنفس فمن أبغضهم من هذه الجهة فهو كافر حقيقة (ن عن أنس) بن مالك ورواه عنه أبو يعلى بلفظ حب الأنصار آية كل مؤمن وبغضهم آية كل منافق . 3668 (حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهم كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومحفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة) قال الحليمي : في هذا وما قبله تفضيل العرب على العجم فلا ينبغي لأحد إطلاق لسانه بتفضيل العجم على العرب بعد ما بعث الله أفضل رسله من العرب وأنزل آخر كتبه بلسان العرب فصار فرضا على الناس أن يتعلموا لغة العرب ليعقلوا عن الله أمره ونهيه ومن أبغض العرب أو فضل العجم عليهم فقد آذى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أسمعه في قومه خلافة الجميل ومن آذاه فقد آذى الله ذكره الحليمي (ابن عساكر) في التاريخ عن جابر) بن عبد الله ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما عدل عنه وهو غفلة فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس عن جابر باللفظ المزبور لكنهما قالا بدل قوله هنا فأنا إلخ فلا لعنه الله . 3669 (حبب) بالبناء للمفعول (إلي من دنياكم) هذا لفظ الوارد ومن زاد كالزمخشري والقاضي لفظ ثلاث فقد وهم قال الحافظ العراقي في أماليه : لفظ ثلاث ليست في شئ من كتب الحديث وهي تفسد المعنى وقال الزركشي : لم يرد فيه لفظ ثلاثة وزيادتها مخلة للمعنى فإن الصلاة ليست من الدنيا
[ 490 ]
وقال ابن حجر في تخريج الكشاف : لم يقع في شئ من طرقه وهي تفسد المعنى إذ لم يذكر بعدها إلا الطيب والنساء ثم إنه لم يضفها لنفسه فما قال أحب تحقيرا لأمرها لأنه أبغض الناس فيها لا لأنها ليست من دنياه بل من آخرته كما ظن إذ كل مباح دنيوي ينقلب طاعة بالنية فلم يبق لتخصيصه حينئذ وجه ولم يقل من هذه الدنيا لأن كل واحد منهم ناظر إليها وإن تفاوتوا فيه وأما هو فلم يلتفت إلا إلى ما ترتب عليه مهم ديني فحبب إليه (النساء) والإكثار منهن لنقل ما بطن من الشريعة مما يستحيا من ذكره من الرجال ولأجل كثرة سواد المسلمين ومباهاته بهم يوم القيامة (والطيب) لأنه حظ الروحانيين وهم الملائكة ولا غرض لهم في شئ من الدنيا سواه فكأنه يقول حبي لهاتين الخصلتين إنما هو لأجل غيري كما يوضحه قول الطيبي جئ بالفعل مجهولا دلالة على أن ذلك لم يكن من جبلته وطبعه وإنما هو مجبول على هذا الحب رحمة للعباد ورفقا بهم بخلاف الصلاة فإنها محبوبة له بذاتها ومنه قوله أرحنا يا بلال بالصلاة أي أشغلنا عما سواها بها فإنها تعب وكدح وإنما الاسترواح في الصلاة فأرحنا بالنداء بها فلذلك قال " وجعلت قرة عيني في الصلاة " ذات الركوع والسجود وخصها لكونها محل المناجاة ومعدن المصافاة وقيل المراد صلاة الله عليه وملائكته ومنع بأن السياق يأباه وقدم النساء للاهتمام بنشر الأحكام وتكثير سواد الإسلام وأردفه بالطيب لأنه من أعظم الدواعي لجماعهن المؤدي إلى تكثير التناسل في الإسلام مع حسنه بالذات وكونه كالقوت للملائكة الكرام وأفرد الصلاة بما يميزها عنهما بحسب المعنى إذ ليس فيها تقاضي شهوة نفسانية كما فيهما وإضافتها إلى الدنيا من حيث كونها ظرفا للوقوع وقرة عينه فيها بمناجاته ربه ومن ثم خصها دون بقية أركان الدنيا هذا ما ذكره القاضي كغيره في بيان وجه الترتيب وقال بعضهم لما كان القصد بسياق الحديث بيان ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم من متاع الدنيا بدأ بالنساء كما قال في الحديث الآخر ما أصبنا من دنياكم إلا النساء ولما كان الذي حبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها النساء بدليل خبر الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ناسب أن يضم إليه بيان أفضل الأمور الدينية وهو الصلاة فالحديث على أسلوب البلاغة من جمعه بين أفضل أمور الدنيا وأفضل أمور الدين وفيه ضم الشئ إلى نظيره وعبر في أمر الدين بعبارة أبلغ مما عبر به اقتصر في أمر الدنيا على مجرد التحبب وقال في أمر الدين جعلت قرة عيني في الصلاة فإن في قرة العين من التعظيم ما لا يخفى قال الغزالي : جعل الصلاة من جملة ملاذ الدنيا لأن كل ما يدخل في الحس والمشاهدة فهو من عالم المشاهدة والشهادة وهو من الدنيا والتلذذ بتحريك الجوارح في السجود والركوع إنما يكون في الدنيا فلذلك أضافها للدنيا والعابد قد يأنس بعبادته فيستلذ بها بحيث لو منع منها لكان أعظم العقوبات عليه حتى قال بعضهم : ما أخاف من الموت إلا من حيث أنه يحول بيني وبين قيام الليل وقال آخر : اللهم ارزقني قوة الصلاة في القبر . (تنبيه) قالوا : قد رجعت التكاليف كلها في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم قرة عين وإلهام طبع فصلاته كتسبيح أهل الجنة ليس على وجه الكلفة والتكليف وقال بعضهم : من كمال أهل الله بقاء حكم الطبع فيهم ليستوفي به أحدهم ما قسم له من الحظوظ المأذون فيها
[ 491 ]
فالكامل لما فني عن الدنيا وما فيها رد إليه ما حبس عنه حال سيره إلى ربه في بدايته فاستوفاها امتثالا لأمر ربه فلم ينقص مقامه بذلك بل زاد كمالا (حم ن ك هق عن أنس) ابن مالك قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ العراقي : إسناده جيد وقال ابن حجر : حسن ، واعلم أن المصنف جعل في الخطبة حم رمزا لأحمد في مسنده فاقتضى ذلك أن أحمد روى هذا في المسند وهو باطل فإنه لم يخرجه فيه وإنما خرجه في كتاب الزهد فعزوه إلى المسند سبق ذهن أو قلم وممن ذكر أنه لم يخرجه في مسنده المؤلف نفسه في حاشيته للقاضي فتنبه لذلك وزعم الزركشي أن للحديث تتمة في كتاب الزهد لأحمد هي أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن وتعقبه المؤلف بأنه مر عليه مرارا فلم يجده فيه لكن في زوائده لابن عبد الله بن أحمد عن أنس مرفوعا قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب الجائع يشبع ، والظمآن يروى ، وأنا لا أشبع من النساء فلعله أراد هذا الطريق . 3670 (حببوا الله إلى عباده يحبكم الله) أي ذكروهم بآلائه عليهم ليحبوه فيشكروه فيضاعف مزيده عليهم لأنكم إن فعلتم ذلك أحبكم والمحبة توصل إلى القلوب ألطافا وتجلب إليها انعطافا أوحى الله تعالى إلى داود ذكر عبادي إحساني إليهم ليحبوني فإن عبادي لا يحبون إلا من أحسن إليهم (1) (فائدة) قال المحقق الصفدي : محبة العبد إلى ربه قسمان أحدهما ينشأ عن مشاهدة الإحسان ومطالعة الآلاء والنعم فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها ولا إحسان أعظم من إحسان الرب (طب والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) وفيه عبد الوهاب بن الضحاك الحميصي قال في الميزان : كذبه أبو حاتم وقال النسائي وغيره متروك والدارقطني : منكر الحديث والبخاري : عنده عجائب ثم أورد له أوابد هذا منها . (1) ويحتمل أن يكون المراد بأن يخبروهم بأنه سبحانه وتعالى يقبل توبة المذنب وإن ملأت ذنوبه ما بين السماء والأرض . 3671 (حبذا) أصله حبب بضم الحاء بدليل مجئ اسم الفاعل منه على فعيل نحو حبيب نحو كريم من كرم قال الزمخشري : وهو مسند إلى اسم الإشارة إلا أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال الذي لا تتغير (المتخللون من أمتي) أي المنقون أفواههم بالخلال من آثار الطعام أو المراد المخللون لشعورهم في الطهارة ولا مانع من الجمع ويدل عليه الخبر الآتي على أثره (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه في الأوسط قال الهيثمي : وفيه محمد بن أبي جعفر الأنصاري لم أجد من ترجمه .
[ 492 ]
3672 (حبذا) كلمة مدح ركبت من كلمتين أي حب هذا الأمر (المتخللون من أمتي في الوضوء والطعام) من آثاره وفضلات زهومة اللحم ونحوه فيستحب ذلك لأنه إذا بقي زمانا أنتن فتأذى برائحته هو وغيره (حم عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه القضاعي في الثواب وقال شارحه حسن وقال المنذري : مدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي وفيه خلاف . 3673 (حبذا المتخللون بالوضوء والمتخللون من الطعام . أما تخليل الوضوء فالمضمضة والاستنشاق وبين الأصابع وأما تخليل الطعام فمن الطعام) أي من أثره (إنه ليس شئ أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلي) أي الكاتبين الملازمين للمكلف وقوله حبذا أي هو حبيب جعل حب وذا كشئ واحد وهو اسم وما بعده مرفوع به ولزم ذا حب وجرى كالمثل بدليل قوله في المؤنث حبذا لا حبذة وحب هذا لشئ حبا حببه إلي جعلني أحبه (طب عن أبي أيوب الأنصاري) قال الهيثمي : فيه واصل بن السائب الرقاشي وهو ضعيف اه‍ وقال ابن القيم : حديث لا يثبت وفيه واصل بن السائب قال البخاري والرازي : منكر الحديث والنسائي والأزدي : متروك . 3674 (حبك الشئ) في رواية للشئ (يعمي ويصم) أي يجعلك أعمى عن عيوب المحبوب أصم عن سماعها حتى لا تبصر قبيح فعله ولا تسمع فيه نهناصح بل ترى القبيح منه حسنا وتسمع منه الخنا قوله جميلا وهذا معنى قول كثير يعمد العين عند النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن العذل فيه أو يعمي ويصم عن الآخرة أعن طرق الهدى وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال والحب لذة تعمي عن رؤية غير المحبوب وتصمه عن سماع العذل فيه والمحبة إذا استولت على القلب سلبته عن صفاته وقال القائل : وعين الرضى عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدي المساويا
[ 493 ]
وقال بعضهم : وكذبت طرفي فيك والطرف صادق * وأسمعت أذني فيك ما ليس تسمع وقال أيضا : أصمني الحب إلا عن تسارره * فمن رأى حب جب يورث الصمما وكفني الحب إلا عن رعايته * فالحب يعمي وفيه القتل إن كتما (حم تخ د) في الأدب (عن أبي الدرداء) قال الحافظ العراقي : وإسناده ضعيف وقال الزركشي روي من طرق في كل منها مقال وقال المصنف في الدرر كأصله الوقف أشبه (الخرائطي في) كتاب (اعتلال القلوب عن أبي برزة) الأسلمي فضلة بن عبيد (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الله بن أنيس) أشار بتعدد مخرجيه وطرقه إلى دفع زعم الصغاني وضعه وقوله فيه ابن أبي مريم كذوب أبطله الحافظ العراقي بأنه لم يتهمه أحد بكذب ويكفينا سكوت أبي داود فزعم وضعه بهت بل ولا نسلم حذفه بل ولا ضعفه بل هو حسن وما اشتهر على الألسنة من خبر المحبة مكبة لا أصل له . 3675 (حتم على الله أن لا يستجيب دعوة مظلوم) دعى بها على من ظلمه (ولأحد) من الخلق (قبله) بكسر ففتح أي جهته (مثل مظلمته) أي في النوع والجنس والحتم الواجب يقال حتم عليه الأمر حتما أوجبه جزما وانحتم الأمر وتحتم وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه . (عد عن ابن عباس) (1) [ أي أن الله لا يستجيب لدعوته إذا كان لأحد من الخلق مظلمة مثلها ضده . دار الحديث ] 3676 (حجبت) وفي رواية القضاعي حفت (النار بالشهوات) أي ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع منه أصالة أو لاستلزامه ترك مأمور وألحق به الشبهات والإكثار من المباحات خوف الوقوع في محرم (وحجبت الجنة بالمكاره) أي بما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالإتيان بالعبادة على وجهها والمحافظة عليها وتجنب المنهي قولا وفعلا وأطلق عليها مكاره لمشقتها وصعوبتها على العامل فلا يصل إلى النار إلا بتعاطي الشهوات ولا إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم (خ عن أبي هريرة) وظاهر صنيعه أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل هو في مسلم أيضا كما ذكره الديلمي وغيره .
[ 494 ]
3677 (حجج تترى وعمر نسقا) بفتحتين فعل بمعنى مفعول أي منظومات عطف بعضهن على بعض (يدفعن ميتة السوء وعيلة الفقر) بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية أي شدة الفقر (عبد عن عامر بن عبد الله بن الزبير مرسلا) عابد كبير القدر قال ابن عيينة : اشترى نفسه من الله ست مرات مات بعد العشرين ومائة (فر عن عائشة) وفيه أحمد بن عصام فإن كان هو الموصلي فقد قال الدارقطني : ضعيف أو البلخي فقال أبو حاتم : مجهول . 3678 (حجة) بكسر الحاء وفتحها قال الكرماني والمعروف في الرواية الفتح قال الجوهري الحجة بالكسر المدة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس الفتح (لمن لم يحج) حجة الإسلام (خير من عشر غزوات) أي هي أفضل في حقه من عشر غزوات يغزوها في سبيل الله (وغزوة لمن قد حج خير له من عشر حجج وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد) أي الدايخ (فيه كالمتشحط في دمه) (طب) وفي الأوسط (هب) كلاهما (عن ابن عمرو) بن العاص وسنده لا بأس به . 3679 (حجة) واحدة (خير من أربعين غزوة) أي لمن لم يحج وقد وجب عليه الحج (وغزوة) واحدة (خير من أربعين حجة) لمن حج حجة الإسلام وتعين عليه الجهاد وهذا ظاهر (البزار) في مسنده من حديث عنبسة بن عشرة (عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجاله ثقات وعنبسة وثقه ابن حبان وجهله الذهبي . 3680 (حجة قبل غزوة أفضل من خمسين غزوة) لمن لم يحج حجة الإسلام (وغزوة بعد حجة أفضل من خمسين حجة) أي إن تعين فرض الجهاد عليه (ولموقف ساعة) أي لحظة لطيفة (في سبيل الله
[ 495 ]
أفضل من خمسين حجة) تطوعا لمن كان الجهاد في حقه فرضا عينيا والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال (1) (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي باللفظ المزبور . (1) وظاهر هذه الأحاديث أن الجهاد في حق من حج حجة الإسلام أفضل مطلقا أي سواء تعين عليه أو لم يتعين . 3681 (حج) يا أبا رزين (عن أبيك) عقيل الذي كبر (واعتمر) عنه (1) أما الصحيح فلا يحج عنه لا في فرض ولا نفل كما قال الشافعي وجوزه أبو حنيفة وأحمد في النفل ثم هذا الحديث مخصوص بمن حج عن نفسه كما يفيده الخبر الآتي وحمله الحنفية على عمومه فأجازوا حج من لم يحج نيابة عن غيره وفيه تأكيد أمر الحج حتى المكلف لا يعذر بتركه عند عجزه عن من يستنيب وفيه وجوب العمرة وأما خبر جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أهي واجبة فقال : لا وأن تعتمر خير لك فضعيف قال في المجموع : وقول الترمذي حسن صحيح غير مقبول فإن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف مدلس اتفاقا (ت ن ه) في الحج (ك عن أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاي لقيط بن عامر العقيلي قال التتائي : حسن صحيح وقال أحمد : لا أعلم في إيجاب العمرة أجود ولا أصح منه . (1) وسببه كما في ابن ماجه عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال : حج فذكره . 3682 (حج) أولا (عن نفسك) (1) يا أبا طيش (2) بن نبيشة الذي لم يحج عن نفسه وقد قال لبيك عن شبرمة (ثم حج عن شبرمة) بشين معجمة مضمومة فموحدة ساكنة فراء مضمومة ومن قال شبرمنت فقد صحف وحرف وفيه أنه لا يصح ممن عليه حج واجب الحج عن غيره وكذا العمرة فإن أحرم عن غيره وقع عن نفسه وعليه الشافعي وصححه أبو حنيفة ومالك والحديث حجة عليهما والجمهور على كراهة إجازة الإنسان نفسه للحج لكن حمل على منع قصد الدنيا أما بقصد الآخرة لاحتياجه للأجرة ليصرفها في واجب أو مندوب فلا (د) في الحج (عن ابن عباس) ظاهر اقتصاره على أبي داود أنه تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه ابن ماجه بالخبر أيضا وقال البيهقي : صحيح ليس في الباب أصح منه وقال ابن حجر : رواته ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد مرسل . (1) وسببه كما في أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال : من شبرمة قال : أخ أو قريب لي قال : حججت عن نفسك قال : لا قال : حج عن نفسك فذكره . (2) قوله يا أبا طيش بن نبيشة هذا سبق قلم صوابه يا نبيشة قال العلقمي : قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة .
[ 496 ]
3683 (حجوا قبل أن لا تحجوا) أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بتحصيل هذا الشعار العظيم الحاوي للفضل العميم قبل أن يفوت فإنه فائت ولا بد أن يمتنع عليكم الحج ويحال بينكم وبينه (فكأني أنظر إلى) عبد (حبشي أصمع) بصاد مهملة أي صغير الأذن وفي رواية بدله أصلع (أفدع) (1) بوزن أفعل أي متفاصل المفاصل والفدع محركا اعوجاج الرسغ من اليد والرجل فينقلب الكف والقدم إلى الجانب الآخر (بيده معول يهدمها) حال كونه هدمه (حجرا حجرا) زاد في رواية ويتناولونها حتى يرمونها يعني حجارة الكعبة إلى البحر وزاد أحمد فلا تعمر بعد ذلك أبدا وذلك قرب الساعة وهو من أشراطها وقال الطيبي : وهذا استحضاره لتلك الحالة القريبة في الذهن تعجبا وتعجيبا للغير ونحوه * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) * في وجه وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث كثيرة عند البخاري وغيره وهذا التخريب لا ينافيه قوله تعالى * (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) * ولا خبر الصحيح إني أحلت لي مكة ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة لأن تخريبه مقدمة لخراب الدنيا بدليل الحديث القدسي قال الله تعالى : إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته فكونه آمنا محترما إنما هو قبل ذلك على أن الحكم بالحرمة والأمن باق إلى يوم القيامة بالفعل لكن باعتبار أغلب أوقاته وإلا فكم وقع فيه من قتال وإخافة لأهله جاهلية وإسلاما في زمن ابن الزبير وبعده إلى زمننا ولو لم يكن إلا وقعة القرامطة (ك هق) في الحج من حديث الحارث بن سويد (عن علي) أمير المؤمنين قال الحارث : سمعت عليا يقوله فقلت له شئ تقول برأيك أو سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكنني سمعته من نبيكم انتهى وتعقبه الذهبي في التلخيص والمهذب بأن حصين بن عمر الأحمش أحد رواته واه ويحيى ليس بعمدة . (1) أصمع بفتح الهمزة ثم سكون الصاد المهملة ثم ميم مفتوحة ثم عين مهملة قال في النهاية : الأصمع الصغير الأذن من الناس وغيرهم وأفدع بفاء ودال مهملة بوزن أفعل أي يمشي على ظهور قدميه قال في النهاية الفدع بالتحريك زيغ بين عظم القدم وبين عظم الساق وكذلك في اليد وهو أن ترذل المفاصل عن أماكنها . 3684 (حجوا قبل أن لا تحجوا) قالوا : وما شأن الحج يا رسول الله قال : (تقعد أعرابها على أذناب أوديتها) أي المواضع التي تنتهي إليه مسائل الماء وذبابة الوادي بالضم الموضع الذي ينتهي إليه سيله (فلا يصل إلى الحج أحد) (1) قال القرطبي : وذلك بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك
[ 497 ]
بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام حتى لا يبقى في الأرض من يقول الله الله وقد مر لذلك مزيد تبيان وفي رواية حجوا قبل أن تنبت شجرة في البادية لا تأكل منها داب إلا نفقت ولا تعارض لاحتمال وقوع الأمرين معا (هق) في الحج (عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب : إسناده واه اه‍ ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور وتعقبه مختصره الغرياني بأن فيه عبد الله بن عيسى بن يحيى شيخ لعبد الرزاق مجهول ومحمد بن أبي محمد مجهول وأورده ابن الجوزي في العلل وجعل علته جهالة محمد بن أبي محمد . (1) فيحولون بين الناس وبين البيت . 3685 (حجوا فإن الحج يغسل الذنوب) وفي رواية الإثم (كما يغسل الماء الدرن) أي الوسخ (1) (طس عن عبد الله ابن جراد) قال الهيثمي : فيه يعلى بن الأشدق وهو كذاب اه‍ . (1) فهو يكفر الكبائر والصغائر . 3686 (حجوا تستغنوا) بغناء الله تعالى بأن يبارك لكم فيما رزقكم (وسافروا تصحوا) فإن السفر مصحة للبدن وزاد الديلمي في روايته وتناكحوا تكثروا فإني مباهي بكم الأمم (عب عن صفوان بن سليم) بضم الميم وفتح اللام (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه متصلا لأحد وإلا لما اقتصر على رواية إرساله وهو عجب فقد رواه في مسند الفردوس من حديث ابن عمر . 3687 (حد) بدال مهملة على ما وقفت عليه من الحروف ثم رأيته في نسخة المصنف بخطه كذلك لكن رأيته ثانيا في أصل الروضة حق بالقاف وهكذا ذكره ابن الملقن وابن جماعة وأثبته الكمال بن أبي شريف هكذا بخطه ثم رأيت في مسند أبي يعلى وغيره من الأصول كذلك ، وبه يعرف أن التحريف إنما هو من المصنف لا من النساخ (الجوار أربعون دارا) من كل جانب من جوانب الدار وبه أخذ جمع من السلف وقيل هو في المسجد من سمع الأذان والإقامة فيقدر مثله في الدور وقيل مساكنك في محلة أو بلد فهو جارك (هق عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل قال : روي عن عائشة هذا وروي عنها أوصاني جبريل بالجار إلى أربعين دارا وكلاهما ضعيف والمعروف المرسل الذي أخرجه أبو داود اه‍ . ولفظ مرسل أبي داود حق الجوار أربعون دارا هكذا
[ 498 ]
وهكذا وأشار قداما ويمينا وخلفا قال الزركشي : سنده صحيح وابن حجر رجاله ثقات ورواه أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعا باللفظ المزبور لكن سنده كما قال الزركشي ضعيف وقال ابن حجر فيه عبد السلام بن أبي الجنوب منكر الحديث . 3688 (حد الساحر ضربة بالسيف) روي بالتاء وبالهاء والأول أولى ثم رأيت المصنف ذكره في نسخته بخطه بالهاء وكان الظاهر أن يقال حد الساحر القتل فعدل لما ذكره تصويرا له وإن كان يتجاوز منه إلى أمر آخر قال البيضاوي : محل الحديث إذا اعتقد الساحر أن لسحره تأثيرا بغير القدر وكان سحره لا يتم إلا بدعوة كوكب أو شئ يوجب كفرا اه‍ . وحاصله أنه يقتل إذا كان ما يسحر به كفرا أو أقر أنه قتل بسحره وأنه يقتل غالبا هذا مذهب الشافعي وقالت المالكية : إذا وقع من فاعله فهو كفر مطلقا فيقتل عملا بظاهر الحديث . (فائدة) في تفسير الإمام الرازي أن أهل السنة قد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء أو يقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا لكنهم قالوا إن الله هو الخلاق لهذه الأشياء عند ما يلقي الساحر في أشياء مخصوصة وكلمات معينة (ت ك) كلاهما في الحدود (عن جندب) قال الحاكم : صحيح غريب وقال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وفيه إسماعيل المكي وهو مضعف من قبل حفظه والصحيح وقفه اه‍ . كذا في جامعه ، وقال في العلل : سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال : هذا لا شئ وإسماعيل ضعيف جدا اه‍ . ولهذا قال في الفتح : في سنده ضعف وقال الذهبي في الكبائر : الصحيح أنه من قول جندب انتهى ورواه الطبراني والبيهقي عن جندب مرفوعا وأشار مغلطاي إلى أنه وإن كان ضعيفا يتقوى بكثرة طرقه وقال خرجه جمع منهم البغوي الكبير والصغير والطبراني والبزار ومن لا يحصى كثرة . 3689 (حد يعمل في الأرض) أي يقام على من استوجبه (خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا) (1) (ن ه عن أبي هريرة) قال الديلمي : وفي الباب ابن عباس وابن عمر . (1) أي أنفع من ذلك لئلا تنتهك حقوق الله فيغضب لذلك . 3690 (حد الطريق) أي مقدار عرضه (سبعة أذرع) يوضحه ما رواه مخرجه الطبراني أيضا عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قضى بالرحبة تكون بين الطريق ويريد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك بينهما
[ 499 ]
للطريق سبعة أذرع وفي رواية قضى في الرحبة تكون بين القوم أن الطريق سبعة أذرع . (طس عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي : فيه سويد بن عبد العزيز وثقه دحيم وضعفه جمهور الأئمة . 3691 (حدثوا عن بني إسرائيل) أي بلغوا عنهم قصصهم ومواعظهم ونحو ذلك مما اتضح معناه فإن في ذلك عبرة لأولي الأبصار (ولا حرج) عليكم في التحديث عنهم ولو بغير سند لتعذره بطول الأمد فيكفي غلبة الظن بأنه عنهم إنما الحرج فيما لم يتضح معناه وهنا تأويلات بعيدة ووجوه غير سديدة فاحذرها . وتناول حد التحديث ما استحال وقوعه في هذه الأمة كإطالة الثياب ونزول نار من السكاء تأكل القربان (د عن أبي هريرة) قال السخاوي : أصله صحيح وفي رواية ابن منيع وتمام والديلمي حدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم أعاجيب . 3692 (حدثوا عني بما تسمعون) يعني بما صح عندكم من حيث السند الذي به يقع التحرز عن الكذب ولا تحدثوا عني بكل ما بلغكم كما في بني إسرائيل لأن ذاك إنما اغتفر لطول الأمد وحصول الفترة بين زمني النبوة (ولا تقولوا) عني (إلا حقا) أي إلا شيئا مطابقا للواقع (ومن كذب علي) بتشديد الياء أي قولني ما لم أقله (بني) بالبناء للمفعول (له بيت في جهنم يرتع فيه) لجرأته على منصب النبوة وهجومه على خرق الشريعة وما ذكر من أن الرواية بما تسمعون بالموحدة في بما هو ما رأيته في نسخ الكتاب وهكذا هو في نسخة مضبوطة محررة من كامل ابن عدي لكن رأيت في أصول صحيحة قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر كما يدل بما وهو أنسب وما تقرر من أن اللفظ من كذب على نبي له هو ما في عدة نسخ وهو الموجود المضبوط في الكامل لابن عدي من نسخ مسموعة على عدة من الجهابذة لكن رأيته في بعض الأصول المفردة أيضا من كذب على نبي والظاهر الأول الذي عليه المعول (طب عن أبي قرصافة) بكسر القاف حيدرة بن خيشنة الكناني ورواه عنه أيضا أبو يعلى وابن عدي ثم قال : هذا الحديث عن أبي قرصافة لا يروى إلا من هذا الطريق . 3693 (حدثوا الناس) بصيغة الأمر أي كلموهم (بما يعرفون) أي يفهمونه وتدركه عقولهم زاد أبو نعيم في المستخرج ودعوا ما ينكرون أي ما يشتبه عليهم فهمه (أتريدون) بهمزة الاستفهام الإنكاري ولفظ رواية البخاري أتحبون وهو بمثناة فوقية (أن يكذب الله ورسوله) بفتح الذال المشددة
[ 500 ]
لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته جهلا فلا يصدق وجوده بل يلزم التكذيب فأفاد أن المتشابه لا ينبغي ذكره عند العامة وقد ذكر ابن عبد السلافي أماليه أن الولي إذا قال إن الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي ذلك الولاية لأنهم غير معصومين انتهى فعلم أن المدرس ينبغي أن يكلم كل طالب على قدر فهمه وعقله فيجيبه بما يحتمله حاله ومن اشتغل بعمارة أو تجارة أو مهنة فحقه أن يقتصر به من العلم على قدر ما يحتاج إليه من هو في رتبته من العامة وأن يملأ نفسه من الرغبة والرهبة الوارد بهما القرآن ولا يولد له الشبه والشكوك فإن اتفق اضطراب نفس بعضهم بشبهة تولدت له أو ولدها له ذو بدعة فتاقت إلى معرفة حقيقتها اختبره فإن وجده ذا طبع موفق للعلم وفهم ثابت وتصور صائب خلى بينه وبين التعلم وسوعد عليه لما يجد من السبيل إليه وإن وجده شريرا في طبعه أو ناقصا في فهمه منعه أشد المنع ففي اشتغاله مفسدتان تعطله عما يعود نفعه إلى العباد والبلاد وشغله بما يكثر من شبهة وليس فيه منفعة وكان بعض المتقدمين إذا ترشح أحدهم لمعرفة حقائق العلوم والخروج من العامة إلى الخاصة اختبر فإن لم يوجد خيرا أو غير منتهى للتعلم منع وإلا شورط على أن يقيد بقيد في دار الحكمة ويمنع أن يخرج حتى يحصل العلم أو يأبى عليه الموت ويقولون إن من شرع في حقائق العلوم ثم لم يبرع فيها تولدت له الشبه وتكثر عليه فيصير ضالا مضلا فيعظم على الناس ضرره وبهذا النظر قيل نعوذ بالله من نصف فقيه أو متكلم (فر عن علي) أمير المؤمنين مرفوعا (وهو في خ موقوفا) على علي بن أبي طالب وهذا بمعنى خبر الحسن بن سفيان عن الحبر يرفعه أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم وسنده كما قال ابن حجر ضعيف جدا لا موضوع . 3694 (حدثني جبريل قال : يقول الله تعالى لا إله إلا الله حصني) مكان لا يقدر عليه لارتفاعه والحصين المنيع وتحصن دخل الحصن واحتمى به (فمن دخله أمن عذابي) قال الغزالي : فمن أراد دخول ذلك الحصن فليجمع آداب النطق بكلمة الشهادة بأن يجمع جميع حواسه إلى قلبه ويحضر في فؤاده كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذات وأحوال نفس وجوارح بدن حتى يأخذ كل عضو منه وكل جارحة منه قسطه منها فلم ينطق من لم يكن حاله ذلك فيها (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين . 3695 (حذف السلام) بمهملة فمعجمة أي الإسراع به وعدم مده (سنة) قال ابن الأثير في النهاية : معناه لا يمد ولا يعرب بل يسكن آخره (1) وتبعه المحب الطبري قال ابن حجر : وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد وفيه نظر لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل
[ 501 ]
الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية فكيف تحمل عليه الألفاظ النبويقال الكمال ابن أبي شريف بل هو عندهم اصطلاح غريب إذ الجزم عندهم نوع من أنواع الإعراب لا مقابل له وهو مختص بالفعل قال ابن حجر وأما خبر " التكبير جزم " فلا أصل له . ثم إن ما تقرر من كون المراد بحذف السلام ما ذكر هو ما درجوا عليه لكن رأيت الديلمي فسره بسرعة القيام بعد السلام من الصلاة فقال عقب قوله " سنة " يعني إذا سلم يقوم عجلا انتهى (حم د ك) وصححه (هق) كلهم (عن أبي هريرة) وقال الترمذي حسن صحيح وأقره الإشبيلي قال ابن القطان : وهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا كما ذكره أبو داود وقال ابن القطان : لا معرج على ما رفع ولاما وقف ولو صححه الترمذي وغيره . (1) وقال في النهاية : " حذف السلام في الصلاة سنة " هو تخفيفه وترك الإطالة فيه . ويدل عليه حديث النخعي " التكبير جزم والسلام جزم " ، فإنه إذا جزم السلام وقطعه ، فقد خففه وحذفه . انتهى من النهاية . فمثلا لا يقول في التكبير " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا " بل يقتصر على لفظ " الله أكبر " الوارد في السنة ، ولا يقول في السلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " كما يفعله البعض ، بل يقتصر على لفظ " السلام عليكم ورحمة الله " الوارد في السنة ، فليتنبه . دار الحديث) ] 3696 (حرس ليلة في سبيل الله) أي في الجهاد في سبيله (على ساحل البحر أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله) يعني في وطنه وهو مقيم في عياله (ألف سنة السنة ثلاثمائة يوم) وستون يوما (اليوم كألف سنة) في الميزان هذه عبارة عجيبة ولو صحت كان مجموع ذلك الفضل ثلاثمائة ألف ألف سنة وستين ألف ألف سنة (ه عن أنس) وفيه سعيد بن خالد ضعفه أبو زرعة وغيره وقال أبو حاتم منكر الحديث وابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . 3697 (حرس ليلة في سبيل الله عز وجل أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها) ببناء يقام ويصام للمجهول أي يحيي الإنسان ليلها بالتهجد فيه كله ويصوم نهارها لله تعالى وهذا منزل على ما إذا تعين الحرس واشتد الخوف وعظم الخطب (طب ك هب) من حديث كهمس عن مصعب بن ثابت عن أبي الزبير (عن عثمان) بن عفان قال أبو الزبير : قال عثمان وهو يخطب : أحدثكم حديثا لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وهو غير سديد كيف وقد أورد هو مصعبا هذا في الضعفاء وقال ضعفوا حديثه وقال في الكاشف : فيه لين لغلطه نعم قال ابن حجر : إسناده حسن . 3698 (حرم الله الخمر) أي شرب شئ منها كثير أو قليل وما كان وسيلة إليه لأنها رجس ولما كانت الخمر هي المشتد من ماء العنب أردف ذلك بقوله (وكل مسكر حرام) ليفيد حرمة المسكر من أي شئ اتخذ والمراد كل ما من شأنه الإسكار وتأوله الحنفية على أنه أراد ما يقع السكر عنده قال الحرالي ألحق النهي بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع قال أبو المظفر
[ 502 ]
السمعاني وكان حنفيا ثم تحول شافعيا : ثبتت الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحريم المسكر وساق كثيرا منها ثم قال : والأخبار فيه كثيرة ولا مساغ لأحد في العدول عنها والقول بخلافها فإنها حجج قواطع قال وقد زل الكوفيون في هذا الباب ورأوا أخبارا معلولة لا تعارض هذه الأخبار بحال ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكرا فقد دخل في أمر عظيم وباء بإثم كبير وإنما الذي شربه كان حلوا ولم يكن مسكرا (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا والديلمي . 3699 (حرم) بالبناء للمجهول بضبط المصنف عند الأكثر وفي رواية بفتحتين (لباس الحرير) أي الخالص وما أكثره منه (والذهب على ذكور أمتي) أي الرجال العقلاء فخرج بلفظ الأمة الكفار وقيل بإدخالهم باعتبار الرسالة وقد كان لبسهما مباحا للرجال ثم نسخ بهذا الخبر ونحوه وفيه حجة لقول الجمهور إن الذهب والحرير محرمان على الرجال دون النساء وقد حكى عياض ثم النووي الإجماع عليه بعد الخلاف المتقدم وحكى ابن العربي فيه عشرة أقوال بعضها لاأصل له وفيه رد لقول أبي حنيفة يجوز للرجل افتراش الحرير وتأييد لقول مالك أنه يحرم إلباس الصبي الحرير وأن للرجل استعمال الحرير تبعا للمرأة كفرش الزوجة والأصح عند الشافعية فيها خلافه وهل التحريم على الرجل للسرف أو الخيلاء أو التشبه بالكفار أو النساء وجوه أصحها الأخير وأبعدها الأول بل ليس عليه معول كيف والسرف منهي عنه للفريقين بغير مين وللمسألة تفاريع طويلة الذيل محلها كتب الفروع (وأحل لإناثهم ت) من حديث سعيد بن أبي هند (عن أبي موسى) الأشعري وقال حسن صحيح فاعترضه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام بأن الصحة من شرطها الإتصال وقد حكى الداراني في الإيماء عن الدارقطني أن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى قال الزين العراقي : لا حاجة إلى إبعاد النجعة في حكايته من كتاب غريب ومؤلف غريب فقد ذكره ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل ومن ثم ضعف ابن حبان الخبر وقال : معلول لا يصح . قال الزين : وقد يجاب أنه يرتفع بالشواهد إلى درجة الصحة كما يتأكد المرسل بمجيئه من غير ذلك الوجه اه‍ . واقتصر ابن حجر على نقله والإنقطاع عن الدارقطني ساكتا ثم قال : وفي الباب عن علي وعمر وابنه وعقبة وأم هانئ وأنس وحذيفة وعمران وابن الزبير وابن عمرو وأبي ريحانة وغيرهم . 3700 (حرم على عينين أن تنالهما النار) أي نار جهنم قيل : وما هما يا رسول الله ؟ قال : (عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر) في أيام القتال أو في الرباط في
[ 503 ]
الثغر فهذان لا يردان النار إلا تحلة القسم جزاءا بما كانوا يعملون (ك هب) من حديث صالح عن أبي عبد الرحمن (عن أبي هريرة) وسكت عليه الحاكم فتعقبه الذهبي فقال : فيه انقطاع . 3701 (حرم) بالبناء للمجهول أو بفتحتين خبر مقدم وقوله (ما بين لابتي المدينة) مبتدأ وأيد الأول برواية أحمد إن الله حرم ما بين لابتي المدينة جمع لابة بالتخفيف الحرة حجارة سود (على لساني) أي لم تكن محرمة كما كانت مكة بل أحدث تحريمها على لساني . قال ابن العربي : لا خلاف أن المدينة محرمة لتحريم الله على لسان رسوله مضاعفة الحرم كمكة لكن أبو حنيفة قال : لا يحرم صيدها والحديث نص في الرد عليه (خ عن أبي هريرة ن عن أبي سعيد) الخدري . 3702 (حرم على النار) هكذا هو فيما وقفت عليه من النسخ والذي في مسند أحمد حرمت النار على (كل) مكلف (هين لين) أي رقيق الفؤاد (سهل قريب من الناس) والمراد المسلم الذي يكون كذلك (حم عن ابن مسعود) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير والأوسط عن معيقيب وقال : فيه أبو أمية بن يعلى ضعيف قال الحافظ الزين العراقي : ورواه الترمذي لكن بدون لين وقال : حسن غريب قال في الفردوس : وفي الباب معيقيب وأبو هريرة . 3703 (حرمت التجارة في الخمر) أي بيعها وشراؤها لا يصح لنجاستها ولكونه إعانة على معصية (خ د عن عائشة) قالت : لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن علينا فقال : حرمت إلخ فذكره . 3704 (حرمت النار على عين بكت من خشية الله) أي من خوفه (وحرمت على عين سهرت في سبيل الله) أي في الحرس في الرباط أو القتال (وحرمت النار على عين غضت) أي خفضت وأطرقت عن نظر (محارم الله) أي عن تأمل شئ مما حرمه الله على الناظر (أو عين فقئت) أي بخصت وغارت أو
[ 504 ]
شقت (في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله فلا يرد إنسان من هؤلاء الثلاثة نار جهنم إلا تحلة القسم (طب ك) في الجهاد عن عبد الرحمن بن شريح عن محمد بن سمير عن أبي يعلى (عن أبي ريحانة) شمعون بشين معجمة وقيل مهملة بن زيد الأزدي حليف الأنصار ويقال مولى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم صحابي شهد فتح دمشق وقدم مصر وسكن بيت المقدس قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأوفى بنا على شرف فأصابنا برد شديد حتى كاد أحدنا يحفر الحفير فيدخل فيه ويغطي بحجفته فلما رأى ذلك فقال : ألا رجل يحرسنا الليلة أدعو الله له بدعاء يصيب فضلا ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا فدعى له فقلت : أنا فدعا لي ثم ذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي والطبراني : رجال أحمد ثقات . 3705 (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتكم) عليكم في حرمة التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة ونحو ذلك وفي برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن لله تعالى (وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله) أي يقوم مقامه في محافظتهم ورعاية أمورهم (فيخونه) أي يخون المجاهد (فيهم) أي في أهله (إلا وقف له يوم القيامة فقيل له) أي فتقول له الملائكة بإذن ربهم (قد خانك) هذا الرجل (في أهلك فخذ من حسناته ما شئت فيأخذ من عمله) أي الصالح (ما شاء فما) استفهامية (ظنكم) أي فما ظنكم بمن أحله الله بهذه المنزلة وخصه بهذه الفضيلة ربما يكون وراء ذلك من الكرامة والمراد فما تظنون في ارتكاب هذه الجريمة العظيمة هل تتركون معها أو ينتقم منكم ويلزم من هذا تعظيم شأن المجاهدين (تنبيه) قال ابن السيد البطليوسي : الذي ذهب إليه جمهور النحاة والصرفيين أن الهاء في أمهات زائدة وواحدتها أم وأمة ولا يكادون يقولون أمهة والغالب على أمة بالتأنيث أن يستعمل في النداء كقولهم يا أمة لا تفعلي وتاء التأنيث فيها معاقبة بالإضافة لا يجامعها وقد جاءت في الشعر مستقلة في غير النداء وحكى اللغويون أمهة بالهاء (حم د ن) كلهم في الجهاد (عن بريدة) وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما في روايات وفي بعضها بعد يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضيهم ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما ظنكم كذا عزاه النووي لمسلم بهذا اللفظ .
[ 505 ]
3706 (حرمة الجار على الجار) أي حرمة ماله وعرضه عليه (كحرمة دمه) أي كحرمة إراقة دمه بالقتل فكما أن قتله حرام فماله وعرضه عليه حرام وإن تفاوت مقدار الحرم واختلفت مراتب العقاب (أبو الشيخ [ ابن حبان ] في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا . 3707 (حرمة مال المسلم) في رواية بدله مؤمن (كحرمة دمه) أي كحرمة سفكه فكما لا يحل قتله لا يحل أخذ شئ من ماله بغير رضاه وإن تافها فإن أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فهو غاصب وله أحكام مبينة في الفروع وخص المال لأن به قوام النفوس وأنه جزء منها فألحقت بها في التحريم من تعرض له استحق الهوان لدخوله حريم الإيمان وقال ابن العربي : قوله حرمة مال المسلم كحرمة دمه أي في وجوب الدفع عنه وصيانته له لكن على طريق التبع للنفس (حل) من حديث الحسن بن صالح عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص (عن ابن مسعود) ثم قال : غريب من حديث الحسن والهجري وأخرجه عنه الدارقطني باللفظ المذكور قال الغرياني في اختصاره : وفيه عمرو بن عثمان الكلاني قال النسائي وغير : متروك وأخرجه عنه البزار من رواية عمرو بن عثمان عن ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل عنه وقال : تفرد به ابن شهاب قال ابن حجر : وله طرق أخرى عن حميد عن أنس وقال الهيثمي رواه البزار وأبو يعلى وفيه محمد بن دينار وثقه جمع وضعفه جمع وبقية رجال أبي يعلى ثقات . 3708 (حريم البئر) الذي يلقي فيه نحو ترابها ويحرم على غير من له الاختصاص بها الانتفاع به (مد رشائها) بكسر الراء والمد حبلها الذي يتوصل به لمائها والمراد من جميع الجهات (ه عن أبي سعيد) الخدري قال الذهبي : فيه منصور بن صفر وفيه لين . 3709 (حريم النخلة مد جريدها) أي سعفها فإذا كان طول جريدتها خمسة مثلا فحريمها خمسة (ه عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي : وفيه منصور بن صفر وهو ضعيف (وعن عبادة بن الصامت) ورواه الطحاوي عن أبي سعيد من فعل المصطفى فقال : اختصم إليه رجلان في نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرع بها النخلة فإذا هي خمسة أذرع فجعلها حريما .
[ 506 ]
3710 (حزقة) بالرفع والتنوين خبر مبتدأ محذو ف أي أنت حزقة وهو بضم الحاء المهملة وضم الزاي وشد القاف وقوله (حزقة) كذلك ك أو خبر مكرر وروي بالضم غير منون منادى أي يا حزقة فحذف حرف النداء وهو شاذ كقولهم أطلق كرا لأن حرف النداء إنما يحذف من العلم المضموم أو المضاف وعليه فالثاني كذلك أو تكريرا للمنادى والحزقة القصير الضعيف المقارب الخطر من ضعفه قال امرئ القيس : وأعجبني مشي الحزقة خالد كمشي أتان حليت بالمناهل وقيل هو القصير العظيم البطن (ترق) أي اصعد (عين بقة) منادى ذهب به إلى صغر عينه تشبيها له بعين البعوضة إشارة إلى الصغر فلا شئ أصغر من عينها ذكره كله الزمخشري وتبعه ابن الأثير من غير عزو له كعادته وسبب هذا أنه كان يرقص الحسن والحسين ويقول له ذلك مداعبة وإيناسا فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره الشريف وهذه من مزاحه ومباسطته من قبيل يا أبا عمير ما فعل النغير (وكيع) بفتح فكسر (في الغرر) أي في كتاب الغرر (وابن السني في عمل يوم وليلة خط) في التاريخ (وابن عساكر) في ترجمة الحسن من حديث حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن أبي مزود عن أبيه (عن أبي هريرة) قال : سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفيه جميعا يعني حسنا وحسينا وقدماه على قدمه وهو يقول حزقة إلى آخره فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره ثم قال له افتح فاك فقبله وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير غير هؤلاء وهو عجب فقد خرجه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما ومن طريقهم أورده ابن عساكر مصرحا قال الهيثمي وأبو مزود لم أجد من وثقه وبقية رجاله رجال الصحيح . 3711 (حسان حجاز) بالزاي وفي رواية بالياء الموحدة بدلها قال في الفردوس : ويروى حاجز أيضا (بين المؤمنين والمنافقين) لكونه كان يناضل عنهم بسنانه ولسانه فلأجل ذلك كان (لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن) وهو حسان بن ثابت الأنصاري شاعر النبي صلى الله عليه وسلم عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام مثلها ومات في زمن معاوية ولما كان يوم الأحزاب ورد الله المشركين بغيظهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يحمي أعراض المسلمين فقال ابن كعب أنا وقال ابن رواحة : أنا وقال حسان أنا فقال : نعم هجهم أنت وسيعينك عليهم روح القدس (ابن عساكر) في ترجمة حسان من تاريخه (عن
[ 507 ]
عائشة) قالت : استأذن حسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين فقال : كيف نسبي فيهم قال : لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يره لأحد من أصحاب الرموز التي اصطلح عليها مع أن أبا نعيم خرجه في الحلية والديلمي في الفردوس . 3712 (حسب المؤمن من الشقاق والخيبة) أي يكفيه منهما (أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه) قال في الفردوس : التثويب الرجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة فإذا قال المؤذن حي على الصلاة قال هلموا إليها فإذا قال حي على الفلاح فقد رجع إلى كلام يؤول إلى المبادرة إلى الصلاة أيضا انتهى (طب) وكذا الديلمي (عن معاذ بن أنس) قال الهيثمي : فيه زبان بن فائد ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم . 3713 (حسب امرئ) أي كفاه (من البخل أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي كله ولا أدع منه شيئا) فإن من البخل بل الشح والدناءة المضايقة في التافه ومن ثم رد الفقهاء الشهادة به (فر عن أبي أمامة) الباهلي وفيه هلال بن العلاء الرقي والد المعلى بن هلال أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه أبو حاتم . 3714 (حسبك) أي أحسبك والاستفهام مقدر (من نساء العالمين) أي يكفيك في معرفتك فضلهن بقوله حسبك مبتدأ ومن نساء العالمين متعلق به و (مريم) خبر المبتدأ (بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وخديجة بنت خويلد) زوج حبيب الرحمن (وفاطمة بنت محمد) خاتم الأنبياء (وآسية امرأة فرعون) والخطاب إما عام أو لأنس أي كافيك معرفة فضلهن من العرفة جميع النساء ذكره الطيبي (حم ت حب ك) في مناقب أهل البيت (عن أنس) بن مالك قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 3715 (حسبي الله ونعم الوكيل) أي النطق بهذا اللفظ مع اعتقاد معناه بالقلب والاخلاص وقوة الرجاء (أمان لكل خائف) أليس الله بكاف عبده ومن يتوكل على الله فهو حسبه فمتى اعتقد العبد أن
[ 508 ]
لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وفقر وغنى هو المنفرد به اكتفى به عن كل موجود ولم ينظر إلى غيره بل كان منه خوفه ورجاؤه وبه ثقته وعليه اتكاله وكفى بالله وكيلا وهذا قاله في غزوة الخندق لما نزل * (الذيقال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) * (تنبيه) قال التفتازاني في المطول : قولهم ونعم الوكيل إما عطف على الجملة الأولى والمخصوص محذوف كما في قوله تعالى * (نعم العبد) * فيكون من عطف الجملة الإنشائية على الإسمية الإخبارية وإما على تضمين حسبنا الله معنى الفعل وقال السيد في قوله تعالى * (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * أي وقالوا ونعم الوكيل فيحتمل أن يقدر مثله هنا (فر عن شداد بن أوس) وفيه بقية بن الوليد وحاله معروف ومكحول قال الذهبي : حكى ابن سعد أنه ضعيف ووثقه غيره ورواه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى . 3716 (حسبي رجائي من خالقي) أي يكفيني قوة رجائي فيه أنه يفيض علي صنوف الخيرات ويرفعني في أعلى الدرجات والرجاء ارتياح القلب لانتظار محبوب متوقع وهذا بالنسبة لمنصب المعصوم ظاهر أما غيره فإنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد إلا ما لا يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف القواطع فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات وطهر قلبه عن شر الأخلاق الرديئة انتظر من فضل الله تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن الخاتمة كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا باعثا على القيام بمقتضى الإيمان وإن قطع عرى بذر الإيمان تعهده بماء الطاعة أو ترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق وانهمك في اللذات ثم تشبث بالرجاء فهو حمق وغرور (وحسبي ديني من دنياي) لأن المال غاد ورائح والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى والدنيا مزرعة الآخرة . والحاصل أن قوة رجاء عبد في ربه تعالى يكفي صاحبه لمهمات الدارين (حل) من حديث الحسن بن عبد الله القطان عن إسماعيل بن عمرو الحمصي عن يزيد بن عبد ربه عن بقية (عن إبراهيم بن أدهم) بن منصور العجلي وقيل التميمي البلخي الزاهد ذي الكرامات والخوارق (عن أبي ثابت) أيمن بن ثابت أو محمد بن عبد الله (مرسلا) وإبراهيم هو البلخي الزاهد العارف المشهور روى عن منصور وأبي إسحاق وطائفة من التابعين وعنه بقية والفزاري وضمرة وخلق . 3717 (حسن الخلق خلق الله الأعظم) أي هو أعظم الأخلاق المائة والسبعة عشر التي خزنها لعباده في خزائن جوده قال الحكيم : وجميع محاسن الأخلاق تؤول إلى الكرم والجود والسخاء ومن أراد الله به خيرا منحه حسن الخلق (طب) وكذا في الأوسط (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي : فيه عمرو بن الحصين وهو متروك انتهى ومن ثم قال شيخه العراقي كالمنذري : سنده ضعيف جدا .
[ 509 ]
3718 (حسن الخلق نصف الدين) لأن حسنه يؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وإذا صفا وطهر عظم النور وانشرح الصدر فكان هو الباعث الأعظم على إدراك أسرار أحكام الدين فهو نصف بهذا الاعتبار (فر عن أنس) بن مالك وفيه خلاد بن عيسى ضعفوه وقال العقيلي : مجهول وساق له ومن مناكيره في الميزان هذا الخبر . 3719 (حسن الخلق يذيب الخطايا) في رواية يذيب الذنوب (كما تذيب الشمس الجليد) وهو الماء الجامد من شدة البرد لأن صنائع المعروف لا تكون إلا من حسن الخلق والصنائع حسنات والحسنات يذهبن السيئات ولهذا جاء في خبر عند ابن النجار في تاريخه من حديث أنس مرفوعا من حسن الله خلقه وخلقه ورزقه الإسلام أدخله الجنة (عد عن ابن عباس) ورواه البيهقي في الشعب وضعفه والخرائطي في المكارم قال العراقي : والسند ضعيف ف لكن شاهده خبر الطبراني بسند ضعيف أيضا . 3720 (حسن الشعر مال وحسن الوجه مال وحسن اللسان مال والمال مال) قال في الميزان متصلا بهذا يعني في المنام اه‍ . أي فإذا رأى الإنسان في منامه أنه حصل شئ من ذلك يؤول بحصول مال له فإذا رأى أن شيئا منها خرج من يده يؤول بخروج مال منه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) قضية عزوه لابن عساكر أنه لم يره مخرجا لأقدم ولا أشهر منه ممن وضع لهم الرموز وكأنه ذهول فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس باللفظ المزبور عن أنس المذكور . 3721 (حسن الصوت زينة القرآن) لأن ترتيله والجهر به بترقق وتحزن زينة وبهجة وأي زينة (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي : فيه سعيد بن زرقي وهو ضعيف . 3722 (حسن الظن) أي بصلحاء المسلمين (من) جملة (حسن العبادة) يعني اعتقاد الخير والصلاح في حق المسلمين عبادة ذكره المظهر قال الطيبي : فعليه من للتبعيض أي من جملة العبادة ويجوز كونها للإبتداء أي حسن الظن بعباد الله من عبادة الله اه‍ وجوز البعض كون حسن العبادة من إضافة
[ 510 ]
الصفة للموصوف أي حسن الظن من العبادة الحسنة ويجوز أن يكون المراد حسن الظن بالله تعالى قال في الحكم : إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه حسن ظنك به لوجود معاملته معك فهل عودك إلا حسنا وهل أسدى إليك إلا مننا (تنبيه) قالوا : حسن الظن صنيعة وسوء الظن حرمان وقيل : أسوء الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله وقد بلغ حسن الظن عند بعضهم إلى أنه يجد الجلاد الذي يضرب الرقاب ويعذب أخف حسابا منه يوم القيامة وأقرب إلى رضا الله منه . قال العارف الشعراوي رحمه الله : وممن رأيته على هذا القدم أخي أفضل الدين كان يسأل الجلاد الدعاء . قال : والثاني في ذلك إنما هو وصول العبد إلى هذا المشهد في الجلاد ببادئ الرأي بغير تفكر وتأمل ليخرج عن التفضل في المقام . (د) في الأدب (ك) في التوبة (عن أبي هريرة) وفيه عند أبي داود مهنأ بن عبد الحميد البصري . قال أبو حاتم : مجهول وعند الحاكم صدقة بن موسى قال الذهبي : ضعفوه . 3724 (حسن الملكة) قال القاضي : الملكة والملاك واحد غير أن الملكة غالبا تستعمل في المملوك يعني حسن الصنيعة معه (يمن) أي يوجب البركة والخير لأنه يرغب فيه حينئذ ويحسن خدمته ويؤثر طاعته فلذلك قالوا : إن حسن الملكة أصل كبير في الدين (وسوء الخلق) مع المملوك (شؤم) لأنه يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد والشؤم ضد اليمن والبركة (تنبيه) قال الماوردي في أدب الملوك : الأخلاق يظهر حميدها بالاختيار ويقهر ذميمها بالاضطرار وسميت أخلاقا لأنها تصير كالخلقة لكنها مع ذلك تقبل التغيير فالفاضل من غلبت فضائله ثم لا تزال غالبة حتى تستقيم جميع أخلاقه لتصير حميدة بعضها خلق مطبوع وبعضها تخلق مصنوع ، وقال الغزالي في ميزان العمل : الفضيلة تارة تحصل بالطبع إذرب صبي يخلق صادق اللهجة سخيا وتارة بالانقياد ومرة بالتعلم فمن صار ذا فضيلة
[ 511 ]
طبعا واعتيادا وتعلمها فهو في غاية النفاسة هذا ويحسن تشبيه النفس التي تعتريها الأخلاق الذميمة والحميدة ببدن تعتريه الأمراض البدنية والصحة التي بها انتظام المعائش والأمور الأخروية فكما لكل مرض بدني من علاج فلا بد لكل مرض قلبي يعبر عنه بالخلق الدنئ ويعبر عن علاجه بتبديله بخلق سني فالجهل مرض وعلاجه بالعلم والبخل مرض وعلاجه بالسخاء والكبر مرض وعلاجه بالتواضع والشهوة مرض وعلاجه بالكف عن المشتهى ، وهكذا كل علاج لا بد فيه من مرارة فمن أراد شفاء القلب فعليه باحتمال مرارة المجاهدة التي هي معراج المشاهدة ، ومن ثم قالوا : المشاهدات مواريث المجاهدات التي هي معراج ، فجاهد تشاهد ، وزوال مرض القلوب أهم مطلوب إذ به ينال المحبوب ، والقلوب هي الجواهر وبصونها عن أمراضها يحصل جميع أغراضها ومعرفة جواهر الأشياء من أعراضها وصون حقوق الآدميين كدمائها وأموالها وأعراضها ، وبمعرفة ذلك تتميز قيم أفراد الإنسان وإن اختلفت نفسه بحسب إقبالها وإعراضها (د) في الأدب من طريق بقية عن عثمان بن زفر عن محمد بن خالد بن رافع (عن رافع بن مكيث) بفتح الميم وكسر الكاف بعدها تحتية ثم مثلثة الجهني شهد الحديبية كذا في الكاشف وقيل بل هو تابعي فهو مرسل وفيه بقية وفيه مقال معروف اه‍ . وقال في الإصابة : الحارث بن مكيث أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين . 3723 (حسن الملكة نماء) بالفتح والتخفيف والمد أي زيادة رزق وأجر وارتفاع مكانة عند الله تعالى يقال فلان حسن الملكة إذا كان حسن الصنيع إلى مماليكه (وسوء الخلق) مع المملوك (شؤم) والشؤم يورث الخذلان ودخول النيران ، قال يحيى بن معاذ : سوء الخلق سيئة لا ينفع معها كثرة الحسنات ، وحسن الخلق حسنة لا يضر معها كثرة السيئات (والبر زيادة في العمر) معنى زيادته بركته أو أراد أنه سبحانه جعل ما علم منه من البر سببا لزيادة عمره ونماء وزيادة باعتبار طوله كما جعل التداوي سببا للصحة (والصدقة تمنع ميتة السوء) الميتة الحالة التي يكون عليها الإنسان من موته وميتة السوء أن يموت على وجه النكال والفضيحة ككونه سكرانا أو بغير توبة أو قبل قضاء دينه أو غير ذلك (حم طب عن رافع بن مكيث) قال الهيثمي : فيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات . 3725 (حسن الملكة يمن) قال البغدادي : الملكة القدرة والتسلط على الشئ ، والمراد هنا المماليك والعبيد ، وحسن الملكة الرفق بهم ولا يحملون ما لا يطيقون والتعهد لمهماتهم والعفو عن زللهم ، وعن ذلك ينشأ النماء والبركة ، وفي ضده الصرم والهلكة (وسوء الخلق) أي معهم (شؤم) قال القاضي : الملكة والملك واحد غير أن الملكة يغلب استعمالها في المماليك وحسن رعاية المماليك والقيام بحقوقهم وحسن الصنيع ، واليمن البركة والمعنى أنه يوجبه إذ الغالب أنهم إذا راقبهم السيد وأحسن إليهم كانوا أشفق عليه وأطوع له وأسعى في حقه وكل ذلك يؤدي إلى اليمن والبركة وسوء الخلق يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد وقصد الأنفس والأموال بما يضر (وطاعة المرأة ندامة) أي غم لازم لسوء آثاره (والصدقة تدفع القضاء السوء) (تنبيه) حاول بعضهم جمع الأخلاق الحسنة فقال الإحسان والاخلاص والإيثار واتباع السنة والاستقامة والاقتصاد في العبادة والمعيشة والاشتغال بعيب النفس عن عيب الناس والانصاف وفعل الرخص أحيانا والاعتقاد مع التسليم والافتقار الاختياري والإنفاق بغير تقتير وإنفاق المال لصيانة العرض والأمر بالمعروف وتجنب الشبهة واتقاء ما لا بأس به لما به بأس وإصلاح ذات البين وإماطة الأذى عن الطريق والاستشارة والاستخارة والأدب والاحترام
[ 512 ]
والإجلال لأفاضل البشر والأزمنة والأمكنة وإدخال السرور على المؤمن والاسترشاد والإرشاد بتربية وتعليم وإفشاء السلام والإبتداء به وإكرام الجار وإجابة السائل والإعطاء قبل السؤال واستكثار قليل الخير من الغير واحتقار عظيمه من نفسه وبذل الجاه والجهد والبشر والبشاشة والتواضع والتوبة والتعاون على البر والتقوى والتؤدة والتأني وتدبير المنزل والمعيشة والتفكر والتكبر على المتكبر وتنزيل الناس منازلهم وتقديم الأهم والتصبر والتغافل عن زلل الناس وتحمل الأذى والتهنئة والتسليم لمجاري القدر وترك الأذى والبطانة ومعاداة الرجال والتكلف والمراء والتحميض لدفع الملالة والتحدث بالنعمة والتكثير من الإخوان والأعوان وتجمل الملبس والتسمية باسم حسن مع تغيير اللقب القبيح والتوسعة على العيال وتجنب مواقع التهم ومواضع الظلم والكلام المنهي عنه والتعرف بالله والتطبب بالطب النبوي والثبات في الأمور والثقة بالله وجهاد النفس وجلب المصالح والحب في الله والبغض في الله والحلم والحياء وحفظ الأمانة والعهد والعرض وحسن الصمت والتفهيم والتعقل في المقال والسمت والظن والحزم وطلب المعيشة والمعاشرة والحمية وخدمة الصلحاء والفقراء والعلماء والإخوان والضيف والخشوع وخوف الله وخداع الكفار ودرء المفاسد ودوام التفكر والاعتبار والدأب في طلب العلم والذلة لله والرفق في المعيشة ورحمة الصغار والمساكين واليتيم والحيوان والمريض والرضى بالدون من المجالس والرجاء والرقة للغير لتأذيه والزهد والسخاء والسماح والسلام عند اللقاء حتى على من لا تعرفه والشجاعة والشهامة والشفاعة والشكر والصبر والصدق والصلح والصداقة والصحبة وصلة الرحم والصمت والصوم وضبط النفس عن النفرة وطهارة الباطن والعفة والعدل والعفو والعزلة وعلو الهمة والغضب لله والغيرة لله الحميدة والغبطة والفزع إلى الصلاة عند الشدائد والفراسة وفعل ما لا بد منه والقيام بحق الحق في الخلق وقبول الحق وقوله وإن كان مرا والقنع وقضاء حوائج الناس وكظم الغيظ وكفالة اليتيم ولقاء القادم ولزوم الطهارة والتهجد والصلوات المأثورة والفوائد الجميلة والمداراة والمخاطبة بلين ومحاسبة النفس ومخالفتها والمعاشرة بالمعروف ومعرفة الحق لأهله ولمن عرفه ذلك ومحبة أهل البيت والمكافأة والمزح القليل والعدل والنهي عن المنكر والنصح والنزاهة والورع وهضم النفس واليقين ونحو ذلك اه‍ وأخرج البيهقي في الشعب قال رجل للأحنف دلني على مؤونة بلا تعب قال : عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح واعلم أن الداء الذي أعيي الأطباء اللسان البذئ والفعل الردئ . (ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي في الشهاب (عن جابر) بن عبد الله قال العامري : حديث حسن . 3726 (حسنوا القرآن بأصواتكم) أي رتلوه واجهروا به قال الطيبي : هذا الحديث لا يحتمل القلب كما يحتمله الحديث الاتي زينوا القرآن بأصواتكم لتعليله بقوله (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن
[ 513 ]
حسنا (1) قال القشيري : هذا دليل على فضيلة الصوت الحسن فالسماع لا بأس به وتعقبه ابن تيمية بأنه إنما يدل على فضل الصوت الحسن بكتاب الله لا بالغناء فمن شبه هذا بهذا فقد شبه الحق بالباطل (الدارمي) في مسنده (وابن نصر) محمد في كتاب (الصلاة) تأليفه (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب . (1) فيه طلب الجهر بالقراءة وتحسين الصوت ومحله فيمن أمن الرياء ولم يؤذ نحو مصل . 3727 (حسين مني وأنا منه) قال القاضي : كأنه بنور الوحي علم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصه بالذكر وبين أنهما كشئ واحد في وجوه المحبة وحرمة التعرض والمحاربة وأكد ذلك بقوله (أحب الله من أحب حسينا) فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله (الحسن والحسين سبطان من الأسباط) جمع سبط وهو ولد الولد أكد به البعضية وقدرها ويقال القبلية قال تعالى : * (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) * أي قبائل ويحتمل إرادته هنا على معنى أنه يتشعب منهما قبيلة ويكون من نسلهما خلق كثير وقد كان (خد ت ه ك عن يعلى بن مرة) قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعي له فإذا حسين يلعب في السكة فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم وبسط يديه وجعل الغلام يفر ههنا وههنا ويضاحكه صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى فوق رأسه فقبله قال الهيثمي : إسناده حسن 3728 (حصنوا أموالكم بالزكاة) أي بإخراجها فإنه ما تلف مال في بئر ولا بحر إلا بمنع الزكاة كما سيجئ في خبر فأداء الزكاة كالحصن للأموال تحرس بها وتحصن بأدائها من آفات عقوبات تركها (وداووا مرضاكم بالصدقة) فإنها من أنفع الدواء الحسي (وأعدوا للبلاء الدعاء) فإنه يرد القضاء المعلق وفي رواية واستقبلوا بالبلاء الدعاء فإنه يرده أي بأن تدعو عند نزول البلاء برفعه فلعله عرض ابتلاء ليصل إليه التضرع والإبتهال فإنه تعالى يحب أن يسأل أو بأن يكثر التضرع والالتجاء في حال عاقبته وأمنه ودعته قبل البلاء عدة لوقت نزوله فيعرف الله منه ذلك فيوفقه للرضى حتى أن بعضهم يراه نعمة فيشكره عليها وهذا حال خواص المؤمنين (طب حل خط عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي حديث لا يصح تفرد به موسى بن عمير قال ابن عدي : وعامة ما يرويه لا يتابع عليه اه‍ وقال الهيثمي فيه موسى بن عمير الكوفي متروك وفي الميزان : أبو حاتم ذاهب الحديث كذاب وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له أخبارا منها هذا .
[ 514 ]
3729 (حصنوا أموالكم بالزكاة) أي بتزكيتها (وداووا مرضاكم بالصدقة) يعني صدقة التطوع مهما أمكن طلبا للشفاء بها فإنها نعم الدواء (واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء) إلى الله (والتضرع) إليه فإنه يرفعه أو يسهل وقوعه كما سيأتي قال بعضهم : إنما أمر بتحصين المال بالزكاة لأن للمال مستحقين المساكين والحوادث فالمطالب بحق الفقراء هو الله والحوادث تأتي بها الأقدار فمن زكى فقد أرضى الله فيجوز أن ترفع المقادير نزول الحوادث بمن أدى حق الله وقد قال : * (يمحو الله ما يشاء ويثبت) * أي يوقع الحوادث بها ليرفعهما عنده ويخلق منها قال تعالى : * (ما عندكم يفنى وما عند الله باق) * فالزكاة حصن لها إن بقيت وهي لها أحصن إن حصلت عند الله (د في مراسيله عن الحسن) وأسنده البيهقي وغيره من وجوه ضعيفة . 3730 (حضرموت خير من بني الحارث) أي هذه القبيلة أفضل من هذه عند الله تعالى (طب) في ضمن حديث طويل (عن عمرو بن عبسة) قال الهيثمي : رواه عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي وفيه مقال وقال الذهبي : حمل عنه الناس وهو مقارب الحال وقال النسائي : ضعيف وبقية رجاله رجال الصحيح وقد روى نحوه بإسناد جيد عن شيخين آخرين . 3731 (حضر ملك الموت رجلا يموت) أي في حالة النزاع لقبض روحه (فشق أعضاء) يعني جرى فيها وسلكها وفتشها لا أنه شقها بالقطع كما يفعل الآدمي (فلم يجده عمل خيرا قط) بعضو من أعضائه (ثم شق قلبه فلم يجد فيه خيرا قط ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر له بكلمة الإخلاص) بين به أن التوحيد المحض الخالص عن شوائب الشرك لا يبقى معه ذنب فإنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب فلو لقي الموحد المخلص ربه بقراب الأرض خطايا قابله بقرابها مغفرة فإن نجاسة الذنوب عارضة والدافع لها قوي فلا تثبت معه خطيئة قال الفخر الرازي : وإنما سميت كلمة الإخلاص لأن كل شئ يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص لله سمي خالصا (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب المحتضرين هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي .
[ 515 ]
3732 (حفت الجنة بالمكاره) أي أحاطت بنواحيها جمع مكرهة وهي ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بحقوق العبادة على وجهها كإسباغ الطهر في الشتاء وتجرع الصبر على المصائب قال القرطبي : وأصل الحق الدائر بالشئ المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى غيره فمثل المصطفى صلى الله عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجى منها إلا بفطم النفس عن مطلوباتها قال ابن حجر : وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحث على الطاعات وإن كرهتها وشقت عليها (وحفت) في رواية حجبت في الموضعين (النار بالشهوات) وهي كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ذكره القرطبي بأن أطيفت بها من جوانبها وهذا تمثيل حسن معناه يوصل إلى الجنة بارتكاب المكاره من الجهد في الطاعة والصبر عن الشهوة كما يوصل المحجوب عن الشئ إليه بهتك حجابه ويوصل إلى النار بارتكاب الشهوات ومن المكاره الصبر على المصائب بأنواعها فكل ما صبر على واحدة قطع حجابا من حجب الجنة ولا يزال يقطع حجبها حتى لا يبقى بينه وبينها إلا مفارقة روحه بدنه فيقال * (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * الآية . قال الغزالي : بين بهذا الحديث أن طريق الجنة وعر وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقات بعيد المسافات عظيم الافات كثير العوائق والموانع خفي المهالك والقواطع غزير الأعداء والقطاع عزيز الاتباع والأشياع وهكذا يجب أن يكون (حم م) في صفة الجنة (ت) في صفة الجنة (عن أنس) بن مالك (م عن أبي هريرة حم في الزهد عن ابن مسعود موقوفا) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه البخاري في الرقائق وقال : احتجبت بدل حفت والعجب أن المصنف في الدرر عزاه للشيخين معا باللفظ المزبور هنا بعينه من حديث أنس . 3733 (حفظ الغلام الصغير كالنقش في الحجر وحفظ الرجل بعد ما يكبر كالكتابة على الماء) أي فإن حفظه لا يثبت كما لا تثبت الكتابة على المائع كالماء لضعف حواسه وأما الصغير فينطبع حفظه في صورته الإدراكية الحاصلة في القوة المدركة ولا يزول عنها كما لا يزول النقش في الحجر وقيل لبعضهم : التعليم في الصغر كالنقش في الحجر فقال : الكبير أوفر عقلا لكنه أكثر شغلا (خط في) كتاب (الجامع عن ابن عباس) .
[ 516 ]
3734 (حقا) بالنصب مصدر لفعل محذوف أي حق حقا كحديث أعمدا فعلته يا عمر ذكره الزين العراقي وقال الطيبي : هو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه (على المسلمين) أي على كل منهم (أن يغتسلوا) فاعل قال الطيبي : وكان حقه أن يؤخر عن قوله (يوم الجمعة) لكنه قدمه اهتماما بشأنه (وليمس) بفتح الميم وضمها كما في الديباج (أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب) قال الطيبي : وليمس عطف على معنى الجملة السابقة إذ فيه سمة من الأمر أي ليغتسلوا وليمسوا قال العراقي : المشهور في الرواية كسر الطاء وسكون التحتية أي يقوم مقام الطيب (تنبيه) قال بعض العارفين : حكمة الأمر بالغسل أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فهي الجديدة الدائرة فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراما بذلك وتقديسا وتنظيفا وكما أن السواك مطهرة الفم مرضاة للرب فالغسل في الأسبوع مطهرة للبدن مرضاة للرب يعني أن فاعله فعل فعلا يرضى الله به من حيث أنه تعالى أمره بذلك فامتثل أمره (ت عن البراء) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى والديلمي قال : وفي الباب أبو سعيد . 3735 (حق المسلم على المسلم) أي حق الحرمة والصحبة (خمس) من الخصال والحق يعم وجوب العين والكفاية والندب قال في التحرير : والحق الشئ المستحق على الغير من غير أن يكون فيه تردد وفي المفهم الحق الثابت وفي الشرع يقال للواجب والمندو ب المؤكد لأن كلا منهما ثابت في الشرع فإنه مطلوب مقصود قصدا مؤكدا لكن إطلاقه على الواجب أولى وقد أطلق هنا على القدر المشترك بين الواجب وغيره (رد السلام) فهو واجب كفاية من جماعة من سلم عليهم لأن السلام معناه الأمان فإذا ابتدأ به أخاه فلم يجبه توهم منه الشر فوجب دفع ذلك التوهم بالرد (وعيادة المريض) المسلم فهي واجبة حيث لا متعهد له فإن كان ندبت (واتباع الجنائز) فإنه فرض كفاية كرد السلام قال ابن الكمال : وقد نقل أهل الإجماع أن إيجاب تجهيزه لقضاء حقه فكان على الكفاية لصيرورة حقه مقضيا بفعل البعض (وإجابة الدعوة) بفتح الدال إذا دعى مسلم مسلما إلى وليمة عرس وجبت أو لغيرها أو لنحو إعانة ندبت (وتشميت العاطس) أي الدعاء له بالرحمة والبركة إذا حمد الله قال الطيبي : يجوز عطف السنة على الواجب إن دلت عليه قرينة كصوم رمضان وستة من شوال قال البغوي : وهذه كلها يستوي فيها جميع المسلمين برهم وفاجرهم غير أنه يختص البر بنحو بشاشة ومسألة ومصافحة دون المظهر للفجور (تنبيه) قال ابن العربي : عليك في رعاية هذه الحقوق وغيرها بالمساواة بين المسلمين كما سوى في الإسلام
[ 517 ]
بينهم في أعيانهم ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وهذا فقير وحقير ولا تحقر صغيرا واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص فإن الإسلام لا وجود له إلا بالمسلمين كما أن الإنسان لا وجود له إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة . (تتمة) قال بعض العارفين : إذا رعيت حق المسلم لله فإن الله يؤتيك أجرك مرتين من حيث ما أديت من حقه ومن حيث ما أديت من حق تعين عليك حقه من خلقه (ق) في كتاب الجنائز (عن أبي هريرة) . 3736 (حق المسلم على المسلم ست) أي الحقوق المشتركة بين المؤمنين عند ملابسة بعضهم بعضا (إذا لقيته فسلم عليه) ندبا لأنه إذا لم يسلم عليه فقد احتقره واحتقاره احتقار لما خلق الله في أحسن تقويم وعظمه وشرفه فهو من أعظم الجرائم والذنوب العظائم (وإذا دعاك فأجبه) إلى مأدبته حيث لا عذر (وإذا استنصحك فانصح له) غير وان في الفكرة ولا مقصر في الإرشاد بل ابذل الجهد لكن ينبغي أن لا يشير قبل أن يستشار ولا يتبرع بالرأي فيكون رأيه متهما أو مطرحا (وإذا عطس فحمد الله فشمته) بأن تقول له يرحمك الله وظاهر الأمر الوجوب وعليه أهل الظاهر وقال ابن أبي حمزة قال جمع من علمائنا أنه فرض عين وقواه ابن القيم في حواشي السنن (وإذا مرض فعده) أي زره في مرضه وجوبا أو ندبا على ما تقدم (وإذا مات فاتبعه) أي اتبع جنازته حتى تصلي عليه فإن صحبته إلى الدفن كان أولى ومعنى هذه الجمل أن من حق الإسلام ذلك وله حقوق أخرى ذكرت في أحاديث أخرى وفيه كالذي قبله أنه لو قال له علي حق ثم فسره بنحو رد السلام أو عيادة قيل لأن الحق يطلق عرفا على ذلك وهو مذهب الشافعي (تنبيه) مفهوم العدد ليس بحجة عند الأكثر فذكره في هذا الحديث وما قبله لا ينفي الزائد فقد ذكروا له حقوقا أخرى منها ما رواه الأصبهاني بسنده إلى علي مرفوعا كما في روضة الأفكار للمسلم على المسلم ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء والعفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مودته ويشهد ميته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسألته ويطيب كلامه ويبر إنعامه ويصدق أقسامه وينصره ظالما أو مظلوما ويواليه ولا يعاديه ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه (خد م) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري في صحيحه . 3737 (حق الزوج على زوجته أن لا تمنعه نفسها) إذا أرا جماعها فإنها إن فعلت ذلك وقت حاجته فقد عرضته للهلاك الأخروي فربما صرفها في محرم فعليها حيث لا عذر أن تمكنه (وإن كانت
[ 518 ]
على ظهر قطب) ذكره تتميما ومبالغة ومعناه لا تمنعه من وطأها ولو حال ولادتها (وأن لا تصوم يوما واحدا) أي صوم تطوع (إلا بإذنه) إن كان حاضرا وأمكن استئذانه (إلا الفريضة) كذا في نسخة المصنف بخطه وفي رواية المريضة أي التي لا يمكن الاستمتاع بها فإن لها الصوم بغير إذنه إذ لا يفوت حقا (فإن فعلت) ما نهيت عنه بأن صامت بغير إذنه وهو شاهد (أثمت) مع صحة صومها لاختلاف الجهة (ولم يتقبل منها) صومها فلا تثاب عليه (وأن لا تعطي) فقيرا ولا غيره (من بيته شيئا) من طعام ولا غيره (إلا بإذنه) الصريح أو علم رضاه بذلك وبمقدار المعطى (فإن فعلت) بأن أعطت منه تعديا (كان له الأجر) أي الثواب عند الله على ما أعطته من ماله (وكان عليها الوزر) أي العقاب على ما افتات عليه من حقه (وأن لا تخرج من بيته) من المحل الذي أسكنها فيه (إلا بإذنه) الصريح وإن مات أبوها أو أمها (فإن فعلت) بأن خرجت بغير إذنه لغير ضرورة كانهدام الدار (لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أتراجع) أي ترجع والظاهر أن أو بمعنى الواو والمراد التوبة والرجوع (وإن كان ظالما) في منعه لها من الخروج وهذا كأنه لمزيد الزجر والتهويل عليها فلو ظلمها حقا من حقوقها ولم يمكن التوصل إليه إلا بالحاكم فلها الخروج بغير إذنه أو كان بجوار البيت نحو سراق أو فساق يريدون الفجور بها فمنعها من الخروج منه فلها الخروج وأفهم باقتصاره على ما ذكر من الحقوق أنه لا يجب عليها ما اعتيد من نحو طبخ أو اصلاح بيت وغسل ثوب ونحوها وهو مذهب الشافعي وعليه فينزل ما يقتضي وجوب ذلك على الندب (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب . 3738 (حق الزوج على المرأة) أي امرأته (أن لا تهجر فراشه) بل تأتيه فيه فيقضي منها أربه إن أراد (وأن تبر قسمه) إذا حلف على فعل شئ أو تركه وهو مما لا يخالف الشرع (وأن تطيع أمره) إذا أمرها بما لا يخالفه أيضا (وأن لا تخرج) من بيته (إلا بإذنه) الصريح (وأن لا تدخل) بضم أوله بضبط المصنف (إليه) إلى بيته (من يكره) أي من يكرهه أو يكره دخوله وإن لم يكرهه وإن كان نحو أبيها أو أمها أو ولدها من غيره فإن فعلت أثمت . ويؤخذ من اقتصاره على هذه الخمسة أنه لا يجب عليها أن تخدمه الخدمة التي اطردت بها العادة وهو مذهب الشافعية ، بل صرح بعضهم بأنه لا يلزمها عند الجماع أن ترفع رجليها ليجامعها بل إن شاء رفع ووطئ وإن شاء ترك (2) ، وأما ما جرت به عادة النساء في
[ 519 ]
الأعصار والأمصار والبلاد والقرى والعجم والعرب من زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الآن فهو بر وإحسان من جانب النساء ومسامحة صحبة منهن للأزواج ، بحمل كل الخدمة عنهم ، الواجبة لهن عليهم . (1) (طب عن تميم الداري) نسبة إلى جده الدار بن هانئ أو إلى دارين محل بالبحرين أو غير ذلك قال الهيثمي فيه ضرار بن عمر وهو ضعيف اه‍ وعنه أيضا أبو الشيخ والديلمي . (1) [ أي أنهن حملن نصيب الرجال من الخدمة ، والذي هو واجب عليهم . وانظر شرح الأحاديث 3737 و 3739 . دار الحديث ] (2) [ وهو مذهب الأحناف كما ذكره العالم الكبير والمحدث الجليل الشيخ محمود الرنكوسي في دروسه في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق ، ولا تزال مراجع ذلك قيد البحث ؟ ؟ دار الحديث ] 3739 (حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها) بلسانها غير متقذرة لذلك (ما أدت حقه) (1) حكى البيهقي في الشعب أن أسماء بنت خارجة الفزاري لما أراد اهداء ابنته إلى زوجها قال لها : يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا ولا تدني منه يملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلت لأمك . خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحب في الصدر والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب (ك) في النكاح من حديث ربيعة بن عثمان (عن أبي سعيد) الخدري قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنته فقال : هذه ابنتي أبت أن تتزوج فقال : أطيعي أباك فقالت : والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته فذكره قال الحاكم : صحيح ورواه البزار عن أبي سعيد بأتم من هذا فقال أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج فقال : أطيعي أباك قالت : والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته فقال : حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه قالت : والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تنكحوهن إلا بإذنهن قال المنذري : رواه البزار باسناده جيد حسن رواته ثقات مشهورون وابن حبان في صحيحه انتهى فلو عدل المؤلف لهذا كان أولى . (1) أي حق الزوج على زوجته عظيم لا تستطيع تأديته والمراد الحث على طاعة الزوج وعدم كفران نعمته . 3740 (حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح) بشد الموحدة أي لا يسمعها المكروه ولا يقل قبحك الله ولا يشتمها (ولا يهجر) كذا في كثير من النسخ وفي رواية أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ورأيت في أصول صحيحة من كتب كثيرة ولا يهجرها (إلا في البيت) (1) وفي رواية للبخاري غير أن لا يهجر إلا في البيت والحصر الواقع في
[ 520 ]
خبر معاوية هذا غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما وقع للمصطفى صلى الله عليه وسلم من هجره أزواجه في المشربة قال ابن حجر : والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما كان الهجر في البيت أشق منه في غيره وعكسه والغالب أن الهجر في غير البيت آلم للنساء لضعف نفوسهن واختلف المفسرون في المراد بالهجر فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يترك جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها (طب ك) في النكاح (عن معاوية ابن حيدة) بفتح الحاء المهملة صحابي مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حق زوجة أحدنا عليه فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائي في عشرة النساء عن معاوية المذكور باللفظ المزبور وصححه الدارقطني في العلل وعلقه البخاري وممن عزاه لأبي داود النووي وغيره . (1) أي في المضجع عند النشوز أما الهجر في الكلام فإنه حرام إلا لعذر . 3741 (حق الجار) على جاره (إن مرض عدته) في مرضه (وإن مات شيعته) إلى المصلى ثم إلى القبر (وإن استقرضك) أي طلب منك أن تقرضه شيئا (أقرضته) إن تيسر معك (وإن أعوز سترته وإن أصابه خير) أي حادث سرور (هنأته) به (وإن أصابته مصيبة) في نفس أو مال أو أهل (عزيته) بما ورد في السنة من المأثور (ولا ترفع بناءك فوق بنائه) رفعا يضره كما أشار إليه بقوله (فتسد عليه الريح) أو الضوء فإن خلا عن الضرر جاز الرفع إلا لذمي على مسلم (ولا تؤذيه بريح قدرك) بكسر فسكون أي طعامك الذي تطبخه في القدر فأطلق الظرف وأراد المظروف ومثله غير عزيز (إلا أن تغرف له منها) شيئا يهدى مثله عرفا فلا يحصل سنة القيام بحقه بقليل مختصر لا يقع موقعا من كفايته كما يدل له قوله في رواية أخرى فأصبهم منها بمعروف إذ هو ظاهر في أن المراد شئ يهدى مثله عادة ذكره العلائي قال ابن أبي جمرة : والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الأذى والإضرار على اختلاف أنواعه حسيا كان أو معنويا إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار بالقول أو الفعل والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن ما يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وإظهار محاسنه والترغيب فيه برفق ويعظ الفاسق بما يناسبه أيضا ويستر عليه زلله عن غيره وينهاه برفق فإن أفاد وإلا هجره قاصدا تأديبه مع إعلامه بالسبب لينفك (طب عن معاوية بن حيدة) قلت : يا رسول الله ما حق جاري علي فذكره قال الهيثمي : فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف وقال العلائي : فيه إسماعيل بن عياش ضعيف
[ 521 ]
لكن ليس العهدة عليه بل على شيخه أبي بكر الهذلي فإنه أحد المتروكين وقال ابن حجر هذا حديث روي بأسانيد واهية لكم اختلاف مخرجيها يشعر بأن للحديث أصلا . 3742 (حق الولد على والده (1) أن يعلمه الكتابة) لعموم نفعها وجموم فضلها وأهميتها (والسباحة) أي العوم (والرماية) بالقسي (وأن لا يرزقه إلا طيبا) بأن يرشده إلى ما يحمد من المكاسب ويحذره من الإكتساب من غيره ويبغضه إليه ما استطاع لينشأ على ذلك قال الشافعي : وإياك أن تسترضي الولد إذا غضب بلين الكلام وخفض الجناح فإن ذلك يتلف حاله ويهون عليه العقوق بل ذكره بخطئته وما أعد له من العقاب عليها وإياك أن تسب أو تشتمه فإن ذلك يجرئه على النطق بمثله مع إخوانه بل معك (الحكيم) الترمذي في النوادر (وأبو الشيخ [ ابن حبان ] في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (هب) كلهم (عن أبي رافع) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : قلت : يا رسول الله للولد علينا حق كحقنا عليهم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي سكت عليه وهو خلاف الواقع بل تعقبه بقوله عيسى بن إبراهيم أي أحد رجاله يروي ما لا يتابع عليه اه‍ وفي الميزان أنه منكر الحديث وفي الضعفاء تركه أبو حاتم ومن ثم قال ابن حجر إسناد الحديث ضعيف . (1) أي الأصل وإن علا : أي من حقه عليه . 3743 (حق الولد على والده أن يحسن اسمه) أي يسميه باسم حسن لا قبيح وقلما ترى اسما قبيحا إلا وهو على إنسان قبيح والله سبحانه بحكمته في قضائه يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها لتناسب حكمته بين اللفظ ومعناه كما يناسب بين الأسباب ومسبباتها . قال ابن جني ومر بي دهر وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه فآخذ معناه من لفظه فأكشفه فإذا هو ذلك المعنى بعينه أو قريب منه (ويزوجه إذا أدرك) أي بلغ (ويعلمه الكتاب) يعني القرآن ويحتمل إرادة الخط ويرجح الأول ما في رواية للديلمي ويعلمه الصلاة إذا عقل مكان الكتاب (حل فر عن أبي هريرة) وفيه يوسف بن سعيد مجهول والحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء : متروك اتفاقا . 3744 (حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده) أي في وجوب احترامه وتعظيمه
[ 522 ]
وتوقيره وعدم مخالفة ما يشير به ويرتضيه (هب عن سعيد بن العاص) قال الحافظ العراقي وسنده ضعيف ورواه الحاكم والآديلمي باللفظ المزبور ثم قال : وفي الباب أبو هريرة أي عند أبي الشيخ وغيره . 3745 (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه) فلا يسميه باسم مستكره كحرب ومرة وحزن قال صاحب القاموس في سفر السعادة : أمر الأمة بتحسين الأسماء فيه تنبيه على أن الأفعال ينبغي أن تكون مناسبة للأسماء لأنها قوالبها دالة عليها لا جرم اقتضت الحكمة الربانية أن يكون بينهما تناسب وارتباط وتأثير الأسماء في المسميات والمسميات في الأسماء ظاهر بين وإليه أشار القائل بقوله : وكلما أبصرت عيناك ذا لقب * إلا ومعناه إن فكرت في لقبه (ويحسن أدبه) قال الماوردي : والتأديب يلزم من وجهين أحدهما ما لزم الوالد للولد في صغره والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند كبره فالأول يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها وينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر قال الحكماء : بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الإشتغال وتفرق البال والثاني أدبان أدب مواضعة واصطلاح وأدب رياضة واصطلاح قال : ولا يؤخذ تقليدا على ما استقر عليه اصطلاح العقلاء والثاني ما لا يجوز في العقل أن يكون بخلافه وأمثلته كثيرة وقال الغزالي : الصبي أمانة عند أبيه وقلبه جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلم نشأ عليه وشار ك في ثوابه أبويه وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم به والولي عليه (هب عن ابن عباس) قال : قالوا يا رسول الله قد علمنا حق الوالد على الولد فما حق الولد على والده فذكره وقضية تصرف المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال محمد الفضل بن عطية أحد رواته ضعيف بمرة لا يحتج بما انفرد به انتهى وقال الذهبي : محمد هذا تركوه واتهمه بعضهم أي بالوضع وفيه أيضا محمد بن عيسى المدائني قال في الضعفاء : قال الدارقطني : ضعيف متروك وقيل كان مغفلا . 3746 (حق الولد على والده أن يحسن اسمه) فيكره أن يسميه بما يتطير بنفيه أو بإثباته كنافع وأفلح وبركة ويسار ورباح ونجاح أو مرة أو وليد أو شهاب (ويحسن موضعه) (1) بالواو على ما رأيت في نسخ هذا الكتاب وفي نسخ الفتح بالراء ووجهها ظاهر (ويحسن أدبه) بأن ينشئه على الأخلاق
[ 523 ]
الحميدة ويعلمه القرآن ولسان العرب وما لا بد منه من أحكام الدين فإذا بلغ حد العقل عرفه الباري بالأدلة التي توصله إلى معرفته من غير أن يسمعه شيئا من مقالات الملحدين لكن يذكرها له في الجملة أحيانا ويحذره منها وينفره عنها بكل ممكن ويبدأ من الدلائل بالأقرب الأجلى ثم ما يليه وكذا يفعل بالدلائل الدالة على نبوة نبينا ذكره الحليمي . (فائدة) كان لعامر بن عبد الله بن الزبير ابن لم يرض سيرته فحبسه وقال : لا أخرجك حتى تحفظ القرآن فأرسل إليه قد حفظته فأخرجني فقال : لا بيت خير لك من بيت جمعت فيه كتاب الله فأقم ، فما أخرج إلا لجنازة عامر وأدخل شابا فخرج شيخا (هب عن عائشة) قال أعني البيهقي وهو ضعيف انتهى وقد مر غير مرة أن ما يفعل المصنف من عزو الحديث لمخرجه وحذفه من كلامه مما عقبه به من تضعيفه وبيان حاله غير صواب وإنما ضعف لأن فيه عبد الصمد بن النعمان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال : قال الدارقطني : غير قوي عن عبد الملك بن حسين وقد ضعفوه عن عبد الملك بن عمير وقد قال مضطرب الحديث وابن معين مختلط . (1) بأن تكون أمه دينة من أصل طيب أو يكون موضع إقامته يتيسر فيه تحصيل القرآن والعلم لكثرة القراء والعلماء فيه . 3747 (حق الله على كل مسلم) محتلم حضر الجمعة (أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما) هكذا أبهمه في هذا الطريق وعينه جابر في حديث النسائي فقال وهو يوم الجمعة وصححه ابن خزيمة (يغسل فيه) أي في اليوم (رأسه) ويغسل (جسده) ذكر الرأس وإن كان الجسد يشمله للاهتمام به لأنهم يجعلون فيه الدهن والخطمي ونحوهما وكانوا يغسلونه أولا ثم يغتسلون وقال البغوي : أراد به وجوب الإختيار لا وجوب الحتم كما يقول الرجل لصاحبه حقك علي واجب ولا يريد به اللزوم واختلف في غسل الجمعة فذهب أبو هريرة والحسن البصري ومالك إلى وجوبه أخذا بظاهر الحديث وذهب الجمهور إلى ندبه لخبر من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل (ق) في الصلاة (عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب : إنما رواه البخاري تعليقا وسنده صحيح . 3748 (حق على كل مسلم السواك) بما يزيل القلح (وغسل يوم الجمعة) ويدخل وقته بطلوع الفجر (وأن يمس من طيب أهله) أي حلائله (إن كان) متيسرا لأن الملائكة تحبه والشيطان ينفر منه وأحب شئ إليه الريح المنتن والكريه فالأرواح الطيبة تحب الريح الطيب والخبيثة الخبيث وكل روح تميل إلى ما يناسبها (البزار) في مسنده (عن ثوبان) قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة ضعفه البخاري والنسائي وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .
[ 524 ]
3749 (حق على كل من قام من مجلس أن يسلم عليهم) أي على أهل ذلك المجلس عند مفارقتهم (وحق على من أتى مجلسا أن يسلم) أي عليهم عند قدومه وتمامه عند مخرجيه فقام رجل ورسول الله يتكلم فلم يسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسرع ما نسي اه‍ قال الحليمي : وإنما كان رد السلام فرضا وابتداؤه سنة لأن أصل التسليم أمان ودعاء بالسلامة وأنه لا يريد شرا وكل اثنين أحدهما أمن من الآخر يجب أن يكون الآخر آمنا منه فلا يجوز إذا سلم واحد على الآخر أن يسكت عنه فيكون قد أخافه وأوهمه الشر (طب هب عن معاذ بن أنس) الجهني قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وريان بن فائد وقد ضعفا انتهى وأقول تعصيبه الجناية برأسهما وحدهما غير حسن مع وجود من هو أوهى منهما . 3750 (حق على الله عون من نكح التماس) أي طلب (العفاف عما حرم الله) عليه من الزنا أو مقدماته فمن كان قصده ذلك أعانه الله على تحصيل حليلة تعفه ويسر له صداقها ومؤونتها من حيث لا يحتسب والأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها (عد عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن منيع والديلمي . 3751 (حقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها) بنفسه قال الحرالي : أول المسير إلى الله التزام الذكر والخلوة به وأول ما ابتدأ به النبي أن حبب إليه الخلاء فكان يخلو في غار حراء ولا تصح جلوة إلا بعد خلوة (ويذكر ذنوبه) أي يستحضرها في ذهنه (فيستغفر الله منها) أي يطلب الرضى وغفرها أي سترها فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة ومن ثم قيل لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وقيل النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك وقال الحسن : إنما يخف الحساب غدا على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا . (تنبيه) قال في الفتوحات إذا لزم المتأهب الخلوة والذكر وفرغ المحل من الفكر وقعد فقيرا لا شئ له عنه باب ربه منحه الله وأعطاه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية ما تعجز عنه العقول ، قيل للجنيد : بم نلت ما نلت قال : بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة وقال أبو يزيد : أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله جلت هيبته وعظمت منته من العلوم ما يغيب
[ 525 ]
عندها كل متكلم على البسيطة بل كل صاحب نظر وبرهان ليس له هذه الحالة فإنها وراء النظر العقلي (هب عن مسروق مرسلا) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام مات سنة ثلاث وستين . 3752 (حكيم أمتي عويمر) هو أبو الدرداء قاله لما هزم الصحابة يوم أحد فكان أبو الدرداء فيمن فاء إليه في الناس فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ليس لهم أن يعلونا فثاب إليه ناس وانتدبوا وفيهم أبو الدرداء حتى أدحضوهم عن مكانهم وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء فذكره (طس عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء (ابن عبيد) الحضرمي (مرسلا) أرسل عن أبي أمامة وغيره وفيه يحيى البايلي قال ابن عدي : الضعف على حديثه بين وقال الذهبي في الضعفاء : لحديث موضوع اتهم به اه‍ . وكان يشير إلى هذا . 3753 (حلق القفا) أي الشعر الذي فيه (من غير حجامة مجوسية) أي من عمل المجوس وزيهم ومن تشبه بقوم فهو منهم ومن ثم كره قتادة وأحمد للرجل أن يحلق قفاه أما للحجامة فلا بأس به فيها . (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) ابن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني والديلمي خرجاه باللفظ المزبور فكأنه ذهل عنه . 3754 (حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة) يعني لا تجتمع الرغبة فيها والرغبة في الله والآخرة بها ولا يسكن هاتان الرغبتان في محل واحد إلا طردت إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن فإن النفس واحدة والقلب واحد فإذا اشتغلت بشئ انقطع عن ضده (1) قال الإمام الرازي الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن والله يمكن المكلف من تحصيل أيهما شاء فإذا أشغله بتحصيل أحدهما فقط فقد فوت الأجر على نفسه (حم طب ك هب عن أبي مالك الأشعري) لما حضرته الوفاة قال : يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد الغائب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي : رجال أحمد والطبراني ثقات . (1) ولهذا قال روح الله عيسى لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد ويحتمل أن يكون المراد حلوة الدنيا ما تشتهيه النفس في الدنيا مرة الآخرة أي يعاقب عليه في الآخرة ومرة الدنيا ما يشق عليه من الطاعات حلوة الآخرة أي يثاب عليه في الآخرة .
[ 526 ]
3755 (حليف القوم منهم) الحليف المعاهد يقال تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصر والحماية قال إبراهيم الحربي : الحلف أيمان كانوا يتحالفون على أن يلزم بعضهم بعضا (وابن أخت القوم منهم) أي متصل بهم في جميع ما ينبغي أن يتصل به كالنصرة (طب) وكذا البزار (عن عمرو بن عوف) قال الهيثمي : فيه الواقدي وهو ضعيف قال ابن حجر : وفيه قصة . 3756 (حمزة بن عبد المطلب) أسد الله وأسد رسوله يلقب أبا عمارة (أخي من الرضاعة) قاله حين قيل له ألا تخطب ابنة حمزة فإنها أجمل بنات قريش وفيه أن الرجل لا يحل له تزوج بنت أخيه من الرضاع (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس وأم سلمة) وهو في مسلم بدون ابن عبد المطلب فعدول المصنف عنه غير صواب . 3757 (حمزة سيد الشهداء يوم القيامة) لجموم نفعه في نصرة الإسلام حين بدأ غريبا استشهد بأحد بعد أن قتل أحدا وثلاثين كافرا ولم ير المصطفى صلى الله عليه وسلم باكيا على أحد كبكائه عليه (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن جابر) بن عبد الله . 3758 (حمل) نبي الله (نوح معه في السفينة) حين الطوفان (من جميع الشجر) (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن علي) أمير المؤمنين . 3759 (حملة القرآن) أي حفظته العاملون به (عرفاء أهل الجنة يوم القيامة) زاد ابن النجار في روايته عن أبي هريرة والشهداء قواد أهل الجنة والأنبياء سادة أهل الجنة ، وفي رواية عن علي والمجاهدون في سبيل الله قوادها والرسل سادة أهل الجنة (طب) وكذا الخطيب (عن الحسين بن علي) وفيه إسحاق بن إبراهيم ابن سعيد المدني وهو ضعيف ذكره الهيثمي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال : فيه أيضا فائد متروك وتعقبه المؤلف بأن المتن صحيح .
[ 527 ]
3760 (حملة القرآن أولياء الله فمن عاداهم فقد عادى الله ومن والاهم فقد والى الله) المراد بحملته حفظته العاملون بأحكامه المتبعون لأوامره ونواهيه وليس منهم من حفظه ولم يعمل به (فر وابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه داود بن المحبر قال الذهبي في الضعفاء : قال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات ورواه عنه أبو نعيم في الحلية ومن طريقه أورده الديلمى مصرحا فلو عزاه له لكان أولى . 3761 (حمل العصا) بالقصر على العاتق أللتوكئ عليها (علامة المؤمن وسنة الأنبياء) بشهادة عصى موسى وكان للنبي عنزة تحمل معه في سفره فحملها سنة (فر عن أنس) بن مالك وفيه يحيى بن هاشم الغساني قال الذهبي في الضعفاء : قالوا كان يضع الحديث . 3762 (حواري الزبير) بن العوام ابن عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرة بالجنة والد الإمام الأعظم عبد الله الذي استشهد بسيف الحجاج (من الرجال) كلهم (وحواري من النساء عائشة) بنت الصديق أخرج أبو يعلى أن ابن عمر سمع رجلا يقول يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت من آل الزبير وإلا فلا والحواري الناصر والحواريون أصحاب عيسى قيل لهم ذلك لأنهم كانوا يحررون الثياب أي يبيضونها (الزبير بن بكار وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الخير مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وبمثلثة (ابن عبد الله) اليزني بفتح التحتية والزاي وبالنون مفتي أهل مصر (مرسلا) أورده ابن عساكر في ترجمة ابن الزبير . 3763 (حوسب رجل) يعني يحاسب رجل يوم القيامة فأورده بصيغة الماضي لتحقق وقوعه (ممن كان قبلكم) من الأمم السابقة (فلم توجد له من الخير شئ) أي من الأعمال الصالحة قال القرطبي : عام مخصوص لأن عنده الإيمان ولذلك تجاوز عنه بالعفو * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) *
[ 528 ]
(النساء : 48) والأليق أن ممن وقي شح نفسه والمعنى أنه لم يوجد له من النفل إلا هذا ويحتمل أنه له لكن غلب هذا عليه ويحتمل أنه أراد بالخير المال أي لم يوجد له فعل بر في المال إلا إنظار المعسر (إلا أنه كان رجلا موسرا وكان يخالط الناس) أي يعاملهم ويضاربهم (وكان يأمر غلمانه) وفي رواية بدله فتيانه الذين يتقاضون ديونه (أن يتجاوزوا عن المعسر) أي الفقير المقل المديون له بأن يحطوا عنه أو ينظروه إلى ميسرة (فقال الله عز وجل لملائكته نحن أحق بذلك منه) كلام حق لأنه المتفضل على الحقيقة إذ لا حق عليه لأحد (تجاوزوا عنه) أي عن ذنوبه ، ومقصود الحديث الحث على المساهلة والمسامحة في التقاضي وبيان عظيم فضل ذلك وأن لا يحتقر من الخير شيئا وإن قل وأنه تعالى يتجاوز عن القليل من العمل وجواز الإذن للعبد في التجارة والتوكيل في التقاضي وأنه بركة ظاهرة وكرامة بينة وسبب للغفران ومرقاة لدخول الجنان (خد ت ك هب) وكذا أبو يعلى كلهم (عن ابن مسعود) ظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم في الصحيح . 3764 (حوضي كما بين صنعاء والمدينة) أي مسافة عرضه كالمسافة بينهما قال القاضي الحوض على ظاهره عند أهل السنة وحديثه متواتر تواترا معنويا فيجب الإيمان به وتردد البعض في تكفير منكره وقال القرطبي : أحاديث الحوض متواترة فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين ورواه عنهم من التابعين أمثالهم ثم لم تزل تلك الأحاديث تتوالى وتشير الرواية إليها في جميع الأعصار إلى أن تنتهي ذلك إلينا وقامت به حجة الله علينا فأجمع عليه السلف والخلف وقد أنكره قوم من المبتدعة فأحالوه عن ظاهره وغلطوا في تأويله من غير إحالة عقلية ولا عادية تلزم من إجرائه على ظاهره ولا معارضة سمعية ولا نقلية تدعو إليه فتأويله تحريف صدر عن عقل سخيف (فيه الآنية مثل الكواكب) يعني الكيزان التي يشرب بها منه كالنجوم في الكثرة والإضاءة وورد إن لكل نبي حرضا على قدر رتبته توأمته فالحوض ليس من خصائصه وماء الحوض من ماء الجنة واعلم أن هذه الرواية تخالفها رواية الحوض ما بين أيلة وصنعاء ورواية ما بين جرباء وأذرح قال في التنقيح : ووجه الجمع بينهما أن هذه الأقوال صورة على جهة التمثيل في بعد أقطار الحوض وخاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل كل جهة بما يعرفون من تلك المواضع اه‍ وسبقه لنحوه القرطبي فقال : اختلفت الروايات الدالة على قدر الحوض فظن بعض القاصرين أنه اضطراب ولا كذلك بل تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرارا وذكر تلك الألفاظ المختلفة إشعارا بأنه تقدير لا تحقيق وكلها تفيد أنه كبير متسع وسبب ذكره الجهات المختلفة في قدره أنه كان بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات فخاطب كلا بالجهة التي يعرفها (ق عن حارثة بن وهب) الخزاعي (والمستورد) بن شداد بن عمر القرشي الحجازي .
[ 529 ]
3765 (حوضي مسيرة) أي مسيرة حوضي (شهر) قال المصري : فالشهر عظمه في الكبر (وزواياه سواء) أي هو مربع لا يزيد طوله ولا عرضه (وماؤه أبيض) اسم تفضيل من الألوان وكفاك به شاهدا لجواز بنائه لفعل التعجب منها بدون أشد وأبلغ وإن منعه النحاة فيقال ما أبلغ زيد وهو أبيض (من اللبن) فهو لغة قليلة ولا يلزم من قتلها عدم فصاحتها لصدورها عن صدر الفصحاء وفي رواية لمسلم وماؤه أبيض من الورق (وريحه أطيب من) ريح (المسك) خصه لأنه أطيب الطيب ذكره القاضي وتلاه القرطبي جاء أبيض هنا على الأصل المرفوض والمستعمل الفصيح كما في الرواية الأخرى أشد بياضا من الثلج فلا معنى لقول من قال من النحاة لا يجوز التلفظ بهذه الأصول المرفوضة مع صحة هذه الروايات وشهرة تلك الكلمات (وكيزانه) التي يشرب بها منه (كنجوم السماء) في الإشراق والكثرة (من شرب منها) أي الكيزان (فلا يظمأ أبدا) وفي رواية لم يظمأ بعدها أبدا فإن قيل كل لذة لا تحقق بدواشتهاء وقد قال تعالى * (وفيها ما تشتهيه الأنفس) * وعدم الظمأ يمنع اشتهاء الشرب وتجدد اللذة تجدد نعم وأهل الجنة يتنعمون فكيف تنقطع شهوة الشرب عنهم قلنا يحمل الظمأ على البالغ المؤلم ولا ألم في دار النعيم فبقي عطش الإشتهاء قيل والحوض بعد الصراط قال الغزالي وهو غلط والصواب قبله والناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديمه اه‍ وخالفه القرطبي فقال الظاهر أنه بعد النجاة من النار وأهوال القيامة لأن من وصل إلى موضع فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يمنع عنه كيف يعاد إلى حساب أو يذوق تنكيلا (ق عن ابن عمرو) بن العاص لكنه لم يذكر البخاري وزواياه سواء ولا أبيض من اللبن بل هو لمسلم وزاد في روايته عن ابن عمرو عقب ما ذكر قال : وقالت أسماء بنت أبي بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليه منكم وسيؤخذ أناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم . 3766 (حوضي من عدن) بفتح العين والدال بضبط المصنف (إلى عمان) بضم العين وتخفيف الميم قربة باليمن لا بفتحها وشد الميم فإنها قرية بالشام وليست مرادة ، كذا ذكره جمع لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيت ضبطه فيها بفتح العين وشد الميم وفتحها (البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه) بباء موحدة في خط المصنف (عدد نجوم السماء) قال القاضي : إشارة إلى غاية الكثرة من قبيل خبر لا يضع العصا عن عاتقه واختار النووي أن المراد الحقيقة إذ لا مانع منه
[ 530 ]
وللقاضي أن ينازعه بأن الحو ض عرضه نحو ثلاثة أيام فالظاهر أن لا يسع من الأواني ما تسعه النجوم من السماء وأموال الآخرة غير معقولة فتفويض كيفية ذلك إلى علم الشارع أولى (من شرب منه شرب لم يظمأ بعدها أبدا) أي لم يعطش عطشا يتأذى به (أول الناس ورود عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات وتفتح لهم السدد) أي الأبواب احتقارا لهم وهذا السياق ربما يعطي اختصاصه بأمته فلا يرده غيرهم لكن قال في المطامح إلى أن الخصوصية بالنسبة للأولية فلهم صفوه ثم يرده غيرهم (ت) في الزهد (ك) في اللباس (عن ثوبان) قال الترمذي : غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة ورواه عنه أيضا ابن ماجه فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من الستة غير جيد . 3767 (حولها) يعني الجنة كذا هو بخط المصنف فما في نسخ من أنه حولهما بالتثنية تحريف وإن كان رواية (ندندن) أي ما ندندن إلا حول طلب الجنة والتعوذ من النار وهذا قاله لما قال لرجل ما تقول في الصلاة قال أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما والله ما أحسن من دندنتك ولا دندنة معاذ قال الزمخشري : الدندنة كلام أرفع من الهينمة تسمع نغمته ولا يفهم ويجوز كونه من الدنن التطامن وضمير حولها للجنة والنار فالمراد ما ندندن إلا لأجلها بالحقيقة لا مباينة بين ما ندعو به وبين دعائك (د عن بعض الصحابة ه عن أبي هريرة) ولا تضر جهالة الصحابي في الأول لأنهم عدول . 3768 (حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني) لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل بالمشاهدة بنفسها وبإخبار الملك بها وفيه سر يطلع عليه من تيسر له ذكره القاضي قال في الإتحاف : ويستثنى من هذا العموم الامكنة التي لا يذكر الله فيها كالأخلية فلا يصلى عليه فيها (طب) وكذا في الأوسط (عن الحسن بن علي) قال الهيثمي : وفيه حميد بن أبي زينب لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح قال السخاوي : وله شواهد . 3769 (حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار) هذا وارد على منهج التهكم نحو * (فبشرهم بعذاب أليم) * قاله لمن قال إن أبي كان يصل الرحم
[ 531 ]
وكان وكان فأين هو قال : في النار فكأنه وجد من ذلك فقال أين أبوك فذكره (ه عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن سعد) بن أبي وقاص . 3770 (حياتي) أي في الدنيا والأنبياء أحياء في قبورهم (خير لكم) أي حياتي في هذا العالم موجبة لحفظكم من الفتن والبدع والاختلاف والصحب وإن اجتهدوا في إدراك الحق لكن الأوفق الوفاق وغير المعصوم في معرض الخطأ (ومماتي) وفي رواية موتي (خير لكم) لأن لكل نبي في السماء مستقرا إذا قبض كما دلت عليه الأخبار فالمصطفى صلى الله عليه وسلم مستمر هناك يسأل الله لأمته في كل يوم لكل صنف فللمتهافتين التوبة وللتائبين الثبات وللمستقيمين الاخلاص ولأهل الصدق الوفاء وللصديقين وفور الحظ فبين بقوله ومماتي خير لكم عدم انقطاع النفع بالموت بل الموت في وقته أنفع ولو من وجه ومن فوائده فتح باب الاجتهاد وترك الإتكال والمشي على الاحتياط وغير ذلك فزعم البعض أنه لم يبين له كون موته خيرا جمود أو قصور (تنبيه) أخذ المقريزي من هذا الخبر ضعف حزم إمام الحرمين بأن ما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم باق على ملكه كما كان في حياته فإن الأنبياء أحياء قال : وهذا الخبر يرد عليه بل القرآن ناطق بموته قال تعالى * (إنك ميت وإنهم ميتون) * وقال إني امرؤ مقبوض (تتمة) استشكل بعضهم تركيب هذا الحديث فقال : أفعل التفضيل يوصل بمن عند تجرده ووصله بها غير ممكن هنا إذ يصير الكلام حياتي خير لكم من مماتي ومماتي خير لكم من حياتي وأجاب المؤلف بأن الإشكال إنما هو من ظن أن خير هنا أفعل تفضيل ولا كذلك فإن لفظة خير لها استعمالان أحدهما أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية وضدها الشر ، الثاني أن يراد بها معنى الأفضلية وهي التي توصل بمن وهذه أصلها أخير فحذفت همزتها تخفيفا فخيرفي هذا الحديث أريد بها التفضيل لا الأفضلية فلا توصل بمن وليست بمعنى أفضل وإنما المقصود أن في كل من حياته ومماته خيرا لا أن هذا خير من هذا ولا هذا خير من هذا (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) قال الحافظ العراقي في المغني إسناده ضعيف أي وذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ساقط عدم وما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب وقال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار ثم ساق له أخبارا هذا منها ورواه البزار باللفظ المزبور من حديث ابن مسعود وقال الحافظ العراقي : ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن خرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي ضعفه بعضهم انتهى فأعجب للمصنف كيف عدل العزو لرواية مجمع على ضعف سندها وأهمل طريق البزار مع كون رجاله رجال الصحيح ووقع له أعني المؤلف في تخريج الشفاء أنه عزا الحديث للحارث من حديث بكر بن عبد الله المزني وللبزار وأطلق تصحيحه وليس الأمر كما ذكر . 3771 (حياتي خير لكم تحدثون) بضم المثناة الفوقية أوله بخط المصنف (ويحدث) بضم الياء
[ 532 ]
وفتح الدال بخطه (لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإذا رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت) فيها (شرا استغفرت لكم) أي طلبت لكم مغفرة الصغائر وتخفيف عقوبات الكبائر ومن فوائد الموت أيضا عرض الملائكة صلاة من صلى عليه والتوجه في آن واحد إلى ما لا يحصى من أمور الأمة ولم يثبت ذلك في الحياومن فوائده أيضا الإثابة بالحزن بموته وتسهيل كل مصيبة بمصيبته والاعتبار بوالرحمة الناشئة من اختلاف الأئمة وارتفاع التشديد في التوقير ونحو ذلك ابن سعد) في الطبقات (عن بكر بن عبد الله) المزني بضم الميم وفتح الزاي وكسر النون (مرسلا) أرسل عن ابن عباس وغيره قال الذهبي : ثقة إمام وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره موصولا وهو ذهول فقد رواه البزار من حديث ابن مسعود قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح انتهى فأعجب له من قصور من يدعي الإجتهاد المطلق . 2 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [ أي حرف الحاء ] 3772 (الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت) الذي يصح فيه الإحرام بنسك (تغتسلان) غسل الإحرام بنيته حال الحيض أو النفاس مع أن الغسل لا يبيح لهما شيئا حرمه الحيضان بل يفعلانه تشبها بالمتعبدين رجاء مشاركتهم في نيل المثوبة (وتحرمان) بضم التاء ، والإحرام الدخول في النسك (وتقضيان) أي تؤديان (المناسك) أي أعمال الحج والعمرة (كلها) حال الحيض والنفاس (غير الطواف) أي إلا الطواف (بالبيت) فرضا أو نفلا وإلا ركعتي الطواف والإحرام فإن ذلك لا يصح مع الدم كما هو مبين في الفروع . (حم د عن ابن عباس) . 3773 (الحاج الشعث) مصدر الأشعث وهو المغبر الرأس (التفل) بمثناة فوقية وكسر الفاء أي الذي ترك استعمال الطيب من التفل وهو الريح الكريه من تفل الشئ من فيه رماه متكرها له يعني من هذه صفته فهو الحاج حقيقته الحج المقبول ، فاللائق به كونه أشعث أغبر رث الهيئة غير متزين ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب من المتكبرين المترهفين ويخرج من حزب الصالحين (ت) وكذا ابن ماجه خلافا لما يوهمه إفراد المصنف للترمذي بالعزو (عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه عنه أحمد قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح .
[ 533 ]
3774 (الحاج الراكب له بكل خف يضعه بعيره حسنة) يعني بكل خطوة تخطوها دابته التي يركبها وإنما خص البعير لأن الحاج غالبا إنما يكون عليه وهذا ترغيب عظيم في الحج وبيان لجزيل النوال فيه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي والماشي له بكل خطوة يخطوها سبعون حسنة انتهى فاقتصاره على بعضه من سوء التصرف وهذا صريح في تفضيل الحج ماشيا وصحح الشافعية مقابله لأدلة أخرى (فر عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة قال الذهبي : ضعفه ابن عدي ومحمد بمسلم الطائفي ضعفه أحمد ووثقه غيره . 3775 (الحاج في ضمان الله مقبلا) أي حجه ذاهبا إليه (ومدبرا) أي راجعا إلى وطنه يعني هو في حفظه في حال الذهاب والإياب جميعا وقضية تصرف المصنف أن ذا هو الحديث بكماله بل هو ذهول بل تمامه عند مخرجه الديلمي فإن أصابه في سفره تعب أو نصب غفر الله عز وجل له بذلك سيئاته وكان له بكل قدم يرفعه ألف درجة في الجنة وبكل قطرة تصبيه من مطر أجر شهيد اه‍ بلفظه فاقتصاره على بعضه بلا موجب تقصير (فر عن أبي أمامة) الباهلي . 3776 (الحاج والغازي وفد الله) عز وجل والوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد ويقصدون الكبراء للاسترفاد (إن دعوه) أي سألوه شيئا (أجابوه) أي أعطاهم سؤلهم (وإن استغفروه) أي طلبوا منه غفر ذنوبهم أي سترها (غفر لهم) حتى الكبائر في الحج وهذا إذا راعوا ما عليهم من الشروط والآداب التي منها كما قال الحرالي استطابة الزاد والاعتماد على رب العباد والرفق بالرفيق والظهير وتحسين الأخلاق والإنفاق في الهدي والإعلان بالتلبية وتتبع الأركان على ما تقتضيه الأحكام وإقامة الشعائر على معلوم السنة لا على معهود العادة وغير ذلك (ه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي قال : وفي الباب ابن عمر وغيره . 3777 (الحاج والمعتمر والغازي في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (والمجمع) أي مقيم الجمعة (في ضمان الله دعاهم) إلى طاعته (فأجابوه وسألوه فأعطاهم) إما سألوه ما عينه وإما ما هو خير منه وهو أعلم بما يصلح به عباده (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن جابر) بن عبد الله . 3778 (الحافي أحق بصدر الطريق من المنتعل) قال في الفردوس : الحافي الذي لا خف في
[ 534 ]
رجليه ولا نعل انتهى : أي فهو أحق بصدر الطريق لأنه أسهل عليه (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة ويحيى بن عثمان بن صالح وحديثهما حسن وفيهما ضعف . 3779 (الحباب) بالضم والتخفيف (شيطان) أي هو اسم شيطان من الشياطين قال الزمخشري اشترك الشيطان والحية في اسم الحباب كما اشتركا في الشيطان والحبان وابن فترة (ابن سعد) في الطبقات (عن عروة) بن الزبير العالم المتقن الثقة (وعن الشعبي) عامر بن شراحيل (وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة وأميرها (مرسلا) ظاهره أنه لم يقف عليه مسندا وهو قصور فقد رواه الطبراني من حديث خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي هذا ابنك قال : نعم قال : ما اسمه قال : الحباب قال : لا تسمه الحباب فإن الحباب شيطان . 3780 (الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء إلا الموت) قيل : هذا من العام المراد به الخاص والمراد كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم لأنها حارة يابسة (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) بن الحصيب ورواه الطبراني عن أسامة بن زيد قال الهيثمي : ورجاله ثقات . 3781 (الحجامة في الرأس هي المغيثة) أي تسمى المغيثة من الأمراض والأدواء (أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهودية) يعني الشاة التي سمتها له زينب اليهودية بخبير وقالت : إن كان نبيا لم يضره وإلا استرحنا منه ، قيل : قتلها وقيل : لا . وجمع : بأنه عفى عنها من حق نفسه فلما مات بعض صحبه من أكله منها قتلها به والحجامة إخراج الدم من صفحة القفا لا بالفصد ورد في حديث أن الملائكة أمرت المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يأمر بالحجامة قال التوربشتي : ووجه مبالغة الملائكة فيها سوى ما عرفوا فيها من المنفعة التي تعود إلى الأبدان أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السماوات والوصول إلى الكشوف الروحانية وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعا وخمودا ولينا ورقة وبذلك تنقطع الأدخنة الناشئة من النفس الأمارة وتنحسم مادتها فتزداد البصيرة نورا إلى نورها . (ابن سعد) في الطبقات (عن أنس) بن مالك . 3782 (الحجامة في الرأس يوم الثلاثاء لسبع عشرة) تمضي (من الشهر) أي شهر كان (دواء لداء سنة) أي لما يحدث في تلك السنة من الأمراض وفي خبر احتجموا يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي
[ 535 ]
صرف فيه عن أيوب البلاء ونص الأطباء على أن الحجامة في وسط الشهر أولى وبعد وسطه وبالجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر لأن الدم حينئذ يكون في نهاية التزايد بخلافه في أوله وآخره (ابن سعد) في الطبقات والديلمي (طب عد) من حديث زهير بن عباد عن سلام الطويل عن زيد العمي عن معاوية بن قرة (عن معقل بن يسار) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني : فيه زيد بن أبي الحواري العمي وهو ضعيف وقد وثقه الدارقطني وبقية رجاله رجال الصحيح اه‍ . وقال ابن جرير : هذا عندنا خبر واه لا يثبت في الدين بمثله حجة ولا نعلمه يصح لكن روي من كلام بعض السلف وقال ابن الجوزي موضوع وسلام وشيخه متروكان . وقال الذهبي في الضعفاء : سلام الطويل تركوه باتفاق وزيد العمي ضعيف متماسك . 3783 (الحجامة في الرأس) تنفع (من الجنون والجذام والبرص والأضراس) أي وجعها (والنعاس) أي تذهبه أو تخففه وإطلاق الرأس هنا قد ورد تقييده في خبر آخر بغير نقرة الرأس فإن الحجامة فيها تورث النسيان كما في الفردوس عن أنس مرفوعا (عق عن ابن عباس طب وابن السني في الطب) أي النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه مسلمة ابن سالم الجهيني ويقال مسلم بن سالم وهو ضعيف وفيه عند الطبراني إسماعيل بن شبيب أو ابن شيبة الطائفي قال في الميزان واه وأورد له مما أنكر عليه هذا الحديث وقال : قال النسائي منكر الحديث وفي اللسان عن ابن عدي أحاديثه غير محفوظة . 3784 (الحجامة في الرأ س شفاء من سبع) أي من سبعة أدواء (إذا ما نوى صاحبها) بها الاستشفاء بنية صالحة صادقة (من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينه) قال الأطباء : الحجامة في وسط الرأس نافعة جدا قال ابن حجر : وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلها وورد أنه احتجم في الأخدعين والكاهل خرجه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه وذكر الأطباء أن الحجامة على الأخدعين شفاء من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس وعلى ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث وحكة الأنثيين وعلى أسفل الصدر تنفع دماميل الفخذ وجربه وبثوره والنقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض (طب وأبو نعيم) في الطب
[ 536 ]
وكذا ابن عدي (عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه عمر بن رباح العبدي وهو متروك وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الفتح : حديث ضعيف وعمر بن رباح أحد رواته متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب . 3785 (الحجامة على الريق) أي قبل الفطر (أمثل وفيها شفاء وبركة) أي زيادة في الخير (وتزيد في الحفظ وفي العقل فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس) لفظ رواية الحاكم بعد قوله وبركة وهي تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظا فمن كان محتجما فليحتجم يوم الخميس (واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب نبيه (من البلاء) الذي ابتلاه به قال الطيبي : ظاهره يخالف الحديث المار أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ ولعله أراد به يوما مخصوصا وهو سابع عشر الشهر كما في حديث معقل المذكور (واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلى فيه أيوب) أي كان ابتداء إبلائه فيه (وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء) في الموجز من فوائد الحجامة تنقية العضو وقلة استفراغ جوهر الروح وهي على الساقين تقارب العضد وتدر الطمث وتصفي الدم وعلى القفا لنحو رمد وبخر قلاع وصداع خاصية ما كان في مقدم الرأس لكنها تورث النسيان قال ابن القيم : وتكره على الشبع لأنها تورث أمراضا (ك) في الطب (وابن السني وأبو نعيم) معا في الطب النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يصححه الحاكم وقال الذهبي : فيه عطاف وثقه أحمد وغيره وقال أبو حاتم : ليس بذلك انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح من جمع طرقه . 3786 (الحجامة تنفع من كل داء) من أدواء البدن (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فاحتجموا) أمر إرشاد لمن لاق بحاله ومرضه وقطره الحجامة قالوا خاطب بالحجامة أهل الحجاز ومن في معناهم من ذوي البلاد الحارة فإن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة الخارجة بها إلى سطح البدن (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن حمدان قال الذهبي في الذيل : قال أبو أحمد الحاكم رأيتهم يكذبونه .
[ 537 ]
3787 (الحجامة يوم الأحد شفاء) من الأمراض وتخصيص يوم الأحد لسر علمه الشارع (فر عن جابر بن عبد الملك ابن حبيب في الطب النبوي عن عبد الكريم) بن الحارث (الحضرمي) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى حضرموت من أقصى بلاد اليمن (معضلا) هو المصري العامد واعلم أن الديلمي خرج الحديث في الفردوس من حديث جابر مرفوعا فاقتصار المصنف على رواية إعضاله تقصير أو قصور ثم إن فيه المنكدر بن محمد قال الذهبي : اختلف قول أحمد وابن معين فيه وقد وثق . 3788 (الحجامة تكره) تنزيها كراهة إرشادية لا شرعية (في أول الهلال ولا يرجى نفعها حتى ينقص الهلال) لأن الأخلاط في أول الشهر لا تكون تحركت وهاجت وفي وسطه تكون هائجة تابعة في مزيدها لتزايد النور في جرم القمر (ابن حبيب) في الطب النبوي (عن عبد الكريم الحضرمي معضلا) . 3789 (الحجاج والعمار) أي المعتمرون قال الزمخشري : لم يجئ فيما أعلم عمر بمعنى اعتمر لكن عمر الله إذا عبده فيحتمل أن يكون العمار جمع عامر من عمر بمعنى اعتمر وإن لم نسمعه ولعل غيرنا سمعه وأن يكون مما استعمل منه في بعض التصاريف دون بعض كما قيل يذر ويدع (وفد الله دعاؤهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) ساء لهم وهذا في حج مبرور وعمرة كذلك كما مر التنبيه عليه قال الزمخشري : والوفد الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترقاد وغير ذلك . (البزار) في المسند (عن جابر) ابن عبد الله قال الهيثمي : رجاله ثقات . 3790 (الحجاج والعمار وفد الله يعطيهم ما سألوه ويستجيب لهم ما دعوا ويخلف عليهم ما أنفقوا) في الحج والعمرة (الدرهم) الواحد (ألف ألف) درهم لأن الحج أخو الجهاد في المشقة والنزوح عن الوطن والأجر على قدر النصب ومن ثسماه النبي صلى الله عليه وسلم أحد الجهادين وضم إليه العمرة التي هي الحج الأصغر لمشاركتها في إظهار فخاره وإعلاء مناره (هب) من حديث ثمامة البصري عن ثابت (عن أنس) ثم قال : أعني البيهقي ثمامة غير قوي اه‍ فحذف المصنف لذلك من كلامه غير صواب
[ 538 ]
وثمامة هذا قال أبو حاتم : منكر الحديث وفيه أيضا محمد بن عبد الله بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن منده مجهول 3791 (الحجاج والعمار وفد الله إن سألوا أعطوا) بالبناء للمجهول أي أعطاهم الله (وإن دعوا أجابهم) إلى ما طلبوه (وإن أنفقوا) المال (أخلف لهم) ما أنفقوه (والذي نفس أبي القاسم بيده) أي بقدرته وتصرفه (ما كبر مكبر) في حج أو عمرة (على نشز) بنون وشين معجمة وزاي أي ارتفع على رابية في سفره (ولا أهل مهل على شرف) بالتحريك أي محل عال (من الأشراف) أي من الأماكن العالية (ألا أهل ما بين يديه) أي أمامه وعن يمينه وشماله ومدر وغيرهما (وكبر) كل ذلك ويستمر ذلك كذلك (حتى تنقطع به منقطع التراب) في المصباح منقطع الشئ بصيغة اسم مفعول حيث ينتهي طرفه كمنقطع الوادي والرمل والطريق والمنقطع بالكسر الشئ بنفسه فهو اسم عين والمفتوح اسم معنى (هب عن ابن عمرو) بن العاص وفيه بكر بن بكار أورده الذهبي في الضعفاء وقال النسائي غير ثقة ومحمد أبي حميد قال الذهبي : ضعفوه . 3792 (الحج) قال الحرالي : وهو حشر الخلائق من الأقطار للوقوف بين يدي الغفار في خاتمة منيتهم ومشارفة وفاتهم لتكون لهم آمنة من حشر ما بعد مماتهم فكمل به بناء الدين وفرض في آخر سني الهجرة اه‍ (سبيل الله تضعف فيه النفقة بسبعمائة ضعف) فيه إعلام بفضيلة النفقة في الحج الأكبر والأصغر يلحق به وهو العمرة وبيان عظيم فضله كيف وقد جعلت مواقفه أعلاما على الساعة والحج آية الحشر وأهل الحشر * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) * (سمويه عن أنس) ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي بلفظ الحج من الجهاد ونفقته تضاعف سبعمائة ضعف . 3793 (الحج المبرور) أي المقابل بالبر ومعناه المقبول وهو الذي لا يخلطه شئ من الإثم ومن علامة القبول أنه برجع خيرا مما كان ولا يعاود والمعاصي (ليس له جزاء إلا الجنة) أي إلا الحكم له بدخول الجنة فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخلها أي مع السابقين أو بغير عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يحج . (طب عن ابن عباس حم عن جابر) قال الهيثمي فيه
[ 539 ]
محمد بن ثابت وهو ضعيف اه‍ وقضية تصرف المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ له العدول عنه وهو ذهول فقد رواه الشيخان باللفظ المزبور وزادا عقبه والعمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما اه‍ بلفظه . 3794 (الحج عرفة) مبتدأ وخبر على تقدير مضاف من الجانبين أي معظمه أو ملاكه الوقوف بها لفوت الحج بفوته ذكره البيضاوي وقال الطيبي : تعريفه للجنس وخبره معرفة فيفيد الحصر نحو * (ذلك الكتاب) * (من جاء قبل طلوع الفجر من ليلة الجمع) أي ليلة المزدلفة وهي ليلة العيد سميت ليلة جمع لأنه يجمع صلواتها (فقد أدرك الحج) أي من أدرك الوقوف ليلة النحر قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج لأن وقت الوقوف بعرفة من زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر وبه قال عامة العلماء وقال مالك من فاته الوقوف نهاره فاته الحج (أيام منى ثلاثة) هي الأيام المعدودات وأيام التشريق ورمي الجمار وهي الثلاثة بعد النحر (فمن تعجل) النفر (في يومين) أي اليومين الأولين (فلا إثم عليه) في تعجيله وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمى اليوم الثالث وتعجل جاء لازما ومتعديا (ومن تأخر) عن النفر في الثاني من التشريق إلى الثالث حتى نفر فيه (فلا إثم عليه) في تأخيره بل هو أفضل والتخيير هنا وقع بين الفاضل والأفضل (حم 4 ك) كلهم في الحج (هق) كلهم (عن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح المثناة التحتية وسكون المهملة وفتح الميم الديلي بكسر الدال المهملة وسكون التحتية صحابي نزل الكوفة قال : إن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى الحج عرفة ولم يضعفه أبو داود . 3795 (الحج والعمرة فريضتان) رواه الحاكم في رواية على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتهم طوافهم (لا يضرك بأيهما بدأت) أي بالحج أو بالعمرة واعلم بأنه قد قام إجماع الأمة على ما نطق به هذا الحديث من فريضة الحج وذلك لأن الاستطاعة صفة موجودة بالمطيع وهي القدرة فكل من قدر على الوصول بحوله وقوته اللذين خلقهما الله له في ذاته فهو قادر مستطيع ومن لم يقدر على ذلك بحوله وقوته لكن يقدر بحيلته وهي تحصيل الأسباب بالمال ففيه خلاف بين الأئمة والجمهور على اللزوم لأنه مطيق بوجه من الإطاقة اعتبره الشرع وجعله بمنزلة القدرة القائمة بالذات في عبادات الشرع كلها من
[ 540 ]
الطهارة في الصلاة وسننها فكذا الحج وأما العمرة فأخذ أحمد والشافعي بقضية هذا الحديث فأوجباها وقال أبو حنيفة ومالك : لا تجب (ك) وكذا الدارقطني (عن زيد بن ثابت) قال ابن حجر : سنده ضعيف والمحفوظ عن زيد بن ثابت موقوف أخرجه البيهقي بسند صحيح اه‍ . (فر) في الحج (عن جابر) وقال الصحيح موقوف وقال الذهبي في التنقيح : هذا الحديث إسناده ساقط . 3796 (الحج جهاد كل ضعيف) لأن الجهاد تحمل الآلام بالبدن والمال وبذل الروح والحج تحمل الآلام بالبدن وبعض المال دون الروح فهو جهاد أضعف من الجهاد في سبيل الله فمن ضعف عن الجهاد لعذر فالحج له جهاد (ه) وكذا أحمد والقضاعي من حديث أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عن أم سلمة) قال السخاوي : ورجاله ثقات يحتج بهم في الصحيح لكن لا يعرف لأبي جعفر سماع من أم سلمة اه‍ وبما ذكره صرح الترمذي فإنه أورده في العلل عن أم سلمة اه‍ . ثم ذكره أنه سأل عنه البخاري فقال : إنه مرسل لأنه من حديث محمد بن علي عن أم سلمة وهو لم يدركها اه‍ . 3797 (الحج جهاد) كتب المصنف على الحاشية في رواية فريضة (والعمرة تطوع) تمسك به من لم يوجب العمرة وقال : هي مندوبة والشافعي كالجمهور علي الوجوب لأدلة أخرى (ه عن طلحة بن عبيد الله طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب وقال الذهبي في المهذب : متروك وفي المطامح : فيه ماهان ضعيف وقال ابن حبان وابن حجر خرجه ابن ماجه عن طلحة وهو ضعيف والبيهقي عن ابن عباس وقال : لا يصح من ذلك شئ . 3798 (الحج قبل التزويج) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ التزوج بدون الياء ولا أصل له في نسخته أي هو مقدم عليه لاحتمال أن يشغله التزوج عنه وذهب ذاهبون إلى أن الأولى تقديم التزوج على الحج ليكون فكرة مجتمعا تمسكا بأدلة أخرى وكأنهم لم يبالوا بهذا الحديث لشدة ضعفه إن سلم عدم وضعه ولهذا قال ابن المنير عند قول البخاري باب من أحب أن يتزوج قبل الغزو ما نصه يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج بل الأولى أن يتعفف ثم يحج هذه عبارته وحكاه عنه ابن حجر وأقره ولو كان في الحديث نوع تماسك لما ساغ لهما التعبير بهذه العبارة (فر عن أبي هريرة) وفيه غياث بن إبراهيم قال الذهبي : تركوه وميسرة ابن عبد ربه قال الذهبي : كذاب مشهور .
[ 541 ]
3799 (الحجر الأسود) ويسمى الركن الأسود وهو ركن الكعبة الذي في الباب من جانب الشرق وارتفاعه من الأرض الآن ذراعان وثلث ذراع على ما ذكره الأزرقي وبينه وبين المقام ثمانية وعشرون ذراعا (من الجنة) حقيقة أو بمعنى أنه لما له من الشرف واليمن يشارك جواهر الجنة فكأنه منها قال القاضي : لعل هذا الحديث جار مجرى التمثيل والمبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة وما فيه من اليمن والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض منها مسودا فكيف بقلوبهم أو من حيث أنه مكفر للخطايا محاء للذنوب كأنه من الجنة ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم كان ذا بياض شديد فسودته الخطايا هذا وإن احتمال إرادة الظاهر غير مدفوع عقلا ولا سمعا واله أعلم بالحقائق قال المظهر : وفي الحديث فوائد منها امتحان إيمان الرجل فإن كان كاملا يقبل هذا فلا يتردد وضعيف الإيمان يتردد والكافر ينكر ومنها التخويف فكان الرجل إذا علم أن الذنوب تسود الحجر يحترز منه لئلا يسود بدنه بشؤمه ومنها التحريض على التوبة ومنها الترغيب في مسح الحجر لتنقل الذنوب إليه قال ابن العربي هذا لا يؤمن به إلا من كان سنيا والقدرية تنكره من وجهين أحدهما أن الجنة بعد لم تخلق ، الثاني أنه زاد في عدة أخبار أن الخطايا تسوده وهي لا تسود ولا تبيض حقيقة ولا توليدا وقد أقمنا الأدلة الواضحة على أن الجنة مخلوقة الآن وأن تعلق السواد بالأبيض والبياض في الأسود غير مستنكر في القدرة (حم عن أنس) بن مالك (ن عن ابن عباس) . 3800 (الحجر الأسود من حجارة الجنة) يحتمل ما تقرر من الحقيقة أو المجاز ويحتمل أيضا أن معناه بعد خراب هذا العالم ينقل إلى الجنة فيكون فيها تشريفا له . (فائدة) في تذكره المقريزي عن ابن جبير أن ارتفاع الكعبة بين الركن اليماني والحجر الأسود سبع وعشرون ذراعا وسائر الجوانب ثمان وعشرون بسبب انصباب السطح إلى الميزاب وارتفاع الباب من الأرض أحد عشر شبرا ونصفا وغلظ الحائط الذي ينطوي عليه الباب خمسة أشبار وقام البيت على ثلاثة أعمدة بين كل عمودين أربع خطا ومن الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى الركن اليماني أربعة وخمسون شبرا ومن اليماني إلى الشامي ثمانية وأربعون شبرا ودور الحجر من الركن إلى الركن أربعون خطوة وهي مائة وعشرون شبرا ومن جدار البيت وسطصحن الحجر إلى جدار الحجر أربعون شبرا وعمق بئر زمزم أحد عشر قامة وعمق الماء سبع قامات ودور البئر أربعون شبرا وارتفاع سور البئر أربعة أشبار ونصف وفي الحجر الأسود على يمين المستلم له نقطة بيضاء صغيرة مشرقة تلوح كأنها خال في تلك الصفحة وفي هذه الشامة البيضاء أثران النظر إليهما يجلو البصر اه‍ (سمويه عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن أنس وكذا الطبراني في الأوسط والبزار والسند ضعيف .
[ 542 ]
3801 (الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك) حقيقة أو مجازا للمبالغة في التعظيم وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض مسودا ولأنه من حيث كونه مكفرا للخطايا كأنه منها ومن كثرة تحمله لأوزارنا كأنه ذو بياض فسودته الذنوب قال الطبري : وفي بقائه أسود عبرة لمن تبصر فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر ففي القلب أشد وروى الجنيد في فضائل مكة بسند ضعيف عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة (حم عد هب عن ابن عباس) . 3802 (الحجر الأسود من حجارة الجنة وما في الأرض من الجنة غيره وكان أبيض كالماء) أي في صفائه وإلا فهو لا لون له على الأصح (ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برئ) فيه التحريض على التوبة والتحذير من شؤم الذنوب والترغيب في مس الحجر لينالوا بركته فتنتقل ذنوبهم من أبدانهم إليه ذكره القاضي (تنبيه) في الروض عن الزبير بن بكار حكمة كون الخطايا سودته دون غيره من حجارة الكعبة وأستارها إلى العهد الذي أخذه الله على ذرية بني آدم أن لا يشركوا به كتبه في صك وألقمه الحجر الأسود كما ورد في رواية فالعهد الذي فيه هي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد وكل مولود يولد على ذلك الميثاق حتى يسود قلبه بالشرك لما حال عن العهد فصار ابن آدم محلا لذلك العهد والحجر محلا لما كتب فيه العهد فتناسب فاسود قلب ابن آدم من الخطايا بعد ما ولد عليه من ذلك العهد واسود الحجر بعد بياضه وكانت الخطايا سبب في ذلك (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام كثير . 3803 (الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين يبعث يوم القيامة مثل أحد) في المقدار (يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا) قال المظهر : لما كان الياقوت من أشرف الأحجار كان بعد ما بين ياقوت هذه الدار الفانية وياقوت الجنة أكثر ما بين الياقوت وغيره من الأحجار أعلمنا أنه من ياقوت الجنة ليعلم أن المناسبة الواقعة بينه وبين أجزاء الأرض في الشرف
[ 543 ]
والخاصية كما بين ياقوت الجنة وسائر الأحجار . وقال الطيبي : هذا ليس بتشبيه ولا استعارة بل من قبيل القلم أحد اللسانين فمن في من ياقوت بيانية والياقوت نوعان متعارف وغيره وذا من غير المتعارف ولذلك أثبت له ما ليس للمتعارف . (تنبيه) في البخاري أن عمر قبل الحجر وقال : إني أعلم أنك لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك فقيل : إنما قال ذلك لأنه لم يبلغه هذا الخبر ونحوه وقال الطبري : إنما قاله لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأوثان فخاف أن يطن الجاهل أن استلامه تعظيم للأحجار كما كانوا يفعلونه في الجاهلية فأعلمهم بأن استلامه إنما هو اتباع وأنه لا يضر ولا ينفع بذاته بل بأمر الله (ابن خزيمة عن ابن عباس) . 3804 (الحجر يمين الله في الأرض يصافح به عباده) أي هو بمنزلة يمينه ومصافحته فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه (خط وابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن جابر) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه إسحاق بن بشير كذبه ابن أبي شيبة وغيره وقال الدارقطني : هو في عداد من يضع وقال ابن العربي : هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه . 3805 (الحجر يمين الله) أي يمنه وبركته أو من باب الاستعارة التمثيلية إذ من قصد ملكا أم بابه (فمن مسحه فقد بايع الله) أي صار بمنزلة من بايعه كما تقرر واعلم أن هذا الحديث لم أر الديلمي ذكره بهذا السياق بل لفظه الحجر يمين الله فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله عز وجل أن لا يعصيه (فر عن أنس) وفيه علي ابن عمر العسكري أورده الذهبي في الضعفاء وقال : صدوق ضعفه البرقاني والعلاء بن سلمة الرواس قال الذهبي : متهم بالوضع (الأزرقي) في تاريخ مكة (عن عكرمة) مولى ابن عباس موقوفا . 3806 (الحجر الأسود نزل به ملك من السماء) هذا يبعد إرادة المجاز ويقرب الحقيقة (تتمة) قال المصنف في الساجعة الحجر الأسود بتقبيله تبيض الوجوه ويسعد من يؤمه ويرجوه هو يمين الله في بلاده يصافح بها من أمه من عباده عنده تنسكب العبرات وتذهب الحسرات . طف واستلم ركنا لأشرف منزل * واخضع وذل تفز بكل مؤمل (الأزرقي) في تاريخ مكة (عن أبي) بن كعب .
[ 544 ]
3807 (الحدة تعتري خيار أمتي) أي تمسهم وتعرض لهم النشاط والسرعة في الأمر والمراد هنا الصلابة في الدين (طب) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن ابن عباس) أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح وفيه آفات سلام الطويل متروك والفضل بن عطية والبلاء فيه منه . 3808 (الحدة تعتري حملة القرآن) وفي رواية للديلمي جماع القرآن (لعزة القرآن في أجوافهم) فيحملهم ذلك على المبادرة بالحدة قهرا فينبغي للواحد منهم الاستقامة في نفسه وكفها عن التعزز بسطوة القرآن لأن العزة للرب الأعلى لا للعبد الأدنى ذكره الحرالي (عد عن معاذ) بن جبل وفيه وهب بن وهب بن كثير قال في الميزان : قال ابن معين يكذب وقال أحمد : يضع ثم سرد له أخبارا أختمها بهذا ثم قال : وهذه أحاديث مكذوبة . 3809 (الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي) أي خيارهم والمراد أمة الإجابة وذا غالبي بشاهد المشاهدة (وأبرارها ثم تفئ) أي ترجع يقال إذا رجع يعني فلا تجاوزهم إلى غيرهم (فر) من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي (عن أنس) وبشر هذا قال الذهبي : قال الدارقطني متروك . 3810 (الحديث عني ما تعرفون) أي الذي تعرفونه بأن تلين له قلوبكم وأبشاركم كما يفسره الخبر السابق والمراد إذا حدث عني بحديث فإن عرفته قلوبكم فهو حديثي الحق وإلا فلا (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه صالح بن كيسان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ثقة رمي بالقدر ولم يصح عنه ورواه أيضا الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي : وفيه روح ابن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وضعفه ابن عدي وبقية رجاله ثقات . 3811 (الحرائر صلاح البيت والإماء فساد البيت) لأن الإماء مبتذلات خارجات غالبا والحرة إذا تعودت ملازمة الخدر لا يقوم بإصلاح شأن الرجل وإقامة ناموس نظامه إلا هي قال الشاعر : إذا لم يكن في منزل المرء حرة * تدبره ضاعت عليه مصالحه
[ 545 ]
(فر عن أبي هريرة) قال السخاوي وغيره : وفيه متروك . 3812 (الحرب خدعة) (1) بفتح فسكون أو فضم أي هي خدعة واحدة من تيسرت له حق له الظفر وبضم فسكون أي هي خداعة للمرء بما تخيل إليه وتمنيه فإذا لابسها وجد الأمر بخلاف ما تخيله وبضم ففتح كهمزة ولمزة صيغة مبالغة وبفتحتين جمع خادع وبكسر فسكون أي تخدع أهلها أو هي محل الخداع وموضعه ومظنته قال النووي : وأفصح اللغات فيها فتح الخاء وسكون الدال وهي لغة النبي قيل : والتاء للدلالة على الوحدة أو الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة أو الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة وقال العسكري : أراد بالحديث أن المماكرة في الحرب أنفع من الطعن والضرب والمثل السائر إذا لم تغلب فاخلب أي اخدع وهذا قاله في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود مخذلا بين قريش وغطفان واليهود ذكره الواقدي وتكون بالتورية واليمين وإخلاف الوعد قال النووي : اتفقوا على حل خداع الكفار في الحرب كيف كان حيث لا نقض عهد ولا أمان فينبغي قدح الفكر وإعمال الرأي في الحرب حسب الاستطاعة فإنه فيها أنفع من الشجاعة وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال قال الحرالي والحرب مدافعة بشر عن اتساع المدافع بما يطلب منه الخروج فلا يسمح به ويدافع عنه بأشد مستطاع (حم ق د ت) في الجهاد (عن جابر) بن عبد الله (ق عن أبي هريرة حم عن أنس) بن مالك (د عن كعب) بن مالك الأنصاري (ه عن ابن عباس وعن عائشة) قالت : إن نعيم بن مسعود قال : يا نبي اله إني أسلمت ولم أعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت فقال : إنما أنت فينا كرجل واحد فخادع إن شئت فإنما الحرب خدعة (البزار) في مسنده (عن الحسين بن علي طب عن الحسين) بن علي (وعن زيد بن ثابت وعبد الله بن سلام وعوف بن مالك) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما أراد سفرا أو غزوة إلا ترى بغيرها
[ 546 ]
قال : وكان يقول الحرب خدعة (وعن نعيم بن مسعود) الأشجعي (وعن النواس بن سمعان) الكلابي الصحابي (ابن عساكر عن خالد بن الوليد) وهو متواتر . (1) بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال وبضمها مع فتح الدال والأول أفصح وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه يعني الحرب الكامل إنما هو المخادعة لا المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير حظر وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال ابن العربي : الخداع في الحرب يقع بالتعويض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله الحج عرفة . 3813 (الحرير ثياب من لا خلاق له) أي من لا حظ له ولا نصيب في الآخرة والخلاق النصيب الوافر والمراد الرجال العقلاء (طب عن ابن عمر) ورواه عنه الديلمي ثم قال : وفي الباب حفصة وأبو هريرة 3814 (الحريص) هو (الذي يطلب المكسبة من غير حلها) فمن طلبها من وجه حل لا يسمى حريصا بل حازما عاقلا فإن الله خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في المكاسب فإن فضيلة القوة الشهوية تطالبه بالمكاسب التي تنميه وفضيلة القوة الغضبية تطالبه بالمجاهدات التي تحميه وفضيلة القوة الفكرية تطالبه بالعلوم التي تهديه فحقه أن يتأمل قوته فيسعى بحسبها فإذا كانت قوته لاكتساب المال واكتسبه من وجه حل لا يسمى حريصا بل هو محمود على ذلك إذ الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية وكل هيئة بل كل عضو ترك واستعماله يبطل كالعين إذا غمضت واليد إذا عطلت ولذلك وضعت الرياضة في كل شئ ولما جعل الله للإنسان قوة التحريك لم يجعل له رزقا إلا بسعي منه لئلا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك وقد أفاد هذا الخبر أن الاعتبار في تناول الدنيا والاستكثار منها والاستقلال والزهد فيها والرغبة ليس بتناول القليل بل بتناولها من حيث ما يجب ووضعها كما يجب ، قال علي كرم الله وجهه : لو أخذ رجل جميع ما في الأرض وأراد به وجه الله سمى زاهدا ولو ترك جميع ما فيها ولم يرد بتركه وجه الله لم يسم زاهدا ولا كان لله في ذلك عابدا فليكن أخذك ما تأخذه وتركك ما تتركه لله لا لغيره (طب عن واثلة بن الأسقع) . 3815 (الحزم) قال الزمخشري : هو ضبط الأمر واتقانه والحذر من قوته وقال الطيبي ضبط الإنسان أموره وأخذه بالتقية (سوء الظن) بمن يخاف شره يعني لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم والحزم والحزامة جودة الرأي في الحذر قالوا : وذوي الحجى والنهى يرجح جانب الحزم في كل شئ لأن من وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وعليه معظم أساس قاعدة العارفين في معاملتهم للنفس الأمارة ومعظم مكائد الحروب قال الطيبي : ولو لم يكن للحازم سوى قوله تعالى * (من خشي الرحمن بالغيب) * لكفى يعني بلغ من حزمه أنه يخاف من هو واسع الرحمة جدا فكيف خشيته من وصف بالقهارية (أبو الشيخ في الثواب عن علي ،) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا (القضاعي) في مسند الشهاب
[ 547 ]
(عن عبد الرحمن بن عائد) بمثناة تحتية ومعجمة قال العامري في شرحه : صحيح وأقول فيه علي بن الحسن بن بندار قال الذهبي في ذيل الضعفاء : اتهمه ابن طاهر أي بالوضع وبقية وقد مر ضعفه والوليد بن كامل قال في الميزان : ضعفه أبو حاتم والأزدي وقال البخاري : عنده عجائب وساق هذا منها (تنبيه) قد نظم بعضهم معنى هذا الحديث فقال : لا تترك الحزم في شئ تحاذره * فإن سلمت فما في الحزم من بأس العجز ذل وما في الحزم من ضرر * وأحزم الحزم سوء الظن بالناس وقال بعضهم : ولقد بلوت الناس في أحوالهم * وحككت إبرين القلوب بميلق فرأيت غشا في البواطن كامنا * وظواهرا تبدو بحسن تملق فقبضت كفي من تمني خيرهم * ودعوت ربي بعدها لا نلتق وقال بعضهم : ولقد بلوت الناس أطلب منهم * أخا ثقة عند اشتداد الشدائد فلم أر فيما جاءني غير شامت * ولم أر فيما سرني غير حاسد ولبعضهم : وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي * فأدبني هذا الزمان وأهله وقال الخرائطي : احذر صديقك لا عدوك إنما * جمهور سرك عند كل صديق وقيل لمعاوية : ما بلغ من عقلك قال : ما وثقت بأحد قط . 3816 (الحسب المال والكرم التقوى) أي الشئ الذي يكون فيه الإنسان عظيم القدر عند الناس هو المال والذي يكون به عظيما عند الله هو التقوى والتفاخر بالآباء ليس واحدا منهما فلا فائدة له أو المراد أن الغني يعظم ما لا يعظم الحسيب فكأنه لا حسب إلا المال وأن الكريم هو المتقي لا من يجود بماله ويخاطر بنفسه ليعد جوادا شجاعا وقيل : أصل الكرم كثرة الخير فلما كان المتقي كثير الخير كثير العوائد والفوائد في الدنيا وله الدرجات العلى في العقبى كان أعم الناس كرما فكأنه لا كرم إلا التقوى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * وقال الزمخشري : الحسب ما يعد مآثره ومآثر آبائه فالمراد أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ولا يحتفل به ومن حسب له إذا أثرى جل في العيون اه‍ . وقال العامري في شرح الشهاب : أشار بالخبر إلى أن الحسب الذي يفتخر به أبناء الدنيا اليوم المال فقصد ذمهم بذلك حيث
[ 548 ]
أعرضوا عن الأحساب الخفية ومكارم الأخلاق الدينية ألا ترى أنه أعقبه بقوله والكرم التقوى والتقوى تشمل المكارم الدينية والشيم المرضية التي فيها شرف الدارين (تنبيه) قال الراغب المال إذا اعتبر بكونه أحد أسباب الحياة الدنيوية فهو عظيم الخطر وإذا اعتبر سائر المقتنيات فهو صغير الخطر إذ هو أحسن المقتنيات فالمال من الخيرات المتوسطة لأنه كما يكون سببا للخير قد يكون سببا للشر لكن لما كان غالبا يوجب كرامة أصحابه وتعظيم أربابه حتى صدق القائل : الناس أعداء لكل مدقع * صفر اليدين وأخوة للمكثر وحتى قيل : رأيت ذا المال مهيبا وأستصوب قول طلحة في دعائه : اللهم ارزقني مجدا ومالا ولا يصلح المجد إلا بالمال ولا المال إلا بالمجد ونظمه المتنبي فقال : فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله * ولا مال في الدنيا لمن قل مجده (حم ت) في التفسير (ه) في الزهد (ك) في النكاح (عن سمرة) بن جندب وقال الترمذي : صحيح اه‍ . وقال الحاكم : على شرط البخاري وأقره الذهبي لكن قيل : إنه من حديث الحسن عن سمرة وقد تكلموا في سماعه منه . 3817 (الحسد) أي المذموم وهو تسخط قضاء الله والاعتراض عليه (يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) لأنه اعتراض على الله فيما لا عذر للعبد فيه لأنه لا يضره نعمة الله على عبده والله لا يعبث ولا يضع الشئ بغير محله فكأنه نسب ربه للجهل والسفة ومن لم يرض بقضائه فليطلب ربا سواه والحاسد معاقب في الدنيا بالغيظ الدائم والآخرة بإحباط الحسنات ومن ثم كان من الكبائر قال القاضي تمسك به من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي كالمعتزلة وأجيب بأن المعنى أن الحسد يذهب حسناته ويتلفها عليه بأن يحمله على أن يفعل بالمحسود من إتلاف مال وهتك عرض وقصد نفس ما يقتضي صرف تلك الحسنات بأسرها في عرضه وقال الطيبي : الأكل هنا استعارة لعدم القبول وأن حسناته مردودة عليه وليست بثابتة في ديوان عمله الصالح حتى يحبط واستثنى الحسد في نعمتي كافر وفاجر يستعين بها على فتنة أو فساد (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والصلاة نور المؤمن) أي ثوابها يكون نورا للمصلي في ظلمة القبر أو على الصراط أو فيهما (والصيام جنة من النار) بضم الجيم أي وقاية من نار جهنم فلا يدخل صاحبه النار إلا تحلة القسم ولعل المراد الإيمان الكامل (ه عن أنس) قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف وقال البخاري : لا يصح لكنه في تاريخ بغداد بسند حسن اه‍ . 3818 (الحسد في اثنتين) يعني الحسد الذي لا يضر صاحبه ليس إلا في خصلتين أو طريقتين
[ 549 ]
أي في شأنهما أحدهما (رجل آتاه الله القرآن) أي حفظه وفهمه (فقام به) أي بتلاوته في الصلاة والعمل بما فيه وأحل حلاله وحرم حرامه) بأن فعل الحلال وتجنب الحرام (ورجل آتاه الله مالا) أي حلالا كما يفيده السياق (فوصل به أقرباءه ورحمه) عطف خاص على عام (وعمل بطاعة الله) كأن تصدق منه وأطعم الجائع وكسى العاري وأعان الغازي وغير ذلك من وجوه القرب (تمنى أن يكون مثله) من غير تمني زوال نعمة ذلك عنه فالحسد حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال نعمة الغير والمجازي تمني مثلها ويسمى غبطة وهو مباح في دنيوي مندوب في أخروي وخص هذين لشدة اعتنائه بهما كأنه قال لا غبطة أكمل ولا أفضل منها فيهما قال العلائي : وبينهما نوع تلازم لأن المرء مجبول على حب المال وحبه للرياسة والجاه بالعلم أشد فالنفس تدعوه لكثرة المال وعدم إنفاقه خوف الفقر وللتصنع بالعلم المأخوذ من القرآن ليتقدم على غيره فإذا وفق لقهر نفسه ببذل المال في القرب والقيام بحق العلم فجدير بأن يغيظ ويتمنى مثل حاله (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه روح ابن صلاح ضعفه ابن عدي وقواه غيره وخرجه الجماعة كلهم بتفاوت قليل ولفظهم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آتاه الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آتاه الليل والنهار . 3819 (الحسد) أي المذموم وهو تمني زوال نعمة الغير (يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) قال الغزالي : الحسد هو المفسد للطاعات الباعث على الخطيئات وهو الداء العضال الذي ابتلي به كثير من العلماء فضلا عن العامة حتى أهلكهم وأوردهم النار وحسبك أن الله أمر بالاستعاذة من شر الحاسد فقال : * (ومن شر حاسد إذا حسد) * كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان فانظر كم له من شر وفتنة حتى أنزله منزلة الشيطان والساحر وينشأ عن الحسد إفساد الطاعات وفعل المعاصي والشرور والتعب والهم بلا فائدة وعمى القلب حتى لا يكاد يفهم حكما من أحكام الله والحرمان والخذلان فلا يكاد يظفر بمراد نفس دائم وعقل هائم وغم لازم اه‍ وزعم بعضهم أنه لا حيلة للمحسود في إزالة حسد الحاسد فإن سعى فيه ضاع سعيه كما قال : كل العداوة قد ترجى إزالتها * إلا عداوة من عادك في الحسد ويكفي في قبح الحسد كما في الإحياء أنه أول ذنب عصى الله به لأن إبليس لم يحمله على ترك السجود إلا الحسد كما أن قابيل لم يحمله على قتل هابيل إلا الحسد وقد عم وقوعه وطم قال في المنهاج ولا حيلة في دفعه حتى أعرف بعض الناس بذل جهده في استجلاب دواعي التآلف وأسباب كف
[ 550 ]
التنكر مع شخص من أقرانه فلم يجد ولم يفد (تنبيه) قالوا : كلما عظمت النعمة على العبد كثرت حساده وعظمت الشماتة فيه وأقول كما قال شيخنا الشعراوي من أعظم نعم الله علي أن حكمي بين الحسدة كبهلوان يمشي علي الحبل بقبقاب وجميع الأعداء والحساد والمتعصبين من أهل مصر واقفون تحتي ينتظرون لي زلفة لأنزل إلى الأرض متقطعا فما تغيب الشمس علي أو تطلع كل يوم وأنا لم أقع في شئ يشمتون بي فيه وما في عيني قطرة وهو من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع الغضب والغضب أصل أصله وله أسباب وعلامات وعلاج وهو من أمراض القلب فمن لم يرزق قلبا سليما منه فعليه بمعالجته ليزول ولعلاجه أدوية مبينة في كتب القوم كالإحياء والمنهاج . (فر عن معاوية بن حيدة) وفيه فحيس بن تيم قال الذهبي في الضعفاء : مجهول وقال العقبلي : لا يتابع على حديثه عن بهز بن حكم وفيه لين . 3820 (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) قال ابن الحاجب : الإضافة للتوضيح باعتبار بيان العام بالخاص فليس ذكر الشباب وقع ضائعا وفي فتاوى بعضهم : أراد أنهما سيد كل من مات شابا ودخل الجنة فإنهما ماتا وهما شيخان ولا يقال وقع الخطاب حين كان شابين لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهما دون ثمان سنين فلا يسميان شابين ومر لذلك مزيد (حم ت) في المناقب (عن أبي سعيد) الخدري (طب عن عمرو عن علي) وما ذكر أنه عن عمرو عن علي هو ما في خط المصنف فما في بعض النسخ عن ابن علي لا يصح (عن جابر) بن عبد الله (وعن أبي هريرة طس عن أسامة بن زيد وعن البراء) بن عازب (عد عن ابن مسعود) قال الترمذي : حسن صحيح قال المصنف : وهذا متواترا . 3821 (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما) علي أمير المؤمنين (خير منهما) أي أفضل كما يصرح به لفظ رواية الطبراني أفضل منهما وكان أبو بكر وعمر يعظمانهما غاية التعظيم وكان عمر يحبهما ويقدمهما على أولاده في العطاء . (ه ك) في فضائل أهل البيت من حديث معلى بن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي : ومعلى متروك (طب عن قرة) بضم القاف بن إياس بكسر الهمزة وفتح التحتية وبالمهملة ابن هلال المزني قال الهيثمي : وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن مالك بن الحويرث) مصغر الحارث الليثي له وفادة وصحبة ورواية قال الهيثمي : وفيه عمران بن أبان ومالك بن الحسن ضعيفان وقد وثقا
[ 551 ]
(ك) في فضائل أهل البيت (عن أبي سعيد) قال الحاكم : صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه الحكم بن عبد الرحمن فيه لين . 3822 (الحسن والحسين سيدا أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران) (حم ع حب طب ك عن أبي سعيد) . 3823 (الحسن مني والحسين من علي) قال الديلمي : معناه أن الحسن يشبهني والحسين يشبه عليا اه‍ وكان الغالب على الحسن الحلم والإنابة وعلى الحسين الجراءة وشدة البأس كعلي فالشبه معنوي وقيل : صوري (حم وابن عساكر) في التاريخ (عن المقدام) بكسر الميم (بن معدي يكرب) بن عمرو بن يزيد الكندي نزيل حمص قال الحافظ العراقي : وسنده جيد وقال غيره : فيه بقية صدوق لكن له مناكير وغرائب وعجائب . 3824 (الحسن والحسين شنفا العرش) بشين معجمة ونون (وليسا بمعلقين) قال الديلمي يعني بمنزلة الشنفين من الوجه والشنف القرط المعلق في الوجه أي الأذن والمراد أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يساره وما ذكر من أن الرواية شنفا بشين معجمة هو ما في نسخ وهو الموجود في مسند الفردوس وغيره لكن اطلعت علي نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها بالسين المهملة (طس عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي : فيه حميد بن علي وهو ضعيف . 3825 (الحق أصل في الجنة والباطل أصل في النار) وكل أصل منهما يتبعه فروعه من الناس (تخ عن عمر) بن الخطاب . 3826 (الحق بعدي مع عمر) أي القول الصادق الثابت الذي لا يعتريه الباطل يكون مع عمر
[ 552 ]
(حيث كان) وفي رواية يدور معه حيثما دار وهذه منقبة عظيمة لعمر (الحكيم) الترمذي (عن الفضل بن عباس) ابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم ورديفه بعرفة مات بطاعون عمواس ثم إن فيه القاسم بن يزيد قال في الميزان عن العقيلي : حديث منكر ثم ساق له مما أنكر عليه . 3827 (الحكمة) التي هي كما قال القاضي البيضاوي : استعمال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة للأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية قيل : وفيه قصور لعدم شموله لحكمة الله فالأولى أن يقال العلم بالأشياء على ما هي والعمل كما ينبغي وقال ابن دريد : كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة (تزيد الشريف شرفا) أي رفعة وعلو قدر * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * فعلى المرء ولو شريفا أن يحرص على الفائدة حتى ممن دونه بمراحل قال علي كرم الله وجهه : خذ الحكمة أنى تأتك فإن الكلمة منها تكون في صدر المنافق فتتلجلج حتى تسكن إلى صاحبها قال الزمخشري : أي تتحرك وتفلق في صدره حتى يسمعها المؤمن فيأخذها وحينئذ تأنس أنس الشكل إلى الشكل فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها (وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك) قال الغزالي : نبه على غمرتها في الدنيا ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى قال ابن أبي الجعد : اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم فأعتقني فقلت بأي حرفة أحترف فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم آذن له انتهى ، وشاهده في القرآن فإن الهدهد مع حقارته أجاب سليمان مع علو رتبته بصولة العلم بقوله * (أحطت بما لم تحط به) * غير مكترث بتهديده (تنبيه) قال بعضهم : الحكمة حياة النفوس وزراعة الخير في القلوب ومثيرة الحظ وحاضرة الغبطة وجامعة السرور ولا يخبو نورها ولا يكبو زنادها ، الحكمة حلية العقل وميزان العدل ولسان الإيمان وعين البيان وروضة الآداب ومزيل الهموم عن النفوس وأمن الخائفين وأنس المستوحشين ومتجر الراغبين وحظ الدنيا والآخرة وسلامة العاجل والآجل (عد حل) من حديث عمرو بن حمزة عن صالح عن الحسن (عن أنس) ثم قال مخرجه أبو نعيم غريب تفرد به عمرو بن حمزة عن صالح انتهى وقال العراقي : سنده ضعيف وقال العسكري : ليس هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بل من كلام الحسن وأنس . 3828 (الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحدة في الصمت) أخذ منه أنه ينبغي للطالب تجنب العشرة سيما لغير الجنس خصوصا لمن كثر لعبه وقلت فكرته فإنه من أعظم القواطع
[ 553 ]
والطباع سراقة وآفة العشرة ضياع العمر بلا فائدة أو ذهاب المال والعرض وكذا الدين إن كانت لغير أهله قال الفضيل : إذا رأيت أسدا فلا يهولنك وإذا رأيت آدميا ففر . وقال : تباعد عن القراء فإن أحبوك مدحوك بما ليس فيك وإن غضبوا شهدوا عليك بما ليس فيك وقبل منهم . (تنبيه) قال النووي : في الحكمة أقوال كثيرة مضطربة اقتصر كل من قابلها على بعض صفاتها وقد صفا لنا منها أنها عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس والأخلاق وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك (عد وابن لال) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الذهبي في الزهد : إسناده واه . 3829 (الحلف حنث أو ندم) لأنه إما أن يحنث فيأثم لكذب اليمين أو يندم على منعه نفسه مما كان له فعله وقوله لا فعلت ولأفعلن نوع تأل على الله فربما أكذبه بحنث أو عذب قلبه بندم فحق المسلم أن يتحاشى من الحلف فإن اضطر سلك سبيل التعريض وإن بدر منه سهو يتبعه بالاستثناء وقيل العاقل إذا تكلم أتبع كلامه ندما والأحمق إذا تكلم أتبع كلامه حلفا وعلامة الكاذب جودة بيمينه بغير مستحلف كما قال بعضهم : وفي اليمين على ما أنت واعده * ما دل أنك في الميعاد متهم (تخ ك) في الإيمان (عن ابن عمر) بن الخطاب رواه البيهقي قال في المهذب : وفيه ضعف . 3830 (الحلف) أي اليمين الكاذبة على البيع وفي رواية مسلم اليمين قال الزركشي : وهو أوضح وفي رواية أحمد اليمين الكاذبة وهي أصرح (منفقة) مفعلة من نفق البيع راج البيع راج ضد كسد أي مزيدة (للسلعة) بكسر البضاعة أي رواج لها (ممحقة) مفعلة من المحق أي مذهبة (للبركة) يعني مظنة لمحقها أي نقصها أو ذهابها وحكى عياض ضم أوله وكسر الحاء بصيغة اسم الفاعل قال الزركشي لكن الرواية بفتح أولهما وسكون ثانيهما مفعلة من المحق وأسند الفعل إلى الحلف إسنادا مجازيا لأنه سبب لرواج السلعة ونفاقها وقوله الحلف مبتدأ خبره منفقة وممحقة خبر بعد خبر وصح الأخبار بهما مع أنه مذكر وهما مؤنثان بأنها أما بتأويل الحلف باليمين أو أن لها للمبالغة لا للتأنيث واعلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث كالتفسير لآية * (يمحق الله الربا) * لأن الربا الزيادة فيقال كيف يجتمع المحق والزيادة فبين بالحديث أن اليمين مزيدة في الثمن ممحقة للبركة منه والبركة أمر زائد على العدد وقوله تعالى * (يمحق الله الربا) * أي يمحق البركة منه وإن بقى عدده كما كان قال الراغب : فحق المسلم أن يتحاشى من الاستعانة باليمين في الحق وأن يتحقق قدر المقسم به ويعلم أن الأغراض الدنيوية أخس من أن يفزع فيها إلى الحلف بالله فإنه إذا قال والله إنه لكذا تقديره إن ذلك حق كما أن وجود الله حق وهذا الكلام يتحاشى منه من في قلبه حبة خردل من تعظيم الله * (ولا تشتروا
[ 554 ]
بآياتي ثمنا قليلا) * (ق) في البيع (د ن عن أبي هريرة) واللفظ للبخاري ولفظ مسلم ممحقة للربح . 3831 (الحليم) أي الذي يضبط النفس عند هيجان الغضب (سيد في الدنيا سيد في الآخرة) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة من تاريخ الخطيب رشيد بدل سيد وذلك لأنه سبحانه أثنى على من هذه صفته في عدة مواضع من التنزيل وقد ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام الغاية التي لا ترتقى لكن إنما يكون الحلم محمودا إذا لم يجر إلى محذور شرعي أو عقلي ، روى البغوي في معجمه وابن عبد البر في استيعابه والبزار في مسنده أن النابغة الجعدي أنشد بحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة حتى وصل إلى قوله : ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمى صفوه أن يكدرا فقال : أحسنت يا أبا ليلى لا يفضض الله فاك (خط) في ترجمة محمد بن سعيد البزوري (عن أنس) وفيه قبيصة ابن حريث قال البخاري : في حديثه نظر والربيع بن صبيح أورده الذهبي في الضعفاء ويزيد الرقاشي تركوه ومن ثم قال ابن الجوزي : حديث لا يصح . 3832 (الحمد لله رب العالمين) أي السورة المفتتحة بالتحميد ولذلك سميت الفاتحة ذكره السيد (هي السبع المثاني) سميت به لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد أو لأنها يثنى بها على الله أو غير ذلك (الذي أوتيته والقرآن العظيم) زيادة على الفاتحة (خ د عن أبي سعيد بن المعلى) بضم الميم وفتح المهملة وشد اللام المفتوحة وقيل الحرث قال ابن عبد البر : الأصح الحارث بن نفيع بن المعلى الأنصاري الزرقي . 3833 (الحمد لله رب العالمين) أي سورتها هي (أم القرآن) لتضمنها لجميع علومه كما سميت مكة أم القرى (وأم الكتاب) فيه رد على من كره تسميتها بذلك كالحسن (والسبع المثاني) قال الزمخشري المثاني هي السبع كما قيل السبع هي المثاني سميت مثاني لأنها تثنى أي تكرر في قومات الصلاة اه‍ (د ت عن أبي هريرة) .
[ 555 ]
3834 (الحمد لله ، دفن) في رواية موت (البنات من المكرمات) لآبائهن وعلى وفقه قيل خير البنات من بات في القبر قبل أن يصبح في المهد وأنشدوا : القبر أخفى سترة للبنات * ودفنها يروى من المكرمات أما ترى الله تعالى اسمه * قد وضع النعش بجنب البنات وقيل : موت الحرة خير من المعرة (طب عن ابن عباس) قال : لما عزي النبي صلى الله عليه وسلم بابنته رقية ذكره قال الهيثمي : وفيه عثمان بن عطاء الخراساني وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه المؤلف في مختصره ساكتا عليه قال ابن الجوزي : وسمعت شيخنا الأنماطي الحافظ يحلف بالله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا شيئا قط . وقال الخليلي في الإرشاد : رواه بعض الكذابين من حديث جابر وإنما يروى عن عطاء الخراساني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وعطاء متروك . 3835 (الحمد) لله (رأس الشكر) لأن الحمد باللسان وحده والشكر به وبالقلب والجوارح فهو إحدى شعبه ورأس الشئ بعضه فهو من هذا القبيل بعضه وجعل رأسه لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في عمل الجوارح من الاحتمال يخالف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن الكل كذا في الكشاف وفي الفائق الشكر مقابلة النعمة قولا وعملا ونية وذلك أن يثني على المنعم بلسانه ويدئب نفسه في طاعته ويعتقد أنه ولي نعمته وأما الحمد فالوصف بالجميل على المحمود وهو شعبة واحدة من شعب الشكر وكأنه رأسه لأن فيه إظهار النعمة والنداء عليها (ما شكر الله عبد لا يحمده) لأن الإنسان إذا لم يئن على المنعم بما يدل على تعظيمه لم يظهر منه شكر وإن اعتقد وعمل فلم يعد شاكرا لكون حقيقة الشكر إظهار النعمة كما أن كفرانها إخفاؤها والاعتقاد خفي وعمل الجوارح محتمل بخلاف النطق ذكره السيد (عب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال المصنف في شرح التقريب : رواه الخطابي في غريبه والديلمي في الفردوس بسند رجاله ثقات لكنه منقطع وفي حاشية القاضي منقطع بين قتادة وابن عمرو . 3836 (الحمد) لله (على النعمة أمان لزوالها) ومن لم يحمده عليها فقد عرضها للزوال وقلما نفرت فعادت وقال بعض العارفين : ما زال شئ عن قوم أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وإنما ثبتت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم ، وفي الحكم : من لم يشكر النعمة فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها وقال الغزالي : والشكر قيد النعم به تدوم وتبقى وبتركه تزول وتتحول قال الله تعالى * (إن
[ 556 ]
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * وقال * (فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) * وقال * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) * وقال * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * فالسيد الحكيم إذا رأى العبد قام بحق نعمته يمن عليه بأخرى ويراه أهلا لها وإلا فيقطع عنه ذلك قال إمام الحرمين : وشدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأن تلك الشدائد نعم بالحقيقة لأنها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة (فرعن عمر) بن الخطاب . 3837 (الحمرة من زينة الشيطان) يعني أنه يخيل بها ويدعو لها ويحبها لا أنه يلبسها ولا أنه يتزين بها ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المعصفر للرجال وأعلم أنها زينة الشيطان والتختم بالحديد وأعلم أنه حلية أهل النار أي أنه لهم مكان الحلية سلاسل وأغلال وإلا فأهل النار لا حلى لهم ذكره ابن قتيبة ولذلك تعلق بهذا من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر وللسلف فيه سبعة أقوال : الأول : الجواز مطلقا الثاني المنع الثالث : يحرم المشبع بالحمرة ويحل ما صبغه خفيف الرابع : يكره لبس الأحمر لقصد الزينة والشهرة ويجوز في البيوت الخامس : يجوز لبس ما صبغ غزله ثم نسج دون ما صبغ بعد نسجه السادس يحرم ما صبغ بالعصفر دون غيره السابع : يحرم ما صبغ كله لا ما فيه لون غير أحمر (عب عن الحسن مرسلا) هو البصري وخرجه عنه أيضا ابن أبي شيبة قال في الفتح : ووصله ابن السكن . 3838 (الحمى من فيح) وفي رواية من فوح وفي أخرى من فور (جهنم) أي من شدة حرها يعني من شدة حر الطبيعة وهو يشبه نار جهنم في كونها معذبة ومذيبة الجسد والمراد أنها أنموذج ودقيقة اشتقت من جهنم يستدل بها على العباد عليها ويعتبروا بها كما أظهر الفرح واللذة ليدل على نعيم الجنة (فابردوها) بصيغة الجمع مع وصل الهمزة على الأصح في الرواية وروى قطعها مفتوحة مع كسر الراء حكاه عياض لكن قال الجوهري : هي لغة رديئة وقال أبو البقاء : الصواب وصل الهمزة وضم الراء والماضي برد وهو متعد يقال برد الماء حرارة جوفى وقال القرطبي : صوابه بوصل الألف وأخطأ من زعم قطعها (بالماء) أي أسكنوا حرارتها بالماء البارد بأن تغسلوا أطراف المحموم منه وتسقوه إياه ليقع به التبرد لأن الماء البارد رطب ينساغ بسهولة فيصل بلطافته إلى أماكن العلة فيدفع حرارتها من غير حاجة إلى معاونة الطبيعة قلا تشتغل بذلك عن مقاومة العلة كما بينه بعض الأطباء والمنكر عندهم إنما هو استحمامه بالماء البارد ولا دلالة في الحديث عليه وبذلك يعرف أنه لا حاجة إلى ما تكلفه البعض من جعل اللام في الحمى للجنس وإعادة ضمير ابردوها على الحمى المغبة المندرجة تحت الجنس وبهذا التقرير عرف أن تشكيك بعض الضالين هنا بأن غسل المحموم مهلك وأن بعضهم فعله فهلك أو كاد
[ 557 ]
لجمعه المسام وخنقه البخار وعكسه الحرارة لداخل البدن جهل نشأ عن عدم فهم كلام النبوة (حم خ عن ابن عباس حم ق ن ه عن ابن عمر بن الخطاب ق ت ه عن عائشة حم ق ت ن ه عن رافع بن خديج ق ت ه عن أسماء بنت أبي بكر الصديق) . 3839 (الحمى كير من جهنم) أي حقيقة أرسلت منها إلى الدنيا نذيرا للجاحدين وبشيرا للمقربين أنها كفارة لذنوبهم أو حرها شبيه بحر كير جهنم (فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار) أي نصيبه من الحتم المقضي في قوله سبحانه * (وإن منكم إلا واردها) * أو نصيبه مما اقترف من الذنوب قال الطيبي : وهو الظاهر أي الأول خلاف الظاهر لما يجئ عن ابن القيم قال المصنف أنزل الله في الحمى أول الزمان ليذل بها الأسد ثم جعلها في الأرض لتصلح من بدن الإنسان ما فسد (حم) وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب (عن أبي أمامة) قال المنذري : إسناد أحمد لا بأس به وقال الهيثمي فيه أبو الحسين الفلسطيني ولم أر له راويا غير محمد بن مطرف . 3840 (الحمى كير من) كير (جهنم) قال بعضهم : فيه أن جهنم خلقت ورد لمن قال ستخلق (فنحوها عنكم بالماء البارد) بأن تصبوا قليلا منه في طوق المحموم أو بأن تغسلوا أطرافه وكيفما كان فيراعى ما يليق بالحال نوعا وزمنا وسببا وشخصا وكيفية والطبيب ينزل الأدوية الكلية على الأمراض الجزئية قال المصنف : قد تواتر الأمر بإبرادها بالماء وأصح كيفياته أن يرش بين الصدر والجنب (تتمة) خرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوعا إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل بسم الله اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح قبل الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلا فسبع وإلا فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله تعالى قال الترمذي : غريب قال الزين العراقي : عملت بهذا الحديث فانغمست في بحر النيل فبرئت منها قال ولده : ولم يحم بعدها ولا في مرض موته (ه عن أبي هريرة) . 3841 (الحمى كير من جهنم وهي تصيب المؤمن من النار) أي نار جهنم فإذا ذاق لهيبها في الدنيا لا يذوق لهب جهنم في الأخرى قال الزين العراقي : إنما جعلت حظه من النار لما فيها من الحر والبرد المغير للجسم وهذه صفة جهنم فهي تكفر الذنوب فتمنعه دخول النار قال المصنف : هي طهور من الذنوب وتذكرة للمؤمن بنار جهنم كي يتوب لها منافع بدنية ومآثر سنية فإنها تنقي البدن وتنقي
[ 558 ]
عنه العفن رب سقم أزلي ومرض عولج منه زمانا وهو ممتلئ فلما طرأت عليه أبرأته فإذا هو منجلي وربما صحت الأجساد بالعلل وذكروا أنها تفتح كثيرا من السدد وتنضح من الأخلاط والمواد ما فسد وتنفع من الفالج واللوقة والتشنج الامتلائي والرمد (طب عن أبي ريحانة) شمعون قال الهيثمي كالمنذري : فيه شهربن حوشب وفيه كلام معروف قال ابن طاهر إسناده : فيه جماعة ضعفاء . 3842 (الحمى حظ أمتي) أي أمة الإجابة (من جهنم) قال ابن القيم : ليس المراد أنها هي نفس الورود المذكور في القرآن لأن سياقه يأتي حمله على الحمى قطعا بل إنه تعالى وعد عباده كلهم بورودهم النار فالحمى للمؤمن تكفر خطاياه فيسهل عليه الورود فينجو منها سريعا (طس عن أنس) قال الهيثمي فيه عيسى بن ميمون ضعفه جمع وقال ابن الفلاس : صدوق كثير الخطأ والوهم متروك الحديث . 3843 (الحمى تحت الخطايا) أي تفتتها (كما تحت الشجرة ورقها) شبه حال الحمى وإصابتها للجسد ثم محو السيئات عنه سريعا بحالة الشجرة وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها سريعا وتجردها عنها سريعا فهو تشبيه تمثيلي لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه به فوجه التشبيه أن الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب عن سبب الإنسان كماله وإزالة الأوراق عن الشجر سبب نقصه (ابن قانع) في المعجم (عن أسد) بلفظ الحيوان المفترس هو ابن كرز بن عامر بن عبيد الله القشيري جد خالد أمير العراق قال الذهبي : له صحبة . 3844 (الحمى رائد الموت) أي رسوله الذي يتقدمه كما يتقدم الرائد قومه فهي مشعرة بقدومه فيستعد صاحبها له بالمبادرة إلى التوبة والخروج من المظالم والاستغفار والصبر واعداد الزهد وهذا المعنى لا ينافيه عدم استلزام كل حمى للموت لأن الأمراض كلها من حيث هي مقدمات للموت ومنذرات به وإن أفضت إلى سلامة جعلها الله تذكرة لابن آدم يتذكر بها الموت وقد خرج أبو نعيم عن مجاهد ما من مرض يمرضه العبد إلا رسول ملك الموت عنده حتى إذا كان آخر مرض يمرضه أتاه ملك الموت فقال : أتاك رسول بعد رسول فلم تعبأ به وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا فوضح أن الأمراض كلها رسل للموت بمعنى أنها مقدمات ومنذرات به إلى أن يجئ في وقته المقدر فليس شئ من الأمراض موجبا للموت بذاته (وسجن الله في الأرض) هذا قد تولى النبي شرحه في الحديث بعده ولا عطر بعد عروس وهذا الحديث د صار من الأمثال وكان الحسن البصري يدخله في قصصه ويقول
[ 559 ]
قال صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فالمؤمن يتزود والكافر يتمتع والله إن أصبح مؤمن فيها إلا حزينا وكيف لا يحزن من جاءه عن الله عز وجل أنه وارد جهنم ولم يأته أنه صادر عنها (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) وكذا رواه القضاعي في الشهاب ورواه العسكري وزاد بيان السبب فقال : لما افتتح المصطفى صلى الله عليه وسلم خيبر وكانت مخضرة من الفواكه فوقع الناس فيها فأخذتهم الحمى فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس الحمى رائد الموت وسجن الله تعالى في الأرض وقطعة من النار . 3845 (الحمى رائد الموت وهي سجن الله في الأرض للمؤمن يحبس به عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء ففتروها بالماء) قال الزمخشري : الرائد رسول القوم الذي يرتاد لهم مساقط العشب والكلأ فشبه به الحمى كأنها مقدمة الموت وطليعة لشدة أمرها تقول العرب الحمى أخت الحمام (هناد في) كتاب (الزهد وابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشى (في) كتاب (المرض والكفارات هب عن الحسن مرسلا) وهو البصري . 3846 (الحمى حظ كل مؤمن من النار) أي أنها تكفر ما يوجب النار ذكره المؤلف أي هي سوط الجزاء الذي أهل الدنيا بأجمعهم مضربون به ومنهل التهجم الذي أجمعهم واردونه من حيث لا يشعر به أكثرهم انتهى (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال المنذري : إسناده حسن وقال الهيثمي : فيه عثمان بن مخلدة ولم أجد من ذكره . 3847 (الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة) أي أنها تسهل عليه الورود حتى لا يشعر به أصلا (فائدة) قال المصنف : مما ينفع تعليقه للحمى السمك الرعد وعظمة جناح الديك اليمنى والطويل العنق من الجراد وورد أن من كانت له حمى يوم كتب له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وستر عليه الستار (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (عن عثمان) بن عفان ورواه عنه أيضا العقيلي في الضعفاء باللفظ المزبور ولهذا الحديث طرق متعددة متكثرة لا تخفى على من له أدنى ممارسة للحديث ومن العجائب قول ابن العربي في شرح الترمذي قد قال بعض الغافلين إن الحمى حظ المؤمن من النار وهو مستثنى من هذا قال : وهذا غفلة عظيمة لا بد لكل أحد من الصراط فتلفح النار قوما وتقف دون آخرين والكل وارد عليها إلى هنا كلامه .
