فيض القدير شرح الجامع الصغير
المناوي ج 2
[ 1 ]
فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي ضبطه وصححه أحمد عبد السلام الجزء الثاني تتمة حرف الهمزة دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1415 ه - 194 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ص . ب : 9424 / 11 - تلكس : - 41245 Le Nasher هاتف : 135 366 - 602133 - 868051 - 815573 فاكس : 4781373 / 1212 / 00 - 602133 / 9611 / 00
[ 3 ]
1176 - (أعطيت أمتي) أي أمة الإجابة (شيئا) نكره للتعظيم (لم يعطه أحد من الأمم) السابقة وذلك (أن يقولوا) يعني يقول المصاب (عند المصيبة : إنا لله وإنا إليه راجعون) وهذا صريح في أن الاسترجاع من خصائص هذه الأمة ، وفيه أنه يسن لمن أصيب بميت أو في نفسه أو أهله أو ماله أن يقول ذلك ، وزاد الفقهاء أخذا من حديث آخر اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف علي خيرا منها (طب وابن مردويه) في تفسيره عن (ابن عباس) قال الهيثمي : فيه خالد بن محمد الطحان وهو ضعيف . اه . لكن يعضده ما رواه ابن جرير والبيهقي في الشعب وغيرهما عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم يعطه الأنبياء قبلهم ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول يا أسفي على يوسف - إنا لله وإنا إليه راجعون . 1177 - (أعطيت قريش) القبيلة المعروفة ومر وجه تسميتها بذلك (ما لم يعط الناس) أي القبائل غيرهم ، قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : (أعطوا ما أمطرت السماء) ، أي النبات الذي ينبت بالمطر (وما جرت به الأنهار ، وما سالت به السيول) يحتمل أن المراد أن الله تعالى خفف عنهم التعب والنصب في معايشهم ، فلم يجعل زرعهم يسقى بمؤنة كالسوقي بل يسقى بماء المطر والأنهار والسيول من غير كلفة ، ويحتمل أن المراد أن الشارع أقطعهم ذلك في بلادهم ، وفي الحديث إيماء إلى أن الخلافة فيهم لتمييزهم على غيرهم بما أعطوا (الحسن بن سفيان) في جزئه (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من حديث أبي الزاهرية (عن حلبس) بحاء مهملة مفتوحة ولام ساكنة وموحدة مفتوحة وسين مهملة : وزن جعفر ، وقيل هو بمثناة تحتية مصغرا صحابي ، قال أبو نعيم : يعد في الحمصيين ، وهذا هو المراد هنا ، ولهم أيضا حلبس بن زيد الضبي ، صحابي . 1187 - (أعطي) بالبناء للمجهول (يوسف) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (شطر الحسن) أي حظا عظيما من حسن أهل الدنيا ، ولفظ رواية الحاكم : أعطي يوسف وأمه شطر
[ 4 ]
الحسن . قال في الميزان متصلا بالحديث ، يعني سارة اه . فلا أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسير الراوي . ثم إن قلت هذا يخالفه ما في خبر الحاكم : إن الله قسم له من الجمال الثلثين وقسم بين عباده الثلث ، وكان يشبه آدم يوم خلقه الله ، فلما عصى آدم نزع منه النور والبهاء والحسن ووهب له الثلث من الجمال بالتوبة (1) . فأعطى الله يوسف الثلثين . اه . قلت كلا لا منافاة لأن الشطر قد يطلق ويراد به الجزء من الشئ ، لا النصف ، وكم من نظير ، وبتأمل حديث الحاكم المذكور يعلم اندفاع قول ابن المنير والزركشي في حديث : أعطي يوسف شطر الحسن يتبادر إلى إفهام بعض الناس أن الناس يشتركون في الشطر الثاني وليس كذلك ، بل المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا ، فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها (ش حم ع ك عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . وقال الهيثمي : رجال أبي يعلى رجال الصحيح ، وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد الشيخين وإلا لما عدل عنه ، والأمر بخلافه ، فقد رواه مسلم في قصة الإسراء ولفظه ، فإذا أنا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن . ومن ثم عزا حديث الترجمة بنصه جمع لمسلم منهم السخاوي ثم رأيت المصنف نفسه قال في الدرر إنه في الصحيح من حديث الإسراء . 1179 - (أعظم الأيام) أي أعظمها (عند الله يوم النحر) ، لأنه يوم الحج الأكبر ، وفيه معظم أعمال النسك (ثم يوم القر) ثاني يوم النحر لأنهم يقرون فيه أي يقيمون ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة ذكره الزمخشري . وقال البغوي : سمي به لأن أهل الموسم يوم التروية وعرفة والنحر في تعب من الحج فكان الغد من النحر قرأ . اه وفضلهما لذاتهما أو فيما يخصهما من وظائف العبادة ، والجمهور على أن يوم عرفة أفضل ثم النحر فمعنى قوله أفضل ، أي من أفضل كما يقال : فلان أعقل الناس أي وأعلمهم (حم د ك) في الأضاحي (عن عبد الله بن قرط) بضم القاف الأزدي الثمامي بضم المثلثة وخفة الميم كان اسمه شيطانا ، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ، شهد اليرموك وغيره ، واستعمله معاوية على حمص ، قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 1180 - (أعظم) رواية ابن عدي إن أعظم (الخطايا) أي الذنوب الصادرة عن عمد ، يقال خطى إذا أذنب معتمدا . ذكره الزمخشري (اللسان الكذوب) أي الكثير الكذب ، لأن اللسان أكثر الأعضاء عملا ، وما من معصية إلا وله فيها مجال ، فمن أهمله مرخى العنان ينطق بما شاء من البهتان سلك به في ميدان الخطايا والطغيان وما ينجى من شره إلا أن يقيده بلجام الشرع (ابن لال) أبو بكر في (1) هذا لا يتفق مع قوله تعالى : (ان الله اصطفى آدم) الاية فتدبر . (*)
[ 5 ]
حديث طويل جامع ثم الديلمي (عن ابن مسعود) وفيه الحسن بن عمارة ، قال الذهبي في الضعفاء متروك باتفاق (عد) عن يعقوب بن إسحاق عن أحمد بن الفرج عن أيوب بن سويد عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن ابن عباس ، قال كان من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال ابن عدي : ولا أعلم يرويه عن الثوري غير أيوب ، ورواه أيضا عن محمد بن إسحاق الوراق عن موسى بن سهل النسائي عن أيوب بن سويد عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس ثم قال ابن عدي : وهذا إنما يرويه أيوب بهذا الإسناد اه . 1181 - (أعظم العيادة أجرا) أي أكثرها ثوابا (أخفها) بأن يخفف القعود عند المريض ، فتطويل القعود عنده خلاف الأولى ، لأنه قد يتضرر به لاحتياجه إلى تعهد أهله له ويحتمل أن المراد بتخفيفها كونها غبا لا كل يوم ، فعلم أن العيادة - بالمثناة التحتية - كما ضبطه بعضهم ، لا بالموحدة ، وإن صح اعتباره بدليل تعقيبه ذلك في هذا الحديث نفسه بقوله والتعزية مرة هكذا هو بهذا اللفظ عند مخرجه البزار ومثله البيهقي في الشعب ، وكأن المصنف أغفله ذهولا ، فالعيادة بالمثناة والتعزية أخوان فلذلك فرق بينهما . وأما العبادة بالموحدة فلا مناسبة بينها وبين التعزية ، فمن جرى عليه فقد صحف وحرف جهلا أو غباوة (البزار) من حديث ابن أبي فديك (عن علي) أمير المؤمنين ، ثم قال - أعني البزار - وأحسب أن ابن فديك لم يسمع من علي ، أه . وقد أشار المصنف لضعفه فإما أن يكون لانقطاعه ولكونه مع الانقطاع فيه علة أخرى . 1182 - (أعظم الغلول) بضم المعجمة : أي الخيانة ، وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل يغل غلولا كما في الصححاح وتبعوه ، فتفسير البعض له هنا بأنه الخيانة في الغنيمة غفلة عن تأمل الحديث (عند الله يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف الغطاء (ذراع) أو دونه كما يفيده خبر : من غصب قيد شبر من أرض (من الأرض) أي إثم غصبه ذراع من الأرض كما بينه بقوله (تجدون الرجلين جارين) أي متجاورين (في الأرض أو الدار) أو نحوها (فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه) أي من حق جاره المسلم ، ومثله الذمي : أي مما يستحقه بملك أو وقف أو غيرهما (ذراعا) مثلا (فإذا اقتطعه) منه (طوقه) بالبناء للمجهول : أي يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق (من سبع أرضين) يعني يعاقب بالخسف فيصير ما اقتطعه وما تحته من كل أرض من السبع طوقا له ويعظم عنقه حتى يسع ذلك أو يتكلف أن يجعل له ذلك طوقا ولا يستطيع فيعذب به كما في خبر : من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة ، والتطويق تطويق الإثم ، أو المراد أن الظلم المذكور لازم له لزوم الطوق للعنق من قبيل (ألزمناه طائره في عنقه) . (يوم القيامة) زاد في رواية في الكبير : إلى قعر الأرض ولا يعلم
[ 6 ]
قعرها إلا الذي خلفها وهذا وعيد شديد يفيد أن الغصب كبيرة بل يكفر مستحله لكونه مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة وفيه إمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر وأن غصبها أعظم من غصب غيرها إذ لم يرد فيه مثل هذا الوعيد وأن من ملك أرضا ملك سفلها إلى منتهى الأرضين وله منع غيره من حفر بئر أو سرداب تحتها وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجر ومدر ومعدن وغيرها وله أن ينزل في الحفر ما شاء ما لم يضر ببناء جاره وأن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض إذ لو فتقت لاكتفى في حق الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها ، وأن الأرضين السبع طباق كالسماوات وغير ذلك (حم طب) وكذا ابن أبي شيبة (عن أبي مالك الأشجعي) التابعي قال ابن حجر : سقط الصحابي أو هو الأشعري فليحرر كذا رأيته بخطه ثم قال إسناده حسن انتهى . والظاهر من احتماليه : الأول فإن أحمد خرجه عن أبي مالك الأشعري ثم خرجه بالإسناد نفسه عن أبي مالك الأشجعي فلعله أسقط الصحابي سهوا قال الهيثمي : وإسناده حسن وذكر المؤلف أن تطويق الأرض المغصوبة رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وغيرها متواترا وليس مراده هذا الحديث كما وهم بدليل أنه لما سرد من رواه من الصحابة لم يذكروا الأشجعي . 1183 - (أعظم الظلم ذراع) أي ظلم أي غصب ذراع (من الأرض) أو نحوها (ينتقصه المرء من حق أخيه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب وذكر الأخ للغالب فالذمي كذلك وشمل الحق ملك الرقبة وملك المنفعة (ليست حصاة أخذها) منه (إلا طوقها يوم القيامة) على ما تقرر وذكر الذراع والحصاة لينبه على أن ما فوق ذلك أبلغ في الإثم وأعظم في الجرم والصعوبة والعقوبة والقصد بذكر الحصاة ونحوها مزيد الزجر والتنفير من الغصب ولو لشئ قليل جدا وأنه من الكبائر (طب عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه . 1184 - (أعظم) لفظ رواية الشيخين فيما وقفت عليه إن أعظم (الناس أجرا) أي ثوابا وهو نصب على التمييز (في الصلاة أبعدهم) بالرفع خبر أعظم الناس (إليها ممشى) بفتح فسكون تمييز ، أي أبعدهم مسافة إلى المسجد لكثرة الخطا فيه المتضمنة للمشقة (فأبعدهم) أي أبعدهم ثم أبعدهم فالفاء هنا بمعنى ثم وأما قول الكرماني للاستمرار كلأمثل فالأمثل فمنعه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحاة أنها تجئ بمعناه واستثنى من أفضليته بعد الدار عن المسجد الإمام ومن تعطل القريب لغيبته ولا يعارض هذا الحديث خبر فضل البيت القريب من المسجد على البعيد كفضل المجاهد على القاعد ، لأن هذا راجع لتعيين البقعة والأول للفعل (والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام) ولو في آخر
[ 7 ]
الوقت (أعظم أجرا من الذي يصليها) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام بغير انتظار (ثم ينام) فكما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر ، فكذا طول الزمن للمشقة . وفائدة ثم ينام الإشارة إلى الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار ذكره جمع وقال الطيبي في قوله ثم ينام جعل عدم انتظاره نوما فيكون المنتظر وإن نام يقظان لأنه مراقب للوقت كمرابط منتهز فرصة المجاهدة ، وهذا بتضييع تلك الأوقات كالنائم فهو كأجير أدى ما عليه من العمل ثم مضى لسبيله (ق) في الصلاة (عن أبي موسى) الأشعري (ه عن أبي هريرة) قال أبو موسى : أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فذكره . 1185 - (أعظم الناس هما) أي حزنا وغما ، وعزما وقوة (المؤمن) ، أي الكامل إذ هو الذي (يهتم بأمر دنياه) أي بتحصيل ما يقوم بمؤنته ومؤنة ممونه (وبأمر آخرته) من القيام بالطاعات وتجنب الحرام والشبهات فإن راعى دنياه أضر بآخرته وإن راعى آخرته أضر بأمر دنياه إذ هما ضرتان فاهتمامه بأموره الدنيوية بحيث لا يخل بشئ من المطلوبات الأخروية صعب عسير إلا على من سهله الله عليه ولا يعارضه الأخبار الواردة بذم الدنيا ولعنها وإن الدراهم والدنانير مهلكة لأن الكلام هنا في الاهتمام لما لابد منه في مؤنة نفسه ومن يعوله ، وذلك محبوب بل واجب فهو في الحقيقة من أمر الآخرة وإن كان من الدنيا صورة (ه عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال في الميزان عن النسائي وغيره متروك وعن شعبة لأن أزني أحب إلي من أحدث عنه انتهى ورواه باللفظ المزبور عن أنس أيضا البخاري في الضعفاء وكان ينبغي للمصنف ذكره للتقوية وبه يصير حسنا لغيره . 1186 - (أعظم الناس حقا على المرأة زوجها) حتى لو كان به قرحة فلحستها ما قامت بحقه ، ولو أمر أحد أن يسجد لأحد لأمرت بالسجود له فيجب أن لا تخونه في نفسها ومالها ، وأن لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، وأن لا تخرج إلا بإذنه ولو لجنازة أبويها . (وأعظم الناس حقا على الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى فذكر الرجل وصف طردي (أمه) فحقها في الآكدية فوق حق الأب لما قاسته من المتاعب والشدائد في الحمل والولادة والحضانة ولأنها أشفق وأرأف من الأب فهي بمزيد البر أحق . (تنبيه) : قال بلال الخواص كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فألهمت أنه الخضر ، فقلت : بحق الحق من أنت ؟ قال الخضر ، قلت : ما تقول في مالك بن أنس ؟ قال إمام الأئمة : قلت فالشافعي قال : من الأوتاد ، قلت فأحمد قال صديق ، قلت فبشر . قال : لم يخلف بعده مثله ، قلت بأي وسيلة رأيتك ؟ قال ببرك لأمك وفيه أنه يلزم الرجل عند ضيق النفقة تقديم أمه على أبيه (ك عن عائشة) وقال صحيح ، وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار وغيره .
[ 8 ]
1187 - (أعظم الناس بركة) على زوجها (أيسرهن) وفي رواية أقلهن (مؤنة) قال العامري : أراد المرأة التي قنعت بالقليل من الحلال عن الشهوات وزينة الحياة الدنيا فخفت عنه كلفتها ولم يلتجئ بسببها إلى ما فيه حرمة أو شبهة فيستريح قلبه وبدنه من التعنت والتكلف فتعظم البركة لذلك وفي رواية بدله مهورا وفي أخرى صداقا وأقلهن بركة من هي بضد ذلك وذلك لأنه داع إلى عدم الرفق والله سبحانه وتعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله . قال عروة أول شؤم المرأة كثرة صداقها ، وفي خبر للديلمي تياسروا في الصداق إن الرجل ليعطى المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة . فائدة روي أن عمر حمد الله ثم قال أن لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد أنه ساق أكثر من شئ ساقه نبي الله أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ، فعرضت له امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ، كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك . قال : كتاب الله قالت قال تعالى * (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * [ النساء : 20 ] فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر ، ثم رجع لمنبر فقال كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ، فليفعل رجل في ماله ما أحب . فرجع عمر عن اجتهاده إلى ما قامت عليه الحجة (حم ك) في الصداق (هب) . كذا البزار (عن عائشة) قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الزين العراقي : إسناده جيد انتهى . وقال الهيثمي : فيه ابن سخيرة ، وقال اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك انتهى . والمؤلف رمز لصحته فليحرر . 1188 - (أعظم آية في القرآن) أي أكثرها ثوابا ، كما أشار إليه بعضهم بقوله : أراد بالعظم عظم القدر بالثواب المترتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول (آية الكرسي) (1) ، لما اشتملت عليه من أسماء الذات والصفات والأفعال ونفي النقص وإثبات الكمال ووقت به من أدلة التوحيد على أتم وجه في أحكم نظام وأبدع أسلوب وفضل الذكر والعلم يتبع المعلوم والمذكور ، وقد احتوت على الصفات صريحا وضمنا وكررت فيها الأسماء الشريفة ظاهرة ومضمرة تسع عشرة مرة ، ولم يتضمن هذا المجموع (1) قال البيضاوي وهذه الاية مشتملة على أمهات المسائل الالهية فانها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الالهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته مقوم لغيره إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ولذلك قال عليه الصلاة والسلام إن اعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة وقال من قرأ آية الكرسي في دببر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والابيات حوله . (*)
[ 9 ]
آية غيرها وهي خمسون كلمة على عدد الصلوات المأمور بها ، أولا في حضرة العرش والكرسي فكأنها مراقي لروح قاريها إلى ذلك المحل الأسمى الذي يعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ولعل هذا سر ما ثبت أنه لا يقرب من قرأها عند النوم شيطان لأن من كان في حضرة الرحمن عار عن وسوسة الشيطان (وأعدل آية في القرآن) قوله سبحانه وتعالى : (إن الله يأمر) مستقبل بمعنى الدوام (العدل) بالتوسط في الاعتقاد كالتوحيد لا التعطيل والتشريك وفي العمل كالتعبد لا البطالة والترهب وفي الخلق كالجود لا البخل والتبذير (والإحسان) إلى الخلق أو المراد الأمر بالعدل في الفعل والإحسان في القول أو هما الإنصاف والتفضل أو التوحيد والعفو أو العدل استواء السر والعلانية والإحسان كون البر أحسن ولابن عبد السلام كتاب سماه الشجرة ، رد فيه جميع الأحكام الشرعية إلى هذه الآية وأجراه في سائر الأبواب الفقهية (وأخوف آية في القرآن) قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة) أي زنة أصغر نملة أو هباء قيل : كل مائة ذرة تزن حبة (خيرا يره) ، أي جزاءه أو في كتابه يسره أو يسوؤه أو عند المعاينة أو يعرف المؤمن عقاب شره بالبلايا والكافر ثواب خيره بالعطايا التي أوجدها في الدنيا (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) بشرط عدم الإحباط والمغفرة قال الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : إني راء ، يا رسول الله ما عملت من خير وشر ، قال : ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة ، وجاء صعصعة بن ناجية جد الفرزدق للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية فقال : حسبي حسبي وهي أحكم آية في القرآن وتسمى الجامعة الفاذة (وأرجى آية في القرآن : قوله تعالى (قل يا عبادي) أفهم بالإضافة تخصيص المؤمنين كما هو عرف التنزيل (الذين أسرفوا) أي جاوزوا الحد (على أنفسهم) بالانهماك في المعاصي (لا تقنطوا) تيأسوا (من رحمة الله) مغفرته أولا وتفضله ثانيا (إن الله يغفر الذنوب جميعا) يسترها بعفوه ولو بلا توبة إذا شاء إلا الشرك (إن الله لا يغفر أن يشرك به) [ النساء : 48 ] وما تقرر من أن الأولى أعدل والثانية أخوف والثالثة أرجى هو ما في هذا الخبر وأخذ به جمع من السلف والخلف وذهب آخرون إلى أن الأعدل والأخوف والأرجى آيات أخر وتمسكوا بموقوفات وآثار أخر وفي الإتقان في أرجى آية في القرآن بضعة عشر قولا وليس في ذلك ما يقاوم الحديث المشروح على ضعفه فهو أحسن شئ في هذا الباب ولذلك آثره في الكتاب وفيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض ومنع منه الأشعري والباقلاني وجماعة محتجين بأن تفضيل بعضهم على بعض يقتضي نقص المفضول ولا نقص في كلامه تعالى وأجازه قوم وقالوا : هو راجع إلى أعظم أجر قارئ ذلك وتوسط ابن عبد السلام وقال كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره * (قل هو الله أحد) * [ الاخلاص : 1 ] أفضل من * (تبت) * [ المسد : 1 ] وعليه بنى الغزالي كتابه المسمى بجواهر القرآن . (الشيرازي في الألقاب وابن مردويه) ، في تفسيريه (والهروي) في فضائله أي فضائل القرآن كلهم (عن ابن مسعود) مرفوعا رمز المصنف لضعفه .
[ 10 ]
1189 - (أعظم الناس فرية) بالكسر أي كذبا (اثنان) : أحدهما (شاعر يهجو) من الهجو (القبيلة) المسلمة (بأسرها) أي كلها لإنسان واحد منهم ، كان منه ما يقتضيه لأن القبيلة لا تخلو من عبد صالح فهاجي الكل قد تورط في الكذب على التحقيق فلذلك قال : أعظم فرية (و) الثاني (رجل انتفى من أبيه) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الولد ولو أنثى وأراد بالأب من ولادة وإن علا ، ويظهر أن مثله الأم إذ لا فارق ويؤخذ منه أن ذلك كبيرة وبه صرحوا ، أما من هجا واحدا مثلا من قبيلة فإنه ليس أعظم الناس فرية ، وإن كان مفتريا أيضا إذ يحرم هجو المسلم ولو تعريضا وكذبا وصدقا أما الكافر فيجوز هجوه وكذا مسلم مبتدع ومتظاهر بفسقه ذكره أصحابنا ثم إن ما ذكر من سياق الحديث هو ما رأيته في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه ، في سنن ابن ماجه اعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجى القبيلة بأسرها ، ورجل انتفى من أبيه وزنى أمه أي جعلها زانية (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتابه الذي صنفه في (ذم الغضب ه عن عائشة) وفيه عمرو بن مرة قال : في الكاشف ثقة يرى الإرجاء ورواه عنها أيضا البيهقي في الشعب والديلمي بل رواه البخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولابن ماجه وسنده حسن . 1190 - (أعف الناس قتلة) بكسر القاف (أهل الإيمان) أي هم أرحم الناس بخلق الله وأشدهم تحريا عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه إجلالا لخالقهم وامتثالا لما صدر عن صدر النبوة من قوله إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان واكتفوا من مسماه بلقلقة اللسان وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ومن لا يرحم لا يرحم والقتلة بالكسر هيئة القتل وهذا تهديد شديد في المثلة وتشويه الخلق (ذ ه عن ابن مسعود) ورجاله ثقات . 1191 - (اعقلها) أي شد ركبة ناقتك مع ذراعها بحبل (وتوكل) أي اعتمد على الله قاله : لمن قال يا رسول الله أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل الذي هو الاعتماد على الله وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها وفيه بيان فضل الاحتياط والأخذ بالحزم (ت عن أنس) واستغربه ثم حكى عن الفلاس أنه منكر وقال يحيى القطان : حديث منكر وقال غيره : فيه المغيرة بن أبي قرة السدوسي مجهول فهو معلول فعزو المصنف لمخرجه وسكوته عما عقبه به من القدح في سنده من سوء التصرف لكن قال الزركشي إنما أنكره القطان من حديث أنس وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عمرو بن أمية الضمري قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ناقتي وأتوكل قال :
[ 11 ]
اعقلها وتوكل وإسناده صحيح . وقال الزين العراقي رواه ابن خزيمة والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ قيدها وتوكل وبه يتقوى . 1192 - (أعلم الناس) أي أكثرهم علما (من) أي عالم (يجمع علم الناس إلى علمه) أي يحرص على تعلم ما عندهم مضافا إلى ما عنده (وكل صاحب علم) نكره لمزيد التعميم (غرثان) أي جائع بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة فمثلثة يعني متلهف متعطش منهمك على استفادة ما عند غيره مما ليس عنده ، والمراد أنه لشدة حبه في العلم وحلاوته عنده وتلذذه بفهمه لا يزال طالبا تحصيله لا يشبع ولا يقنع ومن هذا دأبه يصير من أعلم الناس لشدة تحصيله للفوائد وضبطه للشوارد ، تنبيه : قال الغزالي : قال أبو يزيد ، ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا أنسى ما حفظ صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى * (وقد آتيناه من لدنا علما) * [ الكهف : 65 ] مع أن كل علم من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدني الذي ينفتح في سر العالم من غير سبب مألوف من خارج انتهى (ع عن جابر) قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعلم فذكره قال الهيثمي فيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف جدا . 1193 - (اعلم أنك) خطاب لكل من يتأتى توجيه الكلام إليه أو لمعين وهو ثوبان أو المراد العموم وإنما صدر بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمير إلى الإكثار من السجود الرافع للدرجات (لا تسجد لله سجدة) ، أي في صلاة منفردة كسجدة تلاوة أو شكر (إلا رفع الله لك بها درجة) أي منزلة عالية المقدار (وحط عنك بها خطيئة) يعني فأكثر من الصلاة لترفع درجاتك وتمحى عنك سيئاتك ، قال الجنيد : ليس من طلب الله يبذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود ، ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يشفع له وأن يكون معه في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود ، وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا وضع وجهي لخالقي في الليل والنهار ، وظمأ الهواجر ، ومقاعد أقوام ينتفون الكلام كما تنتقي الفاكهة (حم ع طب) عن أبي أمامة رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . 1194 - (اعلم) بصيغة الأمر أي اعرف قال في الصحاح : علمت الشئ أعلمه علما ، عرفته ، فظاهره أن العلم هو المعرفة لكن فرق بأن المعرفة ، إدراك الجزيئات والعلم إدراك الكليات ولذلك لا
[ 12 ]
يقال : الله عارف كما يقال عالم . (يا أبا مسعود) لفظ رواية مسلم وأبا داود بحذف حرف النداء (أن الله) وفي رواية أبا تمام والله إن الله (أقدر عليك منك على هذا الغلام) الذي تضربه أي أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تقدر على الحلم إذا غضبت (م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال : بينا أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا خلفي اعلم يا أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره فقلت : يا رسول ، هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار . وفي رواية كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يقول : اعلم إلى آخره ، فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية فسقط السوط من يدي هيبة له قال النووي رواه مسلم بهذه الروايات . تنبيه : قد اختلف الناس في حد العلم على أقاويل لا تكاد تحصى وذلك مشهور ومعروف وهنا ألفاظ تظن أنها مرادفة للعلم ينبغي بيانها الأول الشعور وهو أول مراتب وصول العلم إلى القوة العاقلة فهو إدراك من غير تثبت الثاني الإدراك وهو لغة الوصول واللحاق بالشئ وملاقاته ويسمى وصول العقل ، إلى المعقول إدراكا ، الثالث التصور وهو حصول صورة الشئ في العقل الرابع الحفظ وهو تأكد ذلك واستحكامه أو يصير بحيث لو زال لتمكنت القوة من استرجاعه . الخامس التذكر وهو محاولة القوة لاسترجاع ما زال من المعلومات ، السادس الذكر وهو فائدة التذكر السابع الفهم وهو يتعلق بلفظ المخاطب غالبا . الثامن الفقه وقال الإمام الرازي : هو العلم بغرض المخاطب ولهذا قال : تعالى في الكفار * (لا يكادون يفقهون حديثا) * [ النساء : 78 ] أي لا يفقهون الغرض من الخطاب التاسع الدراية وهي المعرفة التي تحصل بعد رؤية وتقديم مقدمات . العاشر اليقين وهو أن يعلم الشئ وامتناع خلافه . الحادي عشر الذهن وهو قوة النفس واستعدادها لاكتساب العلوم التي ليست بحاصلة . الثاني عشر الفكر وهو الانتقال من التصديقات الحاضرة والتصديقات المحضرة . الثالث عشر الحدس وهو الذي يميز به عمل الفكر وهو استعداد النفس لوجود المتوسط بين الطرفين ، المصير للنسبة المجهولة معلومة لأن كل مجهول لا يعلم إلا بواسطة مقدمتين معلومتين تنتج المطلوب ، الرابع عشر الذكاء وهو قوة الحدس وبلوغه الغاية . الخامس عشر الفطنة وهو التنبه للشئ الذي قصد تعريفه . السادس عشر الكيس وهو استنباط الأنفع والأولى . السابع عشر الرأي وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها وفيما يعارضها وطلب استنتاجها على الوجه المصيب وهو دلالة الفكر (م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال : بينا أضرب غلاما لي فسمعت صوتا خلفي اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقلت : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار . 1195 - (اعلم يا بلال) ابن الحارث قال : ما أعلم يا رسول الله قال اعلم (أنه) أي الشأن (من أحيا سنة من سنتي) أي علمها وعمل بها ونشرها بين الناس وحث على متابعتها وحذر من مخالفتها والسنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فقد تكون فرصا كزكاة الفطر وقد تكون غيره كعيد
[ 13 ]
وجماعة . وقال الأشرفي الظاهر يقتضي من سنتي بصيغة الجمع لكن الرواية بالإفراد وقال الطيبي : هو جنس شائع في أفراده وأحيا استعير للعمل بها وقوله (قد أميتت بعدي) أي تركت وهجرت استعارة أخرى وهي كالترشيح للاستعارة الأولى (كان له من الأجر مثل) أجر (من) أي كل إنسان مؤمن (عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) ، لما كانت الجهة استوجبت بها المسبب الأجر والجزاء غير التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره (ومن ابتدع بدعة ضلالة) قال الأشرفي : روي بالإضافة ويصح نصبه تعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض البدع (1) غير ضلالة (لا يرضاها الله ورسوله) صفة شارحة لما قبلها (كان عليه مثل آثام من عمل بها) من الناس (لا ينقص ذلك من أوزار) جمع وزر وهو الإثم (الناس شيئا) قال البيضاوي : أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية لثواب ولا لعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بأسبابها وفعل ما له تأثير في صدوره يوجه (ت) وكذا ابن ماجه (عن ابن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري حسنه الترمذي ورواه المنذري بأن فيه الكثير بن عبد الله بن عمرو وهو متروك واه لكن للحديث شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن . 1196 - (اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله) قال بعض المخاطبين وكيف ذلك يا رسول الله قال (مالك ما قدمت) أي صرفته في وجوه القرب فصار أمامك تجازى عليه بعد موتك في الآخرة (ومال وارثك ما أخرت) أي ما خلفته بعدك ، فالذي تخلفه بعدك إنما هو لوارثك لهذا قال بعض العارفين قدموا بعضا ليكون لكم ولا تخلفوا كلا ليكون عليكم قال الماوردي : وروي عن عائشة . قالت : ذبحنا شاة فتصدقنا بها فقلت : يا رسول الله ، ما بقي منها إلا كتفها قال : كلها بقي إلا كتفها فالحازم ، من عمد إلى ما زاد عن كفايته فيرى انتهاز الفرصة فيها فيضعها بحيث تكون له ذخرا معدا وغما مستجدا . ومن يدخر المال لولده ونحوه من ورثته إشفاقا عليه من كد الطلب وسوء المنقلب استحق الذم واللوم من وجوه منها سوء الظن بخالقه في أنه لا يرزقهم إلا من جهته والثقة ببقاء ذلك على ولده مع غدر الزمان ومحنه ومنها ما حرم من منافع ماله وسلب من وفور حاله وقد قيل إنما مالك لك أو لوارثك أو للجانحة فلا تكن أشقى الثلاثة ، ومنها ما لحقه من شقاء حمقه وناله من عناء كده حتى صار ساعيا محروما وجاهدا مذموما ومن ثم قالوا : رب مغبوط بمسرة هي داؤه ومحزون من سقم هو شفاؤه ومنها ما يؤخذ به من وزره وآثامه ويحاسب عليه من شقائه وإجرامه ، وكما حكي أن هشام بن عبد الملك لما ثقل بكى عليه ولده فقال : جاد لكم هشام (1) أي في العادات ، وأما في العبادات فهي ضلالة قطعا للجمع بين النصوص . (*)
[ 14 ]
بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب ، فعلم من هذا التقرير أن الحديث مسوق لذم من قتر على نفسه وعياله وشح بالمال أن ينفق منه في وجوه القرب وادخره لورثته . أما من وسع على عياله وتصدق قصدا بالمعروف ثم فضل بعد ذلك شئ فادخره لعياله فلا يدخل في الذنب بدليل خبر لأن تترك ورثتك أغنياء خير إلخ ، وقضيته أن من مات وخلف دينا لوارثه فلم يقبضه ثم مات الكل كان المطالب به في الآخرة الوارث ، لكن صرح أئمتنا بأن المطالب فيها صاحب الحق أولا (ن عن ابن مسعود) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله اعلموا ، إلخ وهو في الصحيحين بنحوه . 1197 - (أعلنوا النكاح) أي أظهروه إظهارا للسرور وفرقا بينه وبين غيره من المآدب ، وهذا نهي عن نكاح السر وقد اختلف في كيفيته فقال الشافعي : كل نكاح حضره رجلان عدلان ، وقال أبو حنيفة : رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه وذهبوا إلى أن الإعلان المأمور به هو الإشهاد وقال المالكية : نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه ، وهو باطل فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الإشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد بالإعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وإن الأمر للندب وأخذ منه ابن قتيبة وغيره أنه لا بأس بإظهار الملاعب في المآدب وساق سنده عن الخبر أنه لما ختن بنيه أرسل عكرمة ودعا الملاعبين وأعطاهم دراهم (حم حب طب حل ك) من حديث عامر بن عبد الله (عن) عبد الله (بن الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو الصحابي ابن الصحابي أمير المؤمنين أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة ، وأول شئ دخل جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكان أطلس لا لحية له وكان صواما قواما عظيم المجاهدة بويع بالخلافة بمكة فحصره الحجاج وقتل مظلوما ورواه عنه هكذا البيهقي وقال : تفرد به عامر هذا انتهى قال الذهبي : ولم يضعف ولاهو من رجال الكتب الستة . قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته . 1198 - (أعلنوا هذا النكاح) أشيعوا عقده وأذيعوه ندبا ولا تكتموه ، وليس المراد هنا الوطء بدليل تعقيبه بقوله (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره واشتهاره فإنه أعظم محافل أهل الخير والفضل (واضربوا عليه بالدفوف) جمع دف بالضم ويفتح ما يضرب به لحادث سرور فإن قلت : المسجد يصان عن ضرب الدفوف فيه فكيف أمر به قلت : ليس المراد أنه يضرب به فيه بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد العقد فحسب وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية أن الضرب به مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره قال ابن حجر : واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي
[ 15 ]
عن التشبه بهن انتهى . وما ذكره تقدمه إليه الحليمي فخص حله بالنساء وقد أطال السبكي في رده فلا فرق بين ضربه من امرأة أو رجل على الأصح الذي اقتضاه قول الحديث اضربوا (ت) في النكاح من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قال : أعني الترمذي وعيسى هذا ضعيف انتهى وجزم البيهقي بصحته وقال ابن الجوزي ضعيف جدا وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف وقال الديلمي : في تخريج أحاديث الهداية ضعيف لكن توبع ابن ماجه . 1199 - (أعمار أمتي) أمة الدعوة لا أمة الإجابة كما هو بين ، ولكل مقام مقال (ما بين الستين) من السنين (إلى السبعين) أي ما بين الستين والسبعين وإنما عبر بإلى التي للانتهاء ولم يقل والسبعين الذي هي حق التعبير ليبين أنها لا تدخل إلا على متعدد لأن التقدير ما بين الستين وفوقها إلى السبعين ، فإلى غاية الفوقية لدلالة الكلام عليه وقال بعضهم : معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ سبعين (وأقلهم من يجوز ذلك) قال الطيبي : هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم يبلغ ستين وهذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا ، فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك كان أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ثمانون ذراعا وأكثر وأقل وحبة القمح ككلوة البقرة والرمانة يحملها عشرة فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد ، وفي تلك الأعمار فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن الله * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) * [ الفجر : 13 ] فلم يزل الخلق ينقصون خلقا ورزقا وأجلا إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم يأخذون أرزاقا قليلة بأبدان ضعيفة في مدة قصيرة كيلا يبطروا فذلك رحمة . بهم قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين ، فحينئذ يظهر بالنقص ضعف القوة والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة لاستحالة رجوعه للحالة الأولى من القوة والنشاط (ت عن أبي هريرة) . وقال حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه قال ابن حجر : وهو عجيب منه فقد رواه في الزهد أيضا من طريق أخرى عن أبي هريرة وإليه أشار المصنف بقوله (ع عن أنس) قال : وفيه عنده عبد الأعلى شيخ هشيم وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان والحاكم بسند الترمذي الأول ومتنه وقال في الفتح سنده حسن . 1200 - (اعمل لوجه واحد يكفيك) من الكفاية والفاعل المعمول له المدلول عليه بالفعل (الوجوه كلها) أي اعمل لله تعالى وحده خالصا لوجهه يكفيك جميع مهماتك في حياتك وبعد مماتك قال الغزالي اعمل لأجل من إذا عملت لأجله ووحدته بقصدك وطلبت رضاه بعملك أحبك وأكرمك وأغناك عن الكل ولا تشرك بعبادته عبدا حقيرا مهينا لا يغني عنك شيئا (عد فر عن أنس) وفيه أبو عبد الرحمن السلمي سبق أنه وضاع للصوفية ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبي في الضعفاء ، متهم
[ 16 ]
بالوضع ونافع بن هرمز أبو هرمز قال في الميزان كذبه ابن معين وتركه أبو حاتم وضعفه أحمد انتهى ، وبه يعرف أن سنده هلهل بالمرة فكان ينبغي للمصنف حذفه . 1201 - (اعمل عمل من) وفي نسخة امرئ (يظن أن لا يموت أبدا ، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا) أي قريبا جدا ولم يرد حقيقة الغد ، والمراد تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذر الموت بالفوت على عمل الدنيا وتأخير أمر الدنيا كراهة الاشتغال بها على عمل الآخرة وأما ما فهمه البعض أن المراد اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ويكون المراد الحث على عمارة الدنيا لينتفع من يجئ بعد والحث على عمل الآخرة فغير مرضي لأن الغالب على أوامر الشارع ونواهيه الندب إلى الزهد في الدنيا والتقليل من متعلقاتها والوعيد على البناء وغيره وإنما مراده أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قل حرصه وعلم أن ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه فإنه إن فاتني اليوم أدركته غدا فإني أعيش أبدا ، فقال النبي : اعمل بعمل من يظن أنه يخلد فلا يحرص على العمل فيكون حثا على التقليل بطريق أنيق ولفظ رشيق ويكون أمره بعمل الآخرة على ظاهره فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقلل لكن بلفظين مختلفين أفاده بعض المحققين لكن يعضد الأول خبر إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ، وفيه تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزال عن ذهنه أن عليه من الله عينا كالئة ورقيبا مهيمنا وأجلا قريبا حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاما وأوفر تحفظا منه مع الملأ (هق عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز لضعفه وذلك لأن فيه مجهولا وضعفا . 1202 - (اعملوا) بظاهر ما أمرتم ولا تتكلوا على ما كتب لكم من خير وشر (فكل) أي كل من خلق (ميسر) أي مهيئ ومصروف (لما خلق له) أي لأمر خلق ذلك المرء له فلا يقدر البتة على عمل غيره فذو السعادة ميسر لعمل أهلها بحكم القدر الجاري عليه وإذا غلبت مادة الحكم واستحكمت في إنسان فإنما تيسر له عمل الخبث فكان مظهرا للأفعال الخبيثة التي هي عنوان الشقاء وحكم عكسه عكس حكمه . تنبيه : قال الغزالي بين بهذا الخبر أن الخلق مجاري قدر الله ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضا من أفعاله لكن بعض أفعاله محل لبعض وقوله اعملوا وإن جرى على لسان الرسول فهو فعل من أفعاله تعالى وهو سبب لعلم الخلق بأن العلم نافع وعلمهم من أفعال الله وهو سبب لحركة الأعضاء ، وهي أيضا من أفعاله تعالى لكن بعض أفعاله مسبب للبعض أي الأول شرط للثاني كخلق الحياة شرط لخلق العلم والعلم للإرادة بمعنى أو لا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا للإرادة إلا ذو علم فيكون بعض أفعاله سببا للبعض لا موجبا لغيره ، وهذا القول من الله سبب لوجود الاعتقاد والاعتقاد سبب للخوف ، والخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وهو سبب الوصول إلى جوار الرحمن
[ 17 ]
وهو مسبب الأسباب ومرتبها ، فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء ، فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف ، وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * (طب عن ابن عباس وعن عمران بن حصين) . قال : قال رجل يا رسول الله ، أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شئ نستأنفه ؟ قال : بل بما جرت به المقادير ، وجف به القلم . قال : ففيم العمل ، قال : اعملوا إلخ . قال : الهيثمي رجاله تقات انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته وظاهر عدوله للطبراني واقتصاره عليه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من السنة والأمر بخلافه فقد رواه الشيخان من حديث علي قال كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقعد ، وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكث وجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا ؟ فقال اعملوا ، كل ميسر لما خلق له . قال الطيبي : قوله مقعده أي محل قعوده وكنى عن كونه من أهل الجنة أو النار ، باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة وإن ورد في حديث آخر هذا المعنى لأن التفصيل الآتي يأبى حمله على ذلك فيجب أن تكون الواو بمعنى أو قال : وقوله أفلا نتكل أي أفلا نعتمد على ما كتب لنا في الأزل ونترك العمل يعني إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة أو نار فأي فائدة في السعي فإنه لا يرد القضاء والقدر فأجاب بقوله اعملوا وهو من أسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال والترك وأمرهم بامتثال ما يجب على العبد من امتثال أمر ربه وعبوديته عاجلا وتفويض الأمر إليه آجلا . يعني أنتم عبيد ولابد لكم من العبودية بما أمرتم وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية لآية * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * [ الذاريات : 56 ] فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار . بل هي أمارات وعلامات . ولا بد في الإيجاب من لطف الله أو خذلانه . 1203 - (اعملوا فكل ميسر لما يهدى) يرشد (له من القول) الذي اقتضاه الله تعالى وقدره في الأزل وهو قوله تعالى * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [ الشورى : 7 ] فالعمل بحسب ما سبق في الأزل من التقدير كما دل عليه خبر القبضتين وقد سبق أن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد والخذلان ضده ولله كلية الخلق هدى وإضلالا وإظهارا لكلمته الجامعة الشاملة لمتقابلات الازدواج التي منتهاها قسمة إلى الدارين دار نور رحمني من اسمه العزيز الحليم ودار نار انتقامي من اسمه الجبار المنتقم * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * [ الروم : 14 ] (طب عن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه . 1204 - (اعملي) يا أم سلمة (ولا تتكلي) أي تتركي العمل وتعتمدي على ما في الذكر أو اعملي
[ 18 ]
ولا تعتمدي على العمل فقد لا يقبل أو اعملي صالحا بجد واجتهاد لله وحده خالصا من شوب رياء أو إشراك فإنك لا تحتاجين مع ذلك إلى شفاعتي بدليل تعليله بقوله (فإن شفاعتي للهالكين من أمتي) أي أهل الكبائر المصرين عليها المفرطين في الأعمال من أمة الإجابة . وفي رواية للاهين من أمتي قالوا حقيقة الإنسان لا تقتضي لذاتها سعادة ولا ضدها بل هي بأمور خارجية باقتضاء الحكمة الربانية ، فتلك الأمور معروضاتها حاصلة في القضاء إجمالا فما يقع من الأفراد تفصيل لذلك خيرا كان أو شرا ولا يمكن مخالفة التفصيل للإجمال (تتمة) قال في الحكم إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رهونات النفوس لا تتطلب منه أن يخرجك من حالة يستعملك فيما سواها ، فلو أرادك لالستعملك من غير إخراج ما أرادت همة سالك أن تقف إلا ودناتها هواتف الحقيقة الذي تطلبه أمامك (عد) وكذا الطبراني (عن أم سلمة) واسمها هند أورده ابن عدي في ترجمة عمرو بن مخرم وقال له : بواطيل منها هذا الخبر أخرجه الطبراني من هذا الوجه بهذا اللفظ فقال الهيثمي ، فيه عمرو بن مخرم وهو ضعيف وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذفه ما عقب به من بيان حاله من سوء التصرف وبتأمل ما تقرر يعرف أن من جعل حديث الطبراني شاهدا لحديث لابن عدي فقد أخطأ لأن الطريق واحد والمتن واحد . 1205 - (أعينوا) ندبا (أولادكم على البر) ، على بركم بالإحسان وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم في العطية (من شاء استخرج العقوق من ولده) أي نفاه عنه بأن يفعل معه من معاملته باللطف والانصاف والإكرام ما يوجب عوده للطاعة ومن استعطافه بالإنعام ما يحمله على عدم المخالفة (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه : من لم أعرفهم انتهى . 1206 - (أغبط) لفظ رواية الترمذي إن أغبط (الناس) اسم تفضيل مبني للمفعول من غبط أي أحقهم (عندي) بأن يغبط أي يتمنى مثل حاله ونص على العندية تأكيدا لاستحسان ذلك وجزما بأغبطية من هذا حاله (مؤمن) لفظ رواية الترمذي لمؤمن بزيادة اللام أي موصوف بأنه (خفيف الحاذ) ، بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي خفيف الظهر من العيال والمال بأن يكون قليلهما والغبطة تمنى أن يكون لك مثل ماله ويدوم عليه ما هو فيه ، قال الزركشي في اللآلئ : وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من متن الفرس ضرب به المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل لقلة ماله وعياله انتهى (ذو حظ من صلاة) أي ذو نصيب وافر منها من مزيد النوافل والتجهد (وكان رزقه كفافا) أي كافا عن الحاجة يعني بقدر حاجته لا ينقص ولا يزيد بل يكفيه على وجه التقنع والتقشف لا التبسط والتوسع كما يفيده قوله (فصبر عليه) أي حبس نفسه على الفناعة به غير ناظر إلى توسع أبناء الدنيا في المطاعم والملابس ونحوها (حتى يلقى الله) أي إلى أن يموت فيلقاه (وأحسن عبادة ربه) بأن أتى بها بكمال الواجبات والمندوبات ، ونص على الصلاة مع دخولها فيها اهتماما بها لكونها أفضلها وخص الرب إشارة إلى أنه
[ 19 ]
إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول والتربية . ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أحدا (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي خاملا لا يعرفه كل أحد ، وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى مفعول أي محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته) ، أي كان قبض روحه سهلا . لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل تراثه) بمثناة فوقية ، مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي ميراثه (وقلت) وفي رواية فقلت (بواكيه) لقلة عياله . وهوانه عليهم وهو جمع باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي أسألك منزلة أغبط عليها لا ما يهبطني ، فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان ، فإن فرض عدمه فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى الجنة بخمسمائة عام ، وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه . وفيه حث على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم : أدفن وجودك في أرض الخمول ، فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه ، وقيل لأعرابي من أنعم الناس عيشا قال : أنا ؟ قيل فما بال الخليفة ؟ فقال : وما العيش إلا في الخمول مع الغنى * * * وعافية تغدو بها وتروح والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره ، وتختلف باختلاف المقامات ، فخمول المريد عزلته عن الناس وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى مقام الصدق بالإخلاص ، وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا : الخمول نعمة ، وكل الناس تأباه والظهور نقمة ، وكل الناس تتمناه والظهور يقطع الظهور ، وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني (حم ت) في الزهد (ك هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال الزركشي : في اللآلئ بعد عزوه للترمذي ، إسناده ضعيف وقال الصدر المناوي فيه على بن زيد وهو ضعيف . 1207 - (أغبوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة وضم الموحدة المشددة (في العيادة) بمثناة تحتية أي في عيادة المريض ، قال الزمخشري : الإغباب أن تعوده يوما وتتركه يوما ، أي فلا تلازموا المريض كل يوم لما يجد من الثقل ومنه خير زر غبا تزدد حبا (وأربعوا) هو بقطع الهمزة مفتوحة وسكون المهملة
[ 20 ]
وكسر الموحدة أي دعوه يومين بعد يوم الزيارة وعودوه في الرابع ، أصله من الربع في أوراد الإبل وهو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى ثم تورد في الرابع هذا إذا كان صحيح العقل وإلا فلا يعاد وفي غير متعهده ومن يأنس به أو يشق عليه انقطاعه أما هو فيلازمه لفقد العلة وهي الثقل وفيه أنه تسن العيادة وكونها غبا أو ربعا بلا إطالة ، إن كان المريض مسلما وكذا ذمي لقرابة أو جوار ورجاء إسلام وإلا جازت ويحصل أصل سنة العيادة بمرة ولأكمل في كل ثالث أو رابع ، وما ذكر في سياق الخبر هو ما في نسخ الكتاب لكن رواه البيهقي في الشعب وغيره من حديث جابر أيضا بلفظ أغبوا في العيادة وأربعوا العيادة وخير العيادة أخفها إلا أن يكون مغلوبا فلا يعاد والتعزية مرة انتهى بنصه (ع) وكذا ابن أبي الدنيا والخطيب (عن جابر) قال الحافظ العراقي : إسناده ضعيف . 1208 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (ولو) كان الماء (كأسا) أي ملء كأس منه يباع (بدينار) ، يعني حافظوا على الغسل يومها ولو عز الماء فلم يمكن تحصيله للاغتسال إلا بثمن غال جدا لكون ملء كل كأس منه إنما يباع بدينار لأن ذلك يكفر ما بين الجمعتين ومن أبدل كأسا بكانت فقد صحف كما بينه عبد الحق وجعل في رواية الدرهم مكان الدينار قال الطيبي : وهذه الواو للمبالغة ، وقال أبو حيان لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها الحال المتقدم تقديره اغتسلوا على كل حال وفيه ندب الغسل للجمعة فيكره تركه ووقته من الفجر عند الشافعية وتقريبه من ذهابه أفضل (عد) عن إبراهيم بن مرزوق عن حفص بن عمر بن إسماعيل الأبلي عن عبد الله بن المثنى عن عميه النضر وموسى عن أبيهما (عن أنس) ثم قال مخرجه ابن عدي أحاديث حفص عن أنس كلها إما منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعيف أقرب وفي الميزان عن أبي هاشم كان كذابا ، ثم ساق له أحاديث هذا منها ومثله في اللسان (عن أبي هريرة) لكن (موقوفا) على أنس وهو شاهد للأول ، وبه رد المصنف على ابن الجوزي جعله الحديث موضوعا . 1209 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (فإنه) أي الشأن (من اغتسل يوم الجمعة) أي ولو مع نحو جنابة (فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة) أي من الساعة التي صلى فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى ، وهذا يحتمل كونه جزاء الشرط وكونه دعاء (وزيادة) على ذلك (ثلاثة أيام) من التي بعدها هكذا جاء به مصرحا في رواية وذلك لتكون الحسنة بعشر أمثالها . قال بعض الكاملين : وفيه مناقشة لأن ظاهر حال المسلم الصحيح المقيم حضوره إلى الجمعة فلم يفضل له ثلاثة أيام لاستغراق الجمعة إذ ذاك إلا إذا حصل الفضل من أيام نحو سفر أو مرض انتهى . وجاء في رواية لمسلم وابن ماجه زيادة ما لم تغش الكبائر . قالوا : دل التقيد بعدم غشيانها على أن الذي يكفر هو الصغائر ، فتحمل المطلقات كلها على هذا القيد وذلك لأن معنى ما لم تغش الكبائر أي فإنها إذ غشيت لا تكفر
[ 21 ]
وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر . إذ اجتنابها بمجرده ، يكفر الصغائر كما نطق به القرآن ولا يلزم منه أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر ، ومن لا صغائر له يرجى أن يكفر عنه بقدر ذلك من الكبائر وإلا أعطي من الثواب بقدره وهو جار في جميع نظائره (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما . 1210 - (اغتنم خمسا قبل خمس) أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء : (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك فإن من مات انقطع عمله ، وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك (وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم العمل ، حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد (وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله . (وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها . ولهذا جاء في خبر سيجئ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ . تنبيه : قال حجة الإسلام : الدنيا منزل من منازل السائرين إلى الله تعالى والبدن مركب ومن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى الله الذي هو السلوك (ك) في الرقاق (هب عن ابن عباس) قال الحاكم في مستدركه على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص واغتر به المصنف فرمز لصحته وهو عجيب ففيه جعفر بن برقان أورده الذهبي نفسه في الضعفاء والمتروكين وقال : قال أحمد : يخطئ في حديث الزهري وقال ابن خزيمة : لا يحتج به (حم في الزهد) قال الزين العراقي : بإسناد حسن (حل هب عن عمرو بن ميمون) ابن مهران الجوزي سبط سعيد بن جبير تابعي ثقة فاضل (مرسلا) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم إلى آخره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه لقول مغلطاي وغيره لا يجوز لحديثي عزو حديث في أحدها لغيره إلا لزيادة فائدة فيه أو بيان ما فيه ، وليس كذلك فقد خرجه النسائي في المواعظ عن عمرو هذا باللفظ المزبور . 1211 - (اغتنموا الدعاء) أي اجتهدوا في تحصيله وفوزوا به فإنه غنيمة (عند الرقة) بكسر الراء وشدة القاف ، أي عند لين القلب وخشوعه وقشعرير البدن بمشاهدة عظمة الله أو خوفا من عذابه أو حبا من كرمه أو غير ذلك مما يحدث الرقة وهو ضد القسوة التي هي علامة البعد عن الرب * (فويل للقاسية قلوبهم) * [ الزمر : 22 ] (فإنها رحمة) أي فإن تلك الحالة ساعة رحمة فإذا دعى العبد فيها كان
[ 22 ]
أرجى للإجابة والدعاء عند الرقة يصدر عن القلب حالة رغبة ورهبة فتسرع الإجابة قال تعالى : * (يدعوننا رغبا ورهبا) * [ الانبياء : 90 ] أي عن قلب راغب راهب خاشع * (وكانوا لنا خاشعين) * [ الانبياء : 90 ] (فر) وكذا القضاعي (عن أبي) بن كعب وفيه عمر بن أحمد أبو حفص ابن شاهين قال الذهبي قال الدارقطني : يخطئ وهو ثقة وشبابة بن سوار قال : في الكاشف مرجئ صدوق ، وقال أبو حاتم لا يحتج به . 1212 - (اغتنموا دعوة المؤمن المبتلى) أي في نفسه أو أهله أو ماله ، فإن دعاءه أقرب للقبول وأرجى للإجابة لكسر قلبه وقربه من ربه لأنه تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه ، وفي ضمنه حث على التصدق عليه والإحسان إليه فإنه سبب إلى دعائه والكلام في غير المبتلى العاصي ببلائه (أبو الشيخ) في كتاب الثواب (عن أبي الدرداء) وفيه الحسين بن الفرج قال الذهبي قال ابن معين : كذاب ، يسرق الحديث وفرات بن سليم ضعيف جدا . 1213 - (اغد) أي اذهب وتوجه والمراد كن (عالما) ، معلما للعلم الشرعي واحرص على نشر العلم ونفع الناس به وبقولي : (كن) يعلم أنه ليس المراد حقيقة الذهاب كما وهم (أو متعلما) ، للعلم الشرعي ولو بأن ترحل لمن يعلمه وإن بعد محله وجوبا للواجب وندبا للمندوب ، فقد رحل الكليم عليه السلام للخضر لمزيد علم لا يجب لأنه كتب * (له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) * (أو مستمعا) ، له (أو محبا) لواحد من هؤلاء (ولا تكن الخامسة فتهلك) قال عطاء : وقال لي مسعر زدتنا خامسة لم تكن عندنا والخامسة أن تبغض العلم وأهله فتكون من الهالكين ، وقال ابن عبد الله البر : هي معاداة العلماء أو بغضهم ، ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب وفيه الهلاك . وقال الماوردي : من اعتقد أن العلم شين وأن تركه زين ، وإن للجهل إقبالا مجديا وللعلم إدبارا مكديا كان ضلاله مستحكما ورشاده مستبعدا وكان هو الخامس الهالك . ومن هذا حاله فليس له في العدل نفع ولا في الاستصلاح مطعم ومن ثم قيل لبزرجمهر ما لكم لا تعاقبون الجهال قال : إنا لا نكلف العمي أن يبصروا ، ولا الصم أن يسمعوا إلى هنا كلامه وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا ، أخبرنا الشيخ الوالد تاج العارفين عن الشيخ الصالح معاذ عن قاضي القضاة شيخ الإسلام يحيى المناوي عن الحافظ الكبير شيخ الإسلام ولي الدين العراقي عن أبي الفرج عبد الرحمن أحمد القربي عن علي بن إسماعيل بن قريش عن إسماعيل بن غزوان عن فاطمة بنت سعد الخير عن أبي القاسم الطبراني عن محمد بن الحسين الأنماطي عن عبد الله بن جناد الحلبي عن عطاء بن مسلم عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه يرفعه وفيه بيان شرف العلم وفضل أهله والحث على تعلمه وتعليمه (والبزار) في مسنده (طس عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وبفتحها أيضا نفيع بضم النون وفتح الفاء وظاهر تخصيص الأوسط بالعزو أن الطبراني لم يخرجه ، إلا فيه والأمر بخلافه بل خرجه في معاجيمه الثلاثة
[ 23 ]
قال الهيثمي : ورجاله موثقون وتبعه السمهودي وهو غير مسلم فقد قال الحافظ أبو زرعة العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمسمائة من إملائه هذا حديث فيه ضعف ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وعطاء بن مسلم وهو الخفاف مختلف فيه وقال أبو عبيد عن أبي داود إنه ضعيف وقال غيره ليس بشئ . 1214 - (اغدوا) اذهبوا وقت الغداة ، وهي أول النهار فليس معنى الغدو هنا معناه فيما قبله كما ظن (في طلب العلم) أي في طلب تحصيله بكرة النهار ، أي أوله (فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) أي فيما تفعله في أول النهار أي سألته فأعطاني ذلك ، وفي القاموس الغدوة بالضم البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس (ويجعل) ربي (ذلك) أي حصول البركة (يوم الخميس) أي يجعل مزيد البركة في البكور في يوم الخميس فالبكور مبارك وهو يوم الخميس أكثر بركة وفيه أنه يندب أن يكون الجلوس لتعلم العلم أول النهار وأنه يندب الشروع في يوم تعلمه الخميس أو الإثنين خلاف ما عليه العرف العام الآن بيوم الأحد لكونه أول الأسبوع أو الأربعاء لكونه يوم النور وكان بعض من جمع بين العلم والولاية يوصي بالتأليف والقراءة يوم الإثنين والخميس ، والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشئ ومعناه هنا حصول الفهم وسهولة التحصيل ومصير ما يتعلم في أول النهار سيما يوم الخميس نافعا (طس عن عائشة) قال الهيثمي : فيه أيوب بن سويد وهو يسرق الحديث . 1215 - (اغدوا في طلب العلم فإن الغدو بركة ونجاح) قال حجة الإسلام المراد بالعلم في هذه الأخبار كلها العلم النافع المعروف للصانع ، والدال على طريق الآخرة فهو الذي نفعه عظيم وأجره عميم . أوحى الله إلى داود تعلم العلم النافع قال : ما العلم النافع ؟ قال أن تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي وكمال قدرتي على كل شئ ، فهذا الذي يقربك إلي . وقال : علي كرم الله وجهه : ما يسرني لو مت طفلا ، وأدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي ، فإن أعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم عبادة ، وأحسنهم في الله نصيحة فمن طلب العلم ليصرف به الوجوه إليه ، ويجالس به الأمراء ، ويباهي النظراء ويتصيد الحطام فتجارته بائرة وصفقته خاسرة . (خط عن عائشة) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال : ففيه ضعفا . 1216 - (اغزوا) أمر من الغزو وهو الجهاد (قزوين) ، بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو ، وسكون التحتية مدينة عظيمة مشهورة خرج منها جماعة من العلماء ، في كل فن ، (فإنه) أي الغزو ، أو ذلك البعد المسمى بهذا الاسم (من أعلا أبواب الجنة) قال الرافعي : يجوز رد الكناية إلى الغزو ويجوز
[ 24 ]
ردها إلى قزوين والتذكير على تقدير الصرف إلى البلد والموضع بمعنى أن تلك البقعة مباركة مقدسة ، وأنها تصير في الآخرة من أشرف بقاع الجنة فلا يليق أن يكون مسكنا للكفار ، وأما علة جعل الضمير للغزو فالمراد أن غزو أهل ذلك البلد فاضل جدا يربو على فضل غزو غيرها من البلدان بحيث يوصل إلى استحقاق الدخول من أعلا أبواب الجنة وقد وقع غزوها وفتحت في زمن الصحابة وما ذكر من أنه الرواية فإنه هو الثابت الموجود في خط المؤلف لما في نسخ من إبدالها بأنها أصل له . (ابن أبي حاتم والخليلي معا في) كتاب (فضائل قزوين عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن سليمان الكوفي عن رجل) من التابعين (مرسلا ، خط في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان ، عن أبي السري عن رجل نسي أبو السري اسمه وأسند عن أبي زرعة) الرازي عبيد الله بن عبد الكريم الحافظ : (قال : ليس قي قزوين حديث أصح من هذا) أي ليس في الأخبار الواردة في فضل قزوين ، خبر أصح منه ولا يلزم من هذا كونه صحيحا ولا حسنا . 1217 - (اغسلوا أيديكم) عند إرادة الشراب وإن كانت طاهرة (ثم اشربوا فيها) ندبا (فليس من إناء أطيب من اليد) ، وفي رواية بدله فإنها أنظف آنيتكم فيندب فعل ذلك ولو مع وجود الآنية ولا نظر لاستكراه المترفين المتكبرين لذلك وما استطابه الشارع فهو الطيب وهذا الفعل مأثور عن الأنبياء في الزمن الأول فقد روي أن عيسى عليه السلام كان له إناء يشرب فيه فرأى رجلا يشرب بيديه فما زال يشرب كذلك حتى رفع ، (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ، قال : مررنا على بركة ، فجعلنا نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تكرعوا ، أي لا تتناولوا الماء ، بالفم كالبهائم ولكن اغسلوا أيديكم . فذكره وقال الحافظ ابن حجر : إسناده ضعيف ولا ينافي النهي عن الكرع ، هنا ما في البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل على أنصاري وهو يحول الماء في حائطه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن كان عندك ماء بات الليلة في شنة ، وإلا كرعنا الحديث لأن النهي عن الكرع للتنزيه والفعل لبيان الجواز ، أو قصة الأنصاري قبل النهي أو النهي في حال الضرورة والفعل فيها . 1218 - (اغسلوا ثيابكم) أي أزيلوا أوساخها (وخذوا من شعوركم) أي أزيلوا شعر الإبط والعانة وما طال من نحو شارب ولحية بقص أو غيره . (واستاكوا) ، بما يزيل القلح ، في كل حال إلا بعد الزوال للصائم (وتزينوا) بالادهان ، وتحسين الهيئة ولبس ما لا خشونة فيه ولا يخل بالمروءة (وتنظفوا) بإزالة الروائح الكريهة واستعملوا الطيب ، ووقت ذلك عند الحاجة وهو مرة في كل أسبوع
[ 25 ]
غالبا ، ويكره تأخيره عن أربعين يوما ثم علل ذلك بقوله (فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك) بل يهملون أنفسهم شعثا غبرا دنسة ثيابهم وسخة أبدانهم ، (فزنت نساؤهم) أي استقذرتهم فزهدت قربهم ورغبوا في أناس على ضد ذلك من الطهارة والنزاهة والتزين ومالت إليهم نفوسهن ، وطمحت لهم شهواتهن فسارعوا إلى الخنا فكان الزنا . وعلم منه أنه يسن للرجل ، أن ينظف ثوبه وبدنه ويدهن غبا ويكتحل وترا ويقلم أظفاره وينتف شعر إبطه إن أطاقه ويحلق عانته ، وينتف شعر أنفه ويقص من الشارب ما يبين به طرف الشفة بيانا ظاهرا ، والمرأة كالرجل ويتأكد للمتزوجة ما اقتضاه ظاهر الخبر ، من أن الندب في الرجل خاص بالمتزوج غير مراد (ابن عساكر) في ترجمة عبد الرحيم التميمي (عن علي) أمير المؤمنين قال المؤلف في الأصل وفيه عبد الله ابن ميمون القداح ذاهب الحديث انتهى . وللأمر بالتنظيف شواهد والمنكر قوله فإن إلى آخره . 1219 - (اغفر) أمر من الغفر ، وهو ستر الذنب ، أي اعف عمن لك عليه ولاية وقد صدر منه شئ يوجب التأديب ولم يكن حدا (فإن عاقبت فعاقب بقدر الذنب) أي إن لم تعف وكنت معاقبا ، فلا تتجاوز قدر الجرم ولا تتعدى حدود الشرع ولا تضرب ضربا مبرحا ، وإن لم يفد إلا هو (واتق الوجه) فلا تجعله محلا للمعاقبة بضرب ولا غيره لأنه تشوبه له فيحرم ضرب الوجه من كل آدمي وحيوان محترم كما مر وصدر بالعفو إشارة إلى الحث عليه وأن الحزم قهر النفس بقودها إليه ، لما هو مركوز في جبلة الإنسان من حب الانتقام والتكبر على جميع الأنام قال بعض العارفين : ما من نفس إلا وهي مضمرة ما ظهره فرعون من قوله : * (أنا ربكم الأعلى) * [ النازعات : 24 ] ، لكن فرعون وجد مجالا فأظهر حين استخف قومه وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع خدمه وأتباعه ، ومن هو تحت قهره فإن غيظه عند تقصيرهم في حقه لا يصدر إلا عن إظهار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء (طب وأبو نعيم في المعرفة) أي كتابه معرفة الصحابة (عن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي وهمزة ، وهو ابن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن أحد الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وكان من جلساء عمر قال : قلت : يا رسول الله ، إن أهلي عصوني فيم أعاقبهم قال : تعفو ثلاثا فإن عاقبت ، إلخ كذا في رواية الطبراني ، وسبب تحديث جزء به أن عمه عيينة دخل على عمر فقال ها ابن الخطاب والله ما تعطينا الجذل ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الجزء : يا أمير المؤمنين ، إن الله قال لنبيه * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) * [ الاعراف : 199 ] ثم ذكر هذا الخبر . 1220 - (أغنى الناس) أي أكثرهم غنى (حملة القرآن) أي حفظة القرآن عن ظهر قلب ، العاملون بما فيه ، الواقفون عند حدوده ورسومه الآمرون بما أمر به الناهون هما نهى عنه ، ثم هذا
[ 26 ]
الغنى يحتمل غنى النفس ، بمعنى أنهم يرون أن ما منحوه من تيسر حفظه هو الغنى الحقيقي وأن غني بالمال في جنب ذلك لا عبرة به لأنه غاد ورائح ويحتمل أن حفظه والعمل به يجلب الغنى بالمال (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) . 1221 - (أغنى الناس حفظة القرآن) ، والمراد بهم (من جعله الله تعالى في جوفه) أي سهل له حفظه عن ظهر قلب مع العمل به كما تقرر قال أبو إسحاق الدمشقي كنت أمشي بالبادية وحدي فإذا أعييت رفعت صوتي بالقرآن فحمل عني ألم الجوع حتى قطعت مراحل كثيرة (ابن عساكر) تاريخه أيضا (عن أبي ذر) الغفاري . 1222 - (افتتحت) وفي رواية لعلي فتتحت بلا ألف (القرى بالسيف) أي بالقتال به (وافتتحت المدينة) طيبة (بالقرآن) لأن الجهاد كما يكون تكلف الأسباب والعدد والآلات المتعبة الشاقة يكون بتعلق القلوب بكلام علام الغيوب فجمع الله لرسوله بين الأمرين وخصه بالجمع بين الجهادين الظاهر والباطن دعاء الأنصار إلى الله ليلة العقبة وتلى عليهم القرآن تلاوة بجمع همة وتوجه تام فانجذبت قلوبهم وانصدعت لهيبته فدخلوا في الدين طوعا بل قهرا فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة سرى ذلك السر إليهم فآمنوا قبل أن يعاينوه فأعظم بها من منقبة للأنصار (هب) . من حديث الحسن بن محمد ابن زبالة عن مالك عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل ، فقد قال الذهبي ، قال أحمد : هذا حديث منكر ، إنما هذا من قول مالك ، وقد رأيت هذا الشيخ يعني ابن زبالة وكان كذابا انتهى ، وقال في الضعفاء قال ابن معين وأبو داود هو كذاب وفي الميزان هذا منكر وقال ابن حجر في اللسان : إن هذا حديث معروف بمحمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك متهم وفي المطالب العالية تفرد برفعه محمد بن الحسن بن زبالة وكان ضعيفا جدا وإنما هو قول مالك فجعله ابن الحسن مرفوعا وأبرز له إسنادا انتهى والحديث أورده ابن الجوزي من حديث أبي يعلى عن عائشة وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الخطيب رواه بسند هو أصلح طرقه فكان عليه أن يؤثره هنا . 1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة) ، بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة) زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد وغيره والجماعة ، أي
[ 27 ]
أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل وقال المحقق الدواني : وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات . واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلا فلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقا الغني عن كل شئ ولا يستغني عنه شئ فإن قيل ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره ؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيرا ، ثم بعد النقل ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما عليه الجماعة (4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي : في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال : هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر . 1224 - (افرشوا) بضم فسكون فضم ويجوز كسر الهمزة والراء وهي بصيغة الأمر من الفراش قال الحرائي وهو بساط يضطجع عليه للراحة (لي قطيفتي) بالقاف كساء له خمل وجمعه قطاف وقطف كصحاف وصحف وكانت قطيفته حمراء نجرانية يتعظى بها (في لحدي) إذا دفتموني قد فعل شقران مولاه ذلك إشارة إلى أنه كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم في بعض أحكام مماته ، التي منها ما أشار إليه بقوله (فإن الأرض) أي بطنها (لم تسلط على) أكل (أجساد الأنبياء) وحق لجسد عصمه الله عن البلى والتغير والاستحالة أن يفر ش له في قبره لأن المعي الذي يفرش للحي لأجله لم يزل عنه الموت وليس الأمر في غيره على هذا النمط ، ومنه يعلم أن هذا لا يعارض مذهب الشافعي في كراهة وضع فرش تحت الميت لأن كلامهم في غير الأنبياء ممن يتغير ويلي وما في الاستيعاب من أنها أخرجت قبل إهالة التراب لم يثبت وعد المصنف الفرش له فيه من الخصائص ومراده أنه من خصائصه
[ 28 ]
على أمته لا على الأنبياء بقرينة قوله فإن الأرض إلى أخره . تنبيه : قال أبو الحسن المالكي في شرح الترغيب حكمة عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ومن ألحق بهم أن التراب يمر على الجسد فيطهره والأنبياء لا ذنب لهم فلم يحتج إلى تطهيره بالتراب (ابن سعد) محمد في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده حسن وله شواهد . 1225 - (أفرض أمتي) أي أعرفهم بعلم الفرائض (زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري البخاري المدني أبو سعيد أو أبو خارجة روى عنه ابن عمر وأنس بن مالك وعروة وخلق وهو كاتب الوحي ، قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره إحدى عشرة سنة وكان حفظ قبل الهجرة سبع عشرة سورة فأعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال : يا زيد تعلم لي كتاب اليهود ، فما مضى نصف شهر حتى حذق به وتعلم العبرانية والسريانية في سبع عشرة ليلة وكان من الراسخين في العلم وندبه الصديق لجمع الفرائض وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة وعده مسروق من الستة الذين هم أهل الفتوى من الصحابة وقد أخذ الشافعي بقوله في الفرائض لهذا الحديث ووافق اجتهاده اجتهاده قال القفال : ما تكلم أحد في الفرائض إلا ووجد له القول في بعض المسائل هجره الناس إلا زيدا فإنه لم ينفرد بقول : وما قال قولا إلا تبعه عليه جمع من الصحابة وذلك يقتضي الترجيح قال الماوردي وفي معنى الحديث أقوال أحدها أنه قاله حثا للصحب على منافسته والرغبة في تعليمه كرغبته لأنه كان منقطعا إلى تعلم الفرائض بخلاف غيره ، الثاني قاله تشريفا له وإن شاركه غيره فيه كما قال أقرؤكم أبي ، الثالث خاطب به جمعا من الصحب كان زيد أفرضهم ، الرابع أراد به أن زيدا كان أشدهم عناية وحرصا عليه ، الخامس قاله لأنه كان أصحهم حسابا وأسرعهم جوابا وقد كان الصحب يعترفون له بالتقدم في ذلك ، وناهيك بتلميذه ترجمان القرآن فإنه أخذ عنه وبلغ من تعظيمه له أن زيدا صلى على جنازة أمه فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد ، خلي عنها يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هكذا نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده ، وقال هكذا نفعل بأهل بيت نبينا قال ابن الأثير كان زيد عثمانيا ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه وكان يعظمه جدا ويظهر فضله . مات سنة اثنين أو ثلاث أو ثمان وأربعين أو إحدى أو خمس أو ست وخمسين ولما مات قال أبو هريرة : مات حبر الأمة (ك) في الفرائض من حديث أبي قلابة (عن أنس) وصححه فاغتر به المصنف فرمز لصحته وفيه ما فيه فقد قال الحافظ ابن حجر قد أعل بالإرسال ، قال وضاع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل لم يسمع منه هذا وقد ذكر الدارقطني الإختلاف فيه على أبي قلابة في العلل ورجح هو وغيره إرساله انتهى . لكن ذكر ابن الصلاح أن الترمذي والنسائي وابن ماجه رووه بإسناد جيد يلفظ أفرضكم زيد قال وهو حديث حسن . 1226 - (أفش) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) ندبا أي أظهره برفع الصوت ، أو بإشاعته بأن تسلم على من تراه تعرفه أم لا تعرفه ، فإنه أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب التودد مع ما فيه من
[ 29 ]
رياضة النفس ولزوم التواضع واعظام حرمات المسلمين ورفع التقاطع والتهاجر ، وهذا العموم خصه الجمهور بغير أهل الكفر والفجور قال ابن حجر : وعكس أبو أمامة فأخرج عن الطبراني بسند جيد أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال : أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص (وابذل) بموحدة فمعجمة (الطعام) ، أي أعطه وجد به للخاص والعام من كل محترم (واستحي من الله كما تستحي رجلا) أي من رجل (من رهطك ذي هيئة (1) ، وليحسن) بلام الأمر فمثناة تحت مفتوحة فحاء ساكنة فسين مضمومة (خلقك) قرنه بلام الأمر دون غيره مما ذكر معه إيماءا إلى أنه أس ما ذكر قبله وبعده وعماد الكل (وإذا أسأت) إلى أحد بقول أو فعل (فأحسن) إليه كذلك (فإن الحسنات يذهبن السيئات) أرشد إلى إيصال النفع بالقول والفعل فالقول كإفشاء السلام ، وفي معناه كل قول كشفاعة وتعليم خير وهداية ضال وإنذار مشرف ونحوها والفعل كالإطعام وفي معناه كل فعل ككسوة عار وسقي ظمآن ونحوها وختم بالأمر بالإحسان لما أنه اللفظ الجامع الكلي وفيه الحث على الجود والسخاء ومكارم الأخلاق وخفض الجناح للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم ، واجتماع كلمتهم وتواددهم واستجلاب ما يحصل ذلك والحديث يشتمل على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها أو بدنية والسلام إشارة إليها (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله ثقات . 1227 - (أفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) بينكم (تسلموا) من التنافر والتقاطع وتدوم لكم المودة وتجمع القلوب وتزول الضغائن والحروب ، فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن السلام يبعث على التحابب وينفي التقاطع ، قال الماوردي : وقد جاء في كتاب الله تعالى ما يفيده قال الله تعالى : * (ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * [ فصلت : 34 ] فحكى عن مجاهد أن معناه ادفع بالسلام إساءة المسئ قال بعضهم : وإفشاء السلام ابتداء يستلزم إفشاءه جوابا . وقال ابن دقيق العيد استدل بالأمر بالإفشاء من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما فيه من الحرج والمشقة ، فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل بأنه يجب على واحد دون الباقين وإذا سقط على هذه الصورة لم يسقط الاستحباب لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى . قال ابن حجر : وهذا البحث ظاهر في حق من قال : إن ابتداء السلام فرض عين لا كفاية إذا قلنا إنه واجب على واحد لا بعينه (خد ع هب حب) كلهم عن (البراء) بن عاوب قال ابن حبان : صحيح ، وقال الهيثمي : رواه عنه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات . (1) قوله ذي هيئة : كذ بخط المصنف ، فلعل الرواية كذلك ، فتأمل في إعرابه ولعله جر للمجاورة : اه . (*)
[ 30 ]
1228 - (أفشوا السلام بينكم تحابوا) يحذف إحد التائين للتخفيف أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ، ولهذا قال بعضهم : إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية ، وصدر هذا الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا إلى آخره وإفشاؤه نشره لكافة المسلمين من عرف ومن لم يعرف قال النووي الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته وأقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه (ك عن أبي موسى) قال الحاكم : صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته . 1229 - (أفشوا السلام فإنه) أي إفشاؤه المفهوم من أفشوا (لله تعالى رضى) أي هو مما يرضى الله به عن العبد بمعنى أنه يقبله ويثيبه عليه قال القيصري ومعنى سلام عليكم سلمت مني أن أضرك أو آذيك بظاهري وباطني والإفشاء الإظهار قال ابن العربي : من فوائد إفشاء السلام حصول الألفة فتتآلف الكلمة وتعم المصلحة وتقع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها غير الحقود إلى الإقبال على قائلها (طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض متروك فرمز المصنف لحسنه غير مرضي . 1230 - (أفشوا السلام) قال القاضي : إفشاء السلام رفع الصوت به وإشاعته قال : ويستثنى من ندب رفع الصوت بالسلام ما لو دخل مكانا فيه نيام ، فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان (كي تعلوا) أي يرتفع شأنكم فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه ، وأراد الرفعة عند الله (طب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وليس كما زعم فقد قال الحافظ : المنذري إسناده جيد ، والهيثمي وغيره : إسناده حسن . 1231 - (أفشوا السلام) أظهروه . ودخل في عموم إفشائه من دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى : * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) * [ النور : 61 ] ذكره ابن حجر وفي الأدب بسند حسن عن ابن عمر يستحب إذا لم يكن بالبيت أحد أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (وأطعموا الطعام) قال العراقي : المراد به هنا قدر زائد على الواجب في الزكاة سواء فيه الصدقة والهدية والضيافة ، والأمر للندب وقد يجب (واضربوا الهام) ، أي رؤوس الكفار جمع هامة بالتخفيف الرأس ،
[ 31 ]
قال الزين العراقي : اقتصر فيه على ضرب الهام لأن ضرب الرؤوس مفض للهلاك بخلاف بقية البدن فإنه تقع فيه الجراح ويبرأ صاحبها فإذا فسد الدماغ هلك صاحبه (تورثوا الجنان) التي وعد بها المتقون لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم الجنان فكأنهم ورثوها قال الطيبي : والحديث من باب التكميل كقوله تعالى : * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * [ الفتح : 29 ] إذ تخصيص الهام بالضرب يدل على بطالتهم وشدة ضربتهم ، وقال بعضهم جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم بين هذه القرائن المتعددة إشارة إلى جواز التسجيع لكن شرطه عدم التكلف والتصلف بدليل قوله في خبر آخر : أسجع كسجع الكهان . وذم المستشريق بإظهار فصاحتهم لصرف الوجوه إليهم وحاشى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن قصد ذلك بل إذا قصد البيان لدين الله سمح طبعه الزكي وعنصره العربي بترادف قرائن لكمال فصاحته بغير تكلف في استخراجها ، وهذا الحديث رواه أيضا العسكري عن عبد الله بن سلام بنحوه وزاد بيان السبب فقال : لما قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله ، فقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر فلما رأيته عرفت أنه ليس بوجه كذاب ، وكان أول شئ تكلم به أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام ، إلخ . (ت عن أبي هريرة) وقال حسن غريب انتهى . 1232 - (أفشوا السلام) قال بعضهم : والحكمة فيه أن ابتداء التلاقي ، وما ألحق به من مواطن مشروعية السلام ربما نشأ عنه خوف أو كبر من إحدى الجانبين فشرع نفيهما بالبداءة بتحية السلام إزالة للخوف وتحليا بالتواضع واستثنى بعضهم من طلب إفشاء السلام ما لو علم من إنسان أنه لا يرد عليه فلا يسلم عليه لئلا يوقعه في المعصية وتعقبه النووي بأن المأمورات الشرعية لا تترك لمثل ذلك ولو نظرنا لذلك بطل إنكار كثير من المنكرات ورده ابن دقيق العيد بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام سيما وامتثال الإفشاء يحصل مع غيره (وأطعموا الطعام) ، فإن فيه قوام البدن قال البيهقي يحتمل إطعام المحاويج ، ويحتمل الضيافة ، أو هما معا وللضيافة في التآلف والتحابب أثر عظيم (وكونوا إخوانا كما أمركم الله) بها من الإخاء في الله والحب فيه قال سبحانه وتعالى : * (إنما المؤمنون إخوة) * [ الحجرات : 10 ] قال أبو الدرداء فيما أخرجه الحكيم الترمذي عنه ما لكم عباد الله لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها ، كما توقنون بأمر الدنيا لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فنبرأ منكم (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه النسائي . 1233 - (أفضل الأعمال) بعد الإيمان أي أكثرها ثوابا (الصلاة لوقتها) في رواية على وقتها
[ 32 ]
واللام بمعنى في أو للإستقبال نحو * (فطلقوهن لعدتهن) * [ الطلاق : 1 ] وأما خبر أسفروا بالفجر فمؤول كما مر (وبر الوالدين) في رواية ثم بدل الواو ووجهه ظاهر ، والصلاة أول وقتها أي المحافظة عليها المأمور به في آية * (حافظوا على الصلوات) * [ البقرة : 238 ] والمحافظة تكون بأدائها أول وقتها خوف فوت فضيلها ، وهذا حث على ندب المبادرة وخبر فصلى بي جبريل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله بيان للجواز ، واعلم أن الله تعالى قد عظم شأن الوالدين وقرن حقهما بحقه وشركه بواو العطف في قوله * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * [ الاسراء : 23 ] لأن الله تعالى خلق الولد وصوره وأخرجه إلى الدنيا ضعيفا لا حيلة له ثم قيض له أبويه فتكفلا بتربيته لأنه لا قوام له بنفسه فلم يزالا ير بيانه حتى أو صلاة إلى حد يقوم بنفسه ولو تركاه ونفسه هلك فكانا سبب تمام خلقه ونشأته فالله هو الخالق المصور حقيقة وهما المنشآن له مجازا فلذلك لا يقدر أحد أن يقوم أحد بحق أبويه فإن من كان سبب نشأتك كيف تفي بحقه أو تفي بشكره ولذلك قرن تعالى عقوقهما بالشرك به كما قرن طاعتهما بطاعته ولما كان الشرك لا يغفر عظم قدر العقوق لاقترانه به فمن بر والديه فقد بر ربه لان في برهما بره للإشتراك المتقدم ومن عقهما فقد عقه (م عن ابن مسعود) قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي العمل أفضل ؟ فقال : الصلاة لوقتها قلت : ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله . 1234 - (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها) لأنها أعظم الوصل بين العبد وربه وهي عماد الدين وعصام النبيين مشتملة على ما لم يشتمل عليه غيرها من الكمالات ، ولهذا قال بعض أهل الكمال الصلاة طهرة للقلب ، واستفتاح لأبواب الغيوب تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار ثم ما أحسن تركيبها وما أبدع ترتيبها ، فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب وأخرى من فضة وملاطها المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة من سجود وملاطها التسبيح والتحميد (د ت عن أم فروة) الأنصارية صحابية لها حديث ويقال : هي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل عن قول الصدر المناوي وغيره ، فيه عبد الله بن عمر العمري غير قوي . وقد تكلم فيه يحيى من جهة حفظه وعن قول الحافظ ابن حجر رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده اضطراب . 1235 - (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها) . تنبيه : قال ابن الزملكاني : أطلق جمع أن الفضل في الأعمال الصالحة باعتبار كثرة الثواب وليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف أو هذا العمل أشرف وأعلا فهو أفضل وقد يخص الله بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبا فيه إما لنفرة النفس عنه أو لمشقته غالبا ، فرغب فيه بمزيد الثواب أو لأن غيره مما يكتفى فيه بداعي النفس والثواب عليه فضل فالإنصاف أن المفاضلة تارة تكون بكثرة الثواب وتارة بحسب الوصفين بالنظر
[ 33 ]
إليهما وتارة بحسب متعلقاتهما وتارة بحسب ثمراتهما وتارة بأمر عرضي لهما ، ويجمع ذلك أنه قد يكون لأمر ذاتي وقد يكون لأمر عرضي فإذا حاولنا الكلام في التفضيل فلا بد من استحضار هذه المقدمة فتدبرها فلا بد من ملاحظتها فيما مر وفيما يأتي انتهى . وتحصل المبادرة باشتغاله بأسبابها كطهارة وغيرها أول الوقت ثم يصليها ولا تشترط السرعة خلاف العادة ولا يضر التأخير لقليل أكل ، وكلامه شامل للعشاء وهو الأصح عند جمهور الشافعية وذهب كثير منهم إلى ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لحديث آخر ومحل ندب التعجيل ما لم يعارضه معارض مما هو مقرر في الفروع (وبر الوالدين) أي طاعتهما والإحسان إليهما فيما لا يخالف الشرع قال العراقي : أخبر أن أفضل حقوق الله الصلاة لوقتها وأفضل حقوق العباد بعضهم على بعض بر الوالدين فهما أحق بالبر من جميع الأقارب (والجهاد في سبيل الله) بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر دينه وقدم بر الوالدين لا لكونه أفضل من الجهاد لأن الجهاد وسيلة لإعلاء أعلام الإيمان وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه بل لتوقف حله على إذنهما وتوقفه عليه لا يوجب كونه أفضل منه وكم له من نظير أما طاعتهما فيما يخالف الشرع فليست من البر بل من الإثم فيجب على الإنسان أن يقاطع في دينه من كان به برا وعليه مشفقا . هذا أبو عبيدة بن الجراح له المنزلة العالية في الفضل والأثر المشهور في الإسلام قتل أباه يوم بدر وأتى برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لله ورسوله حين بقي على ضلاله ، وانهمك في طغيانه ولم يعطفه عليه رحم ولا كفه عنه إشفاق وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لكونها عنوان على ما سواها من الطاعات ، فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع فمن أهمل الصلاة مع كونها عماد الدين فهو لغيرها أهمل ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدوانهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك (خط ، عن أنس) رمز المصنف لضعفه . 1236 - (أفضل الأعمال) ، أي من أفضلها ، أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه (أن تدخل) أي إدخالك (على أخيك المؤمن) أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب (سرورا) أي سببا لانشرا صدره من جهة الدين والدنيا (أو تقضي) تؤدي (عنه دينا) لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل (أو تطعمه) ولو (خبزا) فما فوقه من نحو اللحم أفضل ، وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الأخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه لقوله في الحديث الآتي : من أطعم أخاه المسلم شهوته والمراد بالمؤمن المعصوم الذي يستحب إطعامه فإن كان مضطرا وجب إطعامه ولا يخفى أن قضاء الدين وإطعام الجائع من جملة إدخال السرور على المديون والجائع فهو عطف خاص على عام اللاهتمام . قيل لابن المنكدر ما بقي مما يستلذ ؟ قال : الإفضال على الإخوان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر واسمه يحيى (في) كتاب (قضاء الحوائج) أي في الكتاب الذي ألفه في فضل قضاء حوائج الإخوان (هب عن أبي هريرة)
[ 34 ]
فقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ، فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الوليد بن شجاع قال أبو حاتم : لا يحتج به وعمار بن محمد مضعف (عد عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عمار : فيه نظر وللحديث شاهد مرسل ثم ذكره والحاصل أنه حسن لشواهده . 1237 - (أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد) أي التحبب (إلى الناس) حبا لله وفي الله كما يشير إليه خبر أفضل الأعمال الحب في الله والبغض فيه ولأنه بذلك تحصل الألفة الجامعة التي تنعطف القلوب عليها ويندفع المكروه بها والألفة تجمع الشمل وتمنع الذل ومن أمثالهم من قل ذل والجمع بينه وبين ما قبله من الأخبار أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كل أحد بما يوافقه ويليق به أو بحسب الحال أو الوقت أو السؤال وفيه إيماء إلى أن مخالطة الناس أفضل من العزلة ، تنبيه : قال ابن حزم : الفضل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله تعالى بلا عمل ، وفضل مجازاة بعمل أما فضل الاختصاص من دون العمل فيشترك به جميع الخلق من ناطق وغيره وجماد وعرض كفضل الملائكة وفضل الأنبياء وفضل إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأطفال وناقة صالح وذبيح إبراهيم وفضل مكة والمدينة والمساجد على البقاع والحجر الأسود على الحجارة ، وشهر رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر ، وأما فضل المجازاة فلا يكون إلا للحي الناطق وهم الملائكة والإنس والجن ، والأقسام المستحق بها التفضيل في هذا القسم سبعة ماهية العمل وكميته وهي الفرض منه وكيفيته والكم والزمان والمكان والإضافة فالماهية أن يكون أحدهما في العمل يوفي فروضه والآخر لا يوفيها ، والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية ، والكيفية أن يوفي أحدهما بجميع حقوق العمل أو رتبه والآخر يأتي به لكن ينقص من رتبته والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النفل والزمان كصدر الإسلام أو وقت الحاجة والمكان كالصلوات بالمسجد الحرام والإضافة كعمل من نبي ونتيجة الفضل بهذه الوجوه شيئان أحدهما تعظيم الفاضل على المفضول فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل وما كان يعمل والثاني علو الدرجة في الجنة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو الدرجة بها على الفاضل وإلا لبطل الفضل وهذا القسم يختص به الفاضل بفضل عمله . إلى هنا كلامه (الطبراني في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي هريرة) . 1238 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها والمراد أفضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعا (الكسب من الحلال) اللائق لأن طلب الحلال ، فريضة بعد الفريضة كما سيجئ في خبر ويجئ في آخر إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب إحلال قال حجة الإسلام إذا كان الرجل معيلا محترفا للقيام بحق العيال فكسب الحلال أفضل من العبادة البدنية لكنه لا ينبغي أن يخلو وينفك عن ذكر الله تعالى
[ 35 ]
(ابن لال) أحمد بن علي وكذا الديلمي (عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه . 1239 - (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده) لأن به فضلت الأنبياء على غيرهم ، وهم إنما تفاضلوا فيما بينهم بالعلم به لا بغيره من الأعمال (ثم الجهاد ، ثم حجة مبرورة) أي مقبولة أو لم يخالطها إثم من الاحرام إلى التحلل الثاني أو لا رياء فيها ، أقوال رجح النووي ثانيها والحجة المبرورة (تفضل سائر الأعمال ، كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) عبارة عن المبالغة في سموها على جميع أعمال البر قال النووي : وذكر هنا الحج بعد الإيمان وفي خبر آخر بدل الحج العتق في آخر بدأ بالصلاة فالبر فالجهاد وفي آخر السلامة من نحو يد ولسان . واختلاف الأجوبة باختلاف الأحوال والأشخاص كما تقدم وقدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن لقصور نفع الحج غالبا وتعدي نفع الجهاد أو كان حيث كان الجهاد فرض عين وكان أهم منه حالتئذ وهذا الحديث له تتمة عند أحمد من حديث عمرو بن العاص : سياقه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل : قال إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله وحج مبرور قال أكثرت : يا رسول الله ، قال فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن خلق قال الرجل : أريد كلمة واحدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب لا تتهم الله على نفسك انتهى . (طب عن ماعز) في الصحابة متعدد فكان اللائق تمييزه وقيل إن هذا غير منسوب وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد إلا عند الطبراني وهو عجيب فقد خرجه أحمد في المسند قال الهيثمي بعد ما عزاه له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فكان ينبغي للمصنف عزوه إليه لكن الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل ادعى بعضهم تواتره فمنها ما رواه أحمد عن عبادة أن رجلا أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ، وتصديق به ، وجهاد في سبيله قال : أريد أهون من ذلك قال السماحة والصبر ، قال : أريد أهون من ذلك ، قال : لا تتهم الله في شئ قضى لك به . 1240 - (أفضل الأعمال العلم بالله) أي معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة الله تعالى والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا مطلقا أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة
[ 36 ]
إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعا بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر . وسبب الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أي الأعمال أفضل ؟ قال : العلم بالله ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال : يا رسول الله ، إنما أسألك عن العمل . فقال : (إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره) ، لأن العبادة المعول عليها ، إنما هي ما كانت عن العلم به فأجل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم بالله فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم : لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة ، والرياضة ، والمجاهدة ، أو الجذب الإلهي . (وأن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) . لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذا عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها . وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر ، فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج ، ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى . قال ابن حجر : وفيه أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي : وسنده ضعيف انتهى . فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءا إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره . 1241 - (أفضل الأعمال الحب في الله) ، أي في ذات الله لا لشوب رياء ولا هوى (والبغض في الله) قال الطيبي : في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب لله إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى : * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * [ العنكبوت : 69 ] أي في حقنا ومن أجلنا ، ولوجهنا خالصا فمن أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان . لا لحظ نفساني كإحسان ، وأن يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون معاملته مع الخلق إلا لله ومن البغض في الله بغض النفس الأمارة بالسوء وأعداء الدين ، وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمر ونهى ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق الله وفناء السالك في الله . ثم إن قيل كيف يكون الحب في الله والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد ؟ قلنا من أحب في الله يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم ، قال القائل : تعصي الإله وأنت تظهر حبه * * * هذا لعمري في القياس بديع
[ 37 ]
لو كان حبك صادقا لأطعته * * * إن المحب لمن يحب مطيع وكذا من أبغض في الله أبغض أعداءه ، وبذل جهده في مجاهدتهم بالبنان واللسان . قال ابن رسلان : وفيه أنه يجب أن يكون للإنسان أعداء يبغضهم في الله كما له أصدقاء يحبهم في الله تعالى (د عن أبي ذر) قال الصدر المناوي : وفيه رجل مجهول . 1242 - (أفضل الأيام) أي أيام الأسبوع . قال أبو البقاء : أصل أيام أيوام اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها (عند الله) العندية للتشريف (يوم الجمعة) لما له من الفضائل التي لم تجتمع لغيره فمنها أن فيه ساعة محققة الإجابة وموافقته يوم وقفة المصطفى صلى الله عليه وسلم واجتماع الخلائق فيه في الأقطار للخطبة والصلاة ، ولأنه يوم عيد كما في الخبر لموافقته يوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم يوم القيامة ، ومن ثم شرع الاجتماع فيه والخطبة ليذكروا المبدأ والمعاد والجنة والنار ولهذا سن في فجره قراءة سورتي السجدة وهل أتى ، لاشتمالهما على ما كان ويكون في ذلك اليوم من خلق آدم والمبدأ والمعاد ، ولأن الطاعة الواقعة فيه أفضل منها في سائر الأيام حتى أن أهل الفجور يحترمون يومه وليلته ولموافقته يوم المزيد في الجنة وهو اليوم الذي يجتمع فيه أهلها على كثبان المسك فلهذه الوجوه فضلت وقفة الجمعة على غيره ، لكن ما استفاض أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة باطل لا أصل له كما بينه بعض الحفاظ ، ثم الكلام في أفضل أيام الأسبوع ، أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر وأفضلهما عند الشافعي عرفة لأن صيامه يكفر سنتين وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه فيه ، ولأن الحق سبحانه يباهي ملائكته بأهل الموقف ، وقيل الأفضل يوم النحر ففيه التضرع والتوبة وفي النحر الوفادة والزيادة (هب عن أبي هريرة) إسناده حسن . 1243 - (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت) فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته ، فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره الله سرا وجهرا ، وبطنا وظهرا ، فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته ، وتذل وتخمد شهواتها وتقل حركاتها ، فإذا كان من الله لعبده تأييد بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب ، لا علم اللسان . فقد علم الموحدون أن الله معهم بالنص القرآني : * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * الآية [ المجادلة : 7 ] لأن الإيمان شهادة القلب لأنه سبحانه حي قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن . ثم لشهود القلب مراتب ومن أفضلها شهوده لله في كل مكان يكون فيه العبد على أي حال كان من خلاء وملاء ، وسراء وضراء . ونعيم وبؤس ، وطاعة وعصيان ، فيكون في حال الخلاء مستحيا وفي هذا الملاء متوكلا ، وفي السراء حامدا وفي الضراء راضيا ، وفي الغنى بالإفضال ، وفي الإفلال بالصبر ، وفي الطاعة بالإخلاص ، وفي المعصية بطلب الخلاص (طب حل) من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن مهاجر عن عمرة عن
[ 38 ]
ابن غنم (عن عباده بن الصامت) ثم قال أبو نعيم : غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر اه ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء ، وقال وثقه أحمد وجمع ، وقال النسائي : غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع ، وقال أبو داود : عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها . أه ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري : لا يتلبع على حديثه ، أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه . 1244 - (أفضل الإيمان) : أي من أفضل خصاله (الصبر) أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه وهو ممدوح مطلوب (والمسامحة) يعني المساهلة ، في رواية السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا الله وذلك من أعلى خصال الإيمان ، وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق صعب إلا على من وثق بما عند الله واعتقد أن ما أنفقه هو الباقي ، فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان ، قال الزركشي : والسماحة تيسير الأمر على المسامح . وروى نحو ذلك عن الحسن وأنه قيل له : ما الصبر والسماحة ؟ فقال : الصبر عن محارم الله والسماحة بفرائض الله ، وفي الحديث وما قبله وما بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل أزيد ، وفي خبر : من سامح سومح له (فر عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي ، وفيه زيد العمى ، قال الذهبي في الضعفاء : ضعيف متماسك (تخ عن عمير) مصغر عمر ، بن قتادة بن سعد (الليثي) صحابي من مسلمة الفتح ، وفي مسند أبي يعلى : أنه استشهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل يا رسول الله ، ما أفضل الإيمان ؟ فذكره ، وفيه شهر بن حوشب ، ورواه البيهقي في الزهد بلفظ : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصبر والسماحة ، قال الحافظ العراقي : ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ : سئل عن الإيمان فذكره ، وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ : ما الإيمان ؟ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق . وإسناده صحيح . إلى هنا كلام الحافظ ، وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد . 1245 - (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله) لا لغيره ، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به ، فإن الذكر مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش ، ومنشور الولاية ، قال وهب : أوحى الله إلى داود : أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي ، وألسنتهم رطبة من ذكري . والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب ، فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير
[ 39 ]
جدوى ، لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك ، وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لنفسك) ، من المكاره الدنيوية والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت ، والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم ، فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس ، على أن الأكمل بخلاف ذلك ، فقد قال الفضيل لابن عيينة : إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ، ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . . الآية . [ آل عمران : 103 ] وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد (طب عن معاذ بن أنس) قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره ، قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وهو ضعيف . 1246 - (أفضل الجهاد) أي من أفضل أنواع الجهاد بالمعنى اللغوي العام (كلمة حق) بالإضافة ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي : عدل : بدل حق ، وأراد بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط (عند سلطان جائر) أي ظالم ، لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف ، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه ، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر ، والمراد بالسلطان : من له سلاطة وقهر ، وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله ، ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود : أو أمير جائر . تتمة أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة ، وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ، ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها ، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات ، وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال والقلب ، وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب . فائدة : قال الدميري : دخل النور البكري على محمد بن قلاوون فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الجهاد وذكر الحديث . ثم قال له : وأنت ظالم ، فأمر بقطع لسانه فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء . فقال السلطان : ما أردت إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه (ه عن أبي
[ 40 ]
سعيد) الخدري ، وكذا رواه أبو داود والترمذي باللفظ المذكور من الوجه المزبور ، ولعل المصنف ذهل عن ذلك ، ثم إن فيه عند الكل عطية العوفي ، قال في الكاشف : ضعفوه (حم طب هب عن أبي أمامة الباهلي) قال : عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال : أي الجهاد أفضل ؟ فسكت ، فلما رمى الثانية سأله فسكت ثم سأله عند العقبة فوضع رجله في الغرز : أي الركاب ، ثم ذكره ، ثم قال : أعني البيهقي : وإسناده لين ، قال : وله شاهد مرسل بإسناد جيد ، ثم ساقه عن الزهري بلفظ : أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر (حم ن هب) والضياء أيضا كلهم (عن طارق) بالمهملة والقاف (ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي الأحمسي له رؤية ورواية ، قال في الرياض : رواه النسائي بإسناد صحيح ، وكذا قال المنذري فالمتن صحيح . 1247 - (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل) ذكر الرجل وصف طردي (نفسه) في ذات الله (وهواه) بأن يكفهما عن الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل الأوامر وتجنب المناهي ، فإنه الجهاد الأكبر والهوى اكبر أعدائك ، وهو ونفسك أقرب الأعداء إليك لما أن ذلك بين جنبيك والله يقول : * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين بلونكم من الكفار) * [ التوبة : 123 ] ولا أكفر عندك من نفسك ، فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها ، وإذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك جهاد الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت شهيدا من الأحياء الذين عند ربهم يرزقون ، ولعمري إن جهاد النفس لشديد بل لا شئ أشد منه فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب ، فكيف إذا دعيت إلى محبوب فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد أعداء الدين والدنيا ، ولهذا قال الغزالي : وأشد أنواع الجهاد الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه ، إذ العادة طبيعة خامسة ، فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله ولا يقوى باعث الدين على قمعهما . فلذا كان أفضل الجهاد ، وقال أبو يزيد : ما زلت أسوق نفسي إلى الله ، وهي تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك . تنبيه : قال ابن عربي : العلل في طريق السالكين ليس لها محل إلا النفوس فقط لا حظ فيها للعقول ولا للبدن فإن دواء علل العقول اتخاذ الميزان الطبيعي وإزالة الفكر ومداومة الذكر ليس إلا وعلل البدن الأدوية الطبية ، وأما أمراض النفس فثلاثة : مرض في الأقوال كالتزام قول الحق فإن الغيبة حق وقد نهى عنها ، والنصيحة في الملاحق وهي نصيحة مذمومة وكالمن والتحدث بما لا يعني ونحو ذلك ، ومرض في الأفعال كالرياء والعجب ، ومرض في الأحوال كصحبة للأولياء ليشيع أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته ، فمن عرف هذه العلل وأدواءها وخلص نفسه منها فقد نفعها ، وذلك أفضل الجهاد مطلقا فإنه فرض عين مطلقا (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجب ، وقد خرجه الحافظ أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر بلفظ : أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله . 1248 - (أفضل الحج العج) بفتح العين المهملة (والثج) أي أفضل أعمال الحج رفع الصوت
[ 41 ]
بالتلبية وصب دماء الهدي كذا في الكشاف . قال الطيبي : أراد بهما الاستيعاب فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال ، وانتهى بالتحلل الذي هو إهراق دم الهدي فاكتفى بالمبتدأ والمنتهى عن سائر أعماله : يعني أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من أركان وشروط ومندوبات . قال ابن عبد السلام : وأفضل أركان الحج الطواف فهو أفضل من الوقوف لشبهه بالصلاة ، والعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج إراقة الدم وكل سائل ، لكن سائل الحج هو الدم كما في العارضة (ت) في التفسير (عن ابن عمر) بن الخطاب ، وفيه الضحاك بن عثمان قال أبو زرعة : ليس بقوي ووثقه ابن معين (ه ك) في الحج (هق) كلهم (عن أبي بكر) الصديق وصححه الحاكم ، وأقره الذهبي في التلخيص وإنه لشئ عجاب ، مع أن فيه يعقوب بن محمد الزهري أورده هو - أعني الذهبي - في الضعفاء ، وقال : ضعفه أبو زرعة وغير واحد ، وفيه أيضا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة مشهور قال ابن سعيد : ليس بحجة (ع عن ابن مسعود) قال : سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي الحج أفضل ؟ فذكره ، واستغربه الترمذي وهو معلول من طرقه الثلاثة قال ابن حجر : حديث ابن ماجه عن ابن عمر فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وحديث الحاكم عن أبي بكر فيه انقطاع بين ابن المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع ، نبه عليه الترمذي وحديث أبي يعلى عن ابن مسعود فيه الواقدي اه . 1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة ، ومن جملتها بسط الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت امتثال الأمر ، الموالاة لله وفي الله فإنها من أوثق عرى الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح كان إذا حدثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم يسمعه قط لئلا يخجل جليسه . قال حجة الإسلام : فيندب إكرام الصاحب والجليس ندبا مؤكدا ، وفيه إشارة إلى وصية آداب الصحبة ، فمنها كتمان السر وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه ، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه ، وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره على صنيعه في حقه ، ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احتيج . ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسره ، والحزن بما يضره ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقا في وده سرا وعلنا ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس ، ويخرج له من مكانه ، ويشيعه عند قيامه ، ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه . وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اه . وقال غيره : المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث بلحيته ولا خاتمه
[ 42 ]
ولا يشبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات (القضاعي عن ابن مسعود) . 1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه ، والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل ، ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع ، والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة ، ذكره بعض الأعاظم ، وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى ، وقد تجتمع الجهات كلها (ه ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه . نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد ، فلو عزاه المصنف له لكان أولى . 1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية ، لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري : العفو أن يعفو عن الذنوب ، والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص ، وهي مفاعلة من العفو ، وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك . إلى هنا كلامه ، وقال الحكيم : العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر ، إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا ، وذكرهما في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شئ واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه ، وفي محل الابتلاء عافاه ، ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي : كفى بالسلامة داء ، كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ، ثم بأعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت ، لن لكل نعمة تبعة ، ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات يخلص هذا في العفو ، وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه ، وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء ، فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا الله بكرمه ، ثم إن قلت : طلب سؤال العافية من الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر : إن البلاء خير من النعيم ، فالجواب : أن البلاء خير ونعمة باعتبارين :
[ 43 ]
أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا ، والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب ، فينبغي أن يسأل الله تعالى تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء ، ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر ، قاله حجة الإسلام . تنبيه : قال شيخنا : العارف الشعراني : قال لي البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول عمره أن يسأل الله الرضا ، وإنما يسأله العفو ، فإذا حصل حصل الرضا ، كما أنه لا ينبغي أن يسأل الله أن يكون من الصالحين الكمل ورثة الأنبياء (حم وهناد) في الزهد (ت ه عن أنس) وقال الترمذي : حسن إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد . 1252 - (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثوابا إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي من يعوله وتلزمه مؤنته من نحو ولد وزوجة وخادم (ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله) أي التي أعدها للغزو عليها (ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل) يعني على رفقته الغزاة ، وقيل المراد بسبيله كل طاعة ، وقدم العيال لأن نفقتهم أهم ما يجب عليه تقديمه ثم دابة الجهاد لمزيد فضل النفقة عليها كما سيجئ بيانه في عدة أخبار ، ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم : أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك ، وخص دابة الغزو وأصحابه الغزاة ، لأن النفقة عليهم أهم مما ينفق في الجهاد وأعظمه أجرا غالبا (حم م ت ن ه عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا في الرياض ، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئا . 1253 - (أفضل الذكر لا إله إلا الله) إذ لا يصح الإيمان إلا به ، ولأن فيه إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه وليس ذا في سواه من الأذكار ، ولأن للتهليل تأثيرا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في الظاهر (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) [ الفرقان : 43 ] فيفيد نفي عموم الإلهية بقوله (لا إله) ويثبت الواحد بقوله (إلا الله) ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن ويتولى على جوارحه ويجد حلاوة هذا من ذاق ، وقال بعض العارفين : إنما كانت أفضل لأنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شئ ، إذ لو ماثله شئ ما كان واحدا بل اثنين فصاعدا فما ثم ما يزنه إلا المعادل والمماثل ، ولا معادل ولا مماثل ، فذلك هو المانع للا إله إلا الله أن تدخل الميزان يوم القيامة ، فإن الشرك الذي يقابل التوحيد لا يصح وجوده من العبد مع وجود التوحيد فإن الإنسان إما مشرك وإما موحد ، فلا يزن التوحيد إلا الشرك ، ولا يجتمعان في ميزان أبدا ، فعليك بالذكر بها فإنه الذكر
[ 44 ]
الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه وحكمه (وأفضل الدعاء الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملها فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه والحمد على النعم طلب المزيد ، وفي الحديث القدسي إن الله يقول : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ، وسيجئ حديث : الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لا يحمده ، فنبه به على وجه تسمية الحمد دعاء وهو كونه محصلا لمقصود الدعاء ، فأطلق عليه دعاء مجازا لذلك فإن حقيقة الدعاء طلب الإنعام ، والشكر كفيل بحصول الإنعام للوعد الصادق بقوله : * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * [ ابراهيم : 7 ] وقال الطيبي : لعله جعل أفضل الدعاء ، من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه . قال : وقد يكون قوله الحمد لله : تلميح وإشارة إلى * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) * [ الفاتحة : 6 ، 7 ] وأي دعاء أفضل وأجمع وأكمل منه . قال المؤلف : دل هذا الحديث بمنطوقه على أن كلا من الكلمتين أفضل نوعه ، ودل بمفهومه على أن لا إله إلا الله أفضل من الحمد لله فإن نوع الذكر أفضل من نوعه) . تنبيه : قال الغزالي : ليس شئ من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله ، فإن النعم كلها من الله ، وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته ، وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس ، ثم إذا عرف ذاتا مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط ، فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار مطلقا . تنبيه : قال البدر الدماميني : لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وإن ورد : أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال وأيضا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة . تنبيه آخر : قال بعض العارفين : سميت كلمة الشهادة تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ولذلك كانت أفضل ما قاله النبيون كما في الخبر الآتي ، فأرفع الكلمات (لا إله إلا الله) وهي أربع كلمات نفي ومنفي وإيجاب وموجوب ، والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود العالم ، والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان ، فالأربعة الإلهية : الحياة والعلم والإرادة والقدرة ، والأربعة الطبيعية : الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة ، والأربعة العناصر : ركن النار والهواء والماء والتراب ، والأربعة الأخلاط : المرتان والدم والبلغم ، والأربعة الحقائق : الجسم والتغذي والحس والنطق ، فإذا قال عبده لا إله إلا الله على هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق ، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئون والألوف ومن واحد إلى تسعة ، ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى ما لا يتناهى ، وهو
[ 45 ]
ما يتركب منها فلا إله إلا الله وإن انحصرت في هذا القدر في الوجود فجزاؤها لا يتناهى (ت) في الدعوات (ن) في اليوم والليلة في ثواب التسبيح (حب ك) في الدعوات (عن جابر) قال الترمذي : حسن غريب وقال الحاكم صحيح ، وأقره الذهبي . 1254 - (أفضل الرباط) هو في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب ثم شبه به الأفعال الصالحة (الصلاة) لأنها أفضل عبادة البدن بعد الإيمان ، ولفظ رواية الطيالسي : الصلاة بعد الصلاة ، فكأنه سقط من قلم المصنف (ولزوم مجالس الذكر وما من عبد) أي مسلم (يصلي) فرضا أو نفلا (ثم يقعد في مصلاه) أي المحل الذي صلى فيه (إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه) أي تستغفر له (حتى يحدث) أي ينتقض طهره بأي ناقض كان أو يحدث أمرا من أمور الدنيا وشواغلها (أو يقوم) من مصلاه ذلك متى قام (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن أبي حميد فإن كان المدني فضعفوه أو الزهري فشبه المجهول كما في الضعفاء للذهبي . 1255 - (أفضل الرقاب) أي للعتق (أغلاها ثمنا) بغين معجمة عند الجمهور ، وروي بمهملة أيضا ومعناها متقارب . قال النووي : هذا فيمن يعتق واحدة ، فلو أراد الشراء بألف للعتق فالعدد أولى ، وفارق السمينة في الأضحية : بأن القصد هنا فك الرقاب وثم طيب اللحم اه . قال ابن حجر : ويظهر اختلافه باختلاف الأشخاص ، والضابط أن الأفضل أيهما أكثر نفعا قل أو كثر ، وأخذ منه مالك ندب عتق كافرة هي أغلى ثمنا من مسلمة ، قلنا قد قيد في حديث آخر بالمسلمة (وأنفسها) بفتح الفاء أحبها وأكرمها (عند أهلها) أي ما اغتباطهم به أشد فإن عتق مثله إنما يقع غالبا خالصا * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * [ آل عمران : 93 ] وفيه أن من حق المتقرب إلى ربه أن يتفوق في اختيار ما يتقرب به بأن يكون بريئا من العيب يونق الناظرين وأن يتغالى بثمنه ، فقد ضحى عمر بنجيبة بثلاثمائة دينار (حم ق ن ه عن أبي ذر) الغفاري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي الرقاب افضل ؟ قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها . قلت فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعا أو تصنع لآخر ، قلت فإن لم أفعل ، قال فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك اه (حم طب عن أبي أمامة) الباهلي . قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات . 1256 - (أفضل الساعات) أي ساعات التهجد والدعاء فيه (جوف الليل الآخر) . روي بالنصب على الظرف أي الدعاء جوف الليل : أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل كما
[ 46 ]
في النهاية ، وفي القاموس : جوف الليل الآخر : ثلثه الأخير ، ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه ، وليس مرادا . قال بعض العارفين : فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف ، وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله (طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي بكر وبلال وكان يقال : هو ربع الإسلام ، سكن المدينة ثم نزل الشام . 1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف ، وفي الصحاح : عقر الفرس بالسيف فانعقر : أي ضرب قوائمه . وقال الزمخشري : تقول إن بني فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها ، والجواد الفرس الجيد . قال الزمخشري : تقول فرس جواد من خيل جياد ، وأجاد فلان صار له فرس جواد ، والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا وقتلا معا فيكون له أجر نفسه وجواده ، وأما إن قتل ثم عقر جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه فلذلك كان الأول أفضل ، وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد البحر ، وعكسه البعض تمسكا بخير : من لم يدرك الغزو معنا فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين في البر (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه ، ورواه ابن حبان عن أبي ذر بلفظ : أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد ترقيه إلى الصحة . 1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجرا . قال الحراني : الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف (شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع ، وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع ، كذا هو في جامع الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي ، ورواية البخاري : الغنى : بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنيا وقد أعمر طويلا (وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرا ، فمجاهدة النفس
[ 47 ]
حينئذ على إخراج المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل ، لأن المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم نهي وبالرفع نفي ، فيكون مستأنفا وبالنصب عطف على تصدق وكلاهما خبر مبتدأ محذوف : أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت) الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم تبلغه بالفعل ، إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له : أي إذا وصلت هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا فلانا من مالي كذا ، واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقا بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث ، وقيل كناية عن المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف ، فليس له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف ، وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجرا ، وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه ، وأن سخاءه في مرضه لا يمحو عنه سمة البخل ، ومعنى شحه بالمال أن يجد له وقعا في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر * (الشيطان يعدكم الفقر) * [ البقرة : 268 ] وفيه التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل ، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الامنية (حم ق دن عن أبي هريرة) . 1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها : وكذا يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع والطاقة وهو الأنسب هنا ، وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية (المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال : يعني قدرته واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله والزهد ، فصدقته أفضل الصدقة ، وهو أفضل الناس بشهادة خبر : أفضل الناس رجل يعطي جهده ، والمراد بالمقل : الغني القلب ليوافق قوله الآتي : أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، أو يقال : الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين ، فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلا متوكلا على الله فأجابه بما يقتضيه حاله ، والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك مؤنته وجوبا فقدمه على التصدق تقديما للواجب على المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع (د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري (ك) فيها (عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي . 1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب : ما يخرج من المال تقربا كالزكاة ، لكن الصدقة في
[ 48 ]
الأصل للمتطوع به ، والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في فعله (ما كان عن ظهر غنى) ، أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى ، فزاد لفظ ظهرا إشباعا للكلام وتمكينا ، وقيل هذا عبارة عن تمكن المتصدق عن غنى ما ، كقولهم هو على ظهر سير أي متمكن منه وتنكير غنى ليفيد أنه لا بد للمتصدق من غنى ما ، إما غنى النفس وهو الاستغناء عما بذل بسخاء نفس ثقة بالله كما كان للصديق ، وإما غنى مال حاصل في يده ، والأول أفضل اليسارين للخبر الآتي : ليس الغنى عن كثرة المال والعرض ، وإلا لما ندب له التصدق بجميع ماله ويترك نفسه وعياله في الجوع والشدة (واليد العليا) المعطية وقيل المتعففة (خير من السفلى) أي الآخذة ، ومحصول ما في الآثار إعلاء الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ، ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي المانعة والسائلة ، وقد تقرر أنه لا تدافع بين ذا وما قبله لأن في الصابرين على الإضافة المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والثاني فيمن ليس كذلك (وابدأ بمن تعول) قال الطيبي : يشمل النفقة على العيال وصدقتي الواجب والتطوع وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعليه كان الظاهر أن يؤتى بألف فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضا للترتيب إلى الذهن واهتماما بشأن الانفاق ، وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله ليرجع كلا على الناس إلا لأهل اليقين كالصديق وأضرابه ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين كما مر . تنبيه : قال الزمخشري : أصل العليا اسم لمكان مرتفع ، وليست بتأنيث الأعلى بدليل انقلاب الواو ياء ولو كانت صفة لقيل العلوى كالعشوى والقنوى والحذري في تأنيث فعالها ، ولأنها استعملت منكرة ، وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا كذلك (حم م ن عن حكيم بن حزام) ولد في جوف الكعبة وعاش مائة وعشرين سنة : ستين في الجاهلية وستين في الإسلام القرشي الشريف جاهلية وإسلاما . 1261 - (أفضل الصدقة سقي الماء) لمعصوم محتاج ، وفسره في رواية الطبراني بأن يحمله إليهم إذا غابوا ويكفيهم إياه إذا حضروا ، وقال الهيثمي : إن رجال هذه الرواية رجال الصحيح ، ولا عطر بعد عروس ، وزاد أعني الطبراني في رواية أخرى سندها مجهول بعد قوله سقي الماء ، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة * (أفيضوا علينا من الماء) * [ الاعراف : 50 ] قال الطيبي : وإنما كان أفضل لأنه أعم نفعا في الأجور الدينية والدنيوية ولذك امتن الله علينا بقوله : * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتة ونسقيه) * [ الفرقان : 48 ] الآية . وإنما وصف الماء بالطهور ليشير إلى أن الغرض أنه أصل في الأثر أي إزالة الموانع من العبادة وباقي الأغراض تابعة اه . وأقول محل أفضليته التصدق به على غيره إذا عظمت الحاجة إليه كما هو الغالب في قطر الحجاز لقلة المياه فيه ، ومثله الطريق إليه للحجاج ونحو ذلك ، وإلا فالتصدق بنحو الخبز أفضل منه سيما زمن الغلاء والمجاعة (حم ن ده حب ك عن سعد بن عبادة) بضم المهملة السيد الجواد الرئيس قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، أي الصدقة أعجب إليك ؟ فذكره (ع عن ابن عباس) قال : قال سعد يا رسول الله : ماتت أم سعد ، فأي الصدقة أفضل ؟ فذكره فحفر بئرا فقال هذه لأم سعد .
[ 49 ]
1262 - (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما) أي شرعيا أو ما كان آلة له (ثم يعلمه أخاه المسلم) فتعليمك العلم لغيرك صدقة منك عليه بل هو من أفضل أنواع الصدقة لأن الانتفاع به فوق الانتفاع بالمال ، لأن المال ينفد والعلم باق إلا أن إطلاق الصدقة على نحو هذا من قبل المجاز كما يشير إليه كلام العلامة الزمخشري في الفائق . وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها من تفسير وحديث وفقه وآلة ذكر : فرض كفاية (ه) من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال المنذري : إسناده حسن لو صح سماع الحسن منه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير حسن . 1263 - (أفضل الصدقة الصدقة على ذي رحم الكاشح) بشين معجمة فمهملة ، قال الزمخشري : هو الذي يضمر العداوة ويطوي عليها كشحه . أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك اه : يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجرا منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف (حم طب عن أبي أيوب) . قال الزين العراقي في شرح الترمذي وفيه الحجاج بن أرطاة ضعيف ، وقال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وحاله معروف وروياه أيضا (عن حكيم بن حزام) قال الهيثمي : وسنده حسن اه . ونقل ابن حجر في التخريج عن ابن طاهر أن سنده صحيح وأقره ، وما ذكر من أن الرواية عن أبي أيوب هو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع ، لكن ذكر ابن شاهين وابن منده وابن الأثير وغيرهم أنه عن أيوب بن بشير الأنصاري عن حكيم بن حزام وذكر ابن حجر في الإصابة أن رواية الطبراني في الكبير هكذا قال هذا الحديث خرجه ابن أحمد في زيادته والطبراني في الكبير من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن أيوب بن بشير عن حكيم بن حزام وذكر أنه معلول فلينظر (خد د ت عن أبي سعيد) الخدري (طب) عن أم كلثوم بنت عقبة . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (ك عن أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة (بنت عقبة) بضم المهملة وسكون القاف ابن أبي معيط الأموية أخت عثمان لأمه وهي أول صحابية هاجرت من مكة فتزوجها زيد ثم الزبير ثم عبد الرحمن بن عوف ، قال الحاكم : على شرط مسلم ، وأقره الذهبي . 1264 - (أفضل الصدقة) أي من أفضل الصدقة على المماليك (ما تصدق به) يجوز كونه ماضيا مبنيا للفاعل أو المفعول ويجوز كونه مضارعا مخففا على حذف إحدى التاءين ومشددا على إدغامها (على مملوك) آدمي أو غيره من كل معصوم (عند مالك) بالتنوين (سوء) لأنه مضطر وتحت قهر غيره
[ 50 ]
والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة إذ المتصدق عليهم ثلاثة : فقير مستغني عن الصدقة في ذلك الوقت وفقير محتاج ، مضطر فالصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة والصدقة على المحتاج مضاعفة وعلى المضطر أضعاف مضاعفة ، فالمملوك عند مليك السوء انتظمت فيه ثلاث حالات : فهو فقير ومحتاج ومضطر ، فلذلك صار أفضل الكل ، ولا تدافع بين هذا الحديث وما قبله لاختلاف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان ، فقد يغرض من الحالات ما يعرض فيه بأفضلية تقديم المملوك على ذي الرحم بل قد يجب ، وشمل ذلك كل حيوان محترم محتاج إلى مؤنة أو دفع مؤذ من نحو حر أو برد (طس عن أبي هريرة) الذي وقفت عليه في معجمه الأوسط : ما من صدقة تصدق بها على مملوك عند ملك سوء اه . ثم المصنف رمز لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي : فيه بشير بن ميمون وهو ضعيف . 1265 - (أفضل الصدقة) الصدقة التي تقع (في رمضان) لأن التوسعة فيه على عيال الله محبوبة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان ، وذلك لأنه تعالى وضع رمضان لإفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما يفيضها في غيره فكانت الصدقة فيه أفضل ثوابا منها في غيره ، وفيه ندب إكثار الصدقة فيه ومزيد الإنفاق على المحتاجين والتوسعة على عياله وأقاربه ومحبيه فيه وهو اسم لشهر معروف لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق شدة الحر ورمضه فيه فسمي (سليم) بالتصغير (الرازي) بفتح الراء وسكون الألف وآخره زاي نسبة إلى الري مدينة كبيرة مشهورة من بلاد الديلم وألحقوا الزاي بالنسب (في جزئه عن أنس) بن مالك قال ابن الجوزي : هذا لا يثبت ، فيه صدقة بن موسى ، قال ابن معين : ليس بشئ اه . وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول ، فقد خرجه البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس بل خرجه الترمذي عن أنس المذكور كما في الفردوس وغيره عنه ولفظه : أفضل الصدقة صدقة رمضان . 1266 - (أفضل صدقة اللسان الشفاعة) الموجود في أصل الشعب للبيهقي المقروء المتقنة : أفضل الصدقة صدقة اللسان قالوا يا رسول الله ، وما صدقة اللسان ، قال الشفاعة (تفك بها الأسير) أي يتخلص بسببها المأسور من العذاب أو الشدة كأنه قيل : أفضل صدقة اللسان الشفاعة لماذا ؟ قال ليخلص بها الإنسان من الضيق (وتحقن) بفتح فسكون فكسر (بها الدم) أي تمنعه أن يسفك . قال الزمخشري : من المجاز حقنت دمه إذا حل به القتل فأنقذته (وتجر) أي تسحب (بها المعروف والإحسان إلى أخيك) في الإسلام أو توصل إليه بها الجميل (وتدفع عنه) بها (الكريهة) أي ما يكرهه ويشق عليه من النوازل الدنيوية * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) * [ النساء : 58 ] والواو بمعنى أو
[ 51 ]
(طب هب عن سمرة) بضم الميم ابن جندب ، قال الهيثمي : فيه أبو بكر الهذلي ضعيف ضعفه أحمد وغيره ، وقال البخاري : ليس بالحافظ ثم أورد له هذا الخبر ، وأقول : فيه أيضا عند البيهقي مروان بن جعفر السمري أورده الذهبي في الضعفاء ، وقال : قال الأزدي يتكلمون فيه . 1267 - (أفضل الصدقة أن تشبع كبدا) بفتح فكسر أو فسكون (جائعا) أي أن تشبع ذا كبد جائع ، فوصف الكبد بوصف صاحبه على الإسناد المجازي وهو من جعل الوصف المناسب علة للحكم وفائدة العموم تتناول أنواع الحيوان والمؤمن والكافر أي المعصوم ، والناطق والصامت ، ونبه بالإشباع على جميع وجوه الإحسان من سقي الماء وغيره مما تشتد حاجته إليه (هب عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه هشام بن حسان ، وأورده الذهبي في الضعفاء وقال قال شعيب عن شعبة لم يكن يحفظ . 1268 - (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) بالفتح أي العداوة والبغضاء والفرقة : يعني إصلاح الفساد بين القوم وإزالة الفتنة وإسكان الثائرة والنائرة والمستلزم إحياء النفوس غالبا وهي من حيث عموم نفعها أفضل من صدقة نفعها قاصر ، ومن ذلك ما لو كانت بين طائفتين فتنة فتحمل رجل مالا ليصلح بينهم أو أخذ من المياسير لذلك . قال ابن عربي : وإذا كان الله قد رغب بل أمر المسلمين إذا جنح الكفار إلى السلم فأجرى الصلح بين المتهاجرين من المسلمين فأعظم به من صدقة (طب) وكذا البزار (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ، قال العراقي : فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف ، وقال المنذري : فيه ابن أنعم وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم . 1269 - (أفضل الصدقة اللسان) أي صدقة اللسان يعني كل خير وبر يصدر من الأعضاء صدقة ، وصدقة اللسان أفضلها كما خصه بقوله في الحديث الآتي : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، فأفضل الصدقة الشفاعة والهداية إلى ما ينجي في الآخرة وتعليم الجاهل ونصرة الدين بإقامة الحجج والبراهين وغير ذلك وقيل أراد أفضل صدقة المرء على نفسه أن يحفظ لسانه لأنه لما كان هو الذي يوقع الإنسان في الهلاك كان حفظه عن الزلل المؤدي للعقاب كأنه صدقة منه عليه وهل يكب الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم ، وما ذكر من أن الرواية أفضل الصدقة اللسان هو ما وقفت عليه في خط المؤلف ، وفي عامة النسخ أفضل الصدقة حفظ اللسان فليحرر ، ثم راجعت مسند الفردوس الذي عزا المصنف الحديث إليه فوجدته : حفظ اللسان (فر) وكذا القضاعي (عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه ، ووجهه أن فيه حصيب بن جحدر . قال الذهبي كذبه شعبة والقطان .
[ 52 ]
1270 - (أفضل الصدقة سر إلى فقير) أي إسرار بها إليه فهي أفضل من العلانية لبعدها عن الرياء * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * [ البقرة : 271 ] (وجهد من مقل) أي بذل من فقير لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله وهو صعب شديد على من حاله الإقلال ، ومن ثم قال بشر : أشد الأعمال ثلاثة : الجود في القلة ، والورع في الخلوة ، وكلمة حق عند ما يخاف ويرجى (طب عن أبي أمامة) قال قلت يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل ؟ فذكره ، ورواه أحمد في حديث طويل قال الهيثمي وفيه علي بن زيد وهو ضعيف اه لكن له شواهد منها ما رواه أحمد في حديث طويل عن أبي ذر قال قلت : يا رسول الله الصدقة ما هي ؟ قال أضعاف مضاعفة ، قلت فأيها أفضل ؟ قال جهد من مقل أو سر إلى فقير . اه . وفيه أبو عمر الدمشقي متروك . 1171 - (أفضل الصدقة المنيح) كأمير وأصله المنيحة فحذفت الهاء والمنيحة المنحة وهي العطاء هبة أو قرضا أو نحو ذلك قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟ قال (أن تمنح الدراهم) أو الدنانير أي تقرضه أو تتصدق به أو تهبه (أو ظهر الدابة) أي أن تعير أخاك دابة ليركبها ثم يردها أو تجعل له درها ، ونسلها وصوفها (طب) وكذا أحمد (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو يعلى وزاد الدينار أو البقرة ، والبزار . قال الهيثمي : ورجال أحمد رجال الصحيح اه وظاهره أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف له لكان أولى . 1272 - (أفضل الصدقات ظل فسطاط) بضم الفاء وتكسر : أي خيمة يستظل بها المجاهد (في سبيل الله عز وجل) أي أن ينصب خباء للغزاة يستظلون فيه (أو منحة) بكسر الميم (خادم في سبيل الله) أي هبة خادم للمجاهد أو قرضه أو إعارته والخادم يقع على الذكر والأنثى كما سلف (أو طروقة فحل في سبيل الله) بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة أي مركوبة يعني ناقة أو فرس بلغت أن يطرفها الفحل يعطيه إياها ليركبها إعارة أو هبة . قال الطيبي وهذا عطف على منحة خادم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي منحة ناقة ، وكان الظاهر أن يقال منحة فسطاس كما في القرينتين فوضع الظل موضعها ، لأن غاية منفعتها الاستظلال بها (حم ت) في الجهاد (عن أبي أمامة) الباهلي (ت عن عدي بن حاتم) صححه الترمذي وتبعه عبد الحق واعترضه ابن القطان بأن فيه القاسم بن أبي
[ 53 ]
عبد الرحمن مختلف فيه قال : فحق الحديث أن يقال فيه حسن لا صحيح ، وأقول فيه أيضا الوليد بن جميل ، قال الذهبي قال أبو حاتم : روى عن الحسن أحاديث منكرة . 1273 - (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) لأن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع والصبح أفضل الخمس على ما اقتضاه هذا الحديث ونص عليه الشافعي ، لكن الأصح عند أصحابه أن أفضل الصلوات العصر ، إذ هي الوسطى على المعمول به الذي صح به الحديث من غير معارض ثم الصبح ثم العشاء ثم المغرب ثم الظهر على الأوجه للحديث الآتي ، وأفضل الجماعات جماعة الجمعة ثم الصبح ثم العشاء لامتياز الجمعة بخصائص ليست لغيرها وعظم المشقة في جماعة الصبح والعشاء ويعارضه خبر الطبراني عن عائشة : أفضل الصلاة عند الله صلاة المغرب ومن صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتا في الجنة ، والحديثان ضعيفان ويمكن تأويل الثاني بأنه بمعنى من (حل هب عن ابن عمر) بن الخطاب ، أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه الوليد بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء ، وقال ابن معين ليس بشئ . 1274 - (أفضل الصلوات بعد المكتوبة) أي ولواحقها من الرواتب وما أشبهها مما يسن فعله جماعة إذ هي أفضل من مطلق النفل على الأصح (الصلاة في جوف الليل) فهي فيه أفضل منها في النهار ، لأن الخشوع فيه أوفر لاجتماع القلب والخلو بالرب * (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ) * [ المزمل : 6 ] * (أمن هو قانت آناء الليل) * [ الزمر : 9 ] ولأن الليل وقت السكون والراحة ، فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق ، وللبدن أتعب وأنصب فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله ، ذكره الزمخشري ، وبالصلاة ليلا يتوصل إلى صفاء السرور ودوام الشكر وهي بعد نوم أفضل ، والمراد بالجوف هنا السدس الرابع والخامس ، فهما أكمل من بقيته ، لأنه الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنه أشق الأوقات استيقاظا وأحبها راحة ، وأولاها لصفاء القلوب : وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في الأحاديث بالنزول (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان) المضاف محذوف أي أفضل شهور الصيام (شهر الله) قال الزمخشري : أضافه إليه عز اسمه تعظيما له وتفخيما كقولهم بيت الله وآل الله لقريش ، وخص بهذه الإضافة دون بقية الشهور مع أن فيها أفضل منه إجماعا ، لأنه اسم إسلامي فإن اسمه في الجاهلية صفر الأول وبقية الشهور متحدة الأسماء جاهيلة وإسلاما (المحرم) أي هو أفضل شهر يتطوع بصومه كاملا بعد رمضان ، فأما التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصوم عرفة وعشر الحجة ذكره الحافظ ابن رجب وذلك لأنه أول السنة المستأنفة وافتتاحها
[ 54 ]
بالصوم الذي هو ضياء أفضل الأعمال ، وقال الزمخشري : خصه من بين الأشهر الحرم لمكان عاشوراء فأفضل الأشهر لصوم التطوع المحرم ثم رجب ثم بقية الأشهر الحرم ثم شعبان ، ولا يعارضه إكثار النبي صلى الله عليه وسلم صوم شهر شعبان دونه لأنه إنما علم فضل صوم المحرم آخرا ، ولعله لعارض ، وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا باعتبار الزمن ، فطريقة داود في المحرم أفضل من طريقته في غيره كذا وفق جمع وضعف ، والظاهر أن التطوع المطلق بالصوم أفضله المحرم كما أن أفضل النفل المطلق صلاة الليل وما صيامه تبع كصوم ما قبل رمضان وما بعده فليس من المطلق بل صومه تبع لرمضان ، ولذا قيل إن صوم ست شوال يلحق رمضان ويكتب معه بصيام الدهر فرضا ، فهذا النوع صومه أفضل التطوع مطلقا ، والمطلق أفضله المحرم اه . (م عد) كلهم في الصوم (عن أبي هريرة) يرفعه (الروياني) بضم الراء وسكون الواو وفتح المثناة التحتية وبعد الألف نون نسبة إلى مدينة بناحية طبرستان ، واسمه محمد بن هارون الحافظ (في مسنده) المشهور قال ابن حجر : مسند الروياني ليس دون الست في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة كان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير . إلى هنا كلامه (طب عن جندب) هو في الصحابة متعدد فكان ينبغي تمييزه ولم يخرجه البخاري ، قال المناوي : ووهم الطبراني في عزوه له . 1275 - (أفضل الصلاة طول القنوت) أي أفضل الصلاة صلاة فيها طول القنوت : أي القيام ، أو أفضل أحوال الصلاة طول القيام : أي لأنه محل القراءة المفروضة ، وللقنوت أحد عشر معنى . قال النووي : والمراد هنا القيام اتفاقا بدليل رواية أبي داود : أي الأعمال أفضل ؟ قال طول القيام ، وأخذ به أبو حنيفة والشافعية ففضلا تطويل القيام على تطويل السجود ، وعكس آخرون تمسكا بخبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، وتوسط قوم فقالوا بالأول ليلا وبالثاني نهارا . قال الزين العراقي : وهذا في نفل لا يشرع جماعة وفي صلاة الفذ . أما إمام غير المحصورين فالمأمور بالنخفيف المشروع لخبر إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف . ثم إن ما ذكر من تفسير القنوت بالقيام هو ما عليه أهل النظر ، وذهب جمع من الصوفية إلى أن المراد به مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه والعبد إذا لاحظ العظمة بعين قلبه خشع لا محالة ، فيكون المراد أفضل الصلاة أكثرها خشوعا . وقالوا ولو كان المراد القيام لاستحال * (قوموا لله قانتين) * [ البقرة : 238 ] ألا ترى أنه أمر بالقيام ثم القنوت ، فالقنوت صفة فعل يحدث عن القيام وذهب آخرون منهم إلى ما عليه أهل النظر وعليه ابن عربي قال ولما كان المعقول من إطلاق لفظ القرآن على الكلام الإلهي الجامع والصلاة حالة جامعة بين العبد وربه وقعت المناسبة بين القرآن والصلاة فلا يقرأ فيها غير القرآن ولما كان القيام يشبه الألف من الحروف وعنه ظهرت جميع الحروف فهي الجامع لأعيانها كان القيام جامعا لأعيان الجزئيات من ركوع وسجود وقنوت فكانت القراءة من حيث كونها جمعا في القيام أنسب فإن القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة مأمور بها (حم م ت ه) كلهم في الصلاة (عن جابر) بن عبد الله (طب عن أبي موسى) الأشعري (وعن عمرو بن عبسة) بن عامر أبو ابن خالد السلمي (وعن عمير) تصغير عمر (ابن قتادة) بفتح القاف ابن سعد (الليثي) روى عن ابنه سكن مكة ولم يخرج البخاري هذا الحديث .