[ 560 ]
3848 (الحمى حظكل مؤمن من النار) لأن المؤمن لا ينفك عن ذنب فتعجل عقوبته لطفا به ليلقى ربه طيبا كما قال : * (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) * (وحمى ليلة تكفر سنة مجرمة) بضم الميم وفتح الجيم وشد الراء يقال سنة مجرمة بالجيم أي تامة كذا في مسند الفردوس وذلك لأنها تهد قوة سنة فقد قال بعض الأطباء : من حم يوما لم تعاوده قوته إلى سنة فجعلت مثوبته على قدر رزيته وقيل : لأن للإنسان ثلاثمائة وستين مفصلا وهي تدخل في الكل فيكفر عنه فكل مفصل ذنوب يوم وقيل : لأنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلا إلى سنة وكان أبو هريرة يقول : أحب الأوجاع إلي الحمى لأنها تعطي كل مفصل حقه من الأجر بسبب عموم الوجع قال العراقي : وقد أفاد هذا الخبر وما أشبهه كالخبر المار في إذا مرض العبد ثلاثة أيام أن المرض صالح لتكفير الذنوب فيكفر الله به ما يشاء منها ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) وأعله ابن طاهر بالحسن بن صالح وقال : تركه يحيى القطان وابن مهدي فقول شارحه العامري إنه صحيح خطأ صريح . 3849 (الحمى شهادة) أي الميت بها يموت شهيدا ولما نظر جماعة من السلف ما ورد فيها عن طائفة من الصحابة بملازمة الحمى لهم إلى توفيها وممن دعى بذلك سعد بن معاذ وكذا أبي دعى على نفسه أن لا يفارقه الوعك حتى يموت ولا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة جماعة فما مس رجل جلده بعدها إلا وجد حرها حتى مات وقد قال بعض من اقتقى آثارهم وتدثر بدثارهم زارت ممحصة الذنوب لصبها * أهلا بها من زائر ومودع وقالت وقد عزمت على ترحالها * ماذا تريد فقلت أن لا تقلعي (فر عن أنس) وفيه الوليد بن محمد الموقري قال الذهبي في الضعفاء : كذبه يحيى انتهى ورواه عنه الخطيب أيضا في التاريخ . 3850 (الحمام (1) حرام على نساء أمتي) أي دخولها لغير عذر شرعي كحيض ونفاس وبهذا أخذ بعض العلماء وذهب الأكثر إلى أن دخولها لهن مكروه تنزيها نزلوا الحديث على ما إذا كان فيه كشف عورات أو غيره من المنكرات (ك) في الأدب (عن عائشة) دخل عليها نسوة فقالت : من أنتن ؟ قلن من حمص . قالت : صواحب الحمامات ؟ قلن : نعم . قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكرته قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . (1) [ هو الحمام في السوق ، وذلك إذا كان فيه كشف عورات أو غيره من المنكرات . دار الحديث ]
[ 561 ]
2851 (الحواميم) أي السور التي أولها حم (ديباج القرآن) أي زينته وفي القاموس الديباج النقش وهو فارسي معرب فيقال بكسر الدار وقد تفتح (أبو الشيخ) الأصبهاني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (عن أنس) بن مالك (ك عن ابن مسعود موقوفا) . 3852 (الحواميم روضة من رياض الجنة) يعني السور التي أولها حم لها شأن وفضل يوصل إلى روضة من رياض الجنة قال الزمخشري : وفيه حديث ابن مسعود إذا وقعت في آل حم فكأني وقعت في روضات دمثات فنبه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن ذكرها لشرف منزلتها وفخامة شأنها عند الله مما يستظهر به على استنزال رحمة الله تعالى الوصلة إلى الحلول بدار رضوانه ومن زعم أن حم اسم من أسماء الله ففيه نظر لأن أسماءه تقدست ما منها شئ إلا وهو صفة مقصودة مفصحة عن ثناء وتحميد وحم ليس إلا حرفين من حروف المعجم فلا معنى تحته يصلح لكونه بتلك المثابة (ابن مردويه) في التفسير (عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الديلمي فما أوهمه عدول المصنف لابن مردويه من أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز عجيب . 3853 (الحواميم) أي سورها (سبع وأبواب جهنم تجئ كل حم منها) يوم القيامة (نقف على كل باب من هذه الأبواب تقول اللهم لا تدخل هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأ بي) بباء موحدة بخط المصنف في الدنيا أي تقول ذلك على وجه الشفاعة فيه فيشفعهما الله تعالى في كل من آمن بها وكان يقرؤها في الدنيا والتعبير بكان يشعر بأن ذلك إنما هو لمن دوام على قراءتها (هب عن الخليل بن مرة) بضو الميم وشد الراء (مرسلا) هو الضبي نزيل الكوفة قال أبو حاتم : غير قوي مات سنة 160 . 3854 (الحور العين خلقن) أي خلقهن الله في الجنة (من الزعفران) أي من زعفران الجنة فإذا أراد الإنسان أن يتخيل حسنهن ينظر إلى أحسن صورة في الدنيا رآها أو سمع بها ثم ينظر مم خلقت ومعلوم أنها من طين أسود يؤطأ بالارجل فما الظن بمن خلق من زعفران الجنة لكن نساء الدنيا إذا دخلنها كن أفضل منهن كما جاء مصرحا به في خبر الطبراني (فائدة) في فتاوى المؤلف الحديثية أن الحور والولدان والزبانية لا يموتون وهم ممن استثنى الله في قوله * (إلا من شاء الله) * وأما الملائكة فيموتون بالنص
[ 562 ]
والإجماع ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت ويموت ملك الموت بلا ملك الموت (ابن مردويه) في تفسيره (خط) في التاريخ (عن أنس) وفيه الحارث بن خليفة قال الذهبي في الذيل : مجهول وقال ابن القيم : وقفه أشبه بالصواب . 3855 (الحور العين خلقن من تسبيح الملائكة) فكل تسبيحة يسبحها ملك تصير حوراء وقد لا يعارض هذا ما قبله بأن يقال بعضهن خلق من تسبيح الملائكة وبعضهن خلق من الزعفران (ابن مردويه عن عائشة) . 3856 (الحلال) ضد الحرام لغة وشرعا (بين) أي ظاهر واضح لا يخفى حله وهو ما نص الله أو رسوله وأجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه ومنه ما لم يرد فيه منع في أظهر الأقوال (والحرام بين) واضح لا يخفى حرمته وهو ما نص أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه أو على أن فيه عقوبة أو وعيدا ثم التحريم إما لمفسدة أو مضرة خفية كالزني ومذكي المجوس وإما لمفسدة أو مضرة واضحة كالسم والخمر وتفصيله لا يحتمله المقام (وبينهما) أي الحلال والحرام الواضحين (أمور) أي شؤون وأحوال (مشتبهات) بغيرها لكونها غير واضحة الحل والحرمة لتجاذب الأدلة وتنازع المعاني والأسباب فبعضها يعضده دليل التحريم والبعض بالعكس ولا مرجح لأحدهما إلا خفاء ومن المشتبه معاملة من في ماله حرام فالورع تركه وإن حل وقال الغزالي : إن كان أكثر ماله الحرام حرمت ثم الحصر في الثلاثة صحيح لأنه إن صح نص أو إجماع على الفعل فالحلال أو على المنع جزما فالحرام أو سكت أو تعارض فيه نصان ولا مرجح فالمشتبه (لا يعلمها كثير من النا س) أي من حيث الحل والحرمة لخفاء نص أو عدم صراحة أو تعارض نصين وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس أو استصحاب أو لاحتمال الأمر فيه الوجوب والندب والنهي والكراهة والحرمة أو لغير ذلك إنما يعلمه قليل من الناس وهم الراسخون فان تردد الراسخ في شئ لم يرد فيه نص ولا إجماع اجتهد بدليل شرعي فيصير مثله وقد يكون دليل غير خال من الاحتمال فيكون الورع تركه كما قال (فمن اتقى) من التقوى وهي لغة جعل النفس في وقاية مما يخاف وشرعا حفظ النفس عن الآثام وما يجر إليها وهي عند الصوفية التبري مما سوى الله وعدل إلى التقى عن ترك المرادف له ليفيد أن تركها إنما يعتد به في استبراء في الدين والعرض إن خلا عن نحو رياء (المشبهات) بميم أوله بخط المصنف أي اجتنبها ووضع الظاهر موضع المضمر تفخيما لشأن اجتناب الشبهات والشبهة ما يخيل للناظر أنه حجة وليس كذلك وأريد هنا ما سبق في تعريف
[ 563 ]
الشبهة (فقد أستبرأ) بالهمز وقد يخفف أي طلب البراءة (لدينه) من الدم الشرعي (وعرضه) بصونه عن الوقيعة فيه بترك الورع الذي أمر به فهو هنا الحسب وقيل النفس لأنها الذي يتوجه إليها المدح والذم وعطف العرض على الدين ليفيد أن طلب براءته منظور إليه كالدين (ومن وقع في المشبهات) بميم بخطه أيضا يعني فعلها وتعودها (وقع في الحرام) أي يوشك أن يقع فيه لأنه حام حول حريمه وقال وقع دون يوشك أن يقع كما قال في المشبه به الآتي لأن من تعاطى المشبهات صادف الحرام وإن لم يتعمده إما لإثمه بسبب تقصيره في التحري أو لاعتياده التساهل وتجرئه على شبهة بعد أخرى إلى أن يقع في الحرام أو تحقيقا لمداناة الوقوع كما يقال من اتبع هواه هلك وسره أن حمى الملوك محسوسة يحترز عنها كل بصير وحمى الله لا يدركه إلا ذو البصائر ولما كان فيه نوع خفاء ضرب المثل بالمحسوس بقوله (كراع) أصله الحافظ بغيره ومنه قيل للوالي راعي والعامة رعية وللزوج راع ثم خص عرفا بحافظ الحيوان كما هنا (يرعى حول الحمى) أي المحمى وهو المحذور على غير مالكه (يوشك) بكسر الشين يسرع (أن يواقعه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب شبه آخذ الشهوات بالراعي والمحارم بالحمى والشبهات بما حوله ثم أكد التحذير من حيث المعنى بقوله (ألا) حرف افتتاح قصد به أمر السامع بالإصغاء لعظم موقع ما بعده (وإن لكل ملك) من ملو ك العرب (حمى) يحميه عن الناس ويتوعد من قرب منه بأشد العقوبات (ألا وإن حمد الله) تعالى وهو ملك الملوك (في أرضه محارمه) أي المحارم التي حرمها وأريدبه هنا ما يشمل المنهيات وترك المأمور ومن دخل حمى الله بارتكاب شئ منها استحق العقاب ومن قاربه يوشك الوقوع فيه فالمحافظ لدينه لا يقرب مما يقرب إلا الخطيئة والقصد إقامة البرهان على تجنب الشبهات وأنه إذا كان حمى الملك يحترز منه خوف عقابه فحمى الحق أولى لكون عذابه أشق ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه إلى الفجور أردف ذلك بقوله (ألا وإن في الجسد) أي البدن (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ لكنها وإن صغرت حجما عظمت قدرا ومن ثم كانت (إذا صلحت) بفتح اللام انشرحت بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الطاعات لأنها متنوعة له وهي وإن صغرت صورة كبرت رتبة (وإذا فسدت) أي أظلمت بالضلالة (فسد الجسد كله) باستعمالها في المنكرات (ألا وهي القلب) سمي به لأنه محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلاب أو لأنه خالص البدن وخالص كل شئ قلبه أو لأنه وضع الجسد مقلوبا وذلك لانه مبدأ الحركات البدنية والإرادات النفسانية فإن صدرت عنه إرادة صالحة تحرك البدن حركة صالحة أو إرادة فاسدة تحرك حركة فاسدة فهو ملك والأعضاء رعيته وهي تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده وأوقع هذا عقب قوله الحلال بين إشعارا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه والشبه تقسيه وتظلمه وللحديث فوائد جمة أفردت بالتأليف (ق 4 عن النعمان بن بشير) قال ابن العربي : وقد جعلوا هذا الحديث ثلث الإسلام وربعه وأكثروا في التقسيمات وأكثرها تحكمان تحمل الزيادة والنقص وبالجملة فالمعاني مشتركة ولو قيل إنه نصف الإسلام لكان له وجه من الكلام ولو قال قائل إنه جملة الدين لما
[ 564 ]
عدم وجها لكن هذه المعاني مدخلة لمتعاطيها في المتكلفين قال بعض شراح مسلم : هذا الحديث عليه نور النبوة عظيم الموقع من الشريعة . 3857 (الحلال بين) أي جلد الحل (والحرام بين) لا تخفى حرمته بالأدلة الظاهرة أو البين من كل منهما ما استقر الشرع على تحليله أو تحريمه كحل لحم الأنعام وتحريم لحم الخنزير قال الغزالي : يظن الجاهل أن الحلال مفقود وأن السبيل للوصول إليه مسدود حتى لم يبق من الطيب إلا الماء والحشيش النابت في الموات وما عداه فقد أحالته الأيدي العادية وأفسدته المعاملة الفاسدة وليس كذلك بل قال المصطفى صلى الله عليه وسلم الحلال بين ولا تزال هذه الثلاثة وإنما الذي فقد العلم بالحلال وبكيفية الوصول إليه اه‍ وقال القاضي : معنى الحديث أنه تعالى مهد لكل منهما أصلا يتمكن الناظر المتأمل فيه من استخراج أحكام ما يعن له من الجزئيات وتعرف أحوالها لكن قد يتفق في الجزئيات ما يقع فيه الاشتباه لوقوعه بين الأصلين ومشاركته لأفراد كل منهما من وجه فينبغي أن لا يجترئ المكلف على تعاطيه بل يتوقف حيث ما يتأمل فيفيظهر له أنه من أي القبيلين فإن اجتهد ولم يظهر له أثر الرجحان بل رجع طرف الذهن عن إدراكه حسيرا تركه في حيز التعارض أسيرا وأعرض عما يريبه إلى ما لا يريبه استبراء لدينه أن يختل بالوقوع في المحارم وصيانة لعرضه أن يتهم بعدم المبالاة بالمعاصي والبعد عن الورع كما أشار إليه بقوله (فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فما اطمأن إليه القلب فهو بالحلال أشبه وما نفر عنه فهو بالحرام أشبه قال الحكيم : هذا عند المحققين الموصوفين بطهارة القلوب ونور اليقين فأولئك هم أهل هذه الرتبة أما العوام والعلماء الذين غذوا بالحرام فلا التفات إلى ما تطمئن إليه قلوبهم المحجبة بحجب الظلمات (تنبيه) روى الحافظ العراقي عن الإمام أحمد بن حنبل أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث الأعمال بالنيات وحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وحديث الحلال بين والحرام بين وقد مر ذلك ونظمه الزين العراقي : أصول الإسلام ثلاث إنما * الأعمال بالنيات وهي القصد كذا الحلال بين وكل ما * ليس عليه أمرنا فرد (طص عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي في موضع : إسناده حسن وقال في موضع آخر فيه أحمد بن شبيب قال الأزدي : منكر الحديث وتعقبه الذهبي بأن أبا حاتم وثقه . 3858 (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه) فلم ينص على حله ولا حرمته نصا جليا ولا نصا خفيا (فهو مما عفى عنه) أي فيحل تناوله وهذا قاله لما سئل عن
[ 565 ]
الجبن والسمن والفراء قال الحافظ الزين العراقي : فيه حجة للقائلين بأن الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة حتى يتبين التحريم أو الوجوب وهي قاعدة من قواعد الأصول لا يكتفى بهذا الحديث الضعيف في إثباتها (تنبيه) قال ابن العربي : القرآن هو الأصل فإن كانت دلالته خفية نظر في الجلي من السنة ، فإن كانت الدلالة منها خفية نظر فيما اتفق عليه الصحب فإن اختلفوا رجح فإن لم يوجد عمل بما يشبه نص الكتاب ثم السنة ثم الاتفاق ثم الراجح (تنبيه آخر) قال القونوي : الحل ممن لوازم الطهارة والحرمة تتبع النجاسة وكل من الحلال والحرام ينقسم ثلاثة أقسام كانقسام الطهارة والنجاسة فالحلال التام الطاهر كل ما لاضرر فيه من حيث مزاجه بالنسبة للإنسان ولا يتعلق به حق لأحد يستلزم توجه نفسه إليه فإن لتوجهات النفوس إلى الأشياء على هذا الوجه خواص رديئة تسري في بدن الإنسان المباشر لذلك الشئ دون حق له فيه أكلا كان أو لبسا أو مسكنا أو غيرها وكلها نجاسات معنوية الثاني ما يستعمل من الأكل والشرب ونحوهما يكون سليما من تعلقات أحكام النفوس وخواصها غير أنه لا يخلو في نفسه من حيث مزاجه ومن حيث روحانيته من خواص رديئة لا يلائم أكثر الناس فأمثال هذه ليست في مقام الحل التام وكذا في الملابس إذا فصلت وخيطت في وقت ردئ اتصل بها خواص رديئة وكذا ما ورد في الحديث من شؤم المرأة والدار والفرس وشهد بصحته التجارب فإن لها في بواطن أكثر الناس بل وفي ظواهرهم خواص مضرة تتعدى من المباشر إلى نفسه وأخلاقه وصفته فتحدث نسبتها للقلوب والأرواح تلويثات هي من قسم النجاسات المعنوية وقد نبهت الشريعة على كراهيتها دون الحكم عليها بالحرمة الثالث وهو الطاهر صورة النجس معنى من حيث إنه حرام كطعام وشراب ومسكن ومشموم ونحوها وإذا علمت ذلك فاعلم أن لأحكام الحل والحرمة والنجاسة والطهارة امتزاجات على أنحاء وغلبة ومغلوبية بحسب قوة بعض الأحكام ورجحانها لقوة الكمال أو الكثرة أو هما معا على غيرهما من الأحكام التي تقع معها الممازجة وهذا هو القسم المشتر ك فإنه لا بد من الامتزاجات من حصول هيئات متعلقة بها متوحدة الكثرة لمزاج متحد والحكم يترتب على تلك الامتزاجات بحسب الغلبة والمغلوبية وتعقل المساواة بين قوى تلك الخواص وأحكامها والقرب من المساواة هو مرتبة المكروه والمتشابه المشار إليه في هذه الأحاديث فندب الشارع إلى التورع في هذا القسم تحرزا من حذر متوقع (ت ه ك) في الأطعمة (عن سلمان) قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن السمن والجبن والفراء فذكره قال الترمذي في العلل : سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال ما أراه محفوظا وقال الذهبي : فيه سيف بن هارون البرجمي ضعفه جمع وقال الدارقطني : متروك . 3859 (الحياء) بالمد وسيق تعريفه وأنه غريزي أصلا واكتسابي كمالا (من الإيمان) أي من أسباب أصل الإيمان وأخلاق أهله تمنع من الفواحش وتحمل على البر والخير كما يمنع الإنسان صاحبه من ذلك فعلم أن أول الحياء وأولاه الحياء من الله وهو أن لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وكماله إنما ينشأ عن المعرفة ودوام المراقبة . (م ت عن ابن عمر) بن الخطاب قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 566 ]
برجل يعظ أخاه في الحياء أي في تركه فقال دعه ثم ذكره وكلام المصنف كالصريح في أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه هو في الدرر إلى الشيخين معا من حديث ابن عمر وعزاه لهما أيضا في الأحاديث المتواترة وذكر أنه متواتر . 3860 (الحياء والإيمان مقرونان لا يفترقان إلا جميعا) قال الطيبي : فيه رائحة التجريد حيث جرد من الإيمان شعبة منه وجعلها قرينا له على سبيل الاستعارة كأنهما رضيعا لبان ثدي أي تقاسما أن لا يفترقا (طس عن أبي موسى) الأشعري وقال : تفرد به محمد بن عبيدة القرشي وهو ضعيف . 3861 (الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما) من إنسان (رفع الآخر) منه أي معظمه أو كماله (تنبيه) قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبائح وهو من خصائص الإنسان وأول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان وجعل في الإنسان ليرتدع عما تنزع إليه الشهوة من القبائح فلا يكون كالبهيمة وهو مركب من جبن وعفة ولذلك لا يكون المستحي فاسقا ولا الفاسق مستحيا لتنافي اجتماع العفة والفسق وقلما يكون الشجاع مستحيا والمستحي شجاعا لتنافي اجتماع الجبن والشجاعة ولعزة وجود ذلك يجمع الشعراء بين المدح بالشجاعة والمدح بالحياء كقوله كريم يغض الطرف فضل حيائه * ويدنو وأطراف الرماح دواني وأما الخجل فحيرة النفس لفرط الحياء ويحمد في النساء والصبيان ويذم باتفاق في الرجال والوقاحة مذمومة بكل لسان وهي انسلاخ من الإنسانية وحقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيح واشتقاقه من حافر وقاح أي صلب ولهذه المناسبة قال الشاعر : يا ليت لي من جلد وجهك رقعة * فأقد منها حافرا للأشهب وما أصدق قول الآخر : صلابة الوجه لم تغلب على أحد * إلا تكمل فيه الشر فاجتمعا (حل ك) في الإيمان (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم : على شرطهما ، وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي : حديث صحيح غريب إلا أنه قد اختلف على جرير بن حازم في رفعه ووقفه
[ 567 ]
3862 (الحياء هو الدين كله) لأن مبدأه ومنتهاه يفضيان إلى ترك القبيح وترك القبيح خير لا محالة فكان لا يأتي إلا بخير ولأن من استحيا من الخلق قل شره وكثر خيره وغلب عليه السخاء والسماح الموصلان إلى ديار الأفراح وأشفق أن يرى أحد في دينه خللا أو في عمله زللا فمن ثم كان فيه كمال الدين لمصير من هو شعاره من المتقين (طب عن قرة) ابن إياس قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عنده الحياء فقالوا : الحياء من الدين فقال : بل هو الدين كله وضعفه المنذري ولم يبين وبينه الهيثمي فقال فيه عبد الحميد بن سوار وهو ضعيف . 3863 (الحياء خير كله) لأن مبدأه انكسار يلحق الإنسان مخافة نسبته إلى القبيح ونهايته ترك القبيح وكلاهما خير ومن ثمراته مشهد النعمة والإحسان فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه وإنما يفعله اللئيم فيمنعه مشهد إحسانه إليه ونعمته عليه من عصيانه حياء منه أن يكون خيره وإنعامه نازلا عليه ومخالفته صاعدة إليه فملك ينزل بهذا وملك يعرج بهذا فأقبح به من مقابلة (م د) من الإيمان (عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أبو داود وفي الباب أنس وغيره . 3864 (الحياء لا يأتي إلا بخير) لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة ولا يرتكب خطيئة . قال ابن عربي : الحياء أن لا يفعل الإنسان ما يخجله إذا عرف منه أنه فعله والمؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير انتهى لا يقال صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يعظمه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على إخلاله ببعض الحقوق كما هو معروف عادة لأنا نقول هذا ليس بحياء حقيقة بل عجز ومهانة وخور وإنما يطلق عليه أهل العرف حياء مجازا وحقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق الغير وقال بعض الحكماء : من كسى الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه (ق عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره . 3865 (الحياء من الإيمان) قال الزمخشري : جعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان وقال ابن الأثير : جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب لأن
[ 568 ]
المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له نقية فصار كالإيمان الذي يقطع بينهما وبينه وجعله بعضه لأن الإيمان ينقسم إلى اتئمار بما أمر الله وانتهاء عما نهى عنه فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان أخص الإيمان (والإيمان في الجنة) أي يوصل إليها (والبذاء) بذال معجمة ومد الفحش في القول (من الجفاء) بالمد أي الطرد والإعراض وترك الصلة والبر (والجفاء في النار) يوضحه قوله في خير آخر وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم (تنبيه) سئل بعضهم : هل يكون الحياء من الإيمان مقيد أو مطلق فقال : مقيد بترك الحياء في المذموم شرعا وإلا فعدمه مطلوب في النصح والأمر والنهي الشرعي فتركه في هذه الأشياء من النعوت الإلهية * (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا) * ، * (والله لا يستحيي من الحق) * وأنشدوا : إن الحياء من الإيمان جاء به * لفظ النبي وخير كله فيه فليتصف كل من يرعى مشاهده * وليس يعرف هذا غير منتبه مستيقظ غير نوام ولا كسل * مراقب قلبه لدى تقلبه إن الحياء من أسماء الإله وقد * جاء التخلق بالأسماء فاحظ به وأنشدوا في مدح ترك الحياء في المشروع : ترك الحياء تحقق وتخلق * جاءت به الآيات في القرآن فإذا فهمت الأمر يا هذا فكن * مثل اللسان بقية الميزان (ت ك هب عن أبي هريرة خد ه ك هب عن أبي بكرة طب هب عن عمران بن الحصين) قال الهيثمي في موضع : رجاله رجال الصحيح وأعاده في آخر وقال : فيه محمد بن موسى بن أبي نعيم وثقه أبو حاتم وكذبه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح وأطلق الذهبي في الكبائر أنه صحيح . 3866 (الحياء والعي) أي سكون اللسان تحرزا عن الوقوع في البهتان لاعي القلب ولاعي العمل ولاعي اللسان لخلل (شعبتان من) شعب (الإيمان) أي أثران من آثاره بمعنى أن المؤمن يحمله الإيمان على الحياء فيترك القبائح حياء من الله ويمنعه من الاجتراء على الكلام شفقا من عثر اللسان والوقيعة في البهتان (والبذاء) هو ضد الحياء وقيل فحش الكلام (والبيان) أي فصاحة اللسان والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق (شعبتان من النفاق) بمعنى أنهما خصلتان منشأهما النفاق والبيان المذكور هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الغير تيها وعجبا كما تقرر قال القاضي : لما كان الإيمان باعثا على الحياء والتحفظ في الكلام والاحتياط فيه عد من الإيمان وما يخالفهما من النفاق وعليه فالمراد بالعي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن
[ 569 ]
الوبال لا لخلل في اللسان والبيان ما يكون بسببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان وقال الطيبي : إنما قوبل العي في الكلام مطلقا بالبيان الذي هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم البيان وأن هذه القضية غير مضرة بالإيمان مضرة ذلك البيان (حم ت ك عن أبي أمامة) قال الترمذي : حسن وقال الحافظ العراقي في أماليه : حديث حسن وقال الذهبي : صحيح . 3867 (الحياء والإيمان في قرن) أي مجموعهما في حبل أو قرن والقرن ضفيرة الشعر والجمع قرون يعني هما كشئ واحد (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) لأن من نزع منه الحياء ركب كل فاحشة وقارن كل قبيح ولا يحجزه عن ذلك دين إذا لم تستح فاصنع ما شئت والمراد الحياء الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وهو المراد بقول مجاهد لا يتعلم العلم مستحي وهو بسكون الحاء ولا في كلامه نافية لا ناهية ولهذا كانت ميم يتعلم مضمومة كأنه أراد تحريض المتعلمين وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية قال ابن حجر في المختصر : وهو إسناد صحيح على شرط البخاري (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي وغيره : فيه يوسف بن خالد السمني كذاب خبيث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه . 3868 (الحياء زينة) لأنه من فعل الروح والروح سماوي وعمل أهل السماء يشبه بعضه بعضا في العبودية والنفس شهواني أرضي ميال إلى شهوة ثم أخرى وهكذا لا يهدي ولا يستقر فأعمالنا مختلفة فمرة عبودية ومرة ربوبية ومرة عجز ومرة اقتدار فإذا ريضت النفس وذللت وأدبت وكان السلطان والغلبة للروح جاء الحياء وهو خجل الروح عن كل ما لا يصلح في السماء وذلك يزين الجوارح الظاهرة والباطنة ومنه الوقار والحلم والأناة (والتقى كرم) لأن الكرم ما انقاد وذل ومن ثم سميت شجرة العنب كرما لأنها تمد فأينما مدت امتدت ولذلك شبه بها قلب المؤمن في الخير فإذا ولج النور في القلب ترطب ولان فتلين النفس ويذهب يبسها لأن حر الشهوة قد طغى بالنور الوارد على القلب فانقاد فاتقى (وخير المراكب الصبر) لأن الصبر ثبات العبد بين الرب لأحكامه ما أحب منها وما كره فهو خير مركب ركب به إليه وهو مركب الوفاء بالعهد خلق الله الدنيا ممرا إلى الآخرة والمجتازون يأخذون الزاد ويمرون أولا بالقبور ثم يخرجون إلى ربهم وجعل بابه الذي يدخلون عليه منه أمر باب وأهواله ليطهرهم من الدنس فبلغوه طاهرين فيمكن لهم في دار القدس فمن الوفاء بعهده أن يلتفت إلى
[ 570 ]
شئ غير الزاد (وانتظار الفرج من الله عز وجل عبادة) لأن فيه قطع العلائق والأسباب إلى الله وتعلق به وشخوص الأمل إليه وتبرأ من الحول والقوة فهذا خالص الإيمان (الحكيم) الترمذي (عن جابر) بن عبد الله . 3869 (الحياء من الإيمان) لأن الحياء أول ما يظهر في الإنسان من أمارة العقل والإيمان آخر مرتبة العقل ومحال حصول آخر مرتبة العقل لمن لم يحصل له المرتبة الأولى فبالواجب كان من لا حياء له ولا إيمان له ذكره الراغب (وأحيا أمتي عثمان) بن عفان فهو أكمل إيمانا قال ابن القيم : الحياء مشتق من الحياة والغيث يسمى حيا بالقصر لأن به حياة الأرض والنبات والحيوان وبهذا الحياء حياة الدنيا والآخرة فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقي في الآخرة وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تناسب فكل يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا من عقوبته عند لقائه ومن لم يستحي من معصيته لم يستحي من عقوبته (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ذكره في ترجمة عثمان . 3870 (الحياء عشرة أجزاء فتسعة في النساء وواحد في الرجال) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ولولا ذلك ما قوى الرجال على النساء اه‍ . بلفظه أي فلولا ما ألقى الله عليهن من مزيد الحياء لم يصبرن عن طلب الجماع من الرجال طرفة عين (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحسن بن قتيبة الخزاعي قال الذهبي : قال الدارقطني متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه خرجه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إليه لكان أجود . 3871 (الحيات مسخ الجن) أي أصلهن من مسخ الجن الذين مسخوا (كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل) الظاهر أن المراد بعض الحيات لا كلها بدليل ما ذكر في أخبار أخر (طب وأبو الشيخ في) كتاب (العظمة) كلاهما (عن ابن عباس) قال الهيثمي رجاله يعني الطبراني رجال الصحيح .
[ 571 ]
3872 (الحية فاسقة والعقرب فاسقة والفأرة فاسقة والغراب فاسق) أي غير غراب الزرع قضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه ولعله ذهول بل بقيته عند مخرجه ابن ماجه والكلب الأسود البهيم شيطان اه‍ وهذه هي الفواسق الخمس التي يحل قتلها في الحل والحرم (ه عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وغيره
[ 572 ]
حرف الخاء 3873 (خاب عبد وخسر) أي حرم وهلك (لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر) * (فويل للقاسية قلوبهم) * (الدولابي) بضم الدال وآخره موحدة تحتية موحدة نسبة إلى دولاب بفتح الدال قال الإمام السمعاني لكن الناس يضمونها نسبة إلى قرية بالري وهو محمد بن أحمد بن سعد الوراق والأنصاري عالم عامل بالحديث حسن التصرف روى عن العطاردي وغيره وعنه الطبراني وابن حبان (في) كتاب (الكنى) والألقاب (وأبو نعيم) الأصبهاني صاحب الحلية (في) كتاب (المعرفة) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن عمرو بن حبيب) بن عبد شمس قال الذهبي ويقال له عمرو بن سمرة له صحبة . 3874 (خالد بن الوليد سيف من سيوف الله) (البغوي عن عبد الله بن جعفر) . 3875 (خالد بن الوليد) بن المغيرة الذي قيل له : احذر السم لا تسقيكه الأعاجم قال : ائتوني به فأخذه فاقتحمه وقال : بسم الله فلم يضره (سيف من سيوف الله سله الله على المشركين) وفي رواية بدل سله إلخ صبه الله على الكفار وفي رواية على المشركين (ابن عساكر) في التاريخ من حديث أبي العجفاء السلمي (عن عمر) بن الخطاب قيل لعمر : لو عهد ت قال : لو أدركت أبا عبيدة لقلت سمعت عبدك وخليلك يقول : لكل أمة أمين وأمير هذه الأمة أبو عبيدة ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي لقلت سمعت عبدك وخليلك يقول : خالد سيف الله إلخ وفيه الوليد بن شجاع قال أبو حاتم : لا يحتج به ورواه أبو يعلى في الطبراني والديلمي عند خالد . 3876 (خالد سيف من سيوف الله ونعم فتى العشيرة) (حم) من حديث عبد الملك بن عمير
[ 573 ]
(عن أبي عبيدة) بن الجراح قال عبد الملك : استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد فقال خالدا بعث عليكم أمين هذه الأمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي : رجاله رجاله الصحيح إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك أبا عبيدة ولا عمر . 3877 (خالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله وحمزة) بن عبد المطلب (أسد الله وأسد رسوله وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن عز وجل) لأن قصده بالتجارة إنما كان بالتعاون على عمارة الدنيا مع سائر خلق الله وحمل سلع الأقطار وبضائعها من أرض إلى أرض لنفع الخلق وعمارة الكون فيكون عمله لله إضافته إليه (فر عن ابن عباس) وفيه أحمد بن عمران قال البخاري : يتكلمون فيه 3878 (خالفوا المشركين) في زيهم (أحفوا الشوارب) من الإحفاء وأصله الاستقصاء في الكلام ثم استعير في الاستقصاء في أخذ الشارب والمراد أحفوا ما طال عن الشفة فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يستأصله (وأوفروا اللحى) بالضم والكسر اتركوها لتكثر وتغزر ولا تتعرضوا لها قال ابن تيمية : هذه الجملة الثانية بدل من الأولى فإن الأبدال تقع في الجمل كما تقع في المفردات كقوله * (يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم) * . (ق عن ابن عمر) بن الخطاب . 3879 (خالفوا اليهود) زاد ابن حبان في روايته والنصارى أي وصلوا في نعالكم وخفافكم (فإنهم لا يصلون في نعالهم) فصلوا أنتم فيها إذا كانت طاهرة غير متنجسة وأخذ بظاهره بعض السلف قال : من تنجس نعله إذا دلكه على الأرض طهر وجاز الصلاة فيه وهو قول قديم للشافعي والجديد خلافه (ولا خفافهم) وكان من شرع موسى نزع النعال في الصلاة * (اخلع نعليك) * وكان الموجب للنزع أنهما من جلد حمار ميت فالتزمه اليهود فلذا أمر بمخالفة اليهود فيه قال العراقي : وحكمة الصلاة في النعلين مخالفة أهل الكتاب كما تقرر وخشية أن يتأذى أحد بنعليه إذا خلعهما مع ما في لبسهما من
[ 574 ]
حفظهما من سارق أو دابة تنجس نعله قال : وقد نزعت نعلي مرة فأخذه كلب فعبث به ونجسه ثم هذا كله إذا لم يعلم فيها نجاسة قال ابن بطال : هذا محمول على ما لو يكن فيها نجس ثم هي من الرخص كما قال القشيري لا من المندوب لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة لكن من ملامسة الأرض الذي يكثر فيه الخبث قد تقصر به عن هذه الرتبة وإذا تعارضت رعاية التحسين وإزالة الخبث قدمت الثانية لأنها من دفع المفاسد والأخرى من جلب المصالح إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه فيترك هذا النظر اه‍ . وقال ابن حجر : وهذا الحديث دليل يرجع إليه فيكون ندب ذلك من جملة المخالفة المذكورة وورد في كون الصلاة من النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف أورده ابن عدي وابن مردويه والعقيلي من حديث أنس (د ك هق عن شداد بن أوس) صححه الحاكم وأقره الذهبي ولم يضعفه أبو داود وقال الزين العراقي في شرح الترمذي : إسناده حسن . 3880 (خدر الوجه) أي ضعفه واسترخاؤه (من النبيذ) أي من شربه (تتناثر منه) أي من شربه (الحسنات) فلا يبقى لشاربه حسنة وفي رواية خدر الوجه من السكر يهدر الحسنات ذكرها في الميزان من حديث أنس وهذا لو صح لكان صريحا في تحريمه (البغوي) في المعجم (وابن قانع) في المعجم (عد طب عن شيبة بن أبي كثير الأشجعي) قال الذهبي : وفيه الواقدي كذبه أحمد وابن المدني وغيرها وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني : فيه الواقدي وهو ضعيف جداوقد وثق . 3881 (خدمتك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (زوجك صدقة) قاله للمرأة التي قالت ليس لي مال فأتصدق إلا أن أخرج من بيت زوجي فأعين الناس على حوائجهم وفيه إشعار بأن خدمة الزوج من تعاطي نحو طبخ وعجن وكنس وغيرها لا تجب . (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مسلم بن محمد الطائفي وضعفه أحمد ووثقه غيره . 3882 (خديجة) بنت خويلد القرشية الأزدية ذات الشرف الظاهر والحسب الفاخر أفضل أمهات المؤمنين قال الحافظ العراقي : على الصحيح المختار وذكر نحوه ابن العماد وسبقهما السبكي كيف وهي (سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد) أي وبما جاء به محمد عن الله سبحانه فهي أول من آمن به من النساء مطلقا وأرسل الله إليها السلام مع جبريل قال ابن القيم : وهذه خصوصية لا
[ 575 ]
تعرف لامرأة غيرها وقد استدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة (ك) في فضائل الصحابة (عن حذيفة) بن اليمان . 3883 (خديجة بنت خويلد زوجة المصطفى وهي أول من آمن به من هذه الأمة (خير نساء عالمها) زاد في رواية (ومريم) بنت عمران أم عيسى عليه السلام (خير نساء عالمها وفاطمة) بنت محمد صلى الله عليه وسلم سميت به لأن الله فطمها عن النار (خير نساء عالمها) قال بعضهم : الكناية الأولى راجعة إلى هذه الأمة والثانية إلى الأمة التي فيها مريم والثالثة إلى هذه الأمة أيضا اه‍ وليس بجيد وسيأتي عن قرب له مزيد تقرير (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن عروة) بن الزبير (مرسلا) قالوا : وهو مرسل صحيح قال في الفتح : كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وماتت على الصحيح بعد البعثة بعشر سنين في رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت مع المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح وموتها قبل الهجرة بثلاث سنين وقد صدقت النبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة وتقدم من ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها لا جرم كانت أفضل نسائه على الأرجح إلى هنا كلامه قال وقد جاء ما بين المراد صريحا فروى البزار والطبراني عن عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين قال : وهو حديث حسن الإسناد . 3884 (خذل عنا) يا حذيفة أمر من التخذيل وهو هنا حمل الأعداء على الفشل وترك القتال (فإن الحرب خدعة) بفتح الخاء وشد الدال بضبط المصنف قاله لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف واشتد الخوف وأتاهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن نعيم) بن مسعود بن عامر (الأشجعي) صحابي مشهور ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لما أبعد النجعة . 3885 (خذ الأمر بالتدبير) أي التفكر فيه وجلب مصالحه ودرء مفاسده والنظر في عواقبه وعبر بالأخذ الذي هو بمعنى القهر والغلبة إشارة إلى طلب قهر شهوة نفسه في ما فيه الحزم والرشد (فإن رأيت في عاقبته خيرا فامض) أي افعله (وإن خفت) من فعله (غيا) أي شرا من خسران عاقبته وضلالها (فأمسك) أي كف عن فعله قال الطيبي : الخوف هنا بمعنى الظن كما في * (إلا أن يخافا إلا
[ 576 ]
يقيما حدود الله) * ويجوز كونه بمعنى العلم واليقين لأن من خاف شيئا احترز منه وهذا أنسب بالمقام لأنه وقع في مقابلة رأيت وهو بمعنى العلم وهما نتيجتا الفكر والتدبير (عب عد هب) وكذا أبو نعيم والبغوي والديلمي من حديث أبان بن أبي عياش (عن أنس) قال : قال رجل يا رسول الله أوصني فذكره ظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بما نصه أبان بن عياش ضعيف في الرواية اه‍ قال الذهبي في الضعفاء : قال أحمد تركوا حديثه وفي الميزان عن بعضهم أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق هذا الحديث فيما أنكر عليه . 3886 (خذ الحب من الحب) أي في الزكاة ومفهومه أن ما سوى الحب ونحوه لا زكاة فيه كورق سدر وأنه لا زكاة في الأزهار كزعفران وعصفر وقطن لأنه غير حب ولا في معناه (والشاة من الغنم) إذا بلغت أربعين (والبعير من الإبل) إذا بلغت خمسا وعشرين فأكثر (والبقرة من البقر) إذا كانت ثلاثين فصاعدا والمراد أن الزكاة من جنس المأخوذ منه هذا هو الأصل وقد يعدل عنه لموجب (د ه ك) كلهم من حديث عطاء بن يسار (عن معاذ) بن جبل قال الحاكم على شرطهما إن صح سماع عطاء عن معاذ وقال البزار : لا نعلم أنه سمع منه . 3887 (خذ عليك ثوبك) أيها العريان أي ألبسه (ولا تمشوا عراة) عم الخطاب بعد ما خص ليفيد أن الحكم عام لا يختص بواحد دون آخر فيحرم المشي عريانا أي بحيث يراه من يحرم نظره لعورته أما مشيه خاليا أو لعجزه عن السترة بأنواعها ومراتبها المبينة في الفروع فجائز للحاجة فإن كان غيرها فخلاف صحح الشافعية التحريم (د عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري قال : حملت حجرا ثقيلا أمشي فسقط ثوبي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . 3888 (خذ حقك في عفاف) أي عف في أخذه عن الحرام بسوء المطالبة والقول السئ (واف أو غير واف) أي سواء وفى لك حقك أو أعطاك بعضه لا تفحش عليه في القول قال في الفردوس : وهذا قاله لرجل مر به وهو يتقاضى رجلا وقد ألح عليه وأخرج العسكري عن الأصمعي قال : أتى أعرابي قوما فقال لهم : هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق قالوا : وما خير من الحق قال : التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله وهذا الحديث قد عد من الأمثال قال الراغب : والأخذ حوز الشئ وتحصيله (ه ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ الزين العراقي : إسناده حسن (طب عن جرير) بن عبد الله قال
[ 577 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحق خذ إلخ قال الهيثمي : وفيه داود بن عبد الجبار وهو متروك . 3889 (خذوا القرآن) أي تعلموه (من أربعة) اثنان من المهاجرين واثنان من الأنصار (من ابن مسعود و) من (أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى) امرأة (أبي حذيفة) بن عتبة الأنصارية وكان أبو حذيفة تبناه لما تزوج بها فنسب إليه ، أمر بالأخذ عنهم لكونهم تفرغوا لأخذ القرآن مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم بإتقان وضبط ولا يلزم منه أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظه وقد قتل في بئر معونة سبعون رجلا من الصحابة كان يقال لهم القراء وقول الكرماني أراد الإعلام بما يكون بعده أن الأربعة ينفردون بذلك رد بأن الذين مهدوا في تجريد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر وأبي وابن مسعود في خلافة عثمان وتأخر زيد بن ثابت وإليه انتهت الرياسة في القراءة وعاش بعدهم دهرا (ت ك) في المناقب (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي ورواه البزار عن ابن مسعود قال الهيثمي : ورجاله ثقات وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو غفلة فقد خرجه البخاري في صحيحه ولفظه خذ القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب اه‍ بنصه . 3890 (خذوا من العمل) في رواية الأعمال (ما تطيقون) أي خذوا من الأوراد ما تطيقون الدوام عليه (فإن الله لا يمل) أي لا يعرض عنكم إعراض الملوك عن الشئ أو لا يقطع الثواب والرحمة عنكم ما بقي لكم نشاط الطاعة أو لا يترك فضله عنكم حتى تتركوا سؤاله ذكر بهذه العبارة للازدواج نحو * (نسوا الله فنسيهم) * وإلا فالملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شئ فيورث الكلال في الفعل وهو محال عليه تعالى (حتى تملوا) بفتح الأول والثاني أي تقطعوا أعمالكم (ق عن عائشة) ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحولاء بنت ثويت لا تنام الليل فذكره وثويت بضم المثناة الفوقية وفتح الواو وهو قطعة من حديث . 3891 (خذوا من العبادة ما تطيقون) المداومة عليه بلا ضرر (فإن الله لا يسأم حتى تسأموا) قال القاضي : السآمة فتور في النفس من كثرة مزوالة شئ فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه وهو
[ 578 ]
وأمثاله إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من ينزه عنه فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه بل إذا أسند إليه شئ من ذلك يجب أن يؤول ويحمل على منتهاه وغاية منتهاه كإسناد الرحمة والغضب والحياء إليه سبحانه فمعنى الحديث اعملوا بحسب وسعكم وطاقتكم فإن الله لا يعرض عنكم إعراض الملوك ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط وأريحية فإذا سئمتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على سآمة وكلال كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم والداعي إلى هذا التجوز قصد الازدواج وله في القرآن نظائر جمة * (يخادعون الله وهو خادعهم) * * (فيسخرون منهم سخر الله منهم) * ، * (نسوا الله فنسيهم) * إلى غير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه بشر بن نمير ضعيف ورواه مسلم من حديث عائشة بلفظ خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا . 3892 (خذوا عني) أي خذوا الحكم في حد الزنا عني ذكره القاضي وقال القرطبي : أي افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت) * الآية واعملوا به وذلك أن مقتضى الآية أن من زنى حبس في بيته حتى يموت وبه قال ابن عباس في النساء وابن عمر فيهما فكان هو حد الزنا لأن به يحصل الإيلام والعقوبة بأن يمنع من التصرف والنكاح حتى يموت فذلك حده غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلا غير الحبس فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله لنبيه فبلغه لأصحابه فقال خذوا عني وعدى الأخذ بعن دون من الذي هو الأصل لأنه لما كان الأمر صادرا عنه أعطاه معناه أو لأنه أعطى فعل الأخذ معنى الرواية أي ارووا حكم الزنا عني وهذا خرج مخرج التنبيه والتأكيد إذ هو لم يبعث إلا لتؤخذ عنه (خذوا عني) قال الطيبي : تكرير خذوا يدل على ظهور أمر كان خفي شأنه واهتم به (قد جعل الله لهن) أي للنساء الزواني على حد * (حتى توارت بالحجاب) * (سبيلا) أي خلاصا عن إمساكهن في البيوت المأمور به في سورة النور يعني جعل لهن طريقا يخلصن بها من الحبس فيها (البكر بالبكر (1) بكسر الباء في الأصل من لم تؤطأ والمراد هنا من لم تزوج من الرجال والنساء كذا في المحرر (جلد مائة) أي ضربة مائة ضربة (ونفي سنة) عن البلد الذي وقع الزنا فيها (والثيب بالثيب) في الأصل من تزوج ودخل من ذكر أو أنثى والمراد هنا المحصن يعني إذا زنا بكر ببكر وثيب بثيب فحذف ذلك اختصارا لدلالة السياق عليه (جلد مائة والرجم) بالحجارة
[ 579 ]
إلى أن يموت فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين قال القرطبي : ولا التفات لإنكار الخوارج والنظام إما لكونهم غير مسلمين عند من يكفرهم وإما لأنهم لا يعتد بخلافهم وأخذ الظاهرية بظاهر هذا الخبر وأوجبوا الجمع بين الجلد والرجم واقتصروا على الرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم ماعز فهو ناسخ وللرجم شروط أخرى ودلائل أخرى مبينة في الفروع وفيه حجة للشافعي في وجوب نفي المرأة وقال مالك : لا تنفى خوف الفساد فيخص عموم التغريب بالمصلحة وقال أبو حنيفة : لا نفي مطلقا لأن نص الكتاب الجلد والتغريب زيادة عليه والزيادة على النص نسخ فيلزم نسخ القرآن بخبر الواحد ورد بما هو مبسوط في الفروع (حم م 4) في الحدود كلهم (عن عبادة بن الصامت) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد له وجهه فأنزل عليه فلقى ذلك ثم سرى عنه فقال خذوا عني إلخ ولم يخرج البخاري عن عبادة شيئا . (1) وقوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر إلخ على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى بكر أم ثيب وحد الثيب الرجم سواء زنا بثيب أم ببكر . 3893 (خذوا العطاء) من السلطان أي الشئ المعطى من جهته (ما كان) أي في الزمن الذي يكون (عطاء) أي عطاء الملوك فيه يكون عطاء لله لا لغرض دنيوي فيه فساد وفي رواية ما دام عطاء (فإذا تجاحفت) بفتح الجيم وحاء وفاء مخففات قال الزمخشري : من الإجحاف ويقال الجحف الضرب بالسيف والمجاحفة المزاحفة يقال تجاحف القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا بالسيوف (قريش) أي قبيلة قريش (بينها الملك) يعني تقاتلوا عليه وقال كل منهم أنا أحق بالخلافة (وصار العطاء) الذي يعطيه الملك منهم (رشا عن دينكم) أي مجاوزا لدين أحدكم مباعدا له بأن يعطي العطاء حملا لكم على ما لا يحل لكم شرعا (فدعوه) أي اتركوا أخذه لأن أخذه حينئذ يحمل على اقتحام الحرام فأفاد أن عطاء السلطان إذا لم يكن كذلك يحل أخذه وشرط قوم تيقن حل المأخوذ واكتفى آخرون بعدم تيقن حرمته وهذا الحديث رواه الطبراني عن معاذ وزاد فيه ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة (تخ د عن ذي الزوائد) صحابي جهني سكن المدينة فيل اسمه يعيش روى عنه ابن أبي ليلى وحكى ابن ماكولا عن بعضهم أنه البراء بن عازب . 3894 (خذوا على أيدي سفهائكم) أي امنعوا المبذرين الذين يصرفون المال فيما لا ينبغي ولا دراية لهم بحسن التصرف فيه لضعف رأيهم ونقص حظهم من حكمة الدنيا يقال أخذت على يدي فلان إذا منعته مما يريد فعله كأنك تمسك بيده والخطاب للأولياء وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه الطبراني قبل أن يهلكوا وتهلكوا (طب) وكذا البيهقي في الشعب (عن النعمان بن بشير) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ والديلمي .
[ 580 ]
3895 (خذوا جنتكم) بضم الجيم وقايتكم قالوا : من عدو حضر ؟ قال : خذوا جنتكم (من النار) أي وقايتكم من نار جهنم ومنه قيل للترس جنة ومجنة لأن صاحبه يتستر به قالوا : يا رسول الله كيف نفعل قال : (قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإنهن يعني ثواب هذه الكلمات (يأتين يوالقيامة مقدمات) لقائلهن (ومعقبات ومجنبات وهن الباقيات الصالحات) المشار إليهن في القرآن سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى وكل من عمل عملا ثم عاد إليه فقد عقب وقيل المعقب من كل شئ ما خلف لعقب ما قبله كذا في مسند الفردوس (ن ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . 3896 (خذوا) في لعبكم (يا بني أرفدة) بفتح فسكون وفاء مكسورة وقد تفتح لقب للحبشة أو اسم جنس لهم أو اسم جدهم الأكبر أو معناه يا بني الإماء (حتى تعلم اليهود والنصارى) الذين يشددون (أن في ديننا) أيها المسلمون (فسحة) قاله يوم عيد للحبشة وقد رآهم يرقصون ويلعبون بالدرق والحراب وفيه رخصة في النظر إلى اللعب أي إذا لم يكن ثم أوتار ولا مزمار واستدل به قوم من الصوفية على جواز الرقص وسماع آلة اللهو قال ابن حجر : وطعن فيه الجمهور باختلاف القصدين فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو (أبو عبيد في الغريب) أي في كتابه الذي ألفه في غريب الحديث (والخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب) كلاهما (عن الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى شعب بطن من همدان واسمه عامر بن شراحيل من كبار التابعين وفقهائهم (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله وأنه لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث الشعبي قالت : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذين يدركلون بالمدينة فقام عليهم وكنت أنظر فيما بين أذنيه وهو يقول خذوا إلخ قال فجعلوا يقولون أبو القاسم الطيب أبو القاسم الطيب فجاء عمر فانذعروا قال في الميزان : هذا الحديث منكر وله إسناد آخر واه . 3897 (خذوا) في وضوئكم (للرأس ماء جديدا) يعني لمسحه كذا في الفردوس فمسحه ببل غسل اليدين لا يكفي لاستعماله (طب) وكذا الديلمي (عن جارية) بفتح الجيم وكسر الراء وفتح المثناة
[ 581 ]
التحتية (بن ظفر) بفتح المعجمة والفاء الحنفي اليمامي أبو عران نزيل الكوفة قال الهيثمي : فيه دهشم بن قفران ضعفه جمع وذكره ابن حبان في الثقات . 3898 (خذوا من) شعر (عرض لحاكم) ما طال منه (وأعفوا طولها) أي اتركوه فلا تأخذوا منه شيئا ندبا فيهما وهذا مر وسيأتي موضحا (أبو عبد الله) محمد (بن مخلد) بفتح الميم واللام ابن حفص العطار (الدوري) بضم الدال المهملة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى محلة ببغداد سمع الدورقي والزبير بن بكار وعنه الدارقطني والآجري والجعاني ثقة ثبت (في جرئه) الحديثي (عن عائشة) ورواه الديلمي في الفردوس عنها وبيض لسنده . 3899 (خذي) أيتها المرأة التي سألت عن الاغتسال من الحيض واسمها أسماء بنت شكل أو أسماء بنت يزيد بن السكن (فرصة) بكسر الفاء قطعة من نحو قطن مطببة (من مسك) بكسر الميم الطيب المعروف وروي بالفتح كما يأتي وهو من فرصت الشئ إذا قطعته وفيه حذف مبين عند مسلم حيث قال : تأخذ من إحداكن ماءها وسدرها فتتطهر فتحسن الطهور ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة قال المصنف : وبه سقط سؤال كيف يكون أخذ الفرصة بيانا للاغتسال (فتطهري) أي تنظفي بأن تتبعي (بها) أثر دم نحو الحيض بأن تجعليه في نحو صوفة وتدخليه فرجك وكذا ما أصابه الدم من بدنها على ما عليه المحاملي أخذا من عموم الخبر والجمهور اقتصروا على الفرج وما تقرر من أن المراد هنا المسك بالكسر المعروف هذا هو المشهور المعروف ووراءه أقوال منه أالمراد المسك بالفتح وهو الجلد قال عياض : وهو رواية الأكثر ومنها ما في الفائق أن المراد قطعة ممسكة وهو الخلقة التي أمسكت كثيرا كأنه أراد أن لا يستعمل الجديد للارتفاق به لكن يؤيد هذا ما في رواية مسلم خذي فرصة ممسكة (ق ن) في الطهارة (عن عائشة) ورواه الطيالسي وأبو يعلى والحلواني وغيرهم . 3900 (خذي) يا هند التي قالت إن زوجها أبا سفيان والد معاوية شحيح لا يعطيها ما يكفيها وولدها إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم (من ماله) أي لا حرج عليك أن تأخذي منه كما في رواية فالأمر كما قال القرطبي للإباحة (بالمعروف) أي من غير تقتير ولا إسراف بل بالعدل قال القرطبي : وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا مقيدة فكأنه إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي (ما يكفيك) أي قدر كفايتك عرفا (ويكفي بنيك) منه كذلك لأنك الكافلة لأمورهم وأحالها على الصرف فيما
[ 582 ]
ليس فيه تحديد شرعي والباء في بالمعروف يجوز تعلقها بخذي ويكفيك ك وهذا إفتاء لا حكم لعدم استيفاء شروطه قال العلائي : وإذا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم قول حمل على أغلب تصرفاته وهو الإفتاء ما لم يقم دليل على خلافه وفيه أن نفقة الزوجة والأبناء على الآباء لا الأمهات وأن القول للزوجة في النفقة وأن نفقتها مقدرة بالكفاية والشافعي على خلافه وأن للأم طلب ذلك عند الحاكم وأن لها ولاية نفقة ولدها ولو في حياة الأب قال الرافعي : وهو وجه والظاهر خلافه وأن من له حق عند من يمنعه منه له أخذه بغير علمه ولو من غير جنسه وأن المظلوم له أن يتظلم إلى المفتي فيقول قد ظلمني أبي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص وأنه لا يلزمه أن يقول ما قولك في إنسان ظلمه أبوه أو زوجته لهذا الخبر فإنها ذكرت الظلم والشح لها ولولدها وعينت أبا سفيان لكن عدم التعيين أولى وليس بواجب ذكره الغزالي وأن المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئا وإن قل فإنه قال بالمعروف فمنعها أن تأخذ من ماله شيئا إلا القدر الذي يجب لها ولولدها (ق د ن ه عن عائشة) وله عندهما ألفاظ . 3901 (خرجت من نكاح غير سفاح) بالكسر : زنا قيل لما رمى بمائه حيث لا ينفع أشبه المسفوح قال بعض المحققين : أراد بالسفاح ما لم يوافق شريعة (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) قال الذهبي : فيه الواقدي هالك . 3902 (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح) أي متولد من نكاح لا زنا فيه والمراد عقد معتبر في دين بل روى البيهقي مرفوعما ولدني من سفاح الجاهلية شئ ما ولدني إلا نكاح الإسلام يعني الموافق للطريقة الإسلامية وقضية الخبر أن لا سفاح في آبائه مطلقا لكن استظهر بعض المحققين أن المراد طهارة سلسلته فقط ويشهد له ما في المواهب مرفوعا لم يلتق أبواي على السفاح (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس) . 3903 (خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شئ) أبدى بعضهم هنا إشكالا قويا وهو أن أئمة التاريخ ذكروا أن كنانة بن خزيمة تزوج برة زوجة أبيه فولدت نضرا أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن نضرا إنما هو من ريحانة وباستثناء ذلك وبأنه كان نكاحا قبل الإسلام وكلها إقناعية ولا دلالة في قوله تعالى * (إلا ما قد سلف) * على الجواز كما وهم الدلجي فإنه استثناء من الفعل لا الحرمة وبأن الجاحظ نقل عن أبي عثمان أن كنانة لم يولد له من زوجة أبيه برة بل من بنت أختها واسمها برة أيضا فغلظ كثير لموافقة الاسم
[ 583 ]
والقرابة (العدني) بفتح العين والدال المهملتين وآخره نون نسبة إلى عدن مدينة باليمن وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر ساكن مكة (عد طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي : فيه محمد بن جعفر بن محمد صحح له الحاكم في مستدركه وقد تكلم فيه وبقية رجاله ثقات . 3904 (خرجت) من حجرتي (وأنا أريد) أي والحال أني أريد (أن أخبركم بلية القدر) أي أخبركم بليلة القدر هي الفلانية وهي بسكون الدال مرادف القدر بفتحها سميت له لما تكتب الملائكة فيها من الأقدار ولم يعبر بمفتوح الدال لأن المراد تفصيل ما جرى به القضاء مجردا من تلك واختلف في تعيين ليلتها على أكثر من أربعين قولا (فتلاحى) تنازع وتخاصم وتشاتم (رجلان) من المسلمين كذا هو في البخاري وهما كعب بن مالك وابن أبي حدرة بحاء مفتوحة ودال مهملة مكسورة الأسلمي كان على عبد الله دين لكعب وطلبه فتنازعا ورفعا أصواتهما بالمسجد (فاختلجت مني) أي من قلبي ونسيت تعيينها بالاشتغال بالمتخاصمين قال عياض : دل به على ذم المخاصمة وأنها سبب للعقوبة لكن ليست المخاصمة في طلب الحق مذمومة مطلقا بل لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو (فاطلبوها) أي اطلبوا وقوعها لا معرفتها واستنبط منه السبكي ندب كتمها لمن رآها ووجه الدلالة أنه تعالى قدر لنبيه أنه لا يخبر بها والخبر كله فيما قدره فيسن اتباعه في ذلك (في العشر الأواخر) من رمضان (في تاسعة تبقى) أي في ليلة يبقى بعدها تسع ليال وهي ليلة إحدى وعشرين (أو سابعة تبقى) وهي ليلة ثلاث وعشرين (أو خامسة تبقى) وهي ليلة خمس وعشرين واستفيد التقييد بالعشرين وبرمضان من أحاديث أخرى مصرحة به قال الطيبي : قوله في تاسعة بدل من قوله في العشر الأواخر وتبقى صفة لما قبله من العدد قال جمع من شراح البخاري وغيره : وإنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترا من الليالي على ما ذكره في الأحاديث إذا كان الشهر ناقصا فإن كان كاملا فلا يكون إلا في شفع لأن الباقي بعدها ثمان فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين والسابعة الباقية بعد ست ليلة أربع وعشرين والخامسة الباقية بعد أربع ليال ليلة السادس وعشرين وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر فإنهم إنما يؤرخون بالباقي منه لا الماضي وفيه ذم الملاحاة سيما بالمسجد وذم فاعلها وأن ليلة القدر غير معينة قال في المطامح : ومن أعجب الأقوال المنكرة قول أبي حنيفة أنها رفعت تمسكا بظاهر الخبر وإنما القصد رفع تعيينها لا وجودها بدليل قوله اطلبوها والتماس المرتفع محال (الطيالسي) أبو داود (عن عبادة) بضم العين وخفة الموحدة (ابن الصامت) وهو بنحوه في البخاري ولفظه عن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحا رجلان من المسلمين فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم
[ 584 ]
فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وفي رواية أيضا عن ابن عباس مرفوعا التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى . 3905 (خرج رجل ممن كان قبلكم) قيل هو قارون وقيل الهيرن (في حلة له يختال فيها) من الاحتيال وهو التكبر في المشي ولا يكون إلا مع سحب الإزار ونحوه فكأن المختال تخيل فضيلة في نفسه على غيره فاختال متكبرا بها في مشيه على غيره (فأمر الله الأرض فأخذته) أي ابتلعته (فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) أي يغوص في الأرض ويضطرب ويتحرك في نزوله فيها وهذا تحذير من الخيلاء وترهيب من التكبر (ت عن ابن عمرو) بن العاص . 3906 (خرج نبي من الأنبياء) في رواية أحمد أنه سليمان (بالناس يستسقون الله تعالى) أي يطلبون منه السقيا (فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال ارجعوا) أيها الناس (فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة) في رواية من أجل شأن النملة وفي رواية ارجعوا فقد كفيتم بعيركم زاد ابن ماجه في روايته ولولا البهائم لم تمطروا واستدل به على ندب إخراج الدواب في الاستسقاء (ك) في الاستسقاء (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 3907 (خروج الآيات بعضها) أي أشراط الساعة بعضها (على أثر بعض يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام) يعني لا يفصل بينهن فاصل طويل عرفا (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وداود الزهراوي وهما اثنان اه‍ . 3908 (خروج الإمام) الذي هو الخطيب (يوم الجمعة للصلاة) يعني صعوده للمنبر (يقطع الصلاة) أي يمنع الإحرام بصلاة لا سبب لها متقدم ولا مقارن (وكلامه يقطع الكلام) أي وشروعه في الخطبة يمنع الكلام يعني النطق بغير ذكر ودعاء يعني أنه يكره من ابتدائه فيها إلى إتمامه إياها تنزيها
[ 585 ]
عند الشافعية وتحريما عند غيرهم وبه استدل الصاحبان على ذهابهما إلى جواز الكلام إلى خروج الإمام مخالفين لإمامهما في قوله خروج الإمام قاطع للصلاة والكلام (هق عن أبي هريرة) قال ابن حجر : ورواه مالك في الموطأ عن الزهري والشافعي من وجه آخر عنه وروي عن أبي هريرة مرفوعا قال البيهقي : وهو خطأ والصواب من قول الزهري وفي الباب ابن عمر مرفوعا اه‍ . 3909 (خشية الله رأس كل حكمة) لأنها الدافعة لأمن مكر الله والاغترار الذي لا تنال الحكمة مع وجودهما (والورع سيد العمل) ومن لم يذق مذاق الخوف ويطالع أهواله بقلبه فباب الحكمة دونه مرتج ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا منه من غيرهم ومطالعتهم لأهوال الآخرة بقلوبهم أكثر ولهذا قيل إن إبراهيم عليه السلام كان يخفق قلبه في صدره حتى تسمع قعقعة عظامه من نحو ميل من شدة خوفه قال الحرالي والخشية وجل نفس العالم مما يستعظمه (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) ورواه عنه الديلمي من هذا الوجه باللفظ المزبور وزاد ومن لم يكن له ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله شيئا . 3910 (خص البلاء بمن عرف الناس) لفظ رواية الديلمي خص بالبلاء من عرفه الناس وفي رواية خص بالبلاء من عرف الناس أو عرفه الناس ، قال شيخنا العارف الشعراوي : فالأول مبتلى بنفسه والثاني مبتلى بالناس وذلك لأن معرفتهم والتعرف إليهم وبهم توجب مراعاتهم وحفظهم والتحفظ منهم بحسب قلتهم وكثرتهم فالشخص مبتلى بمعارفه دينا ودنيا * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) * (وعاش فيهم من لم يعرفهم) أي عاش مع ربه وحفظ دينه بتركهم وفيه حجة لمن فضل العزلة وترك التعرف إيثارا للسلامة . قال الغزالي عن ابن عيينة رأيت سفيان الثوري في النوم كأنه في الجنة يطير من شجرة إلى شجرة يقول * (لمثل هذا فليعمل العاملون) * فقلت أوصني قال : أقل من معرفة الناس . وقال الفضيل : هذا زمان احفظ لسانك واخف مكانك وعالج قلبك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ، وقال الطائي : صم عن الدنيا واجعل فطرك الآخرة وفر من الناس فرارك من الأسد ، وقال أبو عبيد : ما رأيت حكيما قط إلا قال لي عقب كلامه : إن أحببت أن لا تعرف فأنت من الله على بال (القضاعي) في مسند الشهاب (عن محمد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم بن الحنفية (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال وأنه لا يوجد مسندا وإلا لما عدل للمرسل بخلافه أما أولا فلأن جمعا منهم السخاوي ضعفوه فقالوا : ضعيف مع إرساله وأما ثانيا فلأن الديلمي وابن لال والحلواني خرجوه مسندا من حديث عمر بن الخطاب فاقتصار المصنف على ذلك غير صواب .
[ 586 ]
3911 (خصاء أمتي الصيام والقيام) قاله لعثمان بن مظعون ، وقد قال : تحدثني بأن أختصي وأن أترهب في رؤوس الجبال فنهاه عن الرهبانية وأرشده إلى ما يقوم مقامها في حصول الثواب بل هو أعظم منها فيه وأيسر وهو الصيام والقيام في الصلاة يعني التهجد في الليل فإن الصوم يضعف الشهوة ويكسرها والصلاة تذبل النفس وتكسب النور وبذلك ينكسر باعث الشهوة فتذل النفس وتنقاد إلى ربها (حم طب عن ابن عمر) بن العاص . قال الزين العراقي : إسناده جيد وقال تلميذه الهيثمي : رجاله ثقات وفي بعضهم كلام . 3912 (خصال) جمع خصلة وهي الخلة أو الشعبة مأخوذة من خصل الشجر ما تدلى من أطرافه ومن المجاز خصلة حسنة كذا في الأساس (لا تنبغي في المسجد) أي لا ينبغي فعلها فيه (لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس) أي لا يؤثر فيه القوس يقال أبيض القوس بنون وضاد معجمتين إذا حرك وترها لترن (ولا ينشر فيه نبل ولا يمر فيه) ببناء يمر للمفعول (بلحم نئ) بكسر النون وهمزة بعد الياء ممدودة وهو الذي لم يطبخ وقيل لم ينضج (ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ سوقا) (ه) من حديث زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن (ابن عمر) بن الخطاب وزيد بن جبيرة قال في الميزان : قال البخاري : متروك وأبو حاتم : لا يكتب حديثه وابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه وساق من مناكيره هذا الخبر وداود : حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ومن ثم قال ابن الجوزي : لا يصح وقال المنذري : ضعيف . 3913 (خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن) أي حال تلبسه بفعلها (إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير عذاب (رجل خرج مجاهدا) للكفار لإعلاء كلمة الله (فإن مات في وجهه) يعني في سفره لذلك (كان ضامنا على الله) كرره لمزيد التأكد (ورجل تبع جنازة فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله عز وجل ورجل) يعني إنسان ولو أنثى فذكر الرجل هنا غالبي (توضأ) الوضوء الشرعي (فأحسن الوضوء) بأن أتى به موفر الشروط والأركان
[ 587 ]
والآداب (ثم خرج إلى المسجد لصلاة) أي إلى أية صلاة كانت في أي مسجد كان (فإن مات في وجهه) أي في حال خروجه لذلك (كان ضامنا على الله) كرره للتأكيد أيضا (ورجل) جالس (في بيته) أي في محل سكنه بيتا أو غيره (لا يغتاب المسلمين) يعني لا يذكر أحدا منهم في غيبته بما يكرهه (ولا يجر إليه سخطا) أي لا يتسبب في إيصال ما يسخطه أي يبغضه أو يؤذيه (ولا تبعة) أي ولا يجر تبعة أي شيئا يتبع به (فإن مات في وجهه) أي حال جلوسه وهو على تلك الحالة (كان ضامنا على الله) كرره للتأكيد أيضا والقصد الحث على فعل هذه الخصال وتجنب نقائضها (طس عن عائشة) قال الهيثمي فيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي فروة وهو متروك . 3914 (خصلتان لا يجتمعان في منافق حسن سميت) أي حسن هيئة ومنظر في الدين قال القاضي : السمت في الأصل الطريق ثم استعير لهدى أهل الخير يقال ما أحسن سمته أي هديه (ولا فقه في الدين) عطفه على السمت مع كونه مثبتا لكونه في سياق النفي قال في الإحياء : ما أراد بالحديث الفقه الذي ظننته وأدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا وقال التوربشتي : حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب ثم ظهر على اللسان فأفاد العلم وأورث التقوى وأما ما يتدارس المغرورون فبمعزل عن الرتبة العظمى لتعلق الفقه بلسانه دون قلبه وقال الطيبي : قوله خصلتان لا يجتمعان ليس المراد به أن واحدة منهما قد تحصل في المنافق دون الأخرى بل هو تحريض للمؤمن على اتصافه بهما معا وتجنب أضدادهما فإن المنافق من يكون عاريا منهما وهو من باب التغليظ قال بعضهم : السمت الحسن هيئة أهل الخير وقال بعضهم : مراده بالفقه في الدين العلم بالدنيا في باطنه فالمنافق قد يقصد سمت الدين من غير فقه في باطنه وقد يحصل الإنسان علم الدين ويغلبه هواه فيخرج عن سمت الصالحين فإذا اجتمع الظاهر والباطن انتفى النفاق لا يستوي سره وعلنه (ت) في العلم (عن أبي هريرة) وقال : غريب لا نعرفه من حديث عوف عن خلف بن أيوب العامري ولا أدري كيف هو انتهى وقال الذهبي تفرد به خلف وقد ضعفه ابن معين وقال السخاوي : سنده ضعيف . 3914 (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن) أي كامل الإيمان فلا يرد أن كثيرا من الموحدين موجودتان فيه (البخل وسوء الخلق) أو المراد بلوغ النهاية فيهما بحيث لا ينفك عنهما ولا ينفكان عنه
[ 588 ]
فمن فيه بعض ذا وبعض ذا وينفك عنه أحيانا فبمعزعن ذلك والفضل للمتقدم إذ كثيرا ما يطلق المؤمن في التنزيل ويراد المؤمن حق الذي ارتقى إلى أعلا درجات الإيمان (تنبيه) قال الطيبي خصلتان لا يجتمعان مبتدأ موصوف والخبر محذوف أي فيما أحدثكم به خصلتان كقوله * (سورة أنزلناها وفرضناها) * أي فيما أوحينا إليك والبخل وسوء الخلق خبر مبتدأ محذوف والجملة مبنية ويجوز أن يكون خبرا والبخل وسوء الخلق مبتدأ قال : وأفرد البخل عن سوء الخلق وهو بعضه وجعله معطوفا عليه يدل على أنه أسوؤها وأبشعها لأن البخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس (خد ت) في البر (عن أبي سعيد) قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى انتهى قال الذهبي : وصدقة ضعيف ضعفه ابن معين وغيره وقال المنذري : ضعيف . 3916 (خصلتان لا يحافظ عليهما) أي على فعلهما على الدوام (عبد مسلم إلا دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب (ألا) حرف تنبيه يؤكد به الجملة (وهما يسير ومن يعمل بهما قليل : يسبح الله تعالى في دبر كل صلاة) من المكتوبات وذلك بأن يقول سبحان الله (عشرا) من المرات (وبحمده) بأن يقول الحمد لله (عشرا) من المرات (ويكبره) بأن يقول الله أكبر (عشرا) من المرات (فذلك) أي هذه العشرات (خمسون ومائة) يعني في اليوم والليلة (باللسان وألف وخمسمائة في الميزان) أي يوم القيامة لأن الحسنة بعشر أمثالها (ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمده ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فتلك مائة باللسان وألف في الميزان) وذلك لأن عدد الكلمات المحصاة خلف كل صلاة ثلاثون وعدد الصلوات خمس في اليوم والليلة فإذا ضرب أحدهما في الآخر بلغ هذا العدد (فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة) يعني إذا أتى بهؤلاء الكلما ت خلف الصلوات وعند الاضطجاع حصل الألف وخمسمائة حسنة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة فأيكم يأتي كل يوم وليلة بذلك يعني يصير مغفورا له ذكره المظهر قال الطيبي : والفاء في فأيكم جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا تقرر ما ذكرت فأيكم يأتي بألفين وخمسمائة سيئة حتى تكون مكفرة لها فما بالكم لا تأتون بها (حم خد 4 عن عمرو) ابن العاص قال الترمذي : حسن صحيح وقال في الأذكار : وإسناده صحيح إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه خلف سببه اختلاط وقد أشار أبو أيوب السجستاني إلى صحة حديثه هذا .
[ 589 ]
3917 (خصلتان معلقان في أعناق المؤذنين للمسلمين صيامهم وصلاتهم) شبه حالة المؤذنين وإناطة الخصلتين للمؤمنين بهم بحال أسير في عنقه ربقة الرق لا يخلصه منها إلا لمن أو الفداء ذكره الطيبي (ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر : فيه مروان بن سالم الجزري وهو ضعيف ورواه الشافعي مرسلا قال الدارقطني : والمرسل هو الصحيح . 3918 (خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا من نظر في دينه إلى من هو فوقه) في الدين (فاقتدى به ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه شاكرا صابرا ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف) أي حزن وتلهف (على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا) قال الطيبي : هذا حديث جامع لأنواع الخير لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واحتقر ما عنده من نعم الله وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه وإن نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه ظهرت له نعمة الله وشكرها وتواضع وفعل الخير . (ت) في الزهد (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه المثنى بن صباح ضعفه ابن معين وقال النسائي : متروك . 3919 (خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار) وذكر في رواية الطبراني معهما الملح وعلل ذلك في رواية للطبراني أيضا فإن الله تعالى جعلهما متاعا للمقوين وقوة للمستضعفين (البزار) في مسنده (طص) كلاهما (عن أنس) قال أبو حاتم : هذا حديث منكر وأقره عليه الذهبي والحافظ ابن حجر وقال الهيثمي فيه الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف وفيه توثيق لين . 3920 (خطوتان) تثنية خطوة بالضم وهو ما بين القدمين في المشي وبالفتح المرة (إحداهما أحب الخطأ) بالضم (إلى الله تعالى) بمعنى أنه يثيب صاحبها ويرضى عنه (والأخرى أبغض الخطا إلى الله
[ 590 ]
تعالى) يعني أنه يعاقب صاحبها ولا يرضى عنه (فأما التي يحبها فرجل نظر إلى خلل في الصف) أي في صف من صفوف الصلاة (فسده) أي سدد ذلك الخلل بوقوفه فيه (وأما التي يبغض فإذا أراد الرجل أن يقوم مد رجله اليمنى ووضع يده عليها وأثبت اليسرى ثم قام) ك هق عن معاذ) بن جبل قال الذهبي في المهذب : قلت هذا منقطع . 3921 (خ‍) مبني لما لم يسم فاعله أي سهل (على داود) النبي عليه السلام (القرآن) أي القراءة أو المقروء والمراد هنا الزبور أو التوراة سمي قرآنا نظرا للمعنى اللغوي باعتبار الجمع وقيل إنما قال القرآن لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة وهذا كان من معجزاته وقال بعضهم : قرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحى إليه . وقال في التنقيح : القرآن الأول بمعنى القراءة والثاني الزبور ثم بين هذه الجملة بقوله (فكان يأمر بداوبه) في رواية بدابته ولا تعارض لأن المراد بالأفراد الجنس لا التوحيد وزمن إسراج الدواب أطول إلا أن يكون لكل دابة سائق (فتسرج) كذا هو بالفاء في خط المصنف وفي رواية تسرج بدونها وعليه هو بالرفع استئنافا كأنه قيل بماذا فقيل السرج أو النصب بإضمار أن على حد تسمع بالمعيدي (فيقرأ القرآن) الزبور أو التوراة (من قبل أن تسرج دوابه) أي من قبل الفراغ من إسراجها وقد دل الحديث على أنه سبحانه يطوي الزمان لمن شاء من عباده كما يطوي لهم المكان وذلك لا يدرك إلا بفيض سبحاني قال القسطلاني : قال لي البرهان ابن أبي شريف إن أبا طاهر المقدسي وهو من معاصريه كان يقرأ في اليوم والليلة خمسة عشر ختمة ولما كان قد يهم من كون له دواب وخدم تسرجها أنه كان على زي ملوك الدنيا في السعة في المطعم نبه به على أنه مع الاتساع إنما كان يأكل من عمل يده تحريا للحلال فقال : (ولا يأكل) أي ومع ذلك يتقلل من الدنيا ولا يأكل (إلا من عمل يده) من ثمن ما كان يعمله وهو نسج الدروع فكان يبيعها ويأكل من ثمنها لأن عمل اليد أطيب المكاسب وخص داود لأن اقتصاره في أكله على عمل يده لم يكن لحاجة لأنه كان ملكا مفخما وإنما تحرى الأفضل (حم خ) في أحاديث الأنبياء (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد . 3922 (خففوا بطونكم وظهوركم لقيام الصلاة) أي قللوا الأكل ليسهل عليكم القيام إلى التهجد في الليل فإن من كثر أكله كثر نومه فقلة الأكل ممدوحة شرعا وطبا وكثرته مذمومة شرعا وطبعا
[ 591 ]
وقلة الأكل أصل لكل خير ولو لم يكن إلا تنوير الباطن وإفاضة النور على الجوارح لكفى ، ونقل عن المعلم الأول أرسطو أنه قال يا أبناء الحكمة لا تتخذوا بطونكم قبورا للحيوانات ومعادن للجيف فإن ذلك يفضي بكم إلى التلف (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي . 3923 (خلقت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما) إذا استمسكتم بهما (كتاب الله) القرآن (وسنتي) أمي طريقتي وهدايتي (ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) الكوثر يوم القيامة وقد تقدم تقريره فيما فيه بلاغ (أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الدارقطني باللفظ المزبور وفيه كما قال الفرياني صالح بن موسى ضعفوه وعنه داود بن عمر الضبي قال أبو حاتم : منكر الحديث . 3924 (خلقان) تثنية خلق بالضم وهو الطبع والسجية (يحبهما الله) أي يرضاهما ويثيب عليهما ثوابا جزيلا (وخلقان يبغضهما الله) أي ينهى عنهما ويعاقب عليهما (فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء) بالمد الجود والكرم (والسماحة) أي الإعطاء بطيب نفس وفي رواية للديلمي الشجاعة بدل السماحة (وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل) وهما مما يقرب إلى النار ويقود إليها كما في عدة أخبار (وإذا أراد الله بعبد خيرا) أي عظيما جدا كما يفيده التنكير (استعمله على قضاء حوائج الناس) أي ثم ألهمه القيام بحقها والوفاء بما استعمل عليه فمن وفقه الله لذلك فقد أنعم عليه بنعم جليلة يلزمه الشكر عليها وذلك علامة حسن الخاتمة لكن الأمر كله على النية والعمل لوجه الله تعالى لا الغرض ولا لعرض وإلا انعكس الحال فاعلم ذلك فإنه لا بد منه (هب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه الأصفهاني وغيره . 3925 (خلق الله الخلق) أي قدرهم والخلق التقدير وهو الأصل مصدر (فكتب آجالهم وأرزقهم) * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * ومن رام منهم فوق ما فرض له من الرزق فقد كد نفسه وأتعب جسمه ولم يأت إلا ما قدر له (خط عن أبي
[ 592 ]
هريرة) وفيه عبد الرحمن بن عبد العزيز قال الذهبي في الضعفاء : مضطرب الحديث وبشر بن المفضل مجهول . 3926 (خلق الله جنة عدن) قيل اسم لجنة من الجنات وقال ابن القيم : الصحيح أنها اسم لها كلها فكلها جنات عدن قال الله تعالى * (جنات عدن) * والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن أقام (غرس أشجارها بيده) أي بصفة خاصة وعناية تامة فإن الشخص لا يضع يده في أمر إلا إذا كان له به عناية شديدة فأطلق اللازم وهو اليد وأراد الملزوم وهو العناية مجازا لأن اليد بمعنى الجارحة محال على الله وذلك تفضيل لها على غيرها فاصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه قال بعضهم : فهي سيدة الجنان وهو سبحانه وتعالى يختص من كل نوع أمثله وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن البلاد مكة ومن الأشهر المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام الجمعة ومن الليل أوسطه ومن الدعاء أوقات الصلوات وقوله أعني ابن القيم ومن السماوات العليا جرى فيه على عقيدته الزائغة من القول بالجهة والرجل يصرح بذلك ولا يكنى وينعق به ولا يشير ومن جملة عبارته : الله على العرش والكرسي موضع قدميه وفي موضع هو على العرش فوق السماء السابعة وفي آخر جنة عدن مسكنه الذي يسكن فيه لا يكون معه أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون اه‍ وما ذكره آخرا نقيض لما صححه أولا من أنها اسم لجملة الجنان لا لواحدة منها إذ كيف يكون اسما لجميعها ولا يسكنها إلا من ذكر فأين يكون عامة الناس (فقال لها) أي الله تعالى (تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون) أي فازوا وظفروا ، زاد في رواية طوبى لهم منزل الملوك وهذا الكلام يحتمل كونه بلسان الحال ولا مانع من كونه بلسان المقال فإن الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في أي شئ أراد (ك) في التفسير (عن أنس) وقال : صحيح وتعقبه الذهبي فقال : بل ضعيف انتهى وفي الميزان باطل . 3927 (خلق الله آدم من تراب) في رواية من طين (الجابية وعجنه بماء الجنة) قال القاضي : قد اشتهر أن آدم قد خلق من طين وأنه كان ملقى ببطن عمان وهو من أودية عرفات وظاهر هذا الحديث وصريح غيره أنه خلق في الجنة ووفق بأن طينته خمرت في الأرض وألقيت فيها حتى استعدت لقبول الصورة الإنسانية فحملت إلى الجنة فصورت ونفخ فيه الروح فيها (الحكيم) الترمذي (عد عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن رافع قال في الميزان : قال الدارقطني وغيره : متروك الحديث وقال ابن عدي أحاديثه كلها فيها نظر ثم ساق هذا الخبر .
[ 593 ]
3928 (خلق الله آدم على صورته) أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغير هيئته بخلاف بنيه فإن كلا منهم يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما وأعصابا عارية ثم مكسوة لحما ثم حيوانا مجننا لا يأكل ولا يشرب ثم يكون مولودا رضيعا ثم طفلا مترعرعا ثم مراهقا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا أو خلقه على صورة حال يختص به لا يشاركه أنواع أخر من المخلوقات فإنه يوصف مرة بالعلم وأخرى بالجهل وتارة بالغواية والعصيان وطورا بالهداية والاستغفار ولحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من الجنان ولحظة يتسم بسمة الاجتباء ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء وبرهة يستعمل بتدبير الأرضين وساعة يصعد بروحه إلى عليين وطورا يشارك البهائم في مطعمه ومنكحه وطورا يسابق الكروبيين في ذكره وفكره وتسبيحه وتهليله وقيل الضمير لله تعالى بقرينه رواية خلق آدم على صورة الرحمن (1) والمعنى خلق آدم على صورة اجتباها وجعلها من جميع مخلوقاته إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته ولذلك قيل الإنسان عالم صغير . (تنبيه) قال ابن عربي : لما وصل الوقت المعين في علمه تعالى لإيجاد هذا الخليفة الذي يهدي الله المملكة بوجوده وذلك بعد أن مضى من عمر الدنيا سبعة عشر ألف سنة أمر بعض ملائكته أن يأتيه بقبضة ة من كل أجناس تربة الأرض فأتاه بها فأخذها سبحانه وخمرها بيده حتى تغير ريحها وهو المسنون وهو ذلك الجزء الهوائي الذي في الإنسان وجعل جسده محلا للأشقياء والسعداء من ذريته وجمع في طينته الأضداد بحكم المجاورة وأنشأه على الحركة المستقيمة وذلك في دولة السنبلة وجعله ذا جهات ست فوق وهو ما يلي رأسه وتحت وهو ما يلي رجليه ويمين وهو ما يلي جانبه الأقوى وشمال وهو ما يلي جانب الأضعف وأمام وهو ما يلي الوجه وخلف وهو ما يلي الفضاء وصوره وعدله وسواه ثم نفخ فيه روحه المضاف إليه فسرى في أجزائه أربعة أركان الأخلاط إذ كانت الصفراء عن الركن الناري والسوداء عن التراب ، والدم عن الهواء وهو قوله مسنون والبلغم من الماء الذي عجن به التراب فصار طينا ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها تجذب الأغذية ثم الماسكة وبها يمسك الحيوان ما يتغذى به ثم الهاضمة وبها يهضم الغذاء ثم الدافعة وبها يهضم الفضلات عن نفسه من عرق وبخار وريح وبراز وأما سريان الأبخرة وتقسم الدم في العروق وفي الكبد فبالقوة الجاذبة لا الدافعة ثم أحدث فيه القوة الغاذية والمنمية والحاسة والخيالية والوهمية والحافظة والذاكرة وهذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا بما هو إنسان فقط إلا أن هذه القوى الأربع قوة الخيال والوهم والحفظ والذكر في الإنسان أقوى ثم خصت بالقوة المصورة المفكرة والعاقلة وجعل هذه القوى آلات للنفس الناطقة ليصل بها إلى جميع منافعها
[ 594 ]
وجعله دارا لهذه القوى فتبارك الله أحسن الخالقين ثم ما سمى نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان من التخلق به حظا منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به ، ولذلك تأول بعضهم قوله في الخبر خلق الله آدم على صورته على هذا المعنى والحديث خرج مخرج الزجر والتهويل لوروده عقب قوله لا تقولوا قبح الله وجهك فإن الله خلق آدم على صورته أي صورة هذا الوجه المقبح ذكره القاضي (وطوله ستون ذراعا) بذراع نفسه أو بالذراع المتعارف يومئذ للمخاطبين أو بالذراع المعروف عندنا ورجح الأول بأن حسن الخلق يقتضي اعتدال الأعضاء وتناسبها ومن قصرت ذراعه عن ربع قامته أو طالت خرج عن الاعتدال ومن قامته ستون ذراعا بذراع نفسه فذراعه سدس من عشر قامته فيخرج عن الاعتدال وزاد أحمد في روايته بعد ما ذكر في سبعة أذرع عرضا ولم ينتقل أطورا كذريته (ثم قال له اذهب فسلم على أولئك النفر) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد ولا حجة فيه لمن أوجب ابتداء السلام لأنها واقعة حال لا عموم لها (وهم نفر من الملائكة جلوس) قال ابن حجر : لم أقف على تعيينهم (فاستمع) في رواية فاسمع (ما يحيونك) بمهملة من التحية وفي رواية بجيم من الجواب (فإنها تحيتك وتحية ذريتك) من جهة الشرع أو أراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون (فذهب فقال السلام عليكم) يحتمل أنه تعالى علمه كيفية ذلك نصا وكونه فهمه من قوله له سلم وكونه ألهمه ذلك (فقالوا السلام عليك ورحمة الله) وهذا أول مشروعية السلام وتخصيصه لأنه فتح باب المودة وتأليف لقلوب الأخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما في خبر مسلم : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم واستأنس بهذا من أجاز حذف الواو في الرد ووجهه أن المسلم عليه مأمور بمثل تحية المسلم عدلا وأحسن منها فضلا فإذا رد بالمثل أتى بالعدل (فزادوه) الضمير لآدم والزيادة تتعدى إلى مفعولين ومفعوله الثاني قوله (ورحمة الله) وفيه مشروعية زيادة الرد واتفقوا على وجوب الرد لأن السلام الآمان فإذا ابتدأ به المسلم فلم يحيه أوهم الشر قال القرطبي : وقد دل هذا الخبر على تأكد السلام وأنه من الشرائع القديمة الذي كلف بها آدم ثم لم تنسخ في شريعة اه‍ لكن في خبر ما حسدتكم اليهود إلخ يدل على أنه من خصوصياتنا (فكل من يدخل الجنة) من بني آدم يدخلها وهو (على صورة آدم) أي على صفته في الحسن والجمال والطول ولا يدخلها على صورة نفسه من نحو سواد وعاهة وهو يدل على عفة البعض من نحو سواد ينتفي عند دخولها (في طوله ستون ذراعا) بذراع نفسه أو بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين أو بذراع الشرع المعروف الآن على ما تقرر فيما قبله وروى ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا يدخل أهل الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين اه‍ وقال ابن حجر : وروى
[ 595 ]
عبد الرزاق أن آدم لما هبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء فحطه الله إلى ستين ذراعا فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء فطرته وظاهر هذا الحديث أنه خلق ابتداء على طول ستين ذراعا وهو المعتمد (فلم تزل الخلق تنقص بعده) في الجمال والطول (حتى الآن) فانتهى التناقص إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك فإذا دخل الجنة عادوا إلى ما كان آدم عليه من الكمال والجمال وامتداد القامة وحسن الهامة وفي مثير الغرام في زيارة القدس والشام أن آدم كان أمرد وإنما حدثت اللحية لولده وكان أجمل البرية . (تنبيه) قال السمهودي ما ذكر من الصفات من طول آدم وغيره ثابت لكل من دخل الجنة كما تقرر فيشمل من مات صغيرا بل جاء ما يقتضي ثبوت جميع ذلك للسقط فروى البيهقي بسند حسن عن المقداد ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وأنحاء الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاث وثلاثين فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب ومن كان من أهل النار عظم كالجبال ، والآن بالنصب ظرف يعني حتى وصل النقصان إلى الوقت الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه الحديث قيل هذا مقدم في الترتيب على قوله فكل من يدخل الجنة إلخ (تنبيه) قال ابن حجر : يشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السابقة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب المار وعهدهم قديم والزمن الذي بينهم وبين آدم دون ما بينهم وبين أولاد هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال (حم ق عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني وغيره . (1) والمراد بالصورة الصفة والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك وإن كانت صفات الله لا يشبهها شئ . 3929 (خلق الله) أي قدر (مائة رحمة) ورحمته إرادة الأنعام أو فعل الإكرام (فوضع) منها (رحمة واحدة بين خلقه) أي بين جميع مخلوقاته من أنس وجن وحيوان وغيرها (يتراحمون بها) أي يرحم بعضهم بعضا بها حتى أن الدواب ترحم أولادها فترفع حافرها مخافة أن يصيبه فيؤلمه (وخبأ عنده مائة إلا واحدة) إلى يوم القيامة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة الواسعة لم ييأس من الجنة كما مر ذلك مبسوطا (م ت عن أبي هريرة) . 3930 (خلق الله التربة) يعني الأرض والترب والتراب والتربة واحد لكنهم يطلقون التربة على التأنيث ذكره ابن الأثير (يوم السبت) قال الحرالي : أصل السبت القطع للعمل ونحوه اه‍ وفيه رد زعم اليهود أنه أبتدأ في خلق العالم يوم الأحد وفرغ يوم الجمعة واستراح السبت قالوا : ونحن نستريح فيه كما استراح الرب وهذا من جملة غباوتهم وجهلهم إذ التعب لا يتصور إلا على حادث * (إنما أمرنا
[ 596 ]
لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء) لا ينافيه رواية مسلم وخلق التقوي أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء لأن كلاهما خلق فيه (وخلق النور) بالراء ولا ينافيه رواية النون أي الحوت لأن كلاهما خلق فيه (يوم الأربعاء) مثلث الباء كما سبق وما تقرر من أن المراد بالمكروه الشر هو الظاهر الملائم للسياق بقرينة قوله وخلق النور يوم الأربعاء والنور خير ذكره ابن الأثير وإنما سمى الشر مكروها لأنه ضد المحبوب (وبث فيها) قال الحرالي : من البث وهو تفرقه آحاد متكثرة في جهات مختلفة (الدواب) من الدبيب وهو الحركة بالنفس (يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل) استدل به في المجموع للمذهب الصحيح أن أول الأسبوع السبت وعليه أكثر أصحاب الشافعي بل في الروض الأنف لم يقل بأن أوله الأحد إلا ابن جرير وإنما خلقها في هذه الأيام ولم يخلقها في لحظة وهو قادر عليه تعليما لخلقه الرفق والتثبيت (تنبيه) سئل شيخ الإسلام زكريا هل خلق الله السماوات والأرض في الأسبوع الذي خلق فيه آدم أم قبله وهل عمر الأرض قبل خلقه أم لا فأجاب بما نصه ظاهر الأحاديث أن الله خلق السماوات والأرض في الأسبوع الذي خلق فيه آدم فقد روى أنه خلق الأرض يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين والظلمة يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس وخلق فيه السماوات إلى ثلاث ساعات بقيت من يوم الجمعة فخلق في الساعة الأولى الآفات والآجال والثانية الأرزاق والثالثة آدم وأما الأرض فعمرها قبل آدم الجن ومنهم إبليس اه‍ بنصه (حم م) وكذا النسائي (عن أبي هريرة) قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فذكره قال الزركشي : أخرجه مسلم وهو من غرائبه وقد تكلم فيه ابن المديني والبخاري وغيرهما من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الأحبار وأن أبا هريرة إنما سمعه منه لكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا وقد حرر ذلك البيهقي ذكره ابن كثير في تفسيره وقال بعضهم هذا الحديث في متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها من سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين . 3931 (خلق الله عز وجل الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض) أي على صورتها ومن ثم ندب إنذارها قبل قتلها (وصنف كالريح في الهواء) وهذان الصنفان لا حساب ولا عقاب عليهما كما يشير إليه قوله (وصنف عليهم الحساب والعقاب) أي مكلفون ولهم وعليهم
[ 597 ]
فيما كلفوا ما يستحقونه (وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف صنف كالبهائم) زاد الديلمي في روايته هنا قال الله تعالى * (لهم قلوب لا يفقهون بها) * الآية (وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأروحهم أرواح الشياطين) أي مثلها في الخبث والشر (وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله) يعني في ظل عرشه فلا يصبهم وهج الحر في ذلك الموقف الأعظم حين يصيب الناس ويلجمهم العرق إلجاما قال الغزالي : قال وهب : بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا فقال : أخبرني عن بني آدم قال : هم عندنا ثلاثة أصناف أما صنف منهم فأشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نعنته ونتمكن منه ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شئ أدركنا منه ثم نعود إليه فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن منه في عناء والصنف الآخر في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا والصنف الثالث مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ (الحكيم) الترمذي في النوادر (وابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (مكايد الشيطان وأبو الشيخ في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في تفسيره وكذا الديلمي كلهم (عن أبي الدرداء) وفيه يزيد بن سنان الزهاوي قال في الميزان ضعفه ابن معين وغيره وتركه النسائي ثم ساق له مناكير هذا منها . 3932 (خلق الله آدم فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم اللبن ثم ضرب كتفه اليسرى فخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم قال هؤلاء في الجنة) واستعملهم بالطاعة (ولا أبالي وهؤلاء في النار) واستعملهم بالمعاصي (ولا أبالي) فمن سبقت له السعادة قيض الله له من الأسباب ما يخرجه من الظلمات إلى النور ومن غلبت عليه الشقوة سلط عليه الشياطين فأخرجته من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والحيرة فهو الهادي والمضل يضل من يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه فتعالى الله الملك * (لا يسأل عما يفعل) * (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجيب فقد خرجه عن أبي الدرداء أحمد والطبراني والبزار وغيرهم قال الهيثمي : ورجاله ثقات انتهى . فعدول المصنف لابن عساكر مع وجود هؤلاء قصور أو تقصير .
[ 598 ]
3933 (خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وخلق فرعون في بطن أمه كافرا) قال الذهبي : وكذلك جميع من خلقه فليس للرسل اثر في سعادة أحد كما أنه ليس لإبليس أثر في شقاوة أحد لتمييز أهل القبضتين عند الحق قبل بعثة الرسل لا يزيدون ولا ينقصون اه‍ ومذهب أهل الحق أن الإيمان لا ينفع عند الغرغرة ولا عند معاينة عذاب الاستئصال وأخذ علماء الأمة الذين عليهم المعول من ذلك إجماعهم على موت فرعون على كفره وأنه لم ينفعه قوله حين أدركه الغرق * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * وأما ما صرح به القاضي عبد الصمد الحنفي من أهل القرن الخامس أن مذهب الصوفية أن الإيمان ينتفع به ولو كان بعد معاينة العذاب فلا التفات له لمحالفته لما حكى عليه الإجماع وكذا ما جزم به في الفتوحات من صحة الإيمان عند الاضطرار وأن فرعون مؤمن فلا التفات لذلك وإن كنا نعتقد جلالة قائله فإن العصمة ليست إلا للأنبياء وفيه رد لقول بعض الفرق إن الكفر والإيمان مكتسبان للعبد غير مخلوقين ولقول البعض الكفر مخلوق دون الإيمان (تنبيه) قال الغزالي : من هنا يأتي الشيطان الإنسان فيقول لا حاجة لك إلى العمل لأنك إن خلقت سعيدا لم يضرك قلة العمل أو شقيا لم ينفعك فعله فإن عصم الله العبد رده بأن يقول له إنما أنا عبد الله وعلى العبد امتثال العبودية والرب أعلم بربوبيته يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ولأنه ينفعني العمل كيف كنت لأني إن كنت سعيدا احتجت إليه لزيادة الثواب أو شقيا فكذلك كي لا ألوم نفسي على أن الله لا يعاقبني على الطاعة بكل حال كيف ووعده الحق وقد وعد على الطاعة الثواب (عد طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال الهيثمي : إسناده جيد انتهى وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن سليم العبدي من حديثه عن النسائي وغيره أنه غير قوي وعن آخرين أنه ثقة . 3934 (خلق الله الحور العين من الزعفران) وفي رواية ذكرها الثعلبي في تفسيره أنهن خلقن من تسبيح الملائكة وفي رواية أخرى من المسك وقد يجمع بخلق بعض من زعفران وبعض من تسبيح وبعض من مسك وفي شرح البخاري لابن الملقن عن ابن عباس خلقت الحور من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ومن عنقها إلى نهاية رأسها من الكافور الأبيض قال ابن القيم : هن المنشئات في الجنة لسن مولودات بين الآباء والأمهات وإذا كانت هذه الخلقة الآدمية التي هي أحسن الصور ومادتها من تراب فما الظن بصورة خلقت من مادة زعفران الجنة (طب عن أبي أمامة) ورواه عنه الديلمي أيضا .
[ 599 ]
3935 (خلق الله الإنسان والحية سواء إن رآها أفزعته وإن لدغته أوجعته فاقتلوها حيث وجدتموها) قاله حين سئل عن قتل الحيات (الطيالسي) ثم الديلمي (عن ابن عباس) قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحية فقاله ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط قال الهيثمي : وفيه جابر غير منسوب والظاهر أنه الجعفي وقد ضعفوه . 3936 (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان) أبو الجن أو إبليس (من مارج من نار) أي من نار مختلطة بهواء مشتعل والمرج الاختلاط فهو من عنصرين هواء ونار كما أن آدم من عنصرين تراب وماء عجن به فحدث له اسم الطين كما حدث للجن اسم المارج (وخلق آدم مما وصف لكم) ببناء وصف للمفعول أي بما وصفه الله لكم في مواضع من كتابه ففي بعضها أنه خلقه من ماء وفي بعضها من تراب وفي بعضها من المركب منهما وهو الطين وفي بعضها من تراب ، وفي بعضها من صلصال وهو طين ضربته الشمس والريح حتى صار كالفخار قال الغزالي : قد اجتمع في الفخار والنار والطين ، والطين طبعه السكون والنار طبعها الحركة فلا يتصور نار مشعلة تسكن بل لا تزال تتحرك بطبعها وقد كلف المخلوق من النار أن يطمئن من حركته ساجدا لما خلق من طين فأبى واستكبر أن يسجد لآدم فلا مطمع في سجوده لأولاده (تنبيه) قال ابن عربي : قال مما وصف لكم ولم يقل كما قال فيما قبله طلبا للاختصار فإنه أوتي جوامع الكلم وهذا منها إذ الملائكة لم يختلف أصل خلقتها ولا الجان وأما الإنسان فاختلف خلقه على أربعة أنواع فخلق آدم لا يشبه خلق حواء وخلق حواء لا يشبه خلق آدم وخلق عيسى لا يشبه خلق الكل فأحال على ما وصل إلينا من تفصيل خلق الإنسان ولما كان خلق الجان من نار كان فيه طلب القهر والاستكبار فإن النار أرفع الأركان مكانا ولها سلطان على الإحالة فلذلك قال * (أنا خير منه) * وما علم أن سلطان الماء الذي خلق منه آدم أقوى منه فإنه يذهبه والتراب أثبت منه ليرده ويبسه فلآدم القوة والثبوت لغلبة دينك الركنين عليه وإن كان فيه الآخران لكن ليس لهما ذلك السلطان وأعطى آدم التواضع للطينة فإن تكبر فلعارض بقلبه لما فيه من النارية كما يقبل اختلاف الصور في خياله وأحواله من الهوائية وأعطى الجان التكبر للنارية فإن تواضع فلعارض لما فيه من الترابية كما يقبل الثبات على الإغواء إن كان شيطانا وعلى الطاعة إن لم يكن ففيهم الطائع والعاصي ولهم التشكل في أي صورة شاؤوا وفيهم التناسل كما مر وكان وجودهم بالقوس وهو ناري هكذا ذكر الوالد حفظه الله تعالى فكان بين خلق الجان وخلق آدم ستون ألف سنة والتوالد في الجن باق إلى اليوم كما فينا فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار والجان أرواح منفوخة في رياح والأناس أرواح منفوخة في
[ 600 ]
أشباح ويقال لم يفصل عن الجني الأول أنثى كما فصلت حواء بل خلق له فرج في نفسه فنكح بعضه بعضا فأتى بذكران وإناث ثم نكح بعضها بعضا فكان خلق خنثى ولما غلبت على الجن عنصر الهواء والنار كان غذاؤهم ما يحمله له الهواء مما في العظام من الدسم وصفته اجتماع بعضهم ببعض في النكاح مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون ومن فرن الفخار يدخل بعضه في بعض فيلتذ كل منهما بذلك التداخل ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة بمجرد الرائحة كغذائهم (حم م) في آخر الصحيح (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري . 3937 (خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم) فبينها وبين بني آدم قرابة وتشابه معنوي وفي الحديث المار أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مم خلقت النخلة فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر ولا أقدم مع أن الديلمي خرجه عن أبي سعيد أيضا لكن سنده مطعون فيه . 3938 (خلل) ندبا صرف الأمر عن الوجوب لأخبار أخر (أصابع يديك ورجليك) في الوضوء والغسل فإيصال الماء إلى ما بين الأصابع واجب والتخليل سنة ويحصل التخليل بأي كيفية كانت والأفضل كيفية مبينة في الفروع (حم عن ابن عباس) قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ من أمر الصلاة فقال له خلل إلخ . قال الهيثمي : فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف . 3939 (خللوا) ندبا والصارف عن الوجوب أخبار أخر (بين أصابعكم) أي أصابع يديكم ورجليكم إذا تطهرتم (لا) يعني لئلا (يخللها الله يوم القيامة بالنار) يعني حافظوا على التخليل واحذروا تفريطكم فيه فإن من أهمله يخلله الله يوم القيامة بنار جهنم قال الكمال : مؤدى التركيب أي تركيب هذا الخبر أن التخليل يراد لعدم التخلل وهو لا يستلزم أن عدم التخليل يستلزم تخلل النار إلا لو كان علته مساوية وهو منتف وإلا كان التخليل واجبا بعد اعتقادهم حجية الحديث لكن المعدود في السنن التخليل بعد العلم بوصول الماء إلى ما بينهما وهو غير واجب وحينئذ فليس هو مقرونا بالوعيد بتقدير الترك فلا حاجة إلى ضمه في السؤال القائل خللوا يفيد الوجوب فكيف وهو مقرون بالوعيد ثم تكلف الجواب بأنه مصروف عنه بحديث الأعرابي وحديث حكاية وضوئه عليه السلام إذ ليس فيهما التخليل
[ 601 ]
والوعيد مصرو ف إلى ما لو لم يصل الماء بين الأصابع (قط عن أبي هريرة) قال الحافظ أبو حجر : إسناده واه جدا وتبعه السخاوي وقال ابن الهمام : حديث ضعيف بيحيى بن ميمون التمار . 3940 (خللوا بين أصابعكم) أي أصابع أيديكم وأرجلكم (لا يخلل الله بينهما بالنار ويل للأعقاب من النار) أي شدة هلكة لأعقاب أرجلكم من عذاب نار جهنم (قط عن عائشة) قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويخلل بين أصابعه ويدلك عقيبه ويقول خللوا أصابعكم لا يخلل الله بينهما بالنار ويل للأعقاب من النار هذا لفظ الدارقطني من رواية عمر بن قيس ثم قال أعني الدارقطني ضعيف لضعف قيس ويحيى بن ميمون وقال ابن حجر : سنده ضعيف جدا اه‍ ورواه الطبراني والديلمي من حديث ابن مسعود ثم قال الديلمي : وفي الباب أبو هريرة اه‍ فكان ينبغي للمصنف استيعاب مخرجيه إشارة لاكتسابه بعض القوة . 3941 (خللوا لحاكم) في الوضوء والغسل بالكيفية المعروفة (وقصوا أظفاركم) من اليدين والرجلين إذا طالت (فإن الشيطان) إبليس ويحتمل أن أل فيه للجنس (يجري ما بين اللحم والظفر) فإنه يحب الأنتان والأقذار وما يجتمع تحت الظفر من الوسخ يحبه فيسكن إليه ومن فوائد التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشر ومباشرة البشرة والشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به والأمر للندب ، نعم إن توقف إيصال الماء على التخليل وإزالة الظفر وجب (خط في) كتاب (الجامع وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله . 3942 (خليلي من هذه الأمة أويس) بن عامر أو عمرو (القرني) بفتح القاف والراء نسبة لقبيلة من مراد من اليمن ووهم الجوهري في قوله قرن الميقات وهو راهب هذه الأمة لم يره النبي صلى الله عليه وسلم وإنما دل على فضله قتل مع علي بصفين وقيل مات على أبي قبيس وقيل بدمشق وذكروا في موته قصصا تشبه المعجزات وفي الميزان عن مالك أنه أنكره . وقال ابن حبان : كان بعض أصحابنا ينكرونه (ابن سعد) في الطبقات (عن رجل) من التابعين (مرسلا) غير مسند . 3943 (خمروا) غطوا وكل ما سترك من شئ فهو خمر (الآنية) جمع قلة كأدمة جمع أديم ذكره الزمخشري (وأكئوا) بكسر الكاف : شدوا (الأسقية) أي أفواهها بنحو خيط (وأجيفوا) بحيم وفاء
[ 602 ]
أغلقوا (الأبواب) أي أبواب دوركم (واكفتوا) بهمزة وصل بكسر الفاء (صبيانكم) أي ضموهم إليكم والمراد أولادكم ذكورا وإناثا (عند المساء) أي الغروب وما بين العشاءين فامنعوهم من الحركة وأدخلوهم البيوت (فإن للجن) بعد الغروب (انتشارا وخطفة) بالتحريك جمع خاطف وهو أن يأخذ الشئ بسرعة والخطفة الأخذ بسرعة (وأطفئوا) بهمزة قطع وسكون المهملة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة (المصابيح عند الرقاد) أي عند إرادة النوم (فإن الفويسقة) بالتصغير الفأرة (ربما اجترت الفتيلة) من المصباح بجيم ساكنة وفوقية وراء مشددة مفتوحتين (فأحرقت أهل البيت) وهم لا يشعرون وهذا يفيد أنه لو أمن جرها كما لو كان في قنديل لا يطلب إطفاءه عند النوم وقد سبق ما فيه والأوامر في هذا الباب وأمثاله إرشادية وتنقلب ندبية بفعلها بقصد الامتثال (خ عن جابر) كلام المصنف كالصريح في أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو غفلة فقط عزاه الديلمي وغيره لهما معا . 3944 (خمروا وجوه موتاكم) يعني المحرمين فإنه قال ذلك في المحرم يموت (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) في رواية بدله بأهل الكتاب فإنهم لا يغطون وجوه من مات منهم والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها والجمع خمر مثل كتاب وكتب واختمرت المرأة وتخمرت لبست الخمار (طب) من حديث عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجاله ثقات . 3945 (خمس) من الخصال (بخمس) أي مقابلة بها (ما نقض قوم العهد) أي ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قوما آخرين (إلا سلط عليهم عدوهم) جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به (وما حكموا بغير ما أنزل الله) في كتابه القرآن عن عمد أو جهل (إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة) يعني الزنا ولم ينكروا على فاعله (إلا فشا فيهم الموت) كما وقع في قصة بني إسرائيل (ولا طففوا المكيال إلا منعوا) بضم الميم (النبات) يعني البركة فيه (وأخذوا بالسنين) قال في الفردوس : يقال لعام المجاعة والقحط سنة وجمعها سنون (ولا منعوا الزكاة) أي إعطاءها إلى مستحقيها (إلا حبس عنهم الفطر) أي المطر (طب عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقط خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس كما بينه الديلمي وغيره .
[ 603 ]
3946 (خمس صلوات) قال الطيبي : مبتدأ وقوله (افترضهن الله عز وجل) صفة صلوات والجملة الشرطية بعده خبر وهي قوله (من أحسن وضوءهن) أي أتى به كاملا بسننه وآدابه (وصلاهن لوقتهن) أي لأوقاتهن المعلومة ولعله المراد في أول أوقاتهن (وأتم ركوعهن وسجودهن) أي أتى بهما تامين بأن اطمأن فيهما ووفى حقهما من الأذكار الواردة (وخشوعهن) بقلبه وجوارحه (كان له على الله) تفضلا وتكرما (عهد أن يغفر له) إما جملة محذوفة مبتدأ أو صفة عهد وإما بدل من عهد وهو الأمان والعهد الميثاق وعهد الله واقع لا محالة * (إن الله لا يخلف الميعاد) * قال الطيبي : وقوله أن يغفر له على حذف الياء فإن العهد في معنى الوعد كما يقال وعد بكذا (ومن لم يفعل) ذلك على الوجه المذكور (فليس له على الله عهد إن شاء غفر له) ما ترك من الصلوات وعفى عنه فضلا (وإن شاء عذبه) عدلا قال القاضي : شبه وعد الله بإثابة المؤمن على عمله بالعهد الموثوق به الذي لا يخلف ووكل أمر التارك إلى مشيئته تجويز للعفو وأنه لا يجب على الله شئ ومن ديدن الكرام محافظة الوعد والمسامحة في الوعيد (د هق عن عبادة بن الصامت) واللفظ لأبي داود وظاهر صنيع المؤلف أن أبا داود تفرد به من بين الستة وليس كذلك بل قد عزاه الصدر المناوي وغيره للترمذي والنسائي أيضا . 3947 (خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن) قال الباجي : احترز عن السهو وقال ابن عبد البر : تضييعها أن لا يقيم حدودها (كان له عند الله عهد أن يدخل الجنة) أي مع السابقين أو من غير تقديم عذاب (ومن لم يأت بهن) على الوجه المطلوب شرعا (فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه) عدلا (وإن شاء أدخله الجنة) برحمة فضلا فعلم من هذا وما قبله وبعده أن تارك الصلاة لا يكفر وأنه لا يتحتم عذابه بل هو تحت المشيئة (مالك حم د ن ه حب ك عن عبادة بن الصامت) قال الزين العراقي : وصححه ابن عبد البر . 3948 (خمس صلوات) واجبات في اليوم والليلة (من حافظ عليهن) أي على فعلهن (كانت له نورا) في قبره وحشره (وبرهانا) تخاصم وتحاجج عنه (ونجاة) من العذاب (يوم القيامة ومن لم يحافظ
[ 604 ]
عليهن) أي على أدائهن بالشروط والأركان (لم يكن له نور يوم القيامة) حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم ومن خلفهم (ولا برهان ولا نجاة) من العذاب (وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف) الجمحي الذي آذى الله ورسوله وبالغ في ذلك حتى قتله الله بيد رسوله يوم أحد ولم يقتل بيده قط أحد غيره وفي ذكره مع هؤلاء إشعار بأنه أشقى هذه الأمة وأشدها عذابا مطلقا ويؤيده خبر أشقى الناس من قتل نبيا أو قتله نبي (ابن نصر عن ابن عمرو) بن العاص . 3949 (خمس فواسق) قال النووي : روي بالإضافة وبالتنوين قال الطيبي : إن روي منونا وفواسق مرفوعا يكون مبتدأ موصوفا (تقتلن) خبره وإن روي منصوبا يكون خمس صفة محذوف وفواسق معترضة نصبا على الذم قال الزمخشري : أصل الفسق الخروج عن الاستقامة والجور وقيل للعاصي فاسق لذلك وسميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وخروجهن عن الحرمة وقال غيره : سميت فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب (في الحل والحرم) لا حرمة لهن بحال والحرم بفتح الحاء والراء حرم مكة أو بضمها جمع حرام من قبيل * (وأنتم حرم) * والمراد المواضع المحرمة وعليه اقتصر في المشارق قال النووي : والفتح أظهر (الحية) المراد بها هنا ما يشمل الثعبان (والغراب الأبقع) الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد قوم ورجح جمع الإطلاق لأن روايته أصح (والفأرة) بهمزة ساكتة وتسهل (والكلب العقور) من أبنية المبالغة أي الجارح المفترس كأسد وذئب ونمر سماه كلبا لاشتراكهما في السبعية ونظيره قوله في دعائه على عتبة اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه أسد وقيل أراد الكلب المعروف (والحديا) بضم الحاء وفتح الدال وشد الياء مقصور بضبط المصنف فهو تصغير الحدأة وأحد الحدأ الطائر المعروف قال ابن العربي أمر بالفتل وعلل بالفسق فيتعدى الحكم إلى كل من وجدت فيه العلة ونبه بالخمسة على خمسة أنواع من الفسق فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير وكذا بالحدأة ويزيد الغراب بحل سفرة المسافر ونقب جريه وبالحية على كل ما يلسع والعقرب كذلك والحية تلسع وتفترس والعقرب يلسع ولا يفترس وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنازل المؤذية وبالكلب العقور على كل مفترس ومعنى فسقهن خروجهن عن حد الكف إلى الأذية (م ن ه عن عائشة) . 3950 (خمس) من الحيوانات (قتلهن حلال في الحرم) فالحل أولى (الحية والعقرب والحدأة
[ 605 ]
والفأرة والكلب العقور) فيباح بل يجب قتلهن في أي محل كان ولو في جوف الكعبة لأن ما كان ممنوعا منه ثم جاز وجب قال النووي : اتفق العلماء على أنه يجوز للمحرم قتلهن ثم اختلف فيما يكون في معناهن فقال الشافعي : المعنى في جواز قتلهن كونهن مؤذيات فكل مؤذ للمحرم قتله وما لا فلا . ويجوز أن يقتل في الحرم كل من وجب عليه قتل بقود أو رجم أو محاربة ويجوز إقامة الحدود فيه (د عن أبي هريرة) . 3951 (خمس كلها فاسقة) قال أبو البقاء : كذا وقع في هذه الرواية بالتاء ووجهه أنه محمول على المعنى فإن المعنى كل منهن فاسقة ويجوز أن يكون ألحق التاء للمبالغة كقولهم رجل نسابة وخليفة ولو حمل على اللفظ لقال كلهن فاسق كما قال الله تعالى * (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) * انتهى (يقتلهن المحرم) حال إحرامه ولا يؤزر بل يؤجر (ويقتلهن في الحرم) ولو في المسجد (الفأرة والعقرب والحية والكلب العقور والغراب) سمي به لسواده ومنه * (وغرابيب سود) * وهما لفظتان بمعنى واحد والعرب تتشاءم به ولذلك اشتقوا منه الغربة والاغتراب وغراب البين هو الأبقع قال صاحب المجالسة : سمي غراب البين لأنه بان من نوح لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع وقال ابن قتيبة : سمي فاسقا لتخلفه عن نوح حين أرسله ليأتيه بخبر أرض فترك أمره وسقط على جيفة وظاهر تقييده في هذه الأخبار الكلب بكونه عقورا أن غيره محترم يمتنع قتله وهو المصحح عند الشافعية وعندهم قول مرجوج بجواز قتل غير العقور أيضا للأمر بقتل الكلاب . (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي : وفيه ليث بن أبي سليم فهو ثقة لكنه مدلس . 3952 (خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة) من أحد دعى بدعاء سائغ متوفر الشروط والأركان والآداب (أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الجمعة وليلة الفطر) أي ليلة عيد الفطر (وليلة النحر) أي عيد الأضحى فيسن قيام هؤلاء الليالي والتضرع والابتهال فيها وقد كان السلف يواظبون عليه ، روى الخطيب في غنية الملتمس أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة عليك بأربع ليال في السنة فإن الله تعالى يفرغ فيهن الرحمة ثم سردها (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي أمامة) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس فما أوهمه صنيع المصنف من كونه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز غير سديد ورواه البيهقي من حديث ابن عمر وكذا ابن ناصر والعسكري قال ابن حجر : وطرقه
[ 606 ]
كلها معلولة . 3953 (خمس من الفطرة) وفي رواية الفطرة خمس وهي بكسر الفاء مقولة بالاشتراك بمعنى الخلق والجبلة والسنة وهي المرادة هنا كما مر أي خمس من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع حتى صار ت كأنها أمر جبلوا عليه والحصر في الخمسة غير حقيقي بدليل رواية عشر وأكثر بل مجازي بطريق المبالغة في الحث على الخمس لأنها أهم وآكد وإن كان غيرها من الفطرة فالمراد حصر الأكمل ويحتمل أنه أعلم بالخمس ثم زيد (الختان) بالكسر اسم لفعل الختان وسمى به المحل وهي الجلدة التي تقطع فختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وهو الذي تترتب الأحكام على تغييبه في الفرج وختان المرآة قطع جلدة كعرف الديك فوق الفرج قال الشافعي : وهو واجب دون بقية الخمس ولا مانع من أن يراد بالفطرة القدر المشترك الذي يجمع الوجوب والندب وهو الطلب المؤكد كما مر (والاستحداد) وفي رواية بدله حلق العانة قال في المنار : وهو أوسع من الاستحداد فإنه يصدق على التنور ولا يصدق عليه الاستحداد فإنه الحلق بالحديد وذكر الحلق غالبي والمطلوب الإزالة (وقص الشارب) الشعر النابت على الشفة العليا ولا بأس بترك سباليه عند الغزالي لكن نوزع وتحصل السنة بقصه بنفسه وهو أولى وبقص غيره له (وتقليم الأظفار) تفعيل من القلم القطع والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر لأن الوسخ يجتمع فيه قال ابن العربي : وقص الأظفار سنة إجماعا ولا نعلم قائلا بوجوبه لذاته لكن إن منع الوسخ وصول الماء للبشرة وجبت إزالته للطهارة وشمل العموم أصابع اليدين والرجلين فلو اقتصر على بعضها مع استوائها في الحاجة لم يحصل المقصود بل هو كالمشي في نعل واحدة وشمل الأصبع الزائدة واليد الزائدة بناء على أن الفرد النادر يدخل في العموم ذكره ابن دقيق العيد وتتأدى السنة بقصه بنفسه وهو أولى وبقص غيره إذ لا هتك حرمة ولا خرم مروءة سيما من يعسر عليه قص يمناه ذكره العراقي (ونتف الإبط) لأنه محل الريح الكريه المجتمع بالعرق فيتلبد ويهيج فشرع نتفه ليضعف ويحصل أصل السنة بحلقه والنتف أفضل فإن الحلق يهيج الشعر . (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره . 3954 (خمس من الدواب كلهن فاسق) سميت به لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب أو لتحريم أكلها قال الله تعالى * (ذلكم فسق) * بعد ما ذكر ما حرم أكله (يقتلن) وفي رواية يقتلهن بالهاء أي المرء وقوله فاسق صفة لكل مذكر ويقتلن فيه ضمير راجع لمعنى كل وهو جمع وهو تأكيد لخمس كذا في التنقيح وتعقبه في المصابيح بأن صوابه أن يقال خمس مبتدأ وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة وصفة ومن الدواب في محل رفع على أنه صفة أخرى لخمس وقوله ليقتلن جملة
[ 607 ]
فعلية في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو خمس (في الحرم : الغراب) وهو ينقر ظهر البعير وينزع عينه (والحدأة كعنبة مقصورة وهي أخس الطير تخطف أطعمة الناس (والعقرب) واحدة العقارب والأنثى عقربة (والفأرة) بهمزة ساكنة والمراد فأرة البيت وهي الفويسقة (والكلب العقور) قال ابن الأثير : الكلب العقور كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل كأسد وذئب ونمر سماها كلبا لاشتراكها في السبعية والعقور من أبنية المبالغة الجارح وهو معروف . (ق ت ن عن عائشة) . 3955 (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح) أي حرج (الغراب والحدأة) بكسر الحاء مهموزة (والعقرب والفأرة والكلب العقور) علله الشافعي بأنهن مما لا يؤكل وما لا يؤكل ولا تولد من مأكول وغيره إذا قتله المحرم لا فدية عليه وعلله مالك بأنهن مؤذيات وكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا فلا . وقال البيضاوي : إنما سميت هذه الحيوانات فواسق لخبلهن تشبيها بالفساق وقيل لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم وقيل لحرمتهن وخصت بالحكم لأنها مؤذيات مفسدات تكثر في المساكن والعمران ويعسر دفعها والتحرز منها فإن منها ما هو كالمنتهز للفرصة إذا تمكن من إضرار بادر إليه وإذا أحس بطلب أو دفع فر منه بطيران أو اختفى في نفق ومنها ما هو صائل يتغلب لا ينزجر بالخسء كالكلب العقور وهو كلها يعدى على الإنسان ويصول عليه ويعفره أي يجرحه من العقور وهو الجرح وقاس عليه الشافعي كل سبع ضار أو صائل وقيل إنه يعم بلفظه كل سبع عقور ويدل عليه دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم على عتبة اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ففرسه الأسد والغراب الأبقع الذي فيه سواد أو بياض لأنه أكثر ضررا وأسرع فسادا (مالك) في المؤطأ (ق حم د ن ه عن ابن عمر) بن الخطاب . 3956 (خمس) من الخصال (من حق المسلم على) أخيه (المسلم رد التحية) يعني السلام (وإجابة الدعوة) لوليمة عرس أو غيرها وجوبا في الأولى وندبا في غيرها (وشهود الجنازة) أي حضور الصلاة عليها وفعلها واتباعها إلى الدفن أفضل (وعيادة المريض) أي زيارته في مرضه (وتشميت العاطس إذا حمد الله) بأن يقول له يرحمك الله فإن لم يحمد لم يشمته لتقصيره (ه عن أبي هريرة) . 3957 (خمس من الإيمان) أي من خصال الإيمان (من لم يكن فيه شئ منهن فلا إيمان له)
[ 608 ]
إيمانا كاملا (التسليم لأمر الله) فيما أمر به (والرضا بقضاء الله) فيما قدره (والتفويض إلى الله والتوكل على الله والصبر عند الصدمة الأولى) وهي حالة فجأة المصيبة وابتداء وقوعها ، وزاد الطبراني في روايته : ولم يطعم امرؤ حقيقة الإسلام حتى يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم . (البزار) في مسنده من حديث سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني مخرجه البزار عقبه عليه سعيد بن سنان أي وهو ضعيف ورواه الطبراني من هذا الوجه . قال الهيثمي : وفيه سعيد بن سنان لا يحتج به . 3958 (خمس من سنن المرسلين) أي من شأنهم وفعلهم (الحياء) الذي هو خجل الروح من كل عمل لا يحسن في الملأ الأعلى وذلك لأنه يطهر الروح من أسباب النفس (والحلم) الذي هو سعة الصدر وانشراحه لورود النور عليه (والحجامة) لأن للدم حرارة وقوة وهو غالب على قلوب المرسلين فيغلي من ذلك دماؤهم فإذا لم تنقص أضرت (والسواك) لأن الفم طريق الوحي ومحل لنجوى الملك فإهماله تضييع لحرمة الوحي (والتعطر) لأنه ليس للملائكة حظ مما للبشر إلا الريح الطيب وهم يكثرون مخالطة الرسل فيكون الطيب بمنزلة قراهم . (تخ والحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والبغوي) في المعجم (طب وأبو نعيم) الأصبهاني (في) كتاب (المعرفة هب) كلهم (عن حصين) مصغر حصن بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين بن عبد الله (الخطمي) بفتح المعجمة جد مليح بن عبد الله ثم قال البيهقي عقب تخريجه : هذا ذكره البخاري في التاريخ عن عبد الرحمن بن أبي فديك ومحمد بن إسماعيل عن عمر بن محمد الأسلمي فعمر يتفرد به ، إلى هنا كلامه ، وعمر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال : هو من المجاهيل اه‍ وقال الحافظ العراقي : سنده ضعيف وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح . 3959 (خمس من سنن المرسلين) الظاهر أنه أراد في هذا وما قبله بهم ما يشمل الأنبياء (الحياء والحلم والحجامة والتعطر والنكاح) لأن النور إذا امتلأ الصدر منه ففاض في العروق التذت النفس وثارت الشهوة وريح الشهوة إذا قوي فإنما يقوى من القلب والنفس والرسل قد أعطوا من فضل تلك
[ 609 ]
القوى ما يفوق غيرهم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه إسماعيل بن شيبة قال الذهبي : واه وذكر له هذا الحديث وغيره اه‍ ورواه عنه أحمد أيضا لكنه قال السواك بدل النكاح . 3960 (خمس) من الخصال (من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله) أن يدخله الجنة ويعيذه من النار (من عاد مريضا) أي زاره في مرضه (أو خرج مع جنازة) للصلاة عليها (أو خرج غازيا) لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (أو دخل على إمامه) يعني الإمام الأعظم (يريد تعزيزه وتوقيره أو قعد في بيته) يعني اعتزل الناس في بيته أو غيره (فسلم الناس منه) أي من أذاه (وسلم من الناس) أي من أذاهم (حم طب عن معاذ) بن جبل . قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وفيه مقال مشهور وبقية رجاله ثقات . 3961 (خمس من قبض) أي مات (في شئ منهن فهو شهيد : المقتول في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله (شهيد) في أحكام الدنيا والآخرة (والغريق في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والمبطون) أي الميت بوجع البطن وبالإسهال (في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والمطعون) أي الميت بالطعن الذي هو وخز الجن أو فساد في الهوى على ما مر (في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والنفساء) أي التي تموت عقب ولادتها بسبب الولادة (في سبيل الله شهيدة) من شهداء الآخرة (ن عن عقبة بن عامر) الجهني . 3962 (خمس من عملهن في يوم) أي يوم كان (كتبه الله) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب أنه من (أهل الجنة) وهذا علامة على حسن الخاتمة وبشرى له بذلك (من صام يوم الجمعة) صوم تطوع (وراح إلى الجمعة) أي إلى محلها لصلاتها (وعاد مريضا) ولو أجنبيا (وشهد جنازة) أي حضرها وصلى عليها (وأعتق رقبة) لوجه الله تعالى أي خلصها من الرق . (ع حب عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رجاله ثقات .
[ 610 ]
3963 (خمس لا يعلمهن إلا الله) على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزيئا فلا ينافيه اطلاع الله بعض خواصه على كثير من المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة (إن الله عنده علم الساعة) أي تعيين وقت قيامها (وينزل) بالتخفيف والتشديد (الغيث) أي يعلم نزوله في زمانه (ويعلم ما في الأرحام) من ذكر وأنثى وشقي وسعيد (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من خير وشر ، جعل لنا الدراية التي فيها معنى الجبلة ولجنابه تقدس العلم ، تفرقه بين العلمين وأفاد أن ما هو بجبلتنا لا نعرف عاقبته فكيف بغيره (وما تدري نفس بأي أرض تموت) خص المكان ليعرف الزمان من باب أولى لأن الأول في وسعنا بخلاف الثاني وتخصيص الخمسة لسؤالهم عنها (حم والروياني) في مسنده عن (بريدة) قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح اه‍ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين مع أن البخاري خرجه في الاستسقاء بلفظ مفاتيح الغيب خمس * (إن الله عنده علم الساعة) * إلخ . 3964 (خمس ليس لهن كفارة : الشرك بالله) يعني الكفر به وخص الشرك به لغلبته حالتئذ (وقتل النفس) أي المعصومة (بغير حق وبهت المؤمن) أي قوله عليه ما لم يفعله حتى حيره في أمره وأدهشه يقال بهته كمنعه بهتا وبهتانا قال : عليه ما لم يفعل والبهتة الباطل الذي يتحير من بطلانه والكذب كالبهت بالضم ومقتضى تخصيص المؤمن أن الذمي ليس كذلك ويحتمل إلحاقه به وعليه إنما خص به المؤمن لأن بهته أشد (والفرار من الزحف) حيث لم يجز الفرار (ويمين صابرة يقتطع بها مالا) لغيره (بغير حق) (حم وأبو الشيخ (في التوبيخ) كلاهما (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي . 3965 (خمس من قواصم) كذا في خط المصنف وكتب على الحاشية أن في رواية هن من قواصم (الظهر) أي كسره يقال قصمه يقصمه كسره وأبانه أو كسره وإن لم يبينه فانقصم وتقصم (عقوق
[ 611 ]
الوالدين) أو أحدهما وإن علا (والمرأة يأتمنها زوجها) على نفسها أو ماله (تخونه) بالزنى أو السحاق والتصرف في ماله بغير إذنه (والإمام) أي الأعظم (يطيعه الناس ويعصي الله عز وجل ورجل وعد) رجلا (من نفسه خيرا) أي أن يفعل معه خيرا (فأخلف) ما وعد (واعتراض المرء في أنساب الناس) وفي رواية بدله ووقيعة المرء في أنساب الناس وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في الفردوس وغيره وكلكم لآدم وحواء اه‍ (هب عن أبي هريرة) وفيه الحارث بن النعمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم غير قوي ورواه عنه أيضا الديلمي . 3966 (خمس من العبادة قلة الطعم) أي الأكل والشرب قال الحرالي : جعل الله فضول المطعم والمشرب في الدنيا سبب لقسوة القلب وإبطاء الجوارح عن الطاعة والصمم عن سماع الموعظة (والعقود في المساجد) لانتظار الصلاة أو للاعتكاف أو لنحو علم أو قرآن (والنظر إلى الكعبة) أي مشاهدة البيت ولو من وراء الستور (والنظر إلى المصحف) أي القراءة فيه نظرا فإنها أفضل من القراءة من ظهر قلب فإن القارئ في المصحف يستعمل لسانه وعينه فهو في عبادتين والقارئ من حفظه يقتصر على اللسان وفي نسخة النظر إلى المصحف أي فيه أو إلى ما فيه (والنظر إلى وجه العالم) العامل بعلمه والمراد العلم الشرعي قال في الفردوس : ويروى النظر إلى وجه الوالدين دون النظر إلى الكعبة (فر عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن الربيع النهدي قال الذهبي : تركه الدارقطني . 3967 (خمس من أوتيهن لم يعذر على ترك عمل الآخرة زوجة صالحة) أي دينة تعفه (وبنون أبرار) بآبائهم أي غير عاقين (وحسن مخالطة الناس) أي وملكة يقتدر بها على مخالطة الناس بحسن خلق وما ذكر من أن الرواية مخالطة الناس هو ما في نسخ كثيرة وهو الظاهر ووقفت على نسخة المصنف فرأيت فيها بخطه مخالطة النساء والظاهر أنه سبق قلم (ومعيشة في بلده) بنحو تجارة أو صناعة من غير تنقل في الأسفار (وحب آل محمد) صلى الله عليه وسلم فإن حبهم سبب موصل إلى الله والدار الآخرة ومن ثم قرنهم بالقرآن في الأخبار الماضية (تنبيه) قال الحرالي : سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجهه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت فجهات طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أي القاسم الجنيد وبداية أبي القاسم أخذها من خاله السري والسري ائتم بمعروف وكان معروف مولى علي بن موسى الرضي وعن آبائه فرجع الكل إلى علي * (أولئك حزب الله) * (فر عن زيد بن أرقم) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليه أولى .
[ 612 ]
3968 (خمس يعجل الله لصاحبها العقوبة) في الدار (البغي) أي التعدي على الناس (والغدر) للناس (وعقوق الوالدين) أي الأصليين المسلمين أو أحدهما (وقطيعة الرحم) أي القرابة بنحو صد أو هجر بلا موجب (ومعروف لا يشكر) ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى (ابن لال) في المكارم (عن زيد بن ثابت) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره . 3969 (خمس خصال يفطرن الصائم وينقضن الوضوء : الكذب والغيبة والنميمة والنظر بشهوة) إلى حليلة (1) أو غيرها (واليمين الكاذبة) قال حجة الإسلام : بين به أن الصوم أي المقبول المثاب عليه في الآخرة الثواب الكامل ليس هو ترك الطعام والشراب والوقاع ، فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع بل تمام الصيام أن يكف الجوارح عما كره الله : فيحفظ اللسان عن النطق ويحفظ العين عن النظر إلى المكاره والأذن عن الاستماع إلى المحرم فإن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين وكذا يكف جميع الجوارح كما يكف البطن والفرج فإذا عرفت معنى الصوم الحقيقي فاستكثر منه ما استطعت ، فإنه أساس العبادة ومفتاح القربات (الأزدي) أبو الفتح (في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين عن عيسى بن سليمان ورأف داود عن داود بن رشيد عن بقية عن محمد بن حجاج عن جابان عن أنس كذا أورده في ترجمة محمد بن الحجاج الحمصي وقال : لا يكتب حديثه وقال أبو العباس البناني في كتاب الحافل : والإسناد كله مقار ب قال الحافظ العراقي : وقد رواه عن بقية أيضا سعيد بن عنبسة أحد من رمي بالكذ ب وقال ابن الجوزي : هذا موضوع من سعيد إلى أنس كلهم مطعون فيه (فر عن أنس) قال الحافظ العراقي : قال أبو حاتم هذا كذاب انتهى . وذلك لأن فيه سعيد بن عنبسة وقد قال الذهبي في الضعفاء كذبه ابن معين وغيره عن بقية وحاله معلوم وجابان قال الذهبي : ليس بمعروف وفي اللسان عن ذيل الميزان : جابان قال الأزدي متروك الحديث ثم أورد له هذا الخبر . (1) [ قول المناوي " إلى حليلة " فيه نظر ، إذ كيف يحرم المؤمن من الثواب بمجرد النظر بشهوة إلى حليلته ، وهي معه في بيته ، عرضة أن يراها بأحوال مختلفة ، ولم يفرض الشرع عليها أن تحتجب منه ؟ ! ومعلوم أن النظر إلى الزوجة الجميلة قد تنتج عنه الشهوة : ورد في إحدى الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي جامع أهله في رمضان : ما حملك على هذا ؟ فأجاب : رأيت خلخالها في ضوء القمر . . . وانظر إلى الخصال الأخرى المذكورة في الحديث ، كيف أنها كلها محرمة على الصائم وغيره : الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة ، فيتضح لك أن ما يقرن بها يلزم أن يكون مثلها : محرم على المفطر والصائم ، أي أن النظر بشهوة إلى ما لا يحل ، يذهب ثواب الصيام . وكيف يذهب ثواب الصائم بما لم يأت فيه نهي من الشارع ؟ ! والله أعلم . عرفان الرباط ، دار الحديث ] 3970 (خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى) أي إلى أن (ينتصر) أي ينتقم ممن ظلمه بالقول أو الفعل (ودعوة الحاج) حجا مبرورا (حتى يصدر) أي يرجع إلى أهله (ودعوة الغازي) لإعلاء كلمة الله ابتغاء رضاه لا طلبا للغنيمة (حتى يقفل) أي يعود من غزوه إلى وطنه (ودعوة المريض) أي مرضا لم يعص به فيما يظهر (حتى يبرأ) من علته (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن لم يكن أخاه من
[ 613 ]
النسب (بظهر الغيب) قال الطيبي : حتى في للقرائن الأربع بمعنى إلى كقولك سرت حتى تغيب الشمس لأن ما بعد حتى غير داخل فيما قبلها فدعوة المظلوم مستجابة إلى أن ينتصر وكذا الباقي فإن قلت هذا يوهم أن دعاء هؤلاء الأربع لا يستجاب بعد ذلك وكذا دعاء الغائب إلى أن يحضر قلت : نعم لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكورة (وأسرع هذه الدعوات) أي أقربها إجابة (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) لما فيها من الإخلاص وعدم الشوب بالرياء ونحوه . (هب عن ابن عباس) وفيه زيد العمي قال الذهبي : ضعيف متماسك ورواه عنه أيضا الحاكم ومن طريقه أورده البيهقي مصرحا فكان عزوه إليه أولى . 3971 (خمس من العبادة النظر إلى المصحف) للقراءة فيه (والنظر إلى الكعبة والنظر إلى الوالدين) أي الأصلين مع الاجتماع أو الافتراق (والنظر في زمزم) أي بئر زمزم أو إلى مائها (وهي) أي زمزم (تحط الخطايا) أي يكون النظر إلى ذلك مكفرا للذنوب (والنظر في وجه العالم) العامل بما علم والمراد العلم الشرعي قال الحرالي : ويقصد الناظر التقرب إلى الله برؤيته فإن في التقرب إلى الله برؤية العلماء الأعيان وعباد الرحمن سر من أسرار العيان . (قط ن عن) كذا في نسخة المصنف بخطه وبيض للصحابي . 3972 (خيار المؤمنين القانع) بما رزقه الله تعالى (وشرارهم الطامع) في الدنيا لفقره إلى الأسباب فيسترق قلبه الأطماع وتصير الخلق عليه كالأسباب لأن الطمع فيها يضاعف الهم ويطيل الحزن وينسي المعاد ومن قنع استراح فالطمع في الدنيا هو الذي عمر النار بأهلها والزهد هو الذي عمر الجنة بأهلها القانع هو الراضي عن الله بما قسم له من قليل الرزق ظاهرا وباطنا وإنما كان خيارهم لما تضمنته القناعة من مكارم أخلاق الإيمان وهو الغني بما قسم له ومن الرضى وهو باب الله الأكبر وهو أشرف مقامات الإيمان ومن الزهد عن فضول الدنيا ومن التعفف عن تعلق الهمة قال الحرالي والطمع يشرب القلب الحرص ويختم عليه بطابع حب الدنيا وحب الدنيا مفتاح كل شر وسبب إحباط كل خير (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي
[ 614 ]
3973 (خيار أمتي في كل قرن خمسمائة) أي خمسمائة إنسان (والأبدال أربعون) رجلا كما سبق (فلا الخمسمائة ينقصون) بل قديزيدون (ولا الأربعون) ينقصون (بل كلما مات رجل) منهم (أبدل الله من الخمسمائة مكانه) رجلا آخر (وأدخل في الأربعين مكانه) ولهذا سموا بالأبدال وظاهره أن البدل لا يكون إلا من أولئك لا من غيرهم لكن في مطارحات الصوفية ما يقتضي خلافه قالوا يا رسول الله دلنا عن أعمالهم فقال (يعفون عمن ظلمهم) كما حكى أن ابن أدهم سأله جندي عن العمران فدله على المقابر فضربه فقال اللهم إني أعلم أنك تؤجرني وتؤزره فلا تؤجرني ولا تؤزره (ويحسنون إلى من أساء إليهم) أي يقابلونه على إساءته بالإحسان (ويتواسون فيما آتاهم الله) فلا يتأشر أحد منهم على أحد فمن اجتمعت فيه هذه الخصال دل على أنه من الأبدال (حل) من حديث سعيد بن عبدوس عن عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني ومن طريقه وعنه رواه أبو نعيم فلو عزاه المؤلف له لكان أحسن وسعيد بن عبدوس وعبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي وعنه سعيد بن عبدوس لا يعرفان والخبر كذب في أخلاق الأبدال كذا قال ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ووافقه عليها المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه . [ فالظاهر أن إشارة التحسين في نسخة الجامع الصغير من خطأ بعض النساخ ، وليست للسيوطي . دار الحديث ] . 3974 (خيار أمتي الذين يشهدون أن لا إله) أي لا معبود بحق (إلا الله) الواحد الواجب الوجود (وأني) محمدا (رسول الله) إلى كافة الثقلين (الذين إذا أحسنوا استبشروا) بتوفيق الله لهم إلى الحسنات وهدايتهم إليها (وإذا أساؤوا) أي فعلوا سوءا (استغفروا) الله تعالى منه يعني تابوا توبة صحيحة وسبق في خبر أن الاستغفار باللسان توبة الكذابين (وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به وإنما نهمتهم ألوان الطعام والثياب) أي الحرص على تحصيل أصناف الطعام النفيسة والتهالك على الالتذاذ بها وعلى لبس الملابس الفاخرة (ويتشدقون في الكلام) أي يتوسعون فيه من غير احتياط واحتراز وأراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه عليهم وبهم (تنبيه) قال الحرالي : المقصود بقوله
[ 615 ]
وأشرار أمتي إلخ أن على المرء أن يتناول من الدنيا ما يتناوله على أنه من يدر به أخذا منها بمقدم أطراف أصابعه أكلا بمقدم أسنانه أكل فصم لا أكل خصم فإن من تضلع من طعامها وشرابها وتزين بملابسها ومراكبها وتقلب في مبانيها وزخارفها فليس من الله في شئ‌إلا من اغترف غرفة بيده فيأخذ لنفسه بالحاجة لا بالشهوة ولا بالمطاولة ومن أخذ بالمطاولة شيئا منها قامت قيامته وحانت ساعته الخاصة به (حل عن عروة) بضم أوله (ابن رويم) بالراء مصغرا (مرسلا) هو اللخمي الأزدي له مقاطيع قال ابن حجر صدوق يرسل كثيرا وفي موته أقوال . 3975 (خيار أمتي علماؤها) العالمون بالعلوم الشرعية العاملون بها قال تعالى * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * والعلماء منهم خيار الخيار * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * وشرف العلوم على حسب شرف المعلوم حتى ينتهي إلى العلم بالله كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله (وخيار علمائها رحماؤها) أي الذين يرحمون الناس منهم فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي وفي رواية بدل رحماؤها حلماؤها والحليم الذي لا يستفزه الغضب ولا عجلة الطبع وعزة العلم فالحلم جمال العلم (ألا) حرف تنبيه (وإن الله تعالى ليغفر للعالم) العامل (أربعين ذنبا قبل أن يغفر للجاهل) أي غير المعذور في جهله (ذنبا واحدا) إكراما للعمل وأهله والظاهر أن المراد بالأربعين التكثير لكن ربما صدر عنه أنهم أناطوا إرادة التكثير بالسبعين وما قبلها من المنازل (ألا وإن العالم الرحيم) بخلق الله تعالى (يجئ يوم القيامة وإن نوره) أي والحال أن نوره (قد أضاء) له (يمشي فيه ما بين المشرق والمغرب) إضاءة قوية (كما يضئ الكوكب الدري) في السماء وهذا فيه إبانة لعظيم العلم وفضل أهله (حل خط) القضاعي عن ابن عمر قال شارحه غريب جدا عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن زكريا الساجى عن سهل بن بحر عن محمد بن إسحاق السلمي عن ابن المبارك عن الثوري عن أبي الزناد عن أبي حازم عن أبي هريرة (خط) من هذا الطريق (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه وقال الخطيب : حديث منكر ومحمد بن إسحاق السلمي أحد الغرباء المجهولين وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : أنكره الخطيب وكأنه لم يتهم به إلا السلمي وقال في الميزان : هذا خبر باطل والسلمي فيه جهالة اه‍ وحكى عنهم المؤلف وأقره لكنه قال : له طريق آخر عن ابن عمر وهي ما أشار إليها هنا بقوله (القضاعي) في مسند الشهاب عن محمد بن إسماعيل الفرغاني عن الحاكم عن أبي الحسن الأزهري عن أحمد عن خالد القرشي (عن ابن عمر) بن الخطاب والخبر باطل اه‍ وحكاه المؤلف في مختصر الموضوعات وسكت عليه فلم يتعقبه .
[ 616 ]
3976 (خيار أمتي الذين إذا رؤوا) أي إذا نظر إليهم الناس (ذكر الله) برؤيتهم يعني أن رؤيتهم مذكرة بالله تعالى وبذكره لما يعلوهم من البهاء والإشراق وحسن الهيئة وحسن السمت (وشرار أمتي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البرآء العنت) في النهاية العنت المشقة والفساد والهلاك والإثم والغلط والزنا والحديث يحتمل كلها والبرآء جمع برئ وهو العنت منصوبان مفعولان للباغون وبغيت الشئ طلبته (حم عن عبد الرحمن بن غنيم) بضم المعجمة وسكون النون قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثق وضعف وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري : فيه شهر وبقية أسانيده يحتج بهم في الصحيح (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك قال المنذري وحديث عبد الرحمن أصح ويقال له صحبة . 3977 (خيار أمتي أحداؤهم) في رواية أحداؤها جمع حديد كشديد وأشد أي أنشطها وأسرعها إلى الخير مأخوذ من حد السيف فالمراد بالحدة هنا الصلابة في الدين والقصد إلى الخير والغضب لله كما مر بعضهم يرويه بالجيم من الجد ضد الهزل اه‍ وهو غير سديد إذ لا ملاءمة بينه وبين قوله (الذين إذا غضبوا رجعوا) أعلم أن أمته هم المؤمنون بعزة الإيمان * (فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * فحدتهم تنشأ عن عزة الإيمان حمية للدين لأن الحكم إذا نيط بوصف صار علة فيه نحو * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * فخيار أمة الإيمان من تزايدت حدته عن تزايد قوة الإيمان لا عن كبر وهوى وسرعة رجوعهم من سكينة الإيمان فهو حدة تنشأ عن قوة إيمانه وغيرته كما كانت حدة موسى حتى روي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا ولهذا لما قيل لأبي منصور لولا حدة فيك قال ما يسرني بحدتي كذا وكذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، قال الفاكهي : يشتبه على كثير من الناس الحدة بسوء الخلق والفارق المميز ما ختم به هذا الحديث وهو قوله الذين إذا غضبوا رجعوا فالرجوع والصفاء هو الفارق وصاحب الخلق السوء يحقد وصاحبها لا يحقد والغالب أن صاحبها لا يغضب إلا لله . (طس) وكذا الديلمي والبيهقي (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي : فيه نعيم بن سالم بن قنبر وهو كذاب اه‍ وفي الضعفاء للذهبي : قال ابن حبان يضع الحديث . 3978 (خيار أمتي أولها وآخرها نهج أعوج) النهج الطريق المستقيم فلما وصفه بأعوج صار الطريق غير مستقيم ويوضحه حتى تقيم به الملة العوجاء يعني ملة إبراهيم الذي غيرتها العرب عن
[ 617 ]
استقامتها وهذا التقدير بناء على أن قوله نهج بالنون وهو ما عليه شارحون لكن جعله آخرون شيح بمثلثة أولى والشيح الوسط وما بين الكاهل إلى الظهر أي ليسوا من خيارهم ولا من رذائلهم بل من أوسطهم كذا ذكره الديلمي (ليسوا مني ولست منهم) قال الزمخشري : معنى قولهم هو مني أي بعضي والغرض الدلالة على شدة الاتصال وتمازج الأهواء واتحاد المذاهب ومنه فمن تبعني فإنه مني وقوله ليسوا مني نفي لهذه البعضية من الجانبين . (طب) وكذا الديلمي (عن عبد الله بن السعدي) بفتح المهملة وسكون المهملة صحابي مات في خلافة عثمان قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك . 3979 (خيار أمتي من دعا إلى الله تعالى) أي إلى توحيده وطاعته ورضاه (وحبب عباده إليه (1) بهدايتهم إلى الزهد والإعراض عن الدنيا والرغبة عن عدم متاعها والسلوك إليه لكن مع عدم قصده بذلك الشهرة وحب إقبال الناس عليه للخبر المار احذروا الشهرة الخفية العالم يحب أن يجلس إليه (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) . (1) بأن يأمرهم بالطاعة حتى يطيعوه فيحبهم لأن المعلم يسلك بالطالب طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم والإقتداء به ومن اقتدى به أحبه الله * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * وأحب ربه لما يلوح في قلبه من أنوار الطاعة وجمال التوحيد . 3980 (خيار أئمتكم) أي أمرائكم (الذين تحبونهم ويحبونكم) بأن يكونوا عدولا فإن التحابب من الجانبين أن يكون ممدوحا عند استعمالهم للعدو كما سبق تقريره (وتصلون عليهم ويصلون عليكم) أي يدعون لكم وتدعون لهم يعني تحبونهم ما دمتم أحياء ويحبونكم ما داموا أحياء فإذا جاء الموت ترحم بعضكم على بعض وذكر البعض بخير قال الأبي : يعني بالمحبة الدينية الذي سببها اتباع الحق من الإمام والرعية (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم) قال الماوردي : هذا صحيح فإن الإمام إذا كان ذاخير أحبهم وأحبوه وإذا كان ذا شر أبغضهم وأبغضوه وأصل ذلك أن خشية الله تبعث على طاعته في خلقه وطاعته فيهم تبعثهم على محبته فلذلك كانت محبته دليلا على خيره وبغضهم له دليلا على شره وقلة مراقبته اه‍ وظاهر كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في مسلم قالوا : يا رسول الله فتنابزهم عند ذلك قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي به من معصية الله ولا
[ 618 ]
ينزعن يدا من طاعة اه‍ . (م) في المغازي (عن عوف بن مالك) ولم يخرج البخاري عن عوف . 981 (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وخيرهم محمد) وهم أولو العزم وأفضلهم بعد محمد إبراهيم نقل بعضهم الإجماع عليه وفي الصحيح خير البرية إبراهيم خص منه النبي صلى الله عليه وسلم فبقي على عمومه فيه قال المصنف في النهاية : ولم أقف على نقل أيهم أفضل وينقدح تفضيل موسى أي لاختصاصه بالكلام فعيسى فنوح اه‍ وفاته أن الفخر الرازي حكى الإجماع على تقديم موسى وعيسى على نوح فإنه قال في أسرار التنزيل : لا نزاع في أن أفضل الأنبياء والرسل هؤلاء الأربعة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى اه‍ بلفظه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور قال الهيثمي بعد ما عزاه له : ورجاله رجال الصحيح اه‍ . فإغفال المصنف له واقتصاره على ابن عساكر غير جيد . 3982 (خياركم) أي من خياركم (من تعلم القرآن وعلمه) قال في شرح المشكاة : لا بد من تقييد التعليم والتعلم بالإخلاص وإطلاقه شامل لما لو علمه بأجره وفيه خلاف مشهور معروف (ه عن سعد) بن أبي وقاص ورواه الطبراني عن أبي أمامة قال الهيثمي : وفيه عنده علي بن أبي طالب البزار ضعفه ابن معين . 3983 (خياركم من قرأ القرآن وأقرأه) قال أبو عبد الرحمن السلمي فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن (ابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود) . 3984 (خياركم أحاسنكم أخلاقا) فعليكم بحسن الخلق جمع أحسن بوزن أفعل وهي إن قرنت بمن كانت للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع بلفظ واحد وإلا عرفت وذكرت وأنثت وجمعت وإن أضيفت جاز الأمران كما هنا والأخلاق جمع خلق وهو أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره وتنقسم إلى محمود ومذموم فالمحمود صفة الأنبياء والأولياء كالصبر عند المكاره والحلم عند الجفاء وتحمل الأذى والإحسان والتودد للناس والرحمة والشفقة واللطف في المحاولة والتثبت في الأمور وتجنب المفاسد والشرور والمذموم نقيضه زاد الترمذي في رواية وأطولكم أعمارا والقصد بهذا الحديث
[ 619 ]
الحث على حسن الخلق ولين الجانب قال يوسف بن أسباط : علامة حسن الخلق عشرة أشياء : قلة الخلاف وحسن الإنصاف وترك طلب العثرات وتحسين ما يبدو من السيئات والتماس المعذرة واحتمال الأذى والرجوع بالملامة على نفسه والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره وطلاقة الوجه ولطف الكلام (حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخياركم ؟ فذكره وفي الباب عبادة وغيره . 3985 (خياركم أحاسنكم أخلاقا) فمن كان حسن الخلق فيه أكثر كان خيره أكثر (الموطؤون أكنافا) بصيغة اسم المفعول من التوطئة وهي التمهيد والتذليل وفراش وطئ لا يؤذي جنب النائم والأكناف الجوانب أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى وهو أحسن البلاغة (وشراركم الثرثارون) أي الذين يكثرون الكلام تكلفا وتشدقا والثرثرة كثرة الكلام وترديده (المتفيهقون) أي الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ويتفصحون فيه (المتشدقون) الذين يتكلمون بأشداقهم ويتمقعرون في مخاطبتهم (تنبيه) قال في المفصل : أفعل التفضيل يضاف إلى ما يضاف إليه أي يقول هو أفضل الرجلين وأفضل القوم وأفضل رجل وهما أفضل رجلين وهو أفضل رجل وله معنيان : أحدهما : أن يراد أنه زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هو وهم فيها شركاء الثاني : أن يؤخذ مطلقا له الزيادة فيها إطلاقا ثم يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم بل لمجرد التخصيص نحو الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان فلك على الأول توحيده في التثنية والجمع وأن لا تؤنثه وعلى الثاني ليس لك إلا أن تؤنثه وتجمعه وتثنيه قال : وقد اجتمع الوجهان في حديث أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا وأبغضكم إلى وأبعدكم مني أساوئكم أخلاقا وقال ابن الحاجب في أمالي المفصل : قولهم أكرم الناس يلزم أن يكون جميع الناس كرماء في قصد المتكلم وهو باطل وكذا قوله عليه السلام ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني إلخ فإنه يلزم أن يكون المخاطبون شركاء في أصل ما أضيف إليهم من المحبة والبغض مع أنهم لم يشركوا والجواب أن معنى قوله أحبكم أحب المحبوبين منكم وكذا أقربكم وأبغضكم وأبعدكم ويجوز تقدير مضاف محذوف أي أحب محبوبيكم وقال ابن يعيش : الوجهان جواز المطابقة وتركها ورد في حديث أحبكم وأقربكم وأبغضكم وأبعدكم وجمع أحاسنكم وأساوئكم (هب عن ابن عباس) . 3986 (خياركم الذين) أي القوم الذين (إذا رؤوا ذكر الله بهم) أي برؤيتهم لما علاهم من البهاء والمهابة (وشراركم المشاؤون بالنميمة) وهي نقل حديث بعض القوم لبعض للإفساد (المفرقون
[ 620 ]
بين الأحبة) بما يسعون به بينهم من الفتن (الباغون البراء العنت) زاد الشيخ في روايته في التوبيخ يحشرهم الله في وجوه الكلاب اه‍ . أوحي إلى موسى أن في بلدك ساعيا أي بالنميمة ولست أمطرك وهو في أرضك قال : يا رب دلني عليه أخرجه قال : يا موسى اكره النميمة وانه فأقبح بخصلة تفضي إلى حبس قطر السماء عن العالم (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه ابن لهيعة وابن عجلان وفيهما كلام سبق وخرجه الحاكم أيضا فكان عزوه إليه أولى . 3987 (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) أي من كان مختارا منكم بمكارم الأخلاق في الجاهلية فهو مختار في الإسلام (إذا فقهوا) قال في الرياض : بضم القاف على المشهور وحكى كسرها أي عملوا بأحكام الشرع أو صاروا فقهاء بأن مارسوا الفقه وتعاطوه حتى صار لهم به ملكة ، ونعم ما قال الأحنف كل عز لم يوطأ بعلم فإلى ذل ما يصير ، وقال الشاعر : إن السري إذا سرى فبنفسه * وابن السري إذا ما سرى أسراهما فأرشد إلى أنه لا خيار إلا بالفضل والتقوى فمن اتفق له ذلك مع أصل حميد شريف الأعراق كملت فضيلته وسما على غيره ثم القسمة كما قال ابن حجر رباعية فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام ثم أرفعهم رتبة من أضاف لذلك التفقه في الدين ويقابل ذلك من كان مشروفا في الجاهلية واستمر مشروفا في الإسلام فهذا أدنى المراتب وأرفع منه شرف في الإسلام وفقه ولم يكن شريفا في الجاهلية والشرف في الجاهلية بحسب الآباء وكرم الأصل وفي الإسلام بالعلم والحكمة فالأول موروث والثاني كسبي . قال الطيبي : فإن قيل : ما فائدة التقييد بقوله إذا فقهوا لأن من أسلم وكان شريفا في الجاهلية خير ممن ليس له شرف فيها سواء فقه أو لا ؟ قلنا : ليس كذلك فإن الإيمان يرفع التفاو ت المعتبر في الجاهلية فإذا علا الرجل بالعلم والحكمة استجلب النسب الأصلي فيجمع شرف النسب مع شرف الحسب وفهم منه أن الوضيع المسلم المتحلي بالعلم أرفع منزلة من المسلم الشريف العاطل فمعناه أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية من شرف الآباء ومكارم الأخلاق وصنائع المعروف مع شرف الإسلام والتفقه فيه فهو الأحق بهذا الاسم ذكره القرطبي (خ عن أبي هريرة) قال : قيل : يا رسول الله من أكرم الناس قال : أتقاهم قالوا : ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألوني ثم ذكره وهذا الحديث رواه مسلم أيضا وعزاه في الفردوس إلى مسلم أيضا . 3988 (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة) أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع والخضوع
[ 621 ]
فيها فلا يلتفت ولا يحاشر منكبه منكب صاحبه ولا يمتنع لضيق المكان على مريد الدخول في الصف لسد الخلل بمعنى أن فاعل ذلك من خيار المؤمنين لا أنه خيارهم إذ قد لا يوجد المنكب فيمن غيره أفضل نفسا ودينا وإنما هو كلام عربي يطلق على الحال والوقت وعلى إلحاق الشئ المفضل بالأعمال الفاضلة ذكره الإمام البيهقي قال ابن الهمام : وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذلك إعانة على إدرا ك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف (د) في الصلاة (هق) كلاهما (عن ابن عباس) سكت عليه أبو داود ورده عبد الحق بأن فيه عمارة بن ثوبان ليس بالقوي وقال ابن القطان : فيه مجهولان . 3989 (خياركم أحاسنكم) وفي رواية أحسنكم (قضاء للدين) بفتح الدال بأن يرد أكثر مما عليه بحق بغير شرطولا يمطل رب الدين ولا يسوف به مع القدرة ويقضيه جملة لا مفرقا قال الكرماني خياركم يحتمل كونه مفردا بمعنى المختار وكونه جمعا فإن قلت : أحسن كيف يكون خبرا له لأنه مفرد ؟ قلت : أفعل التفضيل المقصود به الزيادة جائز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له وهذا قاله حين استقرض ورد خيرا مما أخذ وذلك من مكارم أخلاقه وليس هو من قرض جر نفعا للمقرض لأن المنهى عنه ما شرط في عقد القرض كشرط رد صحيح عن مكسر أو رده بزيادة في الكم أو الوصف فلو فعل ذلك بلا شرط كما هنا جاز بل ندب عند الشافعي وقال المالكية : الزيادة في العد منهية والخبر يرده هذا كله إن اقترض لنفسه فإن اقترض لجهة وقف أو محجور لم يجز له رد زائدة والخير والخيار يرجع إلى النفع فخيار الناس من أنفع الناس للناس فإن قلت : هذا خير من هذا فمعناه أنفع لنفسه أو لغيره وأشرف المنفعة ما تعلق بالخلق لأن الحسنة المتعدية أفضل من القاصرة وحسن المعاملة في الاقتضاء والقضاء يدل على فضل فاعل ذلك في نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا (ت ن عن أبي هريرة) قال : استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد خيرا منه ثم ذكره وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد عزاه هو في الدرر اليهما معا باللفظ المزبور وقال الحافظ العراقي : متفق عليه . 3990 (خياركم خيركم لأهله) أي حلائله وبنيه وأقاربه يعني هو من خياركم كما يقال خير الأشياء كذا ولا يراد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء لكن على أنه خيرها في حال دون حال ولو واحد دون آخر كما قد يتضرر واحد بكلام في غير محله فيقول ما شئ أفضل من السكوت إلى حيث لا يحتاج إلى الكلام ثم قد يتضرر بالسكوت مرة فيقول ما شئ أفضل من الكلام ويقال فلان أعقل الناس وأفضلهم ويراد من أعقلهم ذكره الحليمي (طب عن أبي كبشة) الأنماري سعيد بن عمر أو عمر بن سعيد أو عامر بن سعد صحابي نزل الشام وروى عن أبي بكر .
[ 622 ]
3991 (خياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية لابن خزيمة وابن عساكر لنسائي فأوصى ابن عوف لهم بحديقة بأربعمائة ألف وأخرج البيهقي عن ابن عيينة شكى إبراهيم إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة فأوحى الله إليه ألبسها على ما كان فيها ما لم تجد عليها خزية في دينها (ه عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا الديلمي . 3992 (خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا) لأن المرء كلما طال عمره وحسن عمله يغتنم من الطاعات ويراعي الأوقات فيتزود منها للآخرة ويكثر من الأعمال الموجبة للسعادة الأبدية (ك عن جابر) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخياركم قالوا بلى فذكره . 3993 (خياركم أطولكم أعمارا) أي في الإسلام مع أنه صرح به في رواية للطبراني مع ظهوره (وأحسنكم أخلاقا) قال الطيبي : هذا إشارة إلى ما قاله في جواب من سأله أي الناس خير ؟ فذكره وقوله أحسنكم أخلاقا كقوله وحسن عمله في إرادة الجمع بين طول العمر وحسن الخلق قال لقمان لابنه : يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأرباح من غير بضاعة (فائدة) قالوا : طريق تحصيل الأخلاق الحميدة كثرة الذكر وصحبة المرشد الكامل ثم التخلق على ثلاثة أقسام إنساني وملكي ورحماني ولا يصل أحد إلى الأولى حتى يخرج من الخلق الحيواني والشيطاني والنفساني ولحسن الخلق فوائد منها محبة الله لصاحبه فأعظم بها من خصلة تتضمن كل كمال وكل الصيد في جوف الفرا ومحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإيذانه بأن الله أراد به خيرا وأذابت خطيئته كما تذيب الشمس الجليد والزيادة في عمره وإظلال الله له تحت عرشه وإسكانه حظيرة القدس وإدنائه من جواره وبلوغه درجة الصائم القائم وتحريمه على النار هكذا جاء مفرقا في عدة أخبار (حم والبزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي : ابن إسحاق مدلس . 3994 (خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا) احتج به الرافعي الشافعي على أن القصر أفضل من الإتمام أي إذا زاد السفر على مرحلتين . (الشافعي) في مسنده (والبيهقي في) كتاب (المعرفة عن سعيد بن المسيب مرسلا) ورواه إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام عن عروة بن رويم مرسلا ووصله أبو حاتم في العلل عن جابر يرفعه بلفظ خياركم من قصر الصلاة في السفر وأفطر .
[ 623 ]
3995 (خياركم من ذكركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه ورغبكم في الأخرة عمله) هذه كلمة نبوية وافق فيها نبينا عيسى عليهما السلام . قال ابن عيينة : قيل لعيسى : يا روح الله من نجالس ؟ قال : من يزيد في علمك منطقه ويذكركم الله تعالى رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله . أخرجه العسكري قال الحكيم : أما الذي يذكرك بالله رؤيته فهم الذين عليهم من الله سمات ظاهرة قد علاهم بها نور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار فإذا نظر الناظر إليه ذكر الله لما يرى من آثار الملكوت عليه فهذه صفة الأولياء فالقلب معدن هذه الأشياء ومستقر النور وشرب الوجه من ماء القلب فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد تأدى إلى الوجه ذلك النور فإذا وقع بصرك عليه ذكرك البر والتقوى ووقع عليك منه مهابة الصلاح والعلم وذكرك الصدق والحق فوقع عليك مهابة الاستقامة وإذا كان نور سلطان الله على وجه تأدى ذكرك عظمة جلاله وجماله وإذا كان على القلب نوره وهو نور الأنوار نهتك رؤيته عن النقائص فشأن القلب أن يسقي عروق الوجه وبشرته من ماء الحياة الذي يرطب به ويتأدي إلى الوجه منه ما فيه غير ذلك فكل نور من هذه الأنوار كان في قلب فشرب وجهه منه فإذا سر القلب برضى الله عن العبد وبما يشرق به صدره عن وجهه نضرة وسرورا وأما رؤية العالم فتزيد في منطقه لأنه عن الله ينطق فالناطق صنفان صنف ينطق بالعلم عن الصحف حفظا وعن أفواه الرجال تلفقا والآخر ينطق عن الله تلقيا ، فالذي ينطق عن الصحف والأفواه إنما يلج آذانهم عريان بلا كسوة لأنه لم يخرج من قلب نوراني بل من قلبدنس وصدر مظلم مغشوش إيمانه يحب الرئاسة والعز والشح على الحطام ونفسه قد استولت على قلب ينازع الله في ردائه والذي ينطق عن الله إنما يلج آذان السامعين بالكسوة التي تخرق كل حجاب وهو نور الله خرج من قلب مشحون بالنور وصدره مشرق به فيخرق قلوب المخلطين من رين الذنوب وظلمة الشهوات وحب الدنيا لخلعه إلى نور التوحيد فأثاره كجمرة وصلتها النفخة والتهبت نارا فأضاء البيت وأما قوله يزيدكم في العلم منطقه فإنه إذا نطق نطق بآلاء الله وصنعه فهذا أصل العلم والعلم الذي في أيدي العامة فرع هذا وآلاء الله ما أبدى من وحدانيته وفردانيته كالجلال والعظمة والهيبة والكبرياء والبهاء والسلطان والعز والوقار على قلوب الأولياء وأما قوله يرغبكم في الآخرة عمله فلأن على عمله نورا وعلى أركانه خشوعا وعلى تصرفه فيها صدق العبودية مع بهاء ووقار وطلاوة وحلاوة فإذا رآه الرائي تقاصر إليه عمله ونفسه وأما علماء الدنيا فليس لأعمالهم ذلك النور والبهاء لأنهم على الرغبة والرهبة لأنه رغب في الجنة والوعد والوعيد نصب عينه فيستعين بذلك على نفسه حتى يقمعها وأما أهل اليقين فإذا عرض لهم نارت قلوبهم من الشوق إليه والحب له فعاملوه على بشر وطيب نفس فإذا عرض لهم دينة عرقت جباههم حياء منه فشتان ما بين عبدين أحدهما بعمل لمولاه ولولا خوفه من وعيده وحرمان وعده ما عمل وآخر يعمل
[ 624 ]
لمولاه تذللا وتخشعا ومحبة له وإلقاء نفسه بين يديه وشغفا به لا يستويان (الحكيم) الترمذي (عن ابن عمرو) بن العاص قال قيل يا رسول الله من نجالس ؟ فذكره ورواه العسكري من حديث ابن عباس . 3996 (خياركم كل مفتن تواب) بمثناة فوقية مشددة أي ممتحنا يمتحنه الله تعالى بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب . قال بعض العارفين : أخبر أن خيار أمته لن يعروا من الزلل وأن علمهم بالله تعالى لا يدعهم حتى يرجعوا إليه بالتوبة والإنابة وقال بعضهم : رب ذنب يكون للمؤمن أنفع من كثير من الطاعات من وجله وإنابته ومن ذلك يكون توابا وهو الملازم للتوبة فيصير من الخيار المحبوبين * (إن الله يحب التوابين) * وقال في المفهم : معناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحوج للاستغفار وقال الغزالي : الشر معجون بطينة الآدمي قلما ينفك عنه وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره قال الحرالي : وما توسوس به النفوس وتوحي به الشياطين للمذنبين أنه لا ينبغي أن يتوب حتى يعلم أنه لا يعود في الذنب فذلك من مكايد الشيطان وهوى النفس بل ينبغي أن يبادر بالتوبة ولو عاد ما عاد وذلك الذي يحبه الله من ولد آدم ليكسر الذنب عجبهم وتمحو التوبة ذنبهم (هب) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف اه‍ وذلك لأن فيه ضعيفا ومجهولا هو النعمان بن سعد قال الذهبي في الضعفاء : مجهول . 3997 (خير الإدام اللحم وهو سيد الإدام) أخرج البيهقي في الشعب عن علي : اللحم من اللحم فمن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه والإدام ما يؤدم به أي يصلح مائعا كان أو جامدا وجمعه أدم مثل كتاب وكتب ويسكن للتخفيف فيعامل معاملة المفرد (هب عن أنس) وفيه هشام بن سلمان ضعفه جمع عن يزيد الرقاشي وسبق أنه متروك . 3998 (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه) الصاحب يقع على الأدنى والأعلى والمساوي في صحبة دين أو دنيا سفرا أو حضرا فخيرهم عند الله منزلة وثوابا فيما اصطحبا أكثرهما نفعا لصاحبه وإن كان الآخر قد يفضله في خصائص أخر (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) فكل من كان أكثر خيرا لصاحبه أو جاره فهو الأفضل عند الله تعالى وفي إفهامه أن شرهم عند الله شرهم لصاحبه أو جاره وبه صرح في عدة أخبار قال الحرالي : ويبنى على ذلك أنه ينبغي أن يخدم من يصحبه ومن شيخ عليه
[ 625 ]
تلمذة له فإن كان ذلك بحق لم يخطئ وإن كان بهرجا تزيف في أيسر مدة فإن المزخرف من القول والفعل في أيسر زمان يتبهرج (حم ت) في البر (ك) في الحج (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي . 3999 (خير الأصحاب صاحب إذا ذكرت الله أعانك) على ذكره يعني ذكره معك فحرك همتك (وإذا نسيت) أن تذكره (ذكرك) بالتشديد أي ذكرك بأن تذكر الله وذلك بأن يقول لك بلسانه اذكر الله أو يذكره بحضرتك (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان عن الحسن مرسلا) وهو البصري . 4000 (خير الأضحية الكبش الأقرن) ما له قرنان حسنان أو معتدلان وتمسك بهذا مالك في ذهابه إلى أن التضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر وخالفه الشافعي وأبو حنيفة كالجمهور وتأولوه على تفضيل الكبش على مساويه من الإبل والبقر فإن البدنة أو البقرة تجزئ عن سبعة فالمراد تفضيل الكبش على سبع واحدة منهما أو تفضيل سبع من الغنم على بدنة أو بقرة ذكره أبو زرعة (وخير الكفن الحلة) واحدة الحلل برود اليمن فإن قلت : ذا يشعر بأن البياض غير مقصود إذ برود اليمن غير بيض مع أنه نص على أن أفضله البياض قلت : الظاهر أن هذا إشارة إلى أن تعدد الكفن مطلوب فإن الحلة لا تكون إلا من ثوبين فإنه قال خير الكفن كونه من ثوبين فصاعدا ثم رأيت ابن العربي قال : خير الكفن الحلة يعني بالحلة ثوبيكما ورد في الصحيح في المحرم الذي وقصته ناقته كفنوه في ثوبين وهو أقله وأكثر ثلاثة اه‍ . وقوله وهو أقله أي أدنى الكمال وإلا ففيه إشكال (ت ه عن أبي أمامة) الباهلي (د ه ك) في الأضحية (عن عبادة بن الصامت) قال الترمذي : غريب وفيه عفير يضعف في الحديث وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب : فيه أبو حاتم بن أبي نصر مجهول . 4001 (خير الأعمال الصلاة في أول وقتها) أي لأول وقتها وهنا توجيهات سبقت فتذكر (ك) من حديث يعقوب بن الوليد الأزدي المدني عن عبيد الله عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وتعقبه الذهبي فقال : قلت يعقوب كذاب اه‍ ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عمر من هذا الوجه فقال الغرياني في مختصره : فيه يعقوب بن الوليد قال أحمد : كان من الكذابين الكبار يضع الحديث ولابن حبان نحوه .