[ 55 ]
1276 - (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته) لأنه كما قال النووي أبعد عن الرياء وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة ويخرج الشيطان وعليه يمكن أن يخرج بقوله في بيته ببيت غيره ولو أمن من الرياء كذا في الفتح (إلا المكتوبة) أي المفروضة فإنها ليست في بيته أفضل بل في المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي في محلها أولى إلا في صورة مبينة في الفروع وظاهره بشمل كل نفل لكنه محمول عليه ما لا يشرع له التجميع وما لا يخص المسجد كالتحية كذا قرروه قال ابن حجر : ويحتمل أنه أراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل التحية أو أنه لم يرد بالمكتوبة المفروضة بل ما تشرع فيه الجماعة وفيما وجب لعارض كمنذورة احتمال وأراد بالمرء جنس الرجل فخرج النساء بقرينة خبر مسلم وبيوتهن خير لهن (ن طب عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك الأنصاري البخاري كاتب الوحي قضية صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما ساغ له العدول عنه لغيره على قانون الصناعي وهي ذهول فاحش فقد خرجاه معا باللفظ المذكور . 1277 - (أفضل الصوم بعد رمضان شعبان) لأن أعمال العباد ترفع فيه في سنتهم (لتعظيم رمضان) أي لأجل تعظيمه لكونه يليه ، فصومه كالمقدمة لصومه وهذا لعله قاله قبل أن يعلم فضل صوم محرم أو أن ذلك أفضل شهر يصام كاملا وهذا أفضل شهر يصام أكثره كما يشير إليه رواية صوم في شعبان أو أن ذاك أفضل شهر يصام مستقلا وهذا أفضل شهر يصام تبعا (وأفضل الصدقة صدقة رمضان) لأنه موسم الخيرات والعبادات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبرائيل فيعارضه القرآن (ت) واستغربه (هب) كلاهما من حديث صدقة بن موسى عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي في المهذب صدقة ضعفوه . 1278 - (أفضل الصوم صوم أخي) في النبوة والرسالة (داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) ، فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس كما مر وربما فوت بعض الحقوق هذا مع ما في فطر يوم من الرفق بالبدن وعدم إنهاكه ، وذكر بعض الشافعية أن من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالإثنين والخميس يكون فطره فيه أفضل ليتم له فطر يوم وصوم يوم (و) كان (لا يفر إذا لاقى) أي ولأجل تقويه بالفطر كان لا يفر من عدوه إذا لاقاه للقتال فلو أنه سرد الصوم فربما أضعف قوته وأنهك جسمه ولم يقو على قتال الأبطال فصوم يوم وفطر يوم جمع بين القربتين والقيام بالوظيفتين فإن الله لم يتعبد عبده بالصوم خاصة فلو استفرغ جهده قصر في غيره فالأولى الإقتصار ليبقى بعض قوة لغيره
[ 56 ]
كالجهاد (د ت ن عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن صحيح . 1279 - (أفضل العباد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله) أي درجة الذاكرين الله (كثيرا) بالإخلاص قال الحبر : هم الذين يذكرونه دبر كل صلاة وغدوا وعشيا وفي المضاجع وعقب النوم وعقب الغدو والرواح وقال ابن الصلاح : من واظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساءا وفي الأوقات المختلفة لكن في الأماكن المستقذرة يذكر بالقلب وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة ورأس كل سعادة بل هو كالحياة للأبدان والروح للإنسان وهل للإنسان غنى عن الحياة وهل له من الروح معدل وإن شئت قلت به لقاء الدنيا وقيام السماوات والأرض روينا عن مسلم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله . والعبادة كما في الأساليب لغة التذلل والخضوع بالتقرب إلى المعبود وعرفا قال المتولي : فعل يكلف الله به عباده مخالف لما يميل إليه الطبع على سبيل الاستيلاء وقال الماوردي : ما ورد التعبد به قربة لله وقال صاحب التنبيه هنا تعبدنا به على وجه القربة والطاعة (حم ت عن ابن سعيد) . 1280 - (أفضل العباد الفقه) قال الحكيم الترمذي الفقه الفهم ، وانكشاف الغطاء ، فإذا عبد الله بما أمر ونهى بعد أن فهمه انكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى فهي العبادة الخالصة المحضة وذلك لأن الذي يؤمر بشئ فلا يرى شيئه والذي ينهى عن شئ فلا يرى شيئا فهو في عمى فإذا رأى ذلك عمل على بصيرة وكان أقوى ونفسه بها أسخى ومن عمي عن ذلك فهو جامد القلب كسلان الجوارح ثقيل النفس بطئ التصرف وقوم غفلوا عن هذا فتراهم الشهر والدهر يقولون يجوز لا يجوز ولا تدري أصواب أم خطأ ثم تراه في حاجة أمره ونهيه في عوج فإقباله على نفسه حتى يكف عما لا يجوز خير له من إهماله وإقباله على إصلاح الناس (وأفضل الدين الورع) الذي هو كما قيل الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة ، والورع يكون في خواطر القلوب وسائر أعمال الجوارح وإنما كان أفضل لما فيه من التخلي عن الشبهات وتجنب المحتملات وعبر في الفقه بالعبادة لأنه فعل من أفعال الجوارح الظاهرة كالعبادة وفي الورع بالدين لأن مرجعه إلى اليقين القلبي الذي به يدان الله تعالى (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب ، وظاهر تخصيصه بالكبير يوهم أنه لا يوجد للطبراني إلا فيه وليس كذلك بل خرجه في معاجيمه الثلاثة وقد أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه كما قال المنذري ثم الهيثمي محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه . 1281 - (أفضل العبادة الدعاء) لأنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب
[ 57 ]
عليه المقصود وترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب ، وما كان كذلك فهو من أفضل العبادات وأتمها وأكملها ذكره القاضي وهو ذهاب منه إلى حمل العبادة على المعنى الشرعي قال الطيبي : ولكن حملها على اللغوي لأن الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة ، وما شرعت العبادة إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه وفيه رد على من كره الدعاء وقال : تركه أفضل (ك) في الدعاء (عن ابن عباس) وقال مسلم * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * [ غافر : 60 ] قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عد عن أبي هريرة) ، و (ابن سعد) في الطبقات (عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لصحته . 1282 - (أفضل العبادة) وفي رواية للبيهقي أفضل عبادة أمتي (قراءة القرآن) لأنه أفضل العلوم وأمها وأهمها ولهذا صرحوا بأن الإنسان يبدأ أولا بحفظه ثم بإتقان تفسيره ثم يحفظ من كل فن مختصرا ولا يشتغل بذلك عن تعهد دراسة القرآن فإنه أفضل الأذكار فالاشتغال بالقراءة أفضل من الاشتغال بسائر الأذكار إلا ما ورد فيه شئ مخصوص في وقت أو زمن مخصوص (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق يونس بن عبيد عن بعض أصحابه (عن أسير) بضم الهمزة وفتح السين وآخره راء كما ضبطه في أسد الغابة (ابن جابر) التميمي يعد في البصريين قال ابن الأثير : في صحبته نظر قال في الإصابة وهو غير أسير بن جابر التابعي (السجزي في الإبانة عن أنس) ورواه أيضا أبو نعيم في فضائل القرآن عن النعمان بن بشير وأنس معا بلفظ أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن قال الحافظ العراقي : وإسنادهما ضعيف . 1283 - (أفضل العبادة انتظار الفرج) زاد في رواية من الله تعالى قال المظهري : يعني إذا نزل بأحد بلاء فترك الشكايا صبرا وانتظر الفرج فذلك أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك لأن أشرف العبادات ولب الطاعات أن يتوجه القلب بهمومه كلها إلى مولاه فإذا نزل به ضيق انتظر فرجه منه لا من سواه وفي بعض الكتب الإلهية لأقطعن أمل من أمل سواي وألبسه ثوب المذلة بين الناس ، أتقرع بالفقر باب غيري وبابي خير لك ؟ (طب) عن أنس قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه (القضاعي عن أنس) قال ابن الجوزي : حديث لا يثبت وهذا الحديث لم يخرجه المؤلف في جامعه الكبير بل هنا وفي درر البحار عن البزار والبيهقي وضعفه قال الديلمي وفي الباب ابن مسعود وغيره . 1284 - (أفضل العمل النية الصادقة) لأن النية لا يدخلها الرياء فيبطلها قال مالك بن دينار رأيت رجلا في الطواف يقول اللهم قبلت حجاتي الأربع ، فاقبل هذه الحجة فقلت كيف عرفت أن الله قبلها ؟ قال أربع سنين كنت أنوي كل سنة أن أحج وعلم مني نيتي وحججت من عامي فأنا خائف أن لا يقبل مني فعلمت أن النية أفضل من العمل لأن العمل منقطع والنية دائمة وتصديقه أن
[ 58 ]
أعمال السر مضاعفة والعمل سعي الأركان ألى الله والقلب ملك والأركان جنوده فلا يستوي سعي الملك وسعي جنوده والعمل يوضع في الخزائن والنية عنده لأنه الذكر الخقي والعمل موقوف على نهايته والنية لا تحصى نهاياتها والعمل تحقيق الإيمان وإظهاره والنية فرع الإيمان بمنزلة ثمرة الشجرة والعمل موكل به الحفظة والنية لا يطلع عليها الحفظة والعمل في ديوان الملائكة والنية في ديوان الله والعمل ثوابه من الجنة والنية ثوابها من منازل القربة والعمل أجناس لا يشبه بعضها بعضا والنية تشمل جميع الأشياء وذلك إذا نوى بلوغ رضاه فرضاه لجميع الطاعات فهو في ذلك الوقت كالعامل بجميع الطاعات وهذه النية كلها للصادقين من عمال الله وقضية الحديث أن النية قسم من العمل وقضية قوله في الحديث الآتي نية المؤمن خير من عمله أنه قسيمه ولعله أراد هنا جميع الأعمال وهناك أعمال الجوارح الظاهرة . تنبيه : قال ابن الزملكاني الفضل هو الزيادة ، وإذا كان نسبة بين أمرين اقتضى اشتراكهما في العادة وليس للعقل في التفضيل الشرعي استقلال إذ ليس لقاعدة الحسن والقبح عندنا مجال بل الفضل يؤخذ من نص الشارع عليه والاستنباط من دليل يرجع إليه أو إجماع المعتبرين من الأمة فإن الشرع قد أوجب لاجماعهم العصمة فما لم يحكم الشرع بفضله لا يثبت تفضيله وكذا كل حكم شرعي لا يثبت إلا إذا كان في الشرع دليل له (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) . 1285 - (أفضل العيادة) بمثناة تحتية أي زيارة المريض (أجرا سرعة القيام من عند المريض) أي أفضل ما يفعله العائد في العيادة أن يقوم سريعا فلا يمكث إلا بقدر فراق ناقة وذلك لأنه قد يبدو للمريض حاجة فيستحي من جلسائه وأخرج البيهقي عن سلمة بن عاصم قال : دخلت على الفراء أعوده ، فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي : ادن فدنوت فأنشدني : حق العيادة يوم بعد يومين * * * ولحظة مثل لحظ الطرف بالعين لا تبرمن مريضا في مسائله * * * يكفيك من ذاك تسأل ما بحرفين والكلام في غير متعهده ومن يشق عليه مفارقته (فر عن جابر) وفيه علي بن أحمد بن النضر قال الذهبي في الضعفاء قال الدارقطني ضعيف ومحمد بن يوسف الرقي قال الذهبي كذبه الخطيب وكان حافظا رحالا . 1286 - (أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم) أي الذي يتولى خدمتهم في الغزاة مع كونه خرج بنية الغزو وهو من أهله ومثله في الأفضلية المخذل عنهم كنعيم الأشجعي الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحزاب خذل عنا فإن الحرب خدعة (ثم) بعده في الفضل الإنسان (الذي يأتيهم بالأخبار) ، أي بما كان من أمر العدو وما يتعلق بشأن الحرب (وأخصهم عند الله منزلة) أي أرفعهم درجة (الصائم) فرضا أو نفلا أو في الغزو كما يشير إليه السياق والكلام فيمن لم يضعفه الصوم عن نحو القتال وظاهر صنيع
[ 59 ]
المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الطبراني ومن استقى لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى الجنة بسبعين درجة انتهى ، (طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيثمي عنبسة بن مهران الحداد وهو ضعيف وأقول فيه أيضا يحيى بن المتوكل قال الذهبي وغيره ضعفوه فتعصيبه الجناية برأس عنبسة وحده ليس من الانصاف في شئ . 1287 - (أفضل الفضائل) جمع فضيلة قال الراغب : وهي اسم لما يحصل به للإنسان مزية على الغير وهي أيضا اسم لما يتوصل به إلى السعادة ويضادها الرذيلة وقال في المفهم الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة عند الحق أو الخلق ، والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول وقال الغزالي في الميزان أمهات الفضائل كثيرة تجمعها أربعة تشمل شعبها وأنواعها والأربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة فالحكمة فضيلة القوة العقلية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية والعفة فضيلة القوة الشهوية والعدالة وقوع هذه القوى على الترتيب الواجب فيها وبها تتم جميع الأمور (أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك) لما فيه من المشقة ومجاهدة النفس وإرغامها ومكايدة الطبع لمياه إلى المؤاخذة والإنتقام (وتصفح عمن ظلمك) لأن ذلك أشق على النفس من سائر العبادات الشاقة فكان أفضل ، قال الراغب : فالعفو عمن ظلمك نهاية الحلم والشجاعة ، وإعطاء من حرمك غاية الجود ووصل من قطعك نهاية الإحسان وقال بعضهم : من قابل الإساءة بالإحسان فهو أكمل أفراد الإنسان وهو المستحق لقصر وصف الإنسانية عليه حقيقة أو ادعاء ومبالغة ، ومن ثمرات هذا الخلق صيرورة العدو خليلا أو صيرورته قتيلا وتنتكل بها سهام القدرة الإلهية تنقلا قال حجة الإسلام : رأيت في الإنجيل ، قال عيسى لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف والأذن بالأذن والآن أقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر ، بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك . تنبيه قال بعضهم : رأى ابن الخطاب - شيخ ابن عربي - ربه في النوم فقال : يا رب علمني شيئا آخذه عنك بلا واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد بدل نعمة الله كفرا فقال : يا رب حسبي فقال حسبك (تنبيه آخر) : قال ابن الزملكاني الفضل لغة عبارة عن الزيادة وكلما زاد عن الإقتصاد فهو فضل لكنه يشمل المحمود والمذموم في أصل وضعه فإن الفضل منه محمود كفضل العلم على الجهل ومذموم كالإفراط في الصفات المحمودة حتى تخرج إلى صفة الذم كالسرف في العطاء وقد كثر استعمال الفضل عرفا في المحمود والفضول في المذموم والغالب استعماله في زيادة أحد أمرين على الآخر بعد اشتراكهما في أصل ما وقعت به المفاضلة إذا كانت تلك الزيادة فيما هو صفة كمال لذلك الشئ فقد تحصل الزيادة في الجسم وهي نقصان في المعنى ثم الفضيلة تارة تكون باعتبار ذاتي وتارة تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في آية * (الرجال قوامون على النساء) * [ النساء : 34 ] والذي بالاعتبار العرضي فيما يمكن اكتسابه وقد يطلق الفضل على كل
[ 60 ]
عطية لا تلزم المعطي (حم طب عن معاذ بن أنس) قال العراقي : سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وتبعه المنذري فقال فيه زبان بن فايد ضعيف وأقول فيه أيضا ابن لهيعة وحاله معروف وسهل بن معاذ أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين . 1288 - (أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين) أي أعظم القرآن أجرا وأكثره مضاعفة للثواب قراءة سورة الحمد لله رب العالمين وهي الفاتحة ، بمعنى أن الله سبحانه جعل قراءتها في الثواب كقراءة أضعافها من سورة أخرى قال التوربشتي : وإنما كانت أفضل اعتبارا لعظم قدرها وتعريفا بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها ولاشتمالها على معان وفوائد كثيرة مع وجازة ألفاظها ولذلك سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء عليه والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وغير ذلك وهذا ينبئك بتأويل ما عليه حجة الإسلام ومن على قدمه من أن بعض القرآن أفضل من بعض وردوا على من ذهب إلى المنع ولا حجة له عند التأمل في قوله التفضيل يوهم نقص المفضل عليه قال الغزالي : وإنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لأن الجامع بين فنون الفضل وأنواعه يسمى أفضل إذ الفضل الزيادة والأفضل هو الأزيد والسؤدد رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى المتنوعة التي يتبعها سائر المعارف فاسم السيادة بها أليق (ك هب عن أنس) ابن مالك . 1289 - (أفضل القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة ، ولا يناقضه ما قبله أن الفاتحة أفضل لأن المراد أن البقرة أفضل السور التي فصلت فيها الأحكام . ضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه من ذلك (أو أعظم آية منها آية الكرسي) ، لاحتوائها على أمهات المسائل ودلالتها على أنه سبحانه واحد متصف بالحياة قائم بنفسه ، مقوم لغيره ، منزه عن التحيز والحلول ، مبرأ عن التغير والفتور ، لا يناسب الأشباح ، ولا يعتريه ما يعتري الأرواح ، مالك الملك والملكوت ، ذو العظمة والجبروت ، مبدع الأصول والفروع ، ذا البطش الشديد ، الذي لا يشفع عنده إلا لمن أذن له العالم بالأشياء كلها ، واسع الملك والقدرة ، متعال عن أن يدركه وهم ، عظيم لا يحيط به فهم . والإخلاص أفضل لأن السورة لوقوع التحدي بها أفضل من الآية ولأن الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية الكرسي اقتضته في خمسين (إن الشيطان) إبليس أو أعم (ليخرج من البيت) يعني المكان بيتا كان أو غيره من أجل (أن يسمع تقرأ فيه سورة البقرة) يعني بيأس من إغواء أهله لما يرى من جدهم واجتهادهم في الدين ، وخص سورة البقرة لكثرة أحكامها وأسماء الله فيها أو لسر علمه الشارع ، والسورة الطائفة من القرآن وأقلها ثلاث ، وواوها أصلية من سور البلد
[ 61 ]
لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرزة على حيالها أو محتوية على فنون رائعة من العلوم احتواء سور المدينة على ما فيها (الحارث) ابن أبي أسامة (وابن الضريس) بمعجمة فمهملتين مصغرا (ومحمد ابن نصر) المروزي بفتح الميم في كتاب الصلاة (عن الحسن) البصري مرسلا . 1290 - (أفضل الكسب بيع مبرور) أي لا غش فيه ولا خيانة أو معناه مقبول في الشرع بأن لا يكون فاسدا أو مقبول عند الله بأن يكون مثابا عليه (عمل الرجل بيده) من نحو صناعة أو زراعة وقيد العمل باليد لكون أكثر مزاولته بها وخص الرجل لأنه المحترف غالبا لا لإخراج غيره وظاهر الحديث تساويهما في الأفضلية قال بعضهم وقد قيل له لا تتبع التكسب فيدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها (حم طب) من حديث جميع بن عمير (عن) خاله (أبي بردة بن نيار) ككتاب - الأنصاري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أفضل الكسب فذكره وجميع هو ابن عمير التيمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء : صدوق رموه بالكذب وفي الكاشف شيعي واه وقال البخاري فيه نظر فقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير باختصار وقال عن خاله أبي بردة والبزار كأحمد لكنه قال عن جميع بن عمير وجميع وثقه أبو حاتم وقال البخاري فيه نظر ورواه الطبراني في الكبير والأوسط باللفظ المزبور عن ابن عمرو ، وقال أعني الهيثمي ورجاله ثقات . 1291 - (أفضل) وفي رواية أحب (الكلام) بعد القرآن كما في الهدي زاد في الرواية أربع أي أربع كلمات وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) إذ هي أفضل الكلام الآدميين ، ذكره النووي وقال القاضي : المراد كلام البشر لأن الثلاث الأول وإن وجدت قي القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما فيه ولأنه روى في خبر أفضل الذكر بعد كتاب الله تعالى سبحان الله إلى آخره وقدم أبو حنيفة المقدم وفضل مالك الثاني ومر أنه المختار عند أصحابنا والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من تنزيه وتحميد وتوحيد وتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالا ، وقيل ما يعم القبيلين والرابعة وإن لم توجد في القرآن بهذه الصيغة لكن فيه ما يفيد فائدتها وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود في استقلال كل من الجمل الأربعة لكنه حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حجة أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي الثبوتية التي يستحق بها الحمد وأخرج الحكيم عن معاذ مرفوعا ألا أخبركم عن وصية نوح لابنه حين حضره الموت ؟ قال : إني واهب لك أربع كلمات هن قيام السماوات والأرض وهن أول كلمات دخولا على الله سبحانه وتعالى خروجا من عنده فاعمل بهن واستمسك حتى يلقاك ، وهي أن تقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله اكبر والذي نفس نوح بيده لو أن السماوات
[ 62 ]
والأرضين وما فيهن وزن بها لوزنتهن . قال الحكيم فنعم الواهب ونعم الموهوب له ونعمت المواهب فمن قام بها كان من الأولياء فإنها عماد الأعمال فبالتسبيح تطهر الأعمال وبالتقديس والتحميد تحط الأثقال وبالتهليل تقبل الطاعات وبالتكبير ترفع وتنال المثوبات وهذه الكلمات تطرق إلى مالك الملك وتسهل السبيل إليه وتشفع وتزبن وبهن يقرع الباب إذا وعت القلوب معانيها في الصدور وزينتها العقول لأفئدة القلوب وأشرقت أنوارها في الرؤيات من بين أودية الأفكار ، وعلى بصائر أسماع هواجس الإخلاص ، ثم يعلم من شأنه ه . ا لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شئ هالك إلا وجهه ، وقال ابن القيم : الثناء أفضل من الدعاء ولهذا عدلت الإخلاص ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه وفلذا كان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل الكلام بعد القرآن (حم عن رجل) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث سمرة أيضا بلفظ أفضل الكلام أربع سبحان الله إلى آخر ما هنا بل رواه مسلم في الأسماء والصفات والنسائي في يوم وليلة عن سمرة أيضا بلفظ أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت انتهى وقد مر ويجئ أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما فليس لحديثي عزوه لغيره . 1292 - (أفضل المؤمنين) أي المسلمين لأنه الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيمانا (إسلاما من سلم المسلمون) والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد معتبر (من لسانه ويده) أي من التعدي بأحدهما أي المسلم الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق الله حق المسلمين ، ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى ، إذ من أحسن معاملة الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون منه من لم يؤذ مسلما بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد واللسان أكثر وقوعا ، فاعتبر الغالب . قال الزمخشري : لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا كان يمكن فيه المباشرة باليد وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية ، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لحسان : أهج المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل قال الشاعر : جراحات السنان لها التئام * * * ولا يلتام ما جرح اللسان قال البيضاوي : من لم يراع حكم الله في زمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس ، فلعله لا يراعي ما بينه وبين الله فيخل بإيمانه ، وعلم ما تقرر أنه أراد باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة لهم ولو في الاستقبال . واعلم أن الإسلام
[ 63 ]
في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى : * (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * [ الحجرات : 14 ] والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم (وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ، ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر ، أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه والهجرة ظاهرة وباطنة ، فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشئ إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * [ العنكبوت : 69 ] وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * [ الحج : 78 ] فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة ، والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * [ الفرقان : 70 ] (طب عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف . 1293 - (أفضل المؤمنين) أي أكثرهم ثوابا أو أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك (أحسنهم خلقا) بالضم لأن الله يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن ، فمن عدم حسنه أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محمودا أو كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه متبعض ، تنبيه : قال الإمام الرازي : من العلماء من قال إنما يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله تعالى : * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * [ النساء : 148 ] ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة (ه ك عن ابن عمر) بن الخطاب .
[ 64 ]
1294 - (أفضل المؤمنين إيمانا) عام مخصوص أي من أفضلهم لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وذبوا عن الدين أفضل إيمانا من هذا ومن المجاهدين ونحوهم ممن مر ويجئ وكذا يقال فيما قبله وبعده (الذي إذا سأل) بالبناء للفاعل (أعطى) بالبناء للمفعول أي أعطاه الناس ما طلبه بيسر وسهولة محبة له واعتقادا فيه هذا هو المتبادر وأما ما في نسخ من بناء سئل للمفعول وأعطى للفاعل فلا يلائم ما بعده لأن المحدث بالأفضلية واحد وعلى النسخ الثانية يصير اثنين (وإذا لم يعط) بالبناء للمفعول (استغنى) بالله تعالى ولا يلح في السؤال ولا يبرم في المقال ولا يذل نفسه بإظهار الفاقة ويدنس عرضه بالتخلق بأخلاق المسكنة (خط عن ابن عمرو) بن العاص وكلام المصنف يؤذن بأن هذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما أبدى النجعة عازيا للخطيب وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه في الزهد من حديث ابن عمرو هذا بلفظ أفضل المؤمنين المقل الذي إذا سأل أعطي وإذا لم يعط استغنى . 1295 - (أفضل المؤمنين رجل) مؤمن (سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء) أي سهل إذا باع أحدا شيئا سهل إذا اشترى من غيره شيئا ، وسهل إذا قضى ما عليه ، سهل في مطالبته غيره بماله عليه ولا يمطل غريمه مع قدرته على الوفاء ولا يضيق على المقل ولا يلجئه لبيع متاعه بدون ثمن المثل ونحو ذلك والترغيب في المساهلة في التبايع قد يعارض خبر الديلمي ماكس عن درهمك وهذا صحيح وذاك منكر (طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي : رجاله ثقات . 1296 - (أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله) قال ابن حجر : أراد بالمؤمن هنا من قام بما تعين عليه ثم حصل هذه الفضيلة لا أن المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الفروض العينية (بنفسه وماله) لما فيه من بذلهما لله مع النفع المتعدي . قالوا ثم من يا رسول الله ؟ قال (ثم) يلي المجاهد في الفضل (مؤمن) منقطع للتعبد (في شعب من الشعاب) بالكسر فرجة بين جبلين وليس بقيد بل مثال إذ الغالب على الشعاب الخلو من الناس فلذلك مثل به للعزلة والإنفراد (يتقي الله) أي يخافه فيما أمر ونهى (ويدع) أي يترك (الناس من شره) فلا يشاورهم ولا يخاصمهم بل ينفرد بمحل بعيد عنهم لأن من خالط الأنام قلما يسلم من ارتكاب الآثام وهذا صريح في تفضيل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو وغير ذلك وأما اعتزال الناس بالكلية فجعله الجمهور ومنهم النووي محله في زمن الفتنة
[ 65 ]
أو فيمن لا يصبر على أذى الناس (حم ق ت ن ه عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله ، أي الناس أفضل ؟ فذكره . 1297 - (أفضل الناس مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي وفتح الهاء قليل المال لأن ما عنده يزهد فيه لقلته . فلم يطلبوا أسرها للغنى * * * ولم يسلموها لازدهادها أفاده الزمخشري ، فعلى هذا هو اسم مفعول أي مزهود فيه لقلة ماله فهو لفقره ورثائته لا يؤبه به ولا يلتفت إليه ، لكن نقل بعضهم عن المشارق أنه اسم فاعل من أزهد في الدنيا إذا تخلى عنها للتعبد وزهد المؤمن في الدنيا يبلغه أقصى المراتب في العقبى ومن ثم لما سئل عيسى عليه السلام عن رجلين مرا بكنز فتخاطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر أيهما أفضل قال الذي تركه (فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم يكن في دبنه بذاك . 1298 - (أفضل الناس رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان أي إنسان (يعطي جهده) بالضم أي وسعه بحسب ما يقدر عليه ومقصود الحديث أن صدقة المقل أفضل أي أكثر أجرا من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يظهر أثر نقصانه عليه وإن كثر والأعمال عند الله تتفاضل بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورتها بل بقوة الداعي وصدق الفاعل وإخلاصه وإيثار الله على نفسه فأين صدقة من آثر الله على نفسه برغيف هو قوته من صدقة من أخرج مائة ألف من ماله غيضا من فيض ؟ فرغيف هذا ودرهمه في الميزان أفضل من مائة ألف من ذاك (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب . 1299 - (أفضل الناس مؤمن بين كريمين) أي بين أبوين مؤمنين سخيين فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم وفيه وفي أبويه فلحيازته شرف الإيمان والكرم وفي أبويه من جهة نفسه ومن جهة أبويه صار أفضل أو بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما طرفاه وهو مؤمن أو بين فرسين يغزو عليهما أو بين بعيرين يستقي عليهما ويعتزل الناس ؟ أقوال وأصل الكرم من كرم نفسه أي نزهها وباعدها عن الدنس بشئ من مخالفة ربه (طب عن كعب بن مالك) قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فذكره ، قال الهيثمي : وفيه معاوية بن يحيى أحاديثه مناكير وأخرجه العسكري في الأمثال عن أبي ذر بأبسط من هذا ولفظه يوشك أن يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع أي عبد بن عبد وأفضل الناس مؤمن بين كريمين .
[ 66 ]
1300 - (أفضل أمتي) أي من أفضلهم (الذين يعملون بالرخص) جمع رخصة وهي التسهيل في الأمر كالقصر والجمع في السفر ومسح الخف فالعمل بالرخص مطلوب لكن بشرط أن لا يتتبعها من المذاهب بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم بل قيل فسق كما مر ، فالمراد بها هنا من يعمل بها أحيانا تارة وتارة فلا تعارض بين هذا وبين الحديث الآتي إن الله يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه (ابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا الديلمي (عن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان منكر الحديث . 1301 - (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي الله لأهل الجنة فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم الله بها في التنزيل بقوله * (والفجر وليال عشر) * [ الفجر : 1 ، 2 ] ولهذا سن الإكثار من التهليل والتكبير والتجميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ، ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكا بأن اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام ، وقال ابن القيم الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر ، وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض (البزار عن جابر) قال الهيثمي في موضع إسناده حسن وفي آخر رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب . 1302 - (أفضل سور القرآن) سورة (البقرة وأفضل آي القرآن آية الكرسي) لما اجتمع فيها من التقديس والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في آية سواها وحيث كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية هنا وبالسيدية في أخبار أخر (البغوي) أبو القاسم عبد الله وهو غير صاحب التفسير (في معجمه) أي معجم الصحابة له (عن ربيعة) ابن عمرو وقيل ابن الحارث الدمشقي وهو ربيعة بن القار (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي : مختلف في صحبته وهو جد هشام بن القار وكان يفتي الناس زمن معاوية وقتل بمرج راهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره . 1303 - (أفضل) أي أطيب (طعام الدنيا والآخرة اللحم) لأنه يقوي البدن ويزيده نضارة ويكثر
[ 67 ]
الدم ويسخنه وأول شئ يأكله أهل الجنة إذا دخلوها زيادة كبد الحوت ، وأخذ بهذا بعضهم ففضله على اللبن وعكس آخرون وفيه رد على بعض الفرق الزائغة حيث حظر أكل اللحم كأبي العلاء المعري وكبعض الحكماء حيث قال يا أبناء الحكمة لا تجعلوا بطونكم قبورا للحيوان وكقول بعضهم : تعذيب الحيوان ظلم ولا أفعله واللحم هو ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط عظمه وما انتهى إلى ظاهره من سطح جلده وغلب استعماله عرفا على رطبه الأحمر وهو هنا على أصل لغة لجميع اللحم الأحمر والشحم والأعصاب إلى الجلد وما اشتمل عليه بين الطرفين من أجزاء الرطوبات المأكولة ذكره الحراني (عق حل عن ربيعة بن كعب) بن مالك أبي فراس الأسلمي حجازي قال السخاوي : أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي وهو ضعيف جدا قال العقيلي : ولا يعرف هذا الحديث إلا به وهو غير محفوظ ولا يصح فيه شئ ، وقال ابن حبان : عمرو يروي عن الثقات الطامات وأدخله ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بما حاصله أن له شواهدا وقد مر ويأتي أن الشاهد إنما يفيد في الضعيف لا الموضوع . 1304 - (أفضل عبادة أمتي) أي من أفضلها (تلاوة القرآن) لأن لقارئه بكل حرف مئة عشر حسنات وبذلك يسمو على سائر العبادات ، قال الزركشي وهذا أي ما ذكر من كون الحرف منه بعشر حسنات من خصائصه على سائر الكتب المنزلة وظاهر الحديث أنه أفضل العبادات وإن كانت قراءته بغير فهم وأيد بأن أحمد بن حنبل رأى ربه في النوم فقال : يا رب ، ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك ؟ قال بكلامي يا أحمد قال بفهم أو بغير فهم ؟ قال بفهم وبغير فهم لكن رده بعضهم بأن المراد بتلاوته بغير فهم تلاوة العارفين فإن معاني القرآن تنزل عليهم حال التلاوة بغير فهم ولا فكر فيكون عين تلاوته عين تلك المعاني وإلا فشرط من يتقرب إلى الله بشئ فهم معناه ولو كان المراد بعدم الفهم ما يتبادر للذهن لصح أن يتقرب إلى الله بالجهل ولا قائل به (هب) وكذا أبو نعيم في فضائل القرآن (عن النعمان بن بشير) ورواه عنه أيضا الحاكم في التاريخ ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن المصنف رمز لضعفه وهو فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال سندهما ضعيف انتهى وسببه أن فيه العباس بن الفضيل الموصلي أورده الذهبي في الضعفاء قال قال ابن معين ومسكين بن بكير قال الذهبي : قال الحاكم له مناكير كثيرة وعباد بن كثير فإن كان الثقفي فقال الذهبي : قال البخاري تركوه أو الرملي فقال : ضعفوه ومنهم من تركه . 1305 - (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظرا) أي في نحو مصحف ، أي فهي أفضل من قراءة عن ظهر قلب لأنها ذكر الله بالباطن تفكرا وبالظاهر تلاوة لكلامه الأزلي وبقراءته قوام جميع عباداته ومفترضاته وكأنه بتلاوته يخاطب ربه بأمره ونهيه ومواعظه وجميع العبادات تراد لإقامة ذكر الله وهو لبها قال بعض الصوفية كنت أكثر القراءة ثم اشتغلت بكتابة الأحاديث والعلم فقلت تلاوتي فنمت ليلة فرأيت قائلا يقول إن كنت تزعم حبي ، فلم جفوت كتابي ؟ أما تدبرت ما فيه ، من لذيذ خطابي ؟ فانتبهت فزعا وعدت إليه (الحكيم) الترمذي (عن عبادة) بن الصامت .
[ 68 ]
1306 - (أفضل كسب الرجل ولده) أي الذي ينسب إليه ولو بواسطة (وكل بيع مبرور) أي سالم من نحو غش وخيانة (طب) من حديث وائل بن داود عن جميع بن عمير عن عمير وقال سعيد بن عمير (عن) خاله (أبي برزة بن نيار) الأنصاري الصحابي وجميع بن عمير هو التميمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء رموه بالكذب انتهى وقال الهيثمي فيه جميع بن عمير ضعفه ابن عدي . 1307 - (أفضل نساء أهل الجنة) فائدة ذكره الإيذان بأن هؤلاء الأربعة أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط (خديجة بنت خويلد) تصغير خالد (وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم) قال الشارح العلقمي هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب لما فيهما من البضعة الشريفة أي وإن كان الخلفاء الأربعة أفضل من حيث جموع العلوم وكثرة المعارف ونصرة الدين (ومريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة ، والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن قال القرطبي ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال : فهي نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل تنبيه : سئل السبكي هل قال أحد إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال : قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل (حم طب) عن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، فقال أفضل إلخ . قال الهيثمي : رجالهما رجال الصحيح (ك) في أخبار الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث مما لم يخرج في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عن عزوه لغيره والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح بلفظ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية . 1308 - (أفضلكم الذين إذا رؤا) أي بالبصر أو البصيرة (ذكر الله تعالى لرؤيتهم) أي عندها يعني أنهم في الاختصاص بالله بحيث إذا رؤا خطر الله تعالى ببال من رآهم لما فيهم من سيما العبادة
[ 69 ]
وظهور المراقبة والفقر على شمائلهم أو أن من رآهم يذكر الله كما في خير سيجئ النظر إلي عبادة (الحكيم) الترمذي (عن أنس) 1309 - (أفطر الحاجم والمحجوم) الصائمان أي تعرضا للفطر إذ الحاجم عند المص لا يأمن وصول شئ من الدم جوفه والمحجوم يضعف قواه بخروج الدم فيؤول الحال لإفطاره قال القاضي البيضاوي : ذهب إلى ظاهر الخبر جمع فقالوا بفطرهما منهم أحمد وذهب الأكثر للكراهة وصحة الصوم وحملوا الخبر على التشديد وذهب قوم إلى أنه منسوخ (حم د ن ه حب ك) وكذا البيهقي كلهم في الصوم (عن ثوبان) وصححه ابن راهويه وابن المديني (و) قال المصنف (هو متواتر) قال الذهبي كابن الجوزي رواه بضعة عشر صحابيا وأكثرها ضعاف وأخذ به أحمد وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على عزوه لمن ذكر أنه مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه مع أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى البخاري عن الحسن عن غير واحد من الصحابة هذه عبارته فيه وهي غير جيدة فإن البخاري إنما ذكره تعليقا . 1310 - (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم) أي وشرب شرابكم (الأبرار) صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة أعم مما قبلها (وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وهذا قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان ، وقيل بل إنه سعد بن عبادة ولا مانع من التعدد ، وأراد بالملائكة الموكلين بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك وفيه أنه يندب بمن أفطر عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه (ه حب) عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال : أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد فذكره . 1311 - (أف) قال الزمخشري : صوت إذا صوت به أعلم أن صاحبه متضجر كأنه أضجره ما رأى فيه من كشف العورات وتنجس المياه والقذارة فتأفف به ، وقال الراغب : أصل الأف كل مستقذر من نحو وسخ وقلامة ظفر ويقال لكل مستخف به استقذارا له وقال ابن حجر أف بشد الفاء وضم أوله يستعمل جوابا عما يستقذر وفيه عشر لغات ، بل في الارتشاف فيها أربعون (للحمام) أي لدخوله كيف لا وهو (حجاب لا يستر) داخله (و) ماؤه (ماء لا يطهر) بضم أوله وفتح الطاء وشد الهاء وكسرها لكونه مستعملا غالبا إذ غالب من يدخله لا يعرف الاغتراف وحمله على المعنى اللغوي غير جيد (لا
[ 70 ]
يحل لرجل أن يدخله) عند الحاجة إلى دخوله (إلا) مستترا (بمنديل) يستر جميع عورته عمن يحرم عليه النظر إليها (مر) بصيغة الأمر (المسلمين لا يفتنون نساؤهم) أي يفعلوا ما يؤدي إلى الافتتان بنسائهم وذلك بتمكينهن من الدخول إلى الحمام ونظر بعضهن إلى عورة بعض وربما وصف بعضهن بعضا للأجانب فتقع المراسلة فيقع الزنا (الرجال قوامون) أي أهل قيام (على النساء) قيام الولاة على الرعايا فيؤدبوهن ويأخذون على أيديهن فيما يجب عليهن وفي أنفسهن فحق عليهم أن يمنعوهن مما فيه فتنة منهن أو عليهن (علموهن) الأحكام الشرعية والآداب المرعية التي منها قصرهن في البيوت وعدم دخولهن الحمامات ، أفرد الخطاب أولا لأنه وقع لمعين ثم جمعه إشارة إلى عدم اختصاص الحكم بالمعين (ومروهن بالتسبيح) أي بلزوم قول سبحان الله أو بالصلاة لأنها تسمى سبحة ثم هذا سياق ما رأيته في نسخ هذا الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ صحيحة من الشعب بعد قوله لا يظهر بنيان المشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان ثم قال لا يحل إلخ فسقط من قلم المصنف هذه الجملة الوسطى (هب عن عائشة) ثم قال : أعني البيهقي عقبة هذا منقطع انتهى بلفظه فاقتصار المصنف على الرمز لضعفه غير كاف ووجه الانقطاع أن عبيد الله بن جعفر رواه عن عائشة بلاغا ثم إن فيه مع الانقطاع ابن لهيعة وغيره . 1312 - (أفلح) بصيغة الماضي (من رزق) بالبناء للمفعول (لبا) ، بضم اللام وبالباء الموحدة المشددة يعني فاز وظفر من رزقه الله عقلا راجحا اهتدى به إلى الإسلام وفعل المأمور وتجنب المنهي وكلما كان العقل في العبد أوفر فسلطان الدلالة فيه على الرشد والنهي عن الغي أنفذ وأظهر ، ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عن رجل شدة اجتهاده وعبادته سأل عن عقله لأنه مناط الفلاح والعقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله ومكروهه والعقل نور خلقه الله وقسمه بين عباده على قدر مشيئته فيهم وعلمه بهم وأول ما فات ابن آدم من دينه العقل فإن كان ثابت العقل يكون خاشع القلب لله متواضعا بريئا من الكبر قائما على قدميه ينظر إلى الليل والنهار يعلم أنهما في هدم عمره لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل لعلمه أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان قال بعض العارفين ما قسم الله لخلقه أفضل من العقل واليقين قال الراغب والفلاح الظفر وإدراك البغية أربعة أشياء بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وعلم بلا جهل ، وقال الزمخشري : المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله انتهى وقال بعضهم ليس شئ أجمع لخصال الخير من خصال الفلاح واللب العقل الخالص من الشوائب سمي به لأنه خالص بما في الإنسان من قواه كاللباب من الشئ وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس (تخ طب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (ابن هبيرة) ابن عامر القشيري من وجوه الوفود قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا إنه كان لنا أرباب نعبدهن فودعناهن فذكره قال الهيثمي فيه راو لم بسم وبقية رجاله ثقات . 1313 - (أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا) أي قدر الكفاية بغير زيادة ولا نقص
[ 71 ]
يقال ليتني أنجو منك كفافا أي رأسا برأس لا أرزا منك ولا تزرأ مني وحقيقته أكف عنك وتكف عني وقد يبنى على الكسر فيقال : دعني كفاف قال : فليت حظي من يداك الصافي * * * والنفع أن تتركني كفاف ذكره كله الزمخشري (وقنع به) أي رضى باليسير من ذلك والفلاح الظفر وإدراك البغية مما يطلب به الحياة الدنيوية أو مما يفوز به في الآخرة قال النووي : قد يحتج به من يفضل الفقر على العمى واعترض بأنه ليس فيه ما يقتضي تفضيل صاحب الكفاف وإنما وصفه بالفلاح وهو معلق على القناعة والرضا والمعلق على المجموع لا يوجد بدون وجود ذلك المجموع لكن ينضم لهذا ما يترجح به (طب ك) في الأطعمة (عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الأوسي وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 1314 - (أفلحت يا قديم) ، بالقاف تصغير مقدام وهو المقدام بن معد يكرب تصغير ترخيم (إن مت ولم تكن أميرا) أي والحال أنك لست أميرا على قوم فإن خطب الولاية شديد وعاقبتها في الآخرة وخيمة بالنسبة لمن لم يثق بأمانة نفسه وخاف عدم القيام بحقها أما المقسطون فعلى منابر من نور يوم القيامة (ولا كاتبا) على نحو جزية أو صدقة أو خراج أو إرث أو وقف وهو منزل على نحو ما قبله (ولا عريفا) أي قيما على نحو قبيلة تلي أمرهم وتعرف الأمير حالهم فعيل بمعنى فاعل ويسمى نقيبا وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما قبله (د) من حديث صالح بن يحيى (عن المقدام) بكسر الميم (ابن معد يكرب) قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على منكبي . ثم قال : أفلحت إلى آخره . قال البخاري صالح بن يحيى فيه نظر وقال الذهبي قال موسى بن هارون صالح لا يعرف ولا أبوه ولا جده لكن قال المنذري عقب تخريجه الحديث فيه كلام لا يقدح . 1315 - (أفلا استرقيتم له) أي طلبتم له رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة (فإن ثلث منايا أمتي من العين) أي كثيرا من مناياها يكون من تأثير عين العائن ، فإن العين حق ولم يرد الثلث حقيقة بل التكثير والمبالغة وهذا نص على حل الرقية ولو بغير أسماء الله وكلامه وصفاته لإطلاق الخبر بشرط معرفة معناها وخلوها عما يخالف الشرع وعلى خلافه تحمل أخبار النهي كما مر (الحكيم عن أنس) 1316 - (إقامة حد من حدود الله) على من فعل موجبه وثبت عليه (خير من مطر أربعين) وفي رواية ثلاثين (ليلة) في بلاد الله تعالى ، لأن في إقامتها زجرا للخلق عن المعاصي وسببا لفتح أبواب
[ 72 ]
السماوات للمطر وفي العفو عنها والتهاون بها انهماكا لهم في الإثم وسببا لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل وخير من المطر أو المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد يفسد وإقامتها صلاح محقق ، وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا بالمطر * (وفي السماء رزفكم وما توعدون) * [ الذاريات : 22 ] (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن سنان الحمصي ضعفوه وقال البخاري منكر الحديث وساق له في الميزان من مناكيره هذا الخبر وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه القزويني تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن جرير مرفوعا بلفظ ثلاثين ورواه ابن حبان بلفظ أربعين . 1317 - (اقبلوا الكرامة) هي ما يفعل بالإنسان أو يعطاه على وجه الإكرام ومنه خبر أنه أكرم جرير بن عبد الله لما قدم عليه فبسط له رداءه وعممه بيده وقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (وأفضل الكرامة) التي يكرم بها أخاه الزائر مثلا (الطيب) بأن يعرضه عليه ليتطيب منه أو يهديه له (أخفه محملا وأطيبه رائحة) أي هو أخف الأشياء حملا فلا كلفة في حمله وأطيب الأشياء ريحا عند الآدميين وعند الملائكة فيتأكد إتحاف الإخوان به وقبول المهدي إليه إياه ومن ثم كره العلماء رده (قط في الأفراد طس عن زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة أم المؤمنين الأسدية وأمها أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد أن قضى زيدا منها وطرا ، وهي أول أزواجه لحوقا به ، ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي . 1318 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال : أي الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي : أبو بكر وعمر) أمره بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ليكونهما أهلا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه ، المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده ، وسبب الحث على الإقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخيور السنية ، فكأنهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيبة في نفسها ، لكنها معطلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة ، فلما أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتا حسنا ، فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان فإن قلت : حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة ؟ قلت : كان لعذر ثم بايع ، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيين وميتين فإن قلت : هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافه أحد قلت : مرادهم لم ينص نصا صريحا ، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الإقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك (حم ت) في المناقب وحسنه (ه) من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان قال ابن حجر : اختلف فيه على عبد الملك وأعله
[ 73 ]
أبو حاتم وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن عبد الله لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة ، لكن له شاهد . اه . وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال : 1319 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار) بن ياسر : أي سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما كما ياتي في حديث (وتمسكوا بعهد ابن مسعود) عبد الله أي ما يوصيكم به ، قال التوربشتي : أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها قائلا : ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا ، بينا كما يومئ إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه (ت) وحسنه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لا أدري ما قدر بقائي فيكم ثم ذكره (عد عن أنس) ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور ، قال الذهبي وسنده واه . 1320 - (اقتربت الساعة) أي دنا وقت قيامها ، وإذا اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك ونحوه * (واقترب الوعد الحق) * [ الانبياء : 97 ] واقترابها إقبالها إلينا في كل لحظة بتقريب الآجال ونحن نقرب منها بقطع مسافة الأعمار ، وإنما يدرك قربها بتكامل أنوار الإيمان ومن ضعف إيمانه بحب الدنيا قربت منه بصورتها فازداد حرصا عليها لعماه عن عاقبتها ، والساعة في الأصل تقال على جزء قليل من نهار أو ليل ثم استعيرت ليوم القيامة : أعني الوقت التي تقوم فيه وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم ولقلته سمي ساعة (ولا تزداد منهم) يعني من الناس الحريصين على الاستكثار من الدنيا كما يفيده الخبر الآتي (إلا قربا) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من معجم الطبراني والحلية إلا بعدا ، وكلاهما له وجه صحيح . فالمعنى على الوجه الأول أنهم كلما مر بهم زمن وهم متمادون في غفلتهم ازداد قربها منهم ، وعلى الثاني أنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها وعملوا عمل من الساعة أخذت في البعد عنه لما على قلوبهم من الأكنة والأغطية وعلى أبصارهم وبصائرهم من الأغشية . بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون عنه لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أن الجزاء كائن للمحسن والمسئ ، وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا من سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم وما تزيدهم فنون الموعظة التي أحق الحق وأحد الحد إلا لهوا ولعبا وشحا وحرصا وتناسيا للساعة كأنها ولت عنهم دبارا وتناءت عنهم فرارا (طب عن ابن مسعود) قال المنذري : رواته يحتج بهم في الصحيح . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . اه . وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه قصور أو تقصير وإنما كان حقه الرمز لصحته .
[ 74 ]
1321 - (اقتربت الساعة ، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا) ، شحا وإمساكا لعماهم عن عاقبتها (ولا يزدادون من الله إلا بعدا) أي من رحمته لأن الدنيا مبعدة عن الآخرة لأنه يكرهها ولم ينظر إليها منذ خلقها والبخيل مبغوض إلى الله مبعود عنه لا يقال كيف وصف الساعة بالاقتراب وقد عد دون هذا القول أكثر من ألف عام لأنا نقول هي مقتربة عند الله * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * [ الحج : 47 ] ولأن كل آت آت ، وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب ، ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود ببعثه آخر الزمان . وبالجملة فهذه الأخبار الشافية الكافية مسوقة للبيان أنه لابد من طي البساط ورفع السماط وتبديل الأرض في الطول والعرض وتخريب العامر وتحريك الزاهر وشق الأثواب وطرق الأبواب وسفك الدماء وهتك النساء وشقاق العلماء وخلاف الأمراء أو قيام السيف في الشتاء والصيف وسوء الحال ورفض المال وارتفاع الصبيان ثم الصلبان وسقوط الفرسان وهبوط العربان لنفوذ القضاء والقدر كما جاء في الخبر : إذا نزل القضاء عمي البصر (ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) وقال صحيح وشنع عليه الذهبي بأنه خبر منكر وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني وأبهمه ابن الجوزي . فأنى له الصحة ؟ . 1322 - (اقتلوا الحية) قال في الكشاف اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير (والعقرب وإن كنتم في الصلاة) أي وترتب على القتل بطلانها . قال الزين العراقي : وهذا محمله على الندب أو الإباحة وصرفه عن الوجوب خبر أبي يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأسا . قال الحكيم لأن الحية أظهرت العداوة لنا وكانت وكلت بخدمة آدم في الجنة فخانته وأمكنت عدو الله من نفسها حتى صيرته سببا لدخول الجنة في إغوائه ، فلما أهبطوا إلى الأرض تأكدت العداوة منها لآدم وولده والعقرب من لواحقها وأتباعها (طب عن ابن عباس) فيه أمران : الأول أنه يوهم أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف ، فقد خرجه أبو داود وكذا الحاكم بلفظ : اقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم . الثاني أنه لم يرمز له بتضعيف ولا غيره فاقتضى سلامته من العلل وليس كما أوهم ، فقد جزم خاتمة الحفاظ ابن حجر بضعف سنده في تخريج الهداية . 1323 - (اقتلوا الأسودين) سماهما بالأسودين تغليبا كالعمرين . قال الجوهري : الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد وضم العقرب إليها تغليبا كإطلاقه الأسودين على التمر والماء ، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معا باسم الأشهر ، والأمر للندب أو الإباحة لا للوجوب ما لم يتعرض ولم يخفها على نفسه ولا على غيره ، (وإلا فللوجوب) حتى (في الصلاة) قالوا : وما الأسودان ؟
[ 75 ]
قال (الحية والعقرب) ويلحق بهما كل ضار كزنبور ، وفيه حل العمل القليل في الصلاة وأن ولاء الفعل مرتين في آن لا يفسدها ، إذ قتلهما إنما يكون غالبا بضربة أو ضربتين ، فإن تتابع وكثر أبطل ، كذا قيل . وأنت خبير بأن الحديث لا يفيد ذلك لجواز أن يكون أمر بالقتل في الصلاة وإن أبطلها ؟ وكم له نظير ؟ ثم رأيت بعض المحققين قال الحق فيما يظهر الفساد إذا تتابع وكثر ، والأمر بالقتل لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوا في إنقاذ الغريق ونحوه بل أثره في دفع لإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما (د ت) وكذا النسائي ، وكأنه أغفله ذهولا (حب ك عن أبي هريرة) حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود ، ولكن قال الحافط ابن حجر إسناده ضعيف وفي مسلم له شواهد . 1324 - (اقتلوا الحيات كلهن) ، أي بسائر أنواعهن في كل حال وزمان ومكان ، وظاهره ولو غير مؤذيات : أي ولو في حال الإحرام كما يؤذن به كلمة التعميم ، لكن نهى في حديث عن قتل ذات البيوت التي لا تضر (فمن خاف) من قتلهن (ثأرهن) بمثلثة وهمزة ساكنة (فليس منا) أي من جملة ديننا أو العاملين بأمرنا ، يعني ليس من أهل طريقنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن خوفا من أن يطلب بثأرهن أو يؤذي من قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينون به . ذكره الزمخشري ، والمراد الخوف المتوهم . أما لو غلب على ظنه حصول ضرر منهن فلا ملام عليه بل يلزمه ترك قتلهن ، ووهم شارح وهنا . تنبيه : قال المنذري : ذهب قوم إلى قتل الحيات أجمع في الصحراء والبيوت في المدينة وغيرها ولم يستثنوا نوعا ولا جنسا ولا موضعا تمسكا بهذا الحديث . وقال قوم : إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه ، فإن بدين أي ظهرن - بعد الإنذار قتلهن ، وقال مالك يقتل ما وجد منها بالمساجد ، وقال قوم : لا تنذر إلا حيات المدينة فقط ، ويقتل ما عداها مطلقا ، وقال قوم يقتل الأبتر ذو الطفيتين بغير إنذار بالمدينة وغيرها . قال : ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر (د) في الأدب (ن) في الجهاد (عن ابن مسعود) عبد الله (طب عن جرير) بن عبد الله (وعن عثمان بن أبي العاص) الثقفي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، مات سنة إحدى وخمسين . وقال الهيثمي رجاله ثقات ، وقال المنذري رواته ثقات ، لكن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه . 1325 - (اقتلوا) وجوبا (الحيات) بسائر أنواعها حتى في الحرم وحال الإحرام (اقتلوا ذا الطفيتين) تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء : ما بظهره خطان أسودان وقيل : أبيضان . والطفية في الأصل خوصة المقل ، فشبه الخطين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) الذي يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه (فإنهما يطمسان) يعميان (البصر) أي بصر الناظر إليهما أو من نهشته ، والطمس استئصال أثر الشئ ، وفي رواية لمسلم بدل يطمسان يلتمسان : أي يطلبان يعني
[ 76 ]
يخطفان (ويسقطان) كذا رأيته في نسخ ، والذي وقفت عليه في الصحيحين ويستسقطان بسينين ونص على هذين مع دخولهما في الحيات اهتماما بقتلهما لكونهما يطمسان ويسقطان ، أو لأن الشيطان لا يتمثل بهما قالوا ومن الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على إنسان مات فورا وآخر إذا سمع صوته مات وذكروا في خواص بعض الأفعى أن الجنين يسقط عند موافقة النظرين (الحبل) أي الحمل عند نظر الحامل إليهما بالخاصية لبعض الأشخاص جعل ما يفعلانه بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد ، وفي رواية لمسلم الحبالى بدل الحبل (حم ق د ت ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب ، يقول اقتلوا الحيات والكلاب . إلى آخر ما هنا . هكذا ذكر الكلاب في صحيح مسلم ، وفي رواية للشيخين قال عبد الله . بينا أنا طارد حية لأقتلها فناداني لا تقتلها فقلت رسول الله أمر بقتل الحيات . قال : نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر . 1326 - (اقتلوا الوزغ) بفتح الواو والزاي معروف سمي به لخفته وسرعة حركته (ولو) كان (في جوف الكعبة) لأنه من الحشرات المؤذيات ولاستقذاره ونفرة الطبع عنه ولما قيل أنه يسقي الحيات ويمج في الإناء . وفي البخاري في باب * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * [ ابراهيم : 125 ] الأمر بقتله ، وقال : كان ينفخ النار على إبراهيم ، وفي عائشة عن أحمد وابن ماجه لما ألقي إبراهيم في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ النار عليه فأمر المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلها ، قال البيضاوي : قوله كان ينفخ على إبراهيم : بيان لخبث هذا النوع وفساده وأنه بلغ في ذلك مبلغا استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها ، وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية ، وفي الصحيح أن من قتله في أول ضربة له كذا وكذا حسنة ومن قتله في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ، ومن قتله في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية قال ابن عبد السلام : وكثرة الحسنات في الأولى لأنه إحسان في القتل فدخل في خبر : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل في * (فاستبقوا الخيرات) * [ البقرة : 48 ] ، وروى الحاكم وصححه عن ابن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون . تتمة : ذكر بعض الحكماء أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه أصم وأنه يبيض ، ويقال لكبارها سام أبرص بتشديد الميم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : فيه عمرو بن قيس المكي وهو ضعيف . 1327 - (اقتلوا شيوخ المشركين) أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس ، ولم يرد الهرم الذي لا قوة له ولا رأي فإن فرض بقاء الرأي قتل لأن ضرر رأيه أشد من ضرر مقاتلته وعلى خلافه يحمل حديث أنس لا تقتلوا شيخا فانيا (واستبقوا) وفي رواية واستحيوا (شرخهم) أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم جمع شارخ بشين وخاء معجمتين كصحب أو مصدر نعت به ومعناه بدو الشباب ونضرته ،
[ 77 ]
فيستوي فيه الواحد والجمع كالصوم والعدل وإطلاق الحديث شامل للراهب فيقتل وإن لم يقاتل وعليه الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك ، لا ويحرم قتل الصبيان وكذا النساء إذا لم يقاتلوا بل يسبيهم الإمام ويسترقهم (حم ه ت) في الجهاد (عن سمرة) بن جندب ، قال الترمذي حسن صحيح غريب . 1328 - (اقرأ القرآن على كل حال) قائما وقاعدا وراقدا وماشيا وغيرها . (إلا وأنت جنب) أي أو حائض أو نفساء بالأولى فإنك لا تقرأ وأنت كذلك فتحرم قراءتك شيئا منه وأنت كذلك بقصدها ، قال الغزالي : فيه إشارة إلى طلب استغراق الأوقات بالقرآن ، فإنك إذا وفيت القراءة ولزمتها وجدت لذة المناجاة واستأنست بكلام الله واستوحشت من كلام الخلق . كان موسى إذا رجع من المناجاة استوحش من الناس ويجعل إصبعيه في أذنيه لئلا يسمع كلامهم وكأن كلامهم عنده في ذلك الوقت كأصوات الحمير وعليه قال شيخنا : اتخذ الله صاحبا * * * وذر الناس جانبا (أبو الحسن بن صخر في فوائده) الحديثية (عن علي) أمير المؤمنين : قال في المطامح : غريب ضعيف . 1329 - (اقرأ القرآن) اسم علم خاص بكلام الله (في كل شهر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة جزءا من ثلاثين (اقرأه في) كل (عشرين ليلة) في كل يوم وليلة ثلاثة أحزاب (اقرأه في عشر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة ستة أحزاب (اقرأه في سبع) أي في كل أسبوع (ولا تزد على ذلك) فإن قارئه ينبغي أن يتفكر في معانيه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وتدبر ذلك لا يحصل في أقل من أسبوع : وأنى به ؟ ومن ثم رأى جمع قراءته في الأسبوع من الورد الحسن . قال في الأذكار ، وهذا فعل الأكثر من السلف . قال الدماميني : ولهذا الحديث منع كثير من العلماء الزيادة على السبع . اه واختار النووي اختلاف القدر باختلاف الأشخاص بالنسبة لسريع الفهم وغيره قال فمن كان من ذوي الفهم وتدقيق الفكر يندب له الاقتصار على القدر الذي لا يخل به المقصود من التدبر واستنباط المعاني ، وكذا من له شغل بعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يندب له الاقتصار على قدر لا يخل بما هو فيه ، ومن يكن كذلك فالأولى له الإكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة . اه . وإنما اختلفت الأحاديث لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يأمر كل إنسان بما يناسب حاله . تنبيه : المراد بالقرآن هنا كله ، ولا يعارضه أن القصة وقعت قبل موت المصطفى صلى الله عليه وسلم بمدة ، وذلك قبل نزول بعض القرآن الذي تأخر نزوله ، لأنه العبرة بما دل عليه الإطلاق ، ذكره ابن حجر وغيره (ق د ، عن ابن عمر) بن الخطاب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن ؟ قلت بلى ولم أرد به إلا الخير ، قال
[ 78 ]
فصم صوم داود فإنه كان أعبد الناس واقرأ القرآن في كل شهر : قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اقرأه في كل عشرين ، قلت أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل عشر قلت أطيق أفضل من ذلك قال : فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك ، قال ابن عمر فشددت فشد علي . 1230 - (اقرأ القرآن في كل أربعين ليلة) ليكون حصة كل يوم نحو مائتي وخمسين آية ، وذلك لأن تأخيره أكثر منها يعرضه للنسيان والتهاون به ، وقد عهد ورد الأربعين أشياء كثيرة كخلق النطفة لأربعين فعلقة فمضغة لمثلها وبين النفختين أربعين ومكث آدم في طينته وميعاد موسى وسلطان الدجال وغالب النفاس وتمام الرباط وبلوغ الأشد إلى غير ذلك ، إلا أن قراءته في أربعين : مدة الضعفاء ، ثم يرتقي الحال بسبب القوة إلى ثلاث (ت عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه . 1331 - (أقرأ القرآن في خمس) أخذ به جمع من السلف ، فاستحبوا الختم في كل خمس ، ومنهم علقمة بن قيس ، ولو تعارض الاسراع والترتيل روعي عند الجمهور . قال ابن حجر : والتحقيق أن لكل منهما جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشئ من الحروف والحركات والسكنات الواجبات . ولا يمنع أن يفضل أحدهما الاخر ، وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة ثمينة ، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة ، وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الاخريات ، وقد يكون بالعكس (طب عن ابن عمرو) بن العاص ، رمز المصنف لضعفه . 1332 - (اقرأ القرآن في ثلاث) أي بأن تقرأ في كل يوم وليلة ثلثه (إن استطعت) قراءته في الثلاث مع ترتيل وتدبر ، وإلا فاقرأه في أكثر ، ومن ثم قال ابن مسعود : من قرأه في أقل من ثلاث فهو راجز ، وكره ذلك معاذ . وقال القسطلاني : وأخبرني شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف أنه كان يقرأ خمسة عشر ختمة في اليوم والليلة . وفي الإرشاد أنه النجم الأصبهاني رأى رجلا من اليمن ختم في شوط أو أسبوع وهذا لا يتسهل إلا بفيض رباني ومدد رحمني . اه . وأخبرني بعض الثقات أن شيخنا العارف عبد الوهاب الشعراني ختم بين المغرب والعشاء ختمتين ، ثم رأيته ذكر في كتاب الأخلاق ما نصه ومنها عمل أحدهم على تحصيل مقام غلبة الروحانية على الجسمانية حتى يصير يقرأ في اليوم والليلة كذا وكذا ختما ويقرأ مع من غلبت روحانيته على جسمانيته ، فلا يتخلف عنه ، ويحتاج صاحب هذا المقام إلى ورع شديد وطاعة كثيرة ليحصل له تلطيف الكشائف وإلا فلا يقدر يستعجل في القراءة مع من ذكر بل يصير كأنه يسحب صخرا على الأرض خلف طائر فمن فهم هذا عرف سر أمره تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن ، فإن روحانيته تغلب جسمانيته ، فإذا قرأ لا يلحقه أحد لانطواء الألفاظ في نطق الأرواح وأخبر الشيخ علي المرصفي أنه قرأ في أيام سلوكه في يوم وليلة ثلاثمائة ألف ختم وستين ألف
[ 79 ]
ختم ، كل درجة ألف ختم اه . ومن على هذا المقام شيخنا شيخ الإسلام زكريا ، فكان إذا قرأنا معه لا نلحقه ، وكذا الشيخ نور الدين الشوني لغلبة روحانيتهما على جسمانيتهما . إلى هنا كلامه (حم طب عن سعد بن المنذر) له صحبة ، وهو أنصاري عقبي بدري ، كان يقرأ القرآن في ثلاث . 1333 - (اقرأ القرآن ما نهاك) عن المعصية وأمرك بالطاعة : أي ما دمت مؤتمرا بأمره منتهيا بنهيه ورجزه (ف) إنك (إذا لم ينهك فلست) في الحقيقة (بقارئ) وفي نسخ فلست تقرأه أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده وعوائده فيعود حجة عليك أو خصما غدا فقراءته بدون ذلك لقلقة لسان بل جارة إلى النيران ، إذ من لم ينته بنهيه وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة ، فلا بد لقارئه من الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه ، وكما أن أمور الدنيا لا تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه * (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة) * [ الاعراف : 145 ] * (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) * [ مريم : 12 ] فشرط على قارئه اهتمام القلب بتفهمه وإقبال الحس على استماعه وتدبره . قال بعضهم : القارئ يلعن نفسه ولا يدري ، يقرأ * (ألا لعنة الله على الظالمين) * [ هو : 18 ] وهو ظالم * (ألا لعنة الله على الكاذبين) * [ آل عمران : 61 ] وهو منهم فائدة : سئل جدي شيخ الإسلام يحيى المناوي رحمه الله : هل الاهتزاز في القرآن مكروه أو خلاف الأولى ؟ فأجاب بأنه في غير الصلاة غير مكروه ولكن خلاف الأولى ، ومحله إذا لم يغلب الحال واحتاج إلى نحو النفي في الذكر إلى جهة اليمين والإثبات إلى جهة القلب ، وأما في الصلاة فمكروه إذا قل من غير حاجة . وينهى إذا كثر أن يكون كتحريك الحنك كثيرا من غير أكل وأن الصلاة تبطل به والله أعلم انتهى بنصه (فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمرو) بن بن العاص . قال الزين العراقي : وسنده ضعيف وظاهره أنه لم يره لأقدم من الديلمي ولا أحق بالعزو إليه منه وهو عجب ، فقد خرجه أبو نعيم والطبراني وعنهما أورده الديلمي مصرحا فإهماله لذينك واقتصاره على ذا غير سديد ، ثم إن فيه إسماعيل بن عياش . قال الذهبي في الضعفاء ليس بقوي عن عبد العزيز بن عبد الله . قال الذهبي روى عنه ابن عياش فقط ، وقد قال الدارقطني متروك عن شهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج به . 1334 - (اقرأ المعوذات) الفلق والناس ذهابا إلى أن أفل الجمع اثنان أو والإخلاص تغليبا (في دبر) بضم الدال والموحدة (كل صلاة) من الخمس ، فيه ندب قراءتها بعد التسليم من كل صلاة لأنه لم يتعوذ بمثلها . فإذا تعوذ المصلي بها كان في حراستها حتى تأتي صلاة أخرى (د حب عن عقبة بن عامر) وصححه ابن حبان ، ورواه عنه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه ، فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به من بين الستة غير جيد .
[ 80 ]
1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك : أي بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي ، وذلك إنما ينشأ عن تأمل قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة . قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني : وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا . اه . قال أهل اللغة : حدرها درجها وعدم تمطيطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين . وقد روى ابن أبي داود بإسناد ، قال ابن حجر : حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي نزل ناعيا على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال والبهتان وقولهم على الله ما لا يعلمونه ولا يليق به من الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم ، وأول ما نزل من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي * (يا أيها المدثر قم فأنذر) * [ المدثر : 1 ، 2 ] وكما أنه نزل بالحزن على المشركين نزل بالرحمة على المؤمنين وتصح إرادته هنا لكن يكون استعماله الحزن ليس على الحقيقة بل من قبيل المجاز . قال العلامة الزمخشري : صوت حزين رخيم ، وقال بعض المحققين : قد يطلقون الحزين ويريدون به ضد القاسي مجازا . قال الغزالي : وجه اختيار الحزن مع القراءة أن يتأمل فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ثم يتأمل القارئ ما فيه تقصيره من أوامره وزواجره فيحزن لذلك لا محالة فيبكي ويخشع فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد الحزن فإن ذلك من أعظم المصائب . اه . تنبيه : أفاد هذا التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم ، وقد شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق تعالى فإنه يرى ثم كل ملك لو وضع قدمه في الأرض ما وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع ذلك فهو يرعد من هيبة الله تعالى كالقصبة في الريح العاصف : فسبحان من حجنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا ، فإنه لو كشف لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا . ولو استحضر القارئ عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل ذلك (ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي : فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف . اه . وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث ، وفي اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضا عون بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شئ ، وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه ، فمن خرجه العقيلي في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم . 1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن : يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شئ سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم
[ 81 ]
فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه : أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب ، أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره ، وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال ، والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل . قال الزمخشري . قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد ، وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز ، ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل : إلى هنا كلامه . وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم (حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ . 1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين ، سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة ، والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضئ الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل ؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا ، وكما جعل علما في الكرم والفضل جعلا علما في الإنارة ، وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي : أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان . قال القاضي : ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء : إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها متصلا بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن ، ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لا تساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم
[ 82 ]
أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى ، والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين . ذكره القاضي . وقال الطيبي : إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة ، إذ الأول عام في كل أحد ، والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية . وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه . (اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي : تخصيص بعد تخصيص ، عم أولا بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة ، وأفرد ثالثا البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة : أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء : السحرة : تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل ، وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل . وقيل البطلة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم ، أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحرا : أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق ، قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا ، ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه . تنبيه : قال القونوي : قوله في الحديث يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ : كناية عن أرواح صور الحروف والكلمات ، فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة لأكثر الناس ، وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة مكررة (حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي . 1338 - (اقرأوا القرآن واعملوا به) بامتثال أمره وتجنب نهيه (ولا تجفوا عنه) أي لا تبعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه بأن تتأولوه بباطل ، أو المراد لا تبذلوا جهدكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات ، فالجفاء عنه التقصير ، والغلو التعمق فيه ، وكلاهما شنيع ،
[ 83 ]
وقد أمر الله بالتوسط في الأمور فقال * (لم يسرفوا ولم يقتروا) * [ الفرقان : 67 ] (ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا ، ومن الآداب المأمور بها : القصد في الأمور وكلا في طرفي قصد الأمور ذميم . وقال الطيبي : يريد لا تجفوا عنه بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا بتأويله وتفسيره . ولا تغلوا فيه بأن تبذلوا جهدكم في قراءته وتجويده من غير تفكر كما قال في الحديث الآخر لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث (حم ع طب) عن (عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عمرو بن يزيد الأنصاري أحد النقباء فقيه حمصي ، قال الهيثمي رجال أحمد ثقات . وقال ابن حجر في الفتح سنده قوي . 1339 - (اقرأوا القرآن بلحون العرب) أي تطريبها (وأصواتها) أي ترنماتها الحسنة التي لا يختل معها شئ من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارئ لكنه إذا قرئ بالألحان التي تخرجه عن وضعه تضاعف فيه النشاط وزاد به الإنبساط وحنت إليه القلوب القاسية وكشف عن البصائر غشاوة الغاشية (وإياكم ولحون أهل الكتابين) أي احذروا لحون اليهود والنصارى (وأهل الفسق) من المسلمين يخرجون القرآن عن موضعه بالتمطيط بحيث يزاد حرف أو ينقص حرف فإنه حرام إجماعا كما ذكره النووي في التبيان بدليل قوله (فإنه) أي الشأن (سيجئ بعدي قومي يرجعون) بالتشديد . أي يرددون (بالقرآن) ومنه ترجيع الأذان وهو تفاوت ضروب الحركات في الصوت وهو المراد بقوله (ترجيع الغناء) أي أهل الغناء (والرهبانية) يعني رهبانية النصارى (والنوح) أي أهل النوح (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الغلصمة وهي مجرى النفس (مفتونة قلوبهم) بنحو محبة الشبان والنساء (وقلوب من يعجبه شأنهم) فإن من أعجبه شأنهم فمآل مصيره منهم . وفي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأ في يوم الفتح - فتح مكة - سورة الفتح فرجع فيها . وقال العارف المرسي : دخل بعض الصحب على اليهود فسمعهم يقرأون التوراة فتخشعوا - أي بعض الصحب - فأنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * [ العنكبوت : 51 ] فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله ! فما الظن بمن أعرض عن كتابه وتخشع بالملاهي والغناء ؟ . اه . وعلم مما تقرر انه لا تلازم بين التلحين المذموم وتحسين الصوت المطلوب وأن التلحين المذموم والأنغام المنهي عنها هو إخراج الحروف عما يجوز له في الأداء كما يصرح به كلام جمهور الأئمة ومنهم الإمام أحمد ، فإنه سئل عنه في القرآن فمنعه فقيل له لم ؟ فقال ما اسمك ؟ قال محمد ، قال أيعجبك أن يقال لك يا محآمد ؟ تنبيه : قال ابن عربي : من لم يطربه سماع القرآن بغير ألحان فليس على شئ ، وقد كان أؤلئك الرجال لا يقولون بالسماع المقيد بالنغمات لعلو هممهم ويقولون بالسماع المطلق فإنه لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر ، والسماع المقيد إنما يؤثر في أصحاب النغم وهو السماع
[ 84 ]
الطبيعي ، فإذا ادعى مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب المحرك فيتأمل في أمره . وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم استدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن احساسه فقل له ما حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك ، فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما عرفتني فأسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل له هذا المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن احساسه ولا تصدر منه حركة أصلا ، هبة من الكبار والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه ، فإذا جاءه الوارد الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض ، فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم ، وما سمع من نبي قط انه تخبط عند نزول الوحي . ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن إحساسه ، وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه (طس هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم أه . قال الهيثمي فيه راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر . اه . ومثله في اللسان . 1340 - (اقرأوا القرآن) أي ما تيسر منه (فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) أي حفظه وتدبره وعمل بما فيه فمن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له . قال سهل : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي حب السنة ، وعلامة حبها حب الآخرة ، وعلامة حبها بغض الدنيا ، وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة (تمام) في فوائده (عن أبي أمامة) الباهلي
[ 85 ]
. 1341 - (اقرأوا القرآن وابتغوا به الله تعالى) على الكيفية التي يسهل على ألسنتكم النطق بها مع اختلافها فصاحة ولكنة ولثغة بلا تكلف ولا مشقة ولا مبالغة (من قبل أن يأتي قوم) أي قرون متتالية (يقيمونه إقامة القدح) بكسر القاف : السهم الذي يرمي به (يتعجلونه) أي يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيه ، ولفظ رواية أحمد يتعجلان أجره (ولا يتأجلونه) أي لا يريدون به الآجلة وهو جزاء الآخرة ، فمن أراد بها الدنيا فهو متعجل وإن ترسل في قراءته ، ومن أراد به الآخرة فهو متأجل ومن أسرع في قراءته بعد إعطاء الحروف حقها . ومن قال أن المراد يتعجلون العمل بالقرآن ولا يؤخرونه فكأنه لم يتأمل السوق ، إذ الخبر مسوق لذم أؤلئك الآتين ، وأما إرادة مدحهم فبعيد عن المقام ، وهذه معجزة لوقوع ما أخبر به (حم د عن جابر) بن عبد الله قال الديلمي وفي الباب سهل بن سعد وأنس . 1342 - (اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم) أي في أماكنكم التي تسكنوها : بيتا أو خلوة أو خباء أو غيرها (ولا تجعلوها قبورا) أي كالمقابر الخالية عن الذكر والقراءة ، بل اجعلوا لها نصيبا من الطاعة (ومن قرأ سورة البقرة) بكاملها أي في أي محل كان أو في بيته وهو ظاهر السياق ، لكن لعل المراد الإطلاق (توج بتاج) أي في القيامة أو في الجنة حقيقة أو توضع عليه علامة الرضا يوم فصل القضاء أو بعد دخولها . والتاج ما يصنع للملوك من ذهب وجوهر . قال الطيبي : ذكر التاج كناية عن الملك والسيادة كما يقال قعد فلان على السرير كناية عنه (هب عن الصلصال) بمهملتين بينهما لام : أبي الغضنفر (بن الدهلمس) بدال مهملة ثم لام ثم ميم مفتوحات ، قال الذهبي : صحابي له حديث عجيب المتن والإسناد . اه . وأشار به إلى هذا الحديث ثم أن فيه أيضا أحمد بن عبيد قال ابن عدي صدوق له مناكير . 1343 - (اقرأوا سورة هود يوم الجمعة) فإنها من أفضل سور القرآن فيناسب قراءتها في أفضل أيام الأسبوع . قال الغزالي عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من تدبرها (هب عن كعب) الأحبار (مرسلا) رمز المصنف لضعفه ولعله من قبيل الرجم بالغيب ، فقد قال الحافظ ابن حجر حديث مرسل وسنده صحيح هكذا جزم به في أماليه ، ثم قال وأخرجه ابن مردويه في التفسير من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم فكأنه ظن أن كعبا صحابي وليس كذلك ، بل كعب الأحبار . إلى هنا كلام ذلك الإمام . إذا قالت حذامي فصدقوها .
[ 86 ]
1344 - (اقرأوا على موتاكم) أي من شارفه الموت منكم ، إذ الميت لا يقرأ عليه (يس) ليسمعها فيجريها على قلبه لأن الإنسان حينئذ ضعيف القوى والأعضاء ساقط المنعة والقلب أقبل على الله بكليته فيقرأ عليه ما يزيده قوة ويشد تصديقه ويقوى يقينه : يس مشتملة على أحوال البعث والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمتهم وإثبات القدر وإن أفعال العباد مستندة إليه تعالى وإثبات التوحيد ونفي الضد والند وإمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور في العرصات والحساب والجزاء والمرجع والمال بعد الحساب وغير ذلك فبقراءتها يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتنبه على أمهات أصول الدين ويتذكر ما أشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة . واخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر فصحح أنها تقرأ عليه بعد موته ، والأولى الجمع . وتمام الحديث كما بينه الديلمي : ونزل مع كل آية ثمانون ملكا واستدل به بعض الحنفية على أن للمرء أن يجعل ثواب عمله لغيره قراءة وصلاة وصدقة وحجا ، قال : وخالف المعتزلة وبعض منا ، لأن الثواب هو الجنة وليس له جعلها لغيره ولآية * (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) * [ النجم : 39 ] قال ولنا ظاهر الحديث وتضحيته عليه الصلاة والسلام عن أمته وإخباره عن استغفار الملائكة للمؤمنين ، وأولت الآية بأنها نسخت بآية * (ألحقنا بهم ذريتهم) * [ الطور : 11 ] وأنها خاصة بقول إبراهيم وموسى ، أو المراد الكافر . قال ابن الهمام : وأولى من النسخ تقييده بما يهبه العامل ، أما أولا فلأنه لم يبطل بعد الإرادة وإما ثانيا فلأنها من قبيل الإخبار ولا نسخ فيها ، وما يتوهم من أنه أخبر في شرع أنه لا ثواب لغير عامل ثم جعله لمن بعدهم من أهل شرعنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا النسخ وجعل اللام بمعنى على بعيد . أه : قال بعضهم أعني الحنفية وكون الإنسان يجعل ما وعد به من الثواب لغيره جائز بلا مراء قال ولو دفع الحي أو وارث ميت شيئا من الدنيا لمن يجعل ذلك له ينبغي أن يصح ، وأما جعل ثواب فرضه لغيره فيحتاج إلى نقل (حم د ه) في الجنائز (حب ك عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين المزني قال النووي في الأذكار : إسناده ضعيف ، فيه مجهولان لكن ليضعفه أبو داود . وقال ابن حجر أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه ويسمى بالنهدي . ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ، وقال لا يصح في الباب حديث . اه ، (فائدة) قال ابن العربي : تتأكد قراءة يس . وإذا حضرت موت أحد فأقرأ عنده يس ، فقد مرضت وغشي على وعددت من الموتى فرأيت قوما كرش المطر يريدون أذيتي ، ورأيت شخصا جميلا طيب الرائحة شديدا دفعهم عني حتى قهرهم فقلت من أنت ! قال سورة يس فأفقت : فإذا بأبي عند رأسي وهو يبكي ويقرأ يس وقد ختمها . 1345 - (اقرأوا على من لقيتم من أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة كما هو بين (بعدي السلام الأول فالأول إلى يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر هذا طرف من حديث أخرجه البزار وابن منيع والحاكم وغيرهم . قال البعض يقال في الرد عليه وعليه الصلاة والسلام أو وعليه السلام لأنه رد سلام التحية
[ 87 ]
لا إنشاء السلام المقول فيه بكراهة إفراده (الشيرازي) أبو بكر (في الألقاب عن أبي سعيد) الخدري قال : جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ونحن ثلاثون رجلا فودعنا وسلم علينا ودعى لنا ووعظنا وقال اقرأوا - فذكره . 1346 - (اقرأني جبريل القرآن على حرف) أي لغة أو وجه من الإعراب (فراجعته) أي فقلت له إن ذلك تضييق قأقرأني إياه على حرفين (فلم أزل أستزيده) أي أطلب منه أن يطلب لي من الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفا ويسأل جبريل ربه ويزيده في الحروف (فيزيدني) حرفا حرفا (حتى انتهى إلى سبعة أحرف) أي سبعة أوجه أو لغات تجوز القراءة بكل منها وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه والإختلاف اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتنافر وتناقض . إذ هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى سبعة وذلك إما في الحركات من غير تغيير في المعنى والصورة نحو النحل أو بتغيير في المعنى فقط نحو * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * [ البقرة : 37 ] وأما في الحروف بتغيير في المعنى لا في الصورة أو عكسه وإما بتغييرهما وإما في التقديم والتأخير نحو * (فيقتلون ويقتلون) * [ التوبة : 111 ] أو في الزيادة والنقص نحو أوصى ووصى وفي المراد بالسبعة في هذا الحديث وما أشبهه نحو أربعين قولا قال البعض أقربها أن المراد سبعة لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة وقال الطيبي أصحها أن المراد كيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وهمز وتليين لأن العرب مختلفة اللغات فيسر عليهم ليقرأ كل بموافقة لغته (حم ق عن ابن عباس) . 1347 - (أقرب العمل) من القرب وهو مطالعة الشئ حسا أو معنى (إلى الله عزوجل) أي إلى عظيم رحمته وجزيل ثوابه (الجهاد في سبيل الله) أي قتال العدو لإعلاء كلمة الله وقد يراد الأصغر أيضا (ولا يقاربه شئ) لما فيه من الصبر على بذل الروح في رضى الرب : وأي شئ يضاهي ذلك أو يقاربه ؟ (تخ عن فضالة بن عبيد) الأنصاري . 1348 - (أقرب ما) مبتدأ حذف خبره لسد الحال مسده (يكون العبد من ربه وهو ساجد) أي أقرب ما يكون من رحمة ربه حاصل في كونه ساجدا كذا قرره بعضهم . وقال الطيبي : التركيب من الإسناد المجازي أسند القرب إلى الوقت وهو للعبد مبالغة والمفضل عليه محذوف تقديره أن للعبد حالتين في العبادة حالة كونه ساجدا وحالة كونه متلبسا بغير السجود فهو حالة سجوده أقرب إلى ربه
[ 88 ]
من نفسه في غير تلك الحالة (فأكثروا الدعاء) أي في السجود لأنها حالة غاية التذلل ، وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والإفتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار ، فالسجود لذلك مظنة الإجابة ، ومن ثم حث على الدعاء فيه بقوله فأكثروا إلخ . وفي تعميم الدعاء وعدم تخصيصه بنوع ولا غيره رد على من منعه في المكتوبة بغير قرآن كطاووس ، وجاء في رواية بدل قوله فأكثروا الدعاء واجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ، وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق ، والأمر بالإكثار من الدعاء في السجود ويشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في خبر الترمذي : ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله (تنبيه) قال ابن عربي : لما جعل الله الأرض لنا ذلولا نمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا تطؤها بها وذلك غاية الذلة فأمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا وهو الوجه وأن نمرغه عليها جبرا لانكسارها بوضع الذليل عليها الذي هو العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها وقد قال الله تعالى : (أنا عند المنكسرة قلوبهم) فلذلك كان العبد في تلك الحالة أقرب إلى الله تعالى من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها (م د ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . 1349 - (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر) قال الطيبي : يحتمل أن يكون قوله في جوف الليل حالا من الرب أي قائلا في جوف الليل من يدعوني فأستجب له سدت مسد الخير ، أو من العبد ، أي قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا على نحو قولك ضربي زيدا قائما ، ويحتمل أن يكون خبرا لأقرب ، وقوله الآخر : صفة لجوف على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف والقرب يحصل في جوف النصف الثاني ، فابتداؤه يكون من الثلث الأخير اه وقال هنا أقرب ما يكون الرب من العبد ، وفيما قبله أقرب ما يكون العبد من ربه : لأن قرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله) ينخرط في زمرة الذاكرين لله ويكون له مساهمة معهم (في تلك الساعة فكن) وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرا فكن إذ الأولى فيها صيغة عموم شاملة للأنبياء والأولياء فيكون داخلا فيهم (تنبيه) قال حجة الإسلام في الجواهر عمدة الطريق الملازمة والمخالفة ، فالملازمة لذكر الله والمخالفة لما يشغل عنه وهذا هو السفر إلى الله وليس في هذا السفر حركة من جانب المسافر ولا المسافر إليه ولا هما معا ، أما سمعت * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * [ ق : 116 ] بل الطالب والمطلوب كصورة حاضرة مع مرآة لكن لا تنجلي على المرآة لصدأ في وجهها ، فمتى صقلت تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إلى المرآة ولا بحركة المرآة إلى الصورة بل بزوال الحجاب ، فالله سبحانه متجل بذاته لا يخفى إذ يستحيل اختفاء النور وبالنور يظهر كل خفي * (الله نور السماوات والأرض) * [ النور : 35 ] وإنما خفي النور على الحدقة لكدورة في الحدقة أو لضعف فيها لا تطيق احتمال النور العظيم الباهر كما لا تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش فما عليك إلا أن تشفي عن قلبك كدورته وتقوي حدقته فإذا هو فيها كالصورة في المرآة
[ 89 ]
حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك الله بالقول الثابت فتعرف أن الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها ، وهيهات فإنه تعالى يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا أصح وأظهر وأقوم وأوضح ، وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة استدارتها واستقامة بسط وجهها ، ولذا قال في الخبر إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ، ومعرفة السلوك والوصول إليه بحر عميق (ت ن ك عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين . قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي . 1350 - (أقروا الطير على مكناتها) بفتح الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة : أي أقروها في أوكارها فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه ولا تتعرضوا لها ، فالمراد : أماكنها ، من قولهم : الناس على مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم ، أو جمع مكنة بضم الميم والكاف بمعنى التمكن : أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها ، كان أحدهم إذا سافر نفر طيرا ، فإن طار يمينا تفاءل وإن طار شمالا تشاءم ورجع (د) في العقيقة (ك) في الذبائح من حديث سباع بن ثابت (عن أم كرز) بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية ، قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر . 1351 - (أقسم الخوف) أي حلف . والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة (والرجاء) ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك (أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا) بتساو أو تفاوت (فيربح) بالفتح في القاموس راحت الريح الشئ تراحه أصابته (ريح النار) لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجا فجزاؤه النعيم الدائم والسعد القائم (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح ريح الجنة) حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل : الخوف والرجاء كالجناحين للسير إلى الله تعالى فلا يمكن السير إلا بهما . قال الغزالي : وإذا كان مدار العبودية على أمرين القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها وسائق يسوقها ، وإذا وقفت في مهواة ربما تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص ، فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا ، فالخوف سوطها وسائقها ، والرجاء شعيرها وقائدها ، فلذا يلزم العبد أن يشعر النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على الطاعة ، فعليك بالتزام هذين معا
[ 90 ]
يسهل عليك احتمال المشقة ، ولكن ينبغي غلبة الخوف على الرجاء في الصحة ليكثر العمل ، وفي المرض عكسه ، لأن الوفادة إلى ملك كريم ورب رؤوف رحيم (هب عن واثلة) بكسر المثلثة (بن الأسقع) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح القاف . وروى نحوه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ولفظهم : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك ؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب مؤمن في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف . 1352 - (اقضوا الله) حقه اللازم لكم من الفروض وغيرها (فالله أحق بالوفاء) له بالإيمان والطاعة وأداء الواجبات وللوفاء بهما عرض عريض ، فأول مراتبه الإتيان بكلمتي الشهادة وآخرها الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره ، وهذا التقدير لا يعكر عليه خصوص السبب الآتي لما عرف أن العبرة بعموم اللفظ . (خ عن ابن عباس) قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ ثم ذكره . 1353 - (أقطف القوم دابة أميرهم) أي هم يسيرون بسير دابته فيتبعونه كما يتبع الأمير ، أو المراد أن الأمير كثير الرفقة المقدم فيهم أن يقارب خطو دابته فيكون بين البطء والإسراع لئلا ينقطع الضعيف والعاجز في السير . في النهاية القطاف : تقارب الخطى في سرعة من القطف وهو القطع . وفي المصباح : قطف الدابة أعجل مسيره مع تفاوت الخطى ، وفيه تنبيه على الإرشاد إلى رفق التابع بالمتبوع ورعاية حاله في السير وغيره . (خط معاوية بن قرة) بضم القاف وشد الراء : ابن إياس - بكسر الهمزة وفتح التحتية مخففة - ابن هلال المزني البصري (مرسلا) كان عالما عاملا ، ولد يوم الجمل ومات سنة ثلاث عشرة ومائة . 1354 - (أقل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان درهم حلال وأخ) يعني صديق ، وفي رواية أو أخ (يوثق به) وقد وجد ذلك في هذا الزمان وقبله بعصور . قال الزمخشري : والصديق هو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك ، وهو أعز من بيض الأنوق . وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال اسم لا معنى له حيوان غير موجود ، وقال : بمن يثق الإنسان فيما ينوبه * * ومن أين للبحر الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلهم * * ذئابا على أجسادهن ثياب وقال الماوردي : قال الكندي : الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك . وقال بعضهم جربت
[ 91 ]
الإخوان فرأيت بعضهم كعقرب وبعضهم كحية وبعضهم كسبع وبعضهم كذئب وغيرها من أضاف القواتل ، فمن لادغ أي قاتل مع لين ملمسه كالحية ومن لاسع كعقرب ، ومن مراوغ كثعلب ، ومن مهارش ككلب ، ومن محتال كذئب ، ومن مختال كفهد ، ومن غبي كدب ، ومن شديد الغضب والبأس كأسد ، ومن بليد كحمار ، ومن حقود كجمل ، وما أمثل نفسي بينهم إلا كفرخ بلا ريش أو كطير بلا جناح وهم يتساقطون علي بالأذى كتساقط الذباب على العسل والكلاب على الجيفة . وما أحسن قول الطغرائي في لاميته عفي عنه : أعدي عدوك أدنى من وثقت به * * فحاذر الناس واصحبهم على دخل فإنما رجل الدنيا وواحدها * * من لا يعول في الدنيا على رجل إلى آخر ما قال ، ولله در الواسطي حيث يقول : دع الناس طرا واصرف الود عنهم * * إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح ولا تبغ من دهر تكاثف زيغه * * صفاء بنيه فالطباع جوامح وشيئآن معدومان في الأرض درهم * * حلال ، وخل في الحقيقة ناصح ولهذا قال هشام بن عبد الملك ما بقي علي شئ من لذات الدنيا إلا نلته إلا شيئا واحدا أخ أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه . أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجاء بن حيوة : من لا يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه ، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي : هذا لا يصح ، قال يحيى : يزيد بن سنان أحد رجاله غير ثقة ، وقال النسائي متروك الحديث . اه . ومن ثم رمز المصنف لضعفه . 1355 - (أقل أمتي أبناء السبعين) أي البالغين من أمتي هذا القدر من العمر هم أقلهم ، فإن معترك المنايا ما بين الستين والسبعين فمن جاوز السبعين كان من الأقلين . قال الحكيم : هذا من جملة رحمة الله على هذه الأمة وعطفه عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاذ الدنيا ، ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا ولا يتندسوا ، فإن القرون الماضية كانت أعمارهم وأجسادهم على الضعف منا ، كان أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثمانون باعا فيتناولون الدنيا بمثل هذه الصفة على مثل تلك الأجساد وفي مثل تلك الأعمار ، فأشروا وبطروا واستكبروا فصب الله عليهم سوط عذاب * (إن ربك لبالمرصاد) * [ الفجر : 14 ] (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن ربيعة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال لا يعرف ، وكامل أبو العلاء خرجه ابن حبان . 1356 - (أقل أمتي الذين يبلغون السبعين) كذا هو في النسخ المتداولة بتقديم السين . قال
[ 92 ]
الهيثمي ولعله التسعين بتقديم التاء (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن راشد السماك ، قال الذهبي في الضعفاء ، قال النسائي متروك . 1357 - (أقل الحيض ثلاث) بغير تاء لحذف المعدود (وأكثره عشرة) وبهذا قال سفيان الثوري ، قال الحراني : الحيض معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في البدن بمنزلة القول والعذرة في فضلة الطعام والشراب من الفرج (طب عن أبي أمامة) وفيه أحمد بن بشير الطيالسي ، قال في الميزان لينه الدارقطني والفضل بن غانم قال الذهبي قال يحيى ليس بشئ ومشاء غيره ، والعلاء بن الحارث قال البخاري منكر الحديث . 1358 - (أقل) وفي رواية أقلل ، أمر بالتقليل قل الشئ يقل قلة : إذا صار قليلا وأقله غيره يقله : إذا جعله قليلا (من الذنوب) ، أي من فعلها (يهن عليك الموت) فإن شدائد الموت قد تكون بكثرة الذنوب وأنت إذا أقللت منها استنار قلبك ودعيت إلى الخدمة وصلحت للمناجاة فتذوق لذة العبادة فتبلغ مرتبة القرب وتفاض عليك الخلع والكرامات فتصير بشخصك في الدنيا وقلبك في العقبى فتنظر البريد يوما فيوما حتى تمل الخلق وتستقذر الدنيا وتحن إلى الموت ، وفي التعبير بأقل إشارة إلى أن الترك وظيفة المعصوم ومن على قدمه ، ثم لا يعارض عموم هذا ما سيأتي لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ، الحديث . لعدم دلالته على عدم إتيانه مع قصد ترك القنوط (وأقل من الدين) بقرض أو غيره (تعش حرا) أي لا ولاء عليك لأحد وتنجو من رق صاحب الحق والتذلل له فإن له مقالا وتحكما ، أو حرا من الطبع في مواساة الناس بما يقضي عنك أو بما يشفع في إمهالك والطمع رق عاجل سيما إن كان في غير مطمع ، وعبر بالإقلال دون الترك لأنه لا يمكن غالبا التحرز عن الاستدانة بالكلية ، قال الراغب : والحرية ضربان الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو الحر بالحر ، والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره على الأمور الدنيوية وإلى العبودية التي تضاد ذلك ، ومن ثم قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق (هب) وكذا القضاعي (عن ابن عمر) ابن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلا وهو يقول أقل إلى آخره . وظاهر صنيعه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه . في إسناده ضعيف . اه . فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علته غير مرضي ، وإنما ضعفوا إسناده لأن فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه وقد ضعفهما الدارقطني وغيره . وقال ابن حبان يروي عن أبيه نسخة كلها موضوعة . اه . ومن ثم رمز المصنف لضعفه ، وأورده ابن الجوزي بلفظ : أقل من الدين تعش حرا ، وأقل من الذنوب يهن عليك الموت ، وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس وقال حديث لا يصح .
[ 93 ]
1359 - (أقل) ندبا وإرشادا (الخروج) أي من الخروج من محلك (بعد هدأة) بفتح فسكون (الرجل) بكسر فسكون : أي بعد سكون الناس عن المشي في الطريق ليلا ، والهدوء السكون (فإن لله تعالى دواب ينبثهن) أي يفرقهن وينشرهن (في الأرض تلك الساعة) أي بالليل فإذا خرجتم ، تلك الساعة فإما أن تؤذوهم أو يؤذوكم : أي يؤذي بعضكم بعضهم وبعضهم بعضكم ، فالأحوط الأسلم الكف عن الانتشار ساعتئذ . وعبر بقوله أقل دون لا تخرج إشارة إلى أن الخروج لما لابد منه مأذون فيه ، فالمأمور بالكف عنه ما عنه بد فحسب (ك) في الأدب (عن جابر) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود . 1360 - (أقل الدخول على الأغنياء) بالمال (فإنه) أي إقلال الدخول عليهم (أحرى) أي أجدر وأليق (أن لا تزدروا) وتحتقروا وتنتقصوا (نعم الله عز وجل) التي أنعم بها عليكم لأن الإنسان حسود غيور بالطبع ، فإذا نظر إلى ما من الله به على غيره حملته الغيرة والحسد والكفران والسخط وعبر بأقلوا دون لا تدخلوا لأنه قد تدعو إلى الدخول حاجة ولهذا قال ابن عون : صحبت الأغنياء فلم أر أحدا أكثرهما مني . أرى دابة خيرا من دابتي ، وثوبا خيرا من ثوبي ، وصحبت الفقراء فاسترحت . وفي الحديث ندب التقليل من الدنيا والاكتفاء بالقليل كما كان عليه السلف ، ومن مفاسد مخالطة الأغنياء الاستكثار من الدنيا والتشبه بهم في جمع الحطام والاشتغال بذلك عن عبادة الرب المالك (حم د ن عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين : ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور الحاكم وصححه وأقره الذهبي ، لكن جابر بن يزيد أحد رجاله ، قال أبو زرعة : لا أعرفه . 1361 - (أقلي) خطاب لعائشة ، والحكم عام (من المعاذير) أي لا تكثري من إبداء الأعذار لمن تعتذرين إليه لأنه قد يورث ريبة أو تهمة أو يجدد حادثا ، كما أن المعتذر إليه لا ينبغي أن يكثر من العتاب كما قيل : إلى كم يكون العتب في كل ساعة * * ولم لا تملين القطيعة والهجرا رويدك إن الدهر فيه كفاية * * لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا (فإن قلت) لم قال أقلي ولم يقل لا تعتذري (قلت) لما أن ترك الاعتذار بالكلية غير لائق لما فيه من الاستهانة بشأن الصديق وقلة المبالاة به ، ومن ثم قالت الحكماء : ترك الاعتذار دليل على قلة الاكتراث
[ 94 ]
بالصديق ، فأشار إلى أن الأولى التوسط بين حالتي تركه وفعله (فر عن عائشة) رمز المصنف لضعفه ، ووجهه أن فيه محمد بن عمار بن حفص قال الذهبي لينه البخاري وحارثة بن محمد تركوه . 1362 - (أقم الصلاة) عدل أركانها واحفظها عن وقوع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه ، وقامت السوق (وأد الزكاة) إلى مستحقيها (وصم رمضان) حيث لا عذر من مرض أو سفر (وحج البيت) الكعبة (واعتمر) أي ائت بالعمرة إن استطعت إلى ذلك سبيلا (وبر والديك) ، أي أحسن إليهما وأمك آكد (وصل رحمك) أي قرابتك وإن بعدت (وأقر (1) الضيف) الذي نزل بك (وأمر بالمعروف) أي بما عرف من الطاعة والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل (وانه عن المنكر) أي ما أنكره الشرع من المعاصي والفواحش (وزل مع الحق حيث زال) أي در معه كيفما دار . وفيه حجة لمن ذهب لوجوب العمرة (تخ ك) في البر والصلة (عن ابن عباس) ، قال الحاكم صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته وما درى أن الذهبي رد على الحاكم تصحيحه بأن فيه محمد بن سليمان بن مسمول ضعيف . 1363 - (أقيلوا) أيها الأئمة : من الإقالة ، وهي الترك (ذوي الهيئات) جمع هيئة . قال القاضي وهي في الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة فتصير بسببها مقول عليها أنها واحدة ثم أطلق على الخصلة فيقال لفلان هيئات أي خصال ، والمراد هنا أهل المروءة والخصال الحميدة التي تأتي عليهم الطباع وتجمع بهم الإنسانية والألفة أن يرضوا لأنفسهم بنسبة الفساد والشر إليها (عثراتهم) زلاتهم : أي ذنوبهم . وهل هي الصغائر أو أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع ؟ وجهان للشافعية وكلام ابن عبد السلام مصرح بترجيح الأول ، فإنه عبر بالصغائر ، ويقال لا يجوز تعزير الأولياء على الصغائر ، وزعم سقوط الولاية بها جهل قبيح ، ونازعه الأذرعي بما ليس بصحيح (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود ، إذا بلغت الإمام وإلا الحقوق البشرية فإن كلا منهما يقام فالمأمور بالعفو عنه هفوة أو زلة لا حد فيها وهي من حقوق الحق فلا يعزر عليها وإن رفعت إليه . نعم يندب لمن جاءه نادم أقر بموجب حد أن يأمره بستر نفسه ويشير إليه بالكتم كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكما لم يستفصل من قال : أصبت حدا فأقمه علي . قال البيضاوي : وقوله إلا الحدود إن أريد بالعثرات صغائر الذنوب وما يندر عنهم من الخطايا ، فالاستثناء منقطع ، أو الذنوب مطلقا وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل . وخرج بذوي الهيئات من عرف بالأذى والعناد بين العباد فلا يقال له عثار بل تضرم عليه النار (حم خدد) وكذا النسائي كلهم (عن عائشة) قال المنذري وفيه عبد الملك بن زيد العدوي ضعيف ، وقال (1) في المصباح قربت الضيف أقربه من باب رمى قرى بالكسر والقصر . اه .
[ 95 ]
ابن عدي : الحديث منكر بهذا الإسناد . قال أعني المنذري : وروي من أوجه أخر ليس منها شئ يثبت . وقال في المنار في إسناد أبي داود انقطاع وأطال في بيانه . والحاصل أنه ضعيف وله شواهد ترقيه إلى الحسن ، ومن زعم وضعه كالقزويني أفرط أو حسنه كالعلائي فرط . 1364 - (أقيلوا) أيها الحكام وأصحاب الحقوق ندبا (السخي) أي الكريم الذي لا يعرف الشر كما أشار إليه نص الشافعي رضي الله عنه (زلته) الواقعة منه على سبيل الندور (فإن الله آخذ بيده) أي ملاحظ له بالرحمة والعطف (كلما عثر) بعين مهملة ومثلثة ، زل يقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم . وفي إفهامه أن البخيل لا تقال عثرته وأن الظالم بوضع المنع موضع البر لا يأخذ الكريم بيده إذا عثر بل يرديه في النار * (وما للظالمين من أنصار) * [ البقرة : 270 ] (الخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف في ذلك (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي : ليث بن سليم مختلف فيه ورواه الطبراني وأبو نعيم من حديث ابن مسعود بنحوه بسند ضعيف رواه ابن الجوزي في الموضوع من طريق الدارقطني اه . وفي الميزان لا يصح في هذا شئ . 1365 - (أقيموا) وجوبا (حدود الله) أيها الحكام إذا بلغتكم وثبت مقتضيها لديكم (في البعيد والقريب) في القوي والضعيف ، وأبعد من قال البعد والقرب في النسب (ولا تأخذكم في الله لومة لائم) عطف على أقيموا تأكيدا للأمر ويجوز كونه خبرا بمعنى النهي سواء كان في الغزو أم غيره ويكفي العموم حجة ، ومن خص الغزو طولب بحجة فالواجب علينا أن نتصلب في دين الله ونستعمل الجد والمتانة فيه ولا يأخذنا اللين والهوان في دين الله في استيفاء حدوده بل نسوي بين البعيد والقريب والبغيض والحبيب ، وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حيث قال : لو سرقت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لقطعتها . قال ابن حجر كالقرطبي : يندب الستر على المسلم ما لم يبلغ الإمام (ه عن عبادة) ابن الصامت قال الذهبي : إسناده واه جدا ، وقال المنذري : رواته ثقات إلا أن ربيعة بن ماجد لم يروه عنه إلا أبو صادق . 1366 - (أقيموا الصفوف) أي سووها في الصلاة (وحاذوا بالمناكب) أي اجعلوا بعضها في محاذاة بعض بحيث يصير منكب كل من المصلين مسامتا لمنكب الآخر فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد (وأنصتوا) لقراءة إمامكم ندبا وإن كنتم لا تسمعون قراءته لكون الصلاة سرية أو جهرية وثم مانع كبعد أو لغط على ما يقتضيه هذا اللفظ ووجهه بقوله (فإن أجر المنصت الذي لا يسمع) قراءة الإمام (كأجر المنصت الذي يسمع) قراءته ، ولا أدري من أخذ بقضية هذا من المجتهدين ، فأما مذهب الشافعية فهو إن سمع المأموم قراءة إمامه أنصت له وإلا فلا ، (تنبيه) قال ابن
[ 96 ]
عربي : إنما شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر الإنسان بها وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة في ذلك الموطن المهول والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند الله ، وقد أمرنا الحق تعالى أن نصطف في الصلاة كما تصف الملائكة وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل صفها - لو اتفق أن يدخلها خلل : أعني ملائكة السماء - دخول الشياطين ، لأن السماء ليست بمحل لهم وإنما يتراصون لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض فتنزل متصلة إلى صفوف المصلين فتعمهم تلك الأنوار ، فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار (عب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) الفقيه العمري . قال ابن عجلان : ما هبت أحدا مثله ، وقال الأعرج لا يريني الله يومه (وعن عثمان بن عفان موقوفا) عليه . 1367 - (أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة) جاء بيانه في خبر كيف تصف الملائكة ؟ قال : يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون (وحاذوا) قابلوا (بين المناكب) أي اجعلوا منكب كل مسامتا لمنكب الآخر (وسدوا الخلل) بفتحتين : الفرج التي في الصفوف (ولينوا) بكسر فسكون من لان يلين لينا فهو لين . ومنه خبر : خياركم ألينكم مناكب ، فأفعل التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي (بأيدي إخوانكم) أي إذا جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لان وأوسع له ليدخل . ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد أبعد (ولا تذروا) لا تتركوا (فرجات) بالتنوين جمع فرجة ، وهي كل فرجة بين شيئين (للشيطان) إبليس أو أعم . وفيه إيماء إلى منع كل سبب يؤدي لدخوله كما أمر بوضع يده على فيه عند التثاؤب (ومن وصل صفا) بوقوفه فيه (وصله الله) برحمته ورفع درجته وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار (ومن قطع صفا) بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة (قطعه الله) أي أبعده من ثوابه ومزيد رحمته ، إذ الجزاء من جنس العمل ، فيسن انضمام المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كأنهم بنيان مرصوص (تنبيه) قال ابن حجر : قد ورد الأمر بتعديل الصف وسد خلله والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة أجمعها هذا الحديث (حم د طب عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه ابن خزيمة والحاكم . 1368 - (أقيموا الصفوف في الصلاة) عدلوها وسووها باعتدال القائمين بها : من أقام العود إذا
[ 97 ]
قومه . ذكره القاضي ، قال أبو زرعة : والأمر للندب بدليل قوله (فإن إقامة الصف من حسن) تمام إقامة (الصلاة) إذ لو كان فرضا لم يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشئ وتمامه أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها ، وثبت قوله تمام في رواية البخاري لأبي الوقت ، وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم . والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول (م عن أبي هريرة) ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ، وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره . 1369 - (أقيموا صفوفكم) سووها (فو الله لتقيمن) بضم الميم ، أصله لتقيمون (صفوفكم أو ليخالفن الله) أي ليوقعن الله المخالفة (بين قلوبكم) قال البيضاوي : اللام فيه التي يتلقى بها القسم ، وهنا القسم مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة ، وأو للعطف . ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب ، فإن تقدم الخارج عن الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف قلوبهم ، واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به في خبر سيجئ بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها ، وقال النووي : الظاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال : تغير وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اه : وقال الطيبي : الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف الكلمة وتهييج الفتن ، ولعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة اه . وتسوية الصفوف سنة مؤكدة ، وصرفه عن الوجوب الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ والتشديد تأكيدا أو تحريضا على فعلها ، وفيه جواز الحلف بالله لغير ضرورة (د عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية ، قال : فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه . 1370 - (أقيموا) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم المهملة المشددة : أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني) الفاء للسببية (أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفي ، بأن خلق الله له إدراكا من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن الابتدائية ، فمبدأ الرؤية من خلف . قال ابن حجر : وفيه إشارة إلى سبب الأمر : أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه . والقول بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب متعقب بالرد .
[ 98 ]
قال ابن حجر : وفي حديث النعمان عند مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر . قال القونوي : وفي الأحاديث إشعار بأن هذا الحال كان مخصوصا بالصلاة فإن لم يرد أن هذا الحال كان مستصحبا وذلك لأن حضرة الحق التامة والمحاذاة الكاملة المستلزمة لعموم نور الحق جميع جهاته في الصلاة وأذاعت المقابلة وصححت المحاذاة كمال اكتساب النور (خ ن عن أنس) بن مالك ، قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ثم ذكره ، وفي رواية للبخاري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه . 1371 - (أقيموا صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها (وتراصوا) بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل . قال ابن حجر : ويحتمل كونه تأكيدا لقوله أقيموا ، والمراد بأقيموا سووا (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وفي قبضته (إني لأرى) بلام الابتداء لتأكيد مضمون الجملة (الشياطين) أي جنسهم (بين صفوفكم) يتخللونها (كأنهم غنم عفر) أي بيض ليس بياضها بناصع ، قالوا : ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم الصف في الصلاة كصفوف الملائكة ، وفيه جواز القسم بما ذكر أو نحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى ويكون يمينا أطلق أو نوى الله . قال الشافعية ولو قال قصدت غيره لم يدين (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك . 1372 - (أقيموا الركوع والسجود) أي أكملوهما ، وفي رواية أتموا (فو الله إني لأراكم) بقوة إبصار أدرك بها ولا يلزم رؤيتنا ذلك وإنما خص نفسه بالذكر ولم يسنده للحق لبعثه شهيدا عليهم وحضا لهم على مقام الإحسان (من بعدي) وفي نسخ من بعد ظهري كما يفسره ما قبله : يعني بخلق حاسة باصرة فيه وقد انخرقت له العادة بأعظم من ذلك فلا مانع له من جهة العقل وقد ورد به الشرع فوجب قبوله ومن حمله على بعد موتي فقد خالف الظاهر (إذا ركعتم وإذا سجدتم) حث على الإقامة ومنع عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف على الرسول فكيف يخفى على من أرسله وكشف له وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة وحثهم على طاعته (ق عن أنس) بن مالك . 1373 - (أقيموا الصلاة) أخبر بأقيموا دون صلوا إشارة إلى أن المطلوب أن يكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم (وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا) إن استطعتم إلى ذلك سبيلا (واستقيموا) دوموا على تلك الطاعة واثبتوا على الإيمان (يستقم بكم) بالبناء للمفعول : أي
[ 99 ]
فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق ، وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى الله عن مجرى النظر (طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان استشهد به البخاري وضعفه آخرون . 1374 - (أكبر الكبائر الإشراك بالله) يعني الكفر . وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف (وقتل النفس) المحترمة بغير حق (وعقوق الوالدين) أو أحدهما بقطع صلتهما أو مخالفتهما في غير معصية ، قال ابن العربي : جعل بر الأصل ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق الله في حديث رضى الرب في رضى الوالد ، وناهيك بذلك (وشهادة الزور) أي الشهادة بالكذب يتوصل بها إلى باطل وإن قل ، وظاهر التركيب يقتضي حصر الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض الذي هو أكبر كما سبق . والكفر أكبر مطلقا ثم القتل والباقي على معنى من (خ عن أنس) بن مالك . 1375 - (أكبر الكبائر حب الدنيا) لأن حبها رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر ، فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة الآخرة فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما مملوءا . فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر ، قال الحسن البصري : ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة قليل الفطنة ، همه بطنه وفرجه ، فهو يقول في النهار متى يدخل الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم (فر عن ابن مسعود) رمز لضعفه ، ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده . 1376 - (أكبر الكبائر سوء الظن بالله) فهو أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) * [ فصلت : 23 ] والله تعالى عند ظن عبده به لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف عقابه ويخشى عذابه ، فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل بينهما ، فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت الخوف وقعت في طريق الأمن * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * [ الاعراف : 99 ] فطريق الاستقامة ممتد بينهما ، فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت ، فيجب أن تنظر إليهما جميعا وتركب منهما طريقا دقيقا وتسلكه . نسأل الله السلامة (واعلم) أن النفس إذا كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر مظلما وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك وهذا من سوء الظن بالله وصل
[ 100 ]
إلى حال اليأس من الرحمة ووقع في القنوط كفر (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ، رمز المصنف لضعفه ، وظاهر صنيعه أن الديلمي أسنده والأمر بخلافه بل بيض له ولم يذكر سندا وقال ابن حجر في الفتح خرجه ابن مردويه عن ابن عمر يرفعه بسند ضعيف . 1377 - (أكبر أمتي) أي من أعظمهم قدرا (الذين لم يعطوا فيبطروا) أي يطغوا عند النعمة (ولم يقتر) أي يضيق (عليهم) في الرزق (فيسألوا) الناس : يعني الذين ليسوا بأغنياء إلى الغاية ولا فقراء إلى الغاية وهم أهل الكفاف والمراد من أكبرهم أجرا لشكرهم على ما أعطوا وصبرهم على الكفاف (تخ والبغوي) أبو القاسم (وابن شاهين) الأنصاري كلاهما في الصحابة من طريق شريك بن أبي عز (عن الجذع) ويقال ابن الجزع (الأنصاري) قال أبو موسى لا أدري هو ثعلبة بن زيد أو آخر . قال ابن حجر قلت بل هو غيره . 1378 - (اكتحلوا بالإثمد) الحجر المعدني المعروف ، وقيل كحل أصبهاني أسود (المروح) بالبناء للمفعول : أي المطيب بنحو مسك كأنه جعل له رائحة بعد أن لم تكن (فإنه يجلو البصر) أي يزيد نور العين (وينبت الشعر) أي شعر الأهداب جمع هدب وإنبات شعرها مرمة للعين لأن الإشعار ستر الناظر ولولاها لم يقو الناظر على النظر ، فإنما يعمل ناظر العين من تحت الشعر فالكحل ينبته وهو مرمته ، وأما جلاء البصر فإنه يذهب بغشاوته وما يتحلب من الماق ومن فضول الدموع والبلة طبيعية ينشفه الإثمد ويمنع الغشاء والغين عن الحدقة . قال ابن محمود شارح أبي داود وتحصل سنة الإكتحال بتوليه بنفسه وفعل غيره بأمره ، وينشأ عنه جواز الوكالة في العبادة . اه . وأقول القياس الحصول ولو بلا أمر حيث قارنت نيته فعل غيره كما لو وضأه غيره بغير إذنه أولى (حم عن أبي النعمان الأنصاري) لم أره في أسد الغابة ولا في التجريد ، والذي فيهما أبو النعمان الأزدي ، وأبو النعمان غير منسوب . فليحرر . 1379 - (أكثر أهل الجنة البله) بضم فسكون : أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر وهم عقلاء ، قال الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول وقال : ولقد لهوت بطفلة ميالة * * * بلهاء تطلعني على أسرارها قال الزمخشري في صفة الصلحاء : هينون لينون غير أن لا هوادة في الحق ولا دهانة بله خلان غوصهم على الحقائق يعمر الألباب والأذهان وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف
[ 101 ]
فيها فأقبلوا على آخرتهم فشغلوا بها فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهلها . وقال الغزالي : الأبله البليد في أمور الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعا وهما علمان متنافيان . فمن صرف عنايته إلى أحدهما قصرت بصيرته عن الأخرى على الأكثر ولذلك ضرب علي كرم الله وجهه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما كفتا ميزان وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ، ولذلك ترى الأكياس في علم الدنيا وفي علم الطب والهندسة والحساب والفلسفة جهالا في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالا بعلوم الدنيا غالبا لعدم وفاء قوة العقل بهما فيكون أحدهما مانعا من الكمال ، في الثاني ، ولذلك قال الحسن أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم لقالوا شياطين ، فمهما سمعت أمرا غريبا من أمور الدين الذين جحده أهل الكياسة أو في سائر العلوم فلا ينفرنك جحودهم عن قبولها إذ من المحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب فكذا مجرى أمر الدنيا والآخرة ، فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن سخره الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس ، أما قلوب غيرهم فإذا اشتغلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وعكسه اه . (البزار) في مسنده (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أن البزار خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل ضعفه فعزوه له مع حذف ما عقبه به من تضعيفه غير سديد ووجه ضعفه ما قال الهيثمي إن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره . وقال الزين العراقي في هذا الحديث قد صححه الدارقطني في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي إنه منكر ، وسبقه له ابن الجوزي : حديث لا يصح وقال ابن عدي حديث منكر ، وقال الدارقطني تفرد به سلامة عن عقيل وهو ضعيف . 1380 - (أكثر خرز الدنيا) لفظ رواية أبي نعيم : أكثر خرز أهل الجنة ، وهو كذلك في نسخ (العقيق) بفتح العين المهملة وقافين أولهما مكسورة بينهما مثناة تحتية : أي هو أكثر حليهم الذين يحلون به ، ويحتمل أن المراد أنه أكثر خرزها الملقى في عرصاتها بمنزلة الحصى والرمال في الدنيا (حل) من حديث محمد بن الحسن بن قتيبة عن عبيد بن الغازي عن مسلم بن عبد الله الزاهد عن القاسم بن معين عن أخته أمينة عن عائشة بنت سعد (عن عائشة) أم المؤمنين هكذا رواه في نسخ ابن الحلية وفي بعضها بدل سالم مسلم بن ميمون الخواص الزاهد ، فأما مسلم بن عبد الله فقال في الميزان وهاه ابن حبان ، قال وله بلايا منها هذا الحديث وقال ابن الجوزي : هو كذاب وأما مسلم بن ميمون فعده الذهبي من الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن حبان بطل الاحتجاج به ، وقال أبو حاتم لا يكتب حديثه وقال غيره له مناكير ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السخاوي طرق العقيق كلها ضعيفة واهية . 1381 - (أكثر خطايا ابن آدم من) وفي رواية في (لسانه) لأنه أكثر أعضائه عملا وهو صغير جرمه عظيم جرمه ، فمن أطلق عذبة لسانه مرخى العنان ملك به الشيطان في كل ميدان
[ 102 ]
وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع (طب هب) من حديث أبي وائل (عن ابن مسعود) قال ارتقى ابن مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم . ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . فذكره . قال المنذري رواة الطبراني رواة الصحيح وإسناد البيهقي حسن وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده حسن وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لضعفه . 1382 - (أكثر عذاب القبر من) وفي رواية في (البول) أي من عدم التنزه منه لأن عدم التنزه منه يفسد الصلاة وهي عماد الدين وأفضل الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد ، فعذاب القبر حق عند أهل السنة وهو ما نقل متواترا فيجب اعتقاده ويكفر منكره . وقال الولي العراقي : وإنما كان أكثر عذاب القبر منه دون غيره من النجاسات لأن وقوع التقصير فيه أكثر لتكرره في اليوم والليلة ، ويحتمل أن يقال نبه بالبول على ما سواه فجميع النجاسات في معناه . اه . وفيه وجوب إزالة النجاسة لأن الوعيد لا يكون إلا على الواجب بل على كبيرة (حم ه ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال الضياء المقدسي سنده حسن . قال مغلطاي : وما علم أن الترمذي سأل عنه البخاري فقال حديث صحيح اه . وقال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة . قال المنذري وهو كما قال وأقره الذهبي . 1383 - (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل) أي الافتتان برجل زائغ (يتأول القرآن) أي شيئا من أحكامه أو غيرهما بتأويل باطل بحيث (يضعه على غير مواضعه) كتأويل الرافضة * (مرج البحرين يلتقيان) * [ الرحمن : 22 ] أنهما علي وفاطمة * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * [ الرحمن : 22 ] الحسن والحسين ، وكتأويل بعض المتصوفة * (من ذاالذي يشفع عنده) * [ البقرة : 255 ] أن المراد من ذل ذي يعني النفس ، وتأويل المبتدعة مسطورة مشهورة فليراجعه من أراد (ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره) يعني الخلافة ، وهناك من هو مستجمع لشروطها وليس بمستجمع لها فإن فتنته شديدة لما يسفك بسببه من الدماء وينهب من الأموال ويستباح من الفروج والمحارم (طس عن عمر) بن الخطاب ، وكلامه يوهم أنه غير معلول وليس بمقبول ، فقد أعله الهيثمي بأن فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو متروك . 1384 - (أكثر منافقي أمتي قراؤها) أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه ، فكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة . ذكره ابن الأثير . وقال الزمخشري : أراد بالنفاق الرياء لأن كلا منهما إرادة ما في الظاهر
[ 103 ]
خلاف ما في الباطن . اه . وبسطه بعضهم فقال : أراد نفاق العمل لا الاعتقاد ، ولأن المنافق أظهر الإيمان بالله لله وأضمر عصمة دمه وماله . والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا ، والقارئ أظهر أنه يريد الله وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب ويرى نفسه أهلا له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن والظاهر (تنبيه) قال الغزالي : أحذر من خصال القراء الأربعة : الأمل والعجلة والكبر والحسد قال وهي علل تعتري سائر الناس عموما والقراء خصوصا . ترى القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير فيقطع عنه ، وتراه يحسد نظراءه على ما أتاهم الله من فضله فربما يبلغ به مبلغا يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي : ما أخاف على ذمي إلا القراء والعلماء ، فاستنكروا منه ذلك ، فقال ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي . وقال عطاء : احذروا القراء واحذروني معهم ، فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول أنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر . وقال الفضيل لابنه : اشتروا دارا بعيدة عن القراء ، مالي والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني ، وإن ظهرت علي حسنة حسدوني ؟ ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبسا وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما جاءه من الله منشور بالجنة والبراءة من النار ، أو كأنه استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس ثم مع ذلك يلبس لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر (حم طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال في الميزان إسناده صالح (حم طب عن عقبة بن عامر طب عد عن عصمة بن مالك) قال الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة ، وقال الهيثمي أحد أسانيد أحمد ثقات سند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف . 1385 - (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) وفي رواية بالنفس وفسر بالعين ، وذلك لأن هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم بالشهوات فعوقبوا بآفة العين ، فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة كانت عينه أعظم والذم له ألزم * (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * [ آل عمران : 73 ] فلما فضلهم الله باليقين لم يرض منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة الله عليهم وتفضيله لهم . ذكره الحكيم (الطيالسي) أبو داود (تخ والحكيم) الترمذي (والبزار) في مسنده والضياء في المختارة كلهم عن جابر بن عبد الله قال الحافظ في الفتح سنده حسن وتبعه السخاوي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للبزار رجاله رجال الصحيح خلا طلب ابن حبيب ابن عمرو وهو ثقة . 1386 - (أكثر الناس ذنوبا) وفي رواية أكثرهم خطايا (يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف الحقائق (أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه) أي شغله بما لا يعود عليه نفع أخروي ، لأن من كثر
[ 104 ]
كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ : وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي مات رجل فقيل له أبشر بالجنة ، فقال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يخل بما يعنيه ، والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض العينية . وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض والمصائب (ابن لال) أبو بكر (وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه (السجزي في) كتابه (الإبانة) عن أصول الديانة (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (عن سلمان) الفارسي الأسلمي عظيم الشأن من أهل بيعة الرضوان (موقوفا) عليه ، رمز المصنف لضعفه وفيه كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى ، وذلك يرقيه إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث هذا الكتاب أوهى إسنادا من هذا بمراحل لاعتضاده بما دون ذلك ، الثاني أن له طريقا جيدة أغفلها ، فلو ذكرها واقتصر عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب ، وهي ما رواه الطبراني بلفظ : أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل . اه . قال الهيثمي ورجاله ثقات . اه والخلف لفظي بين الحديثين عند التدقيق . فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي الفطن . 1387 - (أكثر من أكلة كل يوم سرف) تمامه عند مخرجه البيهقي : والله لا يحب المسرفين . اه . وذلك لأن الأكلة فيه كافية لما دون الشبع ، وذلك أحسن لاعتدال البدن وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة . ومن علامات الساعة ظهور السمن في الرجال ، وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه ، وما دخلت الحكمة معدة ملئت طعاما والمؤمن يأكل في إمعاء واحد والكافر في سبعة . وقال الحسن البصري : وددت أني أكلت أكلة من حلال فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاثمائة سنة . وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم الحكمين : أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطينا (تنبيه) قال ابن العربي : للجوع حال ومقام ، فحاله الخشوع والخضوع والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الرديئة . هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة الإلهية والسلطان الرباني ، ومقامه المقام الصمداني ، وهو مقام عال له أسرار وتجليات ، فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط . والجوع يورث معرفة الشيطان . اه . (هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة .
[ 105 ]
1388 - (أكثرت عليكم) في استعمال (السواك) أي في شأنه وأمره وبالغت في تكرير طلبه منكم . وحقيق أن أفعل ، أو في إيراد الأخبار بالترغيب فيه وحقيق أن تطيعوا ، أو أطلت الكلام فيه وحق له ذلك لكثرة فوائده وجموم فضائله ، فمنها كما في الرونق : أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق ويذكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ بالشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت وغير ذلك ، قالوا والحث عليه بتناول الفعل عند كل الصلوات والجمعة أولاها لأنه يوم ازدحام فشرع فيه تنظيف الفم تطيبا للنكهة الذي هو أقرب من الغسل (تنبيه) : حكى الكرماني أنه روي بصيغة المجهول . قال الطيبي : وفائدة هذه الاخبار مع كونهم عالمين إظهار الاهتمام بشأنه وتوخي ملازمتهم إياه لكونه مطهرة للفم مرضاة للرب (خ ن عن أنس) بن مالك . 1389 - (أكثر أن تقول سبحان الملك القدوس) المنزه عن سمات النقص وصفات الحدوث (رب الملائكة والروح) عطف خاص على عام وهو جبريل أو ملك أعظم خلقا أو حاجب الله الذي يقوم بين يديه أو ملك له سبعون ألف وجه ولكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله بها يخلق مع كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة أخرجه ابن جرير عن علي بسند ضعيف (جللت) أي عممت وطبقت (السماوات والأرض بالعزة) أي بالقوة والغلبة (والجبروت) فعلوت من الجبر وهو القهر ، وهذا الحديث قد بوب عليه في الأذكار : باب ما يقوله من بلي بالوحشة (ابن السني والخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف فيها (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن البراء) بن عازب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو إليه الوحشة فقال أكثر إلخ ، فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة ، ورواه عنه أبو الشيخ في الثواب . 1390 - (أكثر من الدعاء فإنه يرد القضاء المبرم) أي المحكم : يعني بالنسبة لما في لوح المحو والإثبات أو لما في صحف الملائكة لا للعلم الأزلي فإنه لا زيادة فيه ولا نقص . قال القاضي : والقضاء هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص ، والقدر تعلق تلك الأشياء بالإرادة في أوقاتها . اه . وإبرام الشئ إحكامه . قال في الصحاح : أبرم الشئ أحكمه قال الزمخشري : ومن المجاز أبرم الأمر وأمر مبرم (أبو الشيخ في الثواب عن أنس) وفيه عبد الله بن عبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء . وقال قال ابن معين ليس بشئ ورقم علامة الشيخين ولقد أبعد المصنف النجعة حيث
[ 106 ]
عزاه لأبي الشيخ مع وجود لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس المذكور . 1391 - (أكثر من السجود) أي من تعدده بالإكثار من الركعات أو من إطالته ، والأول هو الملائم لقوله (فإنه) أي الشأن (وليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة) صحيحة (إلا رفعه الله بها درجة في الجنة) التي هي دار الثواب (وحط عنه بها خطيئة) أي محا عنه بها ذنبا من ذنوبه فلا يعاقبه عليه ولا بدع في كون الشئ الواحد يكون رافعا ومكفرا كما سبق ويجئ (ابن سعد) في الطبقات (حم) كلاهما (عن أبي فاطمة) 1392 - (أكثر) يا عباس (الدعاء بالعافية) أي بدوامها واستمرارها عليك فإن من كملت له العافية علق قلبه بملاحظة مولاه وعوفي من التعلق بسواه . قال الديلمي ، وهذا قاله لعمه حين قال يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله (ك عن ابن عباس) قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه : يا عم أكثر إلخ ورواه عنه الطبراني باللفظ المزبور . قال الهيثمي وفيه عند هلال بن جناب وهو ثقة وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات . 1393 - (أكثر الصلاة) النافلة التي لا تشرع لها جماعة (في بيتك) أي في محل سكنك بيتا أو غيره (يكثر خير بيتك) لعود بركتها عليك (وسلم على من لقيت من أمتي) أمتي الإجابة (تكثر حسناتك) بقدر إكثارك السلام على من لقيته منهم عرفته أم لم تعرفه ، فالسلام سنة مؤكدة محثوث عليها (هب عن ابن عباس) الذي وقفت عليه في الشعب إنما هو عن أنس ، ثم إن فيه محمد بن يعقوب الذي أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير وعلي بن الجند قال في الذيل قال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم خبره موضوع وفي اللسان كأصله نحوه وعمرو بن دينار متفق على ضعفه . 1394 - (أكثر من) قول (لا حول) أي تحويل للعبد عن معصية الله (ولا قوة) على طاعته (إلا بالله) أي إلا بأقداره وتوقيفه (فإنها) أي الحوقلة (من كنز الجنة) يعني لقائلها ثواب نفيس مدخر في الجنة فهو كالكنز في كونه نفيسا مدخرا لاحتوائها على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة عنه وأثبت لله وحده على سبيل الحصر لم يخرج عن ملكه وملكوته (ع طب عن أبي أيوب) الأنصاري .
[ 107 ]
1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك) من السلو وهو الترك بلا ندامة . وفي تذكرة القرطبي قيل يا رسول الله ، هل يحشر مع الشهداء أحد ؟ قال : نعم . من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة . وقال السدي في قوله تعالى : * (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * [ الملك : 2 ] أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا (عما سواه لأن من يذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاءه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة . قال الراغب : والذكر وجود الشئ في القلب أو في اللسان : وذلك أن الشئ له أربع وجودات : وجوده في ذاته ووجوده في قلب الإنسان ووجوده في لفظه ووجوده في كتابته ، فوجوده في ذاته سبب لوجوده في القلب ووجوده في القلب سبب لوجوده في اللسان ولوجوده في الكتابة . وقد يقال للوجودين أي الوجود في القلب والوجود في اللسان الذكر ولا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن عن ذكر في القلب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلا) ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعليا فهو تابعي . 1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع أما بمهملة فمعناه مزيل الشئ من أصله (اللذات الموت) بجره عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني ، قال الطيبي : شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه أزجر للمعصية وأدعى للطاعة (ت ن ه ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل) ، عن عمر بن الخطاب . 1397 - (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا) يعني المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ فرحا وسرورا وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع لشرف المعلوم وشرف الشئ بسبب الحاجة إليه ، وليست حاجة الأرواح
[ 108 ]
بشئ أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به (تنبيه) قال في الأذكار لا إله إلا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول إلا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمرهم بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال على ذكر الله وإكثاره ، وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل لا كراهة فيه (1) ذكره في فتاويه الحديثية قال وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها (حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه على كونه حسنا وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات . 1398 - (أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصا يعني أكثروا ذكره وإن رموكم بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئا والله مع الصابرين الذاكرين (ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة وسكون الواو ابن عبد الله الربعي بفتح الراء المشددة والموحدة تابعي كبير . 1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال الغزالي : أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من الأمل والدنيا (إلا قلله) أي صيره قليلا (ولا في قليل) من العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلا عظيما كثيرا فإن العبد إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها أجلا وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى آخره مع قوله تعالى : * (كل نفس ذائقة الموت) * [ آل عمران : 185 ] ما يكف السامع له ويشف الناظر فيه ومن ثم قال معبد الجهيني نعم مصلحة القلب ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني ويهون المصائب ويحول (1) هذا مردود بقوله (ص) (جنبو مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشرائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم) (الحديث . (*)
[ 109 ]
بين القلب والطغيان وقال الحكماء من ذكر المنية نسي الأمنية وقال الحافظ وجد مكتوبا على حجر لو رأيت يسير ما بقي من عمرك لزهدت في ما ترجو من أملك ولرغبت في الزيادة من عملك وأقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وتبرأ منك القريب وانصرف عنك الحبيب وقال التميمي : شيئان قطعا عني لذة النوم ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل وكان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقراء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة وكان النووي إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياما فإن سئل عن شئ قال لا أدري لا أدري وذكر عند المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل فأثنى عليه فقال كيف ذكره للموت فلم يذكر ذلك منه فقال ما هو كما تقولون وقال اللفاف : من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته فيا للموت من وعد ما أصدقه ومن حاكم ما أعدله فكفى بالموت مفرحا للقلوب ومبكيا للعيون ومفرقا للجماعة وهاذما للذات وقاطعا للأمنيات (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال : مر النبي صلى الله وسلم بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون فذكره رمز المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال ابن الجوزي حديث لا يثبت . 1400 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع وبمهملة مزيل وليس مرادا هنا كذا في روض السهيلي ، قال ابن حجر وفي ذا النفي نظر (اللذات) الموت (فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه) قال العسكري : لو فكر البلغاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لعلموا أنه أتى بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووصف به نظما ونثرا ولهذا كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الموت يقطر جلده دما قيل ولا يدخل ذكر الموت بيتا إلا رضي أهله بما قسم لهم وقال أبو نواس . ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا * * أما والله ما ماتوا لتبقى وقال أبو حمزة الخراساني من أكثر ذكر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان ، وقال القرطبي : ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين ضيق وسعة ونعمة ومحنة فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها . وقال الغزالي : الموت خطر هائل وخطب عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل مشغول بالشهوات فلا ينجع ذكره فيه فالطريق أن يفرغ قلبه عن كل شئ إلا ذكر الموت الذي هو بين يديه كمن يريد السفر فإذا باشر ذكر الموت قلبه أثر فيه فيقل حركته وفرحه بالدنيا وينكسر قلبه وأنفع طريق فيه
[ 110 ]
أن يذكر أشكاله فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في أحوالهم ومناصبهم التي كانوا عليها في الدنيا ويتأمل كيف محى التراب حسن صورهم وتبددت أجزاؤهم في قبورهم ويتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وخلت مجالسهم وانقطعت آثارهم (حب هب عن أبي هريرة) قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس وهم يضحكون فذكره وفيه عبد العزيز بن مسلم أي المدني أورده الدارقطني والذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال لا يعرف ومحمد بن عمرو بن علقمة ساقه فيهم أيضا وقال : قال الجرجاني غير قوي وقواه غيره (البزار عن أنس) قال الهيثمي كالمنذري وإسناده حسن انتهى وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لصحته . 1401 - (أكثروا ذكر الموت فإنه) أي ذكره (يمحص الذنوب) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم) وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته فزهد في أمنيته ورضي بأدنى عيشته . (تنبيه) قد أخذ بعض الشعراء هذا الحديث فقال : ماذا تقول وليس عندك حجة * * لو قد أتاك منغص اللذات ماذا تقول إذا حللت محلة * * ليس الثقات من أهلها بثقات وقال آخر : اذكر الموت هاذم اللذات * * وتجهز لمصرع سوف يأتي (ابن أبي الدنيا) في ذكر الموت (عن أنس) قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف جدا وفي الباب عن أبي سعيد عند العسكري وغيره قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوجد الناس يكثرون فذكره . 1402 - (أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر) أي ليلة الجمعة ويومها قدم الليلة على اليوم لسبقها في الوجود ووصفها بالغراء لكثرة الملائكة فيها وهم أنوار لخصوصيتها بتجل خاص واليوم بالأزهر لأنه أفضل أيام الأسبوع هذا قصارى ما قيل في توجيهه وأقول إنما سمي أزهر لأنه يضئ لأهله لأجل أن يمشوا في ضوئه يوم القيامة يرشد إلى ذلك ما قال الحاكم عن أبي موسى مرفوعا إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيأتها وتبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها يحفون بها كالعروس تهدى
[ 111 ]
إلى كريمها تضئ لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجبا حتى يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون قال الحاكم خبر شاذ صحيح السند وأقره الذهبي (فإن حلاتكم تعرض علي) وكفى بالعبد شرفا ونبلا وفخرا ورقعة وقدرا أن يذكر اسمه بالخير بين يديه صلى الله عليه وسلم وتتمته كما في شرح مسند الشافعي للرافعي وغيره قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت ؟ فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أي لأن أجسادهم نور والنور لا يتغير بل ينتقل من حالة إلى حالة (هب عن أبي هريرة عد عن أنس) بن مالك (ص) في سننه (عن الحسن) البصري (وخالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف (مرسلا) فقيه كبير ثبت مهاب مخلص يسبح في اليوم والليلة أربعين ألف تسبيحة ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال الحاقظ العراقي وفيه عبد المنعم بن بشير ضعفه ابني معين وحبان وقال إبن حجر : متفق على ضعفه . 1403 - (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها) وذكر أبو طالب أن أقل الأكثرية ثلاثمائة مرة والوارد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ألفاظ كثيرة أشهرها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (ه عن أبي الدرداء) تتمته قلت وبعد الموت قال وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال الدميري رجاله ثقات . 1404 - (أكثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي) والمراد أمة الإجابة (تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة) فإن قلت هذا العرض مقيد بكل جمعة وما سبق مطلق فكيف الجمع قلنا إما أن يحمل المطلق على المقيد إن صحت الطرق أو يقال العرض يوم الجمعة على وجه خاص وقبول خاص لأنه أفضل الأيام بالنسبة لأيام الأسبوع (هب) من حديث مكحول (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المهذب بأن مكحولا لم يلق أبا أمامة فهو منقطع . 1405 - (أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا) أي بأعماله التي منها الصلاة باستحقاق رفعة درجته وعلو منزلته (أو شافعا) شفاعة خاصة اعتناءا به (يوم
[ 112 ]
القيامة) ووجه مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها أن يوم الجمعة سيد الأيام والمصطفى سيد الأنام ، فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير تناله أمة في الدارين فإنما هو بواسطته وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة وهي بعثهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة وكما أن لهم عيد في الدنيا فكذا في الآخرة فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم الحق تعالى فيه وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه (هب عن أنس) رمز المصننف لحسنه وليس كما قال فقد قال الذهبي : الأحاديث في هذا الباب عن أنس طرقها ضعيفة وفي هذا السند بخصوصه درست بن زياد وهاه أبو زرعة وغيره ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك . 1406 - (أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم) أي هي سبب لمغفرتها وعدم المؤاخذة بجرائمها (واطلبوا لي الدرجة الوسيلة فإن وسيلتي عند ربي شفاعتي) وفي نسخ شفاعته فليحرر . (لكم) أي لأهل النار من عصاة المؤمنين بمنع العذاب أو منع دوامه ولأهل الجنة برفع الدرجات وإجزال المثوبات (ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنهما . 1407 - (أكثروا من الصلاة على موسى) كليم الله ، وعلل ذلك بقوله (فما رأيت) أي علمت (أحدا من الأنبياء أحوط على أمتي) أي أكثر ذبا (منه) عنهم وأجلب لمصالحهم وأشفق عليهم وقد اهتم شأن هذه الأمة وأمر ليلة الإسراء لما فرض الله الصلاة عليهم خمسين بمراجعته المرة بعد المرة حتى صارت خمسا قال الفخر الرازي السبب في هذه الصلاة أن روح الإنسان ضعيفة لا تستعد لقبول الأنوار الإلهية فإذا استحكمت العلاقة بين روحه وأرواح الأنبياء فالأنوار الفائضة من عالم الغيب على أرواح الأنبياء تنعكس على أرواح المصلين عليهم بسبب إنعكاس مثال الشمس والطست المملوء ماء (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك . 1408 - (أكثروا في الجنازة قول ، لا إله إلا الله) أي أكثروا حال تشييعكم للموتى من قولها سرا فإن بركة كلمة الشهادة تعود على الميت والمشيعين وهذا بظاهره يعارضه ما ذكره الشافعية من أفضلية السكوت والتفكير في شأن الموت وأهوال الآخرة (فر عن أنس) بن مالك بسند فيه مقال .
[ 113 ]
1409 - (أكثروا من قول القرينتين) وهما (سبحان الله وبحمده) فإنهما يحطان الخطايا ويرفعان الدرجات كما يجئ في خبر والقرين الذي لا يفارق (ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه جماعة من رجال الشيعة كلهم متكلم فيهم . 1410 - (أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله) أي أكثروا النطق بها على مطابقة القلب (قبل أن يحال بينكم وبينها) بالموت فلا تسطيعون الإتيان بها وما للعمر إذا ذهب مسترجع ولا للوقت إذا ضاع مستدرك (ولقنوها موتاكم) أي لا إله إلا الله فقط يعني من حضره الموت فيندب تلقينه لا إله إلا الله ولا يلقن محمد رسول الله خلافا لجمع ويلقن كلمة الشهادة مرة فقط بلا إلحاح ولا يقال له قل بل يذكرها عنده (ع عد) وكذا الخطيب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وتقدمه الحافظ العراقي مبينا لعلته فقال فيه موسى بن وردان مختلف فيه انتهى . ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي أما طريق أبي يعلى فقد قال الحافظ الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير ضمام بن إسماعيل وهو ثقة انتهى وبذلك يعرف أن إطلاق رمز المصنف لضعفه غير جيد . 1411 - (أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة) أي ثوابها نفيس مدخر في الجنة كما يدخر الكنز ويحفظ في الدنيا قال الأكمل إنما طريقه التشبيه شبه أنفس ثواب مدخر في الجنة بأنفس مال مدخر تحت الأرض في أن كل واحد منهما معد للانتفاع به بأبلغ انتفاع (عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف . 1412 - (أكثروا من تلاوة القرآن في بيوتكم) أي أماكنكم التي تسكنوها بيتا أو غيره (فإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره ويكثر شره ويضيق على أهله) أي يضيق رزقه عليهم لأن البركة والنماء وزيادة الخير تابعة لكتاب الله فحيثما كان كانت وذلك بين العارفين كالمحسوس (خط في الأفراد عن أنس) ابن مالك (وجابر) ابن عبد الله ، ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن يزيع وضعفه فرمز لحسنه غير حسن .
[ 114 ]
1413 - (أكثروا من غرس الجنة فإنه عذب ماؤها طيب ترابها) بل هو أطيب الطيب إذ هو المسك والزعفران (فأكثروا من غراسها) وهو قول (لا حول ولا قوة) أي لا حركة ولا حيلة (إلا بالله) أي إلا بمشيئته وأقداره وتمكينه (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي وفيه عقبة بن علي وهو ضعيف . 1414 - (أكذب الناس) أي من أكثرهم كذبا (الصباغون والصواغون) صباغوا الثياب وصاغة الحلي لأنهم يمطلون بالمواعيد الكاذبة أو الذين يصبغون الكلام ويصوغونه أي يغيرونه ويزينونه بلا أصل وإرادة الحقيقة أقرب (حم عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في المهذب فيه فرقد السنجي وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي وقال الدارقطني وغيره ضعيف انتهى . وقال السخاوي : سنده مضطرب ولهذا أورده ابن الجوزي في العلل وقال لا يصح وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه من هذا الوجه . 1415 - (أكرم المجالس) أي أشرفها (ما استقبل به القبلة) فيسن استقبالها في الجلوس للعبادات سيما الدعاء وأخذ منه النووي وغيره أن يسن للمدرس ونحوه أن يستقبل عند التدريس القبلة إن أمكن قال الواحدي : القبلة الوجهة وهي الفعلة من المقابلة وأصل القبلة لغة الحال التي يقابل الشخص غيره عليها لكنها الان صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة وقال الهروي سميت قبلة لان المصلي يقابلها وتقابله (طس عد ، عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري ورواه عنه أيضا أبو يعلى قال السمهودي : وفي إسناد كل منهما متروك انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه . 1416 - (أكرم الناس) عند الله (أتقاهم) لأن أصل الكرم كثرة الخير ، فلما كان المتقي كثير الخير والفائدة في الدنيا وله الدرجات العليا في الآخرى كان أعم الناس كرما فهو أتقاهم فلا عبرة حقيرة أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا (خ عن أبي هريرة) قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس ؟ قال أتقاهم وظاهر إفراد المصنف للبخاري بالعزو تفرد به عن صاحبه وهو عجيب فقد خرجه مسلم في المناقب عن أبي هريرة المذكور باللفظ المسطور ولفظه قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف : نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الإسلام إذا فقهوا .