[ 626 ]
4002 (خير البقاع المساجد) لأنها محل فيوض الرحمة وإدرار النعمة (وشر البقاع الأسواق) قرن المساجد بالأسواق مع أن غيرها قد يكون شرا منها ليبين أن الديني يدفعه الأمر الدنيوي فكأنه قيل خير البقاع مخلصة لذكر الله مسلمة من الشوائب الدنيوية فالجواب من أسلوب الحكيم فإنه سئل أي البقاع خير فأجاب به وبضده وسبق أن هذا من وصف المحل بما يقع فيه (تنبيه) هذا الحديث فيه قصة عند الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعا ولفظه قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : أي البقاع خير لك قال لا أدري قال : فسل ربك عز وجل فبكى جبريل وقال : أولنا أن نشاء إلا إذا شاء ثم عرج إلى السماء ثم أتى فقال : خير البقاع بيوت الله قال : فأي البقاع أشر فعرج إلى السماء ثم أتاه فقال : شر البقاع الأسواق تفرد به عبيد بن واقد في إحدى الطريقين عن عمارة وعبيد ضعيف وفي رجال الطريق الأخرى زياد النميري وهو ضعيف لكن للحديث شواهد يتقوى بها كما أفاده الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر (طب ك عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه الطبراني عن جبير بن مطعم قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير فذكره قال الهيثمي : وفيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط آخرا وبقية رجاله موثقون وقال ابن حجر في تخريج المختصر : حسن وأخرجه أيضا ابن حبان ووقع عنده في أوله السؤال والجواب بلا أدري وكذا عند الحاكم وأصل الحديث عند مسلم من رواية أبي هريرة بغير قصة بلفظ أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها كما تقدم . 4003 (خير التابعين أويس) بن عامر أو عمرو القرني لا ينافيه قول أحمد بن حنبل أفضل التابعين ابن المسيب ولا قول غيره أفضلهم علقمة الأسود ولا قول آخرين أفضلهم أبو عثمان النهدي لأن مرادهم كما قال النووي في التهذيب أفضلهم في علوم ظاهر الشرع وأما أويس فأرفعهم درجة وأعظهم ثوابا عند الله تعالى وقد سبق عن مالك أنه أنكر وجوده قال في الإصابة : إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا يسع أحدا أن يشك فيه اه‍ قال ابن الجوزي : وقصة اجتماعه بعمر باطلة قال المصنف وعندي في وضعها وقفة (ك) في الفضائل (عن علي) أمير المؤمنين وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره لمسلم بأزيد فائدة من هذا ولفظه خير التابعين رجل من قرن يقال له أويس القرني وله والدة وكان بيده بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم من سرته اه‍ . وفي مسلم أيضا أن خير التابعين رجل يقال له أويس وكان له والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم . 4004 (خير الخيل الأدهم) أي الأسود والدهمة السواد ويقلل فرس أدهم إذا اشتدت زرقته
[ 627 ]
حتى ذهب البياض منه فإن زاد حتى اشتد السواد فهو جون . (الأقرح) بقاف وحاء مهملة ما في وجهه قرحة بالضم وهي ما دون الغرة وأما القارح فهي الذي في السنة الخامسة (الأرثم براء وثاء مثلثة من الرثم بفتح فسكون بياض في جحفلة الفرس العليا أي شفته وفي النهاية هو الذي أنفه أبيض وشفته العليا (المحجل ثلاث) الذي في ثلاث من قوائمه بياض (مطلق اليمين) أي مطلقا ليس فيها تحجيل بل خالية من البياض مع وجوده في بقية القوائم (فإن لم يكن أدهم فكميت) بضم الكاف أي لونه بين سواد وحمرة قال سيبويه : سألت الخليل عنه فقال الأصفر فإنه بين سواد وحمرة كأنه لم يخلص واحد منهما فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب والفرق بينه وبين الأشقر بالعرف والذنب فإن كان أحمر فأشقر أو أسود (على هذه الشية) بكسر الشين وفتح التحتية أي على هذا اللون والصفة يكون إعداد الخيل للجهاد وغيره من سبل الخير ولا ينافي تفضيله الدهمة هنا تفضيله الشقرة في الحديث الآتي لاختلاف جهة التفضيل لأنه فضل الدهم لكونها خيرا وفضل الشقر لكونها أيمن فيجوز أن يكون الخير في هذه واليمن في هذه أو لأن أحد الحديثين خرج على سبب فلا يدل على التفضيل المطلق أو لأنه إنما فضل دهمة صحبها وصف الأقرح الأرثم فيكون خبرا لجملة الثلاثة أوصاف ويكون اليمن مع وجود الشقرة الوصفين الآخرين زاد يمينه وحاز قصب السبق في الفضل (حم ت) في الجهاد (ه ك عن أبي قتادة) قال الترمذي : غريب على شرطهما وأقره الذهبي . 4005 (خير الدعاء يوم عرفة) الإضافة فيه يجوز كونها بمعنى اللام أي دعاء خص به ذلك اليوم ذكره الطيبي وسماه دعاء مع كونه ثناء لأنه لما شارك الذكر الدعاء في كونه جالبا للثواب ووصلة لحصول المطلوب صار كأنه منه (وخير ما قلت) قال الطيبي : أي ما دعوت فهو بيان له (أنا والنبيون من قبلي) الظاهر أنه أراد بهم ما يشمل المرسلين (لا إله) أي لا معبود في الوجود بحق (إلا الله) الواجب الوجود لذاته (وحده) تأكيد لتوحيد الذات والصفات فهو رد على الكرامية والجهمية القائلين بحدوث الصفات ذكره البيهقي (لا شريك له) تأكيد لتوحيد الأفعال ففيه رد على المعتزلة (له الملك) قال السهيلي هذا أخذ في إثبات ما له بعد نفي ما لا يجوز عليه (وله الحمد) قدم الملك عليه لأنه ملك فحمد في مملكته ثم ختم بقوله (وهو على كل شئ‌قدير) ليتم معنى الحمد إذ لا يحمد المنعم حقيقة حتى يعلم أنه لو شاء لم ينعم وإكان قادرا على المنع وكان جائزا أن يمنع وأن يجود فلما كان جائزا له الوجهان جميعا ثم فعل الإنعام واستحق الحمد على الكمال لا كما تقول المعتزلة يجب عليه إصلاح الخليفة (تنبيه) قال الشلوبين في حديث أفضل ما قلت إلخ هذا مما فيه الخبر نفس المبتدأ في المعنى فلم تحتج الجملة إلى ضمير وقال ابن
[ 628 ]
مالك في شرح التسهيل من الإخبار عن مفرد بجملة اتحدت به معنى قوله عليه السلام أفضل ما قلت إلخ (ت) في الدعوات (عن ابن عمرو) بن العاص وقال : غريب وفيه حماد بن حميد ليس بالقوي عندهم انتهى فعزو المصنف الحديث له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علنه غير جيد قال ابن العربي ليس في دعاء عرفة حديث يعول عليه إلا هذا وما ذكروا من المغفرة فيه والفضل لأهله أحاديث لا تساوي سماعها . 4006 (خير الدعاء الاستغفار) المصحوب بالتوبة لأنه إذا استغفر بلسانه وهو مصر بقلبه فاستغفاره ذلك ذنب يوجب الاستغفار وتسمى توبة الكذابين . قيل لبعض الكاملين : أيما أفضل التسبيح أو التكبير أو الاستغفار فقال : الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور (ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين . 4007 (خير الدواء القرآن) أي خير الرقية ما كان بشئ من القرآن * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) * فهو دواء للقلوب والأبدان والأرواح وإذا كان لبعض الكلام خواص ومنافع فما بالك بكلام رب العالمين الذي فضله كفضل الله على خلقه وفيه آيات مخصوصة يعرفها الخواص لإزالة الأمراض والأعراض وقد ألف القوم في ذلك تآليف وممن اعتنى بإفراد ذلك الغزالي والبوني وغيرهما (ه عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا وضعفه الدميري . 4008 (خير الدواء الحجامة والفصادة) أي لمن لاق به ذلك وناسب حاله مرضا وسنا وقطرا وزمنا وغير ذلك . (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين . 4009 (خير الذكر الخفي (1) وفي رواية المخفي أي ما أخفاه الذاكر وستره عن الناس بحيث لا يطلع عليه إلا الله فمن أخفى ذكره عن الأغيار والرسوم أخفى الله ثوابه عن المعارف والفهوم فالذاكرون الله أقسام منهم من يذكره بقلبه فهؤلاء غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه وآخر ذكر ربه في أزله حيث لا فهوم ولا رسوم ولا علم ولا معلوم وأخذ الحنفية
[ 629 ]
من الخبر ندب الإسرار بتكبير العيد وما ذكر في معنى الذكر هو ما ذكروا ، لكن قال الحربي : عندي أنه الشهرة وانتشار خبر الرجل لأن سعد بن أبي وقاص نهى ابنه عما أراده عليه ودعاه إليه من الظهور وطلب الخلافة بهذا الحديث (وخير الرزق ما يكفي) أي ما يقنع به ويرضى على الوجه المطلوب شرعا وإلا فلا يملأ عين ابن آدم إلا التراب وأخرج الخطيب عن المحاسبي في تفسير خير الرزق ما يكفي أنه قوت يوم بيوم ولا يهتم لرزق غد وتأمل جمعه هنا بين رزق القلب واليدين ورزق الدنيا والآخرة وإخباره بأن خير الرزق ما لم يتجاوز الحد فيكفي من الذكر إخفاوه فإن زاد على الإخفاء خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين وكذا رزق البدن إذا زاد على الكفاية خيف عليه الطغيان والتكاثر وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال . (حم هب حب) من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبينة (عن سعيد) بن مالك أو ابن أبي وقاص قال العلائي والهيثمي : ابن عبد الرحمن وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح . (1) فهو أفضل من الجهر وفي أحاديث أخر يفيد أن الجهر أفضل وجمع بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء وتأذى به نحو مصل والجهر أفضل حيث أمن ذلك وهذا الحديث له تتمة وهي وخير العبادة أخفاها 4010 (خير الرجال رجال الأنصار) لنصرتهم للدين وجودهم بالأنفس والأموال طاعة لله ورسوله (وخير الطعام الثريد) لسهولة أكله وكثرة منافعه كما مر . (تتمة) قال ابن تيمية : الأنصار والمهاجرون اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سماها بالمسلمين من قبل (فرعن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل كان أولى . 4011 (خير الرزق ما كان يوما بيوم كفافا) أي بقدر كفاية العبد فلا يعوزه ما يضره ولا يفضل عنه ما يطغيه ويلهيه لأن ذلك هو الاقتصاد المحمود وحكم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فرب من يعتاد الأكل كل أسبوع مرة فكفافه تلك المرة ورب من يأكل في يومين مرة أو مرتين وكفافه ذلك لأنه إن ترك ضره وضعف عن العبادة ومنهم من تكثر عياله فكفافه ما يقوم بهم على الوجه اللائق فقدر الكفاف غير معين ولا محدود (عد فر عن أنس) وفيه مبارك بن فضالة أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه أحمد والنسائي . 4012 (خير الرزق الكفاف) وهو ما كف عن الناس أي أغنى عنهم وهو ما يكف الإنسان عن الجوع وعن السؤال لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى قال الحرالي : من كان رضاه من الدنيا سد جوعته وستر عورته لم يكن عليه خوف ولا حزن في الدنيا ولا في الآخرة سواء جعله الله فقيرا أو غنيا أو ذا كفاف إذا اطمأن قلبه على الرضى ببلغتها والمراد بالرزق في هذا وما قبله الحلال (حم في الزهد عن
[ 630 ]
زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حية ضد الميتة الثقفي البصري (مرسلا) قال في الكاشف ثقة وفي التقريب : ثقة يرسل كثيرا . 4013 (خير الزاد التقوى) كما نطقت به النصوص القرآنية (وخير ما ألقي في القلب اليقين) وهو العلم الذي يوصل صاحبه إلى حل الضروريات ولا يتمارى في صحتها وثبوتها وإذا وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لم يلهن عن موجبه وترتب عليه أثره فإن مجرد العلم بقبح الشئ وسوء عاقبته قد لا يكفي في تركه فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فإذا صار عين اليقين كان تخلف موجبه عنه من أندر شئ ذكره ابن الأثير وقال الحكيم : سمي يقينا لاستقراره في القلب وهو النور فإذا استقره دام وإذا دام صارت النفس بصيرة فاطمأنت فتخلص القلب من أشغاله وإذا أقذف النور في القلب زالت الظلمات الراكدة في صدره فانكشف الغطاء فعاين الملكوت بقلبه قال في الحكم : لو أشرق نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب من أن يرحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا قد ظهرت كفة الفناء عليها (أبو الشيخ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4014 (خير السودان أربعة) من الرجال (لقمان) بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته قيل عاش ألف سنة وأدرك داود وأخذ عنه وكان يفتي قبل داود فلما بعث قطع فقيل له فقال : ألا أكتفي إذا كفيت والأكثر على أنه حكيم لا نبي (وبلال) المؤذن الذي عذب في الله ما لم يعذبه أحد وهو يقول أحد أحد (والنجاشي) ملك الحبشة (ومهجع) مولى عمر يقال إنه من أهل اليمن أصابه سبي فمن عليه عمر وهو من المهاجرين الأولين وهو أول من استشهد يوم بدر ذكره أبو سعد وغيره (ابن عساكر) في تاريخه (عن الأوزاعي معضلا) هو عبد الرحمن . 4015 (خير السودان ثلاثة لقمان وبلال ومهجع) زاد الحاكم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعرف هذا أي وإنما المعرو ف مولى عمر كما تقرر وفي المحلى أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلايتفرق سواده شامة في خدودهن ولقمان قيل إنه عبد حبشي وقد اختلف في نبوته والمشهور أنه
[ 631 ]
حكيم لا نبي (ك) عن إسماعيل بن محمد بن الفضل عن جده عن الحكم عن الهقل بن زياد (عن الأوزاعي بن عمار) الهمداني (عن واثلة) عن أبي بن الأسقع يرفعه قال الحاكم : صحيح . 4016 (خير الشراب في الدنيا والآخرة الماء) الذي به حياة كل شئ من حيوان ونبات ومن خواصه أنه لا يحصل الري بغيره مطلقا وهو أحد العناصر الأربعة التي هي أركان العالم (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي . 4017 (خير الشهادة ما شهد بها صاحبها قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلبها منه الحاكم وهذا محمول على شهادة الحسبة كما مر ويجئ وأما حمل الزركشي كالطحاوي له على الشهادة على المغيب من أحوال الناس يشهد على قوم أنهم من أهل الجنة بغير دليل كما يصنع أهل الأهواء فرده الدماميني بأن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على المغيب مذمومة مطلقا هبها باستشهاد أو دونه (طب عن زيد بن خالد) الجهني ورواه أيضا باللفظ المزبور أحمد وكأن المصنف أغفله سهوا وإلا فهو بالعزو إليه أحق من الطبراني . 4018 (خير الشهود من أدى شهادته) عند الحاكم (قبل أن يسألها) قد سمعت أنه حمل على ما فيه حق مؤكد لله وحمل أيضا على ما إذا لم يعلم من صاحب الحق أن له شاهدا فيعلمه بشهادته فيصل إلى حقه والفضل للمتقدم (ه عن زيد بن خالد) الجهني . 4019 (خير الصحابة أربعة) لأن أحدهم لو مرض أمكنه جعل واحد وصيا والآخرين شهيدين والثلاثة لا يبقى منهم غير واحد ولأن الأربعة أبعد أوائل الأعداد من الآفة وأقربها إلى التمام ألا ترى أن الشئ الذي يحمله الدعائم أربعة وذا القوائم الأربع إذا زال أحدها قام على ثلاثة ولم يكد يثبت وما له ثلاث قوائم إذا زال أحدها سقط وإنما كانت الأربعة أبعد من الآفة لأنهم لو كانوا ثلاثة ربما تناجى اثنان دون واحد وهو منهي عنه والأربعة إذا تناجى اثنان يبقى اثنان وقيل تخصيص الأربعة لموافقة الحكمة في بناء الأمور على أربعة والأربعين فإن قواعد البناء أربعة وبناء الكعبة على أربعة والأشهر الحرم أربعة وخلفاء النبوة أربعة وميقات موسى أربعون والأبدال أربعون (وخير السرايا أربعمائة) لأنها الدرجة الثالثة من درجات الأعداد ودرجة المئين وهي في القوة فوق العشرات كما أن العشرة فوق
[ 632 ]
الفذ فدرجة السرية أرفع من درجة الطليعة التي هي أربعون وقد زادها في رواية العسكري بين الأربعة والأربعمائة والسرية القطعة من الجيش سميت به لأنها تسري بالليل فعيلة بمعنى فاعلة (وخير الجيوش أربعة آلاف) لأنه أحوج إلى القوة من السرية والجيش هو الرابع من الرفقة والألف في الدرجة الرابعة من الأعداد فأقوى الأعداد وأرفعها درجة أربعة آلاف يرشد إليه ما قيل في تفسير * (وجعلت له مالا ممدودا) * قيل أربعة آلاف والشئ الممدود أقوى مما لا مدد له فيمكن كون معنى خير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف لقوتهما في أنفسهما وما زاد على هذا العدد فهو فضل لأنه فوق التمام (ولا تهزم) في رواية لن تؤتى (اثنا عشر ألفا من قلة) لأن ذلك في حد الكثرة من أقوى الأعداد فلن تؤتى من قلة كعدد حنين كانوا كذلك فلم تغن عنهم كثرتهم لإعجابهم بها فإنه فتح مكة في عشرة آلاف وتوجه لحنين بزيادة ألفين فأتوا من جهة الإعجاب قال الحرالي : جعل الله الأربع أصلا لمخلوقاته * (ومن كل شئ خلقنا زوجين) * فجعل الأوقات من أربع * (وقدر فيها أقواتها في أربعة) * وجعل الأركان الذي خلق منها صور المخلوقات أربعا وجعل الأقطار أربعا وجعل الأعمار أربعا والمربعات في أصول الخلق كثيرة تتبعها العلماء واطلع عليها الحكماء (د ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي : حسن غريب ولم يصححه لأنه يروى مسندا ومرسلا ومعضلا قال ابن القطان : لكن هذا ليس بعلة فالأقرب صحته . 4020 (خير الصداق أيسره) أي أقله لدلالته على يمن المرأة وبركتها ولهذا كان عمر ينهى عن المغالاة في المهر ويقول : ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من ثنتي عشرة أوقية فلو كانت مكرمة لكان أحقكم بها اه‍ ومراده أن ذا هو الأكثر (ك هق) في الصداق (عن عقبة بن عامر) الجهني قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل : أترضى أن أزوجك فلانة قال : نعم وقال للمرأة : أترضين قالت : نعم فزوج ولم يفرض صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد خيبر فأوصى لها بسهمه عند الموت فباعته بمائة ألف فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي . 4021 (خير الصدقة) أي أفضلها (ما كان عن ظهر غنى) وفي رواية للبخاري (على ظهر غنى) أي ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه وممونه ولفظ الظهر مقحم تمكينا للكلام فهو كقولهم هو راكب متن السلامة ونحوه من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن عن الشئ والاستعلاء عليه أو ما ثبت عندها غنى لصاحبها يستظهر به على مصالحه لأن من لم يكن كذلك يندم غالبا ونكر غنى للتفخيم ولا ينافيه خبر أفضل الصدقة جهد المقل لأن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل . قال النووي مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو بصير على
[ 633 ]
الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه (وابدأ) قالوا بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزم نفقته والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه من ماله بعد استيفاء قدر كفاية عياله وزاد في رواية البيهقي عن أبي هريرة قال : ومن أعول قال : امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني ، خادمك يقول أطعمني وإلا فبعني ، ولدك يقوإلى من تكلني (خ) في الزكاة (د ن) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرج له مسلم إلا قوله ابدأ بمن تعول . 4022 (خير الصدقة ما أبقت غنى) أي ما بقيت آ لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله تعالى * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * أو ما أجزلت فأغنيت به المعطي عن المسألة كقول عمر إذا أعطيتم فأغنوا وأنث الضمير الراجع إلى الموصول في قوله ما أبقت ذهابا إلى معناه لأنه في معنى الصدقة ذكره الزمخشري واقتصر بعضهم على الثاني فقال : معنى ما أبقت غنى ما حصل به للسائل غنى عن سؤال كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاه لمائة لم يظهر عليهم الغنى بخلاف إعطائه لواحد (واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول) أراد بالعلو علو الفضائل وكثرة الثواب قال عياض : والعليا الآخذة والسفلى المانعة وقال الكرماني : العليا الآخذة والسفلى المنفقة لأن عادة الكرماء بسط الكف ليأخذه الفقير منها قيد الأخذ أعلى والمعطي يفيد الفقير الدنيا وهي فانية والفقير يفيده الآخرة وهي خير وأبقى ورد بأن نص حديث البخاري أن العليا هي المنفقة والسفلى هي السائل فهذا نص يرفع تعسف من تأوله لأجحديث إن الصدقة تقع بكف الرحمن ولاقتضائه أن العليا يد السائلة وهذا جهل فالمعطي هي يد الله بالعطاء ولهذا قال ابن حجر : الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا المعطية والسفلى السائلة قال : وهو المعتمد وقول الجمهور وفيه وما قبلحث على الإنفاق في وجوه الطاعة وتفضيل الغني مع القيام بحقوقه على الفقر لأن الإعطاء إنما يكون مع الغنى وكراهة السؤال والتنفير عنه حيث لا ضرورة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه الحسن بن أبي جعفر الحفري وفيه كلام اه‍ لكن ورد بمعناه في البخاري ولفظه اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى . 4023 (خير الصدقة المنيحة) بالكسر في الأصل هي أن يعطيه نحو شاة لينتفع بها بنحو لبنها أو صوفها ويرده (تغدو بأجر وتروح بأجر) أي يأخذها مصاحبة لحصول الثواب للمعطي ويردها عليه مصاحبة للثواب أيضا (حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه عبيد الله بن صبيحة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه كلاما وبقية رجاله ثقات .
[ 634 ]
4024 (خير العيادة أخفها) لأن المريض قد تبدو له الحاجة فيستحي من جلسائه وهذا بناء على أن العيادة بمثناة تحتية وروي بباء موحدة وعليه فإنما طلب تخفيفها لئلا يغلب الملل فيوقع في الخلل قال الغزالي : خير الأمور أدومها وإن قل ومثال القليل الدائم كقطرات من الماء تتقاطر على الأرض على التوالي فهي تحدث فيها خضرا لا محالة ولو وقعت على حجر والكثير المتفرق كماء صب دفعة لا يتبين له أثر وروى الحكيم عن نافع قال : مطرنا ليلة مطرا شديدا في ليلة مظلمة فقال ابن عمر : انظر هل في الطواف أحد فوجدت ابن الزبير يطوف ويصلي فلما سجد طف السيل على رأسه فأخبرت ابن عمر فقال : هذه عبادة مقتول القضاعي) في مسند الشهاب (عن عثمان) بن عفان ، (قال الحافظ) أبو الفضل ابن حجر العسقلاني : يروى بالموحدة وبالمثناة التحتية واقتصاره على عزو ذلك لابن حجر يؤذن بأنه لم يره لغيره من المتقدمين مع أنه مسطور في كتاب مشهور وهو الفردوس فقال فيه بعد ما قدم رواية العبادة بالباء الموحدة ما نصه : وفي رواية خير العبادة أخفها أي قياما من عند المريض . 4025 (خير العمل أن تفارق الدنيا) يعني تموت (ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) هذا مسوق للحث على لزوم الذكر ولو باللسان مع عزوب القلب وأنه خير من السكوت ولذلك قال تلميذ لابي عثمان البناني في بعض الأحيان يجري بالذكر لساني وقلبي غافل فقال : اشكر الله أن أستعمل جارحة منك في خير وعودك الذكر ومن عجز عن الإخلاص بالقلب فترك تعويد اللسان بالذكر فقد أسعف الشيطان فتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاكلة والموافقة ولهذا قال التاج ابن عطاء الله : لا تترك الذكر مع عدم الحضور فعسى أن ينقلك منه إلى ذكر مع الحضور ومنه إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (حل عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة . 4026 (خير الغذاء) بالمد ككتاب ما يتغذى به (بواكره) جمع باكورة وهو أول الفاكهة ونحوها ويحتمل أن المراد ما يؤكل في البكرة وهي أول النهار (وأطيبه أوله) تتمته عند مخرجه وأنفعه كذا في الفردوس (فر) من جهة عتبان ابن مالك عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي زكريا اليمامي (عن أنس) وعتبان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال أبو حاتم غير قوي وعنبسة متروك متهم ورواه أبو نعيم أيضا وعنه أورده الديلمي مصرحا بعزوه إلى الأصل فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى .
[ 635 ]
4027 (خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح) في عمله بأن عمل عمل إتقان وإحسان متجنبا للغش وافيا بحق الصنعة غير ملتفت إلى مقدار الأجر وبذلك يحصل الخير والبركة وبنقيضه الشر والوبال وفيه أن عمل اليد بالاحتراف أفضل من التجارة والزراعة وقد مر أنه الذي عليه النووي (حم) وكذا الديلمي والبيهقي وابن خزيمة وجمع كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي : إسناده حسن وقال تلميذه الهيثمي : رجاله ثقات . 4028 (خير الكلام أربع لا يضرك) في حيازة فضلهن وثوابهن (بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإنهن الباقيات الصالحات (ابن النجار) في تاريخ بغداد (فر) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الديلمي : وفي الباب أبو ذر وسمرة بن جندب . 4029 (خير المجالس أوسعها) بالنسبة لأهلها ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والبلدان لأنه أروح للجالس وأمكن في تصرفه من قيامه وقعوده والسير في أداء ما يستحق من التوسعة والإكرام (حم خد د ك هب) من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة (عن أبي سعيد) الخدري قال عبد الرحمن : أوذن أبو سعيد في قومه فلم يأت حتى أخذ الناس مجالسهم فلما جاء قام له رجل من مجلسه فجلس أبو سعيد ناحية ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه سهل بن عمار العتكي النيسابوري قال الذهبي في الضعفاء : كذبه الحاكم أي في تاريخه وقال في اللسان : صحح له الحاكم في المستدرك وتعقبه في تلخيصه بالتناقض لكن غزى النووي في رياضه الحديث لأبي داود باللفظ المزبور عن أبي سعيد المذكور ، وقال : إسناده صحيح على شرط البخاري (البزار) في مسنده (ك هب) كلاهما (عن أنس) بن مالك وفيه مصعب بن ثابت أورده في الضعفاء وقال : ضعفوا حديثه قال الهيثمي : وبقية رجاله ثقات . 4030 (خير الماء الشبم) بشين معجمة فموحدة مكسورة البارد أو بسين مهملة فنون مكسورة العالي على وجه الأرض أو الجاري المرتفع ذكره الزمخشري وقال ابن قتيبة مخرج الحديث : روي بشين
[ 636 ]
معجمة وموحدة وأنا أحسبه بسين مهملة ونون قال : وهذا أولى بكلام جرير الآتي فإنه شبيه بما ذكره عن مائهم ولم يذكر أن ماءهم بارد (وخير المال الغنم) لأن فيها البركة (وخير المراعي الأراك) السواك المعروف (والسلم) هو شجر واحدته سلمة وظاهر صنيع المصنف أن ذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه والسلم إذا أخلف كان لحينا وإذا سقط كان درينا وإذا أكل كان لبينا اه‍ بنصه قال الديلمي : قوله إذا أخلف يريد أخلف المرعى إذا قدم وقوله لبينا أي مدرا للبن اه‍ (ابن قتيبة في) كتاب (غريب الحديث) وكذا العسكري (عن ابن عباس) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جرير إني أحذر الدنيا وحلاوتها رضاعها ومرارة خطابها يا جرير أين تنزلون قال : في أكناف دبيشة بين سلم وأراك وسهل ودكداك (1) شتاؤنا ربيع وماؤنا يميع لا يقاوم مائحها (2) ولا يعزب شارفها ولا يحبس صائحها فقال له نبي الله : أما إن خير المال إلخ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة المذكور باللفظ المزبور . (1) الدكداك ما تلبد من الرمل بالأرض ولم يرتفع كثيرا . (2) المائح الذي ينزل في الركية إذا قل ماؤها فيملأ الدلو بيده . 4031 (خير المسلمين من سلم المسلمون) ذكرهم خرج مخرج الغالب لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه وجمع المذكر للتغليب فإن المسلمات يدخلن فيه (من لسانه ويده) خص اللسان لأنه المعبر عما في النفس واليد لأن أكثر الأفعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأنه يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وإن أثرها في ذلك لعظيم وعبر باللسان دون القول ليشمل ما لو أخرج لسانه استهزاء وذكر اليد دون غيرها من الجوارح لتدخل المعنوية كالاستيلاء على حق الغير عدوانا وفيه من أنواع البديع جناس الاشتقاق وعموم هذا الحديث ونحوه منزل على إرادة شرط وهو إلا بحق وفي حديث البخاري المار أفضل المسلمين قال الكرماني : وهما من باب التفضيل لأن الفضل بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر لكن الأول في الكمية والثاني في الكيفية (م) في باب الإيمان (عن ابن عمرو) بن العاص قال : إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير فذكره . 4032 (خير الناس أقرؤهم) للقرآن لأن القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته فالأخص
[ 637 ]
بكلام الله بعد مشاهدات السر ومقامات القلوب في خير الناس (وأفقهم في دين الله) لأن الفقه في الدين صناعة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموروثة عنه والعلماء ورثة الأنبياء قال في بحر الفوائد : وهم الفقهاء والعلماء بالإطلاق هم الفقهاء والعلماء بسائر العلوم علماء على التقييد إلى علمهم والوارث يرث المال لا الجاه فمقام القارئ مقام الوصي عن الميت ومقام الفقيه مقام الوارث والوصي يقوم مقام الميت نفسه دون الوارث والوصي يقدم على الوارث فلذا قدم القارئ (واتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر) لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما قيام نظام النواميس الدينية فينبغي لمن يقوم بهذه الوظيفة أن ينظر نظرا خالصا ويتأمل في العواقب وما يترتب على الأمر والنهي فقد تكون المفسدة المترتبة عليهما أشد من المفسدة المرتبة على تركهما كمن يتعاطى المنكر بجواره ويخيفه ولا يكثر فعله خوفا أن يبلغه فإذا نهاه فقد أزعجه من جواره فكأنه يقول له افعل ما شئت بعد أن لا أراك فينتقل إلى محل بين فساق يأمن فيه فيتجاهر ، حكي عن العياض أنه زاره بعض الأعاظم فسمع بجواره صوت عود فأعظم ذلك وذكره له ظانا أنه يجهله فقال هذا جاري منذ سنين وأعرف منه وأعظم منه ولم أنكر عليه قط فإنه يترك كثيرا من المعاصي خوفا أن تبلغني ولو أعلمته تحول فسكن محلا لا يحتشم فيه أحد فيكون إغراء مني له على إكثار المعصية والتجاهر بها (وأوصلهم للرحم) أي القرابة (حم طب هب عن درة) بضم الدال المهملة وشد الراء (بنت) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (أبي لهب) من المهاجرات قالت : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : أي الناس خير فذكره قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات وفي بعض كلام لا يضر . 4033 (خير الناس) أهل (قرني) أي عصري من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم يعني أصحابي أو من رآني ومن كان حيا في عهدي ومدتهم من البعث نحو مائة وعشرين سنة قال الزمخشري : والقرن الأمة من الناس سميت قرنا لتقدمها على التي بعدها (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون وهم من مائة إلى تسعين (ثم الذين يلونهم) أتباع التابعين وهم إلى حدود العشرين ومائتين ثم ظهرت البدع وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم بالقول بخلق القرآن ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن (ثم يجئ أقوام) جمع قوم (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) أي في حالين لا في حالة واحدة لأنه دور . قال البيضاوي كالكرماني : هم قوم حراص على الشهادة مشغوفون بترويجها يحلفون على ما يشهدون به تارة يحدثون قبل أن يشهدوا وتارة يعكسون واحتج به من رد شهادة من حلف معها والجمهور على خلافه وقضية الحديث أن كلا من القرون الثلاثة
[ 638 ]
أفضل مما بعده لكن هل الأفضلية بالنظر للأفراد أو المجموع ؟ خلاف كما يأتي (حم ق ت عن ابن مسعود) ورواه عنه النسائي في الشروط وابن ماجه في الأحكام فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من بين الأربعة غير جيد بل قال المصنف : يشبه أن الحديث متواتر . 4034 (خير الناس القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث) إنما كان قرنه خير الناس لأنهم آمنوا به حين كفر الناس وصدقوه حين كذبوه ونصروه حين خذلوه وجاهدوا وآووا . قال الكشاف : كل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم (م عن عائشة) رضي الله عنها . 4035 (خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجئ قوم لا خير فيهم) وفي بعض الروايات والقرن الرابع لا يعبأ الله بهم شيئا قال بعض الشراح : وقضيته أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من أتباعهم وهكذا لكن أفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد ؟ قولان ذهب ابن عبد البر إلى الأول والجمهور إلى الثاني . قال ابن حجر : والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمنه بأمره وأنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل بحث ومن وقف على سير أهل القرن الأول علم أن شأوهم لا يلحق . قال الحسن البصري : التابعي الكبير المجمع على جلالته وإمامته لقد أدركنا أقواما أي وهم الصحابة أهل القرن الأول كنا في جنبهم لصوصا وقال : أدركنا الناس وهم ينامون مع نسائهم على وسادة واحدة عشرين سنة يبكون حتى تبتل الوسادة من دموعهم لا يشعر عيالهم بذلك ، وقال : ذهبت المعارف وبقيت المناكير ومن بقي اليوم من المسلمين فهو مغموم وكان كثيرا ما ينشد : ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء وقال الربيع بن خيثم : لو رآنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب (طب عن ابن مسعود) . 4036 (خير الناس قرني الذين أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون) أي من بعدهم (أراذل) الأرذل من كل شئ الردئ منه ورأيت في نسخ من الفتح ثم الآخرون أردى بدل ما ذكر هو تحريف أم لا والقرن بفتح فسكون الحيل من الناس قيل ثمانون سنة وقيل سبعون .
[ 639 ]
قال الزجاج : الذي عندي أن القرن أهل كل مدة كان فيها نبي أو طبقة من أهل العلم سواء قلت السنون أو كثرت (طب ك) من طريق إدريس عن أبيه يزيد الأودي (عن جعدة) بفتح الجيم وسكون المهملة (ابن هبيرة) المخزومي أو الأشجعي صحابي صغير له رواية على ما ذكره الذهبي وهو ابن أم هانئ . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح إلا أن الأودي لم يسمعه من جعدة ، وقال في الإصابة : ذكر ابن أبي حاتم أن أباه حدث بهذا الحديث في ترجمة جعدة المخزومي في الوجدان ، وقال : إن جعدة تابعي ، وقال في الفتح : رجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحبته . 4037 (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال الخواص : كان لأهل القرن الأول كمال الإيمان ولأهل الثاني كمال العلم ولأهل الثالث كمال العمل ثم تغيرت الأحوال والمواسم في أكثر الناس (ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون) أي يحرصون على لذيذ المطاعم وينهمكون في التمتع بلذاتها حتى تسمن أبدانهم (ويحبون السمن) كذا هو في نسخة المصنف بخطه وفي رواية السمانة بفتح السين أي السمن ويتوسعون في المأكل ويترفهون في نعيمها حتى يسمنوا أو المراد الذكر بما ليس فيهم أو ادعاء الشرف أو جمع المال ، وقال ابن العربي : إنما ذم حب السمن لأن المؤمن حسبه لقيمات يقمن صلبه وموالاة الشبع والرفاهية مكروه فأما محبة السمن فهي مكروهة في النفس محبوبة في الغير كالزوجة والأمة اه‍ (يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) (1) بالبناء للمجهول بضبط المصنف أي يشهدون بها قبل طلبها منهم حرصا عليها ، وفيه ذم لتلك الشهادة ، ولا ينافيه خبر : خير الشهود لما سبق ، وأفاد أن المبادر لا تقبل شهادته أي في غير الحسبة ، وعليه الشافعي وخالفه جمع ، وأولوا الخبر . قال ابن حجر : واستدل بهذه الأحاديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل ، وهذا محمول على الغالب الأكثر فقد وجد بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذمومة ، لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإنه كثير (ت ك عن عمران ابن حصين) تصغير حصن . (1) [ يشهدون بها قبل طلبها منهم ، حرصا عليها (وسبب الحرص فيما إذا كان أحدهم يشهد زورا ، للوصول إلى شئ يتوقعه من حطام الدنيا ، كما ورد في شرح الحديث 2795 . دار الحديث ] 4038 (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) لأن من شأن المرء الازدياد والترقي من مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب فلا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة الساعي في ازدياد العمل الصالح أن يطلب قطعه عن مطلوبه بتمني الموت (حم ت عن عبد الله بن بسر) .
[ 640 ]
4039 (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) لأن من كثر خيره كلما امتد عمره كثر أجره وضوعفت درجاته ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة الأعمال ولو لم يكن إلا الاستمرار على الإيمان فأي شئ أعظم منه وليس لك أن تقول قد يسلب الإيمان لأنا نقول إن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوع ذلك طال عمره أم قصر فزيادة عمره زيادة في حسناته ورفع في درجاته كثرت أو قلت كما حرره المحقق أبو وزعة (وشر الناس من طال عمره وساء عمله) سبق أن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي الاتجار فيما يربح فيه وكلما كان رأس المال كثيرا كان الربح أكثر فمن مضى لطيبه فاز وأفلح ومن أضاع رأس ماله فقد خسر خسرانا مبينا قال المناوي : وهذان قسمان من أربعة طرفان بينهما واسطة لأنه إما طويل العمر أو قصيره ثم هو حسن العمل أو سيئه فطويل العمر حسن العمل وطويل العمر سئ العمل طرفان شرهما الثاني وقصير العمر سئ العمل واسطتان خيرهما الأول (حم ت) في الزهد (ك) في الجنائز (عن أبي بكرة) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي : إسناد أحمد جيد . 4040 (خير الناس خيرهم قضاء) أي للدين كما سبق . قال بعض العارفين : فإذا كان لأحد عندك دين وقضيته فأحسن القضاء وزده في الكيل والوزن وأرجح تكن بذلك من خيار العباد وهو الكرم الخفي اللاحق بصدقة السر فإن المعطي له لا يشعر بأنه صدقة سر في علانية ويورث ذلك هبة وودا في نفس المقضي له وتخفي نعمتك عليه في ذلك ففي حسن القضاء فوائد جمة (ه عن عرباض بن سارية) وقضية صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد به عن الستة وإلا لما أفرده بالعزو وهو ذهول فقد رواه الجماعة كلهم إلا البخاري عن أي رافع قال : استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقال : لا آخذ إلا جملا رباعيا قال : أعطه إياه فإن خير الناس أحسنهم قضاء . انتهى بلفظه . 4041 (خير الناس أحسنهم خلقا) مع الخلق بالبشر والتودد والشفقة والحلم عنهم والصبر عليهم وترك التكبر والاستطالة ومجانبة الغلظة والغضب والحقد والحسد وأصل ذلك غريزي وكماله مكتسب كما سبق (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه من لم يوثق في رجال الكتب . 4042 (خير الناس في الفتن) جمع فتنة أي فساد ذات البين وغيرها (رجل آخذ بعنان فرسه
[ 641 ]
خلف أعداء الله) الكفار (يخيفهم ويخيفونه ورجل معتزل) عن الفتنة (في بادية يؤدي حق الله الذي عليه) أي من الزكاة في ماشيته وزرعه وغير ذلك من الحقوق اللازمة قال النووي : فيه فضل العزلة في أيام الفتن إلا أن يكون له قوة على إزالة الفتن فيلزمه السعي في إزالتها عينا وكفاية (تنبيه) وجد تحت وسادة حجة الإسلام : ما في اختلاط الناس خير ولا * ذو الجهل بالأشياء كالعالم يا لائمي في تركهم جاهلا * عذرى منقوش على خاتمي فوجدوا نقش خاتمه : وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين انتهى . وأنشدوا : أخص الناس بالإيمان عبد * خفيف الحاذ مسكنه القفار له في الليل حظ من صلاة * ومن صوم إذا طلع النهار وقوت النفس يأيته كفافا * وكان له على ذاك اصطبار وفيه عفة وبه خمول * إليه بالأصابع لا يشار فذلك قد نجا من كل شر * ولم تمسه يوم البعث نار (ك) في الفتن (عن ابن عباس طب عن أم مالك النهرية) صحابية لها حديث قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي قال الديلمي : وفي الباب ابن عباس وأبو سعيد وأم بشر وغيرهم . 4034 (خير الناس مؤمن فقير يعطي جهده) أي مقدوره يعني يتصدق بما أمكنه تمسك به من فضل الفقر على الغنى ولا دليل فيه لأنه تضمن تفضيل فقير يتصدق من جهده فمعه فقر الصابرين وغنى الشاكرين فجمع بين موجبي التفضيل (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف جدا . 4044 (خير الناس أنفعهم للناس) بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد فإنهم عباد الله وأحبهم إليه وأنفعهم لعياله أي أشرفهم عنده أكثرهم نفعا للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينا أو دنيا ومنافع الدين أشرف قدرا وأبقى نفعا قال بعضهم : هذا يفيد أن الإمام العادل خير الناس أي بعد الأنبياء لأن الأمور التي يعم نفعها ويعظم وقعها لا يقوم بها غيره وبه نفع العباد والبلاد وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق وإقامة دينهم وتقويم أودهم ولولاه لم يكن علم ولا عمل (القضاعي) في مسند الشهاب (عن جابر) وفيه عمرو بن أبي بكر السكسكي الرملي قال في الميزان
[ 642 ]
واه وقال ابن عدي : له مناكير وابن حبان : يروي عن الثقات الطامات ثم أورد له أخبار هذا منها . 4045 (خير النساء التي تسره) يعني زوجها (إذا نظر) لأن ذات الجمال عنده عون له على عفته ودينه وكانت امرأة زكريا في غاية الجمال مع رفضه للدنيا وكونه نجارا فسئل فذكر أن عذر العفة هذا وهو معصوم فكيف بنا ؟ (وتطيعه) في أمره (إذا أمرها) بشئ موافق للشرع (ولا تخالفه في نفسها) بأن لا تمنع نفسها منه عند إرادته الاستمتاع بها (ولا مالها [ ص 482 ] بما يكره) بأن تساعده على أموره ومحابه ما لم يكن مأثما فإن حسن العشرة ترك هواها لهواه وإذا كانت كذلك كانت عونا له على حسن العشرة وزوال العسرة وإقامة الحقوق . (حم ن ك) في النكاح (عن أبي هريرة) قال الحاكم : على شرط مسلم وأقره الذهبي . 4046 (خير النساء من تسرك إذا أبصرت) أي نظرت إليها (وتطيعك إذا أمرت) ها بشئ (وتحفظ غيبتك) فيما يجب حفظه (في نفسها ومالك) ومن فاز بهذه فقد وقع على أعظم متاع الدنيا وعنها قال في التنزيل : * (قانتات حافظات للغيب) * قال داود عليه السلام : مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير ومن حفظها لغيبته أن لا تفشو سره فإن سر الزوج قلما سلم من حكاية ما يقع له لزوجته لأنها قعيدته وخليلته . (طب عن عبد الله بن سلام) بالتخفيف الإسرائيلي الصحابي المشهور قال الهيثمي : فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وهو وهم فقد خرجه ابن ماجه بخلف لفظي يسير مع الاتحاد في المعنى ولفظه خير النساء إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها . 4047 (خير النكاح أيسره) أي أقله مؤونة وأسهله إجابة للخطبة بمعنى أن ذلك يكون مما أذن فيه وعلامة الإذن التيسير ويستدل بذلك على يمن المرأة وعدم شؤمها لأن النكاح مندوب إليه جملة ويجب في حالة فينبغي الدخول فيه بيسر وخفة مؤونة لأنه ألفة بين الزوجين فيقصد منه الخفة فإذا تيسر عمت بركته ومن يسره خفة صداقها وترك المغالاة فيه وكذا جميع متعلقات النكاح من وليمة ونحوها . (د عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه عنه الديلمي أيضا .
[ 643 ]
4048 (خير أبواب البر) بالكسر أي وجوهه وأنواعه (الصدقة) لتعدي نفعها ولأنها تطفئ غضب الرب كما في الخبر . (قط في الأفراد طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه من لم أعرفه . 4049 (خير إخوتي علي) بن أبي طالب (وخير أعمامي حمزة) بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وهذه منقبة عظيمة لهما . (فر عن عابس) بمهملة وموحدة مكسورة ومهملة (ابن ربيعة) بالراء مولى حويطب بن عبد العزي قيل من السابقين ممن عذب في الله وفيه عباد بن يعقوب شيخ البخاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن حبان رافضي داعية وعمرو بن ثابت قال الذهبي : تركوه . 4050 (خير أسمائكم عبد الله وعبد الرحمن والحارث) وأفضلها الأولان لأنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسمائه غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى وأصدقها الثالث وقد سبق توجيهه غير مرة . (طب) عن خيثمة بن عبد الرحمن بن سبرة عن أبيه (أبي سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة عبد الرحمن قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح لكن ظاهر الرواية الإرسال . [ ص 483 ] 4051 (خير أمراء السرايا) جمع سرية (زيد بن حارثة) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبه (أقسمهم بالسوية) بين أهل الفئ والغنيمة (وأعدلهم في الرعية) أي فيمن جعله راعيا عليهم وفيه جواز السجع إذا كان بغير تكلف كهذا والسرية قطعة من الجيش فعيلة بمعنى فاعلة تسري في خفية . (ك) في المناقب (عن جبير بن مطعم) وتعقبه الذهبي . 4052 (خير أمتي) أمة الإجابة (بعدي) أي بعد وفاتي (أبو بكر) الصديق أول الخلفاء (وعمر) الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل وفتح الله به البلاد وفيه إشعار بأحقيتهما بالخلافة بعده وتقديمهما على غيرهما وأفضلهما أبو بكر اتفاقا . (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين (والزبير) بن العوام (معا) زاده دفعا لتوهم أن الواو بمعنى أو .
[ 644 ]
4053 (خير أمتي القرن الذي بعثت) أي أرسلت إلى الخلق (فيه ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه ثم يخلق قوم يحبون السمانة يشهدون أن يستشهدوا) وقد مر تقريره غير مرة قال بعضهم : قرن الإنسان جيله الذي هو فيه وهو كل طبقة مقترنين في وقت سمي قرنا لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم مصدر قرنت جعل اسما للوقت أو لأهله وفي مقداره أقوال ثلاث مرت . (م عن أبي هريرة) . 4054 (خير أمتي) أمة الإجابة (الذين لم يعطوا) أي كثيرا (فيبطروا ولم يمنعوا) القوت (فيسألوا) الناس بل كان رزقهم كفافا لا يزيد عن الكفاية ولا ينقص . (ابن شاهين عن الجذع) الأنصاري هو ثعلبة بن زيد قال الذهبي : وصوابه بمهملة . 4055 (خير أمتي الذين إذا أساؤوا) أي فعلوا سيئة (استغفروا) الله منها أي طلبوا منه غفرها أي سترها ومحوها (وإذا أحسنوا) أي فعلوا حسنة (استبشروا) * (فرحين بما آتاهم الله من فضله) (وإذا سافروا) سفرا يبيح القصر (قصروا) الصلاة الرباعية بأن يصلوها ركعتين (وأفطروا) إن كان السفر في رمضان . (طس) وكذا الديلمي (عن جابر) قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وهو ضعيف . 4056 (خير أمتي أولها وآخرها وفي أوسطها) يكون (الكدر) زاد الحكيم في روايته ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها قال الحكيم : فالميزان لسانه في وسطه وباستواء الطرفين والكفتين يستوي اللسان ويقوم الوزن فجعلت أوائل هذه الأمة وأواخرها يهدون بالحق وبه يعدلون فهذا الوسط الأعوج ينجو بهاتين الكفتين المستقيمتين . (الحكيم) الترمذي (عن أبي الدرداء) . [ ص 484 ] 4057 (خير أهل المشرق عبد القيس) القبيلة المشهورة ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل تمامه عند مخرجه الطبراني أسلم الناس كرما وأسلموا طائعين اه‍ . (طب) وكذا
[ 645 ]
البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي : وفيه عندهما وهب بن يحيى بن زمام ولم أعرفهم وبقية رجاله ثقات . 4058 (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم) أي لا أب له ذكرا أو أنثى (يحسن إليه) بالبناء للمفعول أي بالقول أو الفعل أو بهما لأن ذلك البيت حوى الرحمة والشفقة والنيابة عن الله في الإيواء والشفقة وإكرامه تعهد أموره والرفق به (وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) بالبناء للمجهول أي بقول أو فعل كما تقرر (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) أي متقاربين فيها اقترانا مثل اقتران هاتين الأصبعين قال الطيبي : وهذا عام في كل يتيم قريبا أو غيره . (خد ه) في الأدب (حل) كلهم (عن أبي هريرة) والمنذري وقال المناوي : رجال ابن ماجه موثقون وقال العراقي : فيه ضعف . 4059 (خير بيوتكم بيت فيه يتيم مكرم) بنحو تلطف وشفقة وإكرام وإنفاق وتأديب وحسن مطعم وتعليم وغير ذلك واليتيم صغير مات أبوه وإن كان له أم كما مر . (عن حل عن عمر) بن الخطاب فضية صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور من حديث أبي هريرة وعنه أورده في الفردوس ثم إن فيه إبراهيم الصيني قال الدارقطني وغيره : متروك . 4060 (خير تمركم) وفي نسخة ثمراتكم (البرني يذهب الداء ولا داء فيه) أي فهو خير من غيره من الأنواع وإن كان التمر كله خيرا قال ابن الأثير : وهو ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالمدينة قال : وأنواع تمر المدينة كثيرة استقصيناها فبلغت مائة وبضعا وثلاثين نوعا وزاد ولا داء فيه لأن الشئ قد يكون نافعا من وجه ضارا من آخر . (الروياني) في مسنده (عد هب والضياء) المقدسي (عن بريدة) وفيه أبو بكر الأعين ضعفه ابن معين وغيره وعتبة بن عبد الله قال فيه بعضهم : مجهول وقال ابن حبان : ينفرد بالمناكير عن المشاهير وهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات لكن تعقبه المؤلف بأن الضياء أيضا خرجه في المختارة ولم يتعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه هذا قصارى ما رد به عليه ولا يخفى ما فيه (عق طس وأبو نعيم وابن السني في) كتاب (الطب) النبوي كلهم من طريق واحدة (عن أنس) بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس فذكره قال مخرجه
[ 646 ]
العقيلي : لا يعرف إلا بعثمان بن عبد الله العبدي وهو مجهول وحديثه غير محفوظ انتهى . وأقول : فيه أيضا عبيد بن واقد ضعفه أبو حاتم وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين (ك) من الطريق المذكور (عن أنس) بن مالك وقال : صحيح فتعقبه الذهبي في تلخيصه فقال : عثمان لا يعرف والحديث منكر (طس ك وأبو نعيم) في الطب (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال الحاكم : أخرجناه شاهدا يعني لحديث أنس الذي قبله وفيه من هو مجهول وخالد بن رباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قدري وقال ابن عدي : لا بأس به قال المؤلف : وطريق حديث بريدة هو أمثل طرقه قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني : فيه سعيد بن سويد وهو ضعيف . 4061 (خير ثيابكم البياض) أي الأبيض إلى الغاية (فألبسوها أحياءكم) فإنها أطهر وأطيب كما جاء هكذا في خبر (وكفنوا فيها موتاكم) أي من مات منكم أيها المسلمون وأخذ علماء الشافعية من هذا الخبر أن أفضل ألوان الثياب البياض ثم ما صبغ غزله قبل نسجه كالبرد لا ما صبغ منسوجا بل يكره لبسه كما نبه عليه البندنيجي وغيره ولم يلبسه المصطفى وليس البرود كما في خبر البيهقي الآتي في حرف الكاف أنه كان له برد يلبسه في العيدين والجمعة والكلام في غير المزعفر والمعصفر (تتمة) روى الترمذي عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ورقة فقالت له خديجة : إنه كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر فقال : رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك اه‍ بنصه . (قط في) كتاب (الأفراد عن أنس) ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن عباس وصححه ابن القطان قال ابن حجر : ورواه أصحاب السنن عن أبي داود والحاكم أيضا من حديث سمرة واختلف في وصله وإرساله انتهى فعدول المصنف للدارقطني تقصير . 4062 (خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم وألبسوها أحياءكم) هذا خطاب لعموم الخلق لقوله ثيابكم ولم يقل ثيابنا فهو خير الثياب لأنها لم يمسها صبغ يحتاج إلى مؤونة ولم يؤمن فيها نجاسة ولأن البياض لا يكاد يخفي أثر يلحقه فيظهر ولأن الألوان تعين على الكبر والمفاخرة ولأن البياض أعم وأيسر وجودا لكن لما تغالى أبناء الدنيا في تصفيقه وتصقيله تركه قوم من المتزهدين فلبسوا الأسود ونحوه لذلك ولخفة مؤونة غسله ولهذا لم يتوخ المصطفى صلى الله عليه وسلم لبس البياض بل كان يلبس ما اتفق من أخضر وأحمر وأبيض وغيره ذكره البغدادي (وخير أكحالكم الإثمد) قال الطيبي : عطف على قوله البسوا وإنما أبرز الأول في صورة الأمر اهتماما بشأنه وأنه سنة مؤكدة وأخبر عن الثاني إيذانا بأنه من
[ 647 ]
خير دأب الناس وعادتهم وجمع بينهما لمناسبة الزينة يتزين بها المتزينون من الصلحاء وعلل الاكتحال بالإثمد بقوله (ينبت الشعر) أي شعر الأهداب (ويجلو البصر) بتجفيفه للرطوبات الفاسدة ودفعه للمواد الرديئة وأما توسطه ذكر الكفن بينهما فكالاستطرد . (ه طب ك عن ابن عباس) قال الديلمي : وفي الباب ابن عمر . 4063 (خير جلسائكم من ذكركم الله) بتشديد الكاف (رؤيته) لما علاه من النور والبهاء (وزاد في علمكم منطقه) لكونه حسن النية مخلص الطوية عاملا بعلمه قاصدا بالتعليم وجه ربه (وذكركم الآخرة عمله) الصالح فإن الرجل إذا نظر إلى رجلين من أهل الله تعالى تذكر الآخرة وعمل لما بعد الموت فالنظر إلى العلماء العاملين والأولياء الصادقين ترياق نافع ينظر الرجل إلى عمل أحدهم فيستشف ببصيرته حسن استعداده واستحقاقه لمواهب الله فيقع في قلبه محبته وينظر إليه نظر محبة عن بصيرة فيسعى خلفه ويقتدي به في أعماله فيصير من المفلحين الفائزين ومن ثم حثوا على مجالسة الصالحين وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم . (عبد بن حميد والحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قضية صنيعه أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من هذين والأمر بخلافه بل رواه أبو يعلى باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور قال الهيثمي : وفيه مبارك بن سنان وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح . 4064 (خير خصال الصائم السواك) تمسك به من ذهب إلى عدم كراهته بل ندبه بعد الزوال قال : ومن ادعى التقييد أو التخصيص فعليه البيان . (هق) من حديث مجالد عن الشعبي عن مسروق (عن عائشة) ثم قال : مجالد وعاصم ليسا بقويين ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال : فمجالد غيره أثبت منه . 4065 (خير ديار) في رواية دور (الأنصار) جمع دار والمراد بها هنا القبائل أي خير قبائلها وبطونها من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال أو خيريتها بحسب خيرية أهلها وإنما كنى عن البطون بالدور لأن كل واحدة من البطون كانت لها محلة يسكنها والمحلة تسمى دارا (بنو النجار) بفتح النون وجيم مشددة تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج سمي النجار لأنه اختتن بقدوم النجار أو لأنه ضرب رجلا فنجره وبنو النجار أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم مزية على غيرهم قالوا : تفضيلهم على قدر مآثرهم وسبقهم إلى الإسلام . (ت عن جابر) اقتصار المصنف على الترمذي يوهم أنه ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول بل هو فيهما بزيادة ، وسياقه : خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد أشهل ثم بنو عبد الحارث ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير . اه‍ .
[ 648 ]
4066 (خير ديار) أي منازل (الأنصار) قال القاضي : يريد بالدور البطون فإن الدار يعبر بها عن المحلة وبالمحلة عن أهلها وإن أراد بهذا ظاهره فقوله بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويكون خيريتها بحسب خيرية أهلها وما يجري ويوجد فيها من الطاعات (بنو عبد الأشهل) بفتح فسكون وظاهره يعارض ما قبله والأفضلية في بني النجار على بابها وفي هنا بمعنى من بدليل خبر الشيخين خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل وأما روايتها بالعكس فقد اختلف على أبي سلمة فيها وأما رواية تقدم بني النجار فسالمة عندهما من الاختلاف . (ت عن جابر) بن عبد الله ورواه أيضا مسلم في صحيحه في المناقب من حديث أسيد بزيادة ولفظه خير دور الأنصار دار بني النجار ودار بني عبد الأشهل ودار بني الحارث بني الخزرج ودار بني ساعدة والله لو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت عشيرتي اه‍ . 4067 (خير دينكم أيسره) أي الذي لا مشقة فيه والدين كله كذلك إذ لا مشقة فيه ولا إصر كالذي كان من قبل لكن بعضه أيسر من بعض فأمر بعدم التعمق فيه فإنه لن يغالبه أحد إلا غلبه وقد جاءت الأنبياء السابقة بتكاليف وآصار بعضها أغلظ من بعض (حم خد طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) الاسلمي (طب عن عمران بن حصين) وقال تفرد به إسماعيل بن يزيد (طس عد والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) قال الزين العراقي : سنده جيد . 4068 (خير دينكم أيسره) في رواية اليسر (وخير) لفظ رواية ابن عبد البر وأفضل (العبادة الفقه) قال الماوردي : يشير أنه لا سبيل إلى معرفة جميع العلوم فيجب صرف الاهتمام إلى معرفة أهمها والعناية بخيرها وأفضلها وهو علم الفقه لأن الناس بمعرفته يرشدون وبجهلهم يضلون إذ العلم يبعث على فعل العبادة وفضلها والعبادة مع خلق فاعلها عما يصححها ويبطلها وقد لا تكون عبادة (ابن عبد البر في) كتاب (العلم عن أنس) ورواه أيضا أبو الشيخ والديلمي قال الحافظ العراقي : وسنده ضعيف . 4069 (خير دينكم الورع) لأن الورع دائم المراقبة للحق مستديم الحذر أن يمزج باطلا بحق كما قال الحبر كان عمر كالطير الحذر والمراقبة توزن بالمشاهدة ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر (أبو
[ 649 ]
الشيخ ابن حبان (في) كتاب (الثواب) ثواب الأعمال (عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه الديلمي أيضا . 4070 (خير سحوركم التمر) يعني التسحر به أفضل من التسحر بغيره لما فيه من الفضائل والمنافع ويظهر أن الرطب عند وجوده مقدم عليه وإنما خص التمر لوجوده في جميع العام . (عد عن جابر) بن عبد الله . 4071 (خير شبابكم من تشبه بكهولكم) يعني تشبه من الشباب بالكهول في سيرتهم لا في صورتهم فيغلب عليه وقار العلم وسكينة الحلم ونزاهة التقوى عن مداني الأمور وكف نقصه عن عجلة الطبع وأخلاق السوء والتصابي واللهو فيكون في الدنيا في رعاية الله وفي القيامة في ظله (وشر كهولكم من تشبه بشبابكم) أي في العجلة وقلة الثبات والصبر عن الشهوات بلا عقل ولا ورع يحجزه ولا حلم يسكنه متشبها بالشباب وللشباب شعبة من الجنون والقصد بالحديث حث الشباب على اكتساب الحلم والثبات وزجر الكهول عن الخفة والطيش وأن الخضاب بالسواد منهي عنه قال الغزالي : المراد بالتشبيه بالشيوخ في الوقار لا في تبيض الشعر فإنه مكروه لما فيه من إظهار علو السن توصلا إلى التصدر والتوقير قال ابن أبي ليلى : يعجبني أن أرى قفا الشباب أحسبه شيخا ، وأبغض أن أرى قفا الشيخ أحسبه شابا فإذا هو شيخ وأخذ الماوردي من الحديث أنه ينبغي للطالب الاقتداء بأشياخه في رضي أخلاقهم والتشبه بهم في جميع أفعالهم ليصير لها إلفا وعليها ناشئا ولما خالفها مجانبا (ع طب عن وائلة) بن الأسقع قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفهم (هب عن أنس) وفيه كما قال الهيثمي الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال : تفرد به بحر بن كثير السقا اه‍ وبحر قال في الكاشف : تركوه وفي الضعفاء : اتفقوا على تركه (عد عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي : إسناده ضعيف وقال ابن الجوزي حديث لا يصح . 4072 (خير صفوف الرجال أولها) لاختصاصه بكمال الأوصاف كالضبط عن الإمام والتبليغ عنه (1) ونحو ذلك (وشرها آخرها) لاتصاله بأول صفوف النساء فهو شرها من جهة قربهن
[ 650 ]
والمراد أن الأول أكثرها أجرا والآخر أقلها ثوابا وأبعدها عن مطلوب الشرع (وخير صفوف النسا آخرها) لبعده عن مخالطة الرجال وقربهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك (وشرها أولها) لكونها بعكس ذلك قال النووي : وهذا على عمومه إن صلين مع الرجال فإن تميزن فهن كالرجال خيرها أولها وشرها آخرها قال الطيبي : والخير والشر في صفي الرجال والنساء للتفضيل لئلا يلزم من نسبة الخير إلى أحد الصفين شركة الآخر فيه ومن نسبة الشر إلى أحدهما شركة الآخر فيه فيتناقض ونسبة الشر إلى الصف الأخير وصفوف الصلاة كلها خير إشارة إلى أن تأخر الرجل عن مقام القرب مع تمكنه منه هضم لحقه وتسفيه لرأيه فلا يبعد أن يسمى شرا قال المتنبي : ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام واعلم أن الصف الممدوح الذي يلي الإمام سواء جاء به صاحبه متقدما أو متاخرا وسواء تخلله نحو مقصورة ومنبر وعمود أم لا هذا هو الأصح عند الشافعية (م عد) في الصلاة (عن أبي هريرة طب عن أبي أمامة وعن ابن عباس) ولم يخرجه البخاري . (1) قوله والتبليغ عنه : أي عند الحاجة وينبغي أن يكون موقف المبلغ عند منتهى صوت الإمام ليسمع من لم يسمعه من المأمومين . 4073 (خير صلاة النساء) حتى للفرائض (في قعر بيوتهن) قال البيهقي : فيد دلالة على أن الأمر بعدم منعهن أمر ندب وهو قول عامة العلماء وقعر بيوتهن وسطها وما تقعر منها أي سفل وأحيط من جوانبها بدليل قوله في الخبر الآتي أفضل صلاة المرأة في أشد بيتها ظلمة (طب عن أم سلمة) قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف . 4074 (خير طعامكم الخبز) أي خبز البر ويليه خبز الشعير وكان أكثر خبزهم منه (وخير فاكهتكم العنب) ظاهره أنه أفضل من التمر وفي بعض الأخبار ما يصرح بخلافه (فر عن عائشة) كتب الحافظ ابن حجر على حاشية الفردوس بخطه : هذا السند مختلط اه‍ . كذا رأيته بخطه وأقول : فيه الحسن بن شبل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال : كان ببخارى معاصرا للبخاري كذبه سهل بن شادويه الحافظ وغيره اه‍ وخرجه ابن عدي أيضا عنها مرفوعا بلفظ عليكم بالمرازمة أكل الخبز مع العنب وخير الطعام الخبز ثم قال أعني ابن عدي : هذا موضوع والبلاء فيه من عمرو بن خالد الأسدي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصرها . 4075 (خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه) كالمسك والعنبر والعود (وخير طيب
[ 651 ]
النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) كالزعفران ونحوه لأن ذلك هو اللائق بحال الفريقين (عق عن أبي موسى) الأشعري وضعفه . 4076 (خير لهو المؤمن السباحة) أي العوم (وخير لهو المرأة الغزل) أي لمن يليق بها ذلك منهن أما نحو بنات الملوك فقد يقال إن لهوها يكون بالاشتغال في نحو التطريز أو التكليل وهذا الخبر وإن كنا سنقرر ضعفه فله شواهد منها خبر ابن حبان عن عائشة مرفوعا لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور ورواه الحاكم عنها أيضا وقال : صحيح الإسناد وخرجه البيهقي في الشعب عن الحاكم ثم خرجه بإسناد آخر بنحوه وقال : هو بهذا الإسناد منكر قال المؤلف فعلم منه أنه بغير هذا الإسناد غير منكر وبه رد على ابن الجوزي دعواه وضعفه نعم قال الحافظ ابن حجر في الأطراف بعد قول الحاكم صحيح بل عبد الوهاب أحد رواته متروك وقضية صنيع المصنف أن مخرجه ابن عدي لم يخرج الحديث إلا هكذا والذي وقفت عليه من كلامه أنه ساقه عن ابن عباس مرفوعا بما نصه لا تعلموا نساءكم الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وقال خير لهو المؤمن السباحة وخير لهو المرأة المغزل اه‍ بنصه (عد) عن جعفر بن سهل عن جعفر بن نصر عن حفص بن غياث عن ليث عن مجاهد (عن ابن عباس) ثم قال مخرجه ابن عدي في الكامل جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل اه‍ ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المصنف في مختصر الموضوعات في الميزان في ترجمة جعفر بن نصر إنه متهم بالكذب وهو أبو ميمون العنبري ذكره صاحب الكامل فقال : حدث عن الثقات بالبواطيل ثم ساق له أحاديث هذا منها . 4077 (خير ماء) بالمد (على وجه الأرض ماء) ببئر (زمزم فيه طعام من الطعم) كذا في نسخة المصنف بخطه وفي رواية طعام طعم بالإضافة والضم أي طعام إشباع أو طعام شبع من إضافة الشئ إلى صفته والطعم بالضم الطعام (وشفاء من السقم) كذا في خطه وفي رواية شفاء سقم بالإضافة أي شفاء من الأمراض إذا شرب بنية صالحة رحمنية (1) وفيه تقوية لمن ذهب إلى تفضيله على ماء الكوثر قال
[ 652 ]
المصنف في الساجعة : وبها أي ببئر زمزم تجتمع أرواح الموتى ممن أسلم (وشر ماء) بالمد (على وجه الأرض ماء) بالمد (بوادي برهوت) أي ماء بئر بوادي برهوت بفتح الباء والبئر بئر عميقة بحضرموت لا يمكن نزول قعرها وقد تضم الباء وتسكن الراء وهي المشار إليها بآية * (وبئر معطلة) * (بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام تصبح تتدفق وتمسي لا بلال لها) قال الزمخشري : برهوت بئر بحضرموت يقال إن بها أرواح الكفار واسم للبلد التي فيها هذا البئر أو واد باليمن اه‍ في الفردوس عن الأصمعي عن رجل من أهل برهوت أنهم يجدون الريح المنتن الفظيع منها ثم يمكثون حينا فيأتيهم الخبر بأن عظيما من الكفار مات فيرون أن الريح منه وفيه أنه يكره استعمال هذا الماء في الطهارة وغيرها وبه قال جمع شافعية (تنبيه) أخذ بعضهم من قوله خير ماء على وجه الأرض أن ماء زمزم أفضل من الماء النابع من أصابع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن مراده الماء الموجود حال قوله ذلك والماء النابع من الأصابع لم يكن موجودا حينئذ بل وجد بعد وأنت خبير بأنه إنما يتجه إن ثبتت هذه البعدية بتأخر التاريخ لما هو مقرر في الناسخ والمنسوخ وأتى بذلك (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجاله ثقات وصححه ابن حبان وقال ابن حجر : رواته موثوقون وفي بعضهم مقال لكنه قوي في المتابعات وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر موقوفا . (1) وفي قصة أبي ذر أنه لما دخل مكة أقام بها شهرا لا يتناول غير مائها وقال : دخلتها وأنا أعجف فما خرجت إلا ولبطني عكن من السمن . 4078 (خير ما أعطي الناس) وفي رواية الرجل وفي رواية الإنسان (خلق حسن) بالضم قال بعض العارفين : ضابط حسن الخلق أن يعاشر من ساء خلقه عشرة يظن الشئ الخلق أنه أحسن الناس خلقا وقيل حسن الخلق كف الأذى وبذل الندى وقيل لا يؤذى ولا يتأذى وجملة ما قال الله * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض الجاهلين) * وهو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك (حم ن ه ك) في الطب (عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة ومهملة صحابي تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح قال : قالوا : يا رسول الله فما خير ما أعطي الناس فذكره قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب : إسناده قوي ولم يخرجوه وقال الحافظ العراقي : إسناد ابن ماجه صحيح وقال المنذري : قال الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه لأن أسامة ليس له راو سوى واحد كذا قال وليس بصواب فقد روى عنه زياد بن علاقة وابن الأقمر وغيرهما . 4079 (خير ما أعطي الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة) ومن كان كذلك فعليه أن يجاهد نفسه ليحسن خلقه ويزكو طبعه ويلزم نفسه الصبر على ملازمة
[ 653 ]
ذلك ففي خبر الخير عادة والشر لجاجة والعادة مشقة من العود إلى الشئ مرة بعد أخرى حتى يسهل عليه فعل الخير والصلاح والعاقل من جاهد نفسه * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * (ش عن رجل من جهينة) الظاهر أنه صحابي . 4080 (خير ما) أي دواء (تداويتم به الحجامة) قال ابن القيم : أشار إلى أهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة لسطح الجلد ومسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر فالحجامة أولى وأخذ منه أن الخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم وقد خرج الطبراني بسند قال ابن حجر حسن عن ابن سيرين إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم أي لأنه يصيثم في نقص وانحلال من قوى بدنه فيزيده وهنا بإخراج الدم ومحله حيث لم تتعين حاجته إليه ولم يعتده (حم طب ك عن سمرة) بن جندب . 4081 (خير ما تداويتم به الحجامة) سيما في البلاد الحارة (والقسط البحري) وهو الأبيض فإنه يقطع البلغم وينفع الكبد والمعدة وحمى الربع والورد والسموم وغيرها وفي رواية بدل البحري الهندي وهو الأسود وهو يقرب منه لكن أيبس ولا تعارض لأنه وصف لكل ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتجاج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي أشد حرارة وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل دود الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك الباءة ويذهب الكلف (ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعترى الصبيان غالبا وقيل قرحة تخرج بين الأذن والحلق سميت به لأنها تخرج عند طلوع العذراء كوكب تحت الشعرى وطلوعها يكون في الحر والمعنى عالجوا العذرة بالقسط ولا تعذبوهم بالغمز وذلك أن مادة العذرة دم يغلب عليه بلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة والأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض (حم ن عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو كذلك من حيث اللفظ أما هو في المعنى ففي الصحيحين معا . 4082 (خير ما تداويتم به الحجم والفصد) والحجامة لمن قواه متخلخلة ومسام بدنه ضيقة والفصد لغيره (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين .
[ 654 ]
4083 (خير ما) أي مسجد (ركبت إليه الرواحل) جمع راحلة (مسجدي هذا) المسجد النبوى المدني (والبيت العتيق) أي ومسجد البيت العتيق وهو الحرم والواو لا تقتضي ترتيبا فخير ما ركبت إليه الرواحل الحرم المكي ويليه المدني (ع حب عن جابر) ورواه عنه أحمد بلفظ خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم ومسجدي . قال الهيثمي : وسنده حسن . 4084 (خير ما يخلف الإنسان بعده) أي بعد موته (ثلاث) من الأشياء (ولد صالح) أي مسلم (يدعو له) بالغفران والنجاة من النيران ودخول الجنان (وصدقة تجري) بعد موته (يبلغه أجرها) كوقف (وعلم) شرعي (ينتفع به من بعده) كتصنيف كتاب ينتفع به من بعد موته بنحو إفراء أو إفتاء أو عالم يخلفه من طلبته فينفع الناس . (ه حب عن أبي قتادة) قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه : إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه عن الستة وهو ذهول فقد عزاه ابن حجر إلى مسلم وعبارته بعد ما عزا خبر إذا مات ابن آدم إلى مسلم ما نصه وله وللنسائي وابن ماجه وابن حبان من طريق أبي قتادة خير ما يخلف الرجل بعده إلى آخر ما هنا . 4085 (خير ما يموت عليه العبد أن يكون قافلا) أي راجعا (من حج) بعد فراغ أعماله (أو مفطرا من رمضان) يحتمل أن المراد عقب إفطاره في يوم منه أي عند الغروب ويحتمل أالمراد عقب فراغ رمضان عند استهلال شوال (فر عن جابر) وفيه أبو جناب الكلبي أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه النسائي والدارقطني ورواه عنه أيضا الطبراني وعنه ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى 4086 (خير مال المرء مهرة مأمورة) أي كثيرة النتاج يقال أمرهم الله فأمروا أي كثروا وبه استدل على أنه لو حلف لا مال له وله خيل حنث وقال أبو حنيفة لا (أو سكة مأبورة) أي طريقة مصطفة من النخل مؤبرة ومنه قيل للزقاق سكة والتأبير تلقيح النخل (حم طب عن سويد بن
[ 655 ]
هبيرة) بن عبد الحارث الديلمي نزيل البصرة قال أبو حاتم : له صحبة قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات . 4087 (خير مساجد النساء قعر بيوتهن) فالصلاة لهن فيها أفضل منها في المسجد حتى المكتوبة وذلك لطلب زيادة الستر في حقهن (حم هق) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن أم سلمة) قال في المهذب إسناده صويلح اه‍ . وقال الديلمي : صحيح وهو زلل من حديث ابن لهيعة عن دراج . 4088 (خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وقدمها إشارة إلى تقديمها في الفضل بل قيل بنبوتها (وخديجة بنت خويلد) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من آمن من هذه الأمة مطلقا (وفاطمة بنت محمد) صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير الأنبياء (وآسية امرأة فرعون) التي نطق التنزيل بالثناء عليها والمراد جميع نساء الأرض فيحمل على أن كلا منهن خير نساء الأرض في عصرها ، وأما التفضيل بينهن فمسكوت عنه (حم طب عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4089 (خير نسائها) أي خير نساء الدنيا في زمنها فالضمير عائد على غير مذكور يفسره الحال والمشاهدة (مريم بنت عمران) وليس المراد أن مريم خير نسائها إذ يصير كقولهم يوسف أحسن إخوته ، وقد صرحوا بمنعه لأن أفضل التفضيل إذا أضيف وقصد به الزيارة على من أضيف له يشترط أن يكون منهم كزيد أفضل الناس فإن لم يكن منهم لم يجز كما في يوسف أحسن إخوته لخروجه عنهم بإضافتهم إليه . ذكره الزمخشري والنووي وغيرهما (وخير نسائها) أي هذه الأمة (خديجة بنت خويلد) وقال القاضي البيضاوي : قيل الكناية الأولى راجعة إلى الأمة التي فيها مريم والثانية إلى هذه الأمة وروى وكيع الذي هو أحد رواة الحديث أنه أشار إلى السماء والأرض يعني هما خير العالم الذي فوق الأرض وتحت السماء كل منهما في زمانه ووحد الضمير لأنه أراد جملة طبقات السماء وأقطار الأرض وأن مريم خير من صعد بروحه إلى السماء وخديجة خير نسائهن على وجه الأرض والحديث وارد في أيام حياتها اه‍ . وفي المطامح الضمير حيث ذكر مريم عائد على السماء ومع خديجة على الأرض دليله ما رواه وكيع وابن النمير وأبو أسامة وأشار وكيع من بينهم بأصبعه إلى السماء عند ذكر مريم وإلى الأرض عند ذكر خديجة وزيادة العدل مقبولة والمعنى فيه أنهما خير نساء بين السماء والأرض اه‍ . وزاد في خبر
[ 656 ]
فقالت له عائشة : ما ترى من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها فغضب وقال : ما أبدلني خيرا منها آمنت بي حين كذبني الناس ورزقت الولد منها وحرمته من غيرها كذا في المطامح (ق ت عن علي) أمير المؤمنين وفي الباب ابن جعفر وغيره . 4090 (خير نساء ركبن الإبل) كناية عن نساء العرب وخرج به مريم فإنها لم تركب بعيرا قط على أن الحديث مسوق للترغيب في نكاح العربيات فلا تعرض فيه لمن انقضى زمنهن (صالح) بالإفراد عند الأكثر وفي رواية صلاح بضم أوله وشد اللام بصيغة الجمع (نساء العالمين) وفي رواية نساء قريش بدون لفظ صالح والمطلق محمول على المقيد فالمحكوم له بالخيرية الصالحات منهن لا على العموم والمراد هنا إصلاح الدين وحسن معاشرة الزوج ونحو ذلك (أحناه) بسكون المهملة بعدها نون من الحنو بمعنى الشفقة والعطف وهذا استئناف جواب عمن قال : ما سبب كونهن خيرا فقال : أحناه (على ولد) أي أكثره شفقة وعطفا ومن ذلك عدم التزوج على الولد (في) حال (صغره) ويتمه والقياس أحناهن لكنه ذكر الضمير باعتبار اللفظ والجنس والشخص أو الإنسان وكذا يقال في قوله الآتي وأرعاه وفي رواية على ولدها وهو أوجه وفي رواية لمسلم على يتيم وفي أخرى على طفل والتقييد باليتيم والصغر إما على بابه وإما من ذكر بعض أفراد العموم وكذا قوله (وأرعاه) من الرعاية الحفظ والرفق (على زوج) لها أي أحفظ وأرفق وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق (في ذات يده) أي في ماله المضاف إليه وهو كناية عن البضع الذي يملك الانتفاع به يعني هذا أشد حفظا لفروجهن على أزواجهن وفيه إيماء إلى أن النسب له تأثير في الأخلاق وبيان شرف قريش وأن الشفقة والحنو على الأولاد مطلوبة مرغوبة وحث على نكاح الأشراف سيما القرشيات وأخذ منه اعتبار الكفاءة بالنسب (تنبيه) قال قاسم بن ثابت في الدلائل ذات يده وذات بيننا ونحوه صفة لمحذوف مؤنث كأنه يعني الحال التي هي بينهم والمراد بذات يده ماله وكسبه وأما قولهم لقيته ذات يوم فالمراد لقاؤه أول مرة (حم ق عن أبي هريرة) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ فاعتذرت بكبر سنها وأنها أم عيال فرفقت بالنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأذى بمسنة ولا بمخالطة أولادها فذكره قال الحافظ العراقي : فينبغي ذكر هذا في أسباب الحديث . 4091 (خير نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن مهرا) وفي رواية وجوها ومهورا بلفظ الجمع وذلك لأن صباحة الوجه يحصل بها العفة وهي خير الأمور وقلة المهر دال على خيرية المرأة ويمنها وبركتها (عد عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة الحسين بن المبارك الطبراني وقال إنه متهم ذكره في اللسان .
[ 657 ]
4092 (خير نسائكم الولود الودود) أالمتحببة إلى زوجها (المواسية المواتية) أي الموافقة للزوج (إذا اتقين الله أي خفنه وأطعنه في فعل المأمور وتجنب المنهي (وشر نسائكم المتبرجات) أي المظهرات زينتهن للأجانب وهو مذموم لغير الزوج (المتخيلات) أي المعجبات المتكبرات والخيلاء بالضم العجب والتكبر (وهن المنافقات) أي يشبههن (لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) الأبيض الجناحين أو الرجلين أراد قلة من يدخل الجنة منهن لأن هذا الوصف في الغراب عزيز (هق عن ابن أبي أذينة الصدفي) بفتح الصاد والدال المهملتين وآخره فاء نسبة إلى الصدف بكسر الدال قبيلة من حمير نزلت مصر (مرسلا وعن سليمان بن يسار) ضد اليمين الهلالي أبي أيوب مولى ميمونة أم المؤمنين فقيه عابد زاهد حجة (مرسلا) قال الحافظ العراقي : قال البيهقي : روي بإسناد صحيح عن سعيد بن يسار مرسلا . 4093 (خير نسائكم العفيفة) أي التي تكف عن الحرام (الغلمة) أي التي شهوتها هائجة لكن ليس ذلك محمودا مطلقا كما بينه بقوله (عفيفة في فرجها) عن الأجانب (غلمة على زوجها) قال بعضهم خرجت ليلة فإذا بجارية كفلقة قمر فراودتها فقالت : أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك ناه من دين قلت : ما يرانا إلا الكواكب قالت : فأين مكوكبها (فر عن أنس) وفيه عبد الملك بن محمد الصغاني قال ابن حبان : لا يجوز أن يحتج به عن زيد بن هبيرة قال الذهبي : تركوه ورواه ابن لال ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أصوب . 4094 (خير هذه الأمة أولها) يعني القرن الذي أنا فيه كما في الرواية الأخرى (وآخرها) ثم بين وجه ذلك بقوله (أولها فيهم رسول الله) * (الذي أرسله بالهدى ودين الحق) * (وآخرها فيهم عيسى ابن مريم) روح الله وكلمته (وبين ذلك نهج أعوج ليس منك ولست منهم) والنهج هنا البهر بالضم وهو الوادي وانقطاع النفس من الأعياء كذا في القاموس كغيره والأعوج ضد المستقيم والمراد هنا اعوجاج أحوالهم (حل عن عروة بن رويم مرسلا) .
[ 658 ]
4095 (خير يوم طلعت فيه) في رواية عليه (الشمس) قال القرطبي : خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانت للمفاضلة فأصلهما أخير وأشر على وزن أفعل وهي هنا للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفه (يوم الجمعة) وذلك لأن (فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) قال القاضي : بين الصبح وطلوع الشمس واختصاصه بوقوع ذلك فيه يدل على تمييزه بالخيرية لأن خروج آدم فيه من الجنة سبب لوجود الذرية الذين منهم الأنبياء والأولياء وسبب للخلافة في الأرض وإنزال الكتب وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأخيار وإظهار شرفهم فزعم أن وقوع هذه القضايا فيه لا يدل على فضله في حيز المنع قال القاضي : وقد عظم الله هذا اليوم ففرض على عباده أن يجتمعوا فيه ويعظموا فيه خالقهم بالطاعة لكن لم يبينه لهم بل أمرهم بأن يستخرجوه بأفكارهم وواجب على كل قبيل اتباع ما أدى إليه اجتهاده صوابا أو خطأ كما في المسائل الاجتهادية فقالت اليهود هو يوم السبت لأنه يوم فراغ وقطع عمل فإن الله فرغ من السماء والأرض فيه فينبغي انقطاعنا عن العمل فيه والتعبد وزعمت النصارى أنه الأحد لأنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والتعبد ووفق الله هذه الأمة للإصابة فعينوه الجمعة لأن الله خلق الإنسان للعبادة وكان خلقه يومها فالعبادة فيه أولى لأنه تعالى اوجد في سائر الأيام ما ينفع الإنسان وفي الجمعة أوجد نفس الإنسان والشكر علنعمة الوجود وروى ابن أبي حاتم عن السدي أنه تعالى فرض الجمعة على اليهود فقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم وذكر الأبي أن في بعض الآثار أن موسى عين لهم الجمعة وأخبرهم بفضله فناظروه بأن السبت أفضل فأوحى إليه دعهم وما اختاروا (حم م ت) في باب الجمعة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . 4096 (خير يوم طلعت فيه) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة عليه (الشمس يوم الجمعة) يعني من أيام الأسبوع وأما أيام السنة فخيرها يوم عرفة (فيه خلق آدم وفيه أهبط) من الجنة للخلافة في الأرض لا للطرد بل لتكثير النسل وبث عباد الله فيها وإظهار العبادة التي خلقوا لأجلها وما أقيمت السماوات والأرض إلا لأجلها وذلك لا يثبت إلا بخروجه فيها فكان أحرى بالفضل من استمراره فيها فإخراجه منها يعد فضيلة لآدم خلافا لما وقع لعياض (وفيه تيب عليه) بالبناء للمفعول والفاعل معلوم
[ 659 ]
(وفيه قبض) أي توفي وفيه ينقضي أجل الدنيا (وتقوم الساعة) أي يوم القيامة وفيه يحاسب الله الخلق ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال ابن العربي : كان خروج آدم سببا لهذا النسل العظيم الذي منه الأنبياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أوطار ويعود إليها وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأصناف الثلاثة الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهاركم أماتهم وقال القاضي : فيه بيان لفضله إذ لا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفا ومزية وكذا قبضه فيه فإنه سبب لوصوله إلى جناب القدس والخلاص من البليات وكذا النفخة وهي نفخ الصور فإنها مبدأ قيام الساعة ومقدمات النشأة الثانية وأسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم ومن ثم كان (ما على) وجه (الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة) بسين وصاد أي مصغية منتظرة لقيامها فيه وروى مسيخة بإبدال الصاد سينا (حتى تطلع الشمس شفقا) أي خوفا وفزعا (من) قيام (الساعة) فإنه اليوم الذي يطوى فيه العالم ويخر ب الدنيا وتنبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار ، والساعة اسم علم ليوم القيامة سميت به لقربها ووصفها بالقيام لأنها اليوم ساكنة وإذا أراد الله إيجادها اتصفت بالحركة وقوله حتى تطلع الشمس يدل على أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم قال الطيبي : وجه إصاخة كل دابة وهي لا تعقل أن الله يلهمها ذلك ولا عجب عند قدرة الله ، وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفو بذلك اختلت قاعدة الابتلاء والتكليف وحق القول عليهم ووجه آخر أنه تعالى يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشؤون ما تكاد الأرض تميد بها فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مسيخة لمرعب الذي يداخلها إشفاقا منها لقيام الساعة (إلا ابن آدم وفيه ساعة) أي خفية (لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة) في رواية وهو يصلي أي يدعو (يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) زاد أحمد ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم قال الشافعية : ويسن الإكثار من الدعاء يومها رجاء مصادفتها وفي تعيينها بضعة وأربعون قولا كما في ليلة القدر قال البيهقي : فكان النبي يعلمها بعينها ثم أنسيها كما أنسي ليلة القدر قال ابن حجر : وهذا رواه ابن خزيمة عن أبي سعيد صريحا (مالك) في المؤطأ . (تنبيه) استدل بالحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام ومن ثم كان وقوف المصطفى في حجة الوداع والله إنما يختار لرسوله الأفضل ولأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع قال ابن حجر : وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها فحديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بن ادرجه في حديث الموطأ وليس في الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة وعلى كل فتثبت المزية بذلك (حم 3) في باب الجمعة (حب ك) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي : صحيح وقال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي .
[ 660 ]
4097 (خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة) من الشهر (وتسع عشرة) منه (وإحدى وعشرين) منه قال أبو البقاء : خير أصلها أفعل وهي تضاف إلى ما هي بعض له وتقديره خير أيام قالوا : حد هنا في معنى الجمع وقوله سبع عشرة وما بعده جعل مؤنثا والظاهر يعطي أن يكون مذكرا لأنه خبر عن يوم والوجه في تأنيثه أنه حمله على الليل لأن التاريخ به يقع واليوم تبع له ولهذا قال إحدى على معنى الليلة وفيه وجه ثالث أنه يريد باليوم الوقت ليلا كان أو نهارا كما يقال يوم بدر ويوم الجمل ثم أنت على أصل التاريخ وقوله وإحدى وعشرين هو في هذه الرواية بالنصب والجيد أن يكون مرفوعا إلى هنا كلامه (وما مررت بملأ) أي جماعة (من الملائكة ليلة أسري بي) إلى السماء (إلا قالوا عليك بالحجامة يا محمد) أي الزمها وأمر أمتك بها كما في خبر آخر وذلك دلالة على عظيم فضلها وبركة نفعها وإعانتها على الترقي في الملكوت الأعلى كما سيجئ بسطه في حرف الميم (حم ك عن ابن عباس) قال ابن الجوزي : قال يحيى بن عباد بن منصور أي أحد رجاله ليس بشئ وقال ابن الجنيد : هو متروك وقال النسائي : ضعيف وكان بغير . 4098 (خير ما تداويتم به اللدود) بالفتح ما يسقاه المريض من الأدوية في أحد شقي فمه (والسعوط) بالفتح ما يصب في الأنف من الدواء (والحجامة والمشي) بميم مفتوحة وشين مكسورة وشد الياء الدواء المسهل لأنه يحمل شاربه على المشي للخيلاء (ت) في الطب (وابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في الطب) النبوي (عن ابن عباس) وقال الترمذي : حسن غريب ورواه عنه ابن ماجه أيضا فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من بين الستة غير صواب . 4099 (خير الدواء اللدود والسعوط والمشي والحجامة والعلق) بفتح العين واللام بضبط المصنف دويبة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن وتمص الدم وهي من أدوية الحلق والأورام الدموية لمصها الدم الغالب على الإنسان وفيه كالذي قبله مشروعية الطب الذي جملته حفظ الصحة ودفع السقم فإنه لما سبق في علم الله أنه لا يخلص الصحة ولا السقم للناس دائما وخلق في الأرض ما لو استعملوه أشفى مست الحاجة إلى معرفة الضار والنافع وحقيقته واحتيج مع ذلك إلى معرفة الأدواء والعلل
[ 661 ]
وأسبابها وأعراضها وطرق استعمالها لتكون السلامة وتعود الصحة (أبو نعيم) في الطب النبوي (عن الشعبي مرسلا) . 4100 (خيركم) أي من خيركم (خيركم لأهله) أي لعياله وأقاربه قال ابن الأثير : هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها بل قال القفال : يقال خير الأشياء كذا ولا يراد به أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والأشخاص بل في حال دون حال أو نحوه (وأنا خيركم لأهلي) فأنا خيركم مطلقا وكان أحسن الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها وكان إذا وهبت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه وإذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته ثم قال هذه بتلك وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث ث وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل ودفعته إحداهن في صدره فزجرتها أمها فقال لها : دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك كذا في الإحياء وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر حكما كما في خبر الطبراني وقالت له عائشة مرة في كلام غضبت عنده وأنت الذي تزعم أنك نبي الله ؟ فتبسم كما في خبر أبي يعلى وأبي الشيخ عنها (ت) في المناقب (عن عائشة ه عن ابن عباس طب عن معاوية) وصححه الترمذي وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه بل بقيته عند الترمذي كما في الفردوس وغيره وإذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه 4101 (خيركم خيركم للنساء) ولهذا كان على الغاية القصوى من حسن الخلق معهن وكان يداعبهن ويباسطهن قال ابن القيم : وربما مد يده لإحداهن بحضرة باقيهن ولعله كناية عن تقبيلهن والاستمتاع بما فوق الثياب لا عن وطئها فحاشا جنابه الشريف فإنه حرام كما بينه بعض الشافعية وبفرض عدم الحرمة ففيه قلة مروءة وخرم حشمة لا يليق هو أشد حياء من العذراء في خدرها (ك) في البر (عن ابن عباس) قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 4102 (خيركم) يعني من خياركم وأفاضلكم من كان معظم بره لأهله كما يقال فلان أعقل الناس أي من أعقلهم فلا يصير بذلك خير الناس مطلقا والأهل قد يخص الزوجة وأولادها وقد يطلق على جملة الأقارب فهم أولى من الأجانب (خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) أي برا ونفعا لهم دينا ودينا
[ 662 ]
أي فتابعوني ما آمركم بشئ إلا وأنا أفعله (ما أكرم النساء إلا كريم وما) وفي نسخة ولا (أهانهن إلا لئيم) ومن ثم كان يعتني بهن ويهتم بتفقد أحوالهن فكان إذ صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن واستقرأ أحوالهن فإذا جاء الليل انقلب إلصاحبه النوبة وكان إذا شربت عائشة من الإناء أخذه فوضع فمه على موضع فمها وشربوإذا تعرقت عرقا وهو العظم الذي عليه اللحم أخذه فوضع فمه على موضع فمها رواه مسلم ولما أراد أن يحمل صفية بنت حيي على بعير نصب لها فخذه لتضع رجلها عليه فلوت ساقها عليه وفي تذكرة ابن عراق عن الإمام مالك يجب على الرجل أن يتجنب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم وذكر نحوه يوسف الصدفي المالكي . (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين . 4103 (خيركم من أطعم الطعام) للإخوان والجيران والفقراء والمساكين لأن فيه قوام الأبدان وحياة كل حيوان (ورد السلام) على من سلم عليه ورده واجب وأما الإطعام فإن كان لمضطر فواجب وإلا فمندوب وهذا قاله لمن قال له أي الإسلام خير قال الخطابي : دل صرف الجواب عن جملة خصال الإسلام وأعماله أي ما يجب من حقوق الآدميين فجعل خير أفعالها في المثوبة إطعام الطعام الذي به قوام الأبدان وخير أقوالها رد السلام الذي به تحصل الألفة بين أهل الإسلام فقد اشتمل الحديث على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها وإما بدنية والسلام إشارة إليها وفيه حث على الجود والسخاء (ع ك عن صهيب) ورواه أيضا أحمد باللفظ المزبور وكأنه أغفله ذهولا لما سبق أن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعدل عنه لمن دونه . 4104 (خيركم خيركم قضاء) للدين بأن يؤدي أحسن مما اقترض مثلا ويزيد في الإعطاء على ما فيه ذمته من غير مطل ولا تسويف عند القدرة (ن عن العرباض) بن سارية . 4105 (خيركم خيركم لأهلي من بعدي) أي خيركم أيها الصحب خيركم لأهلي زوجاتي وأقاربي وعيالي من بعد وفاتي وقد قبل أكثر الصحابة وصيته فقابلوهم بالإكرام والاحترام وعمل البعض بضد ذلك فآذوهم وأهانوهم (ك عن أبي هريرة) ورواه أيضا أبو يعلى وأبو نعيم والديلمي ورجاله ثقات ولكن شذ راويه بقوله لأهلي والكل إنما قالوه لأهله ذكره ابن أبي خيثمة . 4106 (خيركم قرني) المراد خير قرونكم فحذف لدلالة الكلام عليه ورعاية لقوله (ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فإن قلت كان القياس يلونكم ثم الذين يلونكم فالجوا ب أن الأول التفات
[ 663 ]
والثاني على الأصل (ثم يكون بعدهم) أي بعد الثلاث (قوم) فاعل يكون قال جمع : لفظ قوم يختص بالرجال (يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون) صفة قوم وهذا موافق لخبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد وقيل المرا شهادة الزور وقيل يحلفون كذبا ولا يستحلفون (وينذرون) بكسر المعجمة وضمها (ولا يوفون) بنذرهم (ويظهر فيهم السمن) يعني يحبون التوسع في المأكل والمشرب وهي أسباب السمن أو يتعاطون التسمين أو يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف وظاهر الخبر أن صحبه أفضل من جميع من جاء بعدهم وعليه كثير لكن ذهب جمع منهم ابن عبد البر إلى أنه يمكن أن يكون فيمن بعدهم أفضل من بعضهم للخبر الحسن بل قيل الصحيح الآتي مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله وانتصر للأول بما لا يخلو عن تكلف وفي الأخذ بإطلاقه صوبة ويبعد كل البعد القطع بأفضلية أعرابي جلف لم يحصل له إلا مجرد الرؤية ولم يخالط علماء الصحابة على مثل الأئمة الأربعة والسفيانين وأضرابهم (ق) في الفضائل وغيرها (3) في النذر (عن عمران بن حصين) . 4107 (خآيركم في المائتين) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة بعد المائتين (كل خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة خفيفة قال المؤلف وغيره : ومن جعل باللام والجيم والدال فقد صحف أصله طريقة المتن أي ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي خفيف الظهر من العيال أو المال قيل : يا رسول الله وما خفيف الحاذ قال : (الذي لا أهل له ولا ولد) ضربه مثلا لقلة ماله وعياله ومن زعم نسخه لم يصب لأن النسخ خاص بالطلب ولا يدخل للخبر ولا منافاة بينه وبين خبر تناكحوا تناسلوا لأن الأمر بالنكاح عام لكل أحد بشروط وهذا الخبر فيمن لم تتوفر فيه الشروط وخاف من النكاح التورط فيما يخاف منه على دينه بسبب طلب المعيشة وبذلك حصل الجمع بين الحديثين وزعم النسخ جهل بقواعد الأصول (ع) والديلمي وكذا الخطيب كلهم (عن حذيفة) بن اليمان وفيه رواد بن الجراح قال الدارقطني : متروك قال في الميزان : وهذا الحديث مما يغلط فيه اه‍ وسبقه البيهقي فخرجه في الشعب فقال تفرد به رواد عن سفيان وقال ابن الجوزي : قال الدارقطني : تفرد به رواد وهو ضعيف وقد أدخله البخاري في الضعفاء وقال : اختلط لا يكاد يقوم حديثه وقال أحمد : حديثه من المناكير وقال الخليل : ضعفه الحفاظ وغلطوه فيه وفي معناه أخبار كلها واهية وقال الذهبي في الضعفاء : رواد قال الدارقطني ضعيف ووثقه ابن معين وقال : له حديث واحد منكر عن سفيان خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ اه‍ بلفظه وقال الحافظ العراقي : طرقه كلها ضعيفة وقال الزركشي : غير محفوظ والحمل فيه على رواد .