[ 115 ]
1417 - (أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) أي أكرمهم أصلا يوسف فإنه جمع شرف النبوة وشرف النسب وكونه ابن ثلاثة أنبياء متناسقة فهو رابع نبي في نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره وضم له أشرف علم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرغبة وشفقته عليهم وقد يوجد في المفضول مزايا لا توجد في الفاضل فلا ينافي كون غيره أكرم على ربه منه وقول القاضي المراد أكرم الناس الذين هم أهل زمانه غير سديد لأن ما أطبقوا عليه منه التوجيه المذكور أعني قولهم لأنه جمع إلى آخره لا يلائمه (ق عن أبي هريرة ، طب عن ابن مسعود) قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس . فذكره قال الهيثمي وفيه عنده بقية مدلس وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورواه الطبراني عن أبي الأحوص وزاد بعد إسحاق ذبيح الله وبعد إبراهيم خليل الله . 1418 - (أكرم شعرك) بصونه من نحو وسخ وقذر وإزالة ما اجتمع فيه من نحو قمل (وأحسن إليه) بترجيله ودهنه افعل ذلك عند الحاجة أو غبا ، ومن إكرامه دفن ما انفصل منه قال في الفردوس كان لأبي قتادة جمة خشنة جعدة فكان يدهن في اليوم مرتين (ن عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع . 1419 - (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) بأن تعلموهم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وتخرجوهم في الفضائل وتمرنوهم على المطلوبات الشرعية ولم يرد إكرامهم بزينة الدنيا وشهواتها والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا واجتماع خصال الخير أو وضع الأشياء موضعها أو الأخذ بمكارم الأخلاق أو الوقوف مع كل مستحسن أو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك أو الظرف وحسن التنازل أو مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطالعة الحقائق بقطع العلائق . قال بعض العارفين : الأدب طبقات فأكثر طبقات أدب أهل الدنيا في الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأشعار العرب وأدب أهل الدين رياضة النفس وترك الشهوات وأدب الخواص طهارة القلوب (ه) وكذا القضاعي (عن أنس) وفيه سعيد ابن عمارة قال الذهبي قال الأزدي متروك عن الحارث بن النعمان قال في الميزان قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له من مناكيره هذا الخبر . 1420 - (أكرموا حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب بالإجلال والإحسان (فمن أكرمهم فقد أكرمني) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي
[ 116 ]
ومن أكرمني فقد أكرم الله ألا فلا تنقصوا حملة القرآن حقوقهم فإنهم من الله بمكانة كاد حملة القرآن أن يكونوا أنبياء إلا أنهم لا يوحى إليهم انتهى بحروفه فحذفه غير جيد (فر) وكذا الدارقطني وعنه من طريقه خرجه الديلمي مصرحا فإهماله الأصل وعزوه للفرع غير لائق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني الديلمي غريب جدا من رواية الأكابر عن الأصاغر انتهى . قال السخاوي وفيه من لا يعرف وأحسبه غير صحيح انتهى وأقول فيه خلف الضرير أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن الجوزي روى حديثا منكرا كأنه يشير إلى هذا . 1421 - (أكرموا المعزى) بكسر الميم وتفتح بالقصر والمد من الغنم خلاف الفنان (وامسحوا برغامها) بفتح الراء وبغين معجمة والأشهر مهملة فعلى الأول المراد مسح التراب عنها إذ الرغام بالفتح التراب وعلى الثاني ما يسيل من أنفها من نحو مخاط والأمر فيه للإصلاح والإرشاد (فإنه من دواب الجنة) أي نزلت منها أو تدخلها بعد الحشر أو من نوع ما في الجنة ، بمعنى أن في الجنة أشباهها وشبيه الشئ يكرم لأجله (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك انتهى . ورواه عنه أيضا الديلمي بنحوه . 1422 - (أكرموا المعزى وامسحوا الرغم عنها) رعاية وإصلاحا لها (وصلوا في مراحها) بضم الميم مأواها ليلا والأمر للإباحة (فإنها من دواب الجنة) على ما تقرر فيما قبله وجاء في أخبار أن الضأن كذلك وإنما أفرد المعزى هنا لأنه سئل عنها فذكره (عبد بن حميد) بغير إضافة كما مر (عن أبي سعيد) الخدري . 1423 - (أكرموا الخبز) بسائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة وقول غالب القطان من كرامته أن لا ينتظر به الأدم غير جيد لما سبق أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة ومن كلام الحكماء الخبز يباس ولا يداس قال بعضهم ومن إكرامه أن لا يوضع الرغيف تحت القصعة ومن ثم أخرج الترمذي عن سفيان الثوري أنه كان يكره ذلك وكره بعض السلف أيضا وضع اللحم والآدام فوق الخبز قال زين الحفاظ العراقي وفيه نظر ففي الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع ثمرة على كسرة وقال هذه أدام هذه وقد يقال المكروه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته كالسمك واللحم وأما التمر فلا يلوث ولا يغير (ك هب عن عائشة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة ورواه البغوي في معجمه وابن قتيبة في غريبه عن ابن عباس ورواه ابن الصلاح
[ 117 ]
في طبقاته عن ابن عبدان بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ أكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر . 1424 - (أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله) لفظ رواية الطبراني فيما ذكره المؤلف عنه في الموضوعات فمن أكرم الخبز فقد أكرم الله فليحرر وإكرامه أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار قال الغزالي وروى أن عابدا قرب إلى بعض إخوانه رغفانا فجعل يقلبها ليختار أجودها فقال له العابد مه أي شئ تصنع أما علمت أن في الرغيف الذي رغبت عنه كذا وكذا حكمة وعمل فيه كذا وكذا صانع حتى استدار من السحاب الذي يحمل الماء والماء الذي يسقي الأرض والرياح وبني آدم والبهائم حتى صار إليك ثم بعد ذلك تقلبه أنت ولا ترضى به قال الغزالي : وفي الخبر لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلاثمائة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملائكة الهواء وداوب الأرض وآخر ذلك الخباز * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * وروى الدارقطني عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقطع الخبز بالسكين ، وقال أكرموه فإن الله تعالى قد أكرمه . قال الدارقطني تفرد به نوح بن مريم وهو متروك (طب عن أبي سكينة) نزيل حمص أو حماه ويقال اسمه محلم بن سوار قال الذهبي والأظهر أن حديثه مرسل انتهى وقال الهيثمي فيه خلف بن يحيى قاضي السربي وهو ضعيف وأبو سكينة قال ابن المدائني لا صحبة له وقال غيره فيه خلف بن يحيى قاضي الري قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب انتهى وأورده المصنف في الموضوعات كابن الجوزي . 1425 - (أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء) يعني المطر (وأخرجه من بركات الأرض) أي من نباتها وذلك لأن الخبز غذاء البدن والغذاء قوام الأرواح وقد شرفه الله وجعله من أشرف الأرزاق وأنزله من بركات السماء نعمة منه فمن رمى به أو طرحه مطرح الرفض والهوان فقد سخط النعمة وكفرها وإذا جفا العبد نعمة نفرت منه وإذا نفرت منه لم تكد ترجع ، قال بعض العارفين الدنيا الظئر والآخرة أم ولكل بنون يتبعونها فإذا جفوت الظئر نفرت وأعرضت وإذا جفوت الأم عطفت لأن الظئر ليس لها عطف الأمهات وهذه النعمة تخرج من هذه الأرض المسخرة فهي كالظئر تربيك (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن الحجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم (ابن عكاظ) ابن خالد بن نويرة (السلمي) النهري له بالمدينة مسجد ودار وهو والد نصر الذي نفاه عمر لحسنه (ابن منده) في تاريخ
[ 118 ]
الصحابة وكذا المخلص والبغوي كلهم (عن عبد الله بن بريدة) تصغير بردة وهو أبو سهل الأسلمي قاضي مرو وعالمها (عن أبيه) بريدة بن الحصيب ورواه أبو نعيم في المعرفة والحلية قال السخاوي وكل هذه الطرق ضعيفة مضطربة وبعضها أشد في الضعف من بعض وقال الغلابي عن ابن معين أول هذا الحديث حق وآخره باطل وأورد المؤلف الحديث في الموضوعات تبعا لابن الجوزي . 1426 - (أكرموا الخبز فإنه من بركات السماء) أي مطرها (والأرض) أي نباتها (من أكل ما سقط من السفرة) أي من فتات الخبز (غفر له) يعني محى الله عنه الصغائر فلا يعذبه عليها ، أما الكبائر فلا دخل لها هنا كما سيجئ له نظائر والسفرة بالضم طعام يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة كذا ذكره في الصحاح وفى المصباح السفر طعام يصنع للمسافر وسميت الجلدة التي يوضع عليها سفرة مجازا وفي الأساس أكلوا السفرة وهي طعام السفر انتهى . وهذا يفهم أن ما يبسط ليوضع عليه الطعام لا يسمى سفرة إلا إذا كان طعام السفر ولكن الظاهر أنهم توسعوا فيه فأطلقوه على ما يبسط ليوضع فوقه مطلق الطعام وبذلك يتبين أن المغفرة الموعودة ليست مقصورة على لفظ ساقط سفرة السفر بل يشمل طعام الحاضر فتدبر (فائدة مهمة) أخرج أبو يعلى عن الحسن بن علي أنه دخل المتوضأ فأصاب لقمة أو قال كسرة في مجرى الغائط والبول فأخذها فأماط عنها الأذى ثم غسلها نعما ثم دفعها لغلامه فقال له ذكرني بها إذا توضأت فلما توضأ قال ناولنيها قال : أكلتها ، قال اذهب فأنت حر قال لأي شئ قال : سمعت فاطمة تذكر عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخذ لقمة أو كسرة من مجرى الغائط والبول فأماط عنها الأذى وغسلها نعما أي جيدا ثم أكلها لم تستقر في بطنه حتى يغفر له فما كنت لاستخدم رجلا من أهل الجنة قال الهيثمي رجاله ثقات (طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء مهملتين الأنصاري صحابي جليل ممن صلى إلى القبلتين قال الهيثمي : فيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي لم أعرفه قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه غياث بن إبراهيم وضاع وتابعه عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي وهو كذاب انتهى وأقره على وضعه المؤلف في مختصر الموضوعات وفي الميزان عن ابن حبان أن عبد الملك هذا يسرق الحديث ثم أورد له هذا الخبر انتهى . ورواه عنه أيضا البزار وابن قانع وغيرهم وطرق الحديث كلها مطعون فيها لكن صنيع الحافظ العراقي يؤذن بأنه شديد الضعف لا موضوع وأمثل طرقه الأول . 1427 - (أكرموا العلماء) لعلمهم بأن تعاملوهم بالإجلال والإعظام وتوفوهم حقهم من التوقير والاحترام (فإنهم) حقيقيون بالإكرام إذ هم (ورثة الأنبياء) أراد به ما يشمل الرسل كما هو بين والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم قال بعض العارفين : إنما يرث الإنسان أقرب الناس له رحما ونسبا وعملا فلما كان العلماء أقرب الناس إليهم وأجرأهم على عملهم ورثوهم حالا
[ 119 ]
وفعلا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا فعلم أنه إنما ينال هذا المنصب من عمل بعلمه فالعاملون به يستحقون الإكرام والإعظام لأنهم من الخلق أسراره وعلى الأرض أنواره وللدين أوتاد وعلى أعداء الله أجناد فهم لله أولياء وللأنبياء خلفاء * (أولئك حزب الله) * [ المجادلة : 22 ] (تتمة) قال بعض العارفين العلوم منحصرة في ثلاث علم يتعلق بالدنيا وأسبابها وما يصلح فيها وعلم يتعلق بالآخرة وما يوصل إليها وعلم يتعلق بالحق علم أذواق وشرب فالأنبياء جمعوا هذه العلوم ثم ورثها عنهم من تأهل لرتبة الوراثة وما عداهم فإنما يتعلق بالبعض (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) . 1428 - (أكرموا العلماء) العاملين (فإنهم ورثة الانبياء ، فمن أكرمهم فقد اكرم الله ورسوله) وجه أمره بإكرامهم في هذا وما قبله أن ما من أحد نال مقام الوراثة إلا وتعظم عداوة الجهال له لعلمهم بقبيح فعلهم وإنكارهم لما وافق الهوى منه ، ومن الجهال من يبعثه على عداوة العالم الحسد والبغي فيكره أن يكون لاحد عليه شفوف منزلة أو اختصاص بمزية (خط) في ترجمة أحمد البلخي من رواية ابن المنكدر (عن جابر) قال الزيلعي : كابن الجوزي حديث لا يصح فيه الحجاج بن حجرة قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به وقال الدارقطني : يضع الحديث انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه . 1329 - (أكرموا بيوتكم) أي منازلكم التي تسكنوها وتأوون إليها (ببعض صلاتكم) أي بشئ من صلاتكم الناقلة فيها (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تجعلوها كالقبور في كونها خالية من الصلاة فيها معطلة عن الذكر والعبادة كالقبر المعطل عنها (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته وليس كما زعم وغره قول الحاكم ابن فروخ صدوق وما درى أن الذهبي تعقبه بقول ابن عدي إن أحاديثه غير محفوظة . 1430 - (أكرموا الشعر) ندبا بترجيله ودهنه من نحو رأس ولحية وإزالته من نحو إبط وعانة (البزار) في مسنده (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي : فيه خالد بن إلياس وهو متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وفيه خالد بن إياس قال الذهبي في الضعفاء ترك وليس بالساقط . 1431 - (أكرموا الشهود) العدو بالملاطفة وإلانة القول لهم (فإن الله يستخرج بهم الحقوق) لأربابها (ويدفع بهم الظلم) إذ لولاهم لتم للجاحد ما أراده من ظلم صاحب الحق وأكله ماله بالباطل قال بعضهم لما صانوا دينهم ومروءتهم بكف أذى من شهدوا عليه بالحق حق توقيرهم وإكرامهم
[ 120 ]
وحرمت إهانتهم ووجب احترامهم وفي رواية فإن الله يجئ بدل يستخرج والحديث وارد فيمن ظهرت عدالته منهم وقد غلب على أكثر أهل هذه الطائفة الفساد والإفساد حتى قال سفيان الثوري : الناس عدول إلا العدول وقال ابن المبارك هم السفلة وأنشد : قوم إذا غضوا كانت رماحهم * * بث الشهادة بين الناس بالزور هم السلاطين إلا أن حكمهم * * على السجلات والأملاك والدور وقال آخر : احذر حوانيت الشهود * * الأخسرين الأرذلينا قوم لئام يسرقون * * ويحلفون ويكذبونا وقال آخر : إياك أحفاد الشهود فإنما * * أحكامهم تجري على الحكام قوم إذا خافوا عداوة قادر * * سفكوا الدما بأسنة الأقلام فالحديث وارد فيمن ملك منهم ما أمر به وتجنب ما نهى عنه وقليل ما هم وقد غلب على شهود المحاكم في زماننا الآن التنازع إلى التحمل وذلك مذموم يأخذ الأجرة على الأداء وذلك حرام وقسمة ما يحصل لهم بينهم كل يوم وذلك منهم كما قال السبكي شركة أبدان وهي غير جائزة مع الجهل المفرط تجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام وأما شهود القسمة فمن قسم النار نسأل الله العافية (البانياسي) بفتح الموحدة التحتية وكسر النون ومثناة تحتية وآخره سين مهملة نسبة إلى بانياس بلدة من بلاد فلسطين (في جزئه) المشهور (خط) في ترجمة عبد الرحمن بن عبيد الهاشمي (وابن عساكر) في تاريخه في ترجمة عبد الصمد العباسي كلهم من حديث عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس (عن) جده (ابن عباس) ثم قال أعني الخطيب فيما حكاه ابن الجوزي تفرد به عبيد الله بن موسى وقد ضعفوه انتهى وقال ابن عساكر قال العقيلي حديث غير محفوظ وفي الميزان عنه حديث منكر ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة انتهى وجزم الصغاني بوضعه ولم يستدركه عليه العراقي وحكم المؤلف في الدرر بأنه منكر . 1432 - (أكرموا عمتكم النخلة) قال الولي العراقي المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها والقيام عليها وتعهدها ثم بين وجه تسميتها عمة بقوله (فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم) التي خلق منها آدم فهي بهذا الاعتبار عمة الإنسان من نسبه وهذا كما ترى نص صريح يبطل قول فخر الإسلام في البحر المراد عمتكم بخيرها انتهى قال ابن عربي : لما خلق الله آدم وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق الله منها النخلة فهي لآدم أخت ولنا عمة وسماها الشرع عمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة
[ 121 ]
دون سائر النبات وفضل من الطيبة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله من تلك السمسمة أرضا واسعة الفضاء فيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره قال بعضهم والنخلة أقرب الأشجار إلى الآدمي ولهذا اختصت بأنها لا تحمل قيستقيم ثمرها حتى تلقح من الفحول كمني الرجال لا ينعقد الولد إلا بوجوده مع ماء الإناث ورائحته أشبه شئ برائحة المني (وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة) أي من جنس شجرة (ولدت تحتها مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وهي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا ولهذا أعلم الله بمزيتها في التنزيل على سائر الأشجار في قوله * (في جنات وعيون وزروع ونخل) * [ الشعراء : 148 ] والجنة تتناول النخل تناولا أوليا كما تتناول النعم الإبل كذلك من بين الأنعام فلم يكتف بذلك بل خصها تنبيها على تفرده عنها بمزيد فضل عليها (فأطعموا نساءكم الولد) بضم الواو وتشديد اللام (الرطب) ندبا أو إرشادا (فإن لم يكن) أي فإن لم يتيسر (رطب) لفقد أو عزة وجود (فتمر) أي فيقوم مقامه تمر فإنه كاف فإنه كاف فإنه كان طعام مريم لما ولدت عيسى عليه السلام ولو علم الله طعاما خيرا لها من التمر لأطعمها إياه أخرجه ابن عساكر وفي خبر من كان طعامها في نفاسها تمرا جاء ولدها حليما (ع) عن شيبان بن فروخ عن مسرور بن سعيد التميمي الأوزاعي عن عروة بن دويم اللخمي عن علي (وابن حاتم) في العلل (عق) بالسند المذكور ثم قال هو غير محفوظ لا يعرف إلا بمسرور (عد) من الوجه المذكور وقال هذا منكر عن الأوزاعي وعزوه عن علي مرسل ومسرور غير معروف لم نسمع به إلا في هذا الحديث (وابن السني) أبو بكر (وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) النبوي عن أبي بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني عن شيبان عن مشروق الأوزاعي عن عروة بن دويم عن علي ثم قال أبو نعيم غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن سعيد انتهى . وظاهر كلام المؤلف أن أبا نعيم لم يخرجه في الحلية وإلا لما عزاه له في الطب وليس كذلك بل خرجه فيه باللفظ المذكور من هذا الوجه (وابن مردويه) في التفسير من هذا الوجه كلهم (عن علي) أمير المؤمنين . قال الهيثمي : بعد عزوه لأبي يعلى : فيه مسرور بن سعيد وهو ضعيف ، أورده ابن الجوزي في الموضوع ويقال مسرور منكر الحديث وأورده من حديث ابن عمر ، قال فيه جعفر بن أحمد وضاع اه . ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن لأوله ولآخره شاهدا ، فالحديث في سنده ضعف وانقطاع . 1433 - (اكفلوا) قال الزمخشري : الكفالة من الكفل وهي حياطة الشئ من جميع جهاته حتى يصير عليه كالفلك الدائر (لي) أي لأجل أمري الذي أمرتكم به عند الله (ست خصال) أي فعلها والدوام عليها (أكفل لكم الجنة) أي دخولها ، قيل وما هي قال (الصلاة والزكاة والأمانة) أي أداء الثلاثة لوقتها وتوفيتها لمستحقها (والفرج) بأنه تصونوه عن الوطء المحرم (والبطن) بأنه تحترزوا عن أن
[ 122 ]
تدخلوا فيه مأكولا أو مشروبا لا يحل تناوله شرعا (واللسان) بأنه تكفوه عن النطق بما حرمه الشارع وكأنه لم يذكر باقي أركان الإسلام لدخولها في الأمانة أو أن المخاطبين بذلك قوم مخصوصون تفرس فيهم التساهل في هذه الخصال بخصوصها وجاء في أحاديث أخرى زيادة على الست ونقصان باعتبار حال المأمور (طس) وكذا في الصغير (عن أبي هريرة) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أمته : اكفلوا لي إلخ . قال المنذري : إسناده لا بأس به ، وقال الهيثمي : فيه حماد الطائي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 1434 - (أكل اللحم) أي لصحيح البدن قويم المزاج (يحسن الوجه) أي يكسبه نضارة وإشراقا وحسنا (ويحسن الخلق) بالضم لزيادته في اعتدال المزاج وكلما اعتدل ومال عن طرفي الإفراط والتفريط توفر حسن الخلق ، وانحراف الأمزجة مما يسوء الخلق ويضيق الصدر ، وفي رواية زيادة على ذلك : ويطيب النفس ، وهل أل في اللحم للجنس أو للعهد والمعهود ما لا ضرر فيه كلحم الغنم والطير لا والإبل والبقر ؟ الظاهر الأول لقول الأطباء : اللحوم كلها حارة رطبة كثيرة الغذاء مولدة للدم محسنة للون ولا غذاء أشبه بها لبدن الإنسان اه . وضرر لحم نحو الإبل والبقر يندفع بتعديلها ببعض المصلحات نعم ينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم لما جاء في بعض الأخبار أن له ضراوة كضراوة الخمر (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) . 1435 - (أكل كل ذي ناب) يعدو به ويصول (من السباع) كأسد ونمر وذئب ومثله كل ذي مخلب من الطير (حرام) بخلاف غير العادي كثعلب ، فمن للتبعيض ، ويصح جعلها للجنس ، إذ المراد بأن يعدو به كما تقرر بقرينة تعبيره بقوله كل ذي ناب ولم يقل كل سبع تنبيها على الافتراس والتعدي ، وإلا فلا فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذو أنياب ثم هذا لا ينافيه آية * (قل لا أجد فيما أوحى إلي) * [ الانعام : 145 ] لأنها مكية وخبر التحريم بعد الهجرة . قال ابن سينا : ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن (ه عن أبي هريرة) قضية عدول المصنف واقتصاره عليه أنه لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول عجيب ، فقد خرجه سلطان الفن باللفظ المزبور من حديث أبي ثعلبة ونقله عنه جمع منهم الديلمي وغيره . 1436 - (أكل الليل أمانة) أي الأكل فيه للصائم أمانة في حقه إذ لا يطلع عليه إلا الله فعليه بذل الجهد في تحري الإمساك من الفجر الصادق ، فإن ظن بقاء الليل بالاجتهاد جاز له الأكل وكذا إن لم يجتهد بل هجم لكن يكره له ذلك فإن بان أكله نهارا لزمه القضاء وإن أشكل فلا . ذكره الشافعية (أبو
[ 123 ]
بكر بن داود في جزء من حديثه ، فر) كلاهما (عن أبي الدرداء) وفيه بقية بن الوليد وقد سبق ويزيد بن حجر مجهول . 1437 - (أكل السفرجل) مربى وغير مربى ، وهي ثمر شجرته معروفة يشبه التفاح (يذهب بطخاء القلب) أي يزيل الثقل والغثيان والغيم الذي على القلب كغيم السماء . قال ابن الأنباري وغيره : الطخاء الثقل والظلمة أو ثقل وغشى أو ظلمة وغيم وفي الأساس : ليلة طخياء مظلمة قال الأطباء : وهو يقوي المعدة ويمنعها من قبول الفضلات ويعيد الشهوة المفقودة ويقوي القلب والدماغ ، ويطفئ غلبة الدم في الوجه ويمنع الغثيان ويسكن وهج المعدة ، ويطيب النكهة لكنه يضر العصب (القالي) بالقاف أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (في أماليه) الأدبية الشعرية (عن أنس) وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه على سنده كما بيض لخبر : أكل التين أمان من القولنج . 1438 - (أكل الشمر) بالتحريك هو معروف (أمان من) حدوث (القولنج) بضم القاف وفتح اللام وهو تعقد الطعام في الأمعاء فلا ينزل فيصعد بسببه بخار إلى الدماغ فقد يفضي إلى الهلاك . قال الأطباء : وهو محلل للرياح الغليظة شديد النفع من وجع الجنبين نافع من الأخلاط التي في المعدة ويدفع حرقة المعدة من البلغم الحامض ويشفي وجع الكلى والمثانة وينفع من نهش الهوام وهو بستاني وبري ، والظاهر إرادتهما في الحديث معا (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) . 1439 - (أكلفوا) أي أولعوا وأحبوا (من العمل ما تطيقون) الدوام عليه : من الطوق وهو ما يوضع في العنق حلية فيكون ما يستطيعون من الأفعال طوقا لهم في المعنى (فان الله لا يمل حتى تملوا) يعني لا يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عنه باسم الملال من تسمية الشئ باسم سببه ، أو المراد لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه (وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فالقليل الدائم أحب إليه من الكثير المنقطع ، فأمرهم بالاقتصاد في الطاعة لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحملوا أنفسهم فوق ما يطيقون فيؤدي لعجزهم عن الطاعة أو قيامهم بها بتكلف (حم د ن عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين ، وليس كذلك ، فقد قال الحافظ العراقي متفق عليه . 1440 - (أكمل المؤمنين) أي من أتمهم (إيمانا) تمييز (أحسنهم خلقا) بالضم ، لأن هذا الدين
[ 124 ]
مبني على السخاء وحسن الخلق ولا يصلح إلا بهما فكمال إيمان الإنسان ونقصه على قدر ذلك ، ولا يناقضه ما سلف أنه جبلي غريزي ، لأنه وإن كان سجية أصالة لكن يمكن اكتساب تحسينه بنحو نظر في أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والحكماء ثم بتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها إلى تحليها بالكمال ومعالي الأحوال وحينئذ فيثاب على تلك الأخلاق لكونها من كسبه (حم د حب ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في أماليه : حديث صحيح ، وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى البخاري وعده من المتواتر ، ورواه البزار من حديث أنس بسند رجاله ثقات وزاد فيه : وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة ، والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بسند فيه مجهول ، وزاد : الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف . 1441 - (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ، قال الحليمي : دل على أن حسن الخلق إيمان وعدمه نقصان إيمان ، وأن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم ، فبعضهم أكمل إيمانا من بعض ، ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا لكونه أكملهم إيمانا (وخياركم خياركم لنسائهم) أي من يعاملهن بالصبر على أخلاقهن ونقصان عقلهن ، وطلاقة الوجه ، والإحسان . وكف الأذى ، وبذل الندى ، وحفظهن من مواقع الريب ، ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاشرة لعياله ، وهل المراد بهن حلائل الرجل من زوجة وسرية ، أو أصوله وفروعه وأقاربه ، أو من نفقته منهن ، أو الكل ؟ والحمل على الأعم أتم (ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن صحيح ، وقال ابن حبان صحيح ، وكذا الحاكم . 1442 - (الله الله في) حق (أصحابي) أي اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء : أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص (لا تتخذوهم غرضا) بمعجمة هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهام ، هو تشبيه بليغ (بعدي) أي بعد وفاتي . قال في الصحاح : الغرض الهدف الذي يرمى إليه (فمن أحبهم فبحبي أحبهم) أي فبسبب حبهم إياي ، أو حبي إياهم أي إنما أحبهم لحبهم إياي أو لحبي إياهم (ومن أبغضهم فببغضي) أي فبسبب بغضه إياي (أبغضهم) يعني إنما أبغضهم لبغضه إياي ، ومن ثم قال المالكية يقتل سابهم (ومن آذاهم) بما يسوءهم (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) ولا يضره ذلك بشهادة : يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني (ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) أي يسرع انتزاع روحه أخذة غضبان منتقم
[ 125 ]
عزيز مقتدر جبار قهار * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * [ آل عمران : 13 ] ووجه الوصية نحو البعدية وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب لبعض آخر وهذا مباهر معجزاته ، وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم . أخرج البيهقي عن ابن مسعود : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر . وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم فجهل منه وحرمان وسوء فهم وقلة إيمان إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا فإذا جرح النقلة دخل في الآيات والأحاديث التي بها ذهاب الأنام وخراب الإسلام ، إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ (تتمة) اختلف في ساب الصحابي فقال عياض : قال الجمهور يعزر ، وبعض الماليكة يقتل ، وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين وجهين ، وقواه السبكي فيمن كفر الشيخين ومن كفر من صرح المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر به ، وأطلق الجمهور التعزير (ت) في المناقب (ه عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء واستغربه . قال الصدر المناوي : وفيه عبد الرحمن بن زياد قال الذهبي لا بعرف ، وفي الميزان : في الحديث اضطراب . 1443 - (الله الله) أي اتقوا الله وخافوه (فيما ملكت أيمانكم) من الأرقاء وكل ذي روح (ألبسوا ظهورهم) ما يستر عورتهم ويقيهم الحر والبرد على الوجه اللائق (وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول) أي تجنبوا مخاطبتهم ومعاتبتهم الغلظة والفظاظة ، ومن ذلك أن لا يقول أحدكم عبدي ولا أمتي ، وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في مرض موته ، واللين ضد الخشونة . وتلين تملق كذا في الصحاح . قال الزمخشري : من المجاز : رجل في ليان من العيش ورجل لين الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه * (فيما رحمة من الله لنت لهم) * [ آل عمران : 159 ] . وهو لين الأعطاف وطئ الأكتاف ولاين أصحابك ولا تخاشنهم ، وتلين له تملق (ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا ابن السني (عن كعب بن مالك) قال عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال فسمعته يقول فذكره . قال الهيثمي : فيه عبد الله بن زحر وعلي بن زيد وهما ضعيفان وقد وثقا اه وقال الذهبي عبد الله ضعيف وله صحيفة واهية . 1444 - (الله الله) اتقوا الله وخافوه كثيرا (فيمن ليس له) ناصر أو ملجأ (إلا الله) كيتيم وغريب ومسكين وأرملة فتجنبوا أذاه وأكرموا مثواه وتحملوا جفوته وتكلفوا مؤنته فإن المرء كلما قلت أنصاره وأعوانه كانت رحمة الله له أكثر وعنايته به أشد وأظهر ، * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * [ النور : 63 ] (عد عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو مما بيض له الديلمي .
[ 126 ]
1445 - (الله الطبيب) أي هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء ، وهذا قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئا فظنه سلعة تولدت من الفضلات فرد المصطفى صلى الله عليه وسلم كلامه بإخراجه مدرجا منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجا بل كلامك يفتقر إلى العلاج حيث سميت نفسك طبيبا ، والله هو الطبيب وإنما أنت رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في فن البديع . وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء والقادر على الصحة والشفاء وليس ذلك إلا الله لكن تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ ولا يقال يا طبيب كما يقال يا حكيم لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف (د) وكذا النسائي خلافا لما يوهمه كلامه من تفرد أبي داود به من بين الستة (عن أبي رمثة) بكسر فسكون ففتح البلوى أو التيمي أو التميمي اسمه رفاعة بن يثربي أو عكسه أو عمارة بن يثربي أو حبان بن وهب أو جندب أو حبيب أو غير ذلك صحابي مات بأفريقية . قال دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى أبي الذي بظهره ، فقال دعني أعالجه فإني طبيب فذكره . 1446 - (الله مع القاضي) بعونه وإرشاده وإسعافه وإسعاده (ما لم يجر) في حكمه : أي يتعمد الظلم فيه (فإذا جار) فيه (تخفى) أي قطع (عنه) تسديده وتوفيقه (ولزمه الشيطان) يغويه ويضله ليخزيه غدا ويذله لما أحدثه من الجور وارتكبه من الباطل وتحلى به من خبيث الشمائل وقبيح الرذائل . قال ابن العربي : القاضي يقضي بالحق ما كان الله معه فإذا تركه جار فالأمر أولا بيد الله يبدأ عن بداية المقادير وحكمه بالتقدير وملكه للتدبير تحقيقا للخلق وتوحيدا وقد يخبر عن مآل حالهم تخويفا وإنذارا بالمعاملات التي جعلها لأهل الفوز وأهل الهلكة وهو الحكيم الخبير . قال ابن بطال : دل الحديث على أن القضاء بالعدل من أشرف الأعمال وأجل ما يتقرب به إلى الملك المتعال وأنه بالجور بضد ذلك * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) * [ المائدة : 47 ] قال ابن حجر : وفي الحديث ترغيب في ولاية القضاء من استجمع شروطه وقوي على إعمال الحق ووثق من نفسه بعدم الجور ووجد للحق أعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق للمستحق وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من آكد القربات ولذلك تولاه الأنبياء فمن بعدهم من الخلفاء الراشدين وكذلك اتفقوا على أنه فرض كفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ، فقد أخرج البيهقي بسند قوي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء ، وبسند آخر قوي أن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء ، وإنما فر منه من فر خوف العجز أو عدم المعين ومن ثم كان السلف يمتنعون منه أشد امتناع . (تنبيه) سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع فقال على معنيين : مع الأنبياء والأولياء بالنصرة والكلاءة * (إنني معكما أسمع وأرى) * [ طه : 46 ] ومع العامة بالعلم والإحاطة * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * [ المجادلة : 7 : ] فقال ابن شاهين : مثلك يصلح دالا للأمة على الله (ت) واستغربه (عن عبد الله بن أبي
[ 127 ]
أوفى) بفتح الهمزة والواو وبالفاء مقصور : علقمة بن خالد المدني ، ظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه ابن ماجه أيضا كما ذكره ابن حجر قال : صححه ابن حبان والحاكم . 1447 - (الله ورسوله مولى من لا مولى له) أي حافظ وناصر من لا حافظ ولا ناصر له . فحفظ الله لا يفارقه وكيف يفارقه مع أن الله وليه وحافظه وناصره فمن كان الله مولاه فلا يذل ولا يخزى فنعم المولى ونعم النصير . قال الفخر الرازي : من كان ربه هاديه لا يضل ومن كان ربه معينه لا يشقى ومن كان ربه مولاه لا يضيع (والخال وارث من لا وارث له) زاد في رواية يفك عائنه أي يعني ما يلزمه وما يتعلق به من الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة هذا عند من يورث الخال ومن لا يورثه يقول معناه إنها طعمة أطعمها الخال لا أن يكون وارثا كذا قرره ابن الأثير (ت ه عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رمز المصنف لصحته وليس كما قال فإن الترمذي إنما حسنه فقط . قال في المنار : ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه حكيم بن حكيم وهو ابن أخي عمرو بن حنيف لا تعرف عدالته وإن روى عنه جمع . 1448 - (اللهم) الميم عوض من ياء ، ولذا لا يجتمعان ، وهو من خصائص هذا الاسم لدخولها عليه مع لام التعريف كما خص بالباء في القسم وقطع همزته في يا الله ، وقيل أصله يا الله أمنا بخير فخفف بحذف حرف النداء ، ذكره القاضي البيضاوي (فائدة) قال في النهاية . اللهم على ثلاثة أنحاء : أحدها أن يراد به النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا . الثاني أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السائل يقول لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم أو اللهم لا . الثالث أن يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني ، ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونا بعدم الدعاء قليل (لا عيش) أي لا عيش كاملا أو باقيا أو معتبرا أو هنيئا (إلا عيش) الدار (الآخرة) لا هذا العيش الفاني الزائل ، لأن الآخرة باقية لا تزول وعيشها لا يعتريه اضمحلال ولا ذبول ، وعيش الدنيا وإن كان محبوبا للنفوس معشوقا للقلوب ظل زائل وسحابة صيف لا يرجى دوامها والعيش الحياة ، قال الرافعي : والقصد بذلك فطم النفس عن الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة وتحمل أثقال مساعيها ، وهذا لابن رواحة ، وتتمته فأكرم الأنصار والمهاجرة ، تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو من مشطور الرجز والممتنع عليه إنشاء الشعر لا إنشاده على أن الخليل لم يعد مشطور الرجز شعرا ، وقال بعضهم : هذه الكلمة قالها في أسر أحواله لما رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها عند حفر الخندق ، وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل
[ 128 ]
بقيته : فاغفر للأنصار والمهاجرة ، ولفظ البخاري في باب التحريض على القتال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال : اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي قال : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال اللهم إلخ . 1449 - (اللهم) أصله يا الله حذفت ياؤه وعوض عنها الميم وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه وقد يقال فيه لاهم بحذف أل (اجعل رزق) وفي رواية للعسكري : عيش (آل محمد) زوجاته ومن في نفقته أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب أو أتقياء أمته والحمل على الأعم أتم (في الدنيا قوتا) وفي رواية : كفافا : أي بلغة تسد رمقهم وتمسك قوتهم بحيث لا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة ولا يكون فيهم فضول يصل إلى ترفه وتبسط ليسلموا من آفات الغنى والفقر ، والكفاف ما لا يفضل عن الشئ ويكون بقدر الحاجة ، والقوت ما يسد به الرمق سمي قوتا لحصول القوة به سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم طريق الاقتصاد المحمود ، فإن كثرة المال تلهي ، وقلته تنسي ، فما قل منه وكفى : خير مما كثر وألهى ، وفي دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم به إرشاد لأمته كل الإرشاد إلى أن الزيادة على الكفاف بكثير لا ينبغي أن يتعب العاقل في طلبه لكونه لا خير فيه ، وحكم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فمنهم من يعتاد الرياضة حتى إنه يأكل في كل أسبوع مرة فكفافه وقوته تلك المرة في كل أسبوع ، ومنهم من يعتاد الأكل في كل يوم مرة أو مرتين فكفافه ذلك لأنه إن تركه ضره ، ومنهم كثير العيال ، فكفافه ما يسد رمق عياله ومنهم من يقل عياله فلا يحتاج إلى زيادة فقدر الكفاف غير مقدر ومقداره غير معين لكن المحمود ما يحصل به القوة على الطاعة والاشتغال به على قدر الحاجة ، وقوله : إني أسألك غناك وغنى مولاي المراد غنى يدفع الفاقة فقط فلا يخالفه ما هنا ، وقوله : " اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني : لم يرد به ما يزيد على الكفاف (فائدة) قال ابن عربي : اللهم ، هو اسمه المدعو به الذي قلما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بسواه إلا أن يكون تلقينا لمتعلم أو نطقا عن مقتضى حال يرجع إلى إيقاع نفع ذلك إعرابا عن حالهم وذلك هو الاسم الأعظم (م ت ه عن أبي هريرة) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم بل رواه البخاري في الرقائق . 1450 - (اللهم اغفر للمتسر ولات) أي للابسات السراويلات (من) نساء (أمتي) أمة الإجابة . وفي رواية : للمتسرولات من النساء ، وإنما دعا لهن بذلك لأنهن لما حافظن على ما أمرهن به من الستر قابلهن بالدعاء لهن بالغفر الذي أصله الستر ، فذاك ستر العورات وذا ستر الخطيات ، وجعله كناية عن حفظ الفروج خلاف الظاهر (البيهقي في الأدب) أي في كتاب الأدب له وكذا البزار (عن علي) أمير
[ 129 ]
المؤمنين قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسقطت امرأة عن دابة فأعرض عنها بوجهه ، فقيل إنها متسرولة فذكره ، رمز المصنف لضعفه ، ووجهه أن فيه إبراهيم بن زكريا الضرير ، قال في الميزان عن أبي حاتم حديثه منكر ، وعن ابن عدي : حدث بالبواطيل ، قال : ومن بلاياه هذا الخبر ، وساقه ، ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع . وقال المتهم به إبراهيم هذا ، وتعقبه المؤلف بأن الذي قال فيه ابن عدي هذا القول هو إبراهيم بن زكريا العجلي ، وهذا إبراهيم بن زكريا الواسطي وهو ثقة . 1451 - (اللهم اغفر للحاج) أي حجا مبرورا (ولمن استغفر له الحاج) قاله ثلاثا وهو تشريف عظيم للحاج فيتأكد طلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعاء المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وظاهره ندب طلب الاستغفار منه في سائر الأوقات ، لكن في الإحياء عن الفاروق ما محصوله . إن غاية طلبه إلى عشرين من ربيع الأول أي فإن تأخر وصوله إلى وطنه عنها فإلى وصوله كما ذكره ابن رجب (هب) وكذا الحاكم ، ومن طريقه أورده البيهقي والخطيب (عن أبي هريرة) وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم وتعقبه بأن فيه شريكا القاضي ولم يخرج له مسلم إلا في المتابعات . 1452 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل) قال الحراني : اسم عبودية ، لأن إيل اسم الله في الملأ الأعلى وهو يد بسط لروح الله في القلوب بما يحييها الله من روح أمره إرجاعا إليه في هذه الدار قبل إرجاع روح الحياة بيد القبض من عزرائيل (وميكائيل) اسم عبودية أيضا ، وهو يد بسط للأرزاق المقيمة للأجسام (وإسرافيل) وهو بسط يد للأرواح التي بها الحياة ، قال الجزولي في شرح الرسالة : إنه إنما سمي إسرافيل لكثرة أجنحته وميكائيل لأنه موكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه (ومحمد) الذي هو روح الأرواح (نعوذ) أي نعتصم (بك من النار) أي من عذابها فوجه تخصيص الأملاك الثلاثة أنها أشرف الملائكة وأنها الموكلة بالحياة وعليها مدار نظام هذا الوجود ، فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب ، وميكائيل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض والحيوان ، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى الأشباح ، فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح الموكلة بالحياة له تأثير كبير في حصول المطلوب وهذا كما ترى أدق من قول البعض خص هؤلاء لكمال اختصاصهم واصطفائهم وكونهم أفضل الملائكة ، والأول والأخير أفضل من الثاني وفي التفضيل بينهما أقوال : ثالثها الوقف (طب ك) في المناقب ، وكذا ابن السني في عمل اليوم والليلة (عن والد أبي المليح) واسمه عامر بن أسامة ، قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر فسمعته يقول . اللهم . . . إلخ ثلاثا . قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب .
[ 130 ]
1453 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) وهو ما لم يؤذن في تعلمه شرعا ، أو ما لا يصحبه عمل أو ما لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة ويفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد : يا من تقاعد عن مكارم خلقه * * ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة من لم يهذب علمه وأخلاقه * * لم ينتفع بعلومه في الآخرة . وقدم العلم على العمل لأن العمل بدون علم ضلال (وعمل لا يرفع) إلى الله رفع قبول لفقد نحو إخلاص ومصاحبة نحو رياء (ودعاء لا يستجاب) أي لا يقبله الله وإنما استعاذ من ذلك لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه كفافا بل يكون وبالا ، والعمل إذا لم يرفع كان مردودا على فاعله مغضوبا عليه . والدعاء إذا لم يقبل دل على غل في صدر صاحبه (حم حب ك عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته . 1454 - (اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم قال في الصحاح : الحشر الجمع ، والزمرة بالضم الجماعة . قال اليافعي : وناهيك بهذا شرفا للمساكين ، ولو قال احشر المساكين في زمرتي لكفاهم شرفا ، وكيف وقد قال واحشرني في زمرتهم ثم أنه لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات والتواضع ، ذكره البيهقي ، وجرى على قضيته حجة الإسلام حيث قال : استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة ، لأن الفقر مشترك بين معنيين : الأول الافتقار إلى الله والاعتراف بالذلة والمسكنة له ، والثاني فقر الاضطرار وهو فقد المال المضطر إليه كجائع فقد الخبز ، فهذا هو الذي استعاذ منه . والأول هو الذي سأله اه وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا الحديث ، فقال معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين اه . ومنه أخذ السبكي قوله المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله (وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) يعني من لم يرزق سعة في الدنيا بل كان فقيرا معدما وهو مع ذلك مقارف للذنوب ، لا يرعوي ولا يتوب ، وفارق الدنيا وهو مصر على هذا الحال لم يدركه العفو ، فهو أشقى من كل شقي من المؤمنين بلا إشكال لأنه معذب في الدارين (ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري وقال صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن ضعفه في الميزان ، وزعم ابن الجوزي وتيمية وضعه . قال ابن حجر : وليس كذلك بل صححه الضياء في المختارة وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي : أساء ابن الجوزي
[ 131 ]
بذكره له في الموضوعات وقال المؤلف أسرف ، وقال ابن حجر مرة أخرى : أسرف ابن الجوزي بذكره في الموضوع وكأنه أقدم عليه بما رآه مباينا للحال التي مات عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيا . 1455 - (اللهم إني أسألك من الخير كله) أي بسائر أنواعه وجميع وجوهه (ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) طلبه الخير لا ينافي أنه أعطي منه ما لم يعطه غيره لأن ما منحه من صفات الكمال إنما هو بالنسبة للمخلوقات فهو كمال نسبي والكمال المطلق لله ، وكل صفة من صفات الحوادث قابلة للزيادة والنقص ، ومن ثم أمر بطلب الزيادة في العلم * (وقل رب زدني علما) * [ طه : 114 ] ولذا جاز الدعاء عند الختم بنحو : اللهم اجعله زيادة في شرفه لأنه وإن كان كامل الشرف فكماله نسبي والازدياد فيه متصور بخلاف صفاته تعالى كمالها في ذاتها لا يقبل زيادة ولا نقصانا (الطيالسي ، طب) أبو داود (عن جابر بن سمرة) بن جندب . 1456 - (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها) أي اجعل آخر كل عمل لنا حسنا ، فإن الأعمال بخواتيمها وعاقبة كل شئ آخره كما قال في الصحاح وغيره (وأجرنا من خزي الدنيا) رذائلها ومصائبها وغرورها وغدرها (وعذاب الآخرة) زاد الطبراني في روايته من كان ذلك دعاءه مات قبل أن يصيبه البلاء . اه . قال في الكشاف : والخزي الهوان ، وهذا من جنس استغفار الأنبياء مما علموا أنهم مغفور لهم . قال ابن عربي : والدار الآخرة الجنة والنار اللتين أعدهما الله لعباده السعداء والأشقياء ، سميت آخرة لتأخر خلقها عن الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون (حم حب ك عن بسر بن أرطأة) كذا وقفت عليه بخط المؤلف هنا وهو ذهول وإنما هو ابن أبي أرطأة كما بينه الحافظ ابن حجر فقال في الإصابة : الأصح ابن أبي أرطأة . قال ابن حبان : ومن قال ابن أرطأة فقد وهم اه . ثم رأيت المصنف ذكره في أواخر هذا الكتاب على الصواب كما رأيته بخطه أيضا في خبر لا تقطع الأيدي في السفر ولولا الوقوف على خطه لظنناه من تحريف النساخ ، ولكن الإنسان محل النسيان وأول ناس أول الناس ، وبسر : بضم الموحدة التحتية وسكون المهملة ثم راء العامري القرشي مختلف في صحبته ، ولاه معاوية اليمن فأفسد وعتا وتجبر ، وضل ، قال ابن عساكر : له بها آثار غير محمودة ، وقتل عبد الرحمن وقثم ابني عبد الله بن عباس وخلفا حتى من لم يبلغ الحلم : كولد زينب بنت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه ، وقال يحيى : كان بسر رجل سوء ، وأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم اه ملخصا ، وقد رمز المصنف لصحته وقد عرفت حال بسر . أما من دونه فموثوقون في بعض طرقه المذكورة لا كلها . قال الحافظ الهيثمي : رجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات .
[ 132 ]
1457 - (اللهم بارك لأمتي) أمة الإجابة (في بكورها) في شرح السقط أول اليوم الفجر ، وبعده الصباح فالبكرة فالضحى فالضحوة فالهاجرة فالظهر فالرواح فالمساء فالعصر فالأصيل فالعشاء الأول فالعشاء الآخر وذلك عند مغيب الشفق : قال النووي في رؤوس المسائل : يسن لمن له وظيفة من نحو قراءة أو علم شرعي وتسبيح أو اعتكاف أو صنعة فعله أول النهار وكذا نحو سفر وعقد نكاح وإنشاء أمر لهذا الحديث (حم 4 حب عن صخر) بفتح المهملة وسكون المعجمة بن وداعة (الغامدي) بغين معجمة ودال مهملة ، الأرذي ، حجازي سكن الطائف . قال الترمذي عن البخاري : لا أعرف له غير هذا الحديث اه . وفي التقريب كأصله : صخر صحابي مقل لم يرو عنه إلا عمارة بن حديد وفي العلل لابن الجوزي هذا يرويه عمارة بن حديد عن صخر . قال أبو حاتم : عمارة مجهول . وقال أبو زرعة لا يعرف ولما قال عبد الحق هو من طريق أبي داود حسن : قال ابن القطان هذا خطأ ففيه عمارة بن حديد مجهول لا يعرف (ه عن ابن عمر) بن الخطاب . قال ابن الجوزي : وله عنه ثلاث طرق في أولها إبراهيم بن سالم قال ابن عدي منكر الحديث غير معروف وفي الثاني محمد بن عبد الرحمن قال يحيى لا شئ وقال النسائي متروك وفي الثالث محمد بن الفضل قال أحمد : حديثه حديث أهل الكذب (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي : وفيه عمرو بن مشاور وهو ضعيف ، ولابن الجوزي له عنه أربع طرق في الأول والثاني عمرو بن مشاور قال ابن حبان يروي المناكير . وأبو حمزة قال الدارقطني : عن أحمد ويحيى : ليس بشئ ، وفي الثالث الحسين بن علوان كذبه يحيى والرابع عبد الصمد بن موسى الهاشمي ضعفوه (وعن ابن مسعود) قال الهيثمي : وفيه علي بن عابس وهو ضعيف ، قال الدارقطني : تفرد به علي بن عابس عن العلاء قال يحيى ليس بشئ ، وقال ابن حبان : فحش خطؤه فاستحق الترك (وعن عبد الله بن سلام) بالتخفيف : ابن الحارث بن يوسف الإسرائيلي كان اسمه الحصين فسماه المصطفى صلى الله عليه وسلم عبد الله وشهد له بالجنة وكان من علماء الصحابة : صحابي كبير شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم له بالجنة مات سنة ثلاث وأربعين . قال الهيثمي : وفيه هشام بن زياد وهو متروك (وعن عمران بن حصين) قال الهيثمي : وفيه العلاء بن بركة وهو متروك (وعن كعب بن مالك) قال الهيثمي : وفيه عمارة بن هارون وهو متروك . وقال ابن الجوزي : يرويه عن كعب عمارة بن هارون وقد قال أبو حاتم متروك (وعن النواس) بنون فواو مشددتين فمهملة بعد ألف (ابن سمعان) كشعبان ، الكلابي صحابي سكن الشام وقال الهيثمي : وفيه عمارة بن هارون وهو متروك ، وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على هؤلاء أنه لم يرو إلا عنهم وليس كذلك فقد زاد ابن الجوزي كغيره فرواه عن آخرين : علي أمير المؤمنين ، وبقية العبادلة ، وجابر ، وأبي هريرة ، وسهل بن سعد ، وأبي رافع ، وعمارة بن وثيمة ، وأبي بكرة ، وبريدة بن الحصيب ، وواثلة ، ونبيط بن شرط ، وأبو ذر ، وأنس ، والعرس بن عميرة ، وعائشة ، وضعفها أعني ابن الجوزي كلها وقال لا يثبت منها شئ ، وقال
[ 133 ]
أبو حاتم : لا أعلم فيه حديثا صحيحا . قال ابن حجر : وقد اعتنى بعض الحفاظ - يعني المنذري - يجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين . 1458 - (اللهم بارك لأمتي في بكورها) في رواية ابن السكن : في بكورهم (يوم الخميس) في رواية البزار : يوم خميسها ، وفي رواية للطبراني : واجعله يوم الخميس ، وفيه خلقت الملائكة المدبرات للعالم . قال القزويني : يوم مبارك سيما لطلب الحاجة وابتداء السفر ، وكان صخر لا يسافر إلا فيه فأثرى وكثر ماله (ه) وكذا البزار (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي : تفرد به محمد بن أيوب بن سويد عن أبيه ومحمد : قال ابن حبان : يروي الموضوع لا يحل الاحتجاج به ، وأبو أيوب قال ابن المبارك : ارم به ، وقال يحيى : ليس بشئ اه ، وسأل أبو زرعة عن هذه الزيادة ، فقال هي مفتعلة ، قال الحافظ العراقي : وروى بدل الخميس السبت . قال : وكلاهما ضعيف ، وقال في محل آخر أسانيدها كلها ضعيفة . 1459 - (اللهم إنك سألتنا من أنفسنا) بيان في مقام التأكيد (ما لا نملكه) أي نستطيعه جلبا أو نفعا (إلا بك) أي بإقدارك وتمكينك وتوفيقك ، وذلك المسؤول هو لزوم فعل الطاعات . وتجنب المعاصي والمخالفات (اللهم فأعطنا منها ما) أي توفيقا نقتدر به على فعل الذي (يرضيك عنا) من الرضى خلاف السخط ، وهما من صفات الذات . قال الحراني : الرضى وصف المقر لما يريد ، فكل واقع بإرادة لا يكون رضى ، إلا أن يستدركه الإقرار ، فإن تعقبه الرفع والتغيير فهو مراد غير رضى ، ومقصود الحديث الاعتذار عما دق من وسائس النفوس وفيه بيان أن الأمور كلها منه تعالى مصدرها وإليه مرجعها فلا تملك نفس لنفس شيئا ، إذ ليس لغيره وجود حقيقة حتى ينسب إليه إعطاء أو منع وهو الموجود المحقق القائم بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت وكل قائم فقيامه به ومن أثبت نفسه معه فهو الأعمى المنكوس ولو عرف لعلم أنه من حيث هو لا ثبات له ولا وجود ، وإنما وجوده من حيث أوجد لا من حيث وجد ، وفرق بين الموجود وبين الموجد ، وليس في الوجود إلا موجود واحد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفان (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه أيضا باللفظ المذكور المستغفري في الدعوات . قال الحافظ العراقي : وفيه ولهان بن جبير ضعفه الأزدي . قال المصنف : وهذا الحديث متواتر . 1460 - (اللهم اهد قريشا) أي دلها على طريق الحق ، وهو الدين القيم أي دين الإسلام ، وهذا إن كان صدر قبل إسلامهم جميعا فظاهر ، أو بعده فالمراد ثبتهم على ذلك ، والهداية دلالة بلطف
[ 134 ]
وتستعمل في غيره تهكما (فإن عالمها) أي العالم الذي ينشأ من أهل تلك القبيلة (يملا طباق الأرض علما) أي يعم الأرض بالعلم حتى تكون طبقا لها مغطيا لجميعها والبطن كل غطاء لازم على الشئ . ذكره ابن الأثير . قال بعض المحققين : وليس هذا بإخبار عن علو عالمها لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم . لكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لما غاظوني وآذوني ، بل أدعوك أن تهديهم لأجل أحكام إحكام دينك يبعث ذلك العالم الذي هو من سلالتها فتدبر . ثم ذلك العالم القرشي نزله أحمد وغيره على الشافعي ، فلا أحد بعد تصرم عصر الصحب اتفق الناس على تقديمه علما وعملا وأنه من قريش سواه وقد تأيد ذلك بانقياد الخلق بقوله ومعتقده نحو ثمانمائة سنة بعده تطلع الشمس وتغرب ومذهبه باق لا يتصرم ، واسمه في سمو لا يتقهقر بل يتقدم (اللهم كما أذقتهم عذابا) وفي رواية نكالا بالقحط والغلاء والقتل والقهر وغيرها (فأذقهم نوالا) أي إنعاما وعطاءا وفتحا من عندك وعبر بالذوق بقلة الزمن فيهما * (قل متاع الدنيا قليل) * [ النساء : 47 ] قال السمهودي : كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأخص يثبت للأعم ولا عكس وتقديما لهم على غيرهم وشرفا (خط وابن عساكر) في التاريخ من حديث وهب بن كيسان (عن أبي هريرة) قال السخاوي : وروايته عن وهب فيه ضعف اه قال الزين العراقي : وله شاهد رواه أبو داود والطيالسي من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ : لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما ، اللهم إنك أذقت أولها عذابا فأذق آخرها نوالا وذكر البيهقي في المدخل أنه ورد هذا الحديث من حديث علي وابن عباس ، ورواه البزار من حديث العباس أيضا مرفوعا بلفظ : اللهم فقه قريشا في الدين وأذقهم من يومي هذا إلى آخر الدهر نوالا فقد أذقتهم نكالا . قال البزار : حديث حسن صحيح ، وفي الباب عدي بن حاتم ، رواه عنه الطبراني في حديث طويل ، قال الهيثمي : السلوقي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 1461 - (اللهم إني أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة أي أستجير وأعتصم (بك من جار السوء) أي من شره (في دار المقامة) الإقامة فإنه هو الشر الدائم والأذى الملازم (فإن جار البادية يتحول) فمدته قصيرة يمكن تحملها فلا يعظم الضرر فيها ، وفي رواية الطبراني جار السوء في دار الإقامة قاصمة الظهر وقد ينزل بسببه البلاء فيعم الصالح والطالح . قال الحرائي : والعوذ اللجأ من مخوف لكاف يكفيه (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح فتبعه المصنف فرمز لصحته . 1462 - (اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا) أي إذا أتوا بعمل يحسن قرنوه بالإخلاص فيترتب عليه الجزاء فيستحقون الجنة فيستبشرون بها كما قال * (وأبشروا بالجنة التي كنتم
[ 135 ]
توعدون) * [ فصلت : 30 ] فهو كناية تلويحية (وإذا أساءوا استغفروا) أي طلبوا من الله مغفرة ما فرط منهم ، ومن ثم قال بعضهم : خير الذنوب ذنب أعقب توبة ، وشر الطاعات طاعة أورثت عجبا ، والمصطفى صلى الله عليه وسلم معصوم عن الإساءة وإنما هذا تعليم للأمة أرشدهم إلى أن يأتي الواحد منهم بهذا الدعاء الذي هو عبارة عن أن لا يبتليه بالاستدراج ويرى عمله حسنا فيهلك * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * [ فاطر : 8 ] وقوله من الذين إلخ أبلغ من أن يقول اجعلني أستبشر إذا أحسنت وأستغفر إذا أسأت كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم . ذكره الزمخشري (ه هب عن عائشة) فيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه . 1463 - (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى) أي نهاية مقام الروح وهي الحضرة الواحدية فالمسؤول إلحاقه بالمحل الذي ليس بينه وبينه أحد في الاختصاص ، والقول بأن المسؤول إلحاقه بالملائكة والملائكة الذين يسكنون أعلى عليين منع بأنه لو أراد الرفقاء بلفظ رفيق لقال الأعلين ليكون بمعنى الجماعة وبأن قدره فوق قدرهم ومحله من عليين فوق محلهم فكيف يسأل اللحوق بهم ؟ نعم إن أراد به قائله محلهم الذي تحصل فيه مرافقتهم في الجملة ليكون بجمعهم على اختلاف درجاتهم وهو الجنة أو السماء فلا مانع (ق ت) من حديث عبد الله بن الزبير (عن عائشة) أنها أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول اللهم إلخ فهذا آخر ما تكلم به آخرية مطلقة وما عداه آخريته نسبية . 1464 - (اللهم من ولى من أمر أمتي) أمة الإجابة ولا مانع من إرادة الأعم هنا (شيئا) من الولاية كخلافة وسلطنة وقضاء وإمارة ونظارة ووصاية وغير ذلك ، نكره مبالغة في الشيوع وإرادة للتعميم (فشق عليهم) أي حملهم على ما يشق عليهم أو أوصل المشقة إليهم بقول أو فعل فهو من المشقة التي هي الإضرار لا من الشقاق الذي هو الخلاف قال في العين : شق الأمر عليه مشقة أضر به (فأشقق عليه) أي أوقعه في المشقة جزاءا وفاقا (ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم) أي عاملهم باللين والإحسان والشفقة (فارفق بهم) أي افعل به ما فيه الرفق له مجازاة له بمثل فعله ، وهذا دعاء مجاب وقضيته لا يشك في حقيقتها عاقل ولا يرتاب فقلما ترى ذا ولاية عسف وجار وعامل عيال الله بالعتو الاستكبار وإلا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال فإن لم يعاقب بذلك في الدنيا قصرت مدته وعجل بروحه إلى بئس المستقر سقر ، ولهذا قالوا : الظلم لا يدوم وإن دام دمر ، والعدل لا يدوم وإن دام عمر ، وهذا كما ترى أبلغ زجر عن المشقة على الناس وأعظم حث على الرفق بهم ، وقد تظاهرت
[ 136 ]
على ذلك الآيات والأخبار (م) في المغازي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا النسائي في السير وسببه أن ابن شماسة دخل على عائشة فقالت ممن أنت ؟ قال من مضر . قال كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم ؟ قال خير الأمير . قالت إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول : فذكرته (تنبيه) قال في الأذكار : ظاهر الحديث جواز الدعاء على الظلمة ونحوهم وأشار الغزالي إلى تحريمه وجعله في معنى اللعن . اه . قال الحافظ : والأولى حمل كلام الغزالي على الأولى ، وأما الأحاديث فتدل على الجواز . 1465 - (اللهم إني أعوذ بك) قال الطيبي : استعاذ مما عصم منه ليلتزم خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وليقتدى به وليبين صفة الدعاء ، والباء للإلصاق المعنوي للتخصيص كأنه خص الرب بالاستعاذة ، وقد جاء في الكتاب والسنة : أعوذ بالله ، ولم يسمع : بالله أعوذ ، لأن تقديم المعمول تفنن وانبساط ، والاستعاذة حال خوف وقبض ، بخلاف الحمد لله ولله الحمد لأنه حال شكر ، وتذكير إحسان ونعم (من شر ما عملت) أي من شر عمل يحتاج فيه إلى العفو (ومن شر ما لم أعمل) أي بأن تحفظني منه في المستقبل ، أو المراد شر عمل غيره * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * [ الانفال : 25 ] أو ما ينسب إليه افتراء ولم يعمله ، وتقديم الميم على اللام فيهما هو ما في مسلم وغيره وعكسه ، والواقع لحجة الإسلام في الإحياء متعقب بالرد ، نعم جاء في خبر مرسل (م د ن ه) كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري . 1466 - (اللهم أعني على غمرات الموت) شدائده جمع غمرة وهي الشدة ، وفي أصول صحيحة سكرات (أو) شك من الراوي ، وفي نسخة بالواو (سكرات الموت) جمع سكرة بسكون الكاف وهي شدة الموت الذاهبة بالعقل ، ذكره الزمخشري ، وهي تزيد على الغمرات بزيادة الألم ، وفي رواية لابن أبي الدنيا اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل ، اللهم أعني على الموت وهونه علي . وقال ابن عربي : السكر الضيق المانع من الإطلاق في التصرفات ، فالمراد ضيق الموت وكربه . قال الراغب : والسكر حالة تعرض بين المرء وقلبه وأكثر ما يستعمل في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق والألم أي والأخير هو المراد هنا . قال القرطبي : تشديد الموت على الأنبياء تكميل لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصا ولا عذابا (ت ه ك) وكذا النسائي في يوم وليلة كلهم (عن عائشة) قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت وعنده قدح ماء وهو يدخل يده فيه ثم يمسح وجهه ويقول ذلك ، وقال ابن العربي : إن الباري بقدرته وحكمته يخفف إخراج الروح ويشدده بحسب حال العبد ، فتارة يشدده عذابا وذلك على الكافر وتارة كفارة وذلك على المذنب وتارة رفعة درجات وزيادة حسنات وذلك في الولي وتارة حجة على الخلق وتسلية وقدوة وأسوة كما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم منه .
[ 137 ]
1467 - (اللهم زدنا) من خير الدارين : أي من العلوم والمعارف (ولا تنقصنا) أي لا تذهب منا شيئا (وأكرمنا) بالتقوى (ولا تهنا) أصله تهوننا نقلت كسرة الواو للهاء وحذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى وأدغمت الأولى في الثانية (وأعطنا ولا تحرمنا) قال القاضي والطيبي : عطف الأوامر على النواهي تأكيدا ومبالغة وتعميما وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى : فلان يعطي ويمنع مبالغة (وآثرنا) بالمد اخترنا بعنايتك وإكرامك (ولا تؤثر) تختر (علينا) غيرنا فتعزه وتذلنا : يعني لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر والتحمل والقنع بما قسمت لنا من الرزق ، وذلك أن الله دبر لعبده قبل أن يخلقه شأنه من الرزق والأحوال والآثار ، وكل ذلك مقدر مؤقت يبرزه له في وقته كما قدره والعبد ذو شهوات وقد اعتادها وتخلق بها ودبر الله لعبده غير ما تخلق به من الشهوات فمرة سقم ومرة صحة ومرة غنى ومرة فقر وعسر وذل ومكروه ومحبوب ، فأحوال الدنيا تتداوله لا ينفك عن قضائه والعبد يريد ما وافقه واشتهاه ، وتدبير الله فيه غير ذلك ، فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه فترك جميع إرادته لمشيئة الله ينتظر ما يبرز له من تدبيره في جميع أحواله فيتلقاه بانشراح قلب وطيب نفس فيصير راضيا مرضيا ، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا وليس للشهوات ولا للشيطان عليه سلطان وإنما ذكر ذلك على طريق الإرشاد والتعليم للأمة ، وقال الطيبي : ويلوح من هذا الدعاء تباشير الإرادة والاستبشار والفوز بالمباغي ونيل الفلاح في الدنيا والعقبى . ولعمري إنه من جوامع الكلم (وارض عنا) بما نقيم من الطاعة القليلة التي في جهدنا . قال بعض الأكابر : من أيقن بحسن اختيار الله له لم يسره أن يكون على غير الحال التي هو عليها فكل راض مرضي عنه فاقتضت هذه السنة العلمية مضمون قوله تقدس * (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * [ الفجر : 28 ] فمن رجعت إلى ربه معرفته وذهبت نكرته اطمئن في الأوقات وغم في مقاومة مقابلاتها الرضى واستقر في جنته وقته فكان هذا حاله عاجلا وذاك خطابه آجلا ، وقال الراغب : منزلة الرضى أشرف المنازل بعد النبوة ، فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه لقوله تعالى : * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * [ المائدة : 119 ] فجعل أحد الرضاءين مقرونا بالآخر ، فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا واطلع على جنة المأوى وخطب مودة الملأ الأعلى وحظي بتحيتهم المعينة بقوله * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * [ الرعد : 23 ] (ت ك) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل فنزل عليه فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فذكره ، صححه الحاكم . 1468 - (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد
[ 138 ]
به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع) من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع) قال الطيبي : في كل من القرائن إشعار بأن وجوده مبني على غايته والغرض الغاية فإن تعلم العلم إنما هو للنفع به فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافا بل يكون وبالا ، وإن القلب إنما خلق ليخشع لبارئه فإذا لم يخشع كان قاسيا يستعاذ منه ، * (فويل للقاسية قلوبهم) * [ الزمر : 22 ] وإنما يعتد بالنفس إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود ، فإذا كانت نهمة لا تشبع كانت أعدى عدو للمرء فهي أهم ما يستعاذ منه ، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه (فإن قلت) قد علم من صدر الكلام الاستعاذة مما ذكر فما فائدة قوله : أعوذ بك من هؤلاء الأربع ؟ (قلت) أفاد به التنبيه على توكيد هذا الحكم وتقويته وفيه جواز تشجيع الدعاء . قال حجة الإسلام : والمكروه التكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة قال ابن حجر : هذا كان يصدر منه من غير قصد إليه ولذلك جاء في غاية الإنسجام (ت ن عن ابن عمرو) بن العاص (د ن ه ك عن أبي هريرة ن عن أنس) ، قال الترمذي : حسن غريب وأخرج مسلم نحوه بأتم منه وأكثر فائدة فلو آثره المصنف لكان أحسن . 1469 - (اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه . قال ابن القيم : وهذا إشارة إلى أن من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل . واعلم أن كل حب لا يحكم على صاحبه بأن يصمه عن كل مسموع سوى كلام محبوبه ويعميه عن كل منظور سوى وجه محبوبه ويخرجه عن كل كلام إلا عن ذكر محبوبه وعن ذكر من يحب محبوبه ويختم على قلبه فلا يدخل سوى حب محبوبه ويرى قفله على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه أما عند رؤية تقدمته أو عن وصف ينشأ منه الخيال صورة فيكون كما قيل : خيالك في عيني وذكرك في فمي * * ومثواك في قلبي فأين تغيب فيه يسمع وبه يبصر وله يتصور وبه يتكلم وله يكلم ، فليس من الحب في شئ (اللهم وما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب) لأصرفه فيه سأل الله تعالى أن يجعل ما رزقه من القوة والقوى الجسمانية والروحانية العلمية أو العملية مقويا له على ما يرضيه (وما زويت عني) أي صرفت
[ 139 ]
عني ونحيت عني . قال القاضي : أصل الزي والجمع والقبض (مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب) يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي بمحابك وسببا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغلني عن عبادتك وذلك لأن الفراغ خلاف الشغل فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ لحساب ربه كان ذلك الفراغ عونا له على الاشتغال بطاعة الله وقد حرر الله أسرار نبينا كالأنبياء من رق الأغيار وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الأثار لا يحبون إلا إياه ولا يشغلون بسواه (تنبيه) قال ابن عربي : ألطف ما في الحب ما وجدته وهو أن تجد عشقا مفرطا وهوى وشوقا مقلقا وغراما ونحولا وسهر أو منع لذة طعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعين لك محبوبك ثم بعد ذلك يبدو لك تجلي في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد به أو تذكر شخصا فتجد الميل إليه فتعلم أنه صاحبك وهذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب فلا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هامها ويجد الناس ذلك في القبض والبسط الذي لا يعرف سببه فبعده يأتيه ما يحزنه أو يسره فيعرف أن ذلك له ، وذلك لاستشراف النفس على الأمور قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات التكوين (تتمة) قد انطوى تحت هذا الحديث عدة مقامات مقام الحب ومقام التوحيد ومقام الصبر ومقام الشكر ومقام الرضى ومقام التسليم ومقام الأنس ومقام البسط ومقام التمكين وغير ذلك ولم يجتمع مثلها في حديث قصير إلا قليلا (ت) في الدعوات (عن عبد الله بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من الزيادة (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة قبيلة معروفة صحابي صغير شهيد الحديبية ابن سبع عشر وولى الكوفة لابن الزبير ، قال الترمذي : حسن غريب . قال ابن القطان : ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم بالكذب وترك الرازياني حديثه بعد ما كتبناه ، وقيل لأبي زرعة أكان يكذب ؟ قال نعم . 1470 - (اللهم اغفر لي ذنبي) أي ما لا يليق أو المراد إن وقع والعبد لا يأتي بما هو اللائق بجلال كبرياء الله ، ومنه ما عبدناك حق عبادتك ، فسمى هذا القصور بالنسبة لكمال القرب ذنبا مجازا (ووسع لي في داري) محل سكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويشتت الأمتعة ويجلب الهم ويشغل البال أو المراد القبر : إذ هو الدار الحقيقية ، وعلى الأول فالمراد التوسعة بما يقتضيه الحال لا الترفه والتبسط في الدنيا بل إنما يسأل حصول قدر الكفاية لا أزيد ولا أنقص . ولهذا قال بعض الحكماء : إما أن تتخذ لك دارا على قدر نجواك وتخبر على قدر دارك وإلا فهو سرف أو تقتير (وبارك لي في رزقي) أي اجعله مباركا محفوفا بالنماء والزيادة في الخير ووفقني للرضى بما قسمته منه وعدم التلفت إلى غيره مع أني لا أنال إلا ما رزقتني وإن جهدت وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة وزاد فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهن فقال وهل تركن من شئ ، ورواه النسائي وابن السني عن أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول فذكره ، وترجم
[ 140 ]
عليه ابن السني بباب ما يقوله بين ظهراني وضوئه والنسائي بباب ما يقول بعد فراغ وضوئه ، قال في الأذكار : إسناده صحيح . 1471 - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي ذهابها مفرد في معنى الجمع يعم النعم الظاهرة والباطنة ، والنعمة كل ملائم تحمد عاقبته ، ومن ثم قالوا لا نعمة لله على كافر بل ملاذه استدراج . والاستعاذة من زوال النعم تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي لأنها تزيلها . ألا ترى إلى قوله : إذا كنت في نعمة فارعها * * فإن المعاصي تزيل النعم (وتحول عافيتك) أي تبدلها ، ويفارق الزوال التحول كما قاله الطيبي بأن الزوال يقال في كل شئ ثبت لشئ ثم فارقه لفظ رواية أبي داود وتحويل بزيادة مثناة تحتية . والتحويل تغيير الشئ وانفصاله عن غيره فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام (وفجاءة) بالضم والمد وتفتح وتقصر بغنة (نقمتك) بكسر فسكون : غضبك وعقوبتك (وجميع سخطك) بالتحريك : أي سائر الأسباب الموجبة لذلك وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها (م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري . 1472 - (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) كحقد وبخل وحسد وجبن ونحوها ، ولا مانع من إرادة السبب والمسبب معا لأن المسبب قد يحصل فيعفى عنه * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * [ النساء : 116 ] وهذا مقول على منهج التعليم لغيره (والأعمال) الكبائر من نحو قتل وزنا وشرب خمر وسرقة ونحوها . قال بعض حكماء الإسلام : وهذه المنكرات منها ما لا ينفك منه غير المعصوم في متقلبه ومنها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا عليها متعارفا ، وذكر هذا مع عصمته تعليم لأمته كما سبق (و) منكرات (الأهواء) وهي الزيغ والانهماك في الشهوات جمع هوى مقصور هوى النفس وهو ميلها إلى المستلذات والمستحسنات عندها لأنه يشغل عن الطاعة ويؤدي إلى الأشر والبطر (والأدواء) من نحو جذام وبرص وسل واستسقاء وذات جنب ونحوها ، فهذه كلها بوائق الدهر فيقول أعوذ بك من بوائق الدهر . قال الطيبي : والإضافة إلى القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى الموصوف ، قال الراغب : والإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل يتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ويحكم بقبحه الشرع . وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف حسنه من جهة الشرع قال الحكيم : إنما استعاذ من هذه الأربع لأن ابن آدم لا ينفك منها في متقلبه ليلا ونهارا ، وبها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا غير متعارف فيما بينهم ، فذاك الذي يشار إليه بالأصابع في ذلك
[ 141 ]
الأمر ومنه يعظم الوبال . قال الرشيدي : وعطف العمل على الخلق والهوى على العمل والداء عليها وإن كل الكل على الأول : من باب الترقي في الدعاء إلى ما يعم نفعه (ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة هو قطبة بن مالك . قال الترمذي حسن غريب . 1473 - (اللهم متعني) انفعني ، زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين ، وقيل العمرين وانتصر له بخير : هذان السمع والبصر ، ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف : استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وخذ منه بثأري) أشار به إلى قوة المخالفين حثا على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة (ت ك عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ذلك . ورواه البيهقي عن ابن جرير . 1474 - (اللهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك) لأن النفس إذا أحبت الموت آنست بربها ورسخ يقينها في قلبها وإذا نفرت منه نفر اليقين فانحط المرء عن منازل المتقين ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وعكسه بعكسه (طب عن أبي مالك الأشعري) رمز المصنف لضعفه ، وهو كما قال ، فقد قال الهيثمي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف . 1475 - (اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي) قال الزمخشري : وهو كل ولي كالأب والأخ وابن الأخ والعم وابنه والعصبة كلهم . وعد في القاموس من معانيه التي يمكن إرادتها هنا الصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر . والمراد بالغنى الذي سأله غنى النفس لا غنى المال وسعة الحال كما قاله بعض أهل الكمال . قال ابن عطاء الله لا يصح الغنى إلا بوجود الفقر ، لأن كل من افتقر إلى الله استغنى به ومن استغنى بالله بواسطة فقره إليه فغناه لا يماثله غنى أبدا (طب عن أبي صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء : الأنصاري المازني بدري شاعر مجيد واسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن صرمة ورواه عنه أيضا أحمد ، قال الهيثمي : أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا إسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصاري وهي ثقة . 1476 - (اللهم اجعل فناء أمتي) أمة الإجابة ، وقول الزركشي أراد أمة الدعوة تعقبه ابن حجر
[ 142 ]
(قتلا في سبيلك) أي في قتال أعدائك لإعلاء دينك (بالطعن) بالرمح (والطاعون) وخز أعدائهم من الجن : أي اجعل فناء غالب أمتي بهذين أو بأحدهما . قال بعضهم : دعى لأمته فاستجيب له في البعض أو أراد طائفة مخصوصة أو صفة مخصوصة كالخيار ، فلا تعارض بينه وبين الخبر الآتي : إن الله أجاركم من ثلاث أن يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا . الحديث . قال القرطبي : جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو ، وقال بعض علمائنا الصحيح بأو ، والروايتان صحيحتا المعنى ، وبيانه أن مراده بأمته صحبة خاصة لأنه دعا لجميع أمته أن لا يهلكهم بسنة عامة ، ولا يسلط أعداءهم عليهم ، فأجيب فلا تذهب بيضتهم ولا معظمهم بموت عام ولا بعدو على مقتضى دعائه هذا ، والدعاء المذكور هنا يقتضي أن يفنوا كلهم بالقتل والموت عام فتعين صرفه إلى أصحابه لأن الله اختار لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل الله بالطاعون الواقع في زمنهم فهلك به بقيتهم ، فقد جمع لهم الله الأمرين ، فالواو على أصلها من الجمع أو تحمل على التقسيمية ، قال الراغب : نبه بالطعن على الشهادة الكبرى وهي القتل في سبيل الله وبالطاعون على الشهادة الصغرى . وهذا الحديث هو المشار إليه في خبر آخر يقوله : الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم ، قال العلماء أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في سبيل الله بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن . وهذا الحديث مكي دعى به المصطفى صلى الله عليه وسلم عند خروجه مهاجرا وهو بالغار (حم طب عن أبي بردة) بن أبي موسى (الأشعري) اسمه الحارث أو عمارة أو عامر : سمع عليا وعائشة ، وولى قضاء الكوفة ورواه عنه أيضا الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور وصححه وأقره عليه الذهبي بل رواه باللفظ المذكور قال الهيثمي : رجاله ثقات . اه فلو عزاه المصنف له لكان أحسن على عادته في البداءة في العزو إليه ، وما أراه إلا ذهل عنه ، قال الحافظ ابن حجر وحديث ابن أبي موسى هذا هو العمدة في هذا الباب فإنه يحكم له بالصحبة لتعدد طرقه إليه . 1477 - (اللهم إني أسألك) أي أطلب منك (رحمة من عندك) أي ابتداء من غير سبب ، وقال القاضي : نكر الرحمة تعظيما لها دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة لا يكتنه كنهها ووصفها بقوله من عندك مزيدا لذلك التعظيم لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصفه لقوله * (وآتيناه من لدنا علما) * [ الكهف : 65 ] (تهدي بها) أي ترشد (قلبي) إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي . وأجناس الهداية خمسة مترتبة وهي إضافة قوي يتمكن بها من الاهتداء ونصب الدلائل وإرسال الرسل والكشف والتوفيق ، والأخير هو الممنوع عن نحو الظالمين أينما وقع في القرآن (وتجمع بها أمري) أي تضمه بحيث لا أحتاج إلى أحد غيرك (وتلم) أي تجمع وتضم (بها شعثي) ما تفرق من أمري ملتئما غير متفرق وهو من اللم الجمع يقال لممت الشئ جمعته ، ومنه خبر : تأكل لما وتوسع ذما : أي تأكل كثيرا مجتمعا (وتصلح بها غائبي) أي ما غاب عن باطني بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية (وترفع بها شاهدي) أي ظاهري بالأعمال الصالحة والهيئات المطبوعة والخلال الجميلة : فالمراد تعميم الباطن وإصلاح الظاهر ، أو أراد بها في الأخرى بالرضا والكون مع
[ 143 ]
الملأ الأعلى وفي الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء ، وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى : والإلهام أن يلقى الله في النفس أمرا يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص الله به من يشاء من عباده ، قال الراغب : ورشد الله تعالى للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء ، وأن يخوله من كبر الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول : أي أليفي أو مألوفي : أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى الله أن لا يخلق في المرء ذنبا وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من الفجور ، وعلى الأول . قال الراغب : العصمة فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من باطنه وإن لم يكن منعا محسوسا وليس ذلك بمانع ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين . (اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر) أي جحد لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جدا بحيث (أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بجلائل الأعمال . (اللهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه (ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب ، ومنه * (أذلك خير نزلا) * [ الصافات : 62 ] (الشهداء) لأنه محل المنعم عليهم وهو وإن كان أعظمهم منزلة وأعلا منهم مرتبة لكنه ذكر للتشريع لأمته (وعيش السعداء) أي الذين قدرت لهم السعادة ، والمراد السعادة الأخروية لأنه كان من أكثر الناس تقللا من الدنيا وأزهد الناس مطلقا (والنصر على الأعداء) أي الظفر بهم ، والمراد أعداء الدين قال الراغب : والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلا وآجلا ، وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه تارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء وعليه قوله * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) * [ غافر : 51 ] الآية . (اللهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح . قال الراغب والرأي إجالة الخاطر
[ 144 ]
في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال (افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شئ (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها . وفيه جواز إطلاق القاضي على الله تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور) وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور) النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير بأن ترزقني الثبات عند السؤال ، قال الزمخشري : فإن قلت كيف يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت) يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا للرب وإخباتا له اه . وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في القبر . (اللهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشئ المطلوب (ولم تبلغه مسألتي) إياك (من) كل (خير وعدته أحدا من خلقك) أن تفعله مع أحد من مخلوقاتك من إنس وجن وملك ، ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك) أي من غير مسابقة وعد له بخصوصه فلا يعد ما قبله تكرارا كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد (إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين) الخلق كلهم وذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف حرف النداء في بعض الروايات . (اللهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير : يرويه المحدثون بموحدة ، والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * [ آل عمران : 103 ] وصفه بالشدة لأنه من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة ، وصوب الأزهري كونه بمثناة تحتية وهو القوة ، واقتصر عليه الزمخشري جازما حيث قال : الحيل هو الحول ، أبدل واوه ياء ، وروى الكسائي لا حيل ولا قوة إلا بالله ، والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد من قوله تعالى * (وأكيد كيدا) * [ الطارق : 16 ] * (ومكروا ومكر الله) * [ آل عمران : 54 ] وقيل ذا القوة لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة . اه . (والأمر الرشيد)
[ 145 ]
السديد الموافق لغاية الصواب (أسألك الأمن) من الفزع والأهوال (يوم الوعيد) أي يوم التهديد وهو يوم القيامة (والجنة) أي وأسألك الفوز بها (يوم الخلود) أي يوم إدخال عبادك دار الخلود : أي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار ، وذلك بعد فصل القضاء وانقضاء الأمر (مع المقربين) إلى الحضرات القدسية (الشهود) أي الناظرين إلى ربهم المشاهدين لكمال جماله (الركع السجود) أي المكثرين للصلاة ذات الركوع والسجود (الموفين بالعهود) أي بما عاهدوا عليه الحق والخلق (إنك رحيم) أي موصوف بكمال الإحسان بدقائق النعم (ودود) شديد الحب لمن والاك (وإنك) رواية البيهقي وأنت (تفعل ما تريد) فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم لا مانع لما أعطيت وقد وصف الله نفسه بالاختيار وأنه على كل شئ قدير وأنه فعال لما يريد وأنه لا مكره له وهو الصادق في قوله وما حكم به فقد ترتبت الأمور ترتيب الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عادل بالمراتب فتأتيه أسئلة السائلين وما يوافق توقيت الإجابة في عين ما سألوه فيه وقد تقرر أنه لا مكره له فلا بد من التوقف عند ذلك السؤال لمناقضته إذا أجابه ترتيب الحكمة فلذلك قال وإنك تفعل ما تريد . (اللهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب في القول والعمل . قال ابن القطان : قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى . قال ابن حجر : وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلما) بكسر السين المهملة أي صلحا (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدوا) لفظ رواية البيهقي حربا بدل عدوا (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكا أو ندا أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب حبك (من أحبك) حبا خالصا وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس (ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك وهذا ناظر إلى أن من كمال الايمان الحب في الله والبغض في الله . (اللهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلا منك ولا وجوبا (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على الله أسكن قلبه الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب . (اللهم اجعل لي نورا في قلبي) أي نورا عظيما فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء الله ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشئ (ونورا في قبري) أستضئ به في ظلمة اللحد (ونورا بين يدي) أي يسعى أمامي (ونورا من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في أشياعي . قال الحراني والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونورا عن يميني ونورا
[ 146 ]
عن شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي) يعني اجعل النور يحفني من الجهات الست (ونورا في سمعي ونورا في بصري) لأن السمع محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة ذلك تزداد المعارف (ونورا في شعري ونورا في بشري) أي ظاهر جلدي (ونورا في لحمي) الظاهر والباطن (ونورا في دمي ونورا في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة . قال القاضي : معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي ، طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سببا لمزيد علمه وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما قال تعالى في حق المؤمنين * (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) * [ التحريم : 8 ] ثم لما دعى أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله وأن يحيط به من جميع الجوانب فلا يخفى عليه شئ ولا ينسد عليه طريق : دعا أن يجعل له نورا به يستضئ الناس ويهتدون إلى سبل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة فدعا بإثبات النور فيها والمراد استعمالها بالصواب . (اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي رواية بدل اجعل لي نورا اجعلني نورا قال ابن عربي : دعا بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها ، ولما علم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى ينفر الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نورا يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبدا أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار (سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردى به بمعنى أنه اتصف بأنه يغلب كل شئ ولا يغالبه شئ لأن العزة كما قال الحراني الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري : العطاف والمعطف كالرداء والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترداه وعطف الثوب رداؤه وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل بالصوم ووصف الله بالعز ومثله قوله : يجر رباط الحمد في دار قومه أي هو محمود في قومه . (وقال به) أي غلب به على كل عزيز وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما يريد انتهى ، ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من القيل فعلا فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال
[ 147 ]
به أي ملك به وقهر هكذا فسره الهروي في الغريبين انتهى بنصه وبه يعرف أن تفسير صاحب النهاية ومن على قدمه قال به بأحبه واختص به غير جيد (سبحان الذي لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة والكبرياء والشرف والكرم . قال الزمخشري : ومن المجاز مجد الرجل عظم كرمه فهو ماجد ومجيد وله شرف ومجد وتمجد الله بكرمه وعباده يمجدونه وهو أهل التماجيد وأمجد الله فلانا ومجده كرم فعاله انتهى . ولذلك حسن تعقيبه بقوله (وتكرم به) أي تفضل وأنعم على عباده (سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له) أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس (سبحان ذي الفضل) قال الزمخشري : الفضل ما يتفضل به زيادة على الثواب والفضل والفاضلة والإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول (والنعم) جمع نعمة وهي كل ملائم تحمد عاقبته (سبحان ذي المجد والكرم) زاد البيهقي سبحان الذي أحصى كل شئ علمه سبحان ذي المن سبحان ذي الطول (سبحان ذي الجلال والإكرام) قال في الكشاف معناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظيم صفات الله تعالى وقال السيد المراد بصفات الجلال التنزه عن سمات النقصان وفيه كما قال الغزالي إن المنهي عنه من السجع ما كان بتكلف فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة بخلاف الكلمات المتوازنة الخالية عن التكلف (ت ومحمد ابن نصر في) كتاب (والصلاة طب والبيهقي في) كتاب (الدعوات) كلهم من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه (عن) جده عبد الله (بن عباس) لكن بزيادة ونقص قال : بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام فصلى من الليل فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال اللهم إني أسألك إلى آخره وداود هذا عم المنصور ولي المدينة والكوفة للسفاح حدث عنه الكبار كالنوري والأوزاعي ووثقه ابن حبان وغيره وقال ابن معين : أرجو أنه لا يكذب إنما يحدث بحديث واحد كذا روى عثمان بن سعيد عنه وقد أرده ابن عدي في الكامل وساق له بضعة عشرة حديثا ثم قال : عندي لا بأس بروايته عن أبيه عن جده احتج به مسلم وخرج له الأربعة . 1478 - (اللهم لا تكلني) أي لا تصرف أمري (إلى نفسي) أي لا تسلمني إليها وتتركني هملا (طرفة عين) أي تحريك جفن وهو مبالغة في القلة (ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني) قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك همم أمته إلى الدعاء بذلك . قال الحليمي : وهذا تعليم منه لأمته أنه ينبغي كونهم مشفقين من أن يسلموا الإيمان أو التوفيق للعمل فإن من سلب التوفيق لم يملك نفسه ولم يأمن أن يضيع الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا الخوف من همه (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه إبراهيم بن يزيد الحرذي وهو متروك .
[ 148 ]
1479 - (اللهم اجعلني شكورا) أي كثير الشكر لك . قال الغزالي : والشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول بعضهم الشكر اعتكاف على بساط الشهود بإدامة الحرمة جامع لأكثر معاني الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان (واجعلني صبورا) أي لا أعاجل بالانتقام أو المراد الصبر العام (واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا) استوهب ربه أن يعظمه في عيون الخلق ليسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب ومعاناة أهوال الحروب (البزار) في مسنده (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن الخصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية ثم تحتية ثم موحدة قال الهيثمي فيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف لكن حسن البزار حديثه . 1480 - (اللهم إنك لست بإله استحدثناه) أي طلبنا حدوثه أي تجدده بعد أن لم يكن (ولا برب ابتدعناه) أي اخترعناه على غير مثال سبق والباء فيه لتأكيد النفي وفي نسخ استحدثناك وابتدعناك بالكاف بدل الهاء (ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه وننذرك) أي نتركك (ولا أعانك على خلقنا) أي إيجادنا من العدم (أحد غيرك فنشركه) فيك أي في عبادتك والالتجاء إليك فإنك المتفرد بالخلق والإيجاد والتقدير (تباركت) تقدست وتنزهت (وتعاليت) تمامه عند مخرجه الطبراني قال كعب وهكذا كان نبي الله داود يدعو (طب عن صهيب) قال الهيثمي : وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك . 1481 - (اللهم إنك تسمع كلامي) أي لا يعزب عنك مسموع وإن خفي بغير جارحة (وترى مكاني) إن كنت في ملاء أو خلاء (وتعلم سري) وفي نسخة سريرتي (وعلانيتي) أي ما أخفي وما أظهر (لا يخفى عليك شئ من أمري) تأكيد لما قبله لدفع توهم المجاز والتخصيص . قال الحراني الإخفاء تغييب الشئ وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته والغرض من ذلك الإجابة والقبول (وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته (الفقير) أي المحتاج إليك في سائر أحواله وجميع أموره (المستغيث) أي المستعين المستنصر بالله فاكشف كربتي وأزل شدتي يقال أغاثه الله إذا أعانه واستغاث به فأغاثه وأغاثهم
[ 149 ]
الله كشف شدتهم (المستجير) بالجيم الطالب منك الأمان من عذابك (الوجل) أي الخائف (المشفق) أي الحذر قال في المصباح : أشفقت من كذا بالألف حذرت وقال الزمخشري : تقول أنا مشفق من هذا أي خائف منه خوفا يرق القلب ويبلغ منه مبلغا (المقر المعترف بذنبه) عطف تفسير ففي الصحاح كغيره أقر بالحق اعترف به وقال الزمخشري : أقر على نفسي بالذنب أعترف (أسألك مسألة المسكين) أي الخاضع الضعيف سمي مسكينا لسكونه إلى الناس وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها عند غيرهم (وأبتهل إليك ابتهال المذنب) أي أتضرع إليك تضرع من أخجلته مقارفة الذنوب إلى الله تضرع وفي الصحاح كغيره الابتهال التضرع وقال الزمخشري : ابتهل واجتهد في الدعاء اجتهاد المبتهلين (الذليل) أي الضعيف المستهان به (وأدعوك دعاء الخائف المضطر) وفي نسخ الضرير وهو بمعناه بين بهذا أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار لأن الاضطرار تغطية حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمدكما أن الحق هو الغني أيضا فالعبد مضطر إليه أبدا ولا يزايله هذا الاضطرار في الدنيا ولا في الآخرة حتى لو دخل الجنة فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عيب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم سلط الله عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته (من خضعت لك رقبته) أي نكس رأسه رضى بالتذلل إليك ، وفي الصحاح الخضوع : التطامن والتواضع وقال الزمخشري : خضع لله خضوعا تطامن وقوم خضع ناكسوا الرؤوس ورجل أخضع راضي بالذل (وفاضت) سالت (لك عبرته) بفتح العين أي سال لك من الفرق دموعه وفي الصحاح فاض الماء كثر حتى سال على ضفة الوادي والعبرة بالفتح تحلب الدمع وبالكسر الاعتبار وفي القاموس العبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض وتردد البكاء في الصدر (وذل لك جسمه) أي انقاد بجميع أركانه الظاهرة والباطنة (ورغم لك أنفه) أي لصق بالتراب وفي الصحاح الرغام بالفتح التراب وأرغم أنفه ألصقه بالتراب . وقال الزمخشري من المجاز ألصقه بالرغام إذا أذله وأهانه ومنه رغم أنفه وأرغمه الله وفي النهاية أصل رغم أنفه لصق بالتراب ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره . (اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا) أي تبعا خائبا قال الزمخشري : من المجاز أشقى من رائض مهر أي أتعب منه ولم يزل في شقاء من أمره في تعب (وكن بي رؤوفا رحيما) أي عطوفا شفوقا (يا خير المسؤولين ويا خير المعطين) أي يا خير من طلب منه ويا خير من أعطى قال في الصحاح السؤال ما يتساءله الإنسان . وقال الزمخشري : سألته حاجة وأصبت منه سؤلي طلبتي فعل بمعنى مفعول كعرف ونكر وقال : ومن المجاز هو مسألتي من الدنيا واللهم أعطنا سؤالاتنا وتعلمت مسألة ومسائل أستعير
[ 150 ]
المصدر للمفعول (طب عن ابن عباس) قال : كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عشية عرفة اللهم . . . إلى آخر ما ذكر قال ابن الجوزي : حديث لا يصح وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه يحيى بن صالح الأملي وقال العقيلي له مناكير وبقية رجاله رجال الصحيح . 1482 - (اللهم أصلح ذات بيننا) أي الحال التي يقع بها الاجتماع (وألف بين قلوبنا) أي اجعل بينها الإيناس والمودة والتراحم لتثبت على الإسلام وتقوى على مقاومة أعدائك ونصر دينك (واهدنا سبل السلام) أي دلنا على طريق السلامة من الآفات أو على طرق دار السلام الجنة (ونجنا من الظلمات إلى النور) أي أنقذنا من ظلمات الدنيا إلى نور الآخرة أو من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة (وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي بعدنا عن القبائح الظاهرة والباطنة فإنا عاجزون عن التنقل منها ورفع الهمم عن مواقعها وإن اجتهدنا بما جبلنا عليه من الضعف وتسلط الشيطان علينا فلا قوة لنا إلا بك . (اللهم بارك لنا في أسماعنا ، وأبصارنا ، وقلوبنا ، وأزواجنا ، وذرياتنا ، وتب علينا) طلب التوبة أثر الحسنة كما هو مطلب العارفين بالله ثم علل طمعه في ذلك بأن عادته تعالى التطول والتفضل فقال (إنك أنت التواب) أي الرجاع بعباده إلى مواطن النجاة بعدما سلط عليهم عدوهم بغوايتهم ليعرفوا فضله عليهم وعظيم قدرته ثم اتبعه وصفا هو كالتعليل له فقال (الرحيم) أي المبالغ في الرحمة لعبادك (واجعلنا شاكرين لنعمتك) أي إنعامك (مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا) سأل التوفيق لدوام الشكر لأن الشكر قيد النعم فيه تدوم وتبقى وبتركه تزول وتحول قال تعالى : * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * [ الرعد : 11 ] قال * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * [ ابراهيم : 7 ] فالحق تقدس إذا رأى عبده قام بحق نعمته بالدوام على شكرها من بأخرى رآه لها أهلا وإلا قطع عنه ذلك (طب) وكذا في الأوسط (ك عن ابن مسعود) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء قال الهيثمي : وإسناد الكبير جيد انتهى ومن ثم آثره المصنف . 1483 - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي) قدم إليك ليفيد الاختصاص أي أشكو إليك لا إلى غيرك فإن الشكوى إلى الغير لا تنفع (وقلة حيلتي وهواني على الناس) أي احتقارهم إياي واستهانتهم واستخفافهم بشأني واستهزاؤهم بي (يا أرحم الراحمين) والشكوى إليه سبحانه لا تنافي أمره بالصبر في آي التنزيل فإن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر والله سبحانه وتعالى
[ 151 ]
يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه (إلى من تكلني) تفوض أمري (إلى عدو يتجهمني) بالتشديد أي يلقاني بغلظة ووجه كريه ؟ قال الزمخشري : وجه جهم غليظ وهو البأس الكريه ويوصف به الأسد وتجهمته وجهمته استقبلته بوجه مكفهر وقبل هو أن يلغظ الرجل له في القول ومن المجاز الدهر يتجهم الكرام وتجهمني أملي إذا لم تصبه (أم إلى قريب ملكته أمري) أي جعلته متسلطا على إيذائي ولا أستطيع دفعه (إن لم تكن ساخطا علي) في رواية إن لم يكن بك سخط علي وفي أخرى بدل سخط غضب (فلا أبالي) بما يصنع بي أعدائي وأقاربي من الإيذاء طلبا لمرضاتك (غير أن عافيتك) التي هي السلامة من البلايا والأسقام وهي مصدر جاء على فاعله (أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك) أي ذاتك (الكريم) أي الشريف والكريم يطلق على الشريف النافع الذي يدوم نفعه (الذي أضاءت له السموات والأرض) جمع السماوات وأفرد الأرض لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة (وأشرقت له الظلمات) أشرقت على البناء المفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرفها الله كما تقول ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا ذكره كله الزمخشري قال في الحكم الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو قبله أو عنده أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الأثار (وصلح) بفتح اللام وتضم (عليه أمر الدنيا والآخرة) أي استقام وانتظم والصلاح ضد الفساد وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب والصلح اسم منه وهو التوفيق كما في المصباح (أن تحل علي غضبك) أي تنزله بي أو توجبه علي ، قال في المختار كأصله حل العذاب يحل بالكسر حلا أي وجب ويحل بالضم حلولا نزل وقرئ بهما قوله تعالى : * (فيحل عليكم غضبي) * [ طه : 81 ] (أو تنزل علي سخطك) أي غضبك هو من عطف الرديف (ولك العتبى حتى ترضى) أي أسترضيك حتى ترضى يقال استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني (ولا حول ولا قوة إلا بك) استعاذ بهذا بعد الاستعاذة بذاته تعالى إشارة إلى أنه لا توجد قابضة حركة ولا قابضة سكون في خير وشر إلا بأمر التابع لمشيئته * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * [ يس : 82 ] وهذا يسمى دعاء الطائف وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب اشتد أذى قومه له فخرج إلى الطائف رجاء أن يأووه وينصروه فأذاقوه أشد من قومه ورماه سفهاؤهم بالحجارة حتى دميت قدماه ، وزيد مولاه يقيه بنفسه حتى انصرف راجعا إلى مكة محزونا فدعى بهذا فعند ذلك أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال : بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده (طب) عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب . 1484 - (اللهم واقية كواقية الوليد) أي المولود كما فسره به راوي الخبر ابن عمر فهو فعيل
[ 152 ]
بمعنى مفعول أي كلاءة وحفظا ككلاءة الطفل المولود وحفظه . قال العسكري : أراد ما يقيه الله من الحشرات وما يدب على الأرض من الهوام وما يدفع عنه مع قلة دفعه عن نفسه وجهله بتوقي المتالف والمعاطب وقيل المراد بالوليد موسى * (ألم نربك فينا وليدا) * [ الشعراء : 18 ] أي كما وقيت موسى شر فرعون وهو في حجره فقني شر قومي وأنا بين أظهرهم والوقاية بالكسر الصيانة وقال الزمخشري : والوليد الصبي الصغير لأنه لا يبصر المعاطب وهو يتعرض لها ثم يحفظه الله أو لأن القلم مرفوع عنه فهو محفوظ من الآثام وذلك لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما ترك اختياراته وأمات في مخالفتها شهواته ولذاته ذهل عن أوصافه وشغل بمحبة محبوبه عن نفسه وصفاته فهو لا يخير في أحكام مولاه بل فوض أمره إليه وأقبل بكليته عليه وطلب منه أن يصرفه في مشيئته ومحابه ويحوطه بعصمته (ع عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات . 1485 - (اللهم كما حسنت) وفي رواية أحسنت (خلقي) أوله (فحسن خلقي) بضمتين أي لأقوى على أثقال الخلق وأتخلق بتحقيق العبودية والرضا بالقدر ومشاهدة الربوبية . قال الطيبي : ويحتمل أن يراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه . وفيه إشارة إلى قول عائشة كان خلقه القرآن وأن يكون قد طلب المزيد والثبات على ما كان وتمسك به من قال إن حسن الخلق غريزي لا مكتسب والمختار أن أصول الأخلاق غرائز والتفاوت في الثمرات وهو الذي به التكليف (حم) وكذا ابن حبان (عن ابن مسعود) قال الزين العراقي ووهم من زعم أنه أبو مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال اللهم إلى آخره قال المنذري رواته ثقات . 1486 - (اللهم احفظني بالإسلام قائما) أي حالة كوني قائما وكذا يقال فيما بعده (واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا) أراد في جميع الحالات قال الطيبي يحتمل أن المراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * [ المائدة : 3 ] وأن يكون طلب المزيد والثبات على ما كان (ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا) أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي وفي الصحاح الشماتة الفرح ببلية العدو والحسد تمني زوال نعمة المحسود . (اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) جمع مخزن كمجلس ما يخزن فيه الشئ قال ابن الكمال كغيره واليد مجاز عن القوة المتصرفة ولا يخفى وجه التجوز على من له قدم راسخ في علم البيان وتشبيها باعتبار تنوع التصرف في العالمين عالم الشهادة المسمى بعالم الملك وعالم الغيب المسمى بعالم الملكوت ومن هنا ظهر وجه قوله سبحانه * (ما منعك أن تسجد لما
[ 153 ]
خلقت بيدي) * [ ص : 75 ] أي لما خلقته ذا حظ من عالمي الملك والملكوت وفيه إشارة إلى جهة فضل آدم على من أمر بالسجود له ممن لا حظ لهم من أحد من العالمين المذكورين (ك عن ابن مسعود) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول اللهم إلخ . وزاد البيهقي في الدعوات من طريق هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه وسأله أن يأمر له بوسق تمر ، فقال : إن شئت أمرت لك وإن شئت علمتك كلمات خيرا لك منه ، فقال : علمنيهن ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه قال : أفعل وقال : قل اللهم احفظني إلخ . 1487 - (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك) بكسر الجيم جمع موجبة وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الرحمة أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق لا يجب عليه شئ (وعزائم مغفرتك) أي مؤكداتها أو موجباتها جمع عزيمة يعني أسألك أعمالا بعزم تهب بها مغفرتك ، قال الراغب : العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (والسلامة من كل إثم) يوجب عقابا أو عتابا أو نقص درجة أو غير ذلك ، قال العراقي : وهذا مصرح بحل سؤال العصمة من كل ذنب ولا اتجاه لاستشكاله بأنها إنما هي لنبي أو ملك لأنها في حقهما واجبة ولغيرهما جائزة وسؤال الجائز جائز لكن الأدب في حقنا سؤال الحفظ لا العصمة (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء الطاعة والخير ، قال الزمخشري : ومن يبر ربه يطيعه (والفوز بالجنة والنجاة من النار) سبق أنه وإن كان محكوما له بالفوز والنجاة لكنه قصد التشريع لأمته والتعليم لهم (ك عن ابن مسعود) قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إلخ . 1488 - (اللهم أمتعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني) أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى أو اجعل تمتعي بهما في مرضاتك باقيا فذكره بعد انقضاء أجلنا وانقطاع عملنا (وعافني في ديني وفي جسدي وانصرني ممن ظلمني) من أعداء دينك (حتى تريني فيه ثأري) أي تهلكه ، وفي الصحاح الثأر الدخل يقال ثأر القتيل بالقتيل أي قتل قاتله . (اللهم إني أسلمت نفسي) أي ذاتي (إليك) يعني جعلت ذاتي طائعة لحلمك منقادة لك في كل أمر ونهي (وفوضت) أي رددت (أمري إليك) أي حكمك (وألجأت ظهري إليك) أي أسندته إليك كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم لا سند يتقوى به سواه وخص الظهر لجري العادة بأن المرء يعتمد بظهره إلى ما يسند إليه (وخليت) بخاء معجمة أي فرغت (وجهي) أي قصدي (إليك) يعني براءته من الشرك والنفاق وعقدت قلبي على الإيمان (لا ملجأ) بالهمز ويترك للازدواج مع قوله (ولا منجا) فهذا
[ 154 ]
مقصور لا يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليما للغير (وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث ، وقال الطيبي في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان ، فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلدا سيفا ورمحا وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي : فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال : ويحتمل أن يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا ، وقال غيره : لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده وذكر احترازا ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا قال ابن حجر : فعلى هذا قول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه (ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقا بزيادة ونقص . 1489 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما يقوى بقوة يحدبها الله فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم
[ 155 ]
فسكون الخور عن تعاطي الحرب خوفا على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان واجب الحق (والبخل) منع السائل المحتاج عما يفضل عن الحاجة (والهرم) كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى وسوء الكبر ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وقال الموفق البغدادي هو اضمحلال طبيعي وطريق للفناء ضروري فلا شفاء له (والقسوة) غلظ القلب وصلابته (والغفلة) غيبة الشئ عن البال وعدم تذكره واستعمل في تاركه إهمالا وإعراضا كما في قوله سبحانه * (وهم في غفلة معرضون) * [ الانبياء : 1 ] (والعيلة والذلة) بالكسر الهوان على الناس ونظرهم إلى الإنسان بعين الاحتقار والاستخفاف به (والقلة) بالكسر قلة البصر أو قلة الأنصار أو القلة في أبواب الخير وخصال البر أو قلة المال بحيث لا يجد كفافا من قوت فيعجز عن وظائف العبادة (والمسكنة) قلة المال وسوء الحال (وأعوذ بك من الفقر) أي فقر النفس لا ما هو المتبادر من معناه من إطلاقه على الحاجة الضرورية فإن ذلك يعم كل موجود * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * [ فاطر : 15 ] وأصله كسر فقار الظهر (والكفر) عنادا أو جحدا أو نفاقا وأورده عقب الفقر لأنه قد يفضي إليه (والفسوق) الخروج عن الاستقامة والجور ومنه قيل للعاصي فاسق (والشقاق) مخالفة الحق بأن يصير كل من المتنازعين في شق أي ناحية كان كل فريق يحرص على ما يشق على الآخر (والنفاق) الحقيقي أو المجازي (والسمعة) بضم فسكون التنويه بالعمل ليسمعه الناس (والرياء) بكسر الراء والمد ومثناة تحتية إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوه فالسمعة أن يعمل لله خفية ثم يتحدث بها تنويها والرياء أن يعمل لغير الله وذكر هذه الخصال لكونها أقبح خصال الناس فاستعاذته منها إبانة عن قبحها وزجر للناس عنها بألطف وجه وأمر بتجنبها بالالتجاء إلى الله (وأعوذ بك من الصمم) بطلان السمع أو ضعفه ، قال القاضي : وأصله صلابة من اكتناز الأجزاء ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ كنزا لا تجويف فيه يشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه (والبكم) بالتحريك الخرس أو أن يولد لا ينطق ولا يسمع والخرس أن يخلق بلا نطق (والجنون) زوال العقل (والجذام) علة تسقط الشعر وتفتت اللحم وتجري الصديد منه (والبرص) علة تحدث في الأعضاء بياضا رديئا (وسئ الأسقام) الأمراض الفاحشة الرديئة المؤدية إلى قرار الحميم وقلة الأنيس أو فقده كالاستسقاء والسل والمرض المزمن وهذا من إضافة الصفة للموصوف أي الأسقام السيئة قال التوربشتي ولم يستعذ من سائر الأسقام لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر خفت مؤنته كحمى وصداع ورمد وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم ويقل دونه المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين وهذه الأمراض لا تجوز على الأنبياء بل يشترط في النبي سلامته من كل منفر وإنما ذكرها تعليما للأمة كيف تدعو (ك والبيهقي في) كتاب (الدعاء عن أنس) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إلى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي .
[ 156 ]
1490 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله القاضي وقال الطيبي خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا ومن ثم حرم الوصال ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه فقال : إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوبا للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامل في طبعه وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا في مدح الجوع في أول السلوك . الجوع موت أبيض * * وهو من أعلام الهدى ما لم يؤثر خلا * * فهو دواء هودا فاحكم به تكن به * * موقفا مسددا وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع : جوع العوائد محمود فلست أرى * * فيما أراه من استعماله بأسا الجوع بأس ضجيع العبد جاء به * * لفظ النبي فلا ترفع به رأسا جوع الطبيعة مذموم وليس يرى * * فيه المحقق بالرحمن إيناسا أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوبا لها إلا حال عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب * (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) * [ الاعراف : 168 ] (ومن الخيانة) مخالفة الحق بنقض العهد في السر (فإنها بئست البطانة) بالكسر أي بئس الشئ الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة قال في المغرب بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب وقال الراغب : تستعار البطانة لمن تخصه بالإطلاع عليه باطن أمرك وقال القاضي : البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع وغير ذلك (ومن الكسل والبخل
[ 157 ]
والجبن) قال الطيبي الجود إما بالنفس أو بالمال ويسمى الأول شجاعة والثاني سخاوة ويقابلها البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا في متناه في النقص (ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر) أي إلى آخره في حال الهرم والخوف والعجز والضعف وذهاب العقل والأرذل من كل شئ الردئ منه . قال الطيبي : المطلوب عند المحققين من العمر التفكير في آلاء الله ونعمائه تعالى من خلق الموجودات فيقيموا بموجب الشكر بالقلب والجوارح والخوف والفاقد لهما فهو كالشئ الردئ الذي لا ينتفع به فينبغي أن يستعاذ منه (ومن فتنة الدجال) محنته والفتنة الامتحان والاختبار استعيرت لكشف ما يكره والدجال فعال بالتشديد من الدجل التغطية سمي به لأنه يغطي الحق بباطله (وعذاب القبر) عقوبته ومصدره التعذيب فهو مضاف للفاعل ومجازا أو هو من إضافة المظروف أظرفه أي ومن عذاب في القبر أضيف للقبر لأنه الغالب وهو نوعان دائم ومنقطع (ومن فتنة المحيا) بفتح الميم ما يعرض للمرء مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات أو هي الابتلاء مع زوال الصبر (والممات) أي ما يفتن به عند الموت أضيفت له لقربها منه أو المراد فتنة القبر أي سؤال الملكين والمراد من شر ذلك . قال الكمال والجمع بين فتنة الدجال وعذاب القبر وبين فتنة المحيا والممات من باب ذكر العام بعد الخاص . (اللهم إنا نسألك) أي نطلب منك ونتضرع إليك (قلوبا أواهة) أي متضرعة أو كثيرة الدعاء أو كثيرة البكاء (مخبتة) أي خاشعة مطيعة متواضعة (منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة عليك (في سبيلك) أي الطريق إليك . (اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب والذي لم يذنب قط في منال رحمتك (ومنجيات أمرك) أي ما ينجى من عقابك ويصون عن عذابك (والسلامة من كل إثم) معصية (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء خير وطاعة (والفوز بالجنة والنجاة من النار) عذابها وسبق أن هذا مسوق للتشريع وفيه دليل على ندب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه . قال ابن بطال : وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين . قال ابن حجر : قد سئل عنه قديما ابن وهب فقال إنه باطل (ك) في الدعاء (عن ابن مسعود) وقال صحيح الإسناد ، قال الحافظ العراقي : وليس كما قال إلا أنه ورد في أحاديث جيدة الإسناد . 1491 - (اللهم اجعل أوسع رزقك) هو نوعان ظاهر للأبدان كالقوت وباطن للقلوب
[ 158 ]
والنفوس كالمعارف ويرشح الأول قوله (علي عند كبر سني وانقطاع عمري) أي إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع الله عليه رزقه حين ذلك كان عونا له على العبادة (ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة . 1492 - (اللهم إني أسألك العفة) بالكسر العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي ومالي اللهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم الهمزة أي أهلك . قال الراغب : الغول إهلاك الشئ من حيث لا يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى * (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب) * [ الاعراف : 176 ] وما أحسن قوله بعظمتك في هذا المقام (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن حبان وهو ضعيف انتهى . وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف على البزار خلاف اللائق . 1493 - (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم) أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا
[ 159 ]
أستقله قال الشاذلي : من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إلى الله عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة فقد صحت ولايته لله ورسوله والمؤمنين * (ومن يتول الله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * [ المائدة : 56 ] وقال الغزالي : من لم يرض بالقضاء يكن مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشئ من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس للإنسان إلا قلب واحد (تنبيه) قال ابن عربي : لا يلزم الراضي بالقضاء الرضا بالمقضي فالقضاء حكم الله وهو الذي أمرنا بالرضا به والمقضي المحكوم به فلا يلزم الرضا به (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف الحديث . 1494 - (اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأته (دعاك لأهل مكة) علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان (بالبركة) بقوله * (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) * [ ابراهيم : 37 ] الآية ولمكة أسماء كثيرة جمعها صاحب القاموس في مؤلف مستقل وفي تاريخ القطب أن من خواص اسمها أنه إذا كتب بدم الرعاف على جبين المرعوف مكة وسط البلاد والله رؤوف بالعباد انقطع الدم (وأنا محمد عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه أيضا خليل كما في خبر اتخد الله صاحبكم خليلا تواضعا ورعاية للأدب حيث لم يساو نفسه بأبيه (أدعوك لأهل المدينة (1) - طيبة - أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما بركة (مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك لهم بضعف ما دعاك إبراهيم لمكة والمد مكيال معروف وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والصاع خمسة أرطال وثلث عند أهل الحجاز وثمانية أرطال عند أهل العراق (ت عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا عن أبي قتادة قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 1495 - (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما وإني حرمت المدينة) أي جعلتها حراما (ما بين مأزميها) تثنية مأزم بالهمز وزاي مكسورة الجبل أو المضيق بين الجبلين وحرمتها (أن لا يراق فيها دم) أي لا يقتل فيها آدمي معصوم بغير حق (ولا يحمل فيها سلاح لقتال) عند فقد الاضطرار (ولا تخبط) أي تضرب (فيها شجرة) قال في الصحاح : خبط الشجرة ضربها بالعصى ليسقط ورقها (إلا لعلف) بسكون اللام ما تأكله الماشية . - - - (1) لفظ المدينة صار علما بالغلبة على طيبة فإذا أطلق انصرف إليها . - - - -
[ 160 ]
(اللهم بارك لنا في مدينتنا) أي أكثر خيرها (اللهم بارك لنا في صاعنا) أي فيما يكال بصاع مدينتنا (اللهم بارك لنا في مدنا) أي فيما يكال به ثم يحتمل كون البركة دينية وتكون بمعنى الثبات أي ثبتنا في أداء حقوق الحق المتعلقة بهذه المقادير وكونها دنيوية وتكون بمعنى الزيادة حيث يكفي المد لمن لا يكفيه في غيرها ويحتمل الأمران معا . (اللهم اجعل مع البركة) التي في غيرها (بركتين) فيها فتصير البركة فيها مضاعفة (والذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (ما من المدينة شعب) بكسر الشين فرجة نافذة بين جبلين (ولا نقب) بفتح النون وسكون القاف طريق بين جبلين (إلا عليه ملكان) بفتح اللام (يحرسانها) من العدو (حتى تقدموا إليها) أي من سفركم هذا وكان هذا القول حين كانوا مسافرين للغزو وبلغهم أن بعض الطوائف يريد الهجوم عليها أو فعل وتمسك بهذا الخبر وما قبله من ذهب إلى تفضيل المدينة على مكة وقال : التضييق شامل للأمور الدينية أيضا (م عن أبي سعيد) الخدري . 1496 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو ما فيه أو إثم أو ما يوجب الإثم أو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم (والمغرم) أي مغرم الذنوب والمعاصي أو هو الدين فيما لا يحل أو فيما يحل لكن يعجز عن وفائه أما دين احتاجه وهو يقدر على أدائه فلا استعاذة منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه واستعاذته تعليم لأمته وإظهار للعبودية والافتقار وفي حديث صحيح قال له قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله قال : الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف (ومن فتنة القبر) التحير في جواب منكر ونكير (وعذاب القبر) عطف عام على خاص فعذابه قد ينشأ عنه فتنة بأن يتحير فيعذب لذلك وقد يكون لغير ما كان يجيب بالحق ولا يتحير ثم يعذب على تفريطه في بعض المأمورات أو المنهيات كإهمال التنزه عن البول (ومن فتنة النار) سؤال خزنتها وتوبيخهم كما يشير إليه * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها) * [ الملك : 8 ] الآية (وعذاب النار) أي إحراقها بعد فتنتها كذا قرر بعضهم وقال الطيبي قوله فتنة النار أي فتنة تؤدي إلى عذاب النار وإلى عذاب القبر لئلا يتكرر إذا فسر بالعذاب (ومن شر فتنة الغنى) أي البطر والطغيان والتفاخر وصرف المال في المعاصي (وأعوذ بك من فتنة الفقر) حسد الأغنياء والطمع في مالهم والتذلل لهم بما يدنس العرض ويسلم الدين ويوجب عدم الرضا بما قسم ذكره البيضاوي وقال الطيبي الفتنة إن فسرت بالمحنة والمصيبة فشرها أن لا يصير الرجل على لأوائها ويجزع منها وإن فسرت بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر في الضراء وذكر لفظ شر في الفقرة الأولى دون الثانية وهو ما وقع
[ 161 ]
في هذه الرواية وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي أخرى حذفها فيهما (ومن فتنة المسيح) بفتح الميم وخفة السين وبحاء مهملة سمي به لكون إحدى عينيه ممسوحة أو لمسح الخير منه فعيل بمعنى مفعول أو لمسحه الأرض أو قطعها في أمد قليل فهو بمعنى فاعل وقيل هو بخاء معجمة ونسب قائله إلى التصحيف (الدجال) احتراز عن عيسى عليه السلام من الدجل الخلط أو التغطية أو الكذب أو غير ذلك وهو عدو الله المموه واسمه صافن وكنيته أبو يوسف وهو يهودي وإنما استعاذ منه مع كونه لا يدرك نشرا لخبره بين أمته جيلا بعد جيل لئلا يلتبس كفره على مدركه . (اللهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي ذنوبا (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد) أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطئ بالكسر الذنب (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع التشبيه أن إلتقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية (ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن ه) مختصرا كلهم (عن عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة . 1497 - (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه الجوامع . قال الراغب : وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب إلى الله أن يعطيه من الخيور ما فيه
[ 162 ]
مصلحته مما لا سبيل بنفسه إلى اكتسابه وأن يبذل جهده مستعينا بالله في اكتساب ماله كسبه نافقا عاجلا وآجلا ومطلقا وفي كل حال وفي كل زمان ومكان قال : والخير المطلق هو المختار من أجل نفسه والمختار غيره لأجله وهو الذي يتشوفه كل عاقل . (اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) قال الحليمي : هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير وتعوذ به من كل شر ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قصر في النظر لنفسه (وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا) لا يعارضه الخبر الآتي عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان له خيرا لأن المراد هنا طلب دوام شهود القلب أن كل واقع فهو خير وينشأ عن ذلك الرضا ومن جعل الرضا غنيمته في كل كائن من أوقاته وافق النفس أو خالفها لم يزل غانما بما هو راض بما أوقع الله له وأقام من حكمته * (أليس الله بأحكم الحاكمين * الذي أحسن كل شئ خلقه) * [ السجدة : 7 ] (ه) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة بالجوامع الكوامل قولي اللهم إلى آخره ورواه عنها أيضا البخاري في الأدب وأحمد والحاكم وصححه . 1498 - (اللهم إني أسألك باسمك الطاهر) الأنفس الأقدس المنزه عن كل عيب ونقص (الطيب) النفيس قال الزمخشري : تقول صائد مستطيب يطلب الطيب النفيس من الصيد ولا يرضى بالدون وفي الصحاح الطيب ضد الخبيث (المبارك) أي الزائد خيره والعميم فضله (الأحب إليك) من سائر الأسماء (الذي إذا دعيت به أجبت) الداعي إلى ما سأله (وإذا سئلت به أعطيت) السائل سؤله (وإذا استرحمت به) أي طلب أحد منك أن ترحمه وأقسم عليك به (رحمت) أي رحمته (وإذا استفرجت به) أي طلب منك الفرج (فرجت) عمن استفرج به ولم ترده خائبا وهذا خرج جوابا لسائل سأله أن يعلمه دعاءا جامعا يدعو به (ه عن عائشة) وبوب عليه باب اسم الله الأعظم . 1499 - (اللهم من آمن بي وصدقني) بما جئت به من عندك وهذا قريب من عطف الرديف
[ 163 ]
(وعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأقلل ماله وولده) لأن من كان مقلا منهما يسهل عليه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التباين والتضاد ، ومن ثم قال ابن مسهر : نعمة الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط منها والله سبحانه لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا لإثانة أحبابه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو جمودا في العين أو تعويقا عن طاعة أو وقوعا في ذنب أو فترة في الهمة أو سلب لذة خدمة وذهب ابن عربي إلى أن المراد بإقلال ذلك وبإعدامه أو أخذه في رواية أخرى أخذ ذلك من قلبه مع وجوده عنده وأنه يؤثر حب الله على حب هؤلاء (وحب إليه لقاءك) أي حبب إليه الموت ليلقاك ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (وعجل له القضاء) أي الموت (ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره) لتكثر عليه أسباب العقاب والمال والأهل بل والأعضاء حتى العين التي هي أعزها قد تكون سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحيان ، قال الجنيد : إذا أحب الله عبدا لم يذر له مالا ولا ولدا لأنه إذا كان ذلك له أحبه فتتشعب محبته لربه وتتجزء وتصير مشتركة بين الله وغيره (والله لا يغفر أن يشرك به) [ النساء : 48 ] و [ النساء : 116 ] وهو تعالى قاهر لكل شئ فربما أهلك شريكه وأعدمه ليخلص قلب عبده لمحبته وحده . وقال الحراني خلق الله الدنيا دار بلاء فجعل التقلل منها رحمة وجعل الاستكثار منها نقمة ، وقال الغزالي كل ما يزيد على قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مائة دينار مثلا على الطريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مائة دينار فلا يكفيه ما وجده بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى فقد كان قبل وجود المائة مستغنيا فالآن وجد مائة وظن أنه صار بها غنيا وقد صار محتاجا إلى تسعمائة أخرى يشتري دارا يعمرها وجارية وأثاثا وثيابا فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به وكل ذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم (تتمة) قال شيخنا العارف بالله الشعراني اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه الله دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح قال : وقد ذقنا ذلك فأحب ما إلى يوم يموت ولدي إظهار الرضا بالقضاء محبة للثواب . وقال النور المرصفي ما أحد من الأولياء إلا ويقدم ما فيه رضا الله على نفسه فأحب ما إليه يوم موت ولده الصالح . بلغنا أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك فقيل له فيه فقال : إن الله أحب أمرا فأحببته ، ثم إن ذا لا يعارضه خبر البخاري أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده لأن فضل التقلل من الدنيا والولد يختلف باختلاف الأشخاص كما يشير إليه الخبر القدسي (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إلخ) فمن الناس من يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر ، ومنهم من لا يخاف عليه كحديث أنس وحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح ، فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يصلحه ويليق به ، فسقط قول الداودي
[ 164 ]
هذا الحديث باطل إذ كيف يصح وهو صلى الله عليه وسلم يحث على النكاح والتماس الولد وكيف يدعو لخادمه أنس بما كرهه لغيره (تنبيه) قال الغزالي من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها فكان له ألف محبوب فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته على خطر المصيبة بالفقر والهلاك وحمل إلى ملك قدح مرصع بجوهر لا نظير له ففرح به وبعض الحكماء عنده فقال كيف ترى فقال أراه مصيبة إن انكسر أو فقر كان مصيبة وإن سرق كنت فقيرا إليه وقد كنت قبل حمله إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر فأسف الملك وقال ليته لم يحمل إلينا (ه عن عمرو بن غيلان) بن سلمة (النقفي) قال الحافظ ابن حجر مختلف في صحبته قال المؤلف في فتاويه وبقية رجاله ثقات (طب عن معاذ بن جبل) قال الهيثمي وفيه عمرو بن واقد وهو متروك انتهى وسبقه في الميزان فقال عمرو بن واقد قال البخاري منكر الحديث والدارقطني متروك والنسائي يكذب ثم ساق من مناكيره أخبارا هذا منها . 1500 - (اللهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين (فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم وخاطر منشرح ولا ينهمك في شئ من قضائك ويعلم أنه ما من شئ قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك (وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن . (تنبيه) قال في الحكم ورود الفاقات أعياد المريدين ، الفاقات بسط المواهب إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك * (إنما الصدقات للفقراء) * [ التوبة : 60 ] تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه ، تحقق بذلك يمدك بعزه ، تحقق بعجزك يمدك بقدرته ، تحقق بضعفك يمدك بحوله (طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي رجاله ثقات . 1501 - (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر) أي الدوام على الدين والاستقامة بدليل خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول ثبت قلبي على دينك أراد الثبات عند الاحتضار أو السؤال بدليل خبر أنه كان إذا دفن الميت قال سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ولا مانع من إرادة الكل ولهذا قال الوالي الثبات التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال وأسألك عزيمة الرشد وفي رواية العزيمة على الرشد
[ 165 ]
قال الحرالي وهو حسن التصرف في الأمر والإقامة عليه بحسب ما يثبت ويدوم وقال الطيبي العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر وقال غيره العزيمة القصد الجازم المتصل بالفعل وقيل استجماع قوى الإرادة على الفعل والمكلف قد يعرف الرشد ولا عزم له عليه فلذلك سأله قال الطيبي فإن قلت من حق الظاهر أن يقدم العزيمة على الثبات لأن قصد القلب مقدم على الفعل والثبات عليه (قلت) تقديمه إشارة إلى أنه المقصود بالذات لأن الغايات مقدمة في الرتبة وإن كانت مؤخرة في الوجود (وأسألك شكر نعمتك) أي التوفيق لشكر إنعامك (وحسن عبادتك) أي التوفيق لإيقاع العبادة على الوجه الحسن المرضي شرعا (وأسألك لسانا صادقا) أي محفوظا من الكذب وفي رواية قلبا سليما أي خاليا من العقائد الفاسدة والميل إلى اللذات والشهوات العاجلة ويتبع ذلك الأعمال الصالحة إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح كما أن صحة البدن عبارة عن حصول ما ينبغي عن استقامة المزاج والتركيب والاتصال ومرضه عبارة عن زوال أحدها (وقلبا حليما) بحيث لا يقلق ولا يضطرب عند هيجان نار الغضب وغيره من النوازل (وأعوذ بك من شر ما تعلم) أي ما تعلمه أنت ولا أعلمه أنا (وأسألك من خير ما تعلم) قال الطيبي وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف ومن يجوز كونها زائدة أو بيانية والمبين محذوف أي أسألك شيئا هو خير ما تعلم أو تبعيضة ، سأله إظهارا لهضم النفس وأنه لا يستحق إلا قليلا من الخير وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر وطلب كل خير وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار فقال (وأستغفرك مما تعلم) أي أطلب منك أن تغفر لي ما علمته مني من تقصير وإن لم أحط به علما (إنك أنت علام الغيوب) أي الأشياء الخفية الذي لا ينفذ فيها ابتداء الأعم اللطيف الخبير وفي بعض الروايات قيل يا رسول الله أنستغفر مما لا نعلم قال وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمة يقلبه كيف يشاء والله يقول * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * [ الزمر : 39 ] (ت ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه قال الحافظ العراقي قلت بل هو منقطع وضعيف . 1502 - (اللهم لك أسلمت وبك آمنت) أي لك انقدت وبك صدقت . قال النووي فيه إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان (وعليك توكلت) أي عليك لا على غيرك اعتمدت في تفويض أموري (وإليك أنبت) أي رجعت وأقبلت بهمتي (وبك خاصمت) أي بك أحتج وأدفع وأخاصم (اللهم) إني أعوذ بعزتك أي بقوة سلطانك (لا إله إلا أنت أن تضلني) أي تهلكني بعدم التوفيق المرشاد ، والتوفيق على طرق الهداية والسداد وفي الصحاح ضل الشئ ضاع وهلك وضله إذا لم يوفقه للرشاد انتهى
[ 166 ]
وكلمة التهليل معترضة (أنت الحي القيوم) أي الدائم القائم بتدبير الخلق (الذي لا يموت) بلفظ الغائب للأكثر وفي بعض الروايات بلفظ الخطاب أي الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال (والجن والإنس يموتون) عند تقضي آجالهم ، وكلمة تضلني متعلقة بأعوذ أي من أن تضلني وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة واستغنى عن ذكر عائد الموصول لأن نفس المخاطب هو المرجوع إليه ليحصل الارتباط ومثله أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولا حجة فيه لمن استدل به على عدم موت الملائكة لأنه مفهوم لقب ولا عبرة به وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله * (كل شئ هالك إلا وجهه) * [ القصص : 88 ] مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن بجامع ما بينهم من الاجتنان عن عيون الناس والحياة حقيقة في القوة الحاسة أو ما يقتضيها وبه سمي الإنسان حيوانا مجازا في القوة النامية لأنها من طلائعها ومقدماتها وفيما يخص الإنسان من الفضائل كالعلم والعقل والإيمان من حيث أنها كمالاتها ومتمماتها والموت بإزائها وإذا وصف بها البارئ أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة (م) في الدعوات (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن هذا من مفردات مسلم عن صاحبه وليس كذلك فقد رواه البخاري في التوحيد عن ابن عباس . 1503 - (اللهم لك الحمد كالذي نقول) بالنون أي كالذي نحمدك به من المحامد (وخيرا مما نقول) بالنون أي مما حمدت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (اللهم لك) لا لغيرك (صلاتي ونسكي) عبادتي أو ذبائحي في الحج والعمرة ونص عليه لأن ذبائح الجاهلية كانت بأسماء أصنامهم (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي أي لك ما فيها من سائر أعمالي والجمهور على فتح ياء محياي وسكون ياء مماتي ويجوز الفتح والإسكان فيهما (وإليك مآبي) أي منقلبي ومرجعي (ولك رب تراثي) بتاء ومثلثة ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وتاؤه بدل من واو فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أنه ما يورث وأن ما يخلفه غيره لورثته يخلفه هو صدقة لله سبحانه وفي الخبر إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما نركناه فهو صدقة . (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) استعاذ منه لأنه أول منزل من منازل الآخرة فسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه (ووسوسة الصدر) أي حديث النفس بما لا ينبغي وأضافها للصدر لأن الوسوسة في القلوب التي في الصدور (وشتات الأمر) أي تفرقته وتشعبه وفي الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وقال الزمخشري : تقول فرقهم البين المشتت وتفرقوا شتتا وأشتاتا .
[ 167 ]
(اللهم إني أسألك من خير ما تجئ به الرياح وأعوذ بك من شر ما تجئ به الريح) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة وتعوذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به الأسلوب في كلام علام الغيوب ، قال الزمخشري : وعين الريح واو لقولهم أرواح ورويحة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح ويصدقه مجئ الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب (ت هب عن علي) أمير المؤمنين قال كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم إلى آخره قال أعني الترمذي وليس إسناده بقوي . 1504 - (اللهم عافني في جسدي) أي سلمني من المكاره فيه لئلا يشغلني شاغل أو يعوقني عائق عن كمال القيام بعبادتك (وعافني في بصري) كذلك (واجعله الوارث مني) بأن يلازمني حتى عند الموت لزوم الوارث لمورثه (لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين) أي الوصف بجميع صفات الكمال وسائر نعوت الجمال لله وحده على كل حال (ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في الدعوات . قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول فذكرته . 1505 - (اللهم اقسم لنا) أي اجعل لنا قسمة ونصيبا (من خشيتك) أي خوفك والخشية الخوف أو خوف مقترن بتعظيم (ما يحول) أي يحجب ويمنع (بيننا وبين معاصيك) لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي ، فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من علامة الشقاء ومن ثم قالوا المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل والبدن والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة بدليل خبر : لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن اليقين) أي وارزقنا من اليقين بك وبأنه لا راد لقضائك وقدرك (ما يهون) أي يسهل (علينا مصائب الدنيا) بأن نعلم أن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة وأنك لا تفعل بالعبد شيئا إلا وفيه صلاحه (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) قال القاضي الضمير في اجعل للمصدر اجعل الجعل والوارث هو المفعول الأول ، ومنا في محل المفعول الثاني بمعنى اجعل الوارث
[ 168 ]
من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر والنار وغيرهما ذكره كله القاضي . قال الطيبي : فإن قلت بين لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته بعده فقال واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا (ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب قال : : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح . 1506 - (اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل بمقتضاه خالصا لوجهك (وعلمني ما ينفعني) لأرتقي منه إلى عمل زائد على ذلك (وزدني علما) مضافا إلى ما علمتنيه وهذه إشارة إلى طلب المزيد في السير والسلوك إلى أن يوصله إلى مخدع الوصال وبه ظهر أن العلم وسيلة للعمل وهما متلازمان ومن ثم قالوا ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شئ إلا في العلم (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها * (وعسى أن
[ 169 ]
تكرهوا شيئا وهو خير لكم) * [ البقرة : 216 ] قال في الحكم : من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذاك لقصور نظره . وقال الغزالي : لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها قال عمر رضي الله تعالى عنه : ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها أربع نعم إذ لم تكن في ديني وإذ لم أحرم الرضا وإذ لم تكن أعظم وإذ رجوت الثواب عليها ، وقال إمام الحرمين شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأنها نعم بالحقيقة بدليل أنها تعرض العبد لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأغراض كريمة تتلاشى في جنبها شدائد (وأعوذ بالله من حال أهل النار) في النار وغيرها قال الطيبي : وما أحسن موقع الحمد في هذا المقام ومعنى المزيد فيه * (ولئن شكرتم لأزيدنكم) * [ ابراهيم : 7 ] وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلى النار تلميحا إلى القطيعة والبعد وهذا الدعاء من جوامع الكلم التي لا مطمح وراءها (ت) في الدعوات (ه) في السنة والدعاء (ك) في الأدعية (عن أبي هريرة) وقال الترمذي غريب . قال المناوي : وفيه موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن الزهري وموسى ضعفه النسائي وغيره ومحمد بن ثابت لم يروه عنه غير موسى (ه) قال الذهبي مجهل . 1507 - (اللهم اجعلني أعظم شكرك) أي وفقني لإكثاره لأكون قائما بما وجب علي من شكر نعمائك التي لا تحصى (وأكثر ذكرك) القلبي واللساني (وأتبع نصيحتك) بامتثال ما يقربني إلى رضاك ويبعدني عن غضبك (وأحفظ وصيتك) بالمداومة على فعل المأمورات وتجنب المنهيات أو المذكورة في قوله تعالى * (ولقد وصينا اللذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم) * [ النساء : 131 ] الآية فإنها للأولين والآخرين وهي التقوى أو بالتسليم لله العظيم في جميع الأمور والرضا بالمقدور على ممر الدهور (ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد من طريق أبي سعيد المدني قال الهيثمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 1508 - (اللهم إني أسألك) أطلب منك (وأتوجه إليك بنبيك محمد) صرح باسمه مع ورود النهي عنه تواضعا لكون التعليم من جهته (نبي الرحمة) أي المبعوث رحمة للعالمين (يا محمد إني توجهت بك) أي استشفعت بك (إلى ربي) قال الطيبي الباء في بك للاستعانة وقوله إني توجهت بك بعد قولك أتوجه إليك فيه معنى قوله تعالى * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * [ البقرة : 255 ] (في حاجتي هذه لتقضى لي) أي ليقضيها ربي لي بشفاعته ، سأل الله أولا أن يأذن لنبيه أن يشفع له ثم أقبل على النبي ملتمسا شفاعته له ثم كر مقبلا على ربه أن يقبل شفاعته والباء في بنبيك للتعدية وفي بل للاستعانة وقوله (اللهم فشفعه في أي اقبل شفاعته في حقي ولتقضي عطف على أتوجه إليك بنبيك أي اجعله شفيعا لي فشفعه وقوله اللهم معترضة وما ذكر من أن سياق الحديث هو هكذا هو ما في نسخ الكتاب ووجهه
[ 170 ]
ظاهر وفي المشكاة كأصلها لتقضي لي حاجتي وعليه قال الطيبي : إن قلت ما معنى لي وفي ؟ قلت معنى لي كما في قوله تعالى * (رب اشرح لي صدري) * [ طه : 25 ] أجمل أولا ثم فصل ليكون أوقع في النفس ، ومعنى في كما في قول الشاعر : * يجرح في عراقيبها نصلي * أي أوقع القضاء في حاجتي واجعلها مكانا له ونظير الحديث قوله تعالى * (وأصلح لي في ذريتي) * [ الاحقاف : 15 ] انتهى . قال ابن عبد السلام : ينبغي كون هذا مقصورا على النبي لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن يكون مما خص به تنبيها على علو رتبته وسمو مرتبته . قال السبكي ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثله انتهى . وفي الخصائص يجوز أن يقسم على الله به وليس ذلك لأحد ذكره ابن عبد السلام لكن روى القشيري عن معروف الكرخي أنه قال لتلامذته إذا كان لكم إلى الله حاجة فأقسموا عليه بي فإني الواسطة بينكم وبينه الآن وذلك بحكم الوراثة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (ت ه ك عن عثمان بن حنيف) بمهملة ونون مصغر بن وهب الأنصاري الأوسي المدني شهد أحدا وما بعدها ومسح سواد العراق وقسط وولى البصرة لعلي وكان من الأشراف قال : إن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت قال فادعه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 1509 - (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني) أي نطقي فإن أكثر الخطايا منه وهو الذي يورد المرء في المهالك وخص هذه الجوارح لما أنها مناط الشهوة ومثار اللذة (ومن شر قلبي) يعني نفسي والنفس مجمع الشهوات والمفاسد بحب الدنيا والرهبة من الخلق وخوف فوت الرزق والأمراض القلبية من نحو حسد وحقد وطلب رفعة وغير ذلك (ومن شر مني) من شر شدة الغلمة وسطوة الشهوة إلى الجماع الذي إذا أفرط ربما أوقع في الزنا أو مقدماته لا محالة فهو حقيق بالاستعاذة من شره وخص هذه الأشياء بالاستعاذة لأنها أصل كل شر وقاعدته ومنبعه كما تقرر (د) وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه كلام المصنف من تفرد ابن داود عن السنة (ك) كلهم (عن شكل) بشين معجمة وكاف مفتوحتين ابن حميد العبسي له صحبة ولم يرو عنه إلا ابنه قال البغوي ولا أعلم له غير هذا الحديث قال شكل قلت يا رسول الله علمني تعوذا أتعوذ به فأخذ بكفي فذكره قال الترمذي حسن غريب .
[ 171 ]
1510 - (اللهم عافني في بدني) من الأسقام والآلام (اللهم عافني في سمعي) أي القوة المودعة في الجارحة وإرادة الاستماع بعيدة (اللهم عافني في بصري) خصهما بالذكر بعد ذكر البدن لأن العين هي التي تنظر آيات الله المثبتة في الآفاق والسمع يعني الآيات المنزلة فهما جامعان لدرك الآيات العقلية والنقلية وإليه سر قوله في حديث آخر اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت) فلا يستعاذ من جميع المخاوف والشدائد إلا بك أنت والقصد باستعاذته من الكفر مع استحالته من المعصوم أن يقتدي به في أصل الدعاء وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه (د ك عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة وقال أعني النسائي فيه جعفر بن ميمون ليس بقوي . 1511 - (اللهم إني أسألك عيشة) بكسر العين حياة (نقية) أي زكية راضية مرضية (وميتة) بكسر الميم وسكون التحتية وهي حالة الموت (سوية) بفتح فكسر مشددا أي معتدلة فلا أرد إلى أرذل العمر ولا أقاسي مشاق الهرم ، وفي الصحاح استوى اعتدل واستوى الرجل انتهى شبابه ، وقال الزمخشري رحمه الله تقول رزقك الله ولدا سويا لا داء به ولا عيب و (مكانا سوى) وسط بين الحديث (ومرد غير مخز) بضم الميم وبالزاي أي مرتجعا إلى الآخرة غير مخز بضم فسكون وفي رواية مخزي بإثبات الياء المشددة أي غير مذل ولا موقع في بلاء ، قال الزمخشري تقول ارتد هبته ارتجعها وخزي خزيا ومخزاة ذل (ولا فاضح) أي كاشف للمساوي والعيوب وفي الصحاح فضحه كشف مساويه : وقال الزمخشري تقول إذا كان العذر واضحا كان العتاب فاضحا وهذا الدعاء قطعة من دعائه يومي العبد كما رواه الطبراني عن ابن مسعود (البزار) في مسنده واللفظ له (طب ك) من حديث خلاد بن يزيد الجعفي عن شريك عن الأعمش عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به ، قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي فقال خلاد ثقة لكن شريك ليس بحجة انتهى . قال الهيثمي إسناد الطبراني جيد . 1512 - (اللهم إن قلوبنا وجوارحنا بيدك) أي في تصرفك تقلبها كيف تشاء (لم تملكنا منها شيئا فإذا) وفي نسخ فإن بالنون (فعلت ذلك بهما فكن أنت وليهما) أي متوليا حفظهما وتصريفهما المتصرف فيهما في مرضاتك وإبعادهما عن مواقع سخطك ومهالك مخالفتك (حل عن جابر) .
[ 172 ]
1513 - (اللهم اجعل لي في قلبي نورا) أي عظيما كما يفيده التنكير ويدل له خبر إذا سأل أحدكم ربه فليعظم المسألة (وفي لساني) يعني نطقي (نورا) استعارة للعلم والهداية فهو على وزن * (فهو على نور من ربه) * [ الانعام : 122 ] ، * (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) * [ الانعام : 122 ] (وفي بصري نورا) ليتحلى بأنوار المعارف وتتجلى له صفوف الحقائق فهو راجع إلى البيان والهداية * (يهدي الله لنوره من يشاء) * [ النور : 35 ] (وفي سمعي نورا) ليصير مظهرا لكل مسموع ومدركا لكل كمال لا مقطوع ولا ممنوع وخص القلب والسمع والبصر بنفي الظرفية لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعمائه ومكانها ومعدنها والبصر مسارح آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ومحلها والأسماع مراسي ألواح وحي الله ومحط آياته المنزلة على أوليائه (وعن يميني نورا وعن يساري نورا) خصهما بعن إيذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من اتباعه (ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن أمامي نورا ومن خلفي نورا) لأكون محفوفا بالنور من سائر الجهات فكأنه سأل أن يزج به في النور زجا لتتلاشى عنه الظلمات وتنكشف له المعلومات ويشاهد بكل جارحة منه بسائر المبصرات وقال الأكمل : النور الذي عن يمينه هو المريد له والذي عن يساره نور الوقاية والذي خلفه الذي يسعى بين يديه اتباعه والذي فوقه تنزل روحي إلهي بعلم غريب لم يسبقه خبر ولا نظر يعطيه نظر وهو الذي يعطى من العلم بالله ما لا ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيماني نوراني (واجعل لي في نفسي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجزل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه لأكون دائم السير والترقي في درجات المعارف فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره ولا يضل سبيله فالقصد طلب مزيد النور ليدوم السير ويتضاعف الترقي وقيل أراد نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي ذكرها وغيرها كأنوار الأسماء الإلهية وأنوار الأرواح وقال الطيبي رحمه الله معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن الظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان رأى أنه قد أحاطت به خطيئة ظلمات الحيلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من ميزان الشهوات من جوانبه ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض لم ير للتخليص منها مساغا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل مسافة تلك الظلمات إرشادا للأمة وتعليما لهم وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وضياء للحق وإلى مطالع هذه الأنوار قوله * (الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) * [ النور : 35 ] وإلى أودية تلك الظلمات تلمح قوله * (أو كظلمات في بحر لجي - إلى قوله - ظلمات بعضها فوق بعض) * [ النور : 40 ] وقوله : * (ومن يجعل الله له نورا فما له من نور) * [ النور : 45 ] اللهم إنا نعوذ بك من شر تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار (حم ق عن ابن عباس) .
[ 173 ]
1514 - (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي الذي هو حافظ لجميع أموري فإن من فسد دينه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي بإعطاء الكفاف فيما يحتاج إليه وكونه حلالا معينا على الطاعة (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ذكره ابن الأثير قال الحرالي قد جمع في هذه الثلاثة صلاح الدنيا والدين والمعاد وهي أصول مكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها فاستقى في هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند غاياتها فإصلاح الدين بالتوفيق لإظهار خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لعرض النفس والبدن إلا بالتطهر منه واستعمال الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته لتقويتها وإصلاح المعاد بخوف الزجر والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناها وخوف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناها والمقصود بالزجر والنهي الردع عما يضر في المعاد إلا أن الردع على وجهين خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق البهائم وخطاب المعتل على التفهم ويسمى نهيا فكان الزجر يزيغ الطبع والنهي يزيغ العقل انتهى (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أي اجعل حياتي زيادة سبب طاعتي (واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي اجعل موتي سبب خلاصي من مشقة الدنيا والتخلص من غمومها وهمومها لحصول الراحة . قال الطيبي وهذا الدعاء من جوامع الكلم (م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري . 1515 - (اللهم إني أسألك الهدى) أي الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ، (والتقى) الخوف من الله والحذر من مخالفته (والعفاف) الصيانة عن مطامع الدنيا (والغنى) غنى النفس والاستغناء عن الناس ، قال الطيبي أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهدى إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكلما يجب أن يتقى منه من شر ك ومعصية وخلق ديني (م ت ه) كلهم في الدعوات (عن ابن مسعود) ولم يخرجه البخاري . 1516 - (اللهم استر عورتي) أي ما يسوؤني إظهاره (وآمن روعتي) خوفي وفزعي (واقض عني ديني) بأن تقدرني على وفائه والقضاء لغة على وجوه ترجع إلى انقضاء الشئ وتمامه (طب عن
[ 174 ]
خباب) بن الأرت الخزاعي التميمي من السابقين الأولين سبي في الجاهلية فبيع بمكة قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه . 1517 - (اللهم اجعل حبك) أي حبي لك (أحب الأشياء إلي) وذلك يستلزم الترقي في مدارج معرفة الحق ومطالعة كمال جماله فكلما ازدادت المعرفة تضاعفت الأحبية (واجعل خشيتك) خوفي منك المقترن بكمال التعظيم (أخوف الأشياء عندي) بأن تكشف لي من صفات الجلال ما يستلزم كمال الخوف (واقطع عني حاجات الدنيا) أي امنعها وادفعها (بالشوق إلى لقائك) أي بسبب حصول الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم الذي هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم بالله أشدهم له شوقا ، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله وأقربهم قربا وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب ، روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق (1) قميصه من شدة الشوق قال حجة الإسلام لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب ، وكذلك كل شئ بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ، ولذلك سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف (وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم) أي فرحتهم بما آتيتهم منها قال الزمخشري من المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر بعيني أن أراك وهو في قرة من العيش في رغد وطيب (فأقر عيني من عبادتك) أي فرحني بها وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من كبده ، قال الحليمي هذا قاله تذللا وإشفاقا على نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال عن طاعة الرحمن وهو معصوم من ذلك لكن الكل يغلب عليهم مقام الخوف (حل عن الهيثم بن مالك الطائي) أي محمد الشامي الأعمى . (1) هذا لا يتفق مع جلالة سيدنا موسى عليه السلام فتدبر . (*)
[ 175 ]
1518 - (اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين) قالوا يا رسول الله وما الأعميان قال (السيل والبعير الصؤول) فعول من الصيول وهي الحملة والوثبة والعمى عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة قال ابن الأثير سماهما أعميين لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره وأنهما إذا وقعا لا يتقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك فهو يمشي حيث أدته رجله (طب) من حديث عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه (عن) أمه (عائشة بنت القدامة) بن مظعون الجمحية قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي وهو ضعيف وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ضعيف يهولني كثرة ما يسند . 1519 - (اللهم إني أسألك الصحة) أي العافية من الأمراض والعاهات ، والصحة ذهاب المرض كما في القاموس وهذه رواية الطبراني ورواية البزار العصمة بدل الصحة ، فما أوهمه المصنف من تطابقهما على اللفظ المزبور غير صواب (والعفة) عن المحرمات والمكروهات وما يخل بكمال المروءة (والأمانة) ضد الخيانة (وحسن الخلق) بضم اللام أي مع الخلق (والرضا بالقدر) أي مما قدرته علي في الأزل وهذا تعليم لأمته وتمرين للنفس على الرضا بالقضاء وذلك لأمرين : الأول أن يتفرغ العبد للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشئ من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس له إلا قلب واحد وقد امتلأ من الهموم وما كان وما يكون فأي محل فيه لذكر العبادة وفكر الآخرة ، ولقد صدق شقيق في قوله حسرة الأمور الماضية وتدبير الآتية ذهبت ببركة الساعات . الثاني خطر ما في السخط من مقت الله وغضبه مع أنه لا فائدة لذلك إذ القضاء نافذ ولا بد منه رضى العبد أم سخط (البزار) في مسنده (طب عن ابن عمرو) وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف الحديث وبقية رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح . 1520 - (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء) أي القبح والفحش أو يوم المصيبة أو نزول البلاء أو يوم الغفلة بعد المعرفة (ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء) مفرد الصحابة بفتح الصاد ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا (ومن جار السوء في دار المقامة) زاد في رواية فإن جار البادية يتحول ، والمقامة بالضم الإقامة كما في الصحاح قال وقد تكون بمعنى القيام لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح أو من أقام يقيم فمضموم وقوله تعالى * (لا مقام لكم) * [ الاحزاب : 13 ] أي لا موضع
[ 176 ]
لكم وقرئ * (لا مقام لكم) * [ الاحزاب : 13 ] بالضم أي لا إقامة لكم انتهى . وفي المصباح أقام بالموضع إقامة اتخذه موطنا (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي رجاله ثقات وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت وهو ثقة . 1521 - (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي بما يرضيك عما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبة فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله (وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق غيره (وأعوذ بك منك) أي برحمتك من عقوبتك فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذي سبب الأسباب الذي يستفاد به منها خلقا وكونا وهو الذي يعيذ منها ويدفع شرها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذي حرك الأنفس والأبدان وأعطاها قوى التأثير وهو الذي أوجدها وأعدها وأمدها وهو الذي يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها فتأمل ما تحت قوله أعوذ بك منك من محضر التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وتكميل التوكل عليه وإفراده بالاستعانة وغيرها (لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة نعمة واحدة من نعمك * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * [ ابراهيم : 34 ] والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حق الثناء عليه تعالى (أنت كما أثنيت على نفسك) بقولك * (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين) * [ الجاثية : 36 ] وغير ذلك مما حمدت به نفسك به وهذا اعتراف بالعجز عن التفصيل وأنه غير مقدور فوكله إليه سبحانه وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه إذ الثناء تابع للمثنى عليه فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أجل ، ذكره القاضي وقال الغزالي قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك صفتان مبنيتان على مشاهدة الأفعال ومصادرها منه تعالى فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله بفعله من فعله ثم رأى ذلك نقصا في التوحيد فاقترب ودنا عن مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال أعوذ منك وهذا إقرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة بل رأى نفسه فارا منه إليه فنفي عن مشاهدة نفسه ثم اقترب فقال أنت إلى آخره فقوله لا أحصي خبر عن فناء نفسه وخروجه عن مشاهدته وقوله أنت كما أثنيت إلى آخره بيان لكونه هو المثني ، والمثنى عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود وكل شئ هالك إلا وجهه فكان أول مقامه نهاية مقام الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله (م 4) ولم يخرجه البخاري (عن عائشة) قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول ذلك . 1522 - (اللهم لك الحمد شكرا) على نعمائك التي لا تتناهى (ولك المن فضلا) أي زيادة وهذا
[ 177 ]
قاله حين بعث بعثا من الأنصار وقال إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله علي في ذلك شكرا فلم يلبثوا أن جاؤوا وغنموا وسلموا فقيل له سمعناك تقول إن سلمهم الله وغنمهم فلله علي شكر قال قد فعلت قلت اللهم لك الحمد إلى آخره . فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك وشكره عليه ليس من حيث حصول الغنيمة التي هي نعمة ولا من حيث الإنعام بل من حيث المنعم وعنايته به وإقداره على التوصل إلى القرب وهذا كان حال المصطفى لا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله وتصده عن سبيله لأنه لا يريد النعمة لكونها لذيذة ملائمة بل من حيث إعانتها على الآخرة ولذلك قال الشبلي الشكر رؤية المنعم له النعمة والقلب لا يلتذ حال الصحة إلا بذكر الله ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يجد المريض الحلو مرا والعمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم يتعلق بالقلب بأن يضمر الخير لكافة الخلق ، وباللسان بأن يظهر الشكر بالتحميد والجوارح باستعمال نعم الله في طاعته (طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم الأنصاري المدني قال الهيثمي : فيه سليمان بن سالم المدني وهو ضعيف وذكره في محل آخر وقال فيه عبد الله بن شبيب متهم ذو مناكير . 1523 - (اللهم إني أسألك التوفيق) الذي هو خلق قدرة الطاعة (لمحابك) بالتشديد أي ما تحبه وترضاه (من الأعمال) الصالحة لأترقى في الأفضل فالأفضل منها وتروم إلى المراقبة والإقبال قال بعض العارفين : من أقبل على الله ألف سنة وعقل عنه سنة كان ما فاته أكثر مما ناله لأن من حصل له الوصول نال غاية المقصود فلم يفته شئ ومن فاته المقصود المعبود فاته كل شئ (وصدق التوكل عليك) أي إخلاصه ومطابقته للواقع من الأعمال (وحسن الظن بك) أي يقينا جازما يكون سببا لحسن الظن بك لقوله أنا عند ظن عبدي بي انظر إلى هذه الثلاث المسؤولة كيف يشبه بعضها بعضا فكأنه نظام واحد سأله التوفيق لمحابه ومحابه في الغيب لا تدري فربما كان محابه في شئ هو الظاهر دون غيره فإذا استقبل النفس به واحتاج إلى إيثاره على ما هو في الظاهر أعلا تردد في النفس سؤاله وصدق التوكل ، والتوكل هو التفويض إليه واتخاذه وكيلا في سائر أموره فسأله صدق ذلك وصدقه أنه إذا استقبلك أمر هو عندك أدون فوفقك لهذا الأدون وهو مختاره أن لا تتردد فيه وتمر فيه مسرعا ثم قال أسألك حسن الظن بك فإن النفس إذا دخلت في الأدون دخل سوء الظن من قبلها تقول لعلي مخذول فيها فسأله حسن الظن حتى لا تأخذه الحيرة من ربه فيخاف الخذلان (حل) عن محمد بن نصر الحارثي من حديث حسين الجعفي عن يحيى بن عمر (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تابعي ثقة جليل (مرسلا) ثم قال لم يروه عن الأوزاعي فيما أعلم إلا محمد بن النضر ولا عنه إلا يحيى تفرد به الحسن (الحكيم عن أبي هريرة) قال أعني الحكيم وهذا باب غامض يخفى على الصادقين وإنما ينكشف للصديقين انتهى وفيه عمر بن عمرو وفيه كلام .
[ 178 ]
1524 - (اللهم افتح مسامع قلبي) أي آذانه جمع مسمع كمنبر الأذن كما في الصحاح (لذكرك) ليدرك لذة ما نطق به كل لسان ذاكر وأن كل قلب لم يدرك لذة الذكر فهو كالميت بل الميت خير منه . كان رجل في بني إسرائيل أقبل على الله ثم أعرض عنه فقال يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فأوحى إلى نبي ذلك الزمان قل لفلان كم عاقبتك ولم تشعر ألم أسلبك حلاوة ذكري ولذة مناجاتي (وارزقني طاعتك) أي كمال لزوم أوامرك (وطاعة رسولك) النبي الأمي الذي أوجبت علينا طاعته وألزمتنا متابعته (وعملا بكتابك) القرآن أي العمل بما فيه من الاحكام فإن من وفق لفهم أسراره وصرف إليه عنايته اكتفى به عن غيره ودله على كل خير وحذره من كل شر وهو الكفيل بذلك على أتم الوجوه وفيه أسباب الخير والشر مفصلة مبينة * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [ الانعام : 8 ] (طس) من حديث الحارث الأعور (عن علي) أمير المؤمنين قال الحارث دخلت على علي بعد العشاء فقال ما جاء بك الساعة قلت إني أحبك قال الله آلله قلت نعم والله قال ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم افتح إلى آخره قال الهيثمي الحارث ضعيف . 1525 - (اللهم إني أسألك صحة في إيمان) يعني في بدني مع تمكن التصديق من قلبي ويحتمل أن معناه أسألك صحة إيماني أي قوة إيقاني (وإيمانا في حسن خلق) بالضم أي وأسألك إيمانا يصحبه حسن خلق (ونجاحا) أي حصولا للمطلوب (يتبعه فلاح) أي فوز ببغية الدنيا والآخرة (ورحمة منك وعافية) من البلايا والمصائب (ومغفرة منك) أي سترا للعيوب (ورضوانا) منك يعني فإنه مناط الفوز بخير الدارين قال الحرالي : وهو بكسر الراء وضمها اسم مبالغة في معنى الرضا (طس ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان الخير فقال إن رسول الله يريد أن يمنحك كلمات تسألهن الرحمن ترغب إليه فيهن وتدعو بهن في الليل والنهار قل اللهم إلى آخره قال الهيثمي رجاله ثقات . 1526 - (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك) فإنها سبب كل خير وسعادة في الدارين وقد أثنى الله في التنزيل على المتقين بقوله * (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) * [ آل عمران : 186 ] ووعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء بقوله : * (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) * [ آل عمران : 120 ] وبالنصر والتأييد بقوله : * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * وقوله * (والله مع المتقين) * ولا سعادة أعظم
[ 179 ]
من هذه المعية (ولا تشقني بمعصيتك) قاله مع كونه معصوما اعترافا بالعجز وخضوعا لله وتواضعا لعزته وتعليما لأمته (وخر لي في قضائك) فإنك لا تفعل بي إلا ما هو الأوفق والأصلح لي أي اجعل لي خير الأمرين فيه قال الزمخشري تقول استخرت الله في كذا فخار لي أي طلبت منه خير الأمرين فاختاره لي (وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت) فإن الخير كله في الرضا والتسليم قال العارف الشاذلي ترددت هل ألزم القفار للطاعة والأذكار أو أرجع إلى الديار لصحبة الأخيار فوصف لي شيخ برأس جبل فوصلت لغاره ليلا فبت ببابه فسمعته يقول اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك ففعلت فرضوا وأنا أسألك عني اعوجاج الخلق حتى لا يكون لي ملجأ إلا أنت ، فقلت يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ فأصبحت فدخلت عليه فأرهبت من هيبته فقلت كيف حالكم ، فقال إني أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو من حر التدبير والاختيار ، فقلت أما شكواي من حرهما فذقته وأما شكواي من بردهما فلماذا ؟ قال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى ، قلت سمعتك الليلة تقول كذا فتبسم وقال عوض ما تقول سخر لي خلقك قل كن لي تراه إذا كان لك لا يفوتك شئ فما هذه الجبانة (واجعل غناي في نفسي) فإن الغنى بالحقيقة إنما هو غنى النفس لا المال (وأمتعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بحديث هذان السمع والبصر ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني) ظفرني (على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وأرني فيه ثأري) أشار به إلى قوة المخالفين وحث على تصحيح الالتجاء وصدق الرغبة ، هذا عصارة ما قرره محققوا أهل الظاهر وقال بعض الصوفية المتعة بالبصر استعماله فيما له ركب في العين فإنه تعالى جعله في الجسد بمكان عال ومحل رفيع ألا ترى أنه جاء في حديث إن العبد يؤخذ منه يوم القيامة بنعمة البصر فيستفرغ حسناته وتبقى سائر النعم عليه مع السعة ومن رفيع درجة البصر إلى جميع الجوارح أنه ينظر إلى الله في داره يوم الزيادة وبه ينظر إلى الغير في الدنيا فالعين قالب البصر والبصر من نور الروح والروح مسكنه الدماغ ثم بث في جميع البدن بشرا وشعرا ، فالروح نور والعقل نور والمعرفة نور ولكل نور بصر وبصر القلب متصل ببصر الروح ولطاقة الروح ما دق منه وصفاه وهو في العين وإذا نظر ناظر إلى حدقة عين أبصر تلك اللطافة والرقة في الحدقة في ذلك السواد فتلك لطافة الروح فالإمتاع بالبصر أن يرى عجائب صنع الله في تدبيره في الدارين ويرى كل شئ كما خلقه الله فسأله الإمتاع بسمعه وبصره ليتقرب إلى الله بما ينظره ويسمعه وسأله أن يجعلهما الوارث منه معناه أن يختم له بالنبوة والتوحيد وأن لا يسلبه ذلك (وأقر بذلك عيني) أي فرحني بالانتقام منه (طس عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بهذا الدعاء قال الهيثمي وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك وهو متروك .
[ 180 ]
1527 - (اللهم الطف) ارفق (بي في تيسير كل عسير) أي تسهيل كل صعب شديد (فإن تيسير كل عسير عليك يسير) فإنك خالق الكل ومقدر الجميع (وأسألك اليسر) أي سهولة الأمور وحسن انقيادها (والمعافاة في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري المعافاة أن يعفو الرجل عن الناس وأن يعفوا هم عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وقيل يغنيهم عنك ويغنيك عنهم ويصرف أذاهم عنك وعكسه (طس عن أبي هريرة) قال لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة شيعه وزوده هذه الكلمات قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم انتهى وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن وقال إسناده مظلم . 1528 - (اللهم اعف عني) أي امح ذنوبي (فإنك عفو كريم) أي فإنك ذو فضل وذو كرم تحب الإفضال والإنعام والعفو الفضل ومنه * (قل العفو) * [ البقرة : 219 ] أي الفضل وما لا يجهد المنفق إنفاقه أصله من عفو الشئ وهو كثرته ونماؤه ومنه * (حتى عفوا) * [ الاعراف : 95 ] أي كثروا (طس عن أبي سعيد) الخدري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني دعاء أصيب به خيرا فقال ادن فدنا حتى كادت ركبته تمس ركبته فقال قل اللهم إلى آخره قال الهيثمي فيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك . 1529 - (اللهم طهر قلبي من النفاق) أي من إظهار خلاف ما في الباطن وهذا قاله تعليما لغيره كيف يدعو (وعملي من الرياء) بمثناة تحتية أي حب إطلاع الناس على عملي (ولساني من الكذب) ونحوه من الغيبة والنميمة زاد في الإحياء وفرجي من الزنا (وعيني) بالتثنية والإفراد (من الخيانة) أي النظر إلى ما لا يجوز (فإنك تعلم خائنة الأعين) مصدر بمعنى الخيانة أي الرمز بها أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر إلى ما نهى عنه أو تقديره الأعين الخائنة على التقديم (وما تخفي الصدور) أي الوسوسة أو ما تضمر من أمانة أو خيانة وهذا قاله المصطفى مع أن ذاته الشريفة جبلت على الطهارة ابتداء ونزعت من قلبه علقة الشيطان وأعين على شيطانه فأسلم تشريفا من قبيل قوله * (وثيابك فطهر) * [ المدثر : 4 ] وكانت ثيابه طاهرة على كل تأويل لكن هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وهو عليه الصلاة والسلام المشرع المربي فعمل على ما تقتضيه البشرية (تنبيه) في هذا الخبر إيماء إلى الحث على تطهير القلوب التي هي محل نظر الحق قال القونوي وطهارة باطن الإنسان أعني قلبه بسبب قلة التعشقات والتعلقات أو ذهابها ما خلا تعلقه بالحق وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام مكانات الوسائط والسلامة من ضرب الأحكام والخواص المنبه عليها من قبل والمودعة في
[ 181 ]
الأشياء المذكورة وكدورة القلب والحرمان والحجب ونحوها تكون بالصفة المقابلة لهذه ولكثرة الأحكام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات والانصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء التي هي مظاهر النجاسة المعنوية وكما أن طهارة القلوب مما ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي فكذا الطهارة الظاهرة الصورية توجب مزيد الرزق الحسي ومن جمع بين الطهارتين فاز بالرزقين (الحكيم) في النوادر (خط) كلاهما (عن أم معبد) بنت خالد (الخزاعية) الكعبية عاتكة التي نزل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال الحافظ العراقي سنده ضعيف . 1530 - (اللهم ارزقني عينين هطالتين) أي بكايتين ذرافتين بالدموع وقد هطل المطر يهطل إذا تتابع (يشفيان) أي يداويان (اللهم ارزقني بذروف الدموع) أي يسيلان الدموع وفي الصحاح ذرف الدمع إذا سال وذرفت عينه سال دمعها وقال الزمخشري سالت مذارف عينه أي مدامعها وسمعت من يقول رأيت دمعه يتذارف انتهى (من خشيتك) من شدة خوفك (قبل أن تكون الدموع دما) من هول الموقف وما بعده (والأضراس) جمع ضرس وهو السن وهو مذكر ما دام له هذا الاسم لأن الأسنان كلها إناث الأضراس فإن قيل فيه سن فهو مؤنث (جمرا) من شدة العذاب يوم المآب وهذا إنما يكون محض تعليم للأمة وأما هو فأعظم الآمنين الفرحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الكبير وفي الدعاء وأبو نعيم في الحلية قال الحافظ العراقي وإسناده حسن . 1531 - (اللهم عافني في قدرتك) أي بقدرتك أو فيما قضيت لي به وقدرت (وأدخلني في جنتك) أي ابتداء من غير سبق عذاب وفي نسخ بدل جنتك رحمتك (واقض أجلي في طاعتك) أي اجعل انقضاء أجلي حال كوني ملازما على طاعتك (واختم لي بخير عملي) فإن الأعمال بخواتيمها (واجعل ثوابه الجنة) يعني رفع الدرجات فيها وإلا فالدخول بالرحمة لا بالعمل كما قال لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وفيه أن طلب الجنة لا ينافي الكمال (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين . 1532 - (اللهم أغنني بالعلم) أي علم طريق الآخرة إذ ليس الغنى إلا فيه وهو القطب وعليه المدار فإن العلم والعبادة جوهران لأجلهما كان كل ما ترى وتسمع من تصنيف المصنفين وتعليم
[ 182 ]
المعلمين ووعظ الواعظين ونظر الناظرين بل لأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق * (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما) * [ الطلاق : 112 ] وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العلم سيما علم معرفة الله والعلم أشرف الجوهرين وأفضلهما فمن أوتي العلم فهو الغني بالحقيقة وإن كان فقيرا من المال ومن حرم العلم سيما علم المعرفة والتوحيد فهو الفقير بالحقيقة وإن كان غنيا بالمال ولهذا قال : من عرف الله فلم تغنه * * معرفة الله فذاك الشقي (وزيني بالحلم) أي اجعله زينة لي فإنه لا زينة كزينته (وأكرمني بالتقوى) لأكون من أكرم الناس عليك * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * [ الحجرات : 13 ] (وجملني بالعافية) فإنه لا جمال كجمالها وخص سؤال الأكرم بالتقوى لأنه أساس كل خير وعماد كل فلاح وسبب لسعادة الدنيا والعقبى ، ولقد صدق القائل : من أتقى الله فذاك الذي * * سبق له المتجر الرابح وقال عفي عنه : ما يصنع العبد بغير التقى * * والعز كل العز للمتقي وهب أن الإنسان تعب جميع عمره وجاهد وكابد أليس الشأن كله في القبول * (إنما يتقبل الله من المتقين) * [ المائدة : 27 ] فمرجع الأمر كله للتقوى (ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الإمام الرافعي أيضا . 1533 - (اللهم إني أسألك من فضلك) أي سعة جودك (ورحمتك) التي وسعت كل شئ (فإنه لا يملكهما إلا أنت) أي لا يملك الفضل والرحمة غيرك فإنك مقدرهما ومرسلهما فلا يطلبان إلا منك (طس عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية قال ابن مسعود أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد فقال اللهم إني أسألك إلى آخره فأهديت له شاة مصلية فقال هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة انتهى . قال أبو نعيم غريب من حديث مسعر وزبيد تفرد به زياد البرجمي . 1534 - (اللهم حجة) أي أسألك حجة مبرورة وساقه في الإصابة بلفظ اللهم اجعلها حجة (لا رياء فيها ولا سمعة) بل تكون خالصة لوجهك الكريم مقاربة إلى حضرة مجدك العظيم وفيه إبانة لعظيم فضل الحج ورفيع شرفه وذم للرياء وتقبيح للسمعة وإنما هي في غاية الشناعة كيف وهما محبطان للعمل موقعان في الخطل والزلل (ه عن أنس) قال حج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على رحل رث
[ 183 ]
وقطيفة تساوي أربع دراهم أو لا تساوي ثم قال ، فذكره وذلك لشدة تواضعه . 1535 - (اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر) أي إنسان يظهر المحبة والوداد وهو في باطن الأمر محتال مخادع وفي الصحاح المكر الاحتيال والخداع (عيناه ترياني) أي ينظر إلي بهما نظر الخليل لخليله خداعا ومداهنة (وقلبه يرعاني) أي يراعي إيذائي وهو له بالمرصاد (إن رأى حسنة) أي علم مني بفعل حسنة فعلتها (دفنها) أي سترها وغطاها كما يدفن الميت (وإن رأى سيئة) أي علم مني بفعل سيئة زللت بها (أذاعها) نشرها وأظهر خبرها بين الناس ، قيل أراد الأخنس بن شريق - كان حلو المنطق - إذا لقي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ألان له القول وادعى محبته وقال يعلم الله أني صادق ، وقيل عامة في المنافقين كانت تحلو له ألسنتهم وقلوبهم أمر من الصبر وقد أخذ قعنب الشاعر معنى هذا الحديث فنظمه في قصيدة فقال : إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * * مني وإن سمعوا من صالح دفنوا قال الماوردي : وليس من كان هذا حاله من الخلان بالحقيقة بل هو من الأعداء المحذورين وإنما يداجي بالمودة استكفافا لشره وتحرزا من مكاشفته فأدخله في عداد الخلاف بالمظاهرة والمساترة وفي الأعداء عند المكاشفة والمجاهرة وقد قال الحكماء مثل العدو الضاحك إليك كالحنظلة الخضرة أوراقها القاتل مذاقها ، وفي حكم الفرس لا تغترن بمقاربة العدو فإنه كالماء وإن أطيل إسخانه بالنار لم يمنع من إطفائها (ابن النجار) في تاريخه (عن سعيد) ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بميم مفتوحة وقاف ساكنة ثم باء موحدة مثلثة سمي به لأنه كان يسكن المقابر أو ينزل بنواحيها (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وعائشة وقال أحمد لا بأس به . 1536 - (اللهم اغفر لي ذنوبي) جمع ذنب والذنب ما له تبعة دنيوية أو أخروية مأخوذ من الذنب ولما كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاتبا يترك ما هو الأولى تأكيدا لعصمته أطلق عليه اسم الذنب (وخطاياي) أي استرها وقضية العطف أن الخطايا غير الذنوب (كلها) أي صغيرها وكبيرها (اللهم انعشني) أي ارفعني وقو جأشي وفي الصحاح نعشه الله رفعه وبابه قطع ولا يقال أنعشه قال الزمخشري : من المجاز نعشه فانتعش إذا تداركه من ورطة وانتعش نعشك الله ونعشني نعشه كريم والكريم ينعش الناس قال ومن المجاز مول لبيد : ومنى على السباق لفظ ونعمة * * كما نعش الدكداك صوت البوارق (واجبرني) أي سد مفاقري قال في الصحاح الجبر أن تغني الرجل من فقر أو تصلح عظمه من
[ 184 ]
كسر وجبر الله فلانا سد مفاقره وجبر مصيبته رد عليه ما ذهب منه أو عوضه (واهدني لصالح الأعمال) أي للأعمال الصالحة (والأخلاق) جمع خلق بالضم وهو الطبع والسجية وجمعه باعتبار مخالقته الناس ومجاملتهم كما أشار إليه خبر وخالق الناس بخلق حسن (فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها) و (إلا أنت) لأنك المقدر للخير والشر فلا يطلب جلب الخير إلا منك ولا دفع الشر إلا منك وحدك وفيه حذف تقديره واصرف عني سئ الأعمال فإنه لا يهدي إلخ (طب عن أبي أمامة) قال ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سمعته يقول ذلك ، قال الهيثمي ورجاله وثقوا . 1537 - (اللهم بعلمك الغيب) الباء للاستعطاف والتذلل أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك مما استأثرت به (وقدرتك على الخلق) أي جميع المخلوقات من إنس وجن وملك وغيرها (أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي) عبر بما في الحياة لاتصافه بالحياة حالا وبإذا الشرطية في الوفاة لانعدامها حال التمني أي إذا آل الحال أن تكون الوفاة بهذا الوصف فتوفني (اللهم وأسألك خشيتك) عطف على محذوف واللهم معترضة (في الغيب والشهادة) أي في السر والعلانية أو المشهد والمغيب فإن خشية الله رأس كل خير والشأن في الخشية في الغيب لمدحه تعالى من يخافه بالغيب (وأسألك كلمة الإخلاص) أي النطق بالحق (في الرضا والغضب) أي في حالتي رضا الخلق مني وغضبهم علي فيما أقوله فلا أداهن ولا أنافق أو في حالتي رضاي وغضبي بحيث لا تلجئني شدة الغضب إلا النطق بخلاف الحق ككثير من الناس إذا اشتد غضبه أخرجه من الحق إلى الباطل (وأسألك القصد) أي التوسط (في الغنى والفقر) وهو الذي ليس معه إسراف ولا تقصير فإن الغنى يبسط اليد ويطفئ النفس والفقر يكاد أن يكون كفرا فالتوسط هو المحبوب المطلوب (وأسألك نعيما لا ينفد) أي لا ينقضي وذلك ليس إلا نعيم الآخرة (وأسألك قرة عين) بكثرة النسل المستمر بعدي أو بالمحافظة على الصلاة لقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة (لا تنقطع) بل تستمر ما بقيت الدنيا وقيل أراد قرة عينه أي بدوام ذكره وكمال محبته والأنس به قال بعضهم من قرت عينه بالله قرت به كل عين (وأسألك الرضا بالقضاء) أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خير فلي فيه خير قال العارف الشاذلي البلاء كله مجموع في ثلاث خوف الخلق وهم الرزق والرضا عن النفس والعافية والخير مجموع في ثلاث الثقة بالله في كل شئ والرضا عن الله في كل شئ واتقاء شرور الناس ما أمكن (وأسألك برد العيش بعد الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والنكد والكدر ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة (وأسألك لذة النظر إلى وجهك) أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر
[ 185 ]
للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذانا بأن المسؤول هذا (والشوق إلى لقائك) قال ابن القيم جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال (في غير ضراء مضرة) قال الطيبي متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك . سأل شوقا إليه في الدنيا بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما ، قال : إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا * * تقولين لولا الهجر لم يطب الحب وإن قلت كربي دائم قلت إنما * * يعد محبا من يدوم له كرب ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره . ومعنى ضراء مضرة : الضر الذي لا يصبر عليه (ولا فتنة مضلة) أي موقعة في الحيرة مفضية إلى الهلاك وقال القونوي الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود (اللهم زينا بزينة الإيمان) وهي زينة الباطن ولا معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدرا وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالما بالحق متبعا له معلما لغيره قال (واجعلنا هداة مهتدين) وصف الهداة بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح كونه هاديا لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح (ن ك) وأحمد (عن عمار بن ياسر) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به . 1538 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار) جهنم (ومن عذاب القبر) قال عياض : تخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شئ من إضافة العظيم له دون ما قد يحتقر عند الدعاء مبالغة في التعظيم ودليلا على القدرة والملك وأشباهه كثير وقال القرطبي خصهم لانتظام هذا الوجود بهم (ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد والبيهقي . 1539 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) ثقله وشدته وذلك حيث لا قدرة على وفائه سيما مع الطلب وفي خبر أو أثر : ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود (وغلبة العدو) من يفرح بمصيبته ويحزن بمسرته وقد يكون من الجانيين أو من أحدهما (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية تنزل بعد وهم كما قال تعالى حكاية عن هارون * (ولا تشمت بي الأعداء) * [ الاعداء : 10 ] وختم بهذه
[ 186 ]
الكلمة البديعة لكونها جامعة متضمنة لسؤال الحفظ عم جميع المعاصي . (تنبيه) قال بعضهم العداوة مأخوذة من عدا فلان عن طريق فلان أي جاوزه ولم يوافقه فيما يحب قالوا : وأصل ذلك أن الخلق يوم أخذ الميثاق كانوا على صفات فمن كان وجها لوجه فمحال أن تقع بينهما عداوة ومن كان ظهرا لظهر فمحال أن تقع بينهما صداقة ومن كان وجها لظهر فصاحب الوجه محب وصاحب الظهر مبغض ومن كان جنبا لجنب أو بازورار فبحسب ذلك ومن شهد ذلك أقام للناس المعاذير وإن كانوا مذمومين بعداوتهم شرعا قال البرهان لكن من شأن الكمل إثبات الخلق مع الحق (تنبيه آخر) قال بعض الكاملين إنما حسن الدعاء بدفع شماتة الأعداء لأن من له صيت عند الناس وتأمل وجد نفسه بينهم كبهلوان يمشي على حبل عال بقبقاب وجميع الأقران والحساد واقفون ينتظرون متى يزلق فيشمتون به ومن أشق ما على الزالق أن يغلب عليه رعاية مقامه عند الخلق فإنه يذوب قهرا بخلاف من يراعي الحق فإن الأذى يخف عليه ولو أظهروا كلهم الشماتة فلذلك خف على العارف أمر شماتة عدوه وثقل على المحجوب وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك خوفا على اتباعه من التفرقة وقلة انتفاع المؤلفة إذ قل تعظيمه لا لكونه يتأثر مراعاة لحظ نفسه لعصمته من ذلك (ت ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أحمد والطبراني أيضا . 1540 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو) أي تسلطه (ومن بوار الأيم) أي كسادها والأيم من لا زوج لها بكرا أو ثيبا مطلقة أو متوفى عنها ، وبوارها أن لا يرغب فيها أحد . وفي المصباح بار الشئ هلك وبار كسد على الاستعارة لأنه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك ، وقال الزمخشري بارت البيعات كسدت وسوق بائرة وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها (ومن فتنة المسيح الدجال) التي لا فتنة أكبر منها ولا بلاء أبشع منها (قط في الأفراد طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عباد بن زكريا ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . 1541 - (اللهم إني أعوذ بك من التردي) السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر ، والتردي تفعل من الردى وهو الهلاك (والهدم) بسكون الدال أي سقوط البناء ووقوعه على الشئ . قال القاضي وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه وفي النهاية الهدم محركا البناء المهدوم وبالسكون الفعل (والغرق) بكسر الراء كفرح الموت بالغرق وقيل بفتح الراء (والحرق) بفتح الحاء والراء الإلتهاب بالنار استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي ذكره القاضي ، وقال الطيبي استعاذ منها
[ 187 ]
مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها ، أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة وكان الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمني كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها ولو سعى فيها عصى (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها الأقدام وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة قبله أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله وهذا تعليم للأمة فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال بل سائر الأنبياء على هذا المنوال ، قال القاضي تخبيط الشيطان مجاز عن إضلاله وتسويله (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا) عن الحق أو عن قتال الكفار حيث حرم الفرار وهذا تعليم للأمة (وأعوذ بك أن أموت لديغا) فعيل بمعنى مفعول واللدغ بدال مهملة وغين معجمة يستعمل في ذوات السم كحية وعقرب وبعين مهملة وذال معجمة يستعمل في الإحراق بنار كالكي وأما اللدع بمهملتين واللذغ بمعجمتين فما خلا عن ذكره زبر اللغة المتداولة كالصحاح واللسان والقاموس والأساس والمصباح (ن ك عن أبي اليسر) بمثناة تحتية وبسين مهملة مفتوحة وراء واسمه كعب بن عمر أسلم يوم الفتح وقتل يوم اليمامة سبعة منهم محكم اليمامة ورواه عنه أيضا أبو داود في الصلاة فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد النسائي به عن الستة غير صحيح . 1542 - (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) قال البيضاوي : وجه الله مجاز عن ذاته عز وجل تقول العرب أكرم الله وجهك بمعنى أكرمك والكريم الشريف النافع الذي لا ينفد عطاؤه (واسمك العظيم) أي الأعظم من كل شئ (من الكفر) بسائر أنواعه (والفقر) فقر المال أو فقر النفس على ما سبق ، وذا تعليم لأمته قيل وهذا يعارض لا يسأل بوجه الله إلا الجنة وأجيب بأن الاستعاذة من الكفر سؤال الجنة (طب في السنة) أي في كتاب السنة له (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق شقيق عائشة حضر بدرا مع الكفار ثم أسلم وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح وقال الهيثمي فيه من لم أعرفهم . 1543 - (اللهم لا يدركني زمان) أي أسألك أن لا يدركني زمان أي لا يلحقني ولا يصل إلي زمان أي عصر أو وقت (ولا تدركوا زمانا) يعني وأسأل الله أن لا تدركوا زمانا (لا يتبع فيه العليم) أي
[ 188 ]
لا ينقاد له أهل ذلك الزمان ويتبعونه فيما يقول إنه الشرع (ولا يستحي فيه من الحليم) باللام أي العاقل المتثبت في الأمور (قلوبهم) يعني قلوب أهل ذلك الزمان (قلوب الأعاجم) أي قلوبهم بعيدة من الخلاق مملوءة من الرياء والنفاق (وألسنتهم ألسنة العرب) متشدقون متفصحون متفيهقون يتلونون في المذاهب ويروغون كالثعالب قال الأحنف لأن ابتلى بألف جموح = لجوج أحب إلي من ابتلى بمتلون ، والمعنى اللهم لا تحييني ولا أصحابي إلى زمن يكون فيه ذلك (حم عن سهل بن سعد) الساعدي (ك عن أبي هريرة) قال الزين العراقي سنده ضعيف وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف . 1544 - (اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون) أي يجيئون (من بعدي) قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره ذكره الحرالي ثم بين مراده بخلفائه بقوله الذين (يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس) فهم خلفاؤه على الحقيقة وبين بهذا أنه ليس مراده هنا الخلافة التي هي الإمامة العظمى وهذه منقبة لأهل الحديث العالمين العاملين أعظم بها من منقبة والأحاديث جمع حديث وتقدم أنه في عرف الشرع ما يضاف إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا والسنن جمع سنة وهي الطريقة والمراد بها في عرف الشرع الطريقة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحراها فهما إلى الترادف أقرب وقد يقال أراد بها هنا الطريقة المسلوكة في الدين وإن كان من كلام التابعين فمن بعدهم من المجتهدين فيدخل فيه الفقهاء (طس عن علي) أمير المؤمنين ثم قال مخرجه الطبراني تفرد به أحمد بن عيسى أبو طاهر العلوي الهاشمي قال الزين العراقي وأحمد هذا قال الدارقطني كذاب انتهى . وفي الميزان هذا حديث باطل وأحمد كذاب انتهى فكان ينبغي حذفه من الكتاب . 1545 - (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء) أي الامتحان بهن والابتلاء بمحبتهن وإنما يستعاذ من فتنتهن لأنها أضر الفتن وأعظم المحن وسيجئ في الكتاب حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (وأعوذ بك من عذاب القبر) هذا تعليم للأمة (الخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب عن سعد) بن أبي وقاص . 1546 - (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة) بكسر القاف قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر على الإقلال وتسلط الشيطان بذكر تنعم الأغنياء أو المراد القلة في أبواب البر وخصال الخير أو قلة
[ 189 ]
العدد والمدد أو الكل (وأعوذ بك من أن أظلم (1)) بالبناء للفاعل أي أجور أو أعتدي أو أظلم بالبناء للمفعول والظلم وضع الشئ بغير محله وفي المثل من استرعى الذئب ظلم ، وفيه ندب الاستعاذة من الظلمة (2) (د ن ه ك عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود ولم يعترضه المنذري . 1547 - (اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي من ألمه وشدة مصابرته (فإنه بئس الضجيع) أي النائم معي في فراش واحد قلما كان يلازم صاحبه في المضجع سمي ضجيعا (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ومن ثم قيل أفحش الزمانة عدم الأمانة وقال الأحنف : الزم الأمانة يلزمك العلم وقيل الخيانة خزي وهوان * (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) * [ فاطر : 43 ] ورب حيلة على صاحبها وبيلة والبطانة بكسر الباء خلاف الظهارة ثم استعيرت لمن يخصه الرجل بالإطلاع على باطن أمره والتبطن الدخول في الأمر فلما كانت الخيانة أمرا يبطنه الإنسان ويستره ولا يظهره سماها بطانة (د ن ك عن أبي هريرة) وأعله المناوي وغيره بأن فيه محمد بن عجلان وإنما خرج له مسلم في الشواهد قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح . 1548 - (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (3) ككتاب النزاع والخلاف أو التعادي إن كلا منهما يكون في شق أي في ناحية أو هو العداوة (والنفاق) نفاق العمل (وسوء الأخلاق) لأن صاحب سوء الخلق لا يفر من ذنب إلا وقع في آخر والأخلاق السيئة من السموم القاتلة والمهلكات الرائعة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين المخرطة لصاحبها في سلك الشيطان الرجيم اللعين وهي الأبواب المفتحة من القلب إلى نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فحق لها أن يستعاذ منها (د) في الصلاة (ن) في الاستعاذة (عن أبي هريرة) وفيه بقية وعبارة ابن عبد الله بن أبي سليك لا يعرف حاله . 1549 - (اللهم إني أعوذ بك من البرص) داء معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التي فيه وسام أبرص سمي به تشبيها بالبرص والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب البصيص ذكره الراغب (1) أي أحدا من المسلمين والمعاهدين ويدخل فيه ظلم نفسه بمعصية الله . (2) أي والظلم ، وأراد الادعية تعليم أمته . (3) إستعاذ (ص) من الشقاق لانه يؤدي إلى المقاطعة والمهاجرة . (*)
[ 190 ]
(والجنون والجذام) استعاذته منها تعليم للأمة وإظهار للعبودية (ومن سئ الأسقام (1)) نص على تلك الثلاثة مع دخولها في الأسقام لكونها أبغض شئ إلى العرب ولهم عنها نفرة عظيمة ولهذا عدوا من شروط الرسالة السلامة من كل ما ينفر الخلق ويشوه الخلق (حم د ن عن أنس) قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود بإسناد صحيح . 1550 - (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر قال في القاموس ضعف الشئ مثله وضعفاه مثلاه والضعف المثل إلى ما زاد ويقال ولك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة : أي اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) الدنيوية بدليل قوله في الخبر الآتي اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا أو الأخروية أو هما على ما مر لكن هذا في غير ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة ، قال النووي حصلت البركة في نفس الكل بخيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وذا محسوس عند ساكنيها (حم ق عن أنس) بن مالك . 1551 - (اللهم رب الناس) أي الذي رباهم بإحسانه وعاد عليهم بفضله وحذف حرف النداء إشهارا بما له من القرب لأنه في حضرة المراقبة (مذهب) بضم فسكون مزيل (الباس) شدة المرض (إشف) ابرئ (أنت) لا غيرك (الشافي) المداوي من المرض المبرئ ، ومنه فيه جواز تسمية الله بما ليس في القرآن إذا ورد به خبر صحيح كما هنا وهو القول الذي عليه التعويل قال القرطبي الشافي اسم فاعل من شفاء وأل فيه بمعنى الذي وليس باسم الله (لا شافي إلا أنت) فيه أن كل ما يقع في التداوي إنما ينجع بتقدير الله (اشف شفاء) مصدر منصوب باشف وقد يرفع خبر مبتدأ أي هو (لا يغادر) بغين معجمة لا يترك وفائدته أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر (سقما) بضم فسكون وبفتحتين مرضا ولا يشكل الدعاء بالشفاء مع أن المرض كفارة لأن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض وبالصبر عليه والداعي ما يحصل له مطلوبه أو يعوضه (حم ق س 3 عن أنس) بن مالك . 1552 - (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) يعني الصحة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير (وفي الآخرة حسنة) يعني الثواب والرحمة (وقنا) بالعفو والمغفرة (عذاب النار) الذي استحقيناه بسوء (1) أي الاسقام السيئة أي الرديئة والاستسقاء وذات الجنب . (*)
[ 191 ]
أعمالنا . وقول علي كرم الله وجهه : الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحور وعذاب النار امرأة السوء وقول الحسن الحسنة في الدنيا العلم والعبادة ، وفي الآخرة الجنة ، ومعنى وقنا عذاب النار احفظنا من كل شهوة وذنب يجر إليها : أمثلة للمراد بها (ق عن أنس بن مالك) قال : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كنت تدعو الله بشئ أو تسأله إياه ؟ قال نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فجعله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن لا نطيقه أو لا نستطيعه ، أولا قلت : اللهم آتنا إلخ ؟ قال فدعا الله به فشفاه الله . 1553 - (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) ليس العطف لاختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى كما ظن بل الهم إنما يكون في أمر متوقع والحزن فيما وقع والهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان فهو أشد من الحزن وهو خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم فافترقا وقال القاضي الفرق بين الهم والحزن أن الحزن على الماضي والهم للمستقبل ، وقيل الفرق بالشدة والضعف فإن الهم من حيث إن تركيبه أصل في الذوبان يقال أهمني المرض بمعنى أذابني وسنام مهموم مذاب وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه ببدنه أبلغ وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة (والعجز) القصور عن فعل الشئ وهو ضد القدرة ، وأصله التأخر عن الشئ وصار في التعارف اسما للقصور عن فعل الشئ ، وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشئ استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها (والكسل) التثاقل عن الشئ مع وجود القدرة والداعية (والبخل والجبن وضلع الدين) بفتحتين ثقله الذي يميل بصاحبه عن الاستواء والضلع بالتحريك الاعوجاج (وغلبة الرجال) شدة تسلطهم بغير حق تغلبا وجدلا فالإضافة للفاعل أو هيجان النفس من شدة الشق فالإضافة للمفعول . قال ابن القيم كل اثنين منها قرينتان فالهم والحزن قرينتان إذ المكروه الوارد على القلب إن كان من مستقبل يتوقعه أحدث الهم أو من ماض أحدث الحزن ، والعجز والكسل قرينتان فإن تخلف العبد عن أسباب الخير إن كان لعدم قدرته فالعجز أو لعدم إرادته فالكسل ، والجبن والبخل قرينتان فإن عدم النفع إن كان ببدنه فالجبن أو بماله فالبخل ، وضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلا الغير عليه إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل فهم الرجال (تنبيه) قال بعض العارفين يجب التدقيق في فهم كلام النبوة ومعرفة ما انطوى تحته من الأسرار ولا تقف مع الظاهر فالمحقق ينظر ما سبب حصول القهر من الرجال فيجده من الحجاب عن شهود كونه سبحانه هو المحرك لهم حتى قهروه فيرجع إلى ربه فيكفيه قهرهم والواقف مع الظاهر لا يشهده من الحق بل من الخلق فلا يزال في قهر ولو شهد الفعل من الله لزال القهر ورضي بحكم الله فما وقعت الاستعاذة إلا من سبب القهر الذي هو الحجاب (حم ق ن) كلهم (عن أنس) بن مالك بألفاظ متقاربة واللفظ للبخاري .
[ 192 ]
1554 - (اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) يوم القيامة هكذا هو ثابت في الأصول أراد بالمسكنة هنا مسكنة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر كما سبق وقال ابن حجر ، أراد بفرض ثبوته أن لا يتجاوز الكفاف . (تنبيه) تمام الحديث عند الترمذي فقالت عائشة لم يا رسول الله قال لأنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي مسكينا ولو بشق تمرة يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة انتهى بنصه (عبد بن حميد ه) كلاهما (عن ابن سعيد) الخدري (طب والضياء) المقدسي في المختارة كلاهما (عن عبادة) بن الصامت وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر كالزركشي وأطال . 1555 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) ترك ما يجب فعله من أمر الدنيا (والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر) وما فيه من الأهوال الفظيعة والأشكال الشنيعة ، سأله إرشادا لأمته ليقتدوا به في سؤاله لينجو منه (وأعوذ بك من فتنة المحيا) الابتلاء مع عدم الصبر والرضى والوقوع في الآفات والإصرار على الفساد وترك متابعة طريق الهدى (و) من فتنة (الممات) سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف وهذا تعليم للأمة كما مر غير مرة (حم ق 3 عن أنس) بن مالك . 1556 - (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) أي عقوبته (وأعوذ بك من عذاب النار) نار جهنم تعميم بعد تخصيص كما أن تالييه تخصيص بعد تعميم وهو قوله (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال القاضي المحيا مفعل من الحياة والممات مفعل من الموت وفتنة المحيا ما يعتري الإنسان حال حياته من البلاء والمحن وفتنة الممات شدة سكرة الموت وسؤال القبر وعذابه (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) فإنها أعظم الفتن وأشد المحن ولذلك لم يبعث الله نبيا إلا حذر أمته منه وفيه ندب التعوذ مما ذكر بعد الفراغ من التشهد أي الأخير كما صرح به في رواية مسلم بخلاف الأول لبنائه على التخفيف خلافا لمن زعم أنه فيهما وكأنه لم يطلع على رواية مسلم وفيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة وذكرت فتنة المسيح مع شمول فتنة المحيا والممات لها لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا جماعة مخصوصة وهم الموجودون حال خروجه (خ ن عن أبي هريرة) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد - أي الأخير - فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إلخ .
[ 193 ]
1557 - (اللهم إني أتخذ عندك عهد (1) أي وعدا وعبر به عنه تأكيدا وإشعارا بأنه من المواعيد التي لا يتطرق إليها الخلف كالمواثيق ولذا أستعمل فيه الخلف فقال (لن تخلفنيه) للمبالغة وزيادة التأكيد ذكره القاضي وقال التوربشتي العهد هنا الإيمان أسألك إيمانا لن تجعله خلاف ما أرتجيه ، فوضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقا للرجاء . وقال الطيبي أصله طلبت منك حاجة تسعفني إياها ولا تخيبني فيها فوقع العهد الموثق محل الحاجة مبالغة في تحقيق قضائها ووضع لن تخلفنيه محل لا تخيبني نظرا إلى أن الألوهية منافية لخلف الوعد (فإنما أنا بشر) أي خلق إنسان قدمه تمهيدا لعذره أي يصدر مني ما هو من لوازم البشرية من الغضب ثم شرع يبين ويفصل ما التمسه بقوله (فأيما مؤمن) الفاء جواب شرط محذوف أي إن كنت سببت مؤمنا فأيما مؤمن (آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته) تعزيرا له (فاجعلها) أي الكلمات المفهمة شتما أو نحو لعنة (صلاة) أي رحمة وإكراما وتعطفا (وزكاة) أي طهارة من الذنوب (وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) ولا تعاقبه بها في العقبى والمراد أسألك أن تجعله خلاف ما يراد منه بأن تجعل ما بدا مني تطهيرا ورفع درجة للمقول له ذلك واعلم أن الذي رأيته في نسخ الكتاب أثبت أو في شتمته وما بعده وفي المصابيح بغير عطف وعليه قال القاضي قابل أنواع الفظاظة والإيماء بما يقابلها من أنواع التعطف والألطاف وعد الأقسام الأول متناسية بغير عطف وذكر ما يقابلها بالواو لما كان المطلوب معارضة كل واحدة من تلك بهذه فإن قيل يجئ أنه لم يكن لعانا (2) وأن صيغة المبالغة في مقام المدح يقتضي تفي أصل الفعل فما فائدة هذا مع كون الشتم واللعن من الفحش وهو غير فاحش ؟ فالجواب أن المعنى إن وقع مني ذلك فاجعله كذا ولا مانع من فرض ما لا يقع إلا نادرا (ق) في الدعوات (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة واللفظ لمسلم أقرب . (1) سببه كما في مسلم من حديث عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشئ لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما بشر فأي المسلمين إلخ . (2) واستشكل هذا بأنه لعن جماعة كثيرة منهم المصور والعشار ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل الربا وغيرهم فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهورا ، وأجيب بأن المراد هنا من لعنه في حال غضبه بدليل ما جاء في رواية فأيما رجل لعنته في غضبي وفي رواية لمسلم إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا ، أما من لعنه ممن فعل منهيا عنه فلا يدخل في ذلك . فإن قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها أهل ؟ أجيب بأن المراد بقوله ليس لها بأهل أي عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه ، فكأنه يقول من كان في باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله هي طهورا وزكاة . وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظاهر وحساب الناس في البواطن على الله اه . (*)
[ 194 ]
1558 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والعجز والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال اللهم آت) أعط (نفسي تقواها) أي تحرزها عن متابعة أهوى وارتكاب الفجور ، ذكره القاضي وقال الطيبي ينبغي أن تفسر التقوى بما يقابل الفجور كما في آية * (فألهمها فجورها وتقواها) * [ الشمس : 8 ] وهي الاحتراز عن متابعة الهوى والفواحش لأن الحديث كالتفسير والبيان للآية فدل قوله آت على أن الإلهام في الآية هو خلق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات (وزكها) طهرها من كل خلق ذميم (أنت خير من زكاها) أي من جعلها زاكية يعني لا مزكي لها إلا أنت فإنه تعالى هو الذي يزكي النفوس فتصير زاكية أي عاملة بالطاعة فالله هو المزكي والعبد هو المتزكي قال الطيبي فإسناد التزكية إلى النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل كما زعمه المعتزلة لأن الخبر به يقتضي المناسبة المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه ، قال الحراني والتزكية اكتساب الزكاة وهي نماء النفس بما هو لها وهو بمنزلة الغذاء للجسم (أنت وليها) التي يتولاها بالنعمة في الدارين (ومولاها) سيدها وهذا استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى وتصليح التزكية فيها إنما كان لأنه هو المتولي أمرها وربها ومالكها فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهرة ما كان مكمنا في الباطن وإن حملت على الإنماء والإعلان بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية فإن المتقي شرعا من اجتنب النواهي وأتى بالأوامر . (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري (ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل (ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي تضمن الحديث الاستعاذة من دنئ أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع وفيه أن السجع لا يذم لكن إذا حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم (حم عبد بن حميد م) في الدعوات (ن) في الاستعاذة (عن) ابن عمرو أو عامر أو عمارة أو أنيسة (زيد بن أرقم) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح القاف غير منصرف بن زيد بن قيس الخزرجي شهد الخندق وما بعدها ورواه عنه أيضا الترمذي مختصرا قال عبد الله بن الحرث قلنا لزيد علمنا فقال لا أعلمكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فذكره . 1559 - (اللهم اغفر لي خطيئتي) أي ذنبي (وجهلي) أي ما لم أعلمه (وإسرافي في أمري) أي مجاوزتي الحد في كل شئ (وما أنت أعلم به مني) مما علمته وما لم أعلمه .
[ 195 ]
(اللهم اغفر لي خطئي وعمدي) وهما متقابلان (وهزلي وجدي) هما متضادان (وكل ذلك عندي) ممكن أي موجود أي أنا متصف بهذه الأمور فاغفرها لي قاله تواضعا أو أراد ما وقع سهوا أو ما قبل النبوة أو محض مجرد تعليم لأمته (اللهم اغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت من التقدمة وهي وضع الشئ قداما وهي جهة القدام الذي هو الإمام فالتجاه أي قبالة الوجه قاله الحراني (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أي أخفيت (وما أعلنت) أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني قاله تواضعا وإجلالا لله تعالى أو تعليما لأمته وتعقب في الفتح الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه أمرهم بأن يقولوا فالأولى أنه للمجموع (أنت المقدم) أي بعض العباد إليك بتوفيق الطاعة أو أنت المقدم لي بالبعث في الآخرة (وأنت المؤخر) بخذلان بعضهم عن التوفيق فتؤخره عنك أو أنت المؤخر لي بالبعث في الدنيا أو أنت الرافع والخافض أو المعز والمذل (وأنت على كل شئ قدير) أي أنت الفعال لكل ما تشاء ولذا لم يوصف به غير الباري ومعنى قدرته على الممكن الموجود حال وجوده أنه إن شاء أبقاه وإن شاء أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حين عدمه أنه إن شاء إيجاده أوجده وإلا فلا ، وفيه أن مقدور العبد مقدور لله حقيقة لأنه شئ (ق) في الدعوات (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه البيهقي وغيره أيضا . 1560 - (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (لك مماتها ومحياها) أي أنت المالك لإحيائها ولإماتتها أي وقد ثبت أنه لا مالك لهما غيرك (فإن أحييتها فاحفظها) أي صنها عن التورط فيما لا يرضيك (وإن أمتها فاغفر لها) ذنوبها فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (اللهم إني أسألك) أطلب منك (العافية) السلامة في الدين من الافتنان وكيد الشيطان والدنيا من الآلام والأسقام . وختم المصنف الأدعية بهذا الدعاء لمناسبته لافتتاحها بخبر لا عيش إلا عيش الآخرة من حديث خالد بن عبد الله بن الحرث (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه النسائي أيضا ، قال خالد سمعت عبد الله بن الحرث يحدث عن ابن عمر أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول ذلك فقال له رجل سمعت هذا من عمر فقال من خير من عمر ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 1561 - (ألبان البقر شفاء) من الأمراض السوداوية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البدن باعتدال وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب (وسمنها دواء) إذ هو ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره (ولحومها داء)
[ 196 ]
مضرة بالبدن جالبة للسوداء قال في الإرشاد عسير الهضم يولد أخلاطا غليظة وأمراضا سوداوية كسرطان وجرب وقوبا وجذام وداء الفيل وحمى الربع ويغلظ الطحال (طب عن ملكية) بالتصغير (بنت عمرو) الزيدية أو السودية الجعفية قال في التقريب كأصله يقال لها صحبة ويقال تابعية من الطبقة الثالثة ورواه عنها البهيقي أيضا وفيه ضعف . 1562 - (البس) ندبا (الخشن الضيق) من الثياب ونحوها (حتى لا يجد العز) يعني الكبر والأشر والبطر والترفع على الناس (والفخر) ادعاء العظمة والشرف (فيك مساغا) أي مدخلا فلا تكن كمن قيل فيه ثوب رقيق نضيف وجسم خبيث سخيف وأشار بقوله حتى إلخ إلى أن سر الأمر بلبسه وقصد كسر النفس وفطمها عن زي الخيلاء والفخر فلا يعارضه قول الفقهاء يكره لبس الخشن لغير مصلحة لأن لبسه بذلك القصد مصلحة وقيل لإياس بن معاوية إنك لا تبالي ما لبست قال لئن ألبس ثوبا يقي نفسي أحب إلي من أن ألبس ثوبا أقيه بنفسي . قال الغزالي روي أن عيسى عليه السلام توسد حجرا فمر به إبليس وقال يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه من تحت رأسه ورماه به وقال هذا لك مع الدنيا ورأى العارف الرفاعي رضي الله تعالى عنه فقيرا يهندم ثوبه ويصفف عمامته على التناسب فقال يا ولدي هذا خروج عن طريق الإرادة ومن كلامهم إذا رأيت المريد في زيه لبق فاعلموا أنه عن الاستقامة زلق (ابن مئدة) الحافظ أبو القاسم في الصحابة من طريق بقية عن حسان بن سليم عن عمرو بن سلمة (عن أنيس) بن الضحاك وظاهر صنيعه أنه لم يره لأحد من المشاهير وليس كذلك فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر يا أبا ذر البس إلخ ثم قال أعني ابن مندة غريب وفيه إرسال انتهى وحكاه ابن حجر عنه وأقره قال أبو حاتم وأنيس هذا لا يعرف قال ابن حجر وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم اغد يا أنيس على امرأة هذا الحديث . 1563 - (البسوا) بفتح الموحدة (الثياب البيض) يعني آثروا ندبا الملبوس الأبيض في كل زمن على غيره من نحو ثوب وعمامة ورداء وإزار وغيرها حيث لا عذر (فإنها أطهر) لأنها تحكي ما يصيبها من النجس عينا وأثرا (وأطيب) لغلبة دلالتها على التواضع والتخشع وعدم الكبر والعجب فجعله من عطف أحد الرديفين على الآخر قصور ولهذه الأطيبية ندب إيثارها في المحافل كشهود جمعة وحضور مسجد ولقاء الملائكة ولذلك فضلت في التكفين كما قال (وكفنوا فيها موتاكم) ندبا مؤكدا ويكره التكفين في غير أبيض (حم ت) في اللباس (ن) في الزينة (ه) في اللباس (ك) فيه كلهم (عن سمرة) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 1564 - (التمس) أيها الطالب للتزويج شيئا تجعله صداقا (ولو) كان إنما تجد (خاتما) كأنه قال
[ 197 ]
التمس شيئا على كل حال وإن قل فإنه لما أمر بالالتماس أمرا مطلقا خشي توهم خروج خاتم الحديث عن الملتمسات فأكد دخوله فيها بالواو المدخلة ما بعدها فيما قبلها فنصب بإضمار فعل دل عليه ما قبله قال التوربشتي وخاتم الحديد وإن نهى عن التختم به لكنه لم يدخل بذلك في جملة ما لا قيمة له وفي بعض نسخ مسلم ولو خاتم أي ولو هو خاتم أو ولو فص خاتم (من حديد) وفيه أنه ينبغي أن لا يعقد نكاح إلا بصداق لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لو طلقت قبل دخول وأنه غير مقدر فيجوز بأقل متمول أو خاتم الحديد غالية القلة فهو رد على مالك في جعله أقله ما يجب فيه القطع وأبي حنيفة عشرة دراهم وحل نكاح المعسر واتخاذ خاتم حديد وغير ذلك (تتمة) قال في شرح اللمع سمي الحديد حديدا لأن الحد لغة المنع وهو يمنع من وصول السلاح إلى البدن وسمي البواب والسجان حدادا لمنعه من في المحل من الخروج (حم ق د عن سهل بن سعد) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه بل رواه الجماعة كلهم بألفاظ متقاربة . 1565 - (التمسوا الجار قبل الدار) أي قبل شرائها ، هكذا جاء في رواية القضاعي يعني اطلبوا حسن سيرته وابحثوا عنها وقال الراغب قيل لرابعة ألا تسألين الله الجنة فقالت : الجار ثم الدار (والرفيق قبل الطريق) أي أعد لسفرك رفيقا قبل الشروع فيه فإن لكل مفازة غربة وفي كل غربة وحشة وبالرفيق تذهب الوحشة ويحصل الأنس ومن ثم قيل ما أضيق الطريق على من لم يكن له رفيق ثم إنه ليس كل رفيق يكفي في الرفقة بل لابد من المشاكلة والمجانسة ومن ثم قيل انظر من ترافق أو تجالس فقل نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها ومما يعزى لعلي كرم الله وجهه : لا تصحب أخا الجهل * * وإياك وإياه فكم من جاهل أردى * * حليما حين آخاه يقاس المرء بالمرء * * إذا ما المرء ما شاء وللشئ على الشئ * * مقاييس وأشباه وللقلب على القلب * * دليل حين يلقاه قال الكمال : والالتماس الطلب مع التساوي بين الآمر والمأمور في الرتبة وذهب الصوفية إلى أن المراد بالرفيق الشيخ الذي يؤخذ عنه والطريق ما يمشي فيه السالك ويقطعه بالمعاملات والمقامات والأحوال والمعارف لأن في المعارف والأحوال الإسفار عن أخلاق المسافرين ومراتب العلم ومنازل الأسماء والحقائق ولذلك استحقت هذا اللقب ولما كان الإنسان مجموع العالم ونسخة الحضرة الإلهية التي هي ذات وصفات وأحوال احتاج إلى مطرق يطرق له السلوك إليها والسفر فيها ليرى العجائب ويقتني العلوم والأسرار فإنه سفر تجارة والمطرق الرفيق الذي هو الشيخ والطريق هي الشريعة فمن يسافر بغير رفيق ثقة ضل وأضل ومن سافر بشيخ ثقة وصل إلى الحقيقة (طب) من حديث عثمان بن عبد الله الطرائقي عن أبان بن مجير عن سعيد بن معروف (عن) أبيه (رافع بن خديج) بفتح المعجمة
[ 198 ]
الحارثي الأنصاري الأوسي وكذا رواه عنه ابن أبي خيثمة والأزدي والعسكري والخطيب في الجامع وعثمان هذا قال ابن خير كذاب وفي الميزان في ترجمة سعيد هذا قال الأزدي لا تقوى به حجة وأبان متروك ثم ساق الخبر ، وقال الكمال ابن أبي شريف رضي الله عنه الحديث منكر ساقه الأزدي في ترجمة سعيد وقال لا يقوم به حجة لكن الحل فيه ليس عليه بل على أبان فإنه متروك وسعيد وأبوه لم يخرج لهما في السنة ولا فيما ذيل عليه . 1566 - (التمسوا الخير) اطلبوه (عند حسان الوجوه) حال طلب الحاجة ، فرب حسن الوجه ذميمة عند الطلب وعكسه قال ابن رواحة أو حسان : قد سمعنا نبينا قال قولا * * هو لمن يطلب الحوائج راحه اغدوا واطلبوا الحوائج ممن * * زين الله وجهه بالصباحه (طب عن أبي حفصة) بمعجمة ثم مهملة الكندي وهو جد يزيد بن خصيفة قال الهيثمي رواه الطبراني من طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه وكلاهما ضعيف 1567 - (التمسوا الرزق بالنكاح) أي التزوج فإنه جالب للبركة جار للرزق موسع إذا صلحت النية . قال الزمخشري والرزق الحظ والنصيب مطعوما أو مالا أو علما أو ولدا أو غيرها ، قال في الإتحاف هذا الخبر وخبر تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة والأوجه أن الناس أقسام قسم واجد وقسم غير واجد وهو واثق لله وقسم غير واثق وليس له ثقة فيستحب للواثق دون غيره (فر) من حديث مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح (عن ابن عباس) ومسلم بن خالد قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري وأبو زرعة منكر الحديث قال السخاوي وشيخه ضعيف لكن له شواهد عن ابن عباس . 1568 - (التمسوا الساعة التي ترجى من يوم الجمعة) أي التي ترجى إجابة الدعاء فيها (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) أي سقوط جميع القرص وقد اختلف فيها على أقوال أحدها أنها كانت ثم رفعت ، الثاني : أنها موجودة لكن في جمعة واحدة في السنة ، الثالثة أنها مخفية في جميع اليوم كليلة القدر في العشر ، الرابع أنها تنتقل في يومها ولا تلزم ساعة معينة ورجحه الغزالي والطبري ، الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة ، السادس من الفجر إلى الشمس ، السابع مثله ، وزاد من العصر إلى المغرب ، الثامن مثله وزاد ما بين نزول الإمام من المنبر إلى أن يكبر ، التاسع أول ساعة بعد طلوع الشمس ، العاشر عند طلوع الشمس ، الحادي عشر ما بين ارتفاع الشمس من شبر إلى ذراع . الثاني عشر في آخر
[ 199 ]
ساعة ثالثة من النهار . الثالث عشر من الزوال إلى مصير الظل نصف ذراع ، الرابع عشر إلى أن يصير الظل ذراعا ، الخامس عشر إذا زالت الشمس ، السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة ، السابع عشر من الزوال إلى دخول الإمام المحراب ، الثامن عشر منه إلى خروج الإمام ، التاسع عشر من الزوال إلى الغروب ، العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة ، الحادي والعشرون عند خروج الإمام ، الثاني والعشرون ما بين أن يحرم السعي إلى أن يحل ، الثالث والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة ، الرابع والعشرون ما بين جلوسه على المنبر إلى انقضاء الصلاة ، الخامس والعشرون عند التأذين والإحرام والإقامة ، السادس والعشرون من افتتاح الخطبة إلى فراغها ، السابع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة ، الثامن والعشرون عند الجلوس بين الخطبتين ، التاسع والعشرون عند نزول الإمام من المنبر ، الثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه ، الحادي والثلاثون من إقامة الصلاة إلى تمامها ، الثاني والثلاثون في الساعة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة ، الثالث والثلاثون من العصر إلى الغروب ، الرابع والثلاثون في صلاة العصر ، الخامس والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار ، السادس والثلاثون بعد العصر مطلقا ، السابع والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخره ، الثامن والثلاثون من الاصفرار إلى الغروب ، التاسع والثلاثون آخر ساعة من العصر ، الأربعون بعد العصر مطلقا ، الحادي والأربعون من حين يغيب بعض القرص إلى تكامل الغروب ، وصوب النووي أنها ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وفائدة إبهامها كليلة القدر الحث على إكثار الصلاة والدعاء ولو تعينت لاتكل الناس وتركوا ما عداها (ت) في الجمعة (عن أنس) وفال غريب ومحمد بن أبي حميد أحد رواته مضعف من قبل حفظه يقال له حماد بن أبي حميد ويقال إبراهيم الأنصاري وهو منكر الحديث انتهى . وقال ابن حجر في الفتح إسناده ضعيف . 1569 - (التمسوا) اطلبوا فاستعير للطلب اللمس (ليلة القدر) أي القضاء والحكم بالأمور سميت به لعظم منزلتها وقدرها وشرفها ولما تكتبه فيها الملائكة من الأقدار التي تكون منها إلى السنة القابلة ، والقدر والتقدير إظهار كمية الشئ أو لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر ولأن الطاعة لها قدر زائد فيها (في أربع وعشرين) أي ليلة وهذا مذهب الحبر وبلال والحسن وقتادة قال الحرالي ويحصل الاطلاع عليها بكشف خاص لأهل الخلوة أو آيات بينة لأهل التبصرة أو بأية بادية لأهل المراقبة كلا على وجه حكمته وخلوته واستغراق ذكره في صومه (محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب الصلاة عنه (عن ابن عباس) . 1570 - (التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) لا يناقضه الأمر بالتماسها في أربع وعشرين وغيره لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما فذهب كل واحد من الصحب بما سمعه أو رآه هو ولم يؤذن له في الكشف عنه قال الشافعي رضي الله عنه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيب على نحو ما يسأل يقال له نلتمسها في
[ 200 ]
ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا فعلى هذا تنوع إخبار كل فريق من العلم انتهى ، وميله رضي الله تعالى عنه إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث وعشرين وأنها تلزم ليلة بعينها وذهب الأكثر إلى سبع وعشرين ويحتمل أن فريقا منهم علمها بتوقيف ولم يؤذن له بالكشف لما في عدم تعينها للعموم من حكمة بالغة ليزدادوا جدا واجتهادا في التحري (طب عن معاوية) بن أبي سفيان بن حرب قال الهيثمي رجاله ثقات . 1571 - (التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان) قال الطيبي يحتمل ليلة تسع وعشرين أو السلخ رجحنا الأول لقرينة الأوتار انتهى . وأنت خبير بأنه ليس في اللفظ ما يحتمل ليلة تسع أصلا فهذا الاحتمال فيه إشكال قال في شرح المهذب وليلة القدر من خصائصنا قال وأجمع من يعتد به على دوامها ووجودها إلى آخر الدهر ويراها ويتحققها من شاء الله من بني آدم كل سنة في رمضان وإخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى وقول المهلب لا تمكن رؤيتها حقيقة غلطة وحكمة إخفائها كما في الكشاف أن من أرادها أحيا ليالي كثيرة طلبا لموافقتها فتكثير عبادته وأن لا يتكل الناس على إصابة الفضل فيها فيفرطوا فيها (ابن نصر) محمد في الصلاة (عن معاوية) بن أبي سفيان يرفعه ، (فائدة) قال السهروردي تبعا للحكيم الترمذي خلق الله بحرا تحت العرش سماه بحر الحياة وجعل فيه حياة كل شئ وجمع أرزاق الخلق في ذلك البحر فإذا كان ليلة القدر أخرج أرزاق جميع المرتزقة من خلقه في تلك الليلة إلى مثلها من قابل فإذا نفد ذلك البحر نفخ في الصور وإليه الإشارة بقوله تعالى : * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * [ الذاريات : 22 ] ثم أقسم * (فورب السماء والأرض إنه لحق) * [ الذاريات : 22 ] . 1572 - (ألحدوا) أي شقوا جانب القبر مما يلي القبلة شقا وضعوا فيه الميت . قال النووي وهو بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطعها وكسر الحاء (ولا تشقوا) أي لا تحفروا في وسطه وتبنوا جانبيه وتسقفوه من فوقه (فإن اللحد لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره (والشق لغيرنا) أي هو اختيار من قبلنا من الأمم واستفدنا أن اللحد فضل وليس فيه النهي عن الشق قال الطيبي ويحتمل أن ضمير الجمع نفسه أي أوثر لي اللحد وهو إخبار عن الكائن فيكون معجزة . اه . ولا يخفى تكلفه (حم) وكذا الطيالسي (عن جرير) بن عبد الله وفيه عثمان بن عمير أورده الذهبي في الضعفاء . 1573 - (ألحد لآدم) أي عمل له شق في جانب القبر ليوضع فيه عند موته (وغسل) بعد موته (بالماء وترا) أي ثلاثا أو خمسا أو تسعا وصلى عليه ووضع في لحده (فقالت الملائكة) أي من حضره منهم أو من في الأرض منهم ويحتمل العموم أي قال بعضهم لبعض (هذه سنة ولد آدم من بعده) أي
[ 201 ]
كل من مات منهم يفعل ذلك وقولهم ذلك ، يحتمل كونه ناشئا عن اجتهاد أو أن ثبوت الحكم للأصل يستنبع الفرع ويحتمل بأمر إلهي أو رأوه في اللوح المحفوظ أو في صحفهم أو في غير ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي) بن كعب ورواه عنه الديلمي . 1574 - (الحقوا الفرائض) أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما (بأهلها) أي من يستحقها بنص التنزيل في رواية اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله على وفق ما أنزل الله في كتابه (فما بقي فهو الأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي بالسكون القرب بأي فهو الأقرب (رجل) من عصبات الميت (ذكر) احتراز عن الخنثى فإنه لا يجعل عصبة ولا صاحب فرض جزما بل يعطى أقل النصيبين وقيل ذكر ذكر بعد رجل لسان أن العصبة ترث ولو صغارا ردا على الجاهلية حيث لم يعطوا إلا من في حد الرجولية والمحاربة وقيل ذكر وصف الأولى لا لرجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال هو لقريب الميت ذكر من قبل رجل وصلب لا من بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت فأفاد به نفي الإرث عن الأولى من قبل الأم كالخال ذكره السهيلي . قال الطيبي : وأوقع الموصوف مع الصفة كأنه قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة (حم ق ت عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم المناوي للجماعة إلا ابن ماجه . 1575 - (الزم) بكسر فسكون ففتح (بيتك) أي محل سكنك بيتا أو خلوة أو غيرهما قاله لرجل استعمله على عمل فقال يا رسول الله خر لي ، فعلي هذا فالمراد بلزوم البيت الانجماع عن الناس والعزلة ، واحتج به من ذهب إلى ان العزلة أفضل من مخالطة الناس وذهب جمع إلى عكسه والمسألة مشهورة فيها كتب مفردة من الجانبين ورجح ابن أبي حمزة أفضلية العزلة لأهل البداية دون غيرهم أخذا من خلوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا بغار حراء وتأويل البعض الزم بيتك قلبك - متكلف (فائدة) قال بعض الحكماء إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب فيه الفرات بن أبي الفرات قال في الميزان عن ابن معين ليس بشئ وعن ابن عدي الضعف بين على رواياته ثم أورد له هذا الخبر انتهى . وذكر نحوه الحافظ العراقي . 1576 - (الزم) ندبا (نعليك قدميك) بأن لا تخلعهما لإرادة الجلوس لنحو الصلاة (فإن خلعتهما) ولا بد (فاجعلهما) ندبا (بين رجليك ولا تجعلهما) أي ولا ينبغي أن تجعلهما (عن يمينك)
[ 202 ]
صونا لها عما هو محل الأذى والقذر (ولا عن يمين صاحبك) يعني مصاحبك في الجلوس (ولا وراءك) أي وراء ظهرك (فتؤذي) أي لئلا تؤذي بهما (من خلفك) من الناس فإن فعلت ذلك بقصد الإضرار أثمت قطعا وبدونه خالفت الأدب (ه عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن المحاربي أورده الذهبي في الضعفاء ووثق . 1577 - (الزموا هذا الدعاء) أي داوموا عليه وهو (اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر) أي رضاك الأعظم الأفخم الذي يغلب سخطك (فإنه اسم من أسماء الله) التي إذا سئل بها أعطى وإذا دعي بها أجاب . قال الحليمي ويؤخذ من هذا أنه ينبغي للمرء أن يدعوه بأسمائه الحسنى ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا قال تعالى : * (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) * [ الاعراف : 110 ] والرضوان بكسر الراء وضمها لغة قيس وتميم بمعنى الرضا ، وهو خلاف السخط وفي الاسم الأعظم أقوال لا تكاد تحصى أفردها خلق بالتأليف (البغوي وابن قانع) كلاهما في معجم الصحابة (طب) كلهم (عن حمزة بن عبد المطلب) بن هاشم أبي يعلى أو أبي عمارة كني بابنته وهو خال الزبير وأمه بنت عم آمنة أم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي هالة بنت أهيب . 1578 - (الزموا الجهاد) أي محاربة الكفار لاعلاء كلمة الجبار (تصحوا) أي فإن لزومه يورث صحة الابدان (وتستغنوا) بما يفتح الله عليكم من الفئ والغنيمة وفي إفهامه أن عدم ملازمته يوهن ويفقر وذلك لان الكف عنه يقوي العدو ويسلطهم على إهلاك أموال المسلمين ودمائهم (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف . 1579 - (ألظوا بياذا الجلال والإكرام) بفتح الهمزة وكسر اللام وبظاء معجمة مشددة أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها كذا في الرياض وفي رواية سندها قوي من حديث ابن عمر ألحوا بحاء مهملة ثقيلة وكل منها بفتح الهمزة وكسر اللام ومعناها متقارب ذكره ابن حجر وأيما كان فالمراد دوموا على قولكم ذلك في دعائكم واجعلوه هجيرا لكم لئلا تركنوا أو تطمئنوا لغيره ، قال الزمخشري : ألظ وألب وألج أخوات في معنى اللزوم والدوام ويقال ألظ المطر بمكان كذا أو أتتني ملظتك أي رسالتك التي ألححت فيها قال : وبلغ بني سعد بن بكر ملظة * * رسول امرئ بادي المودة ناصح ويقال فلان ملظ بفلان وذلك إذا رأيته لا يسكن عن ذكره ويقال للغريم اللزوم ملظ على مفعل
[ 203 ]
إلى هنا كلامه ومعنى ذا الجلال استحقاقه وصف العظمة ونعت الرفقة عزا وتكبرا عن نعت الموجودات فجلاله صفة استحقها لذاته والإكرام أخص من الإنعام إذ الإنعام قد يكون على غير المكرم كالعاصي والإكرام لمن يحبه ويعزه ومنه سمي ما أكرم الله به أولياءه مما يخرج عن العادة كرامات فندب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الإكثار من قولك يا ذا الجلال في الدعاء ليستشعر القلب من دوام ذكر اللسان ويقر في السر تعظيم الله وهيبته ويمتلئ الصدر بمراقبة جلاله فيكرمه في الدنيا والآخرة (ت عن أنس) بن مالك (حم ن ك) وصححه كلهم من طريق يحيى بن حسان شيخ من أهل بيت المقدس (عن ربيعة بن عامر) بن نجاد يعد في أهل فلسطين قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفي الإصابة عن ابن عبد البر لا يعرف لربيعة هذا إلا هذا الحديث من هذا الوجه . 1580 - (ألق) ندبا (عنك) أيها الجائي إلينا وقد أسلم (شعر الكفر) أي أزله بحلق وغيره كقص ونورة والحلق أفضل ، قال القاضي والإلقاء طرح الشئ وهو شامل لشعر الرأس وغيره كشارب وإبط وعانة وقيس به قلم ظفر وغسل ثوب وما يلي جسده أكد فإن لم يكن له شعر أمر الموسى عليه كالحج قال في المطامح وأخذ منه الصوفية حلق رأس المريد إذا تاب وهو بدعة (ثم) وفي رواية بالواو (اختتن) وجوبا إن أمنت الهلاك وخطاب الواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوص وحمله على الندب في إلقاء الشعر لا يستلزم حمله عليه في الختن وإنما وجب ختانه لأنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر ويحل كشف العورة له بلا ضرورة وأراد هنا الذكر المحقق وقيس به الأنثى أما خنثى مشكل فلا (حم د) من رواية ابن جريج قال أخبرت عن عثيم تصغير عثمان (بن) كثير بن (كليب) الصحابي الحضرمي أو الجهني عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال الق إلخ قال ابن حجر في التخريج فالصحابي كليب وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده وقد وقع مبنيا في رواية الواقدي قال ابن القطان فيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان وقال الذهبي هذا منقطع وقال في الفتح سند الحديث ضعيف . 1581 - (ألهم إسماعيل) الذي وقفت عليه في أصول قديمة صحيحة من شعب البيهقي والمستدرك وتلخيصه للذهبي بخطه إبراهيم بدل إسماعيل فليحرر وإنما نشرحه على لفظ إسماعيل (هذا اللسان العربي إلهاما) من الله تعالى أي ألهم الزيادة في بيانه وإيضاح تبيانه بعد ما تعلم العربية من أهل جرهم ولم تكن لسان أبويه كما يشعر به في البخاري في نزول أمه مكة ومرور رفقة من جرهم فتعلم منهم فالأولية في الخبر الآتي أول من فتق لسانه بالعربية إسماعيل ، فالمراد بها الأولية المقيدة بزيادة البيان وأحكام إفصاح ذلك اللسان لا الأولية المطلقة فإنها ليعرب بن قحطان (ك هب عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم واعترضه الذهبي بأن مداره على إبراهيم بن إسحاق الغسيلي وكان يسرق الحديث انتهى . وقال البيهقي عقب إيراده المحفوظ مرسل .
[ 204 ]
1582 - (ألهوا) بضم فسكون فضم (والعبوا) عطف تفسير أي فيما لاحرج فيه (فإني أكره أن يرى) بالبناء للمجهول (في دينكم) بالبناء للمجهول أيها المسلمون (غلظة) شدة وفظاظة . قال الزمخشري وأصل اللهو كل باطل ألهى عن خير وعما يعني والغلظة مثلثة الغين الفظاظة كما في الصحاح قال الزمخشري من المجاز : أخذنا منهم ميثاقا غليظا * (وليجدوا فيكم غلظة) * [ التوبة : 123 ] وما أغلظ طباعهم ، وأغلظ له في القول (هب عن المطلب) بتشديد المهملة (بن عبد الله) ابن حنظل المخزومي ثم قال أعني البيهقي هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح انتهى وفيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان وعمرو ابن أبي عمرو مولى المطلب أورده أيضا في الضعفاء وقال لينه يحيى وقال أحمد لا بأس به . 1583 - (إليك) لا لغيرك كما يؤذن به تقديمه (انتهت الأماني) جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل من منا إذا قدر ولذلك تطلق على الكذب وعلى ما يتمنى وقيل هي توقع القلب أمرا يرجو حصوله (يا صاحب العافية) هكذا أورد المصنف هذا الحديث بهذا اللفظ كما في هذا الموضع ولعل إيراده هكذا ذهول أو سبق قلم فإن لفظ الحديث كما رواه القضاعي وغيره اللهم إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية فهو مصدر بلفظ اللهم والخطاب فيه لله تعالى والمعنى وقفت عليك الأمنية فلا تسأل غيرك ، كذا فسره به في الفردوس قال الحافظ البغدادي فانتهاؤها إليه سبحانه من وجهين أحدهما فرض التوحيد وهو أن كل متمن لا يصل إلى أمنيته إلا بإرادته سبحانه ، وقوله إليك إلخ أي الخواطر تبعث إلى الأسباب فتجيب فتشاهد القلوب بصفاء التوحيد عجزها فتسير الأماني عنها حتى تجاوزها إلى سببها فيعكف الهم بين يديه وهذا حال أكثر عوام المؤمنين ، الثاني وهو للخواص أنهم شرعوا في قطع الأماني عن الدنيا والأخرى وسارت قلوبهم بأمانيها إلى مولاهم لما دعا * (ففروا إلى الله) * [ النجم : 42 ] * (وأن إلى ربك المنتهى) * فلا إرادة لهم إلا في خدمته ولا تعلق لهم إلا به ، قوله يا صاحب العافية : أي أنت القادر على العافية من كل بلية ومن سقم وعلاقة ومن كل أمنية لا ينتهى إليها وهم . وفي الشعب عن ابن أدهم إذا أردت أن تعرف الشئ فاقبله بضده فإذا أنت عرفت فضل ما أوتيت فاقلب العافية بالبلاء تعرف فضل العافية وقيل لبشر الحافي بأي شئ تأكل الخبز قال أذكر العافية وأجعلها إداما (طس هب عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي نفسه عقب تخريجه في إسناده ضعف انتهى وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني إسناده حسن . 1584 - (أما) بتخفيف الميم (إن) بكسر الهمزة إن جعلت إما بمعنى حقا (1) وبفتحها إن جعلت (1) هذا سهو والصواب العكس لان إن تكسر بعد أداة الاستفتاح كقوله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف (*)
[ 205 ]
استفتاحية (ربك يحب المدح) وفي رواية الحمد وهذا قاله للأسود بن سريع حين قال يا رسول الله مدحت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال له أما إن إلخ (حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) بفتح السين التميمي السعدي صحابي نزل البصرة ومات في أيام الجمل قال الهيثمي أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح . 1585 - (أما إن كل بناء) من القصور المشيدة والحصون المانعة والغرف المرتفعة ، وهو (وبال على صاحبه) أي سوء عقاب وطول عذاب في الآخرة لأنه إنما يبنيها لذلك رجاء التمكن في الدنيا والتشبيه بمن يتمنى الخلود فيها مع ما فيه من اللهو عن ذكر الله والتفاخر والتطاول على الفقراء وقد ذم الله فاعليه بقوله * (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) * [ الشعراء : 129 ] (إلا ما لا إلا ما لا) بد منه لوقاية حر وبرد وستر عيال ودفع لص ونحو ذلك مما لا غنى له عنه ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فرب بناء ليس وبالا على إنسان وبال على غيره والأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات (د عن أنس) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة مشرفة فقال ما هذه قالوا لفلان فسكت حتى جاء فأعرض عنه فشكا لأصحابه فأخبر الخبر فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها فسأل فقالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك فأخبرناه فهدمها فذكره قال ابن حجر رجاله موثوقون إلا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي غير معروف وله شواهد عن وائلة عند الطبراني . 1586 - (أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجد أو أو أو) أي أو كان في مدرسة مثلا أو كان في رباط أو كان في خان مسبل ونحو ذلك مما يقصد به البر والإحسان كصهريج وبئر وقنطرة وحوض وغير ذلك مما قصد ببنيانه التقرب إلى الله وما عدا ذلك فهو مذموم شرعا وعرفا . مر حكيم على بناء فقيل له كيف تراه قال بناء شديد وأمل بعيد وعيش زهيد ، وقيل : خلق ابن آدم من تراب فهمته في التراب وخلقت المرأة من الرجل فهمتها في الرجل (تنبيه) قال الداودي ليس الغرس كالبناء لأن من غرس ونيته طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الإثم وقال ابن حجر لاشك أن في الغرس من الأجر من أجل ما يؤكل منه ما ليس في البناء وإن كان في بعض البناء ما فيه أجر كالذي يحصل نفعه بغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب (حم ه عن أنس) بن مالك . عليهم) وتفتح بعد حقا كقول الشاعر أحقا أن جيرتنا استقلوا كما في مغني اللبيب والظاهر أن السهو وقع من أول ناسخ فعمت النسخ به وإلا فليس مثل هذا مما يخفى على المناوي اه . (*)
[ 206 ]
1587 - (أما إنك) أيها الرجل كالذي لدغته عقرب (لو قلت حين أمسيت) أي دخلت في المساء (أعوذ بكلمات الله التامات) أي التي لا نقص ولا عيب فيها وفي رواية كلمة بالإفراد قال الحكيم وهما بمعنى فالمراد بالجمع الجملة وبالواحدة ما تفرق في الأمور والأوقات ووصفها بالتمام إشارة إلى كونها خالصة من الريب والشبه * (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا) * [ البقرة : 115 ] (من شر ما خلق) أي من شر خلقه وهو ما يفعله المكلفون من إثم ومضارة بعض لبعض من نحو ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغيرها من نحو لدغ ونهش وعض (لم تضرك) بأن يحال بينك وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه قال الحكيم وهذا مقام من يقي له التفات لغير الله أما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجئ إلا إليه والنبي لما ترقى عن هذا المقام قال أعوذ بك منك والرجل المخاطب لم يبلغ ذلك (م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه أيضا عنه النسائي في يوم وليلة ولم يخرجه البخاري . 1588 - (أما أنه) أي من لدغته عقرب فلم ينم ليلته (لو قال حين أمسى) في تلك الليلة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره لدغ عقرب حتى يصبح) لأن الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يضر والدواء الطبيعي إنما ينجع بعد حصول الداء . (تنبيه) قال العارف ابن عربي : شرط تأثير خواص الحروف أن يستحضرها حال الرقم أو اللفظ في وهمه وخياله ويتصورها فتفعل بالاستحضار وإن عرى عن الاستحضار كان خيالا لا يعمل وإذا صحبه الاستحضار عمل فإنه مركب من استحضار ونطق أو رقم ، وكثير لم يتفطنوا لمعنى الاستحضار وهذا العلم يسمى علم الأولياء وبه تظهر أعيان الكائنات فإذا استحكم سلطان استحضار الحروف واتخذ المستحضر لها بها ولم يبق فيه متسع لغيرها ويعلم ما هي خاصيتها حتى يستحضرها من أجل ذلك فيرى الأثر على الأثر فهذا شبيه بالفعل بالهمة وإن لم يعلم ما يعطيه فإنه يقع الفعل في الوجود ولا علم له به وكذا سائر أشكال الحروف في كل مرتبة وهذا الفعل بالحرف المستحضر يعبر عنه بعض من لا علم له بالهمة والصدق وليس كذلك وإن كانت الهمة روحا للحرف المستحضر لا عين الشكل المستحضر وإذا علمت خواص الكلمات وقع الفعل بها علما لكاتبها أو المتلفظ بها بشرطه وإن لم يعين ما هي مرتبطة به من الانفعالات وقد رأينا من قرأ آية من القرآن وما عنده خبر فرأى أمرا غريبا حدث وكان ذا فطنة فرجع في تلاوته لينظر بأية آية حصل ذلك فلم ير ذلك الأثر حتى عاودها مرارا فتحققه فاتخذها لذلك الانفعال وصار كلما أراد رؤية ذلك الانفعال تلى الآية فيظهر ذلك الأثر وهو علم شريف لكن السلامة فيه عزيزة فالأولى تركه فإنه من العلم الذي اختص الله به أولياءه في الجملة وإن
[ 207 ]
كان عند بعض الناس منه قليل لكن من غير الطريق الذي يناله الصالحون ولهذا يشقى به من هو عنده ولا يسعد (ه عن أبي هريرة) قال لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلة فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا لدغته عقرب فلم ينم فذكره . 1589 - (أما إن العريف) كعظيم : القيم على قومه يسوسهم ويحفظ أمورهم ليعرف بها من فوقه عند الحاجة (يدفع في النار دفعا) أي يدفعه الزبانية في نار جهنم دفعا شنيعا فظيعا وهذا تحذير من التعرض للرياسة والتحرز عنها ما أمكن لأنه إذا لم يقم بحقها استحق العقوبة ، والغالب على العرفاء الاستطالة وتعدي الحد وترك الإنصاف والعرافة أولها سلامة وأوسطها ندامة وآخرها عذاب يوم القيامة (طب) من حديث مودود بن الحارث عن أبيه عن جده (عن يزيد بن سيف) بن جازية اليربوعي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن رجلا من بني تميم ذهب بمالي كله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس عندي ما أعطيكه هل لك أن تعرف إلى قومك قلت لا قال أما إلخ قال الهيثمي مودود وأبوه لم أجد أحدا ترجمهما . 1590 - (أما بلغكم) أيها القوم الذين قد وسموا الحمار في وجهه (أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها) أي دعوت عليه باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن الرحمة فكيف فعلتم ذلك به مع أن النهي للتحريم واقترانه باللعن يدل على التغليظ وكونه كبيرة فإنه تعذيب بلا طائل (أو ضربها) أي ولعنت من ضربها (في وجهها) لأن الوجه لطيف فربما شانه وشوهه وربما آذى الحواس أو بعضها فيحرم فعل ذلك بكل دابة محترمة وهو في الآدمي أشد ، قال في الصحاح وسمه إذا أثر فيه بسمة وكما قال الزمخشري ومن المجاز وسمه بالهجاء (د عن جابر) بن عبد الله . 1591 - (أما) في رواية ألا (ترضى) يا عمر بن الخطاب (أن تكون لهم) في رواية لهما يعني كسرى وقيصر (الدنيا) أي نعيمها والتمتع بزهرتها ونضرتها ولذتها (ولنا الآخرة) أيها الأنبياء والمؤمنون ولم يقل لي مع كون السؤال عن حاله إشارة إلى أن الآخرة لأتباعه وهذا قاله لعمر وقد رآه عمر على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه مرط وعند رأسه إهاب معلقة ، فقال : كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله هكذا فذكره وزاد في رواية يا ابن الخطاب أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وذلك لأنه شاهد بعين الفؤاد موعود الجزاء فاستوى عنده ذهبها وترابها فترك الفاني للباقي على يقين ومشاهدة وآثر الصبر بحبس النفس عما تشتهيه طبعا مما هو محلل لها شرعا فلذا قال ما قال فتدبر شأن أهل الكمال (ق ه عن عمر) بن الخطاب .
[ 208 ]
1592 - (أما ترضى إحداكن) أيها النساء (أنها إذا كانت حاملا من زوجها بولد) ومثلها الأمة من سيدها (وهو عنها راض) أي والحال أنه راض عنها بأن كانت مطيعة له فيما يحل شرعا (أن لها) أي بأن لها مدة حملها (مثل أجر الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (في سبيل الله) أي في الجهاد (وإذا أصابها الطلق) أي ألم الولادة (لم يعلم أهل السماء والأرض) من إنس وجن وملائكة وغيرهم (ما أخفي لها) عند الله تعالى (من قرة أعين) جزاء لها على تحملها مشقة حملها وصبرها على شدائد المخاض ومحافظتها على رضا بعلها (فإذا وضعت) حملها (لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمص (1) أي المولود (من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة) تكتب لها في صحيفتها لتجازى عليها يوم القيامة . قال في الصحاح : والجرعة من الماء بالضم حسوة منه . وقال الزمخشري : جرعت الماء واجترعته بمرة وتجرعته شيئا بعد شئ ومن المجاز تجرع الغيظ (فإن أسهرها) أي المولود (ليلة) فلم يدعها تنام لصياحه وعدم نومه (كان لها مثل أجر سبعين رقبة) أي نفسا (تعتقهم في سبيل الله تعالى) لله تعالى وقياس نظائره أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد (سلامة) أي يا سلامة حاضنة ولدنا إبراهيم التي خاطبناها بذلك كله لتخبر به النساء اللاتي أرسلنها تسأل عما سيجئ (تدرين) أصله أتدرين أي أتعلمين (من أعني بهذا) الجزاء الموعود المبشر به من النساء (الممتنعات (2) الصالحات المطيعات لأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير) أي الزوج أي لا يغطين إحسانه إليهن ولا يجحدن إفضاله عليهن والعشير المعاشر أو الزوج كما في الصحاح . وقال الزمخشري زوج المرأة عشيرها والكفر الستر والتغطية ومنه . (في ليلة كفر النجوم غمامها) . (الحسن بن سفيان) في مسنده عن هشام بن عمار عن أبيه عمار بن نصر عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عن سلامة (طس) عن محمد بن أبي زرعة عن هشام بن عمار عن أبيه عن عمرو عن أنس عن سلامة (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن سلامة) المرأة (حاضنة السيد إبراهيم) ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت قلت يا رسول الله إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء فذكره وهشام بن عمار سبق أن فيه مقالا وأبوه عمار بن نصر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء (1) مبني للفاعل ويجوز بناؤه للمفعول اه . (2) قوله الممتنعات يجوز نصبه أي اعني أو هن . (*)
[ 209 ]
قال قال ابن عساكر أحاديثه تدل على لينه عن عمرو بن سعد الخولاني قال الذهبي : في الذيل اتهم بالوضع وأورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات وقال قال ابن حبان عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس لا يحل ذكره في الكتب إلا على جهة الاعتبار للخواص . 1593 - (أما كان يجد هذا) الرجل الشعث الذي تفرق شعره وثار (ما يسكن به) بضم أوله وشد الكاف (رأسه) أي شعر رأسه (1) أي يضمه ويلينه من زيت فعبر بالسكون عن ذلك (أما كان يجد هذا) الرجل الذي ثيابه وسخة دنسة (ما يغسل به ثيابه) من نحو غاسول أو صابون (2) والاستفهام للإنكار أي كيف لا يتنظف ويحسن هيئته مع تيسر تحصيل الدهن والصابون أو ما يقوم مقامه مع أنه عام الوجود سهل التحصيل خفيف المؤنة والمنة قال الطيبي أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته وأما خبر البذاذة من الإيمان فإثبات للتواضع للمؤمن كما ورد المؤمن متواضع وليس بذليل وله العزة دون الكبر ومنه حديث أبي بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وحينئذ فيندب التنظف مؤكدا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحافظ على النظافة وكان يربط على بطنه الحجر من الجوع ولا يتر ك الطيب ويتعهد أحوال نفسه لا يفارقه في الحضر ولا في السفر المرآة والسواك والمقراض وكان إذا أراد الخروج للناس نظر في ركوة فيها ماء فيسوي من لحيته وشعر رأسه (حم د حب ك عن جابر) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا ثائر الشعر فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال العراقي إسناده جيد . 1594 - (أما يخشى) أي يخاف وفي رواية ألا يخشى (أحدكم) أيها المقتدون (إذا رفع رأسه) أي من السجود فهو نص في السجود لحديث أبي داود الذي يرفع رأسه والإمام ساجد وألحق به الركوع لكونه في معناه ونص على السجود لمزيد مزيته فيه إذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح ورده في العمرة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود لأن الحكم فيهما سواء (قبل) مع (الإمام) رأسه زاد في رواية ابن خزيمة في صلاته (أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع تعديا (رأس حمار) وفي رواية ابن حبان كلب (أو) للشك (يجعل الله صورته صورة حمار) (1) فيه استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والترجيل بالزيت ونحوه وكان (ص) يدهن الشعر وبرجله غبا ويأمر به وقال من كان له شعر فليكرمه . (2) فيه طلب النظافة من الاوساخ الظاهرة على الثوب والبدن قال الشافعي ومن نظف ثوبه قل همه وفيه الامر يغسل الثوب ولو بماء فقط . (*)
[ 210 ]
حقيقة بناء على ما عليه الأكثر من وقوع المسخ في هذه الأمة أو مجازا عن البلادة الموصوف بها الحمار ، فاستعير ذلك للجاهل حيث لم يعلم أن الإئتمام المتابعة ولا يتقدم التابع على المتبوع أو أنه يستحق به من العقوبة في الدنيا . هذا ولا يلزم من الوعيد الوقوع ، وارتضى حجة الإسلام الثاني ورد ما عداه بأن تحويل رأس المقتدي من حيث الشكل لم يكن قط ولا يكون بل المراد قلب معنوي وهو مصيره كالحمار في معنى البلادة إذ غاية الحق الجمع بين الإقتداء والتقدم فعلم أنه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ لكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية ، قال القرطبي وفيه ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب (ق عد) في الصلاة (عن أبي هريرة) . 1595 - (أما يخشى أحدكم) أيها المصلون (إذا رفع رأسه) من الركوع أو السجود (في الصلاة) قبل إمامه (أن لا يرجع إليه بصره) بأن يعمى قبل رفع رأسه ثم لا يعود إليه بصره بعد ذلك وهذا زجر وتهويل ولا مانع من أن يراد بالبصر البصيرة وفيه كالذي قبله منع تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود وألحق به بعضهم التقدم عليه في الخفض بل أولى لأن الاعتدال والقعود بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا وجبت الموافقة في الوسيلة ففي المقصد أولى ونوزع بأن الرفع منهما يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد منه في الوسائل قيل وفيه أيضا جواز المقارنة ومنع بأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها قال ابن بزيرة واستدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ . وهو مذهب ردئ مبني على ترهات وأباطيل (تتمة) قال في الفيض ليس للتقدم على الإمام سبب إلا الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبله (حم م ه عن جابر بن سمرة) بضم الميم وتسكن تخفيفا . 1596 - (أما والله) صدره بكلمة التنبيه التي هي من طلائع القسم ومقدماته وقرنه بالقسم لتحقيق ما بعده وإثباته في خلد السامع وردا على من عاند في كفره بعدما صار على جلية من أمره (إني لأمين في السماء) قدم السماء لعلوها ورمز إلى أن شهرته بهذه الصفة عند العالم العلوي لا خلاف فيه (أمين في الأرض) أي في نفس الأمر وعند كل عالم بحاله وذا على وزن * (فورب السماء والأرض إنه لحق) * [ الذاريات : 23 ] وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعى في الجاهلية الأمين وإذا أطلقوه لا يعنون به إلا هو وفيه حل مدح المرء نفسه بهذا الوصف للتأكيد (طب عن ابن رافع) قال أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود يقول له أسلفني رغيفا إلى رجب فقال لا إلا برهن فذكره صلى الله عليه وسلم وزاد البزار اذهب بدرعي الحديد إليه .
[ 211 ]
1597 - (أما علمت) يا عمرو الذي جاء إلينا يبايعنا وقد أراد وقوع المبايعة على اشتراط المغفرة (أن الإسلام يهدم ما كان قبله) من الكفر والمعاصي أي يسقط ويمحو أثره ويرفع خبره (وأن الهجرة) من أرض الكفر إلى بلاد الإسلام (تهدم) أي تمحو والمراد بالهجرة ما كان قبل الفتح (ما كان قبلها) من الخطايا المتعلقة بحق الحق تعالى من العقوبات أما الحق المالي كزكاة وكفارة يمين ففي سقوطها خلاف بين العلماء (وأن الحج يهدم ما كان قبله) الحكم فيه كسابقيه لكن ورد في خبر أنه يكفر حتى الدماء والمظالم ، أخذ به جمع . وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدا في بشارته وترغيبا في متابعته وفيه عظم موقع كل من الثلاثة وأن كل واحد بمفرده يكفر ما قبله ذكره شارحون وقال الطيبي فيه وجوه من التأكيد تدل على أن حكم الهجرة والحج حكم الإسلام أحدهما أنه من أسلوب الحكيم فإن غرض عمرو من إبائه عن المبايعة الآتي بيانه ما كان إلا حكم نفسه في إسلامه والهجرة والحج زيادة في الجواب فكأنه قال لا تهتم بشأن الإسلام وحده وأنه يهدم ما قبله فإن الحج والهجرة كذلك (الثاني) أن همزة إما فيها معنى النفي وما نافية فإذا اجتمعا دلا على التقرير سيما وقد اتبعا بقوله علمت إيذانا بأن ذلك أمرا لا نزاع فيه ولا ينبغي أن يرتاب فيما يتلوهما (الثالث) لفظ يهدم فإنه قرينة الاستعارة المكنية شبه الخصال الثلاث في قلعها الذنوب من محلها بما يهدم البناء من أصله ثم أثبت للإسلام ما يلائم المشبه به من الهدم (الرابع) الترقي فإن قوله الحج يهدم ما قبله أبلغ في إرادة المبالغة من الهجرة لأنه دونها فإذا هدم الحج الذنوب فبالأولى أن يهدمها الهجرة لأنها مفارقة الوطن والأحباب (الخامس) تكرير يهدم في كل من الخصال دلالة على استقلال كل منهما بالهدم (م) من حديث ابن شماسة (عن عمرو بن العاص) قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ولده يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أين كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا للمصطفى صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون استمكنت منه فقتلته فلو مت على ذلك كنت من أهل النار فلما جعل الله في قلبي الإسلام أتيته فقلت ابسط يمينك أبايعك فبسطها فقبضت يدي قال مالك قلت أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي فذكره فما كان أحد أحب إلي ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ولو مت على تلك الحالة رجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري حالي فيها . 1598 - (أما إنكم) قال ابن مالك في شرح الكافية يجوز كسر إن بعد أما مقصودا بها معنى ألا الاستفتاحية وإن قصد بها معنى حقا فتحت انتهى والمعنى أيها الناس الذين جلستم عند مصلانا
[ 212 ]
تكشرون أي تضحكون (لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى) من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك (الموت) بجره عطف بيان ورفعه خبر مبتدأ محذوف ونصبه بتقدير أعني (فأكثروا ذكر هاذم اللذات) الموت (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي حقيقة والذي خلق الكلام في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في الجماد ولا يلوم من ذلك سماعنا له ويحتمل أن المراد أن يقول ذلك بلسان الحال (فيقول أنا بيت الغربة) فالذي يسكنني غريب (وأنا بيت الوحدة) فمن حل بي وحيد (وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود) فمن سكنني أكله التراب والدود ، ومن ثم قال حكيم : اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح ما أمكنك ليؤنسك (فإذا دفن العبد المؤمن) أي المطيع لله تعالى كما يدل عليه ذكره الفاجر والكافر في مقابلته (قال له القبر مرحبا وأهلا) أي لقيت رحبا وأهلا (أما) بالتخفيف (إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلى) لما أنك مطيع لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي) أي انتقلت من الدنيا إلي قال في المصباح : صار زيد غنيا انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن عليها وصار العصير خمرا كذلك وصار الأمر إلى كذا رجع إليه (فسترى صنيعي بك) فإني محسنه جدا وقضية السين أن الاتساع وما بعده مما يأتي يتأخر عن الإقبار (فيتسع مد بصره) أي بقدر ما يمتد إليه بصره (ويفتح له باب إلى الجنة) يعني تفتحه له الملائكة بإذن الله أو ينفتح بنفسه بأمر الله (وإذا دفن العبد الفاجر) أي المؤمن الفاسق (أو الكافر) بأي كفر كان (قال له القبر) بلسان الفال أو الحال على ما سبق (لا مرحبا ولا أهلا) بك (أما) بالتخفيف (إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي) لما أنك عاص لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه) أي ينضم (حتى يلتقي عليه) بشدة وعنف (وتختلف أضلاعه) من شدة الضغط وقضية هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ، ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره (ويفيض له سبعون تنينا) أي ثعبانا (لو أن واحدا منها نفخ في الأرض) أي على ظهرها بين الناس (ما أنبتت شيئا) من النبات (ما بقيت الدنيا) أي مدة بقائها (فينهشنه) بشين معجمة وقد تهمل والنهش القبض على اللحم ونثره (ويخدشنه) أي يخرجنه قال في المصباح خدشته خدشا جرحته في ظاهر الجلد (حتى يفضي به إلى الحساب) أي حتى يصل إلى يوم
[ 213 ]
القيامة والإفضاء الوصول قال في المصباح أفضيت إلى الشئ وصلت إليه (إنما القبر روضة من رياض الجنة) حقيقة لما يتحف المؤمن به من الريحان وأزهار الجنان أو مجازا عن خفة السؤال على المؤمن وأمنه وراحته وسعته كما يقال فلان في الجنة إذا كان عيشه رغدا (أو حفرة من حفر النار) حقيقة أو مجازا على ما تقرر فيما قبله والقبر واحد القبور قال في المختار وهو مما أكرم به بنو آدم وقال الزمخشري تقول نقلوا من القصور إلى القبور ومن المنابر إلى المقابر والخفرة قال في الصحاح بالضم واحدة الحفر وقال الزمخشري حفر النهر بالمحفار واحتفره ودلوه في الحفرة والحفيرة وهو القبر . (تنبيه) ظاهر هذا الخبر أن عذاب القبر غير منقطع وفي كثير من الأخبار والآثار ما يدل على انقطاعه والظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص (ت عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه . 1599 - (أما) بالتشديد وكذا ما بعده (أنا فلا آكل متكئا) أي متمكنا معتمدا على وطاء تحتي أو مائلا إلى أحد شقي ومن فهم أن المتكئ ليس إلا المائل إلى أحدهما فقد وهم إذ كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ وفي إفهام قوله أما أنا جعل الخيار لغيره على معنى أما أنا أفعل كذا وأما غيري فبالخيار فربما أخذ منه أنه غير مكروه لغيره (ت عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة السوائي وقد سبق وظاهر صنيعه أن ذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه في منن الشفاء للبخاري . 1600 - (أما أهل النار) في أكثر نسخ مسلم أهل النار بحذف أما وعليه فالفاء في فإنهم الآتية زائدة (الذين هم أهلها) أي المختصون بالخلود فيها المستوجبون لعذاب الأبد وفيه إيذان بأنه لا يسمى أهل النار إلا الكفار (فإنهم لا يموتون فيها) موتا يريحهم (ولا يحيون) فيها حياة تريحهم كما قال تعالى : * (لا يموت فيها ولا يحيى) * [ الاعلى : 13 ] و [ طه : 74 ] وهذا مذهب أهل السنة أن النعيم والعذاب دائم (ولكن ناس) من المؤمنين (أصابتهم النار بذنوبهم) في رواية بخطاياهم (فأماتتهم) بتاءين أي النار وفي رواية لمسلم فأماتهم الله (إمانة) أي بعد أن يعذبوا ما شاء الله وهي إماتة حقيقية وقيل مجازية عبارة عن ذهاب الإحساس بالألم ورجح الأول تأكيده بالمصدر وفائدة النار مع عدم الإحساس بعذابها حصول التأديب بصرفهم عن نعيم الجنة تلك المدة ثم يحبسون في النار بلا إحساس ما شاء الله كالمسبحون بدار عذاب الملك والإيمان على باب النار ينتظرهم (حتى إذا) بعثهم الله من تلك النوبة قد (صاروا فحما) أي كالحطب الذي أحرق حتى اسود ، في الصحاح الفحم معروف قال في المصباح وقد تفتح الحاء وفحمت وجهه بالتثقيل سودته بالفحم (أذن) بالبناء للمفعول والفاعل الله تعالى (بالشفاعة)
[ 214 ]
فيهم فحملوا وأخرجوا (فجئ بهم) أي فتأتي بهم الملائكة إلى الجنة بإذن ربهم (ضبائر ضبائر) بفتح الضاد المعجمة نصب على الحال هكذا وقعت مكررة في الروايات أي يحملون كالأمتعة جماعات منفردين في تفرقة عكس أهل الجنة فإنهم يدخلون يتحاذون بالمناكب لا يدخل آخرهم قبل أولهم ولا عكسه كما في خبر ، وهؤلاء يدخلون متفرقين إظهارا لأثر المخالفة عليهم ومع ذلك ففصل الله شملهم والضبائر جمع ضبارة بفتح الضاد المعجمة وكسرها الحزمة ، قال في المصباح ضبر الفرس جمع قوائمه وعنده إضبارة من كيت بكسر الهمزة جماعة وهي الحزمة انتهى (فبثوا) بباء موحدة مضمومة ثم مثلثة أي فرقوا (على أنهار الجنة) أي على حافاتها (ثم قيل) أي قالت الملائكة بأمر الله أو قال الله (يا أهل الجنة أفيضوا) صبوا (عليهم) من الماء ماء الحياة فيفيضون منه فيحيون (فينبتون نبات الحبة) ولفظ رواية مسلم فينبتون منه كما تنبت الحبة وهو بكسر الحاء وشدة الموحدة حب الرياحين والعشب وبزر البقول ونحوه مما ينبت في البرية والصحراء ما ليس بقوت يكون (في حميل السيل) بفتح الحاء وكسر الميم ما حمله السيل من نحو طين أو غثاء في معناه محمول السيل وزعم إرادة حب البقلة الحمقاء وهي الرجلة لأنها تنبت سريعا على جانب السيل فيتلفه السيل ثم تنبت فيتلفه وهكذا ولهذه سميت بالحمقاء كأنه لا تمييز لها يرده رواية البخاري فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ، وبقلة الحمقاء ليست صفراء وإنما كانت صفراء لأنها أحسن ألوان الرياحين ولهذا تسر الناظرين وسيد رياحين الجنة الحناء وهو أصفر والمراد التشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسن لونه وضعف النبات فهو كناية عن سرعة نباتهم وحسن ألوانهم وضعف حالهم ثم يشتد قواهم بعد ويصيرون إلى منازلهم ، شبه سرعة عود إنباتهم بسرعة نباتها وفي خبر يكتب على جباههم هؤلاء عتقاء الرحمن ، قيل وماء الحياة معنوي ولا مانع من كونه حسيا وفيه رد على المرجئة حيث أفاد دخول طائفة من الأمة النار وعلى المعتزلة لدلالته على عدم تخليد العاصي فيها (حم م ه عن أبي سعيد) الخدري قال العارف ابن عربي رضي الله عنه وهو صحيح كشفا . 1601 - (أما أول أشراط الساعة) أي علاماتها التي يعقبها قيامها (فنار تخرج من المشرق) أي جهة شروق الشمس (فتحشر الناس) أي تجمعهم مع السوق (إلى المغرب) قيل لعله أراد نار الفتن وقد وقعت كفتنة التتار سارت من المشرق إلى المغرب وقيل بل تأتي واستشكل جعل النار أول العلامات بأن بعثة نبينا من الأشراط والنار لم تتقدمه وفي خبر أول الآيات طلوع الشمس من مغربها (وأجيب بأن) بعض علاماتها علامات لقربها وبعضها علامة غاية قربها وبعضها علامة وقوعها ومن الأول البعثة ومن الثاني النار والدخان والدجال ويأجوج ومأجوج والثالث طلوع الشمس وخروج الدابة ،
[ 215 ]
سمي أولا لأنه مبدأ ذلك القسم (وأما أول ما) أي طعام (يأكله أهل الجنة) أي فيها (فزيادة كبد حوت) أي زائدته وهي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد وهي ألذه وأهناه وأمرأه (1) (وأما شبه الولد أباه) تارة (وأمه) تارة أخرى (فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة) في النزول والاستقرار في رحمها (نزع إليه) أي نزع إلى الرجل (الولد) بنصبه على المفعولية أي جذب السبق إليه الولد (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع) أي الولد (إليها) أي إلى المرأة ، قال في الصحاح نزع إلى أبيه في الشبه أي ذهب ، وفي المصباح نزع إلى الشئ ذهب إليه وإلى أبيه ونحوه أذهبه أشبهه (حم خ ن عن أنس) قال بلغ ابن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال : إني سائلك عن ثلاثة لا يعلمها إلا نبي ما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام يأكله أهل الجنة ومن أي شئ ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شئ ينزع الولد إلى أخواله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (خبرني بهن آنفا جبريل ثم ذكره فأسلم) . 1602 - (أما صلاة الرجل في بيته) أي في محل إقامته من بيت أو خلوة أو غيرهما (فنور) أي منورة للقلب بحيث يشرق فيه أنوار المعارف والمكاشفات وتكون نورا يوم القيامة في تلك الظلم (فنوروا بها بيوتكم) فإنها تمنع المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به (حم ه عن عمر) بن الخطاب . 1603 - (أما) بالتشديد (في ثلاثة مواطن) أي أماكن من يوم القيامة ، قال في الصحاح الوطن محل الإنسان والموطن المشهد من مشاهد الحروب وقال الزمخشري من المجاز هذه أوطان الإبل لمرابضها وثبت في موطن القتال ومواطنه وهي مشاهدة (فلا يذكر أحد أحدا) لعظم هولها وشدة روعها (عند الميزان (2) أي إذا وضع لوزن الأعمال (حتى يعلم) الإنسان (أيخف ميزانه) فيكون من الهالكين (أم يثقل) فيكون من الناجين (وعند الكتاب) أي نشر صحف الأعمال (حين يقال هاؤم (3) اقرؤوا كتابيه (4) (1) والحكمة في ذلك أنها أبرد شئ في الحوت فبأكلها تزول الحرارة التي حصلت للناس في الموقف . (2) قال النووي وهي واحدة ذات لسان وكفتين وكفة الحسنات من نور وكفة السيئات من ظلمة . (3) هاؤم اسم فعل بمعنى خذوا . (4) كتابيه تنازعه هاؤم واقرأوا فهو مفعول اقرأوا لانه أقرب العاملين ولانه لو كان مفعول هاؤم لقيل اقرأوه إذ الاولى إضماره حيث أمكن أي بقول ذلك الناجي لجماعته لما يحصل له من السرور الظاهر أن قوله هاؤم الخ معترض بين قوله وعند الكتاب وقوله حتى يعلم الخ . (*)
[ 216 ]
حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره) ، قال ابن السائب تلوى يده خلف ظهره ثم يعطى كتابه وقيل تنزع من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطاه ، قال ابن رسلان وظاهره أن من يؤتى كتابه بشماله قسمان قسم يؤتاه بشماله لا من وراء ظهره وقسم بشماله من ورائه وقال غيره يعطى المؤمن العاصي كتابه بشماله والكافر من ورائه (وعند الصراط) الجسر الممدود على متن جهنم ليمر الناس عليه (إذا وضع بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء أي على ظهرها أي وسطها كالجسر فزيدت الألف والنون للمبالغة والياء لصحة دخول بين على متعدد وقيل لفظ ظهراني مقحم (حافتاه كلاليب (1) جمع كلاب بالضم أو كلوب بالفتح وشد اللام فيهما حديدة معوجة الرأس أو عود في رأسه اعوجاج (كثيرة وحسك) جمع حسكة شوكة صلبة معروفة تسمى شوك السعدان تشبه حلمة الثدي (كثير يحبس الله بها من يشاء من خلقه) يعني يعوق من شاء ويصرعه بكلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار (حتى يعلم أينجو أم لا) قال الحليمي في الحديث إشعار بأن للمارين عليه مواطئ الأقدام فما ورد من أنه أدق من الشعر معناه أن يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود ذلك إلا الله لخفائها وغموضها وقد اعتى دضرب المثل للغامض الخفي بدقة الشعر وأنه أحد من السيف معناه أدق دقيق اه . وهذا كله إلهاب وتهييج وتذكير للمرء بما أمامه من القدوم على أهوال لا يخلصه منها إلا لطف الرحمن (د) في السنة (ك) في الأهوال (عن عائشة) قالت ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قالت ذكرت النار فبكيت ، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فذكره ، قال الحاكم على شرطهما لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة اه . ورواه أحمد رضي الله تعالى عنه بأتم من هذا وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي . 1604 - (أما بعد) قال الطيبي أما وضع للتفصيل فلا بد من التعدد ونقل عن أبي حاتم أنه لا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها إلا وتثنى وتثلث كقوله تعالى : * (أما السفينة ، وأما الجدار) * [ الكهف : 79 ] وعامله مقدر أي مهما يكن بعد تلك القضية (فإن أصدق) وفي رواية بدله خير (الحديث كتاب الله) اقتباس من قوله تعالى : * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) * [ الزمر : 23 ] فهو لإعجازه وإفهامه ما اشتمل عليه من أخبار الأمم والأحكام والمواعظ ومنفعة الخلق وتناسب الألفاظ وتناسقها في التخير والإصابة وتجاذب نظمه وتآليفه في الإعجاز والتبكيت أحسن حديث (وإن أفضل) وفي رواية وإن خير (الهدي هدي محمد) بفتح الهاء وسكون الدال فيهما أي أحسن الطرق (1) أي هما نفسهما كلاليب وهو أبلغ من كونهما فهيما . (*)
[ 217 ]
طريقته وسمته وسيرته من هدى هديه سار بسيرته وجرى على طريقته ويقال فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب ومنه خبر اهتدوا بهدي عمار ، وبضم ففتح فيهما وهو بمعنى الدعاء والرشاد ومنه * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * [ الاسراء : 9 ] (إن هذا القرآن يهدي) [ الاسراء : 9 ] وقال القاضي هو من تهادت المرأة في مشيها إذا تبخترت ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة وسنة مرضية ولامه للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود وهو تفضيل دينه وسنته على جميع السنن والأديان (وشر الأمور محدثاتها) جمع محدثة بالفتح وهي كما سبق ما لم يعرف من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، قال القاضي روي شر الأمور بالنصب عطف على اسم إن وهو الأشهر وبالرفع عطف على محل إن مع اسمه (وكل بدعة ضلالة) أي وكل فعلة أحدثت على خلاف الشرع ضلالة لأن الحق فيما جاء به الشارع فما لا يرجع إليه يكون ضلالة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال (وكل ضلالة في النار) فكل بدعة فيها وقد سبق ذا موضحا بما منه أن المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له في الشرع والحامل عليه مجرد شهوة أو إرادة بخلاف محدث له أصل فيه إما بحمل النظير على نظيره أو لغير ذلك وقوله وكل إلى آخره عام مخصوص (أتتكم الساعة بغتة) بنصبه على المفعولية وجوز رفعه قال في الكشاف الساعة القيامة سميت به لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله ، وجرت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة (بعثت أنا والساعة هكذا) وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى قال القاضي يحتمل أنه تمثيل لمقارنتها وأنه ليس إصبع أخرى كما لا شئ بينه وبين الساعة ويحتمل أنه تقريب لما بينهما في المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الأصبعين تقريبا لا تحديدا (صبحتكم الساعة ومستكم) أي توقعوا قيامها فكأنكم بها وقد فجأتكم على بغتة صباحا أو مساء فبادروا إلى التوبة لتسقط عنكم المعاصي وازهدوا في الدنيا ليخف حسابكم وتذكروا الآخرة وأهوالها وما هو إلا من نفس إلى نفس فتصيرون إليها * (إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) * [ الانعام : 134 ] (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) أي أحق . كان إذا احتاج لنحو طعام وجب على صاحبه بذله له * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * [ الاحزاب : 6 ] (من ترك مالا فلأهله) الذين يرثونه (ومن ترك دينا) عليه لم يوفه في حياته (أو ضياعا) بفتح الضاد أي عيالا وأطفالا (فإلي وعلي) أي فأمر كفاية عياله إلي وعلي قضاء دينه فهو لف ونشر غير مرتب (وأنا ولي المؤمنين) جميعا ، كان المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يصلي على مدين مات ولم يخلف وفاء زجرا للناس عن الاستدانة وإهمال الوفاء ، فلما فتح الله تعالى على المسلمين قال : من ترك دينا فعلي وفاؤه أي قضاؤه وهل كان يقضيه تكرما أو وجوبا ؟ وجهان الاصح الثاني ثم قيل إن ذا من خصائصه وقيل بل يقضي في كل زمن من المال وفيه أنه يسن أن يقال في الخطب أما بعد (حم م ن ه عن جابر) قال : كان رسول الله (ص) إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول أما بعد إلى آخره .
[ 218 ]
1605 - (أما بعد) أي حمد الله والثناء عليه قال عياض هي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من حمد وثناء والانتقال إلى ما يريد التكلم فيه ويعوض عنها لفظتين هذا ولما كان كذا وأول من قالها داود أو يعقوب أو يعرب بن قحطان أو كعب بن لؤي أو سحبان أو وائل أو قس بن ساعدة . قال الحافظ ابن حجر في الفتح والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة للأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرف خاصة ثم يجمع بينهما بالنسبة إلى القبائل (فو الله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة فعين ساكنة فطاء مكسورة بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي (الرجل وأدع) بفتح الهمزة والدال أي اترك (الرجل) الآخر فلا أعطيه شيئا (والذي أدع) إعطاءه (أحب إلي من الذي أعطى) عائد الموصول محذوف (ولكن) وفي رواية للبخاري ولكني (أعطي أقواما لما) بكسر اللام (أرى) من نظر القلب لا من نظر العين (في قلوبهم من الجزع) بالتحريك أي الضعف عن تحمل ما نزل بهم من الإملاق (1) (والهلع) بالتحريك أيضا شدة الجزع أو أفحشه أو هما بمعنى وهو شدة الحرص فالجمع للاطناب (وأكل أقواما) بفتح الهمزة وكسر الكاف (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى التصبر والتعفف عن المسألة والشره (منهم) أي من الأقوام الذين لهم غنى النفس (عمرو بن تغلب) بفتح المثناة فوق وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بالتحريك وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة وأما في الدنيا فتقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية وأن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع وأن المنع قد يكون خيرا للممنوع * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) * [ البقرة : 216 ] واستئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه (خ عن عمرو بن تغلب) هذا قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين تركوا عتبوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال عمرو فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم (2) انتهى . 1606 - (أما بعد) قال القاضي أما حرف يذكر لفصل الخطاب ويستدعي جوابا صدر بالفاء الجزائية لما فيها من معنى الشرط . قال سيبويه إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شئ فزيد منطلق (فما) وفي رواية البخاري ما بدون فاء في الجواب قال الزركشي وهو عند اللغويين نادر (بال أقوام) أي ما حالهم أي أهل بريرة ، أرادت عائشة شراءها منهم وتعتقها فشرطوا كون الولاء لهم (1) أي الفقر . (2) أي ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر وهذه صفة تدل على قوة إيمانه ويكفيه هذه المنقبة الشريفة . (*)
[ 219 ]
ولم يشرط الله في كتابه ذلك فخطب فنبه على تقبيح فعلهم حيث (يشترطون شروطا) جمع شرط وهو إلزام الشئ والتزامه (ليست في كتاب الله) أي في حكمه الذي كتب على عباده وشرعه لهم (ما كان من شرط ليس في كتاب الله) أي ليس في حكمه الذي يتعبد به عباده من كتاب أو سنة أو إجماع فليس المراد الفرقان لأن كون الولاء للمعتق ليس منصوصا في القرآن وقال ابن خزيمة أي ليس في حكمه جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط في البيع (فهو باطل وإن كان مائة شرط) مبالغة وتأكيدا لأن العموم في قوله ما كان من شرط إلى آخره دل على بطلان جميع الشروط وإن زاد على المائة فالعدد خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت (قضاء الله) المشروط أي حكمه (أحق) باتباع من غيره يعني هو الحق لا غيره (وشرط الله أوثق) أي هو القوي وما سواه باطل واه فافعل لا تفضيل فيه في الموضعين إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) لا إلى غيره من مشترط أو غيره فهو منفي عنه شرعا وفيه أنه لا ولاء لمن أسلم على يده رجل أو خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق (ق 4 عن عائشة) وهي قصة بريرة المشهورة . 1607 - (أما بعد) أي بعد الحمد والثناء (فما بال العامل) أراد به عبد الله بن اللتيبة بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة وياء النسب استعمله على عمل فجاء حين فرغ فقال : يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب موبخا له على تأويله الفاسد مبينا له بطلان رأيه الكاسد فقال : (نستعمله) أي نوليه عاملا (فيأتينا) عند انتهاء عمله (فيقول هذا من عملكم) أهدي إلي لخاصة نفسي (أفلا قعد) في رواية للبخاري فهلا جلس (في بيت أبيه وأمه فنظر) بضم النون ولأبي ذر بفتحها (هل يهدى له) بالبناء للمفعول (أم لا فوا الذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتدبيره (لا يغل أحدكم) بغين معجمة مضمومة من الغلول وهي الخيانة في الغنيمة (منها) أي الصدقة (شيئا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على عنقه) * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * [ آل عمران : 161 ] (إن كان بعيرا جاء به) يومها (له رغاء) بضم الراء والتخفيف ومد له صوت (وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار) بضم أوله المعجم صوت (وإن كانت شاة جاء بها تيعر) بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة صوت شديد (فقد بلغت) بشد اللام أي بلغت حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم وبقية الحديث ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ، وفيه أن الإمام يخطب في الأمر المهم واستعمال أما بعد في الخطبة ومحاسبته المؤتمن ومنع العامل من قبول الهدية ممن له عليه حكم وإبطال كل طريق يتوصل به من يأخذ المال إلى محاباة
[ 220 ]
المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ مع وجود الفاضل وأن من وجد متأولا خطأ يشهر خطأه ليحذر (حم ق د عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد (الساعدي) بكسر العين المهملة وذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة . 1608 - (أما بعد ألا أيها الناس) الحاضرون أو أعم (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي) يعني ملك الموت (فأجيب) أي أموت كنى عنه بالإجابة إشارة إلى أنه ينبغي تلقيه بالقبول كأنه مجيب إليه باختياره (وأنا تارك فيكم ثقلين) سميا به لعظم شأنهما وشرفهما (أولهما كتاب الله) قدمه لأحقيته بالتقدم (فيه الهدى) من الضلال (والنور ، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل) أي أخطأ طريق السعادة وهلك في ميادين الحيرة والشقاوة (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فإنه السبب الموصل إلى المقامات العلية والسعادة الأبدية (وأهل بيتي) وثانيهما أهل بيته وهم من حرمت عليهم الصدقة من أقربائه ، قال الحكيم حض على التمسك بهم لأن الأمر لهم معاينة فهم أبعد عن المحنة وهذا عام أريد به خاص وهم العلماء العاملون منهم فخرج الجاهل والفاسق ، وهم بشر لم يعروا عن شهوات الآدميين ولا عصموا عصمة النبيين وكما أن كتاب الله منه ناسخ ومنسوخ فارتفع الحكم بالمنسوخ هكذا ارتفعت القدرة بغير علمائهم الصلحاء وحث على الوصية بهم لما علم مما سيصيبهم بعده من البلايا والرزايا انتهى (أذكركم الله في أهل بيتي) أي في الوصية بهم واحترامهم وكرره ثلاثا للتأكيد ، قال الفخر الرازي جعل الله تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء في المحبة وتحريم الصدقة والطهارة والسلام والصلاة ولم يقع ذلك لغيرهم (تتمة) قال الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السبطين ورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال : (من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتنع بما خلفه الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه (حم وعبد بن حميد م) في المناقب كلهم (عن زيد بن أرقم) قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد فذكره وتتمته في مسلم من عدة طرق لفظه في أحدها قيل لزيد أليس نساؤه من أهل بيته قال : ليس نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وفي رواية له إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة . 1609 - (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله) القرآن لأنه يستحيل الكذب في خبره وإنما
[ 221 ]
تكذب الظنون في فهم خطابه وإنما ينتفي الريب عن سامعه بقدر قوة إيمانه ومتانة إبقائه وسماه حديثا لنزوله منجما لا لكونه ضد القديم (وأوثق العرى كلمة التقوى) كلمة الشهادة إذ هي الوفاء بالعهد ، ومعنى إضافتها إلى التقوى انها سبب التقوى وأسها وقيل كلمة أهل التقوى ذكره في الكشاف وقوله اوثق العرى من باب التمثيل مثلت حال المتقي بحال من أراد التدلي من شاهق فاحتاط لنفسه بتمسكه بعروة من حبل متين مأمون انقطاعه (وخير الملل ملة إبراهيم) الخليل ومن ثم أمر صلى الله عليه وسلم باتباعها * (أن اتبع ملة إبراهيم) * [ النحل : 123 ] (وخير السنن سنة محمد) صلى الله عليه وسلم وهي قوله أو فعله أو تقريره لأنها أهدى من كل سنة وأقوم من كل طريقة (وأشرف الحديث ذكر الله) لأن الشئ يشرف بشرف من هو له (وأحسن القصص هذا القرآن) لأنه برهان ما في سائر الكتب ودليل صحتها لأنه معجزة وليس تلك بمعجزة فهي مفتقره إلى شهادته على صحة ما فيها افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة ذكره الزمخشري (وخير الأمور عوازمها (1) وشر الأمور محدثاتها) بضم فسكون جمع محدثة (2) وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا إجماع (وأحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة السمت والطريقة والسيرة أي خير السيرة والطريقة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقته وروي أيضا بضم الهاء وفتح الدال ومعناه الدلالة والرشاد (هدي الأنبياء) لأنه تعالى تولى هدايتهم وتأديبهم وعصمتهم عن الضلال والإضلال والهدي بضم الهاء وفتح الدال والقصر الارشاد ، واللام في الهدي للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود (وأشرف الموت قتل الشهداء) لأنه في الله ولإعلاء كلمة الله فأعقبهم الحياة بالله ولهذا نهى الله الخلق عن إطلاق الموت عليهم (وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى) أي الكفر بعد الإسلام فهو العمى على الحقيقة (وخير العلم ما نفع) وفي رواية بدل العلم العمل بأن صحبه إخلاص فإن العلم الذي لا ينفع لا خير فيه لصاحبه بل هو وبال عليه (وخير الهدى ما اتبع) بالبناء للمجهول أي اقتدي به كنشر العلم للمريدين وتهذيب المشايخ لأحوال السالكين وهي سيرة المرسلين وشر العمى عمى القلب لأن عماه يفقد نور الإيمان بالغيب فيثمر الغفلة عن الله والآخرة * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) * [ الاسراء : 72 ] فعمى البصيرة أشد من عمى البصر لأنه عظيم الضرر * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * [ الحج : 46 ] (واليد العليا خير من اليد السفلى) أي اليد المعطية خير (1) أي فرائضها التي فرض الله على الامة فعلها . (2) أي ما أحدث من البدع بعد الصدر الاول . (*)
[ 222 ]
من اليد الآخذة (3) (وما قل) من الدنيا (وكفى) الإنسان لمؤنته ومؤنة من عليه مؤنته (خير مما كثر وألهى) عن الله والدار الآخرة لأن الاستكثار من الدنيا يورث الهم والغم وقسوة القلب وشدة الحرص وينسي الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة (وشر المعذرة حين يحضر الموت) فإن العبد إذا اعتذر إلى الله بالتوبة عند احتضاره ووقوعه في الفزع لا يفيده فمراده الاعتذار عند الغرغرة ومعاينة ملك الموت وهي حالة كشف الغطاء واليأس من البقاء * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * [ النساء : 18 ] (وشر الندامة) أي الحزن وقال الراغب الندم التحسر على ما فات (يوم القيامة) فإنها لا تنفع يومئذ ولا تفيد (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا) بفتح أو ضم المهملة كذا ذكره بعضهم وقال العسكري الصواب بضمتين ونصبه على الظرف أي بعد فوت الوقت (ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا) أي تاركا للإخلاص كأن قلبه هاجر للسانه * (يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) * [ آل عمران : 172 ] لا يدعوهم إلى موافقة العاملين إلا استقباح المذمة من الناس والسطوة من السلطان أو العيب من الإخوان والجيران * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * [ التوبة : 54 ] (وأعظم الخطايا اللسان الكذوب) وهو الذي تكرر كذبه حتى صار صفة له حتى يأتي بالكبائر كلها كالقذف والبهتان وشهادة الزور وغيرها وربما أفضى إلى الكفر فإن اللسان أعظم عملا من سائر الجوارح فإذا تعود الكذب أورد صاحبه المهالك (وخير الغنى غنى النفس) فإنه الغنى على الحقيقة وفقير النفس لا يزال في هم وغم على تحصيل الدنيا والحرص على جمعها بقوله أخاف الفقر في الكبر وغير ذلك (وخير الزاد) إلى الآخرة (التقوى) * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * [ البقرة قال الغزالي سمعت خيرات الدنيا والآخرة تحت هذه الخصلة التي هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير ووعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة ، ومدار العبادة على ثلاثة أصول الأول التوفيق والتأييد وهو للمتقين قال الله تعالى : * (أن الله مع المتقين) * [ التوبة : 36 ] الثاني إصلاح العمل واتقاء التقصير وهو للمتقين قال الله تعالى : * (يصلح لكم أعمالكم) * [ الاحزاب : 71 ] الثالث قبول العمل وهو للمتقين قال الله تعالى : * (إنما يتقبل الله من المتقين) * [ المائدة : 27 ] فالتقوى هي الجامعة للخيرات الكافية للمهمات الرافعة للدرجات (ورأس الحكمة مخافة الله) أي الخوف منه أصلها واسمها فمن لم يخف الله فباب الحكمة عليه مسدود (وخير ما وقر في القلب اليقين) أي خير ما سكن فيه نور اليقين فإنه المزيل لظلمة الريب قال الزمخشري من المجاز وقر في قلبه كذا وقع وبقي أثره وكلمته وقرت في إذنه ثبتت (والارتياب) أي الشك في شئ مما جاء به الرسول (من الكفر) بالله تعالى (والنياحة من عمل الجاهلية) أي النوح (1) أي إذا لم يكن الأخذ محتاجا لخير ما المعطي من سعة بأفضل من الاخذ إذا كان محتاجا . (*)
[ 223 ]
على الميت بنحو واكهفاه واجبلاه من عادة الجاهلية وقد جاء الإسلام بتحريمه (والغلول) أي الخيانة الخفية (من جثا جهنم) جمع جثوة بالضم الشئ المجموع كذا في النهاية وفي التقريب الجثوة مثلثة الحجارة المجموعة وقيل معنى من جثاء جهنم من جماعتها وفي رواية للقضاعي من جمر جهنم قال شارحه لأن الغلول يصير على الغال جورا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي غل شملة إنها تضرم عليه نارا (والكنز) أي المال الذي لم تؤد زكاته (كي من النار) أي يكوي صاحبه في نار جهنم (والشعر) بكسر الشين الكلام المقفى الموزون قصدا (من مزامير إبليس) أي الشعر المحرم لا الجائز (والخمر جماع الإثم) أي مجمعه ومظنته والجماع اسم لما يجمع ويضم ، يقال هذا الباب جماع الأبواب من جمعت الشئ ضممته كالكفات من كفت الشئ إليه إذا ضمه وجمعه ذكره الكشاف وفي الفائق جماع كل شئ مجمتمع أصله يقال لما اجتمع في الغصن من النور هذا جماع الثمر (والنساء حبالة الشيطان) أي مصائده وفخوخه واحدها حبالة بالكسر وهي ما يصاد بها من أي شئ كأن دعى رجل إلى قتل نفس فأبى ثم إلى الزنا فأبى ثم إلى الخمر فشرب فزنا فقتل وقيل ما أيس الشيطان من آدمي من قبل النساء ومن ثم قال سليمان عليه الصلاة والسلام : امش وراء الأسد ولا تمش وراء المرأة وسمع عمر رضي الله تعالى عنه امرأة تقول : إن النساء رياحين خلقن لكم * * وكلكم يشتهي شم الرياحين فقال : إن النساء شياطين خلقن لنا * * نعوذ بالله من شر الشياطين وقال بعض الحكماء إياك ومخالطة النساء فإن لحظات المرأة سهم ولفظها سم (والشباب شعبة من الجنون) لأن الجنون يزيل العقل وكذا الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقبال على المضار لحداثة السن سيما مع الجدة : إن الشباب والفراغ والجده * * مفسدة للمرء أي مفسدة (وشر المكاسب كسب الربا) أي التكسب به لأن درهما منه أشد من ثلاث وثلاثين زينة كما يجئ في أخبار (وشر المآكل أكل مال اليتيم) ظلما * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * [ النساء : 10 ] (1) ولذا كان من أكبر الكبائر (والسعيد من وعظ بغيره) أي السعيد من تصفح أفعال غيره فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها قال : إن السعيد له من غيره عظة * وفي التجارب تحكيم معتبر وقال حجة الإسلام المراد أن الإنسان يشاهد من خبائث من اضطر إلى مرافقته وأحواله وصفاته (1) قوله في بطونهم أي ملئتها نارا لانه يؤول إليها وسيصلون بالبناء للفاعل والمفعول أي يدخلون سعيرا أي نارا شديدة . (*)
[ 224 ]
ما يستقبحه فيجتنبه وقيل لعيسى عليه الصلاة والسلام من أدبك فقال ما أدبني أحد ، رأيت جهل الجاهل فجانبته قال الحجة ولقد صدق فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن مؤدب فاطلع في القبور واعتبر بالنشور وانظر إلى مصارع آبائك وفناء إخوانك ، ومن أمثالهم كم قذف الموت في هوة من جمجمة من هوة وكفى بالموت واعظا ونظر الحسن رضي الله عنه إلى ميت يقبر فقال والله إن أمرا هذا أوله لحري أن يخاف آخره وإن أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله وقال مطرف : أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه وقال الحكماء : للباقين بالماضين معتبرا وللآخرين بالأولين مزدجر والسعيد من لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع . وقالوا السعيد من اعتبر بأمه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره وبخل على نفسه (والشقي من شقي في بطن أمه) فلا اختيار للسعيد في تحصيل السعادة ولا اقتدار للشقي على تبديل الشقاوة قال ابن الكمال ومعنى الحديث أن السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز ضرورة السعادة كما دل عليه خبر كل مولود يولد على الفطرة (وإنما يصير أحدكم) إذا مات (إلى موضع أربع أذرع) وهو اللحد وانظر إلى ما تصير وفيم تسكن وقيل في آية * (وكان تحته كنز لهما) * [ الكهف : 82 ] هو لوح من ذهب فيه عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن يعرف النار كيف يضحك ولمن يعرف الدنيا وتحويلها كيف يطمئن إليها ؟ وقال ثابت : أي عبد أصعب حالا ممن يأتيه ملك الموت وحده ويقبر بلحده وحده ، وقيل لبشر بن الحارث عظنا قال : ما أقول فيمن القبر مسكنه والصراط جوازه والقيامة موقفه والله مسائله فلا يعلم إلى جنة فيهنئ أم إلى نار فيعزى (والأمر بآخره) بالمد إنما الأعمال بخواتيمها (وملاك العمل) بكسر الميم وفتحها أي قوامه ونظامه وما يعتمد عليه فيه (خواتمه) وأصل الملاك استحكام القدرة ومعناه أن أحكام عمل الخير وثباته موقوفة على سلامة عاقبته إنما الأعمال بالخواتيم قفد يبتدئ بالصلاة وغيرها بنية خالصة ثم يعرض له آفة تمنع صحته أو تبطل أجره من نحو عجب أو رياء أو عزم على تركه فإن لم يعرض آفة قبل تمامه أو عرضت وردها بالعلم وختم بما بدأ استحكم عمله باستدراكه ما فرط في الأثناء بإخلاص خاتمته قال ابن بطال في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل وإن كان هالكا زاد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين خوف ورجاء . إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا سوى مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة كما سيجئ في الخبر (وشر الروايا (1) روايا الكذب وكل ما هو (1) الروايا بفتح الراء المهملة جمع راوية بمعنى ناقل ، وفي حديث : والرواية أحد الشاتمين أي وشر الناقلين ناقلي الكذب . (*)
[ 225 ]
آت) من الموت والقيامة والحساب والوقوف (قريب) وأنت سائر على مراحل الأيام والليالي إليه * (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) * [ المعارج : 6 - 7 ] فالجاهل يراه بعيدا لعمى قلبه والمؤمن الكامل يراه بنور إيمانه قريبا كأنه يعاينه فبذل دنياه لأخراه وسلم نفسه لمولاه فلا تغرنك الدنيا فجديدها عما قليل يبلى ونعيمها يفنى ومن لم يتركها اختيارا فعما قريب يتركها اضطرارا ومن لم تزل نعمته في حياته زالت بمماته قال ابن عطاء رضي الله عنه : لا بد لهذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أوثق منه بما هو يفنى وقال بعض الحكماء : من كان يؤمل أن يعيش غدا فهو يؤمل أن يعيش أبدا قال الماوردي ولعمري إنه صحيح إذ كل يوم غدا فإذا يفضى به الأمل إلى الفوت من غير ويؤديه الرجاء إلى الإهمال بغير تلاف وقال الحكماء لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن وكل ما هو آت كائن (وسباب المؤمن) بكسر السين المهملة أي سبه وشتمه (فسوق) أي فسق (وقتال المؤمن) بغير حق (كفر) إن استحل قتله بلا تأويل سائغ (وأكل لحمه من معصية الله) أي غيبته وهي ذكره بما يكرهه حرام * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) * [ الحجرات : 12 ] (وحرمة ماله كحرمة دمه) فكما يمتنع سفك دمه بغير حق يمتنع أخذ شئ من ماله بغير حق قال في الكشاف الحرمة ما لا يحل هتكه (ومن يتأل على الله) أي يحكم عليه ويحلف كقوله والله ليدخلن فلان النار من الألية وهي اليمين (يكذبه) بأن يفعل خلاف ما حلف عليه مجازاة له على جراءته وفضوله (ومن يغفر يغفر الله له) أي ومن يستر على أخيه فضيحة اطلع عليها يستر الله ذنوبه فلا يؤاخذه بها (ومن يعف) أي عن الجاني عليه (يعف الله عنه) أي ومن يمحو أثر جناية غيره يمحو الله سيئاته جزاءا وفاقا (ومن يكظم الغيظ) أي يرده ويكتمه مع قدرته على إنفاذه (يأجره الله) أي يثيبه الله لأنه محسن يحب المحسنين وكظم الغيظ إحسان قال الزمخشري كظم البعير جرته ازدردها وكف عن الاجترار وكظم القربة ملأها وشد كظم الباب سده ومن المجاز كظم الغيظ وعلى الغيظ انتهى (ومن يصبر على الرزية) أي المصيبة احتسابا لله (يعوضه الله) عنها خيرا مما فاته منها (ومن يتبع الشمعة يسمع الله به) قال في الفردوس : قال العسكري هكذا يروى من هذا الطريق الشمعة بشين معجمة وهي المزاح والضحك ومنه امرأة شموع كثيرة الضحك والمعنى أن من عبث بالناس واستهزأ بهم يعبث به ويستهزأ منه ومن رواه بسين مهملة أراد من يرائي بعمله يفضحه الله (ومن يصبر يضعف الله له) الثواب أي ثوابه جزاء صبره أي يؤته أجره مرتين (ومن يعص الله يعذبه الله) إن شاء وإن شاء عفى عنه فهو تحت المشيئة (اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي) المراد أمة الإجابة وكرره ثلاثا لأن الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء (أستغفر الله لي ولكم) هذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال وفيه أنه ينبغي للإنسان إذا دعا لغيره أن يبدأ بنفسه
[ 226 ]
(البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال يا رسول الله ذهب بي الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد الله بن سعيد (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي الدرداء) مرفوعا (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفا) ورواه العسكري والديلمي عن عقبة . 1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفردا فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر (وإن الله مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفا في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله خلقها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفا بالتصرف فيها فليست هي بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من زخرف الدنيا وزهرتها (فاتفوا الدنيا واتقوا النساء) خصص بعد ما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقا إياك أن تجالس أمرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها انتهى . ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته وقال في المطامح يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل ، ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهن هلك كثير من العلماء (ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتا أي متفرقون وقال الزمخشري تقول تفرقوا شتى وأشتاتا (منهم من يولد ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا) وهذا الفريق هم سعداء الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافرا ويحيا
[ 227 ]
كافرا ويموت كافرا) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له بالكفر (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا) أي يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة . (ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد أيضا وذلك لأن الله خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في شئ من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره فإنه عنوانه الناشئ عنه قال الغزالي قال بعض الأنبياء لإبليس بأي شئ تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند الهوى ، وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإذا كان العبد حديدا قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئا من ذلك) يعني من بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه ، وفي رواية فليلزق بالأرض وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه ، ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال) ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكورا أو إناثا (من كان بطئ الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك (سريع الغضب بطئ الرضا فإذا كان الرجل بطئ الغضب بطئ الفئ) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفئ فإنها بها) أي فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحا ولا ذما ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطئ الوقود بطئ الخمود وبعضهم سريع الوقود بطئ الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارا يابسا يكثر غضبه ومن كان بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب يسمع حسا فيعوي
[ 228 ]
قبل أن يعرف ما هو فأسرع الناس غضبا الصبيان والنساء وأكثرهم ضجرا الشيوخ وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من كظم الغيظ . (ألا إن خير الناس التجار) بضم التاء جمع تاجر (من) أي تاجر (كان حسن القضاء) أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة ونحوها (حسن الطلب) أي سهل التقاضي يرحم المعسر وينظره ولا يضايق الموسر في الأشياء التافهة ولا يلجئه إلى الوفاء في وقت معين ولا من مال معين (وشر التجار من كان سئ القضاء) أي لا يوفي لغريمه دينه إلا بكلفة ومشقة وتماطل مع يساره (سئ الطلب) أي ملح على مديونه بالطلب من غير مرحمة ولا شفقة بل بصعوبة مع علمه باعساره إذ ذاك (فإذا كان الرجل) التاجر وذكر الرجل وصف طردي لأن غالب المتجر إنما يتعاناه الرجال لا لإخراج النساء (حسن القضاء سئ الطلب أو كان) بعكسه (سئ القضاء حسن الطلب فإنها بها) أي فإحدى الخصلتين تقابل بالأخرى نظير ما تقدم ويجري ذلك كله في كل من له حق أو عليه حق وإنما خص التجار لأكثرية القضاء والتقاضي فيما بينهم (ألا إن لكل غادر لواء) أي ينصب له (يوم القيامة) لواء حقيقة (بقدر غدرته) فإن كانت كبيرة نصب له لواء كبير وإن كانت صغيرة فصغير وفي خبر أنه يكون عند إسته وقيل اللواء مجاز والمراد شهرة حاله وإذاعته بين الملأ في ذلك الموقف الأعظم (ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير عامة) بالإضافة (ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه) فإن ذلك يجب عليه وليست مهابة الناس عذرا في التخلف بشرط سلامة العاقبة (ألا إن أفضل الجهاد) أي أنواعه (كلمة حق) يتكلم بها كأمر بمعروف أو نهي عن منكر (عند سلطان جائر) أي ظالم فإن ذلك أفضل من جهاد العدو لأنه أعظم خطرا كما سلف تقريره عما قريب (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) يعني ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها فهي ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإذا كانت بقية الشئ وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه كانت خليقة بأن توصف بالقلة ذكره الزمخشري (حم ت ك هب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العصر ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال أما بعد إلى آخره وفيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ويحيى ليس بشئ .
[ 229 ]
1611 - (أمامكم) بفتح الهمزة (حوض) كي تردونه يوم القيامة قيل هو الكوثر والأظهر أنه غيره وهل هو بعد الصراط وقبله قولان وجمع بالتعدد (كما بين جرباء) بفتح الجيم وسكون الراء وموحدة يقصر ويمد قرية بالشام (وأذرح) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وحاء مهملة قرية بالشام أيضا وفي الحديث حذف بينته رواية الدارقطني وهو ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وبين جرباء وأذرح . فالمسافة بين المدينة وبينهما ثلاثة أيام لا بينهما وقد غلط من قال بينهما ثلاثة أيام كما بينه صاحب القاموس اقتداء ببعض الأعلام لأن بين جرباء وأذرح ميل بل أقل بل الواقف في هذه ينظر هذه كما حرره بعض الثقات (خد عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الطبراني نحوه . 1612 - (أمان لأهل الأرض من الغرق) بفتح الراء مصدر (القوس) أي ظهور القوس المسمى بقوس قزح ، قال ابن القيم سمي به لأنه أول ما رؤي في الجاهلية على جبل قزح بالمزدلفة أو لأن قزح اسم شيطان ويوضح المراد بقوله القوس ما رواه السدي أن عليا رضي الله عنه نظر إلى السماء فرأى قوس قزح ، فقال ما هذا ؟ قالوا قوس قزح قال لا تقولوا هذا قولوا قوس الله وأمان من الغرق وفي أجوبة علي كرم الله وجهه لابن الكواء أن القوس علامة كانت بين نوح وربه أمان لأهل الأرض من الغرق (وأمان لأهل الأرض) أي كلهم أو المراد جزيرة العرب (من الاختلاف) تفرق الكلمة والفتن (الموالاة) المناصرة والموادة (لقريش) (1) القبيلة المعروفة أي ما داموا على سنن الاستقامة ومنهج العدالة كما يفيده قوله في الحديث المار استقيموا لقريش ما استقاموا لكم إلى آخره (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا) أي المخالفون (حزب ابليس) أي جنده * (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) * [ المجادلة : 19 ] (قريش أهل الله) أي المؤمنون منهم خواص عباده أضيفوا إليه تشريفا (طب) عن أحمد الابار عن إسحاق بن سعيد بن الأركون عن خليد بن دعلج عن عطاء عن ابن عباس (ك) في المناقب عن مكرم عن الابار عن إسحاق بن الأركون عن خليد عن قتادة عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه واه وفي إسناده ضعيفان ابن الأركون وخليد انتهى . وحكم ابن الجوزي بوضعه ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شاهدا من كلام ابن عباس . 1613 - (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا البحر) في رواية الطبراني بدله السفينة وفي رواية ابن (1) قال الحكيم أراد بقريش أهل الهدى منهم وإلا فبنو أمية وأضرابهم حالهم معروف وإنما الحرمة لاهل التقوى .
[ 230 ]
مردويه سفينة وفي رواية الفلك لكن لفظ رواية ابن السني التي عزى المؤلف إليها ركبوا ولم يذكر بحرا ولا سفينة كما ذكره النووي (أن يقولوا) أي يقرؤوا عند دخول السفينة أو عند سيرها قوله تعال ى (بسم الله مجريها ومرساها) أي حيث تجري وحيث ترسي (الآية) أي إلى آخرها وقوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره الآية) بكمالها أي إلى * (تشركون) * [ الزمر : 67 ] وترجم عليه النووي في الأذكار باب ما يقوله إذا ركب سفينة وساق الحديث عازيا لابن السني ثم قال عقبه هكذا هو في النسخ إذا ركبوا لم يقل السفينة ونقل بعضهم عن ابن عباس من قرأ الآيتين فعطب أو غرق فعلي ذلك (ع وابن السني) من طريق أبي يعلى المذكور قال حدثنا أبو يعلى أنبأنا جنادة حدثنا يحيى بن العلاء أنبأنا مروان بن سالم أنبأنا طلحة العقيلي (عن الحسين) بن علي يرفعه قال ابن حجر وجنادة ضعيف وشيخه أضعف منه وشيخ شيخه كذلك بالاتفاق فيهما وطلحة مجهول انتهى وفي الميزان يحيى بن العلاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها . 1614 - (أم القرآن) الفاتحة سميت به لكونها مفتتح القراءة . قال الخليل كل شئ ضم إليه ما يليه سمي أما وهي مشتملة على كليات معاني القرآن وهو الثناء على الله والمعاش وهو العبادة والمعاد وهو الجزاء وقال القاضي : سماها أما (1) لأنها بينة في نفسها مبينة لما عداها من المتشابهات فهي كالأصل له (هي السبع المثاني) اللام للعهد قال تعالى * (وقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * [ الحجرات : 87 ] سميت سبعا لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة آية وهو المتصور والمثاني لتكررها في الصلاة أو الإنزال أو لأن غيرها يضم إليها أو لتكرر مضمونها في السور أو مقاصدها جمع مثنى أو مثناة من التثنية بمعنى التكرار فتكرر على مرور الأوقات فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس وقيل جمع مثنى بمعنى الثناء كالمحمدة بمعنى الحمد لاشتمالها على الثناء فهي تثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أو لأنها أبدا تدعو بوصفها المعجز إلى غرابة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها ثم على من يتعلمها ويعمل بها ولا اختلاف بين قوله في الحديث السبع المثاني وقوله في القرآن سبعا من المثاني لأن من للبيان ذكره التوربشتي (والقرآن العظيم) عطف على السبع عطف صفة الشئ على صفة أخرى له فليس هو من عطف الشئ على نفسه أو عطف على أم القرآن وإفراد الفاتحة بالذكر في الآية مع كونها جزءا من القرآن يدل على مزيد اختصاصها بالفضيلة وفيه رد كما قال السهيلي على الحسن وابن سيرين في كراهة تسمية الفاتحة بذلك (خ عن أبي بكر) الصديق . (1) واستشكل بأن كثيرا من السور مشتمل على هذه المعاني مع أنها لم تسم بأم القرآن وأجيب بأنها سابقة على غيرها وضعا بل نزولا عند الأكثر فنزلت من تلك السور منزلة مكة من جميع القرى حيث مهدت أولا ثم دحيت الأرض من تحتها وكما سميت أم القرى سميت هذه أم القرآن على أنه لا يلزم اطراد وجه الشبه . (*)
[ 231 ]
1615 - (أم القرآن) قال الحرالي سميت به لأنها له عنوان وهو كله لها بسط وتبيان . وقال القاضي لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله وذكر الذات والصفات والأفعال والتعبد بالأحكام والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين (عوض من غيرها) من القرآن وغيره (وليس غيرها منها عوض) وحينئذ فلا يقوم مقامها في الصلاة سورة من القرآن غيرها عند القدرة ولذلك لم يكن لها في الكتب الإلهية عديل (قط) وتقدمه إليه الكرماني (ك عن عبادة) بن الصامت وصححه قال ابن القطان ولا ينبغي تصحيحه ففيه محمد بن خلاد لا يعرف من حاله ما يعتمد عليه وعميد يروي مناكير منها هذا الخبر الذي لا يعرف إلا من روايته . 1616 - (أم الولد حرة) أي حكمها حكم الحرة في كونها لا تباع ولا ترهن ولا توهب ولا يتصرف فيها بإزالة ملك (1) (وإن كان) الولد (سقطا) لم تنفخ فيه الحياة بل ولو كان مخططا خفي التخطيط بحيث لا يعرفه إلا القوابل وهذا مجمع عليه الآن وما كان من خلاف فيه من الصدر الأول فقد مضى وانقضى (طب عن ابن عباس) وفيه الحسين بن عيسى الحنفي قال الذهبي في الضعفاء له مناكير عن الحكم بن إبان قال ابن المبارك ارم به ووثقه غيره ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عباس قال الفرياني في اختصار الدارقطني وفيه الحسين بن عيسى الحنفي ضعيف قال ابن عدي عامة أحاديثه غرائب وفي بعضها مناكير وشيخه الحكم بن إبان قال ابن المبارك أرم . 1617 - (أم ملدم) مفعل من لدمه إذا لطمه ويروى بالذال المعجمة من لذم بمعنى الزم وهي الحمى (تأكل) مضارع أكل (اللحم) أي إذا لازمت الإنسان أنحلته (وتشرب الدم) يعني تحرقه (بردها وحرها من جهنم) أي بدل من جهنم لمن أصابته من المؤمنين كما يوضحه خبر الحمى حظ المؤمن من النار فليس المعنى على الغشية كما قد يتوهم . قال الزمخشري العرب تقول الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم قال المصنف ولذلك كانت شهادة وحصل المؤمن منها على الحسنى وزيادة وقد جاءت إلى خدمة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم واستأذنت بالباب وهي واقفة لديه وسألته يبعثها إلى أحب قومه فبعثها إلى الأنصار لأنهم ذوو النهى وأولوا الأبصار لتكون وقاء ووقاء لهم من النار (طب عن شبث) بشين معجمة وموحدة فمثلثة (ابن سعيد) البلوي شهد فتح مصر وله صحبة قال الهيثمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس . (1) ويصح بيعها إذا اشترت نفسها أو كانت مرهونة أو جانية تعلق برقيتها مال وكان المالك فيهما معسرا حال الاستيلاد . (*)
[ 232 ]
1618 - (أم أيمن) بركة حاضنة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ودايته وهي أم أسامة بن زيد (أمي بعد أمي) أي في الاحترام وفي حضنها إياه فإن أمه ماتت وهو ابن ست أو سبع أو ثمان سنين فاحتضنته أم أيمن قال الزمخشري جعلها أما لأن الداية تدعى أما لقيامها مقام الأم انتهى ، ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر (ابن عساكر) في التاريخ في ترجمة أسامة بن زيد (عن سليمان بن أبي شيخ مرسلا معضلا) (1) . 1619 - (أمتي يوم القيامة غر) بضم المعجمة وشد الراء جمع أغر أي ذووا غرة (من السجود) أي من أثر السجود في الصلاة ، قال تعالى * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * [ الفتح : 29 ] نصب على الظرفية (محجلون من الوضوء) أي من أثر وضوئهم في الدنيا وقد سجدت الأمم قبلهم فلم يظهر على جباههم وتطهروا فلم يظهر على أطرافهم من ذلك شئ فتلك إشارة هذه الأمة في الموقف يعرفون بها . ذكره الحكيم ، وهذا لا تدافع بينه وبين خبر الشيخين الآتي إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، وما ذاك إلا لأن المؤمن يكسى في القيامة نورا من أثر السجود ، ونورا من أثر الوضوء ، نور على نور ، فمن كان أكثر سجودا أو أكثر وضوءا في الدنيا كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقا من غيره فيكونون فيه على مراتب من عظم النور والأنوار لا تتزاحم ، ألا ترى أنه لو أدخل سراج في بيت ملأه نورا فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول ولا الثالث الثاني وهكذا ؟ والوضوء هنا بالضم وجوز ابن دقيق العيد الفتح على أنه الماء وجوز في من أن تكون سببية أو لابتداء الغاية قال الراغب والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما دين أو زمان أو مكان سواء كان الجامع تسخيرا أو اختيارا ، وأصل الغرة لمعة بيضاء بجبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه هذه الأمة والتحجيل بياض في ثلاث من قوائم الفرس أصله الحجل بكسر الحاء الخلخال والمراد به أيضا هنا النور ذكره جمع ، وقال الأشرف غر جمع أغر وهو الأبيض الوجه والمحجل من الدواب ما قوائمه بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنه مقيد بالبياض وأصله في الخيل ومعناه إذا دعوا إلى الجنة كانوا على هذا الشبه وتمسك به الحليمي على أن الوضوء من خصائصنا وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن في البخاري في قصة سارة قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب قام فتوضأ قال فالظاهر أن الخاص بنا الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء قال : وقد صرح بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال سيما ليت لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وقد اعترض بعضهم على الحليمي بخبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ، وهو (1) هو ما سقط من اثنان من أي موضوع كان وإن تعددت المواضع سواء كان الساقط الصحابي أو التعابي أم غيرهما . (*)
[ 233 ]
حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال كون الوضوء من خصائص الأنبياء دون الأمم إلا هذه الأمة ، إلى هنا كلام الحافظ وتقدمه إليه الكرماني وقد انتهبه سميه الشهاب ابن حجر الهيثمي ولنفسه عزاه ولا قوة إلا بالله (ت عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة وقال حسن صحيح غريب . 1620 - (أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير) من آخرها (أو آخرها) خير من أولها لتقارب أوصافهم وتشابه أفعالهم كالعلم والجهاد والذب عن بيضة الإسلام وقرب نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم فلا يكاد يميز الناظر بينهم وإن تفاوتوا في الفضل في نفس الأمر فيحكم بالخير لأولهم وآخرهم ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ثم إن هذا لا يناقضه خبر خير الناس قرني لأنهم إنما كانوا خيرا لأنهم نصروه وآووه وجاهدوا معه وقد توجد نحو هذه الأفعال آخر الزمان حين يكثر الهرج وحتى لا يقال في الأرض الله قال الكلاباذي وغيره وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة كالذين ينصرون المسيح ويقاتلون الدجال فهم أنصار النبي وإخوانه اه . تنبيه : الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك فإنه مجمل يطلق تارة ويراد بها كل من كان مبعوثا إليهم نبي آمنوا به أو لم يؤمنوا ويسمون أمة الدعوة وأخرى ، ويراد بهم المؤمنون به المذعنون له وهم أمة الإجابة وهذا المراد هنا (ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن عثمان) بن عفان بن العاص الأموي (مرسلا) قال الذهبي وهو ثقة . 1621 - (أمتي) المجتمعون على ملتي (أمة مرحومة) أي من الله أو بعضهم لبعض (مغفور لها) من بارئها (متاب عليها) أي يتوب الله عليها ولا بتركها مصرة على الذنب ذكره المؤلف لأنهم جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا مع اجتماعهم على الإيمان والصلاة وأذاقهم الله بأسهم بينهم يقتل بعضهم بعضا وكفارة لما اجترحوه وأخرج ابن عساكر عن وهب في الزبور يا داود سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد سيد صادق ولا أغضب عليه ولا يغضبني وأمته مرحومة أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم كالأنبياء . تنبيه : قال الزركشي ما كان مجتمعا في المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته بدليل أنه كان معصوما وأمته إجماعها معصوم وقد أكمل الله عليهم النعمة وجعلهم شهداء على الأمم قبلهم وحكم أنهم خير أمة أخرجت للناس فلا فضل يوازي فضلهم وهم الآخرون السابقون يوم القيامة أكثر أهل الجنة وإن كانوا في الأمم كالشامة (الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أنس) قال ابن الجوزي قال النسائي هذا حديث منكر اه . ورواه عنه الطبراني في الأوسط وزاد
[ 234 ]
تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها اه . قال الهيثمي فيه شيخ الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذاب . 1622 - (أمتي هذه) أي الموجودين الآن كما عليه ابن رسلان وهم قرنه ويحتمل إرادة أمة الإجابة (أمة مرحومة) أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة موسومة بذلك في الكتب المتقدمة (ليس عليها عذاب في الآخرة) بمعنى أن من عذب منهم لا يحس بألم النار لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها وزعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء لكون أعضاء الوضوء لا تمسها النار تكلف مستغنى عنه (إنما عذابها في الدنيا الفتن) التي منها استيفاء الحد ممن يفعل موجبه وتعجيل العقوبة على الذنب في الدنيا أي الحروب والهرج فيهما بينهم (والزلازل) جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض ، واضطرابها من احتباس البخار فيها لغلظه أو لتكاثف وجه الأرض ثم استعملت في الشدائد والأهوال ، قال الومخشري تقول العرب جاء بالإبل يزلزلها يسوقها بعنف وأصابته زلازل الدهر شدائده انتهى . (والقتل والبلايا) لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل وأساس الربوبية وشأن هذه الأمة يجري على منهج الفضل والألوهية فمن ثم ظهرت في بني إسرائيل النياحة والرهبانية وعليهم في شريعتهم الأغلال والآصار وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية ففك عنهم الأغلال ووضع عنهم الآصار (د طب ك هب عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الصدر المناوي رضي الله عنه وفيه نظر فإن في سند أبي داود والحاكم وغيرهما المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي تغير فاضطرب حديثه . 1623 - (أمثل ما تداويتم به) أي أنفعه وأفضله (الحجامة) لمن احتمل ذلك سنا ولاق به قطرا ومرضا (والقسط) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب (البحري) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفا بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك (مالك) الإمام المشهور في الموطأ (حم ق ت ن عن أنس) بن مالك .