[ 664 ]
4108 (خيركم خيركم لنسائه ولبناته) فيه دلالة على حسن المعاشرة مع الأهل والأولاد سيما البنات واحتمال الأذى منهن والصبر على سوء أخلاقهن وضعف عقولهن والعطف عليهن (تنبيه) ينبغي للزوج إكرام الزوجة بما يناسب من موجبات المحبة والألفة كإكرام مثواها وإجادة ملبوسها على الوجه اللائق ومشورتها في الجزئيات إيهاما أنه اتخذها كاتمة أسراره وتخليتها في المنزل لتهتم بخدمته قال حاتم الأصم : إني في البيت كدابة مربوطة إن قدم إلي شئ أكلت وإلا أمسكت ويراعى إكرام أقاربها ودفع الغيرة عنها بإشغال خاطرها بأمور المنزل ولا يؤثر الغير عليها وإن كان خيرا منها فإن الغيرة والحسد في طينة النساء مع نقصان العقل فإذا لم يدفع عنها أذى إلى قبائح والرجل في المنزل كالقلب في البدن فكما لا يكون قلب واحد متبعا لحياة بدنين لا يكون لرجل تدبير منزلين على الوجه الأكمل ولا تغتر بما وقع لأفراد فالنادر لا نقص به ويتحرز عن إظهار إفراط محبتها وعن مشاورتها في الكليات ولا يطلعها على أسرارها فإنها وإن كتمتها حالا تظهرها عند ظهور الغيرة ويجنبها الملاهي والنظر إلى الأجانب واستمتاع حكايات الرجال ومجالسة نساء يعلمن هذه الأعمال سيما في العجائز وقد صنف الطبراني والنوقاني في معاشرة الأهل مؤلفات (هب عن أبي هريرة) . 4109 (خيركم خيركم للمماليك) أي لمماليككم وكذا مماليك غيركم بأن تنظروا إلى من يكلف عبده على الدوام ما لا يطيقه فتعاونوه أو لمن يجيع عبده فتطعموه ونحو ذلك (تنبيه) الخدم كأعضاء البدن للإنسان ولولاهم لباشر أشغاله بنفسه فلينظر في حال كل واحد فيصلحه ويسلك معه طريق الرفق والمداراة ويعين له وقت الاستراحة ويتفقد أحواله ويعامله بمقتضى الحال فمن احتاج إلى العطف عطف عليه أو إلى الأدب أدبه بقول أو فعل أو بهما بقدر المصلحة ويتلطف بهم لطفا معتدلا ولا يبالغ في عقابهم ويجتنب الوجه والمقاتل ويتغافل عن خفي ذنوبهم ولا يعاقب على ذلك أول مرة بل يهدد ويزجر ومن عرف عدم صلاحه فارقه سريعا لئلا يفسد غيره ويخص كل واحد بشغل يلائمه ولا يختار أحدا للخدمة إلا بعد إمعان النظر والتجربة ويجتنب أصحاب صور مشوهة وتخطيطات متفاوتة فإن للخلق تابع للخلق وليس وراء الخلق الذميم إلا الخلق الذميم ونحو أعرج وأقرع وأبرص وكل ذعلة والمفرط جمالا دفعا للتهمة ويريبه ويزوجه إذا بلغ ويعتقه إذا كبر (فر عن عبد الرحمن بن عوف) وفيه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ثقة مشهور وقال ابن سعد : ليس بحجة عن عبد الملك بن زيد ضعيف عن مصعب بن مصعب وقال ابن أبي حاتم : ضعفوه ذكره كله الذهبي . 4110 (خيركم المدافع عن عشيرته) في المهمات في حضورهم وغيبتهم ويرد عنهم من ظلمهم
[ 665 ]
في مال أو عرض أو بدن ويكون الدفع بالأخف فالأخف (ما لم يأثم) أي ما لم يظلم الدافع في دفعه بأن تعدى الحد الواجب في الدفع كأن يتحامل على المدفوع لنحو عصيبة أو ضغينة قال في الإتحاف الخيرية هنا باعتبار إضافي وما ذاك إلا أن من المدافعين من يدافع عن نفسه ومن يدافع عن أصدقائه ومن يدافع عن عشيرته وخير هؤلاء المدافع عن عشيرته وقوله ما لم يأثم زجر عن المبالغة في المدافعة حتى ينتهي المدافع إلى الإثم ونص عليه وإن كان معلوما ليكون مستحضرا في الذهن إذ الحمية قد تذهل عنه (د) في الأدب (عن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف (ابن مالك) بن جعشم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني بنونين الندي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا لبست سواري كسرى فلبسهما زمن عمر وفيه أيوب بن سويد بن مسعود الحميري ضعفه ابن معين وغيره . 4111 (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره إذ خير الكلام كلام الله فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد خيرية خاصة من هذه الجهة أي جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط ولذلك استظهروا رواية الواو على أو لاقتضائها إثبات الخيرية لمن فعل أحد الأمرين ولا شك أن الجامع بينهما مكمل لنفسه ولغيره فهو الأفضل . وقال بعض المحققين : والذي يسبق للفهم من تعلم القرآن حفظه وتعلم فقهه فالخيار من جمعهما . قال الطيبي : ولا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص فمن أخلصهما وتخلق بهما دخل في زمرة الأنبياء (خ ت) عن علي في فضائل القرآن (ه د ت) في السنة (عن عثمان) بن عفان رضي الله عنه . 4112 (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلا على الناس) أي ثقيلا عليهم فإن الدنيا جارية مجرى الجناح المبلغ إلى الآخرة والآلة المسهلة إلى الوصول إليها ، ولهذا قال لقمان لابنه : خذ من الدنيا بلاغك وأبق فضول كسبك إلى آخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال محمولا وليس فيه ذم التوكل لأنه قطع النظر عن الأسباب لا تركها بالكلية فدفع الضرر المتوقع أو الواقع لا يناقض التوكل بل يجب كالهرب من نحو جدار ساقط وإساغة لقمة بالماء (خط) من حديث نعيم بن سالم وكذا الديلمي (عن أنس) قال ابن الجوزي : حديث لا يصح . قال ابن حبان : نعيم يضع على أنس .
[ 666 ]
4113 (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) وإنما يرجى خير من عرف بفعل الخير وشهرته به ومن غلب خيره أمنت القلوب من شره ومتى قوي الإيمان في قلب عبد رجى خيره وأمن شره ومتى ضعف قل خيره وغلب شره . قال الطيبي : التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر هنا قسمين ترغيبا وترهيبا وترك القسمين الباقيين إذ لا ترغيب ولا ترهيب (ع عن أنس) بن مالك (حم ت عن أبي هريرة) قال الهيثمي : رواه أحمد بإسنادين ، ورجال أحدهما رجال الصحيح . 4114 (خيركم أزهدكم في الدنيا) لدناءتها وفنائها (وأرغبكم في الآخرة) لشرفها وبقائها فالعاقل من نزه نفسه عن الدنيا وأوضارها وجعلها خادمة له وأجمل في الطلب وسعى في التخلص فإنه إذا أعرض عنها أتته راغمة خادمة والذي يصل إليه منها وهو يقبل عليها هو الذي يصل إليه وهو معرض عنها وأنا أضرب لك مثلا رجل صرف وجهه للشمس فرجع ظله خلفه فقصد نحو الشمس فاتبعه ظله ولم يلحقه ولا نال منه إلا ما حصل تحت قدميه فهل الإنسان إن أقبل بوجهه على ظله واستدبر الشمس وجرى ليلحق ظله فلا هو ملحق للظل وقد فاته حظه من الشمس وهم الذين قال الله فيهم * (ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) * وما لحق من الظل إلا ما تحت قدميه وهو الحاصل له في استدباره الشمس من الظل فأنت ذلك الرجل والشمس وجود الحق والظل الدنيا وما حصل تحت قدميك القوت الذي لا بد منه (هب عن الحسن مرسلا) وهو البصري . 4115 (خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا) أي فهموا عن الله أوامره ونواهيه وسلكوا مناهج الكتاب والسنة وفي رواية لأبي يعلى بسند حسن كما قاله الهيثمي بدل فقهوا إذا سددوا (خد عن أبي هريرة) وسنده حسن . 4116 (خيركن أطولكن يدا) الخطاب لزوجاته ومراده طول اليد بالصدقة لا الطول الحسي وكان أكثرهن صدقة زينب كما سبق قضيته أنها أفضل زوجاته ومر حكاية الاتفاق على أن أفضلهن خديجة والأكثر على أن عائشة بعدها (ع عن أبي برزة) بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح الزاي
[ 667 ]
قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فقال يوما : خيركن أطولكن يدا فقامت كل واحدة تضع يدها على الجدار فقال : لست أعني هذا ولكن أصنعكن لمعروف قال الهيثمي : إسناده حسن . 4117 (خيرهن) يعني النساء (أيسرهن صداقا) بمعنى أن يسره دال على خيرية المرأة ويمنها وبركتها فيكون ذلك من قبيل الفأل الحسن . (طب عن ابن عباس) رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جابر الجعفي وفي الآخر رجاء بن الحارث وهما ضعيفان وبقية رجاله ثقات ذكره الهيثمي وقال في اللسان : رجاء بن الحارث قال البخاري : حديثه لبس بالقائم وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه ثم أورد له هذا الخبر . 4118 (خير سليمان بين المال والملك) الذي هو التلبس بشرف الدنيا والاستئثار بخيرها (والعلم) أي بالله تعالى وبأحكامه (فاختار العلم) عليهما (فأعطى المال والملك) مع العلم (لاختياره العلم) والعلم هو الملك الحقيقي لأن الملوك مملوكون لما ملكوا والعلماء ممكنون فيما إليه وجهوا لا يصدهم عن تكملة أمر الدين وإصلاح أمر الآخرة صاد ولا يردهم عنه راد فلما لم يرتض سليمان الملك أورثه الله عنه الأمانة ورفعة الولاية والاستيلاء على محاب القلوب فاسترعى له قلوب العالمين بما استرعى الملوك بعض خواص المستخدمين روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرين للجن ومثلها للإنس ومثلها للطير ومثلها للوحش وكان له ألف بيت من قوارير فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية وبساط من ذهب وإبريسم بوضع عليه كرسيه وهو من ذهب وحوله ستمائة ألف كرسي فيقعد على الذهب والعلماء على الفضة وحولهم الناس وحولهم الجن وتظلهم الطير وترفع الصبا البساط فيسير به مسيرة شهر في لحظة (ابن عساكر فر عن ابن عباس) وذكره ابن عبد البر معلقا . 4119 (خيرت) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله أي خيرني الله (بين الشفاعة) في عصاة المؤمنين (وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة) بغير شفاعة (فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى) إذ بها يدخلها كلهم ولو بعد دخول من مات مؤمنا النار (أترونها) استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا تظنون الشفاعة التي اخترتها (للمؤمنين المنقين لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين) قال بعض شراح الشفاء
[ 668 ]
والمنقين بنون وقاف مفتوحتين مع تشديد القاف جمع منقى أي مطهر معنى وحسا من التنقية (تنبيه) قال القاضي : إن قلت : ما ذكر يستدعي أن لا يدخل أحد من العصاة النار قلت : اللازم منه عموم العفو وهؤلاء يستلزم عدم دخول النار لجواز أن يعفو عن بعضهم بعد الدخول وقبل استيفاء العذاب هذا وليس بحتم أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع بموجب وعده حيث قال * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وبقوله * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * اه‍ . وقد أخذ بعضهم من هذا الخبر أنه يكره أن يسأل الله أن يرزقه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكونها لخاصة المذنبين ومنعه عياض بأنها قد تكون لتخفيف الحساب ورفع الدرجات (حم عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة (ه عن أبي موسى) الأشعري قال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والطبراني : إسناده جيد . * 2 * فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [ أي حرف الخاء ] 4120 (الخازن) مبتدأ (المسلم الأمين الذي يعطي) وفي رواية للبخاري ينفذ بفاء مكسورة مخففة أو مشددة وذال معجمة وفي رواية له ينفق (ما أمر به) بالبناء للمفعول من الصدقة (كاملا موفرا طيبة به نفسه) ثلاثتها حال ما أمر به (فيدفعه) عطف على يعطي (إلى) الشخص (الذي أمر له) بضم الهمزة مبنيا للمفعول أي الذي أمر الآمر له أي بالدفع (أحد المتصدقين) خبر المبتدأ أي بالرفع هو ورب الصدقة في الأجر سواء ترجيح لأحدهما على الآخر وإن اختلف مقداره لهما فهو من قبيل قولهم في المبالغة القلم أحد اللسانين فالذي يتصدق بماله له أجره مضاعفا أضعافا كثيرة والذي ينفذ له عشر حسنات فقط قال ابن حجر : وقوله المتصدقين ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية وجوز القرطبي الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين واعلم أن الأوصاف الثلاثة لا بد منها كون المتصدق مسلما ليصح منه التقريب أمينا لأن الخائن مأزور لا مأجور طيب النفس وإلا فقدت النية فلا أجر وفيه الخازن بكونه مسلما لأن الكافر لا نية له وبكونه أمنيا لأن الخائن غير مأجور أو رتب الأجر على إعطائه ما أمر به لئلا يكون خائنا أيضا وأن تكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفد الأجر (حم ق د ن) في الزكاة (عن أبي موسى) الأشعري . 4121 (الخاصرة عرق الكلية) هكذا هو بدون عطف في كثير من الأصول وفي بعضها وعرق الكلية بالواو (إذا تحرك أذى صاحبه فداوها بالماء المحرق والعسل) قال في الفردوس : الخاصرة وجع
[ 669 ]
الخصر وهو الجنب والمحرق الماء المغلي بالحرق وهو النا بعينها اه‍ (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا الديلمي (عن عائشة) قال ابن الجوزي : ولا يصح فيه الحسين بن علوان قال ابن عدي : يصح الحديث اه‍ ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن عائشة وقال صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان أشار إلى أنه خبر منكر ولا يكاد يعرف . 4122 (الخال وارث) أي وارث من لا وارث له بفرض ولا تعصيب كما في الحديث الذي عقبه (ابن النجار) الحافظ محب الدين مؤرخ بغداد (عن أبي هريرة) ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور وفيه شريك عن ليث وفيهما كلام يسير من جهة حفظهما ذكره الغرياني . 4123 (الخال وراث من لا وارث له) فيه حجة للجمهور في توريث ذوي الأرحام وشرط له الشافعي عدم انتظام بيت المال وإلا صرفت التركة والباقي بعد الفرض لبيت المال قال القاضي : وأول من لم يورثهم قوله وارث من لا وارث له بمثل قولهم الجوع زاد من لا زاد له وحملوا قوله في رواية أخرى يرث ماله على أنه أولى بأن يصرف له ما خلفه مقدما به على سائر المسلمين وقال الشيرازي : هذا على وجه السلب والنفي كقولهم الصبر حيلة من لا حيلة له وقيل أراد به السلطان فإنه يسمى خالا (ت عن عائشة عق عن أبي الدرداء) قال الترمذي : غريب ورواه أيضا أبو داود عن المقدام قاله المصنف في الدرر وضعفه ابن معين . 4124 (الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة عند فقد الأم وأمهاتها لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والإهتداء إلى ما يصلح الولد ولا حجة فيه لزاعم أن الخالة ترث لأن الكلام في كونها مثلها في استحقاق الحضانة كما تقرر ولا يقدح في حضانتها كونها متزوجها بمن له دخل في الحضانة بالعصوية وهو ابن العم واستنبط منه أن الخالة مقدمة على العمة في الحضانة وأخذ من هذا الحديث وما قبله الذهبي أن عقوق الخالة كبيرة (ق ت عن البراء عن د علي) رضي الله عنه . 4125 (الخالة والدة) أي مثل الأم في استحقاق الحضانة لما ذكر (ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن علي مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا مع أن الطبراني أخرجه عن ابن مسعود مرفوعا قال الهيثمي : وفيه قيس بن الربيع مختلف فيه وبقية رجاله ثقات وقصارى ما يعتذر عن المؤلف
[ 670 ]
أن رواة المرسل أمثل وهو بفرض تسليم الأمثلية لا ينجع إذ الجمع بينهما أنفع وأمنع وأخرجه العقيلي عن أبي هريرة مرفوعا (الخالة بمنزلة الأم ق ت عن البراء د عن علي) . 4126 (الخبث) بالسكون (سبعون جزءا للبربر تسعة وستون جزءا وللجن والإنس جزء واحد) الخبث بالسكون الفجور وروى الخبث بالباء الموحدة وهو الخداع والمكر كذا في مسند الفردوس وفي رواية للطبراني أيضا في الأوسط قسم الله الخبث على سبعين جزءا فجعل في البربر تسعة وستين جزءا وفي الناس جزء واحد (طب) عن إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم عن وهب بن راشد المغافري عن شرح بن هاعان (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي : قيه عبد الله بن عبد الرحمن لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف ورواه عنه أيضا الديلمي قال : وفي الباب عثمان . 4127 (الخبز من الدرمك) بفتح الدال المهملة والميم بضبط المصنف وهو الدقيق الصافي الذي يضرب لونه إلى الصفرة مع لين ونعومة وأصل هذا أن ابن الصياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء فجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم فقالوا : خبره فقال : الخبز من الدرمك (ت عن جابر) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح غير مجالد وقد وثقه غير واحد . 4128 (الخبر الصالح يجئ به الرجل الصالح ، والخبر السوء يجئ به الرجل السوء) ومصداقه في كلام الله تعالى قال في الإنجيل كل شجرة تعرف من ثمرها ليس يجمع بين الشوك تين ولا يقطع من الشوك عنب ، الرجل الصالح من الذخائر التي في قلبه يخرج الصالحات والشرير من ذخائره الشريرة يخرج الشر لأن من فضل ما في القلب ينطق الفم وكل شجرة لا تثمر ثمرة جيدة تقطع وتلقى في النار فمن ثمارهم تعرفونهم (ابن منيع) في المعجم وكذا الديلمي (عن أنس) وفي الباب أبو هريرة وغيره . 4129 (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء) أخذ بظاهره أبو حنيفة ومالك فقالا : هو سنة مطلقا وقال أحمد : واجب على الذكر سنة للأنثى وأوجبه الشافعي في الذكور والإناث وأول الخبر بأن
[ 671 ]
المراد بالسنة الطريقة لا ضد الواجب ووقت وجوبه بعد البلوغ قال الإمام الرازي : إن الحشفة قوية الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوي اللذة عند المباشرة وإذا قطعت صلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشرعنا تقليلا للذة لا قطعا لها توسيطا بين الإفراط والتفريط (فائدة) قال السهيلي أول امرأة خفضت من النساء وثقبت آذانها وجرت ذيلها هاجر وذلك أن سارة غضبت عليها فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء فأمرها إبراهيم عليه السلام أن تبر قسمها بثقب آذنيها وخفاضها فصارت سنة في النساء كذا في الروض عن نوادر أبي زيد (حم) من حديث الحجاج بن أرطاة (عن والد أبي المليح) قا الذهبي : وحجاج ضعيف لا يحتج به (طب عن شداد بن أوس وابن عباس) رمز المصنف لحسنه قال البيهقي : ضعيف منقطع وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي : في سنده ضعيف وقال ابن حجر فيه الحجاج بن أرطاة مدلس وقد اضطرب فيه قتادة وقال أبو حاتم : هذا خطأ من حجاج أو الراوي . 4130 (الخراج بالضمان) أي الغلة بإزاء الضمان أي مستحقة بسببه فمن كان ضمان المبيع عليه كان خراجه له وكما أن المبيع لو تلف أو نقص في يد المشتري فهو في عهدته وقد تلف على ملكه ليس على بائعه شئ فكذا لو زاد وحصل منه على غلة فهو له لا للبائع إذا فسخ بنحو عيب فالغنم لمن عليه الغرم ولا فرق عند الشافعية بين الزائد من نفس المبيع كالنتاج والثمر وغيرها كالغلة وقال الحنفية إن حدثت الزوائد قبل القبض تبعت الأصل وإلا فإن كانت من عين المبيع كولد وثمر منعت الرد وإلا سلمت للمشتري وقال مالك : يرد الأولاد دون الغلة مطلقا قال الرافعي : وأصل الخراج ما يضربه السيد على عبده ضريبة يؤديها إليه فيسمى الحاصل منه خراجا وقال القاضي : الخراج اسم ما يخرج من أرض ثم استعمل في منافع الأملاك كريع الأراضي وغلة العبيد والحيوانات قال في المنضد : ويجوز كون المعنى ضمان الخراج بضمان الأصل أي أن الخراج مستحق بضمان الأصل وهذا من فصيح الكلام ووجيز البلاغة وظريف البراعة وقال في المطامح : ادعى بعض الحنفية أن هذا الخبر ناسخ لخبر المصراة وهو باطل إذ لا حاجة للنسخ إذ هو عام وخبر المصراة خاص والخاص يقضي على العام (حم عدك عن عائشة) قال الترمذي : حسن صحيح غريب اه‍ وحكى البيهقي عنه أنه عرضه على البخاري فكأنه أعجبه اه‍ وقد حقق الصدر المناوي تبعا للدارقطني وغيره أن هذا الطريق التي قال البخاري في حديثها إنه منكر وتلك قصة مطولة وهذا حديث مختصر . 4131 (الخرق شؤم والرفق يمن) أي بركة ونماء والخرق السرف والخروق الذي لا يقع في كفه غنى والشؤم ضد اليمن وهو أيضا الشر ويقال رجل مشؤوم غير مبارك والرفق بالكسر ضد الخرق وما
[ 672 ]
استعين به من اللطف وفي الخبر ماكان الرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا شانه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب عن ابن شهاب) الزهري (مرسلا) . 4132 (الخضر هو إلياس) أي الخضر كنيته واسمه هو إلياس وهو غير إلياس المشهور ولا مانع من الاشتراك في الاسم لكن هذا اشتهر بكنيته وذاك باسمه وبذلك استبان أنه لا تدافع بين هذا الخبر والخبر الآتي عقبه وأن من وهم الاتحاد فقد وهم بل هما خبران بلا ش‍ ك وقد جرى خلاف طويل في اسم الخضر فذهب بعض المتقدمين إلى أن اسمه إلياس أخذا بقضية هذا الخبر والأشهر أن اسمه بليا وقيل إليا وقيل خضرون وقيل اليسع وقيل عامر وقيل أحمد حكاه القشيري ونوزع وقيل هو أخو إلياس الآتي وقيل هو ابن آدم لصلبه وقيل ابن ابنه قابيل وقيل هو الرابع من أولاده وقيل هو إدريس وقيل هو ابن فرعون صاحب موسى وقيل ابن بنته وقيل أبوه فارسي وأمه روميه وقيل هو الذي عنده علم الكتاب صاحب سليمان وقيل ابن خالة ذي القرنين ووزيره وقيل هو من الملائكة الآدميين وهو غريب وقيل غير ذلك (فائدة) ذكر المصنف في الخصائص عن بعض السلف أن الخضر إلى الآن ينفذ الحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذي يقتلهم . (ابن مردويه) في تفسير سورة الأنعام عن طاهر بن أحمد بن حمدان عن محمد بن جعفر الأسوى عن محمد بن يوسف الفراء عن هاشم بن عبيد الله الأزدي عن إبراهيم بن أبي خزي عن ابن أبي نجيح عن ابن الحارث (عن ابن عباس) وفيه من لا يعرف . 4133 (الخضر في البحر) أي معظم إقامته فيه (وإلياس) بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل أو هو إفعال من قولهم رجل أليس أي شجاع لايفر والأيس الثابت الذي لا يبرح كذا ذكره ابن الانباري قال السهيلي : والأصح أن الياس سمي بضد الرجاء ولامه للتعريف وهمزته همزة وصل وقيل قطع (في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل) تمامه طعامهما ذلك اه‍ فكأنه سقط من قلم المصنف وهذا حديث ضعيف لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق بألفاظ مختلفة فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزل منزلا فإذا رجل في الوادي يقول اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فقال : من أنت قلت : أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأين هو قلت : هو ذا يسمع كلامك قال أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام فأتيته فأخبرته فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان فقال : يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت فنزل عليهما مائدة من
[ 673 ]
السماء عليها خبز وحوت وكرفس وأكلا وصليا العصر ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اه‍ وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس مرفوعا يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات بسم الله ما شاء الله . الحديث . قال ابن حجر في إسناده ضعف لضعف محمد بن أحمد بن زيد وروى ابن عساكر عن أبي داود نحوه وهو معضل ورواه أحمد في الزهد وزاد أنهما يصومان رمضان ببيت المقدس قال ابن حجر : وإسناده حسن وروى الطبراني نحوه وذكر وهب في المبتدأ أن إلياس عمر كما عمر الخضر وأنه يبقى إلى آخر الدنيا في قصة طويلة ، وأخرج الحاكم في المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعا وأن طوله ثلاثمائة ذراع وإنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال : إنه خبر باطل وفي البخاري يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس قال ابن حجر : أما قول ابن سعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه وأما قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري وقيل إلياس إنما هو من بني إسرائيل (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4134 (الخط الحسن) يعني الكتابة الحسنة (تزيد الحق وضحا) وفي رواية وضوحا وذلك لأنه أنشط للقارئ وأبعث على تجريد الهمة للتأمل والتدبر ومن ثم قيل ردءاة الخط أحد الزمانين وقيل الخط الحسن وشئ محبوك وذهب مسبوك متنزه الألحاظ ومجتني الألفاظ قال : أضحكت قرطاسك عن جنة * أشجارها من حكم مثمرة ومن أمثالهم ما الثمر اليانع تحت خضرة الورق بأحسن من الخط الرائع في بياض الورق وتسويد بخط الكاتب أملح من توريد بخد الكاعب قال الماوردي : وتقول العرب الخط أحد اللسانين وحسنه أحد الفصاحتين ، وقال حكيم الروم : الخط هندسة روحانية وإن ظهر بآلة جسدانية ، وقال حكيم العرب : الخط أصل في الروح وإن ظهر بحواس الجسد قال الماوردي : ويجب على من أراد حفظ العلم أن يعتني بأمرين حفظ تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها وضبط ما اشتبه منها بالنقط والشكل المميز وما زاد على هذين من تحسين الخط وملاحة نظمه زيادة حذق بصنعته وليس بشرط في صحته قالوا وحسن الخط لسان اليد ومهجة الضمير وقال المبرد : داء الخط زمانه الأدب وقال عبد الحميد البيان في اللسان والبنان ومحل ما زاد على الخط المفهوم من تصحيح الحروف وحسن الصورة محل ما زاد على الكلام المفهوم ممن فصاحة الألفاظ وصحة الإعراب ولهذا قالوا : حسن الخط إحدى الفصاحتين (فر عن أم سلمة) قال في الميزان : هذا خبر منكر ورواه عنه ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أجود .
[ 674 ]
4135 (الخلق كلهم عيال الله) أي فقراؤه وهو الذي يعولهم قال العسكري : هذا على المجاز والتوسع فإنه تعالى لما كان المتضمن لأرزاق العباد الكافل بها كان الخلق كعياله (فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) بالهداية إلى الله والتعليم لما يصلحهم والعطف عليهم والترحم والشفقة والإنفاق عليهم من فضل ما عنده وغير ذلك من وجوه الإحسان الأخروية والدنيوية والعادة أن السيد يحب الإحسان إلى عبيده وحاشيته ويجازي عليه وفيه حث على فضل قضاء حوائج الخلق ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو جاه أو إشارة أو نصح أو دلالة على خير أو إعانة أو شفاعة أو غير ذلك وقد أخذ هذا الحديث آبو العتاهية فقال الخلق كلهم عيال * الله تحت ظلاله * فاحبهم طرا إليه * أبرهم بعياله وقال : عيال الله أكرمهم عليه * أثبهم المكارم في عياله (ع والبزار) في مسنده وكذا البيهقي في الشعب (عن أنس) قال الهيثمي : فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك انتهى ومن ثم قال المصنف في الدرر كالزركشي : سنده ضعيف (طب وكذا الديلمي عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي : حديث لا يصح وقال الهيثمي : فيه موسى بن عمير أبو عبيد وهو أبو هارون القدسي متروك انتهى . وفي الميزان : يوسف بن عطية البصري الصفار قال النسائي : متروك والبخاري : منكر الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وفي الحديث قصة وهي ما أخرجه ابن منيع عن إبراهيم الموصلي قال كنت بالشماسة وكان أمير المؤمنين يجري الجلية ويحيى بن أكثم معه فجعل يدير بصره ينظر إلى كثرة الناس ويقول ليحيى : أما ترى أما ترى ثم قال : حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس فذكره . 4136 (الخلق كلهم يصلون على معلم) الناس (الخير) أي العلم الشرعي كما بينه في رواية أخرى (حتى نينال البحر) أي حيتانه جمع نون ، ومعنى يصلون عليه يستغفرون له ويتضرعون ويطلبون له الزلفى لأن نفع علمه يتعدى إلى جميع الحيوانا ت حتى من هو مأمور بقتله فيقول فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة (فر) وكذا أبو نعيم (عن عائشة) وفيه شاذ بن فياض أورده الذهبي في الضعفاء عن الحارث بن شبل وقد ضعفه الدارقطني .
[ 675 ]
4137 (الخلق) بضمتين (الحسن يذيب الخطايا) جمع خطيئة (كما يذيب الماء الجليد) هو الماء الجامد من شدة البرد لأن صنائع المعروف لا تكون إلا من حسن الخلق والصنائع حسنات والحسنات يذهبن السيئات كما مر (والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أشار به إلى أن المرء إنما يحوز جميع الخيرات ويبلغ أقصى المنازل وأبهى الغايات بحسن الخلق ، قالوا : وهذا الحديث من جوامع الكلم (طب عن ابن عباس) وفيه عيسى بن ميمون المديني وهو ضعيف ذكره الهيثمي ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه المنذري وغيره . 4138 (الخلق الحسن) بالضم (زمام من رحمة الله) فمن رزقه فقد أفيض عليه من خزائن الرحمة التي تعيش أهلها عيش أهل الجنان وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول بل بقيته عند مخرجه أبي الشيخ بعد قوله من رحمة الله في أنف صاحبه والزمام بيد الملك والملك يجره إلى الخير والخير يجره إلى الجنة وأن الخلق السئ زمام من عذاب الله عز وجل في أنف صاحبه والزمام بيد الشيطان والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار اه‍ بلفظه فحذف المصنف له من سوء التصرف وإن كان جائزا (أبو الشيخ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) ثواب الأعمال (عن أبي موسى) الأشعري وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه بل خرجه الحاكم والديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن أبي موسى المذكور من طريقتين وقال كلا الإسنادين ضعيف . 4139 (الخلق الحسن لا ينزع إلا من ولد حيضة) أي ممن جامع أبوه أمه في حال حيضها فعلقت به حينئذ (أو ولد زنية) بكسر الزاي قال في الفردوس : ويقال زينة بفتحها وهذا يعارضه حديث ولد الزنا ليس عليه من وزر أبويه شئ وقد قال تعالى : * (ولا تزر وزارة وزر أخرى) * وقد يجاب عنه بما سيجئ من تأويله إذا عمل بعمل أبويه (فر عن أبي هريرة) وفيه بشر بن رافع قال الذهبي : ضعيف باتفاق ورواه عنه أيضا ابن المرزبان وابن زنجويه والقطان . 4140 (الخلق) بالضم (وعاء الدين) لأن القلب إذا طهر من الرين وصفت الأخلاق من
[ 676 ]
الدنس والكدر نال العبد المعرفة الموصلة له إلى ربه فإذا وصل القلب إلى الرب دان له فعندها أصاب الدين الذي يدين الله به ومن ثم قالوا : الدين في صفاء الأخلاق وطهارة القلب وإذا رزق العبد حسن الخلق كان القلب حرا من رق النفس فهان عليه التواضع والخشوع لأمر الله والرضى بحكمه والقنع بقسمه فمن ذلك الخلق يخرج الدين فكان كالوعاء فافهم . (تنبيه) المراد بالخلق الحسن في هذه الأخبار ونحوها ما يشمل الأمور المعنوية الصادرة عن الملكة النفسانية بسهولة من غير روية وقد جاء في أخبار وآثار تسمية بعض ما يصدر عنها من خلال الكمالات التي ليست ملكات أخلاقا ولا مانع من إطلاق الخلق مجازا على ما يصدر من تلك الملكة باعتبار كونه أثرها ومسببا عنها سيما مع شيوع إطلاق السبب على المسبب وعكسه واسم الأثر على المؤثر وعكسه ولذلك تراهم يسمون كل خصلة معنوية صادرة عن الملكة خلقا إما على المجاز أو الحقيقة العرفية والشرعية والاسم الجامع للشعب الإيمانية والكمالات القلبية هو الخلق الحسن (الحكيم) الترمذي (عن أنس) بن مالك لكنه لم يذكر له سندا بل علقه فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب . 4141 (الخمر أم الفواحش) أي التي تجمع كل خبيث وإذا قيل أم الخير فهي التي تجمع كل خير وإذا قيل أم الشر فهي التي تجمع كل شر (وأكبر الكبائر) أي من أكبرها كما مر نظيره غير مرة (من شربها) وسكر (وقع على أمه وخالته وعمته) أي جامع الواحدة منهن يظن أنها زوجته وهو لا يشعر ومن ثم جعلها الله مفتاح كل إثم كما جعل الغناء مفتاح الزنا وإطلاق النظر في الصور مفتاح العشق والكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان والمعاصي مفتاح الكفر والكذب مفتاح النفاق والحرص مفتاح البخل وهذه أمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة ولب يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من خير وشر (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف انتهى . فرمز المؤلف لصحته غير سديد . 4142 (الخمر ام الفواحش) الأخروية والدنيوية لأنها تصدع وتكثر اللغو على شربها بل لا يطيل شرابها إلا باللغو وهي كريهة المذاق ورجس ومن عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتستر العقل الذي هو نور الهدى وآلة الرشد ألا ترى إلى حمزة رضي الله عنه لما زال عقله بها قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم : هل أنتم إلا عبيد أبي أو آبائي فجعله عبدا لكافر قال ابن العربي وهذا قول إد وحديث إلى الكفر ممتد وعذره المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه لزوال عقله بما كان مباحا حينئذ ولو كان
[ 677 ]
زواله بمحرم ما عذره ثم استقر الأمر على تشديد التحريم (و) من ثم كانت (أكبر الكبائر) أي من أعظمها (ومن شرب الخمر) فسكر (ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته وخالته) أي جامع الواحدة منهن وهو لا يميز بينها وبين حليلته أو الأجنبية ومن ثم حدوا السكران بأنه الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض ولا يفرق بين أمه وزوجته ومن قبائحها وفضائحها أنها تذهب الغيرة وتورث الخزي والفضيحة والندامة وتلحق شاربها بأحقر نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الأسماء والصفات وتسهل قتل النفس ومؤاخاة الشياطين وهتك الأستار وإظهار الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والجرائم وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وفرقت بين رجل وزوجة فذهبت بقلبه وراحت بلبه وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة وأوقعت في بلية وعجلت من منية وكم وكم ولو لم يكن من فواحشها إلا أنها تجتمع هي وخمر الجنة في جوف واحد لكفى وآفاتها لا تحصى وفضائحها لا تستقصى وفي هذا القدر كفاية (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي : صحيح . 4143 (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب) بجرهما بدل من الشجرتين وبرفعهما خبر مبتدأ محذوف وأراد بالخمر هنا ما يخامر العقل ويزيله لأن الخمر اللغوي وهي التي من العنب لا يكون من النخلة والغرض من الحديث بيان حكم الخمر يعني تحريم الخمر من هاتين لا بيان حقيقتها اللغوية لأنه غير مبعوث لبيانها فتخصيص الجنسين لا يدل على نفي ما عداهما قال الطيبي : وقوله من هاتين بيان لحصولها منهما غالبا وليس للحصر لخلو التركيب عن أدائه وقال ابن العربي : هذا بيان من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ولم يكن عندهم مشروب إلا من هذين النوعين وكان عند غيرهم من كل مطعوم فعند قوم من بر وعند آخرين من ذرة وعند آخرين من أرز وغير ذلك فخاطب أولئك بقوله إن من الزبيب خمرا وإن من البر لخمرا وإن من الشعير لخمرا إلخ وقال القرطبي : هذا الحديث حجة للجمهور على تسمية ما يعصر من غير العنب بالخمر إذا أسكر ولا حجة فيه لأبي حنيفة حيث قصر الحكم بالتحريم على هاتين الشجرتين لأن جاء في أحاديث أخر ما يقتضي تحريم كل مسكر وإنما خص هنا الشجرتين بالذكر لأن أكثر الخمر منهما أو أعلى الخمر عند أهلها وهذا نحو قولهم المال الإبل أي معظمها وأعمها (حم م 4) في الأشربة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري ورواه مسلم أيضا بلفظ الخمر من هاتين الشجرتين الكرمة والنخل وفي رواية له الكرم والنخل . 4144 (الخمر أم الخبائث) أي تجتمع فيها وترجع كلها إليها لأنها تغطي العقل فتعمى بصيرته
[ 678 ]
عن مقابح المعاصي فيرتكبها فتجتمع عليه المآثم فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما قيل لأنها تبقى في عظامه وعروقه نحو الأربعين (فإن مات وهي في بطنه مات ميتة) بكسر الميم اسم للنوع (جاهلية) صفة ميتة يعني صار منابذا لأمر الشرع وإذا مات على هذه الحالة مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية . (طس عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وفيه الحكم بن عبد الرحمن البجلي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : مختلف فيه ورواه الدارقطني بهذا اللفظ عن ابن عمرو وفيه الحكم بن عبد الرحمن بن أنعم ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم : صالح . 4145 (الخلافة في قريش) يعني أن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم من بعده إنما يكون منهم فلا يجوز نصبه من غيرهم عند وجودهم وسمي خليفة لأنه خلف الماضي قبله وقام مقامه ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود قال الحرالي : والملك التلبس بشرف الدنيا واستئثاره بخيرها (والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة) قال الزمخشري : يعني الأذان وجعله في الحبشة تفضيلا لبلال ورفقا منه وجعل الحكم في الأنصار لأن أكثر فقهاء الصحابة منهم كمعاذ وأبي زيد وغيرهم (والجهاد والهجرة) أي التحول من ديار الكفر إلى ديار الإسلام (في المسلمين) أي كلهم (والمجاهدين بعد) قال في الفردوس الدعوة الأذان والحكم الفقه والقضاء لأن أكثر فقهاء الصحابة من الأنصار (حم طب عن عتبة) بضم العين المهملة ومثناة فوقية ساكنة (ابن عبد) السلمي أبي الوليد صحابي شهد أول مشاهده قريظة رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي : رجاله ثقات . 4146 (الخلافة) قال الحافظ في الفتح : أراد بالخلافة خلافة النبوة وأما معاوية ومن بعده فعلى طريقة الملوك ولو سموا خلفاء (بعدي في أمتي ثلاثون سنة) قالوا : لم يكن في الثلاثين إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن فمدة الصديق سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام وعمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام وعثمان إحدى عشرة سنة وإحدى عشرة شهرا وتسعة أيام وعلي أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام (1)
[ 679 ]
(ثم ملك بعد ذلك) وفي رواية ثم يكون ملكا أي يصير ملكا لأن اسم الخلافة إنما هو لمن صدق عليه هذا الاسم بعمله للسنة والمخالفون ملوك وإن تسموا بالخلفاء وأخرج البيهقي في المدخل عن سفينة أن أول الملوك معاوية ، وقال الزمخشري : قد افتتحوا يعني خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم بعده المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا ثم خرج الذين على خلاف سيرتهم فكفروا بتلك الأنعم ففسقوا وذلك قوله الخلافة بعدي ثلاثون إلخ . وقيل لسعيد بن الجبهان إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم فقال : كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك . لا يقال ينافي هذا خبر لا يزال هذا الدين قائما حتى يملك اثني عشر خليفة . الحديث . لأنا نقول : إلى هنا للكمال فيكون المراد الخلافة الكاملة ثلاثون وهي منحصرة في الخمسة والمراد ثم مطلق الخلافة لأن مما عد من أولئك يزيد (تنبيه) أخذ بعض المجتهدين من هذا الخبر أن إجماع الخلفاء الأربعة حجة والصحيح عند الشافعية أنه غير حجة (حم ت ع حب عن سفينة) مولى النبي صلى الله عليه وسلم أو مولى أم سلمة وهي أعتقته واسمه مهران أو رومان أو قيس أو عبس وكنيته أبو عبد الرحمن أو أبو البحتري سماه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سفينة لأنه كان معه في سفر فأعياه بعض القوم فألقى متاعه عليه فحمل شيئا كثيرا ورواه عنه أيضا أبو داود في الستة والنسائي في المناقب . (1) فعلى هذا : الثلاثون مدة الخلفاء الأربعة فقط كما حرر فلعلهم ألغوا الأيام وبعض الشهور أي فأدخلوا فيها مدة الحسن ، وذكر النووي أن مدة الحسن نحو سبعة أشهر . 4148 (الخوارج) الذين يزعمون أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا (كلاب) أهل (النار) هم قوم * (ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * وذلك لأنهم دأبوا ونصبوا في العبادة وفي قلوبهم زيغ فمرقوا من الدين بإغواء شيطانهم حتى كفروا الموحدين بذنب واحد وتأولوا التنزيل على غير وجهه فخذلوا بعدما أيدوا حتى صاروا كلاب النار فالمؤمن يستر ويرحم ويرجو المغفرة والرحمة والمفتون الخارجي يهتك ويعير ويقنط وهذه أخلاق الكلاب وأفعالهم فلما كلبوا على عباد الله ونظروا لهم بعين النقص والعداوة ودخلوا النار صاروا في هيئة أعمالهم كلابا كما كانوا على أهل السنة في الدنيا كلابا بالمعنى المذكور . قال الخطابي : أجمعوا على أنهم على ضلالهم مسلمون وسئل علي : أكفار هم ؟ فقال : من الكفر فروا فقيل : أمنافقون ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرونه بكرة وأصيلا قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا ، قال الغزالي في الوسيط : في حكم الخوارج وجهان أحدهما أنهم كأهل الردة الثاني حكمهم كأهل البغي . قال ابن حجر : وليس مطردا في كل خارجي فإنهم أصناف منها من تقدم ذكره ومنها من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده وهم قسمان : قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسيرة النبوية فهؤلاء أهل حق ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج وقسم خرجوا لطلب الملك فقط وهم البغاة وقد عقد لهم الفقهاء بابا (حم د ك) من حديث الأعمش
[ 680 ]
(عن ابن أبي أوفى) قال ابن الجوزي : قال أحمد لم يسمع الأعمش من ابن أبي أوفى (حم ك عن أبي أمامة) قال ابن الجوزي : تفرد به المخزومي عن إسماعيل وإسماعيل ليس بشئ . قال أحمد : حدث بأحاديث موضوعة ، وقال ابن حبان : يضع على الثقات . 4149 (الخير أسرع إلى البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلى سنام البعير) شبه سرعة وصول الخير إلى البيت الذي يغشاه الضيفان بسرعة وصول الشفرة إلى السنام لأنه أول ما يقطع ويؤكل لمزيد لذته (ه عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي كالمنذري : سنده ضعيف . 4150 (الخير أسرع إلى البيت الذي يغشى) بالبناء للمجهول أي يغشاه الضيوف (من الشفرة إلى سنام البعير) فيه سر لطيف وهو أنه وازن بين الخلف والبذل وبين فضل الضيف بنحر البعير لضيفانه (ه عن أنس) قال العراقي : إسناده ضعيف لكن له شواهد . 4151 (الخير مع أكابركم) قال في الفردوس : ويروى البركة مع أكابركم وأراد العلماء والأولياء وإن صغر سنهم أو المجربين للأمور وقد سبق موجها (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4152 (الخير عادة) لعود النفس إليه وحرصها عليه من أصل الفطرة ، قال في الإحياء : من لم يكن في أصل الفطرة جوادا مثلا فيتعود ذلك بالتكلف ومن لم يخلق متواضعا يتكلفه إلى أن يتعوده وكذلك سائر الصفات يعالج بضدها إلى أن يحصل الغرض وبالمداومة على العبادة ومخالفة الشهوات تحسن صورة الباطن (والشر لجاجة) لما فيه من العوج وضيق النفس والكرب والعادة مشتقة من العود إلى الشئ مرة بعد أخرى قال العامري في شرح الشهاب : وأكثر ما تستعمل العرب العادة في الخير وفيما يسر وينفع . قال المصطفى صلى الله عليه وسلم " عودوا قلوبكم الرقة " فحث على تعويده ليؤلف فيسهل . اعترض كلب في طريق عيسى عليه السلام فقال : اذهب عافاك الله فقيل له : تخاطب به كلبا ؟ قال : لسان عودته الخير فتعود وقال الحكماء : العادة طبيعة خامسة واللجاج أكثر ما يستعمل في المراجعة في الشئ المضر
[ 681 ]
بشؤم الطبع بغير تدبر عاقبة ويسمى فاعله لجوجا كأنه أخذ من لجة البحر وهي أخطر ما فيه فزجرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عادة الشر بتسميتها لجاجة وميزها عن تعود الخير بالاسم للفرق فعلى من لم يرزق قلبا سليما من الشر أن يروض نفسه على الخير والكف عن الشر ويلزمها المداومة على ذلك وإنما يؤتى العبد من الضجر والملال والعجلة (ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) أي يفهمه ويبصره في كلام الله ورسوله لأن ذلك يقوده إلى التقوى والتقوى تقوده إلى الجنة (ه عن معاوية) بن أبي سفيان وفيه مروان بن جناح قال في الميزان عن أبي حاتم : لا يحتج به وعن الدارقطني : لا بأس به . 4153 (الخير كثير) أي وجوهه كثيرة (و) لكن (من يعمل به قليل) لإقبال الناس على دنياهم وإهمالهم ما ينفعهم في أخراهم وجهلهم بأسرار الشريعة إذ كل مباح ينقلب طاعة مثابا عليها بالنية كما لو نوى بأكله أن يقوى على الجهاد والصلاة والصوم أو نحو ذلك وكما لو نوى بالجماع إعفاف نفسه أو زوجته أو أن يخرج منهما ولد صالح يذكر الله تعالى إلى غير ذلك مما يطول ذكره (طس) وكذا أبو الشيخ والديلمي (عن عمرو) بن العاص قال الهيثمي : فيه الحسن بن عبد الأول ضعيف . 4154 (الخير كثير وقليل فاعله) فيه ما تقرر فيما قبله (خط عن ابن عمرو) بن العاص وفيه أحمد بن عمران الأخفش قال البخاري : يتكلمون فيه وعطاء بن السائب ساء حفظه . 4155 (الخير معقود بنواصي الخيل) قال الحرالي : اسم جمع لهذا الجنس المجهول على هذا الإختيال لما خلق الله له من الاعتزاز به وقوة المنة في الافتراس عليه الذي منه سمي واحده فرسا (إلى يوم القيامة) أي في ذواتهم فكنى بالناصية عن الذات يقال فلان مبارك الناصية أي ذاته وإنما كانت مباركة لحصول الجهاد بها قال بعض الكاملين : وفيه من صنع البديع ما يسنى تجنيسا مضارعا وهو أن يختنف المتجانسان بحرف والحرفان متقاربان في المخرج (والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها) قال النووي : وأما حديث إن الشؤم قد يكون في الفرس فالمراد فيه غير المعدة للغزو ونحوه وأن الخير والشؤم يجتمعان فيها لتفسيره الخير بالأجر والمغنم في الرواية الآتية ولا يمنع مع هذا أن يتشاءم به ثم إن هذا الحديث وما بعده من أعلى درجات البلاغة حيث أوقع الجناس بين لفظين اختلفا في آخر حرف في كل منهما بحسب الصيغة فقط من نوع ما وقع الاختلاف فيه بحرف كخبر أسلم تسلم وذا عكسه إذ الاختلاف ثم وقع في أول كلمة وهنا في آخرها (طس) وكذا أبو يعلى (عن أبي هريرة) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار النفقة .
[ 682 ]
4156 (الخيل معقود في نواصيها الخير) أي ملازم لها كأنه معقود فيها فهو استعارة مكنية كما ذكره القاضي قال وتصعد حتى يظن الجهول * بأن له حاجة في السماء وقال : وهي الشمس مسكنها في السما * ء فعز الفؤاد غدا جميلا (إلى يوم القيامة) أي إلى قربه ، آذن به أن الجهاد قائم إلى ذلك الوقت وهذا عد من جوامع كلمه (مالك) في الموطأ (حم ق ن ه عن عروة) بضم أوله (ابن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمهملة الثانية ويقال ابن أبي الجعد البارقي صحابي نزل الكوفة وهو أول من قضى بها (خ عن أنس) بن مالك (م ت ن ه عن أبي هريرة حم عن أبي ذر وعن أبي سعيد طب عن سواد بن الربيع عن النعمان بن بشير وعن أبي كبشة) قال ابن حجر : وفي الباب أبو هريرة وجابر وحذيفة وغيرهم قال المصنف : وهو متواتر . 4157 (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر) بدل من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر (والمغنم) قال الطيبي : يحتمل كون الخير المفسر بهما استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه شبهه لظهوره بشئ محسوس معقود على محل مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه وذكر الناصية تجريدا للإستعارة اه‍ . لكن ذهب جدي الأعلى من جهة الأم الحافظ الزين العراقي إلى أنه أمر خاص بناصيتها بدليل النهي عن قصها (حم ق ت ن عن عروة) البارقي (حم م ن عن جرير) قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجه فرس فذكره . 4158 (الخيل معقود في نواصيها الخير واليمن) أي البركة (إلى يوم القيامة) قال في المطامح : هذا من جملة معجزاته لدلالته على بقاء الجهاد وإعلاء كلمة الإسلام إلى يوم القيامة (وأهلها معانون عليها) أي على الإنفاق عليها (قلدوها ولا تقلدوها الأوتار) أي قلدوها طلب الأعداء ولا تقلدوها طلب
[ 683 ]
أوتار الجاهلية أي ثأرانهم أي دمائهم يعني لا تجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق أو أراد وتر القوس أو الأوتار التي تقلد لدفع العين (طس عن جابر) قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وفيه ضعف . 4159 (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها فامسحوا بنواصيها وادعوا لهبالبركة) قال ابن حجر : وفي هذه الأخبار كلها ترغيب في الغزو على الخيل وبقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون وهو كحديث لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق (وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار) جمع وتر بالتحريك . قال ابن الجوزي : المراد بالأوتار ثلاثة أقوال : أحدها أنهم كانوا يقلدونها أوتار القسى لئلا يصيبها العين بزعمهم فنهوا عنها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من الله شيئا ، الثاني نهى عنه لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض والرعي ، والثالث أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس فنهوا عنها ، وزعم أن الأوتار جمع وتر بالسكون والمراد به الثأر وأن المراد النهي عن طلب الثأر تكلف وتعسف ومن ثم قال النووي : هو تأويل ضعيف (حم عن جابر) قال الهيثمي : رجاله ثقات . 4160 (الخيل معقود بنواصيها الخير والنبل إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها والمنفق عليها) في العلف وغيره (كباسط يده في صدقة) في حصول الأجر (وأبوالها وأوراثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسك الجنة) أي أنها تصير كذلك قال جمع : قوله الخيل لفظ عام والمراد به الخيل الغازية في سبيل الله لقوله في الحديث الآتي الخيل ثلاثة أو المراد جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير فأما من ارتبطها لمحرم فحصول الوزر لطرو ذلك الأمر (طب) وكذا في الأوسط (عن عريب) بعين مهملة مفتوحة وراء مكسورة أبي عبد الله (المليكي) شامي . قال البخاري : له صحبة . قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفه . 4161 (الخيل ثلاثة ، ففرس للرحمن ، وفر س للشيطان وفرس للإنسان) فيه جواز السجع إذا كان بغير تكلف (فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله) أي للجهاد عليه لإعلاء كلمة الله (فعلفه
[ 684 ]
وروثه وبوله في ميزانه) يوم القيامة في كفة الحسنات فإن قيل : فما بال الرو ث والحسنات وهي من النجاسات قلنا : إذا رعت الدابة شبعت ومن تمام شبعها طرح الفضلة فلما كانت من منافعها كتب له أجرها ولا نزاع في نجاستها فإن دم الشهيد نجس وريحه ريح المسك في سبيل الله فمن ذهب إلى أنه إذا نوى بالفرس الجهاد يكون بوله وروثه طاهرا فقد أخطأ خطأ ظاهرا (وأما فرس الشيطان) أي إبليس (فالذي يقامر أو يراهن) بالبناء للمجهول (عليه) على رسوم الجاهلية وطرائقهم وذلك أن يتواضعا بينهما جعلا يستحقه السابق منهما كذا ذكره الزمخشري (وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها) أي يطلب ما في بطنها يعني النتاج وفي رواية يستنبطها والاستنباط استخراج الماء فاستعير لإخراج النسل (فهي) لهذا الثالث (ستر من فقر) أي تحول بينه وبين الفقر بارتفاقه بثمن نتاجها كما يحول الستر بين الشئ وبين الناظرين وقد أخرج أبو داود وغيره عن أنس أنه لم يكن شئ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل (حم عن ابن مسعود) قال الهيثمي : رجاله ثقات فإن القاسم بن حبان سمع من ابن مسعود فالحديث صحيح . 4162 (الخيل لثلاثة) في الفتح فهم بعضهم الحصر فقال : اتخاذ الخيل لا يخرج عن كونه مطلوبا أو مباحا أو ممنوعا فشمل المطلوب الواجب والمندوب والممنوع المكروه والمحرم واعترض (هن) وفي نسخة هي وخط المصنف محتمل لهما (لرجل أجر) أي ثواب (ولرجل ستر) أي ساتر لفقره ولحاله (وعلى رجل وزر) أي إثم ووجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتني خيلا إما أن يقتنيها لركوب أو تجارة وكل منهما إما أن يقترن به فعل طاعة وهو الأول أو معصية وهو الأخير أو لا ولا وهو الثاني (فأما) الأول (الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله) أي أعدها للجهاد (فأطال لها) أي للخيل حبلها (في مرج) (1) بسكون الراء وبالجيم أرض واسعة ذات كلأ يرعى فيها سمي به لأنها تمرح به أي تسرح وتجئ وتذهب كيف شاءت (أو روضة) شك من الراوي وهي الموضع الذي يكثر الماء فيه فيكون فيه صنوف النبات من الرياحين وغيرها فالفرق بين المرج والروضة أن الأول معد لرعي الدواب والروضة
[ 685 ]
إنما هي للتنزه فيها (فما أصابت في طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية وفي رواية بالواو الحبل الذي تربط به ويطولترعى (من المرج أو الروضة) من فيه بيان لما (كانت له حسنات) يعني يكون لصاحب الخيل ثواب مقدار مواضع إصابتها في ذلك الحبل الذي ربطت فيه (ولو أنها قطعت طيلها فاستنت) (2) بتشديد النون أي عدت ومرجت ورمحت (شرفا أو شرفين) أي شوطا أو شوطين سمي به لأن الغازي يشرف على ما يتوجه إليه . قال في المصابيح كالتنقيح : الشرف العالي من الأرض (كانت آثارها) بالمد أي مقدار آثارها في الأرض بحوافرها عند عدوها (وأرواثها) أي وأبوالها (حسنات له يريد ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن (ولو أنها مرت بنهر) بسكون الهاء وفتحها واحد الأنهار (فشربت) منه (ولم يرد أن يسقيها) أي والحال أن صاحبها لم يقصد سقيها وفي رواية ولم يرد أن يسقي بحذف ضمير المفعول (فإن ذلك) أي ما شربته يعني قدره وإرادته أن يسقيها (حسنات له) وإذا حصل له هذا الثواب حيث لم يقصد سقيها ففي قصده أولى فهو من التنبيه بالأدنى على الأعلى (و) الثاني الذي هي له ستر (رجل ربطها تغنيا) بفتح المثناة والمعجمة أي استغناء عن الناس يطلب نتاجها (وسترا) من الفقر (وتعففا) عن سؤال الناس عند الحاجة ببيع نتاجها أو بما يحصل من أجرتها أو من الاتجار فيها أو بما يتردد عليها في مزارعة ومتاجرة ومعاملة (ثم لم ينس حق الله) المفروض (في رقابها) بالإحسان إليها والقيام بعلفها والشفقة عليها في الركوب وخص الرقاب لاستعارتها كثيرا في الحقوق اللازمة (و) لا في (ظهورها) بأن يحمل عليها الغازي المنقطع ويعير الفحل لمن طلب منه إعارته للطروق أو بأن لا يحملها ما لا تطيقه ونحو ذلك وعلى هذا التقدير فلا حجة فيه للحنفية في إيجاب الزكاة فيها لأن الدليل إذا طرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال (فهي له) أي لصاحبها (سترا) أي ساتر من المسكنة (و) الثالث التي هي وزر (رجل ربطها فخرا) نصب للتعليل أي لأجل الفخر أي تعاظما ورياء) إظهارا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون والمد أي منا وأو معاداة (لأهل الإسلام) كقوله ناوأت العدو مناوأة والمراد العداوة والواو بمعنى أو فكل واحد مذموم وحده وفيه بيان فضل الخيل وأنها إنما يكون في نواصيها الخير إذا كانت لطاعة أو مباح وإلا (فهي له وزر) أي إثم قيل علة كونها وزرا مجموع هذه الأوصاف الثلاثة لأن الفخر لأهل العلم والرؤساء ليس بموجب للوزر كذاقيل وفيه تكلف ظاهر والظاهر أن لكل واحد موجب . (مالك) في المؤطأ (حم ق ت ن ه عن أبي هريرة) . (1) وأكثر ما يطلق المرج في الموضع المطمئن والروضة أكثر ما تطلق في الموضع المرتفع . (2) قال في النهاية استن الفرس أي عدا لمرحمة ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب عليه ، وقال الجوهري : هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا .
[ 686 ]
4163 (الخيل في نواصي شقرها الخير) أي اليمن والبركة والشقر والشقرة من الألوان وهي تختلف بالنسبة إلى الإنسان والوالإبل ففي الإنسان حمرة صافية مائلة إلى البياض وفي الخيل حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب فإن اسود فهو الكميت وفي الإبل شدة الحمرة وسبق أن هذا لا تعارض بينه وبين خبر خير الخيل الأدهم قال جدنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقي سبب تفضيله صلى الله عليه وسلم للشقر من الخيل التفاؤل بها رواه أحمد في مسنده بعد ذكر حديثه المرفوع وفيه : وسألوه لم فضل الأشقر ؟ قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب الأشقر (خط عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن عبد الله البغدادي أبو الشيخ [ ابن حبان ] قال الذهبي : متروك الحديث . 4164 (الخيمة) المذكورة في القرآن في قوله سبحانه وتعالى * (حور مقصورات في الخيام) * وهي بيت من بيوت الأعراب مربع (درة مجوفة) بفتح الواو المشددة أي واسعة الجوف وفي رواية للبخاري در مجوف طوله بالتذكير على معنى الشئ الساتر (طولها في السماء ستون) وفي رواية ثلاثون (ميلا في كل زاوية منها) أي من زوايا الخيمة (للمؤمن أهل لا يراهم) أهله (الآخرون) من سمة تلك الخيمة وكثرة مرافقها وأرجائها قال في الفردوس : لما نزل قوله تعالى * (حور مقصورات في الخيام) * قيل : يا رسول الله ما الخيمة فذكره (ق عن أبي موسى) الأشعري ووهم من زعم أنه من أفراد البخاري .
[ 687 ]
حرف الدال 4165 (داووا مرضاكم بالصدقة) فإن الطب نوعان جسماني وروحاني فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأول آنفا وأشار الآن إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية ولا ينكر ذلك إلا من كشف حجابه والنبي صلى الله عليه وسلم طبيب القلوب فمن وجد عنده كمال استعداد إلى الإقبال على رب العباد أمره بالطب الروحاني ومن رآه على خلاف ذلك وصف له ما يليق من الأدوية الحسية . (أبو الشيخ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي أمامة) وقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لهذا مع وجوده لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو البيهقي في سننه والخطيب من حديث ابن مسعود ورواه أيضا الطبراني من حديث أبي أمامة والديلمي من حديث ابن عمر وعزاه لهما في الدرر . 4166 (داووا مرضاكم بالصدقة) من نحو إطعام الجائع واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء والفقراء والأرمل والمساكين الذين لا يؤبه بهم (فإنها تدفع عنكم الأمراض والأعراض (1) قال في سفر السعادة : كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعالج الأمراض بثلاثة أنواع : بالأدوية الطبيعية وبالأدوية الإلهية وهذا منها وبالأدوية المركبة منهما . وقال في سلك الجواهر : الصدقة أمام الحاجة سنة مطلوبة مؤكدة والخواص يقدمونها أمام حاجاتهم إلى الله كحاجتهم إلى شفاء مريضهم لكن على قدر البلية في عظمها وخفتها حتى أنهم إذا أرادوا كشف غامض بذلوا شيئا لا يطلع عليه أحد وكان ذوو الفهم عن الله إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذوي القلوب المنكسرة قاصدين فداء
[ 688 ]
رأس برأس وكان بعضهم يرى أن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على الفقراء من أهل العفاف قال الحليمي : فإن قيل أليس الله قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة أو غيرها ، قلنا : يجوز أن يكون عند الله في بعض المرضى أنه إن تداوى بدواء سلم وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك (فر) من حديث بديل بن المجبر عن هلال بن مالك عن يونس بن عبيد عن راو (عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي : منكر بهذا الإسناد . (1) بفتح الهمزة أي العوارض من المصائب والبلايا وقد جرب ذلك الموفقون من أهل الله فوجدوا الأدوية الروحانية تنفع أكثر من الحسية وقد تقدم الأمر بالتداوي بها في حديث تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء . 4167 (دباغ الأديم) بكسر الدال الجلد الذي نجس بالموت (طهوره) بفتح الطاء أي مطهره فيصير طاهرا ينتفع به عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك وكذا أحمد في إحدى روايتيه أما قبل الدبغ فلا يجوز الانتفاع به خلافا للزهري للنجاسة وأما الجلد الذي لم ينجس بالموت كجلد المغلظ فلا يطهره الدباغ ثم الدباغ يكون بكل حريف نازع للفضول وتمسك بهذا من جوز أكل جلد الميتة بعد الدبغ وهو وجه عند الشافعية رجحوا مقابله ومن قال يطهر شعر الجلد معه وهو وجه عندهم أيضا صححوا نقيضه قالوا : لأن الدباغ لا يؤثر فيه . (حم م) من حديث السبائي (عن ابن عباس) قال السبائي : سألت ابن عباس إنا نكون بالمغرب فيأتينا المجوس بالأسقية فيها الماء والودك فقال : اشرب فقلت : أر أي تراه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره (د عن سلمة بن المحبق) وفيه سلمة بن ربيعة بن المحبق الهذلي صحابي نزيل البصرة (ن عن عائشة) قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فذكره (ع عن أنس ط ب عن أبي أمامة وعن المغيرة) . 4168 (دباغ جلود الميتة طهورها) قال في الفردوس : معناه أنه إذا دبغ فهو طاهر كجلد المذكى وهذا شامل للمأكول وغيره من كل جلد نجس بالموت وهو ما عليه الشافعية وخصه المالكية بالمأكول لورود الخبر في الشاة ولأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة وغير المأكول لو ذكى لم يطهر بالذكاة فكذا الدباغ وأجاب من عمم بالتمسك بمفهوم اللغة (قط) من رواية سعيد بن المسيب (عن زيد بن ثابت) قال الغرياني في حاشية مختصر الدارقطني كما وقفت عليه بخطه : فيه الواقدي ضعفوه قال البخاري : متروك وشيخه معاذ بن محمد الأنصاري مجهول ورواه عنه أيضا ابن حبان وقال ابن جماعة : في سنده شريك القاضي وثقه ابن معين لكنه اختلط آخرا ولذلك روى له مسلم في المتابعات . 4169 (دباغ كل إهاب طهوره) عام في كل جلد يقبل الدباغ لا مطلق فخرج المغلظ قال ابن العربي : وزعم بعض الغفلة وهو أبو يوسف أن جلد الخنزير يطهر بالدبغ تعلقا بالعموم : لا وجه له (قط
[ 689 ]
عن ابن عباس) رواه من عدة طرق عن عدة من الصحابة بألفاظ مختلفة ثم قال : أسانيدها صحاح . 4170 (دب إليكم) أي سار إليكم (داء الأمم قبلكم) أي عادة الأمم الماضية (الحسد والبغضاء) والبغضاء (هي الحالقة حالقة الدين) بكسر الدال (لا حالقة الشعر) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر قال ابن الأثير : نقل الداء من الأجسام إلى المعاني ومن أمر الدين إلى الآخرة وقال الطيبي : الدب يستعمل في الأجسام فاستعير للسراية على سبيل التبعية وكذا قوله الحالقة فإنها تستعمل في حلق الشعر فاستعملت فيما يستأصل الدين وليست هي استعارة لذكر المشبه والمشبه به أي البغضاء تذهب الدين كما يذهب الموسى الشعر (والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) بالله تعالى وبما علم مجئ الرسول بالضرورة (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي حتى يحب بعضكم بعضا (أفلا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه تحاببتم) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (أفشوا السلام بينكم) فإنه يزيل الضغائن ويورث التحابب كما سلف تقريره (حم ت) في الزهد (والضياء) المقدسي عن مولى آل الزبير (عن الزبير) بالتصغير (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو قال المناوي : ومولى الزبير مجهول ورواه باللفظ المزبور من هذا الوجه البزار قال الهيثمي كالمنذري : سنده جيد . 4171 (دثر مكان البيت) أي درس محل الكعبة وأصل الدثر الدروس وهو أن تهب الرياح على المنزل فتغشى رسومه الرمل وتغطيه بالتراب اه‍ وذلك بالطوفان وقد روى كما في البحر العميق أنه كان موضع البيت بعد الغرق أكمة حمراء لا تعلوها السيول وكان يأتيها المظلوم ويدعو عندها المكروب فقل من دعا عندها إلا استجيب له (فلم يحجه هود ولا صالح) مع أن سنة الله في الذين خلوا من قبل أصفيائه آدم فمن بعده المحافظة على حجة (حتى بوأه الله إبراهيم) أي أراه أصله ومحله فأسس قواعده وبناه وأظهر حرمته ودعا الناس إلى الحج إليه ووردت أخبار بحج هود وصالح وسندها كلها ضعيف قاله المصنف (الزبير بن بكار في النسب) من حديث إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه عن الزهري عن عروة (عن عائشة) وفي الميزان : إبراهيم واه قال ابن عدي : عامة حديثه مناكير وقال البخاري : سكتوا عنه وبمشورته جلد مالك .
[ 690 ]
4172 (دحية) بمهملتين كحية وقد يفتح أوله بل نقل الزمخشري عن الأصمعي أنه لا يقال بالكسر (الكلبي) بفتح فسكون الصحابي القديم المشهور شهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها بعد بدر وبايع تحت الشجرة (يشبه جبريل) وكان يأتي المصطفى صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته فإنه كان بارعا في الجمال يضرب به المثل فيه بحيث كان إذا دخل بلدا برز لرؤيته العواتق من خدروهن (وعروة) بضم العين المهملة (ابن مسعود الثقفي) الذي أرسلته قريش إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ثم أسلم فدعا قومه إلى الإسلام فقتلوه (يشبه عيسى ابن مريم) ولما قتله قومه قال مثله في قومه كصاحب يونس (وعبد العزى) بن قطن (يشبه الدجال) في الصورة وفيه جواز تشبيه الأنبياء والملائكة بغيرهم وهذه التشيهات إنما هي للصورة كما تقرر ولا شك أن الصورة المذكورة أخص بالمشبه به فلا يرد أن المشبه به يجب كونه أقوى وفيه إشارة إلى أن الدجال آثار الحدوث عليه ظاهرة وإن بينت كافية في الدلالة على كونه من جنس المخلوقين وان له خالقا خلقه * (سنريهم آياتنافى الآفاق وفى انفسهم) * (ابن سعد) في الطبقات (عن الشعبي مرسلا) . 4173 (دخلت الجنة) أي في اليوم لأنه لا يدخل الجنة في اليقظة والمصطفى صلى الله عليه وسلم وإن دخلها يقظة ليلة المعراج إلا أن بلالا لم يدخل (فسمعت خشفة) بفتح المعجمتين والفاء صوت حركة أو وقع نعل (فقلت ما هذه) الخشفة أي قال ذلك للملائكة أو لغيرهم من أهل الجنة كالحور والولدان وزاد في رواية أمامي (قالوا هذا بلال) قال العراقي في شرح التقريب : إن قيل : كيف رأى بلالا أمامه مع أنه أول من يدخلها قلنا : لم يقل هنا إنه يدخلها قبله يوم القيامة وإنما رآه أمامه مناما وأما الدخول حقيقة فهو أول داخل وهذا الدخول المراد به سريان الروح حالة النوم قال القاضي : ولا يجوز إجراؤه على ظاهره إذ ليس لنبي من الأنبياء أن يسابقه فكيف بأحد من أمته (ثم دخلت الجنة) أي مرة أخرى (فسمعت خشفة فقلت ما هذه قالوا هذه الغميصاء) بغين معجمة مصغرة ويقال الرميصاء امرأة أبي طلحة وهي أم سليم خالة أنس (1) (بنت ملحان (2) وهذا يقتضي تكرار الدخول لكن قد عرفت أنها
[ 691 ]
رؤيا منام (عبد) بغير إضافة (بن حميد عن أنس) بن مالك (الطيالسي) أبو داود (جابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا رمز المصنف لحسنه . (1) الذي في الإصابة أنها أم أنس . (2) بكسر الميم وسكون اللام وبالمهملة ونون : ابن خالد الأنصاري وأمها تبلة أو رملة أو سهلة أو رميشة أو مليكة أو نبيهة من الصحابيات الفاضلات . 4174 (دخلت الجنة فسمعت خشفة) بخاء معجمة بضبط المصنف صوت غير شديد وأصله صوت دبيب الحية والمراد هنا ما يسمع من حس وقع القدم أو النعل (بين يدي) أي أمامي بقربي (فقلت ما هذه الخشفة فقيل هذا بلال يمشي أمامك) إنما أخبره بذلك ليطيب قلبه ويداوم على العمل ويرغب غيره فيه قال المظهر : هذا لا يدل على تفضيل بلال على العشرة فضلا عن النبي وإنما سبقه للخدمة وقال التوربشتي : هذا شئ كوشف به من عالم الغيب في نومه أو يقظته وهو من قبيل قول القائل لعبده تسبقني إلى العمل أي تعمل قبل ورود أمري عليك قال الطيبي : ولا ينافضه * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * لما أن المتقدم بين يدي الرجل خارج من صفة المبايع المنقاد لأن الآية واردة في النهي عما لا يرضي الله ورسوله كما يشهد له سبب النزول والحديث ليس كذلك من ثم قرره على السبب الموجب السبق واستحمده لذلك اه‍ (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عد عن أبي أمامة) قال الهيثمي : رجال الصغير ثقات وقد رواه أحمد في حديث طويل اه‍ . ومفهومه أن رجال الكبير ليسوا ثقات وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله الطريق الجيد وإيثاره عليها غيرها . 4175 (دخلت الجنة ليلة أسري بي فسمعت في جانبها وجسا) أي صوتا خفيا قال ابن الأثير : الوجس الصوت الخفي فتوجس بالشئ أحس به (فقلت يا جبريل ما هذا قال بلال المؤذن) قال الحافظ العراقي : وفيه وفيما قبله ندب قص الرؤيا الصالحة على أصحابه وأن الإنسان إذا رأى لصاحبه خيرا بشره به وأن رؤيا الدنيا حق ومنقبة عظيمة لبلال . (حم ع عن ابن عباس) قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح غير قابوس وقد وثق وفيه ضعف . 4176 (دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل) تصغير نفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة (1) الذي قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم لما بدأه الوحي وذهبت به خديجة إليه هذا
[ 692 ]
النامو س الأكبر الذي أنزل على موسى (درجتين) أي منزلتين عظيمتين لكونه تنصر وآمن بعيسثم آمن بمحمد وفي رواية دوحتين أي شجرتين عظيمتين قال الزين العراقي : ينبغي أن يقال إنه أول من آمن من الرجال لأن الوحي نزل في حياته فآمن به وصدقه وذكره ابن منده في الصحابة وقول الحاكم لا أعلم خلافا أن عليا أول الذكور إسلاما أراد به إسلاما بعد خديجة ومن نظمه : أربا واحدا أم آلف رب * أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الرجل البصير ألم تعلم بأن الله أفنى * رجالا كان شأنهم الفجر وأبقى آخرين ببر قوم * فيربو منهم الطفل الصغير (ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) وفيه الباغندي مضعف لكن قال الحافظ ابن كثير : إسناده جيد . (1) قوله وهو ابن عم خديجة إلخ : يعارضه ما في أول صحيح البخاري أن القائل هو ورقة بن نوفل فليحرر اه‍ . 4177 (دخلت الجنة) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ دخل رجل الجنة فرأى ولعل هذه رواية أخرى في نسخة أخرى (فرأيت على بابها الصدقة بعشرة والقرض (1 بثمانية عشر فقلت يا جبريل كيف صارت الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشرة قال لأن الصدقة تقع في يد الغني والفقير والقرض لا يقع إلا في يد من يحتاج إليه) قال الطيبي : القرض اسم مصدر والمصدر بالحقيقة الإقراض ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض وقال البلقيني : فيه أن درهم القرض بدرهمي صدقة لأن الصدقة لم يعد منها شئ والقرض عاد منه درهم فسقط مقابله وبقي ثمانية عشر (2) ومن ثم لو أبرأ منه كان له عشرون ثواب الأصل وهذا الحديث يعارضه حديث ابن حبان من أقرض درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة وجمع بعضهم بأن القرض أفضل الصدقة باعتبار الابتداء بامتيازه عنها بصون وجه من
[ 693 ]
لم يعتد السؤال وهي أفضل من حيث الانتهاء لما فيها من عدم رد المقابل وعند تقابل الخصوصيتين قد ترجح الأولى وقد تترجح الثانية باعتبار الأثر المترتب والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان وعليه تنزل الأحاديث المتعارضة (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وغيره وفيه ضعف . (1) بفتح القاف أشهر من كسرها بمعنى القرض ويطلق على المصدر بمعنى الأقراض الذي هو تمليك شئ على أن يرد بدله . (2) قلت : وذكره الدميري بعبارة أخرى فقال : الحكمة في أن القرض بثمانية عشر أن الحسنة بعشر أمثالها حسنة عدل وتسعة فضل ولما كان المقرض يرد إليه ماله سقط سهم العدل مع مقابله وبقيت سهام الفضل وهي تسعة فضوعفت بسبب حاجة المقترض فكانت ثمانية عشر . اه‍ . 4178 (دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت من هذا قالوا) يعني الملائكة أو غيرهم ممن مر (حارثة) بحاء مهملة ومثلثة (ابن النعمان) من بني مالك بن النجار البدري وكان أبر الناس بأمه (كذلكم البر كذلكم البر) قال الطيبي : المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا وقصها على أصحابه فلما بلغ إلى قوله النعمان نبههم على سبب نيل تلك الدرجة بقوله كذلكم البر أي حارثة قال تلك الدرجة بسبب البر وموقع هذه الجملة التذييل كقوله تعالى * (وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) * وفيه من المبالغة أنه جعل جزء البر برا وعرف الخبر بلام الجنس تنبيها على أن هذه الدرجة القصيا لا تنال إلا ببر الوالدين والتكرار للاستيعاب والتقرير والتأكيد (ن ك) في المناقب وكذا أحمد وأبو يعلى بسند قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (عن عائشة) قال الحاكم : على شرطهما وأقره الذهبي وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته وكان أبر الناس بأمه اه‍ فكأنه أغفله سهوا أو توهم أنه مدرج في الحديث وهو ذهول فقد قال الصدر المناوي وغيره : وصح لنا برواية الحاكم والبيهقي أن قوله كان أبر الناس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمدرج ثم بسطه . 4179 (دخلت الجنة فرأيت فيها جنابذ من اللؤلؤ ترابها المسك فقلت لمن هذا يا جبريل قال للمؤذنين والأئمة من أمتك يا محمد) فيه أن من رأى لقوم خيرا سببه فعلهم لشئ من أبواب الخير أن يسألهم عما استحقوا به ذلك ليحثهم عليه ويرغبهم فيه (ع) وكذا أبو الشيخ والديلمي (عن أبي) بن كعب قال الديلمي : وفي الباب أنس وغيره . 4180 (دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فقلت ما هذه الخشفة فقيل الغميصاء) ويقال الرميصاء (بنت ملحان) بن خالد الأنصارية أم سليم خالة أنس بن مالك يقال اسمها رميلة أو رميثة أو
[ 694 ]
مليكة أو نبيهة اشتهر ت بكنيتها وهي امرأة أبي طلحة سيدة الصابرات التي مات ولدها وزوجها غائب فسبحته في ناحية البيت فجاء أبو طلحة فقدمت له إفطاره فقال : كيف الصبي قالت : هو أسكن مما كان فيه ثم تصنعت له فأصابها فلما فرغ قالت : ألا تعجب لجيرانك أعيروا عارية فطلبت منهم فجزعوا فقال بئس ما صنعوا فقالت : ابنك كان عارية فقبض فحمد واسترجع فخليق بمثل هذا أن تكون في عليين (حم م ن عن أنس) بن مالك . 4181 (دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه فإذا هو مسك أذفر) قال أنس : قلت ما الأذفر قال : الذي لا خلط له (فقلت ما هذا يا جبريل قال هو الكوثر الذي أعطاك الله) في الجنة (حم خ ت عن أنس) . 4182 (دخلت الجنة) في النوم (فإذا أنا بقصر من ذهب) وفي رواية فأتيت على قصر من ذهب مريع مشرف وذكر بعضهم في حكمة كونه من ذهب أنه أشار إلى أن عمر من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم لأن لفظ الذهب مطابق للإذهاب (فقلت لمن هذا القصر) استفهام الملائكة الذين كانوا معه في الجنة حينئذ وفائدة سؤاله عنه أن يعلم لمن هو فيبشره به (قالوا لشاب من قريش) أي من قبيلة قريش (فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا عمربن الخطاب) قال الزين العراقي : في حكمة كونه لم يصرح له ابتداء بكونه لعمر بيان فضيلة قريش فلو قال ابتداء لعمر فات التنبيه على ذلك (فلولا ما علمته من غيرتك لدخلت) تمامه فبكى عمر ثم قال : أعليك بأبي وأمي يا رسول الله أغار قال المعيرون القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يعبر دخول القصر بالتزوج وفيه الحكم لكل امرئ بما يعرف من خلقه ولا يعارض هذا خبر ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا دخلت الجنة فإذا فيها قصر أبيض قلت لجبريل : لمن هذا القصر قال : لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا فقلت لأي قريش فقال : لعمر لأن الرؤيا إن كانت متعددة فظاهر ولا مانع من إعداد قصرين أو قصور له بعضها أصفر وبعضها أبيض وإلا فلا مانع من كون المراد ببياضه نوره وإشراقه وضياؤه وذهب الجنة لا يشبه ذهب الدنيا من كل وجه (تنبيه) قد كان المصطفى أشد الناس غيرة وتبعه أكابر أصحابه على ذلك
[ 695 ]
كما أشعر به ما أشير إليه من غيرة عمر ومن غيرة سعد بن عبادة حيث قال : لو وجدت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح يعني لو وجدته عليها فإنه يكون مباح الدم بزناه (حم ت حب عن أنس بن مالك (حم ق عن جابر) بن عبد الله (حم عن بريدة) بن الحصيب (وعن معاذ) بن جبل وفي الباب غيرهم أيضا . 4183 (دخلت الجنة) زاد في رواية البارحة (فاستقبلتني جارية شابة فقلت لمن أنت قالت لزيد بن حارثة) حب رسول الله الذي ما بعثه في جيش قط إلا أمره عليهم ولو بقي بعده لاستخلفه كما رواه ابن عساكر عن عائشة ولما جاء مصابه في غزوة مؤتة أتى منزله فلما رأته ابنته أخمشت في وجهه بالبكاء فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتحب فقيل : ما هذايا رسول الله قال : هذا شوق الحبيب إلى الحبيب (الروياني) في مسند (والضياء) المقدسي في المختارة (عن بريدة) وفيه الحسين بن أحمد قد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : استنكر أحمد بعض حديثه . 4184 (دخلت الجنة البارحة) اسم لأقرب ليلة مضت وهذا يقتضي قرب عهده بالدخول وقد كانت له عليه السلام التجليات الصادقة المعلومة والمكاشفات المشهورة والمشاهدات المأثورة وقد تجلى له الكون كله وزويت له الأرض بأسرها فأري مشارقها ومغاربها (فنظرت فيها) أي تأملت (فإذا جعفر) بن أبي طالب الذي استشهد بمؤتة (يطير مع الملائكة وإذا حمزة) بن عبد المطلب عم النبي (متكئ على سرير) قال السهيلي : إنه لم يرد أنه يطير بجناحين كالطير بريش بل المراد بهما صفة ملكية وقوة روحانية ومنعه ابن حجر بفقد المانع من الحمل على الظاهر وورد عند البيهقي أن جناحيه من ياقوت (طب عد ك عن ابن عباس) قال الحاكم : صحيح ورده الذهبي بأن فيه سلمة بن وهرام ضعفه أبو داود . 4185 (دخلت الجنة فإذا جارية أدماء) أي شديدة السمرة (لعساء) في لونها أدنى سواد ومشربة من الحمرة (فقلت ما هذه يا جبريل فقال إن الله عز وجل عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه) إكراما له ليكمل لذته وتعظم مسرته لكونه استشهد في سبيله بعد ما بذل الجهد في قتال أعدائه (جعفر بن أحمد القمي) بضم القاف وشد الميم نسبة إلى قم بلذة كبيرة بين أصبهان وساوة
[ 696 ]
أكثر أهلها شيعة (في فضائل جعفر) بن أبي طالب (والرافعي في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب يرفعه . 4186 (دخلت الجنة) أي في المنام (فرأيت في عارضتي الجنة) أي عارضتي بابها (مكتوبا ثلاثة أسطر) جمع سطر وهو الصف من الكتابة (بالذهب) أي بذهب الجنة الذي لا يبلى ولا يفنى (السطر الأول لا إله إلا الله) أي الواجب الوجود (محمد رسول الله) إلى كافة الثقلين (والسطر الثاني ما قدمنا أي في الدنيا من الإنفاق في وجوه القرب (وجدنا) ثوابه في الآخرة (وما أكلنا) من الدنيا من الحلال (ربحنا) أكله (وما خلقنا) أي تركنا من مالنا بعد موتنا (خسرنا) فإن حسابه ووباله على المورث والتبسط به للوارث (والسطر الثالث أمة مذنبة) أي أمة محمد كثيرة الذنوب (ورب غفور) كثير المغفرة لها فلو أتوه بقراب الأرض خطايا قابلهم بقرابها مغفرة كما سيجئ في خبر وقوله ما قدمنا إلخ مقول على ألسنة العباد (الرافعي) الإمام أبو القاسم في تاريخ قزوين (وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن أنس) بن مالك . 4187 (دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله) جمع أبله وهو الغافل عن الشر المطبوع على الخير أو من غلبت عليه سلامة الصدر فحسن ظنه بالناس فأغفل أمر دنياه فجهل حذق التصرف فيها وأقبل على آخرته فشغل نفسه بها فلذلك كانوا أكثر أهلها . (ابن شاهين في الأفراد وابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) قال ابن الجوزي : حديث لا يصح فيه أحمد بن عيسى قال ابن حبان : يروي عن المجاهيل المناكير وفي الميزان : آفته محمد بن إبراهيم القرشي . 4188 (دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها اليمن) أي أهل اليمن (ووجدت أكثر أهل اليمن مذحج) كمسجد اسم أكمة باليمن ولدت عندها امرأة من حمير كانت زوجة إدد فسميت باسمها ثم
[ 697 ]
صار علما على القبيلة ومنهم قبيلة الأنصار وعليه فلا ينصرف للتأنيث والعلمية وقال الجوهري مذحج اسم الأب قال : والميم عند سيبويه أصلية وعليه فهو منصرف (خط) وكذا الديلمي (عن عائشة) وفيه حمزة بن الحسين السمسار قال الذهبي في الضعفاء : عن حمزة بن الحسين الدلال ابن السماك قال الخطيب كذاب اه‍ . 4189 (دخلت الجنة فسمعت نحمة) قال الزمخشري : النحمة كالرزمة من النحيم وهو صوت من الجوف ورجل نحم وبذلك سمى نعيم النحام اه‍ وقال العراقي : النحمة بنون مفتوحة فحاء مهملة الصوت أو السعلة أو النحنحة وقال السهيلي : النحمة سعلة مستطيلة (من نعيم) أي من جوف نعيم بن عبد الله القرشي العدوي أسلم قبل عمر وكتم إيمانه وكان ينفق على أرامل بني عدي فمنعوه من الهجرة وقالوا : أقم على أي دين شئت ثم هاجر عام الحديبية وتبعه أربعون من أهل بيته واستشهد يوم اليرموك أو بأجنادين (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي بكر) بن سلمان بن أبي خثيمة عبد الله بن حذيفة (العدوي) بالعين والدال المهملتين نسبة إلى عدي بن كعب بن لؤي ثقة عارف بالنسب (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وغيره قال في الكاشف : ثقة . 4190 (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) أي دخلت في وقت الحج وشهوره هذا هو المناسب للحال وقيل معناه دخل عمل العمرة في عمل الحج إذا قرن بينهما وقيل معناه أن العمرة نفسها داخلة في الحج وفي الإتيان به وأن فرضها ساقط بوجوب الحج وفرضه وهو قول من لا يرى وجوب العمرة كأبي حنيفة ومالك كذا قرره البيضاوي وقال ابن العربي ردا على مذهبه المالكية : تعلق علماؤنا بقوله دخلت العمرة في الحج على عدم وجوبها فقالوا : لما حكم بدخولها فيه سقط وجوبها قلنا لو كان المراد لسقط فعلها رأسا وإنما معناه دخلت في زمن الحج ردا على العرب الزاعمين أن العمرة في زمن الحج من أفجر الفجور فحكم بدخولها معه في زمانه كما تدخل معه في مكانه كما تدخل معه في قرانه وهذا بديع (م د عن جابر) قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر على المروة بمشقص ثم ذكره (د ت عن ابن عباس مرسلا) ورواه عنه البزار والطبراني والطحاوي قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر حديث غريب تفرد به داود بن يزيد وفيه مقال تفرد به عن عبد الملك بن ميسرة وقد خولف . 4191 (دخلت امرأة النار) قال ابن حجر : لم أقف على اسمها فقيل حميرية وقيل إسرائيلية ولا
[ 698 ]
تعارض لأن طائفة من حمير تهودت فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى (في هرة) أي لأجلها أو بسببها ذكره الزمخشري وقال ابن مالك : في هنا بمعنى التعليل وهو مما خفي على أكثر النحاة وتعقبه الطيبي بأنهم يقدرون المضاف أي في شأن هرة أو في أمرها والهرة أنثى السنور جمعها هرر كقربة وقرب والذكر هر وبجمع أيضا على هررة كقردة (ربطتها) وفي رواية للبخاري حبستها وفي أخرى لمسلم عذبت امرأة في هرة سجنتها ، وفي رواية له أيضا : أوثقتها وفي رواية له أيضا : دخلت امرأة النار من جراء هرة لها أو هرة ربطتها (فلم تطعمها) حتى ماتت جوعا كما في رواية البخاري والفاء تفصيل وتفسير للربط (ولم تدعها) لم تتركها (تأكل من خشاش) بفتح الخاء المعجمة أشهر من كسرها وضمها كما في الديباج وغيره ، وحكى النووي أنه روي بحاء مهملة وغلط قائله (الأرض) حشراتها وهوامها . قال الزمخشري : الواحدة خشاشة سميت به لاندساسها في التراب من خشن في الأرض دخل فيها . قال الطيبي : وذكر الأرض للإحاطة والشمول مثله في آية * (وما من دابة في الأرض) * (حتى ماتت) زاد في رواية مسلم هزلا ، وظاهره أنها عذبت بالنار حقيقة أو بالحساب لأن من نوقش عذب كذا ذكره بعضهم وجزم القرطبي بالأول وهذه المرأة هي التي رآها المصطفى صلى الله عليه وسلم في النار وهي امرأة طويلة من بني إسرائيل أو حمير ويحتمل كونها كافرة كذا ذكره جمع وحكاه عنهم الحافظ ابن حجر ، وقال النووي : الذي يظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية وتوبع على ذلك ، وقال القرطبي : هل كانت كافرة أو مسلمة كل محتمل فإن كانت كافرة ففيه أن الكفار مخاطبون بالفروع ومعاقبون على تركها وإلا فقد تلخص أن سبب تعذبيها حبس الهرة ففيه أن الهر لا يملك وأنه لا يجب إطعامه إلا على من حبسه وكأنهم لم يروا فيه شيئا وهو عجيب فقد ورد النص الصريح الصحيح بكفرها قال علقمة : كنا جلوسا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت : أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة ربطتها إلخ ؟ فقال : سمعته منه ، فقال : هل تدري ما كانت المرأة إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة وإن المؤمن أكرم على الله أن يعذبه في هرة فإذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث رواه أحمد . قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيحة ، وفيه تفخيم الذنب ولو صغيرا وأن تعذيب الحيوان حرام وأنه يسلط يوم القيامة على ظالمه وحل اتخاذ الهر ورباطها بشرط إطعامها وسقيها وألحق بها غيرها في معناها وقول النووي وإن نفقة الحيوان على مالكه توزع فيه بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه (حم ق ه عن أبي هريرة خ عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا مسلم بلفظ عذبت امرأة في هرة أوثقتها إلخ . 4192 (دخول البيت) الكعبة المعظمة أي للتكبير فيه والصلاة والدعاء كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم (دخول في حسنة وخروج من سيئة) أراد بالحسنة والسيئة الجنس بدليل رواية دخول البيت دخول في
[ 699 ]
الحسنات والخروج منه خروج من السيئات وفي رواية للبيهقي من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له وفيه ندب دخول الكعبة ومحله ما لم يؤذ أحدا بدخوله أو ينادي هو ولا يجب إجماعا ، وحكاية القرطبي عن بعضهم أن دخول الكعبة من المناسك رد بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن محرما وأما خبر أبي داود وغيره عن عائشة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو حزين فقال : دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي فلا يدل للقول المحكي لأن عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته ، وقال النووي : إن المصطفى صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفح لا في حجة الوداع . قال في الفتح : ويشهد له ما في تاريخ الأزرقي أنه إنما دخلها مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها (عد هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن إسماعيل البخاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قدم بغداد سنة خمسمائة . قال ابن الجوزي : كان كذابا وفيه عبد الله بن المؤمل . قال الذهبي : ضعفوه 4193 (درهم ربا يأكله الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل غالبي (وهو يعلم) أي والحال أنه يعلم أنه ربا أو يعلم الحكم فمن نشأ بعيدا عن العلماء ولم يقصر فهو معذور (أشد عند الله من) ذنب (ستة) وفي رواية ثلاث (وثلاثين زنية) زاد الدارقطني في روايته في الخطيئة . قال الطيبي إنما كان أشد من الزنا لأن من أكله فقد حاول مخالفة الله ورسوله ومحاربتهما بعقله الزائغ . قال تعالى : * (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد ولذلك رد قولهم * (إنما البيع مثل الربا) * وأما قبح الزنا فظاهر شرعا وعقلا وله روادع وزواجر سوى الشرع فأكل الربا يهتك حرمة الله والزاني يخرق جلباب الحياء اه‍ . وهذا وعيد شديد لم يقع مثله على كبيرة إلا قليلا . قال الحرالي : وإذا استبصر ذو دراية فيما يضره في ذاته فأنف منه رعاية لنفسه حق له بذلك التزام رعايتها عما يتطرق له منه من جهة غيره فيتورع عن أكل أموال الناس بالباطل لما يدري من المؤاخذة عليها في العاجل وما خبئ له في الآجل . قال سبحانه وتعالى : * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) * فهو آكل نار وإن لم يحس به . وكما عرف الله تعالى أن أكل مال الغير نار في البطن عرف أن أكل الربا جنون في العقل وخبال في النفس * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) * وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد في الحطيم هكذا ذكره وكأنه سقط من قلم المصنف (حم) عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن أيوب عن ابن أبي مليكة (طب) من هذا الوجه كلاهما عن ابن أبي مليكة (عن عبد الله حنظلة) بن أبي عامر الزاهد الأنصاري له رواية وأبوه غسيل الملائكة قتل يوم أحد أورده
[ 700 ]
ابن الجوزي في الموضوع وقال : حسين بن محمد هو ابن بهرام المروزي قال أبو حاتم رأيته ولم أسمع منه وسئل أبو حاتم عن حديث يرويه حسين فقال : خطأ فقيل له : الوهم ممن قال ينبغي أن يكون من حسين اه‍ . وتعقبه ابن حجر بأنه احتج به الشيخان ووثقه غيرهما وبأن له شواهد اه‍ . ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن عبد الله المذكور وقال : الأصح موقوف وقال الحافظ العراقي : رجاله ثقات انتهى . لكن قال تلميذه الهيثمي في موضع فيه جرير بن حازم تغير قبل موته وقال في آخر : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح . 4194 (درهم أعطيته في عقل) أي إعانة في الدية التي على العاقلة (أحب إلي من مائة في غيره) أي أحب إلي من مائة درهم أعطيها في غير عقل لما في ذلك الدرهم من عظيم الثواب . (طس عن أنس) قال الهيثمي : فيه عبد الصمد بن عبد الأعلى قال الذهبي : فيه جهالة . 4195 (درهم حلال) أي اكتسب من وجه حلال (ليشتري به عسلا ويشرب بماء المطر شفاء من كل داء) من الأدواء التي تعرض للبدن أو من الأدواء القلبية وإنما يكون ذلك مع صدق النية وقوة الاستيقان وكمال التصديق بما ورد عن الشارع ونبه باشتراط الحل على أن ما كان من وجه حرام لا شفاء فيه وإن زال الداء عند استعماله ظاهرا فعاقبته أردأ من ذلك الداء (فر عن أنس) ورواه عنه أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى . 4196 (درهم الرجل ينفق في) حال (صحته خير من عتق رقبة عند موته) يعني التصدق بدرهم وأحد حال الصحة أفضل من عتق رقبة عند الموت لمال فيه من مجاهدة النفس على إخراج الصدقة والإنسان صحيح شحيح يؤمل الغنى ويخاف الفقر والأجر على قدر النصب وأما من تيقن الموت ومفارقته لماله على كل حال فلا يشق عليه العتق ولا غيره فالتصدق حينئذ بعتق أو غيره مفضول بالنسبة للتصرف في حال الصحة بنسبة ما بين قيمة الدرهم وثمن الرقبة لكن الظاهر أن ذلك مخرج مخرج المبالغة والحث على التصدق حال الصحة (أبو الشيخ) بن حبان (عن أبي هريرة) وفيه يوسف بن السفر الدمشقي ق ال في الميزان : عن الدارقطني متروك وعن ابن عدي له أباطيل وساق هذا منها .