[ 235 ]
1624 - (امرؤ القيس) سليمان بن حجر الملك الضليل عظيم شعراء الجاهلية (صاحب لواء الشعر) أي حامل راية شعراء الجاهلية والمشركين ، قال دعبل ولا يقود الناس إلا أميرهم ورئيسهم (إلى النار) لأنه زعيمهم وعظيمهم في الدنيا فيكون قائدهم في العقبى قال ابن سلام ليس لكونه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعوه عليها واقتدوا به فيها وأخرج ابن عساكر أنه ذكر امرؤ القيس للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجئ يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار ، قال أبو عبيد سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء منها استباق صحبه والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ثم ألوية للعز والمجد والإفضال كما يجئ أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده لواء الحمد فثم ألوية خزي وفضيحة قال الزبير بن بكار قيل لحسان بن ثابت من أشعر الناس قال النابغة قال ثم من قال حسبك بي مناضلا قيل فأين أنت عن امرؤ القيس قال لنا إنما أنا في ذكر الأنس (حم) وكذا البزار كلاهما من حديث هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . اه . وأقول أبو الجهم ضعيف جدا قال الذهبي في الضعفاء أبو الجهم عن الزهري قال أبو زرعة واهي الحديث . 1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد ، قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي وأشعر المراقسة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعرا فقال أبوه هذا ليس با بني إذ لو كان كذلك لقال شعرا فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * * بسقط اللوا بين الدخول فحومل فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكي
[ 236 ]
ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقا وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال : أجارتنا إن المزار قريب * * وإني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان ههنا * * وكل غريب للغريب نسيب قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا ، وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل . فقال : يتمنى المرء في الصيف الشتاء * * حتى إذا جاء الشتاء أنكره فهو لا يرضى بحال واحد * * قتل الإنسان ما أكفره وقال : اقتربت الساعة وانشق القمر * * من غزال صاد قلبي ونفر وقال : إذا زلزلت الأرض زلزالها * * وأخرجت الأرض أثقالها تقوم الأنام على رسلها * * ليوم الحساب ترى حالها يحاسبها ملك عادل * * فإما عليها وإما لها (أبو عروية في) كتاب (الأوائل) له (وابن عساكر) في تاريخه من حديث الحسين بن فهم عن يحيى بن أكثم (عن أبي هريرة) قال يحيى قال لي المأمون أريد أن أحدث فقلنا من أولى بهذا منك ، فصعد المنبر فأول حديث حدثنا هذا ثم نزل فقلنا كيف رأيت مجلسنا قلت أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال وحياتك ما رأيتم له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الحلقات والمحابر . اه . والحسين بن فهم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال قال الحاكم ليس بقوي ويحيى بن أكثم قال الأزدي يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد كانوا لا يشكون أنه يسرق الحديث . تنبيه قال القرطبي هذا الحديث وما قبله يدل على أن من كان إماما دراسا في أمر ما هو معروف به فله لواء يعرف به خيرا كان أو شرا فللأولياء الصالحين ألوية تنويه وإكرام وإفضال كما أن للظالمين فضيحة وخزي ونكال . 1626 - (امرأة ولود) أي تزوج امرأة كثيرة الولادة غير حسناء كما يدل عليه تقييده بالحسن في مقابله وتعرف البكر بأقاربها (أحب إلى الله تعالى) أي أفضل عنده (من) تزوج (امرأة حسناء لا تلد) لعقمها (إني مكاثر بكم) تعليل للترغيب في نكاح الولود وإن لم تكن جميلة وتجنب العقيم وإن كانت في
[ 237 ]
نهاية الجمال (الأمم) السالفة (يوم القيامة) أي أغاليهم بكم كثيرة وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد وفي ضمنه نهى عن العزل وتوبيخ على فعله وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق محمد بن سوقة ميمون بن أبي شبيب (عن حرملة بن النعمان) . 1627 - (أمر النساء) في التزويج أي ولاية العقد (إلى آبائهن) أي الأب وأبيه وإن علا (ورضاهن السكوت) أي رضى البكر البالغ منهن سكوتها إذا زوجها الأب أو الجد بولاية الإجبار حيث لم يقترن السكوت بنحو بكاء وفي غير ذلك لابد من إذنها بالنطق (طب خط عن أبي موسى) الأشعري وفيه علي بن عاصم قال الذهبي قال النسائي متروك وضعفه جمع . 1628 - (أمرا) سوغ الابتداء به تنوينه المفيد للتعظيم أي عظيم والخبر قوله (بين أمرين) أي بين طرفي الإفراط والتفريط كما قال تعالى * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * [ الاسراء : 29 ] الآية (وخير الأمور أوساطها) أي الذي لا ترجيح لأحد جانبيه على الآخر لأن الوسط العدل الذي نسبته الجوانب كلها إليه سواء فهو خيار الشئ والعدل هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط والآفات إنما تطرق إلى الافراط والأوساط محمية بأطرافها قال : كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت * * بها الحوادث حتى أصبحت طرفا ومالك الوسط محفوظ الغلط ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضلال عن القصد . قيل دخل عمر بن عبد العزيز على عبد الملك فتكلم فأحسن فقال ابنه هو كلام أعد لهذا المقام ، ثم دخل بعد أيام فسأله عبد الملك عن نفقته فقال الحسنة بين السيئتين يريد الآية فقال عبد الملك لابنه أهذا مما أعده آنفا (حب عن عامر بن الحارث بلاغا) أي قال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه البيهقي في السنن عنه أيضا وقال الذهبي في المهذب هو منقطع أيضا وعمرو بن الحارث في التابعين والصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه . 1629 - (أمر الدم) أي أسله واستخرجه . قال القاضي إمرار الدم إسالته وإجراؤه بشدة وعلى هذا فقوله أمر بكسر الميم وشدة الراء من أمر أي أجرى وقول الخطابي هو غلظ والصواب سكون الميم وخفة الراء من أمرى يمري وهو الغلظ لأن أصله أمرر براءين كما هو رواية ابن داود وقال شراحه
[ 238 ]
أي اجعله يمر أي يذهب وحينئذ فمن شدد أدغم فلا غلط (بما شئت) مخصوص بما استثناه في حديث رافع بقوله ليس السن والظفر ذكره البيضاوي (واذكر اسم الله عز وجل) أي على الذبح ندبا بأن تقول بسم الله فقط ويزيد في الأضحية والله أكبر اللهم هذا منك وإليك فتقبل مني ، وترك التسمية عمدا مكروه والذبيحة حلال (حم د ه ك عن عدي بن حاتم) قال قلت يا رسول الله إنا نصيد فلا نجد سكينا إلا الظرازة وشقة العصا فذكره والظرازة جمع ظرز الحجر الصلب محددا وشقة العصا ما شق منها وهو محدد . 1630 - (أمرت) أي أمرني الله إذ لا آمر سواه وحذف الفاعل تعظيما وتفخيما (أن) أي بأن (أقاتل) وحذف الجار من أن غير عزيز (الناس) أي بمقاتلة الناس وهذا عام خص منه من أقر بالجزية (حتى) أي إلى أن (يشهدوا) ويقروا ويبينوا أن (لا إله إلا الله) استثناء من كثرة متوهمة وجودها محال إذ مفهوم الإله كلي (وأني رسول الله) غاية لقتالهم فكلمة التوحيد هي التي خلق الحق الخلق لها وهي العبارة الدالة على الإسلام ، فكل من تلفظ بها مع الإقرار بالرسالة المحمدية فمسلم وظاهره بل صريحه أن قائلها مسلم وإن قلد بالمعنى الآتي في مبحث الإيمان ، قال النووي رضي الله عنه وهو مذهب المحققين واشتراط معرفة أدلة المتكلمين خطأ وفي رواية للشيخين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة (فإذا) آثرها على إن مع أن المقام لها لأن فعلهم متوقع لأنه علم إصابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلا نحو غفر الله لك (قالوها) أي كلمة الشهادتين والتزموا أحكامها (عصموا) حفظوا (مني دماءهم وأموالهم) أي منعوها إذ العصمة المنعة والاعتصام الاستمساك افتعال منه فلا يحل سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم وهي كلما صح إيراد نحو البيع عليه وأريد به هنا ما هو أعم ليشمل الاختصاص (إلا بحقها) أي الدماء والأموال يعني هي معصومة إلا عن حق يجب فيها كقود وردة وحد وترك صلاة وزكاة بتأويل باطل وحق آدمي فالباء بمعنى عن أو من أي فقد عصموها إلا عن حقها أو من حقها أو إلا بحق كلمة التوحيد وحقها ما تبعها من الأفعال والأقوال الواجبة التي لا يتم الإسلام إلا بها ، فالمتلفظ بكلمة التوحيد يطالب بهذه الفروض بعد ففائدة النص عليه دفع توهم أن قضية جعل غايته المقاتلة وجود ما ذكر أن من شهد عصم دمه وإن جحد الأحكام وقول أبي حنيفة إن تارك الصلاة كسلا لا يقتل لظاهر هذا الحديث ولخبر لا يحل دم امرئ مسلم ولأنها أمانة بينه وبين الله ولأنها عبادة تقضى وتؤدى كصوم وزكاة وحج ولأن الاختلاف شبهة تدرأ بها الحدود ورد الأول بقوله في الحديث إلا بحقها والصلاة من حقها والثاني أن خلف الخارج بالثلاث أمرا آخر والثالث بالنقص بالعفة فإنها أمانة ويرجم بتركها وترك الصلاة أعظم والرابع بأن استيفاء الصوم وكل عبادة ممكن بخلاف الصلاة كالإيمان ولأنه يقتل بفعل منهي عنه كزنا المحصن فيقتل بترك ما أمر به ولأن كسل الاستهانة يبيح القتال ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في الاسم والمعنى فكما يقتل بترك الإيمان يقتل بترك الصلاة
[ 239 ]
والخامس بأنه لا شبهة للقاطع وإن سلم فضعيفة ومثلها مطروح لا يسقط استحقاق القتل عنه إذ لم يعد بالاستتابة ومن قتله قبلها عذر ثم دليلنا النص المزبور فإنه يدل على أنه كافر واستحق عقوبة الكافر فالأول منتف فتعين الثاني والجمع أولى وتاركها كسلا بالنسبة إلى تاركها جحودا غير معصوم بالنسبة إلى فاعلها ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر أما باعتبار الباطن فأمرهم ليس إلى الخلق بل (حسابهم على الله) فيما يسرونه من كفر ومعصية يعني إذا قالوها بلسانهم وباشروا الأفعال بجوارحهم قنعت منهم به ولم أفتش عن قلوبهم وعلى بمعنى اللام فما أوهمه العلاوة من الوجوب غير مراد ولئن سلم فهو للتشبيه أي هو كالواجب في تحقق الوقوع فالعصمة متعلقة بأمرين كلمة التوحيد وحقها أي حق الدماء والأموال على التقديرين والحكم إذا تعلق بوجوده شرطان لا يقع دون استكمال وقوعهما وصدره بلفظ الأمر إيذانا بأن الفعل إذا أمر به من جهة الله لا يمكن مخالفته فيكون آكد من فعل مبتدأ من الإنسان قال الرافعي وبين الشافعي أن الحديث نخرجه عام ويراد به الخاص والقصد به أهل الأوثان وهو أصل من أصول الإسلام . تتمة : ذكر الفخر الرازي عن بعضهم هنا أنه تعالى جعل العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا ترى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة حتى يكون واحد الواحد لا ظلم ولا جور (ق 4 عن أبي هريرة) قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما كيف تقاتل الناس وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرت إلخ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه (وهو متواتر) لأنه رواه خمسة عشر صحابيا . 1631 - (أمرت) أمرا ندبيا (بالوتر) أي بصلاته بعد فعل العشاء وقبل الفجر (والأضحى) أي بصلاة الضحى وبالتضحية (ولم يعزم) كل منهما (على) أي لم يفرض ولم يوجب علي وعزائم الله تعالى فرائضه التي أوجبها يقال عزمت عليك أي أمرتك أمرا جدا فهذا الحديث يعارضه ما يأتي من رواية البيهقي وغيره مرفوعا ثلاث هن علي فريضة (1) ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى وكلا الخبرين ضعيف والشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور أصحابه على الوجوب لكن ذهب بعضهم إلى عدمه تمسكا بأن الخصائص لا تثبت إلا بحديث صحيح (قط عن أنس) قضية تصرف المؤلف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل تعقبه ببيان علته فقال هو من رواية بقية وقد تقدم تدليسه وتليينه عن عبد الله بن محرز وضعفه غير واحد وقال منكر الحديث وقال ابن أبي شبيبة متروك انتهى وقال الذهبي إسناده واه . (1) ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره وقياسه في الوتر كذلك ووجوب هذه الثلاثة عليه صلى الله عليه وسلم ، صححه الفيخان وغيرهما وهو خصوصية له صلى الله عليه وسلم . (*)
[ 240 ]
1632 - (أمرت بيوم الأضحى عيدا) قال الطيبي عيدا منصوب بفعل مقدر تفسيره ما بعده أي اجعله عيدا وقال ابن رسلان فيه حذف تقديره بالأضحية في يوم الأضحى إذ لا يصح الكلام إلا به إذ أمرت يتعلق الأمر فيه بالأضحية لا باليوم وفهم التقدير من إضافة يوم إليه انتهى . والمراد الأمر الندبي (جعله الله لهذه الأمة) تمامه كما في أبي داود فقال رجل أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال لا ولكن تأخذ من شعرك وتقص من شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله وفيه أن عيد الأضحى من خصائصنا وكذا الفطر ، كذا قيل ، وقد تمسك بظاهر الحديث قوم منهم داود كابن سيرين فذهبوا إلى اختصاص النحر باليوم العاشر دون ما بعده (حم د ن ك عن ابن عمرو) بن العاص وصححه ابن حبان وغيره . 1633 - (أمرت) على لسان جبريل بالإلهام أو الرؤيا (بالسواك) بكسر السين الفعل ويطلق على العود ونحوه (حتى خشيت أن يكتب علي) أي يفرض وفيه حجة لمن ذهب إلى عدم وجوب السواك عليه قال الزين العراقي والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح (حم عن وائلة) بن الأسقع قال في شرح التقريب سنده حسن وقال المنذري والهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه . 1634 - (أمرت) أي أمرني الله ، قال القاضي إذا قال الرسول أمرت فهم أن الله تعالى أمره وإذا قاله الصحابي فهم أن الرسول أمره فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم أن الرئيس أمره (بالسواك حتى خفت على أسناني) أراد ما يعم الأضراس ، واعلم أن لفظ رواية الطبراني في الكبير والأوسط فقد أمرت إلخ ولم أر فيه أمرت مجردا فإن كان فيه غير مظنته وإلا فإثبات المصنف له في هذا الحرف وهم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب وفيه كلام . 1635 - (أمرت بالنعلين) أي بلبسهما خشية تقذر الرجلين (والخاتم) أي بلبسه في الإصبع وباتخاذه للختم فيه فلبس النعلين مأمور به ندبا خشية تنجس القدمين أو تقذيرهما وكذا الخاتم ولو لغير ذي سلطان خلافا لبعض الأعيان (الشيرازي في) كتاب (الألقاب خد خط) في ترجمة وكيع بن سفيان (والضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني الكبير والأوسط (عن أنس) ، قال الخطيب وتبعه ابن الجوزي ولم يروه عن يونس بن زيد إلا عمر بن هارون وعمر تركه أحمد وابن مهدي وقال
[ 241 ]
ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم انتهى . وقال الهيثمي فيه عمرو بن هارون البلخي وهو ضعيف وفي الضعفاء للذهبي عمر تركوه وكذبه ابن معين انتهى وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي والخطيب خرجاه وسكتا عليه وهو غير صواب فأما الخطيب فقد سمعت ما قال وأما ابن عدي فخرجه وقال هو باطل فإنه أورده في ترجمة ابن الأزهر وقال إنه باطل فاقتصار المصنف على عزوه تلبيس فاحش . 1636 - (أمرت أن) بضم الهمزة مبنيا للمفعول أي أمرني الله بأن (أبشر خديجة) بنت خويلد زوجته (ببيت في الجنة) أعد لها (ومن قصب) بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ ، هكذا جاء مفسرا في رواية الطبراني في الأوسط وله فيه أيضا من القصب المنظومة بالدر واللؤلؤ والياقوت انتهى ، وقال هنا أيضا من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان قال ابن حجر وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها انتهى (لا صخب فيه) أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب (ولا نصب) أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها ، (فإن قيل) كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام (فالجواب) أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي الله عنها أول من بنى بيتا في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها ، وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة (حم حب ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي أحمد رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع . 1637 - (أمرت) بالبناء للمفعول والآمر هو الله تعالى قال القاضي عرف ذلك بالعرف والأمر للوجوب في أحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهما والثاني أنه للندب لأن المعطوف على اسجد مندوب اتفاقا ولأنه عليه السلام اقتصر على الجبهة في قصة رفاعة انتهى وبقوله عرفا سقط النزاع فيه يخلوه من صيغة أفعل (أن أسجد على سبعة أعظم) سمي كل واحد عظما نظرا للجملة وإن اشتمل كل على عظام فهو من تسمية الكل باسم البعض وفي رواية على سبعة أعضاء وفي أخرى آراب جمع إرب
[ 242 ]
بكسر فسكون وهو العضو ثم أبدل من ذلك قوله (على الجبهة) فعلى الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي أسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء ذكره الكرماني دافعا به ما عساه يقال كيف يكون حرفا واحدا بمعنى واحد متعلق بفعل واحد مكررا قال الشافعية ويكفي جزء منها ويجب كشفه (واليدين) أي باطن الكفين لئلا يدخل تحت المنهي من افتراش السبع ويدل له رواية مسلم بلفظ الكفين (والركبتين وأطراف) أصابع (القدمين) بأن يجعل قدميه قائمتين على بطن أصابعهما وعقبيه مرتفعتين ليستقبل بظهور قدميه القبلة فلو أخل المصلي بواحدة من السبعة بطلت صلاته قطعا في الجبهة وعلى الأصح في البقية عند الشافعية وهو مذهب أحمد ويكفي وضع جزء من كل منها (ولا نكفت) بكسر الفاء وبالنصب أي لا نضم ولا نجمع فهو بمعنى ولا نكف ومنه * (ألم نجعل الأرض كفاتا) * [ المرسلات : 25 ] (الثياب) عند الركوع والسجود في الصلاة (ولا الشعر) الذي للرأس ، والأمر بعدم كفهما للندب وإن كان الأمر بالسجود على السبعة للوجوب فالأمر مستعمل في معنييه وهو جائز عند الشافعي رضي الله عنه قال الطيبي جمع الحديث بعضا من الفرض والسنة والأدب تلويحا إلى إرادة الكل (تنبيه) جاء في حكمة النهي عن كف الشعر أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة ففي سنن أبي داود بإسناد قال ابن حجر جيد أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي وقد غرز ضفيرته في قفاه فخلعها وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان ولا يجب كشف غير الجبهة بل يكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة ، وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة ذكره ابن دقيق العيد قال في الفتح وفيه نظر (ق د ن ه عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره . 1638 - (أمرت بالوتر وركعتي الضحى ولم تكتبا) أي تفرضا وفي نسخة ولم يكتب بمثناة تحت بغير ألف أي ذلك وفيه أن ذلك من خصائصه على أمته (حم عن ابن عباس) قال في المطامح فيه جابر الجعفي كذاب وقال الذهبي واه قال ابن حجر لكن له متابع آخر من رواية وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة قال ابن حبان وضاح لا يجتمع به يروي أحاديث كلها معمولة ومندل ضعيف . 1639 - (أمرت بقرية) أي أمرني الله بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو باستيطانها إن كان قاله
[ 243 ]
بالمدينة ذكره السمهودي (تأكل القرى) أي تغلبها في الفضل حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها فيأكلونه تسلطا عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه (يقولون يثرب) أي تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه كانت تسمى قبل الإسلام (وهي) أي والحال أن اسمها اللائق إنما هو (المدينة) إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب والتثريب الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي الله تعالى عنه فيكر تسميتها به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي (تنفي الناس) أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي الكير) فإنه ينفي (خبث الحديد) رديئه والكور بضم الكاف موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ فيه والمراد ما بني من طين والخبث ، يفتحتين ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشئ الخبيث جعل مثل المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في زمن عمر رضي الله عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه أنها أفضل من مكة ورجح واعترض (ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي . 1640 - (أمرت الرسل) الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنبياء (أن لا تأكل إلا طيبا) أي حلالا متيقن الحل فلا تأكل حراما ولا ما فيه شبهة وإن جاز الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * [ المؤمنون : 51 ] (ولا تعمل إلا صالحا) فلا يفعلون غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمدا أو سهوا قبل النبوة أو بعدها لعصمتهم ، قال حكيم لآخر أوصني ، قال : اعمل صالحا وكل طيبا (ك) في الأطعمة (عن أم عبد الله بنت أوس) الأنصاري (أخت شداد بن أوس) قالت : بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول (ص) أنى لك هذا قالت من شاة لي ، قال : أنى لك الشاة قالت : اشتريتها من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضا الطبراني باللفظ المزبور وفيه أيضا ابن أبي مريم . 1641 - (أمرنا) بالبناء للمفعول أي أنا وأمتي (بإسباغ الوضوء) أي بإكماله على ما شرع فيه من
[ 244 ]
السنن لا إتمام فروضه فإنه غير مخصوص بهم فإن إتمامه على غيرهم أيضا على ما عليه التعويل وما تقرر من أن المأمور هو وأمته هو ما قرره جمع لكن الأوجه أن المراد الأنبياء كما أفصح به في خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ، قال المؤلف في الخصائص : لم يكن الوضوء إلا للأنبياء دون أممهم (الدارمي) في مسنده (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا . 1642 - (أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات) أي أعقاب الصلوات المفروضة بحيث ينسب إليها عرفا والأمر هنا للندب (ثلاثا وثلاثين تسبيحة) أي قول سبحان الله (وثلاثا وثلاثين تحميدة) أي قول الحمد لله (وأربعا وثلاثين تكبيرة) أي قول الله أكبر ، بدأ بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص عنه تعالى ثم بالتحميد لتضمنه إثبات الكمال له ثم بالتكبير لإفادته أنه أكبر من كل شئ وإفراد كل من الثلاثة أولى من جمعها وثواب العدد المذكور يحصل وإن زاد عليه على الأصح المنصور (1) (طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن وقال صحيح . 1643 - (أمرني جبريل) أي عن الله تعالى (أن) أي بأن (أكبر) أي أن أقدم الأكبر في السن في مناولة السواك وترجم له البخاري (باب دفع السواك إلى الأكبر) وذكر فيه فقيل لي كبر قال شراحه قائل ذلك جبريل عليه السلام وقوله كبر أي قدم الأكبر في السن ورواه في الغيلانيات بلفظ أمرني جبريل أن أقدم الأكابر وخرجه أحمد والبيهقي بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال : إن جبريل أمرني أن أكبر وروى أبو داود بإسناد قال النووي صحيح وابن العراقي رد على من نازع الراجح صحته عن عائشة رضي الله عنها أوحى الله إلي في فضل السواك أن أكبر وبذلك يعلم أن حمل التكبير على قول الله أكبر في العيدين غير قويم وفيه أن السن من الأوصاف التي يقدم بها فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه سيما في مورد النص وهو الإرفاق بالسواك ثم يطرد في جميع وجوه الإكرام كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب ومحله ما إذا لم يعارض فضيلة السن أرجح منها وإلا قدم الأرجح كإمامة الصلاة والإمامة العظمى وولاية النكاح وإعطاء الأيمن في الشرب ولا منافاة بين ذلك والحديث لأنه لم يدل على أن السن يقدم به على كل شئ بل إنه شئ يحصل به التقديم ، قال الحكيم السواك من حق الأسنان لأنه يشد اللثة ويذهب الحفر فأكبرهم سنا أقدمهم خروج أسنان ومن كان أقدم فهو أحق (الحكيم) الترمذي (حل) من حديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن (1) فيه زيادة على المشروع وقد قال (ص) من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . (*)
[ 245 ]
نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن المؤلف لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجب فقد خرجه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور . 1644 - (امسحوا) جوازا (على الخفين) في الوضوء حضرا وسفرا ولو بلا حجة ولم ينسخ ذلك حتى مات وقد بلغت أحاديث المسح التواتر حتى قال الكمال بن الهمام قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر ، قال ابن تيمية ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي هو عليها بل إن كانت رجلاه في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإلا غسل قدميه ولم يلبس الخف قال وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل (والخمار) أي وامسحوا على الخمار أي العمامة كما في النهاية قال لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يمكنه نزعها كل وقت فتصير كالخفين لكن لا بد من مسح بعض الرأس ثم يكمل عليها ، (تنبيه) عدوا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته المسح على الخف (حم) من حديث مكحول بن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل (عن بلال) بن رباح بموحدة مولى أبي بكر قال مكحول كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن فذكر المسح على الخفين فمر بهما بلال المؤذن فسألاه عن ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول فذكره . 1645 - (امسح) ندبا (رأس اليتيم) أل فيه للعهد الذهني على وزان * (وأخاف أن يأكله الذئب) * [ يوسف : 13 ] والمراد بعض من الحقيقة غير معينة ولهذا كان في المعنى كالنكرة إذ ليس المراد يتيما معينا ولا كل فرد من أفراد اليتامى ولا ذئبا معينا ولا كل ذئب (هكذا إلى مقدم رأسه) أي من المؤخر إلى المقدم (ومن) كان (له أب هكذا إلى مؤخر رأسه) أي من المقدم إلى المؤخر والأمر للندب لا للوجوب كما تقرر (خط) في ترجمة محمد بن سليمان الهاشمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ثم قال الخطيب لا يعرف لمحمد بن سليمان غير هذا الحديث وقال ابن القطان هو محمد بن سليمان عن أبيه عن جده الأكبر ابن عباس وسليمان لا يعرف حاله في الحديث وكان أمير البصرة وجاء في حديث البزار عن ابن عباس أنه وضع كفه على مقدم رأس اليتيم مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه ثم أحدرها إلى مقدم أوائل جبهته ومن كان له أب وضع كفه على مقدم رأسه مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه لكنه قال إذا لقيتم الغلام يتيما فامسحوا رأسه هكذا إلى قدام فإذا كان له أب فامسحوا رأسه هكذا إلى خلف من مقدمته قال الحافظ العراقي وفيه محمد بن سليمان بن علي ضعيف .
[ 246 ]
1646 - (أمسك عليك) يا كعب بن مالك الذي جاءنا تائبا معتذرا عن تخلفه عن غزوة تبوك مريدا للانخلاع من جميع ماله صدقة (بعض مالك) وانخلع عن بعضه بأن تتصدق به (فهو خير لك) من التصدق بكله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر على الفاقة فالتصدق بجميع المال غير محبوب إلا لمن قوي يقينه كالصديق ومن قاربه ممن له شدة صبر وكمال وثوق وقوة توكل وقليل ما هم فلذلك منع كعبا من التصدق بجميع ماله دون أبي بكر رضي الله عنه وفيه دلالة على صحة التصدق بالمشاع إذ لم يفرق فهو حجة على مانعه (ق 3 عن كعب بن مالك) قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فذكره . 1647 - (امش) يعني اذهب وخص المشي لكونه أولى (ميلا) ثلاثة فراسخ (عد مريضا) مسلما (امشي) بدل مما قبله (ميلين أصلح بين اثنين) رجلين أو فئتين يعني حافظ على فعل ذلك ولو كان عليك فيه مشقة كأن يمشي إلى محل بعيد فإنه قربة مؤكدة ينبغي الاعتناء بها لمزيد فضلها (امش ثلاث أميال زر أخا في الله) تعالى وإن لم يكن من النسب وبين به أن الثالث أفضل وأهم وأكد من الثاني وأن الثاني أفضل من الأول والأمر في الكل للندب فالميل للتكثير والمراد امش مسافة طويلة لعيادة المريض وامش ولو ضعفها للصلح وامش ولو ضعفيها للزيارة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر الفرشي (في الكتاب) فضل زيارة (الإخوان عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجب فقد خرجه البيهقي عن أبي إمامة لكن فيه علي بن يزيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث وعمر بن واقد متروك . 1648 - (امشوا أمامي) أي قدامي (خلوا) فرغوا (ظهري للملائكة) ليمشوا خلفي وهذا كالتعليل للأمر بالمشي أمامه وبه يعرف أن غيره من الأمة ليس مثله في ذلك لفقد المعنى المعلل به ومن ثم عد ذلك من خصائصه ولهذا صرحوا بأن الطالب إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل وورائه نهارا إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لنحو زحمة ، قال المؤلف ومن خصائصه سير الملائكة معه حيث سار يمشون خلف ظهره (ابن سعد) في الطبقات (عن جابر) بن عبد الله قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه امشوا إلى آخره ورواه عنه أيضا بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية وقال تفرد به الجارود بن يزيد عن سفيان .
[ 247 ]
1649 - (امط) أزل ندبا (الأذى عن الطريق) من نحو شوك وحجر وكل ما يؤذي السالك فيه (فإنه لك صدقة) أي تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة فإنه تسبب إلى سلامة من يمر عليه من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة على النفس فإماطته مندوبة ندبا مؤكدا والظاهر أن المراد الطريق المسلوك أما المهجور فليس مثله في أصل الندب أو تأكده وأنه لو كان الطريق مختصا بنحو قطاع أو حربيين أنه لا يندب فيه ذلك بل لو قيل يطلب أن يلقى فيه ما يؤذي لكان قريبا (خد عن أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة الأسلمي فضلة بن عبيد على الصحيح مات سنة ستين وكذا رواه عنه الديلمي كالطبراني . 1650 - (أمك) (1) قال ابن السيد سميت أما لأنها أصل الولد وأم كل شئ أصله كما قالوا لمكة أم القرى (ثم أمك ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولا قال الزين العراقي هذا هو المعروف في الرواية فهو من قبيل * (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * [ البقرة : 219 ] ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى . والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعارا بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة المتطاولة ، فهو إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكير لحقها العظيم مفردا إذ لها من الحقوق مالا يقام به كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء (ثم) قدم (أباك) ، فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض نصب بفعل محذوف أي ثم برأ أباك قال في رواية ثم أبوك قال وهذا واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن بطال وهذا إذا طلبا فعلا في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية (ثم) بعد الأب وأبيه أن علا قدم (الأقرب) منك (فالأقرب) فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي وجاء في حديث بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر كذلك انتهى ، ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب ، (تنبيه) من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال في شرح النوابغ وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريبا من القلب (1) وسببه كما في الترمذي عن بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك فذكره وأبر بفتح الهمزة والباء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع أي من أحق بالبر . (*)
[ 248 ]
وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر . قال الإمام المرغيناني وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك نسب إليه دونها وقال الحكيم إنما صيرنا الحكم للأب لأن أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب الجسد واللحم كسوة قال تعالى * (فكسونا العظام لحما) * [ المؤمنون : 14 ] فلذلك العصوبة والولاية له دونها (حم ت د) كلهم (عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة بن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم قال الترمذي حسن صحيح (ه عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك . 1651 - (أملك يدك) أي اجعلها مملوكة لك فيما عليك وباله وتبعته واقبضها عما يضرك وابسطها فيما لا ينفعك ، قال الطيبي هذا وما بعده من أسلوب الحكيم سأله رجل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب زيادة في التقرير والتقريع (تخ عن أسود) ضد أبيض (بن أصرم) المحاربي عداده في أهل الشام وروايته فيهم ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وإسناده حسن . 1652 - (أملك عليك) يا من سألت منا النجاة (لسانك) بأن لا تحركه في معصية بل ولا في فيما لا يعنيك فإن أعظم ما تطلب استقامته بهذا القلب اللسان فإنه الترجمان وقد سبق أن اللسان فاكهة الإنسان وإذا تعود اللسان صعب عليه الصبر عنها فبعد عليه النجاة منها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن استناده إلى وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة ولسانه يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصا وإزراءا ويرمي الأفاضل بالجهل ويتفكه بأعراضهم ويقول على ما لا يعلم وكثيرا ممن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم وما هنالك وما هو إلا كأهل العراق السائلين ابن عمر عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين رضي الله تعالى عنه (ابن قانع) أحمد في المعجم (طب عن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وهو الذي أجارته أم هانئ يوم الفتح وقيل غيره مات بالشام مرابطا قال : قلت يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به فذكره قال الهيثمي رواه الطبراني بإسنادين إحداهما جيد . 1653 - (أملك عليك لسانك) أي احفظه وصنه لعظم خطره وكثرة ضرره ، قال ذو النون رضي الله عنه أصون الناس لنفسه أملكهم للسانه وقال ابن مسعود أو عمر ما على الأرض أحوج إلى
[ 249 ]
طول سجن من اللسان ، قال حجة الإسلام رضي الله عنه معنى حفظ اللسان من الكذب فلا ينطق به في جد ولا هزل لأنه إن نطق به هزل تداعى إلى الجد والخلف بالوعد بل ينبغي أن يكون إحسانك فعلا بلا قول والغيبة فإنها أشد من ثلاثين زنية والمراد الجدال والمنافسة وتزكية النفس واللعن والدعاء على الخلق والمزاح والسخرية والاستهزاء بالخلق ونحو ذلك انتهى . قال بعض الحكماء لا شئ أحق بالسجن من اللسان وقد جعله خلف الشفتين والأسنان ومع ذلك يكثر القول ويفتح الأبواب (وليسعك بيتك) سيما في زمن الفتن . قال الطيبي : الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطبة أي تعرض لما هو سبب لزوم البيت من الاشتغال بالله والمؤانسة بطاعته والخلو عن الأغيار (وابك على خطيئتك) أي ذنوبك ، ضمن بكى معنى الندامة وعداه بعلى أي اندم على خطيئتك باكيا فإن جميع أعضاءك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق ذلق تفضحك به على ملإ من الخلق * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * [ النور : 24 ] (تتمة) قال في الحكم ما نفع القلب شئ مثل عزلة يدخل فيها ميدان فكره كيف يشرق القلب وصور الأكوان منطبع في مرآته كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته أم كيف يطمع من يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته . (فائدة) قال ابن الحاج عذل بعضهم عن الانعزال في خلوته فقال وجدت لساني كلبا عقورا قل أن يسلم منه من خالطه فحبست نفسي ليسلم المسلمون من آفاته (ت) في الزهد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت : ما النجاة فقال أملك إلخ وهذا الجواب من أسلوب الحكيم سأل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأولى وكان حق الظاهر أن يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب مزيدا للتقرير والاهتمام كذا قاله المصنف تبعا لعبد الحق في أحكامه قال ابن القطان وهو خطأ إنما هو عن أبي أمامة وسكت عنه والترمذي إنما قال حسن وهو إلى الضعف أقرب فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال في المنار وكلهم متكلم فيه . 1654 - (املكوا العجين) أي أنعموا عجنه وأجيدوه (فإنه أعظم للبركة) أي أكثر لزيادة الخير والنمو فيه يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته قال ابن الأثير أراد أن خيره يزيد بما يحتمل من الماء بجودة العجن انتهى . وفي رواية ذكرها في النهاية املكوا العجين فإنه أحد الربيعين (عد عن أنس) ظاهر كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة سلامة بن روح الأبلي وقال : قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة : منكر الحديث . 1655 - (أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون) أي هم حافظون عليهم دخول الوقت لأجل الصلاة والصوم فيه فمتى قصروا فيما عليهم من رعاية الوقت بتقدم أو تأخر فقد خانوا
[ 250 ]
ما ائتمنوا عليه من أوقات الصلوات وما يتبعها من وظائف العبادات (هق عن أبي محذورة) الجمحي المكي المؤذن أوس وقيل سمرة . 1656 - (أمنع الصفوف) أي أحوطها وأحرزها (من الشيطان) أي من وسوسته (الصف الأول) أي الذي يلي الإمام ولعله لكثرة الملائكة حول الإمام فبذلك يضعف سلطان الشيطان وهذا مسوق للحث على تأكد الاهتمام بإيثاره والمحافظة على ملازمته (أبو الشيخ) عبد الله بن جعفر في الثواب وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سنان قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني لا بأس به وحكيم بن سيف قال أبو حاتم صدوق ولا يحتج به ووثق وهشام أبو المقدام قال النسائي وغيره متروك . 1657 - (أمنوا) بالتشديد أي قولوا آمين ندبا (إذا قرئ) بالبناء للمفعول وفي نسخة للفاعل أي قرأ الإمام في الصلاة أو قرأ أحدكم خارجها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) أي إذا انتهى في قراءته إلى ذلك وورد في غير ما حديث تعليله بأن الملائكة تؤمن على قراءته فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له (ابن شاهين) عمر (في السنة) أي في كتاب السنة له (عن علي) أمير المؤمنين . 1658 - (أميران) تثنية أمير وهو صاحب الأمر والولي وكل من ترغب في مشاورته أو مؤامرته فهو أميرك (وليسا بأميرين) الإمرة المتعارفة وهما (المرأة تحج مع القوم) الحجاج (فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها) واستنبط منه شافعيون أن على أمير الحاج الإمساك عن الرحيل عن مكة لأجل حائض لم تطف للإفاضة ولم ترد الإقامة بمكة قال المحب الطبري كالمجموع سكت عنه أصحابنا وهو مذهب مالك ويلزم الجمال حبس الجمال لها أكثر مدة الحيض (والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها) يعني لا ينبغي له أن يرجع حتى يستأذنهم وانتزع منه بعض العلماء أنه لا يجوز له الانصراف بدون إذن ولي الميت ، وحكى عن مالك وقيده بعض أتباعه بما إذا لم يطل وذهب الجمهور إلى خلافه محتجين بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم جعل لمن لم يشهد الدفن قيراطا فدل على جواز الانصراف قبل الدفن بغير إذن ، وأقول ما استدلوا به لا ينهض شبهة فضلا عن حجة إذ ليس في خبر القيراط ما يؤذن بأن شرطه أن لا ينصرف إلا بإذن وبفرض تسليمه فالجهة منفكة (المحاملي) بفتح الميم والحاء وسكون الألف وكسر الميم نسبة إلى المحامل
[ 251 ]
التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي سمع البخاري والدروقي وابن الصباح وخلقا وعنه الطبراني والدارقطني وغيرهما قال السمعاني ثقة كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (في أماليه) الحديثية وكذا البزار وأبو نعيم والديلمي كلهم (عن جابر) قال في الميزان تفرد به عمرو بن عبد الغفار الفقيمي وعمرو متهم بالوضع وقد سرقه آخر من الفقيمي أو الفقيمي سرقه منه وقال ابن القطان عمرو متهم بالوضع وخرجه العقيلي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال في المطامح ومداره على أبي سفيان وغيره من الضعفاء الذين لا يحتج بهم . 1659 - (إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا) ظلما يعني سألته أن يقبل توبته فامتنع أشد امتناع قال ذلك (ثلاثا) أي كرره ثلاث مرات للتأكيد هذا إن كان ثلاثا من لفظ الصحابي فإن كان من الحديث فالمعنى سألته ثلاث مرات فامتنع وفي رواية للخطيب ما يقتضي الأول وهذا يخرج مخرج الزجر والتهويل كأنه علم أن ذلك القاتل ليس ممن أناب حق الإنابة أو المراد من استحل القتل ظلما (حم ن ك عن عقبة بن مالك) الليثي له صحبة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية فقال إني مسلم فلم ينظر إليه فقتله فنمى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فأتاه القاتل وهو يخطب فقال ما قال الذي قال إلا تعوذا فأعرض ثم أخذ خطبته فقال الثالثة فأقبل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تعرف المساء في وجهه فقال إن الله إلى آخره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير بشر بن عاصم الليثي وهو ثقة وقال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الذهبي في الكبائر على شرط مسلم . 1660 - (إن الله أبى لي أن أتزوج) امرأة أو (أزوج) من أهلي امرأة (إلا من أهل الجنة) يعني منعني من مصاهرة من يختم له بعمل أهل النار فيخلد فيها وهذه بشارة جليلة لأصهاره (ابن عساكر) في التاريخ (عن هند بن أبي هالة) التميمي ولد خديجة قتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل شهد أحدا وغيرها وإسناده ضعيف لكن يعضده خبر الحاكم وغيره سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج مني أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة . 1661 - (إن الله تبارك وتعالى) قال التوربشتي تبارك تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع وتبارك أي بارك مثل قاتل لكن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى ومعناه تعالى وتعظم وكثرت بركاته في
[ 252 ]
السماوات والأرض إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية (اتخذني خليلا) قال الحرالي من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف الرضى والسخط ، فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد (كما اتخذ إبراهيم خليلا) لأن الله تعالى لما علم من كل منهما أحوالا بديعة وأسرارا غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته قال ابن القيم : وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة (وأن خليلي) من البشر (أبو بكر) (1) وأما خبر لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجه بعد : كما اتخذ الله إبراهيم خليلا فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين . وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال فيه يحيى الحماني وهو ضعيف ، وأقول لم أر يحيى في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد الله بن زحر ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية . 1662 - (إن الله تعالى) حال لازمة أي متعاليا عما لا يليق بعلى جناب قدسه (أجاركم) حماكم ومنعكم وأنقذكم وحفظكم (من ثلاث خلال) أي خصال الأولى (أن لا يدعو عليكم نبيكم) كما دعي نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعا) أي بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة ، والثانية (أن لا يظهر) بضم أوله وكسر ثالثه (أي لا يغلب أهل) دين (الباطل) وهو الكفر وإن كثر أنصاره (على) دين (أهل الحق) وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق بحيث يمحقه ويطفئ نوره قال التوربشتي ولم يكن ذلك بحمد الله مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها ، وقال القاضي المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين انتهى ، ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق مطلقا يحتاح لحمله على الظهور وكل الظهور ، وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول ، والثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) قال الطيبي حرف النفي في القرائن زائد كقوله تعالى : * (ما منعك ألا تسجد) * وفائدته توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا إذا كانت الخلال (1) أي الصديق رضي الله عنه فهو أفضل الناس على الاطلاق بعد الانبياء . (*)
[ 253 ]
مثبتة لا منفية وفيه أن إجماع أمته حجة وهو من خصائصهم وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فهؤلاء أجاركم الله منهن ، وأن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن منه كالزمكة ويأخذ الكافر فينتفخ والثانية الدابة والثالثة الدجال هكذا ساقه الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وتبعه الكمال بن أبي شريف مختصره فليعتمد (د) في الفتن وكذا الطبراني وغيره (عن أبي مالك الأشعري) قال في المنار هذا الحديث منقطع ثم اندفع في بيانه وأطال وقال المناوي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير واحد ، وقال ابن حجر في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم ، وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعازف وهو مشهور بكنيته وفي اسمه خلف الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه أكثر الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته حتى قال المزني في ترجمته لا يعرف له كنية وتعقب بأن الشيخين والنسائي كنوه وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة الثاني قال الحافظ وصح لي أنه الثالث لأن ابن أبي عاصم لما خرج الحديث المذكور عن محمد بن عوف قال في سياق سنده عن كعب بن عاصم الأشعري بدل أبي مالك الأشعري فدل على أنه هو إلا أن يكون ابن أبي عاصم تصرف في التسمية بظنه وهو بعيد . 1663 - (إن الله احتجر التوبة) منعها والحجر المنع وفي رواية للبيهقي احتجب وفي رواية له حجب (عن كل صاحب بدعة) وإن كان زاهدا متعبدا فعاقبته خطرة جدا والمراد بالبدعة هنا أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه نظرا وتقليدا فإذا قرب موته فظهرت له ناصية ملك الموت اضطرب قلبه بما فيه وانكشف له بطلان بعض معتقده وكان قاطعا به فيكون سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو شكه فيها فإن خرجت روحه قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فهو من أهل النيران (ابن فيد) وفي نسخ ابن فيل أي في جزئه كما في الكبير (طب هب والضياء) في المختارة (عن أنس) . 1664 - (إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد عليها فيطغيه ولا ينقص عنها فيؤذيه فإن الغنى مبطرة مأشرة والفقر مذلة مأسرة . قال الغزالي رحمه الله تعالى مر موسى عليه الصلاة والسلام برجل نائم على التراب متوسدا لبنة وهو متزر بعباءة فقال : يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع قال : أما علمت أني إذا نظرت إلى عبدي بوجهي كله زويت عنه الدنيا وقالوا : قل من تكثر عليه الدنيا وإلا وتكثر غفلته عن الله لأن العبد كلما كان أكثر حاجة إلى الله كان الحق على باله بخلاف ما لو أعطاه قوت سنة مثلا فإن غفلته تكثر (أبو الشيخ) وكذا الديلمي (عن علي) أمير
[ 254 ]
المؤمنين وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم غال في التشيع وعبيد الله بن الوليد ضعفوه . 1665 - (إن الله تعالى) تفاعل من علو القدر والمنزلة هنا وأصل تفاعل التعاطي العقل كتخاشع وكذا تفعل كتكبر وهما في حق الباري تعالى بمعنى التفرد لا بمعنى التعالي ذكره العكبري (إذا أحب إنفاذ) بمعجمة (أمر) أي أراد إمضاءه (سلب كل ذي لب لبه) حتى لا يدرك به مواقع الصواب ويتجنب ما يوقعه في المهالك والأعطاب فهو إشارة إلى أن قضاء الله لا بد من وقوعه ولا يمنع منه عقل ولا غيره (أنشد غلام ثعلب) . إذا أراد الله أمرا بامرئ * * وكان ذا رأي وعقل وبصر وحيلة يعملها في كل ما * * يأتي به محتوم أسباب القدر أغراه بالجهل وأعمى عينه * * وسل منه عقله سل الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكمه * * رد عليه عقله ليعتبر (خط) وكذا أبو نعيم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل أعله بلاحق بن حسين وقال إنه يضع وقال في موضع آخر كان كذابا إذ كان يضع الحديث على الثقات ويسند المراسيل انتهى فعزوه له مع حذف ما عقبه به من هذه العلة التي هي أقبح العلل غير صواب . 1666 - (إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع) أي قلع وأذهب (عقول الرجال) أي الكاملين في الرجولية الراسخين في العقل فلذا لم يقل الناس مثلا (حتى يمضي أمره فإذا أمضاه رد إليهم عقولهم) ليعتبروا بهم (ووقعت الندامة) منهم على ما كان فإذا أنت أحكمت باب اليقين وجزمت بأنه لا بد من وقوع القضاء المبرم هان عليك الأمر وارتفعت الندامة ورضيت النفس بما أصابها ، هذا هو الكمال ومن لم يصل إليه فليستعمل الصبر ويمرن نفسه على الرضى بالقضاء وينتظر وعد الله بأن عليه صلوات من الله ورحمة وفي الصبر خير كثير (تنبيهات) قال بعضهم لا بد للعبد من إسدال الحجاب عليه حتى يقع في المعصية وإلا فعصيانه ربه مع الكشف وشهوده أنه يراه لا يكون أبدا وهذا من رحمته تقدس بعصاة الموحدين فإن مجاهرة الحق بمحرم مع شهود أنه يراه قلة احترام للجناب الإلهي يوجب تشديد العقاب (فائدة) سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الهدهد كيف ينظر الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ تحت التراب قال إذا جاء القضاء عمي البصر فصار ذلك من الأمثال عند العرب (أبو عبد الرحمن
[ 255 ]
السلمي في) كتابه (سنن الصوفية) الذي وضعه لهم (عن جعفر بن محمد) الصادق وأمه فروة بنت القاسم بن محمد وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فكان يقول ولدني الصديق مرتين وثقه ابن معين وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ما رأيت أفقه منه (عن أبيه) محمد الصادق (عن جده) وسبق عن الخطيب أن السلمي هذا وضاع لكن فيه نزاع . 1667 - (إن الله تعالى إذا أنزل سطواته) جمع سطوة (1) قهره وشدة بطشه وفي رواية ابن حبان سطوته بالإفراد (على أهل نقمته) أي المستوجبين لها (فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على) حسب (نياتهم وأعمالهم) أي بعث كل واحد منهم على حسب أعماله من خير وشر فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق ، فالصالح ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب والعقاب بل يجازى كل واحد بعمله على حسب نيته ومن الحكم العدل أن أعمالهم الصالحة إنما يجازون عليها في الآخرة أما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء فهو تكفير لما قدموه من عمل سئ والنقمة عقوبة المجرم والفعل من نقم بالفتح والكسر ذكره القاضي وذهب ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اه . وذهب بعضهم إلى التعميم تمسكا بآية * (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) * [ النساء : 14 ] وأخذ منه مشروعية الهرب من الكفار والظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس في التهلكة (هب عن عائشة) وهو صحيح ورواه عنها أيضا ابن حبان في صحيحه بلفظ إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم . 1668 - (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة) وهي كل ملائم تحمد عاقبته كما سبق (يحب أن يرى أثر النعمة عليه) لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه ليبرزه إلى جوارحه ليكون مهابا بها مكرما فإذا منعه فقد ظلم نفسه وضيعها (ويكره البؤس) وهو شدة الحال والفاقة والذلة (والتباؤس) إظهار الفقر وشدة الحاجة (ويبغض السائل الملحف) أي الملازم الملح (ويحب الحيي العفيف) أي المنكف عن الحرام والسؤال للناس (المتعفف) أي المتكلف العفة قال الحرالي التعفف تكلف العفة . وهو كف ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه وفيه أنه يندب لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به تحسين الهيئة (1) يقال سطا عليه يسطو سطوا وسطوة قهره وأذله وهو البطش بشدة اه . (*)
[ 256 ]
والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بجميع أنواعه لكن التوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله تعالى أفضل من الأرفع إلا إن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها كما اقتضاه هذا الحديث والتوسعة على العيال لكن بغير تكلف كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر الوفاء منه إذا طولب (هب عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب إسناده جيد . 1669 - (إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى) أي أعلم ملائكته فيثنون عليه ثم يقذف ذلك في قلوب أهل الأرض فيثنون (عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله) يعني أنه يقدر له التوفيق لفعل الخير في المستقبل ويثني عليه به قبل صدوره منه بالفعل . قال في الكشاف في تفسير * (ولينصرن الله من ينصره) * [ الحج : 40 ] وعن عثمان هذا والله ثناء قبل بلاء يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا إلى هنا كلامه ، وقال الصوفية الجناية لا تضر مع العناية ، وفي تفسير البغوي أن داود عليه السلام سأل الله أن يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب ، فقال : يا رب ومن يستطيع يملأ هذه حسنات ؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأتها بتمرة (وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الشر لم يعمله) هذا ينبئك بأن الثناء من الله على عبده بسريرته فيما بينه وبينه وبما قسم له بعد لأن الخلق إنما عاينوا علانية والحق يثني عليهم بما غاب عنهم وبما سيكون منه وإنما يثني عليه بأضعاف ما لم يعمله لما سيكون منه وذلك لأنه كما بين الرزق تفاوت في القسمة فكذا بين الثناء والثناء فقسمة الرزق على التدبير في الظاهر وقسمة الثناء ومقابلة على منازل العباد عند خالقهم في الباطن قال ابن أقبرس الثناء أعم من المدح والحمد ومقتضاه كونه ذكرا لسانيا كالمدح والحمد أو لسانيا وخارجيا كالشكر وكل ذلك محال عليه تعالى فالثناء منه بضرب تجوز وفيه حجة لمن قال إن الثناء استعمل في الخير والشر (تتمة) : قال الدقاق رحمه الله تعالى مر بشر بجمع من الناس فقالوا هذا رجل لا ينام الليل ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة . فبكى وقال إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة ولا صمت يوما لم أنظر من ليلته ولكن الله يلقي في القلوب أكبر مما يفعله العبد تفضلا وتكرما (حم حب) وكذا أبو يعلى (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح . 1670 - (إن الله إذا قضى على عبد قضاء) أي مبرما من سعادة أو شقاوة (لم يكن لقضائه مرد) أي راد يعني ليس هم كملوك الدنيا بحال بينهم وبين بعض ما يريدونه لشفاعة أو غيرها فمن قضى له بالسعادة فهو من أهلها وبالشقاوة فمن أهلها لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهو
[ 257 ]
القادر على كل شئ وغيره عاجز عن كل شئ (وأما خبر الدعاء يرد القضاء) فمحله في غير السعادة والشقاوة وهو الذي قيل فيه للمصطفى صلى الله عليه وسلم : * (ليس لك من الأمر شئ) * [ آل عمران : 127 ] . تنبيه : قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه القدرة من شرطها الإيجاد إذا ساعدها القضاء والإرادة فإياك والعادة وكلما أدى إلى نقص الألوهية مردود ومن جعل في الوجود الحادث ما ليس بمراد الله فهو عن المعرفة مردود مطرود وباب التوحيد في وجهه مسدود (ابن قانع) في معجمه (عن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة (ابن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم وقيل بفتح المهملة وكسر الميم الكندي الشامي قال في الكاشف مختلف في صحبته وجزم ابن سعد بأن له وفادة وهو ضعيف مات بصفين . 1671 - (إن الله إذا أراد بالعباد نقمة) بكسر أوله عقوبة (أمات الأطفال وعقم النساء) أي منع المني أن ينعقد في أرحامهن ولذا قال في الصحاح أعقم الله رحمها فعقمت إذا لم تقبل الولد ورحم معقومة أي مسدودة لا تلد (فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم) لأن سلطان الانتقام إذا ثار حنت الرحمة في محلها بين يدي الله تعالى حنين الوالهة فتطفئ تلك الثائرة فإذا لم يكن فيهم مرحوم ثار السلطان بالعقوبات واعتزلت الرحمة فحلت بهم النقمة ، فافهم أسرار كلام الشارع (1) وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر بمعناه من غير عزو ثم قال ليس له أصل وعموم حديث مسلم الآتي العجب أن ناسا من أمتي إلخ يرده وقد شوهدت السفينة ملآى من رجال ونساء وأطفال تغرق فيهلكون جميعا ، ومثله الدار الكبيرة تحترق والرفقة الكثيرة يخرج عليها القطاع فيهلكون جميعا أو أكثرهم والبلد تهجمها الكفار فيبذلون السيف في المسلمين وقد وقع ذلك من الخوارج فالقرامطة فالتتر والله المستعان . إلى هنا كلامه . ومما يقوي ما رواه خبر البخاري أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث (الشيرازي في) كتاب (الألقاب له عن حذيفة) بن اليمان (وعمار بن ياسر معا) دفع به توهم أنه عن واحد منهما على الشك . 1672 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يهلك عبدا) من عباده (نزع منه الحياء) منه تعالى أو من الخلق أو منهما جميعا (فإذا نزع منه الحياء لم تلقه) أي لم تجده (إلا مقيتا) فعيل بمعنى فاعل أو مفعول من المقت وهو أشد الغضب (ممقتا) بالتشديد والبناء للمجهول أي مبغوضا بين الناس كثيرا مغضوبا عليه عندهم وحاصله يبغض الناس ويبغضونه جدا (فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا) أي إلا موسوما بذلك (1) فينبغي التلطف بالاطفال والشفقة عليهم فان دعت إلى التأديب فالتأديب أولى من تركه اه . (*)
[ 258 ]
(نزعت منه الأمانة) وأودعت فيه الخيانة (فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا) فيما جعل أمينا عليه (مخونا) بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوبا إلى الخيانة بين الناس محكوما له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف (نزعت منه الرحمة) التي هي رقة القلب والعطف على الخلق (فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما) أي مطرودا وأصل الرجم الرمي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم (ملعنا) بضم الميم وفتح اللام والتشديد أي مطرودا عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو يلعنه الناس كثيرا وإذا صار كذلك (نزعت منه ربقة الإسلام) بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حيا ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي : أي حياء مذموما (ه عن ابن عمر) ابن الخطاب وضعفه المنذري . 1673 - (إن الله تعالى إذا أحب عبدا) أي رضي عنه وأراد به خيرا وهداه ووفقه (دعا جبريل) أي أذن له في القرب من حضرته (فقال) له (إني أحب فلانا فأحببه) أنت يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك (فيحبه جبريل) فالضمير في نادى إلى الله تعالى يعني إذا أراد الله تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولا (ثم ينادي) أي جبريل (في السماء) أي في أهلها (فيقول إن الله) وفي رواية بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول (يحب فلانا فأحبوه) بتشديد الموحدة أنتم (فيحبه أهل السماء) أي الملائكة (ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم ذكره الزمخشري قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * [ المنافقون : 8 ] قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن أنكرته الظواهر من بعض الناس فلأغراض قامت بهم وهم في هذا كسجودهم لله كل من في العالم ساجد وكثير
[ 259 ]
من الناس ما قال كلهم وهكذا حال هذا العبد تحبه بقاع الأرض كلها وجميع ما فيها وكثير من الناس على أصلهم في السجود لله تعالى وفي تاريخ الخطيب في ترجمة خير النساج عنه إذا أحبك ذلك وعافاك وإذا أحببته أتعبك وأبلاك ، قال ابن الأثير والقبول بفتح القاف المحبة والرضى بالشئ وميل النفس إليه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه لا تستبعد رضى الله عن العبد مما يغضب به على غيره ، ألا ترى إلى قول موسى عليه الصلاة والسلام * (إن هي إلا فتنتك) * [ الاعراب : 155 ] * (ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون) * [ الشعراء : 14 ] وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لكن من أقيم مقام الأنس يتلاطف ويحتمل ولم يحتمل من يونس عليه الصلاة والسلام ما دون ذلك لكونه أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب بما عوقب به وذلك الاختلاف إما لاختلاف المقامات أو لما سبق في الأزل من التفاضل وانظر كيف احتمل إخوة يوسف عليه السلام ما فعلوه بيوسف عليه السلام ولم يحتمل للعزيز كلمة واحدة سأل عنها في القدر وكان بلعم بن باعوراء من أكابر العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل له ذلك وكان آصف من المسرفين فعفى عنه أوحى الله إلى سليمان عليه الصلاة والسلام يا رأس العابدين ويا محجة الزاهدين إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه لئن أخذته لأتركنه مثلة لمن معه ونكالا لمن بعده فخر آصف حتى علا كثيبا ثم رفع رأسه وقال إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب علي وكيف أعتصم إن لم تعصمني فأوحى الله إليه صدقت يا آصف قد تبت عليك وأنا التواب الرحيم قال الغزالي رضي الله عنه هذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه فهذه سنة الله في عباده بالتقديم والتأخير على ما سبقت به المشيئة الأزلية (وإذا أبغض عبدا) أي أراد به شرا أو أبعده عن الهداية (دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل) يحتمل أن يريد عدم استغفاره له وعدم دعائه له ويحتمل إرادة المعنى الحقيقي وهو عدم الميل القلبي والنفرة منه (ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض) أي فيبغضه أهل الأرض جميعا فلا تميل إليه قلوبهم بل تميل عنه وينظرون إليه بعين النقص والإزراء وتسقط مهابته من النفوس وإعزازه من الصدور من غير صدور إيذاء منه لهم ولا جناية عليهم وقيل إن بغضه يلقى في الماء فلا يشربه أحد إلا أبغضه (1) . تنبيه : قال في الحكم إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل فيك ونسبه إليك لا نهاية لمذامك إذا أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك إن أظهر جوده عليك لو أنك لا تصل غليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبدا إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه (م) في الأدب (عن أبي هريرة) زاد الطبراني ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * ورواه البخاري بدون ذكر البغضاء . (1) قال العلماء محبة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادته عقابه وشقاوته ونحوه وجب جبريل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم له والثاني أنه على ظاهره المعروف من الخلق وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب ذلك كونه مطيعا لله محبوبا له ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه .
[ 260 ]
1674 - (إن الله إذا أطعم نبيا طعمة) بضم الطاء وسكون العين المأكلة ، يقال جعلت هذه الضيعة طعمة فلان والطعمة أيضا وجه المكسب يقال فلان عفيف الطعمة وخبيث الطعمة إذا كان ردئ الكسب وأما ضبط الكمال ابن أبي شريف رضي الله تعالى عنه الطعمة هنا بكسر الطاء وسكون العين وفتح الميم فلا يظهر وجهه وزاد في رواية بعد قوله طعمة ثم قبضه والمراد هنا الفئ ونحوه (فهي للذي يقوم) بالخلافة (من بعده) أي يعمل فيها ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعمل لا أنها تكون له ملكا كما ظن فلا تناقض بينه وبين خبر ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي صدقة ذكره ابن جرير قال وفيه أن من كان مشتغلا بشئ من مصالح المسلمين كعالم وقاض وأمير له أخذ الرزق من الفئ على اشتغاله به وأنه مع ذلك مأجور وفيه رد على من حرم على القسام آخذ الأجر انتهى وقال ابن حجر تمسك بالحديث من قال إن سهم المصطفى صلى الله عليه وسلم يصرفه له والفاضل يصرفه في المصالح وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه يصرف للمصالح وهو لا ينافي ما قبله وقال مالك يجتهد فيه الإمام وأحمد يصرف في الخيل والسلاح وفي وجه يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يرد مع سهم القربى إلى الثلاثة (د) وكذا أحمد وكأنه أهمله لذهول فإنه محافظ على العزو له وتقدمه فيه حتى على الشيخين من طريق أبي الطفيل (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال أبو الطفيل أرسلت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال لا بل أهله قالت فأين سهمه قال سمعته يقول فذكره قال ابن حجر رحمه الله فيه لفظة منكرة وهي قوله بل أهله فإنه معارض للحديث الصحيح أنه قال لا نورث انتهى وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات أخرج لهم مسلم لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم يورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة انتهى وفيه محمد بن فضيل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به وقال أبو حاتم كثير الخطأ والوليد بن جميع قال ابن حبان فحش تفرده فبطل الاحتجاج به . 1675 - (إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة) قال ابن الكمال إذا ذكر الرحمة خصوصا في مقابلة الهلاك يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده) جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال في الأساس ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة الله تعالى قال المولى ابن الكمال وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن (قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطا) بفتحتين بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهئ السقي في القاموس ، يقال
[ 261 ]
للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر ، الطيبي يريد أنه شفيع يتقدم ، قال بعض المحققين والظاهر منه المرجو أن له صلى الله عليه وسلم شفاعة ونفعا غير مأمنه يوم القيامة فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهئ قبل الورود ، يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلا بعد نسل مستغنى عنه مع أن فيه ما فيه (وسلفا بين يديها) وهو المقدم وكل عمل صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة التقديم الإنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا بلغت بلدا مخوفا ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى وفي الكشاف في تفسير * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * [ الحجرات : 1 ] حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سم ت اليدين مع القرب منها توسعا كما يسمى الشئ باسم غيره إذا جاوزه وداناه . قال ابن الكمال وقد جرت هذه العبارة هنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسميه أهل اللسان تمثيلا (وإذا أراد هلكة أمة) بفتح الهاء واللام هلاكها (عذبها ونبيها حي) أي وهو مقيم بين أظهرها قيدها في قيد الحياة (فأهلكها) الفاء للتعقيب (وهو ينظر) أي والحال أن نبيها ينظر إلى إهلاكهم قال الجوهري النظر تأمل الشئ بالعين (فأقر عينه) الفاء للتفريع أي فرحه الله وبلغه الله أمنيته . وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد فيقر (بهلكتها) في حياته (حين كذبوه) في دعواه النبوة والرسالة (وعصوا أمره) بعدم إتباع ما جاء به عن الله وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لأنه يكون مصيبة عظيمة لهم ثم يتمسكون بشرعه بعده فتضاعف أجورهم وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم ومخالفتهم أمره كما فعل بقوم نوح عليه السلام فالمراد من الأمة الأولى أمة الإجابة وبالثانية أمة الدعوة وفيه بشرى عظيمة لهذه الأمة حيث كان قبضه رحمة لهم كما كان بعثه كذلك (م) في فضائل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عن أبي موسى الأشعري) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة عشر حديثا المنقطعة (1) الواقعة في مسلم لأنه قال في أول سنده حدثنا عن أبي أسامة . 1676 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق) وفي نسخة يجعل (عبدا للخلافة) هي المرتبة التي يصليها من يقوم مقامها الذاهب أي من تقدمه (مسح يده على جبهته) يعني ألقى عليه المهابة والقبول ليتمكن من (1) قلت وليس هذا حقيقة الانقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرغباني قال ثنا إبراهيم بن سعد الجوهري هذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده . (*)
[ 262 ]
إنفاذ الأوامر ويطاع فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل التهئ لمراتب الاستعداد وإيداع القابل فيه من رب العباد محال فمسح الجبهة كناية عن ذلك قال الراغب والخلافة والنيابة عن الغير لغيبة المنوب عنه أو موته أو عجزه أو تشريف المستخلف وعلى الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض (خط عن أنس) قضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وهو تلبيس فاحش فإنه خرجه وأعله فقال عقبة مغيث بن عبد الله أي أحد رجاله ذاهب الحديث انتهى . 1677 - (إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته) أي مقدم رأسه ولفظ رواية الحاكم مسح على ناصيته بيمينه (فلا تقع عليه عين) أي لا تراه عين إنسان (إلا أحبته) وفي نسخة أحبه بالتذكير على إرادة صاحبها ومن لازم محبة الخلق له امتثال أوامره وتجنب نواهيه وتمكن هيبته من القلوب وإجلاله في الصدور ثم إن بعضهم قد حمله على ظاهر هذا الخبر فحمل الخليفة على الإمام والذي عليه أهل الحقيقة أن المراد به القائم بالحجة من أهل علم الظاهر والباطن أي ظهر بأسماء الحق على تقابلها . قال ابن عطاء الله من أراد الله به كونه داعيا إليه من أوليائه فلا بد من إظهاره للعباد ثم لا بد أن يكسوه الحق كسوتين الجلالة والبهاء فالجلالة لتعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب ويمتثلوا أمره ونهيه ويقوموا بنصره والبهاء ليجملهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين المحبة ليبعث الهمم على الانقياد إليهم * (وألقيت عليك محبة مني) * [ طه : 39 ] ثم إن العالم وإن كان مشحونا بالعلوم والمعارف لا يقبل كلامه إلا إن أذن الله له في الكلام فإذا أذن له فيه بهت في مسامع الخلق عبارته وجلت إشارته وخرج كلامه وعليه كسوة وحلاوة ومن لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى أن الرجلين ليتكلمان بالكلمة الواحدة فيقبل من أحدهما ويرد على الآخر تنبيه : قال ابن عربي رضي الله عنه إذا أعطي الإنسان التحكم في العالم فهي الخلافة فإذا شاء تحكم وظهر كعبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وإن شاء سلم وترك التصرف لربه في عباده مع التمكن منه كابن شبل رضي الله عنه إلا أن يقترن به أمر إلهي كداود عليه الصلاة والسلام فلا سبيل إلى رد الأمر وكعثمان رضي الله عنه الذي لم يخلع ثوب الخلافة حتى قتل لعلمه بما ألحق فيه ونهي المصطفى صلى الله عليه وسلم له عن ذلك وحينئذ يجب الظهور ولا يزال مؤيدا ومن لم يؤمن به فهو مخير إن ظهر ظهر بحق وإن استتر استتر بحق والستر أولى وفي هذه الدار إعلاء فمن أمر بالظهور فهو كالرسول وغيره كالنبي (ك) عن أبي بكر بن أبي دارم عن محمد بن هارون عن موسى بن عبد الله الهاشمي عن يعقوب بن جعفر عن أبيه عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ثم قال الحاكم رواته هاشميون معروفون بشرف الأصل قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الأطراف إلا أن الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ . 1678 - (إن الله تعالى إذا أنزل عاهة) أي بلاء (من السماء) أي من جهتها (على أهل الأرض) أي
[ 263 ]
ساكنيها من إنس وجن وغيرهما (صرفت) بالبناء للمفعول أي صرفها الله (عن عمار المساجد) قال الحكيم ليس عمارها كل من أنفق على مسجد فبناه أو من رمه بل من عمرها بذكره (1) وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أما من عمرها وهو منكب على دنياه معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام نفسه فضلا عن الدفع عن غيره لآجله وإن عمر ألف مسجد ، قال القاضي عامر كل شئ حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال ومنه سمي الساكن والمقيم في البلد عامرا يقال عمرت المكان إذا أقمت فيه وسمي زوار البيت عمارا (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وكذا رواه عنه في النوادر . 1679 - (إن الله تعالى إذا غضب على أمة ولم ينزل بها) أي والحال أنه لم ينزل بها (عذاب خسف) بالإضافة أي ولم يعذبها بالخسف بها ومن زعم أن المراد بالخسف هنا النقصان والهوان فقد خالف الظاهر (ولا مسخ) أي ولم يعذبها بمسخ صورها قردة أو خنازير أو نحوهما (غلت أسعارها) أي ارتفعت أسعار أقواتها أي (ويحبس) أي يمسك ويمنع (عنها أمطارها) فلا يمطرون وقت الحاجة إلى المطر (ويلي عليها أشرارها) أي يؤمر عليه أشرهم سيرة وأقبحهم سريرة فيعاملونهم بالظلم والجور والعسف والقسوة والفظاظة والغلظة ، قال القاضي والمراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنيهما (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الديلمي بأوضح من هذا ولفظه إن الله تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل عليها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارتها وحبس عنها أمطارها ولم تغزر أنهارها ولم تربح وسلط عليها أشرارها اه . 1680 - (إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك) أي عن عظمة جثة ديك من خلق الله تعالى ، يعني عن ملك في صورة ديك وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية إن لله تعالى ملكا في السماء يقال له الديك إلخ (قد مرقت رجلاه الأرض) أي وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر قال في الصحاح مرق السهم خرج من الجانب الآخر (وعنقه مثنية تحت العرش) أي عرش الإله (وهو يقول) أي هجيراه وشعاره قوله (سبحانك ما أعظمك) زاد في رواية الطبراني ربنا (فيرد عليه) أي فيجيبه الله الذي خلقه بقوله (لا يعلم ذلك) أي لا يعلم عظمة سلطاني وسطوة انتقامي (من حلف بي كاذبا) (2) (1) كصلاة على النبي (ص) ومذاكرة علم قال بعضهم ويؤخذ منه أن من عمل صالحا فقد أحسن إلى جميع الناس أو سيئا فقد أساه إلى جميعهم لانه تسبب في نزول البلاء والبلاء عام والرحمة خاصة . (2) فأزجر شئ وأمنعه عن اليمين الكاذبة استحضار هذا الحديث . (*)
[ 264 ]
فإنه لو نظر إلى كمال الجلال وتأمل بعين بصيرته في عظم المخلوقات الدالة على عظم الخالق لم يتجرأ على اسمه ويقسم به على خلاف الواقع فالجرأة على اليمين الكاذبة إنما تنشأ عن كمال الجهل بالله تعالى ومن ثم كانت اليمين الغموس من أكبر الكبائر وإن كانت على قضيب من أراك (أبو الشيخ في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن محمد بن العباس عن الحسن بن الربيع عن عبد العزيز بن عبد الوارث عن حرب (طس) عن محمد بن العباس عن الفضل بن سهل عن إسحاق السلولي عن إسرائيل عن معاوية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة (ك) في الأيمان من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس بن سهل الأعرج لم أعرفه وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح ولم يستثن . 1681 - (إن الله استخلص هذا الدين لنفسه) وناهيك به تفخيما لرتبة دين الإسلام فهو حقيق بالإتباع لعلو رتبته عند الله في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء (1) بالمد الكرم فإنه لا قوام لشئ من الطاعات إلا به (2) (وحسن الخلق) بالضم السجية والطبع (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فزينوا) من الزين ضد الشين (بهما دينكم) زاد في رواية ما صحبتموه ، فالسخاء السماح بالمال وحسن الخلق السماح بالنفس فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ومالت إليه النفوس وتلقت ما يبلغه عن الله . قال الزمخشري معنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته ، فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا رافقا كما قال تعالى * (فلنحيينه حياة طيبة) * [ النحل : 97 ] والمعرض عن الدين مسبول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى ازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحالته مظلمة اه . وقال الحكيم : الإسلام بني اسمه على السماحة والجود لأن الإسلام تسليم النفس والمال لحقوق الله وإذا جاء البخل فقد ذهب بذل النفس والمال ومن بخل بالمال فهو بالنفس أبخل ومن جاد بالنفس فهو بالمال أجود فلذلك كان البخل يمحق الإسلام ويبطله ويدرس الإيمان وينكسه لأن البخل سوء ظن بالله ، وفيه منع لحقوقه وعليه الاعتماد دون الله ولذلك جاء في خبر ما محق الإسلام محق البخل شئ قط وكما أن في السخاء الخير كله ففي البخل الشر كله . قال الحرالي كل ما اجتمعت فيه استقباحات الشرع والعقل والطبع فهو فحش وأعظمها البخل الذي هو أدوأ داء وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله (3) (طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك اه (1) أي التلطف بالناس والرفق بهم وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم . (2) وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا والثانية سخى من باب تعب والثالثة سخو من باب قرب . (3) قال في ذيل لب الألباب في الأنساب الحرالي بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبعد الألف لام نسبة إلى حرالة من أعمال مرسية بالأندلس منها أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن المفسر وفي القاموس حرالة (*)
[ 265 ]
وله طرق عند الدارقطني في المستجاد والخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد وغيره أمثل من هذا الطريق وإن كان فيها أيضا لين كما بينه الحافظ العراقي فلو جمعها المصنف أو آثر ذلك لكان أجود . 1682 - (إن الله اصطفى) اختار واستخلص (كنانة) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة بن خزيمة (من ولد إسماعيل) فيه فضل إسماعيل عليه السلام على جميع ولد إبراهيم عليه السلام حتى إسحاق عليه السلام ولا يعارضه * (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) * [ الصافات : 112 ] ، * (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) * [ البقرة : 253 ] وفي الروض الأنور كان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ستة بنين سوى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام وعبر هنا بولد وفيما يجئ بلفظ بني : إشعارا بأنه أفضل الأفضل لأن لفظ نبي مختص بالذكور بخلاف الولد ومن ثم لو أوصى لولده دخل البنات ولبنيه لا (واصطفى قريشا من كنانة) لأن أبا قريش مضر بن كنانة قال ابن حجر وهذا ذكره لإفادة الكفاءة والقيام بشكر النعم ونهيه عن التفاخر بالآباء موضعه مفاخرة تفضي لتكبر أو احتقار مسلم (واصطفى من قريش بني هاشم) وهاشم هو ابن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم) فإنه محمد بن عبد الله بن الله بن عبد المطلب بن هاشم ومعنى الاصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار الديانة بل باعتبار الخصال الحميدة وفيه أن غير قريش من العرب ليس كفؤا لهم ولا غير بني هاشم كفؤا لهم أي إلا بني المطلب وهو مذهب الشافعية قال ابن تيمية وقد أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم بمجرد كون النبي منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور (م ت) في المناقب عن (واثلة) ابن الأسقع ولم يخرجه البخاري وخرجه عنه أبو حاتم وغيره قال ابن حجر وله طرق جمعها شيخنا العراقي في محجة القرب في محبة العرب . 1683 - (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم) وكانوا ثلاثة عشر (إسماعيل) إذ كان نبيا رسولا إلى جرهم وعماليق الحجاز (واصطفى من ولد إسماعيل كنانة) بن ثابت (واصطفى من كنانة قريشا) بن النضر (واصطفى من قريش بني هاشم) فهو أفضلهم وأخيرهم (واصطفاني من بني هاشم) (1) . فأودع مشدد اللام بلد بالمغرب أو قبيلة بالبربر منها علي بن أحمد بن الحسن ذو التصانيف المشهورة وفي تفسير البقاعي : الحرالي بمهملتين ومد وتشديد اللام اه وقد سبق أن كتب (الحراني) في بعض مواضع تقدمت وهو خطأ ، والصواب (الحراني) باللام اه . (1) وبالمصطفى شرفت بنو هاشم وقال بعضهم في تفضيل الولد على الوالد . كم من أب قد علا بابن ذرى شرف * * كما علا برسول الله عدنانا (*)
[ 266 ]
ذلك النور الذي كان في جبهة آدم عليه السلام في جبهة عبد المطلب ثم ولده وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية . واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقا وأطيبهم نفسا يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال * (واجعلنا مسلمين لك) * [ البقرة : 128 ] ثم قال * (ومن ذريتنا) * [ البقرة : 128 ] فإنما سأل في ذرية إسماعيل خاصة . ألا ترى لتعقيبه بقوله * (وابعث فيهم رسولا منهم) * [ البقرة : 129 ] تنبيه : قال ابن تيمية قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على غيرهم إذا كان أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض فيقال لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق (ت) في المناقب (عن واثلة) بن الأسقع ثم قال الترمذي حديث صحيح . 1684 - (إن الله اصطفى من الكلام أربعا) وهي قول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهي مختار الله من جميع كلام الآدميين (فمن قال) أي دبر الصلاة أو غيرها (سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال الله أكبر مثل ذلك ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه) (1) يحتمل أن المراد به قصدية الإنشاء أو الإخبار أو قالها لا من جهة نعمة تجددت أو نقمة اندفعت (كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة) وفي رواية أن الله اصطفى لملائكته من الكلام أربعا إلخ قال الطيبي لمح به إلى قوله تعالى : * (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * [ البقرة : 30 ] ويمكن أن تجعل هذه الكلمة مختصرة من قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لما مر أن سبحان الله تنزيه لذاته عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى قوله لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لأن الإضافة بمعنى اللام في الحمد ومستلزم بمعنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من غيره فلا (1) أي لان لا يقع غالبا إلا بعد سبب كأكل أو شرب أو حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه فلما حمد لا في مقابلة شئ زاد في الثواب . (*)
[ 267 ]
يكون أحد أكبر منه ولا يلزم منه أن يكون التسبيح أفضل من التهليل إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن نفي التهليل في قوله لا إله نفي لمصححاتها من الخالقية والرازقية وكونه مثيبا ومعاقبا من الغير وقوله إلا الله إثبات له ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها من النقائص ، فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تقديس فإذا اجتمعا دخلا في مفهوم الطرد والعكس . إلى هنا كلام الطيبي . وأخذ منه بعضهم أن الحمد أفضل من التسبيح لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وادعى بعضهم أن الحمد أكثر ثوابا من التهليل ورد بأن في خير البطاقة المشهور ما يفيد أن لا إله إلا الله لا يعدلها شئ (حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح . 1685 - (إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام) أي بالتكليم له وهو في الأرض (1) وأما محمد فوقع له ذلك في العالم العلوي فتلك هي المختصة بموسى . ذكره بعض المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله كما مر ذلك مبينا (ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي . 1686 - (إن الله اطلع على أهل بدر) الذين حضروا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة الجبار وهم ثلاثة أو أربعة عشر (2) يعني نظر الله إليهم نظر رحمة وعطف وقد ارتقوا إلى مقام يقتضي (1) أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله حقيقة لا مجازا فلا يكون محدثا فلا يوصف بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسما ولا عرضا كذلك لا يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفا ولا صوتا وذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني أن موسى إنما سمع صوتا دالا على كلام الله أي دالا على ذلك المعنى لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول . (2) وخرج صلى الله عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها قد سبقت ونزل جبريل وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى * (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (*)
[ 268 ]
الانعام عليهم بمغفرة ذنوبهم واللاحقة (فقال) لهم (اعملوا ما شئتم) أن تعملوا (فإني قد غفرت لكم) ذنوبكم (1) أي سترتها فلا أواخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه بإكرامهم والاعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو على ظاهره والخطاب لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنبا وإن فارقوه لم يصروا بل يوفقون لتوبة نصوح ، فليس فيه تخييرهم فيما شاؤوا وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفا وحذرا مما كانوا قبله وبذلك سقط ما قبله إن هذا من المشكل لانه إباحة مطلقة وهو خلاف عقد الشرع ، وأما الجواب بمثل أن المراد الاعمال الماضية لا المستقبلة فكما أنه لا يلائم السياق يدفعه لفظ اعملوا (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود باللفظ المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل الله أطلع على أهل بدر فقال الخ قالوا والترجي في كلام الله تعالى ورسوله (ص) للوقوع . 1687 - (إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي) أن قال لي أو قائلا ، ففيه التفات (إني اعطيتك فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهم نصفا وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الايمان هو العلم ، والعمل نصف الايمان ولا يدل ذلك أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه ذلك وقال سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم . (1) قال القرطبي هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشئ وقوعه فقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه بشئ من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قدر صدور شئ من أحدهم لبادر إلى التوبة . (*)
[ 269 ]
وجه التقسيم في الاحاديث القدسية (ابن الضريس) بضم المعجمة وشد الراء الحافظ يحيى البجلي (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره . 1688 - (إن الله أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الراءات) أي السور التي امتازت بالراء فكأن الراء هي التي عينتها ولم يقل المرء اللمراءات لثقله وعدم إلفه (إلى الطواسين مكان الإنجيل) قال البقاعي تأخيره في الذكر يفيد تعظيمه بأن ما قبله مقدمات لتلقيه انتهى ، وظاهره أنه أفضل من التوراة وفي كلام جمع ما يخالفه (وأعطاني ما بين الطواسين) أي مع الطواسين وما بعدها (إلى الحواميم مكان الزبور وفضلني) على أصحاب هؤلاء الكتب المنزلة (بالحواميم) أي بإعطائي زيادة عليهم الحواميم (والمفضل ما قرأهن نبي قبلي) ما أنزلت على نبي من قبلي فقرأهن فهن من خصوصياته على الأنبياء (محمد بن نصر) المروزي في كتاب الصلاة (عن أنس) بن مالك وإسناده ضعيف لكن مما يشهد له . 1689 - (إن الله أعطى موسى الكلام) أي التكليم بمعنى أنه خصه به وهو في الأرض كما مر (وأعطاني الرؤية) لوجهه تقدس بعيني بصري يعني ، خصه بها في مقابلة ما خص به موسى (وفضلني) عليه (بالمقام المحمود) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون يوم القيامة (والحوض المورود) الذي يرده الخلائق في المحشر وإشعاره بأن الحوض من خصوصياته غير مراد لما سيجئ في خبر إن لكل نبي حوضا فتعين أن الخصوصية في الكوثر لا في مطلق الحوض (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) ورواه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال الذهبي قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن الجوزي الحديث موضوع فيه الكريمي . 1690 - (إن الله افترض صوم رمضان) على هذه الأمة بقوله * (كتب عليكم الصيام فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * [ البقرة : 183 ] وكان كتبه على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده فجعلوه خمسين وقيل وقع في برد وحر شديد فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين كفارة للتحويل وبالجملة فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ذكره
[ 270 ]
الزمخشري (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة فيه ليلا سنة (فمن صامه وقامه) سالما من المعاصي قولا وفعلا (إيمانا) أي تصديقا بأنه حق وطاعة (واحتسابا) لوجهه تعالى لا رياء (ويقينا) تأكيدا لقوله إيمانا أو أراد احتسابا مجزوما به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه ، والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر كما سيجئ نظائره وقال ابن عطاء الله وقد رأينا فنظرنا كل مأمور به أو مندوب من الشارع يستلزم الجمع على الله وكل منهي عنه أو مكروه يتضمن التفرقة عنه ، فإذا مطلوبه من عباده وجود الجمع عليه لكن الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية أسباب التفرقة ووسائلها فلذا نهى عنها (ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن . 1691 - (إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني وأن أؤدبكم مما أدبني) لأني بعثت كالأنبياء طبيبا للأمراض القلبية والأخلاق الوحشية (إذا قمتم على أبواب حجركم) جمع حجرة (فاذكروا اسم الله) أي قولوا بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إذا ذكرتم ذلك (يرجع الخبيث) أي الفاسد المفسد الشيطان الرجيم (عن منازلكم) أي مساكنكم (وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام) ليأكله (فليسم الله) أي فليقل بسم الله الرحمن الرحيم (حتى لا يشارككم الخبيث) إبليس أو أعم (في أرزاقكم) فإنكم إذا لم تسموا أكل معكم قال الحراني وذلك لأن كل شئ لله فما تناوله الإنسان باسمه أخذه بإذنه وما تناوله بغير اسمه أخذه على غير وجهه بغير إذنه فيشاركه الشيطان في تناوله فيتبعه المتناول معه في خلواته * (وشاركهم في الأموال والأولاد) * [ الاسراء : 64 ] (ومن اغتسل) منكم (بالليل) أي فيه (فليحاذر عن) أي عن كشف (عورته فإن لم يفعل) بأن لم يستر عورته (فأصابه لمم) طرف من الجنون كما في الصحاح (فلا يلومن إلا نفسه ومن بال في مغتسله) أي المحل المعد للاغتسال فيه (فأصابه الوسواس) أي مما تطاير من البول والماء (فلا يلومن إلا نفسه) إذ هو فاعل السبب (وإذا رفعتم المائدة) التي أكلتم عليها (فاكنسوا ما تحتها) من فتات الخبز وبقايا الطعام (فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها) من ذلك (فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم) أي لا ينبغي ذلك فإنهم أعداؤكم قال الحكيم الشيطان ممنوع من مشاركة المؤمن في مطعمه ومشربه وملبسه وسائر أموره ما دام يسمي الله على كل حال فإذا ترك التسمية وجد فرصة فشاركه حتى في ضحكه . وفيه أن من حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن المتصلين به وأن يحظيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك وأن شأن الأدب والاهتمام به متعين وقد تطابقت على ذلك الملل (تنبيه) كان المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة شفوقا ولله
[ 271 ]
ناصحا وبالمؤمنين رحيما * (عزيز عليه ما عنتم) * [ التوبة : 128 ] الآية حريص على المؤمنين أن يوصلهم إلى الإيمان مع زينة الإسلام وبهاء الإيمان فعلمهم تناول الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من كل ما للنفس فيه حق وقال في التنزيل * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * [ الاحزاب : 21 ] فطهره الله وأدبه وأحيا قلبه فقبل أدبه فصار مؤدبا مهذبا مطهرا فأمرنا بالإقتداء به (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) لكنه لم يسنده كما يوهمه صنيع المؤلف بل قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق البصري يرفعه إلى أبي هريرة هذه عبارته . 1692 - (إن الله أمرني بحب أربعة) من الرجال (وأخبرني أنه يحبهم) قيل بينهم لنا يا رسول الله قال (علي) بن أبي طالب (منهم) العلم الذي لا يلتبس والفرد الذي لا يشتبه فلا حاجة لوصفه ، قال السعد التفتازاني لم يرد في الفضائل ما روي لعلي رضي الله عنه (وأبو ذر) الغفاري جندب بن جنادة من السابقين الأولين كان عظيما طويلا زاهدا متقللا مات بالربذة سنة اثنين وثلاثين (والمقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي اشتهر بابن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وهو قديم الإسلام والصحبة مات سنة ثلاث وثلاثين عن سبعين سنة (وسلمان) الفارسي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يعرف بسلمان الخير أصله من فارس كان مجوسيا ساد في الإسلام وسبب إسلامه مشهور وصار من خيار الصحابة وفضلائهم وزهادهم وكفى بهذا الحديث له شرفا ، قالوا عاش ثلاثمائة وخمسين سنة ومات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما (ت) وقال غريب حسن (ه ك) في فضائل الصحب عن شريك عن أبي ربيعة الإبادي عن ابن بريدة (عن بريدة) الأسلمي قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي بأنه لم يخرج لأبي ربيعة وهو صدوق . 1693 - (إن الله أمرني أن أزوج فاطمة) الزهراء رضي الله تعالى عنها (من علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قاله لما خطبها غيره كأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فرده وزوجه إياها والمختار أنه زوجها في غيبته فلما جاء أخبره بأن الله أمره بذلك فقال رضيت ، ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء لمن شاء واختلف في صداقها كيف كان قال المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى يشبه أن يكون عقد فاطمة على علي رضي الله عنهما وقع على الدرع وبعث بها علي ثم ردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين الحديثين الواردين في ذلك تضاد وقد ذهب إلى مدلول كل منهما قائل به فقال بعضهم كان مهرها الدرع ولم يكن إذ ذاك لا بيضا ولا صفرا وقال بعضهم كان أربعمائة وثمانين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب . تنبيه : أخذ بعضهم من هذا الخبر أن نكاح القرابة القريبة ليس خلاف الأولى كما يقول الشافعية ، وأجيب بأن عليا
[ 272 ]
كرم الله وجهه قريب بعيد إذا المراد بالقرابة القريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة ، وفاطمة رضي الله تعالى عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية وأما الجواب بأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يكن إذ ذاك كفؤا لفاطمة سواه فمطعون فيه بأن أباه كافر وأبوها سيد البشر (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي رجاله ثقات . 1694 - (إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة) بالفتح والتخفيف مؤنث طيب بالفتح لغة في طيب بكسر الطاء الرائحة الحسنة أو صاحبها أو تخفيف الطيب تأنيث الطيب بالفتح والتشديد أي الطاهرة التربة أو من النفاق أو من الشرك ، سماها بذلك لأنه سبحانه طيبها بهجرته إليها وجعلها محل نصرته وموضع تربته ولها أسماء كثيرة قال ابن القيم ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة وإنما حكاه الله عن المنافقين (طب عن جابر بن سمرة) . 1695 - (إن الله أمرني بمداراة الناس (1) أي بملاطفتهم وملاينتهم ومؤاخاتهم والتحبب إليهم ، ويهمز ولا يهمز ، والأمر للوجوب بدليل قوله (كما أمرني بإقامة الفرائض) وفي رواية بدله القرآن أي أمرني بملاطفتهم قولا وفعلا والرفق بهم وتألفهم ليدخل من يدخل منهم في الدين ويتقي المسلمون شر من قدر عليه الشقاء ، ومن ثم قال حكيم هذا الأمر لا يصلحه إلا لين من غير ضعف وشدة من غير عنف وهذه هي المداراة أما المداهنة وهي بذل الدين لصلاح الدنيا فمحرمة مذمومة ، وعلم مما تقرر أن أمره بالمداراة لا يعارض أمره بالإغلاظ على الكفار وبعثه السيف لأن المداراة تكون أولا فإن لم تفد فالإغلاظ فإن لم يفد فالسيف (فر عن عائشة) وفيه أحمد بن كامل أورده الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني كان متساهلا وبشر بن عبيد الدارمي قال الذهبي ضعيف جدا وقال في الميزان بشر بن عبيد كذبه الأزدي وقال ابن عدي منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر . 1696 - (إن الله أنزل الداء والدواء) أي ما أصاب أحد داء إلا قدر له ، شفاء قال الحرالي والداء ما يوهن القوى ويغير الافعال العامة للطبع والاختيار ، والبرء تمام التخلص من الداء والمراد بإنزاله (1) وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فبلغ في المداراة النهاية التي لا ترتقى ، وبالمداراة واحتمال الأذى يظهر الجوهر النفسي ، وقد قيل لكل شئ جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل المداراة فما من شئ يستدل به على قوة عقل الشخص ووفور علمه وحلمه كالمداراة ، والنفس لا تزال تشمئز ممن يعكس مرادها ويستفزها الغضب وبالمداراة تنقطع حمية النفس ويرد طيشها ونفورها . (*)
[ 273 ]
إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل لكل داء دواء) أي خلق ذلك وجعله شفاء يشفي من الداء وحكمة تعلق الأسباب بالمسببات لا يعلم حقيقتها إلا عالم الخفيات (فتداووا) ندبا أمر بالتداوي لمن أصابه مرض ، أما السليم فلا ينبغي له التداوي (1) لأن الدواء إذا لم يصادف داء ضر قال الطيبي وقوله فتداووا مطلق له شيوع فلذلك قال : (ولا تداووا بحرام) (2) يعني أنه تعالى خلق لكل داء دواء حراما كان أو حلالا فلا تداووا بالحرام أي يحرم عليكم ذلك (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) فالتداوي بمحرم محرم والأصح عند الشافعية حل التادوي بكل نجس إلا الخمر والخبر موضعه إذا وجد دواء طاهرا يغني عن النجس جمعا بين الأخبار (فائدة) أخرج حميد بن زنجوية أن أناسا جاؤوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأنصار فقالوا إن أخانا استسقى بطنه أفتأذن لنا أن نداويه قال بماذا قال يهودي هنا يشق بطنه فكره ذلك وقال لا آذن ، حتى جاؤوه مرتين أو ثلاثا وفي كل ذلك يأبى حتى قال افعلوا فدعوا له اليهودي فشق بطنه ونزع منه فرخا عظيما ثم غسل بطنه ثم خاطه ثم داواه فصح وبرئ ، فرآه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مار بالمسجد فقال أليس ذلك بفلان قالوا بلى فقال ادعوه إلي فنظر إلى بطنه فوجده قد صح فقال : إن الذي خلق الداء جعل له دواء إلا السام (د) في الطب (عن أبي الدرداء) قال الصدر المناوي فيه إسماعيل بن عياش وفيه مقال . 1697 - (إن الله تعالى أنزل بركات) أي كرامات (ثلاثا) من السماء كما في رواية وهي (الشاة والنخلة والنار) سماها بركات وساقها في معرض الامتنان لان الشاة عظيمة النفع في الدر والنسل وتلد الواحدة اثنين وثلاثا بل وأربعا في بطن وثمر النخل هو الجامع بين التلذذ والتغذي وبذلك تميز عن سائر الفواكه . والنار لا بد منها لقيام نظام هذا العالم (طب عن أم هانئ) قالت : دخل (ص) فقال : مالي لا أرى عندك من البركات شيئا ؟ قلت : وأي بركات تريده فذكره قال الهيثمي وفيه النضر بن حميد وهو متروك . 1698 - (إن الله أؤحى إلي) وحي إرسال وزعم أنه وحي إلهام خلاف الاصل والظاهر بلا (1) أي لأن الدواء إذا لم يجد في البدن ما يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث بالصحة وعبث بها في الإفساد والتحقيق أن الأدوية من جنس الأغذية فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي فأمراضهم قليلة جدا وطبهم بالمفردات ، ومن غالب أغذيتهم مركبات كأهل المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة أو سبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة وهذا برهان بحسب الضيافة الطبية . (2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها على أنه لا يجوز التداوي بمحرم ولا بشئ فيه محرم كألبان الإتن واللحوم المحرمات والترياق . (*)
[ 274 ]
دليل والوحي إعلام في خفاء (أن) أي بأن (تواضعوا) بخفض الجناح ولين الجانب وأن مفسرة (حتى لا يفخر أحد) منكم (على أحد) بتعدد محاسنه كبرا ورفع قدر نفسه على الناس تيها وعجبا (1) قال ابن القيم والتواضع انكسار القلب لله (2) وخفض جناح الذل والرحمة للخلق حتى لا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا بل والحق له . والفخر ادعاء العظم قال الطيبي وحتى هنا بمعنى كي (ولا يبغي) بنصبه عطفا على تواضعوا أي لا يجوز ولا يتعدى (أحد) منكم (على أحد) ولو ذميا أو معاهدا أو مؤمنا ، والبغي مجاوزة الحد في الظلم قال الطيبي المراد أن الفخر والبغي شحناء الكبير لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق منزلته فلا ينقاد لأحد ، قال المجد ابن تيمية نهى الله على لسان نبيه عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر أو بغير حق فقد بغى فلا يحل هذا ولا هذا فإن كان الإنسان من طائفة فاضلة كبني هاشم أو غيرهم فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه والنظر إليها فإنه مخطئ ، إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش ، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عند الفضل فضلا عن استعلائه بهذا واستطالته به . وأخذ منه أنه يتأكد للشيخ التواضع مع طلبته * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * [ الشعراء : 215 ] وإذا طلب التواضع لمطلق الناس فكيف لمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة لكن لا يتواضع معهم مع اعتقاد أنهم دونه فقد قال ابن عطاء الله رضي الله عنه من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا فالتواضع لا يكون إلا عن رفعة مع عظمة واقتدار ، ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع اه (م د ه عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتية وآخره معجمة (بن حمار) بكسر المهملة وخفة الميم المجاشعي تميمي عد في البصريين له وفادة وعاش إلى حدود الخمسين . 1699 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ، ولا يبغي بعضكم على بعض . [ الحديث بدون شرح . انظر شرح الحديث السابق ] . 1700 - (إن الله أيدني) أي قواني والتأييد التقوية منه * (والسماء بيناها بأيد) * [ الذاريات : 17 ] أي بقوة (بأربعة وزراء) قبل من هؤلاء الاربعة يا رسول الله ، قال : (اثنين من أهل (1) قال أبو زيد : ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر قال بعضهم رأيت في المطاف إنسانا بين يديه شاكريه يمنعون الناس لأجله عن الطواف ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يسأل الناس فعجبت منه فقال إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فابتلاني الله بالذل في موضع ترتفع فيه الناس وقال بعضهم : الشرف التواضع ، والعز في التقوى ، والحرية في القناعة . (2) وقيل التواضع في الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم من الحاكم ، وقيل قبول الحق ممن قاله صغيرا أو كبيرا ، شريفا أو وضيعا ، حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى . (*)
[ 275 ]
السماء ، جبريل وميكائيل ، واثنين من أهل الأرض ، أبي بكر وعمر) فأبو بكر رضي الله عنه يشبه بميكائيل عليه السلام للينه ورأفته ، وعمر رضي الله عنه يشبه بجبرائيل عليه السلام لشدته وصلابته في أمر الله ، وناهيك بها منزلة للشيخين قامعة للرافضة ، قاصمة ظهورهم ، ناعية عليهم (طب حل) وكذا الخطب كلهم (عن ابن عباس) وفيه عندهم محمد بن محبب الثقفي قال الخطيب سئل عنه ابن معين فقال كذابا عدو الله . 1701 - (إن الله تبارك وتعالى بارك ما بين) أي فيما بين (العريش) على وزن فعيل مدينة بالشام على البحر الرومي ، حده عرضا من مدينة برقاء التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على ساحل بحر القلزم وينسب إلى مصر وقيل إن حد مصر ينتهي إليه (والفرات) بضم الفاء وتخفيف الراء النهر المشهور الذي هو أحد أنهار الجنة ويكفي في حقه شرفا هذا الخبر والخبر الآتي أنه ينزل فيه كل يوم مثاقيل من الجنة (وخص فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة وكسر الطاء ، ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام فيها عدة مدن ، منها بيت المقدس والرملة وعسقلان ذكره السمعاني ، وقال ابن الأثير كورة معروفة ما بين الأردن وديار مصر وأم بلادها بيت المقدس (بالتقديس) أي بالتطهير لبقعتها لأنها أول بلادها أو قاعدتها وتحتها بيت المقدس (ابن عساكر) في تاريخه (عن زهير بن محمد) ابن قمير المروزي ، قال البغوي ما رأيت ببغداد بعد أحمد أفضل منه (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك . 1702 - (إن الله بعثني) أرسلني (رحمة مهداة) للمؤمنين وكذا الكفار بتأخير العذاب ، والهداية ما تبعث على وجه الإكرام ونحوه (بعثت برفع قوم) بالسبق إلى الإيمان وإن كانوا من ضعفاء العباد (وخفض آخرين) وهم من أبى واستكبر وإن بلغ من الشرف المقام الأفخر لكنه لم ينجع فيه الآيات والنذر بمعنى أنه يضع قدرهم ويذلهم باللسان والسنان وكان عنده مزيد الرحمة للمؤمنين ، وغاية الغلظة على الكافرين ، فاعتدل فيه الإنعام والانتقام ولم يكن له همة سوى ربه فعاشر الخلق بخلقه وباينهم بقلبه (تنبيه) قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه : إن العقل يستقل بنفسه في أمر وفي أمر لا يستقل ، فلا بد من موصل إليه مستقل فلذلك بعثت الرسل وهم أعلم الخلق بالغايات والسبل (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب . 1703 - (إن الله بنى الفردوس) أي جنته وأصله بستان فيه شجر ملتف غالبه عنب جمعه فراديس
[ 276 ]
رومي معرب (بيده) تأمل هذه المناسبة كيف جعل الجنة التي بناها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل سلالته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه بيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره فهذه الجنة في الجنان كآدم عليه السلام في نوع من الحيوان (وحظرها) أي منعها وحرم دخولها (على كل مشرك) يعني كافر بأي كفر كان وخص المشرك لغلبة الإشراك في العرب (وعلى كل مدمن خمر سكير) بالكسر والتشديد أي كل ملازم للخمر مداوم عليها مبالغ في تعاطي ما يسكره ولا حاجة لتنزيله هنا على المستحل لأن الجنان كثيرة زلا مانع من حرمانه لأعلاها (هب وابن عساكر) في تاريخه عن (أنس) وفيه أي عند البيهقي عبد الرحمن بن عبد الحميد قال الذهبي في الضعفاء قال ابن يونس أحاديثه مضطربة ويحيى بن أيوب ، فإن كان الغتافقي فقد قال النسائي وغيره غير قوي أو البلخي فضعفه ابن معين . 1704 - (إن الله تجاوز) أي عفا من جازه يجوزه إذا تعداه وعبر عليه (لأمتي) أمة الإجابة وفي لفظ رواية البخاري تجاوز لي عن أمتي (عما) وفي رواية لمسلم ما (حدثت) في رواية للبخاري وسوست (به أنفسها) وفي رواية له صدورها مع أنفسها قال النووي رحمه الله عقب إيراده هذا الحديث قال العلماء المراد به الخواطر التي لا تستقر قالوا وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره فمن خطر له الكفر مجرد خطور من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شئ عليه اه ، وقوله أنفسها رفع على الفاعلية أي قلوبها قيل وهو أصوب ويدل عليه حديث إن أحدنا يحدث نفسه بل قال القرطبي إنه الرواية أي لم يؤاخذهم بما يقع في قلوبهم من القبائح قهرا وقال الأكمل أنفسها بالرفع والنصب والرفع أظهر والنصب أشهر ووجهه محادثة المرء نفسه المسماة عند البلغاء بالتجريد (1) (ما لم تتكلم به) أي في القوليات باللسان على وفق ذلك (أو تعمل به) في العمليات بالجوارح كذلك ، وفي رواية لمسلم ما لم يتكلموا به أو يعملوا به أي فيؤاخذوا حينئذ بالكلام أو بالعمل فقط ، ويحتمل أن يؤاخذوا به وبحديث النفس أيضا وعليه السبكي في الحلبيات وإذا لم يحصل كلام ولا عمل فلا مؤاخذة بحديث النفس ما لم يبلغ حد الجزم وإلا أوخذ به حتى لو عزم على ترك واجب أو فعل محرم ولو بعد سنين أثم حالا وقال ابن العربي رضي الله تعالى عنه خلق الله القلوب سيالة مطربة على الخواطر ميالة إلى كل طارئ عليها حاضرا أو غائبا ، محالا أو جائزا ، حقا أو باطلا ، معقولا أو متخيلا ، ولله الحكمة البالغة ، والحجة الغالبة ، ثم عطف بفضله فعفى عن كل ما يخطر للمرء بقلبه ، حتى يكون به مرتبطا وعليه عازما ، فحينئذ يكون به نفسه متكلما وهو الكلام الحقيقي ، فإن خالفه القول كان هذيانا اه . وفيه أن المجاوزة خصوصية لهذه الأمة ، وأنه إذا حدث نفسه بطلاق ولم ينطق به لا يقع ، (1) وفي العلقمي قلت والذي تحصل عندي من مجموع كلامهم أن الهاجس والخاطر لا يؤاخذ بهما وأما حديث النفس والهم فإن صحبهما قول أو فعل يؤاخذ بهما وإلا فلا وهذا هو الذي ينبغي اعتماده بل هو الوجه الذي لا يعدل عنه إلى غيره وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم اه . (*)
[ 277 ]
وعليه الشافعي رضي الله تعالى عنه خلافا لمالك وأنه لو عزم على الظهار فلا كفارة وأنه لو حدث نفسه في صلاته لم تبطل وغير ذلك (ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمران بن حصين) بالتصغير وفيه من طريق الطبراني المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي . 1705 - (إن الله تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي الخطأ) أي عن حكمه أو عن إثمه أو عنهما ، وهو أقرب لفقد المرجح وعموم التناول ولا ينافيه ضمان المخطئ للمال والدية ووجوب القضاء على المصلي محدثا أو يحدث ناسيا وإثم المكره على القتل لخروجها بدليل منفصل والمراد بالخطأ ضد العمد وهو أن يقصد شيئا فيخالف غير ما قصد لا ضد الصواب خلافا لزاعمه لأن تعمد الإثم يسمى خطئا بالمعنى الثاني ولا تمكن إرادته هنا ولفظه يمد ويقصر (والنسيان) بكسر النون ضد الذكر والحفظ ويطلق على الترك وليس مرادا هنا (وما استكرهوا) أي الأمة وذكره نظرا للمدلول لا للفظ (عليه) أي حملوا على فعله قهرا وشرطه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به مما يؤثر العاقل الإقدام على المكره عليه والمراد رفع الإثم وفي ارتفاع الحكم خلف والشافعي في الجمهور على الارتفاع (ه عن أبي ذر) الغفاري (طب ك) كلاهما (عن ابن عباس) وقال الحاكم صحيح على شرطهما (طب عن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسنده كما قال الهيثمي فالإسناد الأول صحيح دون الثاني . 1706 - (إن الله تصدق) بفتح الصاد شد الدال (بفطر رمضان) أي يتعاطى المفطر فيه نهارا ترخيصا (على مريض أمتي) أي مرضا يشق معه الصوم لحاجته للدواء والغذاء بحسب تداعي جسمه فكان فطره رخصة لموضع تداويه واغتذائه (ومسافرها) (1) لما يحتاجه المسافر من اغتذائه لوفور نهضته في عمله في سفره ولئلا يجتمع عليه كلفتان فتتضاعف عليه المشقة * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * [ الحج : 78 ] (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وهو حسن . 1707 - (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم) أي مكنكم من التصرف فيها حالتئذ بالوصية وغيرها فتصح الوصية بالثلث ولو مع وجود وارث خاص ومخالفته (وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم) فأجر الوصية بذلك من أعمال الميت التي يثاب عليها إن قبلت ، وأخذ جمع من مخاطبة الصحب بذلك وجعله زيادة في العمل أنه خاص بالمسلمين لاختصاصهم بزيادة الأعمال ومذهب (1) أي سفرا يباح فيه قصر الصلاة فيباح لكل منهما الفطر مع وجوب القضاء لكن المسافر بعد تلبسه بالصوم فلا يباح الفطر في اليوم الاول إلا إن تضرر اه . (*)
[ 278 ]
الشافعية خلافه ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أن له أن يوصي بالتصدق بجميع ماله في سائر أحواله من غير حرمة ولا كراهة لأنه لا يورث كسائر الأنبياء (ه عن أبي هريرة) وفيه حفص بن عمر الأيلي قال ابن عدي أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وساق هذا منها (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي وفيه عتبة بن أحمد الضبي وثقه ابن حبان وضعفه أحمد (وعن أبي الدرداء) وكذا رواه عنه أحمد والبزار قال الهيثمي وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط انتهى وساق الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث ثم قال وإسناده ضعيف . 1708 - (إن الله جعل الحق) يعني أجراه (على لسان عمر) فكان كالسيف الصارم والحسام القاطع ، قال الطيبي جعل بمعنى أجرى فعداه بعلى وفيه معنى ظهور الحق واستعلانه على لسانه ، ووضع جعل موضع أجراه إيذانا بأن ذلك كان خلقيا ثابتا لازما مستقرا (وقلبه) فكان الغالب على قلبه جلال الله فكان الحق معتمله حتى يقوم بأمر الله وينفذ بقاله وحاله وفاء بما قلده الله الخلق من رعاية هذا الدين الذي ارتضاه لهم ومن ثم جاء في خبر إن غضبه عز ورضاه حكم وذلك لأن من غلب على قلبه سلطان الحق فغضبه للحق عز للدين ورضاه عدل لأن الحق هو عدل الله فرضاه بالحق عدل منه على أهل ملته ومعنى رضاه حكم أنه إذا رضي رضي للحق . قال القاضي والحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يعم الأعيان الثابتة والأخلاق الصائبة والأقوال الصادقة ، من حق الأمر إذا ثبت ، ومنه ثوب محقق محكم النسج (ه حم ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح اه . وقال المناوي رضي الله عنه فيه عنده يعني الترمذي خارجة بن عبد الله ضعفه أحمد (حم د ك) في فضائل الصحب وصححه (عن أبي ذر) الغفاري لكن لفظ رواية هؤلاء الثلاثة من حديث أبي ذر هذا يقول به بدل قوله وقلبه كما قاله ابن حجر في الفتح فإطلاق عزو المؤلف لهم غير قويم (ع ك) في الفضائل (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي (طب عن بلال) بن رباح بفتح الراء وخفة الموحدة العبد الحبشي المؤذن أسلم فعذب فاشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه قال الهيثمي فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط (وعن معاوية) بن أبي سفيان ، قال الهيثمي فيه ضعفاء سليمان الشاذكوني وغيره . 1709 - (إن الله جعل) لفظ رواية أحمد والطبراني ضرب (ما يخرج من ابن آدم) من البول والغائط (مثلا للدنيا) قال الزمخشري : معناه أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه فإنه لا محالة عائد إلى حال يستقذر فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ونظم أسبابها راجعة
[ 279 ]
إلى خراب وإدبار اه . وقال الديلمي هذا كناية عن البول والغائط يعني ما يخرج منه كان قبل ذلك ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا فصارت عاقبته ما ترون فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى انتهى . فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت إلى المعدة غايتها وكما أن في الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وحلاوة كان رجيعها أقذر فكذا كل شهوة في النفس ألذ وأقوى فالتأذي بها عند الموت أشد كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب وقد كان بعض الصوفية يقول لصحبه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب إلى المزابل فيقول انظروا إلى ثماركم ودجاجكم وسكركم (حم طب هب عن) أبي سعيد (الضحاك بن سفيان) بن عوف بن كعب الكلابي صحابي معروف من عمال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طعامك قلت اللحم واللبن قال ثم يصير إلى ماذا قال إلى ما قد علمت فذكره قال الهيثمي كالمنذري رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح غير علي بن جدعان وقد وثق انتهى والضحاك بن سفيان في الصحب اثنان فكان ينبغي تمييزه . 1710 - (إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا وما بقي منها إلا القليل كالثغب) بمثلثة مفتوحة وغين معجمة ساكنة الغدير الذي قل ماؤه (شرب صفوه وبقي كدره) يعني أن مثل الدنيا كمثل حوض كبير ملئ ماء وجعل موردا للأنام والأنعام فجعل الحوض ينقص على كثرة الوارد حتى لم يبق منه إلا وشل كدر في أسفله بالت في الدواب وخاضت فيه الأنعام فالعاقل لا يطمئن إلى الدنيا ولا يغتر بها بعد ما اتضح له أنها زائلة مستحيلة وأنه قد مضى أحسنها وأنها وإن ساعدت مدة فالموت لا محالة يدرك صاحبها ويخترمه (ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 1711 - (إن الله جعل هذا الشعر) أي الإشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمه ويجعل ذلك علامة تعرف أنها هدى (نسكا) أي من مناسك الحج (وسيجعله الظالمون نكالا) ينكلون به الأنعام بل الأنام يقال نكل به تنكيلا أي جعله عبرة لغيره وما فهمه البعض من أن المراد شعر الرأس وأن المراد يجعل الظالمين له نكالا أي بحلقه فباطل لأن النسك هو حلق بعض الرأس وليس حلقها نكالا (ابن عساكر) في التاريخ (عن) الإمام العادل (عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه الخليفة الأموي (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وفيه مع إرساله ضعف .
[ 280 ]
1712 - (إن الله جعل لكل نبي شهوة) أي شيئا يحبه (وإن شهوتي في قيام هذا الليل) أي في الصلاة فيه وهو التهجد (إذا قمت) إلى الصلاة فيه (فلا يصلين أحد خلفي) أي فإن التهجد واجب علي دونكم وبهذا أخذ جمع جم فعدوا من خصائصه من الواجبات عليه التهجد والأصح أنه كان كذلك ثم نسخ (وإن الله جعل لكل نبي) من الأنبياء (طعمة) بالضم أي رزقا (وإن طعمتي) جعلها الله (هذا الخمس) من الفئ والغنيمة (فإذا قبضت) بالبناء للمجهول أي قبضني الله أي أماتني (فهو) أي الخمس (لولاة الأمر من بعدي) جمع وال وهو من ولي أمورهم من الخلفاء فمن دونهم وقد سبق تقريره موضحا (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه وإسحاق لينه أبو حاتم وأبوه وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وغيره . 1713 - (إن الله جعل للمعروف) أي لأجل القيام به ونشره في العالم وهو اسم جامع لما عرف من الطاعات وندب من الإحسان (وجوها) أي جماعات فكنى بالوجه عن الذات كما في قوله تعالى : * (ويبقى وجه ربك) * [ الرحمن : 27 ] (من خلقه) أي الآدميين بقرينة قوله : (حبب إليهم المعروف) أي جبلهم عليه (وحبب إليهم فعاله) بكسر أوله أي أن يفعلوه مع غيرهم (ووجه طلاب) بالتشديد جمع طالب (المعروف إليهم) أي إلى قصدهم وسؤالهم لهم في فعله معهم (ويسر عليهم إعطاءه) أي سهل عليهم وهيأ لهم أسبابه (كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة) بجيم فدال مهملة اليابسة (ليحييها) فتخرج نباتها بإذن ربها (ويحيي بها (1) أهلها) أي بما تخرج من النبات (وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه) فهم بصدد منعه ما استطاعوا وعلى كل خير مانع (بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر) بالتشديد من الحظر وهو المنع والحرمان (عليهم إعطاءه) أي منعه عنهم وكف يدهم عنه وعسر عليهم أسبابه (كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك أهلها بها) بعدم النبات ووقوع القحط ، ويستفاد منه أن الله تعالى جعل هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وقد جعل الله النفس مبدأ كل شئ أبداه في ذات ذي النفس فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ولا يجري الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة لله على خلقه (وما (1) وفي نسخ به والظاهر رجوع الضمير للغيث لكن رجعه المناوي بها على حذف مضاف أي بنباتها . (*)
[ 281 ]
يعفو) الله (أكثر) أي أن الجدب يكون بسبب بغضهم للمعروف وشحهم وغير ذلك من أعمالهم القبيحة وأعمالهم الرديئة ونياتهم الخبيثة ومع ذلك فالذي يغفره الله لهم أكثر وأعظم مما يؤاخذهم به * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة) * [ النحل : 61 ] (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي في كتابه الذي ألفه في فضل قضائها (عن أبي سعيد) الخدري وفيه عثمان بن سماك عن أبي هارون العبدي قال في اللسان عن العقيلي حديثه غير محفوظ وهو مجهول بالنقل ولا يعرف به ، وقال الزين العراقي رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي هارون عنه وأبو هارون ضعيف ورواه الحاكم من حديث علي وصححه انتهى ورواه أيضا أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي من حديث أبي باللفظ المزبور . 1714 - (إن الله تعالى جعل السلام) بفتح السين المهملة (تحية لأمتنا) أمة الإجابة قال ابن حجر رحمه الله تعالى فيه دلالة على أن السلام شرع لهذه الأمة دون من تقدمهم لكن يجئ في حديث خلق آدم أته تحيته وتحية ذريته (وأمانا لأهل ذمتنا) لأن معنى السلام عليك سلامة لك مني وأمان ذكره القرطبي وسببه قال محمد بن زياد الألهاني كان أبو أمامة يسلم على كل من لقيه فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة اختبأ خلف اسطوانة فخرج فسلم عليه فقال أبو أمامة ما حملك على ذلك قال : رأيتك تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به فقال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر قالت طائفة منهم ابن وهب وعون يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام استدلالا بهذا ونحوه ولقوله تعالى : * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) * [ الممتحنة : 8 ] وقول إبراهيم عليه السلام لأبيه سلام عليك ولآية * (فاصفح عنهم وقل سلام) * [ الزخرف : 89 ] وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة هذا رأي أبي أمامة ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن ابتدائهم أولى انتهى . والجمهور على عدم جواز ابتدائهم به وحمل بعضهم المنع على ما إذا كان ابتداؤهم لغير سبب ولا ضرورة والجواز على اختياره قال النووي رضي الله عنه إذا اضطر إلى السلام بمن خاف ترتيب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم ، قال ابن العربي رضي الله عنه وينوي حينئذ أن السلام اسم من أسماء الله فكأنه يقول هو رقيب عليكم (1) (طب) وكذا في الأوسط (هب) كلاهما (عن أبي أمامة) قال الهيثمي وفيه عندهما بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وغيره . (1) وكان نفطويه يقول إذا سلمت على ذمي فقلت أطال الله بقاءك وأدام سلامتك فإنما أريد الحكاية أي إن الله فعل به ذلك إلى هذا الوقت .
[ 282 ]
1715 - (إن الله جعل البركة) أي الزيادة والنماء (في السحور) أي في أكل الصائم وقت السحر بنية التقوي على الصوم (والكيل) أي في ضبط الحبوب وإحصائها بالكيل كما يفسره خبر كليوا طعامكم يبارك لكم فيه وذكر الغزالي رحمه الله تعالى وتبعه المؤلف أن الدابة ينبغي أن تعلف مكيلا فإنها تنمو وتزيد (الشيرازي) الحافظ محمد بن منصور (في) كتاب (الألقاب) له (عن أبي هريرة) . 1716 - (إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل) أي يقتل بعضهم بأيدي بعض مع دعائهم إلى كلمة التقوى واجتماعهم على الصلاة وجعل القتل كفارة لما اجترحوه كما بينته أخبار أخرى (حل) من حديث أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي عن عبد الرحمن بن صالح عن أبي بكر بن عياش عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد الأنصاري) قال أبو بردة كنت عند زياد فجعلت الرؤوس تأتيه فأقول إلى النار فقال عبد الله أو لا تدري يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال أبو نعيم غريب تفرد به ابن عياش عن أبي الحصين . 1717 - (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه) أي في ظهره (وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (1) قال الزمخشري الذرية من الذر بمعنى التفريق لأن الله تعالى ذرهم في الأرض أو من الذرء بمعنى الخلق فهو من الأول فعلية أو فعولة ذرورة قلبت الراء الثالثة ياء ومن الثاني فعولة أو فعيلة وهي نسل الرجل وقد أوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ومنه قول عمر حجوا بالذرية (طب عن جابر) قال الهيثمي فيه يحيى بن العلاء وهو متروك وقال ابن الجوزي قال أحمد يحيى بن العلاء كذاب يضع وقال الدارقطني أحاديثه موضوعة اه . وذكر في الميزان نحوه في ترجمة العلاء وأورد له أخبارا هذا منها (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه ابن المرزبان قال ابن الكاتب كذاب ومن فوقه إلى المنصور ما بين مجهول وغير موثوق به انتهى وفي الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب لا يدري من ذا وخبره كذب رواه الخطيب ثم ساق هذا الخبر . (1) أي جعل أولاده من فاطمة دون غيرها فمن خصائصه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه اه . (*)
[ 283 ]
1718 - (إن الله جعلها) يعني زوجتك (لك لباسا وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم) يعني زوجاتي تحل لهم مني ويحل لي رؤيتها فلا ينافي قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما رأيت منه ولا رأى مني ولما كانت المرأة والرجل يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلا منهما يستر صاحبه ويمنعه من الفجور (ابن سعد) في الطبقات (طب عن سعد بن مسعود) صوابه ابن محيصة بن مسعود الأنصاري قال الذهبي له ذكر وصحبة وفي التقريب قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة اه . فالحديث مرسل . 1719 - (إن الله جعلني عبدا كريما) أي متواضعا سخيا (ولم يجعلني جبارا) أي مستكبرا متمردا عاتيا (عتيدا) أي جائرا عن القصد مع العلم به (د ه) في الأطعمة (عن عبد الله بن بسر) بسين مهملة له ولأبيه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة قد أثرد فيها فالتقوا عليها فلما كثروا جثى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة فذكره ثم قال كلوا من جوانبها وذروا ذروتها يبارك فيها انتهى . فهذا بقية المتن كما هو عند مخرجه أبي داود وابن ماجه قال النووي في رياضه إسناده جيد وقال غيره رواته ثقات . 1719 - (إن الله تعالى جميل) له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من كل وجه ويحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإنه من لوازم كماله وهو وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء جواد يحب الجود قوي يحب القوي فالمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي يحب أهل الحياء والوفاء شكور يحب الشاكرين صدوق يحب الصادقين محسن يحب المحسنين إلى غير ذلك (تنبيه) قال ابن عربي رضي الله عنه الجمال نعت إلهي ونبه بقوله جميل على أنا نحبه فانقسمنا فمنا من نظر إلى جمال الكمال وهو جمال الحكمة فأحبه في كل شئ لأن كل شئ محكم وهو صنعة حكيم ومنا من لم يبلغ هذه الرتبة وماله علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد الموقوف على الغرض وهو في الشرع موضع قوله
[ 284 ]
اعبد الله كأنك تراه فجاء بكاف التشبيه فمن لم يصل فهمه إلى أكثر من الجمال المقيد قيده به فأحبه لكماله ولا حرج عليه لإتيانه بالمشروع على قدر وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فبقي حبه تعالى للجمال وهي رتبة أهل الكمال فأحبه في كل شئ فإن العالم خلقه الله في غاية الأحكام والإتقان كما قال حجة الإسلام ليس في الإمكان أيدع مما كان فالعام جمال الله وهو الجميل المحب للجمال فمن أحب العالم بهذا النظر فما أحب إلا جمال الله إذ جمال الصنعة لا يضاف إليها بل إلى صانعها (م) في الإيمان (ت) في البر (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس هكذا سياق مسلم والترمذي (طب عن أبي أمامة) الباهلي (ك عن ابن عمر) ابن الخطاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عمر) قال ابن مسعود قلت يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحلة الحسنة فذكره ، قال الحاكم احتجا بروايته وأقره الذهبي وقد وهم أعني الحاكم في استدراكه . 1721 - (إن الله جميل) أي جميل الذات والأفعال كما تقرر ، قال الزمخشري والعرب تصف الشئ بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زيا وإنفاقا وشكرا لله تعالى فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة (فإن قلت) ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب في حديث (قلت) قد يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ولكل مقام مقال وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه ويلبس الثياب الفاخرة وفوقها فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه ، وما كان لكم أبديناه ، ثم رأيت الغزالي رضي الله تعالى عنه قال (فإن قلت) فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب ، وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب أهو من الكبر فقال : لا فكيف الجمع فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شئ حتى في خلوته وحتى في ستور داره ، فليس ذلك من الكبر ، فقول عيسى هو من خيلاء القلب يعني يورث ذلك ، وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليس من الكبر يعني الكبر لا يوجبه ويجوز أن يكون منه فالأحوال تختلف (هب عن أبي سعيد) الخدري وفيه
[ 285 ]
أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وسبق أنه وضاع ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور قال الهيثمي وفيه عطية الصوفي ضعيف وقد وثق . 1722 - (إن الله جميل يحب الجمال ، سخي يحب السخاء ، نظيف يحب النظافة) لما سبق أن من تخلق بشئ من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى كان محبوبا له مقربا عنده وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا ، وقد صرح الفقهاء بأن نحو الزيات والقصاب وغيرهما من الدنسة ثيابهم يكونون في أخريات المسجد ندبا . قال الفاكهي وقد كانت ثياب شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف رضي الله عنه في غاية النقاء والنظافة والبياض إلى حد لا يبلغه ثياب الملوك في عصره كأنه مع ثيابه قطعة نور والنظافة مما تزيد في العين مهابة ، وفي القلب جلالة ، وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلا وعرفا ، ويكاد يذم شرعا سول الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك ، لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن ، ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها قيل لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يقمل ثوبه (فإن قلت) ما سبب تعبيره في هذه الثلاثة بالجمال دون الحسن (فالجواب) أن الحسن إنما يوصف به ما كان مفردا نحو خاتم حسن فإذا اجتمع من ذلك جمل وصف صاحبها بالجمال فالحسن يتعلق بالمفردات والجمال بالمركبات الجمليات ذكره السهيلي وغيره (عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . 1723 - (إن الله جواد) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء (يحب الجود) الذي هو سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق وهو يقرب من معنى الكرم والجود يكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء بالدنيا والسماح (ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) أي رديئها وحقيرها وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي ومن إعظام إجلال الله عز وجل إكرام ثلاثة : الإمام المقسط ، وذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا المغالي فيه اه بحروفه (هب) من حديث الحجاج بن أرطأة عن سليمان بن شحيم (عن طلحة بن عبيد الله) بن كريز قال الزين العراقي هذا مرسل اه . ولعل المصنف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم فكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتضاء كلامه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل تعقبه بما نصه في هذا الإسناد انقطاع بين سليمان وطلحة اه . والحجاج بن أرطأة ضعفوه (حل عن ابن عباس) مرفعا وقال ابن الجوزي لا يصح .
[ 286 ]
1724 - (إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب (1) فيه دلالة جلية على أن لبن الفحل يحرم وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه (ت) في النكاح وقال حسن صحيح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال : يارسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش ؟ فقال : أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة ثم ذكره ، وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا له إلا الترمذي مع أن الشافعي رضي الله تعالى عنه خرجه بل عزاه في المنضد شرح المجرد لمسلم وللنسائي معا اه والله أعلم . 1725 - (إن الله حرم الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين (على كل) إنسان مرائي لإحباطه عمله وإضراره بدينه بشغله نفسه برعاية من لا يملك له بالحقيقة ضرا ولا نفعا فما دام أهل الرياء متلطخين بدنسه في كير التطهير حتى تنقى أوساخهم وأدرانهم ومن ثم كان السلف يعملون أعمال البر ويخافون أن لا تقبل منهم ويحافظون على استدامة إخلاص النية . قال الشريف السمهودي كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر الشرف المناوي إذا أخرج إلى دهليزه ذاهبا للدرس يقف حتى يخلص النية ويستحضرها خوفا من الرياء ثم يخرج وكان كثير ما ينشد : لئن كان هذا الدمع يجري صبابة * * على غير ليلى فهو دمع مضيع ثم يبكي بكاءا شديدا وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجيه أبي نعيم والديلمي معا ليس البر في حسن اللباس والزي ولكن البر السكينة والوقار (حل فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه سليمان بن أبي داود الحرالي قال الذهبي ضعفوه . 1726 - (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات (2) خصهن وإن كان عقوق الآباء عظيما لأن عقوقهن أقبح أو إليهن أسرع أو لغير ذلك فهو من تخصيص الشئ بالذكر إظهارا لعظم موقعه ، والعقوق صدور ما يتأذى به من قول أو فعل غير معصية ، قال ابن حجر ما لم يتعنت الأصل وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وندبا وندبها في المندوبات (ووأد) بفتح الواو وسكون (1) والتحريم بالرضاع له شروط مذكورة في كتب الفقه منها كون ذلك خمس رضعات وكون الطفل لم يبلغ حولين وكون اللبن انفصل من أنثى بلغت تسع سنين قمرية تقريبا . (2) العقوق بالضم من العق يقال عق والده إذا آذاه وعصاه وهو ضد البر والمراد به صدور ما يتأذى به الاصل من فرعه من قول أو فعل اه . (*)
[ 287 ]
الهمزة دفن (البنات) أحياء حين يولدن وكان أهل الجاهلية يفعلونه كراهة فيهن فخصهن لا لاختصاص الحكم بهن بل لأنه كان هو الواقع فوجه النهي إليه وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي أغار عليه عدوه فأسر بنته واستفرشها ثم اصطلحا فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها فتبعه العرب (ومنعا) بسكون النون مع تنوين العين وهذه رواية البخاري لأبي ذر وفي رواية للبخاري بالسكون أيضا بغير تنوين قال البيضاوي وإنما لم ينون وإن كان مصدرا لأن المضاف إليه محذوف منه مرادا أي كره منع ما عنده أو حرم منع الواجبات من الحقوق وفي رواية للبخاري أيضا منع بالتحريك على بناء الماضي (وهات) بالبناء على الكسر فعل أمر من الإيتاء : أي حرم أخذ ما لا يحل من أموال الناس والحاصل أنه عبر بهما عن البخل والمسألة فكره أن يمنع الإنسان ما عنده ويسأل ما عند غيره وهو معنى قولهم يمنع الناس رفده ويطلب رفدهم (وكره لكم قيل) كذا (وقال) فلان كذا مما يتحدث به من فضول الكلام فهما إما مصدران أتى بهما للتأكيد وحذف التنوين لإرادة المضاف إليه المحذوف أي كره لكم قيل وقال ما لا فائدة فيه أو ماضيان ونبه به على وجوب تجنب التبرع بنقل الأخبار لما فيه من هتك الأستار وكشف الأسرار وذلك ليس من دأب الأخيار ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله سبحانه ستار والستر لا يحصل مع كثرة نقل الأخبار ودل على إرادة النهي عن الإكثار عطفه قال علي قيل وهو من حسن الاعتبار والقول بأن المراد الأقوال الواقعة في الدين كأن تقول قال أهل السنة كذا والحكماء ولا يبين الأقوى أو بقيل الجواب وقال الابتداء بعيد ويخص من هذا النقل لضرورة أو حاجة سيما إذا كان عن ثقة (وكثرة السؤال) عن أحوال الناس أو عن ما لا يعني فربما كره المسؤول الجواب فيؤدي لسكوته فيجر للحقد والضغائن أو يلجئه إلى الكذب ، قالوا ومنه أين كنت أو المراد السؤال عن المسائل العلمية امتحانا وإظهارا للمراء وادعاء وفخرا ولا يحمل على سؤال الناس من أموالهم لكراهته وإن قل (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبدله في غير وجهه المأذون فيه شرعا أو تعريضه للفساد والله لا يحب المفسدين أو السرف في إنفاقه بالتوسع في لذيذ المطاعم والمشارب ونفيس الملابس والمراكب وتمويه السقوف ونحو ذلك لما ينشأ عنه من غلظ الطبع وقسوة القلب المبعدة عن الرب أما في طاعة فعبادة وقد نهى سبحانه عن التبذير وأرشد إلى حسن التدبير * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * [ الاسراء : 29 ] ولا يخفى ما في هذا الحديث من المحسنات اللفظية باعتبار نسجها على أحسن منوال وكثرة معانيها مع ما في اللفظ من الإقلال (ق عن المغيرة بن شعبة) ابن مسعود الثقفي الصحابي المشهور . 1727 - (إن الله حرم علي الصدقة) فرضها وكذا نقلها (وعلى أهل بيتي) أي وحرم الصدقة فرضها فقط على مؤمني بني هاشم والمطلب لأنها أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد كما فسره في أحاديث أخر . (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن بن علي) .
[ 288 ]
1728 - (إن الله تعالى حيث خلق الداء) أي أوجده وقدره (خلق الدواء فتداووا) ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا عمران العمى وقد وثقه ابن حبان وغيره . 1729 - (إن الله تعالى حيي) بكسر المثناة تحت الأولى أي ذو حياء عظيم وأصل الحياء كما سبق انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادئ (1) كما سبق (ستير) بالكسر والتشديد أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (يحب الحياء) أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر * (إن الله لا يستحيي من الحق) * [ الاحزاب : 53 ] (والستر) (2) من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه قال التوربشتي وإنما كان الله يحب الحياء والستر لأنهما خصلتان يفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله وقال الطيبي وصف الله بالحياء والستر تهجنا لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) (3) أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوبا إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندبا في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل (1) أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي يلحق الانسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الانسان ذلك الفعل فإذا ورد الحياء في حق الله فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه اه . (2) الستر بفتح السين أي يحب من فيه تلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الايمان وجاء أيضا من ستر مسلما ستره الله اه . (3) قال العلقمي وسببه كما في أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز - بفتح الباء الموحدة هو الفضاء الواسع - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نبي الله (ص) إن الله - فذكره اه .
[ 289 ]
الماء إلا بإزار وعد الشافعية من سنن الغسل أن يستر عورته بإزار إن لم يحضر من يحرم نظره إليه بأن كان بخلوة أو حضرة من يحل نظره إليه كحليلته قالوا وأما غسله عليه السلام متجردا فلبيان الجواز فإن حضره من يحرم نظره لعورته وعلم منه أنه لا يغض بصره عنه لزمه الاستتار منه وحرم التكشف كما في الروضة المجموع ويجوز كشف العورة في الخلوة لادنى غرض كالتبرد فالغسل أولى (حم د) في الحمام (ن) في الطهارة (عن يعلى) بفتح الباء واللام (بن أمية) تصغير أمة التميمي وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه وعبد الملك بن أبي سليمان قال في الكاشف عن أحمد ثقة يخطئ وأورده الضعفاء وقال ثقة له حديث منكر . 1730 - (إن الله تعالى) في رواية إن ربكم (حيي) بكسر الياء الأولى (كريم) أي جواد لا ينفد عطاؤه (يستحيي إذا رفع الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (إليه يديه) سائلا متذللا (أن يردهما صفرا) أي خاليتين (خائبتين) من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرما ويفعل ما يفعله تفضلا فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله فإذا رفع عبده يديه متذللا مفتقرا حاضر القلب موقنا بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول وقد يعطي الكافر ما يسأله لشدة كرمه ، قال الزمخشري في الفائق قوله يستحيي إلى آخره جملة مستأنفة بإعادة من استؤنف عنه الحديث يعني حياؤه وكرمه يمنعه أن يخيب سائله . اه . وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك . قال ابن حجر وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلا . اه . لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة (حم د) في الصلاة (ت ه) في الدعوات (ك) كلهم (عن سلمان) الفارسي بفتح المهملة وسكون اللام . قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرطهما ونوزع بأن فيه كما بينه الصدر المناوي وغيره جعفر بن ميمون قال أحمد ليس بقوي لكن قال ابن حجر سنده جيد . 1731 - (إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين) وهما من قوله * (آمن الرسول) * [ البقرة : 285 ] إلى آخرها وقيل هن * (لله ما في السماوات) * [ البقرة : 284 ] إلخ فعلى الأول أول الآية الثانية * (لا يكلف) * [ البقرة : 286 ] وعلى الثانية أولها * (آمن الرسول) * فجعلها إلى آخر السورة آية واحدة (أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش ، فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم) خصهم لأهمية
[ 290 ]
تعليمهم لا لإخراج غيرهم (فإنهما صلاة) أي رحمة لما فيهما من رفع الخطأ والنسيان ورفع الإصر وتحميل ما لا يطاق وغير ذلك (وقرآن ودعاء) أي هما يشتملان على ذلك وقوله فتعلموهن بعد قوله آيتان من قوله تعالى * (هذان خصمان اختصموا) * [ الحج : 19 ] ، * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * [ الحجرات : 9 ] (ك) في فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح عن معاوية عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير (عن أبي ذر) ثم قال على شرط البخاري فرده الذهبي بأن معاوية لم يحتج به البخاري قال ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا . 1732 - (إن الله خلق الجنة) التي هي دار الثواب (بيضاء) أي نيرة مضيئة فترابها وإن كان من زعفران لكن ذلك الزعفران له لمعان وبريق يعلوه نور وإشراق وبياض وشجرها وإن كان أخضر لكنه يتلألأ نورا وإشراقا (وأحب شئ إلى الله) في رواية وأحب الزي إلى الله (البياض) فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وفي رواية خلق الله الجنة بيضاء وإن أحب اللون إلى الله البياض وسئل الحبر عن أرض الجنة فقال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل ما نورها قال أما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس ؟ فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير رواه ابن أبي الدنيا بإسناد قال السمهودي حسن ولا ينافيه خبر إن ترابها الزعفران لأن الأرض نفسها بيضاء والتراب الذي هو فوق الأرض أصفر وفي خبر ابن ماجه ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ . واعلم أن الأشياء كلها من آثار الفضل والعدل والفضل من الجمال والعدل من الملك والقدرة فمن الجمال نشأت الرحمة وظهر العطف والفضل حتى اهتزت الجنة وربت وأشرقت بنور ربها وازينت فمن ثم كانت بيضاء نورانية مشحونة بالروح والريحان ومن الملك بدأ الغضب فاسعرت النار واسودت فهي سوداء مظلمة من غضبه وما هي إلا نظرة وجفوة فأهل الثواب سعدوا منه بنظرة واحدة وأهل العقاب شقوا بجفوة واحدة والخلق إيجاد الشئ على تقدير واستواء (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي عقب عزوه للبزار فيه هشام بن زياد وهو متروك وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشئ عجاب فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ إن الله خلق الجنة بيضاء وأحب الزي إليه البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم انتهى بلفظه . 1733 - (إن الله خلق خلقه) أي الثقلين فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور ولم يخلقوا من ظلمة الطبيعة والميل إلى الشهوة والغفلة عن معالم الغيب (في ظلمة) أي كائنين في ظلمة الطبيعة فالنفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة والركون إلى المحسوسات والغفلة عن معالم الغيب وأسرار عالم القدس (فألقى) وفي رواية للحكيم بدله رش والإلقاء في الأصل طرح الشئ حيث يلقاه ثم صار في التعارف إسما لكل طرح (عليهم من نوره) أي شيئا من نوره ومن إما للتبيين أو
[ 291 ]
للتبعيض أو زائدة وكذا في من ذلك النور وهو ما نصب من الشواهد والرباهين وأنزل من الآيات والنذر (فمن) شاء الله هدايته (أصابه من ذلك النور يومئذ) فخلص من تلك الظلمة (واهتدى) إلى إصابة طرق السعداء (ومن أخطأه ذلك النور) أي جاوزه وتعداه لعدم مشاهدة تلك الآيات وإبصاره تلك البراهين الجليات (ضل) أي بقي في ظلمة الطبيعة متحيرا كالأنعام كما هو حال الفجرة المنهمكين في الشهوات المعرضين عن الآيات والنذر ، أو المراد خلق الذر المستخرج من صلب آدم فعبر بالنور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية وإشراق لمع برق العناية ثم أشار بقوله أصاب وأخطأ إلى ظهور أثر تلك العناية في الإنزال من هداية بعض وضلال بعض أو معنى في ظلمته جهالا عن معرفة الله لأن العبودية لا تدرك الربوبية إلا بإحداث المعرفة منها لها وهو معنى ألقى عليهم من نوره أي هدى من شاء فعبر عن الهدى بالنور فلا يعرف الله إلا بالله فالدلائل لإلزام الحجة لا سبب للهداية بمجردها وإلا لاهتدى بها كل ناظر وكم نظر فيها ذو عقل سليم وفهم قويم وفكر مستقيم ولم يزده ذلك إلا ضلالا قال الطيبي والتوفيق بين ما ذكر من معنى هذا الحديث وحديث كل مولود يولد على الفطرة أن الإنسان مركب من الحيوانية المقتضية العروج إلى عالم القدس وهي مستعدة لقبول فيضان نور الله الهادي ومهيؤ للتحلي بحلية الدين ومن النفسانية المائلة إلى الخلود في الأرض والانهماك في الشهوات والركون إلى المرديات فلاحظ في هذا الحديث أن الإنسان خلق على حالة لا ينفك عنها إلا من أصابه من ذلك النور الملقى عليه وذلك الحديث لمح إلى القضاء بقوله كل مولود يولد على الفطرة واختار بعض محققي الصوفية تبعا للحكيم الترمذي إجراء هذا الحديث على ظاهره وحمل الظلمة والنور على الحقيقة فقال خلقهم كالنجوم الدراري ثم سلبهم الضوء فوضعهم في ترابية التربة التي أراد منها إنشاء خلق آدم وقد طمس ضوءهم فلبثوا في تلك الظلمة إلى أن مضى نحو خمسين ألف سنة فصاروا في طول ذلك اللبث في تلك الظلمة ثلاث أصناف فصنف منهم قال الذي ملكنا لم يدم ملكه فعجز عنا وإلا لما تركنا هنا كالمنسي ، وصنف قالوا نحن هنا ننتظر ما يكون وهو دائم ، وصنف صارت تلك الترابية في أفواههم فقال ما الذي رأيتم مني حتى تنسبوني إلى العجز وانقطاع الملك فصارت هذه الكلمة ختما على أفواههم وهو قوله * (ختم الله على قلوبهم) * [ البقرة : 7 ] فالختم لا يرفع أبدا والصنف الثاني شكوا فهم ينتظرون لما يكون فما استقرت قلوبهم فتناثرت تلك الترابية على أفواه قلوبهم لتذبذبهم مرة إقبالا ومرة إعراضا فصار قفلا والقفل قد يفتح إن شاء فذلك قوله تعالى * (أم على قلوب أقفالها) * [ محمد : 24 ] والصنف الثالث قالوا مالكنا دائم إن شاء جعلها في ظلمة وإن شاء جعلها في نور فقال أنتم لي علمتم فصارت هذه الكلمة مكتوبة على قلوبهم فمن أصابته يمينه فهم الأولياء ومن أصابته يده الأخرى فعامة الموحدين فتناولهم فصيرهم في قبضته وصارت هذه الكلمة مكتوبة بين أعين أفئدتهم فذلك قوله * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) * [ المجادلة : 22 ] و * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) * [ محمد : 24 ] فهذه كانت صفتهم ، فلم يزل ينقلهم من حال إلى حال حتى ظهروا في طينة آدم وأعطاهم كلهم الصورة وظهرت في الطينة ثم لما نفخ فيه أخرج أصحاب اليمين من كتفه الأيمن كهيئة
[ 292 ]
الذر في صفاء وتلألئ وأصحاب الشمال من كتفه الأيسر كالحمحمة السوداء والسابقين أمام الفريقين وهم الرسل والأنبياء والأولياء فقررهم كلهم وأخذ عهودهم وميثاقهم على الإقرار له بالعبودية ثم ردهم إلى الأصلاب ليخرجهم تناسلا من أرحام الأمهات فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي أي لا أبالي بما يعملون من خير أو شر فأما أصحاب اليمين فصاروا بيضا من ذلك النور الذي أصابهم والآخرون سودا من الظلمة التي خلقهم فيها . فائدة : سأل عبد الله بن طاهر أمير خراسان المأمون الحسين بن الفضل عن قوله تعالى * (كل يوم هو في شأن) * [ الرحمن : 29 ] مع هذا الخبر فقال هي شؤون يبديها ولا يبتديها فقام إليه وقبل رأسه (حم ت ك) وكذا ابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وصححه أيضا ابن حبان وقال الهيثمي رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات وقال ابن حجر رحمه الله تعالى فتاويه : إسناده لا بأس به وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه لم يزيدوا فيه على ما ذكره والأمر بخلافه بل بقية الحديث عندهم فلذلك أقول جف القلم على علم الله انتهى لكن ادعى بعضهم أن قائل ذلك هو ابن عمرو فلعل المؤلف يميل إلى هذا القول فقوله ولذلك أي من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من إيمان وطاعة وكفر ومعصية أقول جف القلم . 1734 - (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة) أصلها ما يضم عليه من كل شئ (قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) أي ابتداء خلقه من قبضته فمن ابتدائية إن كان من قبضة متعلقا بخلق وإن كان حالا من آدم تكون بيانية والقبضة هنا مطابقة الآية * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) * [ الزمر : 67 ] في بيان تصوير عظمة الله وإن كل المكونات الآفاقية والأنفسية منقادة لإرادته ومسخرة بأمره أي فليس هنا قبضة بالحقيقة بل هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي لخلقه ذكره الطيبي وغيره وقال الكمال ابن أبي شريف أخذا من كلام بعضهم المراد بالقبض هنا حقيقة لكن إنما قبضها عزرائيل عليه السلام ملك الموت فلما كان القبض بأمره تعالى نسب إليه ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور وأبو حاتم عن أبي هريرة إن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوى ليأخذ منها قالت أسألك بالذي أرسلك لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب فتركها فلما رجع إلى ربه أخبره فأرسل آخر فقال مثل ذلك قال الذي أرسلني أحق بالطاعة فأخذ من وجهها ومن طيبها ومن خبيثها الحديث (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي على قدر لونها وطبعها فخلق من الحمراء الأحمر ومن البيضاء الأبيض ومن سهلها سهل الخلق اللين الرقيق ومن حزنها ضده ومن ثم (جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك) من الألوان * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) * [ الروم : 22 ] قيل خلق آدم من ستين نوعا من أنواعها وطبائعها فاختلفت بنوه كذلك ولذا وجب في الكفارة إطعام ستين ليكون بعدد هذه الأنواع ليعم
[ 293 ]
الكل بالصدقة (والسهل) بفتح فسكون أي الذي فيه رفق ولين (والحزن) بفتح وسكون أي الذي فيه عنف وغلظة فالسهل من الأرض السهلة والفظ الغليظ الجافي من ضدها (والخبيث والطيب وبين ذلك) أي فالخبيث من الأرض السبخة والطيب من العذبة (1) ومن ثم اختلفت قوى الإنسان فتقبل كل قوة منها ما يأتيها من المواد فيزيد لذلك وينقص ويصلح لذلك ويفسد ويطيب ويخبث لما ذكر من أنه أنشئ من أشياء مختلفة وطبائع شتى * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * [ الاعراف : 58 ] ذكره البيضاوي وقال الطيبي ولما كانت الأوصاف الأربعة الأولى من الأمور الظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وتركت الأربعة الأخيرة مفتقرة إلى تأويل لأنها من الأخلاق الباطنة فإن المعنى بالسهل الرفق واللين وبالحزن الخرق والعنف وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضرر وخسار في الدارين والذي سبق له الكلام في الحديث هو الأمور الباطنة لأنها داخلة في حديث القدر من الخير والشر وأما الظاهرة من الألوان وإن كانت مقدرة فلا إعتبار لها (حم د) في السنة (ت) في التفسير (ك هق عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وغيره . 1735 - (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات ثم جعلهم فرقا (فجعلني) أي صيرني تعالى (في خير فرقهم) جمع فرقة أي أشرفها (وخير الفريقين) وفي نسخ الفرقتين (ثم تخير القبائل) أي اختار خيارهم فضلا (فجعلني في خير قبيلة) من القرب هذا بحسب الإيجاد أي قدر إيجادي في خيرها قبيلة (ثم تخير البيوت) أي اختارهم شرفا (فجعلني في خير بيوتهم) أي في أشرف بيوتهم قال ابن تيمية وقوله خلق الخلق يحتمل شيئين أحدهما أن الخلق هم الثقلان أو هم جميع ما خلق في الأرض وبنو آدم خيرهم وإن قيل بعموم الخلق حتى تدخل الملائكة أفاد تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة قال والفريقان العرب والعجم ثم جعل العرب قبائل وجعل قريشا أفضلها ، بيوتا وجعل بني هاشم أفضلها ، ويحتمل أنه أراد بالخلق بنو آدم فكان في خيرهم أبا في ولد إبراهيم أبي العرب ثم جعل بني (1) وما أحسن قول القائل : الناس كالارض ومنها هم * * من خشن في اللمس أو لين فجندل تدمى به أرجل * * والمد يجعل في الاعين وكذا جميع الداواب والوحوش فالحية أبدت بجوهرها حيث خانت آدم لعنت وأخرحت من الجنة والفأر قرض حبال سفينة نوح والغراب أبدى جوهره الخبيث حيث أرسله نوح من السفينة ليأتيه بخبر الارض فأقبل على جيفة وتركه . (*)
[ 294 ]
إبراهيم فرقتين بني إسماعيل وبني إسحاق وجعل العرب عدنان وقحطان فجعل بني إسماعيل في بني عدنان ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قبائل فجعل في خيرهم قبيلة وهم قريش وأيا ما كان فالحديث صحيح في تفضيل العرب على العجم (فأنا) بفضل الله علي ولطفه في سابق علمه (خيرهم نفسا) أي روحا وذاتا إذ جعلني نبيا رسولا فاتحا خاتما (وخيرهم بيتا) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح ولم يردفه بقوله ولا فخر كما في خبر أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، لأن هذا بحسب حال المخاطبين في صفاء قلوبهم بما يعلمه من حالهم أو أن هذا بعد ذلك والتفاضل في الأنساب والقبائل والبيوت باعتبار حسن خلقة الذات والتفاضل فيما قام بها من الصفات حتى في الأقوات * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) * [ النحل : 71 ] وهذا جار في سائر المخلوقات أن فضل الله يؤتيه من يشاء فلا إتجاه لما عساه يقال الإنسان كله نوع واحد فما معنى التفاضل في الأنساب (ت عن العباس بن عبد المطلب) قال قلت يا رسول الله إن قريشا تذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة أي كناسة فذكره . 1736 - (إن الله خلق آدم من طين الجابية) بجيم فموحدة تحتية فمثناة كذلك فاعلة من جباء موضع بالشام ، وباب الجابية بدمشق معلوم ، ويعارضه ما مر أنه خلقه من جميع أجزاء الأرض ، وقد يجاب بأنه قبض من الجابية قبضة ومن جميع أتراب الأرض قبضة ومزجهما (وعجنه بماء من ماء الجنة) إشارة إلى أنه وإن أخرج سيعود إليها فكان من بديع فطرته وعجيب صنعته ، فأعظم بها من إكرام فلم يكن يصلح له حينئذ مكان يليق به مع هذه المكارم إلا داره فتوجه بتاج الملك وكساه كمال الجمال وأجلسه على الأسرة بمهابة وإجلال حتى جاء وقت السقوط وغلب القضاء والقدر فكان ما كان ، فائدة قال بعض العارفين إذا فتح عليك بالتصرف فأت البيوت من أبوابها وإياك والفعل بالهمة بغير آلة ، ألا ترى إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم وعجنها وسواه وعدله ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء فأوجد الأشياء على ترتيب ونظام ولو شاء أن يكون ابتداه بغير تخمر ولا عجن لفعل (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) . 1737 - (إن الله) أي الذي لا يستطيع أحد أن يقدر قدره (خلق لوحا محفوظا) وهو المعبر عنه في القرآن المجيد بذلك وبالكتاب المبين وبأم الكتاب وبإمام مبين (من درة بيضاء) لؤلؤة عظيمة كبيرة في
[ 295 ]
نهاية الإشراق وغاية الصفاء وفي حديث البيهقي رضي الله تعالى عنه في الشعب إنه من زبرجدة خضراء ، وفي رواية لابن أبي حاتم إحدى وجهيه من ياقوت والآخر من زبرجدة خضراء فقد يقال إنه يتلون والبياض لونه الأصلي (صفحاتها) أي جنباتها ونواحيها قال في الصحاح صفح الشئ ناحيته وصفحة كل شئ جانبه وصفائح الباب ألواحه (من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه) أي مكتوبة (نور) بين به أن اللوح والقلم ليسا كألواح الدنيا المتعارفة ولا كأقلامها وكذا والكتابة وليس في هذا الخبر ذكر طول اللوح ولا عرضه ولا طول القلم وفي رواية للطبراني عن ابن عباس أن عرضه ما بين السماء والأرض وفي كنز الأسرار عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن طول اللوح ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو في حجر ملك يقال له ماطريون وفي تفسير الفخر الرازي من حديث البيهقي عن ابن عباس أيضا أن اللوح بين يدي إسرافيل فإذا أذن له في شئ ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فنظر فإذا كان الأمر من عمل جبريل عليه السلام أمره به أو من عمل ملك الموت أمره به ، الحديث ، وأما القلم ففي رواية لأبي الشيخ عن ابن عمران طوله خمسمائة عام (لله في كل يوم) أي أو ليلة كما في حديث ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا أي مقدارهما من الزمن وإلا فليس ثم ليل ولا نهار (ستون وثلاثمائة لحظة) على عدد أجزاء اليوم والليلة فإن ذلك مقسم على ثلاثمائة وستين جزءا كل جزء يسمى درجة فلما كان ذلك أقل ما يحسن بالنسبة إلينا ، عبر به تقريبا لأفهامنا (يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء) فإن كان العبد على حالة مرضية مهديا رشيدا أدركته اللحظة على حالة مرضية فوصل إلى الأمل من نوال الخير وصرف السوء وإذا كان غاويا فاللحظة بين القدرة والحلم فإما بطش جبار وإما عفو غفار فعلم أن الحديث إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا يقاس عليها غيرها فأخبر عليه السلام أن بيده تصريف الأمور وتكوينها على ما يشاء في أي زمن شاء وخصص الستة الأولى لأهميتها ووقوع أكثر الأفعال إليها ثم عمم (طب) وكذا الحاكم والحكيم (عن ابن عباس) قال أعني ابن عباس لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا ولم ذلك فذكره قال الهيثمي ورواه الطبراني من طريقين رجال أحدهما ثقات انتهى ولم يصب ابن الجوزي حيث حكم عليه بالوضع . 1738 - (إن الله خلق الخلق) أي قدر المخلوقات في علمه السابق على ما هم عليه وقت وجودهم (حتى إذا فرغ من خلقه) أي قضاه وأتمه والفراغ تمثيلي وقول الأكمل خلق إن كان بمعنى أوجد فالفراغ على حقيقته رد بأن الفراغ الحقيقي بعد الشغل والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ثم إن ذا بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها للوجود أو بعد خلقها كتبا في اللوح أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم
[ 296 ]
عند قوله * (ألست بربكم) * [ الاعراف : 172 ] (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسد وتتكلم والقدرة صالحة أو هو تمثيل وإستعارة إذ الرحم معنى وهو الإتصال القربي من النسب فشبهت بمن يحتاج إلى الصلة فاستعاذ من القطيعة والمراد تفخيم شأنها (فقال) تعالى لها (مه) بفتح فسكون استفهام أي ما تقولين كأنها قامت على هيئة الطالب لشئ والقصد به إظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه يعلم السر وأخفى وقيل زجر أي اكففي عن الالتجاء (قالت) بلسان القال أو الحال على ما تقرر (هذا مقام العائذ بك) أي مقامي هذا مقام المستجير بك من القطيعة والعائذ المعتصم بالشئ المستجير به (قال) تعالى (نعم) حرف إيجاب مقرر لما سبق إستفهاما كان أو خبرا (أما) بالتخفيف وفي رواية للبخاري ألا (ترضين) خطاب للرحم والهمزة للاستفهام على سبيل التقرير لما بعد لا النافية (أن أصل من وصلك) بأن أعطف عليه وأحسن إليه فهو كناية عن عظيم إحسانه (1) (وأقطع من قطعك) فلا أعطف عليه فهو كناية عن حرمان إنعامه وإمتنانه (قالت بلى يا رب) أي رضيت (قال) الله تعالى (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما أي الحكم السابق حصل لك وصلة الرحم بالمال ونحو عون على حاجة ودفع ضرر وطلاقة وجه ودعاء والمعنى الجامع إيصال الممكن من الخير ودفع الممكن من شر وهذا إنما يطرد إن استقام أهل الرحم فإن كفروا وفخروا فقطيعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ومن ثم قتل أمين هذه الأمة أباه كافرا غضبا لله ونصرة لدينه (ق ن عن أبي هريرة) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * [ محمد : 22 ] . 1739 - (إن الله خلق) أي قدر (الرحمة) التي يرحم بها عباده ، ورحمته إرادة الإنعام أو فعل الإكرام فمرجعها صفة ذاتية أو فعلية فهي حادثة من حيث إنها فعل كائن عن الإرادة (يوم خلقها مائة رحمة) قال التوربشتي : رحمة الله غير متناهية فلا يعتريها التقسيم والتجزئة وإنما قصد ضرب المثل للأمة ليعرفوا التفاوت بين القسطين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الأولى فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمة في الدارين على الأقسام المذكورة تنبيها على المستعجم وتوفيقا على المستفهم ولم يرد به تجريد ما قد حلى عن الحد أو تعديد ما يجاوز العد (فأمسك عنده تسعا وتسعون رحمة وأرسل) وفي رواية وأنزل (في خلقه كلهم رحمة واحدة) تعم كل موجود فكل موجود مرحوم حتى في آن العذاب إذ الكف عن الآشد رحمة وفضل (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) (1) وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده . (*)
[ 297 ]
الواسعة (لم ييأس (1) أي لم يقنط (من الجنة) أي من شمول الرحمة له فيطمع في أن يدخل الجنة (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها قال الطيبي سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله فكما أن صفاته تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفة القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد ، هذا معنى وضع ضمير المؤمن ، ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن اختص بأن يطمع في الجنة فإذا انتفى منه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل انتهى . وقال المظهر ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته لئلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه وقال العلائي هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط فينقله لحالة أشر من الذنوب (ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما . 1740 - (إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة (2) أي أظهر تقديرها يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحدة في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما وقد مر معنى الطباق ومقصوده التعظيم والتكثير وورود ذلك بهذا اللفظ غير عزيز (فجعل في الأرض منها رحمة) قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع (1) وفي النسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بين حالتي الرجاء والخوف . (2) حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيل للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله تعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فثبت أن نار الاخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كان جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فالرحمة في الاخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي ويحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمة لمؤمنين بدليل قوله تعالى * (وكان بالمؤمنين رحيما) * [ الاحزاب : 43 ] وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها . (*)
[ 298 ]
والنعم (فيها تعطف) أي تحن وترق وتشفق وفي الصحاح عطف عليه شفق وفي المصباح عطفت الناقة على ولدها عطفا حنت (الوالدة على ولدها) من الآدميين وكل ذي روح (والوحش والطير) أي وغيرهما من كل نوع من أنواع ذوات الأرواح ولعل تخصيص الوحش والطير لشدة نفورها والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القرطبي وحكمة ذلك تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير حتى يتحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير (بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضا يوم القيامة قال المهلب الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي هذه وقال العارف البوني رضي الله تعالى عنه الذاتية واحدة ورحمته المتعدية متعددة وهي كما في هذا الخبر مائة ففي الأرض منها واحدة يقع بها الارتباط بين الأنواع وبها يكون حسن الطباع والميل بين الجن والإنس والبهائم كل شكل إلى شكله والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة يتصل بهذه الرحمة فتكمل مائة فيصعد بها في درج الجنة حتى ترى ذات الرحيم وتشاهد رجمته الذاتية (حم م عن سلمان) الفارسي (حم ه) عن أبي سعيد الخدري . 1741 - (إن الله خلق الجنة) وجمع فيها كل طيب (وخلق النار) وجمع فيها كل خبيث (فخلق لهذه أهلا) وهم السعداء وحرمها على غيرهم (ولهذه أهلا) وهم الأشقياء وحرمها على غيرهم وجعلهما جميعا في هذه الدار سبعا فوقع الابتلاء والامتحان بسبب الاختلاط وجعلها دار تكليف فبعث إليهم الرسل لبيان ما كلفهم به من الأقوال والأفعال والأخلاق وأمرهم بجهاد الأشقياء فقامت الحرب على ساق فإذا كان يوم القيامة أي يوم الميعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله في دارهم والخبيث وأهله في دارهم فينعم هؤلاء بطيبهم ويعذب هؤلاء بخبثهم لانكشاف الحقائق ، قال البيضاوي وفيه أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآبائهم وأصول أكوانهم بعد في العدم . تنبيه : قال العارف ابن عربي رضي الله عنه عن عقائد الإسلام أن تعتقد ان الله سبحانه أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسماءه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلاءه ولو أراد تعالى أن يكون العالم كله سعيد لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه لم يرد فكان كما أراد * (فمنهم شقي وسعيد) * [ هود : 105 ] هنا ويوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال في الصلاة وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وانفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا
[ 299 ]
الضمائر إلا بوهب إلهي وجود رحمني لمن اعتنى به من عباده وسبق له ذلك بحضرة إشهاد فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم وأنه من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود بنفسه إلا إياه * (والله خلقكم وما تعملون) * [ الانعام : 149 ] و * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * [ الانبياء : 23 ] * (فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * [ الانعام : 149 ] تنبيه : قال بعضهم خلق الله الجنة والنار وجعلهما دارين إحداهما جهة اليمين والأخرى جهة الشمال هذه كلها خير صرف وهذه كلها شر صرف وأنزل الدين للأمر والنهي على معنى الدارين ثم خلق دار الدنيا بين الدارين فالجنة من القبر إلى أعلى عليين والنار من القبر إلى أسفل سافلين روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فليس بعد الدنيا إلا الجنة والنار فالناس بعد الموت منهم معذب ومنهم منعم في جنة أو نار فالناس وقوف في الدنيا بين الجنة والنار حقيقة وهم لا يشعرون (م) في الإيمان بالقدر وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم (عن عائشة) قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدرين وفي رواية أو غير ذلك فذكره فنهى عن الحكم على معين بدخول الجنة فلعله قبل علمه بأن أطفال المؤمنين في الجنة قال في الزواجر وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن أطفال المؤمنين لا يقطع لهم بدخول الجنة واشتد إنكار العلماء عليه في هذه المقالة الشنيعة المخالفة للقواطع والحديث ظاهره غير مراد إجماعا وإنما هو قبل أن يعلم بأنهم مقطوع لهم بالجنة وإنما الخلاف في أطفال الكفار والأصح أنهم في الجنة أيضا وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يروه إلا كما ذكر والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله ولهذه أهلا ما نصه : وهم في أصلاب آبائهم . 1742 - (إن الله تعالى) لكمال رأفته (ورضي لهذه الأمة اليسر) فيما شرعه لها من أحكام الدين ولم يشدد عليها كما شدد على الأمم الماضية (وكره لها العسر) أي لم يرده بها ولم يجعله عزيمة عليها * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * [ البقرة : 185 ] قال الحراني واليسر عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر ما يجهد النفس ويضر الجسم ومن رفق الله بهذه الأمة ومعاملتها باليسر والعطف أن شرع لها ما يوافق كتابها وصرف عنها ما تختان فيه لما جبلت عليه من خلافه وهكذا حال الأمر إذا شاء أن يطيعه مأموره يأمره بالأمور التي لو ترك ودواعيه لفعلها وينهاه عن الأشياء التي لو ترك ودواعيه لتجنبها وبه يكون حفظ المأمور من المخالفة وإذا شاء أن يشدد على أمة أمرها بما جبلها على تركه ونهاها عما جبلها على فعله وهو من الآصار المجعولة على الأولين مخفف عن هذه الأمة بإجراء شرعها على وفق جبلتها فجعل لهم حظا من هواهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم أدر الحق معه حيث دار ولهذا كان يأمر الشجاع بالحرب ويكف الجبان حتى لا يظهر فيمن معه مخالفة إلا عن سوء طبع لا يزعه وازع الرفق وذلك قصد العلماء الربانيين في تأديب كل مريد على اللائق بحاله وجبلته (طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) بفتح الهمزة ودال مهملة ساكنة الأسلمي نزل البصرة واختط مسجدها قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .
[ 300 ]
1743 - (إن الله رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر فيكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم ولا يجوز إطلاق الرفيق عليه سبحانه اسما لأن أسماءه سبحانه إنما تتلقى بالنقل المتواتر ولم يوجد ، ذكره بعض الشراح ، وأصله قول القاضي الرفق ضد العنف وهو اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها والظاهر أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لأنه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على قصد التسمية وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده انتهى لكن قال النووي الأصح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الواحد (يحب الرفق) بالكسر لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض وزعم أن المراد يحب أن يرفق بعباده لا يلائم سياق قوله (ويعطي عليه) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل (مالا يعطي على العنف) بالضم الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله . نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادا وحثا لنا على تحري الرفق في كل أمر فهو خارج مخرج الأخبار لا التسمية كما تقرر (خد د عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء (ه حب عن أبي هريرة حم هب عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي وفيه أبو خليفة ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وصدقه الجمهور وبقية رجاله ثقات (البزار) في مسنده (عن أنس) بإسنادين قال الهيثمي رجال أحدهما ثفات وفي بعضهم خلاف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه مسلم من حديث هائشة رضي الله تعالى عنها ولفظه إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه قال القاضي وإنما ذكر قوله وما لا يعطي على سواه بعد قوله ما لا يعطي على العنف إيذانا بأن الرفق أبحج الأسباب وأنفعها بأسرها . 1744 - (إن الله زوجني في الجنة) مضافا إلى زوجاتي اللاتي تزوجتهن في الدنيا (مريم بنت عمران) أي جعلها زوجتي فيها وأوقع الماضي موقع المستقبل لتحقق الوقوع (وامرأة فرعون) آسية بنت مزاحم (وأخت موسى) الكليم عليه السلام واسمها مريم كما قاله البيضاوي وغيره قال الحرالي خلصهن الله من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء عربي علي حتى أنكحهن من محمد النبي العربي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الثلاثة مترتبات في الفضل على هذا الترتيب فأفضلهن مريم اتفاقا فآسية لأنه قيل بنبوتها فأخت موسى لأنه لم يذهب إلى القول بنبوتها أحد والظاهر أن وقوع التزوج في الجنة (طب عن
[ 301 ]
سعد بن جنادة) بضم الجيم وخفة النون ودال مهملة والد عطية العوفي وفد من الطائف وأسلم قال الهيثمي فيه من لم أعرفه . 1745 - (إن الله تعالى سائل) إشارة إلى تحقق وقوع ذلك (كل راع عما استرعاه) أي أدخله تحت رعايته (أحفظ ذلك أم ضيعه) بهمزة الاستفهام (حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أحفظهم أم ضيعهم فيعامل من قام بحق ما استرعاه عليه بفضله ويعامل من أهمله بعدله وما يعفو الله أكثر (1) قال الطيبي فيه أن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فعليه أن لا يتصرف إلا بمأذون الشارع فيه وهو تمثيل ليس ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه وزاد في رواية فأعدوا للمسألة جوابا قالوا وما جوابها قال أعمال البر خرجه ابن عدي والطبراني قال ابن حجر بسند حسن واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من في حكمه وفيه بيان كذب الحديث الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية ففي آداب القضاء للكرابيسي عن الشافعي رضي الله عنه بسنده دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث إن الله إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات فقال له كذب ثم تلا * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض - إلى - بما نسوا يوم الحساب) * [ ص : 26 ] فقال الوليد إن الناس ليغروننا (ن حب عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه معاذ بن هشام حديثه في الستة لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين صدوقا وليس بحجة وقال غيره له غرائب وتفردات . 1746 - (إن الله سمى) وفي رواية إن الله أمرني أن أسمي ولا تعارض لأن المراد أنه أمره بإظهار تسميتها (المدينة طابة) بمنع صرفها وفي بعض روايات البخاري طابة بالتنوين بجعلها نكرة وهي تأنيث طاب من الطيب وأصلها طيبة قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكان اسمها يثرب فكرهه النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الثرب في معنى القبح فبين أن الله سماها طابة لتيطيب مكانها بالدين أو لخلوصها من الشرك وتطيبها منه أو لطيب رائحتها وأمورها كلها أو لحلول الطيب بها وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم أو لكونها تنفي خبثها ويبقى طيبها أو لغير ذلك (2) وتسميتها في التنزيل يثرب وقوله في حديث هذه يثرب باعتبار ما عند المنافقين أو نزول الآية سابق على التسمية (حم م ن عن جابر بن سمرة) ولم يخرجه البخاري . (1) أي ويرضى خصماء من شاء بجوده وكما يسأله عن أهل بيته يسأل أهل بيته عنه فظاهر الحديث أن الحكام أولى بالسؤال عن أحوال الرعايا من سؤال الرجل عن أهل بيته . (2) أو لطيب ترابها وهوائها ومساكنها وطيب العيش بها قال بعض العلماء من أقام بالمدينة يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها . (*)
[ 302 ]
1747 - (إن الله تعالى صانع) بالتنوين وعدمه (كل صانع وصنعته) أي مع صنعته فهو خالق للفاعل والفعل لقوله تعالى * (والله خلقكم وما تعملون) * [ الصافات : 96 ] وبهذا أخذ أهل السنة وهو نص صريح في الرد على المعتزلة وكمال الصنعة لا يضاف إليها وإنما يضاف إلى صانعها وهذا الحديث قد احتج به لما اشتهر بين المتكلمين والفقهاء من إطلاق الصانع عليه تعالى قال المؤلف فاعتراضه بأنه لم يرد وأسماؤه تعالى توقيفية غفلة عن هذا الخبر وهذا حديث صحيح لم يستحضره من اعترض ولا من أجاب بأنه مأخوذ من قوله * (صنع الله) * [ النمل : 88 ] انتهى ومنعه بعض المحققين بأنه لا دليل لما صرحوا به من اشتراط إذ لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو * (أم نحن الزارعون) * [ الواقعة : 64 ] * (والله خير الماكرين) * [ آل عمران : 54 ] وهذا الحديث من ذلك القبيل وبأن الكلام في الصانع بأل بغير إضافة وما في الخبر مضاف وهو لا يدل على جواز غيره بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر لم يأخذوا منه أن الصاحب بغير قيد من أسمائه تقدس ، نعم صح من حديث الحاكم والطبراني ، اتقوا الله فإن الله فاتح لكم مصانع : وهذا دليل واضح للمتكلمين والفقهاء لا غبار عليه ولم يستحضره المؤلف ولو استحضره لكان أولى له مما يحتج به في عدة مواضع قال الذهبي واحتج به من قال الإيمان صفة للرحمن غير مخلوق كذا رأيته بخطه تتمة : قال الراغب سئل بقراط عن دلالة الصانع فقال دل الجسم على صانعه فجمع بهذه اللفظة دلالة حدوث العالم لأن الجسم يدل على أنه مصنوع ولا بد له من صانع ولم يصنع نفسه وصانعه حكيم (خ في خلق أفعال) أي في كتاب خلق أفعال (العباد) وهو كتاب مفرد مستقل (ك) في الإيمان وصححه (والبيهقي في) كتاب الأسماء (والصفات) كلهم (عن حذيفة) مرفوعا لكن لفظ الحاكم إن الله خالق بدل صانع ثم قال على شرط مسلم وأقره الذهبي وتقييد المصنف العزو للبيهقي بكتاب الأسماء يؤذن بأنه لم يخرجه في كتابيه اللذان وضع لهما المصنف الرمز وهما الشعب والسنن وليس كذلك فقد خرجه في الشعب باللفظ المزبور عن حذيفة المذكور . 1748 - (إن الله تعالى طيب) بالتلقيل أي منزه عن النقائص مقدس عن الآفات والعيوب وكل وصف خلا عن كمال أو طيب الثناء أو مستلذ الأسماء عند العارفين بها وكيف ما كان فهو من أسمائه الحسنى لصحة الخبرية كالجميل قال الراغب وأصل الطيب ما تستلذه النفس والحواس والطيب من الناس من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال (يحب الطيب) أي الحلال الذي يعلم أصله وجريانه على الوجه الشرعي العاري عن ضروب الحيل وشوائب الشبه فلا تقبل ولا ينبغي أن يتقربوا إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو من خيار أموالكم
[ 303 ]
(كريم يحب الكرم) أي في حياته لا البخل في حياته الكريم عند موته بدليل الخبر المار وقوله (جواد) بالتخفيف (يحب الجود) عطف خاص على عام (نظيف) أي منزه عن سمات الحدوث متعال في ذاته عن كل نقص (يحب النظافة) أي نظافة الباطن بخلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الهوى والأمراض القلبية من نحو غل وحقد وحسد وغيرهما ومجانبة كل مطعم وكل مشرب وكل ملبس من حرام وشبهة ، ونظافة الظاهر بترك الأدناس وملابسة العبادات ومفهومه أنه يبغض ضد ذلك وبه صرح في الخبر الآتي بقوله إن الله يبغض الوسخ الشعث ولا ينافيه خبر إن الله يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس إذ لا يلزم من كون الثوب خشنا أو باليا أن يكون وسخا ، فالمنهي عنه إنما هو التزين والتصنع والتغالي في اللباس (فنظفوا) ندبا (أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار . قال الطيبي الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي ما أمام الدار وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة كانت أدعى لجلب الضيفان وتناوب الواردين والصادرين وإليه ينظر قول الحماسي : فإن يمس مهجور الفناء فربما * * أقام به بعد الوفود وفود وفي رواية بدله عذراتكم وهو بمعناه قال الزمخشري العذرة الفناء وبه سميت العذرة لإلقائها فيها كما سميت بالغائط وهو المطمئن (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف وأصله تتشبهوا (باليهود) في قذاراتهم وقذارة أفنيتهم ، ومن ثم كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه مزيد حرص على النظافة وقد اختار الحق سبحانه من كل جنس أطيبه فاختصه لنفسه والطيب من كل شئ هو مختاره دون غيره وأما خلقه فعام للنوعين وبه يعرف عنوان سعادة العبد وشقاوته فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا به وبين الطيب والخبيث كمال الانقطاع ومنع الاجتماع (ت عن سعد) وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها شهر بن حوشب وهو ضعيف والأولى سالمة منه . 1749 - (إن الله تعالى عفو) أي متجاوز عن السيئات (يحب العفو) لما سبق أنه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من اتصف بشئ منها ويبغض من اتصف بأضدادها ولهذا يبغض قاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم ، قال العارف ابن أدهم رضي الله عنه خلا لي الطواف ليلة مطيرة فقلت بالملتزم يا رب اعصمني فقيل لي كل عبادي يطلبون العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر ؟ قال الراغب رحمه الله العفو والصفح صورتا الحلم ، ومخرجاه إلى الوجود ، فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب ، والصفح ترك التثريب ، واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه والإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان فيه وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يحب والعفو إنما يستحب إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله أو شتم عرضه فإن عادت بالضرر على الشرع أو الناس فله ترك العفو (ك عن ابن مسعود) عبد الله (عد عن عبد الله بن جعفر) .
[ 304 ]
1750 - (إن الله تعالى عند) وفي رواية ذكرها المطرزي : وراء (لسان كل قائل) أي يعلمه قال في المغرب هذا تمثيل والمعنى أنه تعالى يعلم ما يقوله الإنسان ويتفوه به فمن يكون عند الشئ مهيمنا لديه محافظا عليه (فليتق الله عبد) نكرة للوقوع أو إشارة إلى قلة المتقين (ولينظر) أي يتأمل ويتدبر (ماذا يقول) أي ما يريد للنطق به هل هو عليه أو له * (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [ ق : 18 ] فجميع ما ينطق به مكتوب عليه مسؤول عنه . قال الليث : مررنا براهب فنودي طويلا فلم يجب ثم أشرف فقال يا هؤلاء لساني سبع فأخاف أن أرسله فيأكلني ، وقال بعض العارفين إياك والمراء في شئ من الدين وهو الجدال فإنك لا تخلو أن تكون فيه محقا أو مبطلا كما يفعل الفقهاء اليوم في مجالس مناظراتهم يلتزم أحدهم في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يحاول به الحق الذي يعتقده أنه حق ثم تخدعه النفس بأن تقول له إنما تفعل ذلك لتنفتح الخواطر لا لإقامة الباطل وما علم أنه تعالى عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده أنه فقيه عمل على ذلك الباطل فلا يزال الإثم عليه ما دام ذلك السامع يعمل بما سمع منه (حل) من حديث محمد بن إسماعيل العسكري عن صهيب بن محمد بن عباد عن مهدي عن وهب بن أبي الورد عن محمد بن زهير (عن ابن عمر) بن الخطاب ومحمد بن زهير قال الذهبي قال الأزدي ساقط (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور . 1751 - (إن الله تعالى غيور) فعول من الغيرة الحمية والأنفة وهي محال على الله تعالى لأنها هيجان الغضب يسبب ارتكاب ما ينهى عنه فالمراد لازمها وهو المنع والزجر عن المعصية (يحب الغيور) في محل الربية كما يفيده قوله في الحديث الآتي غيرتان غيرة يحبها الله (وإن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (غيور) فهو لذلك يحبه لأن من لمح لمحا من وصف كان من الموصوف به باللطف لطف ووصف كل مرتبة بحسبها (رستة) بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني الحافظ (في الإيمان) أي في كتاب الإيمان له (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي أفريقية (مرسلا) قال في الكاشف منكر الحديث مات سنة 113 . 1752 - (إن الله تعالى قال من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليا) (1) وهو من تولي الله بالطاعة فتولاه الله بالحفظ والنصر ، فالولي هنا القريب من الله باتباع أمره وتجنب نهيه (1) المراد بالولي العارف بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته . (*)
[ 305 ]
وإكثار النفل مع كونه لا يفتر عن ذكره ولا يرى بقلبه سواه (فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته بأني سأحاربه * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * [ البقرة : 279 ] ومن حاربه الله أي عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال وهذا في الغاية القصوى من النهديد والمراد عادى وليا لأجل ولايته لا مطلقا فخرج نحو محاكمته لخلاص حق أو كشف غامض ، فلا يرد خصومة العمرين رضي الله عنهما لعلي والعباس رضي الله عنهما ومعاداته لولايته إما بإنكارها عنادا أو حسدا أو بسبه أو شتمه ونحو ذلك من ضروب الإيذاء ، وإذا علم ما في معاداته من الوعيد علم ما في موالاته من الثواب (وما تقرب إلي عبدي بشئ) أي بفعل طاعة (أحب إلي مما افترضه عليه (2) أي من آدابه عينا أو كفاية لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع والأمر بها جازم يتضمن أمرين الثواب على فعلها والعقاب على تركها فالفرض كالأس والنفل كالبناء عليه (ولا يزال عبدي) الإضافة للتشريف (يتقرب) وفي رواية يتحبب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع صنوف العبادة (حتى أحبه) بضم أوله وفتح ثالثه (فإذا أحببته) لتقربه إلي بما ذكر حتى قلبه بنور معرفتي (كنت) أي صرت (سمعه التي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) يعني يجعل الله سلطان حبه غالبا حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله عونا له على حماية هذه الجوارح عما لا يرضاه أو هو كناية عن نصرة الله وتأييده وإعانته له في كل أموره وحماية سمعه وبصره وسائر جوارحه عما لا يرضاه وحقيقة القول ارتهان كلية العبد بمراضي الرب على سبيل الاتساع فإنهم إذا أرادوا اختصاص شئ بنوع اهتمام وعناية واستغراق فيه ووله به ونزوع إليه سلكوا هذا الطريق ، قال : جنوني فيك لا يخفى * * وناري فيك لا تخبو وأنت السمع والناظر * * والمهجة والقلب ولمشائخ الصوفية رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب فتوحات غيبية وإشارات ذوقية ، تهتز منها العظام البالية لكنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم فعلم مشربهم بخلاف غيرهم فلا يؤمن عليه من الغلط فيهوي في مهواة الحلول والاتحاد ، والحاصل أن من تقرب إليه بالفرض ثم النفل قربه فرقاه من (1) دخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية والفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه . (*)
[ 306 ]
درجة الإيمان مقام الإحسان حتى يصير ما في قلبه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته يمحي كل ما سواه فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نظر فيه أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد (وإن سألني لأعطينه) مسؤوله كما وقع لكثير من السلف (وإن استعاذ بي) روي بنون وروي بموحدة تحيتية والأول الأشهر (لأعيذنه) مما يخاف وهذا حال المحب مع محبوبه وفي وعده المحقق المؤكد بالقسم إيذان بأن من تقرب بما مر لا يرد دعاؤه (وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن) أي ما أخرت وما توفقت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف عليه حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى انخراطه في سلك المقربين والتبوء في أعلا عليين ، أو أراد بلفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن بما يبتلي به من نحو مرض وفقر ، فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب المذكورة يشبه فعل المتردد فعبر به عنه (يكره الموت) لصعوبته وشدته ومرارته وشدة ائتلاف روحه لجسده وتعلقها به ولعدم معرفته بما هو صائر إليه بعده (وأنا أكره مساءته) وأريده له لأنه يورده موارد الرحمة والغفران والتلذذ بنعيم الجنان فالمراد ما رددت شيئا بعد شئ مما أريد أن أفعله بعبدي كترددي في إزالة كراهة الموت عنه بأن يورد عليه حوادث يسأم معها الحياة ويتمنى الموت كما تمنى علي كرم الله وجهه الموت لاختلاف رعيته عليه وقتالهم له مع كونه الإمام الحق وقد يحدث الله بقلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه ما يشتاق به إلى الموت فضلا عن كراهته فيأتيه وهو له مؤثر وإليه مشتاق وذلك من مكنون ألطافه فسبحان اللطيف الخبير ، وهذا أصل في السلوك كبير (خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال في الميزان غريب جدا ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد لغرابة لفظه وانفراد شريك به وليس بالحافظ ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه غير البخاري . 1753 - (إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون ، وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز ، قال الزمخشري من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم ، والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للإستفهام الإنكاري والإغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة ، والإجتراء الإنبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي أم منقطعة ، أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد
[ 307 ]
أكيد ووعيد شديد على النفاق العملي وكل الأمراض القلبية من غل وحقد وحسد وغيرها وفيه تحذير من الإغترار به تعالى ومن سوء عاقبة الجرأة عليه (ت) في الزهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال حسن غريب . 1754 - (إن الله تعالى قال أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده) وفي رواية يديه (الخير وويل لمن قدرت يده الشر) وذلك لأنه تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى ثم أوجب على العبد في هذه المدة القصيرة التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار أو كبلل ينال الأصبع حين يداخلها في بحر من البحار عصيان النفس الأمارة ومنعها من الركون إلى الدنيا ولذاتها لتنال حظها من كرامته فأمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم القيامة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه ابن مالك بن يحيى البكري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي رواه ابن شاهين أيضا في شرح السنة من حديث أبي أمامة وسنده ضعيف . 1755 - (إن الله تعالى قبض) حين شاء (أرواحكم) عن أبدانكم أيها الذين ناموا في الوادي عن صلاة الصبح وذلك بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا ، فالقبض مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية لأن النائم كمقبوض الروح في سلبها عنه فهو من قبيل * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * [ الزمر : 42 ] ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط (حين شاء وردها عليكم) عند اليقظة (حين شاء) وحين شاء في الموضعين ليس لوقت واحد فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون ، فحين الأولى خبر عن أحيان متعددة والمراد بذلك أنه لا لوم عليكم في نومكم حتى خرج وقت الصلاة إذ ليس في النوم تفريط ولا ينافيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مر بعلي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهما نائمان حتى طلعت الشمس أنكر عليهما فقال علي رضي الله عنه إن نواصينا بيد الله إن شاء أنامها وإن شاء أقامها فولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وضرب بيده على فخده قائلا * (وكان الانسان أكثر شئ جدلا) * [ الكهف : 54 ] لأن قصده بذلك حثهما على عدم التفريط بالاسترسال في النوم وهذا قاله حين نام هو وصحبه عن الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس فسلاهم به وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا فلما خرجوا قال (يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة) كذا هو مشدد الذال أي أذن وبالموحدة فيهما في رواية البخاري وفي رواية له فآذن بالمد وحذف الموحدة من بالناس وأذن معناه أعلم والمراد به الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الآذان المشروع فإن مشروعيته كانت بعد ، ذكره عياض ، فلما اذن قام
[ 308 ]
المصطفى صلى الله عليه وسلم فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابيضت قام فصلى والأنبياء وإن كانوا لا تنام قلوبهم لكن صرف الله قلبه للتشريع وأما الجواب بأنه كان له حالات فتارة ينام قلبه وتارة لا : فضعفه النووي ، والجواب الذي صححه أن رؤيا الشمس من وظائف البصر ضعفه جمع بأن النفوس القدسية تدرك الأشياء بلا واسطة آلة ، ألا ترى إلى خبر أتموا الصفوف فإني أراكم من خلف ظهري قال الطيبي رحمه الله تعالى ، فإن قلت كيف أسند هذه الغفلة ابتداء إلى الله ثم أسنده إلى الشيطان ثانيا ؟ قلت هو من المسألة المشهورة في خلق أفعال العباد وكسبها ، وتقريرها أن الله أراد خلق الإنسان والنوم فيهم فمكن الشيطان من اكتساب ما هو جالب للغفلة والنوم من الهدوء وغيره قال في المطامح والكلام في الروح من وراء حجاب إلا في حق من كشف له عن عالم الملكوت والصحيح أن العلم بحقيقتها غير متعذر لكنه أغمض من كل المعلومات وأعسر من جميع المطلوبات جعله الله آية عظيمة من الآيات ودلالة من الدلالات يجب القطع به وأنه مخلوق وفيه الأذان للفائتة وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما في القديم ، وفي الجديد لا ، وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه واختار النووي رضي الله تعالى عنه الأول لهذا الحديث وندب الأذان قائما لقوله قم ، ذكره عياض ، ورده النووي رضي الله تعالى عنه بأن المراد بقوله قم اذهب إلى محل بارز فناد فيه للصلاة ليسمعك الناس ولا تعرض فيه للقيام حال الأذان (حم خ د ن عن أبي قتادة) الأنصاري وهذا الحديث كثير الفوائد فمن أرادها فليراجع شروح الصحيح . 1756 - (إن الله قد حرم النار) أي نار الخلود لما ثبت أن طائفة من الموحدين يعابون ثم يخرجون بدليل أخبار الشفاعة (من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) أي يقولها خالصا من قلبه يطلب بها النظر إلى وجه الله تعالى وظاهر الخبر الاكتفاء بقولها مرة واحدة في أي وقت كان من العمر لكن بشرط الاستمرار على اعتقاد مدلولها إلى الموت المشار إليه بخبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأجرى بعضهم الحديث على ظاهره من إطلاق التحريم على النار وقال الكلام فيمن قالها بالإخلاص والصدق وهم فريقان أعلى وأدنى فالأدنى من يقف عند صنعه وأمره كالعبيد أما صنعه فهو حكمه عليه من عز وذل وصحة وسقم وفقر وغنى بأن يحفظ جوارحه السبع عن كل حكم به عليه وأما أمره فأداء الواجبات وتجنب المحرمات والإعلاء ان يكون في هذين حافظا لقلبه قد راض نفسه وماتت شهواته ورضي بأحكام الله وقنع بما أعطاه الله وفطم نفسه عن اللذات وانقاد لأمره ونهيه إعظاما لجلاله فخمدت نار شهوة النفس وخرج القلب من أسرها وقهرها فاستمسك بالعروة الوثقى فقوي واتصل بربه اتصالا لا يجد العدو إليه سبيلا لإلقاء شرك أو شك لما لزم قلبه من ذلك النور فإذا انتهى إلى الصراط صار ذلك النور وقاية من تحت قدمه ومن فوقه ومن حوله وأمامه فإذا مر بالنار قالت له يا مؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي فهو محرم عليها وهي محرمة عليه ، أما من قال لا إله إلا الله ونفسه ذات هلع وشره وشهوة غالبة فائرة بدخان لذاتها كدخان الحريق مضيعة لحقوق الله مشحونة بالكذب والغش والخيانة كثيرة الهواجس والاضطرار فليست النار محرمة عليه بل يدخلها للتطهير إلا أن
[ 309 ]
يتداركه عفو إلهي وغفر رباني (ق عن عتبان) بكسر العين المهملة وسكون المثناة فوق وبموحدة تحتية (ابن مالك) الخزرجي السالمي بدري روى عنه أنس وغيره مات زمن معاوية قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال أين مالك بن الدخشم فقال رجل ذاك منافق لا يحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله : وإن الله قد حرم إلى آخره . 1757 - (إن الله قد أمدكم) بالتشديد أي زادكم كما جاء مصرحا به في رواية ، من مد الجيش وأمده إذا زاده ، وألحق به ما يكثره قال القاضي والإمداد اتباع الثاني للأول تقوية وتأكيدا له من المدد وروي زادكم (بصلاة هي خير لكم من حمر) بسكون الميم (النعم) بالتحريك الإبل وهي أعز أموال العرب وأنفسها فجعلت كناية عن خير الدنيا كأنه قيل هذه الصلاة خير مما تحبون من عرض الدنيا وزينتها لأنها ذخيرة للآخرة * (والآخرة خير وأبقى) * [ الاعلى : 17 ] (الوتر) بالجر بدل من صلاة والرفع خبر مبتدأ محذوف قال القاضي : ولا دلالة فيه لوجوب الوتر إذ الإمداد والزيادة يحتمل كونه على سبيل الوجوب وكونه على سبيل الندب وقال غيره ليس فيه دلالة على وجوبه إذ لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد ففي حديث البيهقي عن أبي سعيد مرفوعا إن الله زادكم صلاة على صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر وقال الطيبي : قوله إن الله أمدكم وارد على سبيل الامتنان على أمته مرادا به مزيد فضل على فضل كأنه قيل إن الله فرض عليكم الخمس ليؤجركم بها ويثيبكم عليها ولم يكتف بذلك فشرع التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان وثوابا على ثواب وإليه لمح بقوله : * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * [ الاسراء : 79 ] ولفظ لك يدل على اختصاص الوجوب به فدل مفهومه على أنه غير واجب على الغير (جعلها الله لكم) أي جعل وقتها (فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) تمسك به من ذهب إلى أن الوتر لا يقضى وبه قال مالك وأحمد وسفيان وعطاء وغيرهم (حم د ت ه قط ك) كلهم (عن خارجة بن حذافة) بن غانم القرشي العدوي الذي كان يعد بألف فارس قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهو الذي قتله عمرو بن بكير الخارجي يظنه عمرو ليلة قتل علي ثم قال الحاكم صحيح تركاه لتفرد التابعي عن الصحابي وقال ابن حجر ضعفه البخاري وقال ابن حبان : منقطع ومتن باطل وقال الفرياني في اختصار الدارقطني فيه عبد الله بن راشد عن أبي قرة لم يسمع منه وليس ممن يحتج به ولا يعرف لابن أبي قرة سماع من خارجة وقال ابن عدي لم يسمع من أبيه وليس له إلا هذا الحديث وفي الميزان حديثه عن خارجة في الوتر لم يصح وقال ابن حجر ورواه أحمد عن معاذ وفيه ضعف وانقطاع والطبراني عن عمرو بن العاص وفيه ضعف والحاكم والطحاوي عن أبي نضرة وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن توبع الدارقطني عن ابن عباس وفيه النضر الخراز متروك وابن حبان عن ابن عمر وادعى أنه موضوع وقال البزار أحاديث هذا الباب كلها معلولة انتهى .
[ 310 ]
1758 - (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه) أي حظه ونصيبه الذي فرض له المذكور في آيات المواريث الناسخة للوصية للوالدين والأقربين (فلا وصية لوارث) ولو بدون الثلث إن كانت ممن لا وارث له غير الموصى له وإلا فموقوفة على إجازة بقية الورثة لقوله في الخبر الآخر إلا أن تجيز الورثة كذا قرره بعضهم وقال ابن حجر المراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم لقوله لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة وقد كانت الوصية قبل نزول آية المواريث واجبة للأقربين فلما نزلت بطلت في الوصايا (عن أنس) قال إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لعابها فسمعته يقول فذكره فظاهر صنيعه حيث اقتصر علي عزوه لابن ماجة أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه ابن حجر وغيره لأحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة ونحوه باللفظ المذكور بعينه قال ابن حجر وهو حسن الإسناد . اه . وقال في موضع آخر سنده قوي وقال في موضع آخر ورد من طرق لا يخلو إسناد منها من مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم إلى أن هذا المتن متواتر إلى هنا كلامه وقال في تخريج المختصر رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن أبي سعيد فمختلف فيه فقيل هو المقبري فلو ثبت هذا كان الحديث على شرط الصحيح لكن الأكثر على أنه شيخ مجهول وذهب الذهبي قبله في التنقيح إلى صحته حيث قال رادا على ابن الجوزي بل حديث صحيح . 1759 - (إن الله تعالى قد أوقع) أي صير (أجره) أي أجر عبد الله بن ثابت الذي تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قبل خروجه (على قدر نيته) أي فيكتب له أجر الشهادة وإن كان مات على فراشه وهذا يحتمل كونه خصوصية لذلك الصحابي ويحتمل العموم (مالك) في الموطأ (حم د ن ه حب ك) كلهم (عن جابر بن عتيك) وفي نسخة عبيد - فليحرر - ابن قيس الأنصاري من بني غنم بن سلمة صحابي جليل اختلف في شهوده بدرا وشهد ما بعدها . 1760 - (إن الله تعالى قد أجار) في رواية بإسقاط قد (أمتي) أي حفظ علماءها عن (أن تجتمع على ضلالة) أي محرم ، ومن ثم كان إجماعهم حجة قاطعة فإن تنازعوا في شئ ردوه إلى الله ورسوله إذ الواحد منهم غير معصوم بل كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونكر ضلالة لتعم وأفردها لأن الإفراد أبلغ (ابن أبي عاصم) وكذا اللالكائي في السنة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر
[ 311 ]
غريب ضعيف لكن له شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون . 1761 - (إن الله كتب) أي أوجب أو طلب والأول هو موضوع كتب عند أكثر أهل العرف لكن الثاني أولى لشموله للمندوب ومكملاته (الإحسان) مصدر أحسن وهو هنا ما حسنه الشرع لا العقل خلافا للمعتزلة والمراد طلب تحسين الأعمال المشروعة باتباعها بمكملاتها المعتبرة شرعا (على) أي في ، كما في * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) * [ البقرة : 102 ] أو إلى (كل شئ) غير الباري تقدس غني بذاته عن إحسان كل ما سواه فشمل الحيوان آدميا أم غيره والنبات لاحتياجه للنمو والملائكة بأن تحسن عشرتهم فلا يفعل ما يكرهه الحفظة ولا يأكل ماله ريح كريه والجن بنحو نيتهم بسلام الصلاة وغير ذلك والإحسان لشياطينهم بالدعاء لهم ككفار الإنس وبالإسلام وفي إفهام كتب إشعار بأنه لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم دينه كما ينشرم خرز القربة المكتوب فيها ، ذكره الحرالي (فإذا قتلتم) قودا أو حدا غير قاطع طريق وزان محصن لإفادة نص آخر التشديد فيهما وغيره نحو حشرات وسباع فلا حظ لهما في الإحسان على ما قيل لكنه عليل إذ وجوب قتلها لا ينافي إحسان كيفيته ، وفرع هذا وما بعده على ما قبله مع أن صور الإحسان لا تحصر لكونها الغاية في إيذاء الحيوان فإذا طلب الإحسان إليهما فغيرهما أولى (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف هيئة القتل بأن يختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها زهوقا لكن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن وإلا كلواط وسحر فالسيف (وإذا ذبحتم) بهيمة تحل (فأحسنوا الذبحة) بالكسر بالرفق بها فلا يصرعها بعنف ولا يجرها لتذبح بعنف وبإحداد الآلة وتوجيهها للقبلة والتسمية والإجهاز ونية التقرب بذبحها وإراحتها وتركها إلى أن تبرد وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا ولا يذبحها بحضرة أخرى سيما بنتها أو أمها (وليحد أحدكم) أي كل ذابح (شفرته) بالفتح وجوبا في الكالة وندبا في غيرها وهي السكين وشفرتها حدها فسميت به تسمية للشئ باسم جزئه وينبغي مواراتها منها حال حدها للأمر به في خبر (وليرح) بضم أوله من أراح إذا حصلت له راحة (ذبيحته) بسقيها عند الذبح ومر السكين عليها بقوة ليسرع موتها فترتاح وبالإمهال بسلخها حتى تبرد ، وعطف ذا على ما قبله لبيان فائدته إذ الذبح بآلة كالة يعذبها فراحتها ذبحها بآلة ماضية والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الإسمية قالوا وهذا الحديث من قواعد الدين (حم م عد عن شداد بن أوس) الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان ممن أوتي العلم والحكمة . 1762 - (إن الله تعالى كتب) أي قضى وقدر يقال هذا كتاب الله أي قدره ومنه * (كتب عليكم الصيام) * [ البقرة : 183 ] ، * (كتب عليكم القصاص) * [ البقرة : 187 ] قال الزمخشري سألني بعض
[ 312 ]
المغاربة ونحن بالطواف عن القدر فقلت هو في السماء مكتوب في الأرض مكسوب (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات فمن للبيان وهو مع مجروره حال من حظه ، ذكره القاضي (أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم أي أصاب ذلك ووصل إليه البتة ، ولا لنفي الجنس قال الجوهري حال كونه تغير وحال عن العهد انقلب وحال الشئ بيننا حجز والمحالة الحيلة يقال المرء يعجز لا محالة وقولهم لا محالة أي لا بد قال البيضاوي وهذا استئناف جواب عمن قال هل يخلص ابن آدم عنه قال ابن رسلان كلما سبق في العلم لا بد أن يدركه لا يستطيع دفعه لكن يلام على صدوره منه لتمكنه من التمسك بالطاعة وبه تندفع شبه القدرية والجبرية وقال الطيبي الجملة الثانية مترتبة على الأولى بلا حرف الترتيب تعويضا لاستفادته إلى ذهن السامع والتقدير كتب الله ذلك وما كتبه لا بد أن يقع (فزنا العين النظر) إلى ما لا يحل من نحو أجنبية وأمرد (وزنا اللسان المنطق) وفي رواية النطق بدون ميم أي بما لا يجوز وإطلاق الزنا على ما بالعين واللسان مجاز لأن كل ذلك من مقدماته (والنفس تمنى) أي تتمنى فحذف إحدى التاءين أي وزنا النفس تمنيها (وتشتهي) أي اشتهاؤها إياه (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أي إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء وإن ترك ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مكذبا ذكره القاضي وقال الطيبي سمى هذه الأشياء باسم الزنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدق بالإتيان لما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه والترك قال الزمخشري في قوله كذب عليك الحج كذب كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم وهو في معنى الأمر يريد أن كذب هنا تمثيل لإرادة تلك ما سولت لك نفسك من التواني في الحج وكذا ما نحن فيه من الاستعارة التمثيلية شبه صورة حالة الإنسان من إرساله الطرف الذي هو رائد القلب إلى النظر إلى المحارم وإصغائه الأذن إلى السماع ثم انبعاث القلب إلى الإشتهاء والتمني ثم استدعائه منه فصار ما يشتهى وتمنى باستعمال الرجلين في المشي واليدين في البطش والفرج في تحقيق مشتهاه فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه وإذا امتنع عن ذلك خيبة فيه ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في جانب المشبه به من التصديق والتكذيب ليكون قرينة للتمثيل وقد نظر المحاسبي رضي الله عنه إلى هذا حيث قال : وكنت متى أرسلت طرفك رائدا * * لقلبك يوما تعنك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر * * عليه ولا عن بعضه أنت صابر قال الطيبي والإسناد في قوله والفرج يصدقه أو يكذبه مجازي لأن الحقيقي هو أن يسند إلى الإنسان فأسنده إلى الفرج لأنه مصدر الفعل والسبب الأقوى وهذا ليس على عمومه لعصمة الخواص وقد يحتمل بقائه على عمومه بتكلف ، وبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج ونبه بزنا اللسان بالكلام على زنا الفم بالتقبيل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل ومكذبا له إن لم
[ 313 ]
يحققه فكان الفرج هو الموقع وفيه أن العبد لا يخلق فعل لنفسه لأنه قد يريد الزنا فلا يطاوعه الذكر ولو كان خالقا لفعله لم يعجز عما يريده مع استحكام الشهوة (ق د ن عن أبي هريرة) قال ابن حجر ورواه أحمد والطبراني أيضا . 1763 - (إن الله تبارك) تعاظم (وتعالى) تنزه عما يليق بعلا كماله (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة بكتابتهما (ثم بين) الله تعالى (ذلك) للكتبة من الملائكة حتى عرفوه واستغنوا به عن استفساره في كل وقت كيف يكتبونه (فمن هم بحسنة) أي عقد عزمه عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله تعالى) للذي هم بها أي قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (عنده حسنة كاملة) لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم ، والعندية للتشريف ومزيد الاعتناء سواء كان الترك لمانع أم لا ، قيل ما لم يقصد الإعراض عنها جملة وإلا لم تكتب ، واطلاع الملك على فعل القلب بإطلاع الله تعالى أو بأن يخلق له علما يدرك به أو بأن يجد للهم بها ريحا طيبة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم أي الحسنة (كتبها الله) أي قدر أو أمر (عنده) تشريفا لصاحبها (عشر حسنات) لأنه أخرجها من الهم إلى ديوان العمل و * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * [ الانعام : 16 ] وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد أي مثل وقيل مثلين (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع والله يضاعف لمن يشاء قال في الكشاف مضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل (وإن هم بسيئة فلم يعملها) بجوارحه ولا بقلبه (كتبها الله عنده) عندية تشريف (حسنة كاملة) ذكره لئلا يظن أن كونها مجرد هم ينقص ثوابها وفي خبر مسلم الكف عن الشر صدقة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم (كتبها الله تعالى) عليه (سيئة واحدة) لم يعتبر مجرد الهم في جانب السيئة واعتبره في جانب الحسنة تفضلا منه سبحانه ، واستثنى البعض الحرم المكي فتضاعف فيه ، وفيه (ولا يهلك على الله إلا هالك) أي من أصر على السيئة وأعرض عن الحسنات ولم ينفع فيه الآيات والنذر فهو غير معذور فهو هالك أو من حتم هلاكه وسدت عليه سبل الهدى أو من غلبت آحاده وهو السيئات عشراته وهي الحسنات المضاعفة إلى أضعاف كثيرة ، وأعظم بمضمون هذا الحديث من منة إذ لولاه لما دخل أحد الجنة لغلبة السيئات على الحسنات (ق عن ابن عباس) ظاهر أن كلا من الشيخين روى الكل ولا كذلك بل الجملة الأخيرة رواها مسلم فقط دون البخاري كما نبه عليه ابن حجر .
[ 314 ]
1764 - (إن الله كتب كتابا) أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به إرادته أزلا إثبات الكاتب على ما في ذهنه بقلمه على اللوح أو قدر وعين مقادير تعيينا بتا يستحيل خلافه (قبل أن يخلق السموات والارض) جمع السموات دون الارض وهن مثلهن لان طبقاتها بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها (بألفي عام) كنى به عن طول المدة وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدد فلا ينافي عدم تحقيق الأعوام قبل السماء والأعوام مجرد الكثرة وعدم النهاية مجازا أو العدد من غير حصر فلا ينافي الزيادة ثم الظاهر أن المراد إحداث اللفظ أو ما يدل عليه في علم ملك أو في اللوح أو في كتاب كما قيل * (في صحف مكرمة) * [ عبس : 13 ] الآية ولا إشكال وإن أراد الأمر الأزلي فتوجيهه أن المراد بالقبلية مجرد التقدم ومن البين تقدم الأزلي على حدوث كل حادث وما قيل إن الأزلي لا يتصف بالقبلية فهو بالمعنى المذكور ممنوع فإنه لا يقتضي وقوع المقدم في الزمن كتقدم الزمن الماضي على المستقبل فالمعنى أنه تحقق دون خلق السماء وقد تخلل بينهما مقدار كثير فتأمله ليظهر به اندفاع ما لكثيرين هنا (وهو عند) وفي رواية وهو عنده فوق (العرش) أي علمه عند العرش والمكتوب عنده فوق عرشه تنبيها على تعظيم الأمر وقيل لله ما في السماوات وعلى ما مر وجلالة قدر ذلك الكتاب فإن اللوح المحفوظ تحت العرش والكتاب المشتمل على الحكم فوق العرش قال القاضي ولعل السبب فيه أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك وقضية هذا العالم وهو عالم العدل المشار إليه بقوله بالعدل قامت السماوات والأرض إثابة المطيع وعقاب العاصي حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة لكثرة موجبه ومقتضيه كما قال تعالى * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) * [ النحل : 61 ] الآية وقبول إثابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه فيه كما قال * (وإن ربك لذو مغفرة للناس) * [ الرعد : 6 ] أمرا خارجا عنه مترقيا منه إلى عالم العقل الذي هو فوق العرش ، وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة انتهى وقيل كونه عند العرش عبارة عن كونه مستورا عن جميع الخلق مرفوعا عن حيز الإدراك (وأنه أنزل منه) أي من جملة الكتاب المذكور (الآيتين) اللتين (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلها خاتمتهما وأولهما * (آمن الرسول) * [ البقرة : 285 ] إلى آخرها وقيل : * (لله ما في السماوات) * [ البقرة : 284 ] على ما مر (ولا يقرآن في دار) يعني مكان ، دارا أو خلوة أو مسجد أو مدرسة أو غيرها (ثلاث ليال) في كل ليلة منها ، وكذا في ثلاث أيام فيما يظهر : إنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانشار الشياطين (فيقر بها شيطان) فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى ومن التقرير المار عرف أنه لا تعارض بين قوله هنا ألفي عام وفي خبر ابن عمر وخمسين ألف سنة على أن اختلاف الزمنين في إثبات الأمر لا يقتضي التناقض لجواز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة بل تدريجيا وفائدة التوقيت تعريفه إيانا فضل الآيتين إذ سبق الشئ بالذكر على غيره يدل على اختصاصه
[ 315 ]
بفضيلته ذكره القاضي تلخيصا من كلام التوربشتي قال الطيبي وخلاصة ما قرراه ، الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ومن جملتها كتابة القرآن ثم خلق الله خلقا من الملائكة وغيرهم فأظهر كتابة القرآن عليهم قبل ان يخلق السماوات والأرض بألفي عام وخص من ذلك هاتين الآيتين وأنزلهما مختوما بهما أولى الزهراوين ، ونظير الكتابة بمعنى الإظهار على الملائكة قراءة طه ويس عليهم قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام تنبيها على جلالتهما وشرفهما قال ويجوز أن لا يراد بالزمانين التجريد بل نفس السبق فالمبالغة فيه للشرف والله أعلم بحقيقة الحال قال والفاء في قوله فيقربها للتعقيب أي لا يوجد ولا يحصل قراءتهما فيتعقبهما قربان الشيطان فالنفي مسلط على المجموع (ت ن ك عن النعمان بن بشير) وفيه أشعث بن عبد الرحمن قال في الكاشف قال أبو زرعة وغيره غير قوي وأورده في الضعفاء وقال قال النسائي ليس بقوي ورواه الطبراني قال الهيثمي رجاله ثقات . 1765 - (إن الله تعالى كتب في أم الكتاب) اللوح المحفوظ أو علمه الأزلي (قبل أن يخلق السماوات والأرض : إنني أنا الرحمن) الرحيم أي الموصوف بكمال الإنعام بحلائل الالآء ودقائقها (خلقت الرحم) أي قدرتها (وشققت لها اسما من اسمي) لأن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن فهما من أصل واحد وهو الرحمة أو يقال الرحم مشتقة من الرحمة المشتق منها اسم الرحمن (فمن وصلها وصلته) أي أحسنت إليه وأنعمت عليه (ومن قطعها قطعته) أي أعرضت عنه وأبعدته عن رحمتي ولم أزد له في عمره كما سيجئ في خبر إن صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار ، قال الحكيم خلق الله الرحم بيده وشق لها اسما من اسمه ثم أرسل حواشي قميص الرحمة من العرش ليتعلق الخلق بها فمن وصل الرحم فقد تعلق بحاشية القميص ومن قطعها قصرت يده عن حواشي القميص فانقطع عن رحمة الله ولم يبق له إلا رحمة التوحيد . (تنبيه) الرحم ضربان رحم قرابة وولادة ورحم إيمان وإسلام ورحم القرابة نوعان رحم يرث ورحم لا يرث ورحم تجب نفقته بالحكم كالأصول والفروع ورحم لا تجب نفقته بالحكم كالحواشي بل بالصلة والإحسان والصلة تكون بالمال وتكون بالزيارة والإحسان وبالصفح في الأقوال وبالعون في الأفعال وبالألفة بالمحبة والإجتماع وغير ذلك من معاني التواصل هذا في الدنيا وأما فيما بعد الموت فبالاستغفار لهم والدعاء ونحو ذلك ومن الصلة للرحمين تعليمهم ما يجهلون وتنبيههم على ما ينفعهم ويضرهم (طب) وكذا الأوسط (عن جرير) قال الزين العراقي وفيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع وهو متروك وتبعه الهيثمي . 1766 - (إن الله تعالى كتب) أي فرض (عليكم السعي) بين الصفا والمروة في النسك فمن لم يسع لم يصح حجه عند الثلاثة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه واجب لا ركن فيجير بدم ويصح حجه
[ 316 ]
(فاسعوا) أي اقطعوا المسافة بينهما بالمرور كما يرشد إليه قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية كان إذا نزل من الصفا يمشي فليس المراد بالسعي العدو كما وهم وأصل السعي الإسراع في المشي حسا أو معنى ذكره الحرالي (طب عن ابن عباس) قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام حج عن الرمل فذكره قال الهيثمي وفيه الفضل بن صدفة وهو ضعيف انتهى . وفي الباب حديث صحيح وهو ما رواه جمع منهم ابن المبارك من حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية عن نسوة من بني عبد الدار قلن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد إلى السعي حتى إذا بلغ زقاق بني فلان استقبل الناس فقال يا أيها الناس اسعوا إن الله قد كتب عليكم السعي قال الذهبي في التنقيح إسناده صحيح ورواه أيضا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لكن فيه عندهما عبد الله بن المؤمل فيه ضعف قال ابن حجر لكن إذا انضمت إلى رواية الطبراني تقوت . 1767 - (إن الله كتب الغيرة) بفتح الغين أي الحمية والأنفة (على النساء) أي حكم بوجود الغيرة فيهن على رجالهن ومن ضرائرهن فليصبرن على جهاد أنفسهن عند ثوراتها كما يصبر الرجال على جهاد الأعداء فإن لم تجاهد إحداهن نفسها وشيطانها ذهب كمال دينها وظفر بها شيطانها بتسخطها وظلمها زوجها فضرتها وربما جنت أو أهلكت نفسها فقد قالت امرأة لعمر زنيت فحدني فقال زوجها ما فعلت بل حملتها الغيرة (والجهاد على الرجال فمن صبر) القياس صبرت لكن ذكره رعاية للفظ من (منهن إيمانا واحتسابا) أي لوجه الله تعالى وطلبا للثواب (كان لها مثل أجر الشهيد) أي إنسان قتل في معركة الكفار بسبب القتال فهذه تقابل وتجبر تلك النقيصة وهي عدم قيامهن بالجهاد الذي كتب على الرجال وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغير بما يصدر عنها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند قال ابن حجر رحمه الله لا بأس به عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا : إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه . وخرج بقوله من صبر من لم يصبر فإن أظهرت الضجر والسخط فلا أجر لها أصلا وبقوله إيمانا واحتسابا من صبرت ولم تحتسب صبرها فلا يكون لها أجر شهيد لكن لها أجر في الجملة (طب) والبزار كلاهما من حديث عبيد بن الصباح عن كامل عن أبي العلاء عن الحكم عن إبراهيم بن علقمة (عن ابن مسعود) قال : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت امرأة عريانة فقام إليها رجل فألقى عليها ثوبا وضمها إليه فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسبها غيرى ثم ذكره قال البزار لا نعلمه إلا من هذا الوجه وعبيد لا بأس به وكامل كوفي مشهور على أنه لم يشاركه أحد فيه انتهى . وقال الهيثمي فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم ووثقه البزار وبقية رجاله ثقات وقال في الميزان عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وساق هذا الخبر من مناكيره وفي اللسان أورده العقيلي في الضعفاء ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به اه . لكنه في الفتح عزاه للبزار وحده ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم هكذا قال .
[ 317 ]
1768 - (إن الله تعالى كره لكم ثلاثا) أي فعل خصال ثلاث أحدهما (اللغو عند) قراءة (القرآن) أي التكلم بالمطروح من القول عند تلاوته بل ينبغي الإنصات والاستماع * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * [ الاعراف : 204 ] وخرج باللغو الكلام لفائدة دينية كتفسير غريبه والبحث في نحو شئ من أحكامه (و) ثانيها (رفع الصوت في الدعاء) فإن من تدعونه يعلم السر وأخفى * (وهو معكم أينما كنتم) * [ الحديد : 4 ] وفي رواية عند الدعاء أي يسن الإنصات عند دعاء الداعي وعدم اللغو حالتئذ حيث كان ذلك الدعاء مشروعا (و) ثالثها (التخصر في الصلاة) أي وضع اليد على الخاصرة حال الصلاة فيكره تزينها ودعوى أن المراد يتوكأ على عصا فيها أو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين لا يكملها في فريضة بعيد من السياق ولو كثر اللغو حتى أدى إلى التخليط على القارئ أو كان الرفع يؤذي نحو مصل أو كان التخصر كبرا وإعجابا كانت الكراهة للتحريم (عب عن) أبي نصر (يحيى بن أبي كثير) ضد القليل الطائي مولاهم اليمامي لإمام أحد الأعلام واسم أبيه صالح أو يسار أو دينار من كبار التابعين وعبادهم (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية الإرسال مع ما فيها من الإعلال وهو ذهول فقد خرجه الديلمي من حديث جابر مرفوعا . 1769 - (إن الله تعالى كره لكم ستا) من الخصال أي فعلها ، أولها (العبث في الصلاة) أي اللعب أي عمل ما لا فائدة فيه (و) ثانيها (المن في الصدقة) فإنه محبط لثوابها * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن) * [ البقرة : 264 ] (و) ثالثها : (الرفث في الصيام) أي الكلام الفاحش فيه (و) رابعها (الضحك عند القبور) فإنه يدل على قسوة القلب الموجبة للبعد عن الرب بل اللائق إكثار البكاء والقراءة والدعاء (و) خامسها (دخول المساجد) عبر بصيغة الجمع ليفيد عدم اختصاص النهي ببعضها كمسجده الشريف أو الحرم المكي أو الأقصى (وأنتم جنب) يعني دخولها بغير مكث فإنه مكروه تنزيها أو خلاف الأولى ومع اللبث حرام (و) سادسها (إدخال العيون البيوت) عمدا (بغير إذن) من أهلها يعني نظر الأجنبي إلى من في داخل بيت غيره بغير إذنه فإنه يكره تحريما ومن ثم جاز لرب الدار أن يخذقه ويفقأ عينه أي إن لم يندفع إلا بذلك (ص) وكذا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار الحمصي (عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) قال ابن حجر وهو في مسند الشهاب من هذا الوجه وقال ابن طاهر عبد الله بن دينار هو الحمصي وليس المدني وهذا منقطع . 1770 - (إن الله تعالى كره لكم البيان كل البيان) أي التعمق والمبالغة في إظهار الفصاحة في
[ 318 ]
النطق وتكلف البلاغة في أساليب الكلام لأنه يجر إلى أن يرى الواحد منا لنفسه فضلا على من تقدمه في المقال ومزية عليه في العلم أو الدرجة عند الله لفضل خص به عنهم فيحتقر من تقدمه ولا يعلم المسكين أن قلة كلام السلف إنما كان ورعا وخشية لله ولو أرادوا الكلام وإطالته لما عجزوا غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله تلاشت عقولهم وانكسرت قلوبهم وقصرت ألسنتهم ، والبيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة في المعنى (تنبيه) قال الزمخشري البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم والذكاء وأصله الكشف والظهور (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان وهو ضعيف قال الزين العراقي ورواه ابن السني في رياض المتعلمين عن أبي أمامة بسند ضعيف . 1771 - (إن الله تعالى كريم) أي جواد لا ينفذ عطاؤه (يحب الكرم) لأنه من صفاته وهو يحب من تخلق بشئ منها كما سبق (ويحب معالي الأخلاق) من الحلم ونحوه من كل خلق فاضل لما ذكر (ويكره) لفظ رواية أبي نعيم ويبغض (سفسافها) بفتح أوله المهمل أي رديئها قال ابن عبد السلام الصفات الإلهية ضربان . أحدهما يختص به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكون ، والثاني يمكن التخلق به وهو ضربان . أحدهما لا يجوز التخلق بها كالعظمة والكبرياء ، والثاني ورد الشرع بالتخلق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء فالتخلق به بقدر الإمكان مرض للرحمن مرغم للشيطان . (تنبيه) قال في الصحاح السفساف الردئ من الشئ كله والأمر الحفير وقال الزمخشري تقول العرب شعر سفساف وكل عمل لم يحكمه عامله فقد سفسفه . وكل رجل مسفسف لئيم العطية ومن المجاز قولهم تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف . وسام جسيمات الأمور ولا تكن * * مسفا إلى ما دق منهن دانيا (طب حل ك عن سهل بن سعد) قال الحافظ العراقي بعدما عزاه لمن ذكر خلا أبي نعيم إسناده صحيح وقال الهيثمي رجال الطبراني ثقات . 1772 - (إن الله تعالى لم يبعث نبيا ولا) استخلف (خليفة) فضلا عن غيرهما وفي رواية من خليفة كالأمراء فإنهم خلفاء الله على عباده (إلا وله بطانتان) تثنية بطانة بالكسر وليجة وهو الذي يعرفه الرجل بأسراره ثقة به ، شبه ببطانة الثوب هنا كما شبه بالشعار في خبر : الأنصار شعار والناس دثار ذكره القاضي (بطانة تأمره بالمعروف) أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه وفي رواية بدل بالمعروف وبالخير (وتنهاه عن المنكر) ما أنكره الشرع ونهى عن فعله قال ابن حجر البطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والمتعدد (وبطانة لا تألوه خبالا) أي لا تقصر في إفساد أمره وهو اقتباس من قوله سبحانه
[ 319 ]
وتعالى * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) * [ آل عمران : 118 ] ، (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) * [ النساء : 38 ] واستشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي لأنه وإن جاز عقلا أن يكون في من يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور من أن يصغي إليه ولا يعمل بقوله لعصمته ، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك وهو قوله : (ومن يوق بطانة السوء) بأن يعصمه الله تعالى منها (فقد وقى) أي وقي الشر كله فهذا هو منصب النبوة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يحصل لغيرهم بتوفيقه تعالى وهدايته وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وفيهم من يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء أخرى فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لظهوره وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال ابن التين وغيره يحتمل أن يريد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل الملك والشيطان ويحتمل النفس الأمارة واللوامة إذ لكل منهم قوة ملكية وقوة حيوانية والحمل على الأعم أتم لكن قد لا يكون للبعض إلا البعض وحينئذ فعلى الحاكم أن لا يبادر بما تلقى إليه حاشيته حتى يبحث عنه وأن يتخذ لسره ثقة مأمونا فطنا عاقلا لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبول قول غير موثوق به إذ كان هو حسن الظن فيلزمه التثبت والتدبر ويسأل الله الهداية والتبصر (خد ت عن أبي هريرة) قال في الكبير صحيح غريب وفي الباب غيره أيضا وهو في البخاري بزيادة ونقص . 1773 - (إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم) من الأمراض القلبية والنفسية أو الشفاء الكامل المأمون الغائلة (فيما حرم) بالبناء للفاعل ويجوز للمفعول (عليكم) لأنه سبحانه وتعالى لم يحرمه إلا لخيثه ضنا بعباده وحمية لهم وصيانة عن التلطخ بدنسه وما حرم عليهم شيئا إلا عوضهم خيرا منه فعدولهم عما عوضه لهم إلى ما منعهم منه يوجب حرمان نفعه ومن تأمل ذلك هان عليه ترك المحرم المؤذي واعتاض عنه النافع المجدي ، والمحرم وإن أثر في إزالة المرض لكنه يعقب بخبثه سقما قلبيا أعظم منه فالمتداوي به ساع في إزالة سقم البدن بسقم القلب وبه علم أنه لا تدافع بين الحديث وآية * (منافع للناس) * [ البقرة : 219 ] ومحل المنافع المنصوص عليها فيها على منفعة الإتعاظ فإن السكران هو والكلب واحد يلحس في ذ امرة وذا مرة تكلف بارد (طب) وكذا أبو يعلى كما في الدرر للمصنف (عن أم سلمة) قالت نبذت نبيذا في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال : ما هذا ؟ قلت : اشتكت ابنة لي فصنعت لها فذكره قال الهيثمي إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان والبيهقي باللفظ المذكور قال في المهذب وإسناده صويلح انتهى وقال ابن حجر رحمه الله ذكره ابن خالد تعليقا عن ابن مسعود قال وقد أوردته في تعليق التعليق من طرق صحيحة . 1774 - (إن الله تعالى لم يفرض الزكاة) أي لم يوجبها من الفرض وهو الجز في الشئ لينزل فيه ما
[ 320 ]
يسد فريضته حسا أو معنى ذكره الحرالي (إلا ليطيب) بالتشديد ويخفف أي بإفرادها عن المال وصرفها إلى مستحقيها (ما بقي) بعد إخراج الفرض (من أموالكم) أي يخلصها من الشبه والرذائل فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل وهذا مأخوذ من قوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * [ التوبة : 103 ] ومعنى التطيب أن أداء الزكاة إما أن يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء وإما أن يزكي من تبعة ما لحقه به من إثم منع حق الله (وإنما فرض المواريث) زاد ابن أبي حاتم من أموالكم (لتكون) في رواية لتبقى (لمن بعدكم) من الورثة وقوله وإنما فرض إلخ معطوف على قوله إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ولم يفرض المواريث إلا لتكون لمن بعدكم والمعنى لو كان مطلق الجمع وضبطه محظورا لما افترض الله الزكاة ولا الميراث (ألا) حرف تنبيه (أخبركم بخير ما يكنز) بفتح أوله (المرء) فاعل يكنز (المرأة الصالحة) أي الجميلة العفيفة الدينة فإنها خير ما يكنز وادخارها أنفع من كنز الذهب والفضة قال الطيبي المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف والجملة الشرطية بيان (إذا نظر إليها سرته) أي أعجبته لانه ادعى لجماعها فيكون سببا لصون فرجه ومجئ ولد صالح (فإذا أمرها أطاعته) في غير معصية (وإذا غاب عنها) في سفر أو حضر (حفظته) في نفسها وماله كما في خبر آخر ولابن ماجه وإن أقسم عليها أبرته قال الطيبي : ووجه المناسبة بين المال والمرأة تصور الانتفاع من كل منهما وأنهما نوعا هذا الجنس ولذلك استثنى الله من أتى الله بقلب سليم من قوله * (يوم لا ينفع مال ولا بنون) * [ الشعراء : 88 ] وقوله إذا غاب عنها حفظته مقابل لقوله إذا نظر إليها سرته وقوله إذا أمرها أطاعته دلالة على حسن خلقها وسبب الحديث أنه لما نزل * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * [ التوبة : 34 ] الآية كبر ذلك على المسلمين فقال عمر أنا أفرج عنكم فقال : يا نبي الله كبر على أصحابك هذه الآية فقال : إن الله ما فرض الزكاة إلا لتتطيب ما بقي من أموالكم فكبر عمر رضي الله عنه فقال : ألا أخبركم إلى آخره قال القاضي لما بين لهم أنه لا حرج عليهم في كنز المال ما داموا يؤدون زكاته ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهو المرأة الصالحة الجميلة فإن الذهب لا ينفع الرجل ولا يغنيه إلى إن فر عنه والمرأة ما دامت معه رفيقته ينظر إليها فتسره ويقضي عند الحاجة منها وطره ويشاورها فيما يعن له فتحفظ سره ويستمد منها في حوائجه فتطيع أمره وإذا غاب عنها تحامي ماله وتراعي عياله ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذره وتربي زرعه فيحصل بسببها ولد يكون له وزيرا في حياته وخليفة بعد وفاته لكفى (د ك هق) كلهم في الزكاة (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرطهما وأقر الذهبي في التلخيص في الزكاة ورده في التهذيب في التفسير فقال عثمان القطان أي أحد رجاله لا أعرفه والخبر عجيب انتهى وقال فيه المهذب فيه عثمان أبو اليقظان ضعفوه انتهى وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه .
[ 321 ]
1775 - (إن الله) أي اعلم يا من جاءنا يطلب من الصدقة إن الله قد اعتنى بأمر الصدقة وتولى قسمتها بنفسه (لم يرض بحكم نبي) مرسل (ولا غيره) من ملك مقرب أو جهبذ مجتهد (في الصدقات) أي في قسمتها على مستحقيها (حتى حكم فيها هو) أي أنزلها مقسومة في كتابه واضحة جليلة قال الطيبي وقوله هو تأكيد إذ ليس هنا صفة جرت على غير من هي له وحتى بمعنى إلى (فجزأها ثمانية أجزاء) مذكورة في قوله * (إنما الصدقات) * [ التوبة ، 6 ] إلى آخر الآية وتمام الحديث فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك قال الحرالي وإذا تولى الله سبحانه إدانة حكم أنهاه إلى الغاية في الإفصاح وفيه رد على المزني منا في صرفه خمسها لمن له خمس الغنيمة ورد على أبي حنيفة رضي الله عنه والثوري والحسن رضي الله عنهما في صرفها لواحد ومالك رضي الله عنه في دفعها لأكثرهم حاجة وفيه إشارة إلى أن الزكاة على هذا النمط من خصائص هذه الأمة وأنها علية الشأن عند الله لكونه تولى شرع قسمتها بنفسه ولم يكله إلى غيره وناهيك به شرفا وقد ورد مثل هذا الخبر للمواريث في خبر ضعفه ابن الصلاح بلفظه إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب ولكن قسمها بنفسه (د) في الزكاة (عن زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد المهملة صحابي نزل من مصر فقال قال رجل يا رسول الله أعطني من هذه الصدقة فذكره ثم قال فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك وفيه كما قال الذهبي في المهذب عبد الرحمن بن زياد وهو الإفريقي ضعيف انتهى وكذا قال المناوي ثم هذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه . 1776 - (إن الله لم يبعثني معنتا) أي شقاء على عباده (ولا متعنتا) بتشديد النون مكسورة أي طالب للعنت وهو العسر والمشقة (ولكن بعثني معلما) بكسر اللام مشددة (ميسرا) من اليسر ، قال الحرالي وهو حصول الشئ عفوا بلا كلفة وهذا قاله لعائشة رضي الله عنها لما أمره الله بتخيير نسائه فبدأ بها فخيرها فاختارته وقالت يا رسول الله لا تقل إني اخترتك (تنبيه) قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه لما كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة أو النار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطي علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة من غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلها وإن كانوا أذكياء وعلماء ، ألا ترى هذه الأمة ترجمت جميع علوم الأمم ، ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجما ولم ينطلق عليه اسم الترجمة ؟ فعلمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن لهم (م عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في السنن وغيره .
[ 322 ]
1777 - (إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا) أي في الرزق الذي رزقناه (أن نكسو الحجارة واللبن) بكسر الباء (والطين) قاله لعائشة رضي الله عنها وقد رآها أخذت غطاء فسترته على الباب فهتكه أو قطعه وفهم منه كراهة ستر نحو باب وجدار لأنه من السرف وفضول زهرة الدنيا التي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يمد عينيه إليها بقوله * (ولا تمدن عينيك) * [ الحجر : 88 ] الآية والكراهة للتنزيه عند جمهور الشافعية لا للتحريم إذا كان غير حرير خلافا لبعضهم وليس في قوله لم يأمرنا بذلك ما يقتضي التحريم إذ هو إنما يبغي الوجوب والندب (م د) كلاهما في اللباس (عن عائشة) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد خرجه البخاري أيضا في اللباس وهو في مسلم مطولا ولفظه عن زيد بن خالد عن أبي طلحة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل قال أي زيد فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك قالت لا ولكن سأحدثكم بما رأيت رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال إن الله إلخ . 1778 - (إن الله تعالى لم يجعل لمسخ) أي الآدمي ممسوخ قردا أو خنزيرا (نسلا ولا عقبا) يحتمل أنه لا يولد له أصلا أو يولد له لكن ينقرض في حياته يعني فليس هؤلاء القردة والخنازير من أعقاب من مسخ من بني إسرائيل كما توهمه بعض الناس ثم استظهر على دفعه بقوله (وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك) أي قبل مسخ من مسخ من الإسرائيليين فأنى لكم في أن هذه القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الممسوخ ؟ هذا رجم بالغيب ، قال السهيلي وفي الحديث رد على زعم ابن قتيبة أن أل في قوله تعالى * (وجعل منهم القردة والخنازير) * [ المائدة : 60 ] يدل على أن القردة والخنازير من نسل أولئك الذين مسخوا ، وقد أنكر بعض الحكماء المسخ وقال إن الإنسان هو الهيكل المشاهد والبينة المحسوسة فإذا بطل وتعلق في تلك الأجساد تركيب للقرد وشكله كان ذلك إعداما للإنسان وإيجادا للقرد ويرجع حاصل المسخ على هذا إلى أنه تعالى أعدم الإعراض التي باعتبارها كانت قردا فهذا يكون إعداما وإيجادا لا مسخا ، الثاني لو جوزنا ذلك لما أمنا في كل ما نراه قردا أو كلما أنه كان إنسانا عاقلا فيفضي إلى الشك في المشاهدات ، وأجيب عن الأول بأن الإنسان ليس هو تمام الهيكل لأن هذا الإنسان قد يصير سمينا بعد أن كان هزيلا وبالعكس والأجزاء متبدلة والإنسان المعنى هو الذي كان موجودا والثاني غير الزائل فالإنسان أمر وراء هذا الهيكل المحسوس وذلك الأمر إما أن يكون جسيما ساريا في البدن أو حالا في بعض جوانبه كالقلب أو الدماغ أو موجود مجرد وعلى كل تقدير فلا امتناع في نفاذ ذلك السر مع تطرق المسخ إلى هذا الهيكل وعند الثاني بأن الأمان يحصل بإجماع الأمة فثبت بما قلنا جواز
[ 323 ]
المسخ (تنبيه) قال ابن العربي رضي الله عنه : قوله الممسوخ لا ينسل دعوى وهذا أمر لا يعلم بالعقل وإنما طريق معرفته الشرع وليس في ذلك أثر يعول عليه انتهى وهو غفول عجاب مع ثبوته في أصح كتاب ثم رأيت الحافظ الزين العراقي قال قال ابن العربي قولهم الممسوخ لا ينسل دعوى غلط منه مع ثبوته في مسلم (فائدة) قال الحافظ الزين العراقي لو تحقق أن آدميا مسخ في صورة ما يؤكل لحمه فهل يحرم أو يحل ؟ لم أر لأصحابنا فيه كلاما وقد قال ابن العربي بحله لأن كونه آدميا زال انتهى والحديث بإطلاقه يعارض هذا الحديث الآتي فقدت أمة من الأمم قال الجوهري والمسخ أي أصله تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها (حم م عن ابن مسعود) قال قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك لقد سألت لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يعجل شئ منها قبل حله ولا يؤخر شئ منها بعد حله ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب النار أو عذاب في القبر كان خيرا ، فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ فقال إن الله إلخ . 1779 - (إن الله تعالى لم يجعلني لحانا) بالتشديد أي كثير الحن في الكلام بل لساني لسان عربي مبين مستقيم وصيغة المبالغة هنا ليست على بابها والمراد نفي اللحن مطلقا وإن قل (اختار لي خير الكلام كتابه القرآن) ومن كتابه القرآن كيف يلحن لا تنقضي آياته ولا تتناهى على مر الزمان معجزاته قل أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء ورفعوا رؤوسهم من بدائعه وصنائعه تعجبا فمن القرآن خلقه ولسانه كيف يلحن (الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب له (عن أبي هريرة) قال قلنا يا رسول الله ما رأينا أفصح منك فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يقف عليه لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور . 1780 - (إن الله لم يخلق خلقا هو أبغض إليه من الدنيا) وإنما أسكن فيها عباده ليبلوهم أيهم أحسن عملا (وما نظر إليها) نظر رضى (منذ خلقها بغضا لها) كذا هو بخط المصنف وذلك لأن أبغض الخلق إلى الله من آذى أولياءه وشغل أحبابه وصرف وجوه عباده عنه وحال بينهم وبين السير إليه والإقبال عليه والدنيا مبغوضة لأوليائه شاغلة لهم عنه فصارت بغيضة له لخداعها وغرورها فيه فتنة ومحنة حتى لكبار الأولياء وخواص الأصفياء لكن الله ينصرهم ويظفرهم ، وقصد الخبر التنبيه على أنه لا ينبغي طلب الدنيا إلا لضرورة ولا يتناول منها إلا تناول المضطر من الميتة إذ هي سم قاتل ، فالعاقل يطلب منها قدر ما يصان الوجه به على تكره منها لكونها بغيضة لله وعلى توق من سمها وحذر من غدرها وغرورها (ك في التاريخ) المشهور قال التاج السبكي ولا نظير له (عن أبي هريرة) وفيه داود بن
[ 324 ]
المحبر قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان يضع الحديث على الثقات والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي متروك ورواه البيهقي في الشعب مرسلا . 1781 - (إن الله تعالى لم يضع) أي ينزل (داء إلا وضع له شفاء) فإنه لا شئ من المخلوقات إلا وله ضد فكل داء له ضد من الدواء يعالج به قال القرطبي رحمه الله هذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر عن الصادق البشير عن الخالق القدير * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * [ الملك : 14 ] فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه والداء والدواء كلاهما بفتح الدال والمد وحكى كسر دال الدواء (فعليكم بألبان البقر) أي الزموا تناولها (فإنها ترم) بفتح المثناة وبضم الراء (من كل الشجر) أي تجمع منه وتأكله وفي الأشجار كغيرها من النبات منافع لا تحصى منها ما علمه الأطباء ومنها ما استأثر الله بعلمه ، واللبن يتولد منها ففيه بعض تلك المنافع فربما صادف الداء الدواء والمستعمل لا يشعر (حم عن طارق) بالقاف (ابن شهاب) بن عبد شمس البجلي صحابي يعد في الكوفيين له . 1782 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم) أي الكبر فإنه لا دواء له البتة ، قال ابن حجر رحمه الله : استثنى في الحديث الآتي الموت وهنا الهرم فكأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة أو القربة إلى الموت وإفضائه إليه ويحتمل أنه استثناء منقطع والتقدير لكن الهرم لا دواء له (فعليكم بألبان البقر) أي الزموها (فإنها ترم من كل الشجر) قد تضمن هذا الخبر وما قبله وبعده إثبات الأسباب والمسببات وصحة علم الطب وجواز التطيب بل ندبه والرد على من أنكره من غلاة الصوفية قال الحكماء : والطبيب معذور إذا لم يدفع المقدور (ك عن ابن مسعود) عبد الله ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما . 1783 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) فإذا شاء الله الشفاء يسر ذلك الدواء ، على مستعمله بواسطة أو دونها فيستعمله على وجهه وفي وقته فيبرأ ، وإذا أراد هلاكه أذهله عن دوائه وحجبه بمانع فهلك وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه ، وما أحسن قول من قال : والناس يرمون الطبيب وإنما * * غلط الطبيب إصابة المقدور
[ 325 ]
علق البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو الكمية نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمن صالحا للدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع منع تأثيره لم يحصل البرؤ ومتى تمت المصادفة حصل قال ابن حجر رحمه الله تعالى ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال : إن الطبيب لذو عقل ومعرفة * * ما دام في أجل الإنسان تأخير حتى إذا ما انقضت أيام مدته * * حار الطبيب وخانته العقاقير (إلا السام) بمهملة مخففا (وهو الموت) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه قال ، ابن القيم والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل (ك عن أبي سعيد) الخدري ونحوه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان . 1784 - (إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها) بفتح المثناة تحت وشدة الطاء وكسر اللام كما في النهاية (منكم مطلع) مفتعل اسم مفعول أصله موضع الإطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض (1) والمراد أنه لم يحرم على البشر شيئا إلا وقد علم أنه سيطلع على وقوعه منهم (ألا) حرف تنبيه (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة بمهملة فجيم فزاي وهي محل العقدة من الإزار (أن تهافتوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تتهافتوا (في النار) من الهفت السقوط وأكثر ما يستعمل التهافت (1) ويحتمل أن مطلع اسم فاعل والمعنى لم يحرم الله على الادميين حرمة إلا وقد علم الله أن بعضهم سيقع فيها . (*)
[ 326 ]
في الشر (كما بتهافت الفراش (1) والذباب) في نار الدنيا فالرسول بأوامره ونواهيه شبيه لمن يأخذ بعقدة الإزار التي هي مجمع الجذب والأخذ عادة لكونها أجمع شئ يقع الجذب به ومع ذلك تغلب الشهوة على النوع البشري ويسقط في الحرمة كما يتساقط الفراش والذباب في النار لتوهمه أنها نور * (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) * [ البقرة : 216 ] * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) * [ فاطر : 8 ] قال الحرالي والتحريم تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشئ لدناءته والحرمة بالضم المنع من الشئ لعلوه (حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المسعودي وقد اختلط . 1785 - (إن الله تعالى لم يكتب على الليل (2) صياما فمن صام تعنى) بفتح المثناة فوق والمهملة ونون مشددة أي أدخل نفسه في العناء أي المشقة (ولا أجر له) لمخالفته للمشروع فيحل فيه الفطر بل يجب لحرمة الوصال علينا وذلك لأن النهار معاش فكان الأكل فيه أكلا في وقت انتشار الخلق وتعاطي بعضهم من بعض فيأنف عنه المرتقب والليل سبات ووقت توف وانطماس فبدأ فيه من أمر الله ما احتجب ظهوره في النهار وكان المطعم بالليل طاعم من ربه الذي هو وقت تجليه ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فكان الطاعم في الليل إنما أطعمه الله وسقاه فلم يقدح ذلك في معنى صومه وإن ظهر وقوع صورته في حسه كالناسي بل المأذون له أشرف رتبة منه ذكره الحرالي وغيره (ابن قانع) في معجم الصحابة (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) كلاهما من حديث عبادة بن سني (عن أبي سعد الخير) صوابه كما في التقريب وغيره سعد وأبو سعيد الخير بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية الأنماري صحابي شامي وقيل اسمه عامر بن سعد له حديث واحد وهو هذا قال في التقريب ووهم وصحف من خلطه بأبي سعيد الحبراني وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلا ولا أشهر ممن ذكره وهو عجيب فقد خرجه الترمذي في العلل عن أبي فروة الرهاوي عن معقل الكناني عن عبادة بن سني عن أبي سعد الخير أيضا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال ما أراه إلا مرسلا وما أرى عبادة سمع من أبي سعد قال البخاري وأبو فروة صدوق لكن ابنه محمدا روى عنه مناكير ورواه ابن منده عن أبي سعد أيضا أيضا بلفظ إن الله لم يكتب عليكم صيام الليل فمن صام فليتعن ولا أجر له قال ابن منده غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه وفيه معقل الكناني قال ابن حجر لا أعرفه إلا في هذا الحديث وقد ذكره البخاري وغيره ولم يعرفه إلا فيه . (1) جمع فراشة بالفتح دويبة تطير في الضوء وتوقع نفسها في النار أي أخاف عليكم إن ارتكبتم ما حرم الله عليكم أن تسقطوا في النار كما يسقط الفراش والذباب فيها فالامساك كناية عن الامر والنهي . (2) يحتمل أن الياء من على مشددة وأن صياما تمييز محول عن المفعول وأصله لم يكتب علي صيام الليل وإن كانت الرواية بعدم تشديد الياء فعلى بمعنى في . (*)
[ 327 ]
1786 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها) فيه خذف وتقديره لما خلقها نظر إليها ثم أعرض عنها بقرينة الحديث الآتي عقبه (فلم ينظر إليها) بعد ذلك نظر رضى وإلا فهو ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لاضمحلت فلم يبق لها أثر ولا خبر وذلك (من هوانها عليه) أي حقارتها لما أنها قاطعة طريق الوصول إليه وعدوة لأوليائه لأنها تزينت لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه فإنها استدرجتهم بمكرها واقنتصتهم بشبكتها فوثقوا بها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها ، قيل لحكيم ما مثل الدنيا قال هي أحقر من أن يكون لها مثل وقال بعضهم من نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوضي الله لم ينظر إليه منذ خلقه (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) أرسل عن جمع كثير من الصحابة . 1787 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها) بإنقضائها ولأوصافها الذميمة ولأفعالها القبيحة والنظر الثابت المذكور هنا هو نظر الخلق والتقدير والنظر المنفي فيما قبله نظر الرضى عنها (ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك (1) إلا في شرار خلقي) أي في قلوب شرارهم ومن ثم كان أكثر القرآن مشتمل على ذمها والتحذير منها وصرف الخلق عنها وتظافرت على ذلك الكتب الإلهية وتطابقت عليه الشرائع وتوامأت عليه الأمم حتى من أنكر البعث ، وأما أهل الثروة والغناء من الصدر الأول فلم تكن الدنيا في قلوبهم بل في أيديهم لصرفهم لها في وجوه الطاعات وعدم شغلهم بها عن الله (تنبيه) العارف تزداد محبته في الله سبحانه وتعالى كلما سلبه شيئا من أمور الدنيا والآخرة لأنه أوقفهم على حدود عبوديتهم ولا يتجاوز بهم إلى رؤية شركتهم له في شئ من الوجود فهم راضون عنه في حال سلبهم كرضاهم حال نسبة الأمور إليهم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 1788 - (إن الله تعالى لما) أي حين (خلق الخلق كتب بيده على نفسه) أي أنبت في علمه الأزلي ، قال القاضي يعني أنه لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه فشأنه حكم الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق إليه تغيير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكام أمر عقد (1) بفتح الهمزة وسكون اللام وضم المثناة الفوقية أي كما أنزلت حبك والانهماك عليك الخ ووجدت في نسخة مضبوطة بالقلم لا أنزلك بضم الهمزة وكسر الزاي وفتح اللام وشدة النون . (*)
[ 328 ]
عليه سجلا وحفظة ليكون حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف (إن رحمتي تغلب غضبي) أي غلبت عليه بكثرة آثارها (1) ألا ترى أن قسط الخلق من الرحمة أكثر من قسطهم من الغضب لنيلهم إياها بلا استحقاق وأن قلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ ولا يعجل بالعقوبة عليهم إذا عصوه بل يرزقهم ويقبل توبتهم وما تعلق بالرحمة والفضل أحب إليه من فعل ما تعلق بالغضب (ت ه عن أبي هريرة) وورد بمعناه من عدة طرق . 1789 - (إن الله تعالى ليؤيد) يقوي وينصر من الأيد وهو القوة كأنه يأخذ معه بيده في الشئ الذي يقويه فيه وذكر اليد مبالغة في تحقق الوقوع (الإسلام برجال ما هم من أهله) أي من أهل الدين لكونهم كفارا ومنافقين أو فجارا على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام على الحد الذي حده وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمنه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والأول هو الملائم للسبب الآتي وقد يقال الأقرب الثاني لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب فيه . 1790 - (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين) أي الدين المحمدي بدليل قوله في الخبر الآتي إن الله يؤيد هذا الدين (بالرجل الفاجر) واللام للعهد والمعهود الرجل المذكور أو للجنس ولا يعارضه خبر مسلم الآتي إنا لا نستعين بمشرك لأنه خاص بذلك الوقت وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مشركا كما قال ابن المنير فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام أنه مطروح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وخلعه لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع جوره وهذا قاله لما رأى في غزوة حنين رجلا يدعي الإسلام يقاتل شديدا : هذا من أهل النار فجرح فقتل نفسه من شدة وجهه فذكره والمراد (1) المراد بالغلبة سعة الرحمة وشمولها للخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وعضبه صفتان راجعتان إلى إرادة عقوبة العاصي وإثابة المطيع وصفاته تعالى لا توصف بغلبة أحداهما الاخرى وإنما هو على سبيل المجاز للمبالغة وقال الطيبي الحديث على وزان قوله تعالى * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * [ الانعام : 54 ] أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله تعالى عفو كريم يتجاوز عنه بفضله ، وأنشد : وإني وإن أوعدته أو وعدته * * لمخلف إبعادي ومنجز موعدي (*)
[ 329 ]
بالفاجر الفاسق إن كان الرجل مسلما حقيقة أو الكافر إن كان منافقا أي الإمام الجائر أو العالم الفاسق أو المجاهد في سبيل الله (طب عن عمر بن نعمان بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء وبالنون المزني قال ابن عبد البر له صحبة وأبوه من أجلة الصحابة قتل النعمان شهيدا بوقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين ولما جاء نعيه خرج عمر فنعاه على المنبر وبكى وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول شنيع وسهو عجب فقد قال الحافظ العراقي إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وقال المناوي رواه البخاري في القدر وغزوة خيبر ورواه مسلم من حديث أبي هريرة مطولا قال شهدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حنينا فقال لرجل مما يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا فأصابته جراحة قيل يا رسول الله الرجل الذي قلت آنفا إنه من أهل النار قاتل قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم في النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم كذلك إذ قيل إنه لم يمت لكن به جرحا شديدا فلما كان الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وممن رواه الترمذي في العلل عن أنس مرفوعا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال حديث حسن حدثناه محمد بن المثنى اه فغزو المصنف الحديث للطبراني وحده لا يرتضيه المحدثون فضلا عمن يدعي الاجتهاد . 1791 - (إن الله تعالى لبتلي المؤمن) أي يختبره ويمتحنه (وما يبتليه إلا لكرامته عليه) لأن للابتلاء فوائد سنية وحكما ربانية منها ما لم يظهر إلا في الآخرة ومنها ما ظهر بالاستقراء كالنظر إلى قهر الربوبية والرجوع إلى ذل العبودية وأنه ليس لأحد مفر من القضاء ولا محيد عن القدر ولأن الله حرم الجنة على من في قلبه خبث فلا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين * (وطبتم فادخلوها خالدين) * [ الزمر : 73 ] فمن تطهر في الدنيا من البلايا والمصائب ولقي الله طاهرا من خبثه دخلها بغير تعوق ومن لم يتطهر منها فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت عارضية دخلها بعد تطهيره بالنار وفيه فضل الابتلاء ولا يلزم منه طلبه بل المأمور به طلب العفو والعافية كما في أخبار مر بعضها ويأتي بعضها (الحاكم) أبو أحمد (في) كتاب (الكنى) بضم الكاف وكذا ابن منده وابن أبي شيبة وقاسم بن أصبع كلهم من حديث عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة الضمري عن أبيه (عن) جده (أبي فاطمة الضمري) بصري روى عن كثير بن مرة وغيره قال كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يحب أن يصح ولا يسقم فابتدرنا فقلنا نحن يا رسول الله فعرفنا في وجهه الكراهة فقال أتحبون أن تكونوا كالحمر الصيالة قالوا لا قال ألا تحبون أن تكونوا أصحاب كفارات فوالذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء ما يبتليه إلا لكرامته عليه وعبد الله وأبوه قال أبو يعلى في مسنده لم أعرفها وأبو فاطمة يقال له الليثي ويقال له الدوسي الأزدي وقيل هما اثنان وقال الكمال بن أبي شريف تبعا لشيخه
[ 330 ]
ابن حجر رحمه الله تعالى أبو فاطمة في الصحابة ثلاثة الأول الضمري الأزدي بصري روى عنه كثير بن مرة وغيره ولعله هذا والثاني الليثي بصري له صحبة وهذا أيضا يمكن أن يقال إنه المتقدم والثالث الأنصاري الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك بالصوم لم يصح حديثه وليس هو هذا وروى الحاكم في المستدرك بلفظ إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب وقال على شرطهما وأقره الذهبي . 1792 - (إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن) أي المصدق بلسانه وقلبه (بالبلاء) فيصب عليه في الدنيا البلاء صبا ليصب عليه في الأخرى الأجر صبا والأمراض والمصائب في الظاهر نكبة وفي الباطن تحفة إبذ ذلك يرجع العبد إلى ربه ويتفكر أن هذا صنعه وتدبيره فهي هدايا من الله سبحانه والتعهد التحفظ بالشئ وتجديد العهد به والمراد هنا المراجعة والمعاودة مرة بعد أخرى (كما يتعاهد الوالد ولده بالخير) فيسلبه محبوبه العاجل الشاغل عنه ليصرف وجهه إليه ويحمله المكاره ليهرب منه إليه ويقبل بكلتيه عليه لأن الحبيب يحب مواجهة حبيبه ويفتح له المنهج إلى تقريبه (وإن الله ليحمي عبده) أضافه إليه للتشريف (المؤمن من الدنيا) أي يمنعه منها ويقيه أن يتلوث بدنسها كيلا يمرض قلبه بداء حبها وممارستها (كما يحمى المريض أهله الطعام) لئلا يزيد مرض بدنه بتناوله فهو إنما يحميه لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة وما تقول في الوالد المشفق الغني إذا منع ولده رطبة أو تفاحة يأكلها وهو أرمد ويسلمه إلى معلم غليظ يابس ويحبسه طول النهار عنده ويضجره ويحمله إلى الحجام ليحجمه فيوجعه ويقلقه : أتراه فعل ذلك به لبخل أو هوان به أو قصد إيذاء له ؟ لكن لما علم أن صلاحه فيه وأن بهذا التعب القليل يصل إلى خير كثير ونفع عظيم ، وما تقول في الطبيب الحاذق المحب إذا منع المريض شربة ماء وهو ظمآن وسقاه شربة دواء كريه أقصده إيذاء بل هو نصح وإحسان لما علم أن في إعطائه شهوة ساعة هلاكه رأسا والغرض من التشبيه الواقع في هاتين الجملتين بيان كمال الاعتناء والشفقة والمحبة (هب وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة ابن الأبيض (عن حذيفة) قال إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة والذي نفس حذيفة بيده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه اليماني بن المغيرة قال الذهبي ضعفوه . 1793 - (إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن) من (الدنيا) أي يحفظه من مال الدنيا ومناصها ويبعده عما يضر بدينه منها (وهو يحبه) أي والحال أنه يحبه (كما تحمون مريضكم الطعام) أي من تناول الطعام (والشراب تخافون عليه) أي لكونكم تخافون عليه من تناول ما يؤذيه منها أي والحال أنكم تخافون عليه من ذلك ، وذلك لأنه سبحانه وتعالى خلق عباده على أوصاف شتى فمنهم القوي
[ 331 ]
والضعيف والوضيع والشريف فمن علم من قلبه قوة على حمل أعباء الفقر الذي هو أشد البلاء صبر على تجرع مرارته أفقره في الدنيا ليرفعه على الأغنياء في العقبى ومن علم ضعفه وعدم احتماله وأن الفقر ينسيه ربه صرفه عنه لأنه لا يحب أن عبده ينساه أو ينظر إلى من سواه ، فسبحان الحكيم العليم (تتمة) قال في الحكم ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك ، متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء ، متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه (تنبيه) قال العارف الجيلاني للنفس حالان ولا ثالث لهما حال عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالبا الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة لله بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من البلاء فربما ردت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من الله بها ليكفها عن المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها (حم ، عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد) الخدري . 1794 - (إن الله تعالى ليرفع) لفظ رواية الطبراني ليدفع بالدال (بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء) أي بسبب كونه بين أظهرهم لكرامته على ربه أو بسبب دعائه والأول أقرب وتمام الحديث عند مخرجه الطبراني * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * [ البقرة : 251 ] ولا يعارضه مدح البلاء فيما قبله لأن المراد به هنا الشاغل عن الله أو عبادته أو العاري عن الصبر الموقع لصاحبه في التضجر والتسخط الموجب للخذلان والأول في خلاف ذلك ويظهر بأن المراد بالمائة التكثير لا التحديد فإن حد الجوار يزيد على ما ذكر إذ حد الجوار أربعون دارا من كل جانب (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وفال الهيثمي فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف وفي الميزان يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أو داود وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن عدي بين الضعف ثم أورد له هذا الخبر . 1795 - (إن الله تعالى ليرضى عن العبد) المؤمن أي يرحمه ويثيبه (أن) علة ليرضى أي لأجل أن
[ 332 ]
(يأكل) بفتح همزة أن أي بسبب أن يأكل أو وقت أكله (الأكلة) بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل أي الغدوة أو العشوة كذا اقتصر عليه جمع منهم النووي في رياضه لكن ضبطه بعضهم بالضم وقال هي اللقمة (أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها) يعني يرضى عنه لأجل أحد هذين الفعلين أيا كان وليس هو بشك من راو خلافا خلافا لزاعمه وفيه أن أصل سنة الحمد تحصل بأي لفظ اشتق مادة ج م د بل بما يدل على الثناء على الله والأولى كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحمد به وسيأتي وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى * (ورضوان من الله أكبر) * [ التوبة : 27 ] في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعارا بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جدا أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من الله شيئا وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها ويسن خفض صوته به إذا فرغ لم يفرغ رفقته لئلا يكون منعا لهم (تنبيه) قال بعض الأكابر هذا فيمن حمد حمدا مطيعا له طالبا حسن العمل طاهر النفس غير ملتفت إلى رشوة من ربه خالصا من قلبه فإنه إذا كان كذلك وختمه بكلمة الصدق رضي الله عنه بصدقه وأما من حمد على خلاف ذلك فحمده مدحول يخشى أن لا يستوجب الرضى فإن رضى الله عن العبد خطب جليل وشأن رفيع والحمد مع استيلاء الغفلة وترك الأدب مع الله إنما هو حمد السكارى الحيارى الذين لا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم فهيهات هيهات (حم م ت ن) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري . 1796 - (إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة) عن كل شئ (حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر) هو كل ما قبحه الشرع كما سبق (أن تنكره) فمن رأى إنسانا يفعل معصية أو يوقع بمحترم محذورا ولم ينكر عليه مع القدرة فهو مسؤول عنه في القيامة معذب عليه إن لم يدركه العفو الإلهي والغفر السبحاني وفي خبر أبي نعيم عن ابن عباس مرفوعا لا يقفن أحدكم على أحد يضرب ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه (فإذا لقن الله العبد حجته (1) أي ألهمه إياها (قال يا رب رجوتك) أن تسامحني من الرجاء وهو التوقع والأمل وهمزته منقلبة عن واو (وفرقت) أي خفت (من الناس) أي من أذاهم قال البيهقي هذا فيمن يخاف سطوتهم ولا يستطيع دفعها عن نفسه وإلا فلا يقبل الله معذرته بذلك قال الغزالي فالعمل على الرجاء أغلب منه على الخوف وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله أوحى إليه فرقت بينك وبين يوسف لقولك * (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) * [ يوسف : 13 ] لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي (1) قال في النهاية الحجة الدليل والبرهان . (*)
[ 333 ]
له (حم ه حب عن أبي سعيد) الخدري قال العلائي إسناده لا بأس به وقال الحافظ العراقي إسناده جيد . 1797 - (إن الله تعالى ليضحك (1) أي يدر رحمته ويجزل مثوبته يقال ضحك السحاب إذا صب ماء والمراد بضحكه سبحانه لازمه إذ الضحك في هذا وما أشبهه التجلي لمن ذكر حتى يراه في الدنيا بعين بصيرته وفي الآخرة رؤية عيان كما جاء به القرآن فالضحك بمعنى الظهور والتجلي كما يقال ضحك الشيب إذا ظهر قال : لا تعجبي يا هند من رجل * * ضحك المشيب برأسه فبكى (إلى ثلاثة) من الناس الأول (الصف في الصلاة) أي الجماعة المصطفون في الصلاة على سمت واحد حسبما أمروا به (و) الثاني (الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الانسان يقوم (يصلي في جوف الليل) أي بتهجد فيه (و) الثالث (الرجل يقاتل) الكفار (خلف الكتيبة (2) أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائها يجعلها كالترس يتقي بها والمقصود بالحديث الحث على الاصطفاف في الصلاة لما فيه من عظيم الثواب وعلى التهجد والجهاد (ه عن أبي سعيد) الخدري . 1798 - (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه) ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين يطلع معنى ينظر أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر وفيه كلام سيجئ (إلا لمشرك) بالله يعني كافر وخص الشرك لغلبته حينئذ (أو مشاحن) أي معاد والشحناء العداوة قال الطيبي لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء قال في الكشاف ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة (ه) من رواية ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب (عن أبي موسى) قال الزين العراقي وابن لهيعة حاله معروف والضحاك لا يعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير ابن لهيعة والضحاك بن عبد الرحمن لم يسمع من أبي موسى قاله أبو حاتم وقد اختلف على ابن لهيعة أيضا انتهى ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح . (1) قال الدميري الضحك استعارة في حق الرب سبحانه لانه لا يجوز عليه تغيير الحالات فهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وإنما المراد الرضى بفعل هؤلاء والثواب عليه وحمد فعلهم لان الضحك من أحدنا إنما يكون عنده وافقه ما يرضيه وسروره به . (2) الكتيبة بمثناة فوقية فتحتية فموحدة أي يقاتل الكفار أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائهم وفي نسخة وللرجل بلام الجر في الموضعين . اه . (*)
[ 334 ]
1799 - (إن الله ليعجب) من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشئ خارجا عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنفه قاله الحرالي (من الشاب) أي يعظم عنده قدرا فيجزل له أجره لكونه (ليست له صبوة) أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر قال حجة الإسلام وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب وقال القونوي سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنا وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب ، وهل الأفضل ما نشأ لا صبوة له لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحا لكونه قلع عن الشهوات لله بعد إلفه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوة لله ؟ قولان وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول . ثم إنك قد عرفت معنى التعجب ، وعبر عنه بعضهم بعبارة أخرى فقال أصله استعظام الشئ واستكباره لخروجه عن العادة وبعده من العرف وذلك مما ينزه عن مثله الباري فيؤول بما ذكر فكأنه أكبر ما أتى به هذا الشاب من الأمر البعيد عن أوصاف العبيد فهو على منهج المدح لمن لم يصب ، وقد يأتي التعجب من فعل المنكر إذا عظم وقعه وفحش قبحه على جهة الإنكار (تتمة) قال العارف ابن عربي لما تعجب المتعجب مما خرج عن صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده ، وغضب لتوليه . وأبغض بعده وأحب قربه وتبشبش لتدليه فعبر بذلك تقريبا لأفهام العرب . فهذه أرواح مجردة ، تنظرها أشباح مسندة فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة . تنسم الأرواح ويتجلي الفتاح ويتقد المصباح ويشعشع الراح ويظهر الورد الصراح ويزول الإلحاح (حم طب) وكذا أبو يعلى (عن عقبة بن عامر) أي الجهني قال الهيثمي وإسناده حسن وضعفه ابن حجر في فتاويه لضعف ابن لهيعة راويه . 1800 - (إن الله تعالى ليملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر (للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * [ آل عمران : 178 ] فإمهاله عين عقابه (حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته (لم يفلته) أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبدا بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمنا لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته ، وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبيا من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري : ثم قرأ * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن
[ 335 ]
أخذه أليم شديد) * [ هود : 102 ] وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال (ق) البخاري في التفسير ومسلم في الأدب (ت) في التفسير (ه) في الفتن كلهم (عن أبي موسى) الأشعري . 1801 - (إن الله ليتبع) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فباء موحدة أي يطالب ، كذا رأيته مضبوطا بالقلم في نسخ هذا الجامع لكن في تأليف للزين العراقي مضبوطا بالقلم بنفع بمثناة نحتية فنون ففاء من النفع ومثله في الحلية لأبي نعيم والميزان ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه من هذا الجامع ينفع بنون وفاء مبينة مضبوطة وحينئذ فمعناه ينفع (العبد بالذنب) الذي (يذنبه) لأن الذنب سبب فرار العبد إلى الله من نفسه ودنياه والاستعاذة به والالتجاء إليه من عدوه والذنب لا يسقط العبد من عين الله ولا يخرجه عن موالاته وإنما يسقط بالإصرار وبترك التوبة والإعراض عن الله بطلب ملاذ نفسه وشهواتها وإنما الذنب آفة تلحق العبد فينكب بها ويخجل من أجلها فينتعش من صرعته بتوبته وهي سبب الوصلة لخواص العباد والقرب إلى الله قال الداراني ما عمل داود عملا أتم من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى ربه حتى وصل إليه ، وقال ابن عطاء الله ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط * (لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) * [ النساء : 11 ] وقال ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول رب معصية أورثت ذلاو افتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا . اه . وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك (حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ثم قال غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد لم نكتبه إلا من حديث مضر بن نوح السلمي اه ، ومضر قال في الميزان فيه جهالة وقال العقيلي حديثه غير محفوظ وعبد العزيز بن أبي رواد قد سبق بيان حاله ورواه أبو نعيم من طريق آخر فيه عبد الرحيم بن هارون وقد قالوا كان يكذب ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح والزين العراقي غير محفوظ . 1802 - (إن الله تعالى محسن) أي الإحسان له وصف لازم ولا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد (فأحسنوا) إلى عباده بالقول والفعل فإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين قال بعض العارفين أصل العبودية لله ودوران أحوالها على أمرين تعظيم قدرة الله والإحسان إلى خلق الله وقال العارف ابن العربي الإحسان صفة الله وهو المحسن المجمل والإحسان الذي به سمي العبد محسنا أن يعبد الله كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله * (على كل شئ شهيد) * ، * (وهو معكم أينما كنتم) * [ الحديد : 4 ] فشهوده لكل شئ هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل به العبد فهو من إحسانه تعالى إذ هو الذي نقله ولهذا سمي الإنعام إحسانا فإنه لا ينعم عليك إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن دائما وقد قال
[ 336 ]
الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن (عد عن سمرة) بن جندب . 1803 - (إن الله تعالى مع القاضي) بتأييده وتسديده وإعانته في أقضيته ومتعلقاتها فهي معية خاصة (ما لم يحف) أي يتجاوز حدود الله التي حدها لعباده وخرج بذلك ما لو اجتهد فأخطأ فإنه معذور حيث لم يقصر في اجتهاده (عمدا) فإنه حينئذ يتخلى عنه ويتولاه الشيطان لاستغنائه به عن الرحمن (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع (حم عن معقل بن يسار) قال الهيثمي فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب . 1804 - (إن الله تعالى مع القاضي) بما ذكر (ما لم يجر) أي يظلم (فإذا جار) في حكمه (تبرأ الله منه) لفظ رواية الترمذي وابن ماجه تخلى الله عنه (وألزمه الشيطان) أي صيره قرينه ملازما له في سائر أقضيته لا ينفك عن إغوائه * (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) * [ النساء : 38 ] وفي أصول صحيحة ولزمه الشيطان بدون همزة وبما تقرر من أن المعية في هذا وما قبله وبعده معنوية لا ظرفية علم أنه من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على وازن * (إن الله مع المتقين ، إن الله مع الصابرين) * (ك) في الأحكام (هق) كلاهما (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يخرج في شئ من الكتب الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي وابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن أبي أوفى المذكور لكنهما قالا تخلى الله عنه بدل تبرأ منه قال المنذري رووه كلهم من حديث عمران وصححه الحاكم وحسنه الترمذي والقطان فيه كلام معروف . 1805 - (إن الله تعالى مع الدائن) أي من أخذ الدين على نفسه بإعانته على وفاء دينه (حتى يقضي دينه) أي يوفيه إلى غريمه ولا يعارضه استعاذة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الدين لأن كلامه هنا فيمن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قدرة على وفائه غالبا ويريد قضاءه كما يشير إليه قوله (ما لم يكن دينه فيما يكره الله) فهو الذي يكون الله في عونه على قضائه أما المستدين في مكروه لله كراهة تحريم أو تنزيه أو لا يجد لقضائه سبيلا أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه (تخ ه ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وله شواهد كثيرة .
[ 337 ]
1806 - (إن الله تعالى هو الخالق) لجميع المخلوقات لا غيره (القابض) أي الذي له هذه الصفة وهي إيقاع القبض والإقتار بمن يشاء وإن اتسعت أمواله قال الحرالي والقبض إكمال الأخذ أصله القبض باليد كلها (الباسط) لمن يشاء من عباده وإن ضاقت حاله والبسط توسعة المجتمع إلى حد غايته (الرزاق) من شاء من عباده ما شاء (المسعر) أي الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه ، قال الطيبي هذا جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير وأكد بأن وضمير الفصل وتعريف الخبر ليدل على التأكيد ثم رتب الحكم على الوصف المناسب فمن حاول التسعير فقد عارض الخالق ونازعه في مراده ومنع العباد حقهم مما أولاهم الله في الغلاء والرخص فبين أن المانع له من التسعير ما في ضمن ذلك من كونه ظلما للناس في أموالهم لكونه تصرفا فيها بغير إذنهم بقوله (وإني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله تعالى) في القيامة (ولا يطلبني) أي يطالبني (أحد بمظلمة) بالفتح وكسر اللام اسم لما أخذ ظلما (ظلمتها إياه) أي ظلمته بها (في دم) أي في سفكه (ولا مال) أراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم قهرا وهو كأرش الجناية وإنما أتى بمظلمة توطئة له ذكره الطيبي قال : وعطف قوله ولا مال على قوله ولا دم وجئ بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي وهذا أصل في إيجاب الإمام الأعظم العدل على نفسه وأفاد أن التسعير حرام لأنه جعله مظلمة وبه قال مالك والشافعي وجوزه ربيعة وهو مذهب عمر لأن به حفظ نظام الأسعار وقال ابن العربي المالكي الحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون ليس فيه مظلمة لأحد من الطائفتين وما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم لكن على قوم صحت نياتهم وديانتهم أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى . اه . وفصل قوم بين الغلاء والرخص ومن مفاسد التسعير تحريك الرغائب والحمل على الامتناع من البيع والجلب المؤدي إلى القحط والغلاء قال القاضي والسعر القيمة التي يقدر بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع والتسعير تقديرها (حم د ت ه حب هب) في البيع كلهم (عن أنس) قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سعر لنا فذكره قال الترمذي حسن صحيح . 1807 - (إن الله تعالى وتر) أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * [ الشورى : 11 ] (يحب الوتر) أي صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولا حسنا قال القاضي وكل ما يناسب الشئ أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة قال ابن عربي فتعين عليك أن تكون من أهل الوتر في جميع أفعالك حتى تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى بقوله في الخبر الآتي
[ 338 ]
فأوتروا إلى آخره فإذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاث فإن كل عين عضو مستقل وإذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وإذا شربت الماء في حسواتك اجعله وترا حتى إنك إذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات تنقطع هكذا جربته وقال الحكيم الترمذي خلق الله الأشياء على محبوب الوتر واحدا وثلاثا وخمسا وسبعا فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة ثم تزيد واحدا بمحمد صلى الله عليه وسلم باب الرحمة والتوبة وهو أصل الأبواب وأبواب السجن سبعة وعمال الله مقسومون على سبعة أجزاء وظلال الآدميين سبعة والأيام سبعة وأرزاقهم سبعة وعبادتهم على سبع جوارح ثم افترض على العباد خمس صلوات وهي وتر وعدد ركعاتها سبعة عشر وهي وتر وأم القرآن آياتها وتر وأدنى القراءة واحد وهي آية وأدنى التسابيح واحد في الركوع والسجود وفرض الحج في يوم تاسع الحجة والزكاة في كل مائتين خمسة دراهم والعشور من كل عشرة واحد وافترض على العباد حفظ سبع جوارح وجعل التقوى في سبعة وأسماءه تسعة وتسعون والقلب وتر وخالقه وتر فأظهر الله محبوبه في عامة الأشياء فللعبد في الوتر من النوال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فمن صلاه كان كمن دخل محل الملك من السرير يعتذر إليه من عمل نهاره ومن تقصيره (ابن نصر) محمد في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة وعن ابن عمر) بن الخطاب ، قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أو لأنه وجد كذلك لكن عدل عنه لكونه معلولا وهو ذهول فقد أخرجه احمد والبزار باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور ، وقال الهيثمي وغيره : ورجاله رجال موثوقون . 1808 - (إن الله تعالى وتر) أي فرد لا من جهة العدد بل من حيث إنه غير مزدوج كما مر (يحب الوتر) أي يتقبله ويثيب عليه (فأوتروا) أي اجعلوا صلاتكم وترا بضم الوتر إليها أو صلوا الوتر والفاء جزاء شرط محذوف كأنه قال إذا هديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا فإن من شأن أهل القرآن الكدح في ابتغاء مرضات الله وإيثار محابه (يا أهل القرآن) أراد المؤمنين المصدقين له المنتفعين به وقد يطلق ويراد به القراءة ذكره القاضي قال العليمي وإنما خص الثناء بهم في مقام الفردية لأن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد فكأنه قيل إن الله واحد يحب الوحدة فوحدوه يا أهل التوحيد انتهى . وزعم الخطابي أن فيه دلالة على عدم وجوب الوتر وإلا لعم غير أهل القرآن وهم عرفاء القراء والحفاظ دون العوام وأنت خبير بعدم إصابته للصواب إذ لم يذهب أحد إلى ما اقتضاه كلامه من اختصاص ندب الوتر بعرفاء القرآن وحفاظه دون غيرهم بل لو ذهب إليه ذاهب لكان خارقا للإجماع بلا دفاع والأولى أن يحمل الأمر على الندب جمعا بينه وبين خبر هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع (ت) من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين وحسنه لكن ابن ضمرة تكلم فيه غير واحد (ه عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم الهجري ضعفه ابن معين وغيره واقتصاره على غير هذين يؤذن بتفردهما به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي وغيره للأربعة جميعا .
[ 339 ]
1809 - (إن الله تعالى وضع عن أمتي) أمة الإجابة (الخطأ والنسيان (1) وما استكرهوا عليه) قالوا فيه أن طلاق المكره لا يقع إلا إن نواه أو ظهرت منه قرينة اختيار قال ابن حجر حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا ، الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه وهذا القسم معفو عنه اتفاقا وإنما اختلف هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فبدليل منفصل (ه) في الطلاق (عن ابن عباس) قال الزيلعي سنده ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المذكور وقال الهيثمي وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر أخرجه الفضل التميمي في فوائده بإسناد ابن ماجه بلفظ رفع بدل وضع ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير فادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بن عطاء وابن عباس وأخرجه الحاكم والدارقطني انتهى . 1810 - (إن الله تعالى وضع) أي أسقط (عن المسافر) من السفر وهو إزالة الكن عن الرأس (الصوم) أي صوم رمضان (وشطر) وفي رواية للنسائي ونصف (الصلاة) أي نصف الرباعية لما يحتاجه المسافر من الغذاء لوفور نهضة في عمله في سفره وأن وقت غذائه بحسب البقاع لا بحسب الاختيار إذ المسافر متاعه على قلة إلا من وقى الله ، والسفر قطعة من العذاب فخفف عنه لئلا يجتمع على العبد كلفتان فتتضاعف عليه المشقة دينا ودنيا فإذا خف عنه الامر من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه آخر ديني قال القاضي والصوم منصوب عطف على شطر ولا يجوز عطفه على الصلاة لفساد اللفظ والمعنى أما لفظا فإنه لو عطف عليه لزم منه العطف على عاملين مختلفين وهو غير جائز وأما معنى فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره والمراد بالوضع وضع الأداء ليشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه فيصح نسبته إليهما إذ الصوم غير موضوع مطلقا فإن قضاءه واجب عليهم بخلاف شطر الصلاة قال الخطابي وقد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر متفرقة في الحكم وذلك أن النظر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يقضى قال الحافظ العراقي وفيه جواز الفطر والقصر للمسافر وإطلاق الكل وإرادة البعض لأنه قال شطر الصلاة وإنما وضع عنه شطر ثلاث صلوات على أن الشطر قد يطلق على غير النصف ، وأن الصوم والإتمام كانا قال المحققون قاعدة الفقهاء أن النسيان والجهل يسقطا الاثم مطلقا اما الحكم فان وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه أو فعل منهي ليس من باب الاتلاف فلا شئ أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة . (*)
[ 340 ]
واجبين ثم نسخ (حم 4 عن أنس بن مالك) الكعبي (القشيري) أبو أمية صحابي نزل البصرة قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إليه وهو يأكل فقال اجلس فاصبر من طعامنا قلت إني صائم قال اجلس أحدثك عن الصلاة والصيام إن الله وضع إلخ صحح الترمذي حديثه هذا وقال ماله غيره قال الحافظ العراقي وهو كما قال لا يعرف له حديث رفعه إلا هذا وأما من أطلق أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث فغير صحيح فإنه روى له حديث آخر في جمع القرآن رواه الخطيب وغيره وفي هذا الحديث قصة وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته : وعن المرضع والحبلى هذا نص الحديث ثم إنه ليس في رواية الترمذي الصوم . 1811 - (إن الله تعالى وكل) بالتشديد من التوكل بمعنى التسليط والقيام بشأن تلك الخدمة (بالرحم) قال الحرالي هو ما تشتمل على الولد من أعضاء التناسل يكون فيه تخليقه من كونه نطفة إلى كونه خلقا آخر (ملكا) بفتح اللام (يقول) الملك عند استقرار النطفة في الرحم التماسا لإتمام الخلقة (أي رب) أي يا رب هذه (نطفة) أي مني (أي رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (أي رب) هذه (مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ ، وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكون فيها أم لا فيقول نطفة عند كونها نطفة ويقول علقة عند كونها علقة فبين القولين أربعون يوما وليس المراد أنه يقول في وقت واحد وإلا لزم كون النطفة علقة ومضغة في آن واحد (فإذا أراد الله) سبحانه وتعالى (أن يقضي خلقه) بفتح فسكون أي يأذن في إتمام خلقه (قال) الملك (أي رب شقي أو) وفي رواية أم (سعيد) من السعداء وقدم الاستفهام عن الشفاء لكثرة ما تراه الملائكة من مخالفة البشر المستحقة بها للعذاب (ذكرا أو أنثى) كذلك وقدم الذكر لشرفه وأصالته والخنثى ذكر أو أنثى عند الله فليس قسما ثالثا يسأل عنه (فما الرزق) أي أي شئ قدره فأكتبه (فما الأجل) يعني فأي مدة قدر أجله فأكتبه (فيكتب) بصيغة المجهول أو المعلوم (كذلك) أي مثل ما يؤمر به (في بطن أمه) أي وهو في بطنها أو والحال أنه في بطنها قبل بروزه إلى هذا العالم ، فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أم سعيد فيكتبه الملك في صحيفة فلا يزاد عليه ولا ينقص إلى يوم القيامة كما في رواية مسلم وفي حديث أنه يكتب بين عينيه ولا مانع من كتابته فيهما (تنبيه) وعلم مما تقرر أن قوله نطفة علقة مضغة بالرفع خبر مبتدأ محذوف وقال الكرماني ويجوز النصب أي جعلت المني نطفة في الرحم أو صار نطفة أو خلقت أنت نطفة قال وقوله أذكر مبتدأ وقد يخصص بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصلح للابتداء به وروي أذكرا بالنصب أي أتريد (حم ق عن أنس) بن مالك . 1812 - (إن الله تعالى وهب لأمتي) أمة الإجابة (ليلة القدر) أي خصهم بها (ولم يعطها من كان
[ 341 ]
قبلهم) من الأمم السابقة فهذا كما ترى صريح في أنها من خصوصياتنا وأشار بقوله وهب إلى عظمها وكثرة المواهب والعطايا فيها وأنها خليقة أن يمتن بها (فر عن أنس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني ممن يضع الحديث . 1813 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون) من الوصل ضد القطع (الصفوف) بحيث لا يبقى فيها ما يسع واقفا أي يغفر لهم ويأمر ملائكته بأن يستغفروا لهم قال الفخر الرازي ولا يصح كونها بمعنى الدعاء لأنه غير معقول المعنى في حقه تعالى لأن الدعاء للغير يقتضي طلب نفعه من ثالث وهو هنا محال وتقييد الصف في الحديث الآتي بالأول للأكثرية لا لإخراج غيره كما يصرح به ما يأتي (ومن سد فرجة) بضم أوله خللا بين المصلين في صف (رفعه الله بها) أي بسبب سده إياها (درجة) في الجنة زاد في رواية ودرت عليه الملائكة من البر وهذا وارد على منهج تأكد سد الفرج في الصفوف وكراهة تركها مع عدم العذر (تنبيه) قال ابن عربي الخلل في الصفوف طرق الشيطان والطريق واحدة وهي سبيل الله فإذا انقطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراص لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الخط فصفوف المصلين لا تكون في سبيل الله حتى تتصل ويتراص الناس فيها فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيله ولا يكون السبيل إلا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارغ لا نقطة فيه وحينئذ يظهر صورة الخط فكذا الصف لا يظهر فيه سبيل الله حتى يتراص الناس فيه (حم ه حب ك) في الصلاة (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال مغلطاي حديث مختلف في إسناده لاختلاف حال رواية إسماعيل بن عياش . 1814 - (إن الله وملائكته) أي عباده المقربين المصطفون المصفون من أدناس البشر الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (يصلون على الصف الأول) أي على أهله وهو الذي يلي الإمام أي يستغفرون لأهله قال تعالى * (ويستغفرون لمن في الأرض) * [ الشورى : 5 ] (1) وتمام الحديث عند أحمد وغيره قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال وعلى الثاني اه بلفظه (حم د ه) في الصلاة (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب ولفظ رواية أبي داود عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية (1) لما روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثا وللثاني مرتين وللثالث مرة فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه ثم الذي يليه وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها . (*)
[ 342 ]
إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتخلتف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصف الاول قال في الرياض إسناد حسن (ه عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة (طب عن النعمان بن بشير) الانصاري (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه لاحمد والبزار وغيرهما رجال أحمد موثقون . 1815 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف والمراد يستغفرون لهم أولا أو كثيرا اهتماما بشأنهم ثم يستغفرون لمن على اليسار لأن الاستغفار مخصوص بهم بدليل الخبر الآتي : من عمر ميسرة المسجد (1) (د ه حب عن عائشة) سكت عليه أبو داود قال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه سنده صحيح على شرط مسلم . 1816 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) أي الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى فلذلك كان السحور متأكد الندب جدا (حب طس حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الطبراني تفرد به يحيى بن زيد الخولاني قال الهيثمي ولم أجد من ترجمه اه . وقال أبو نعيم غريب من حديث نافع لم يروه إلا عبد الله ابن سليمان المعروف بالطويل وعنه عبد الله بن عياش القتباني تفرد به إدريس بن يحيى الخولاني وهو عند أهل مصر كبشر بن الحارث عند أهل بغداد اه ، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا إلا لمن ذكر والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور وقد سبق أو يجئ قول الحافظ ابن حجر إذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره ممن دونه وخرجه أيضا الجوهري في أماليه من حديث ابن عمر بلفظ غذاء المؤمن السحور وإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين قال المصنف يحصل من مجموع الطرق حسن الحديث . (1) قال الغزالي ينبغي لداخل المسجد أن يقصد يمنة الصف فإنها يمن وبركة وإن الله تعالى يصلي على أهلها اه قلت وهذا إذا كان فيها سعة ولم يؤذ أهلها ولا تتعطل ميسرة المسجد ، فإن قلت ينافي هذا الحديث قوله (ص) : من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الاجر ، قلت لا منافاة لانه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازي ذلك أو يزيد ، وقد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بسبب نيته وإخلاصه وسبب الحرص على ميمنة الامام أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات فلما حث النبي (ص) على ميمنة الصف ازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك . (*)
[ 343 ]
1817 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم) جمع عمامة أي الذين يلبسون العمائم (يوم الجمعة) ويحضرون صلاتها ، وأخذ منه حجة الإسلام ندب التعميم وتأكده في هذا اليوم قال فإن كربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها لكن لا ينزعها في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر ولا في خطبته اه (1) (طب) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمر الحنفي عن أيوب ابن مدرك عن مكحول (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي أيوب بن مدرك كذبه ابن معين وقال تلميذه الهيثمي فيه أيوب بن مدرك . قال ابن معين كذاب اه وفي الميزان واللسان عن مرة كذاب وعن النسائي متروك له مناكير ثم عد من مناكيره هذا الحديث اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا أصل له تفرد به أيوب قال الأزدي هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني اه ولم يتعقبه المؤلف بشئ سوى أنه قال اقتصر على تضعيفه الزين العراقي وابن حجر ولم يزد على ذلك وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب . 1818 - (إن الله تعالى لا يجمع أمتي) أي علماء أمتي ولفظ رواية الترمذي لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد وهو تردد من الراوي (على ضلالة) لأن العامة عنها تأخذ دينها ، وإليها تفزع في النوازل فاقتضت الحكمة حفظها قال الطيبي وقوله أمة محمد أظهر في الدراية لأن التخصيص يدل على امتياز أمته عن جميع الأمم بهذه الفضيلة فيلزم منه امتياز الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة من الفرق الضالة فلذلك عقبه بقوله (ويد الله على الجماعة) كناية عن الحفظ أي الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ورعايته (ومن شذ) انفرد عن الجماعة قال الطيبي ومعنى على كمعنى فوق في قوله تعالى يد الله فوق أيديهم فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من بايع الإمام الحق فكأنما بايع الله ومن بايع الله فإنه ينصره ويخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم ومن فارقهم فقد خلع ربقة الطاعة من عنقه وخرج عن نصرة الله فدخل النار ، قالوا وفي قوله ومن شذ للعطف على معنى الحصول في الوجود وتفويض ترتب الثانية على الأولى إلى فهم السامع الزكي الفطن ويحتمل أن يضمن يد الله معنى الإحسان والإنعام بالتوفيق على استنباط الأحكام وعلى الإطلاع على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه من الاعتقاد (شذ إلى النار) أي إلى ما يوجب دخولها فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية ، فالشذوذ الانفراد وشذ عن الجماعة انفرد عنهم (ت عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الضياء في المختارة بلفظ إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا وإن يد الله مع الجماعة (1) ويندب الامام أن يزيد في حسن الهيئة . (*)
[ 344 ]
فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار قال ابن حجر رحمه الله في تخريج المختصر حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول فقد قال الحاكم لو كان محفوظا حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال فذكرها وذلك مقتضى للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف . 1819 - (إن الله تعالى لا يحب الفاحش) أي ذا الفحش في قوله وفعله بل يبغضه كما صرح به في الحديث الآتي بقوله إن الله يبغض الفاحش إلخ والفحش اسم لكل خصلة قبيحة وقال الحرالي اسم لكل ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث من الشرع والعقل والطبع (المتفحش) أي الذي يتكلف ذلك ويتعمده يعني الفاحش المتفحش صنعا (ولا الصياح) بفتح المهملة وشد المثناة تحت الصراخ (في الأسواق) أي كثير الصراخ في الشوارع والطرق ومجامع الناس كما يفعله السوقة والدلالون ونحوهم فيكره ذلك أما صياح نحو الدلال والمنادي ومعرف اللقطة ومنشد الضالة بقدر الحاجة فلا يكره (خد) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر) قال الزين العراقي وسنده ضعيف قال ولابن أبي الدنيا الطبراني عن أسامة بن زيد إن الله لا يحب الفاحش المتفحش وسنده جيد انتهى وفي مسلم من حديث عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش . 1820 - (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) قال الزمخشري هو استطراق النكاح وقتا بعد وقت كلما تزوج أو تزوجت مد عينه أو مدت عينها إلى آخر أو إلى أخرى قال وهذا من المجاز وقول النهاية السريع النكاح السريع الطلاق فيه نظر لأن الحديث مصرح كما ترى بأن المذموم المبغوض أن يتزوجها أو تتزوجه بقصد ذوق عسليتها أو عسليته ثم تحصل المفارقة وقد يكون النكاح وسرعة الفراق لا لذلك وفيه أنه يكره التزوج بقصد ذلك لكنه يصح وذلك لأن مقصود النكاح النسل ودوام العشرة وحصول الألفة ، وسرعة المفارقة مفوتة لذلك مع ما فيه من كسر القلب وتولد الضغائن ، وتمسك به الحنفية على منع إباحة الطلاق إلا لضرورة (طب عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن . 1821 - (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) الذي يصافيه الود ويخلصه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول (من أهل الأرض) يعني أماته (فصبر) العبد المؤمن على قضاء الله تعالى (واحتسب) أي
[ 345 ]
طلب بفقده الاحتساب أي الثواب عند الله تعالى (بثواب دون الجنة) أي دون إدخاله إياها مع السابقين الأولين أو من غير عذاب أو بعد عذاب يستحق ما هو فوقه وهذا مرشح لما ذهب إليه ابن عبد السلام في طائفة من أن المصائب لا ثواب فيها بل في الصبر عليها لكونها ليست من كسب العبد ، وذهب آخرون إلى خلافه وتأولوا هذا وما أشبهه (ن عن ابن عمرو) بن العاص . 1822 - (إن الله لا يستحيي) أي لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يفعل ما يفعله المستحيي من ترك ما يستحيا منه فالاستحياء هنا استعارة تبعية تمثيلية فالمراد أن الله لا يمتنع من بيان (الحق) أو من ذكره فكذا أنا لا أمتنع من إرشادي لكم وتعليمكم أمر دينكم وإن كان في لفظه استحياء وقدم ذلك توطئة وبسطا لعذره في ذكره ما يستحيا منه عادة بحضرة النساء (لا تأتوا النساء) نساءكم أي تجامعوهن (في أدبارهن (1) لأنه ليس محل الحرث ولا موضع الزرع وإذا حرم وطء الحائض بعلة أن في فرجها أذى وهو دم الحيض فالدبر أولى لأن الفرج الحلال إذا حرم بطرق الأذى عليه فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم قال الطيبي وفي جعل قوله (إن الله لا يستحيي) [ البقرة : 26 ] إلى آخره مقدمة وتمهيدا للنهي بعد إشعاره بشناعة هذا الفعل واستهجانه وكان من حق الظاهر إني لا أستحيي فأسند إليه تعالى للمبالغة والتأكيد ومن ثم اتفق الجمهور من السلف والخلف على تحريمه (ن) في عشرة النساء (ه) في النكاح (عن خزيمة) بضم المعجمة (ابن ثابت) قال المنذري روياه بأسانيد أحدها جيد . 1823 - (إن الله تعالى لا يظلم) أي لا ينقص (المؤمن) وفي روايات مؤمنا (حسنة) أي لا يضع أجر حسنة المؤمن (يعطى) بالبناء للمفعول أي المؤمن (عليها) وفي رواية بها أي بتلك الحسنة أجرا في الدنيا وهو دفع البلاء وتوسعة الرزق وغير ذلك (ويثاب عليها في الاخرة) أي يثيبه الله أي يجازيه عليها برفع درجاته في الجنة فهو يجازي على حسناته في الدنيا وفي الاخرة (وأما الكافر) إذا عمل حسنة في الدنيا كان فك أسيرا وأنقذ غريقا (فيطعم بحسناته في الدنيا) أي يجازي فيها على ما فعله من القرب (1) قال الدميري اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شئ من الآدميين ولا غيرهم من الحيوانات في حال من الأحوال قال العلماء وقوله تعالى * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * [ البقرة : 223 ] أي في موضع الزرع من المرأة وهو قبل المرأة التي ينزرع فيها المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء مكبوبة وأن الدبر ليس هو موضع حرث ولا موضع زرع ، ومعنى قوله * (أنى شئتم) * أي كيف شئتم . (*)
[ 346 ]
التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك ، وقال في المؤمن يعطى وفي الكافر يطعم لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته (حتى إذا أفضى إلى الآخرة) أي صار إليها (لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا) قال الطيبي قوله لا يظلم أي لا ينقص وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما مؤمنا والآخر حسنة والياء في قوله يعطى بها إن حملت على السيئة يحتاج إلى مقدر أي يعطى بسببها حسنة وإن حملت على البدل فلا وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى ويفضل عليه في الدنيا وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب (حم م) في التوبة (عن أنس) ولم يخرجه البخاري . 1824 - (إن الله تعالى لا يعذب) بنار جهنم (من عباده إلا المارد المتمرد) أي العاتي الشديد المفرط في الاعتداء أو العناد (الذي يتمرد على الله) فأشرك معه غيره (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي مع قرينتها وبقية شروطها وهذا كخبر لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان وقد عورض بخبر أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ودفع التعارض بحمل الإيمان العاصم عن النار على الإيمان العلمي والعملي وخلافه على خلافه (ه عن ابن عمر) قال قالت امرأة يا رسول الله أليس الله أرحم الراحمين قال بلى قالت أو ليس أرحم بعباده من الأم بولدها ؟ قال بلى قالت فإن الأم لا تلقي ولدها في النار فأكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبكي ثم رفع رأسه فذكره وفيه هشام بن عمار وسبق قول أبي داود فيه وإبراهيم بن أعين قال في الكاشف ضعفه أبو حاتم وإسماعيل بن يحيى الشيباني قال متهم وقال في الضعفاء قال يزيد بن هارون كذاب انتهى . 1825 - (إن الله لا يغلب) بضم أوله وفتح ثالثه إذ لا ضد له ولا ند ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فهو الغالب القاهر فوق عباده (ولا يخلب) بخاء معجمة أي لا يخدع (ولا ينبأ بما لا يعلم) أي لا يخبره أحد بشئ لا يعلمه * (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) * [ يونس : 18 ] ، * (لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) * [ سبأ : 3 ] بل هو عالم بجميع الأمور ظاهرها وخفيها كليها وجزئها على المذهب المنصور وقول الحكماء يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي أطيل في رده وحق من علم أنه تعالى موصوف بذلك أن يقف على قدم الأدب ويعمل على قضية ما هو شأنه من العجز وعدم مقاومة قهر الربوبية في شئ ولا يخادعه فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه (طب عن معاوية) قال الهيثمي فيه يزيد بن يوسف الصغائي ضعيف متروك .
[ 347 ]
1826 - (إن الله لا يقبض العلم) المؤدي لمعرفة الله والإيمان به وعلم أحكامه ، إذ العلم الحقيقي هو ذلك (انتزاعا) مفعول مطلق قدم على فعله وهو ينتزعه أي محوا يمحوه قيل ولا يجوز تقديمه لأنه مؤكد ورتبته التأخير لأنه كالتابع فيكون إما منصوبا بفعل يفسره ما بعده وإما مفعول لقوله لا يقبض (من) صدور (العباد) الذين هم العلماء لأنه أكرم الأكرمين وهو وهبهم إياه فلا يسترجعه (ولكن يقبض العلم) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التعظيم كما في قوله تعالى * (الله الصمد) * بعد * (قل هو الله أحد) * [ الاخلاص : 1 ] (بقبض العلماء) أي بموتهم فيقبض العلم بتضييع التعلم فلا يوجد فيمن بقي من يخلف من مضى وفي رواية للبخاري بدل هذا لكن ينتزعه منهم بقبض العلماء بعلمهم وتقديره ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه نوع قلب وفي رواية لكن ذهابه قبض العلماء ومعانيها متقاربة قال ابن المنير : محو العلم من الصدور جائز في القدرة لكن الحديث دل على عدم وقوعه (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) بضم أوله وكسر القاف (عالما) وفي رواية يبق عالم بفتح الياء والقاف وفي رواية إذا لم يترك وعبر بإذا دون إن إيماء إلى أنه كائن لا محالة بالتدريج (اتخذ) أصله يتخذ قلبت الهمزة تاء ثم أدغمت التاء في التاء (الناس رؤساء) روي بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وروي بفتحها وهم آخره جمع رئيس قال النووي كلاهما صحيح لكن الأول أشهر والمراد بالناس جميعهم فلا يصح أن الناس اتخذوا رؤوسا جهالا إلا عند عدم العالم مطلقا فسقط ما توهم من أن إذا شرطية ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط ومن وجوده وجوده لكنه ليس كذلك لجواز حصول الإيجاد مع وجود العالم وهذا حث على لزوم العلم (جهالا) جهلا بسيطا أو مركبا (فسئلوا) بالبناء للمجهول وضميره يعود إلى رؤساء (فأفتوا بغير علم) في رواية برأيهم أي استكبارا وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل . وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم وأن قبض العلم موت حملته لا محوه منهم ولا يلزم من بقاء القرآن حينئذ بقاء العلم لأنه مستنبط منه ولا يلزم من المستنبط نفي المستنبط منه والعالم وإن كان قارئا فهو أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم وفيه جواز خلو الزمان عن مجتهد وعليه الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وترئيس أهل الجهل ويلزمه الحكم بالجهل وهذا كما قال الكرماني نعم القضاة الجاهلين إذ الحكم بشئ يستلزم الفتوى به ثم إن ذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة إلخ محل ذا على أصل الدين وذاك على فروعه أو أنه لا يقبض العلم إلى زمن مبادئ الأشراط قبل استحكام نهايتها فإذا أزفت الآزفة وأفرط قرب قيام الساعة وما أمر الله زال الكل فيحمل الخبر على زمنين مختلفين يزول التعارض من البين تتمة : قال الراغب لا شئ أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمن الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة الأنبياء وحكمهم على الخاصة ظاهرهم وباطنهم
[ 348 ]
والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة وصلاح العالم برعاية أمر هذه الساسات لتخدم العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة ، وفساده في عكس ذلك ، ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصابا لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار (حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال أحمد قال ذلك في حجة الوداع وفي الباب عن أبي أمامة أيضا وزاد فقال أعرابي يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد نعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا ؟ فرفع رأسه وهو مغضب فقال هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلموا منها فيما جاءهم أنبياؤهم انتهى فأفاد أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا ، قال ابن حجر قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام فوقع لنا من روايته أكثر من سبعين نفسا عنه . 1827 - (إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي مرخيه إلى أسفل كعبيه أي لا يثيب رجلا على صلاة أرخى فيها إزاره اختيالا وعجبا وهذا قاله لمن رآه يصلي كذلك وأمره بأن يتوضأ أي ويعيد ، وذلك لأن الصلاة حال تواضع وإسبال الإزار فعل متكبر فتعارضا ، قال ابن عربي وأمره له بإعادة الوضوء أدب وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه والله لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فلذلك لم يقبل صلاته بمعنى أنه لا يثيبه عليها وقال الطيبي سر الأمر بالتوضئ وهو متطهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من الشناعة وأنه تعالى ببركة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم على أنه تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال (د) في الصلاة واللباس (عن أبي هريرة) قال بينما رجل يصلي إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ فقيل له في ذلك فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله تعالى لا يقبل إلخ ، قال النووي في رياضه إسناده صحيح على شرط مسلم لكن أعله المنذري فقال فيه أبو جعفر رجل من المدينة لا يعرف . 1828 - (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحدا (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره ، وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال : يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله ؟
[ 349 ]
فقال : لا شئ له فأعادها ثلاثا يقول لا شئ له ثم ذكره ، وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة الله سببا من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمنا لا مقصودا ، وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطارئ . قال ابن حجر ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معا فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه (تنبيه) قال بعض العارفين هذا الحديث قطع ظهور العاملين ولم يبق لهم معه تعلق بعمل وقد انكشف بالخبر والعيان ان شرط العمل الإخلاص وهذا الحديث من أقوى أدلة من قال لا ثواب في عمل إلا إن خلص كله من الرياء وأنه لا يعتبر غلبة الباعث الذي عليه الإمام الغزالي (ن عن أبي أمامة) قال : قلت : يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله ؟ فقال : لا شئ له فأعادها ثلاثا يقول لا شئ له ثم ذكره قال العلاء والحديث صحيح صححه الحاكم وقال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ العراقي حسن وقال ابن حجر جيد وعدل المصنف عن عزوه لأبي داود كما فعل عبد الحق لقول ابن القطان إنه ليس عنده لكن أطلق ابن حجر في الفتح عزوه له . 1829 - (إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض) في السجود فوضع الأنف واجب أو مندوب ؟ على قولين فيه فمن أوجبه أجرى الحديث على ظاهره وأبطل الصلاة بالإخلال به ومن ندبه حمل الحديث على أن القبول المنفي هو كمال القبول لا أصله (طب عن أم عطية) الأنصارية الخاتنة قال الهيثمي فيه سليمان القافلاني وهو متروك . 1830 - (إن الله لا يقدس) أي يطهر (أمة) أي جماعة (لا يعطون الضعيف منهم) في رواية فيهم (حقه) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحق ليقتضي الوفاء بقيام التوحيد والإنقياد له فإذا وجدهم الحق معظمين له قائمين بوفائه رجع إلى الله تعالى مثنيا عليهم فرجع من الله بالتقديس إليهم والإمداد بالإرشاد حتى يزدادوا قوة على القيام به ومن وجده الحق غير معظم له رجع إلى الله ليشكوه والرحمة تلقى الحق بين يدي الله تعالى مراقبة للحق فكلما جاء الحق يشكو من الخلق حنت الرحمة في محلها حنين الوالهة فيسكن سلطان الغضب ولولا شأن الرحمة ثار السلطان فدمر العباد والبلاد فإذا جاء الحق يشكو مؤذيا معاندا جبارا ثار السلطان بالعقوبات فاعتزلت الرحمة فإن المعاند مبارز فرب قوم تحل منهم العقوبة في طرفة عين ورب آخرين رأسهم مظلمة سنين حتى يقع عليهم وهم في غفلتهم لاهين (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في شئ من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه بلفظ لا
[ 350 ]
يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ورواه الشافعي رضي الله عنه بلفظ الطبراني مصرحا بالسبب فقال إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة نكب عنا ابن أم معبد يعنون ابن مسعود أي اصرفه عنا يا رسول الله ويحتمل أن الأمر لابن مسعود على حذف حرف النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بعثني الله إذن ؟ إن الله إلخ أي إن خفتم شره وأذى مجاورته فإنني آخذ للضعبف من القوي حقه أو أراد أن ابن مسعود هو الضعيف وهذا حقه فلم تأمرونه بالإنصراف عنكم انتهى قال ابن حجر ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن جابر وغيرهما . 1831 - (إن الله تعالى لا ينام) أي يستحيل عليه النوم لأنه انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس لاستراحة القوى والحواس وهو منزه عنه ومن كان بريئا من ذلك لا يشغله شأن عن شأن (لا ينبغي له أن ينام) قال الأشرفي لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم منه سبحانه أكدها بالثانية الدالة على نفي جواز صدوره عنه إذ لا يلزم من عدم الصدور عدم جواز الصدور وذلك لأنه تعالى لو نام لم تستمسك السماء والأرض هكذا علله به في حديث رواه الموصلي عن أبي هريرة مرفوعا : وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام الله عز وجل فأرسل الله إليه ملكا أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يستحفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطكت يداه فانكسرت القارورتان فضرب الله مثله إن الله عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض انتهى وفيه أمية بن شبل ذكره في الميزان ولم يذكر أن أحدا ضعفه وإنما ذكر له هذا الحديث وضعفه به ورده الهيثمي بأن ابن حبان ذكره في الثقات وحينئذ فهو صحيح (يخفض القسط ويرفعه) أي ينقص الرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول فمحصوله يقلل لمن يشاء ويكثر لمن يشاء بالقسط أو أراد بالقسط العدل الذي يرفع بعدله الطائع ويخفض العاصي وهو إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا تقاس عليها غيرها فهو إخبار بأن بيده تصاريف الأمور وتكوينها على ما يشاء وأي زمن شاء وأشار بنوعي الرفع والخفض إلى أن قدرته لا تتعلق بشئ واحد بل يظهر عنها المتضادات والمختلفات والمتماثلات كذا في المطامح وقال التوربشتي فسر بعضهم القسط بالرزق أي يقتره ويوسعه عبر به عنه لأنه قسط كل مخلوق وبعضهم بالميزان ويسمى قسطا لما يقع به من المعدلة في القسمة وهو أولى لخبر يرفع الميزان ويخفضه ويحتمل أن المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده وأعمالهم المرتفعة إليه ويحتمل أنه إشارة إلى أنه تعالى كل يوم هو في شأن وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا يناسب قوله ولا ينبغي له أن ينام أي كيف يجوز عليه ذلك وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل (يرفع) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى خزائنه كما يقال حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء أو يعرض عليه وإن كان أعلم به ليأمر ملائكته بإمضاء ما مضى لفاعله جزاء
[ 351 ]
قبل عمل النهار) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار الذي بعده (وعمل النهار قبل عمل الليل) الذي بعده وبه خص عموم خبر ما في رواية لمسلم عمل النهار بالليل ومعناه يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده وعمل الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل (1) وفيه تعجيل إجابته لمن دعاه وحسن قبوله من عمل له (حجابه النور) أي تحيرت البصائر والأبصار وارتجت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه فهي الحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها وفي رواية لمسلم النار بدل النور قال الطيبي وهذا استئناف جواب عمن قال لم لا نشاهد الله فقال هو محتجب بنور عزته وأشعة عظمته وذلك الحجاب هو الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر فحجابه خلاف الحجب المعهودة فكيف يشاهد (لو كشفه) بتذكير الضمير أي النور ، هذه هي الرواية وفي بعض النسخ كشفها وهو تحريف من النساخ استئناف جواب لمن قال لم لا يكشف الحجب (لأحرقت سبحات) بضم السين والباء جمع سبحة وهي العظمة (وجهه) أي ذاته قال القاضي وهي الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من الجلال والعظمة (وما انتهى إليه) أي إلى وجهه (بصره) الضمير فيه راجع إلى ما و (من خلقه) بيان له وقيل سبحات وجهه جلاله يعني لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلفه لعدم إطاقته وهو يعد في دار الدنيا منغمس في الشهوات متآلف بالمحسوسات محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرته والإتصال بها ومشاهدة جمالها ذكره القاضي وقال الزمخشري السبحات جمع سبحة كغرفات وغرفة والسبحة اسم لما يسبح به ومنها سبح العجوز لأنها تسبح بهن والمراد صفات الله التي يسبح بها المسبحون من إجلاله وعظمته وقدرته والنور الآيات البينات التي نصبها إعلاما لتشهد له وتطرق إلى معرفته والإعتراف به فشبهت بالنور في إنارتها وهدايتها انتهى وقال البعض أراد بما انتهى إليه جميع المخلوقات من سائر العوالم السفلية والعلوية لأن بصره تعالى محيط بالكل يعني لو كشف الحجاب عن ذاته لاضمحلت جميع مخلوقاته وهذا كله تقريب لأفهام العباد لأن كون الشئ ذا حجاب من أوصاف الجسم والحق سبحانه منزه عن ذلك ثم إن هذا قد تمسك به بعض أهل الاعتزال لمذهبهم من عدم رؤية الله في الآخرة وأجيب بأن المراد منه مرتبة الألوهية والله تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية (تتمة) قال في الحكم الحق ليس بمحجوب إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شئ لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشئ فهو له قاهر * (وهو القاهر فوق (1) ولا تعارض بينه وبين ما يأتي أن الاعمال تعرض يوم الاثنين والخميس لان هذا العرض يوم الاثنين والخميس عرض خاص كما في خبر إن الله تكفل برزق طالب العلم فهو تكفل خاص وإلا فالبارئ يتكفل بأرزاق جميع الخلائق * (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها) * [ هود : 6 ] ووجه الجمع أن الاعمال تعرض كل يوم فإذا كان الخميس عرض عرضا آخر يطرح منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب أي من الاعمال المباحة نحو أكل وشرب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب . (*)
[ 352 ]
عباده) * [ الانعام : 18 ] كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو الذي أظهر كل شئ كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو الذي ظهر بكل شئ كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو الذي ظهر في كل شئ كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو الذي ظهر لكل شئ في ظهور ذلك الشئ كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو الظاهر قبل وجود كل شئ كيف يتصور أن يحجبه شئ وهو أظهر من كل شئ (م) في الأيمان (ه) في السنة (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخمس كلمات فقال إن الله إلخ . 1832 - (إن الله لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم) * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) * [ الكهف : 11 ] فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة والله منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل . والجمال قسمان ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر الله من غيره ، وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود للعيان (تنبيه) قال الغزالي قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه انتهى (م) في الأدب وغيره (ه) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم . 1833 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر مثوبة أو رحمة أو لطف أو عناية فعبر عن المعنى الكائن عند النظر به لأن من نظر إلى متواضع رحمه أو إلى منكر مقته وفي رواية للشيخين زيادة يوم القيامة (إلى من يجر إزاره) وفي رواية ثوبه أي يسبله إلى تحت كعبيه (بطرا) أي للكبر فهو حرام متوعد عليه بالثأر في عدة أخبار ويفهم منه أن جره إذ لم يكن بطرا لا يحرم بل يكره وسبل الإزار والسراويل والقميص والجبة ونحو ذلك مثله قال العراقي بل ورد في حديث دخول العمامة (م) من حديث زياد (عن أبي هريرة) سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره فجعل يضرب على الأرض برجله وهو أمير على البحرين وهو يقول جاء الأمير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى الى أخره وظاهر صنيعه تفرد مسلم به عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا في اللباس وكذا مالك أخر الموطأ .