[ 701 ]
4197 (دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) لفظ الظهر مقحم ومحله النصب على الحال من المضاف إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ثم بين الإجابة بجملة استئنافية فقال : (عند رأسه ملك موكل به) أي بالتأمين على دعائه بذلك كما يفيده قوله (كلما دعا لأخيه) في الإسلام (بخير) أي بدعاء يتضمن سؤال خير له (قال الملك) الموكل به (آمين) أي استجب يا رب (ولك) آيها الداعي (بمثل ذلك) أي مثل ما دعوت به لأخيك وهذا يحتمل كونه إخبارا من الملك بأن الله سبحانه وتعالى يجعل له مثل ثواب ما دعا به لكونه علم ذلك بالاطلاع على اللوح المحفوظ أو غير ذلك من طرق العلم ويحتمل أنه دعا له به والأول أقرب . (حم م) في الدعوات (ه) في الحج (عن أبي الدرداء) ولم يخرجه البخاري . 4198 (دعاء الوالد) لولده يعني دعاء الأصل لفرعه (يفضي إلى الحجاب) أي يصعد ويصل إلى حضرات القبول فلا يعوقه عائق ولا يحول بينه وبين الإجابة حائل قال الزين العراقي : وهل هذا بمعنى قوله في دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجا ب أو هو دونه لأن في ذلك نفي الحجاب كل محتمل والأول أقرب وفي كتاب البر والصلة لابن المبارك عن مجاهد دعوة الوالد لا تحجب دون الله وفيه أن رجلا سأل الحسن قال : ما دعاء الوالد للولد قال : مجابة قال : فعليه قال : استئصالته (ه) من حديث حبابة بن عجلان عن أمها صفية بنت جرير (عن أم حكيم) بنت وداع الخزاعية قال في الميزان : حبابة لا تعرف ولا أمها ولا صفية تفرد عنها التبوذكي قال الزين العراقي : وفي إسناده ثلاث نسوة روى بعضهن عن بعض . 4199 (دعاء الوالد لولده) أي الأصل لفرعه (كدعاء النبي لأمته) في كونه مقبولا قبولا حسنا غير مردود (فر عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أحسن قال الزين العراقي في شرح الترمذي : هذا حديث منكر وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال : قال أحمد هذا حديث باطل منكر وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات . 4200 (دعاء الأخ لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب لا يرد) لأنه إلى الإخلاص أقرب (البراز) في مسنده (عن عمران بن حصين) سكت عليه الهيثمي فلم يتعقبه قال الحافظ العراقي : وهو في مسلم
[ 702 ]
بلفظ دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة اهوحينئذ فعدول المصنف إلى البزار وإهماله العزو للصحيح غير جيد . 4201 (دعاء المحسن إليه للمحسن) له (لا يرد) أي يقبله الله تعالى مكافأة له على امتثاله أمر الله تعالى بالإحسان (فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته وليس كما زعم ففيه محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو داود : لم يكن بذاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال : ضعفه أحمد والدارقطني . 4202 (دعوات المكروب) أي المغموم المحزون أي الدعوات النافعة له المزيلة لكربه والكرب بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه ويغمه ويحزنه (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) ختمه بهذه الكلمات الحضورية الشهودية إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود ومن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى (حم خد د) في الأدب من حديث طويل (حب) كلهم (عن أبي بكرة) واسمه نفيع قال ابن حبان : صحيح وأقره عليه ابن حجر لكل قال المناوي وغيره : فيه جعفر بن ميمون غير قوي . 4203 (دعوة ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس (إذا) أي حين (دعى بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت) أي إنك الذي تقدر على حفظ الإنسان حيا في باطن الحوت ولا قدرة لغيرك على هذه الحالة ثم أردف ذلك بقوله (سبحانك إني كنت من الظالمين) تصريحا بالعجز والانكسار وإظهار الذلة والافتقار قال الحسن : ما نجا إلا بإقراره على نفسه بالظلم وإنما قبل منه ولم يقبل من فرعون حين قال * (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * لأن يونس ذكرها في الحضور والشهود وفرعون ذكرها في الغيبة تقليد البني إسرائيل ذكره الإمام الرازي (لم يدع بها رجل مسلم في شئ) بنية صادقة صالحة (إلا استجاب الله له) لأنها لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * فإن قيل : هذا ذكر لا دعاء قلنا : هو ذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء أو هو كما ورد من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين
[ 703 ]
(حم ت) في الدعوات (ن ك) في الدعاء (هب والضياء) المقدسي في المختارة من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (عن) جده (سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وفي الحديث قصة بين سعد وبين عثمان حين سلم سعد عليه فلم يرد السلام فشكاه لعمر ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده . 4204 (دعوة المظلوم مستجابة) أي يستجيبها الله تعالى يعني فاجتنبوا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم فيجاب (وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه) ولا يقدح ذلك في استجابة دعائه لأنه مضطر ونشأ من اضطراره صحة التجائه إلى ربه وقطعه قلبه عما سواه وللإخلاص عند الله موقع وقد ضمن إجابة المضطر بقوله * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * ويحتمل أن يريد بالفاجر الكافر ويحتمل أن يريد الفاسق (تنبيه) ينبغي أن يعتقد أن دعوة المظلوم مستجابة ولا ينافيه عدم ظهور أثرها حالا لأنه تعالى ضمن الإجابة لدعائه في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد كما في الحكم العطائية وله في ذلك حكم فتخلفها عن الحصول عقب الدعاء إنما هو بسبب فاحذر أن تقول قد دعا فلان على فلان الظالم فلم يستجب له ولو كان فلان صالحا كان دعاءه على من ظلمه مفيدا ونحو ذلك من كلمات الجهالات الدائرة على ألسنة العامة ولله در القائل : أتهزأ بالدعاء وتزدريه * وما يدريك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطى ولكن * لها أمد وللأمد انقضاء (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين رمز لهم وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد رواه أحمد والبزار باللفظ المزبور عن أبي هريرة قال المنذري والهيثمي : إسناده حسن وقال العامري البغدادي : صحيح غريب . 4205 (دعوة الرجل لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) سبق أن لفظ الظهر مقحم وإن محله النصب على الحال من المضاف إليه قال الطيبي : ويجوز كونه ظرفا للمصدر وقوله (مستجابة) خبر وقوله (وملك عند رأسه يقول آمين) جملة مستأنفة مبينة للاستجابة والباء في قوله (ولك بمثل) زائدة في المبتدأ كما في بحسبك درهم وقال النووي : الرواية المشهورة كسر ميم مثل وعن عياض فتحها والثاء وزيادة هاء أي عديله سواء فكان بعض السلف إذا أراد الدعاء لنفسه يدعو لأخيه بذلك (أبو بكر في الغيلانيات عن أم كرز) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على
[ 704 ]
القانون المعروف وهو وهم فقد خرجه مسلم عن أم الدرداء معا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك ك بمثل اه‍ . 4206 (دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية) لأن دعاء السر أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء (أبو الشيخ [ ابن حبان ]) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أنس) ورواه عنه الديلمي . 4207 (دعوتان ليس بينهما وبين الله تعالى حجاب) بالمعنى المار (دعوة المظلوم) حتى ينتصر بقول أو فعل (ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب) قال النووي : معناه كالذي قبله إن دعوة المسلم في غيبة المدعو له وفي السر مستجابة لأنها أبلغ في الإخلاص كما تقرر . (تنبيه) قال العلائي : والمراد بالحجاب نفي المانع الرد فاستعار الحجاب للرد فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة والتعبير بنفي الحجاب أبلغ من التعبير بالقبول لأن الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ويخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخيلية وهي أن يشترك شيئان في وصف ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث يكون جهة الاشتراك وصفا فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك وقد ذكر الحجاب في عدة أحاديث صحيحة والله سبحانه منزه عما يحجبه إذ الحجاب إنما يحيط بمقدار محسوس لكن المراد بحجاب منع أبصار خلقه أو بصائرهم بما شاء وكيف شاء وإذا شاء كشف ذلك عنهم (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ضعيف وجزم المنذري بضعفه ثم قال : لكن له شواهد . 4208 (دع عنك معاذا) أي اترك ذكره بما ينقصه أو يزري به والمراد ابن جبل (فإن الله يباهي به الملائكة) أي بعبادته وعلمه وهذه منقبة شريفة لمعاذ ولذلك يأتي يوم القيامة أمام العلماء بربوة كما في حديث . (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن معاذ) . 4209 (دع داعي اللبن) أي أبق في الضرع باقيا يدعو ما فوقه من اللبن ولا تستوعبه فإنه
[ 705 ]
إذا استقصى أبطأ الدر وفي رواية ولا يجهد ، أي لا تستقصه والجهد الاستقصاء قال الشماخ من ناصع اللون حلو غير مجهود ذكره كله الزمخشري . وهذا قاله لضرار حين أمره بحلب ناقة (حم تخ حب ك عن ضرار) بكسر الضاد المعجمة مخففا (ابن الأزور) واسم الأزور مالك بن أوس الأسدي كان بطلا شاعرا له وفادة وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد أبلى يوم اليمامة بلاء عظيما فقطعت ساقاه فجعل يحبو ويقاتل حتى قتل . قال الهيثمي : رواه أحمد بأسانيد أحدها رجاله ثقات . 4210 (دع قيل وقال) مما لا فائدة فيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وكثرة السؤال) عما لا يعني (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبذله في غير وجهه المأذون فيه شرعا (طس عن ابن مسعود) قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني فذكره رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد قال الحافظ الهيثمي وغيره : فيه السري بن إسماعيل وهو متروك . 4211 (دع ما يريبك) أي يوقعك في الشك والأمر للند ب لما أن توقي الشبهات مندوب لا واجب على الأصح (إلى ما لا يريبك) أي اترك ما تشك فيه من الشبهات واعدل إلى ما لا تشك فيه من الحلال البين لما سبق أن من اتقى الشبهات فقد أستبرا لعرضه ودينه قال القاضي : هذا الحديث من دلائل النبوة ومعجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عما في ضمير وابصة قبل أن يتكلم به والمعنى أن من أشكل عليه شئ والتبس ولم يتبين أنه من أي القبيلين هو فليتأمل فيه إن كان من أهل الاجتهاد ويسأل المجتهدين إن كان من المقلدين فإن وجد ما يسكن إليه نفسه ويطمئن به قلبه وينشرح صدره فليأخذ به وإلا فليدعه وليأخذ بما لا شبهة فيه ولا ريبة هذا طريق الورع والاحتياط وحاصله يرجع إلى حديث الحسن الآتي (حم عن أنس) ابن مالك قال الهيثمي : فيه أبو عبد الله الأسدي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح (ن عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين (طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة (ابن معبد) بن عتبة الأسدي نزيل الجزيرة (خط عن ابن عمر) بن الخطاب . 4212 (ما يريبك) بضم الياء وفتحها أكثر رواية (إلى ما لا يريبك) أي اترك ما اعترض لك الشك فيه منقلبا عنه إلى ما لا شك فيه ذكره الطيبي (فإن الصدق ينجي) أي فإن فيه النجاة وإن كان
[ 706 ]
الإنسان يظن أن فيه الهلكة فإذا وجدت نفسك ترتاب من شئ فاتركه فإن نفس المؤمن الكامل تطمئن إلى الصدق الذي فيه النجاة من المهالك وترتاب من الكذب فارتيابك في شئ أمارة كونه حراما فاحذره واطمئنانك ك علامة كونه حقا فخذ به ذكره القاضي قال : والنفس إذا ترددت في أمر وتحيرت فيه وزال عنها القرار استتبع ذلك العلاقة التي بينها وبين القلب الذي هو المتعلق الأول لها فتنتقل العلاقة إليه من تلك الهيئة أثرا فيحدث فيه خفقان واضطراب ربما يسري هذا الأثر إلى سائر القوى فتحس بانحلال وانهزال فإذا زال ذلك عن النفس وجدت لها قرارا وطمأنينة وقيل المعنى بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر والفكرة المستقيمة وأهل الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر فإن الشئ يتحبب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه فيكون ما يلهمه الصواب غالبا (ابن قانع) في المعجم (عن الحسن بن علي) . 4213 (دع ما يريبك) أي اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما (إلى ما لا يريبك) أي واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحله (فإن الصدق طمأنينة) أي يطمئن إليه القلب ويسكن وفيه إضمار أي محل طمأنينة أو سبب طمأنينة (وإن الكذب ريبة) أي يقلق القلب ويضطرب وقال الطيبي : جاء هذا القول ممهدا لما تقدمه من الكلام ومعناه إذا وجدت نفسك ترتاب في الشئ فاتركه فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق وترتاب من الكذب فارتيابك من الشئ منبئ عن كونه مظنة للباطل فاحذره وطمأنينتك للشئ مشعر بحقيقته فتمسك به والصدق والكذب يستعملان في المقال والأفعال وما يحق أو يبطل من الاعتقاد وهذا مخصوص بذوي النفوس الشريفة القدسية المطهرة عن دنس الذنوب ووسخ العيوب اه‍ والحاصل أن الصدق إذا مازج قلب الكامل امتزج نوره بنور الأيمان فاطمأن وانطفأ سراج الكذب فإن الكذب ظلمة والطلمة لا تمازج النور (حم ت) في الزهد (حب عن الحسن) بن علي قال الحاكم : حسن صحيح وقال الذهبي : سنده قوي ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه فما أوهمه صنيع المؤلف من تفرد الترمذي به من بين الستة غير صحيح . 4214 (دع ما يريبك ك إلى ما لا يريبك) بفتح الياء وضمها والفتح أفصح (فإنك لن تجد فقد شئ تركته لله) ولهذا قال بعضهم : الورع كله في ترك ما يريب إلى ما لا يريب وفي هذه الأحاديث عموم يقتضي أن الريبة تقع في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام وإن ترك الريبة في ذلك كله ورع قالوا : وهذه الأحاديث قاعدة من قواعد الدين وأصل في الورع الذي عليه مدار اليقين وراحة من ظلم
[ 707 ]
الشكوك والأوهام المانعة لنور اليقين (تنبيه) قال العسكري : لو تأملت الحذاق هذا الحديث لتيقنوا أنه قد استوعب كل ما قيل في تجنب الشبهات (حل) من حديث أبي بكر بن راشد عن عبد الله بن أبي رومان عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر ثم قال أبو نعيم : غريب من حديث مالك تفرد به ابن رومان عن ابن وهب (خط) في ترجمة الباغندي من حديث قتيبة عن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه الخطيب سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه : هذا الحديث باطل عن قتيبة عن مالك وإنما يحفظ من حديث عبد الله بن أبي رومان عن ابن وهب عن مالك تفرد به واشتهر به ابن أبي رومان وكان ضعيفا والصواب عن مالك من قوله وقد سرقه ابن أبي رومان إلى هنا كلامه . 4215 (دعهن) يا ابن عتبك (يبكين) يعني النسوة التي احتضر عندهن عبد الله بن ثابت (ما دام عندهن) لم تزهق روحه بالكلية (فإذا وجب فلا تبكين باكية) قاله لما جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع وقال : غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتبك يسكتهن فذكره فقالوا : ما الوجوب يا رسول الله قال : الموت . وأخذ الشافعي وصحبه من هذا أنه يكره البكاء على الميت بعد الموت لأنه أسف على ما فات وأنه لا كراهة فيه فبل الموت بل صرح بعض أئمة الشافعية بندبه إظهارا لكراهة فراقه (مالك) في المؤطأ (ن ك) كلهم (عن جابر بن عتبك) بن قبس الأنصاري صحابي جليل من بني تميم . 4216 (دعهن يا عمر) بن الخطاب يبكين (فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب) بالموت فلا حرج عليهن في البكاء أي بغير نوح وتهوه قال الطيبي : وكان الظاهر أن يعكس لأن قرب العهد مؤثر في القلب بالحزن والحزن مؤثر في البكاء لكن قدم ما يشاهد وفيه أنهن لم يزدن على البكاء النياحة والجزع اه‍ وقضبته أنه بعد الموت غير مكروه خلاف ما اقتضاه الحديث الأول ويمكن حمل هذا على البكاء الاضطراري الذي لا يمكن دفعه إلا بمحذور يلحقه في جسده والأول على خلاف ذلك فلا تعارض (حم ن ه ك عن أبي هريرة) قال : مات ميت في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين فقام عمر ينهاهن ويطردهن فذكره . 4217 (دعهن) يا عمر (يبكين وإياكن) أيها النسوة التفت من خطاب عمر إلى خطابهن
[ 708 ]
(ونعيق الشيطان) قالوا : وما نعيق الشيطان قال : (فإنه) أي الشأن (مهما كان من العين والقلب) من غير صياح ولا ضرب نحو خد (فمن الله الرحمة) فلا لوم عليكن فيه (ومهما كان من اليد) بنحو ضرب خد وشق جيب (واللسان) من نحو صياح وندب (فمن الشيطان) أي لأنه الآمر به الراضي بفعله قال الطيبي : ومهما حرف شرط تقول مهما تفعل أفعل ومحله رفع بمعنى أي شئ كان من العين فمن الله فإن قلت : نسبته الدمع من العين والقول من اللسان والضرب باليد إن كان من طريق الكسب فالكل يصح من العبد وإن كان من طريق التقدير فمن الله فما وجه اختصاص البكاء بالله ؟ قلت : الغالب في البكاء أن يكون محمودا فالأدب أن يسند إلى الله بخلاف قول الخناء والضرب باليد عند المصيبة فإنه مذموم وهذا قاله لما ماتت رقية بنته فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه وفيه أنه يحرم الندب وهو تعديد الشمائل مع البكاء والنوح وهو رفع الصوت والجزع بضرب خد وشق ثوبوقطع شعر وتغيير لباس ونحو ذلك (حم عن ابن عباس) قال في الميزان هذا حديث منكر فيه علي بن زيد بن جدعان وقد ضعفوه . 4219 (دعوا الحسناء العاقر) التي لا تلد (وتزوجوا السوداء الولود فإني أكاثر بكم الأمم يوم القيامة) أي أفاخرهم وأغالبهم بكثرتكم وإنافتكم عليهم فأغلبهم والأمر للندب لا للوجوب (عب عن ابن سيرين مرسلا) هو أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر لا يرى الرواية بالمعنى . 4218 (دعوا الحبشة آ ما ودعوكم) قيل قلما يستعملون الماضي من ودع ويحتمل كون الحديث ما وادعوكم أي سالموكم فسقطت الألف قال الطيبي : ولا حاجة لهذا مع مجيئه في القرآن * (ما ودعك ربك) * بالتخفيف وقال المظهري : كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع بل فصحاء العرب بالإضافة إليه أقل (واتركوا الترك ما تركوكم) أي مدة تركهم لكم فلا تتعرضوا لهم إلا أن تعرضوا لكم لما في غزوهم من المشقة ولقوة بأسهم وبرد بلادهم وبعدها ولكونهم أول من يسلب هذه الأمة ملكهم كما تقدم قال الخطابي : والجمع بين هذا وبين قوله * (قاتلوا المشركين كافة) * أن الآية مطلقة والحديث مقيد فيحمل المطلق على المقيد ويجعل الحديث مخصصا لعموم الآية وكل ذلك ما إذا لم يدخلوا بلادنا قهرا وإلا وجب قتالهم . (د) عن عيسى بن محمد الرملي عن ضمرة عن الشيباني عن أبي سكينة (عن رجل) من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا هو في أصول متعددة والذي وقفت عليه في مسند الفردوس أن أبا داود خرجه في الملاحم عن ابن عمر هكذا قال .
[ 709 ]
4220 (دعوا الدنيا) أي اتركوها (لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه) لنفسه ومن يلزمه مؤونته (أخذ حتفه) أي هلاكه (وهو لا يشعر) بأن المأخوذ فيه هلاكه إذ هي السم القاتل فطلبها شين وقلتها زين فإن طلبها ليطلب بها البر وفعل الصنائع واكتساب المعروف كان على خطر وغرر وتركه لها أبلغ في البر (ابن لال) في مكارم الأخلاق (عن أنس) وظاهره أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن لال وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه والأمر بخلافه بل خرجه باللفظ المزبور عن أنس المذكور البزار وقال : لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه قال المنذري : ضعيف وقال الهيثمي كشيخه العراقي : فيه هانئ بن المتوكل ضعفوه . 4221 (دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض) لأن أيدي العباد خزائن الملك الجواد فلا يتعرض لها إلا بإذن فلا تسعروا ولا يبع حاضر لباد ولا تتلقوا الركبان (فإذا استنصح أحدكم أخاه) أي طلب منه أن ينصحه (فلينصحه) وجوبا فأفاد أن التسعير غير مشروع بل ورد في عدة أخبار النهي عنه وفي خبر للدارقطني أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم التسعير فأبى وقال : إن الله ملكا اسمه عمارة على فرس من حجارة الياقوت طوله مد البصر يدور في الأمصار فينادي ألا ليرخص كذا وكذا قال السخاوي وأغرب ابن الجوزي في حكمه بوضعه (طب) وكذا القضاعي (عن أبي السائب) قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل وهو يساوم صاحبه فجاءه رجل فقال للمشتري : دعه فذكره قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني : وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط ورواه بهذا اللفظ من هذا الوجه أحمد ولعل المصنف ذهل عنه والمصنف رمز لصحة حديث أبي السائب فليحرر وروى مسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . 4222 (دعوا لي أصحابي) الإضافة للتشريف تؤذن باحترامهم وزجر سابهم وتعزيزه عند الجمهور قال النووي : وهو من أكبر الفواحش وعياض من الكبائر وبعض المالكية يقتل (فوالذي نفسي) بسكون الفاء (بيده) أي بقدرته وتدبيره * (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) * (لو
[ 710 ]
أنفقتم مثل) جبل (أحد) بضم الهمزة (ذهبا ما بلغتم أعمالهم) أي ما بلغتم من إنفاقكم بعض أعمالهم لما قارنها من مزيد الإخلاص وصدق نية وكمال يقين . قال بعض الكاملين : وقوله أصحابي مفرد مضاف فيعم كل صاحب له لكنه عموم مراد به الخصوص لأن السبب الآتي يدل على أن الخطاب لخالد وأمثاله ممن تأخر إسلامه وأن المراد هنا متقدمو الإسلام منهم الذي كانت له الآثار الجميلة والمناقب الجليلة في نصرة الدين من الإنفاق في سبيل الله واحتمال الأذى في سبيل الله ومجاهدة أعدائه ويصح أن يكون من بعد الصحابة مخاطبا بذلك حكما إما بالقياس أو بالتبعية (حم) وكذا البزار (عن أنس) قال : كان بين خالد بن الوليد وابن عوف كلام فقال له خالد : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فذكره . قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 4223 (دعوا لي أصحابي وأصهاري) لما لهم من الفضائل والماثر وبذل المهج في نصرة الدين ، وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الذي عزاه إليه فمن آذاني في أصحابي وأصهاري أذله الله تعالى يوم القيامة اه‍ بلفظه (ابن عساكر) في ترجمة معاوية من حديث وكيع عن فضيل بن مرزوق عن رجل من الأنصار (عن أنس) وفضيل إن كان هو الرقاشي فقد قال الذهبي : ضعفه ابن معين وغيره وإن كان الكوفي فقد ضعفه النسائي وغيره وعيب على مسلم إخراجه له في الصحيح والرجل مجهول . 4224 (دعوا صفوان بن المعطل) بفتح الطاء المشددة أي اتركوه فلا تتعرضوا له بشر (فإنه خبيث اللسان طيب القلب) أي طاهره نقيه من الشرك والغش والخيانة والحقد والكبر والحسد وغير ذلك من الأمراض القلبية والعمل إنما هو على طهارة القلوب (ع) وكذا الطبراني (عن سفينة (1) قال شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صفوان بن المعطل وقال هجاني فذكره قال الهيثمي : فيه عامر بن أبي صالح بن رستم وثقه جمع وضعفه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح . (1) غير مصغر هو مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الرحمن كان اسمه مهران أو غير ذلك وسفينة لقبه قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه يمشون فثقل عليهم متاعهم فحملوه علي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم احمل فإنما أنت سفينة . 4225 (دعوا صفوان) بن المعطل فلا تؤذوه (فإنه يحب الله ورسوله) وما أحب الله حتى أحبه
[ 711 ]
الله سمعت امرأة من العابدات تقول : بحبك لي إلا غفرت لي ما غفرت لي فقيل : أما يكفيك أن تقولي بحبي لك ؟ قالت : أما سمعت قوله * (ويحبهم ويحبونه) * فقدم محبته على محبتهم له (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلا) وهو البصري . 4226 (دعوني من السودان) يعني من الزنج كما بينه في رواية أخرى (فإنما الأسود لبطنه وفرجه) (1) أي لا يهتم إلا بهما فإن جاع سرق وإن شبع فسق كما في خبر آخر (طب) عن محمد بن زكريا الغلابي عن عبد الله بن رجاء عن يحيى بن أبي سليمان المدني عن عطاء (عن ابن عباس) قال : ذكر السودان عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . قال الهيثمي : فيه محمد بن زكريا الغلابي وهو ضعيف ، وقد وثقه ابن حبان وقال : يعتبر حديثه إذا روى عن ثقة اه‍ . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2) وقال يحيى : منكر الحديث وتعقبه المؤلف بأن ابن حبان ذكره في الثقات وقال السخاوي : سنده ضعيف إلا أن له شواهد يؤكد بعضها بعضا . هذا (1) إذا سلم الحديث من الوضع . أو قد يكون في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع . وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول : " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) " . دار الحديث (2) ولعله موضوع ، حيث يخالف الأصول المذكورة في الحاشية السابقة وغيرها . دار الحديث 4227 (دعوه) يعني اتركوا يا أصحابنا ، من طلب منا دينه فأغلظ فلا تبطشوا به (فإن لصاحب الحق مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة فلا يلام إذا تكرر طلبه لحقه لكن مع رعاية الأدب وهذا من حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكرمه وقوة صبره على الجفاة مع القدرة على الانتقام وفيه أنه يحتمل من صاحب الدين الإغلاظ في المطالبة لكن بما ليس بقدح أو شتم ويحتمل أن القائل كان كافرا فأراد تألفه (خ ت عن أبي هريرة) قال : إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه (1) فقال رسول الله : دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ثم قال : أعطوه سنا مثل سنه قالوا : لا نجد إلا أمثل من سنه قال : أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء للدين كذا رواه الشيخان معا كما عزاه لهما النووي ثم العراقي فما أوهمه صنيع المؤلف أنه مما تفرد به البخاري غير صحيح . (1) أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم . 4228 (دعوه) أي المريض (يئن (1) أي يستريح بالأنين أي يقول آه ولا تنهوه عنه (فإن الأنين
[ 712 ]
اسم من أسماء الله تعالى) أي لفظ آه من أسمائه لكن هذا لم يرد في حديث صحيح ولا حسن وأسماؤه تعالى توقيفية (يستريح إليه العليل) فيه رد لما رواه أحمد عن طاوس أن أنين المريض شكوى وقول جمع شافعية منهم أبو الطيب وابن الصباغ أنين المريض وتأوهه مكروه رده النووي بأنه ضعيف أو باطل فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مخصوص وهذا لم يثبت فيه بل ثبت الأذن فيه نعم استعماله بالذكر أولى وكثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين ومشعرة بالتسخط للقضاء وتورث شماتة الأعداء أما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا وحكى ابن جرير في كتابه الآداب الشريفة والأخلاق الحميدة خلافا للسلف أن أنين المريض هل يؤخذ به ثم رجح الرجوع فيه إلى النية فإذا نوى به تسخط قضاء ربه أوخذ به أو استراحة من الألم جاز . (الرافعي) إمام الدين في تاريخ قزوين (عن عائشة) قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا عليل يئن فلنا له : اسكت فذكره . (1) قال في المصباح : أن الرجل يئن بالكسر أنينا وأنا بالضم صوت فالذكر آن على وزن فاعل والأنثى آنة اه‍ . 4229 (دفن البنات من المكرمات) أي من الخصال التي يكرم الله تعالى بها أباهن ونعم الصهر القبر لأنها عورة ولضعفها بالأنوثه وعدم استقلالها وكثرة مؤونتها وأثقالها وقد تجر العار وتجلب العدو إلى الدار أخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة أن الحبر ماتت له بنت فأتاه الناس يعزونه فقال : عورة سترت ومؤونة كفيت وأجر ساقه الله تعالى فاجتهد المهاجرون أن يزيدوا فيها حرفا فما قدروا وفي الفردوس عن الحبر نعم الكفء القبر للجارية وأما خبر الصهر القبر فلا أصل له (تنبيه) قال بعضهم حاشاه أن يقول ذلك كراهة للبنات بل خرج مخرج التعزية للنفس (خط) من حديث محمد بن معمر عن حميد بن حماد عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب وحميد بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالمناكير اه‍ ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وأورد ابن الجوزي هذا الحديث من هذا الطريق وحكم بوضعه وأقره عليه الذهبي والمؤلف في مختصر الموضوعات . 4230 (دفن الطينة التي يخلق منها) قاله لما رأى حبشيا يدفن بالمدينة وفي رواية للبزار عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبرا فسأل عنه فقالوا : حبشي قدم فمات فقال : لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس يدفن كل إنسان في التربة التي خلق منها وأخرج الدينوري في المجالس عن هلال بن يساف قال : ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يموت فيها وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أن الملك الموكل بالأرحام ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة وذلك قوله تعالى * (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) * وأخرج الديلمي عن أنس رفعه " ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربته التي خلق منها فإذا رد إلى أرذل العمر
[ 713 ]
رد إلى تربته التي خلق منها حتى يدفن فيها " وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة " ما من مولود يولد إلا بعث الله ملكا يأخذ من الأرض ترابا فيجعله على مقطع سرته فكان فيه شفاؤه وكان قبره حيث أخذ التراب منه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : وفيه عبد الله بن عيسى وهو ضعيف . 4231 (دليل الخير كفاعله) يعني من أرشدك إلى خير ففعلته بإرشاده فكأنه فعل ذلك الخير بنفسه قال عياض : أن للدال ثوابا كما لفاعل الخير ثوابا ولا يلزم تساويهما وخالفه غيره كما ستراه وبعكس المعونة في أعمال الخير المعونة في أعمال الشر ذكره عياض أيضا (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن علي) أمير المؤمنين . 4232 (دم عفراء أزكى عند الله) في رواية أحب إلى الله (من دم سوداوين) يعني ضحوا بالعفراء وهي الشاة التي يضرب لونها إلى بياض غير ناصع والعفرة لون الأرض فإن دمها عند الله أفضل من دم شاتين سوداوين ذكره الزمخشري . (طب عن كثيرة بنت سفيان) الخزاعية وكانت أدركت الجاهلية قالت : يا رسول الله إني وأدت أربع بنين في الجاهلية قال : اعتقي أربع رقبات قالت : وقال لنا دم عفراء إلخ قال الهيثمي : وفيه محمد بن سليمان بن شمول وهو ضعيف . 4233 (دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين) يعني في الأضاحي (حم ك عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب : فيه أبو نقال واه وقال الهيثمي : فيه أبو نقال قال البخاري : فيه نظر . 4234 (دم عمار) بن ياسر (ولحمه حرام على النار) أي نار جهنم (إن تأكله أو تمسه) من غير أكل لتمكن الإيمان من قلبه وفي رواية بدل أن تأكله أن تطعمه (ابن عساكر) في التاريخ من حديث أوس بن أوس (عن علي) أمير المؤمنين قال : كنت مع علي فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله وفيه عطاء بن مسلم الخفاف أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن حبان لا يحتج به وضعفه أبو داود ورواه البزار عن علي أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي : ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر . 4235 (دوروا مع كتاب الله حيثما دار) قال الحرالي : من الدور وهو رجوع الشئ عودا على بدء والمراد كما في حديث آخر أحلوا حلاله وحرموا حرامه وهذا الحديث يوضحه ما رواه الطبراني عن
[ 714 ]
معاذ خذوا العطاء ما دام عطاء فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب (ك عن حذيفة) بن اليمان . 4236 (دونك) أي خذي حقك يا عائشة (فانتصري) من زينب التي دخلت بغير إذن وهي غضبي ثم قالت : يا رسول الله حسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتها (1) ثم أقبلت على عائشة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ومعنى دون أدنى مكان من الشئ ومنه تدوين الكتب لأنه إدناء البعض من البعض ودونك هذا أي خذه من أدنى مكان منك (ه) في النكاح من حديث خالد بن سلمة عن عروة (عن عائشة) قال : فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها لا ترد علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه قال ابن عدي : خالد لين وقال ابن معين : ثقة لكنه يبغض عليا . (1) قوله ذريعتها قال في النهاية : الذريعة تصغير الذراع ولحوق الهاء فيها لكونها مؤنثة ثم ثنتها مصغرة وأرادت به ساعديها اه‍ . 4237 (دية المعاهد) بفتح الهاء أي الذمي الذي له عهد (نصف دية الحر) فيه حجة لمالك وأحمد على قولهما دية الكتابي كنصف دية مسلم . وقال الشافعي : كثلثها وأبو حنيفة : كدية مسلم (تنبيه) قال بعضهم : حكمة إيجاب الدية أن المتقول يقدم كالشاكي الذي يمشي إلى السلطان مستعديا على من ظلمه فجعل الدية كالإحسان لولي الدم لعل ذلك الشاكي إذا بلغه إحسانه لذوي قرابته يمسك عنه فلا يطالبه عند الله العدل بذمته (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه جماعة لم أعرفهم . 4238 (دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن) قال القاضي : يريد بالكافر الكتابي الذي له ذمة وأمان وبه قال مالك مطلقا وأحمد إن كان القتل خطأ وإن كان عمدا فديته عنده دية مسلم والدية المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها مأخوذة من الودي وهو أن يدفع الدية يقال وديت القتيل أديه وديا (ت عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه . 4239 (دية المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد) قال الخطابي : أجمعوا على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه ولم يذهب إلى هذا الحديث إلا النخعي وتعقبه ابن رسلان بأنه حكى عن أحمد (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه .
[ 715 ]
4240 (دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل أصبع) قال أبو البقاء وقع في هذه الرواية عشرة بالتاء وهو خطأ والصواب عشر بغير التاء لأن الإبل مؤنثة والتاء لا تثبت في العدد مع المؤنث (ت عن ابن عباس) رواه عنه أحمد أيضا وكان ينبغي للمصنف ضمه إلى الترمذي وقد رمز المصنف لصحته . 4241 (دية الذمي دية المسلم) أي مثل ديته وبه أخذ الشعبي والنخعي ومجاهد فقالوا : ديته دية المسلم عمدا كان القتل أو خطأ وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي نقله القاضي ولفظ رواية الطبراني مثل دية المسلم فكأنه سقط من قلم المؤلف (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : وفيه أبو كرز عبد الله بن كرز وهو ضعيف وهذا أنكر حديث رواه اه‍ وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن كرز هو قاضي الموصل عن نافع وعنه علي بن الجعد واه وأنكر مالك عن نافع هذا الخبر قال أبو زرعة هو ضعيف وضرب على حديثه وقال الدارقطني : باطل لا أصل له وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ابن حجر في تخريج المختصر : حديث غريب قال مخرجه الطبراني لم يروه عن نافع إلا أبو كرز تفرد به علي بن الجعد وخرجه الدارقطني أيضا وقال أبو كرز متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره وقد وهاه العقيلي وابن حبان أيضا . 4242 (دين المرء عقله ومن لا عقل له لا دين له) لأن العقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله ومكروهه وهو الدليل على الرشد والناهي عن الغي وكلما كان حظ العبد من العقل أوفر فسلطان الدلالة فيه أبعد فالعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه فأتمر بما أمره وانزجر عما نهاه فتلك علامة العقل وصورة العبادة قد تكون عادة ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عبادة رجل سأل عن عقله (أبو الشيخ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) على الأعمال (وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن جابر) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4243 (دينار أنفقته في سبيل الله) أي في موطن الغزو (ودينار أنفقته في رقبة) أي في إعتاقها (ودينار تصدقت به على مسكين) المراد به ما يشمل الفقير لأنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا
[ 716 ]
(ودينار أنفقته على أهلك) يعني على مؤونة من تلزمك مؤونته (أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك) قال القاضي : قوله دينار مبتدأ وأنفقته في سبيل الله صفته والجملة أعني أعظمها أجرا إلخ خبرية والنفقة على الأهل أعم من كون نفقتهم واجبة أو مندوبة فهي أكثر الكل ثوابا واستدل به على أن فرض العين أفضل من الكفاية لأن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل الله وهو الجراد الذي هو فرض كفاية (م) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . * 2 * فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 4244 (الدار حرم فمن دخل عيك حرمك فاقتله) إن لم يندفع إلا بالقتل قال البيهقي : إن صح فإنما أراد به أنه يأمره بالخروج فإن لم يخرج فله ضربه وإن أتى الضرب على نفسه (حم طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته وهو زلل فقد أعله الهيثمي بأن فيه عندهما محمد بن كثير السلمي وهو ضعيف فالحسن فضلا عن الصحة من أين . وقال الذهبي في المهذب : فيه محمد بن كثير السلمي واه قال ويروى بإسناد آخر ضعيف انتهى . وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن كثير وقال الدارقطني وغيره : ضعيف وابن المديني ذاهب الحديث . 4245 (الداعي والمؤمن) على الدعاء أي القائل آمين (في الأجر شريكان) يعني كل منهما له من الأجر مثل ما للآخر (والقارئ والمستمع) للقراءة أي قاصد السماع (في الأجر شريكان) حيث استويا في الإخلاص وحسن النية وغير ذلك من المقاصد والوسائل وظاهر الحديث أن السامع ليس كالمستمع (والعالم والمتعلم في الأجر شريكان) . (فر عن ابن عباس) وفيه إسماعيل الشامي قال الذهبي : ممن يضع الحديث قال الدارقطني : وجوبير بن سعيد وقال الدارقطني وغيره : متروك . 4246 (الدال على الخير كفاعله) فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه وإلا فله ثواب دلالته قال القرطبي : ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور إنما هو بغير تضعيف لأن فعل الخير لم يفعله الدال
[ 717 ]
وليس كما قال بل ظاهر اللفظ المساواة ويمكن أن يصار إلى ذلك لأن الأجر على الأعمال إنما هو بفضل الله يهب لمن يشاء على أي فعل شاء وقد جاء في الشرع كثير وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته والدال على الشر كفاعله أي لإعانته عليه فله كفعله من الإثم وإن لم يحصل بمباشرته (البزار) في مسنده وكذا القضاعي (عن ابن مسعود) إنما قال عبد الحق البزار عن أنس ثم رأيت المصنف في الدرر قال : البزار عن أنس فما هنا سهو (طب عن سهل بن سعد) وقال : لم يرو عن سهل إلا بهذا الإسناد وعن أبي مسعود وفيه من طريقه كما قال في المنار زياد النهري ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم : لا يحتج به ومن طريق الطبراني عمران بن محمد بن سعيد لم يسمع من أبي حازم قال الهيثمي : فيه من لم أعرف وقال العراقي : في إسناده ضعيف جدا . 4247 (الدال على الخير كفاعله) قال الأبي : ظاهر الحديث المساواة وقاعدة أن الثواب على قدر المشقة يقتضي خلافه إذ مشقة من أنفق عشرة دراهم ليس كمن دل ويدل عليه أن من دل إنسانا على قتل آخر يعذر ولا يقتص منه (والله يحب إغاثة اللهفان) أي الملهوف المكروب (حم ع والضياء) المقدسي (عن بريدة) بن الحصيب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن أنس) قال المنذري : فيه زياد النهري ضعيف وقد وثق وله شواهد قال الهيثمي : فيه زياد النهري وثقه ابن حبان وقال : يخطئ وابن عدي وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات . 4248 (الدباء) بضم الدال وشد الموحدة وبالضم أشهر : القرع (تكبر الدماغ وتزيد في العقل) لخاصية فيه علمها ولذلك كان يحبه كما ورد في عدة أحاديث وفي الغيلانيات عن عائشة مرفوعا أنه يشد قلب الحزين (فر عن أنس) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من أكل الدباء فقلنا : يا رسول الله إنك لتحبها فذكره وفيه نصر بن حماد قال النسائي وغيره : ليس بثقة ويحيى بن العلاء قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ومحمد بن عبد الله الحبطي لينه ابن حبان . 4249 (الدجال) فعال بفتح وتشديد من الدجل وهو التغطية أو غيرها وفي الفتح عن شيخه صاحب القاموس أنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح خمسون قولا (عينه خضراء) كالزجاجة هذا هو تمام الحديث ولعل المؤلف ذهل عنه قال ابن حجر : وهذا يوافق رواية كأنها كوكب دري المراد بوصفها بالكوكب شدة إيفادها قال : وتشبيهها بالزجاجة أو بالكوكب الدري لا ينافي تشبيهها بالعنبة الطافية في رواية وبالنخاعة في الحائط المجصص في أخرى فإن كثيرا ممن يحدث في عينه
[ 718 ]
النتوء يبقى معه الإدراك فيكون من هذا القبيل والدجال آدمي يخرج آخر الزمان يبتلي الله عباده به ويقدره على أشياء تدهش العقول وتحير الألباب يغتر بها الرعاع ويثبت الله من سبقت له السعادة وخالف في خروجه شذوذ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وما زعموه ترده الأخبار المفيدة للقطع (تنبيه) قال ابن العربي : شأن الدجال في ذاته عظيم والأحاديث الواردة فيه أعظم وقد انتهى الخذلان بمن لا توفيق عنده إلى أن قال إنه باطل (تخ عن أبي) بن كعب ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني بلفظ الدجال إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء قال الهيثمي : ورجاله ثقات . 4250 (الدجال) قال البسطامي : وهو رجل قصير كهل براق الثنايا (ممسوح العين) أي موضع إحدى عينيه ممسوح مثل جبهته ليس فيه أثر عين وفي رواية اليمنى وفي أخرى اليسرى ولا تعارض لأن أحدهما طافية لا ضوء فيها والأخرى ناتئة كحبة عنب (مكتوب بين عينيه كافر) وفي رواية ك ف ر (يقرؤه كل مسلم) والكتابة مجاز عن حدوثه وشقاوته بدليل رواية كل مؤمن كاتب وغير كاتب ولو كانت حقيقة لقرأها الكافر أيضا أو هي حقيقة بأن يخلق الله الإدراك في بصر المؤمن بحيث يراه وإن لم يعرف الكتابة ولا يراها الكافر وإن عرفها كما يرى المؤمن الأدلة ببصيرته وإن لم يراها الكافر وذلك زمان خرق العادات وهذا أرجح عند النووي (تتمة) قال البسطامي : الدجال مهدي اليهود ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر مطموس يدعي الربوبية معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه وأرباب الملاهي جميعا يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من عصمة الله قال : ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء وركون العلماء إلى الظلمة والتردد إلى أبواب الملوك ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ويستظل في أذن حماره خلق كثير ويمكث في الأرض أربعين يوما ثم تطلع الشمس يوما حمراء ويوما صفراء ويوما سوداء ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفا فينهزم الدجال ثم يهبط عيسى إلى الأرض وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرسه وبيده حربة فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله إلى هنا كلامه نقلا عن كعب الأحبار (م عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره . 4251 (الدجال أعور العين اليسرى) وفي رواية أعور عين اليسرى من إضافة الموصوف إلى
[ 719 ]
صفته وفي رواية للبخاري أعور العين اليمنى والله سبحانه منزه عن العور وعن كل آفة فإذا ادعى الربوبية وليس عليهم بأشياء ليست في البشر فإنه لا يقدر على إزالة العور الذي يسجل عليه بالبشرية ذكره الزمخشري وما ذكر من أنه اعور اليسرى لا يعارضه ما ذكر من أنه أعور اليمنى لأنهما معيبتان إحداهما طافية ضوء فيها والأخرى ناتئة كحبة عنب (1) (جفال الشعر) بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثير وإذا خرج يخرج (معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار) أي من أدخله الدجال ناره بتكذبيه إياه تكون تلك النار سببا لدخوله الجنة في الآخرة ومن أدخله جنته بتصديقه إياه تكون تلك الجنة سببا لدخوله النار في الآخرة وزاد في رواية بعد قوله وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما وفي رواية وأنه يجئ معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وفي رواية معه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن وقيل هذا يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي أو يكون الدجال ساحرا فيجعل الشئ بصورة عكسه وقيل غير ذلك (حم م ه عن حذيفة) بن اليمان قال الديلمي : وفي الباب ابن عمر وغيره . (1) ورد في صفته أنه هجان بكسر أوله وتخفيف الجيم أي أبيض أقمر أي شديد البياض ضخم فيلماني بفتح الفاء وسكون التحتانية أي عظيم الجثة كأن رأسه أغضان شجرة أي شعر رأسه كثير متفرق قائم ومن صفاته تنام عيناه ولا ينام قلبه له حمار أهلب أي كثير الهلب : الشعر الغليظ ما بين أذنيه أربعون ذراعا يضع خطوه عند منتهى طرفه وعن أمير المؤمنين علي أن طول الدجال أربعون ذراعا بالأذرع الأولى تحته حمار أقمر أي شديد البياض طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعا ما بين حافر حماره إلى الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة تطوى له الأرض منهلا منهلا يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها يخوض البحر إلى كعبيه وعن كعب الأحبار قال : يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي أي ابتداءا قبل خروجه ثم يلتمس فلا يقدر عليه ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة ثم يطلب فلا يدرى أين توجه ثم يظهر بالمشرق فيعطي الحلافة ثم يظهر السحر ثم يدعي النبوة فيتفرق الناس عنه أي المسلمون فيأتي النهر فيأمره أن يسيل فيسيل ثم يأمره أن ييبس فييبس ويبعث الله له شياطين فيقولون استعن بنا على ما تريد فيقول نعم اذهبوا إلى الناس فقولوا أنا ربهم فيبثهم في الأفاق ويخرج في خفة من الدين وإدبار من العلم فلا يبقى أحد يحاجه في أكثر الأرض ويذهل الناس عن ذكره وإن أكثر ما يتبعه الأعراب والنساء حتى أن الرجل ليرد أمه وبنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه وأنه يأتي فيقول لأعرابي أريت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول : نعم فيتمثل له شيطان على صورة أبيه وآخر على صورة أمه فيقولان له : يا بني اتبعه فإنه ربك فيتبعه ومن ثم قال حذيفة : لو خرج الدجال في زمانكم لرمته الصبيان بالخزف ولكنه يخرج في نقص من العلم وخفة من الدين والمراد بالأعراب كل بعيد من العلماء ساكن في البادية والجبال سواء كان من الأعراب الأتراك أو الأكراد أو غير ذلك لأنهم لا يميزون بين الحق والباطل وأكثر النفوس مائلة إلى تصديق الخوارق .
[ 720 ]
4252 (الدجال لا يولد له) أي بعد خروجه أو مطلقا (ولا يدخل المدينة) النبوية (ولا مكة) فإن الملائكة تقوم على أنقابهما تطرده عن الدخول تشريفا للبلدين فينزل بقربهما فيخرج له من في قلبه مرض وألحق البسطامي بمكة والمدينة بيت المقدس فجزم بأنه لا يدخله أيضا وفي رواية لمسلم أنه يهودي وأنه لا يولد له وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة (تنبيه) عدوا من خصائص نبينا أنه بين له في أمر الدجال ما لم يبين لأحد (حم عن أبي سعيد) الخدري . 4253 (الدجال يخرج من أرض) يعني بلد (بالمشرق) أي بجهة المشرق (يقال لها خراسان) بلد كبير مشهور قال البسطامي : هو موضع الفتن ويكون خروجه إذا غلا السعر ونقص القطر قال ابن حجر أما خروجه من قبل المشرق فجزم ثم جاء في هذه الرواية أنه يخرج من خراسان وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجه مسلم وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولا فيدعي الإيمان والصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الإلهية كما أخرجه الطبراني فإن قلت ينافي خروجه من خراسان أو أصبهان ما أخرجه أبو نعيم من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قلت كلا لاحتمال أن يولد فيها ثم يرحل إلى المشرق وينشأ فيه ثم يخرج (يتبعه أقوام) من الأتراك واليهود كذا ذكره البسطامي (كأن وجوههم المجان) واحدها مجن وهو الترس سمي به لأنه يستر المستجن به أي يغطيه (المطرقة) بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي الأتراس التي ألبست العقب شيئا فوق شئ ذكره الزمخشري شبه وجوه أتباعه بالمجان في غلظها وعرضها وفظاظتها (تنبيه) قال البسطامي في كتاب الجفر الأكبر قال أبو بكر الصديق يخرج الدجال فيما بين العراق وخراسان ويخرج معه أصحاب العقد ويتبعه خمسة عشر ألفا من نسائهم ويخرج من أصبهان وحدها سبعون ألف طيلسان كلهم يهود ويمر الدجال بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار فجنته خضراء وناره دخان ومعه جبل من خبز وهو جبل البصرة الذي يقال له سنام ومعه منهل من ماء فمن آمن به أطعمه وسقاه وإلا قتله وقال أنا ربكم (ت ك) كلاهما في الفتن (عن أبي بكر الصديق) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال : حسن غريب ورواه ابن ماجه أيضا . 4254 (الدجال تلده أمه وهي منبوذة في قبرها فإذا ولدته حملت النساء بالخطائين) وفي رواية
[ 721 ]
لأبي نعيم والديلمي الدجال تلده أمه وهي مقبورة في قبرها قال الديلمي : وذلك أن أمه حملت به فوضعت جلدة مصمتة فقالت القوابل : هذه سلعة فقالت : بل مقبور فيها ولد كان ينقر في بطني فثقبوها فاستهل صارخا (تنبيه) قال عياض : فهذه الأحاديث حجة لأهل السنة في صحة وجود الدجال وأنه رجل معين يبتلي الله به عباده ويقدره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله وظهور الخصب والأنهار والجنة والنار وإيناع كنوز الأرض له وأمره السماء فتمطر والأرض فتنبت وغير ذلك ثم يبطل أمره ويقتله عيسى وقد خالف فيه بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية فأنكروا وجوده ورد الأحاديث الصحيحة (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه عثمان بن عبد الرحمن الجهمي . قال البخاري مجهول اه‍ . وفي الميزان : قال أبو حاتم : لا يحتج به وقال ابن عدي : منكر الحديث ثم ساق في ترجمته أحاديث منكرة أولها هذا . 4255 (الدعاء هو العبادة) قال الطيبي : أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر وأن العبادة ليست غير الدعاء وقال غيره : المعنى من هو أعظم العبادة فهو كخبر الحج عرفة أي ركنه الأكبر وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله معرضا عما سواه ولأنه مأمور به وفعل المأمور به عبادة وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة قال الحكيم : كانت الأمم الماضية ترفع حوائجها إلى الأنبياء فيرفعونها إلى الله فلما جاءت هذه الأمة أذن لهم في دعائه لكرامتها عليه (حم ش خد 4 حب ك) كلهم (عن النعمان بن بشير) قال الترمذي : حسن صحيح وقال الحاكم : صحيح (ع عن البراء) قال النووي : أسانيده صحيحة . 4256 (الدعاء مخ العبادة) أي خالصها لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقها فكان مخها بهذا الاعتبار وأيضا لما فيه من إظهار الافتقار والتبرئ من الحول والقوة وهو سمت العبودية واستشعار ذلة البشرية ومتضمن للثناء على الله وإضافة الكرم والجود إليه وبقية الحديث ثم قرأ * (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم) * قال القاضي : إنما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث إنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله معرض عما سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادة وأكملها اه‍ قال الراغب والعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفعال . قال الطيبي ويمكن حمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة قال تعالى
[ 722 ]
* (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) * الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادة إلا للخضوع للبارئ والافتقار إليه (ت) في الدعوات (عن أنس) وقال : غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة . 4257 (الدعاء مفتاح الرحمة والوضوء مفتاح الصلاة والصلاة مفتاح الجنة) أي مبيحة لدخولها لأن أبوابها مغلقة ولا يفتحها إلا الطاعة والصلاة أعظمها (فر عن ابن عباس) بإسناد ضعيف . 4258 (الدعاء سلاح المؤمن) يعني أنه يدافع البلاء ويعالجه كما يدافع عدوه بالسلاح وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه أو يكون أضعف منه فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد لكنه قد يخففه أو يتقاومان فيمنع كل منهما صاحبه فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بتنزيله الدعاء منزلة السلاح أن السلاح بضارب به لا بحده فقط فمتى كان السلاح تاما لا آفة به والساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل التأثير (وعماد الدين ونور السماوات والأرض) أصل الحديث إلا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم تدعون لله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن إلى آخر ما ذكره وفيه رد لقول بعض الصوفية إن الدعاء قدح في التوكل ولقول البعض المدعو به إن كان قدر فهو واقع لا محالة دعى أو لا وإلا لم يقع وإن دعى ووجه الدفع أن المقدر قدر بأسباب منها الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه بل بسببه فإن وجد السبب وقع وإلا فلا (ع ك) في الدعاء (عن علي) ابن أبي طالب وصححه وأقره الذهبي في التلخيص لكنه عزاه له في الميزان وقال : إن فيه انقطاعا وقال الهيثمي في طريق أبو يعلى محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو متروك . 4259 (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) قال ابن القيم : هذا مشروط بما إذا كان للداعي نفس فعالة وهمة مؤثرة فيكون حينئذ من أقوى الأسباب في دفع النوازل والمكاره وحصول المآرب والمطالب لكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون كالقوس الرخو فإن السهم يخرج منه بضعف وإما لحصول مانع من الإجابة كأكل حرام وظلم ورين ذنوب واستيلاء غفلة وسهو
[ 723 ]
ولهو فيبطل قوته أو يضعفها (حم د ت حب عن أنس) حسنه الترمذي وضعفه ابن عدي وابن القطان ومغلطاي لكن قال الحافظ العراقي : رواه النسائي في اليوم والليلة بإسناد آخر جيد وابن حبان والحاكم وصححه . 4260 (الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب فادعوا) بعد أن تجمعوا شروط الدعاء التي منها حضور القلب وجمعه بكليته على المطلوب والخشوع والانكسار والتذلل والخضوع والاستقبال وغيرها وتقديم التوبة والاستغفار والخروج من المظالم والطهارة وغير ذلك وكثيرا ما يقع أن يرى إنسان إنسانا يدعو في وقت فيجاب فيظن أن السر في ذلك الوقت وفي اللفظ فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من الداعي وهو كما لو استعمل الرجل دواء نافعا في وقت وحال واستعداد فنفعه فظن غيره أن استعماله بمجرده كاف فغلط (ع ه عن أنس) قال الهيثمي : فيه يزيد الرقاشي مختلف في الاحتجاج به . 4261 (الدعاء مستجاب ما بين النداء) يعني ما بين النداء بالصلاة والأذان (والإقامة) كما بينته الرواية السابقة ويجئ فيه ما تقرر وقد ورد في أحاديث أخرى أن الدعاء يستجاب في مواطن أخرى منها في ليلتي العيد وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من رجب وعند نزول المطر والتقاء الصفين في الجهاد وفي جوف الليل الآخر وعند فطر الصائم ورؤية الكعبة وأوقات الاضطرار وحال السفر والمرض وعند المحتضر وصياح الديك وختم القرآن وفي مجالس الذكر ومجامع المسلمين وفي السجود ودبر المكتوبة وعند الزوال إلى مقدار أربع ركعات وبين صلاة الظهر والعصر من يوم الأربعاء وعند القشعريرة وفي الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي الكعبة وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي عرفة والمسعى وخلف المقام والمزدلفة ومنى والجمرات وغير ذلك (ك عن أنس) بن مالك . 4262 (الدعاء يرد القضاء) يعني يهونه وييسر الأمر فيه ويرزق بسببه الداعي الرضى بالقضاء حتى يعده نعمة ذكره القاضي وأصله قول التوربشتي القضاء الأمر المقدر وفي تأويله وجهان الأول أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه فإذا وفق للدعاء دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضاء مجازا ويوضحه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الرقية هي من قدر الله فقد أمر الله بالدعاء والتداوي مع علم الخلق بأن المقدور كائن ، الثاني : أن يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعاء القضاء تهوينه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل (وإن البر) بالكسر (يزيد في الرزق) أي في قدره أو في حصول البركة فيه (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) تمامه عند العسكري والضياء المقدسي وغيرهما ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إنا
[ 724 ]
بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) * (تنبيه) قال الغزالي : قيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا وقد قال الله تعالى * (ادعوني أستجب لكم) * قال : لأن قلوبكم ميتة قيل : وما الذي أماتها قال : ثمان خصال عرفتم حق الله فلم تقوموا به وقرأتم القرآن فلم تعملوا بحدوده وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته وقلتم نخشى الموت فلم تستعدوا له وقد قال تعالى * (إن الشيطان لكم عدو) * فواطأتموه على المعاصي وقلتم نخاف النار فأرهقتم أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها وإذا قمتم من فرشكم رميتم بعيوبكم وراء ظهوركم وقدمتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم (ك) في المناقب عن علي بن قرين عن سعيد بن راشد عن الخليل بن مرة عن الأعرج عن مجاهد (عن ثوبان) قال الذهبي قال ابن قرين كذاب وسعيد واه وشيخه ضعفه ابن معين اه‍ فكان يجب حذفه من الكتاب . 4263 (الدعاء جند من أجناد الله مجند يرد القضاء بعد أن يبرم) أي يحكم بأن يسهله من حيث تضمنه للصبر على القضاء والرضى به والرجوع إلى الله فكأنه رده قال الغزالي : من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النبات وليس شرط الاعتراف بالقضاء ألا يحمل السلاح قال الله تعالى * (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) * (حكاية) قال التوربشتي : رأى العارف الكيلاني في اللوح المحفوظ أن تلميذا له لا بد أن يزني بسبعين امرأة فقال : يا رب اجعلها في النوم فكان كذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن نمير) تصغير نمر (ابن أوس) الأشعري قاضي دمشق تابعي ثقة قال في التقريب : وهم من عده في الصحابة (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو ذهول فقد رواه أبو الشيخ ثم الديلمي من حديث أبي موسى الأشعري . 4264 (الدعاء ينفع مما نزل) من المصائب والمكاره أي يسهل تحمل ما نزل من البلاء فيصبره أو يرضيه حتى أنه لا يكون متمنيا خلافه (ومما لم ينزل) منها بأن يصرف ذلك عنه أو يمده قبل النزول بتأييد إلهي من عنده حتى لا يعبأ به إذا نزل (فعليكم عباد الله) بحذف حرف النداء (بالدعاء) قال الطيبي : الفاء جزاء شرط محذوف يعني إذا رزق بالدعاء الصبر والتحمل بالقضاء النازل ويرد به القضاء غير النازل فالزموا عباد الله الدعاء وحافظوا عليه وخص عباد الله بالذكر تحريضا على الدعاء وإشارة
[ 725 ]
إلى أن الدعاء هو العبادة فالزموا واجتهدوا وألحوا فيه وداوموا عليه لأن به يحاز الثواب ويحصل ما هو الصواب وكفى به شرفا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل وخص عباد الله بالذكر زيادة في الحث وإيماء إلى أن الدعاء هو العبادة (ك) في الدعاء ومن حديث عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن موسى عن عقبة عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه وتعقبه الذهبي بأن عبد الرحمن واه اه‍ وقال ابن حجر : سنده لين ومع ذلك صححه الحاكم . 4265 (الدعاء يرد البلاء) إذ لولا إرادة الله تعالى رد ذلك البلاء المدعو برفعه لما فتح له باب الدعاء قال الله تعالى * (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم) * (فائدة) في تذكر المقريزي بسنده عن السهيلي أنه أنشد أبيات وقال : إنه ما سأل الله سبحانه بها أحد إلا أعطاه إياها وهي هذه الأبيات يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع يا من يرجى للشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن امنن فإن الخير عندك أجمع ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع ومن الذي أدعو وأهتف باسمه * إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا * الفضل أجزل والمواهب أوسع (أبو الشيخ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا . 4266 (الدعاء محجوب عن الله حتى يصلي على محمد وأهل بيته) جرد من نفسه إنسانا فخاطبه وهو هو والمعنى لا يرفع الدعاء إلى الله حتى يستصحبه الصلاة معه بمعنى أن الصلاة عليه هي الوسيلة إلى الإجابة قال الحليمي : وإنما شرعت الصلاة عليه في الدعاء لأنه علمنا الدعاء بأركانه فبقي بعض حقه اعتدادا بالنعمة (أبو الشيخ) في الثواب (عن علي) أمير المؤمنين ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن البيهقي خرجه في الشعب بالفظ المزبور عن علي مرفوعا وموقوفا بل رواه الترمذي عن ابن عمر بلفظ إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض ولا يصعد منه شئ حتى يصلى على محمد إلخ .
[ 726 ]
4267 (الدم مقدار الدرهم يغسل) وجوبا (وتعاد منه الصلاة) (1) وهذا الحديث فيه حجة على أبي حنيفة في قوله الاستنجاء مستحب لا واجب وهو إحدى الروايتين عن مالك (خط) في ترجمة صالح الترمذي عن جعفر بن محمد الشرطي عن أحمد بن جعفر الخلال عن صالح بن محمد الترمذي عن القاسم بن عباد الترمذي عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) وصالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه ونوح بن أبي مريم قال أعني الذهبي : تركوه وقال الحاكم : وضع نوح هذا الحديث في فضائل القرآن وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال : نوح كذاب وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات . (1) أي إذا صلى وعلى بدنه أو ملبوسه قدر درهم منه وجب قضاء الصلاة وهذا في دم الأجنبي فإنه يعفى عن قليله فقط وهو ما دون الدرهم وبهذا أخذ بعض المجتهدين وأناط الشافعية القلة والكثرة بالعرف . 4268 (الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه من جاء بخاتم مولاه قضيت حاجته) يعني أن الدنانير والدراهم إحدى المسخرات لبني آدم قال الله تعالى * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * فإذا وصل إليك منافع المسخرة جاءت المنفعة فمن طلب المسخرة لإقامة خدمة الله فليس بآثم بل غانم ومن آخذها لنيل شهوة وبلوغ لذة ونهمة فقد ضيع الخدمة وباء بالمذمة وبذلك تبين أنه لا تدافع بين هذا وبين الحديث المار إن هذا الدينار والدرهم قد أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم فمن سلك السبيل الأول فليسا مهلكيه ومن سلك الثاني أهلكاه (تنبيه) قال الغزالي : من نعم الله خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا وهما حجران لا نفع عينهما لكن يضطر الخلق إليهما لأن كل إنسان يحتاج إلى مطعم وملبس وسائر حوائجه وقد يعجز عما يحتاج ويملك ما يستغني عنه فاحتيج إليهما في المعاوضات ومعرفة قيم الأشياء فخلقهما الله حاكمين متوسطين بين سائر الأموال لتقدير الأموال بهما فخلق كالحكم العدل وليتوسل بهما إلى جميع الأشياء لأنهما عزيزان في أنفسهما ولا غرض في عينهما ونسبتهما إلى سائر الأموال واحدة فمن ملكها فكأنه ملك كل شئ لا كمن يملك نحو ثوب فإنه لا يملك إلا ثوبا فلو احتاج لنحو طعام لم يرض صاحبه بالثوب فاحتيج لشئ هو في صورته كأنه ليس بشئ وهو في معناه كأنه كل الأشياء وكما أن المرآة لا لون لها وتحكي كل لون فالنقد لا غرض فيه وهو وسيلة لكل غرض كالحرف لا معنى له في نفسه وتظهر به المعاني في غيره (طس) من حديث ابن عيينة وابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن ابن أبي لبينة عن أبيه (عن أبي هريرة) وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي : وفيه أحمد بن محمد بن مالك بن أنس وهو ضعيف وقال الذهبي : حديث ضعيف .
[ 727 ]
4269 (الدنيا) قيل سميت الدنيا دنيا لدنوها ودناءتها (حرام على أهل الآخرة) أي ممنوعة عنهم (والآخرة حرام على أهل الدنيا) لأن المتقنع في معاش الدنيا يمكنه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التضاد فهما ضرتان قال الشافعي : من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب . وقال الراغب : كما أن من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما لا يوجد إلا في المغرب وعكسه فكذا من المحال أن يظفر سالك طريق معارف الدنيا بمعارف طريق الآخرة ولا يكاد الجمع بين معرفة طريق الآخرة على التحقيق والتصديق إلا من رشحه الله لتعذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم جميعا كالأنبياء وبعض الحكماء (والدنيا والآخرة حرام على أهل الله) لأن جنات عامة المؤمنين جنات المكاسب وجنة كمل العارفين جنات المواهب فأهل الموهبة اتقوا الله حق تقاته لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته فصارت جنتهم النظر إلى وجهه الأقدس ونارهم الحجاب عن جماله الأنفس فحجابهم عن رؤيته هو العذاب الأليم وعدم الحجاب هو جنات النعيم ومن ثمة قال البسطامي : إن في الجنة رجالا لو حجب الله عنهم طرفة عين لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار فقد استبان بذلك أن الدنيا والآخرة حرام عليهم معا وقال النصر أبادي : إذا بدا لك شئ من بوادي الحق فلا تلتفت معها إلى جنة ولا إلى نار فإذا رجعت من تلك الحال فعظم ما عظم الله (فر عن ابن عباس) وفيه جبلة بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن معين ليس بثقة . 4270 (الدنيا حلوة) أي مشتهاة مونقة تعجب الناظرين فمن استكثر منها أهلكته كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم فغلى العاقل القنع بما تدعو الحاجة منها وتجنب الإفراط والتفريط في تناولها فإنه مهلك وهذا الحديث رواه مسلم بزيادة ولفظه الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اه‍ بنصه ، والاستخلاف إقامة الغير مقام النفس أي جعل الله الدنيا مزينة لكم وابتلاء لكم فينظر هل تتصرفون فيها بغير ما يرضاه ؟ وقوله فاتقوا أي احذروا من الاغترار بما فيها فإنه في وشيك الزوال واحذروا النساء وقبول قولهن فإنهن ناقصات عقل وقوله أول فتنة بني إسرائيل هي أن رجلا اسمه عائيل طلب من ابن أخيه أو ابن عمه أن يزوجه بنته فأبى فقتله لينكحها وقيل لينكح زوجته وهو الذي نزلت فيه آية البقرة (تنبيه) هل الدنيا ما على الأرض إلى قيام الساعة أو كل موجود قبل الحشر أو ما أدرك حسا والآخرة ما أدرك عقلا أو ما فيه شهوة للنفس ؟ رجح النووي الثاني وبعض المحققين ما قبل
[ 728 ]
الآخر (طب عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين ماتت بعد الخمسين وعزاه المصنف نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الشيخين معا ولفظهما الدنيا خضرة حلوة وذكر أنه متواتر . 4271 (الدنيا حلوة رطبة) في وصفها بالخضرة وتشبيهها بالخضروات مع ما مر إشارة إلى سرعة زوالها وفنائها وأنها غرارة تفتن الناس بحسنها وطرواتها ونضارتها قال بعض العارفين : من جرعته الدنيا حلاوتها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها (فر عن سعد) بن أبي وقاص وفيه مصعب بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : خرجه ابن عدي ورواه عنه الحاكم أيضا ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى . 4272 (الدنيا حلوة خضرة) إنباء عن طيب المذاق والمخبر وحسن المرأ والمنظر (فمن أخذها بحقه بورك له فيها) أي انتفع بما يأخذه في الدنيا بالتنمية وفي الآخرة بأجر النفقة (ورب متخوض) أي مسارع ومنهمك (فيما اشتهت نفسه) منها (ليس له يوم القيامة إلا النار) يريد أن للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وإليه أشار قوله سبحانه * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) * وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة والعمل الصالح ، ولهذا قال لقمان لابنه : خذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال كلا (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري : رواته ثقات وقال الهيثمي : رجاله ثقات . 4273 (الدنيا حلوة خضرة) أي روضة خضراء أو شجرة ناعمة غضة مستحلاة الطعم (من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله عليه) في الآخرة (وأورده جنته) أي أد خله إياها (ومن اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة) فالدنيا لا تذم لذاتها فإنها مزرعة الآخرة فمن أخذ منها مراعيا للقوانين الشرعية أعانته على آخرته ومن ثمة قيل : لا تركن إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها (هب عن ابن عمر) بن الخطاب .
[ 729 ]
4274 (الدنيا دار من لا دار له) قال الطيبي : لما كان القصد الأول من الدار الإقامة مع عيش هنئ أبدي والدنيا بخلافه لم تستحق أن تسمى دارا فمن داره الدنيا فلا دار له * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوا لو كانوا يعلمون) * قال عيسى : من ذا الذي يبني على الموج دارا تلكم الدار فلا تتخذوها قرارا (ومال من لا مال له) لأن القصد من المال الإنفاق في وجوه القرب فمن أتلفه في شهواته واستيفاء لذاته فحقيق بأن يقال لا مال له * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ولذلك قدم الظرف على عامله في قوله (ولها يجمع من لا عقل له) لغفلته عما يهمه في الآخرة ويراد منه في الدنيا والعاقل إنما يجمع للدار الآخرة * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * قال الحكيم : لا بدلبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه ، فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو أفنى وأنشد ابن أبي الدنيا : يا فرقة الأحباب لا بد لي منك * ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام ما لي وللمنى * ويا سكرات الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة * إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ألا أي حي ليس بالموت موقنا * وأي يقين منه أشبه بالشك (حم هب عن عائشة هب عن ابن مسعود موقوفا) قال المنذري والحافظ العراقي : إسناده جيد وقال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح غير دويل وهو ثقة . 4275 (الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم وعما قريب يحصل في السجن المستدام نسأل الله السلام يوم القيامة وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة قال السهروردي : والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج ؟ فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهيا إلى الآجلة وتنزها في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه وحال بينه وبين محبوب طبعه وهذا من أعظم السجون وأضيقها فإن من حيل بينه
[ 730 ]
وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه (تتمة) ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة مر يوما بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار وأثوابه ملطخة بالزيت وهو في غاية الرثاثة والشناعة فقبض على لجام بغلته وقال : يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها فقال : أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة فأسلم اليهودي (حم م) في الرقائق (ت ه) في الزهد (عن أبي هريرة طب ك عن سلمان) ورواه عنه العسكري في الأمثال بأبسط من هذا وزاد بيان السبب فأخرج عن عامر بن عطية قال : رأيت سلمان أكره على طعام فقال : حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (البزار عن ابن عمر) بن الخطاب زاد ابن المبارك في رواية عن ابن عمر وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها . 4276 (الدنيا سجن المؤمن) لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة (وسنته) بفتح أوله (فإذا فارق الدنيا) بالموت (فارق السجن والسنة) بفتح السين المهملة القحط والجدب هكذا ضبطه الزركشي في اللآلئ وتبعه المؤلف في شرح الصدور قال بعض العارفين الدنيا سجن للمؤمن إن شعر به وضيق فيه على نفسه طلبت السراج منه إلى الآخرة فليسعد ومن لم يشعر بأنها سجن فوسع فيها على نفسه طلبت البقاء فيها وليست بباقية فيشقى . ولما مات داود الطائي سمعت الهتفة تقول أطلق داود من السجن وقال بعض الصوفية : حق ملك الموت أن نحييه بالسلام فإنه سبب في خلاصنا من عالم الكون والفساد فحقه عظيم وشكره لازم وحكي أن قوما من الأوائل كانوا يعظمون زحلا بالتقديس ويقولون لا يعين على الحياة العرضية بل هو سبب إنقاذنا من الدنيا الدنية (حم طب) حل (ك عن ابن عمرو) بن العاص ولم يصححه الحاكم بل سكت قال الهيثمي : ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن جنادة وهو ثقة . 4277 (الدنيا) كلها كذا هو عند الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهوا (سبعة أيام من أيام الآخرة) تمامه عند مخرجه الديلمي وذلك قوله عز وجل * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * وما أورده ابن جرير الطبري في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من قوله الدنيا جمعة من جمع الآخرة كل يوم ألف سنة فغيثابت وبتقدير صحته فالأخبار الثابتة في الصحيحين كما قال الحافظ ابن حجر تقتضي كون مدة هذه الأمة نحو الربع أو الخمس من اليوم لما ثبت في حديث ابن عمر إنما أجلكم فيمن مضى
[ 731 ]
قبلكم كما بين صلاة العصر وغروب الشمس قال : فإذا ضم هذا إلى قول ابن عباس زاد على الألف زيادة كثيرة والحق أن ذلك لا يعلم حقيقته إلا اللتعالى اه‍ . وقال العارف ابن عربي : قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصاحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم واليوم رباني فإن أيام الرب كل يوم ألف سنة مما يعد بخلاف أيام الله فإنها أكبر فكان من أيام الرب وصلاح الأمة بنظرها إليه عليه الصلاة والسلام وفسادها بإعراضه فوجدنا البسملة تتضمن ألف معنى لا يحصل إلا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنتها لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة وهي في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة (فر) من حديث العلاء بن زيدك (عن أنس) قال الذهبي في الضعفاء : قال ابن المديني : العلاء بن زيدك يضع الحديث اه‍ وفي الميزان إنه تالف يضع وقال البخاري : إنه منكر الحديث وساق له مناكير هذا منها وقال ابن حبان : يروى عن أنس نسخة موضوعة . وقال السخاوي : إسناده غير ثابت . 4278 (الدنيا سبعة آلاف سنة) أي عمرها ذلك بعدد النجوم السيارة لكل واحد ألف سنة قال الحرالي : الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة والسنة آخر تمام دورة الشمس وتمام اثنتي عشرة دورة القمر (أنا) وفي رواية وأنا بالواو (في آخرها ألفا) فإذا تمت السبعة فذلك وقت تقرض العالم وطي الدنيا وقد أكثر الناس الخوض في ذلك فأخذ البعض بما صرح به هذا الخبر المعلول وبالغ العارف البسطامي فادعى في كتابه مفتاح الجفر اتفاق وجوه الملل عليه فقال : اتفق أهل الملل الأربع المسلمون والنصارى والصابئة واليهود على أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وقال : قال علي كرم الله وجهه : الباقي إلى خراب الدنيا ألف سنة وفي التوراة كذلك وفي التوراة الدنيا جمعة من جمع الآخرة وهي سبعة آلاف سنة وإن الله يبعث في كل ألف سنة نبيا بمعجزات واضحة وبراهين قاطعة لرفع أعلام دينه القويم وظهور صراطه المستقيم فكان في الألف الأولى آدم وفي الثانية إدريس وفي الثالثة نوح وفي الرابعة إبراهيم وفي الخامسة موسى وفي السادسة عيسى وفي السابعة محمد التي ختمت به النبوة وتمت به الآلاف فالألف الأولى لزحل والثانية للمشتري والثالثة للمريخ والرابعة للشمس والخامسة للزهرة والسادسة لعطارد والسابعة للقمر فالمتدلي على ألف آدم حرف الألف وعلى ألف إدريس حرف الباء وعلى ألف نوح حرف الجيم وعلى ألف إبراهيم حرف الدال وعلى ألف موسى حرف الهاء وعلى ألف عيسى حرف الواو وعلى ألف محمد حرف الزاي وذهب البعض إلى أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدد البروج لكل برج ألف وقال البعض : ثلاثمائة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك وذكر الهند له حسابا طويلا جعلوا في آخر اجتماع الكواكب في آخر نقطة من الحوت فتعود كما كانت حين تحركت من أول نقط من الحمل وما بقي من أيام العالم عندهم في هذا الحساب أكثر مما مضى وما ذكر إنما هو ظن والظن لا يغني من
[ 732 ]
الحق شيئا ويتوجه على كل قول من الأقوال الثلاثة أن هذا الحكم وإن كان ملائما لوضع الأفلاك والكواكب فيجوز إذا مرت بعد الآلاف أن يحدث قطع كالإنسان الذي يمكن بقاؤه لكل طبيعة من الطبائع الأربع التي فيه مدة من المدد والألفية مرت به قسمة بعضها انقطع عمره فلم يبلغ قسمة ما بقي منها فكذا يجوز مثله على عمر العالم والكواكب مختلفة الأحوال مختلفة القوى متفاوتة الأجرام فما الدليل على أن الذي يصيب كل كوكب أو كل برج ألف لا أقل ولا أكثر ؟ فيتعين تفويض مدته إلى الله كما جاء به القرآن قال مغلطاي : وهذا الحديث لا مسكة فيه فقد ذكر ابن الأثير في منال الطلب أن ألفاظه مصنوعة ملفقة وهو متداول بين رواة الحديث وأئمته وذكر بعض الحفاظ أنه موضوع ولما ذكره أبو الفرج في العلل وصف بعض رواته بالوضع وقال الذهبي : قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها ونسف الجبال وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه ولا يعلم متى ذلك إلا الله فمن زعم أنه يعلمه بحساب أو بشئ من علم الحرف أو بكشف أو بنحو ذلك فهو ضال مضل (طب والبيهقي في الدلائل) وكذا ابن لال والديلمي (عن الضحاك بن زمل) الجهني تبع المصنف في تسميته الضحاك الطبراني ووافق الطبراني أبو نعيم قال ابن الأثير : أراهما ذهبا غير مذهب ولعلهما حفظا اسم الضحاك بن زمل فظناه ذاك والضحاك من أتباع التابعين قال ابن المديني : أما ابن زمل هذا فلا أعلمه تسمى في شئ من الروايات قال مغلطاي : وذكر العسكري وابن منده وابن حبان اسمه عبد الله ولما ذكر ابن حبان زملا في الصحابة قال : يقال له صحبة غير أني لا أعتمد على إسناد خبره وقال في الروض الأنف هذا الحديث وإن كان ضعيفا فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح وتعضده آثار اه‍ . وقال ابن حجر هذا الحديث إنما هو عن ابن زمل وسنده ضعيف جدا وأخرجه ابن السبكي في الصحابة وقال إسناده مجهول وقال ابن الأثير : ألفاظه مصنوعة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات . 4279 (الدنيا كلها متاع) هي مع دناءتها إلى فناء وإنما خلق ما فيها لأن يستمتع به مع حقارته أمدا قليلا ثم ينقضي والمتاع ما ليس له بقاء قال في الكشاف : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته وقال الحرالي : وعبر بلفظ المتاع إفهاما لخستها لكونه من أسماء الجيفة التي إنما هي مثال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها وأصل المتاع انتفاع ممتد من قولهم ماتع أي مرتفع طويل قال في الكشاف : هو من متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق الأرض للزوال ومنه متاع المسافر والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن (وخير متاعها المرأة الصالحة) قال الطيبي : المتاع من التمتع بالشئ وهو الانتفاع به وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا متاع والظاهر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الاستمتاعات الدنيوية كلها حقيرة ولا يؤبه بها وذلك أنه تعالى لما ذكر أصنافها وملاذها في آية * (زين للناس حب
[ 733 ]
الشهوات) * أتبعه بقوله * (ذلك متاع الحياة الدنيا) * ثم قال بعده * (والله عنده حسن المآب) * اه‍ قال الحرالي : فيه ايماء إلى أنها أطيب حلال في الدنيا أي لأنه سبحانه زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله * (زين للناس) * الآية وتلك السبعة هي ملاذها وغاية آمال طلابها وأعمها زينة وأعظمها شهوة النساء لأنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام بالأمور الدنيوية والدينية وكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة مرضية لله فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن وجهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإيصاله إلى لذة أكمل منها قال الطيبي : وقيد بالصالحة إيذانا بأنها شر المتاع لو لم تكن صالحة وقال الأكمل : المراد بالصالحة النقية المصلحة لحال زوجها في بيته المطيعة لأمره (حم م ن) في النكاح (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري . 4280 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها لله عز وجل) يمكن أن يكون المراد بلعنها ملاذ شهواتها وجمع حطامها وما زين من حب النساء والبنين وقناطير الذهب والفضة وحب البقاء بها فيكون قوله ملعونة متروكة مبعدة متروك ما فيها واللعن للترك وقد يراد أنها متروكة للأنبياء والأصفياء كما في خبر لهم الدنيا ولنا الآخرة (حل والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه . 4281 (الدنيا ملعونة) لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذاتها وإمالتها عن العبودية إلى الهوى حتى سلكت غير طريق الهدى (ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله في الدنيا والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا : يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون وقال الأشرفي : المراد بما يوالي ذكر الله طاعته واتباع أمره وتجنب نهيه لأن ذكر الله يقتضي ذلك (وعالما أو متعلما) أي هي وما فيها مبعد عن الله تعالى إلا العلم النافع الدال على الله فهذا هو المقصود ومنها قوله عالما أو متعلما بالنصب عطفا على ذكر الله لأنه مستثنى من موجب وروي بالرفع أيضا قال الطيبي : والنصب ظاهر والرفع على التأويل كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد مما فيها إلا ذكر الله وعالم ومتعلم وكان حق الظاهر أن يكتفي بقوله وما والاه لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع لكنه خصص بعد التعميم دلالة على فضل العالم والمتعلم وتفخيما لشأنهما صريحا وايذانا بأن جميع الناس سواهما همج وتنبيها على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل فيخرج الجهلاء وعلم لم يعمل بعلمه ومن يعمل عمل الفضول
[ 734 ]
وما لا يتعلق بالدين وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة (تنبيه) قال ابن عطاء الله : تحقيرك للدنيا وأنت مقبل عليها زور وبهتان وتعظميك لله مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده وقد استعبدك ما ليس له قدر عنده لو اشتغلت بالباقيات عنه ما كان ذلك عذر لك عنده هذا إن اشتغلت بباق يبقى فكيف إذا اشتغلت بفان يفنى . (تنبيه) قال الحكيم : الدنيا هي هذه الدار التي دورت أرضها تدويرا بجبل قاف وأحيط عليها بالجبل وتلك دار أخرى وهي الآخرة وهذه أولى وسميت دنيا لأنها أدنيت إليك والآخرة تعقبها فسميت عاقبة والعاقبة للمتقين وفي هذه الدار زينة وحياة فزينة هذه أصلها من تلك لكن نبتت ونشأت من أرض هي ذهبها وفضتها وجواهرها وأصل الشهوة من الفرج وأصل اللذة من الذهن وأصل القالب من التراب والحياة مسكنها في الروح والروح مسكنه في الدماغ وهو منبث في جميع الجسد وأصله معلق في عرق القلب وهو نياطه والنفس مسكنها في البطن وهي منبثة في جميع البدن وأصلها مشدود بذلك العرق والشهوات في النفس واللذة منها وعملها في الذهن ففيه الزينة والحياة التي في النفس تستعمل هذا القالب فما كان إلى العين خرج إلى العين وما كان من السمع خرج للسمع وما من النطق خرج للسان وما كان من عمل اليد أو الرجل خرج إليهما وما من عمل الفرج خرج إليه وما من عمل البطن خرج إليه فمخرج أعمال الجوارح السبع من الفرح الذي في القلب ومن الزينة والحياة التي في النفس وإذا حزن القلب ذلت النفس وانطلقت نار الشهوة وتعطلت الجوارح عن العمل وإذا فرح هاجت النفس وصارت قوية طرية وأثارت نار الشهوة واستعملت الجوارح فكل نار تستعمل الجارحة التي بحيالها فالفرح رأس أعمال الجوارح والعبد مغلوبه فإذا حيي القلب بفرح شئ من زينة تزيى بذلك النور الذي في قلبه فيصير ذلك الفرح لله ونطق بالحمد لله وأضمر على الطاعة والشكر ثم ينتشر سلطان ذلك الفرح من صدره في جميع جوارحه فيذهب كسله ويقوى عزمه وتطيب نفسه ويصير حامدا شاكرا وإن هاج الفرح بتلك الزينة من قلبه وكان قلبه محجوبا عند الله وصدره مظلما بغيوم الهوى ودخان الشهوة ورين الذنوب لم يبصر بعين فؤاده صنع الله في تلك الزينة فيصير الفرح للنفس والفرح بالدنيا فيظهر الفساد من الجوارح وتخرج السيئات من الجسد كل سيئة من معدنها من قلة الرحمة والمبالاة وظهرت الفظاظة واليبس والغلظة والقسوة ومداني الأخلاق حتى صارت الجوارح إلى الغش والمكر والخديعة وسوء النيات والمقاصد حتى خرج إلى الفرعنة والتجبر وكل على قدره يتنعمون بنعم الله ويتلذذون بتلك اللذات فرحا وأشرا وبطرا فبان أن الأمر كله أصله من الفرح فمن أمكنه صرفه إلى الله في كل عمل تنور قلبه وإلا وقع في الوبال فإن صرف ذلك لله لم يزد لربه إلا خشوعا وخضوعا وحياء فحمده ودعاه ذلك إلى شكره بجميع جوارحه وإقامة فرائضه ومن لم يمكنه ذلك سباه فرحه فصار سبيا من سبايا النفس وإذا نالت النفس الفرح كان كرجل متغلب وجد كنزا ففرقه في الغوغاء حتى صاروا أعوانه فخرج بتلك
[ 735 ]
القوة على حاكم البلد فسجنه فإن تداركه الإمام الأعظم بمدد فقد نصره وإلا ذهبت الإمرة فهذا شأن القلب مع النفس * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * ففرح الدنيا هلاك الدين والقلب وفرح الفضل والرحمة يوصل إلى الله فإذا رأى من عبد إقباله على هذه الدنيا الدنية والشهوات الردية أعرض عنه فاستولى عليه الشيطان فجعل همه دنياه ونهمته شهوات نفسه وطلب العلو فيها حتى يضاد أقضية ربه وتدبيره وقطع بها عمره فخسر الدنيا والآخرة وإذا رأى إقباله على ربه هيأ له تدبيرا ينال به سعادة الدارين فجميع ما في الدنيا متاع وإنما صارت مذمومة ملعونة لأنها غرت النفوس بنعيمها وزهرتها ولذتها قلما ذاقت النفس طعم النعيم اشتهت ومالت عن العبودية إلى هواها وقد جعل الله هذه الأشياء مسخرة يأخذ منها للحاجة لا لقضاء الشهوة واللعن إنما وقع على ما غرك من الدنيا لا على نعيمها ولذتها فإن الأنبياء قد نالته فذلك الذي استثناه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إلا ذكر الله إلخ (ه عن أبي هريرة طس عن أبي مسعود) قال الطبراني : لم يروه عن ثوبان عن عبدة إلا أبو المطرف المغيرة بن مطرف قال الهيثمي : ولم أر من ذكره . 4282 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله) فإن هذه الأمور وإن كانت فيهليست منها بل هي من أعمال الآخرة الموصلة إلى النعيم المقيم قال الحكيم : فكل شئ أريد به وجه الله من الأمور والأعمال فهو مستثنى من اللعنة فإنه قد أوى إلى ذكر الله والكفار والشياطين وكل أمر أو عمل لم يرد به وجه الله فهو ملعون فهذه الأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك لأنها ملهية للعباد عنه وكل شئ بعد البعد عن ربه فالبركة منزوعة منه (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الهيثمي : فيه المغيرة بن مطرف ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا . 4283 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله تعالى) قد أعلم بهذا الحديث والأربعة قبله أن الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح والذكر جماع العبادة ومنشور الولاية ومفتاح السعادة والكل يبتغى به وجه الله تعالى وفيه وفيما قبله حجة لمن فضل الفقر على الغنى قالوا : لأن الله لعنها ومقتها وأبغضها إلا ما كان له فيها ومن أحب ما لعنه الله وأبغضه فقد تعرض للعنه وغضبه (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته وهو غير جيد فقد قال الهيثمي
[ 736 ]
فيه خراش بن المهاجر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات لكن قال المنذري : إسناده لا بأس به . 4284 (الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد) فإنه سبحانه حمى من أحبه واصطفاه عنها لئلا يتدنس بها ومنحها أعداءه ليشغلهم بها ويصرف وجوههم عنه ويطردهم عن بابه ويعمي قلوبهم ويصم أسماعهم * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) * قال ابن عطاء الله : إنما لم يرض الدنيا لهم وجعل الدار الآخرة محلا لجزائهم لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ولأنه أجل أقدارهم أن يجازيهم في دار لا بقاء لها (أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي (في) كتاب (الزهد عن عائشة) 4285 (الدنيا لا تصفو لمؤمن كيف) تصفو له (وهي سجنه وبلاؤه) قال ابن عطاء الله إنما جعلها الله محلا للأغيار ومعدنا لوجود البلاء والأكدار تزهيدا لك فيها فأذاقنك من ذواقها الأكدار فمن عرف ذلك ثم ركن فما هو إلا أسفه لخلق وأقلهم عقلا ، آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم وباع حياة الأبد في أرغد عيش بحياة عن ظل زائل وحال حائل . " إن اللبيب بمثلها لا يخدع " فحق على كل عاقل يعلم أن الدنيا جمة المصائب كدرة المشارب تشمر للبرية أصناف البلية فيها مع كل لقمة غصة ومع كل جرعة شرقة فهي عدوة محبوبة كما قال أبو النواس : إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق وكما روى عن الحسن ما مثلنا مع الدنيا إلا كما قال كثير عزة أسيئ بنا أو أحسني لا ملومة * لدنيا ولا مقلبة إن تقلت فما أحد فيها إلا وفي كل حال غرض لأسهم ثلاثة : سهم بلية ، وسهم رزية ، وسهم منية . كما قيل : تناضله الآفاق من كل جانب * فتخطئه يوما ويوما تصبيه وقال حكيم : أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد فمن أحب أن يعيش هو وأهله وأحبابه فهو غافل وقال الحكماء : من قال لغيره صانك الله من نوب الأيام وصروف الزمان فإنه يدعو عليه بالموت فالإنسان لا
[ 737 ]
ينفك من ذلك إلا بخروجه من دار الكون والفساد . (تتمة) قال ابن عطاء الله : لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها وإنما جعلها محلا للأغيار ومعدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها . (لطيفة) في تذكرة المقريزي في ترجمة العلائي أن من شعره : ومن رام في الدنيا حياة خلية * من الهم والأكدار رام محالا فهاتيك دعوى قد تركت دليلها * على كل أبناء الزمان محالا وقال الجنيد : لست أتبشع ما يرد علي من العالم في هذه الدار لأني قد أصلت أصلا وهو أن ما في الدنيا كله شر فمن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل والأصل هو الأول اه‍ قال بعض العارفين : فينبغي للإنسان أن يصحب الناس على النقص ويعاملهم بالكمال فإن ظهر الكمال فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول (ابن لال عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وذكر أن الحاكم خرجه . 4286 (الدهن يذهب بالبؤس والكسوة) أي تحسينها (تظهر الغنى والإحسان إلى الخادم) في المأكل وحسن الهيئة والملبس (مما يكبت الله به العدو) أي يحزنه قال في الفردوس : الفقر وكبت العدو أي صرعه وأذله ويقال أحزنه والمكبوت الحزين (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن طلحة) بن عبيد الله ورواه الطبراني والديلمي عن عائشة . 4287 (الدواء من القدر وقد ينفع) في إزالة الداء أو تخفيفه (بإذن الله) الذي لا ينفع شئ ولا يضر إلا بإذنه وهذا قاله لما سئل هل ينفع الدواء من القدر ؟ فهو الذي قدر الداء والدواء (طب وأبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني : فيه صالح بن بشير المري وهو ضعيف . 4288 (الدواء من القدر وهو ينفع) أي ينفع الله به (من شاء) نفعه من خلقه (بما شاء) من الأدوية فربما يكون دواء لشخص لا يكون دواء لآخر مع اتحاد العلة فالشافي في الحقيقة هو الله
[ 738 ]
والأدوية أسباب وهذا قاله وقد سئل هل ينفع الدواء من القدر (ابن السني) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا . 4289 (الدواوين) جمع ديوان بكسر الدال وقد تفتح فارسي معرب قال ابن العربي : هو الدفتر قال في المغرب الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها لأنها قطعة من القراطيس مجموعة قال الطيبي والمراد هنا صحائف الأعمال (ثلاثة فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا) يقال ما عبأت به إذا لم أبال به وأصله من العبب أي الثقل كأنه قال ما أرى له وزنا ولا قدر قال تعالى * (ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) * (وديوان لا يشرك الله منه شيئا) بل يعمل فيه بقضية العدل بين أهله (فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا فالإشراك بالله) قال تعالى * (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) * (وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم) مفروض (تركه أو صلاة) مفروضة (تركها فإن الله يغفر ذلك) لمن فرط منه (إن شاء) أن يغفره (ويتجاوز) عنه فإنه حق كريم وشأن الكريم المسامحة (وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فمظالم العباد) بعضهم بعضا (بينهم ، القصاص لا محالة) أي لا بد أن يطالب بها حتى يقع القصاص من بعضهم لبعض قال الطيبي : إنما قال في القرينة الأولى لا يغفر الله ليدل على أن الشرك لا يغفر أصلا وفي الثالثة لا يترك ليؤذن بأن حق الغير لا يهمل قطعا إما بأن يقتص من خصمه أو يرضيه الله عنه وفي الثانية لا يعبأ ليشعر بأن حقه تعالى مبني على المساهلة فيترك كرما وجودا ولطفا (حم ك) في الفتن من حديث صدقة بن أبي موسى عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس (عن عائشة) قال الحاكم : صحيح فرده الذهبي بأن صدقة ضعفوه وابن بابنوس فيه جهالة وقال الهيثمي : في سند أحمد صدقة بن أبي موسى ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات . 4290 (الديك الأبيض صديقي) لأنه أقرب الحيوانات صوتا إلى الذاكرين الله وهو يحفظ غالب أوقات الصلاة ويوقظ لها فهو لإعانته على ما يوصل إلى الرحمة والبركة كالصديق لمن هو أقرب إلى الرحمة ، فتدبر ، وما ذكر من أن اللفظ صديقي هو ما في خط المصنف ولعله سبق قلم من رواية أخرى فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر وغيره تبعا لابن الأثير معزوا لتخريج ابن
[ 739 ]
قانع إنما هو خليلي بدل صديقي ولم يحكوا سواه (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق هارون بن نجيل عن جابر بن مالك (عن أيوب) بوزن أحمد وآخره موحدة ذكر ابن حجر (بن عتبة) صحابي قال ابن الأثير : قال أحمد حديث منكر لا يصح إسناده وفي الإصابة ذكره الدارقطني في المؤتلف وقال : لا يصح سنده وفي التجريد جزما هذا حديث منكر وفي اللسان عن ذيل الميزان جابر بن مالك عن أيوب بن عتبة إن الديك الأبيض إلخ وعنه هارون بن نجيل آفته أحدهما فإن رجال إسناده كلهم معروفون غيرهما قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف : لا يصح إسناده وابن ما كولا لا يثبت إلى هنا كلامه . 4291 (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو وعدو الله) تمامه كما ذكره المؤلف في الموضوعات كابن الجوزي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت اه‍ وله أسماء كثيرة وكثرتها تدل على شرف المسمى غالبا فمنها الزاووق وقال الزمخشري : الزواقي الديكة لأنهم يسمرون فتثقل عليهم زقاوها لانقطاع السمر عنهم بإبتلاج الفجر (أبو بكر البرقي) بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء نسبة إلى برفة بلد بالمغرب خرج منها جمع كثير من العلماء في كل فن من حديث ابن أبي السري عن محمد بن حمير عن محمد بن مهاجر عن عبد الله بن عبد العزيز القرشي (عن أبي زيد الأنصاري) واسمه عمرو بن أحطب صحابي مشهور بكنيته ومحمد بن حمير وضاع وشيخه ليسس بشئ بل كذبه بعضهم ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوع وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره فسلمه ولم يتعقبه فأعجب له كيف أورده هنا . 4292 (الديك) بكسر الدال (الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي) يوافقه خبر أبي نعيم لا تسبوا الديك فإنه صديقي وأنا صديقه وعدوه عدوي والذي بعثني بالحق لو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا لحمه وريشه بالذهب والفضة وإنه ليطرد مدى صوته من الجن اه‍ (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن عائشة وعن أنس) بن مالك معا . 4293 (الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور) أي يحرس دار صاحبه وأهل سبعة دور حول داره أن يصيبهم مكروه أو سوء وللديك خصوصية ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط صوته فيه تقسيطا لا يكاد يتفاوت ويتوالى صياحه قبل الفجر وبعده فلا
[ 740 ]
يكاد يخطئ طال الليل أم قصر ومن ثمة أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المتجرب في الوقت (البغوي) في المعجم من حديث أبي روح البلدي عن أبي شهاب عن طلحة بن يزيد عن الأخوص (عن خالد بن معدان) مرفوعا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال : مقطوع وطلحة متروك وتعقبه المؤلف بأن ابن حجر قال : لم يبين لي الحكم على متنه بالوضع وإنما رواته ضعفاء . 4294 (الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل) أمين الوحي (يحرس بيته) أي المحل الذي هو فيه من بيت أو غيره (وستة عشر بيتا من جيرانه) الملاصقين له من الجهات الأربع كما بينه في قوله (أربعة عن اليمين) أي عن يمين البيت الذي هو فيه (وأربعة عن الشمال وأربعة من قدام وأربعة من خلف) زاد أبو نعيم في روايته وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبيته معه في البيت (عق وأبو الشيخ [ ابن حبان ]) ابن حبان (في) كتاب (العظمة) كلاهما (عن أنس) قال في الميزان : عن ابن أبي حاتم حديث منكر وتبعه المصنف في الدرر فقال : هو منكر وظاهر كلامه هنا أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال في ترجمة أحمد بن محمد البزي : هو منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق مما أنكروه عليه هذا الخبر وقال ابن أبي حاتم : روى حديثا منكرا ثم أورد له هذا وقال أبوه أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه ، وفيه أيضا الربيع بن صبيح أورده الذهبي وغيره في الضعفاء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فقال : موضوع الربيع ضعيف والبزي منكر الحديث وتبعه المؤلف على ذلك في مختصرها ولم يذكر إلا كلام ابن حجر السابق . 4295 (الديك يؤذن بالصلاة) أي يعلم بدخول وقتها فيجوز الاعتماد عليه (من اتخذ ديكا أبيض حفظ من ثلاثة : من شر كل شيطان وساحر وكاهن) قال الجاحظ : زعم أهل التجربة أن ذابح الديك الأفرق لم يزل ينكب في ماله . قال الداودي : يتعلم من الديك خمس خصال : حسن الصوت والقيام في السحر والغيرة والسخاء وكثرة الجماع (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مخرجه البيهقي : هذا إسناد مرسل وهو به أشبه . 4296 (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي يحرس دار صاحبه وتسع دور
[ 741 ]
حولها) قد أفرد الحافظ أبو نعيم أخبار الديك بتأليف ، وقد ذكر بعض المجربين أنه ما ذبح في دار إلا وأصاب أهله نكبة (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن أبي يزيد الأنصاري) قال الخطيب ولا يصح ، وقال السخاوي : أخبار الديك كلها فيها ركة ولا رونق لها اه‍ . 4297 (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أشار إلى أن الربا يحرم في الذهب والفضة إلا الفلوس وإن راجت لعلة الثمينة الغالبة فالربويات بعلة واحدة إن اتحد جنسها كبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض وبيان ذلك موضح في كتب الفروع (م ن عن أبي هريرة) . 4298 (الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز) أي إذا لم تخرج زكاته فهو كنز وإن كان على وجه الأرض لم يدفن فيدخل في قوله تعالى * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * بخلاف ما لو أديت زكاته فإن حكمه ليس حكم المكنوز وإن دفن في الأرض فلا يشمله الوعيد (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف ورواه عنه في الفردوس وبيض لسنده . 4299 (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بين شئ من ذلك) زاد في رواية فمن زاد أو استزاد فقد أربى وفي أخرى فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقايضة (طب ك) في البيع (عن أبي أسيد الساعدي) بفتح الهمزة مالك بن ربيعة قال راويه عن أبي أشيد سمعته وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد وأغلظ فقال ابن عباس : ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في مثل هذا فقال له أسيد : أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقال ابن عباس : إنما هذا شئ كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه شيئا اه‍ . قال الحاكم : على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني : إسناده حسن .