[ 353 ]
1834 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى مسبل إزاره) إلى أسفل الكعبين أي بطرا كما قيده به في الرواية الأولى فإسباله لا للبطر ولا للخيلاء مكروه لا حرام والكلام في إسبال لغير ضرورة ، هذا في حق الرجل وأجمعوا على حل الإسبال للمرأة (1) (حم ن عن ابن عباس) . 1835 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى من يخضب) أي يغير لون شعر نحو لحيته أو رأسه لما ارتكبه من الغش والخديعة (بالسواد يوم القيامة) وهذا وعيد شديد يفيد التحريم وموضعه فيما لو خضبه به لغير الجهاد أما خضبه للجهاد فجائز وأخرج بالسواد غيره كصفرة فهو جائز بل مطلوب محبوب (ابن سعد) في الطبقات (عن عامر مرسلا) عامر في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه . 1836 - (إن الله لا يهتك) أي لا يرفع (ستر عبد) من عباده (فيه مثقال ذرة من خير) أي شئ قليل منه جدا بل يتفضل عليه بستر قبائحه في هذه الدار ومن ستره فيها لم يفضحه في يوم القرار كما جاء في عدة أخبار وقيل للفضيل إن قال لك ربك يوم القيامة ما غرك بربك الكريم ما تقول ؟ قال أقول غرتني ستورك المرخاة قال الزمخشري ومن المجاز هتك الله ستر التاجر فضحه وقبحوهم فهتكوا أستارهم وتهتك في البطالة أعمل نفسه فيها ورجل متهتك لا يبالي بهتك ستره (عد عن أنس) وفيه الربيع بن زيد وقال النسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب . 1837 - (إن الله لا يؤاخذ المزاح) أي الكثير المزاح الملاطف بالقول والفعل المازح (الصادق في مزاحه) أي الذي لا يشوب مزاحه بكذب أو بهتان بل يخرجه على ضرب من التورية ونحوها كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز وذلك الذي في عينه بياض ونحو ذلك (ابن عساكر) في تاريخه (عن (1) وأما القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف القميص والازار فنصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وأما الاحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء لانه مطلق فوجب حمله على المقيد بالجملة يكره كلما زاد على الحاجة المعتادة في اللباس من الطول والسعة وأجمع العلماء على جواز الاسبال للنساء وقد صح الاذن من النبي (ص) لهن في إرخاء ذيولهن ذراعا . (*)
[ 354 ]
عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها . 1838 - (إن الله تعالى يؤيد هذا الدين) دين الإسلام قال الحرالي والأيد تضعيف القوة الباطنة وقال الراغب : الأيد القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد (بأقوام) جمع قوم (لا خلاق لهم) أي لا أوصاف حميدة يتلبسون بها قال حجة الإسلام ومنهم عالم طالب للرياسة والقبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعز والوقار وهو في نفسه هالك ويصلح بسببه الدين والخلق إذا كان يدعو إلى رفض الدنيا ظاهرا وينشر الشريعة ويقيم نواميس الشعائر الدينية فهو ممقوت عند الله ويظن أنه عنده بمكان اه وقال بعضهم العبد وإن وقع على يديه تأييد للدين ونفع للعباد بالإفتاء والتدريس والتأليف فهو جاهل بخاتمة أمره هذا إذا سلم حال حياته من نحو عجب وشفوف على الناس بعلمه وإلا فحاله ظاهر اه (ن حب عن أنس) بن مالك (حم طب عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي أسناده جيد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات . 1839 - (إن الله تعالى يباهي) ملائكته (بالطائفين) بالكعبة أي يظهر لهم فعلهم ويعرفهم أنهم من أهل الحظوة لديه وأهل المباهات المفاخرة والله سبحانه منزه عنها فيؤول بما ذكر (حل هب) وكذا الخطيب (عن عائشة) قال أبو نعيم لم يروه عن عطاء إلا عائذ بن بشير ولا عنه إلا محمد بن السماك اه وابن السماك قال ابن نمير ليس حديثه بشئ . 1840 - (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة) أي الواقفين بها ثم بين تلك المباهات بقوله (يقول انظروا إلى عبادي) أي تأملوا حالهم وهيأتهم (أتوني) أي جاؤوا إلى بيتي إعظاما لي وتقربا لما يقربهم مني (شعثا) أي متغيرين الأبدان والشعور والملابس لقلة تعهدهم بالأدهان والإصلاح والشعث الوسخ في بدن أو شعر (غبرا) أي من غير استحداد ولا تنظف قد ركبهم غبار الطريق قال في المطامح وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر فينتج أن الحج يكفر حق الحق وحق الخلق حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على الله في فضله ولا حق بالحقيقة لغيره وفيه أفضلية عرفة حتى على النحر وهو ما عليه الأكثر فلو قال أنت طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه قال القاضي وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر فلما رآه
[ 355 ]
قال قد عرفت أو لأن آدم وحواء عليهما السلام التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه (حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون . 1841 - (إن الله تعالى يباهي بالشاب) هو الذي لم يصل إلى حد الكهولة (العابد) لله تعالى (الملائكة ، يقول انظروا إلى عبدي) هذا الشاب (ترك شهوته من أجلي) أي قهر نفسه فصام نهاره وقام ليله وشغل بالعبادة عن التبسط في الملاذ والتوسع في المطاعم والمشار ب والملابس وكفها عن لذاتها ابتغاء لرضاي وأما أنتم أيها الملائكة فلا تقاسون تجرع مرارات مخالفة النفس والهوى لكونكم ليس في أحد منكم خلط ولا تركيب بل كل منكم وحداني الصفة مجبول على الطاعة (ابن السني) في عمل يوم وليلة (فر عن طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة وفيه يحيى بن بسطام قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ويزيد بن زياد الشامي قال في الضعفاء قال البخاري منكر الحديث . وقال النسائي متروك . 1842 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يختبر ويمتحن (عبده المؤمن) القوي على احتمال ذلك (بالسقم) بضم فسكون أي المرض (حتى يكفر عنه كل ذنب) فيجب على العبد أن يشكر الله على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخرة دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى قال القرطبي والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك (تنبيه) قال العارف الجيلاني رضي الله تعالى عنه قد يقرب الله عبده المؤمن ويجتبيه ويفتح قبالة عين قلبه باب الرحمة والمنة والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مطالعة الغيوب في ملك السماء والأرض ومن تقريب وكلام لطيف ووعد جميل ودلال وإدلال وإجابة دعاء وتصديق وعد وكلمات حكمة تومي إلى قلبه من بعد فتظهر على لسانه ويسبغ على قلبه نعمه الدنيوية والدينية ويديم ذلك عليه برهة حتى إذا اطمأن لذلك واغتر به وظن دوامه فتح عليه بابا من البلاء والمحن في نفسه وأهله وماله وقلبه فينقطع كلما كان فيه من نعيم فيبقى متحيرا حزينا مكسورا مقطوعا به إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه أو إلى قلبه وباطنه وجد ما يحزنه وإن سأل الله كشف ما به من البلاء لم ترج إجابته وإن طلب وعدا جميلا لم يجده سريعا وإن وعد بشئ لم يصل إليه وإن رأى رؤيا لم يظفر بتعبيرها وتصديقها وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إليه سبيلا وإن عمل برخصة تسارع إليه العقاب وسلطت أيدي الخلائق على جسمه وألسنتهم على عرضه وإن طلب الإقالة لم يقل أو الرضى أو التنعم بما هو فيه من البلاء لم يعط وحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والأمان والإرادات في الرحيل والأكوان كلها في التلاشي ويدام ذلك عليه مدة حتى
[ 356 ]
تفنى جميع أوصافه البشرية فإذا صار روحا مجردا تعطف الحق عليه يسمع النداء من باطنه * (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) * [ ص : 42 ] وحينئذ يمطر الله على قلبه ماء رحمته ورأفته ولطفه ومنته ويزيل عنه سائر البلاء ويطلق ألسنة خلقه بمدحه والثناء عليه وبذل له الرقاب وتسخر له الملوك والأرباب (طب عن جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي في سند الطبراني عبد الرحمن بن معاوية ابن الحويرث ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان . 1843 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يمتحن ويختبر (العبد فيما أعطاه) من الرزق (فإن رضى بما قسم الله له) أي بالذي قسم له منه أو بقسمة الله (بورك له) بالبناء للمفعول يعني بارك الله له فيه (ووسعه) عليه (وإن لم يرضى) به (لم يبارك له) فيه (ولم يزده على ما كتب له) أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلا لأكثر مما قدر له واعترض على الله في حكمته قال بعضهم وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقلله ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائما فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلسا لا هو شاكر ولا نال ما طلب (حم و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجم الصحابة (هب) كلهم (عن) عبد الله بن الشخير (عن رجل من بني سليم) قال عبد الله لا أحبسه إلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإبهام الصحابي غير قادح لأنهم كلهم عدل كما مر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 1844 - (إن الله تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه (ليتوب مسئ النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة (ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل) يعني يقبل التوبة من العصاة ليلا ونهارا أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجئ في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة الله وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك (حتى تطلع الشمس من مغربها (1) فإذا طلعت منه غلق باب التوبة قال في المطامح (1) قال النووي معناه يقبل التوبة من المسيئين نهارا وليلا حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يختص قبولها بوقت وبسط اليد استعارة في قبول التوبة للمسئ وقال المناوي يعني يبسط يد الفضل والانعام لا يد الجارحة فإنها من لوازم الاجسام فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة . (*)
[ 357 ]
ومن أنكر طلوعها من مغربها كفر وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنه ينكره نعوذ بالله من الخذلان انتهى وأنت خبير بأن جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحا سيما في حق العامة لأنه لم يبلغ مبلغ المعلوم من الدين بالضرورة ومجرد وروده في أخبار صحاح لا يوجب التكفير فتدبر (حم م) في التوبة (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير ولم يخرجه البخاري . 1845 - (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها (على رأس كل مائة سنة) من الهجرة أو غيرها على ما سبق تقريره والمراد الرأس تقريبا (من) أي رجلا أو أكثر (يجدد (1) لها دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة قال ابن كثير قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم ومر تعيين المبعوث على كل قرن وأن المؤلف ذكر أنه المجدد التاسع وصرح به في قصيدة بقوله : الحمد لله العظيم المنه * * المانح الفضل لأهل السنة ثم الصلاة والسلام نلتمس * * على نبي دينه لا يندرس لقد أتى في خبر مشتهر * * رواه كل عالم معتبر بأنه في رأس كل مائة * * يبعث ربنا لهذى الأمة منا عليها عالما يجدد * * دين الهدى لأنه مجتهد فكان عند المائة الأولى عمر * * خليفة العدل بإجماع وقر والشافعي كان عند الثانية * * لما له من العلوم السامية وابن سريج ثالث الأئمة * * والأشعري عده من أمه والباقلاني رابع أو سهل أو * * الاسفرايني خلف قد حكوا والخامس الحبر هو الغزالي * وعده ما فيه من جدال والسادس الفخر الإمام الرازي * * والرافعي مثله يوازي والسايع الراقي إلى المراقي * * ابن دقيق العيد بإتفاق والثامن الحبر هو البلقيني * * أو حافظ الأنام زين الدين والشرط في ذلك أن تمضي المائة * * وهو على حياته بين الفئة يشار بالعلم إلى مقامه * وينصر السنة في كلامه وأن يكون جامعا لكل فن * أن يعم علمه أهل الزمن (1) قال العلقمي معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل من الكتاب والسنة والامر بمقتضاهما واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه . (*)
[ 358 ]
وأن يكون في حديث قد ورى * * من أهل بيت المصطفى وقد قوى وكونه فردا هو المشهور * قد نطق الحديث والجمهور وهذه تاسعة المئين قد * * أتت ولا يخلف ما الهادي وعد وقد رجوت أنني المجدد * * فيها بفضل الله ليس يجحد وآخر المئين فيما يأتي * * عيسى نبي الله ذو الآيات يجدد الدين لهذي الأمة * * وفي الصلاة بعضنا قد أمه مقرر لشرعنا ويحكم * * بحكمنا إذ في السماء يعلم وبعده لم يبق من مجدد * * ويرفع القرآن مثل ما بدى وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي (د) في الملاحم (ك) في الفتن وصححه (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) له كلهم (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح ومن ثم رمز المؤلف لصحته . 1846 - (إن الله يبعث ريحا من اليمن) وفي رواية من الشام ولا تنافي أنها ريح شامية يمانية أو لأن مبدأها من حد الإقليمين ثم تصل للآخر وتنشر عنه وزعم أن اليمن بضم فسكون وأن المراد البركة يرده ذكر الشام في الرواية الأخرى (ألين من الحرير) في هذا الوصف إشارة إلى الرفق بالمؤمنين في قبض أرواحهم وفيه أن استعمال الريح في الشر غالبي لا كلي (فلا تدع) أي تترك (أحدا في قلبه مثقال حبة) في رواية ذرة (من إيمان) أي وزنها منه والمثقال معروف لكن ليس المراد به هنا حقيقته بل عبر به لأنه أقل ما يوزن به عادة غالبا (إلا قبضته) أي قبضت روحه بمعنى أنه يحصل قبضة مع هبوبها فلا ينافي أن القابض ملك الموت عليه السلام ولا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي إلخ لأن معناه حتى يقبضهم الريح الطيبة قرب القيامة وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وأن المؤمنين يرفق بهم لكن هذا غالبي وإلا فكم من سعيد صعب عليه الموت وشقي سهل عليه (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح . 1847 - (إن الله تعالى يبغض السائل الملحف) أي الملح الملازم أخذا من اللحاف الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به للزومه ما يغطيه ومنه لاحفه أي لازمه قال الحرالي هو لزوم ومدافعة في الشئ من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية انتهى وفي الفردوس قيل المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء وقد ذم الله تعالى السائل إلحافا في ضمن ثنائه على ضده بقوله * (لا يسألون الناس إلحافا) * [ البقرة : 273 ] (حل عن أبي هريرة) وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معا للذهبي في الضعفاء .
[ 359 ]
1848 - (إن الله تعالى يبغض الطلاق) أي قطع النكاح بلا عذر شرعي (ويحب العتاق) لما فيه من فك الرقبة وتثبت به من قال لا يحل الطلاق إلا لضرورة يعني عند قيام الحاجة إلى الخلاص وهو مذهب الحنفية وقال الشافعي هو مباح أصالة وقد تجري فيه الأحكام الخمسة (فر) من جهة محمد بن الربيع عن أبيه عن حميد بن مكحول (عن معاذ بن جبل) قال السخاوي وهو ضعيف منقطع فمكحول لم يسمع معاذا وحميد مجهول وقيل عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيه كما قال الجوزي على حميد . 1849 - (إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال) أي المظهر للتفصح تيها على الغير وتفاصحا واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها ولا يناقض هذا * (خلق الإنسان علم البيان) * [ الرحمن : 4 ] لأن جعله من نعم الوهاب آية أن موضع البغض ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم فمن فهم تناقض الخبر والآية فقد وهم وإلى ذلك المعنى المراد يشير قوله (الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة) جماعة البقر (بلسانها) أي الذي يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة ووجه الشبه إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها ذكره جمع أخذا من قول التوربشتي ضرب للمعنى مثلا يشاهده الراؤون من حال البقرة ليكون أثبت في الضمائر وذلك أن كل دابة تأخذ النبات بأسنانها والبقرة بلسانها يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفا فكذا هؤلاء لا يميزون في مأكلهم بين الحلال والحرام * (سماعون للكذب أكالون للسحت) * [ المائدة : 42 ] وقال القاضي شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحا بما يفعل البقر وما ذكر من أن الرواية يتخلل بخاء معجمة هو المشهور وفي بعض نسخ المصابيح يتجلل بالجيم قال القاضي فيكون تشبيها له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسات ، وبغض الله إرادته عقاب من أبغضه وإيقاع الهوان به قال الغزالي مر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له أعلى الله تتبالغ ؟ ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق قال في الأذكار فيكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقامات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول فكله من التكلف المذموم وكذا تحري دقائق الأعراب ووحشي اللغة حال مخاطبة العوام قال بعض العارفين لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات ألا ترى كيف جعل الله موسى أفضل من أخيه عليهما السلام لفصاحة ذاته وكان هارون عليه السلام أفصح منه في نطقه وبلاغته * (الله أعلم حيث يجعل رسالته) * [ الانعام : 124 ] ولله در القائل :
[ 360 ]
سر الفصاحة كامن في المعدن * * لخصائص الأرواح لا للألسن وقال : يا من أعرب فما أغرب ، وعبر فما غبر ، وأثار المغنى ، وما أنار المعنى ، هل الجنان ، لمن أصلح الجنان ، أم لمن أتى بالإغراب في الإعراب ؟ وقال بعضهم : لسان فصيح معرب في كلامه * * فيا ليته في موقف الحشر يسلم وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى * * وما ضر ذا تقوى لسان معجم (تنبيه) البلاغة عند المتقدمين أن يبلغ بعبارة لسنه كنه ما في جنانه أو إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ أو الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار في الكلام أو قليل لا يبهم وكثير لا يسأم أو إجمال اللفظ واتساع المعنى أو تقليل اللفظ وتكثير المعنى أو حسن الإيجاز وإصابة الحقيقة والمجاز أو سهولة اللفظ مع البديهة أو لمحة دالة أو كلمة تكشف البغية أو الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ أو النطق في موضعه والسكوت في موضعه أو معرفة الفصل والوصل أو الكلام الدال أوله على آخره وعكسه أقوال وفي عرف أهل المعاني والبيان مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة وهي خلوه عن التعقيد (حم د) في الأدب (ن) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي حسن غريب اه . وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدمي قال في الكاشف كان مدلسا موثقا وهذا الحديث رواه العسكري عن ابن عمر ونحوه وزاد في آخره لفظة فقال إن الله عز اسمه يبغض الرجل البليغ الذي يلغت لسانه كما يلغت الباقر بلسانها الحلاوة . 1850 - (إن الله تعالى يبغض البذخين) بباء موحدة وذال وخاء معجمتين اسم فاعل من البذخ الفخر والتطاول (الفرحين) فرحا مطغيا لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه كما يدل عليه تعقيبه بقوله (المرحين) من الرمح وهو الخيلاء والتكبر الذين اتخذوا الشماخة والكبر والأشر والبطر والاستغراق في اللهو والفرح بما أوتوا ديدنا وشعارا ومن فرح بحظ الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ويحب كل قلب حزين (فر عن معاذ بن جبل) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال في الميزان قال الدارقطني متروك يضع الحديث (تنبيه) علاج من استخفه الفرح إكثار ذكر الموت واستحضار قبح الدنيا وسرعة زوالها وكدحها . 1851 - (إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب) بكسر الغين المعجمة أي الذي لا يشيب أو الذي يسود شيبه بالخضاب ذكره الزمخشري وعلى الأول فالمراد به من يعمل عمل من لحيته سوداء يعني عمل الشباب من اللهو واللعب والخفة والطيش والإكباب على الشهوات والاسترسال في اللذات (عد) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه رشدين فإن كان ابن سعد فقد ضعفه الدارقطني أو ابن كريب فضعفه أبو زرعة .
[ 361 ]
1852 - (إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم) أي كثير الظلم لغيره بمعنى أنه يعاقبه وليس المراد أنه لا يبغض الفقير الظلوم بل المراد أن كثرة الظلم مع الغنى أشد قبحا وأعظم جرما وأكثر عذابا وعبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن من وقع منه هفوة من ظلم لا يكون مبغوضا (والشيخ الجهول) أي الجاهل بالفروض العينية التي يلزمه تعلمها أو الذي يفعل فعل الجهال وإن كان عالما وليس المراد أنه لا يبغض الشاب الجهول بذلك بل بيان أن جهل الشيخ الذي وصل إلى حال الإنابة وأعذر الله إليه في العمر وأشرف على القدوم على الآخرة أقبح لاغتراره بالله تعالى وتماديه في غفلته (والعائل المختال) بخاء معجمة أي الفقير الذي له عيال محتاجون وهو يختال أي يتكبر عن تعاطي ما يقوم بأودهم ويهمل أمرهم ويضيعهم وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ، ولم يعبر فيه بصيغة المبالغة لعظم جرم التكبر وشر عاقبته لما فيه من منازعة الله في دائه فالقليل منه ليس في محل العفو كما في ذينك (طس عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحارث الأعور وهو ضعيف . 1853 - (إن الله يبغض الفاحش المتفحش) قال القرطبي الفاحش المجبول على الفحش الذي يتكلم بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين أو الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي وهو الجفاء في الأقوال والأفعال والمفتحش المتعاطي لذلك المستعمل له وقيل الفاحش المتبلس بالفحش والمتفحش المتظاهر به لأنه تعالى طيب جميل فيبغض من لم يكن كذلك قال تعالى * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * [ الانعام : 151 ] قال الفخر الرازي وقد عاتب الله تعالى نوحا عليه الصلاة والسلام عند دعائه على قومه بالهلاك وقال * (المؤمنون بعضهم أولياء بعض) * [ التوبة : 71 ] ولم يقل أعداء بعض وقال موسى وهارون عليهما الصلاة السلام * (فقولا له قولا لينا) * [ طه : 44 ] (حم عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي رواه بأسانيد أحدها رجاله ثقات . 1854 - (إن الله يبغض المعبس) بالتشديد (في وجوه إخوانه) أي الذي يلقاهم بكراهة عابسا وفي إفهامه إرشاد إلى الطلاقة والبشاشة مع الإخوان (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن هارون الهاشمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني ضعيف عن عيسى بن مهران قال في الضعفاء كذاب رافضي . 1855 - (إن الله تعالى يبغض الوسخ) الذي لا يتعهد بدنه ولا ثيابه من الوسخ (والشعث) لأنه
[ 362 ]
تعالى نظيف يحب النظافة ويحب من خلقه من تخلق بها ويكره أضدادها قال في المصباح والوسخ ما يعلو الثوب وغيره من قلة التعهد وتوسخت يده تلطخت بالوسخ قال الزمخشري ومن المجاز لا تأكل من أوساخ الناس ولا يعارضه خبر إن الله يحب المؤمن المتبذل لأن المراد به تارك التزين تواضعا كما يأتي (هب عن عائشة) رضي الله عنها وفيه محمد بن الحسين الصوفي وقد سبق أنه كان وضاعا وخالد بن حجيج قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب . 1856 - (إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا) أي بما يبعده عن الله من الإمعان في تحصيلها (جاهل بالآخرة) أي بما يقربه إليها وبدنيه منها لأن العلم شرف لازم لا يزول دائم لا يمل ومن قدر على الشريف الباقي أبد الآباد ورضي بالخسيس الفاني في أمد الآماد فجدير بأن يبغض لشقاوته وإدباره ولو لم يكن من شرف العلم إلا أنه لا يمتد إليه أيدي السراق بالأخذ ولا أيدي السلاطين بالعزل لكفى فكيف وهو بشرطه المتكفل بسعادة الدارين (ك في تاريخه عن أبي هريرة) وفيه أبو بكر النهشلي شيخ صالح تكلم فيه ابن حبان . 1857 - (إن الله تعالى يبغض البخيل) مانع الزكاة أو أعم (في حياته السخي عند موته) لأنه مضطر في الجود وحينئذ لا مختار لعلمه أن دنياه قد أدبرت وأن إمساك المال لا ينفعه حينئذ لكن إن فعل أثيب ثوابا أنقض من ثوابه حال الصحة (خط في كتاب البخلاء) أي في الكتاب الذي ألفه في ذم البخلاء (عن علي) أمير المؤمنين وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه له على سنده . 1858 - (إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له) بزاي فموحدة فراء أي لا عقل له يزبره أي ينهاه عن الإثم أو لا عقل له يعتد به أو يحتفل به أو لا تماسك له عن الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا ينزجر عن محرم كذا قرره جمع لكن في الميزان يعني الشدة في الحق وروي بذال معجمة أي لا نطق له ولا لسان يتكلم به لضعفه أو لا فهم له أو لا إتقان له ذكره ابن الأثير وفي رواية بدل المؤمن الضعيف الذي لا زابر له (عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسمع الأشعري وقال لا يتابع عليه ولا يعرف بالنقل وتبعه في اللسان كأصله . 1859 - (إن الله يبغض ابن السبعين) من السنين (في أهله) كناية عن شدة التواني ولزوم التكاسل
[ 363 ]
والتقاعد عن قضاء حوائجهم (ابن عشرين) من السنين (في مشيته) بكسر الميم (ومنظره) أي من هو في مشيته وهيئته كالشاب المعجب بنفسه الفرح بحياته الطائش في أحواله ولفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ بتعريف السبعين والعشرين (طس) وكذا الديلمي (عن أنس) وقال أعني الطبراني لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي : وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث وهو ضعيف . 1860 - (إن الله تعالى يتجلى) بالجيم (لأهل الجنة) في الجنة (في مقدار كل) يوم (جمعة) من أيام الدنيا (على كثيب كافور) بالإضافة وبدونها (أبيض) فيرونه عيانا وذلك هو يوم عيد أهل الجنة وإنما قال في مقدار ولم يكتف بقوله في كل يوم جمعة لأن الجنة ليس فيها نهار ولا ليل كالدنيا قال العارف ابن عربي إذا وجد الشئ في عينه جاز أن يراه ذو العين بعينه المقيدة بوجهه الظاهر وجفنه ولو كانت الرؤية تؤثر في المرء لأحلناها فقد بانت المطالب كما ذكرناها . اه . وخص المؤلف الرؤية في الآخرة بالذكور وبدليل أنهم يرجعون إلى نسائهم فيعجبون بما زيد لهم من النور وخالف الشمس الجوهري وقال ظاهر صحاح الأخبار العموم ووقع بينهما تنازع أدى إلى تقاطع وألف فيه المؤلف تأليفا سماه إسبال الكساء على النساء استدل فيه بأخبار وآثار ضعيفة لا يحتج بها (خط) عن الحسن بن أبي الحسين الوراق عن عمر بن أحمد الواعظ عن جعفر بن محمد العطار عن جده عبد الله بن الحكم عن عاصم عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك حكم ابن الجوزي بوضعه وقال لا أصل له ، جعفر وجده وعاصم مجهولون وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه . 1861 - (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم) أيها المؤمنون (عملا أن يتقنه) أي يحكمه كما جاء مصرحا به في رواية العسكري فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصور والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه الله عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة كما ذكر أن صانعا عمل عملا تجاوز فيه ودفعه لصاحبه فلم ينم ليلته كراهة أن يظهر من عمله عملا غير متقن فشرع في عمل بدله حتى أتقن ما تعطيه الصنعة ثم غدا به لصاحبه فأخذ الأول وأعطاه الثاني فشكره فقال لم أعمل لأجلك بل قضاء لحق الصنعة كراهة أن يظهر من عملي عمل غير متقن فمتى قصر الصانع في العمل لنقص الأجرة فقد كفر ما علمه الله وربما سلب الإتقان (تنبيه) ما ذكر في شرح هذا الحديث هو ما لبعض الأئمة لكني رأيت في رواية ما يدل على أن المراد بالإتقان الإخلاص ولفظها إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه قالوا يا رسول الله وما اتقانه قال يخلصه من الرياء والبدعة (هب عن عائشة) وفيه
[ 364 ]
بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما . 1862 - (إن الله يحب من العامل) أي من كل عامل (إذا عمل) عملا في طاعة (أن يحسن) عمله بأن لا يبقى فيه مقالا لقائل ولا مفرجا لغائب قال الراغب العاقل من تحرى الصدق في صناعته وأقبل على عمله وطلب مرضاة ربه بقدر وسعه وأدى الأمانة بقدر جهده ولم يشتغل عن عبادة ربه كما قال تعالى * (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * [ النور : 37 ] (تنبيه) قال النووي المحبة الميل ويستحيل أن يميل الله تعالى أو يمال إليه وليس بذي جنس ولا طبع فيوصف بالشوق الذي تقتضيه الطبيعة البشرية فمحبته للعبد إرادته تنعيمه أو هي إنعامه فعلى الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل وأما محبة العبد لله تعالى فإرادته أن يحسن إليه اه (هب) من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب (عن) أبيه (كليب) بن شهاب الحري قال العلاء قال لي محمد بن سوقة اذهب بنا إلى رجل له فضل فانطلقنا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أن قال حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول سووا في حد هذا حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم فقال أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن إن الله إلخ وقطبة ابن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به قال أعني الذهبي والده العلاء لا يعرف وعاصم بن كليب قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به اه وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال له ولأبيه شهاب صحبة لكن قال في التقريب وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة وعليه فالحديث مرسل . 1863 - (إن الله يحب إغاثة اللهفان) أي المكروب أي إعانته ونصرته يقال تلهف على الشئ ولهف إذا حزن وتحسر عليه فهو لهفان وملهوف ولهيف أي مكروب وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع فيها واستفراغ الجهد في المحافظة عليها وسيمر بك كثير من ذلك في أحاديث هذا الجامع (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لم يره ولا شهر ولا أحق بالعزو منه إليه وهو عجيب فقد رواه أبو يعلى وكذا الديلمي من حديث أنس باللفظ المزبور . 1864 - (إن الله تعالى يحب الرفق) بكسر فسكون لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف (في الأمر كله) في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في
[ 365 ]
معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر وهذا قاله لما قالت اليهود لعائشة رضي الله تعالى عنها عندها السام عليك قالت بل عليكم السام واللعنة (تنبيه) عرف في شرح الرسالة العضدية الرفق بأنه حسن الانقياد إلى ما يؤدي إلى الجميل (خ عن عائشة) قضية كلام المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم أيضا باللفظ المزبور عن عائشة المذكورة في كتاب الاستئذان لكن الإنسان محل النسيان . 1865 - (إن الله يحب السهل) في قوله وفعله أي المتهلل الوجه البسام والمتيسر في أمره غير المتعسر فتراه سهلا في دنياه في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه فيشعر بحقارة الدنيا وتراه سهلا في معاشرة الخلق لين الجانب حسن الصحبة ذا رفق لهم وكذا في أمر الدين سهل الانقياد إلى طاعة ربه قال بعضهم المؤمن أسهل شئ وأيسره فإذا تعرض لدينه كان كالجبل (المطلق) وفي نسخ الطليق والأول هو ما في خط المؤلف يعني طلق الوجه ظاهر البشر لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب التخلق بشئ منها والسهولة والطلاقة داخلان فيما تسمى به إذ هما من الحلم والرحمة وفي رواية الطلق يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه إذا كان في وجهه طلاقة وبشاشة وقال أبو زيد رجل طليق الوجه متهلل بسام (الشيرازي) وكذا الديلمي (هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبيهقي وسنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه أحمد بن عبد الجبار البلخي أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وحديثه مستقيم قال الدارقطني وغيره متروك . 1866 - (إن الله يحب الشاب) وهو من بلغ ولم يتجاوز ثلاثين سنة (التائب) أي الراجع إلى الله تعالى عن قبيح فعله وقوله لأن الشبيبة حال غلبة الشهوة وحدة النفس وقوة الطبع وضعف العقل وقلة العلم فأسباب المعصية فيها قوية وأسباب العصمة ضعيفة فتغلب الشاب قيواقع المنهي فإذا تاب مع قوة الداعي استوجب محبة الله له ورضاه عنه مكايدة للنفس والشيطان (أبو الشيخ) في الثواب (عن أنس) قال الزين العراقي سنده ضعيف . 1867 - (إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه) أي يصرفه كله (في طاعة الله تعالى) لأنه لما تجرع مرارة الصبر وحبس نفسه عن لذاتها في محبة الله ورجاء ما عنده من الثواب جوزي بمحبة الله له والجزاء من جنس العمل ومن ثم كان صبر السلطان على ترك الظلم والفتى على الشهوات أفضل من
[ 366 ]
صبر غيرهما على ذلك (حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء تركوه وأبهمه بعضهم وسالم الأفطس قال ابن حبان ينفرد بالمعضلات . 1868 - (إن الله تعالى يحب الصمت) أي السكوت حيث لا ضرورة إلى الكلام (عند ثلاث) من الأشياء الأول (عند تلاوة القرآن) أي شئ منه ليتدبر معانيه ويتأمل أحكامه قال تعالى * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * [ الاعراف : 204 ] (و) الثاني (عند الزحف) أي عند التقاء الصفوف في الجهاد لأن السكوت أهيب وأرهب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال كما يأتي وذلك لأن الساكن الساكت أهيب وأرهب (و) الثالث (عند الجنازة) أي عند المشي معها والغسل والصلاة عليها وتشييعها إلى أن تقبر ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا شهد جنازة أكثر الصمات وأكثر حديث نفسه وكان إذا تبع جنازة علا كربه وأقل الكلام ولا يعارض ذلك خبر أكثروا في الجنازة من قول لا إله إلا الله لأن المراد أنه يقوله سرا (طب) وكذا أبو يعلى (عن زيد بن أرقم) قال ابن الجوزي قال أحمد ليس بصحيح وقال ابن حجر في سنده راو لم يسم وآخر مجهول وقال الهيثمي فيه رجل لم يسم . 1869 - (إن الله تعالى يحب العبد) المؤمن (التقي) بمثناة فوقية من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهي عنه وهو فعيل من الوقاية تاؤه مقلوبة عن واو وقيل هو المبالغ في تجنب الذنوب (الغني) غنى النفس كما جزم به في الرياض وهو الغني المحبوب وأشار البيضاوي وعياض والطيبي إلى أن المراد غنى المال والمال غير محذور لعينه بل لكونه يعوق عن الله فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير وعكسه (الخفي) بخاء معجمة أي الخامل الذكر المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد قال ابن حجر وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء وروى بمهملة ومعناه الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء قال الطيبي والصفات الثلاثة الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي والغني للفقير والخفي على الروايتين لما يضادها فإذا قلنا إن المراد بالغنى غنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر منهم وفيه على الأول حجة لمن فضل الاعتزال وآثر الخمول على الاشتهار . قال بعض العارفين : طريق القوم لا تصلح إلا لمن كنست بأرواحهم المزابل ، وقيل : ليس الخمول بعار * * على امرئ ذي كمال فليلة القدر تخفى * * وتلك خير الليالي (حم م) في آخر صحيحه (عن سعد) بن أبي وقاص كان في إبله فجاء ابنه فقال نزلت ههنا وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره ولم يخرجه البخاري .
[ 367 ]
1870 - (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المفتن) بفتح التاء مشددة مبنيا للمفعول أي الممتحن بالذنب (التواب) أي الكثير التوبة أي الذي يتوب ثم يعود ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا قال الحرالي وهذا تأنيس لقلوب المجروحين من معاودة الذنب بعد التوبة منه وقال ابن عربي يريد أنك إذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان الله توابا عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فمن أساء إليه أحد من عباد الله تعالى فرجع عليه بالإحسان إليه في مقابلة إساءته فهو التواب المحبوب إلى الله هكذا فلتعرف حقائق الأمور لا أنه تعالى يختبر عبده بالمعاصي حاش الله أن يضاف مثل هذا إليه وإن كانت الأفعال كلها لله تعالى من حيث كونها أفعالا وما هي معاصي إلا من حيث حكم الله فيها بذلك فأفعال الله كلها حسنة من حيث هي أفعاله فافهم (حم) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه انتهى وقال شيخه الزين العراقي سنده ضعيف . 1871 - (إن الله تعالى يحب العطاس) أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كما في الفتح وهو يفتح المسام ويخفف الدماغ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه ويخفف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة ويسهل عليه الطاعة ومن ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق (ويكره التثاؤب) بالهمز وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل فيثبط صاحبه عن الطاعة فيضحك منه الشيطان ولهذا سن الشرع كظمه ورده ما أمكن (خ) في آخر الأدب من الصحيح (د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وزاد في الصلاة وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا ثم إن هذا لفظ أبي داود ، أما البخاري فزاد عقب يكره التثاؤب وإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان انتهى فاقتصار المصنف على بعض وحذف بعض غير صواب . 1872 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المبتذل) بالبناء للفاعل أي التارك للزينة تواضعا وزاد في رواية المحترف أي الذي له صناعة يكتسب منها فإن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وكان ابن مهران يحث أصحابه على الكسب ويقول لهم حصلوا قوتكم ثم أغلقوا عليكم بيوتكم وقالوا له مرة إن هنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا حتى يأتينا
[ 368 ]
رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي أخزى الله من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام ، إذ هو من صفة ربات الحجال قال الغزالي الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما ، ومن راعا في ثوبه شيئا غير كونه حلالا وطاهرا بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه ، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش مخشوشنا متمعددا أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان ، وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى الله إليه يا يحيى آثرت علي الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان وقال أحمد بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما ، وعد على قميص عمر رضي الله عنه اثني عشر رقعة من أدم ، واشترى علي كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال الحمد لله الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره (هب) من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلا انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه . 1873 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل . مر عمر رضي الله عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متأكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير الله ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن الله وكان قلبه محجوبا فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن الله تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شئ في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله
[ 369 ]
توالدا أسرع من توالد كل حيوان ومن ثم قيل الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة وفي الحديث ذم لمن يدعي التصوف ويتعطل عن المكاسب ولا يكون له علم يؤخذ عنه ولا عمل في الدين يقتدي به ومن لم ينفع الناس بحرفة يعملها يأخذ منافعهم ويضيق عليهم معاشهم فلا فائدة في حياته لهم إلا أن يكدر الماء ويغلي الأسعار ولهذا كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل : أله حرفة ؟ فإذا قيل لا سقط من عينه ومما يدل على قبح من هذا صنيعه ذم من يأكل مال نفسه إسرافا وبدارا فما حال من أكل مال غيره ولا ينيله عوضا ولا يرد عليه بدلا ؟ قال العارف البرهان المتبولي حكم الفقير الذي لا حرفة له كالبومة الساكنة في الخراب ليس فيها نفع لأحد ولما ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة لم يأمر أحدا من أصحابه بترك الحرفة وقال العارف الخواص رضي الله عنه الكامل من يسلك الناس وهم في حرفهم لأنه ما ثم سبب مشروع إلا وهو مقرب إلى حضرة الله تعالى وإنما يبعد الناس من الحضرة الإلهية عدم إصلاح نيتهم في ذلك الأمر علما أو عملا (الحكيم) الترمذي (طب هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير والأوسط فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه . وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الميزان أبو الربيع السمان قال أحمد مضطر ب الحديث والنسائي لا يكتب حديثه والدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الحديث انتهى . ونقل الزين العراقي والزركشي تضعيفه عن ابن عدي وأقره وقال المصنف في سنده متروك قال السخاوي لكن له شواهد . 1874 - (إن الله تعالى يحب المداومة) أي الاستمرار والملازمة (على الإخاء) بكسر أوله والمد (القديم فداوموا عليه) ندبا بتعهد من آخيتموه في الله منذ زمان ولا تتسببوا في قطعه بالجفاء وعدم الوفاء وقال ابن الأثير وفي حديث معاوية عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وانتاطت البلاد أي بعدت ولذلك عدوا من حق الصحبة حفظ المودة القديمة والأخوة السالفة ، ودخلت امرأة على المصطفى صلى الله عليه وسلم فأدناها وقربها وسألها عن حالها فقالت له عائشة رضي الله عنها في ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وسيجئ ذلك قال الحكيم من أحب أن تدوم له المودة في القلوب فليحفظ مودة إخوانه القدماء وما أحسن مودة إخوان الصلاح ، وما أجل خدمة أرباب الفلاح ، فمن فاز بودهم حاز النجاح ، ومن حرمه فاته الرباح ، ولله در من قال من أهل الأدب في معنى هذا الأدب : ما ذاقت النفس على شهوة * * ألذ من حب صديق أمين من فاته ود أخ صالح * * فذلك المغبون حق اليقين وقد أفاد هذا الحديث ندب زيارة الإخوان وتعهدهم ووفاء حقوقهم غيبة وحضورا لله تعالى حتى يعظم من انتسب إليهم بوجه من وجوه الطاعة واجتمع بهم برهة من الزمان ولو ساعة (فر) من
[ 370 ]
حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر (عن جابر) قال في اللسان هذا منكر بمرة ولا أظن سفيان بن عيينة حدث به فقط . 1875 - (إن الله تعالى يحب حفظ الود) أي الحب الشديد المتأكد (القديم) قدما نسبيا وهذا وارد على منهج تأكد زيارة الإخوان في الله وتفقد حالهم والإهداء إليهم واصطناع المعروف معهم ومعاملتهم بما يوجب دوام الوداد فإن ذلك مما يرضي رب العباد ، ويعامل فاعله بالإسعاد وعدم البعاد قال الغزالي وهذا وما قبله في حق الأصدقاء المتؤاخين أما المعارف فاحذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت وأبعد ما أمكن فإن ابتليت بهم في نحو مدرسة أو سوق فيجب ألا تستضعف منهم أحدا فإنك لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم فتهلك وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فلم يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم فإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنه يطول عناءك معهم وإياك وثناءهم عليك في وجهك وإظهارهم الود لك فإنك إن طلبت حقيقته لم تجد في المائة واحدا ولا تطمع أن يكونوا لك في العلن والسر سواء ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك كذلك حتى في أصدقائك وأقاربك (عد) عن عائشة . 1876 - (إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) أي الملازمين له جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه ولا النعم عن الإقبال عليه لأن دعاء الملح دائم غير منقطع فهو يسأل ولا يرى إجابة ثم يسأل ثم يسأل فلا يرى وهكذا فلا يزال يلح ولا يزال رجاؤه يتزايد وذلك دلالة على صحة قلبه وصدق عبوديته واستقامة وجهته فقلب الملح معلق دائما بمشيئته واستعماله اللسان في الدعاء عبادة وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة فهو بين عبادتين سريتين ووجهتين فاضلتين فلذلك أحبه الله تعالى وهذا عام خص منه الخواص في مقام الابتلاء فمقام التسليم لهم فيه أفضل لكونه أدل على قوى أنفسهم ورضاهم بالقضاء والدعاء في مثل ذلك الموطن فيه من الهلع ما لا يخفى يرشدك إلى ذلك ما ذكره المفسرون إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا ، حسبي من سؤالي علمه بحالي ، هكذا فافهم (الحكيم) الترمذي (عد هب) وكذا أبو الشيخ كما في درر المصنف كلهم (عن عائشة) قال ابن حجر رحمه الله تعالى تفرد به يوسف بن سفر عن الأوزاعي وهو متروك وكأن بقية دلسه اه . وعزاه في موضع آخر إلى الطبراني في الدعاء ثم قال سنده رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة .
[ 371 ]
1877 - (إن الله يحب الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فليس هو هنا للاحتراز (له الجار) يظهر أن المراد به هنا من قرب من منزلك عرفا لا ما عليه عرف الفقهاء من أنه أربعون دارا من كل جانب (السوء يؤذيه) بقول أو فعل (فيصبر على أذاه) امتثالا لأمر الله تعالى بالصبر في مثله (ويحتسب) أي يقول كلما آذاه حسبنا الله ونعم الوكيل وفي رواية ويحتسبه أي يحتسب صبره على آذاه (حتى) أي إلى أن ويجوز كونها عاطفة (يكفيه الله) إياه (بحياة أو موت) أي بأن ينتقل أحدهما عن صاحبه في حال الحياة أو بموت أحدهما (خط) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي ذر) قال ابن الجوزي هذا لا يصح قال يحيى عيسى بن إبراهيم أي أحد رواته ليس بشئ وبقية كان مدلسا يسمع من المتروكين والمجهولين فيدلس . 1878 - (إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه) أي واجباته هذا ما وقفت عليه في نسخ الجامع والذي رأيته في كلام الناقلين عن الكامل لابن عدي رخصه بدل فرائضه فليحرر وفي حديث آخر ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولعلهما حديثان (عد عن عائشة) قال ابن طاهر وغيره ما محصوله رواه عنها بإسنادين في أحدهما الحكم بن عبيد الله بن سعد الأيلي وهو ضعيف جدا كما بينه ابن عدي نفسه وفي الآخر عمر بن عبيد البصري وعامة ما يرويه لا يتابع عليه . 1879 - (إن الله تعالى يحب أن يؤتى رخصه) جمع رخصة وهي مقابل العزيمة (كما يجب أن تؤتى عزائمه) أي مطلوباته الواجبة فإن أمر الله تعالى في الرخصة والعزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله ولا الإتمام أولى من القصر في محله فيطلب فعل الرخص في مواضعها والعزائم كذلك فإن تعارضا في شئ واحد راعى الأفضل ، قال القاضي ، والعزيمة في الأصل عقد القلب على الشئ ثم استعمل لكل أمر محتوم وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالإمالة كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات قال ابن تيمية ولهذا الحديث وما أشبهه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار والأغلال ويزجر أصحابه عن التبتل والترهب (حم هق عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عباس) مرفوعا باللفظ المزبور (وعن ابن مسعود) بنحوه قال ابن طاهر وقفه عليه أصح . 1880 - (إن الله يحب أن يرى) بالبناء للمجهول (أثر نعمته) أي إنعامه (على عبده) قيل معنى يرى مزيد الشكر لله تعالى العمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق
[ 372 ]
من فضل ما عنده في القرب * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * [ القصص : 77 ] والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجد عليه زيا وانفاقا وشكرا ، هذا في نعمة الله ، أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به وتهذيب الأخلاق ولين الجانب والحلم على السفيه وتعليم الجاهل ونشر العلم في أهله ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية وإقامة نواميس العدل فيهم ومعاملتهم بالانصاف وترك الاعتساف إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم ، ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى (ت ك عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن وفي الباب عمران بن الحصين وأبو هريرة وجابر وأبو الأحوص وأبو سعيد وغيرهم . 1881 - (إن الله يحب أن تقبل) في رواية تفعل وهي مبينة للمراد بالقبول (رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه) أي ستره عليه بعدم عقابه فينبغي استعمال الرخصة في مواضعها عند الحاجة لها سيما العالم يقتدى به وإذا كان من أصر على مندوب ولم يعمل بالرخصة فقد أصاب منه الشيطان فكيف بمن أصر على بدعة فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر (طب عن أبي الدرداء ووائلة) بن الأسقع (وأبي أمامة) الباهلي (وأنس) بن مالك قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به إسماعيل بن العطار . 1882 - (إن الله يحب أن يرى عبده تعبا) بفتح فكسر أي عييا في (طلب) الكسب (الحلال) يعني أنه يرضى عنه ويضاعف له الثواب أي أن قصد بعمله التقرب لتضمنه فوائد كثيرة كإيصال النفع إلى الغير بإجراء الأجرة إن كان العمل نحو إجارة وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم إن كان نحو خياطة أو زرع وكالسلامة من البطالة واللهو وكسر النفس ليقل طغيانها وكالتعفف عن ذل السؤال وإظهار الحاجة لكن شرطه اعتقاد الرزق من الرزاق لا من الكسب قال ابن الأثير وفي حديث أخر إني لأرى الرجل يعجبني فأقول له : هل لك حرفة فإن قال لا سقط من عيني (تنبيه) قال الراغب الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحا من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلا بد أن يعوضهم تعبا له وإلا كان ظالما لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى (فر عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي فيه محمد ابن سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه .
[ 373 ]
1883 - (إن الله يحب أن يعفى) بالبناء للمفعول (عن ذنب السرى) أي الرئيس المطاع أو المطيع له والجمع سراة وهو جمع عزيز إذ لا يجمع فعيل على فعلة وقيل هو الشريف وفي خبر أم زرع فنكحت بعده سريا وأيا ما كان فهو بمعنى خبر أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود فيأتي هنا ما مر ثم العفو محو الجريمة من عفا إذا درس (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه المؤلف (في ذم الغضب وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق كلاهما (عن عائشة) وفيه هانئ بن يحيى بن المتوكل قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان ويزيد عياض قال النسائي وغيره متروك . 1884 - (إن الله تعالى يحب من عباده الغيور) صيغة مبالغة أي كثير الغيرة والمراد الغيرة المحبوبة فإن غيرة العبد على محبوبه نوعان ممدوحة يحبها الله تعالى وهي ما كان عند قيام ريبة ومذمومة يكرهها وهي ما كان عند عدمها بل بمجرد سوء الظن وهذه تفسد الحب وتوقع العداوة بين المحبين (طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه المقدام بن داود وهو ضعيف . 1885 - (إن الله تعالى يحب) من عباده رجلا (سمح البيع) أي سهله (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي كما سبق موضحا ومقصود الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات واستعمال الرفق وتجنب العسر قال ابن العربي إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا وإفضاله على الخلق الذين هم عيال الله ونفعه لهم فلذلك استوجب محبة الله (ت ك) في البيوع (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال هو حديث خطأ رواه إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه كذا قال . 1886 - (إن الله تعالى يحب) من عباده (من يحب التمر) بمثناة فوقية أي آكله ، ولهذا كان أكثر طعامه يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء والتمر كما قاله حجة الإسلام وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء (طب) وكذا الديلمي (عد) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حبيبة وهو متروك وقال غيره فيه يحيى بن خالد قال في الميزان مجهول وإبراهيم بن أبي حبيبة مختلف فيه وابن لهيعة وفيه ضعف .
[ 374 ]
1887 - (إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف) أي المبالغ في العفة عن السؤال مع وجود الحاجة لطموح بصر بصيرته عن الخلق إلى الخالق وتوجهه إلى سؤال الرزق من الرزاق وإنما يسأل إن سأل على جهة العرض والتلويح الخفي كما كان أبو هريرة رضي الله عنه يستقرئ غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها (أبا العيال) يعني كافلهم أبا كان أو جدا أو نحو أخ أو ابن عم أو أم أو جدة لكنه لما كان القائم على العيال يكون أبا غالبا خصه وفي ضمنه إشعار بأنه يندب للفقير ندبا مؤكدا أن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستره قال تعالى * (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) * [ البقرة : 273 ] وقال سفيان أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم ستر الفقر من كنوز البر قال الغزالي رحمه الله تعالى ومن آداب الفقير أن لا يتواضع لغني لغناه بل يتكبر عليه ، قال علي كرم الله وجهه تواضع الغني للفقير رغبة في الثواب حسن وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله (ه) في الزهد (عن عمران بن حصين) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه حماد بن عيسى قال الذهبي ضعفوه وموسى بن عبيد قال في الكشاف ضعفوه وفي الضعفاء عن أحمد لا تحل الرواية عنه قال السخاوي لكن له شواهد . 1888 - (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين) أي لين كثير العطف والرحمة أي منكسر من خشية الله تعالى ومهتم بأمر دينه خائف من تقصيره بأن يفعل معه من الإكرام فعل المحب مع حبيبه والله تعالى ينظر إلى قلوب العباد فيحب كل قلب تخلق بأخلاق المعرفة كالخوف والرجاء والحزن والمحبة والحياء والرقة والصفاء فلذلك يحب القلب ذا رأي فيه الحزن على التقصير والفرح بالطاعة وقيل توضأ داود عليه السلام فقال رب طهرت بدني بالماء فبم أطهر قلبي فأوحى الله إليه طهره بالهموم والأحزان وقيل عمارة القلب بالأحزان والقلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخرب فليس مراد المصطفى صلى الله عليه وسلم القلب الحزين على الدنيا فذلك يبغضه الله تعالى ففي خبر من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه قال والحزين هنا ضد القاسي قال حجة الإسلام قال ابن مذعور رأيت الأوزاعي في النوم فقلت له دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم المحزونين (طب ك) في الرقائق من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة (عن أبي الدرداء) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه مع ضعف أبي بكر منقطع انتهى وقال الهيثمي إسناد الطبراني حسن . 1889 - (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا
[ 375 ]
الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه (1) وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه (تنبيه) علم مما تقرر أن العبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها التي هي صفات الملائكة فحينئذ ترفع همته إلى العالم الرضواني وتنساق إلى الملأ الروحاني (تنبيه) قال بعض الحكماء بالهمم العالية والقرائح الزكية تصفو القلوب إلى نسيم العقل الروحاني وترقى في ملكوت الضياء والقدرة الخفية عن الأبصار المحيطة بالأنظار وترتع في رياض الألباب المصفاة من الأدناس وبالأفكار تصفو كدر الأخلاق المحيطة بأقطار الهياكل الجسمانية فعند الصفو ومفارقة الكدر تعيش الأرواح التي لا يصل إليها انحلال ولا اضمحلال (طب عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي رواه البيهقي متصلا ومنفصلا ورجالهما ثقات اه . 1890 - (إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين) أي من بلغ من العمر ثمانين سنة من رجل وامرأة والمراد من المؤمنين كما هو بين (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب . 1891 - (إن الله يحب أبناء السبعين) من السنين (ويستحيي من أبناء الثمانين) أي يعاملهم معاملة المستحيي فليس المراد هنا حقيقة الحياء الذي هو انقباض عن الرذائل لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الوصف به بل ترك تعذيبهم (حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه محمد بن خلف القاضي قال الذهبي عن ابن المناوي فيه لبن وأبان بن ثعلب قال ابن عدي غال في التشيع لا بأس به . (1) والانسان يضارع الملك بقوة الفكر والتمييز ويضارع البهيمة بالشهوة والدناءة فمن صرف همته إلى اكتساب معاني الاخلاق أحبه الله فحقيق أن يلتحق بالملائكة لطهارة أخلاقه ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الاخلاق التحق بالبهائم فيصير إما ضاربا ككلب أو شرها كخنزير أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو رواغا كثعلب أو جامعا لذلك كشيطان . (*)
[ 376 ]
1892 - (إن الله يحب أن يحمد) بالبناء للمفعول أي يحب من عبده أن يثنى عليه بجميع صفاته الجميلة الجليلة من ملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق ، فأخبر أنه تعالى يحب المحامد وفي رواية إن الله تعالى يحب أن يمدح وفي أخرى لا شئ أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه ، واستنبط منه عبد اللطيف البغدادي جواز قول مدحت الله وتعقبه الزركشي بأنه غير صريح لاحتمال كون المراد إن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره ، قال بعضهم وما اعترض به على عدم الصراحة بإيداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره البهاء السبكي في شرح التلخيص (طب عن الأسود بن سريع) بفتح السين ابن حمير عبادة التميمي السعدي أول من قص بجامع البصرة فكان شاعرا بليغا مفوها مات في أيام الجمع وقيل سنة اثنين وأربعين . 1893 - (إن الله يحب الفضل) بضاد معجمة أي الزيادة (في كل شئ) من الخير (حتى في الصلاة) فإكثار العبد إياها محبوب عند الله إذ هي خير موضوع كما سيجئ في حديث وفي نسخ الفصل بصاد مهملة وعليه فالمعنى يحب الفصل بين الكلمات حتى في الصلاة بأن يقف إذا قرأ الفاتحة على رؤوس الآي كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل ويفصل الاعتدال عن الركوع والسجود عن الاعتدال وهكذا وقد ندبوا في الصلاة تسع سكتات (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاصي . 1894 - (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) جمع رخصة وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذر حصل وقيل غير ذلك لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة ، ومن أنف ما أباحه الشرع وترفع عنه فسد دينه فأمر بفعل الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها ، ويقتل بذلك كبرها ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع ومفهوم محبته لإتيان الرخص أنه يكره تركه فأكد قبول رخصته تأكيدا يكاد يلحق بالوجوب بقوله (كما يكره أن تؤتى معصيته) وقال الغزالي رحمه الله هذا قاله تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم اه . قال ابن حجر رحمه الله وفيه دلالة على أن القصر للمسافر أفضل من الإتمام (1) (حم حب هب) وكذا أبو (1) والرخص عند الشافعية أقسام : ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر والفطر لمن خاف الهلاك بعطش أو جوع وما يندب كالقصر في السفر وما يباح كالسلم وما الأولى تركه كالجمع والتيمم لقادر وجد الماء بأكثر من ثمن مثله وما يكره فعله كالقصر في أقل من ثلاث فالحديث منزل على الأولين . (*)
[ 377 ]
يعلى والبزار كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي رحمه الله رجال أحمد رجال الصحيح وسند الطبراني حسن انتهى . 1895 - (إن الله تعالى يحب أن تعدلوا) من العدل ضد الجور (بين أولادكم) في كل شئ (حتى في القبل) بضم ففتح جمع قبلة أي حتى في تقبيل أحدكم لولده فلا يميز بعضهم على بعض ولو بقبلة فيتأكد التسوية بينهم لما في عدمها من إيراث الضغائن والتباغض والتحاسد (ابن النجار) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) الأنصاري . 1896 - (إن الله يحب الناسك) أي المتعبد (النظيف) أي النقي البدن والثوب فإنه تعالى نظيف يحب النظافة كما سلف تقريره والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر كما يحب أن يرى عليه الجمال الباطن بالتقوى قال في المواهب : الجمال في اللباس والهيئة ثلاثة نوع يحمد ونوع يذم ونوع لا ولاء ، فالمحمود ما كان لله تعالى وأعان على طاعته كالمتضمن غيظ عدوه وإعلاء كلمته ومنه التجمل للوفود ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يتجمل للوفود ، والمذموم ما فيه خيلاء وفخر ، وما عدا ذلك مباح لتجرده عن قصد مذموم شرعا . وكتب بعضهم إلى ملك بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق ، فأجابه : حسن ثيابك ما استطعت فإنها * * زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التواضع في الثياب تخشنا * * فالله يعلم ما تسر وتكتم فرثاث ثوبك لا يزيدك رفعة * * عند الإله وأنت عبد مجرم وجديد ثوبك لا يضرك بعد أن * * تخشى الإله وتتقي ما يحرم فينبغي لكل عاقل تنظيف ثوبه عن الدنس الحسي وقلبه عن الدنس المعنوي ويلحظ استحسان النظافة الحسية وحسن رونق المتصف بالنظافة المعنوية ويلحظ قولهم ما من أمر معنوي إلا وجعل له مثال حسي يدل عليه (خط عن جابر) بن عبد الله . 1897 - (إن الله تعالى يحب أن يقرأ) بالبناء للمجهول (القرآن) أي أن يقرأه عباده المؤمنون (كما أنزل) بالبناء للمفعول أو الفاعل أو من غير زيادة ولا نقص فلا يزيد للقارئ حرفا ولا ينقص حرفا ولا يقرأه بالألحان والتمطيط كما يفعله قراء زمننا (السجزي) أبو نصر (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة عن أصول الديانة له (عن زيد بن ثابت) .
[ 378 ]
1898 - (إن الله يحب أهل البيت الخصب) ككتف أو كجمل أي الكثير الخير الذي وسع الله على صاحبه فلم يقتر على عياله بل واساهم بماله ولم يضيق عليهم ، وقرى الضيف وأطعم الجار (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قرى الضيف عن) عبد الملك بن عبد العزيز بن (جريج) بضم الجيم وفتح الراء المكي الفقيه أحد الأعلام أول من صنف في الإسلام (معضلا) . 1899 - (إن الله تعالى يحب أن يرى) بضم الياء وفتحها فعلى الضم الرؤية تعود للناس وعلى الفتح تعود إلى الله لأنه يرى الأشياء على ما هي فيرى الموجود موجودا والمعدوم معدوما (أثر نعمته على عبده) لأنه سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليه ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل لعباده لباسا يجمل ظواهرهم ويقوي تجمل بواطنهم فهو يحب لعبده التجمل حتى (في مأكله ومشربه) أي مأكوله ومشروبه حتى يرى أثر الجدة عليه وعلى من عليه مؤنته من زوجة وخادم وغيرهما قوتا وملبسا ومسكنا وغير ذلك مما يليق بأمثاله وأمثالهم عرفا ، (تنبيه) كثير من أرباب النفوس يتعلق بهذا الخبر فيبرز منه تفاخر مذموم في قالب التحدث بالنعمة وهو باعتبار حاله ظاهر معلوم وإن خفي على أرباب الرسوم فلا يخفى على أرباب القلوب والفهوم ، نعم قد يصدر عن بعض فصحاء الحضرة الإلهية المترجمون عن لسان المواهب الإختصاصية نفثة مصدور لكونها مطابقة مقتضى الحال فيعذرون فمن ذلك قوله في الفتوحات شاهدت جميع الأنبياء وأشهدني الله جميع المؤمنين ورأيت مراتب الجماعة كلها فعلمت أقدارهم واطلعت على جميع ما آمنت به مجملا مما هو في العالم العلوي ولم أسأله أن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلا منه فلو أشرك جميع الخلق لم أتأثر فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده بل أتمنى أن يكون العالم كله في أعلى المراتب فخصني بخاتمة لم تخطر ببالي ولا أذكره للفخر بل للتحدث بالنعمة وليسمع صاحب همة فتحدث له همة استعمال نفسه فيما استعملها فينال درجتي ولا ضيف إلا في المحسوس انتهى (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (فيه) أي في قرى الضيف (عن علي بن يزيد بن) عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي البصري أصله حجازي ويعرف بعلي بن زيد بن جذعان ينسب أبوه إلى جد جده إذ هو علي بن يزيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جذعان بن عمر بن كعب الضرير أحد حفاظ البصرة (مرسلا) أرسل عن جمع من الصحابة قال الدارقطني فيه لين وفي التقريب ضعيف .
[ 379 ]
1900 - (إن الله تعالى يحمي عبده المؤمن) أي يمنعه مما يضره (كما يحمي الراعي الشفيق) أي الكثير الشفقة أي الرحمة والرأفة (غنمه عن مراتع الهلكة) بالتحريك وذلك من غيرته تعالى على عبده فيحميه مما يضره في آخرته ويحتمل أن المراد يحميه من الدنيا ودوام الصحة ، ورب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ولو كثر ماله وصح لبطر وطغى * (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) * [ العلق : 6 ] قال الغزالي رحمه الله تعالى فتأمل إذا حبس عنك رغيفا أو درهما فتعلم أنه يملك ما تريد ويقدر على إيصاله إليك وله الجود وله الفضل ويعلم حالك لا يخفى عليه شئ فلا عدم ولا عجز ولا خفاء ولا بخل تعالى عن ذلك فإنه أغنى الأغنياء وأقدر القادرين وأعلم العلماء وأجود الأجودين فتعلم أنه لم يمنعك إلا لصلاح ، كيف وهو يقول * (وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * [ البقرة : 29 ] وإذا إبتلاك بشدة فإنه غني عن امتحانك وابتلائك عالم بحالك بصير بضعفك وهو رؤوف رحيم فلم ينزله بك إلا لصلاح لك جهلته (هب عن حذيفة) بن اليمان وفيه الحسين الجعفي قال الذهبي مجهول متهم . 1901 - (إن الله تعالى يحشر) أي يجمع (المؤذنين) في الدنيا (يوم القيامة (1) أطول الناس أعناقا) أي أكثرهم رجاء (بقولهم لا إله إلا الله) أي بسبب إكثارهم من النطق بالشهادتين في التأذين في الأوقات الخمس وفيه إيماء إلى أن سبب نيلهم هذه المرتبة إكثار النطق بالشهادة فيفيد أن من دوام عليها حشر كذلك وإن لم يكن مؤذنا (خط) في ترجمة عبيد الله الأنصاري (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن الوقاص قال الذهبي ضعفه الأزدي . 1902 - (إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده) المؤمنين (طول يوم القيامة) حتى يصير عنده في الخفة (كوقت صلاة مكتوبة) أي مقدار صلاة الصبح كما في خبر آخر وهذا تمثيل لمزيد السرعة والمراد لمحة لا تكاد تدرك وخص المثل بقدر وقت الصلاة لأن عادة البليغ الضارب للمثل أن ينظر إلى ما يستدعيه حال الممثل له ويستجره إليه وصفة حال السعداء في غالب الأحيان التلبس بأفضل العبادات بعد الإيمان وجاء في خبر أن بعضهم لا يقف في الموقف (هب عن أبي هريرة) وفيه نعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ثقة وقال النسائي غير ثقة وقال ابن عدي والأزدي قالوا كان يضع الحديث . (1) يوم ظرف ليحشر ونصب أطول على الحال وأعناقا على التمييز أي أكثرهم رجاء أو هو كناية عن عدم الافتضاح . (*)
[ 380 ]
1903 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالسهم الواحد) الذي يرمي إلى أعداء الله بقصد إعلاء كلمة الله (ثلاثة نفر الجنة صانعه) دخل فيه صانع مفرداته كما يتناول صانع تركيبه فكل من حاول من أمره شيئا فهو من صناعه لكن إنما يدخل إذا كان (يحتسب في صنعته الخير) أي الذي يقصد بعمله الإعانة على جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله ويحتمل أن المراد المتطوع بعمله للمجاهد بغير أجرة قال الزين العراقي والأول أولى وقال ابن حجر رحمه الله هذا أعم من كونه متطوعا أو بأجرة ، لكن لا يحسن إلا من متطوع (والرامي به) في سبيل الله (ومنبله) بالتشديد مناوله للرامي ليرمي به احتسابا منه يقوم بجنبه أو خلفه فيناوله إياه أو يجمع له السهام إذا رماها ويردها إليه وفيه فضل الرمي وأنه أولى ما استعد به للعدو بعد الإيمان (حم 3) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) وفيه خالد بن زيد قال ابن القطان وهو مجهول الحال فالحديث من أجله لا يصح اه . 1904 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه والذي وقفت عليه في الأصول الصحيحة ليدخل (بلقمة الخبز) أي بقدر ما يلقم منه (وقبضة التمر) بفتح القاف وضمها وسكون الموحدة وبصاد مهملة ما يناوله الإنسان برؤوس أنامله الثلاث للسائل ، ذكره المنذري (ومثله) أي ومثل كل مما ذكر (مما) أي من كل ما (ينفع المسكين) وإن لم يكفه كقبضة زبيب أو قطعة لحم أو غير ذلك ففي ذكر النفع إشارة إلى أن اللقمة والقبضة لابد أن يكون لهما وقع في الجملة وأن ما يثير الشهوة ولا يقع موقعه البتة لا أثر له (ثلاثة الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب أو شديد (صاحب البيت) أي المسكن الذي تصدق بذلك على الفقير منه (الآمر به) أي الذي أمر بالتصدق عليه به (والزوجة المصلحة) للخبز أو الطعام بالطبخ والطحن والتهيئة وغير ذلك ومن في معنى الزوجة نحو الأم كذلك (والخادم الذي يناول المسكين) أي الذي يناول الشئ المتصدق به إلى المتصدق عليه والخادم مثال وخصه نظرا إلى أنه المناول غالبا وإلا ففي معناه كل مناول وتمام الحديث كما في المستدرك ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحمد لله الذي لم ينس خدمنا اه . فحذف المصنف لذلك غير صواب وقوله لم ينس خدمنا أي من الثواب (ك) في الأطعمة من حديث سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن المقبري (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم فتعقبه الذهبي فقال سويد متروك . 1905 - (إن الله يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالحجة الواحدة) أي بسببها (ثلاثة نفر) بفتح
[ 381 ]
النون والفاء (الجنة الميت) المحجوج عنه (والحاج عنه والمنفذ) بضم الميم ومعجمة مشددة (لذلك) قال البيهقي يعني الوصي وهذا فيه شمول لما إذا تطوع بالحج وما لو حج بأجرة على قياس ما قبله ويؤيده ما رواه ابن عدي من حديث معاذ مثل الذي يحج عن أمتي مثل أم موسى كانت ترضعه وتأخذ الكراء من فرعون قال ابن عدي مستقيم الإسناد منكر المتن قال الزين العراقي ولا يشك أن من قصد الإعانة يكون شريكا في الأجر فإن المباح يصير قربة بالنية وفيه رد على من منع حج المرأة عن الرجل والحج عن الغير مطلقا وحكى عن مالك والذي عليه الشافعي جوازه كالجمهور ، عمن عليه فرض ولو قضاء أو نذرا وإن لم يوص به أو عمن أوصى به ولو تطوعا وعن حيي معضوب بي (عد) عن علي بن أحمد بن حاتم عن إسحاق بن إبراهيم السختياني عن إسحاق بن بشر عن ابن معشر عن محمد بن المنكدر عن جابر (هب) من هذا الوجه (عن جابر) قال الذهبي فيه أبو معشر ضعيف اه . وسبقه ابن القطان فقال أبو معشر ضعفه الأكثر اه . وأورده ابن الجوزي من هذا الطريق في الموضوعات وقال إسحاق يضع ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن البيهقي خرجه واقتصر على تضعيفه وبأن له شاهدا . 1906 - (إن الله تعالى يدنو من خلقه) أي يقرب منهم قرب كرامة ولطف ورحمة لا قرب مسافة كما هو بين والمراد ليلة النصف من شعبان كما في رواية أخرى أو كل ليلة إذا بقي من الليل كما ثلثه في رواية أخرى ولا يصح حمله يوم القيامة إذ لا فائدة للاستغفار ولا للتوبة فيه (فيغفر لمن استغفر) أي طلب منه الغفران بأن تاب (إلا البغي بفرجها) أي الزانية وزاد قوله بفرجها دفعا لتوهم إرادة نحو زنا العين واللسان أي الزانية (والعشار) بالتشديد أي المكاس ويقال العاشر والعشور المكوس وهذا وعيد شديد يفيد أن المكس من أكبر الكبائر وأفجر الفجور ووجه استثنائهما أن الزانية سعت في إفساد الإنسان واختلاط المياه والمكاس قد قهر الخلق بأخذ ما ليس عليهم جبرا (طب عد عن عثمان ابن أبي العاصي) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد فيه كلام وللحديث طرق تأتي فيما يناسبها . 1907 - (إن الله تعالى يدني المؤمن) أي يقربه منه بالمعنى المقرر فيما قبل (فيضع عليك كنفه) أي ستره فيحفظه (ويستره) به (من الناس) أهل الموقف صيانة له من الخزي والتفضيح مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه (ويقرره بذنوبه) أي يجعله مقرا بها بأن يظهرها له ويلجئه إلى الإقرار بها (فيقول) تعالى له (أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا) مرتين (فيقول) المؤمن (نعم) أعرفه وفي رواية أعرف (أي رب) أي يا رب أعرف ذلك وهكذا كلما ذكر له ذنبا أقر به (حتى إذا
[ 382 ]
قرره بذنوبه) أي جعله مقرا بها كلها بأن أظهر له ذنوبه وألجأه إلى الإقرار بها (ورأى في نفسه) أي علم الله في ذاته (أنه) أي المؤمن (قد هلك) باستحقاقه العذاب لاقراره بذنوب لا يجد لها مدفعا ولا عنها جوابا منجعا ويجوز كون الضمير في رأي للمؤمن والواو فيه للحال ذكره القاضي (قال) أي الله (فإني) أي فإذ قد أقررت وخفتني إني (قد سترتها) أي الذنوب (عليك في الدنيا) هذا إستئناف جواب عمن قال ماذا قال الله (وأنا أغفرها لك اليوم) قدم أنا ليفيد الاختصاص إذ الذنوب لا يغفرها غيره ولم يقل أنا سترتها عليك لأن الستر في الدنيا كان باكتساب من العبد أيضا ، قال الغزالي رحمه الله تعالى وهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون فهو جدير بأن يجازى بذلك (ثم يعطى) بالبناء للمجهول أي يعطي الله المؤمن إظهارا لكرامته وإعلاما بنجاته وإدخالا لكمال السرور عليه وتحقيقا لقوله تعالى * (فأما من أوتي كتابه بيمينه) * [ الانشقاق : 7 ] (كتاب حسناته بيمينه) أي بيده اليمنى (وأما الكافر) بالإفراد (والمنافق) بالإفراد وفي رواية للبخاري والمنافقون بالجمع (فيقول الأشهاد) جمع شهيد جمع شاهد أي الحاضرون يوم القيامة الأنبياء والملائكة والمؤمنون أو المراد أهل المحشر لأنه يشهد بعضهم على بعض (هؤلاء) إشارة إلى الكافرين والمنافقين (الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين) وفيه رد على المعتزلة المانعين مغفرة ذنوب غير الكفار وعلى الخوارج حيث كفروا بالمعاصي والمراد بالذنوب هنا الحقوق المتعلقة بالخلق بدليل ما روي إذا خلص المؤمنون من النار احتبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت عليهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، وأل في المؤمن عهدية لا جنسية والمعهود من لم يتجاهر في الدنيا بالمعاصي بل استتر بستر الله وإلا فلا بد من دخول جماعة من عصاة المؤمنين النار (حم ق) البخاري في المظالم في التوبة (ن) في التفسير (ه) في السنة كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب . 1908 - (إن الله يرضى لكم ثلاثا) من الخصال (ويكره لكم ثلاثا) يعني يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث إذ الرضى بالشئ يستلزم الأمر والأمر بالشئ يستلزم الرضى به فيكون كناية وكذا الكلام في الكراهة ، وأتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم رمز إلى أن فائدة كل من الأمرين عائدة لعباده فالأولى ما أشار إليها بقوله (فيرضى لكم) الفاء فيه تفسيرية (أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا) في عبادته فهذه واحدة خلافا لقول النووي ثنتان (و) الثانية (أن تعتصموا بحبل الله جميعا) أي القرآن ، يرشدك إلى ذلك خبر القرآن حبل الله المتين والحديث يفسر بعضه بعضا فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك ولا عطر بعد عروس والاعتصام به التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها (ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين وهذا نفي عطف على تعتصموا أي لا
[ 383 ]
تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب أو هو نهي عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر يعني اعتصموا ولا تفرقوا وكذا اللام في قوله ولا تشركوا (و) الثالثة (أن تناصحوا من ولاه الله أمركم) أي من جعله والي أمركم وهم الإمام ونوابه والمراد بمناصحتهم ترك مخالفتهم والدعاء عليهم والدعاء لهم ومعاونتهم على الحق والتلطف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق ولم يؤكد هنا بقوله ولا تخالفوا إشعارا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية (ويكره لكم قيل وقال) مصدران أريد بهما المقاولة والخوض في أخبار الناس أو ماضيان كما سبق (وكثرة السؤال) عن الأخبار وقيل من الأموال وقد سبق ما فيه (وإضاعة المال) (1) بصرفه في غير وجهه الشرعي وقد سبق من ذلك ما فيه بلاغ (فائدة) حكي أن الأصمعي لما أراد الرشيد مجالسته قال له اعلم أنك أعلم منا ونحن أعقل منك فلا تعلمنا في ملأ ولا تذرنا في خلاء واتركنا حتى نبدأك بالسلام ثم إذا بلغت في الجواب حد الاستحقاق لا تزد إلا باستدعاء ، وإذا وجدتنا خرجنا عن الحق فأرجعنا ما استطعت من غير تقريع على خطيئتنا ولا إضجار بطول التردد إلينا لئلا تهون في أعيننا فلا نعتني بقولك يا أبا محمد إنه لن تهلك أمة مع التناصح ولن يهلك ملك مع الاستشارة ولن يهلك قلب مع التسليم (حم م عن أبي هريرة) . 1909 - (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب) أي بالإيمان بالقرآن وتعظيم شأنه والعمل بمقتضاه مخلصا (أقواما) أي درجة أقواما ويشرفهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة (يضع) أي ويحقر ويخفض ويذل (به آخرين) وهم من لم يؤمن به أو آمن ولم يعمل به مخلصا وآخرين بفتح الخاء اسم على أفعل والأنثى أخرى أي يخفض ويذل به قوما آخرين وهم من أعرض عنه ولم يأتمر به أو قرأه أو عمل به مرائيا فيضعه أسفل السافلين لقوله تعالى * (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) * [ فاطر : 10 ] وعدل عن أن يضع به أقواما آخرين إشارة عن تأخرهم عن منازل القرب ودرجات الأبرار (م) في الصلاة (ه) في السنة (عن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري . 1910 - (إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (ببره والديه) أي أصليه وإن عليا يعني بإحسانه إليهما وطاعته إياهما في كل مندوب أو مباح والمراد أنه يبارك له في عمره (1) وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب الفساد ولانه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس . (*)
[ 384 ]
أو هو في المعلق كما يأتي (ابن منيع) في معجم الصحابة (عد) كلاهما (عن جابر) وفيه الكلبي وهو محمد بن السائب قال في الكاشف قال البخاري تركه القطان وابن مهدي وفي الضعفاء رماه بالكذب زائدة والتيمي والجوزجاني وابن معين وابن حبان وغيرهم . 1911 - (إن الله تعالى يسأل العبد) يوم القيامة (عن فضل علمه) أي عما فضل منه العمل به لخاصة نفسه هل أغاث بجاهه الملهوف وأبلغ الحكام من لا يستطيع إبلاغ حاجته ونحو ذلك (كما يسأله عن فضل ماله) هل أنفق منه على المحتاج وأطعم الجائع وكسا العريان وفك العاني وفك الأسير ونحو ذلك وهذا حث شديد على تجنب البخل بعلمه أو بجاهه وأن عليه إعانة عيال الله بشفاعته وتعليمه وغير ذلك (طس عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه يوسف بن يونس الأفطس قال الذهبي جرحه ابن عدي . 1912 - (إن الله تعالى يسعر) أي يشدد لهب (جهنم كل يوم في نصف النهار) أي وقت الاستواء (ويخبتها في يوم الجمعة) لما خص به ذلك اليوم من عظيم الفضل وتفضيله على سائر الأيام ولعظم صلاة الجمعة الواقعة فيه حالتئذ ومن ثم ذهب الشافعية إلى عدم انعقاد صلاة لا سبب لها في وقت الاستواء وحرمتها إلا يوم الجمعة قتنعقد ولا تحرم وساعة الإجابة مبهمة في يوم الجمعة فلا يناسب المنع من العبادة والدعاء رجاء مصادفتها (طب عن وائلة) بن الأسقع قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال يوم الجمعة يؤذن قبلها بالصلاة نصف النهار وقد نهيت في سائر الأيام فذكره قال الهيثمي فيه بشر بن عون قال ابن حبان روى مائة حديث كلها موضوعة انتهى فكان على المصنف حذفه من الكتاب . 1913 - (إن الله يطلع في العيدين) الفطر والأضحى (إلى الأرض) أي إلى أهلها إطلاعا خاصا مقتضيا لشمول الرحمة وإدرار البر والمراد أهل الأرض من المؤمنين (فابرزوا من المنازل) إلى مصلى العيد ندبا (تلحقكم) أي لتلحقكم (الرحمة) فإن نظره إلى عباده نظر رحمة ومثوبة والخطاب للرجال وكذا للعجائز بإذن أزواجهن فيحضرن مصلى العيد مبتذلات لهذا الحديث (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس وفيه ضعف .
[ 385 ]
1914 - (إن الله تعالى يعافي الأميين) أي الجاهلين الذين لم يقصروا في تعلم ما وجب عليهم (يوم القيامة) الذي هو محل الجزاء (ما) وفي رواية بما (لا يعافي العلماء) الذين لم يعملوا بما علموا لأن الجاهل يهيم على رأسه كالبهيم ليس عنده رادع يردعه ولا زاجر يكفه فإذا لم يقصر فهو معذور والعالم إذا ركب هواه ردعه علمه وكفه فإن لم يفد فيه ذلك فقد ألقى نفسه في المهالك وكلما قبح من سائر الناس فهو من العلماء أقبح لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي تتبع المعصي وليس لأحد من الأنام مثل فضل العلماء الكرام ولا على أحد نعمة من النعم ما لله عليهم منها والجزاء يتبع الفعل وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا فمتى ازداد قبحا ازداد عقابه شدة فلذا كان العاصي العالم أشد عذابا من العاصي الجاهل ومن ثم فضل حد الحر على العبد حتى أن أبا حنيفة لا يرى رجم الكافر وعلمهم لا يغني عنهم شيئا وكيف يغني وهو سبب مضاعفة العذاب والداعي إلى تشديد الأمر عليهم ؟ أفاده كله الزمخشري (حل) من حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن سيار بن حاتم بن جعفر بن سليمان الضبي عن ثابت عن أنس (والضياء) المقدسي في المختارة من هذا الطريق (عن أنس) بن مالك ثم قال أبو نعيم حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر قال عبد الله قال أبي هذا حديث منكر انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأورده الضياء في المختارة وصححه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وهما طرفا نقيض انتهى ورواه عنه أيضا البيهقي ثم قال قال عبد الله بن أحمد هذا حديث منكر حدثني به أبي وما حدثني به إلا مرة . 1915 - (إن الله تعالى يعجب) يعجب إنكار (من سائل) أي طالب (يسأل غير الجنة) التي هي أعظم المطالب وأجل المواهب (ومن معط يعطي لغير الله) من مدح مخلوق والبناء عليه في المحافل ونحو ذلك لأن ذلك لا يرضاه عاقل لنفسه فإن من كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك عجيبا وخسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وسفاهة الرأي وقلة العقل فما يناله العبد يعلمه من الخلق من مدحة وحطام بالإضافة إلى رضى مولاه وشكره وثنائه وثوابه أقل من فلس في جنب الدنيا وما فيها فعجيب أن تفوت نفسك تلك الكرامات الشريفة بهذه الأمور الدنيئة الحقيرة (ومن متعوذ يتعوذ من غير النار) التي قصم ذكرها الظهور وصفر الوجوه وقطع القلوب وأذاب الأكباد وأدمى عيون العباد . ذكر عند الحسن أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد أو غيره عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان ، فبكى الحسن وقال ليتني كنت هنادا فعجبوا منه قال ويحكم أليس يوما يخرج ؟ فالطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود (خط عن ابن عمرو) بن العاص .
[ 386 ]
1916 - (إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا) ظلما بخلافه بحق كقود وحد وتعزيز والمراد أن لهم مزيد مزية على غيرهم من عصاة المؤمنين الذين يعذبهم بذنوبهم وقد يدرك العفو من شاء الله منهم فلا يعذب أصلا ، وذكر الدنيا مع أنه لا يكون إلا فيها تتميم أو للمقابلة (حم م) في الأدب (عن هشام بن حكيم) بن حزام القرشي الأزدي صحابي ابن صحابي مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه قتل بأجنادين (حم هب عن عياض بن غنم) وسببه كما في مسلم مر هشام على أناس من الأنباط قد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا فقيل يعذبون في الخراج أو الجزية فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرجه البخاري وقال زين الحفاظ العراقي إسناد أحمد صحيح . 1917 - (إن الله تعالى يعطي على نية الآخرة (1) لأن أعمال الآخرة كلها محبوبة له تعالى ، فإذا أحب عبدا أحبه الوجود الصامت كله والناطق إذ الخلق كلهم تبع للخالق إلا من حقت عليه الشقاوة ومن جملة الصامت الدنيا فهي تهرول خلف الزاهد فيها الراغب في الآخرة ولو تركها لتبعته خادمة له والراغب في الدنيا بالعكس فتهرب الآخرة منه فإنه تعالى يبغض الدنيا وأهلها ومن أبغضه تعاصت عليه الدنيا وتعسرت وأتعبته في تحصيلها لأنها مملوكة لله فتهين من عصاه وتكرم من أطاعه * (ومن يهن الله فما له من مكرم) * [ الحج : 18 ] فلذا قال (وأبى) أي امتنع أشد امتناع عن (أن يعطى الآخرة على نية الدنيا) * (ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) * [ الشورى : 20 ] فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة جميعا وإن أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة حالا وربما تنال الدنيا كما تريد الآخرة وإن نلتها فلا تبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة قال الطيبي أشار بالدنيا إلى الأرزاق وبالدين إلى الأخلاق يشعر بأن الرزق الذي يقابله الخلق هو الدنيا وليس من الدنيا في شئ وأن الأخلاق الحميدة ليست غير الدين انتهى . وفي المدخل خبر من بدأ بحظه من الدنيا فاته حظه من الآخرة ولم ينله من دنياه إلا ما قسم له ومن بدأ بحظه من آخرته نال من آخرته ما أحب ولم ينل من دنياه إلا ما قسم له قال ابن عيينة أوحى الله إلى الدنيا من خدمك فأتعبيه ومن خدمني فاخدميه (ابن المبارك) في الزهد (عن أنس) ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في الفردوس مسندا باللفظ المزبور عن أنس . (1) فمن اشتغل بأعمال الآخرة سهل عليه حصول رزقه * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * [ الطلاق : 2 ] . (*)
[ 387 ]
1918 - (إن الله تعالى يغار للمسلم) أي يغار عليه أن يتبع شيطانه وهواه وجمع دنياه لأنه حبيبه وغيرته زجره عن ذلك (فليغر) أي المسلم على جوارحه أن يستعملها في المعاصي فالله سبحانه يغار على قلب عبده المسلم أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه فإنه خلقه لنفسه واختاره من خلقه كما في الخبر الإلهي ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شئ لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له ، وفي أثر آخر خلقتك لنفسي وخلقت كل شئ لك فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب . ويغار على لسانه أن يتعطل عن ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل عن طاعته وتشتغل بمعصيته فيقبح بالعبد أن يغار مولاه على قلبه وجوارحه وهو لا يغار عليها وإذا أراد الله بعبد خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بغيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء واعلم أن ما ذكر من سياق الحديث هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب والذي وجدته في الطبراني إنما هو ظاهر بلفظ إن الله ليغار لعبده المؤمن فليعز لنفسه (تنبيه) قال ابن العربي أشد المؤمنين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتقامه لله ولم يأخذه فيه لومة لائم وصحبه تابعوه في الغيرة (طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عبد الأعلى علي بن عامر الثعلبي وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الدارقطني قال ابن القطان والحديث لا يصح فإن فيه أبا عبيدة عن أمه زوج ابن مسعود ولا يعرف لهما حال وليست زينب امرأة عبد الله الثقفية لأن تلك صحابية وابن مسعود عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة ثنتين وثلاثين فلا يبعد أن يتزوج غير صحابية . 1919 - (إن الله تعالى يغار) على عبده المؤمن (وإن المؤمن يغار وغيرة الله) هي (أن يأتي المؤمن) أي يفعل (ما حرم الله عليه) ولذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات وأشنع القتلات وشدة غيرته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا ومن غيرته تعالى غيرته على توحيده ودينه وكلامه أن يحظى به غير أهله فحال بينهم وبينه غيرة عليه * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) * [ الانعام : 25 ، والاسراء : 47 ] وما ذكر من أن الرواية أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه هو ما للأكثر لكنه في مسلم بلفظ ما حرم الله عليه بالبناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن وفي رواية أبي ذر أن لا يأتي بزيادة لا قال الصغائي والصواب حذفها وقال الطيبي تقديره غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي قال الكرماني وبتقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها كثيرا وفي الحديث تحذير شديد من اقتحام حمى المعاصي والآثام المؤدية للهلاك والطرد عن دار السلام (تنبيه) من غيرة الحق تعالى على الأكابر أنهم إذا ساكنوا شيئا سواه أو لاحظوا غيره شوش عليهم وامتحنهم حتى تصفوا أسرارهم له كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام حين قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي ملك مصر فلبث في السجن لذلك ما لبث وإبراهيم
[ 388 ]
عليه الصلاة والسلام لما أعجبه إسماعيل عليه السلام أمر بذبحه ونظر بعض الأولياء إلى شاب نظرة فإذا كف من الهوى قد لطمه وسقطت عينه وسمع صوتا لطمة بنظرة وإن زدت زدناك وذلك لعلو قدرهم عنده (حم ق) في التوبة (ت) في النكاح (عن أبي هريرة) إطلاقه عزو الحديث بجملته إلى الشيخين غير سديد قال الحافظ العراقي لم يقل البخاري والمؤمن يغار اه . قال الصدر المناوي أخرجه البخاري إلا قوله وأن المؤمن يغار وكذا الترمذي اه . وقال ابن حجر زاد مسلم أي على البخاري وأن المؤمن يغار . 1920 - (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه) كناية عن حسن قبولها لأن الشئ المرضي يتلقى باليمين عادة ، قال : ألم أك في يمنى يديك جعلتني * * فلا تجعلني بعدها في شمالكا ذكره القاضي وقال غيره ذكر اليمين لأنها عرفا لما عز والشمال لما هان والله تعالى منزه عن الجارحة وقيل المراد يمين الذي يدفع إليه الصدقة وأضيفت له تعالى لقصد الاختصاص أي أن الصدقة فيها لله تعالى (فيربيها لأحدكم) يعني يضعف أجرها أي يزيد في كميته عينها فيكون أثقل في الميزان (ه) كما يربي أحدكم تمثيل لزيادة التفهيم (مهره) صغير الخيل وفي رواية فلوه بفتح الفاء وضم اللام وشدة الواو ويقال بكسر فسكون مخففا وهو المهر وقيل كل عظيم من ذات حافر وفي رواية فصيله وذلك لأن دوام نظر الله إليها يكسوها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى حال تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين المهر إلى الخيل وخصه بضرب المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج عمله ولأنه حينئذ يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهده وإذا أحسن القيام به وأصلحه انتهى إلى حد الكمال وكذا عمل الآدمي سيما الصدفة التي يحاذيها الشيطان ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومة بنقائص لا يجبرها إلا نظر الرحمن فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح لها باب الرحمة فلا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين اللقمة كما أشار إليه بقوله (حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد) بضم الهمزة الجبل المعروف قال في الكشف هذا مثل ضرب لكون أصغر صغير يصير بالتربية أكبر كبير اه . والقول بأنه يعظم ذاتها حقيقة ليثقل في الميزان غير سديد ألا ترى إلى خبر البطاقة التي فيها الشهادة حيث توضع في الميزان فتثقل على سائر الأعمال فلا حاجة في الرجحان إلى تعظيم الذوات وخص التربية بالصدقة وإن كان غيرها من العبادات يزيد أيضا بقبوله رمزا إلى أن الصدقة فرضا كانت أو نفلا أحوج إلى تربية الله وزيادة الثواب ومشقتها على النفوس بسبب الشح وحب المال (تنبيه) قال ابن اللبان نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءا وإعادة وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى وهو
[ 389 ]
سبحانه منزه عن الجارحة (ت عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن عائشة قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال الذهبي أخرجه الشيخان بمعناه . 1921 - (إن الله يقبل توبة العبد) أي رجوعه إليه (ما لم يغرغر) أي تصل روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشئ الذي يتغرغر به لأنه لم يعاين ملك الموت ولم ييأس من الحياة فتصح توبته بشروطها ، فإن وصل لذلك لم يعتد بها لقوله تعالى * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) * [ النساء : 18 ] الآية ، ولأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المكتوب عنه وعدم المعاودة عليه وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري ذكره القاضي وكما أن من وصل لتلك الحالة لا تقبل توبته لا ينفذ نصرته وجزم الطيبي كالمظهر بصحة إيصائه ووصيته وتحليله ممنوع منهما كيف وقد عاين ملك الموت وليس من الحياة ومعاينته اليأس مثل الغرغرة ولذلك لم ينفع فرعون إيمانه حينئذ (حم ت) في الدعوات (ه) في الزهد (حب ك) في التوبة (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المزي ووهم من قال ابن عمرو بن العاص اه . قال الترمذي حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه أبو حاتم وقال أبو أحمد أحاديثه مناكير ونقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين وتوثيقه عن غيره ثم أورد من مناكيره أخبارا هذا منها . 1922 - (إن الله تعالى يقول) يوم القيامة (لأهون) أي أسهل (أهل النار) وفي خبر سيجئ أنه أبو طالب (عذابا لو أن لك ما في الأرض من شئ) أي لو ثبت لأن لو تقتضي الفعل الماضي وإذا وقعت أن المفتوحة بعد لو وجب حذف الفعل لأن ما في أن من معنى التحقق والثبات منزل منزلة الفعل المحذوف (كنت تفتدي به) من النار وهو بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه وهذا إلماح لقوله * (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) * [ الرعد : 18 ] قال عبر بالماضي لتحقق الوقوع (نعم) أفعل ذلك قال الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا) أي أمرتك بما هو أهون عليك منه وإلا يكون الشئ واقعا على خلاف إرادته وهو محال وبما تقرر من أن الإرادة بمعنى الأمر يسقط احتجاج المعتزلة به زاعمين أن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي قال الطيبي والإرادة هنا أخذ الميثاق في قوله سبحانه * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * [ الاعراف : 172 ] بقرينة قوله (وأنت في صلب) أبيك آدم عليه السلام حين أخذت الميثاق (أن) أي بأن (لا تشرك بي شيئا فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا (إلا الشرك) أي فامتنعت إلا أن تشرك بي من لا يستطيع لك ولا لنفسه نفعا ولا ضرا إشارة إلى قوله تعالى * (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل) * [ الاعراف :
[ 390 ]
173 ] ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيا معنى أي ما اخترت إلا الشرك (ق عن أنس) . 1923 - (أن الله يقول إن الصوم لي) أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي (وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا الله فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران أحدهما أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين الله يفعله خالصا لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه لله أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد الله له من الكرامات (وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في خبر مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما (من ريح المسك) عند الخلق ، قال البيضاوي تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه وقال غيره خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحا تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك قال ابن حجر اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن الله يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا (حم م ت) في الصوم (عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) بألفاظ متقاربة . 1924 - (إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين) بالمعونة وحصول البركة والنماء (ما لم يخن أحدهما صاحبه) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خرجت من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما قال الطيبي فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثا لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة
[ 391 ]
بشرط الأمانة وذلك لأن كلا منهما يسعى في نفع صاحبه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر (د) في البيع (ك) وصححه (عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان في الثقات لكن أعله ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب نقله ابن حجر ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة نعم قال لم يسنده أحد إلا أبو همام الأهوازي وحده . 1925 - (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي) أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قوتك وقوت ممونك فإنك إن اقتصرت على ما لا بد منه واشتغلت بعبادتي (أملأ صدرك) أي قلبك الذي في صدرك (غنى) وذلك هو الغني على الحقيقة لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه وممونه على وجه الكفاية كما تقرر (وأسد) بسين مهملة (فقرك) يعني تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقض مهماتك ومن قضى الله مهماته استغنى عن خلقه لأن الغني على الإطلاق وهو المعني بقوله أملأ صدرك غنى وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية علم أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر أعظم الناس هما الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته (وإن لم تفعل) ذلك (ملأت يديك شغلا) بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف وشغلت به بالبناء للمفعول تلهيت به وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما (ولم أسد فقرك) أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقرا على فقرك وهو المراد بقوله ملأت يديك إلخ ذكره الطيبي قال العلائي أمر الله في هذا الخبر بالتفرغ لعبادته ومن جملة ذلك أن لا يكون في القلب شاغل عن الإقبال على طاعته وقد صرح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر بأن الفراغ من النعم التي لا يليق إهمالها قال ابن عطاء الله فرغ قلبك من الأغبار يملأه من المعارف والأسرار ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشوا بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت لا تستنبط منه النوال ولكن استنبط من نفسك وجود الإقبال وقال الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ويقل عوائقك ثم لا ترحل إليه (حم ت د ك عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في كتاب الزهد نقله عن التوراة بهذا اللفظ ثم قال وروي مرفوعا ولا يصح انتهى وفيه عند الترمذي أبو خالد الوالبي عن أبيه وأبوه لا يعرف كما في المنار وزائد بن نشيط لا يعرف أيضا . 1926 - (إن الله تعالى يقول إذا أخذت كريمتي عبدي) أي أعميت عينيه يعني جارحيته الكريمتين عليه وكل شئ يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك والإضافة للتشريف فيفيد أن الكلام في المؤمن وفي رواية عبدي المؤمن (في الدنيا لم يكن له جزاء عندي) يوم القيامة (إلا الجنة) أي دخولها مع
[ 392 ]
السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيرا وأما * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) * [ الاسراء : 72 ] فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر من مات على شئ بعثه الله عليه فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة (ت عن أنس) ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي روجاله ثقات . 1927 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشئ من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحا به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله (يوم لا ظل إلا ظلي) بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا (1) (حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري . 1928 - (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) بالرحمة والتوفيق والهداية (ما ذكرني) أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية (و) ما (تحركت بي) أي بذكري (شفتاه) فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق (حم ه ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه . (1) وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور أي أظلهم في ظلي حال كونه كائنا يوم لا ظل إلا ظلي ، هذا هو الظاهر . (*)
[ 393 ]
1929 - (إن الله تعالى يقول إن عبدي كل عبدي) أي عبدي حقا المتمحض في العبودية الفائز بشرف كمال العبودية (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر الكاف وسكون الراء أي عدوه المقارن له المكافئ له في القتال فلا يغفل عن ذكر ربه حتى في حالة معاينة الهلاك ولا يشغله ما هو فيه من الاستشراف إلى الموت عن لزوم ذكر ربه بقلبه ولسانه . والقرن من يقاومك في علم أو قتال أو غير ذلك ، والجمع أقرن كحمل وأحمال (ت) من حديث عفيرة بن معدان (عن) أبي عدي (عمارة) بضم المهملة وفي آخره هاء (ابن زعكرة) قال في الأذكار وزعكرة بفتح الزاي والكاف وسكون العين المهملة قال في التقريب كأصله صحابي له حديث الأزدي وقيل الكندي الجمعي الشامي قال ابن حجر ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال أعني ابن حجر وهو حسن غريب وقول الترمذي ليس إسناده بقوي يريد ضعف عفير لكن وجدت له شاهدا قويا مع إرساله أخرجه البغوي فلذلك حسنته وقول الترمذي غريب أراد غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر . اه . 1930 - (إن الله يقول إن عبدا) مكلفا (أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشه) أي فيما يعيش فيه من القوت وغيره (تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي) أي لا يزور بيتي وهو الكعبة (لمحروم) أي يقضي عليه بالحرمان من الخير أو من مزيد الثواب وعموم الغفران بحيث يصير كيوم ولدته أمه لدلالته على عدم حبه لربه وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم ، وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام وعزى ذلك إلى الحسن قال ابن المنذر كان الحسن يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ فيقول يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اه وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به قال ابن العربي قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به وقال البيهقي ورد هذا موقوفا ومرسلا جاء عن أبي هريرة بسند ضعيف (ع حب عن أبي سعيد) الخدري وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعفه أحمد وقال ابن حبان لا يجوز الاشتغال بحديثه ولا الاحتجاج به وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له في الميزان هذا الخبر وفي اللسان قال البخاري عقبه هذا منكر وكذا قال ابن عدي اه ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يقول إن عبدا أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق ثم لم يفد إلي بعد أربعة أعوام لمحروم قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على الطريق الذي آثره غير جيد . 1931 - (إن الله تعالى يقول أنا خير قسيم) أي قاسم أو مقاسم (لمن أشرك بي) بالبناء للمفعول
[ 394 ]
(من أشرك بي شيئا) أي في عمل من الأعمال (فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي) بالبناء للفاعل أو المفعول (أنا عنه غني) والله غني عن العالمين قال أبو البقاء قليله وكثيره بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكيد ويجوز رفعه على الابتداء ولشريكه خبره والجملة خبر إن وتمسك به ابن عبد السلام كالمحاسبي في ذهابهما إلى العمل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا خلص لله كله ، ومختار الإمام والغزالي اعتبار غلبة الباعث فإن غلب باعث الآخرة أثيب بقدره وإلا فلا وجرى عليه الفخر الرازي فقال للعمل تأثير في القلب فإن خلا المؤثر عن العارض خلا الأثر عن الضعف وإن قارنه فإن تساويا تساقطا وإن غلب أحدهما فالحكم له قال والجواب عن الحديث أن لفظ الشرك محمول على تساوي الداعيين وعنده ينحبط كل بالآخر قال ابن عطاء الله وكما لا يحب الله العمل المشترك لا يحب القلب المشترك لأن القلب بيت الرب والرب يكره أن يكون في بيته غيره فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه * (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) * [ الحج : 31 ] قال الغزالي قيل للخواص قدم ابن أدهم فأته قال : لا ، لأن ألقى شيطانا ماردا أحب إلي من لقائه فاستنكروا ذلك فقال إذا لقيته أخاف أن أتزين له فإذا لقيت شيطانا أمتنع منه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه ولقي شيخي الإمام بعض العارفين فتذاكرا مليا فقال الإمام ما أظنني جلست مجلسا أنا له أرجى من هذا فقال العارف ما جلست مجلسا أنا له أخوف من مجلسي هذا ألست تعمد إلى أحسن علومك فتظهرها لدي وأنا كذلك فقد وقع الرياء فبكى الإمام مليا حتى أغمي عليه قال البعض ومن أدوية الرياء التفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه الله له ولا على غيره ما لم يقدره الله له (الطيالسي) أبو داود (حم عن شداد بن أوس) قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره وضعفه غير واحد وبقية رجاله ثقات . 1932 - (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة) وهم فيها (يا أهل الجنة فيقولون لبيك) أي إجابة بعد إجابة لك يا (ربنا) من ألب بالمكان أقام أي نقيم لامتثال أمرك إقامة كثيرة (وسعديك) بمعنى الإسعاد وهو الإعانة أي نطلب منك إسعادا بعد إسعاد (والخير في يديك) أي في قدرتك ولم يذكر الشر لأن الأدب عدم نسبته إليه صريحا (فيقول) سبحانه وتعالى لهم (هل رضيتم بما صرتم إليه من النعيم المقيم (فيقولون وما لنا) أي أي شئ لنا (لا نرضى) وهو حال من الضمير في الظرف ، والاستفهام لتقدير رضاه (وقد أعطيتنا) وفي رواية وهل شئ أفضل مما أعطيتنا ؟ أعطيتنا (ما لم تعط أحدا من
[ 395 ]
خلقك) الذين لم تدخلهم الجنة (فيقول) تعالى (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة وفي رواية أنا أعطيكم (أفضل من ذلك) الذي أنتم فيه من النعيم (فيقولون يا رب وأي شئ أفضل من ذلك) قال يا رب في الموضعين ولم يقل ربنا مع كون الجمع مذكورا قبله إشعار بأن ذلك قول كل واحد منهم لا أن طائفة تكلموا وطائفة سكتوا إذ الكلام من كل واحد على حصول الرضى (فيقول أجل) بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل (عليكم رضواني (1) بكسر أوله وضمه أي رضاي ورضاه سبب كل سعادة وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى الله (فلا أسخط عليكم بعده أبدا) مفهومه أن الله تعالى لا يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء وأجيب بأنه لم يقل أفضل من كل حال بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أن السعادة أي الروحانية أفضل من الجسمانية ونعم للمؤمنين عظيمة وهي سماع كلام رب العالمين وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نعمه عليهم وتعريفه إياهم فضله لديهم وإن رضى الله أفضل من نعيم الجنة (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري . 1933 - (إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي) أي أعامله على حسب ظنه وأفعل به ما يتوقعه مني فليحسن رجاءه أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به فالمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف والظن على بابه ذكره الفاضي قال ويمكن تفسيره بالعلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت من خير وشر فلا مرد له لا معطي لما منعت ولا راد لما أعطيت أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في مقام الإيمان والوثوق به سبحانه وتعالى قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب وإذا سأله استجاب إلى هنا كلامه ، وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه فقال معناه عند يقينه بي فالاعتماد علي والوثوق بوعدي والرهبة من وعيدي والرغبة فيما عندي أعطيه إذا سألني وأستجيب له إذا دعاني كل ذلك على حسب ظنه وقوة يقينه والظن قد يرد بمعنى اليقين قال الله تعالى * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) * [ البقرة : 46 ] أي يوقنون (إن خيرا فخير وإن شرا فشر) أي إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا وإن ظن بي شرا أفعل به شرا قال ابن القيم وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره فقال * (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم) * [ الفتح : 6 ] وقال * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) * (1) في حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى * (ورضوان من الله أكبر) * [ التوبة : 72 ] لان الله رضاه سبب كل نول وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لاهل الجنة لا مزيد عليه اه . (*)
[ 396 ]
[ فصلت : 23 ] قال الكرماني وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف أي لأن العاقل إذا سمعه لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف بل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال المحققون مقيد بالمحتضر وفي غيره أقوال ثالثها الاعتدال (تتمة) قال ابن عطاء الله بخ بخ لحسن الظن به لمن من به عليه فمن وجده لم يفقد من الخير شيئا ومن فقده لم يجد منه شيئا لا تجد غدا عند الله لك أنفع منه ولا أجدى ولا تجد الآن أدل على الله ولا أهدى بعلمك عن الله بما يريد أن يصنعه معك ويبشرك ببشائر لا يقرأ سطورها العينان ولا يترجم عنها لسان (فائدة) قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشئ من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا قال الأمير نحن أحسن ظنا بالله منكم فقال أقسم على الأمير بالله هل تعلم أحدا أحسن ظنا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فهل علمت أنه أخذ شيئا قط من غير حله ووضعه في غير حقه قال اللهم لا قال حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (طس حل عن واثلة) بن الأسقع وهو في الصحيحين بدون قوله إن إلخ . 1934 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم) خطا ب معاتبة لا مناقشة ومعاقبة (مرضت فلم تعدني) أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفا له وتقريبا (قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) حال مقرر للإشكال الذي تضمنه معنى كيف أي أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وذلك على المالك الحقيقي محال فكيف أعودك وأنت القادر القاهر القوي المتين (قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته ، قال في المطامح هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه ، فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين) أي كيف أطعمك والإطعام إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به فيقيم به صلبه ويصلح به عجزه وأنت مربي العالمين (قال أما علمت
[ 397 ]
أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام وكذا السقي لوجدت ذلك عندي إرشادا إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثوابا منهما وقال السبكي رضي الله عنه سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله لوجدتني عنده بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس (يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين) أي كيف أسقيك وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه وطبيعته وأنه غني منزه متعال عن ذلك كله (قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه وقال الكلاباذي جعل الله أوصاف المؤمنين صفة فقال مرضت واستسقيتك واستطعمتك لأن الوصلة إذا استحكمت والمودة إذا تأكدت صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر وكلما فعله الحبيب فهو يسر حبيبه ، ألا ترى قيسا المجنون كان إذا أراد أن يسكن ما به ذكرت له ليلى فينجلي ما هو فيه ويتكلم بأحسن كلام ، فيقال له أتحب ليلى فيقول لا فيقال لم فيقول المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فسقطت الذريعة فأنا ليلى وليلى أنا ، وقال : أنا من أهوى ومن أهوى أنا * * نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته * * وإذا أبصرته كنت أنا (تتمة) سئل بعض العارفين عن تنزلات الحق في إضافة الجوع والظمأ لنفسه هل الأولى إبقاؤها على ما وردت أو تأويلها كما أولها الحق لعبده حين قال أطعمك إلخ ؟ فقال الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه الله لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص ولا تلحقه صفة تشبيه لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه فقد لا يكون مرادا للحق فالأدب إضافتنا إليه كل ما أضافه لنفسه تعالى كما قيل : إذا نزل الحق من عزه * * إلى منزل الجوع والمرحمه فخذه على حد ما قاله * * فإن به تحصل المكرمة ولا تلقينه على جاهل * * فتحصل في موطن المذممه (م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي في الزهد ولم يخرجه البخاري .
[ 398 ]
1935 - (إن الله تعالى يقول إني لأهم بأهل الأرض عذابا) كقحط وجوع وفتن توجب قتلا ونحو ذلك (فإذا نظرت إلى عمار بيوتي) أي عمار المساجد التي هي بيوت الله بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة (والمتحابين في) أي لأجلي لا لغرض دنيوي (والمستغفرين بالأسحار) أي الطالبين من الله المغفرة فيها (صرفت عذابي عنهم) أي عن أهل الأرض إكراما لهؤلاء ويحتمل عود الضمير إلى هؤلاء فقط لكن يؤيد الأول خبر لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وليس المراد بالهم هنا حقيقته من العزم على الشئ ولا الإرادة والألم يتخلف وقوعه بل ذكر تقريبا لأفهامنا وحثا لنا على هذه الخصال الفاضلة وخصها لما في الأولى من إقامة شعائر الدين وفي الثانية من الائتلاف والاجتماع على نصره وفي الثالثة من محو الذنوب أو فأولا ولأن الاستغفار ممحاة للذنوب كما في خبر يأتي فلذلك كانت صارفة للعذاب (هب عن أنس) وفيه صالح المري أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال النسائي وغيره متروك . 1936 - (إن الله تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم أقبل) أي أثيب (ولكن أقبل على همه) أي عزمه ونيته (وهواه) أي ما يميل إليه (فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى) جمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما كاف (جعلت صمته) أي سكوته (حمدا لله) أي بمنزلة ثنائه على الله تعالى باللسان (ووقارا وإن لم يتكلم) أي وإن كان همه وهواه فيما لا يحبه ولا يرضاه فلا أجعل صمته كذلك بل إنما يعاتب أو يعاقب عملا بنيته وحذف الشرط الثاني وجزاءه لفهمه مما قبله ولم يأت به بالمنطوق تحقيرا لشأن من قام به وفيه إيماء إلى علو مقام الفكر ومن ثم قال الفضيل الفكر مخ العبادة وقال الحسن من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته فكرة فهو سهو وقال وهب ما طال فكر امرئ قط إلا علم وما علم إلا عمل وقال الداراني الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب وقال الجنيد أشرف المجالس الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد والتسنيم تنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر وصحة النظر في الأمور نجاة من الغرور (ابن النجار) في التاريخ (عن المهاجر بن حبيب) لم أره في الصحابة في أسد الغابة ولا في التجريد .
[ 399 ]
1937 - (إن الله يكتب للمريض) أي يأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له حال مرضه (أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه) أي مرضه (والمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره) إذا شغله السفر عن ذلك العمل والمراد السفر الذي ليس بمعصية بل كان سفر طاعة كحج وغزو وكذا المباح . المباح كسفر لتجارة حسبما شمله الحديث قال ابن حجر رحمه الله هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها لأنه أعاقه (طب عن أبي موسى) الأشعري . 1938 - (إن الله يكره فوق سمائه) خص الفوقية إيماء إلى أن كراهته لذلك أمر متعارف مستفيض بين الملأ الأعلا وسكان السماوات العلى ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصور المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه تعالى مباين لجميع خلقه متسلط على كل شئ بقهره وقدرته سبحانه (أن يخطأ) بالبناء للمجهول (أبو بكر الصديق) أي يكره أن ينسبه أحد من الأمة إلى الخطأ (في الأرض) لكمال عقله وإصابته للصواب فيما يشير به ويراه ومناصحته لنبيه صلى الله عليه وسلم وإخلاص سريرته كيف وقد انتصب لمناوأة المشركين وذب عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحده ولم يهب شرق الدنيا وغربها وجاد بمهجته في الله تعالى ولما مات أبو طالب انتهزت قريش الفرصة واجتمعوا على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه قائلين أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فلم يعنه إلا الصديق رضي الله تعالى عنه فنادى بأعلا صوته أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فمؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه الله كان يكتم إيمانه وأبو بكر رضي الله عنه بذل نفسه فحاول إظهاره وإعلائه وكراهته لتخطئته إنما هو في حق غير المعصوم فلا ينافي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعبيره للرؤيا كما في البخاري أصبت بعضا وأخطأت بعضا (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده عن أحمد بن يونس عن أحمد بن أبي الحرث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عبادة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ (طب) عن الحسن بن العباس عن سهل بن عثمان عن أبي يحيى الحماني عن أبي العطوف جراح بن المنهال عن الوضين عن عطاء عن عبادة عن ابن غنم عن معاذ (وابن شاهين) في كتاب (السنة) عن إبراهيم بن حماد عن عبد الكريم بن هيثم عن الحماني فما فوقه ممن ذكر (عن معاذ) بن جبل قال لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرحني إلى اليمن استشار ناسا من أصحابه فتكلم كل برأي فقال ما ترى يا معاذ قلت أرى ما قال أبو بكر رضي الله عنه فذكره قال الهيثمي وفيه أبو العطوف لم أر من ترجمه يروي عن الوضين بن عطاء وبقية رجاله موثوقون انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال تفرد به أبو الحارث نصر بن حماد عن بكر بن جيش وقال يحيى نصر كذاب ومحمد بن سعيد وهو المصلوب كذاب يضع ، إلى هنا كلامه ، ونازعه المؤلف على عادته فلم يأت بطائل .
[ 400 ]
1939 - (إن الله يكره من الرجال الرفيع الصوت) أي الشديد الصوت (ويحب الخفيض من الصوت) ولهذا أوصى الله نبيه به صلى الله عليه وسلم في قوله * (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) * فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان ذكره الزمخشري ، وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى (هب عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله تفرد به مسلمة بن علي وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي في الضعفاء المتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك وفيه أيضا نعيم بن حماد وثقه أحمد وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع الحديث . 1940 - (إن الله تعالى يلوم على العجز (1) أي على التقصير والتهاون في الأمور وهذا قاله لمن ادعى عليه عنده فحسبل (2) تعريضا بأنه مظلوم أي أنت مقصر بتركك الاحتياط وعدم رعاية ما أقام الله لك من الأسباب وترك التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة وغير ذلك مما يوجب الغلبة وثبوت الحق ، والعجز وإن كان صفة وجودية قائمة بالعاجز لكن العبد ملام عليه لما ذكر (ولكن عليك بالكيس) بفتح فسكون ويطلق على معان منها الرفق فمعناه عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه كذا قرره في الأذكار وقال غيره ضد الحمق يعني التيقظ في الأمر وإتيانه من حيث يرجى حصوله (فإذا غلبك أمر) بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلا (فقل) حينئذ (حسبي الله ونعم الوكيل) أي الموكول إليه لعذرك حينئذ وحاصل معنى الاستدراك لا تكن عاجزا وتقول حسبي الله ولكن كن يقظا حازما فإذا غلبك أمر فقل ذلك إذ ليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور بل على العاقل أن يتكيس في الأمور بأن يتيقظ فيها ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة الله على ارتباط تلك المطالب بها ويدخل عليها من أبوابها ثم إن غلبه أمر وعسر عليه مطلوب ولم يتيسر له طريق كان معذورا فليقل حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله تعالى يأخذ بثأرك وينصرك على خصمك (د) في القضاء عن بحير عن ابن معدان عن سيف (عن عوف بن مالك) قال الذهبي في المهذب سيف لا يعرف ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال في المنار وفيه سيف الشامي وهو لا يعرف . (1) أي عدم الداعية الحازمة التي يسمى بها مكتسبا وإن كانت القدرة لله تعالى . (2) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فذكره أي أنت مقصر بترك الإشهاد والاحتياط . (*)
[ 401 ]
1941 - (إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة ثلث وفي رواية الثلث الأول وأخرى النصف وجمع باختلاف الأحوال يعني يكون أوقات الليل في الزمان والآفاق تقدم الليل عند قوم وتأخره عند آخرين (نزل) وفي رواية للبخاري ينزل (إلى السماء الدنيا) أي القربى قيل المراد نزول رحمة ومزيد لطف وإجابة دعوة وقبول معذرة كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادات الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم مستضعفين ملهوفين لا نزول حركة وانتقال لاستحالته عليه تقدس فهو نزول معنوي ويمكن حمله على الحس ويكون راجعا إلى أفعاله لا ذاته وقيل المراد بنزوله نزول رحمته وانتقاله من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام المقتضية للرحمة والإنعام (فنادى هل من مستغفر) فأغفر له (هل من تائب) فأتوب عليه (هل من سائل) فيعطى ، وفيه توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال (هل من داع) فأستجيب له ولا يزال كذلك (حتى ينفجر الفجر) جمع بينهما للتأكيد إن كانتا بمعنى وإلا فلأن المطلوب دفع ما لا يلائم أو جلب الملائم وهو إما دنيوي أو ديني فأشير بالاستغفار إلى الأول وبالسؤال إلى الثاني وبالدعاء إلى الثالث وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء (حم م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه أيضا البخاري في مواضع من صحيحه بألفاظ متقاربة المعنى . 1942 - (إن الله تعالى ينزل) بفتح أوله (ليلة النصف من شعبان) أي ينزل أمره أو رحمته على ما تقرر قال القاضي لما ثبت بالقواطع العقلية أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع أعلا إلى أخفض منه بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم كما هو ديدن الملوك والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين فقوله (إلى سماء الدنيا) أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال المقتضية للأنفة من الأرذال وعدم المبالاة وقهر العداوة والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرحمة والرأفة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج واستعراض الحوائج والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي والتركيب في سماء الدنيا من قبيل مسجد الجامع والقياس السماء الدنيا كما في الحديث المتقدم (تنبيه) قال بعض العارفين رضي الله عنه ما من ليلة إلا
[ 402 ]
وينزل من السماء في الثلث الأخير فتوح رباني ومدد فيلتقطه أهل التسليم ثم أهل التفويض ثم تقع الإفاضة من هؤلاء على أصحاب الدوائر العلية أقطاب الأفلاك الكلية ثم تقع منهم على الحفظة والنواب وولاة الأمر ثم منهم على الملكين والصالحين والعلماء العاملين ممن حضر فتح الباب وتنزل الأمداد فإن الهدية لمن حضر قال وأما النائمون في الثلث الآخر فتصيبهم عند أخذ الرجال الخمس المعروفين بين الأولياء فإنه يأخذ لكل من غاب نصيبا عند صلاة الصبح إما قبل فراغه أو معه ومن تخلف عن اليقظة عند صلاة الصبح فإن نصيبه يعطاه في أسبابه الدنيوية إذا رضى بإقامة الله له فيها وما بقي بعد ذلك فهو حظ الأنعام وأمثالهم من العوام الغافلين عن الأسباب (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) قال الزين العراقي مزية ليلة نصف شعبان مع أن الله تعالى ينزل كل ليلة أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب وليس ذا في نزول كل ليلة ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم وورد في حديث آخر استثناء جماعة من المغفرة (تنبيه) قال المجد ابن تيمية ليلة نصف شعبان روي في فضلها من الأخبار والآثار ما يقتضي أنها مفضلة ومن السلف من خصها بالصلاة فيها وصوم شعبان جاءت فيه أخبار صحيحة أما صوم يوم نصفه مفردا فلا اصل له بل يكره قال وكذا اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها اه . (حم ت) في الصوم (ه) في الصلاة من حديث الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كبير عن عروة (عن عائشة) قال لا يعرف إلا من حديث الحجاج وسمعت محمدا يعني البخاري يضعف هذا الحديث وقال يحيى لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى اه قال الدارقطني إسناده مضطرب غير ثابت وقال الزين العراقي ضعفه البخاري بالانقطاع في موضعين قال ولا يصح شئ من طرق هذا الحديث قال ابن دحية رحمه الله لم يصح في ليلة نصف شعبان شئ ولا نطق بالصلاة فيها ذو صدق من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في زي المجوسية اه . 1943 - (إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد) أي (مسجد مكة) وفي رواية ينزل على هذا البيت قال الطبري ولا تضاد بين الروايتين فقد يراد بمسجد مكة البيت ويطلق عليه مسجد بدليل * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * [ البقرة : 144 ] أو أراد بالتنزيل على البيت التنزيل على أهل المسجد اه . وقوله مسجد مكة يحتمل كونه تفسيرا من راويه أدرجه ويحتمل أنه من المرفوع قيل ويصدق على ما هو عليه اليوم من السعة والزيادة (في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ستين) منها (للطائفين) بالبيت (وأربعين للمصلين) بالمسجد (وعشرين للناظرين) إلى الكعبة وفي رواية للطبراني في الكبير عن ابن عباس أيضا مرفوعا ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت وعشرون منها للناظرين
[ 403 ]
للبيت وفي رواية للبيهقي في الشعب عنه أيضا ينزل الله كل يوم مائة رحمة : ستين منها للطائفين بالبيت وعشرين على أهل مكة وعشرين على سائر الناس ، قال في الإتحاف والأحاديث في ظاهرها تخالف ويحتمل أنه أراد بالعاكفين المصلين فلا تخالف وأما حديث المائة ففيه إثبات عشرين لأهل مكة وعشرين للناس وهو لا ينافي الخبرين قبله إذ فيه إثبات ستين للطائفين ولا تعرض فيه لعاكف ولا مصل ولا ناظر ويحتمل أن للطائف أربعين وللمصلي أربعين ويكون كل حديث على ظاهره ولا يلزم من عدم التعرض لذكره في الحديث الآخر أنه ليس له شئ كما لا يلزم من عكسه العكس وليس في الحديث صيغة حصر فتكون الرحمات النازلة مائة وستين وهذا أقرب والقسمة على كل فريق على قدر العمل لا على مسماه على الأظهر اه ، وقال المحب الطبري في القسمة وجهان الأول على المسمى بالسوية لا على العمل قلة وكثرة وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه الثاني قسمتها على العمل لأن الحديث ورد في سياق الحث والتحضيض فلا يستوي فيه عامل الأقل والأكثر ولأن الرحمات متنوعة بعضها أعلا من بعض فرحمة يعبر بها عن المغفرة وأخرى عن العصمة وأخرى عن الرضى وأخرى عن القرب وأخرى عن تبوء مقعد صدق وأخرى عن النجاة من النار إلى غير نهاية إذ لا معنى للرحمة إلا العطف فتارة يكون بنعمة وتارة بدفع نقمة وكلاهما ينوع إلى غير نهاية ومع ذلك يفرض التساوي بين مقل ومكثر ومخلص وغيره وحاضر القلب وساه وخاشع وغيره فالأرجح أن ينال كل بقدر عمله ما يناسبه من الأنواع قال ويحتمل أن يحصل لكل طائف ستون ويكون العدد بحسب عمله في ترتيب أعلى الرحمات وأوسطها وأدناها ويحتمل أن جميع الستين بين كل الطائفتين والأربعين بين المصلين والعشرين بين الناظرين وتكون القسمة على حسب أحوالهم في العدد والوصف حتى يشترك الجم الغفير في الرحمة الواحدة وينفرد الواحد برحمات وفي الحديث فضل الطواف على الصلاة والصلاة على النظر إذا تساووا في الوصف فيخص به عموم خبر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة والصلاة خير موضوع وخرج بقوله إذا تساووا في الوصف ما لو اختلف وصف المتعبدين فكان الطائف ساهيا غافلا والمصلي أو الناظر خاشعا فالخاشع أفضل وقال كثير في توجيه الحديث إن المائة وعشرين قسمت ستة أجزاء فجعل جزء للناظرين وجزآن للمصلين لأن المصلي ناظر غالبا والطائف لما اشتمل على النظر وصلاة ركعتيه كان له ثلاثة أجزاء وفيه نظر لأن الطائف الأعمى وكذا المصلي لهما ما ثبت لهما وإن لم ينظرا وكذا لو تعمد ترك النظر فيهما لا ينقص حظه وأما النظر في الطواف فإن لم يقترن بقصد تعبد فلا أثر له وإن قصده نال به أجر الناظرين زائدا على أجر الطواف (طب) وكذا الخطيب في التاريخ والبيهقي في الشعب (والحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عبد الرحمن بن السفر من حديثه ونقل عن ابن منده أنه متروك وتبعه الذهبي وقال ابن الجوزي حديث لا يصح ففيه من طريق يوسف بن السفر تفرد به وهو كما قال الدارقطني والنسائي متروك وقال الدارقطني يكذب وابن حبان لا يحل الاحتجاج به وقال يحيى ليس بشئ انتهى ومنه أخذ الهيثمي قوله بعد ما عزاه للطبراني فيه يوسف بن السفر وهو متروك .
[ 404 ]
1944 - (إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة) وشاهده ما في الكتب القديمة ، أخرج البيهقي أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة (وينزل الصبر) أي حبس النفس على المكاره (على قدر البلاء) لأن صفة العبد الجزع والصبر لا يكون إلا بالله فمن عظمت مصيبته أفيض عليه الصبر بقدرها وإلا لهلك هلعا (عد وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا البيهقي في الشعب وكأن المؤلف أغفله ذهولا كلهم (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن رافد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الخطيب عن وهب بن وهب قال أحمد وغيره كذاب لكن يأتي ما يقويه بعض قوة . 1945 - (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) لأن الحلف بشئ يقتضي تعظيمه والعظمة حقيقة إنما هي لله وحده ولا يعارضه خبر أفلح وأبيه إن صدق لأن تلك كلمة جرت على لسانهم للتأكيد لا للقسم فيكره الحلف بغير الله تنزيها عند الشافعية وعلى الأشهر عند المالكية وتحريما عند الظاهرية وعلى الأشهر عند الحنابلة قال في المطامح وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة وإلا فحقيقة النهي عامة في كل معظم غير الله وظاهر إضافة النهي إلى الله تعالى أنه تلقاه عنه لا دخل للاجتهاد فيه (حم ق) في الأيمان والنذور (4 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فذكره . 1946 - (إن الله يوصيكم بأمهاتكم) أي من النسب قاله (ثلاثا) أي كرر الله الوصية بهم ثلاث مرات لمزيد التأكيد (1) ثم قال في الرابعة (إن الله يوصيكم بآبائكم) من النسب وإن علو قاله (مرتين) إشارة إلى تأكده لما لهم من التربية والنصرة وأن ذلك التأكد دون تأكد حق الأمهات لتعبهن وخدمتهن ومقاساة المشاق في الحمل والوضع والرضاع والتربية ثم قال (إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب) من النسب قال ذلك مرة واحدة إشارة إلى أن حقهن وإن كان متأكدا فهو دون تأكد حق الأبوين وكرر الفعل مع المؤكد حثا على الاهتمام بالوصية ولم ينص في الأخيرة على عدد لفهمه مما قبله قال الشافعية فيقدم في البر الأم فالأب فالأولاد فالأجداد فالجدات فالإخوة والأخوات ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم وتقدم منهم المحارم على غير المحارم ثم سائر العصبات (1) وسبب تقدم الام في كثرة تعبها وشفقتها وخدمتها وحصول المشاق من حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك . (*)
[ 405 ]
ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجوار وهذا الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة كما مر وإنما قدم الولد الصغير في النفقة لأن مبنى التقديم فيها على الأحوجية مع الأقربية بدليل عدم دخول حجب النقصان فيه مع وجود الأبوين (خد ه طب ك عن المقدام) بن معد يكرب وفيه إسماعيل بن عياش قال الحاكم إنما نقم عليه سوء الحظ فقط وقال الهيثمي هو ضعيف قال ابن حجر وأخرجه البيهقي بإسناد حسن . 1947 - (إن الله يوصيكم بالنساء خيرا) (1) كرره ثلاثا ووجهه بقوله (فإنهن أمهاتكم) أي منهن أمهاتكم وكذا ما بعده (وبناتكم وخالاتكم) اقتصر عليه إشارة إلى أن جهة الأم آكد وإن شاركتهن العمات في أصل الوصية (إن الرجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل يعني من اليهود والنصارى (يتزوج امرأة وما تعلق (2) يداها الخيط) كناية عن شدة فقرها بحيث لا تملك حتى ما لا قيمة له كالخيط والقصد به المبالغة (فما يرغب واحد منهما عن صاحبه) حتى يموت كما في رواية إن أهل الكتاب يتدينون بذلك يتزوج الواحد منهم المرأة من صغرها وقلة رفقها فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فأراد حث أصحابه على الوصية بالنساء والصبر عليهن كذا في النهاية (طب) من حديث يحيى بن جابر (عن المقدام) بن معد يكرب قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال الهيثمي رجاله ثقات إلا أن يحيى لم يسمع من المقدام ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى فاقتصار المصنف على الطبراني غير حميد . 1948 - (إن الإبل) بنوعيها عرابا وبخاتي (خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا) قال ابن جرير معناه أنها خلقت من طباع الشياطين وأن البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفره ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت ؟ انتهى (3) وقال الزمخشري عن الجاحظ زعم بعضهم أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن بهذا الحديث وغلطوا وإنما ذلك لأن للشيطان فيها متسعا حيث سيقت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرهم أغرتهم أيضا (1) أي بأن تحسنوا إليهن بإحسان معاشرتهن وتوفوهن ما يجب لهن . (2) تعلق بفتح المثناة الفوقية وضم اللام أي لا يكون في يدها شئ من الدنيا حتى يموتاكما في رواية ، يعني أهل الكتاب يتزوج أحدهم المرأة الفقيرة جدا فيصير عليها ولا يفارقها إلا بالموت فافعلوا ذلك ندبا إلا لعذر كأن كانت سيئة الخلق فلا تكره المفارقة . (3) إذا أدركتم ركوبا قسموا الله ، فإن التسمية تطرد ذلك الشيطان . اه . (*)
[ 406 ]
على إغفال ما لهم من حق جميل الصبر على الرزية بها وسولت لهم في الجانب الذي يستعملون فيه نعمتي الركوب والحلب أنه الآثام وهو بالحقيقة الأيمن انتهى (ص عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي ثقة عابد ناسك مخلص يسبح الله كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وعمرو وثوبان وغيرهم . 1949 - (إن الأرض لتعج إلى تعالى) بعين مهملة مكسورة وجيم أي لترفع صوتها بالشكاية إليه بلسان الحال أو القال والقدرة صالحة (من الذين يلبسون الصرف رياء) أي القوم الذي يلبسونه إيهاما للناس أنهم من الصوفية الصلحاء الزهاد ليعتقدوا ويفتقدوا ويحترموا ويعظموا ولذلك كره مالك كما قال ابن بطال لبس الصوف لمن وجد غيره لما فيه من الشهوة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه لكن يأتي في أخبار الترغيب في لبسه أي إذا خلا عن الرياء واقترن به قصد صالح وبه يرتفع التعارض ويحصل الجمع والحديث المشروح فيما اقترن برياء أو جعله مصيدة للحطام أو طريقا للتوقير والإعظام أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة دخل فرقد السنجي على الحسن وعليه كساء صوف وعلى الحسن حلة فجعل يلمسها فقال له الحسن مالك ؟ ثيابي ثياب أهل الجنة وثيابك ثياب أهل النار بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ثم قال الحسن جعلوا الزهد في ثيابهم والكبر في صدورهم والذي يحلف به لأحدهم أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطروفه ولذلك أشار ذو النون بقوله : تصوف فازدهى بالصوف جهلا * * وبعض الناس يلبسه مجانه يربك مهانة ويريد كبرا * * وليس الكبر من شأن المهانة تصوف كي يقال له أمين * * وما معنى تصوفه الأمانة ولم يرد الإله به ولكن * * أراد به الطريق إلى الخيانة قال في عين العلم الملخص من الإحياء والرياء طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة وفي لباب الأحياء والقول الحق فيه أنه طلب الجاه ويكون الرياء بالقول والعمل والهيئة والملبس كإظهار النحول وإبقاء أثر السجود ولبس الصوف والوعظ وتطويل الصلاة وتكثير التلامذة وقد أجمع على تحريمه (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي مصرحا ، فعزو المصنف الحديث للفرع واضرابه عن الأصل صفحا تقصير أو قصور وفي الميزان ما محصوله أنه خبر باطل . اه . ولعله لأن فيه سهل بن عمار قال في الضعفاء رماه الحاكم بالكذب وعباد بن منصور وقد ضعفوه . 1950 - (إن الأرض لتنادي كل يوم) من على ظهرها من الآدميين (سبعين مرة) بلسان الحال ولا
[ 407 ]
مانع من كونه بلسان القال إذ الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في كل جزء من الجماد وقياس نظائره أنه أراد بالسبعين التكثير لا التحديد جريا على عادتهم في أمثاله (يا بني آدم كلوا ما شئتم) أن تأكلوا من الأطعمة اللذيذة (واشتهيتم) أي توسعوا في الاسترسال مع الشهوات والإكباب على اللذات فالعطف من قبيل علفتها تبنا وماءا باردا وهذا أمر وارد على منهج التهكم نحو * (اعملوا ما شئتم) * [ فصلت : 40 ] (فو الله) إذا صرتم في بطني (لآكلن لحومكم وجلودكم) أي لآذيبن لحومكم وجلودكم وجميع أجزائكم واقتصر عليهما لأنهما المعظم فهذا متسخط متوعد والأرض لا تتسخط على الأنبياء والأولياء بل تفخر بكونهم على ظهرها فإذا صاروا ببطنها ضمتهم ضمة الولدة الوالهة الواجدة على ولدها ، فالنداء لمن أكل منها بشهوة ونهمة لأنها سخرت لنا لنشكر لا لنكفر فالشكور محبوب والكفور ممقوت فإذا غفل عن ذلك فقد أكل منها بغير حق فسلطت عليه لتأكله كما أكل منها بغير حق فمن أكل بالله ولله وفي الله فالأرض أذل وأقل من أن تجترئ عليه (الحكيم) الترمذي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . 1951 - (إن الإسلام بدأ) ضبطه النووي بالهمز من الابتداء في تاريخ قزوين للرافعي إن قرئ بغير همز فظاهر ، يقال بدا الشئ يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية ، ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفورهم عن عقر الديار يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة ما كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ، ذكره جمع ، وقال الطيبي إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته ، فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره ، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن
[ 408 ]
أهلهم وعشيرتهم قيل وهم أصحاب الحديث يعني كون الإسلام غريب ليس منقصة عليهم بل سبب لتقريبهم في الآخرة اه وهو تخصيص بغير مخصص قال الكلاباذي وإذا صار الأمر إلى هذا كان المؤمن في زمن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق لأهله ووطنه (م ه عن أبي هريرة) لكن لفظة رواية مسلم في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وفي رواية له من حديث ابن عمر إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها انتهى بنصه وبتأمله يعرف أن المؤلف تساهل في عزوه لمسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة (ت ه عن ابن مسعود) عبد الله (ه عن أنس) بن مالك (طب) عن سلمان الفارسي (وسهل بن سعد) الساعدي (وابن عباس) ترجمان القرآن ولم يخرجه البخاري وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن . 1952 - (إن الإسلام بدأ جذعا) بجيم وذال معجمة أي شابا فتيا والفتي من الإبل ما دخل في الخامسة ، ومن بقر ومعز في الثانية ، وضأن ما تم له عام (ثم ثنيا) هو من الإبل ما دخل السادسة ومن البقر الثالثة (رباعيا) بالتخفيف وهو من الإبل ما دخل في السابعة (ثم سديسا) من الإبل ما دخل في الثامنة (ثم بازلا) من الإبل ما دخل في التاسعة وحينئذ تكمن قوته قال عمر وما بعد البزال إلا النقصان أي فالإسلام استكمل قوته وبعد ذلك يأخذ في النقص واعلم أن الأرض كانت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مظلمة مطبقة وأنوار الإيمان غائبة عن الأرض موجودة عند الملائكة وأهل الإيمان بالغيب فلما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم طلعت بظهوره شمس الإيمان بمكة فاستنار به من قبل من نوره بالإيمان به فلم يزل الدين يظهر شيئا فشيئا لكن بحكم الضعف لأنه طلع في سحاب متراكم بعضه على بعض فلم يزل كذلك مرة يظهر ومرة يخفى حتى هاجر من هاجر من أصحابه وبقي المستضعفون بمكة حتى ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وافتتح الأقطار شيئا بعد شئ حتى فتح مكة واتصل النور وانفتح حتى توفي وبقي الفتح ظاهرا حتى غمر الأرض بوجود نوره عند خلفائه والقائمين به من بعده فلما ضعف الإيمان الذي هو النور بقبضه عن الخلق لمخالفتهم ظهر سلطان الليل حتى يأتي وعيد الله (حم) من حديث علقمة بن عبد الله المزني (عن رجل) أي قال حدثني رجل قال : كنت في مجلس فيه عمر بالمدينة فقال لرجل من القوم كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام قال : سمعته يقول فذكره قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات . 1953 - (إن الإسلام نظيف) نقي من الدنس (فتنظفوا) أي نقوا ظواهركم من دنس نحو مطعم وملبس حرام وملابسة قذر وبواطنكم بإخلاص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء وقلوبكم من
[ 409 ]
نحو غل وحقد وحسد (فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) أي طاهر الظاهر والباطن ومن لم يكن كذلك طهرته النار ثم لا بد من حشر عصاة الموحدين مع الأبرار في دار القرار فالمنفي الدخول الأولى (خط عن عائشة) وفيه ضعف . 1954 - (إن الأعمال) أي الأعمال القولية والفعلية (ترفع) إلى الله تعالى (يوم الاثنين و) يوم (الخميس) أي ترفع في كل اثنين وخميس (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) أخذ منه القسطلاني تبعا لشيخه البرهان ابن أبي شريف مشروعية عنه الاجتماع للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة والاثنين كما يفعل في الجامع الأزهر ورفع الصوت بذلك لأن الليلة ملحقة باليوم ولأن اللام في الأعمال للجنس فيشمل الذكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء لا سيما في ليلة الاثنين فإنها ليلة مولده صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن مرزوق إنها أفضل من ليلة القدر انتهى ، وأقول لا يخفى ما في الأخذ المذكور من البعد والتعسف (الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب (عن أبي هريرة هب عن أسامة بن زيد) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي بلفظ تعرض الأعمال في يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم . 1955 - (إن الإمام) الأعظم (العادل) بين رعيته وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ، والعدل القصد في الأمور (إذا) مات و (وضع في قبره) على شقه الأيمن (ترك على يمينه) أي لم تحوله عنه الملائكة ما دام فيه (فإذا كان جائرا نقل من يمينه على يساره) أي وأضجع على يساره فإن اليمين يمن وبركة وهو مختار الله ومحبوبه فهو للأبرار ، والشمال يتشاءم به فهو للفجار والظاهر أن المراد بالإمام العادل ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر بن عبد العزيز) الأموي الإمام العادل (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . 1956 - (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم وعن ابن مسعود
[ 410 ]
أنه قيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن ظهر لنا شئ نأخذ به ، قال النووي حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين . (تنبيه) عدوا من ثمرات سوء الظن المنهي عنه التجسس فإن القلب المريض لا يقع بالظن فيتطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس فيقع في سوء الظن بالذم (د) في الأدب (ك) في الحدود كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش (عن جبير بن نفير) بنون وفاء مصغرا ابن مالك الحضرمي الحمصي ثقة جليل أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باليمن وروى عن أبي بكر وعمر ولأبيه صحبة قال في التقريب لأنه ما وفد إلا في عهد عمر ، وقال أبو زرعة جبير هذا عن أبي بكر مرسل (وكثير بن مرة) الحضرمي الجهيني الحمصي قال الذهبي أورده عبدان في الصحابة وهو تابعي مشهور قد أرسل ، انتهى ، وسبقه ابن الأثير في الأسد فقال عن أبي موسى كثير هذا حديثه مرسل ولم يذكره في الصحابة غير عبدان وفي التقريب كثير ثقة من الثالثة (والمقدام وأبي أمامة) ورواه أيضا أحمد والطبراني عنهما ورجاله ثقات ذكره الهيثمي . 1957 - (إن الإيمان ليخلق) أي يكاد أن يبلى (في جوف أحدكم) أيها المؤمنون (كما يخلق الثوب) وصفه على طريق الاستعارة شبه الإيمان بالشئ الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكرا يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا الله فقلت كذا لا إله إلا الله فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به (طب) عن ابن عمر بن الخطاب قال الهيثمي وإسناده حسن (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم ورواته ثقات وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه حديث حسن من طريقيه . 1958 - (إن الإيمان ليأرز) بلام التوكيد ثم همزة ساكنة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة أي لينضم ويلتجي (إلى المدينة) النبوية يعني يجتمع أهل الإيمان فيها وينضمون إليها وفيه أن الإيمان يزيد وينقص (كما تأرز الحية إلى جحرها) بضم الجيم أي كما تنضم وتلجأ إليه إذا انتشرت في طلب ما تعيش به فراعها شئ فرجعت إلى جحرها فكذلك أهل الإيمان يقال أزرت الحية إذا رجعت إلى ذنبها القهقرى شبه انضمامهم إليها بانضمام الحية إذا رجعت لأن حركتها أشق لمشيها على بطنها والهجرة إليها كانت مشقة كما يشير إليه لفظ يأرز الذي حروفه شديدة دون تنضم قال القاضي معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة لأن في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه جاء المدينة مهاجرا
[ 411 ]
متوطنا أو متشوقا إلى رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومستقربا ثم بعد هذا في زمن الخلفاء كذلك ثم من بعدهم من العلماء لأخذ السنن عنهم ثم في كل وقت إلى زمننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه فلا يأتيها إلا مؤمن ثابت الإيمان وفي التشبيه رمز إلى أنهم ينضمون إليها بلا عوج كدخول الحية جحرها فإنه بلا عوج ، قيل وأراد بالمدينة جميع الشام لأنها منه وخصها لشرفها ، ثم قيل إن ذا يعم كل زمن وقيل يختص بحياته ثم القرون الثلاثة بعده وفيه صحة مذهب أهلها وسلامتهم من البدع إلى آخر زمن الخلفاء الراشدين (حم ق ه عن أبي هريرة) ورواه مسلم من طريق أخرى بلفظ ليأرز بين المسجدين ورواه البغوي في المعجم بلفظ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين وفي الباب سعد بن أبي وقاص وغيره . 1959 - (إن البركة تنزل في وسط الطعام) بسكون السين قال الحافظ العراقي يحتمل إرادة الإمداد من الله تعالى (فكلوا) ندبا (من حافاته) أي جوانبه وأطرافه كل يأكل مما يليه (ولا تأكلوا من وسطه) (1) ندبا لكونه محل تنزلات البركة قال ابن العربي البركة في الطعام تكون بمعان كثيرة منها استمراء الطعام ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه فتتقذر النفس منه ومنها أنه إذا أخذ الطعام من الجوانب يتيسر عليه شيئا فشيئا وإذا أخذ من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب ومنها ما يخلق الله من الأجزاء الزائدة فيه (ت ك) في الأطعمة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 1960 - (إن البيت) يعني الموضع (الذي فيه الصور) أي ذوات الأرواح وإن لم يكن لها ظل عند الجمهور لا صورة ما لا روح فيه كشجر (لا تدخله الملائكة) ملائكة الرحمة والبركة ، لا الحفظة فإنهم لا يفارقون وذلك زجر لصاحب البيت ولأن في اتخاذها تشبها بالكفار فإنهم يتخذونها في بيوتهم ويعظمونها فتصوير ما له روح حرام كما مر ويجئ ، وشمل الحديث الصور الممتهنة كالتي على البسط وبه صرح الخطابي لكن نازع فيه بعضهم وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لانها لم تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فهو أولى (مالك) في الموطأ (ق عن عائشة) قالت : اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله (ص) قام على الباب فلم يدخل فعرف أو عرفت في وجهه الكراهة فقلت : يا رسول الله أتوب الى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت قال : فما بال هذه النمرقة ؟ (1) أي في أبتداء الاكل أي يكره ذلك تنزيها والخطاب للجماعة أما المنفرد فيأكل من الحاقة التي تليه ، وعليه تنزل رواية حافته بالافراد . (*)
[ 412 ]
قلت اشتريتها لك تقعد عليها وتتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون فيقال لهم أحييوا ما خلقتم ثم قال إن البيت إلخ . 1961 - (إن البيت الذي يذكر الله فيه) بأي نوع من أنواع الذكر (ليضئ لأهل السماء) أي الملائكة (كما تضئ النجوم لأهل الأرض) أي كإضاءتها لمن في الأرض من الآدميين وغيرهم من سكانها ثم يحتمل أن المراد يضئ حالة الذكر فيه ويحتمل دوام الإضاءة وعبر بالمضارع ليفيد التجدد والحدوث وهذه الإضاءة إما حقيقة أو من مجاز التشبيه كما حكي عن القرطبي والإضاءة فرط الإنارة والإشراق فهي أعلى من النور بدليل * (جعل الشمس ضياء والقمر نورا) * [ يونس : 5 ] (أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن سابط) بن أبي حميصة بن عمرو بن وهب بن حذافة القرشي والد عبد الرحمن . 1962 - (إن الحجامة في الرأس) أي في وسطه (دواء من كل داء) وأبدل منه قوله (الجنون والجذام) بضم الجيم الداء المعروف (والعشا) بفتح العين والقصر أي ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلا والظاهر أن المراد هنا الأول قال في الصحاح وغيره العشا مقصور الأعشى وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والعشوى الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شئ وركب فلان العشوى إذا خبط أمره على غير بصيرة وعشا إلى النار إذا استدل عليها ببصر ضعيف وعشا عنه أعرض ومنه قوله تعالى : * (ومن يعش عن ذكر الرحمن) * [ الزخرف : 36 ] وفسر بعضهم الآية بضعف البصر يقال عشا يعشو إذا ضعف بصره (والبرص) الأبيض والأسود على ما اقتضاه الإطلاق وهو بثر يعرض في البشرة يخالف لونها وسببه سوء مزاج الإنسان وخلل في طبيعته كما ذكر الأطباء أن من اقتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه (والصداع) وجع الرأس كما في الصحاح وغيره يروى أن هذا ونحوه مخصوص بأهل الحجاز وما يجري مجراهم من الأقطار الحارة (طب عن أم سلمة) أم المؤمنين . 1963 - (إن الحياء والإيمان في قرن) لا ينفك أحدهما عن الآخر أي مجموعان متلازمان (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) أي إذا نزع من العبد الحياء تبعه الإيمان وعكسه وأصل السلب بالسكون الأخذ قال في البارع والسلب بالفتح كل ما على الإنسان من لباس قال الزمخشري ومن المجاز سلبه فؤاده وعقله واسلبه وهو مسلوب العقل وشجرة سليب أخذ ورقها وثمرها وناقة سلوب أخذ ولدها
[ 413 ]
(هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن حبان كان يضع على الثقات قال الذهبي قلت انكشف عندي حاله والمعلى بن الفضل أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير . 1964 - (إن الحياء والإيمان قرنا جميعا) ببناء قرنا للمفعول أي جمعهما الله تعالى ولازم بينهما فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر ، قال في الصحاح وغيره قرن الشئ بالشئ وصله به وقرن بينهما جمعهما والاسم القران بالكسر قال الزمخشري ومن المجاز هي قرينة فلان لامرأته وهن قرائنه أي زوجاته (فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) ومن أمثالهم وجه بلا حياء عود قشر ليطة أو سراج في سليطة ، ومحصول الخبر أن عدم الحياء يدل على عدم الإيمان وقلته تدل على ضعفه وكثرته على قوته (ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه جرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال تغير قبل موته . 1965 - (إن الخصلة) بفتح الخاء المعجمة (الصالحة) من خصال الخير (تكون في الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان في هذا وفيما بعده (فيصلح الله له بها عمله كله (1) وطهور الرجل) بضم الطاء أي وضوؤه وغسله من الجنابة ومن الخبث (لصلاته) أي لأجلها (يكفر الله به ذنوبه) أي صغائره (وتبقى صلاته له نافلة) أي زيادة في الأجر وإذا كان هذا في خصلة واحدة فكيف إذا اجتمع فيه خصال كثيرة ومقصود الحديث أن الطهارة من حدث أو خبث للقيام إلى الصلاة فرضها ونفلها يكفر الله به الخطايا والمراد بها الصغائر لا الكبائر كما سيجئ تحقيقه وظاهر الحديث أن الوضوء المجدد ليس من المكفرات والنفل التطوع ومنه نافلة الصلاة كما في الصحاح وغيره وقال الزمخشري تنفل المصلي تطوع وهو يصلي النافلة والنوافل وتنفل على أصحابه أخذ من النفل أكثر مما أخذوا (ع طس هب عن أنس) قال الهيثمي فيه بشار بن الحكم ضعفه أبو زرعة وابن حبان وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به . 1966 - (إن الدال على الخير كفاعله) يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف (1) كما يصلح النحاس ونحوه بالاكسير يوضع عليه ، ولينظر كيف الإصلاح هل هو ترك المؤاخذة على السيئات بسبب الخصلة الحميدة أم قلبها حسنات والإثابة عليها ؟ كل محتمل وظاهر قوله تعالى * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * [ الفرقان : 70 ] يرجح الثاني وإذا كان هذا فيمن حوى خصلة واحدة من الخصال الحميدة فما بالك بمن حوى على خصال كثيرة من ذلك اه . (*)
[ 414 ]
كما يأتي قال الراغب والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشئ وقال الزمخشري دللته على الطريق أهديته إليه قال ومن المجاز الدال على الخير كفاعله ودله على الصراط المستقيم اه . ويدخل في ذلك دخولا أوليا أولويا من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس أو افتاء (ت) واستغربه (عن أنس) قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد ما يحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فذكره وهذا رواه أحمد أيضا قال الهيثمي وفيه ضعف ومع ضعفه لم يسم الرجل (1) . 1967 - (إن الدنيا ملعونة (2) أي مطرودة مبعودة عن الله تعالى فإنه ما نظر إليها منذ خلقها (ملعون ما فيها) مما شغل عن الله تعالى وأبعد عنه لا ما قرب إليه فإنه محمود محبوب كما أشار إليه قوله (إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله من الدنيا وهو العمل الصالح والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا (وعالما أو متعلما) بنصبهما عطفا على ذكر الله تعالى ووقع للترمذي عالم أو متعلم بلا ألف لا لكونهما مرفوعين لأن الاستثناء من موجب بل لأن عادة كثير من المحدثين اسقاط الألف من الخط قال الحكيم نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شئ أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة (ت ه) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب قال المناوي وسندهما جيد . 1968 - (إن الدين) بكسر الدال وهو دين الاسلام (النصيحة) (3) أي هو عماده وقوامه : كالحج (1) قيل أوحى الله جل جلاله إلى داود عليه السلام يا داود إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ، ذكره الفشني . (2) قال العلقمي قال الدميري قال أبو العباس القرطبي لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا لما روينا من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعدا عن الله وشاغلا عنه كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه على ذمه بقوله تعالى * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) * ، وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله جل جلاله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إلا ذكر الله وما والاه اه . (3) ما ذكر من الاوصاف في النصيحة لله فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فأن الله غني عن نصح الناصح ، (*)
[ 415 ]
عرفة ، فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تبق من الدين شيئا كما سيجئ ، قال بعض وهي تحري الإخلاص قولا وفعلا وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له ، وهذه الكلمة مع وجازتها في كلامهم أجمع منها ، ثم لما حكم بأن النصيحة هي الدين قال مفسرا مبينا (لله) بالإيمان به ونفي الشريك ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك ، فمن النصيحة لله أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش ، والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم وجاهلة وهو عليم وعاجزة وهو قدير وعبدة وهو رب وفقيرة وهو غني ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه فمن شبهه بشئ من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته ولم ينصح له ومن أضاف شيئا إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها (ولكتابه) مفرد مضاف فيعم سائر كتبه وذلك يبذل جهده في الذب عنه من تأويل الجاهلين وانتحال المطلين بالوقوف عند أحكامه (ولرسوله) بالإيمان بما جاء به ونصرته حيا وميتا وإعظام حقه وبث دعوته ونشر سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتأدب بآدابه وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه (ولأئمة المسلمين) الخلفاء ونوابهم بمعاونتهم على الحق وإطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين وترك الخروج عليهم والدعاء بصلاحهم (وعامتهم) بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عورتهم وسد خلتهم وأمرهم بالمعروف ولكتابه : أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شئ من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم أي بالإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء طريقته وسنته ونفي التهمة عنها والتفهم في معانيها والدعاء إليها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عند الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه رضوان الله عليهم ، ولأئمة المسلمين أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم وأداء الصدقات لهم كما ذكر المناوي وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم ، وعامهم كما في الشرح إلى أن قال وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل قال النووي والنصيحة فرض كفاية وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة الله اه . (*)
[ 416 ]
ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولا بالله لان الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الامر الذين هم خلفاء الانبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم . (تنبيه) قال ابن عربي : إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحتة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها ، قال فمن ثم قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الاصابة وما في المكارم الاخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة (1) (حم م) في الايمان (د) في الادب (ن) في البيعة كلهم (عن تميم) بن أوس (الداري) نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانيا فوفد على النبي (ص) وأسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر (ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس) قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظا اطنب معنى لان سائر الاحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلا وفرعا وعملا واعتقادا فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسره * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [ الانعام : 38 ] ولم يوفه حقه من جعله ربع الاسلام بل هو الكل . 1969 - (إن الدين) بكسر الدال (يسر) أي دين الاسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للاديان قبله لرفع الاصر عن هذه الامة (ولن يشاد) أي يقاوم (1) وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي الله تعالى عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشأنه وقال الفضيل المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا والله الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه ، فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ . (*)
[ 417 ]
(الدين أحد إلا غلبه) (1) أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق كالرهبان في الصوامع إلا عجز فغلب عليه العبد من العجز والمعبود من عظم الأمر وليس المراد ترك طلب الأكمل في العبادة فإنه محمود بل منع الإفراط المؤدي للملال وأعلم أن لفظة أحد ثابتة في خط المؤلف وهي ساقطة في جمهور نسخ البخاري قال ابن حجر في روايتنا بإسقاط الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفي رواية الأصيلي وعليه فالدين منصوب وأما على رواية الجمهور فروي بنصبه على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وروي برفعه وبناء يشاد لما لم يسم فاعله ذكره في المطالع ورده النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بأنه بالنسبة لرواية المغاربة والمشارقة (فسددوا) الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط (وقاربوا) بموحدة تحتية لا بنون أي لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (وأبشروا) بهمزة قطع قال الكرماني وجاء في لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قل وأبهم المبشر به تعظيما وتفخيما (واستعينوا بالغدوة والروحة) بفتح أولهما أي واستعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في وقت النشاط كأول النهار وبعد الزوال وأصل الغدوة السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال (وشئ من الدلجة) بضم وسكون قال الزركشي والكرماني كذا الرواية ويجوز فتحهما لغة أي واستعينوا عليها بإيقاعها آخر الليل أو والليل كله بدليل تعبيره بالتبعيض وهذه أطيب أوقات المسافر لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا فنبهه على أوقات نشاطه وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا بالحقيقة دار نقلة للآخرة وهذه الأوقات أروح ما يكون فيها البدن للعبد بعض الشراح وقال البيضاوي الروحة والغدوة والدلجة استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة ومن الطبيعة إلى الشريعة ومن الغيبة إلى الحضور ، وقال الكرماني كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب مسافرا انقطع طريقه إلى مقصده فنبهه إلى أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله لأن هذه أوقات المسافر على الحقيقة فالدنيا دار نقلة وطريق إلى الآخرة فنبه الأمة على اغتنام أوقات فرضهم (خ ن) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال جمع هذا الحديث من جوامع الكلم . (1) قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل منتطع في الدين ينقطع اه قال في الفتح وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة إلى أن خرج الوقت وفي حديث محمد بن الأذرع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسره ، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا التعصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلاميهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة . (*)
[ 418 ]
1970 - (إن الذكر في سبيل الله يضعف) بالتضعيف وتركه (فوق النفقة سبعمائة ضعف) أي أجر ذكر الله في الجهاد يعدل ثواب النفقة فيه ويزيد سبعمائة ضعف وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله فإنه أحد السلاحين بل أحد السنانين (حم طب عن معاذ بن أنس) الجهني والد سهل . 1971 - (إن الرجل) (1) بضم الجيم وفيه لغة بسكونها وذكر الرجل وصف طردي والمراد المكلف رجلا أم امرأة إنسيا أم جنيا وكذا يقال فيما بعده (ليعمل عمل) أهل (الجنة) من الطاعات (فيما يبدو للناس) أي فيما يظهر لهم (2) قال الزركشي وهذه زيادة حسنة ترفع الإشكال من الحديث (وهو من أهل النار) بسبب دسيسة باطنة لا يطلع الناس عليها (3) (وإن الرجل ليعمل عمل) أهل (النار) من (1) وسببه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال أي رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وبعد فراغ القتال في ذلك اليوم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه وشاذة وفاذة بتشديد المعجمة : ما انفرد عن الجماعة ، وهما صفة لمحذوف أي نسمة شاذة ولا فاذة - فقال - أي بعض القوم - ما أجزأ اليوم أحد كما أجزأ فلان - أي ما أغنى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل أنا أصاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه فإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فجعل نصل سيفه بالأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل الذي تبعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم وما ذاك ؟ قال الرجل الذي ذكرته آنفا إنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل فذكره وقد استشكل ما ذكر من كون الرجل من أهل النار بأنه لم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطلع على كفره في الباطن وأنه استحل قتل نفسه اه . (2) قال العلقمي قال شيخ شيوخنا هو محمول علي المنافق والمرائي اه . (3) كما وقع لبرصيصا العابد ، حكي أنه كان له ستون ألفا من التلامذة وكانوا يمشون في الهواء وكان يعبد الله تعالى حتى تعجبت منه الملائكة فقال لهم الله تعالى لماذا تتعجبون منه إني أعلم ما لا تعلمون في علمي أنه يكفر ويدخل النار أبد الآبدين فكان الأمر كما قال الله تعالى ، وقصته مشهورة . وكسحرة فرعون (*)
[ 419 ]
المعاصي (فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة) لخصلة خير خفية تغلب عليه آخر أثر عمره فتوجب حسن الخاتمة أما باعتبار ما في نفس الامر فالاول لم يصح له عمل قط لانه كافر باطنا وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج لنية صحيح وما يحتاجها باطل من حيث عدم وجودها . قال النووي فيه التحذير من الاغترار بالاعمال وأن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق وكذا يبنغي للعاصي أن لا يقنط من رحمة ربه (ق عن سهل) بن سعد الساعدي (زادخ) في روايته على مسلم (وإنما الاعمال بخواتيمها) فعلى الخاتمة سعادة الاخرة وشقاوتها ، قيل ولا تنكشف إلا بدخول الجنة وقيل بل تستبين في أول منازل الاخرة وقال الزمخشري هذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقدير أي إن العمل السابق غير معتبر والمعتبر العمل الذي ختم به اه . 1972 - (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار) أي يعمل عمل أهل النار في آخر عمره فيدخلها قال الأكمل والزمن الطويل هو مدة العمر وهو منصوب على الظرفية (وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة) أي يعمل عمل أهل الجنة في آخر عمره فيدخلها واقتصر هنا على ذين مع أن الأقسام أربعة لظهور حكم القسمين الآخرين من عمل بعمل أهل الجنة والنار من أول عمره إلى آخره وقد اختلف السلف فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينه ومنهم من راعى حكم الخاتمة وجعلها نصب عينه قيل والأول أولى لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل وفساده عندها وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها (م عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وابن عمر وعائشة وغيرهم . 1973 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه (ما) نافية (يظن أن تبلغ ما بلغت) من رضى الله بها عنه (فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) أي عاشوا كفارا ثم ختم لهم بالايمان ، قال قتادة كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة ، ثم إن من لطف الله تعالى وسعة رحمته أن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندرة ونهاية القلة ولا يكون إلا لمن أصر على الكبائر ، قال بعضهم ومن علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعا ، ومن علامات السوة والعياذ بالله تعالى أن تحمر عيناه وتزبد شفتاه ويغط كغطيط البكر اه (*)
[ 420 ]
بقية عمره وحتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط) بضم فسكون (الله) أي مما يسخط الله أي يغضبه (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) من سخط الله (فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة بأن يختم له بالشقاوة ويصير معذبا في قبره مهانا في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار وبئس الورد المورود قال الطيبي ومعنى كتبه رضوانه توفيقه لما يرضي الله من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات فيعيش في الدنيا حميدا وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيدا ويظله الله في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم في الجنة ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه وعكسه قوله فيكتب الله عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى لإبليس * (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) * [ ص : 78 ] قال الشافعي ينبغي للمرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به ويتدبر عاقبته فإن ظهر له أنه خير محقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى منهي عنه أتى به وإلا سكت واختلف في قوله سبحانه وتعالى * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [ ق : 18 ] فقيل يشمل المباح فيكتب وقيل لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب (مالك) في الموطأ (حم ت ن حب ك) من حديث علقمة بن أبي وقاص (عن بلال بن الحارث) المزني الصحابي وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم في مزينة وأقطعه العتيق وأصل ذلك أن علقمة مر برجل من أهل المدينة له شرف وهو جالس بسوق المدينة فقال علقمة يا فلان إن لك حرمة وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء فتتكلم عندهم وإني سمعت بلال بن الحرث يقول فذكره ثم قال علقمة انظر ويحك ما تقول وما تتكلم به فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من ذلك . 1974 - (إن الرجل ليوضع الطعام) ومثله الشراب (بين يديه) ليأكل أو يشرب (فما يرفع يده حتى يغفر له) قيل يا رسول الله وبم ذاك قال (يقول بسم الله إذا وضع الحمد لله إذا رفع) أي يغفر له بسبب قوله عند ابتداء الأكل بسم الله وعند فراغه منه الحمد لله غفران الصغائر عند الشروع في الأكل والحمد عند الفراغ منه سنة مؤكدة وإنما أناطهما في الحديث بالوضع والرفع لكون الوضع يعقبه الشروع في الأكل بلا فاصل غالبا والفراغ يعقبه الرفع كذلك لأن التسمية والحمد يطلبان عند الوضع والرفع (تنبيه) عدوا من خصائص هذه الأمة أن المائدة توضع بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم (الضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الوارث مولى أنس (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي وعبد الوارث ضعيف وفيه أيضا عبيد بن العطار ضعفه الجمهور .