[ 742 ]
4300 (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق) بتثليث الراء والكسر أفصح أي فضة (فليصطرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصطرفها بالورق) لفظ الحاكم في الموضعين ليصرفها والباقي سواء (والصرف ها وها) بالمد والقصر بمعنى خذ وهات فيشترط التقابض في الصرف بالمجلس (ه ك عن علي) أمير المؤمنين ، وفيه العباس بن عثمان بن شافع جد الإمام الشافعي عن عمر بن محمد بن الحنفية . قال في الميزان : لم أر عنه راويا سوى ولده محمد أيضا ورواه عنه أيضا الحاكم وقال : صحيح غريب وأقره الذهبي . 4301 (الدين) بكسر الدال (يسر) أي الإسلام ذو يسر أي مبني على التسهيل والتخفيف وهو بمعناه (ولن يغالب) في رواية ولن يشاد قال في مختصر الفتح : وسمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة للأديان قبله لأنه تعالى رفع عن أهله الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم (1) وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم (الدين) أي لا يقاويه (أحد إلا غلبه) يعني لا يتعمق فيه أحد وترك الرفق ويأخذ بالعنف إلا غلبه الدين وعجز المتعمق وانقطع قال ابن حجر الدين منصوب على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وحكى في المطالع أن أكثر الروايات برفع لا دين على أن يغالب أو يشاد بالبناء للمفعول وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بينهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة ، قال ابن المنير : فيه علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد من أخذ بالأكمل في العبادة لأنه من الأمور المجموعة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبه النوم آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة أو إلى خروج الوقت المختار أو إلى طلوع الشمس (هب عن أبي هريرة) ورواه البخاري بلفظ إن الدين إلخ . (1) ومنها قطع الأعضاء الخاطئة وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض وتعين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية وترك العمل في السبت وأن صلاتهم لا تجوز إلا في كنائسهم وغير ذلك من التشديدات ، شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق أي في قوله تعالى * (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) * . 4302 (الدين النصيحة) أي عماده وقوامه النصيحة على وزان الحج عرفة فبولغ في النصيحة
[ 743 ]
حتى جعل الدين كله إياها وبقية الحديث كما في صحيح مسلم قالوا : لمن يا رسول الله قال لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم قال بعضهم : هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها وقال النووي : بل المدار عليه وحده ولما نظر السلف إلى ذلك جعلوا النصيحة أعظم وصاياهم قال بعض العارفين : أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم وظاهر الخبر وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح ومن قبل النصيحة أمن الفضيحة ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه (تنبيه) قال بعض العارفين : النصاح الخيط والمنصحة الأبرة والناصح الخائط والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو نحوه فينتفع به بتأليفه إياه وما ألفه إلا لنصحه والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله وبين خلقه وقال القاضي الدين في الأصل الطاعة والجزاء والمراد به الشريعة أطلق عليها لما فيها من الطاعة والانقياد (تخ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد الشيخين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الدرر إلى مسلم من حديث تميم الداري وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود وأحمد موصولا وإلى البخاري معلقا وعزاه النووي في الأذكار إلى مسلم . 4303 (الدين) بفتح الدال (شين الدين) بكسر الدال أي يعيبه قال الحرالي : الدين في الأمر الظاهر معاملة على تأخير كما أن الدين بالكسر فيما بين العبد وبين الله معاملة على تأخير وفي شرح الشهاب لما جمع الدين محاسن الإسلام ظاهرا وجمال الإيمان باطنا نهى عن شين هذا الجمال بالدين وذلك لشغل القلب بهمه وقضائه والتذلل للغريم عند لقائه وتحمل منته إلى تأخير أدائه وربما يعد بالوفاء فيخلف أو يحد ث الغريم بسببه فيكذب أو يحلف فيحنث أو يموت فيرتهن به (أبو نعيم في) كتاب (المعرفة عن مالك بن يخامر) بضم التحتية والمعجمة وكسر الميم الحمصي السكسكي قال الذهبي يقال له صحبة اه‍ وقال أبو نعيم : لم تثبت ، وفيه عبد الله بن شبيب الربعي قال في الميزان : أخباري علامة لكنه واه وقال الحاكم : ذاهب الحديث وبالغ فضلك فقال : يحل ضرب عنقه وقال ابن حبان : يقلب الأخبار ثم ساق له هذا الخبر (القضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن مالك المذكور (عن معاذ) بن جبل وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال : مختلف فيه وليس بالقوي لكن قال العامري في شرحه : حسن . 4304 (الدين) بفتح الدال المشددة (راية الله في الأرض) أي التي وضعها فيها لإذلال من شاء
[ 744 ]
إذلاله (فإذا أراد أن يذل عبدا) بين خلقه (وضعها في عنقه) وذلك بإيقاعه الاستدانة ويترتب عليها الذل والهوان ولهذا تكرر في عدة أحاديث استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه ، فإن قيل إذا كان الدين كذلك فكيف استدان المصطفى صلى الله عليه وسلم قيل إنما تداين في ضرورة ولا خلاف في عدم ذمه للضرورة فإن قيل لا ضرورة لأن الله خيره أن يكون بطحاء مكة له ذهبا أجيب بأنه خيره فاختار الإقلال والقنع وما عدل عنه زهدا فيه لا يرجع إليه فالضرورة لازمة قال ابن العربي : والدين عبارة عن كل معنى يثبت في ذمة الغير للغير في الذمة مؤجل أو حال (ك) في البيع من حديث بشر بن عبيد الدريسي عن حماد عن أيوب عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم : على شرط مسلم ورده الذهبي فقال : بشر واه فالصحة من أين ؟ 4305 (الدين دينان) بفتح الدالين (فمن مات وهو) أي والحال أنه (ينوي قضاءه) أي وفاءه لصاحبه متى تمكن (فأنا وليه) أي أقضيه عنه مما يفئ الله بمن نحو غنيمة (ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك) أي المدين الذي لم ينو الوفاء (هو الذي يؤخذ من حسناته) يوم القيامة فيعطي لرب الدين فإنه (ليس يومئذ) أي يوم الحساب (دينار ولا درهم) يوفي به فإن لم تف به حسناته أخذ من سيئات خصمه فألقيت عليه ثم طرح في النار كما جاء في خبر أما من كانت نيته الوفاء متى تمكن فلا يتمكن فلم يؤخذ من حسناته لعدم تقصيره (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الديلمي رمز المصنف لحسنه . 4306 (الدين) بفتح الدال (هم بالليل) فإن المديون إذا خلى بنفسه وتذكر أنه إذا أصبح طولب وضيق عليه ولم يجد للخلاص حيلة لم يزل طول ليله في غم وهم حتى حال النوم بأن يرى أحلاما منكدة من تلك الجهة (ومذلة بالنهار) لا سيما إذا كان خصمه ألد سئ التقاضي فهو البلاء الأكبر والموت الأحمر والقصد بهذه الأخبار الإعلام بأن الدين مكروه لما فيه من تعريض النفس للمذلة فإن دعت إليه ضرورة فلا كراهة بل قد يجب ولا لوم على فاعله وأما بالنسبة إلى معطيه فمندوب لأنه من الإعانة على الخير (فر عن عائشة) ثم قال أعني الديلمي : وفي الباب أنس وغيره . 4307 (الدين) بالفتح (ينقص من الدين) بكسرها أي يذهب منه فإنه ربما جر إلى التسخط
[ 745 ]
بالقضاء أو إلى الاحتيال بتحصيل شئ من غير حله ليرضي به رب الدين أو نحو ذلك كله حط من الديانة (و) من (الحسب) بالتحريك أي أنه مزر به وهذا وما قبله مسوق للتنفير من الاستدانة والزجر عن مفارقة ما يؤدي إليها (فر عن عائشة) وفيه الحكم ابن عبد الله الأيلي قال الذهبي في الضعفاء متروك متهم بالوضع ورواه عنها أيضا أبو الشيخ [ ابن حبان ] ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى . 4308 (الدين) بالفتح (قبل الوصية) أي يجب تقديم وفائه على تنفيذها (وليس لوارث وصية) إلا أن يجيز الورثة ، والوصية لغة من وصلت الشئ وصلته سميت به لأنه وصل خير دنياه بخير عقباه وإذا أريد بها مايخرج من الثلث وهي المراد هنا والمبوب لها في الفقه فعرفت بأنها عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته (هق) من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين قال الذهبي في المهذب : ويحيى ضعيف اه‍ وأخرجه الدارقطني عن علي يرفعه وفيه عاصم لينه ابن عدي عن شبيب بن شعبة ثقة له غرائب وشيخه يحيى بن أبي أنيسة تالف ذكره الغرياني وغيره وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر بمثله قال ابن حجر : وسنده ضعيف .
[ 746 ]
* حرف الذال 4309 (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا) أي قنع بالله ربا واكتفى به ولم يطلب غيره (وبالإسلام دينا) بأن لم يسع في غير طريقه قال الطيبي : ولا يخلو إما أن يراد بالإسلام الانقياد كما في حديث جبريل أو مجموع ما يعببالدين عنه في خبر بني الإسلام على خمس ويؤيد الثاني اقترانه بالدين لأن الدين جامع بالاتفاق وعلى التقديرين هو عطف على قوله بالله ربا عطف عام على خاص وكذا قوله (وبمحمد رسولا) بأن لم يسلك إلا ما يوافق شرعه ومن كان هذا نعته فقد وصلت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه ، شبه الأمر الحاصل الوجداني من الرضا بالأمور المذكورة بمطعوم يستلذ به ثم ذكر المشبه به وأراد المشبه ورشح بقوله ذاق فإن قيل : الرضى بالثالث مستلزم للأولين فلم ذكرها ؟ قلنا : التصريح بأن الرضا بكل منهما مقصود قال الراغب : والذوق وجود الطعم في الفم وأصله فيما يقل تناوله وإذا كثر يقال له الأكل واستعمل في القرآن بمعنى وجود الإصابة إما في الرحمة نحو * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) * وإما في العذاب نحو * (ليذوقوا العذاب) * وقال غيره الذوق ضرب مثلا لما ينالونه عند المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخير (حم م ت) في الإيمان (عن العباس بن عبد المطلب) ولم يخرجه البخاري . 4310 (ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين) شبه الذاكر الذي يذكر الله بين جماعة ولم يذكروا بمجاهد يقاتل الكفار بعد فرار أصحابه منهم فالذاكر قاهر لجند الشيطان وهازم له والغافل مقهور . وقال ابن عربي : عليك بذكر الله بين الغافلين عن الله بحيث لا يعلم بك فتلك خلوة العارف بربه وهو كالمصلي بين النيام (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال الأوسط وثقوا وقضيته أن رجال الكبير لم يوثقوا فلو عزاه المصنف للأوسط لكان أحسن . 4311 (ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين) لأن أهل الغفلة قد تعلقت قلوبهم
[ 747 ]
بالأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فإذا ذكر الله بينهم كان فيه ردا عليهم غيبتهم وجفرهم وسوء صنيعهم وإعراضهم عن الذكر فكان ذاكر الله فيهم كحامي الفئة المنهزمة فهو يطفئ ثائرة غضب الله على من أعرض عن ذكره * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * ومن ثمة شرع لداخل السوق الذي هو محل الغفلة الذكر المشهور ورتب عليه ذلك الجزاء العظيم الذي لم يقع مثله في حديث صحيح إلا قليلا (وذاكر الله في الغافلين) كرره ليناط به في كل مرة ما لم ينط به أولا ، ذكره الطيبي (كالمصباح في البيت المظلم) شبه الذاكر بالسراج الذي يستضئ به أهل البيت ويهتدون به إلى المصالح ويحترزون بضوئه من الهوام (وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات من الصريد الضريب) 1) أي تتساقط من شدة البرد والضريب الصقيع ويروى من الجليد شبه الذاكر بالغصن الأخضر الذي يعد للإثمار والغافل باليابس الذي يهيأ للإحراق ذكره القاضي . قال الحكيم : فكذلك أهل الغفلة أصابهم حريق الشهوات فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان فالذاكر قلبه رطب بذكره فلم يضره قحط ولا برد وأما أهل الغفلة كأهل الأسواق فالحرص فيهم كامن وكلما ازداد الواحد منهم طلبا ازداد حرصا فأقبل العدو فنصب كرسيه في وسط أسواقهم وركز رايته وبث جنوده فحملهم على الغفلة فأضاعو الصلاة ومنعوا الحقوق فأهل الغفلة على خطر عظيم من نزول العذاب والذاكر ببينهم يرد غضب الله فيدفع بالذاكر عن الغافل وبالمصلي عمن لا يصلي (وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده من الجنة) أي في الدنيا بأن يكشف له عنه فيراه أو يرى له أو في القبر (وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجمي) فالفصيح بنو آدم والأعجمي البهائم هكذا ذكره متصلا مخرجه أبو نعيم فما أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسيره الراوي ، شبه الذاكر بشجرة خضراء لها منظر بين الأشجار سقياها من فيض العطوف الغفار فهي رطبة بذكره لينة بفضله وأهل الغفلة بأشجار جفت فسقط ورقها ويبست أغصانها لأن حريق الشهوة أصابهم فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان وذهبت طلاوة الوجوه وسمتها وسكون النفوس وهديها فلم يبق ثمر ولا ورق وما بقي من أثمر فمر أو حلو لا طعم له كدر اللون عاقبته التخمة فهي أشجار بهذه الصفة (حل) وكذا البيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف أي وذلك لأن فيه عمران بن مسلم القصير قال في الميزان : قال البخاري منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر . (1) [ كلمة " الضريب " لم ترد في متن الجامع الصغير ولا في الفتح الكبير للنبهاني . دار الحديث ] 4312 (ذاكر الله) شهر (رمضان مغفور له) من الله وسكت عن الفاعل للعلم به (وسائل الله
[ 748 ]
فيه) شيئا من الخير في الدين أو الدنيا (لا يخيب) بفتح أوله أو ضمه وإنما قال ذاكر الله في رمضان ولم يقل ذاكر الله وهو صائم ليبين شمول الحكم لليل . (طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه هلال بن عبد الرحمن وهو ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء : منكر الحديث وأقول : فيه أيضا عبد الله بن علي بن جدعان قال الدارقطني : لا يزال عندي فيه لين وقال الذهبي في الضعفاء : قال أحمد ويحيى ليس بشئ وأبو زرعة : غير قوي . 4313 (ذاكر الله خاليا) أي في محل خال لا يطلع عليه فيه إلا الله والحفظة (كمبارزة إلى الكفار من بين الصفوف خاليا) أي ليس معه أحد فذكر الله في الخلوات يعدل في الثواب جوده بنفسه في القتال في الفلوات وهذا التنويه عظيم بفضل الذكر ومن ثمة كانت جميع العبادات تزول يوم القيامة إلا الذكر قال الإمام الرازي : جميع التكاليف الظاهرة من صلاة أو غيرها تزول في عالم القيامة إلا الذكر والتوحيد لدلالة القرآن على مواظبتهم على الحمد والمواظبة عليه مواظبة عليهما قال الغزالي قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسألني أن أملي عليه شيئا من ذكري الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال : ما نكتب لك عملا ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله فقلت : ألستما تكتبان الفرائض قالا : بلى قلت فيكفيكما ذلك قال الغزالي : وذا إشارة إلى أن الكاتبين لا يطلعان على أسرار القلب إنما يطلعان على الأعمال الظاهرة (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض له ولده . 4314 (ذبح الرجل أن تزكيه في وجهه) أي تزكيته في وجهه بمنزلة الذبح له إذا جعل ذلك المادح وسيلة إلى طلب شئ منه فإنه تلجئه شدة الحياء إلى الإجابة كرها فيتألم لذلك تألما يكاد أن يضاهي تألم المذبوح (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) هو إما بفتح المثناة الفوقية وفتح المثناة التحتية نسبة إلى تيم بالتحريك بطن من غافق أو بفتح الفوقية وسكون التحتية نسبة إلى قبيلة تيمة بالسكون وهو الزاهد العابد (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها . 4315 (ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله) عند الذبح (أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا
[ 749 ]
اسم الله) احتج به من ذهب إلى عدم وجوب التسمية على الذبيحة وهم الجمهور فقالوا : هي سنة لا واجبة والمذبوح حلال سواء تركها سهوا أو عمدا وفرق أحمد بين العامد والناسي ومال إليه الغزالي في الإحياء حيث قال : في مراتب الشبهات المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل المخالف فمنه التورع عن أكل متروك التسمية فإن الآية أي وهي * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * ظاهرة في الإيجاب والأخبار متواترة بالأمر بها لكن لما صح قول المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم يحتمل كونه عاما موجبا لصرف الأية والأخبار عن ظاهر الأمر ويحتمل تخصيصه بالناسي والثاني أولى إلى هنا كلامه . وهذا الحديث الذي حكم بصحته بالغ النووي في إنكاره وقال : هو مجمع على ضعفه قال : وقد خرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال : منكر لا يحتج به (د في مراسيله عن الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام وآخره مثناة السدوسي مولى سويد بن منجون (مرسلا) قال عبد الحق : هو مع إرساله ضعيف قال ابن القطان : وعليه إن الصلت لا يعرف حاله قال ابن حجر في التخريج : رواه البيهقي من حديث ابن عباس موصولا وفي سنده ضعف وأعله ابن الجوزي بمغفل بن عبد الله فزعم أنه مجهول فأخطأ لكن قال البيهقي : الأصح وقفه على ابن عساكر وقال في الفتح : الصلت ذكره ابن حبان في الثقات وهو مرسل جيد أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا . 4316 (ذبوا) أي امنعوا وادفعوا (عن أعراضكم) بفتح الهمزة (بأموالكم) تمامه عند مخرجه الخطيب قالوا : يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا قال : تعطون الشاعر ومن تخافون لسانه اه‍ بلفظه (خط عن أبي هريرة ، ابن لال) أبو بكر (عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا . 4317 (ذراري المسلمين) أي أطفالهم من الذر بمعنى التفريق لأن الله فرقهم في الأرض أو من الذرء بمعنى الخلق (يوم القيامة تحت العرش) أي في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شافع) أي كل منهم شافع عند الله فيمن أذن له (ومشفع) أي مقبول الشفاعة غير مردودها (من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم ، قال تعالى * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * قال علي وابن عمر رضي الله عنهم : هم أطفال المسلمين قال المصنف : ثم إذا دخلوا الجنة كانوا مع أرفع الأبوين مكانا وخير الوالدين فضلا وإحسانا (ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله) أي
[ 750 ]
فعليه وزر ما فعل بعد البلوغ من المعاصي وله أجر ما فعل من الطاعات وظاهره أن التكليف منوط ببلوغ هذا السن لكن مذهب الشافعية أن البلوغ وجريان القلم إما بالاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فما أوهمه عدول المصنف لذينك من أنه لا يوجد لأحد من المشاهير غير سديد ثم إن فيه ركن الشامي قال في الميزان : وهاه ابن المبارك وقال النسائي والدارقطني : متروك ثم ساق هذا الخبر وفي اللسان عن الحاكم أنه يروي أحاديث موضوعة . 4218 (ذراري المسلمين) أي أرواح أطفالهم (في عصافير خضر) تعلق (في شجر الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم) الخليل عليه السلام وفي رواية وسارة امرأته قال المصنف : وروى ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود وهو كمرفوع السند أن أطفال المسلمين ملوك في الجنة أما ذراري الكفار ففيهم ثلاثة أقوال قال النووي وهو قول الأكثر : إنهم في النار إذ الغالب أن ولد اليهودي يتهود وولد النصراني يتنصر وولد المسلم يسلم لما غلب على الطبائع من التقليد والحرص على المألوف والميل إلى متابعة الآباء وتعظيم شأنهم وترويج آدابهم فحكمنا بإسلام ولد المسلم وترقبنا خلاصه وسحبنا كفر الكافر على ولده وخفنا عليه بناء على هذا الأمر الظاهر وإن احتمل غيره كما يتوقع الخلاص للصالح المذعن ويخاف على الفاسق المتمرد إن جاز عكسه . الثاني : أنهم في الجنة وصححه النووي لخبر إبراهيم حين رآه في الجنة وحوله أولاد الناس وأما حديث البخاري الله أعلم بما كانوا عاملين فلا تصريح فيه بأنهم في النار الثالث الوقف ورجحه البيضاوي فقال : الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم كون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل موجبهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالواجب في حقهم الوقف فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد حتى لو عاش عمل بعمل أهل الجنة ومنهم بالعكس اه‍ (ص عن مكحول مرسلا) . 4319 (ذراري المسلمين) في الجنة كما في رواية أحمد (يكفلهم إبراهيم) الخليل زاد في الرواية المارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ومر أن الأرواح تتفاوت في المقر أعظم تفاوت بحسب مقاماتها ومراتبها قال المصنف : ورد في حديث أن في الجنة شجرة من خير الشجر لها ضروع كضروع البقر فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضعوا منها قال : وروى ابن أبي حاتم عن خالد أن السقط يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى يوم القيامة (أبو بكر ابن أبي داود) كتاب (البعث عن أبي
[ 751 ]
هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أعلى ممن عزاه إليه وإلا لما أبعد النجعة واقتصر عليه وهو تقصير فقد رواه الإمام أحمد باللفظ المزبور ورواه الحاكم والديلمي وابن عساكر . 4320 (ذروة الإسلام) أي أعلاه (أربع خصال الصبر للحكم) أي حبس النفس على كريه يتحمله أو لذيذ يفارقه انقيادا لقضاء الله (والرضا بالقدر) بالتحريك أي بما قدره الله في الأزل بأن يترك الاختيار وتطمئن نفسه على الواقع به لا يلتمس تقدما ولا تأخرا ولا يستزيد مزيدا ولا يستبدل حالا (والإخلاص للتوكل) أي إفراد الحق سبحانه في التوكل عليه وتفويض سائر أموره إليه والاستسلام للرب أي الانقياد إليه في أحكامه من الأوامر والنواهي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم ولولا ثلاث خصال صلح الناس شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . (حل عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا الديلمي . 4321 (ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله والذروة من كل شئ أعلاه وسنام الشئ أعلاه فالجمع بينهما هنا للمبالغة (لا يناله إلا أفضلهم) يعني أفضل المسلمين المدلول عليه بلفظ الإسلام فإن جاد بنفسه لله فهو أفضلهم بلا نزاع (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته وهو غير صواب فقد أعله الهيثمي بأن فيه علي بن يزيد وهو ضعيف اه‍ فالحسن فضلا عن الصحة من أين ؟ . 4322 (ذر الناس يعملون) ولا تطمعهم في ترك العمل والاعتماد على مجرد الرجاء (فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) ودخول الجنة وإن كان إنما هو بالفضل لا بالعمل فرفع الدرجات فيها بالأعمال (والفردوس) أي وجنة الفردو س (أعلاها درجة وأوسطها وفوقها عرش الرحمن) فهو سقفها (ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس) قال ابن القيم : أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأعلاها ذاتا وقدرا عرش الرحمن وكل ما قرب إلى العرش كان أنور وأرهز فلذا كان الفردوس أعلا الجنان وأفضلها (حم ت عن معاذ) بن جبل .
[ 752 ]
4323 (ذروا الحسناء العقيم) أي التي لا تلد (وعليكم بالسوداء الولود) كان القياس مقابلة الحسناء بالقبيحة لكن لما كان السواد مستقبحا عند أكثر الناس قابله به وزاد أبو يعلى في روايته فإني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محنطئا بباب الجنة فقال له : ادخل الجنة فيقول : حتى يدخل والدي معي (عد) وكذا الموصلي والديلمي (عن ابن مسعود) وفيه حسان بن الأزرق ضعفه الدارقطني وغيره وأورد له ابن عدي ثمانية عشر حديثا مناكير وعد هذا منها ونقله عنه في الميزان وقال في اللسان : قال ابن عدي : لا يتابع عليها والضعف على الحديث بين اه‍ . وبه يعرف أن سكوت المصنف على عزوه لابن عدي وحذفه من كلامه إعلاله غير صواب . 4324 (ذروا العارفين المحدثين) بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم وهو من ألقى في نفسه شئ على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى (من أمتي لا تنزلوهم الجنة ولا النار) أي لا تحكموا لهم بإحدى الدارين (حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة) يظهر أن المراد بهم المجاذيب ونحوهم الذين يبدو منهم ما ظاهره يخالف الشرع فلا يتعرض لهم بشئ ويسلم أمرهم إلى الله (خط) من حديث أيوب بن سويد عن سفيان عن خالد عن عبد الله بن مسور عن محمد بن الحنفية (عن) أبيه (علي) أمير المؤمنين وأيوب قال الذهبي في الكاشف : ضعفه أحمد وغيره وابن المسور قال في الميزان : غير ثقة وقال أحمد وغيره : أحاديثه موضوعة وقال النسائي والدارقطني : متروك ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر . 4325 (ذروني) أي اتركوني من السؤال (ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم من الأمر بالشئ والنهي عنه فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يعينكم في دينكم مهما أنا تارككم لا أقول لكم شيئا فقد يوافق ذلك إلزاما وتشديدا وخذوا بظاهر ما أمرتكم ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب ولا تكثروا من الاستقصاء فيما هو مبين بوجه ظاهر وإن صلح لغيره لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه فيضاهي قصة بقرة بني إسرائيل شددوا فشدد عليهم فخاف وقوع ذلك بأمته ومن ثمة علله بقوله (فإنما هلك من كان قبلكم) من أمم الأنبياء (بكثرة سؤالهم) إياهم عما لا يعنيهم (واختلافهم) بالضم لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا تقييد حينئذ بكثرة السؤال بخلاف ما لو جر هذا ما جرى عليه بعض الشارحين وقال بعضهم : واختلاف عطف على الكثرة لا على السؤال لأن الاختلاف على الأنبياء حرام قل أو كثر وأثر تركتكم على ذرتكم ماضي ذروني لأن العرب لم تستعمله إلا في الشعر اغتناء عنه بترك كودع ماضي يدع (على أنبيائهم) فإنهم استوجبوا بذلك اللعن والمسخ وغير ذلك من البلايا والمحن وكثرة السؤال
[ 753 ]
لتفرق القلوب ووهن الدين ومشعر بالعنت وأكثره مما ألبس فتنة أو شرب وأعقب عقوبة فلا ملجأ لما قيل إن النهي يخص زمن النبي صلى الله عليه وسلم من خوف تحريم أو إيجاب يشق لا يقال السؤال مأمور به بنص * (فاسألوا أهل الذكر) * فكيف يكون مأمورا منهيا لأنا نقول إنما هو مأمور فيما يأذن المعلم في السؤال عنه والحاصل أن من الناس من فرطفسد باب المسائل حتى قل فهمه وعلمه ومنهم من أفرط فتوسع حتى أكثر الخصومة والجدل بقصد المغالية وصرف وجوه الناس إليه حتى تفرقت القلوب وانشحنت بالبغضاء ومنهم من اقتصد فبحث عن معاني الكتاب والسنة والحلال والحرام والرقائق ونحوها مما فيه صفاء القلوب والإخلاص لعلام الغيوب وهذا القسم محبوب مطلوب والأولان مذمومان وبذلك عرف أن ما فعله العلماء من التأصيل والتفريع والتمهيد والتقرير في التأليفات مطلوب مندوب بل ربما كان واجبا شكر الله سعيهم قال ابن حجر : وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما ينذر سيما في المختصرات ليسهل تناوله (فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه) وجوبا في الواجب وندبا في المندوب (ما استطعتم) أي أطقتم لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود وذلك يتوقف على شرائط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وبعضه لا يستطاع وبعضه له فلا جرم يسقط التكليف بما لا يستطاع إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وبدلالة الموافقة له يخص عموم * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * ويؤخذ منه كما قال النووي في الأذكار : ينبغي لمن بلغه شئ من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا يتركه مطلقا بل يأتي بما تيسر منه لهذا الخبر (وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه) أي دائما على كل تقدير ما دام منهيا عنه حتما في الحرام وندبا في المكروه إذ لا يتمثل مقتضى النهي إلا يترك جميع جزئياته وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف وهذا موافق لآية * (فاتقوا الله ما استطعتم) * وأما * (اتقوا الله حق تقاته) * فقيل نسخ وقيل تلك مفسرة لهذه . قال النووي : هذا الحديث من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن أو شرط فيأتي بمقدوره وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمفطر بعذر قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك (حم م ن ه عن أبي هريرة) قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وليس كذلك بل رواه البخاري في الاعتصام عن أبي هريرة قال المناوي : وألفاظهما متقاربة . 4326 (ذكاة الجنين) بالرفع مبتدأ والخبر قوله (ذكاة أمه) أي ذكاة أمه ذكاة للأنه جزء منها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها وروي بالنصب على الظرفية كجنت طلوع الشمس أي وقت طلوعها يعني
[ 754 ]
ذكاته حاصلة وقت ذكاة أمه . قال الخطابي وغيره : ورواية الرفع هي المحفوظة وأيا ما كان فالمراد الجنين الميت بأن خرج ميتا أو به حركة مذبوح على ما ذهب إليه الشافعي ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث من قول السائل : يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين فنلقيه أو نأكله فقال : كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه فسؤاله إنما هو عن الميت لأنه محل الشك بخلاف الحي الممكن الذبح فيكون الجواب عن الميت ليطابق السؤال ومن البعيد تأويل أبي حنيفة بأن المعنى على التشبيه أي مثل ذكاتها أو كذكاتها فيكون المراد الحي لحرمة الميت عنده ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ومن ثمة وافق صاحباه الشافعي قال ابن المنذر : لم يرو عن أحد من الصحابة والعلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف ذكاته إلا عن أبي حنيفة . (د ك عن جابر) بن عبد الله (حم د ت) وحسنه (ه حب قط عن أبي سعيد) الخدري (ك عن أبي أيوب وعن أبي هريرة طب عن أبي أمامة وأبي الدرداء وعن كعب بن مالك) قال الغزالي : صح صحة لا يتطرق احتمال إلى منته وإلى ضعف في سنده وهو فيه متابع لإمامه فإنه ذكره في الأساليب وقال الحاكم : صحيح الإسناد . قال الزين العراقي : وليس كذلك قال عبد الحق : لا يحتج بأسانيده كلها اه‍ قال ابن حجر : الحق أن فيها ما تنتهض به الحجة اه‍ قال العراقي : ورواه الطبراني في الأوسط بسند جيد اه‍ . فكان ينبغي للمصنف عدم إغفاله فإنه ليس فيما ذكره مثله بل الكل معلول أما حديث جابر ففيه عبد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير القداح ضعيف وحديث أبي سعيد من طريق مجاهد عن أبي الوداك عنه قال ابن حزم : حديث واه فإن مجاهدا ضعيف وكذا أبو الوداك وقال ابن القطان : لا يحتج بأسانيده يفيده إلا أن الحجة تقوم بمجموع طرفة كما بينه ابن حجر أتم بيان وأقام عليه البرهان على أن في الباب أيضا أبو أمامة وأبو الدرداء وأبو هريرة وعلي وابن مسعود وأبو أيوب والبزار وابن عمر وابن عباس وكعب وغيرهم ولما نظر إلى ذلك ابن حبان أقدم وصححه وتبعه القشيري وغيره . 4327 (ذكاة الجنين إذا أشعر) أي نبت له الشعر وأدرك بالحاسة (ذكاة أمه) أي تذكية أمه مغنية عن تذكيته إذا خرج بعد إشعاره (ولكنه يذبح) أي ندبا كما يفيده السياق (حتى ينصاب ما فيه من الدم) فذبحه ليس إلا لإنقائه من الدم لا يكون الحل متوقفا عليه وهذه التفرقة لم يأخذ بقضيتها الشافعية والحنفية معا بل الشافعية يقولون : إن ذكاة أمه مغنية عن ذكاته مطلقا والحنفية لا مطلقا وهذا يعارضه حديث الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر وفيه مبارك بن مجاهد مضعف (ك) في الأطعمة (عن ابن عمر) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد
[ 755 ]
من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف ، وكأنه ذهول فقد خرجه أبو داود باللفظ المزبور من حديث جابر . 4328 (ذكاة) جلود (الميته دباغها) أي اندباغها بما ينزع الفضول فالاندباغ يقوم مقام الذكاة في الطهارة كما بينه رواية ذكاة الأديم دباغه (ن عن عائشة) قال الديلمي : وفي الباب ابن عباس وغيره ورواه الدارقطني من عدة طرق بألفاظ مختلفة ثم قال : أسانيدها صحاح . 4329 (ذكاة كل مسك دباغه) بما ينزع فضوله وهذا نجس الجلد بالموت فخرج جلد المغلظ فإنه لا يطهر بالدباغ والمسك بفتح الميم وسكون السين الجلد والجمع مسوك كفلس وفلوس (ك) في الأطعمة (عن عبد الله بن الحريث) مصغر حرث بمثلثة قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي . 4330 (ذكر الله شفاء القلوب) مما يلحقها من ظلمة الذنوب ويدنسها من درن الغفلة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الناس ذكرا بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه أمره ونهيه وتشريعه وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده وتمجيده وتسبيحه وتحميده ورغبته ورهبته ذكرا منه بلسانه وصمته وذكر منه بقلبه في كل أحيانه (تنبيه) قال الراغب ذكر الله تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن وتارة لفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء وتارة لنعمته فيتولد منه العز فحق المؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره على أحد هذه الوجوه (فر عن أنس) بن مالك . 4331 (ذكر الأنبياء من العبادة وذكر الصالحين) أي القائمين بما وجب عليهم من حقوق الحق والخلق (كفارة) للذنوب (وذكر الموت صدقة) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة (وذكر القبر) أي أحواله وأهواله (يقربكم من الجنة) لأن ذلك من أعظم المواعظ وأشد الزواجر عن المعاصي وأبعث على فعل الطاعات ولا يقرب إلى الجنة إلا ذلك وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وذكر النار من الجهاد وذكر القيامة يباعدكم من النار وأفضل العبادة ترك الحيل ورأس مال العالم ترك التكبر وثمر الجنة ترك الحسد والندامة من الذنوب التوبة الصادقة اه‍ فاقتصار المصنف على هذه القطعة غير جيد (فر عن معاذ) بن جبل وفيه محمد بن محمد
[ 756 ]
الأشعث قال الذهبي : اتهمه ابن عدي أي بالوضع وكذبه الدارقطني والوليد بن مسلم ثقة مدلس ومحمد بن راشد قال النسائي ليس بالقوي . 4332 (ذكر علي) بن أبي طالب (عبادة) أي عبادة الله التي يثيب عليها والمراد ذكره بالترضي عنه أو بذكر مناقبه وفضائله أو بنقل كلامه وتقرير مواعظه وأذكاره وأحكامه أو برواية الحديث عنه أو نحو ذلك (فرعن عائشة) وفيه الحسن بن صابر قال الذهبي : قال ابن حبان منكر الحديث . 4333 (ذكرت) بصيغة الفاعل (وأنا في الصلاة تبرا) بكسر فسكون الذهب لم يصف ولم يضرب (عندنا فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته) قبل المساء وفي رواية فقسمته وفيه أن التفكر في الصلاة فيما لا يتعلق بها لا يفسدها ولا ينقص كمالها وأن إنشاء العزم في أثنائها على ما يجوز لا يضر وإطلاق الفعل على الأمر وحل الاستنابة مع التمكن من المباشرة (حم خ عن عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية (بن الحارث) بمثلثة بن عامر بن نوفل النوفلي المكي من مسلمة الفتح . 4334 (ذمة المسلمين واحدة) أي هي كشئ واحد لا تختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نفضها بتفرد العاقد بها . قال القاضي : والذمة العهد سمي به لأنه يذم متعاطيه على إضاعته وقال غيره : الذمة ما يذم على إضاعته من عهد أو أمان ومنه سمي المعاهد ذميا (فإذا جارت عليهم جائرة) أي إذا أجار واحد من المسلمين شريف أو وضيع كافرا أي أعطاه ذمته (فلا تخفروها) بخاء معجمة وراء وهو بضم التاء وكسر الفاء أصوب من فتح التاء وضم الفاء أي لا تنقضوا عهده وأمانه بل امضوا وإن كان عبدا أو ضعيفا أو أنثى (فإن لكل غادر لواء) زاد في رواية عند استه (يعرف به يوم القيامة) والمراد النهي عن نقضها وأن من نقض ذمة غيره فكأنه نقض ذمة نفسه (ك عن عائشة) ورواه عنه أبو يعلى باللفظ المزبور قال الهيثمي : وفيه محمد بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه أبو زرعة وبقية رجاله رجال الصحيح . 4335 (ذنب العالم واحد وذنب الجاهل ذنبان) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول بل بقيته عند مخرجه الديلمي قيل : ولم يا رسول الله قال : العالم يعذب على ركوبه
[ 757 ]
الذنب والجاهل بعذب على ركوبه الذنب وترك العلم اه‍ بلفظه فاقتصار المصنف على أوله وتركه ما هو بيان وشرح له من سوالتصرف وهذا قد يعارضه الحديث الآتي ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه واحد من الويل وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع من الويل (فر عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد قال الذهبي : قال الدارقطني وغيره متروك . 4336 (ذنب لا يغفر) أي الذنب الذي هو الجرم بحسب المغفرة على ثلاثة أقسام الأول ذنب لا يغفره الله تعالى بمعنى أنه تعالى حكم بأنه لا يدخل صاحبه الجنة بل يخلده في النار (و) الثاني (ذنب لا يترك) بضم أوله أي لا يهمله الله ولا يضيعه عملا بقضية ما أوجبه على نفسه وأمر به عباده إقامة من ناموس العدل (و) الثالث (ذنب يغفر) بالبناء للمفعول أي يرجى أن يغفره الله تعالى بالاستغفار والتوبة وقد يغفره بدون ذلك أيضا على مذهب أهل الحق (فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) ومصداقه * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * (وأما الذي يغفر فذنب العبد) الذي (بينه وبين الله عز وجل) من حقوق الله تعالى أي فالعفو يسارع إليه والتكفير يتطرق له لأنه حق أكرم الأكرمين (وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا) فأكثر ما يدخل الموحدين النار مظالم العباد فديوان العباد هو الديوان الذي لا يترك أي لا يهمل فهذا القسم يحتاج إلى التراد إما في الدنيا بالاستحلال أو رد العين وإما في الآخرة برد ثواب الظالم إليه أو أنه تعالى يرضي المظلوم بفضله وكرمه ولطفه كما في حديث عرفة (طب) وكذا في الصغير (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي : فيه يزيد بن سفيان بن عبد الله بن رواحة ضعيف تكلم فيه ابن حبان وغيره وبقية رجاله ثقات وفي الميزان يزيد بن سفيان له نسخة منكرة تكلم فيها ابن حبان ومن مناكبره هذا الخبر وساقه كما هنا وبه يعرف وهم المصنف في رمزه لصحته . 4337 (ذنب يغفر وذنب لا يغفر وذنب يجازى به فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * (وأما الذنب الذي يغفر فعملك) الذي (بينك وبين ربك) أي مالكك (وأما الذنب الذي يجازى به فظلمك أخاك) أي في الإسلام فإن الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وفي بعض الآثار إن العبد ليوقف بين يدي الله وله من الحسنات أمثال الجبال ولو سلمت له
[ 758 ]
لكان من أهل الجنة فيقوم أصحاب المظالم ويكون قد سب هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا فينقص من حسناته فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته وبقي مطالبون فيقال ألقوا من سيئاتهم على سيئاته وصكوا به صكا في النار (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه طلحة بن عمرو وهو متروك . 4338 (ذهاب البصر) أي العمى إذا طرأ على الإنسان (مغفرة للذنوب) التي كان عملها ، ظاهره يتناول الكبائر (وذهاب السمع) أي الصمم إذا عرض للمرء (مغفرة للذنوب) كذلك (وما نقص من الجسد) كقطع يد أو رجل (فعلى قدر ذلك) أي بحسبه وقياسه (عد خط) وأبو نعيم كلهم جميعا من طريق داود بن الزبرقان عن مطر الوراق عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان (عن ابن مسعود) قضية صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه ابن عدي بقوله : هذا منكر المتن والإسناد وهارون بن عنترة لا يحتج به وداود بن الزبرقان ليس بشئ اه‍ ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات . 4339 (ذهب الم فطرون اليوم) أي يوم كان الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فصام قوم فلم يصنعوا شيئا لعجزهم عن العمل وأفطر قوم فبعثوا الركاب وعالجوا فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ذهبوا (بالأجر) أي الوافر قال الطيبي : فيه من المبالغة ما فيه أي أنهم مضوا واستصحبوا معهم الأجر ولم يتركوا لغيرهم منه شيئا اه‍ . وهو أجر ما فعلوه من خدمة الصائمين بضرب الأبنية والسقى وغير ذلك لما حصل منهم النفع المتعدي ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام وأما الصائمون فحصل لهم أجر الصوم التام ولم يحصل لهم من الأجر ما حصل للمفطرين وليس المراد نقص أجر الصوام بل أن المفطرين أجرهم أعظم لقيامهم بوظائف الوقت فاللام للعهد ويحتمل كونها للجنس وتفيد المبالغة بأن يبلغ أجرهم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوام فيجعل كأن الأجر كله للمفطر كما يقال زيد الشجاع وفيه أن الفطر في السفر أولى (حم ق ن) في الصوم (عن أنس) بن مالك . 4340 (ذهبت النبوة) اللام للعهد والمراد نبوته (وبقيت المبشرات) بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وفسرها في الخبر الآتي بأنها الرؤيا الصالحة قيل وللآدمي روحان فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب فما كان منها في ملكوت السماوات فهي الصادقة وما في الهواء فأضغاث قال ابن التين : معنى الحديث أن الوحي انقطع بموت المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله
[ 759 ]
وسلم ولم يبق ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا وتقع لغير الأنبياء وقد أخبر كثير من الأنبياء والأولياء عن أمور فكانت كذلك وجوابه أن الإلهام نادر وخاص فلا يرد (ه عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبة ورواه عنها أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والبزار وقال : لا نعلمه يروى عنها إلامن هذا الوجه ورواه البخاري في تاريخه الأوسط باللفظ المزبور عن أبي الطفيل مرفوعا . 4341 (ذهبت النبوة فلا نبوة من بعدي) أي بعد وفاتي (إلا المبشرات الرؤيا الصالحة) يدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الرؤيا الصالحة (يراها الرجل) يعني الإنسان ذكر الرجل وصف طردي (أو ترى) بالبناء للمفعول أي يراها غيره من الناس لآه قال الحافظ في الفتح : ظاهر الاستثناء مع ما تقدم ويجئ من أن الرؤيا جزء من النبوة أن الرؤيا نبوة وهو غير مراد لأن جزء الشئ لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا بها صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال إنه أذن وإن كان جزءا من الأذان وكل من قرأ قائما لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ثم أن الرؤيا الصالحة وإن اختصت غالبا بأهل الصلاح لكن قد يقع لغيرهم قال علماء التعبير : إذا رأى كافر أو فاسق رؤيا صالحة كانت بشرى بهدايته أو توبته أو إنذار من بقائه على حاله وقد يرى ما يدل على الرضى بما هو فيه ابتلاء وغرورا ومكرا نعوذ بالله . (طب عن حذيفة) بضم المهملة الأولى (بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور قال الهيثمي : رجال الطبراني رجال الصحيح ومن ثمة رمز المصنف لصحته . 4342 (ذهبت العزى) بضم المهملة وشدة الزاي المفتوحة (فلا عزى بعد اليوم) أراد به الصنم الذي كانوا يعبدونه ويسمونه بهذا الاسم فأرسل إلى كسره فكسر حتى صار رضاضا فلما أخبر بذلك ذكره فأفاد بذلك أن هذه الأمة محفوظة من عبادة الأصنام إلى يوم القيامة (ابن عساكر) في التاريخ (عن قتادة) بن دعامة (مرسلا) . 4343 (ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم وذو الدينارين أشد حسابا من الدينار) ولهذا أدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام قال الغزالي : وما من شئ في الدنيا يتخلف عنك عند الموت إلا وهو حسرة عليك بعده فإن شئت فاستكثر وإن شئت فاستقل فإن استكثرت فلست
[ 760 ]
مستكثرا من حسرة وإن استقللت فلست تخفف إلا عن ظهرك وما أعطي عبد من الدنيا إلا قيل له : خذه على ثلاثة أثلاث شغل وهم وطول حساب (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور (عن أبي هريرة) مرفوعا (هب عن أبي ذر موقوفا (1) . (1) أي لم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم قال العراقي في ألفيته : وسم بالموقوف ما قصرته * بصاحب وصلت أو قطعته وبعض أهل الفقه سماه الأثر * وإن تقف بغيره قيد تبر 4344 (ذو السلطان وذو العلم أحق بشرف المجلس) ممن سواهما من الرعايا والمراد العلم الشرعي وما كان آلة له والحديث بظاهره يتناول ما إذا كان السلطان جائرا والعالم فاسقا لا سيما إن خيف من تأخيره فتنة وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعظم أكابر كفار قريش ويكرمهم ويصدرهم في المجالس يتألفهم بذلك (فر عن أبي هريرة) وفيه يعقوب بن حميد قال الذهبي : ضعفه أبو حاتم وغير واحد وما ترك وفيه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى . 4345 (ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي : وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين وقال ابن العربي : الوجه هنا بمعنى القصد (يأتي يوم القيامة) أي يجاء به إلى الموقف (وله وجهان من نار) جزاء له على إفساده وتشهيرا له في ذلك الموقف الأعظم بين كافة الخلائق فإن ذلك أصل من أصول النفاق يكون مع قوم وفي حال على صفة ومع آخرين بخلافهما والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق لا يخاف في الله لومة لائم إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة لنحو اتقاء شر أو تأليف أو إصلاح بين الناس كإتيانه كلا بجميل يعتذر لكل عن الآخر فإنه حسن مرغوب فيه وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول وقول علي : إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم (طس عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وهو خطأ فقد جزم المنذري بضعفه وقال الهيثمي وغيره : فيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب . 4346 (ذيل المرأة شبر) أي ينبغي أن تجره على الأرض شبرا زيادة في الستر المطلوب لها وهذا
[ 761 ]
قاله أولا ثم استزدته فزادهن شبرا آخر فصار ذراعا وقال : لا تزدن عليه وقال الزين العراقي فالأولى لهن الاقتصار على الشبر ولهن الزيادة إلى ذراع فقط وهذا كما أنه مدح الإزار في حق الرجل إلى نصف الساق ثم نفى الحرج فيما بعد ذلك إلى الكعبين فينبغي أن تكون المرأة كذلك ليس لها الاقتصار على ما رخص فيه أولا ولها أن تستكمل الرخصة في الذراع اه‍ (هق عن أم سلمة) قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها قال : شبرا قالت : إذن ينكشف عنها قال : فذراع لا تزيد عليه (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال : رخص (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا ، رمز المصنف لصحته . (1) (حيث قال ابن عمر " رخص رسول الله " ، وحيث أن الأصل كان النهي عن جر الذيل ، فيتضح أن هذا الحديث أتى لتبيين الرخصة في تطويل الذيل ، وليس لتبيين المقدار الواجب منه أي الطول الذي يحرم التقصير عنه ، فليتنبه . دار الحديث ] 4347 (ذيلك) بالكسر خطاب لمؤنث والخطاب مع فاطمة أو أم سلمة (ذراع) أي بذراع اليد وهو شبران فلا يزاد على ذلك لحصول المقصود من زيادة الستر به قال الزين العراقي : وهل أول الذراع من الحد الممنوع منه الرجال وهو من الكعبين أو من الحد المندوب وهو نصف الساق أو من أول ما يمس الأرض ؟ الظاهر الثالث (ه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره وقد رمز المصنف لحسنه . فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 4348 (الذباب كله) في رواية كلها (في النار) ليعذب به أهلها لا ليعذب هو كذا أوله الخطابي كالجاحظ (إلا النحل) فإن فيه شفاء فلا يناسب حالهم وتمامه عند الطبراني وغيره ونهى عن قتلهن وعن إهراق الطعام في أرض العدو (1) والذباب يتولد من العفونة . حكي أن بعض الخلفاء سأل الشافعي : لم خلق الذباب فقال : مذلة للمملوك ، وكان على لحيته ذبابة . قال الشافعي : سألني ولا جواب عندي فاستنبطته من الهيئة الحاصلة (البزار) في مسنده (ع) عن ابن عمر قال الهيثمي : رجال أبي يعلى ثقات قال ابن حجر في الفتح : سنده لا بأس به (طب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه إسماعيل بن مسلم البصري قال في الميزان عن أحمد وغيره منكر الحديث وعن يحيى لا يكتب حديثه وعن البخاري تركوه وعن الأزدي كذاب ثم ساق له هذا الخبر وقال الحافظ ابن حجر : حديث ابن عمر هذا ضعيف (طب عن ابن عباس وعن ابن مسعود) قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وبعضها رجاله ثقات كلهم وفي رواية أبي يعلى زيادة ولفظها عمر الذباب أربعون يوما والذباب كله في النار اه‍ قال الهيثمي : ورجاله ثقات وبه عرف أن حكم ابن الجوزي له بالوضع في حيز المنع . (1) نهى عن إهراق الطعام في أرض العدو لما فيه من الإفساد والتخريب . فليتنبه إلى سمو تعاليم الإسلام ، بالمقارنة مع أفعال أدعياء " التمدن " و " الحضارة " : خبراء القنبلة الذرية والغازات السمة والنابالم وشتى أصناف التدمير الجماعي ، وشتان بين الثرى والثريا . دار الحديث ]
[ 762 ]
4349 (الذبيح إسحاق) أخذ به الأكثر وأجمع عليه أهل الكتابين وعزى الثلاثين من الصحب وتابعيهم أو يزيدون واختاره ابن جرير وجزم به في الشفاء لكن سياق الآية شاهد لكونه إسماعيل إذ هو الذي كان بمكة ولم ينقل أن إسحاق كان بها ورجحه معظم المحدثين وقال الحليمي : إنه الأظهر وأبو حاتم : إنه صحيح والبيضاوي : الأظهر وابن القيم : الصواب قال : والقول بأنه إسحاق باطل من نيف وعشرين وجها قاله المصري ويدل لكونه إسماعيل أنه سبحانه وصفه بالصبر دون إسحاق فدل على أنه الصبر على الذبح وبصدق الوعد فدل على أن المراد أنه وعد بالصبر على ذبح نفسه ومن ثم قيل للمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ابن الذبيحين (قط في) كتاب (الأفراد عن ابن مسعود البزار) في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره (عن العباس بن عبد المطلب) قال الهيثمي : وفيه المبارك بن فضالة ضعفه الجمهور اه‍ ورواه عنه الحاكم من طرق وقا : ل على شرطهما وقال الذهبي : صحيح (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) قال ابن كثير : فيه الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر ورواه ابن أبي حاتم مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه المصنف بأن البزار رواه مرفوعا وله شواهد . 4350 (الذكر خير من الصدقة) أي من صدقة النفل وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي الشيخ والذكر خير من الصيام اه‍ . فتركه غير مرضي قال الكشاف وذكر الله يتناول كل ما كان عن ذكر طيب كتسبيح وتهليل وتكبير وتمجيد وتوحيد وصلاة وتلاوة قرآن ودراسة علم (1) وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعات ليله ونهاره . (تنبيه) لو اقترن بالذكر فعل لم يبطل ثوابه كما بينه ابن عربي حيث قال : قد يكون الإنسان في بعض أموره موفق أو في بعضها مخذولا كالذاكر لله بقلبه ولسانه وهو يضرب بيده من يحرم ضربه لم يقدح في ذكره كما لا يرفع ذلك الذكر إثمه (أبو الشيخ)) ابن حبان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي . (1) وضبط النفس عن الحرام إجلالا لله ، والسعي على المعاش عبودية لله ، وخدمة المسلمين وإدخال السرور عليهم إكراما لربهم ومولاهم سبحانه وتعالى ، وهكذا . دار الحديث 4351 (الذكر نعمة من الله فأدوا شكرها) (1) باللسان والأركان والجنان فذكر اللسان القول وذكر اليد العمل وذكر النفس الحال والانفعال وذكر القلب المعرفة والعلم واليقين ولكل شئ ذكر بحسبه ومن ثمرات الذكر أنه يوسع الرزق والإعراض عنه يقلله ولذا قال بعض أكابر الصوفية لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا ويظلم عليه وقته ويشوش عليه رزقه (تنبيه) قال ابن عربي : الذاكرون أعلى الطوائف مطلقا ولهذا ختم الله بذكرهم صفات المقربين من أهل الله فقال : * (إن المسلمين والمسلمات) * إلى أن ختم بقوله * (والذاكرون الله كثيرا) * وما ذكر بعد الذاكر شيئا
[ 763 ]
والذاكر من نعوته كونه متكلما وهو نفس الرحمن الذي ظهرت فيه حقائق حروف الكائنات (فر عن نبيط) بالتصغير (ابن شريط) بفتح المعجمة الأشجعي الكوفي صحابي صغير يكنى أبا سلمة كوفي له صحبة ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فإهمال المصنف الأصل واقتصاره على الفرع غير جيد . (1) [ أي إذا أنعم الله على أحدكم بنعمة ذكره ، فليشكرها بأن يستعمل لسانه بذكر الله ، وجسده بأعمال الخير ، وقلبه بالمراقبة والخشوع ، وهكذا . دار الحديث 4352 (الذكر) الخفي (الذي لا تسمعه الحفظة) أي الملائكة الموكلين بكتابة الأعمال (يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفا) قيل : ولعل المراد به التدبر والتفكر في مصنوعات الله وآلائه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فإذا جمع الله الخلق وجاءت الحفظة بما كتبوا وحفظوا يقول الله تعالى انظروا هل بقي له من شئ فيقولون ربنا ما تركنا شيئا إلا أحصيناه وكتبناه فيقول الله فإن لك عندي خبئا لا يعلم به أحد غيري وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي اه‍ هكذا رواه بتمامه أبو يعلى والبيهقي والديلمي وغيرهم قال ابن عربي : وإذا أشعر الإنسان قلبه ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبه بنور الذكر فيرزقه ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف . (هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن المختار أورده الذهبي في الضعفاء وقال : تركه البخاري ولم يرضه وقال أبو حاتم : صالح اه‍ وقال الحافظ العراقي : إسناده ضعيف . 4353 (الذنب شؤم) حتى (على غير فاعله) أي حتى أنه يتجاوز شؤمه ويتعدى من فاعله إلى غيره قال القاضي : والذنب ما له تبعة دنيوية وأخروية مأخوذ من الذنب ثم بين وجه شؤمه على غيره بقوله (إن عيره) أي إن عير الغير به فاعله (ابتلي به) في نفسه لما سبق أنه لو عير أحد أحدا برضاع كلبة لرضعها (وإن اغتابه) أي ذكره به في غيبته وهو يكره ذلك (أثم) أي كتب عليه إثم الغيبة وإن رضي به) أي بفعله (شاركه) في الإثم لأن الراضي بالمعصية كفاعلها ولا يعارضه ما مر من خبر إن الله ينفع العبد بالذنب وإن نفعه به من حيث الندم والذل والانكسار وأما شؤمه فأصلي (فر عن أنس) بن مالك . 4354 (الذهب) أي بيع الذهب مضروبا أو غيره بالورق بتثليث الراء الفضة مضروبة أو لا (ربا) بالتنوين من غير همز (إلا ها وها) بالمد ويقصر صوت بمعنى خذ ومنه * (هاؤم اقرؤوا كتابيه) *
[ 764 ]
وهي حرف خطاب والمستثنى منه مقدر يعني هذا البيع ربا في كل حال إلا حال حضورهما وتقابضهما فكنى عن التقابض بها وها أي خذ وهات لأنلازمه وفيه اشتراط التقابض في الصوف بالمجلس وهو مذهب الشافعية والحنفية ومذهب مالك لا يجوز تراخي القبض فيه ولو في المجلس (والبر بالبر) بضم الموحدة فيها معروف قال الراغب : سمي به لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء فإن أصل البر التوسع في فعل الخير أي بيع أحدهما بالآخر ربا (إلا) بيعا مقولا فيه من جهة المتعاقدين (ها وها) أي يقول كل منهما للآخر خذ (والتمر بالتمر ربا إلا ها وها والشعير) بفتح أوله ويكسر (بالشعير ربا إلا ها وها) فأراد أن البر والشعير صنفان وعليه الجمهور خلافا لأحمد وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا امتنع فيهما ففي ذهب بذهب أو ورق بورق (تنبيه) قال القونوي : اعلم أن مدار الربا على أصلين الأوصاف والأزمان أما الأوصاف فلا شك أن الأشياء الربوية التي شرط فيها رعاية المساواة في الوزن والكيل أجسام مركبة من جواهر تلحقها أعراض ولا ريب في علو مرتبة الجواهر على الأعراض لتبعيتها في الوجود للجواهر فهذه الأشياء الربوية من حيث ذاتها متماثلة ومن حيث صفاتها مختلفة فمتى لم نشرط التساوي بينهما في المبالغة كانت الزيادة الذاتية في مقابلة وصف عرضي كمن اشترى مدا من حنطة بيضاء أو كبيرة الحب بمدين ممن حنطة سمراء أو صغيرة الحب فيكون المد الثاني الزائد ثمنا للبياض وذلك ظلم لأنه ساوى في الشرف والحكم بين الجواهر والأعراض وليس بصحيح وقس عليه بقية الربويات كشعير وملح وتمر فإنه لا يرجح شئ منها على مثله إلا بنحو طعم أو لون وكلها أعراض والتسوية بين الذوات والأعراض لا تصح فهذا سر تحريم الربا وكذا في الذهب والفضة فإن الزيادة والترجيح لا يكون إلا بسبب الصناعة أو تغيير الشكل وذلك عرض وأما تحريم الربا من حيث الزمان فإن المقرض مائة دينار إلى سنة بمائة وعشرين جعل العشرين مقابل الزمان والزمن المعين ليس موجودا بعد ولا مملوكا للمقرض فيجوز له بيعه فإن الزمان لله ويحكم الله لا حكم لغيره عليه والاشتراط الآخر في حق من راعى أمر المساواة في الزمان كحصوله في كمية البيع لأنه لو لم يكن كذلك كانت المسامحة في النسيئة والتأخر مددية لتحكم ما من الممهل على الزمان فيكون من قبيل ما تقدم (مالك) في المؤطأ (ق 4) في الربا (عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية . 4355 (الذهب بالذهب) بالرفع أي بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به أو مبتدأ حذف خبره أي الذهب يباع بالذهب أو بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع الذهب ويجوز نصبه أي بيعوا الذهب بالذهب (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير) بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها
[ 765 ]
(والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متماثلين أي متساويين في القدر (يدا بيد) أي نقدا غير نسيئة (فمن زاد) على مقدار البيع الآخر من جنسه (أو استزاد) أي طلب الزيادة وأخذها (فقد أربى) أي فعل الربا المحرم (والآخذ والمعطي سواء) في اشتراكهما في الإثم لتعاونهما عليه فإن كلا منهما آكل وموكل وألحق بهذه الستة ما في معناها المشارك لها في العلة فقال الشافعي : العلة في النقد الثمينة فلا يتعدى بكل موزون وفي البقية الطعم فيتعدى ووافقه مالك في النقد وجعل العلة في الأربعة للادخار وجعل أبو حنيفة العلة في النقد الوزن وفي الباقي الكيل فعداهما (حم م ن) في الربا (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه البخاري . 4356 (الذهب بالذهب) أي يباع به (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متساويين في القدر (سواء بسواء) أي عينا بعين حاضرا بحاضر (يدا بيد) أي مقابضة في المجلس وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة في الإيضاح (فإذا اختلفت هذه الأصناف) هذا لفظ مسلم وهو الصواب وما وقع في المصابيح من ذكر الأجناس بدله من تصرفه وما درى أن الأصناف أقوى في هذا المحل وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بيان الجنس الذي يجري فيه الربا فعد أصنافه ذكره الطيبي لكن عهد بهم أنهم يستعملون بعض الألفاظ المتقاربة المعنى مكان بعض فالأمر سهل (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) أي مقابضة وقال القاضي والطيبي : هذا الحديث عمدة باب الربا عد أصولا وصرح بأحكامها وشروطها على الوجوه التي يتعامل بها ونبه على ما هو العلة لكل واحد منها ليتوصل به المجتهد إلى أن يستنبط منها حكم ما من يذكر من أخواتها (فإنه) ذكر النقدين والمطعوما ت الأربع إشعارا بأن الربا فيما يكون نقدا أو مطعوما فإن العلة فيه النقد والطعم للمناسبة واقتران الحكم وذكر من المطعوم الحب والتمر ما يقصد مطعوما لنفسه ولغيره ليعلم أن الكل سواء في الحكم ثم قسم التعامل على ثلاثة أوجه أن يباع شئ منها بجنسه كبر ببر وبغيره من هذه الأجناس المشاركة في علة الربا كبر بشعير وبما ليس من جنسه ولا بما يشاركه في العلة كبيع بر بذهب أو نحاس وصرح في القسمين الأولين لأنهما المقصودان بالبيان لمخالفتهما كسائر العقود في الشروط فشرط في الأول التماثل في القدر وأكده بقوله سواء بسواء لأن المماثلة أعم من كونها في القدر بخلاف المساواة والحلول والتقابض بالمجلس بقوله يدا بيد وفي الثاني الحلول والتقابض لا التماثل وسكت عن الثالث إما لأنه جاز على قياس جميع المبايعات فلا حاجة لبيانه أو لأن أمره معلوم مما ذكر مدلول عليه بالمفهوم فإن تقييد اعتبار الحلول بالمشاركة في علة الربا بقوله فإذا اختلفت هذه الأجناس في اعتبار المماثلة بها
[ 766 ]
مع اتحاد الجنس يدل على عدم اعتبارها فيما ليس كذلك (تنبيه) قال الغزالي : إنما امتنع الربا لمخالفته للحكمة التي خلق النقد لها وهو كونه وسيلة لتحصيل غيره وإنما جاز بيع أحد النقدين بالآخر لأن كلا يخالف الآخر في مقصود التوسل وبيع درهم بدرهم مثله لأن ذلك لا يرغب فيه عاقد لتساويهما فلا معنى لمنع ما لا تتشوف النفس إليه فإن فرض أن أحدهما أجود فصاحبه لا يرضى بمثله من الردئ فلا ينتظم العقد وأما بيع درهم بدرهم نسيئة فممنوع إذ لا يفعله إلا مسامح قاصد للإحسان له أجر وحمد والمعاوضة لا حمد فيها ولا أجر فهو ظلم لأنه أضاع خصوص المسامحة وأخرجها في معرض المعاوضة وكذا الأطعمة خلقت ليتغذى أو يتداوى فلا تصرف عن جهتها وفتح باب التعامل فيها يفسدها بالأيدي ويؤخر عنها الأكل الذي أريدت له فما خلق الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى الأطعمة شديدة فتخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج نعم بائع تمر بتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر في الغرض وبائع صاع بر بمثله غير محذور لكنه عابث فلا يحتاج لمنع لأن النفس لا تسمح به إلا عند التفاوت في الجودة وذو الجيد لا يرضى وأما جيد برديئين فقد يقصد لكن لما كانت الأطعمة من الضروريات والجيد يساوي الردئ في أصل الفائدة ويخالفه في التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمة الشرع في تحريم الربا وقد انكشف لنا بعد إعراضنا عن فن الفقه فليلحق به فإنه أقوى من كل ما ذكر في الخلافيات وبه يتضح رجحان مذهب الشافعي في التخصيص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخله الحصر كانت الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك أقوم المذاهب فيه إذ خصصه بالأقوات لكن كل معنى رعاه الشرع يمكن أن يضبطه بحد وتحديد هذا كان ممكنا بالقوت وبالمطعوم فرأى الشرع التحديد بجنس المطعوم أولى بكل ما هو ضرورة للبقاء (حم م د ه عن عبادة بن الصامت) . 4357 (الذهب والحرير حل لإناث أمتي وحرام على ذكورها) قال ابن أبي جمرة : إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فيظهر أنه تعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ولأن تزينهن غالبا إنما هو للأزواج وقد ورد أن حسن التبعل من الإيمان ويؤخذ منه أن الفحل لا يصلح أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكونه من صفات الإناث (طب) وكذا أحمد والطحاوي وصححه (عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي : فيه ثابت بن زيد بن أرقم وهو ضعيف (وعن واثلة) بن الأسقع رمز المصنف لصحته ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر والطيالسي من حديث أبي موسى قال الديلمي : وفيه أنس وعمر وعقبة والبراء وحذيفة وأم هانئ وعمران بن الحصين وابن الزبير وجابر وأبو ريحانة وابن عمر وعلي أمير المؤمنين وغيرهم .
[ 767 ]
4358 (الذهب حلية المشركين) أي زينتهم وسميت الحلية زينة لأنها تزين العضو المحلى بها في أعين الناظرين وتحسنفي قلوبهم (والفضة حلية المسلمين) فيحل اتخاذ الخاتم للرجال منها بل تمسك بإطلاقه ابن القيم فجوز حل التحلي بها للرجال مطلقا (والحديد حلية أهل النار) أي قيود أهل النار وسلاسلهم منه وإلا فأهل النار لا يحلون فيها قال ابن القيم : والذهب زينة الدنيا وطلسم الوجود ومفرح الوجود ومقوي الظهور وسر الله في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات الملطفة والمفرحة وهو أعدل المعدنيات على الإطلاق وأشرفها وهو والفضة طلسم الحاجات وصاحبهما مرموق في العيون معظم في النفوس والفضة من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم وضعف القلب وخفقانه . (الزمخشري) بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين نسبة إلى زمخشر قرية كبيرة بخوارزم وهو العلامة العديم النظير محمود بن عمر المضروب به المثل في علوم الأدب والقرآن وديوان شعره مشهور (في جزئه عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده .
[ 768 ]
* 2 * حرف الراء 359 (رأت أمي) سيدة نساء بني زهرة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي (حين وضعتني) هذه رؤيا عين والرؤيا في الحديث الذي عقبه رؤيا نوم نبه عليه المصنف وبه يعرف أنه كان ينبغي له عكس هذا الترتيب (سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى) بموحدة مضمومة بلد من أعمال دمشق وخصت بذلك النور إشارة إلى أنها أول ما يفتح من بلاد الشام وقد وقع وأما جواب ابن رجب بأنه إشارة إلى بلوغ ملكه ذلك الموضع وأنه لا ينافي الزيادة عليه فغير ناهض وفي الروض الأنف أن خالد بن سعيد بن العاص رأى قبيل المبعث نورا خرج من زمزم حتى ظهرت له نخيل يثرب فقصها على أخيه فقال : إنها حفيرة عبد المطلب وهذا النور منهم . قال جمع : ولم يلد أبواه غيره (تنبيه) الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعا لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعا . (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي العجفاء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم السلمي البصري هرم بن شيب وقيل بالعكس وقيل بصاد بدل السين المهملة وصنيع المصنف يصرح بأنه صحابي وهو وهم وإنما هو تابعي كبير روى عن عمر وغيره وثقه بعضهم وقال البخاري : في حديثه نظر . 4360 (رأت أمي) في المنام (كأنه خرج منها نور) لأنها حين حملت به كانت ظرفا للنور المنتقل إليها من أبيه (أضاءت منه) أي من ذلك النور (قصور الشام) فأول بولد يخرج منها يكون كذلك وذا النور إشارة لظهور نبوته ما بين المشرق والمغرب واضمحلال ظلمة الكفر والضلال . قال في اللطائف : هذا النور إشارة إلى ما جاء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به الشرك وخصت به الشام لأنها دار ملكة ومحل سلطانه وفي وصفه في الكتب السابقة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجرته يثرب وملكه بالشام (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أمامة) قال ابن حجر : صححه ابن حبان والحاكم .
[ 769 ]
4361 (رأس الحكمة مخافة) وفي رواية خشية (الله) أي أصلها وأسها الخوف منه لأن الحكمة تمنع النفس عن المنهيات والشهوات والشبهات ولا يحمل على العمل بها إلا الخوف منه تعالى فيحاسب النفس على كل خطرة ونظرة ولذة ولأن الخشية تدعوه إلى الزهد في الدنيا فيفرغ قلبه فيعوضه الله في قلبه حكمة ينطق بها فالخوف سبب وأصل لورود الحكم والحكمة العلم بأحوال الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ويطلق على المعلومات وعلى أحكام الأمور وسلامتها من الآفات وعلى منع النفس من الشهوات وغير ذلك وأوثقها العمل بالطاعات بحيث يكون خوفه أكثر من رجائه فيحاسب نفسه على كل خطرة ونظرة ومخافة الله آكد أسباب النجاة (1) قيل : وجد حكيمين وفي يد أحدهما رقعة فيها إن أحسنت كل شئ فلا تطمئن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله وتخافه وتعلم أنه مسبب الأسباب ، وفي يد الآخر كنت فبل أن أعرف الله أشرب وأظمأ حتى عرفته رويت بلا شرب (الحكيم) الترمذي (وابن لال) أبو بكر في المكارم والقضاعي في الشهاب (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه . (1) قال الغزالي : وقد جمع الله للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وناهيك بذلك فقال تعالى : * (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) * وقال : * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * ، * (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) * . 4362 (رأس الدين) أي أصله وعماده الذي يقوم به (النصيحة) قيل : لمن ؟ قال : (لله ولدينه ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة) جعل النصيحة للكل رأسا لأن من نصح بعضا مما ذكر وترك بعضا لم يعتد بنصحه فكأنه غير ناصح للكل . قال في الكشاف : والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد (سمويه طس عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي : فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات قال : ردئ الحفظ قال الذهبي : فلم يصنع ابن حبان جيدا وقال الهيثمي : فيه أيوب بن سويد ضعف لا يحتج به قال العلائي : وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد . 4363 (رأس الدين الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثباته الورع بالكف عن أسباب التوسع في الأمور الدنيوية صيانة لدينه وحراسة لعرضه ومروءته والمتورع دائم المراقبة للحق
[ 770 ]
حذرا من مزح حق بباطل وبذلك قوام الدين ونظامه يعني أن قضية الدين استعمال التورع فمن أهمله فلا كمال لدينه فإن من تعداه يوشك أن يقع في حيز الباطل . قال يحيى بن معاذ : كيف يكون زاهدا من لا ورع له ؟ تورع فيما ليس لك ثم ازهد فيما لك (عد عن أنس) بن مالك . 4364 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس) وفي بعض التفاسير عن ابن جرير مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسيطا وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء وقال الحسن : سأل موسى ربه جماعا من العمل فقيل له : انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحبهم به (تنبيه) قال بعضهم : من أسباب التأليف المطلوب شرعا وهو عمدة في التحبب والتودد الذي هو رأس العقل والتهنئة بنحو الأعياد والشهور وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف : بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود ، وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني (طس عن علي) أمير المؤمنين وهو حديث آل البيت عن آبائهم إلى علي . 4365 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى البيت) أي التسبب في محبتهم لك بالبشر والطلاقة والهدية والإحسان ونحو ذلك وتمامه في غير ترك الحق هكذا ساقه الديلمي وغيره وهو قيد معتبر فحذف المصنف له غير صواب اللهم إلا أن تكون رواية . قال بعض العارفين : علامة العاقل أربعة لا يتنكر من المصائب ولا يتخذ عمله رياء ويحتمل أذى الخلق ولا يكافئهم ويداري العباد على تفاوت أخلاقهم (البزار) في مسنده عن أبي هريرة قال الهيثمي : وفيه عبيد الله بن عمر القيسي وهو ضعيف (هب) من حديث هشيم عن علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي : لم يسمعه هشيم بن علي وهذا حديث يعرف بأشعث بن براق عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلسه هشيم اه‍ وأعاده مرة أخرى وقال : في هذا الإسناد ضعف . (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس طس عن علي) 4366 (رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر) ولهذا قال الحكماء : اتسعت دار من يداري وضاقت أسباب من يماري وقال ابن أبي ليلى : أما أنا فلا أماري صاحبي ، فإما أن أغضبه وإما أن أكذبه قال في شرح الرسالة العضدية : والتودد طلب مودة الأكفاء
[ 771 ]
والأمثال وأهل الفضل والكمال وأنشد : فإذا أردت مودة تحظى بها * فعليك بالأكفاء والأمثال قال : ومودة الأراذل تورث ذلة ومودة العلماء تورث عزا (فائدة) قال العسكري : ما من حديث صحيح إلا أصله في القرآن فقيل له : فحديث رأس العقل إلخ أين هو في القرآن قال : * (واهجرهم هجرا جميلا) * (هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له نسخة باطلة وعلي بن موسى الرضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له عجائب عن أبيه عن جده ورواه عن علي أيضا بالفظ المزبور الطبراني في الأوسط والجعاني في تاريخ الطالبين . 4367 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) قالوا : معنى التودد في هذه الأخبار الإتيان بالأفعال التي تودك الناس ويحبونك لأجلها كما يشير إليه خبر ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس فمن فعل ذلك وده الناس لكن لا يريد بذلك محبتهم له بل يفعله لله لوجوب حق العباد لا لمطالبة الود منهم وإذا فعله لله أودع الله وده في قلوبهم بوده تعالى له * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * (وأهل التودد في الدنيا لهم درجة في الجنة) أي منزلة عالية فيها معدة لهم (ومن كانت له في الجنة درجة فهو في الجنة) ولهذا قال علي كرم الله وجهه : إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين عاقل يمكر بكم أجاهل يعجل عليكم بما ليس فيكم وقال بعض الحكماء : من سمع كلمة فسكت عنها سقط عنه ما بعدها ومن أجاب عنها سمع ما هو أغيظ منها وقال الماوردي : التودد يعطف القلوب على المحبة ويزيل البغضاء ويكون ذلك بصنوف من البر ويختلف باختلا ف الأحوال والأشخاص فإن ذلك من سمات الفضل وشروط التودد فإنه ما أحد يعدم عدوا ولا يفقد حاسدا وبحسب وفور النعمة تكثر الأعداء والحسدة ومن أغفل تألف الأعداء وودادهم مع وفور النعمة وظهور الحسد توالي عليه من مكر حليمهم وبادره سفههم ما تصير به النعمة عذابا والدعة ملاما (ونصف العلم حسن المسألة) أي حسن سؤال الطالب للعلم فإنه إذا أحسن أن يسأله أقبل عليه العالم بشراشره وألقى إليه ما في سرائره ، فكأنه حاز نصف العلم من أول الطلب ، وكما أن حسن السؤال محمود في الأمور الدينية . فكذا في الدنيوية قال عبد الملك بن صالح للرشيد : أسألك بالقرابة والخاصة ؟ أم بالخلافة والعامة ؟ فقال : بل الأولى . قال : يدا ك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة
[ 772 ]
فأعطاه وأجزل . وقال ابن زائدة لمعاوية : لم أزأمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل : احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس فأعطاه وأجزل . وقال ابن زائدة لمعاوية : لم أزأمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل : احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس العجب أن تفعبل العجب أن لا تفعل فاستفهمه حاجته فقضاها (والاقتصاد في المعيشة نصف العيش يبقي) بضم أوله (نصف النفقة وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من) رجل (مخلط) لا يتوقى الشبهات ومن ثمة قال إياس بن معاوية : كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء قال بعض العارفين : والورع اجتناب ما يفسد أنواع القربات ويكدر صفاء المعاملة وحقيقته توقي كل ما يحذر منه وغايته تدقيق النظر في طهارة الإخلا ص من شائبة الشرك الخفي (وما تم دين إنسان قط حتى يتم عقله) ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف له عبادة إنسان سأل عن عقله (والدعاء يرد الأمر) أي يرد القضاء المبرم كما صرح به في الرواية السابقة (وصدقة السر تطفئ غضب الرب) كما سبق توجيهه (وصدقة العلانية تقي ميتة السوء (1) وصنائع المعروف إلى الناس تقي صاحبها مصارع السوء) كما سبق (الآفات) يدل مما قبله أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الآفات (والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة وقيل أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ذكره ابن الأثير (والمعروف) وفي نسخة والعرف (ينقطع فيما بين الناس) أي ينقطع الثناء منهم على فاعله به (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من افتعله) وهذه أحاديث عدة مر أكثرها ويجئ منها فتداخلت في هذا الحديث واجتمعت فيه وهي كثيرة الفوائد جليلة العوائد . (الشيرازي) بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتية نسبة إلى شيراز قصبة فارس ودار الملك بها (في) كتاب (الألقاب هب) من حديث إسماعيل بن يحيى العسكري ولقبه سمعان عن إسحاق العمي عن يونس بن عبيد عن الحسن (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف والحمل فيه على العسكري أو العمي اه‍ ورواه الحاكم وأبو نعيم والديلمي ثم قال : وفي الباب علي أمير المؤمنين . (1) بكسر الميم وفتح السين الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الموت مما لا تحمد عاقبته .