[ 421 ]
1975 - (إن الرجل) يعني الإنسان (ليحرم) بالبناء للمفعول أي يمنع وحذف الفاعل في مقام منع الرزق أنسب (الرزق) أي بعضه يعني ثواب الآخرة أو نعم الدنيا من نحو صحة ومال بمعنى محق البركة منه (بالذنب يصيبه) وفي رواية بذنبه أي بشؤم كسبه للذنب ولو بأن تسقط منزلته من القلوب ويستولي عليه أعداؤه أو ينسى العلم حتى قال بعضهم إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري ، وقال آخر أعرفه من تغير الزمان وجفاء الإخوان ، ولا يقدح فيه ما يرى من أن الكفرة والفسقة أعظم مالا وصحة من العلماء لأن الكلام في مسلم يريد الله رفع درجته في الآخرة فيعقبه من ذنوبه في الدنيا ، فاللام في الرجل للعهد والمعهود بعض الجنس من المسلمين ذكره المظهر وبه عرف أنه لا تناقض بينه وبين خبر إن الرزق لا ينقصه المعصية ولهذا وجه بعضهم الخبر بأن لله لطائف يحدثها للمؤمن ليصرف وجهه إليه عن اتباع شهوته والانهماك في نهمته فإذا اشتغل بذلك عن ربه حرم رزقه فيكون زجرا له إليه عما أقبل عليه وتأديبا له أن لا يعود لمثله كطفل دعته أمه فأعرض عنها فيعدو إلى لهو فيعثر فيقوم ويعدو إليها راجعا ، قال بعضهم واعلم أن من الحوادث ما ظاهره عنف وباطنه لطف كحرمان الرزق بما يصيبه من الذنب فإن العبد إذا أعرض عن ربه واشتغل بما أسبغ عليه وأحب إقباله عليه حرمه سعة ما بسط له ليخاف فيرتدع ويضيق عليه جهات الرزق فيلجأ إليه ويقبل بالتضرع إليه ومن أراد غير ذلك زاده على ذنبه نعما ليزداد إعراضا وشغلا ، فإن قيل كيف يحرم الرزق المقسوم ؟ قلنا يحرم بركته أو سعته أو الشكر عليه ذكره بعضهم وقال القونوي الذنوب كلها نجاسات باطنه وإن كان لبعضها خواص تتعدى من الباطن إلى الظاهر وهو ما أشار إليه بهذا الحديث ، ولهذا الحديث سر آخر وهو أن الحرمان قد يكون بالنسبة إلى الرزق المعنوي والروحاني وقد يكون من الرزق الظاهر المحسوس (ولا يرد القضاء إلا الدعاء (1) بمعنى أن الدوام على الدعاء يطيب ورود القضاء فكأنه رده ذكره أبو حاتم وهو معنى قول البعض رده للقدر تهوينه حتى يصير القضاء النازل كأنه ما نزل ثم المراد أن الدعاء أعظم أسباب رده فبالنسبة لذلك حصره فيه وإلا فالصدقة تشاركه بدليل باكروا بالصدقة فأن البلاء لا يتخطاها ويأتي نظيره في الحصر المذكور في قوله (ولا يزيد في العمر إلا البر) لأن البر يطيب عيشه فكأنه يزيد في عمره والذنب يكدر صفاء رزقه فكلما فكر في عاقبة أمره فكأنه حرمه أو المراد الزيادة بالنسبة لملك الموت أو اللوح لا لما في علمه تقدس فإنه لا يتبدل (حم ن ه حب ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ثم العراقي وقال المنذري رواه النسائي بإسناد صحيح . (1) بمعنى تهويته وتيسير الأمر فيه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل وفي الحديث الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه ورضاه ومما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو عنده قبل النزول بتأييد من عنده حتى يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به فينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء قال الغزالي فإن قيل ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له ؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن البذر سبب خروج النبات من الأرض وكما أن الترس يرد السهم . (*)
[ 422 ]
1976 - (إن الرجل) الإنسان (إذا نزع ثمرة من) ثمار أشجار (الجنة) أي قطفها من شجرها ليأكلها والنزع القلع أي بقوة كما يفيده قول الزمخشري نزع الشئ من يده جذبه ورجل منزع شديد النزع (عادت مكانها أخرى) حالا بأن يخلق الله تعالى مكان كل ثمرة تقطف ثمرة أخرى ابتداء أو بأن يتولد من الشجرة مثلها حالا لتصير الأشجار مزينة بالثمار أبدا موفرة بها دائما لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا وذلك أفرط لابتهاج أهلها واغتباطهم حيث يتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها وبذلك يتحقق مقدار الغبطة ويتبين موقع النعمة حق التبيين (طب) وكذا الحاكم (عن ثوبان) وكذا رواه عنه البزاز لكنه قال أعيد في مكانها مثلاها على التثنية قال الهيثمي رجال الطبراني وأحد إسنادي البزار ثقات . 1977 - (إن الرجل إذا نظر إلى امرأته) بشهوة أو غيرها على ما اقتضاه الإطلاق والأقرب أن المراد نظر إليها شاكرا لله تعالى أن أعطاه إياها من غير حول منه ولا قوة أو نظر إليها لتتحرك عنده داعية الجماع فيه فيجامعها فتعفه عن الزنا أو تأتي بولد يذكر الله تعالى ويتكثر به الأمم امتثالا لأمر الشارع إلى غير ذلك من المقاصد الدينية التي يترتب عليها الثواب ويظهر أن المراد الحليلة الموطوءة هنا زوجة أو سرية (ونظرت إليه) كذلك (نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة) أي صرف لهما حظا عظيما منها (فإذا أخذ بكفها) ليصافحها أو يقبلها أو يعانقها أو يجامعها وعبر عن ذلك بالأخذ باليد استحياء لذكره لأنه أشد حياء من العذراء في خدرها (تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما) أي من بينهما قال الراغب والخلل الفرجة بين الشيئين أو الأشياء ومنه * (فجاسوا خلال الديار) * [ الاسراء : 5 ] وتساقط الذنوب من بين الأصابع كناية عن كونه لا يفارق كفه كفها إلا وقد شملت ذنوبهما المغفرة والمراد الصغائر لا الكبائر كما يجئ (ميسرة بن علي في مشيخته) المشهورة (والرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه . 1978 - (إن الرجل لينصرف) من الصلاة (وما كتب له) من الثواب (إلا عشر صلاته تسعها) بضم التاء أوله وهو وما بعده بدل مما قبله بدل تفصيل (ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) أراد أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بحسب الخشوع والتدبر ونحو ذلك مما يقتضي الكمال كما في صلاة الجماعة خمس وعشرون وسبع وعشرون وبدأ بالعشر لأنه أقل الكسور قال الغزالي والصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دل عليه هذا الخبر ، والفقيه يقول
[ 423 ]
الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر وفي بعض الروايات إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل أي فيكتب له منها ما عقل فقط وذلك فضل عظيم عند الله لأن صلاته كانت في موجب الأدب أسرع إلى العقوبة منها إلى أن يكتب له ما عقل إذ لا يدري بين يدي من هو حتى يلتفت إلى غيره بقلبه وهو واقف راكع ساجد بجسده قال الحسن البصري كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وقال بعضهم كل صلاة كانت منك عن ظهر غيب مختلط بأنواع العيوب وبدن نجس بأقذار الذنوب ولسان متلطخ بأنواع المعاصي والفضول لا تصلح أن تحمل إلى تلك الحضرة العلية ، وقال إمام الحرمين انظر أيها العاقل هل وجهت قط صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعثتها إلى بيوت الأغنياء وقال الوراق ما فرغت قط من صلاة إلا استحيت حين فرغت منها أشد من حياء امرأة فرغت من الزنا ، وعلم مما تقرر أن مقصود الخبر الزجر عن كل ما ينقص الثواب أو يبطله بالأولى ، وتمسك به من جعل الخشوع شرطا للصحة كالغزالي وأجيب بأن الذي أبان عنه الخبر هو أنه لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح (1) (حم د حب عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة قال العراقي إسناده صحيح ولفظ رواية النسائي إن الرجل يصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد وفي رواية له أيضا منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر قال الحافظ الزين العراقي رجاله رجال الصحيح وسبب الحديث كما في رواية أحمد أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخف بها فقيل له يا أبا القطان خففت فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا : لا قال : قد بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره . (1) وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة وحضور القلب مع الله تعالى ونص على الإتيان للسنن والآداب الزائدة على الفرائض والشرط فإن الصلاة لا تقع صحيحة ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع إلا إذا أتى بهما أي بالفرائض والشروط كاملين فمتى أخل بفرض أو شرط منها لم تصح ولم يكتب له أجر أصلا ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث هل رأيتموني تركت شيئا من حدودها وقوله إني بادرت سهو الشيطان يدل على أن ذهاب تسعة أعشار فضل الصلاة من وسوسة الشيطان وذكره شيئا من الأمور الدنيوية واسترساله في ذكره ومن أعرض عما يذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شئ كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة أعشار من التطوعات كما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يحاسب به الصلاة يقول الله انظروا في صلاة عبدي فإن كانت كاملة حسب له الأجر وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من التطوع فإن كان له تطوع تمت الفريضة من التطوع وهذا كله حيث لا عذر له فأما من سمع بكاء صبي فخفف لأجله فله الأجر كاملا . (*)
[ 424 ]
1979 - (إن الرجل إذا دخل في صلاته) أي أحرم بها إحراما صحيحا (أقبل الله عليه بوجهه (1) أي برحمته وفضله (فلا ينصرف عنه حتى ينقلب) بقاف وموحدة أي ينصرف من صلاته قال في الصحاح المنقلب يكون زمانا ومصدرا كالمنصرف وقلبهم صرفهم قال الزمخشري قلبه قلبا حوله من وجهه ومن المجاز قلب المعلم الصبيان صرفهم إلى بيوتهم (أو يحدث) أي يحدث أمرا مخالفا للدين أو المراد الحدث الناقض والكثرة والجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشئ بعينه وللبعض مثال ويختلف بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله وبعضهم من أفعاله وبعضهم من دقائق علوم المعاملة إلى غير ذلك ، وقال القونوي الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة والله تعالى هو النور وحقيقة العبد ظلمانية ، فالذات المظلمة إذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذاة صحيحة فإنها تكتسب من أنوار الذات النيرة ، ألا ترى القمر الذي هو في ذاته مظلم كثيف كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل في المحاذاة والمقابلة فإذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور فإن تفطنت لذلك عرفت نفاوت حظوظ المصلين من ربهم في صلاتهم وعرفت سر قوله عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عيني في الصلاة . (ه عن حذيفة) ابن اليمان . 1980 - (إن الرجل لا يزال في صحة رأيه) أي عقله المكتسب (ما نصح لمستشيره) أي مدة دوام نصحه له قال الزمخشري : المشورة والمشاورة استخراج الرأي من شرف العسل استخرجته (فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه) فلا يرى رأيا ولا يدبر أمرا إلا انعكس عليه وكان تدميره في تدبيره عقوبة له على خبث ما ارتكبه من غش أخيه المسلم الذي فوض أمره إليه وجعل معوله عليه (ابن عساكر) في ترجمة مالك بن الهيثم أحد دعاة بني العباس (عن ابن عباس) ثم نقل أعني ابن عساكر عن بعضهم ما محصوله أن مالكا هذا كان من الإباحية الذين يرون إباحة المحارم ولا يقولوا بصلاة ولا غيرها وفيه علي بن محمد المدائني قال الذهبي قال ابن عدي ليس بقوي . 1981 - (إن الرجل ليسألني الشئ) أي من أمور الدنيا . كذا قيل ولا دليل عليه (فأمنعه حتى (1) بلطفه وإحسانه ، وحق من أقبل الله عليه برحمته أن يقبل عليه الشواغل الدنيوية والوسواس المفوت لثواب الصلاة . (*)
[ 425 ]
تشفعوا فتؤجروا) الظاهر أنه أراد بالمنع السكوت انتظارا للشفاعة لا المنع باللفظ كما سيجئ في عدة أخبار أنه ما سئل في شئ فقال لا قط ، والمنع ضد الإعطاء والشفاعة المطالبة بوسيلة أو زمام والأجر الإثابة والمثيب هو الله تعالى (طب عن معاوية) بن أبي سفيان . 1982 - (إن الرجل ليعمل أو المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) مثلا (ثم يحضرهما الموت فيضاران) بالتشديد أي يوصلان الضرر إلى وارثيهما (في الوصية) بأن يزيدا على الثلث أو يقصدا حرمان الأقارب أو يقرا بدين لا أصل له (فتجب لهما النار) أيستحقان دخول نار جهنم إن لم يدركهما الله بعفوه ثم قرأ أبو هريرة * (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار) * [ النساء : 12 ] وأخذ بظاهره مالك فأبطل المضارة فيها وإن لم يقصدها قال البعض والمضارة في الوصية من الكبائر (د ت) في الوصية حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب انتهى وشهر أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي لا يحتج به ووثقه ابن معين . 1983 - (إن الرجل ليتكلم الكلمة) الواحدة (لا يرى بها بأسا) أي سوءا يعني لا يظن أنها تعد عليه ذنبا ولا أنه يؤاخذ بها * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) * [ النور : 15 ] (يهوي بها) أي يسقط بسببها (سبعين خريفا في النار) لما فيها من الأوزار التي ليس عند الغافل المسكين منها إشعار ، والمراد أنه يكون دائما في الصعود والهوى ذكره القاضي والهروي فعلى العاقل أن يميز بين أشكال الكلام قبل نطقه فما كان من حظوظ النفس وإظهار صفات المدح ونحو ذلك تجنبه ومن آمن بهذا الخبر حق إيمانه اتقى الله في لسانه وقلل كلامه حسب إمكانه سيما فيما ينهى عن الكلام فيه كبعد العشاء إلا في خير قال الغزالي اللسان إنما خلق لك لتكثر به ذكر الله وتلاوة كتابه وترشد به الخلق إلى طريقه أو تظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك فإذا استعملته لغيسر ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه وهو أغلب أعضائك عليك ولا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستظهر الغاية تؤتك حتى لا يكبك في قعر جهنم انتهى والهوي بضم الهاء وفتحها السقوط من أعلى إلى أسفل ذكره أبو زيد وغيره والخريف هنا عبارة عن السنة والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد (ت ه ك عن أبي هريرة) . 1984 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا ليضحك بها القوم) أي يريد أن يضحكهم (وإنه ليقع بها أبعد من السماء) أي يقع بها في النار أبعد من وقوعه من السماء إلى الأرض قال الغزالي المراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاؤه دون محض المزاح انتهى فعلى العاقل ضبط جوارحه فإنها رعاياه
[ 426 ]
وهو مسؤول عنها جارحة جارحة * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * وإن من أكثر المعاصي عدد وأيسرها وقوعا آثام اللسان إذ آفاته تزيد على العشرين ومن ثم قال تعالى * (وقولوا قولا سديدا) * [ النساء : 9 ] (تنبيه) أخذ الشافعية من هذا الخبر وما أشبهه أن اعتياد أكثر حكايات تضحك أو فعل خيالات كذلك خارم للمروءة راد للشهادة وصرح بعضهم بأنه حرام وآخرون بأنه كبيرة تمسكا بهذا الخبر وفرضه البعض في كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه لأن فيه حينئذ من الإيذاء ما يربو على كثير من الكبائر (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه أبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة وهو ضعيف . 1985 - (إن الرجل إذا مات بغير مولده) أي بأرض غير الأرض الذي ولد بها يعني مات غريبا (فليس له) بالبناء للمفعول يعني أمر الله الملائكة أن تقيس أي تذرع له من مولده أي المكان الذي ولد فيه (إلى منقطع) بفتح الطاء (أثره) أي إلى موضع قطع أجله سمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال : والمرء ما عاش ممدود له أجل * * لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأجل وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر فلا يرى لأقدامه أثر وقوله (في الجنة) متعلق بقيس يعني من مات في غربة يفسح له في قبره مقدار ما بين قبره وبين مولده ويفتح له باب إلى الجنة ومن البين أن هذا الفضل العظيم لمن لم يعص بغربته (ن ه عن ابن عمرو) بن العاص قال مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليته مات في غير مولده فقيل له لم ؟ فقال ذلك . 1986 - (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي افتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه . ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا الفضل بقيام رمضان لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة (حم ت عن أبي ذر حب) قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى مضى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم شيئا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة فذكره وهو بعض حديث طويل قال الترمذي حسن صحيح .
[ 427 ]
1987 - (إن الرجل من أهل عليين) أعلى الجنة وأشرفها من العلو وكلما علا الشئ وارتفع عظم قدره ولذا قال تعالى معظما قدره * (وما أدراك ما عليون) * [ المطففين : 19 ] ويدل عليه قوله (ليشرف) بضم الياء وكسر الراء (على) من تحته من (أهل الجنة) ويدل له خبر الترمذي إن أهل الجنة العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب قال الراغب : عليون اسم أشرف الجنان (فتضئ الجنة) أي يستنير استنارة مفرطة (بوجهه) أي من أجل إشراق إضاء نور وجهه عليها (كأنها) أي كأن وجوه أهل عليين (كوكب) أي كالكوكب (دري) نسبة للدر لبياضه وصفائه أي كأنها كوكب من رد في غاية الإشراق والصفاء والإضاءة وعلم من هذا أن الجنة طبقات بعضها فوق بعض وأن أنفسها وأغلاها أعلاها في الإضاءة والإضاءة فرط الإنارة كما مر والكوكب النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة وكوكب الروضة نورها ذكره في الصحاح قال الزمخشري ومن المجاز در لكوكب طلع كأنه بدر الظلام ودارت النار أضاءت (ه عن أبي سعد) الخدري قال في التقريب إسناده صحيح . 1988 - (إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة) خصها لأن ما عداها راجع إليها إذ الملبس والمسكن من الشهوة (والجماع) فإن قلت كثرة الأكل والشرب في الدنيا مجمع على ذمه فكيف تمدح أهل الجنة فيها بكثرته ؟ قلت إنما كان مذموما في الدنيا لما ينشأ عنه من الفتور والتواني والتثاقل عن فعل العبادات ولما ينشأ عنه من الأمراض من تخمة وقولنج وغيرهما ولما يكسبه كثرة الأكل من الضراوة وأهل الجنة مأمونون من ذلك كله وكل ما في الجنة من أكل وغيره لا يشبه شيئا مما في الدنيا إلا في مجرد الاسم ، ألا ترى إلى قوله (حاجة أحدهم) كنى عن البول والغائط (عرق) بفتح أوله (يفيض من جلده) أي يخرج من مسامه (فإذا بطنه قد ضمر) بفتحات أي انهضم وانضم ، جعل الله سبحانه لهم أسبابا لتصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض - بفتح أوله - من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذلك سبب إنضاحه وقد جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه عرقا أو جشاء إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تتم المعيشة إلا بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شئ والأسباب مظهر أفعاله وحكمه لكنها مختلفة الأحكام في الدارين فأفعاله في الآخرة واردة على أسباب غير الأسباب المعهودة والمألوفة في الدنيا وربما لا يتأمل القاصر ذلك فينكره جهلا وظلما إذ ليست قدرته قاصرة علي أسباب آخر ومسببات تنشأ منها كما لم تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس ذا بأهون عليه من ذلك بل النشأة التي
[ 428 ]
أنشأها بالعيان أعجب من النشأة الثانية الموعود بها إخراج الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن فم ذباب أعجب من إجراءها أنهارا في الجنة بأسباب أخر وإخراج جوهر الذهب والفضة في عروق الجبال أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر وإخراج الحرير من لعاب دود القز وبنائها على نفسها القباب الملونة أعجب من إخراجه من شجرة هناك وجريان البحار بين السماء والأرض فوق السحاب أعجب من جريانها في الجنة بغير أخدود ومن تأمل آيات الله الدالة على كمال قدرته وبديع حكمته ثم وازن بينها وبين ما أخبر في الآخرة وجدهما عن مشكاة واحدة (طب عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي رواته ثقات . 1989 - (إن الرجل) في رواية إن المؤمن (ليدرك بحسن خلقه درجة) أي مثل درجة أي منزلة (القائم بالليل) أي المتهجد فيه (الظامئ الهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم لأنهما يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما من الطعام والشراب والنكاح والنوم والصيام يمنع من ذلك والنفس أمارة بالسوء تدعو إلى ذلك لأن الطعام يتقوى وبالنوم ينمو ، فالصائم والقائم مجاهدان بذلك ومن جمعهما فكأنه يجاهد نفسا واحدة ومن حسن خلقه يجاهد نفسه في تحمل أثقال مساوئ أخلاق الناس لأن الحسن الخلق لا يحمل غير ، خلقه وأثقاله ويتحمل أثقال غيره وخلقه وهو جهاد كبير فأدرك ما أدركه القائم الصائم فاستويا في الدرجة قال الغزالي رضي الله عنه ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك يتم إيمانه ويطيع ربه ويعصي عدوه إبليس (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان وهو ضعيف انتهى ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه . 1990 - (إن الرجل) وفي رواية الطبراني وأبي يعلى الكافر (ليلجمه العرق) أي يصل إلى فيه فيصير كاللجام قال النووي يحتمل عرق نفسه وغيره ويحتمل عرقه فقط لتراكم الأهوال ودنو الشمس من الرؤوس (يوم القيامة) من شدة الهول وذلك يختلف باختلاف الناس فبعضهم يكون ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة وبعضهم يكون عليه لحظة لطيفة لصلاة الصبح كما زاد في رواية الطبراني وأبي يعلى والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو وغيره أن هذا في الكافر وعورض بما في بعض الطرق من أن الناس يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم والأخبار كالصريح في ذلك كله في الموقف وقد ورد أنه يقع مثله لمن يدخل النار قال ابن أبي جمر وظاهر الخبر تعميم الناس بذلك لكن دلت أحاديث أخر على تخصيصه البعض ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار وأصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة للكفار (فيقول رب) بحذف حرف النداء للتخفيف
[ 429 ]
وفي رواية بإثبات حرف النداء (أرحني) من طول الوقوف على تلك الحالة (ولو) بإرسالي (إلى النار) زاد في رواية وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب ، وفيه إشارة إلى طول وقوفهم في ذلك الموقف في مقام الهيئة وتمادي حبسهم في مشهد الجلال والعظمة (طب) وكذا الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي رجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري إسناده جيد . 1991 - (إن الرجل ليطلب الحاجة) أي الشئ الذي يحتاجه ممن جعل الله حوائج الناس إليه كالإمام الأعظم أو بعض نوابه (فيزويها) بتحية فزاي أي يصرفها الله (عنه) فلا يسهل له قال الزمخشري زوى الميراث عن ورثته عدل به عنهم (لما هو خير له) وهو أعلم بما يصلح به عبده * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) * [ البقرة : 216 ] (فيتهم الناس ظلما لهم) بذلك الاتهام وفي نسخ فيتهم الإنسان ظالما له وهو تحريف فإن الأول هو الذي وقفت عليه في نسخة المصنف بخطه (فيقول من شبعني) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والعين بضبط المصنف بخطه يعني من تزين بالباطل وعارضني فيما سألته من الأمير مثلا ليغبطني بذلك ويدخل الأذى والضرر علي بمعارضته ، ففي لسان العرب وغيره ما محصوله تشبع تزين بالباطل كالمرأة تكون للرجل ولها ضرائر فتشبع بما تدعى من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ جارتها وإدخال الأذى عليها قال وكذلك هذا في الرجال ومقصود الحديث أنه ليس بيد أحد من الخلق نفع ولا منع وإنما الفاعل هو الله (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الغفور أبو الصياح وهو متروك . 1992 - (إن الرجل) يعني الإنسان المؤمن ولو أنثى (لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا) أي من أين لي هذا ولم أعمل عملا يقتضيه وفي نسخة أنى لي ولفظ لي ليس في خط المصنف (فيقال) أي تقول له الملائكة أو العلماء هذا (باستغفار ولدك لك) من بعدك ، دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى وكان الظاهر أن يقال لاستغفار ليطابق اللام في لي لكن سد عنه أن التقدير كيف حصل لي هذا فقيل حصل لك باستغفار ولدك وقيل إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع وكذلك الأب إذا كان أرفع وذلك قوله سبحانه وتعالى : * (لا تدرون أيهم أقرب نفعا) * [ النساء : 11 ] (حم ه هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني بسند رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث .
[ 430 ]
1993 - (إن الرجل أحق بصدر دابته) بأن يركب على مقدم ظهرها ويردف خلفه ولا يعكس (وصدر فراشه) بأن يجلس في أرفع تكرمته فلا يتقدم عليه في ذلك نحو ضيف ولا زائر إلا بإذنه (وأن يؤم في رحله) أي أن يصلي إماما بمن حضر عنده في منزله الذي يسكنه بحق فإذا دخل إنسان على آخر في منزله لنحو زيارة أو ضيافة وحضرت الصلاة فصاحب المنزل أولى بالتقدم للإمامة ويستثنى الوالي في محل ولايته والفراش بالكسر فعال يعني مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش ككتاب وكتب وهو فرش أيضا تسمية بالمصدر والرحل مسكن الإنسان ومأواه كما في الصحاح وغيره (طب عن عبد الله بن حنظلة) بن أبي عامر الراهب الأنصاري له رواية وأبوه أصيب يوم أحد استشهد عبد الله يوم الحرة وكان أمير الأنصار فيها . 1994 - (إن الرجل ليبتاع الثوب بالدينار والدرهم) الواو بمعنى أو (أو بنصف الدينار) مثلا والمراد بشئ حقير وفي نسخة المصنف بخطه أو بالنصف الدينار بزيادة ال ، والظاهر أنه سبق قلم (فيلبسه فما يبلغ كعبيه) أي ما يصل إلى عظميه الناتئتين عند مفصل الساق والقدم وفي رواية بدل كعبيه ثدييه (حتى يغفر له) أي يغفر الله له ذنوبه والمراد الصغائر (من الحمد) أي من أجل أو بسبب حمده لله على ذلك وفيه منقبة عظيمة حيث أوقع في مقابلته هذا الجزاء العظيم وهو المغفرة فيسن مؤكدا لمن لبس ثوبا جديدا أن يحمد الله على تيسيره له ، وأولى صيغ الحمد هنا ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي في الكاف وتحصل السنة بأي شئ كان من صيغه ولو بلفظ الحمد لله فقط (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري . 1995 - (إن الرجل إذا رضي هدي الرجل) بفتح الهاء وكسرها وسكون الدال أي وصفه وطريقته وفي الصحاح يقال ما أحسن هديته بكسر الهاء وفتحها أي سيرته ومنه خبر اهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه (وعمله) أي ورضي عمله (فهو مثله) في الخير أو ضده فإن كان محمودا فهو محمود أو مذموما فمذموم واستعمال الهدي في الثاني مجاز ، ومقصود الحديث الحث على التباعد عن أهل الفسوق ومهاجرتهم بالقلوب والتصريح بعدم الرضى بأفعالهم (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه عبد الوهاب الضحاك وهو متروك .
[ 431 ]
1996 - (إن الرجل ليصلي الصلاة) أي في آخر وقتها (ولما فاته منها) من أول وقتها (أفضل من أهله وماله) اللذين هما أعز الأشياء عليه وفي رواية بدله خير من الدنيا وما فيها . قال الغزالي فينبغي المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت لهذا الحديث (ص عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن حبيب) العنزي بفتح المهملة والنون الزاهد البصري قال في الكاشف روي عن جندب وابن عباس وغيرهما قال أبو حاتم صدوق يرى الارجاء وفي التقريب كأصله صدوق عابد رمي بالارجاء من الطبقة الثالثة انتهى فالحديث مرسل وكان الاولى للمصنف التنبيه عليه ، وقضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو تصور فقد خرجه ابن منبع والديلمي من حيث أبي هريرة باللفظ المزبور قال في الفردوس وفي الباب ابن عمر أيضا . 1997 - (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) أي قرابة له بنحو إيذاء وهجر ، أراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعتها ولا ينكرون عليه وهو على العموم والمراد بالرحمة المطر فيحبس عنهم بشؤم القاطع وهذا وعيد عظيم مؤذن بأن قطيعة الرحم من الكبائر ومن ثم عدها كثيرون منها ، وفي رواية بدل الرحمة إن الملائكة إلى آخر ما ذكروا ، وعليه قال في الإتحاف المراد بهذا ملائكة الزيارة والرحمة الذين يسبحون في الأرض لمثل ذلك ثم يحتمل تخصيص هذا بما إذا علموا حاله فلم يمنعوه ولم يخرجوه من بينهم ويحتمل أنه لحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب وهو أقرب لظاهر الخبر وسره أن شأن القاطع غالبا يظهر سرائره فعدم العلم بحاله لا يكون عذرا بل هو دليل على عدم اعتناء أولئك القوم بالأمور الدينية وأنهم لا يفتقدون بعضهم بأمره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفيه إشارة إلى طلب هجر القاطع في المجلس وينبغي ترك مجاورته لمن تيسر له ذلك وأنه لا يرافق في سفره ونحوه (خد عن ابن أبي أوفى) ورواه عنه أيضا الطبراني وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه أبو داود المحاربي وهو كذاب . 1998 - (إن الرزق ليطلب العبد) أي الإنسان (أكثر مما يطلبه أجله) أي غاية عمره قال البيهقي معناه أن ما قدر من الرزق يأتيه ولا بد فلا يجاوز الحد في طلبه فالاهتمام بشأنه والحرص على استزادته ليس نتيجته إلا شغل القلوب عن خدمة علام الغيوب والعمى عن مرتبة العبودية وسوء الظن بالحضرات الرازقية ، قال ابن عطاء الله اجتهادك فيما تضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على
[ 432 ]
انطماس بصيرتك ومما عزاه الطوسي رحمه الله وغيره لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه : حقيق بالتواضع من يموت * * ويكفي المرء من دنياه قوت صنيع مليكنا حسن جميل * * وما أرزاقه عنا تفوت فيا هذا سترحل عن قليل * * إلى قوم كلامهم السكوت وهذا الخبر لا تعارض بينه وبين خبر استنزلوا الرزق بالصدقة لأن ما هنا في المتحتم في العلم الأزلي وذلك بالنظر لما في صحف الملائكة أو اللوح (طب عد عن أبي الدرداء) وكذا البيهقي في الشعب والدارقطني في العلل وأبو الشيخ في الثواب والعسكري والبزار رجاله ثقات وقال الدارقطني والبيهقي وقفه أصح من رفعه وقال ابن عدي هو بهذا الإسناد باطل . 1999 - (إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة) بالنسبة لما في العلم القديم الأزلي كما سبق تقريره موضحا وعدم تنقيص الرزق بالمعصية أمر مستفيض بين الملتين وغيرهم . حكي أن كسرى غضب على بعض مرازبته فاستؤمر في قطع عطائه فقال يحط من مرتبته ولا ينقص من صلته فإن الملوك تؤدب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان (وترك الدعاء) أي الطلب من الله (معصية) لما في خبر آخر إن من لم يدع الله يغضب عليه . ولذا قيل : الله يغضب إن تركت سؤاله * * وبني آدم حين يسأل يغضب والمراد أنه يقرب من المعصية لكراهته (طص عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي وفيه عطية العوفي وهو ضعيف قال السخاوي سنده ضعيف . 2000 - (إن الرسالة والنبوة) وفيه أنهما متغايران (قد انقطعت) أي كل منهما (فلا رسول بعدي) يبعث إلى الناس بشرع جديد فخرج عيسى عليه السلام (ولا نبي) يوحى إليه ليعمل لنفسه قال أنس راوي الحديث لما قال ذلك شق على المسلمين فقال (ولكن) الذي لا ينقطع هو (المبشرات) بكسر المعجمة فقالوا يا رسول الله وما المبشرات ؟ قال (رؤيا الرجل) يعني الإنسان رجلا أو غيره (المسلم في منامه) وفي رواية بدل المسلم الصالح (وهي جزء من أجزاء النبوة) أي خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي ومر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا وأقل وأكثر وجمع باختلاف قرب الأشخاص من أخلاق الحضرة النبوية وهذه قاعدة لا يحتاج في إثباتها إلى شئ لانعقاد الإجماع عليها ولا التفات إلى ما زعمه بعض فرق الضلال من أن النبوة باقية إلى يوم القيامة وبنوا ذلك على قاعدة الأوائل أن النبوة
[ 433 ]
مكتسبة ورمى بذلك جمع من عظماء الصوفية كالإمام الغزالي افتراه عليه الحسدة وقد تبرأ رحمه الله من القول به وتنصل منه في كتبه وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد أجمعوا على نزوله نبيا لكنه بشريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وذكر ابن بزيزة عن عصرية بن عربي أن زوجة عيسى عليه الصلاة والسلام ولدت في زمنه انتهى أقول وهذه دعوى قد تبين بطلانها فإن ابن عربي من القرن السادس ونحن الآن فيمبعد الألف وهذا مما يقوي الريبة في أقاويل ابن عربي (حم ت ك) في الرؤيا (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . 2001 - (إن الرؤيا تقع على ما تعبر) بالتشديد أي تفسر قال في الصحاح عبر الرؤيا فسرها وعبرها أيضا تعبيرا (ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها (فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما) أي بتأويلها وسيجئ توجيهه (تنبيه) قال ابن عربي لله تعالى ملك موكل بالرؤيا يسمى الروح وهو دون السماء الدنيا وبيده صورة الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكوان فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غيبة وفناء أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوسات في يقظته عز إدراك ما بيد هذا الملك من الصور فيدرك ما يدركه النائم لأن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوس إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدم الدماغ فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم ومن ذكر معه من المعاني متجسدة في الصور التي بيد هذا الملك فمنها ما يتعلن بالله وما يوصف به من الأسماء فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه فيما يحدث للرأي ثلاث مراتب أو إحداها (أحدها) أن يكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من منازله أو صفاته الراجعة إليه فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه (الثانية) أن تكون الصورة المرئية راجعة لحال الرائي في نفسه (الثالثة) أن تكون راجعة إلى الحق المشروع والناموس الموضوع أي ناموس كان في تلك البقعة التي رأى تلك الصورة فيها في ولاية أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه وما ثم رتبة رابعة ، فالأولى حسية كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص والأخيران قد تظهر الصورة فيها بحسب الأحوال من حسن وقبح ونقص وكمال فإن كان من تلك الصورة خطاب فهو بحسب ما يكون الخطاب وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ولا يعول على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى الحس إلا إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما به وينظر حركة الرائي مع تلك الصورة من أدب واحترام وغير ذلك فإن حاله بحسب ما يصدر عنه من معاملته لتلك الصورة فإنها صورة حق بكل وجه وقد يشاهد الروح الذي بيده الصورة وقد لا ، وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان إن كان فيه تحزين أو مما يحدث به المرء نفسه في يقظته فلا يعول عليها ومع ذلك إذا عبرت كان لها حكم
[ 434 ]
ولا بد يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها وذلك أن الذي يعبرها ولا يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم فقد انتقلت تلك الصورة عن المحل التي كانت فيه حديث نفس أو تحزين شيطان إلى حال العابر لها وما هي له حديث نفس فيتحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر كما جاء في نفس قصة يوسف عليه السلام مع الرجلين وكانا كذبا فلما تخيلا ذلك وقصاه على يوسف عليه السلام حصل في خياله صورة من ذلك ولم يكن يوسف حدث بذلك نفسه وصارت حقا في حقه فكأنه هو الرائي لتلك الرؤية لذلك الرجل وقاما له مقام الملك الذي بيده صورة الرؤيا فلما عبرها لهما قالا ما رأينا شيئا فقال : * (قضى الأمر) * [ يوسف : 41 ] فخرج الأمر في الحس كما عبر (ك) عن أنس بن مالك . 2002 - (إن الرقى) أي التي لا يفهم معناها إلا التعوذ بالقرآن ونحوه فإنه محمود ممدوح (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) بكسر التاء وفتح الواو كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر (شرك) أي من الشرك سماها شركا لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي وقال الطيبي رحمه الله المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه ولا من علقها بذكر تبركا الله عالما أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به (حم د ه ك هب) في الطب عن ابن مسعود قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 2003 - (إن الركن والمقام) مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بحذاء الكعبة (ياقوتتان من ياقوت) وفي نسخة يواقيت والأول ما هو في خط المؤلف (الجنة) أي أصلهما ذلك (طمس الله تعالى نورهما) أي ذهب به لكون الخلق لا يتحملونه كما أطفأ حر النار حين أخرجت من جهنم بغسلها في البحر مرتين (ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي والخلق لا تطيق مشاهدة ذلك كما يدل له قوله ابن عباس في الحجر لولا ذلك ما استطاع أحد النظر إليه فطمس نورهما من ضرورة بقاء أهل الأرض والطمس المحو والتغيير كما في الصحاح قال الزمخشري ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء (حم ت حب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم تفرد به أيوب بن سويد وتعقبه الذهبي بأن أيوب ضعفه أحمد وتركه النسائي اه وأشار الترمذي إلى أن وقفه على ابن عمرو أشبه .
[ 435 ]
2004 - (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فينبغي تغيمضه لئلا يقبح منظره قال القاضي يحتمل أن الملك المتوفى للمحتضر يتمثل له فينظر إليه نظرا شزرا ولا يرتد إليه طرفه حتى تفارقه الروح وتضمحل بقايا القوى ويبطل البصر على تلك الهيئة فهو علة للشق ويحتمل كونه للإغماض لأن الروح إذا فارقته تتبعه الباصرة في الذهاب فلم يبق لانفتاح بصره فائدة انتهى وقول النووي معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا أين تذهب تعقبه السيوطي بأنه يبصر ما دام الروح في البدن فإذا فارقه تعطل الإبصار كما يتعطل الإحساس قال والذي ظهر لي بعد النظر ثلاثين سنة أن يجاب بأحد أمرين الأول أن ذلك بعد خروج الروح من أكثر البدن وهي بعد باقية في الرأس والعين فإذا خرج من الفم أكثرها ولم تنته كلها نظر البصر إلى القدر الذي خرج وقد ورد أن الروح على مثال البدن وقدر أعضائه فإذا خرج بقيتها من الرأس والعين سكن النظر فيكون قوله إذا قبض معناه إذا شرع في قبضه ولم ينته ، الثاني أن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة عنه يرى ويسمع ويعلم ويرد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك اه وقد مرت الإشارة إلى ذلك وبيان الأصوب فيه ، والروح قد خاض سائر الفرق غمرة الكلام فيها فما ظفروا بطائل ولا رجعوا بنائل وفيها أكثر من ألف قول قال ابن جماعة وليس فيها قول صحيح بل هي قياسات وتخييلات عقلية وجمهور أهل السنة على أنها جسم لطيف يخالف الأجسام بالماهية والصفة متصرف في البدن حال فيه حلول النار في الفحم والزيت في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وذهب الإمام والغزالي وكبير من الصوفية إلى أنه مجرد غير حال في البدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق ويدبر أمره على وجه لا يعلمه إلا الله (حم م ه عن أم سلمة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم ذكره فضج الناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ، رواه مسلم . 2005 - (إن الزناة يأتون) يوم القيامة إلى الموقف (تشتعل) أي تضطرم (وجوهم) أي ذواتهم والتعبير بالوجه عن الذات شائع غير عزيز ولا مانع من إرادة الوجه فقط وإن كان الأول أشبه (نارا) لأنهم لما نزعوا لباس الإيمان عاد تنور الشهوة الذي كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه بالنار لوجوههم التي كانت ناظرة إلى المعاصي ، وهذا تهديد شديد قصد به الردع لكون القوم كانوا حديثي العهد بجاهلية وكان الزنا في الجاهلية متعارفا لا نكير فيه ولا عار عليه بينهم مع أن في طيه فساد الجمهور وخراب المعمور وخلط الأنساب (طب عن عبد الله بن بسر) بباء موحدة مضمومة وسين مهملة وعبد الله بن بسر في الصحابة اثنان مازني وبصري والمراد هنا الثاني وكان ينبغي للمؤلف تمييزه قال الهيثمي وفيه محمد بن عبد الله بن بسر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري في إسناده نظر .
[ 436 ]
2006 - (إن الساعة) أي القيامة (لا تقوم حتى تكون) أي يوجد فتكون تامة (عشر آيات) أي علامات بل أكثر من ذلك بكثير كما في أخبار آخر وإنما اقتصر عليها هنا لأنها أكبرها (الدخان) بالتخفيف بدل من عشرا أو خبر مبتدأ محذوف وفي رواية يملأ ما بين المشرق والمغرب (والدجال) من الدجل وهو السحر أي المسيح فإنه سياح يقطع نواحي الأرض في زمن قليل (والدابة) التي تجلو وجه المؤمن بالعصي وتخطم أنف الكافر (وطلوع الشمس من مغربها) لا يقدح فيه قول الهيوليين إن الفلكيات بسيطة لا تختلف ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه لأنه لا مانع من انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه (وثلاثة خسوف) جمع خسف وخسف المكان ذهابه في الأرض وغيوبته فيها (خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) مكة والمدينة واليمامة واليمن على ما حكي عن مالك رضي الله تعالى عنه سميت به لأنه يحيط بها بحر الهند وبحر القلزم ودجلة والفرات (ونزول عيسى) عليه السلام من السماء إلى الأرض حكما عدلا (وفتح يأجوج ومأجوج) أي سدهما - بالهمز - صنف من الناس (ونار تخرج من قعر عدن) أي من أسفلها وأساسها قال في المصباح قعر الشئ نهاية أسفله ، وعدن بالتحريك مدينة باليمن وقعرها أقصى أرضها (تسوق الناس) وفي رواية ترحل الناس وفي أخرى تطرد الناس (إلى المحشر) أي محل الحشر للحساب وهو الشام قال الخطابي هذا قبل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام بدليل قوله (تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) وهذا الحشر آخر الأشراط كما في مسلم وما ورد مما يخالفه مؤول قال ابن حجر رحمه الله تعالى ويترجح من مجموع الأخبار أن أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي الدجال فنزول عيسى عليه السلام فخروج يأجوج ومأجوج وكلها سابقة على طلوع الشمس ، وأولها المؤذن بغير أحوال العالم العلوي طلوع الشمس وخروج الدابة في يومه أو يقرب منه وأول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق (حم م عد عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبي سريحة بمهملتين مفتوح الأولى صحابي بايع تحت الشجرة ومات بالكوفة وروى له الجماعة قال حذيفة كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرفة ونحن في أسفل منه فاطلع علينا فقال ما تذكرون ؟ قلنا الساعة ، فذكره . 2007 - (إن السحور بركة) بفتح السين وضمها أي زيادة خير ونمو وعظم ثواب (أعطاكموها الله) أي خصكم بها على جميع الأمم (فلا تدعوها) أي لا تتركوها لمزيد فضلها فالتسحر سنة مؤكدة بل
[ 437 ]
هذا الحديث يدل على كراهة تركه ، قال عياض وكان في صدر الإسلام ممنوعا اه . وقضية قاعدته أن ما كان ممنوعا ثم جاز وجب أنه واجب ولعل الصارف عن الوجوب الإجماع أو عدم مواظبة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (حم عن رجل) من الصحابة لم يبين اسمه وإبهامه غير قادح لأن الصحابة عدول . 2008 - (إن السعادة كل السعادة طول العمر) بضم العين وتفتح (في طاعة الله) أي السعادة التامة العظيمة الكاملة قال فيه الكمال التي في ضمنها كل السعادة فإنه كل ما طال عمره ازداد من الطاعة فتكثر حسناته وتضاعف درجاته في الجنان وازداد قربا من رضى الرحمن وفي إفهامه أن الشقاوة كل الشقاوة طول العمر في معصية الله تعالى فإنه كلما طال ازداد من المعاصي فتكثر ذنوبه فتورده النار وبئس الورد المورود (خط عن المطلب) بن ربيعة بن الحارث الهاشمي (عن أبيه) ربيعة وله ولأبيه كما في الكاشف وسبقه بذلك ابن الحارث مع الإيضاح فقال ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر شعره وشمر ثوبه ، وابنه المطلب كان غلاما على عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان رجلا سكن دمشق وقدم مصر ثم إن فيه ابن لهيعة وفيه ضعف . 2009 - (إن السعيد لمن جنب) بضم الجيم وتشديد النون (الفتن) يعني بعد عنها ووفق للزوم بيته ، وكرره ثلاثا مبالغة في تأكد المباعدة عنها (ولمن ابتلى) أي بتلك الفتن هو بفتح اللام جواب قسم في صدر الحديث ومن بفتح الميم شرطية وابتلي في محل جزم بها (فصبر) معطوف عليه أي صبر على ما وقع في الفتن وصبر على ظلم الناس له وتحمل أذاهم ولم يدفع عن نفسه وقضية كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند أبي داود فواها ثم واها أي طوبى له لما حصل أي فواها له ما أطيبه (د) الفتن (عن المقدام) بن معد يكرب الكندي وفي نسخة المقداد قال وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره . 2010 - (إن السقط) بتثليث السين الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه وفي الإحياء بدله الطفل قالوا ولا أصل له (ليراغم) بتحتية وغين معجمة أي يحاج ويغاضب (ربه) يعني يتدلل على ربه والمراغمة المغاضبة قال الفارسي : وأما بالزاي فهو الغضب مع كلام (إذا دخل أبواه النار) نار جهنم قال الطيبي هذا تخييل على نحو حديث الشيخين إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقوق الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ من القطيعة الحديث (فيقال) أي تقول الملائكة أو غيرهم بإذن ربهم (أيها السقط المراغم ربه) المدلل عليه (أدخل أبويك الجنة) أي أخرجهما من النار
[ 438 ]
وأدخلهما الجنة (فيخرجهما بسرره) بفتح السين والراء ما يبقى بعد القطع من السرة بأن يعاد المقطوع إليه فيتمسكان به فيجرهما به (حتى يدخلهما الجنة (1) ويحتمل أن الارتباط المعنوي والكلام في المسلمين قال الطيبي هذا تتميم ومبالغة للكلام السابق ولهذا صدره المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم أي إذا كان السقط الذي لا يؤبه به يجر أبويه بما قد قطع من العلاقة بينهما فكيف الولد المألوف الذي هو فلذة الكبد وقرة العين وشقيق النفس ؟ وهل مثل الأبوين الجدات والأجداد ؟ لم أر في الروايات ما يدل عليه وفضل الله واسع (ه عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه جزم الحافظ العراقي بضعفه وسببه أن فيه مندل العنزي قال في الكاشف ضعفه أحمد . 2011 - (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضع) بالبناء للمفعول أي وضعه الله (في الأرض) لتعملوا به (فأفشوا السلام بينكم) أي أظهروه ندبا مؤكدا فإن في إظهاره الإيذان بالأمان والتحابب والتواصل بين الإخوان وإرغام الشيطان وللسلام فوائد كثيرة أفردت بالتأليف ثم قيل معنى السلام عليكم أي معكم وقيل معناه الله مطلع عليكم فلا تغفلوا وقيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتقاء عوارض الفساد عنه وقيل معناه السلامة لكم كأن المسلم بسلامه على غيره معلم له بأنه مسالم له لا يخافه وقيل معناه الدعاء له بالسلامة (خد عن أنس) وفي اللباب عن أبي هريرة بلفظ إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا وأمانا لأهل ملتنا رواه الطبراني في الصغير . 1012 - (إن السماوات السبع والأرضين السبع والجبال لتلعن الشيخ الزاني) يعني يدعون عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله بلسان الحال والقال بأن يخلق الله لها قوة النطق بذلك على الخلاف المعروف في نظائره والذي خلق النطق في جارحة اللسان قادر على خلقه في غيرها ومثل الزاني اللائط بالأولى وسر ذلك أن الزنا من الشيخ لا عذر له فيه البتة لأن شهوته قد ضعفت وقواه انحطت ، فوقوع الزنا منه ليس إلا لكونه مفسدا بالطبع فالفساد ذاتي له يستحق بسببه الطرد والإبعاد وأما الشاب فله فيه عذر ما لمنازعته الطبيعة وغلبة الشهوة عليه والشيخة الزانية كالشيخ الزاني (وإن فروج الزناة) من الرجال والنساء (ليؤذي أهل النار نتن ريحها) وإذا آذى أهل النار مع شغل حواسهم بما هم فيه من العذاب عن الشم وغيره فما بالك بغيرهم لو شموه ؟ وكفى بذلك وعيدا (البزار) في مسنده (عن بريدة) بن (1) أي يشفع لابويه المسلمين فيقبل الله شفاعته فيأمر بإخراجهما من النار وإدخالهما الجنة . (*)
[ 439 ]
الخصيب وضعفه المناوي وقال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف انتهى وأورده في اللسان من حديث أبي هريرة بلفظ إن السماوات السبع والأرضين السبع تلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني وقال إنه من منكرات حسين بن عبد الأول . 2013 - (إن السيد) أي المقدم في الأمور والمعطى الولايات قال في الكشاف السيد الذي يفوق قومه في الشرف (لا يكون بخيلا) أي لا ينبغي له ذلك أو لا ينبغي أن يسود ولهذا قال الماوردي عن الحكماء سؤدد بلا جود كملك بلا جنود وقال الجود حارس الأعراض ومن جاد ساد ومن أضعف ازداد ، وجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وخير الأموال ما استرق حرا وخير الأعمال ما استحق شكرا قال الراغب البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود ، والبخيل هو الذي يكثر من البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بمقتنيات نفسه وبخل بمقتنيات غيره وهو أكثره ذما انتهى وقيل إنما يستحق السيادة من لا يشح ولا يشاحح فلا يصانع ولا يخادع ولا تغيره المطامع وقال الغزالي : البخل منع الواجب والواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والواجب بالمروءة ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد برئ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات (خط في كتاب البخلاء) أي الكتاب الذي ألفه فيما ورد في ذمهم (عن أنس) بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم ؟ قالوا حر بن قيس وإنا لنبخله فذكره . 2014 - (إن الشاهد) أي الحاضر (يرى) من الرأي في الأمور المهمة لا من الرؤيا (ما لا يرى الغائب) أي الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب إذ ليس الخبر كالمعاينة وهذا قاله لعلي كرم الله وجهه لما أرسله لقتل العلج الذي كان يتردد إلى مارية ليقتله فقال له علي يا رسول الله أمض كيف كان فقال له إن الشاهد إلخ فكشف له عن سوءته فرآه خصيا مجبوبا فتركه (ابن سعد) في الطبقات (عن علي) أمير المؤمنين . 2015 - (إن الشمس والقمر ثوران) بالثاء المثلثة (عقيران) أي معقوران يعني يكونان كالزمنين (في النار) لأنهما خلقا منها كما جاء في خبر آخر فردا إليها أو يجعلان في النار ليعذب بهما أهلها فلا يبرجان كأنهما زمنان عقيران فسقط قول بعض المشككين على الأصول الإسلامية ما ذنبهما حتى يعذبا وما هذا إلا كرجل قال في قوله سبحانه * (واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) * [ البقرة : 24 ] ما ذنب الحجارة ؟ والثور الذكر من البقر والأنثى ثورة والمعقور المثبت بالجراحات (الطيالسي) أبو داود في مسنده (ع) كلاهما معا عن درست بن زياد بن يزيد بن أبان الرقاشي (عن أنس) بن مالك وأورده
[ 440 ]
ابن الجوزي في الموضوعات وقال درست ليس بشئ وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بكذب وبأن له متابعا . 2016 - (إن الشمس والقمر) آيتان من آياته تعالى (لا ينكسفان) بالكاف وفي رواية للبخاري بالخاء وهو بفتح الياء قال الزركشي عن ابن الصلاح وقد منعوا أن يقال يكسفان بالضم (لموت أحد) من الناس أو من العظماء وهذا قاله يوم مات ابنه إبراهيم فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموته (ولا لحياته) ذكره دفعا لتوهم أنه إذا لم يكن لموت أحد من العظماء فيكون لإيجاده قال الأكمل كغيره وانكسافهما عبارة عند عدم إضاءتهما عالم العناصر مما يلينا في الوقت الذي من شأنهما أن لا يغيبا فيه وسبب كون كسوف الشمس توسط القمر بينهما وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد مظلم فيحجب ما وراءه عن الأبصار وفلكه دون فلك الشمس فإذا وجدنا الشمس بأبصارنا والقمر بيننا وبينها اتصل مخروط الشعاع الخارج عن الأبصار أولا بالقمر ثم يتعدى إلى الشمس فتنكسف كلا أو بعضا وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين نور الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى ظلامه الأصلي فيرى منخسفا (ولكنهما آيتان) أي علامتان لقرب يوم القيامة أو لعذاب الله أو لكونهما مسخرين بقدرته (من آيات الله) الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته (يخوف الله بهما) أي بكسوفهما (عباده) من سطوته وكونه تخويفا لا ينافي ما قدره أهل الهيئة فيه لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنه وقدرته حاكمة على كل سبب ومسبب بعضهما على بعض فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة إذا وقع شئ غريب خافوا لقوة ذلك الاعتقاد وذا لا يمنع أن ثم أسباب تجر عليها العادة إلا إن شاء الله خرقها (فإذا رأيتم) أي علمتم (ذلك) أي كسوف واحد منهما لاستحالة تقارنهما في الوقوع عادة وفي رواية للبخاري رأيتموها أي الكسفة أو الآية وفي أخرى رأيتموها بالتثنية (فصلوا) صلاة الكسوف بكيفيتها المبينة في الفروع ويجزئ عنهما ركعتان كسنة الصبح (وادعوا) الله ندبا (حتى) غاية للمجموع من الصلاة أو الدعاء (ينكشف ما بكم) بأن يحصل الانجلاء التام والأمر فيهما للندب وإنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة الخارق تعرض عن الدنيا وتتوجه للحضرة العليا فيكون حينئذ أقرب للإجابة لا يقال هذا يدل على تكرر صلاة الكسوف إذا لم ينجل وهو غير مشروع لأنا نقول المراد مطلق الصلاة وقد يراد صلاة الكسوف وتكون الغاية لمجموع الأمرين بأن يمتد الدعاء إلى الانجلاء وفيه أنه يسن عند الكسوف الدعاء بكشفه وصلاة تخصه وأنها تسن جماعة وأن الكواكب لا أصل لها ولا تأثير استقلالا بل بأمر الله تعالى (خ ن عن أبي بكرة ق ن ه عن أبي مسعود) البدري (ق ن عن ابن عمر ق عن المغيرة) قال ابن حجر هذه طرق كلها تفيد القطع لمن اطلع عليها من أهل الحديث فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف لموت أحد أو حياته .
[ 441 ]
2017 - (إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئا) نكره للتقليل أي شيئا قليلا جدا إذ لا يطيق مخلوق النظر إلى كثير منها وإلا لفني وتلاشى (حاد عن مجراه) أي مال وعدل عن جهة جريه (فانكشف) لشدة ما غلب عليهما من الجلال قال الطبري في إحكامه وللكسوف فوائد منها ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين وإزعاج القلوب الغافلة وإيقاظها وليرى الناس أنموذج القيامة وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان فيكون تنبيها على خوف المكر ورجاء العفو والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له فكيف من له ذنب ، وقال الزمخشري قالوا حكمة الكسوف أنه تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييره أو تبديله ليستدل بذلك على أن له مسيرا ومبدلا ولأن النيرين يعبدان من دون الله تعالى فقضى عليهما بسلب النور عنهما لأنهما لو كانا معبودين لدفعا عن نفسهما ما يغيرهما ويدخل عليهما (ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك . 2018 - (إن الشهر) أي العربي الهلالي (يكون تسعة وعشرين يوما) كما يكون ثلاثين ومن ثم لو نذر شهرا معينا فكان تسعا وعشرين لم يلزمه أكثر واللام في الشهر عهدية والمعهود أنه حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فمضى تسع وعشرون فدخل فقيل له فقال إن الشهر أي المحلوف عليه يكون إلخ وسبب الحلف قصة مارية وتحريم العسل في قوله تعالى * (يا أيها النبي لم تحرم) * [ التحريم : 1 ] الآية أو أهديت له هدية فقسمها فلم ترض زينب نصيبها فزادها فلم ترض فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قد أعمت وجهك ترد عليك أو أنهن سألنه النفقة أو غير ذلك فحلف لا يدخل عليهن وجلس في مشربة له قال الخطابي إنما لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه كان عين الشهر وإلا فلو نذر صوم شهر بغير تعيين لزمه ثلاثون وهذا نص في الحلف على البعد من النساء قال الحرالي والشهر هو الهلال الذي شأنه أن يدور دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيا سواء كانت عدة أيامه تسعا وعشرين أو ثلاثين كلا العددين في صحة التسمية بالشهر واحد فهو شائع في فردين متزايدي العدد (تنبيه) قال جمع من خصائص هذه الأمة الأشهر الهلالية (خ ت عن أنس) بن مالك (ق عن أم سلمة) أم المؤمنين (م عن جابر) بن عبد الله (وعائشة) أم المؤمنين لكن لفظهما إن الشهر تسع وعشرون بحذف يكون ولا بد من تقديرها ليكون عشرين خبرها ، ذكره أبو زرعة . 2019 - (إن الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الرحمة أو الصلاح ، أو شاط بمعنى احترق (تغدو براياتها) أي تذهب أول النهار بألويتها وأعلامها إلى (الأسواق) أي مجامع البيع والشراء (فيدخلون) ها (مع أول داخل) إليها (ويخرجون) منها (مع آخر خارج) منها فلما كانت عادة الراية استعمالها في معركة القتال استعيرت هنا لتعارك الناس عند البيع والشراء وحلفهم الأيمان الكاذبة
[ 442 ]
لرواجها واحتمال أنها رايات حقيقية حجبت ، ورؤيتها عنا بعيدة ، والمراد أنهم لا يفارقون السوق ما دام النا س فيه لإغوائهم أهله ووسوتهم لهم بالغش والخديعة والخيانة ونفاق السلعة باليمين الكاذب ونحو ذلك ولهذا مزيد يأتي على الأثر والقصد التحذير من دخوله إلا لضرورة (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك . 2020 - (إن الشيخ) أي من وصل إلى حد الشيخوخة (يملك نفسه) أي يقدر على كف شهوته وقمع لذته فيصير حاكما عليها ومن قدر على منع نفسه مما لا ينبغي فلا حرج عليه في التقبيل وهو صائم (حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا فجاء شيخ فقبال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال قد علمت لم نظر بعضكم لبعض إن الشيخ إلخ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف . 2021 - (إن الشيطان) من شطن بعد أو شاط هلك والمراد إما إبليس فاللام للعهد وإما نوعيه فللجنس (يحب الحمرة) أي يميل ميلا شديدا إليها (فإياكم والحمرة) أي احذروا لبس المصبوغ بها لئلا يشاركم الشيطان فيه لعدم صبره عنه (وكل ثوب ذي شهرة) أي صاحب شهرة يعني المشهور بمزيد الزينة والنعومة أو مزيد الخشونة والرثاثة فإن قلت قد ذكر علة النهي عن لبس الأحمر وهو محبة الشيطان فما باله لم يذكر علة ذي الشهرة قلت إنه تركه لعلمه من ذلك بالأولى فإنه إذا كان الأحمر محبوبا للشيطان فذو الشهرة محبوب له أكثر لأنه أعرق في الزينة وفيه مفاسد لا توجد في الأحمر البحت القاني ، والخطاب للرجال وهذا من أدلة من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر (الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى وكذا ابن السكن وابن منده (وابن قانع) في معجم الصحابة (عد هب) من طريق أبي بكر الهزلي قال ابن حجر رحمه الله تعالى وهو ضعيف (عن رافع بن يزيد) كذا بخط المصنف وهو الموجود في الشعب وغيرها وفي نسخة رافع بن خديج وهو خطأ بل هو رافع بن يزيد الثقفي قال ابن السكن لم يذكر في حديثه سماعا ولا رؤية ولست أدري أهو صحابي أم لا ولم أجد له ذكرا إلا في هذا الحديث وقال الجوزقاني في كتاب الأباطيل هذا حديث باطل وإسناده منقطع قال ابن حجر في الإصابة وقوله مردود فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع وقد وافقه سعيد بن بشير وغايته أن المتن ضعيف أما حكمه عليه بالوضع فمردود انتهى وقال في الفتح الحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل وقد وقفت على كتاب الجوزقاني وترجمه بالأباطيل وهو بخط ابن الجوزي وقد تبعه على أكثره في
[ 443 ]
الموضوعات لكن لم يوافقه على هذا الحديث ولم يذكره فيها فأصاب انتهى ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن رافع المذكور قال الهيثمي وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف ثم إن فيه يوسف بن سعيد . قال الذهبي : مجهول . 2022 - (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) أي مفسد للإنسان أي بإغوائه ومهلك له كذئب أرسل في قطع من الغنم (يأخذ الشاة القاصية) أي البعيدة عن صواحباتها وهو حال من الذئب والعامل معنى التشبيه وهو تمثيل مثل حالة مفارقة الجماعة واعتزاله عنهم ثم تسلط الشيطان عليه بحالة شاة شاذة عن الغنم ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها ووصف الشاة بصفات ثلاث فالشاذة هي النافرة والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير (والناحية) بحاء مهملة التي غفل عنها وبقيت في جانب منها فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض ولما انتهى التمثيل حذر فقال (وإياكم والشعاب) أي احذروا التفرق والاختلاف ففي الصحاح شعب الشئ فرقه وشعبه أيضا جمعه فهو من الأضداد ، وفي الأساس الشعب الطريق والنهر وظبي أشعب متباين القرنين جدا وتشعبتهم الفتنة (وعليكم بالجماعة) تقرير بعد تقرير وتأكيد بعد تأكيد أي الزموها وكونوا مع السواد الأعظم فان من شذ شذ إلى النار (والعامة) أي السواد الأعظم من المؤمنين (والمسجد) أي لزومه فإنه مجمع الأخيار وموطن الأبرار وأحب البقاع إلى الله تعالى ومنه ينفر الشيطان فيعدو إلى السوق وينصب كرسيه وسطه ويركز رايته ويبث جنوده ويقول دونكم من رجال مات أبوهم وأبوكم حي ، فمن بين مطفف في كيل وطائش في وزن ومنفق سلعته بيمين مفتراه ويحمل عليهم بجنوده حملة فيهزمهم ويقلبهم إلى المكاسب الرديئة وإضاعة الصلوات ومنع الحقوق فلا يزال هذا دأب الشيطان مع أهل الغفلة من أول دخول أولهم إلى آخر خروج آخرهم فهذا ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث السابق والدواء النافع من ذلك لداخله تقوى الله ولزوم الذكر المشهور المندوب لداخل السوق الذي يكتب لقائله فيه ألف ألف حسنة ويحط عنه ألف ألف خطيئة ويرفع له ألف ألف درجة (حم) من حديث العلاء بن زياد (عن معاذ) ابن جبل قال الحافظ العراقي رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا اه ، وبينه تلميذه الهيثمي فقال العلاء لم يسمع من معاذ والرجال ثقات . 2023 - (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه) أي من أمره الخاص به أو المشارك فيه غيره فإنه بصدد أن يغايظ الإنسان المؤمن ويكايده ويناقضه حتى يفسد عليه شأنه في كل أموره ، قال ابن العربي لا يخلو أحد من الخلق عن الشيطان وهو موكل بالإنسان يداخله في أمره كله ظاهرا وباطنا عبادة وعادة ليكون له منه نصيب (حتى يحضره عند طعامه) أي عند أكله للطعام وشربه
[ 444 ]
للشراب (فإذا سقطت) أي وقعت (من أحدكم اللقمة) حال الأكل (فليمط ما كان بها من أذى) أي فليزل ما عليها من تراب أو غيره ، والإماطة التنحية قال في الصحاح إماطه نحاه ومن إماطة الأذى عن الطريق (ثم ليأكلها) ندبا أو يطعمها غيره (ولا يدعها للشيطان) أي لا يتركها له (فأذا فرغ) من الأكل (فليلعق أصابعه) أي يلحسها (1) قال في الصحاح لعق الشئ لحسه وبابه فهم والملعقة بالكسر واحدة الملاعق واللعقة بالضم اسم ما تأخذه الملعقة واللعقة بالفتح المرة الواحدة واللعوق اسم ما يلعق اه وزاد في روايات أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أفي الساقط أم في ما في القصعة أم في ما على الأصابع ؟ قال المحقق أبو زرعة الظاهر أن المراد هنا وفيما مر ويجئ بالشيطان الجنس فلا يختص بواحد من الشياطين والشيطان كل عات متمرد . هبه من الجن والانس والدواب لكن المراد هنا شياطين الجن خاصة ويحتمل اختصاصه بالشيطان الأكبر إبليس وفيه الكبر وتغيير عادة الأكابر ، إماطة الأذى عن المأكول والمشروب وإرغام الشيطان بلعق الأصابع وأكل المتناثر وإطابة المطاعم حسا ومعنى (م عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره . 2024 - (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته) أي وهو فيها (فيلبس) بتخفيف الباء الموحدة المكسورة أي يخلط (عليه حتى لا يدري) أي يعلم (كم صلى) من الركعات (فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد) (2) للسهو ندبا عند الشافعي ووجوبا عند أبي حنيفة وأحمد (سجدتين) فقط وإن تعدد السهو (هو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم) من الصلاة وبعد أن يتشهد سواء كان سهوه بزيادة أو نقص وهذا كما ترى نص صريح شاهد للشافعي في ذهابه إلى أن محل سجود السهو قيل السلام ورد على أبي حنيفة في جعله بعده مطلقا ومالك رضي الله تعالى عنه في قوله للزيادة يكون بعده وللنقص قبله وفيه أن سجود السهو سجدتان فقط وهو إجماع ، وأما الخبر الآتي كل سهو سجدتان بعد ما يسلم فضعيف لا يقاوم هذا الحديث الصحيح (ت ه عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده جيد . 2025 - (إن الشيطان) لفظ رواية أحمد إن إبليس بدل الشيطان (قال وعزتك) أي قوتك (1) والامر بالاكل للندب ومحلة إذا تنجست وتعذر غسلها فينبغي له أن يطعهما لنحو هرة . (2) أي فليبن على اليقين وهو الأقل ويكمل صلاته ويسجد . (*)
[ 445 ]
وشدتك (يا رب لا أبرح أغوي (1) أي لا أزال أضل (عبادك) الآدميين المكلفين يعني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن (ما دامت أرواحهم في أجسادهم) أي مدة دوامها فيها (فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) أي طلبوا مني الغفران أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم والإقلاع والخروج من المظالم والعزم على عدم العود إلى الاسترسال مع اللعن وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية * (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) * [ الحجر : 39 ] ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى : * (ممن اتبعك) * أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان ووعد كريم من الرحمن بالغفران . قال حجة الإسلام لكن إياك أن تقول إن الله يغفر الذنوب للعصاة فأعصي وهو غني عن عملي فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر : الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيها في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة وقال إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها والله يقول * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * ، [ التحرم : 7 ] * (وإنما تجزون ما كنتم تعملون) * [ التحريم : 7 ] (حم ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي أبي يعلى ورواه عنه الحاكم أيضا وقال صحيح وأقره الذهبي . 2026 - (إن الشيطان لم يلق عمر) بن الخطاب (منذ أسلم إلا خر) أي سقط (لوجهه) هيبة منه ومخافة له لاستعداده له ومناصبته إياه لأنه لما طلعت عليه شمس النبوة وأشرقت عليه أنوار الرسالة لبس لأمة الحرب وتحلى بأنواع الأسلحة وحل في حومة الحرب بين باعث الدين وداعي الهوى والشيطان فكان القهر والغلبة لداعي الدين فرد جيش الشيطان مغلوبا فكان إذا لقيه بعد ذلك استسلم له فالخبر عبارة عن ذلك يحتمل الحقيقة وهكذا حال الأكابر معه حتى قال أبو حازم ما الشيطان حتى يهاب فوالله لقد أطيع وعصي فما ضر وكان بعض العارفين يتمثل له الشيطان بصورة حية في محل سجوده فإذا أراد السجود نحاه بيده ويقول والله لولا نتنك لم أزل أسجد عليك وقال بعض (1) بفتح همزة أبرح وضم همزة أغوى لا أزال أضل بني آدم أي إلا المخلصين منهم ويحتمل العموم ظنا منه إفادة ذلك . (*)
[ 446 ]
العلماء لولا أن الحق سبحانه أمرنا بالاستعاذة منه ما استعذت منه لحقارته (طب) من طريق الأوزاعي وكذا ابن منده وأبو نعيم (عن سديسة) بالتصغير الأنصارية قيل هي مولاة حفصة بنت عمر قال الهيثمي ولا يعلم للأوزاعي سماع من أحد من الصحابة ورواه في الأوسط عن الأوزاعي عن سالم عن سديسة وهو الصواب وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا . 2027 - (إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى) أي يظن المصلي (أنه أحدث) بخروج ريح من دبره فإذا وقع ذلك (فلا ينصرف) من صلاته أي لا يتركها ليتطهر ويستأنف (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح يخرج منه (أو يجد ريحا) أو يشم رائحة خرجت منه وهذا مجاز عن تيقن الحدث لأنها سبب للعلم به فالمدار على تيقن الحدث بذلك أو بغيره ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين كما في الديباج لأنه قد يكون أصم أو أخشم فذكر ذلك إنما هو جري على الغالب أو خروج على سؤال وفيه أن خروج الخارج من قبل أو دبر يوجب الحدث بخلاف الشك فيه وهذا أصل قاعدة عظيمة وهي أن التيقن لا يرفع بالشك والمراد به مطلق التردد الشامل للظن والوهم فيعمل باليقين استصحابا له فمن تيقن الطهر وشك في ضده أخذ بالطهر هبه في صلاة أم لا وإنما ذكر الصلاة لذكرها في سؤال سائل فلا يعتبر في الحكم كما لا يعتبر فيه كونه في المسجد كما جاء في رواية والكلام على القاعدة المذكورة مبسوط في كتب الفقه وهذا أصل قاعدة إن اليقين لا يرفع بالشك . (تنبيه) قال الغزالي الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصح حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرج عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فيميل قلبه إليهم ويعجب بنفسه وبه يهلكه وعنده يشد حاجه لأنه آخر درجاته ويعلم أنه لو جاوزه أفلت منه إلى الجنة (حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه علي بن زيد اختلف في الاحتجاج به . 2028 - (إن الشيطان) في رواية مسلم إن إبليس وهو نص صريح في أن المراد بالشيطان هنا إبليس ولا اتجاه لترديد أمير المؤمنين في الحديث : الحافظ ابن حجر بقوله المراد بالشيطان إبليس أو جنس الشيطان لأنه الشيطان الأكبر كما قاله الحافظ العراقي (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (حال) قال في المصباح حال حولا من باب قال إذا مضى ومنه قيل للعام ولو لم يمض حول لأنه
[ 447 ]
سيمضي وقال الزمخشري رحمه الله حال عن مكانه يحول (له) أي حالة كونه له وفي رواية حوله بحاء مهملة أي ذهب هاربا كذا في نسخة المؤلف وفي نسخ أحال بالهمزة (ضراط) حقيقي يشغل نفسه به عن سماع الأذان والجملة حال وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) * [ الاعراف : 4 ] (حتى) أي كي (لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام والقول بأن المراد حتى لا يشهد للمؤذن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة اعترضوه (فإذا سكت) أي فرغ المؤذن من الأذان (رجع) الشيطان (فوسوس) للمصلين والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب وإنما يجئ عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق على إفسادها على فاعلها وإفساد خضوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلام وعموم الرحمة لهم مع يأسه من رد ما أعلنوا به عليهم ويذكر عصيانه ومخالفته فلا يملك الحدث (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب) أي وله ضراط وتركه اكتفاء بذكره فيما قبله فيشغل نفسه به لثقل الأذان والإقامة عليه (حتى لا) أي لئلا (يسمع صوته فإذا سكت) المقيم (رجع) الشيطان (فوسوس) إليهم وفيه فضل الأذان والإقامة إذ لولاه لما تأذى منهما الشيطان وحقارة الشيطان وهوائه على أهل الإيمان ولو ناصبوه واستعدوا له لأعيوه تعبا وأبعدوه هربا لأنه إذا حصل له من الأذان ما ذكر وهو بلا قصد له فكيف بمن قصده واستعد له ، بيد أن الأكابر لا يبالون به لعدم السلطان له عليهم فهو يروض نفسه على ضرهم فلا يقدر ويضر نفسه كالفراش بأمن النار فيلم بها فتحرقه قال أبو زرعة والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته وقال الغزالي قوت الشيطان الشهوات فمن كان قلبه خاليا عنها انزجر عنه بمجرد كرم الله كما لو وقف عليك كلب جائع وليس عندك ما يؤكل فبمجرد أن تقول له اخسأ اندفع وإن كان عندك ذلك هجم ولم يندفع بمجرد الكلام فالشهوة إذا غلبت على القلب تدفع حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ولم يتمكن من سوء يداه فيستقر الشيطان فيه والقلوب الخالية من الهوى والشهوات يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان وإن كنت تقول الحديث ورد مطلقا بأن الذكر والصلاة يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط يعرفها علماء الدين فانظر لنفسك فليس الخبر كالمعاينة وتأمل أن منتهى ذكرك صلاتك فراقب قلبك وانظر كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب المعاملين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تتذكر ما نسيت من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا فيها والصلاة محك القلوب وكما أن الله تعالى قال * (ادعوني أستجب لكم) * [ غافر : 60 ] وأنت تدعو فلا يستجيب فكذا تذكر الله ولا يهرب الشيطان عنك لفقد الشروط في الذكر والدعاء (م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2029 - (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول) موسوسا مستدرجا من رتبة إلى رتبة ليوقع المكلف في الشك في الله تعالى (من خلق السماء ؟ فيقول الله فيقول من خلق الأرض ؟ فيقول الله فيقول من خلق
[ 448 ]
الله ؟) رواية البخاري من خلق ربك (فإذا وجد ذلك أحدكم) في نفسه (فليقل) بقلبه ولسانه رادا على الشيطان (آمنت بالله ورسوله) فإذا لجأ الإنسان إلى الله في دفعه اندفع بخلاف ما لو اعترض إنسان بذلك فإنه يمكن قطعه بالبرهان والفرق أن الآدمي يقع منه سؤال وجواب والحال معه محصور بخلاف الشيطان كلما ألزم حجة زاغ لغيرها (تنبيه) قال العارف ابن عربي رضي الله عنه لا مناسبة بين الواجب والممكن وأنى للمقيد معرفة المطلق وذاته لا تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والافتقار فلو جمع بين الواجب لذاته وبين الممكن بوجه جاز على الواجب ما جاز على الممكن من ذلك الوجه وذلك في حق الواجب محال فإثبات وجه جامع بينهما محال فلم نصل إلى معرفته سبحانه إلا بالعجز عن معرفته لأنا طلبنا أن نعرفه كما نطلب معرفة الأشياء كلها من جهة الحقيقة التي المعلومات عليها فلما علمنا أن ثم موجودا لا مثل له ولا صورة في الذهن ولا يدرك فكيف يضبطه العقل فنحن نعلم أنه موجود واحد في ألوهيته وهذا هو العلم الذي طلب منا غير عالمين بحقيقة ذاته التي يعرف سبحانه عليها (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن محمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسوله . 2030 - (إن الشيطان يأتي أحدكم) أيها المخاطبون بأي صفة كنتم (فيقول من خلقك فيقول الله فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله) أي قل أخالف عدو الله المعاند وأومن بالله وبما جاء به رسوله (فإن ذلك يذهب عنه) لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها ومنها ما يندفع بقلعه من أصله يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها فلذا أحالهم على الإعراض عنها قال الغزالي من مكايد الشيطان حمل العوام ومن لم يمارس العلم ولم يتبحر فيه على التفكر في ذات الله وصفاته في أمور لا يبلغها حد عقله حتى يشككه في أمر الدين أو يخيل إليه في الله خيالا يتعالى الله عنه فيصير به كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور متبجح بما وقع في صدره يظن أن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله وأشد الناس حمقا أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثقب الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه وظنه وأحرصهم على السؤال من العلماء والنبي لم يأمره في علاج هذا الوسواس بالبحث فإن هذا وسواس يجده العوام دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعاشهم ويتركوا
[ 449 ]
العلم للعلماء فإن العامي إذا زنى أو سرق خير له من أن يتكلم في العلم بالله بغير إتقان وإلا وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن يركب لجة البحر ولا يعرف السباحة ، ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب لا تحصر (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتابه (مكايد الشيطان عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة عازيا لابن أبي الدنيا وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار قال الحافظ العراقي ورجاله ثقات . 2031 - (إن الشيطان واضع خطمه) أي فمه وأنفه والخطم من الطير منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها (على قلب ابن آدم فإن) وفي نسخة فإذا والأولى هي الثابتة بخط المصنف (ذكر الله تعالى خنس) انقبض وتأخر (وإن نسي الله التقم قلبه) فبعد الشيطان من الإنسان على قدر ملازمته للذكر والناس في ذلك متفاوتون ولهذا تجنب أولياء الرحمن قال أبو سعيد الخراز رأيت إبليس فأخذ عني ناحية فقلت تعال فقال إبش أعمل بكم لزمتم الذكر وطرحتم ما أخادع به قلت ما هو قال الدنيا فولى عني ثم التفت وقال بقي لي فيكم لطيفة قلت ما هي قال السماع وصحبة الأحداث قال الغزالي مهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى وجدت الشيطان مجالا فوسوس الى ذكر الله ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأكثر القلوب قد افتتحها جند الشيطان وملكوها ومبدأ استيلائه اتباع الهوى ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات وعمارته بذكر الله وقال الحكيم قد أعطي الشيطان وجنده السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طعما في غوايته فهو يهيج النفوس إلى تلك الزينة تهييجا يزعزع أركان البدن ومستقر القلب حتى يزعجه عن مقره ولا يعتصم الآدمي بشئ أوثق ولا أحصن من الذكر لأنه إذا هاج الذكر من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار وهيج العدو نار الشهوات فإذا رأى العدو هيجان الذكر من القلب ولى هاربا وخمدت نار الشهوة وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده (تنبيه) قال الغزالي أهل المكاشفة من أرباب القلوب يتمثل لهم الشيطان بمثال في اليقظة فيراه الواحد منهم بعينه ويسمع كلامه ويقوم ذلك بمقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام للصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في النوم فيرى في اليقظة ما يراه النائم كما روي عن ابن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب الآدمي يرى في النوم جسد رجل يشبه البلور يرى داخله من خارجه والشيطان بصورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر له خرطوم طويل أدخله في منكبه إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس ومثل هذا قد يشاهد في اليقظة وقد رآه بعض المكاشفين بصورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها أو لقصد أن يصدق بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب وكذا الملك ، إلى هنا كلامه (ابن أبي الدنيا) في المكائد (ع هب) كلهم (عن أنس) قال الهيثمي فيه عند أبي يعلى عدي بن أبي عمارة وهو ضعيف .
[ 450 ]
2032 - (إن الشيطان) أي عدو الله إبليس كما جاء مصرحا به في رواية مسلم (عرض لي) أي ظهر وبرز لي أي في صورة هر كما جاء في رواية أخرى (فشد) أي حمل (علي) في رواية إن عفريتا من الجن تفلت علي بمروره بين يدي وإليه ذهب أحمد لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حكم بقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود فقيل ما بال الأحمر والأبيض من الأسود قال الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن يتصورون بصورته ويحتمل كون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال تحوج إلى دفع منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال (ليقطع الصلاة) الليلية وأخر لفظ علي ليفيد أن التسليط على إرادة القطع إنما هو على ظاهر الصلاة (علي فأمكنني الله تعالى منه) أي جعلني غالبا عليه (فذعته) بذال معجمة وعين مهملة مخففة وفوقية مشددة أي خنقته خنقا شديدا قال ابن الأثير والذعت بذال ودال الدفع العنيف والعكر في التراب وإنكار الشافعي رضي الله تعالى عنه رؤية الجن محمول على رؤيتهم على صورهم الأصلية بخلاف رؤيتهم بعد التصور في صورة أخرى على أن الكلام في غير المعصوم (ولقد هممت) أي أردت (أن أوثقه) أي أقيده (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح (فتنظروا إليه) موثقا بها وفي رواية أو تنظروا إليه على الشك (فذكرت قول) زاد في رواية أخي (سليمان) عليه السلام قال الحرالي يقال هو من السلامة وأنه من سلامة مقدرة من تعلقه بما خوله الله من ملكيه * (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) * [ النحل : 40 ] وهو واحد كمال في ملك العالم المشهور من الأركان الأربعة وما فيها من المخلوقات (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فاستجيب دعاؤه (فرده الله) أي دفعه الله وطرده (خاسئا) أي صاغرا مهينا ولم أحب أن أشارك سليمان عليه السلام في ذلك لتكون دعوتي مدخرة لأمتي وهي من خسأت الكلب فانخسأ أي زجرته فانزجر قال الحكيم وجه خصوصية سليمان عليه الصلاة أن غيره من الحكام أمر أن يحكم بالظاهر بشاهدين ويمين المنكر وربما شهد زورا وحلف كاذبا والذي سأله سليمان عليه الصلاة والسلام فأعطيه الحكم بما يصادف الحق باطنا فكان يحكم بين الوحش والطير والإنس والجن قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى والجن أجسام لطيفة فيحتمل أن تصور بصورة يمكن ربطه معها حتى يعود لما كان عليه قال الغزالي : وفي الحديث إشارة إلى أنه لا يخلو قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة (خ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه بل روياه معا في الصلاة عن أبي هريرة عنه بلفظ أن عفريتا من الجن تلفت البارحة ليقطع علي صلاتي إلى آخر ما هنا .
[ 451 ]
2033 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء والمد بلد على نحو ستة وثلاثين ميلا أو أربعين من المدينة أي يبعد الشيطان من المصلي بعد ما بين المكانين أو التقدير يكون الشيطان مثل الروحاء في الخمود والبعد ذكره الطيبي وذلك لئلا يسمع صوت المؤذن وقصد الشارع بهذا الحديث الإرشاد إلى طريق محاربة الشيطان فإن الإنسان بصدد عبادة الحق ودعوة الحق إليه بفعله والشيطان أبدا بصدد أن يناقضك ويكايدك وعليك أن تنتصب لمحاربته وقهره وإبعاده فمن أعظم ما يقهره ويبعده ويزجره الأذان وملازمة الذكر في جميع الأحيان (تنبيه) قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن الله تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه * (أشهد الله وأشهدوا أني برئ مما تشركون) * [ هود : 54 ] فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه الله (م) عن أبي هريرة . 2034 - (إن الشيطان قد يئس) في رواية أيس (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * [ مريم : 44 ] قال البيضاوي رحمه الله تعالى عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضا أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يحمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي والتحريش الإغراء على الشئ بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية ، قال بعض الأئمة ، إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الاشعري إلى أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية من طريق الشام
[ 452 ]
عرضا وسميت جزيرة لأن البحار والأنهار اكتنفتها من أكثر الجهات كبحر البصرة وعمان وعدن وبحر الشام والنيل ودجلة والفرات قال أهل الهيئة جملة ولاية العرب وأحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم واقعة بين الضلع الغربي من بحر فارس والشرقي من بحر القلزم فلهذا تسمى العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وقال الطيبي لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه أيس أن يعبد فيها لكن طمع في التحريش وكان كما أخبر فكان معجزة والتحريش الإغراء على الشئ كما مر من حرش الصياد أي يخدعهم ويغري بعضهم على بعض لما ذكر العبادة أولا سماهم المصلين تعظيما لهم ولما ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش وهو الإغراء بين البهائم توهينا وتحقيرا لهم قال حجة الإسلام روي أن إبليس تمثل لعيسى عليه السلام فقال قل لا إله إلا الله فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك وذلك لأن له تحت الخير تلبيسات لا تتناهى وبه تهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا يرضون لنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة قال الحجة وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة ملك أو لمة شيطان وأن يمضي النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى من الطبع بل بنور اليقين * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) * [ الاعراف : 201 ] (حم م) في صفة عرش إبليس (ت) في الزهد (عن جابر) ولم يخرجه البخاري وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يخرجه إلا هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله المصلون في جزيرة العرب ذكره في أواخر صحيحه وكأنه سقط من القلم . 2035 - (إن الشيطان حساس) بحاء مهملة وتشديد السين بضبط المصنف قال الحافظ الزين العراقي المشهور في الرواية بحاء مهملة أي شديد الحس والإدراك كما في النهاية ويجوز من جهة المعنى كونه بالجيم من تجسس الأخبار تفحص ومنه الجاسوس وفرق بعضهم بينهما بأنه بالجيم أن يطلب لغيره وبالحاء لنفسه وقيل بالجيم في الشر وبالحاء في الخير (لحاس) بالتشديد بضبط المصنف أي يلحس بلسانه ما يتركه الآكل على يده من الطعام (فاحذروه على أنفسكم) أي خافوه عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام غسلا جيدا فإنه (من بات وفي يده ريح غمر) بغين معجمة وميم مفتوحتين ريح اللحم وزهومته (فأصابه شئ) للبزار فأصابه خبل ولغيره لمم وهو المس من الجنون وفي أخرى فأصابه وضح أي برص والمراد فساد شئ من أعضائه إما بالخبل أو اللمم أو الوضح (فلا يلومن إلا نفسه) فإنا قد أوضحنا له البيان حتى صار الأمر كالعيان ومن حذر فقد أنذر فمن لم ينته بعد ذلك فهو الضار لنفسه قال ابن عربي رضي الله عنه أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يتصل بالإنسان بسبب الغمر فيتحسس به ويتلحسه ويتصل به فلا يسلم من أن يشاركه في بدنه فيصيبه منه داء أو جنون فليجتهد في إزالة الغمر (تنبيه) قال في البحر أخبر أنه يلحس الرائحة والغمر دون العين وعليه فمشاركته للناس في الأكل إنما هي مشاركة في رائحة طعامهم دون عينه وقد يكون مشاركته لهم
[ 453 ]
بذهاب البركة منه لعدم التسمية عليه إلى هنا كلامه ، وشنع عليه ابن العربي رضي الله عنه فقال من زعم أن أكله إنما هو الشم فقد حاد ووقع في حبالة الإلحاد بل يأكل ويشرب وينكح ويولد له قال ومن زعم أن الجن والشياطين بسائط فإنما أراد أنهم لا يفنون وهم يفنون وقول الحديث إنه حساس لحاس ليس فيه ما يقتضي عدم الأكل بل يشم ويأكل وله لذة في الشم كلذتنا في اللقمة في كل طعمة (ت ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرطهما واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه ردا شنيعا بل هو موضوع فإن فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد والناس انتهى وقال الذهبي في موضع آخر يعقوب بن الوليد الأزدري هذا كذاب واتهم فلا يحتج به قال لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقال البغوي في شرح السنة حديث حسن وهو كما قال سهيل بن أبي صالح وإن كان قد تكلم فيه لكنه مقارب فهو من هذا الوجه حسن . 2026 - (إن الشيطان) أي كيده (يجري من ابن آدم) أي فيه (مجرى الدم) في العروق المشتملة على جميع البدن قال القاضي وهذا إما مصدر أي يجري مثل جريان الدم في أنه لا يحس بجريه كالدم في الأعضاء ووجهه الشبه شدة الاتصال فهو كناية عن تمكنه من الوسوسة أو ظرف ليجري ومن الإنسان حال منه أن يجري مجرى الدم كائنا من الإنسان أو بدل بعض من الإنسان أي يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم انتهى وقال الطيبي عدى يجري بمن على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم وقوله مجرى الدم يجوز كونه مصدرا ميميا وكونه اسم مكان وعلى الأول فهو تشبيه شبه كيد الشيطان وجريان وسوسته في الإنسان بجريان دمه وعروقه وجميع أعضائه والمعنى أنه يتمكن من إغوائه وإضلاله تمكنا تاما ويتصرف فيه تصرفا لا مزيد عليه وعلى الثاني يجوز كونه حقيقة فإنه تعالى قادر على أن يخلق أجساما لطيفة تسري في بدن الإنسان به سريان الدم فيه فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال وحمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه بدليل خبر البخاري معلقا الشيطان جائم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ويجوز كونه مجازا يعني أن كيد الشيطان ووسوسته تجري في الإنسان حيث يجري منه الدم من عروقه والشيطان إنما يستحوذ على النفوس وينفث وساوسه في قلوب الأخيار بوسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي أسلحة الشيطان وقال ابن الكمال هذا تمثيل وتصوير أراد تقرير أن للشيطان قوة التأثير في السرائر فإن كان متفردا منكرا في الظاهر فإليه رغبة روحانية في الباطن بتحريكه تنبعث القوى الشهوانية في المواطن قال أعني ابن الكمال ومن لم يتنبه لحسن هذا التمثيل ضل في رد ذلك المقال وأضل حيث قال * (فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم
[ 454 ]
وعن أيمانهم وعن شمائلهم) * [ الاعراف : 17 ] كالدلالة على بطلان ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي ويخالطه لأنه إذا أمكنه ذلك لكان ما يذكره في باب المبالغة أحق أما إنه ضل فلأنه لم يدر أن الكلام المذكور مأخوذ من مشكاة النبوة مصبوب في قالب التمثيل والغرض منه بيان أن الشيطان منفور محذور منه في الظاهر مطبوع متبوع في الباطن والغرض من التمثيل المنقول عنه بيان كمال اهتمامه في أمر الإغواء وتصوير قوة استيلائه على ابن آدم من جميع الجهات وكل من التمثيلين على أبلغ نظام وأحسن وجه من الانطباع على مقتضى التمام وأما أنه أضل فلأن الفخر الرازي ذلك الإمام الهمام نقله عنه نقل قبول حيث قال قال القاضي هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان على ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي اه وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب إنفاء التهمة الذنوب في مواقعها ووجود الشياطين وهم مردة الجن وقد نطق القرآن العظيم به وإنما خالف فيه الفلاسفة الضالون ومن اقتفى فيه أثرهم كالمعتزلة (حم ق د ه عن أنس) بن مالك (ق د عن صفية) بنت حيي النضرية أم المؤمنين من ذرية هارون عليه السلام وهذا قاله وقد انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال إنها صفية قالا سبحان الله فذكره قال الغزالي فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضى بعضهم ، وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار . 2038 - (إن الصائم إذا أكل) بالبناء للمفعول أي أكل أحد (عنده) نهارا (لم تزل تصلي عليه الملائكة) أي تستغفر له (حتى يفرغ) الأكل عنده (من طعامه) أي من أكل طعامه فإن حضور الطعام يهيج شهوته للأكل فلما قمع شهوته وكف نفسه امتثالا لأمر ربه ومحافظة على ما يقربه إليه ويرضيه عنه عجبت الملائكة من إذلاله لنفسه في طاعة ربه فاستغفروا له ، وفي الحديث شمول لصوم الفرض والنفل وقصره على الفرض لا دليل عليه ولا ملجأ إليه (حم ت هب عن أم عمارة) بنت كعب الأنصارية صحابية روى عنها حفيدها عباد بن تميم وغيره قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه طعاما فقال كلي فقالت إني صائمة فذكره قال الترمذي حسن صحيح وقضية صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي وابن ماجه . 2039 - (إن الصالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق خلقه وقول القاضي البيضاوي هو الذي صرف عمره في طاعة الله وماله في مرضاته ليس على ما ينبغي لاقتضائه أنه من صرف صدرا من عمره في عمل المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بحق خدمة
[ 455 ]
ملك الملوك لا يسمى صالحا ومن البين أنه في حيز السقوط (يشدد عليهم) بالبناء للمفعول أي يشدد الله عليهم ويبتليهم ليرفع درجتهم لما مر غير مرة أن أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل (وإنه) أي الشأن (لا يصيب مؤمنا نكبة) أي مصيبة كما في المصباح (من شوكة فما فوقها إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة وقد تقدم أنه لا بدع في كون الشئ الواحد حاطا ورافعا قال الطيبي والصلاح استقامة الشئ على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح لا تخلو من شوب فساد وخلل والاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى (حم حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات . 2040 - (إن الصبحة) بالضم أي تناول ما لا ينبغي وقت الصباح أو النوم وقته ولو بعد الصلاة (تمنع بعض الرزق) أي حصوله حقيقة أو بمعنى عدم البركة فيه على ما مر وفي رواية بإسقاط بعض ما على الأول فإن من افتتح النهار بخير كان في بقيته ميمونا مباركا له من الله عون على رزقه وأما على الثاني فلأنه قد ورد أن ما بين الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب عنها ولأن من نام حتى أصبح أصبح وهو خبيث النفس كسلان ليس له نهضة في تعاطي معاشه فينقص بذلك محصوله وهكذا يكاد أن يكون محسوسا (حل) من حديث الحسن بن علي الطوسي عن محمد بن أسلم عن حسين بن الوليد عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن ابن المسيب (عن عثمان بن عفان) وهكذا رواه عن العطريف . 2041 - (إن الصبر) أي المحمود صاحبه أو الكامل ما كان (عند الصدمة الأولى) أي الوارد على القلب غب المصيبة إذ لفجأتها روعة تزعج القلب بصدمتها فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا أوردت بعد طول الأمل فقد توطن عليها ويطبعها ويصير صبره كالاضطراري فمعنى الخبر كما قال أبو عبيد إن كل ذي رزية قصاراه الصبر لكن إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها والصبر حبس النفس على مقتضى الشرع وهو لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فحبس النفس لمصيبته يسمى صبرا لا غير ويقابله الجزع وحبسها في محاربة تسمى شجاعة ويقابله الجبن في إمساك عن كلام يسمى صمتا وكتمانا ويقابله القلق وهكذا (حم ق 4 عن أنس) قال مر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر فذكره وكلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه .
[ 456 ]
2042 - (إن الصخرة) بسكون الحاء وفتحها الحجر العظيم كما يفيده قول الصحاح وغيره الصخر الحجارة العظام والواحدة صخرة بسكون الخاء وفتحها اه فقوله العظيمة صفة كاشفة (لتلقى من شفير جهنم) أي حرفها وساحلها وشفير كل شئ حرفه ومنه شفر النفس الفرج كما في المصباح وشفير النهر والبئر والقبر كما في الأساس (فتهوي بها) وفي نسخة فيها والأول هو ما في خط المصنف (سبعين عاما) وفي نسخة خريفا والأول هو الأثبت في خط المصنف (ما تفضي إلى قرارها) أي ما تصل إلى قعرها أراد وصف عمقها لأنه لا يكاد يتناهى فالسبعين للتكثير لا للتحديد جريا على عادتهم في تخاطبهم من إرادة مجرد التكثير لا خصوص العدد (ت عن عتبة) بضم أوله فمثناة فوقية ساكنة (ابن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاي المازني صحابي جليل بدري أسلم بعد ستة رجال وكان أحد الرماة وهو الذي اختط البصرة . 2043 - (إن الصداع) أي وجع بعض أجزاء الرأس أو كله فما منه في أحد شقيقه لازما سمي شقيقة أو شامل لكلها لازما سمي بيضة وخوذة وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتقان البخار فيها وهو مرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان أكثر مرض المصطفى صلى الله عليه وسلم منه والمليلة فعيلة من التملل وأصلها من الملة التي يخبز فيها فاستعيرت لحرارة الحمى ووهجها وقال المنذري المليلة الحمى التي تكون في العظم (لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف (فما يدعانه) أي يتركانه (وعليه من ذنوبه مثقال) أي ما يثاقل أي يوازن (حبة من خردل) بل يكفر الله عنه جميع ذنوبه وخص الخردل بالذكر لكمال المبالغة وهو أصغر الحبوب قدرا ، ولما نظر إلى هذا أبي بن كعب قال لعواده وقد قالوا له كيف نجدك يا أبا إسحاق قال بخير جسد أذيب وأخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه وإن بعثه بعثه خلقا جديدا لا ذنب له قال ابن العربي من فضله سبحانه على عباده أن خلق المعصية وقدرها ثم محصها وكفرها بحكمته وكفارة الأمراض والأوصاب للسيئات إن كانت صغائر مسحا مسحا وإن كانت كبائر وزنا وزنا وإن كان الكل بالميزان لكن الصغائر لا ثبات لها مع الحسنات وأما الكبائر فلا بد فيها من فضل الله تعالى في تقديره اسم الذنب وأجر الطاعة ويقابل بينهما في الوزن بحسب عمله فيسقط ما يسقط ويبقى ما يبقى بحسب الكبيرة (حم طب عن أبي الدرداء) قال المنذري فيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف . 2044 - (إن الصدق) الذي هو الإخبار على وفق الواقع وقال الحرالي : مطابقة أقواله وأفعاله
[ 457 ]
لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه (يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى البر) بالكسر اسم يجمع الخير كله وقيل هو التوسع في الخير وقيل اكتساب الحسنات واجتناب السيئات (وإن البر يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي يدعو إلى ما يكون برا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب لدخولها ومصداقه * (إن الابرا لفي نعيم) * [ الانفطار : 13 ] (وإن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان المؤمن (ليصدق) أي يلازم الصدق (حتى يكتب عند الله صديقا) بكسر فتشديد للمبالغة والمراد يتكرر منه الصدق ويداوم عليه حتى يستحق اسم المبالغة فيه ويشتهر بذلك عند الملأ الأعلى قولا وفعلا واعتقادا ثم يوضع له ذلك في قلوب أهل الأرض كما في رواية فالمراد بالكتابة الكتابة في اللوح أو في صحف الملائكة قال الطيبي حتى للتدريج (وإن الكذب) أي الإخبار بخلاف الواقع (يهدي إلى الفجور) الذي هو هتك ستر الديانة والميل إلى الفساد والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببا لدخولها وذلك داع لدخولها (وإن الرجل ليكذب) أي يكثر الكذب (حتى يكتب عند الله كذابا) (1) بالتشديد صيغة مبالغة أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم في الأولى أو الكذابين وعقابهم في الثاني فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة فيما ذكر ليشتهر في الملأ الأعلى وتلقى في قلوب أهل الأرض كما تقرر ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض ذكره العلاء وغيره ، عزوه لابن حجر رحمه الله قصور قال البعض فالمضارعان وهما يصدق ويكذب للاستمرار ومن ثم كان الكذب أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا ولهذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * [ التوبة : 119 ] وفيه كما قال النووي حث على تحري الصد والاعتناء به فإنه إذا اعتنى به أكثر منه فعر ف به وتحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به (تتمة) قال الراغب الصدق أحد أركان بقاء العالم حتى لو توهم مرتفعا لما صح نظامه وبقاؤه وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ومن عرف بالكذب لم يعتمد نطقه وإذا لم يعتمد لم ينفع صار هو والبهيمة سواه بل يكون شرا من البهيمة فإنها وإن لم تنتفع بلسانها لا تضر والكاذب يضر ولا ينفع (ق عن ابن مسعود) ووهم الحاكم حيث استدركه . 2045 - (إن الصدقة) الفرض أو النفل (لا تزيد المال إلا كثرة) في الثواب بإضعافه أضعافا كثيرة أو في البركة ودفع العوارض فهو تنبيه على ما يفاض عليه من الخيور الإلهية فالمراد الزيادة المعنوية لما أن (1) قال في الفتح المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملاء الاعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الارض . (*)
[ 458 ]
الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس إلا الحسية كما ظنه بعض الخاسرين الضالين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان (عد عن ابن عمر) بن الخطاب . 2046 - (إن الصدقة على ذي قرابة) أي صاحب قرابة وإن بعد (يضعف) لفظ رواية الطبراني يضاعف (أجرها مرتين) لأنها صدقة وصلة وفي كل منهما أجر على حدته والمقصود أن الصدقة على القريب أولى وآكد من الصدقة على الأجنبي وإن كان القريب كاشحا كما صرح به في عدة أخبار (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عبد الله بن زحر وهو ضعيف . 2047 - (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) أي سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم بأن يموت مصرا على ذنب أو قانطا من رحمة الله أو مختوما له بسئ عمل أو نحو لديغ أو غريق أو حريق أو نحوهما مما استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكره الحكيم وعزوه للعراقي فيه قصور (ت) في الزكاة (حب عن أنس) بن مالك قال الترمذي غريب قال عبد الحق ولم يبين المانع من صحته وعلته ضعف راويه أبي خلف إذ هو منكر الحديث قال ابن القطان فالحديث ضعيف لا حسن انتهى وجزم العراقي بضعفه قال ابن حجر أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان وقال ابن عدي لا يتابع عليه . 2048 - (إن الصدقة) عرفها باللام العهدية لتفيد أن المراد الصدقة المعهودة وهي الفرض (لا تنبغي) أي لا تستقيم ولا تحسن ولفظ ينبغي في استعمالهم صالحة للندب وللوجوب ولا ينبغي للكراهة والتحريم فتارة يريدون به هذا وأخرى هذا والقرينة محكمة وهو هنا للتحريم (لآل محمد) أي محمد وآله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وإطلاق الآل على الإنسان وآله شائع سائغ ونبه على أن علة التحريم الكرامة بقوله (إنما هي أوساخ الناس) أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تطهر أدرانهم وتزكي أموالهم ونفوسهم * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * [ التوبة : 103 ] فهي كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن زعم استثناءه فقد أبعد ومستنده خبر مرسل ضعيف وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت رفغيه فشربته فغضب وقال أتقول لي هذا قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها قال الطيبي وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى حيث جعل المشبه به أوساخ الناس
[ 459 ]
للتهجين والتقبيح بتغير أو استقذار وجل حضرة الرسالة ومنبع الطهارة أن ينسب إلى ذلك ولذلك جرد عن نفسه الطاهرة من يسمى محمدا كأنه غيره وهو هو فإن الطيبات للطيبين ولا يقال كيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطرارا وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميت * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * [ البقرة : 173 ] (حم م) في الزكاة (عن المطلب) بضم الميم وشد الطاء (بن ربيعة) ابن الحارث الهاشمي له صحبة وفيه قصة ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن المطلب لكنه أخرج تحريم الصدقة على الآل عن أبي هريرة . 2049 - (إن الصدقة لتطفئ عن أهلها) أي عن المتصدقين بها لوجه الله تعالى (حر القبور) أي محل الدفن ، خصها بذلك لأنها إذا وقعت في يد جيعان أطفأت عنه تلهب الجوع وتحرقه وإيلام الجوع البالغ أشد من إيللام حرق النار فكما أخمد المتصدق حر الجوع يجازى بمثله إذا صار مجندلا في القبور جزاء وفاقا ولأن الخلق عيال الله وهي إحسان إليهم والعادة أن الاحساس إلى عيال الإنسان يطفئ غضبه وإنما حر النار من غضبه (وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة) من وهج الشمس في الموقف (في ظل صدقته) كأن صدقته تجسد كالطود العظيم فيكون في ظله أو هو مجاز وقال العامري ليس المراد بها ظله من حر الشمس فقط بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته وتوصله إلى جميع المحاب من قولهم فلان في ظل فلان وتمسك به من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولو لم يكن في فضل الصدقة إلا أنها لما تفاخرت الأعمال كان لها الفضل عليهن لكفى (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف . 2050 - (إن الصداقة يبتغي) بالبناء للمجهول أي يراد (بها) من المتصدق (وجه الله تعالى) من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه فمن أخلص في تلك الإرادة فقد قر عينا بالجزاء عليها وجعلها كالغسالة لذنوبه (والهدية يبتغي بها وجه الرسول) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وقضاء الحاجة) التي قدم الوفد عليه فيها فهي من أجل حق المال لأنها من فوق رتبة المهدي والهبة للمثل أو الدون والهبة تمليك عين في الحياة مجانا فإن انضم إلى التمليك قصد إكرام المعطي فهو هدية أو قصد ثواب الآخرة فصدقة وكلها مندوبة (طب عن عبد الرحمن بن علقمة) بفتح المهملة والقاف ويقال ابن أبي علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال ما هذه قالوا صدقة قال إن الصدقة يبتغى بها وجه الله وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة فقال لا بل هدية فقبلها منهم انتهى وبه يتضح معنى الحديث ولولاه لكان مغلقا وعبد الرحمن هذا ذكر أنه كان في
[ 460 ]
وفد ثقيف وقال أبو حاتم هو تابعي لا صحبة له ذكره ابن الأثير وغيره واختصره الذهبي فقال مختلف في صحبته . 2051 - (إن الصدقة) أي المفروضة وهي الزكاة كما يدل عليه تعريفها (لا تحل لنا) أهل البيت لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والمقامات الرفيعة السنية (وإن مولى القوم) أي عتيقهم والمولى أيضا الناصر والحليف والمعتق وغير ذلك لكن المراد هنا الأول (منهم) أي حكمه حكمهم وكما لا تحل الزكاة لنا لا تحل لمعتقنا قال في المظهر هذا ظاهر الحديث لكن قال الخطابي موالي بني هاشم لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يحرمون الصدقة وإنما نهى عن ذلك تنزيها لهم وقال مولى القوم منهم على سبيل التسبيه في الاستنان منهم والافتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكفيه مؤونته فنهاه عن أخذ الزكاة (ت ن ك) في الزكاة (عن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة فقال استصحبني كما تصيب منها فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد أعلى من الثلاثة وهو عجيب فقد رواه الإمام أحمد وكأنه ذهل عنه . 2052 - (إن الصعيد الطيب) أي التراب الخالص الطاهر (طهور) بفتح الطاء أي مطهر أي كاف في التطهير (للمرء المسلم) واحتج به داود على مذهبه أن التيمم يرفع الحدث وقال الباقون المراد به أنه قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ولو كان طهورا حقيقة لم يحتج الجنب بعد التيمم أن يغتسل (ما لم تجد الماء) بلا مانع حسي أو شرعي (ولو إلى عشر حجج) أي سنين ، قاله لمن يعزب عن الماء ومعه أهله فيجنب (فإذا وجدت الماء) بلا مانع (فامه) كذا بخط المصنف وفي رواية فأصبه (بشرتك) أي أوصله إليها وأسله عليها في الطهارة من وضوء أو غسل وفي رواية الترمذي فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير فأفاد أن التيمم ينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية الطهور بالتراب والمراد بالصعيد في هذا الحديث وما أشبهه تراب له غبار فلا يجزئ التيمم بغيره عند الشافعية لخبر جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ولم يشترط الحنفية الغبار بل أجازوا الضرب على الصخر (م د ت عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح . 2053 - (إن الصفا) بالقصر أي الحجارة المليس واحدتها صفاة كحصى وحصاة أو الحجر الأملس فهو يستعمل في الجمع والمفرد فإذا استعمل في الجمع فهو الحجارة أو في المفرد فالحجر (الزلال)
[ 461 ]
بتشديد اللام الأولى بضبط المؤلف أي مع فتح الزاي وكسرها والكسر كما في المصباح أفصح أرض مزلة تزل بها الأقدام والمزلة المكان الرحب (الذي لا تثبت عليه) أي لا تستقر (أقدام العلماء الطمع) (1) فإنه يذهب الحكمة من قلوبهم كما يأتي في خبر الشيطان طلاع رصاد لدعائهم له يشغلهم عن ذكر الله وصرف زمنهم بعلمهم في المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات حتى تنقضي أعمارهم وهم على تلك الحال فيكون علمهم عليهم وبالا * (حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا) * [ يونس : 24 ] وعدم الطمع والزهد في الدنيا لما كان ملكا حاضرا حسدهم الشيطان عليه فصدهم عنه وصيرهم بالطمع عبيدا لبطونهم وفروجهم حتى صار أحدهم مسخرا له كالبهيمة يقوده بزمام طمعه إلى حيث يهوي ، قال الشافعي رضي الله تعالى عنه كتب حكيم لحكيم قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب والطمع فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم ، وقال الراغب العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره ، وقال من أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة فيه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبد الله بن حنظلة وقال احفظ عني شيئا قال لا حاجة لي به قال تنظر فإن كان خيرا أقبله وإلا فلا : لا تسأل إلا الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت وقال بعضهم الطمع هو الذي يذل الرقاب ويسود الوجه ويميت القلوب وعلاجه سلوك طريق القناعة ويحصل بسد باب التوسعات والاقتصار على ما لا بد منه مأكلا ومشربا ومسكنا وملبسا ونحو ذلك ، قال أبو جعفر البغدادي ست خصال لا تحسن بست رجال لا يحسن الطمع في العلماء ولا العجلة في الأمراء ولا الشح في الأغنياء ولا الكبر في الفقراء ولا السفه في المشايخ ولا اللؤم في ذوي الأحساب (ابن المبارك) في الزهد (وابن قانع) في المعجم كلاهما عن ابن معين (عن سهيل) بالتصغير وفي نسخة سهل والأول هو ما في خط المصنف (ابن حسان) الكلبي (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله ورواه ابن عدي والديلمي موصولا من حديث أسامة بن زيد وابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات . 2054 - (إن الصلاة والصيام والذكر) أي التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (يضاعف) ثوابه (على) ثواب (النفقة في سبيل الله تعالى (1) أي في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله (1) وهذا كناية عما يزلهم ويمنعهم الثبات على الاستقامة فالعلماء أحق الخلق بترك الطمع وبالزهد في الدنيا لان الخلق يتبعونهم ويقتدون بهم . (2) أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء الله لاعلاء كلمة الله . (*)
[ 462 ]
(بسبعمائة ضعف) على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا الله لأنه أفضل أنواع الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي خبر من قال سبحان الله كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جوابا لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فغير ليس معه ما ينفقه فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر (د ك) في الجهاد عن (معاذ بن أنس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي . 2055 - (إن الصلاة قربان المؤمن) أي يتقرب بها إلى الله تعالى ليعود بها وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهي أعظم العبادات المتعلقات بالإيمان المثابر عليها سابق الخوف المبادر لها تشوقا بصدق المحبة فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب إليها وهي بناء وعمود وأركان وحظيرة محوطة فالعمود الإيمان وإفراد التذلل إلى الله تعالى توحيدا * (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * [ النساء : 36 ] وهو أول ما أقام الله من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو عشر سنين ثم لما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب على الصلاة فرضت الخمس فاستوى في فرضها المحب والخائف وسن النبي صلى الله عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها ، ذكره الحرالي ، قال القاضي والقربان اسم لما يتقرب إلى الله تعالى كما أن الحلوان اسم لما يحل أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن اه وغير الصلاة من العبادات يتقرب به أيضا لكن المراد هنا أن شأن المؤمن الكامل وهو المتقي أن يكون اهتمامه بالتقرب بها لكونها أفضل القرب وأعظم المثوبات وبذلك تحصل الملاءمة بين قوله هنا المؤمن وقوله في الخير الآتي الصلاة قربان كل تقي (1) (عد عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف لكن يقويه الخبر الآتي الصلاة قربان كل تقي . 2056 - (إن الضاحك في الصلاة) فرضها ونفلها (والملتفت) فيها عن يمينه أو يساره بعقته (والمنقطع أصابعه) أصابع يديه أو رجليه (بمنزلة واحدة) حكما وجزاءا ومذهب الشافعي أن الثلاثة (1) ولا يعارض عموم قوله هنا المؤمن قوله في حديث كل تقي لأن مراده أنها قربان للنافص والكامل وهي للكامل أعظم لأنه يتسع فيها من ميادين الأبرار ويشرق له من شوارق الأنوار ما لا يحصل لغيره ولذلك رؤي الجنيد فقيل له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم وبليت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر . (*)
[ 463 ]
مكروهة تنزيها ولا تبطل بها الصلاة ما لم يظهر من الضحك حرفان أو حرف مفهم أو يتوالى مما بعده ثلاثة أفعال وما لم يتحول صدره عن القبلة ولا بطلت صلاته وتفقيع الأصابع فرقعتها وقد كرهه السلف كابن عباس وغيره وصرح النووي بكراهته لقاصد المسجد أيضا قياسا على التشبيك (حم طب هق عن معاذ بن أنس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه ابن لهيعة يرويه عن زياد بن فائد ضعيف قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن زياد بن فائد وهو ضعيف . 2057 - (إن الطير) بسائر أنواعها (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (سبحت ربها) بلسان القال كما يعلم من خطاب الطير لسليمان وفهمه وفهم غيره أيضا من بعض الأولياء لكلامهما * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * [ الاسراء : 44 ] (وسألته قوت يومها) أي طلبت منه تيسير حصول ما يمسك رمقها ويقوم بأودها من الأكل ذلك اليوم لعلها بالإلهام الإلهي أن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وأنه لا رزاق غيره ، ومفهوم الحديث أنه إذا كانت الطير كذلك فالآدمي العاقل ينبغي أن يسأل الله تعالى ذلك في كل صباح ومساء وأن يبكر في طلب رزقه فإن الصبحة تمنع الرزق قال القاضي والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب (خط) في ترجمة عبيد بن الهيثم الأنماطي عن الحسين بن علوان عن ثابت بن أبي صفية عن علي بن الحسين عن أبيه (عن علي) أمير المؤمنين قال ثابت : كنا مع علي بن الحسين بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر بنا عصافير يصحن فقال : أتدرون ما تقول ؟ قلنا لا قال أما إني لا أعلم الغيب لكن سمعت أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره والحسين بن علوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم متروك . 2058 - (إن الظلم) في الدنيا (ظلمات) بضم اللام وتفتح وتسكن وجمعها لكثرة أسبابها (يوم القيامة) حقيقة بحيث لا يهتدي صاحبه يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا وأن المؤمن يسعى بنوره المسبب عن إيمانه في الدنيا أو مجازا عما يناله في عرصاتها من الشدائد والكروب أو هو عبارة عن الأنكال والعقوبات بعد دخول النار ويدل على الأول قول المنافقين للمؤمنين * (انظرونا نقتبس من نوركم) * ووحد المبتدأ وجمع الخبر إيماء إلى تنوع الظلم وتكثر ضروبه كما سبق ، ثم هذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه وقد تطابقت الملل والنحل على تقيبح الظلم (1) ، ومن أحسن ما قيل : (1) قال العلقمي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لانه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لانه لو استشار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتفت ظلمات الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا . (*)
[ 464 ]
إذا ظالم استحسن الظلم مذهبا * * ولج عتوا في قبيح اكتسابه فكله إلى ريب الزمان فإنه * * ستبدي له ما لم يكن في حسابه فكم قد رأينا ظالما متجبرا * * يرى النجم تيها تحت ظل ركابه فلما تمادى واستطال بظلمه * * أناخت صروف الحادثات ببابه وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي * * وصب عليه الله سوط عذابه ويكفي في ذمه * (وقد خاب من حمل ظلما) * . % - (ق ت عن ابن عمر) بن الخطاب . 2059 - (إن العار) أي ما يتعير به الإنسان زاد في رواية والتخزية (1) (ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي) وفي نسخة لي والأول هو ما في خط المصنف (إلى النار) نار جهنم (أيسر علي مما ألقى) من الفضيحة والخزي مغروز في أسته (وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب) لكنه يرى أن ما هو فيه أشد وأكثر إيلاما لكثرة ما يقاسيه من نشر فضائحه على رؤوس الأشهاد في ذلك الوقف الحافل الهائل الجامع للأولين والآخرين وهذا فيمن سبق عليه الكتاب بالشفاء والعذاب وأما من كتب في الأزل من أهل السعادة فيدنيه الله تعالى منه ، يعرفه ذنوبه ويقول له ألست عملت كذا في يوم كذا وكذا في وقت كذا فيقول بلى يا رب حتى إذا قرره بها واعترف بجميعها يقول له فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم كما جاء في خبر آخر فلا يلحقه عار ولا فضيحة (ك) في الأهوال من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال صحيح وتعقبه الذهبي بأن الفضل واه فأبى له الصحة ؟ وفي الميزان عن بعضهم لو ولد الفضل أخرس لكان خيرا له ثم ساق الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وقال الهيثمي رواه أبو يعلى أيضا وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو مجمع على ضعفه . 2060 - (إن العبد) أي الإنسان حرا أو قنا (ليتكلم) في رواية يتكلم بحذف اللام (بالكلمة (1) اللام للجنس حال كونها (من رضوان الله) أي من كلامه فيه رضى الله تعالى ككلمة يدفع بها مظلمة (لا (1) أي من القبائح التي فعلها في الدنيا كغادر ينصب له لواء غدره عند إمته والغال من الغنيمة نحو بقرة يأتي وهو حامل لها وغير ذلك . (2) أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشرك سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة . (*)
[ 465 ]
يلقى) بضم الياء وكسر القاف حال من الضمير في يتكلم (لها بالا) أي لا يتأملها ولا يلتفت إليها ولا يعتد بها بل يظنها قليلة وهي عند الله عظيمة (يرفعه الله بها) أي بسببها (درجات) استئناف جواب عمن قال ماذا يستحق المتكلم بها (وإن العبد ليتكلم بالكلمة) الواحدة (من سخط الله) أي مما يغضبه ويوجب عقابه (لا يلقى) بضبط ما قبله (لها بالا يهوى بها) بفتح فسكون فكسر أي يسقط بتلك الكلمة (في جهنم) * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) * [ النور : 15 ] وهذا حث على التدبر والتفكر عند التكلم فإن الشيطان يزين الشر في صورة الخير (تنبيه) قال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر عند كل قول وفعل فقد يكون في جزع فتظنه تضرعا وابتهالا وتكون في رياء محض وتحسبه حمدا وشكرا ودعوة للناس إلى الخير فتعد على الله المعاصي بالطاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس الفرار (حم خ) في الرقاق (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي ورواه الحاكم متعرضا لبيان السبب فقال كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم فإني سمعت بلال بن الحارث يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره . 2061 - (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبن ما فيها) بمثناة تحتية مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة تحتية مشددة مكسورة فنون هكذا ضبطها الزمخشري قال وتبن دقق النظر من التبانة وهي الفطنة والمراد التعمق والإغماض في الجدل وأدى ذلك إلى التكلم بما ليس بحق ومنه حديث سالم كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها إنه يتفق عليها من كل المال حتى ما تبنتم تبنتم أي دققتم النظر حتى قلتم غير ذلك إلى هنا كلامه قال بعض المحققين أخذا من كلام القاضي وتبن حال لأن الكلمة معرفة والجملة نكرة فلا تكون صفة للمعرفة انتهى وما ذكر من أن الرواية يتبين هو ما في كلام هؤلاء الأجلة الأكابر لكني وقفت على نسخة المصنف بخطه فوجدتها يتبين وكذا أوردها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يتبين ما فيها وقال معناه لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره حتى يثبته فيها فلا يقولها إلا إن ظهرت المصلحة في القول بعضهم ما يتثبتها بعبارة واضحة وفي رواية مسلم ما يتبين ما فيها قال وهذه أوضح ، وما الأولى نافية والثانية موصولة أو موصوفة (يزل) بفتح أوله وكسر الزاي يسقط وفي رواية مسلم بدل يزل يهوي (بها في النار) نار جهنم (أبعد ما) وفي رواية مما (بين المشرق والمغرب) يعني أبعد قعرا من البعد الذي بينهما والقصد به الحث على قلة الكلام وتأمل ما يراد النطق به فإن كثيرا من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يسيره الهوى وتحول بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان ويزينا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام وأن كلامه كله في نهاية التمام ، قال أهل السلوك وطريق التوبة منها أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيعه أو ذنب ركبه ويتأمل في منطقه ولحظه واستماعه وبطشه وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره (تنبيه) قال ابن عربي الحروف نوعان رقمية فإذا رقمت صحبتها أرواحها وحياتها وإذا محي الحرف انتقلت روحه إلى البرزخ مع الأرواح
[ 466 ]
فموت الشكل زواله بالمحو ولفظية تتشكل في الهوى فإذا تشكلت قامت بها أرواحها ولا يزال الهوى يمسك عليها تشكلها وإن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول التشكل ثم تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها بتسبيح ربها ولو كانت كلمة كفر فوبالها يعود على المتكلم بها لا عليها وهذا معنى ما نطق به هذا الحديث فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها وما يعرض إليها فهذا القرآن يقرأ على جهة القربة إلى الله وفيه ما قالت اليهود والنصارى في حق الله تعالى من الكفر وهي كلمات يتعبد بتلاوتها وتتولى يوم القيامة عذاب أصحابها والحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بخلاف الرقمية لأن شكل الرقمي يقبل التغير والزوال لأنه بمحل يقبل ذلك ، واللفظي في محل لا يقبله فلهذا كان له البقاء فالجو كله مملوء من كلام العالم يراه صاحب الكشف صورا قائمة (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2062 - (إن العبد) أي الإنسان المؤمن (إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (أتي) بالبناء للمفعول أي جاءه الملك أو من شاء الله من خلقه بأمره (بذنوبه كلها) ظاهره يشمل الكبائر وقياس ما يجئ في نظائره استثناؤها (فوضعت على رأسه وعاتقيه) تثنية عاتق وهو ما بين المنكب والعنق وهو محل الرداء ويذكر ويؤنث ثم يحتمل أن الموضوع الصحف التي هي فيها ويحتمل أن تجسد ويحتمل أنه مجاز على التشبيه (فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) حتى لا يبقى عليه ذنب وذكر الركوع والسجود ليس للاختصاص بل تحقيقا لوجه التشبيه فإن من وضع شئ على رأسه لا يستقر إلا ما دام منتصبا فإذا انحنى تساقط فالمراد أنه كلما أتم ركنا من الصلاة سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن به لفظ العبد والقيام إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد حقير ذليل ومن لم يكن كذلك فصلاته التي هي أعظم الطاعات أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر (طب حل هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد لله بن صالح كاتب الليث ضعفه الجماعة أحمد وغيره . 2063 - (إن العبد) أي القن (إذا نصح لسيده) أي قام بمصالحه عن وجه الخلوص وامتثل أمره وتجنب نهيه ويقال نصحته ونصحت له قال الطيبي واللام مزيدة للمبالغة قال الكرماني النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح وهي إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفية الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها وواجباتها وما يمكنه من مندوباتها بأن لم يفوت حق السيد (كان له أجره مرتين) لقيامه بالحقير وانكساره بالرق قال البعض وليس الأجران متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوق ورده أبو زرعة بأن طاعة المخلوق هنا من طاعة الله ثم
[ 467 ]
التضعيف يختص بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا يؤجر عليه باعتبارين أما العمل المختلف الجهة فلا يختص العبد بتضعيف الأجر فيه على الحر فالمراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأجرهما (مالك) في الموطأ (حم ق د عن ابن عمر) بن الخطاب . 2064 - (إن العبد) أي الإنسان (ليذنب) أي يوقع ويفعل (الذنب فيدخل به) بسببه (الجنة) لأن الذنب مستجلب للنوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله * (إن الله يحب التوابين) * [ البقرة : 222 ] والله لا يدخل من يحبه النار (يكون نصب عينيه) أي مستحضرا استحضارا تاما كأنه يشاهده أبدا تائبا إلى الله تعالى فارا منه إليه حتى يدخل به الجنة لأنه كلما ذكره طار عقله حياء وحشمة من ربه حيث فعله وهو بمرأى منه ومسمع فيجد في توبته ويتضرع في إنابته بخاطر منكس وقلب حزين والله يحب كل قلب حزين كما مر في خبر ومن أحبه أدخله جنته ورفع منزلته قال الداراني ما عمل داود عملا أنفع له من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى الله حتى اتصل بالله وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليوصله إلى هذه الدرجة ويحله هذه الرتبة فيجذبه إلى نفسه ويؤديه في كنفه ويصونه عمن سواه ولا يعارض ما تقرر خبر الذنب شؤم لأنه شؤم على من لم يوفق للتوبة والإنابة (ابن المبارك) في الزهد عن المبارك بن فضالة (عن الحسن) يعني البصري (مرسلا) ولأبي نعيم نحوه . 2065 - (إن العبد إذا كان همه الآخرة) أي عزمه أي ما يقربه إليها (كف الله تعالى) أي جمع (عليه ضيعته) أي ما يكون منه معاشه كصنعة وتجارة وزراعة أو راد رد الله عليه ما ضاع له أي ما هو منزل منزلته (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا) بالله (ولا يمسي إلا غنيا) به لأن من جعل غناه في قلبه صارت همته للآخرة وأتاه ما قدر له من الدنيا في راحة من بدنه وفراغ من سره والصباح والمساء كناية عن الدوام والاستمرار (وإذا كان همه الدنيا أفشى الله) أي يكثر تعالى (عليه ضيعته) ليشتغل عن الآخرة فيصير قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره فيبقى متحيرا ضائعا لا يدري ممن يطلب رزقه ولا ممن يلتمس رفقه ، فهمه شعاع وقلبه أوزاع (جعل فقره بين عينيه) يشاهده (فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) خص المساء والصباح لأنهما وقت الحاجة للتقوت غالبا وإلا فالمراد أن غناه يكون حاضرا أبدا وفقره كذلك والدنيا فقر كلها لأن حاجة الراغب فيها لا تنقضي فهي كداء الظمأ كلما زاد صاحبه شربا ازداد ظمأ فمن كانت الدنيا نصب عينيه صار الفقر بين عينيه وتفرق سره وتشتت أمره
[ 468 ]
وتعب بدنه وشرهت نفسه وازدادت الدنيا منه بعدا وهو لها أشد طلبا فمن رأى نفسه مائلة إلى الآخرة فليشكر ربه على ذلك ويسأله الازدياد من توفيقه ومن وجد نفسه طامحة إلى الدنيا فليتب إلى الله ويستغيث به في إزالة الفقر من بين عينيه والحرص من قلبه والتعب من بدنه قال ابن القيم ولولا سكرة عشاق الدنيا لاستغاثوا من هذا العذاب على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه ومن عذابهم اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة أهلها إياها ومقاساة معاداتهم ومن أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب ، ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري . 2066 - (إن العبد إذا صلى) فرضا أو نفلا (في العلانية) بالتخفيف كما في المصباح أي حيث يراه الناس وإعلان الشئ إظهاره وعلن ظهر وأمر علان ظاهر (فأحسن) صلاته (1) (وصلى في السر) أي حيث لا يراه الناس وهو ضد العلن (فأحسن قال الله تعالى) مظهرا لثنائه على ذلك العبد الملأ الأعلى ناشرا لفضله منوها برفع درجته إلى مقام العبودية الذي هو أفخر المقامات وأسنى الدرجات (2) (هذا عبدي حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا وأراد بالإحسان فيها أن يصليها محتملا لمشاقها محافظا على ما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوسواس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصب بين يدي جبار السماوات ليسأل فك الرقاب من سخطه (ه عن أبي هريرة) وفيه بقية وقد سبق عن ورقاء اليشكري وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال لينه ابن القطان . 2067 - (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها) أي فيما ينفقه على نفسه وعلى من عليه مؤونته (إلا في البناء) الذي لا يحتاجه أو المزخرف أما بيت يقيه من نحو حر وبرد ولص أو جهة قريبة كمسجد ومدرسة ورباط وحوض ومصلى عيد ونحوها فمطلوب محبوب وفاعله على الوجه المطلوب شرعا محتسبا مأجورا لأن المسكن كالغذاء في الاحتياج إليه وفضل بناء المساجد ونحوها معروف وعلى الزائد على الحاجة ينزل خبر القبة السابق وما ذكر من أن اللفظ إلا في البناء هو ما في خط المصنف فمن زعم أنه إلا في البنيان لم يصب وإن كانت رواية (ه عن خبات) بن الأرت . (1) بأن أتى يطلب فيها من أركان وشروط ومستحبات من خشوع ونحوها كان واقفا عند حدود الله ممتثلا لاوامره مجتنبا لمناهيه . (2) أي فيحبونه ثم تقع محبته في قلوب أهل الارض فهذا هو العبد الذي يوصف بأنه قائم على قدم الطاعة . (*)
[ 469 ]
2068 - (إن العبد ليتصدق بالكسرة) من الخبز ابتغاء وجه الله (تربو) أي تزيد (عند الله حتى تكون) في العظم (مثل أحد) بضمتين الجبل المعروف قال في المطامح المراد به كثرة جزائها والثواب المترتب عليها لا أنها تكون كالجبل حقيقة لأنها تفنى وتنقضي عند تناولها ويحتمل أن يخلق الله مثلها من جنسها على صفة خبز الجنة (طب عن أبي برزة) قال الهيثمي فيه سوار بن مصعب وهو ضعيف . 2069 - (إن العبد إذا لعن شيئا) آدميا أو غيره بأن دعى عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله تعالى (صعدت) بفتح فكسر (اللعنة إلى السماء) لتدخلها (فتغلق أبواب السماء دونها) لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * [ فاطر : 10 ] (ثم تهبط) أي تنزل (إلى الأرض) لتصل إلى سجين (فتغلق أبوابها دونها) أي تمنع من النزول (ثم تأخذ يمينا وشمالا) أي تتحير فلا تدري أين تذهب (فإذا لم تجد مساغا) أي مسلكا وسبيلا تنتهي إليه لمحل تستقر فيه (رجعت إلى الذي لعن) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (فإن كان لذلك) أي اللعنة (أهلا) رجعت إليه فصار مطرودا مبعودا فإن لم يكن أهلا لها (رجعت) بإذن ربها (1) (إلى قائلها) لأن اللعن طرد عن رحمة الله فمن طرد ما هو أهل لرحمته عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر ، ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * [ آل عمران : 13 ] (د) في الأدب عن أبي الدرداء ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط وفيه عنده داود بن المحبر ضعيف ولما عزاه ابن حجر في الفتح إلى أبي داود وقال سنده جيد وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس ورواته ثقات لكنه أعل بالإرسال ، هكذا قال . 2070 - (إن العبد) في رواية إن المؤمن (إذا أخطأ خطيئة) في رواية أذنب ذنبا (نكتت) بنون (1) قوله بإذن ربها . والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وقعت عليه وإلا قالت يا رب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا ، فيقال ارجعي من حيث جئت ، يعني إلى قائلها . (*)
[ 470 ]
مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة (في قلبه) لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه (نكتة) أي أثر قليل كنقطة (سوداء) في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه ، قال الحرالي وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر (فإن هو نزع) أي أقلع عنه وتركه (واستغفر الله وتاب) إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما (صقل) وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي (قلبه) بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت (وإن عاد) إلى ذلك الذنب أو غيره (زيد) بالبناء للمفعول (فيها) نكتة أخرى وهكذا (حتى تعلو على قلبه) أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيرا قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان وليا من دون الله فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلا * (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا) * [ النساء : 119 ] (رهو الران) أي الطبع (1) (الذي ذكره الله) تعالى في كتابه بقوله عز قائلا (كلا بل ران) أي غلب واستولى (على قلوبهم) الصدأ والدنس (ما كانوا يكسبون) من الذنوب قال القاضي المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحه هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعا وهو الران ، وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة إلى هنا كلامه ، قال الطيبي وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفا للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا ، أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم وقال الغزالي القلب كالمرآة ومنه الآثار (1) قال العلقمي هو شئ يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم . (*)
[ 471 ]
المذمومة كدخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب فلا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى حتى يسود ويظلم ويصير محجوبا عن الله تعالى وهو الطبع والرين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك يعمى عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويهتم بها وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وأخطارها دخل من أذن وخرج من أخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة * (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) * [ الممتحنة : 13 ] (تنبيه) قيل لحكيم لم لا تعظ فلانا قال ذاك على قلبه قفل ضاع مفتاحه فلا سبيل لمعالجة فتحه (فائدة) قال حجة الإسلام لا يذنب العبد ذنبا إلا ويسود وجه قلبه فإن كان من السعداء ظهر السواد على ظاهره لينزجر وإلا أخفى عنه لينهمك ويستوجب النار (حم ت ن) في التفسير (ه) في الزهد (هب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) وصححه الترمذي وقال الذهبي في المهذب إسناده صالح . 2071 - (إن العبد) أي المؤمن (ليعمل الذنب) الصادق بالكبيرة والصغيرة (فإذا ذكره أحزنه) أي أسف على ما كان منه وندم (وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع) من الذنب (قبل أن يأخذ في كفارته) أي يشرع فيما يكفره (بلا صلاة ولا صيام) لأن العبد المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى ذنوبه كذباب يقع على أنفه قال به هكذا فطار ومن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يكون في غاية الحذر منها فإذا صدرت منه هفوة اشتعلت نار الخوف والحزن في قلبه ومع ذلك لا يرجو لغفرها سوى ربه فهذا عبد أواه مقبل على ربه متبرئ مما سواه نازح عن المظالم فار من المآثم وهو الذي أراده الله من عباده ليغفر له قبل الاستغفار اللساني هكذا فافهم (حل وابن عساكر) في التاريخ كلاهما عن عيسى بن خالد اليماني عن صالح المري عن هشام بن محمد (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث هشام وصالح لم يكتبه من حديث عيسى انتهى وقال الحافظ العراقي فيه صالح المري رجل صالح لكنه مضعف في الحديث . 2072 - (إن العبد) المؤمن المخلص (إذا وضع في قبره) بالبناء للمفعول (وتولى عنه) أي أعرض (أصحابه) المشيعون له من أهله وأصدقائه (حتى إنه) بكسر همزة إن لوقوعها بعد حتى الابتدائية (يسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند الرؤوس قال القاضي : يعني لو كان حيا فإن جسده قبل أن يأتيه الملك فيقعده ميت لا حس فيه انتهى وسيجئ ما ينازع فيه قال الطيبي وقوله : (أتاه) جواب الشرط
[ 472 ]
والجملة خبر إن وقوله وإنه يسمع قرع نعالهم إما حال بحذف الواو أو كأحد الوجهين في قوله تعالى : * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا) * الآية (ملكان) بفتح اللام منكر ونكير بفتح كاف الأول وكلاهما ضد المعروف سميا به لأنهما لا يشبه خلقهما خلق آدمي ولا ملك ولا غيرهما وهما أسودان أزرقان (1) جعلهما الله نكرة للمؤمن ليبصره ويثبته وعذابا على غيره (فيعقدانه) (2) حقيقة بأن يوسع اللحد حتى يجلس فيه زاد في رواية فتعاد روحه في جسده وظاهره في كله ونقله المصنف في أرجوزته عن الجمهور لكن قال ابن حجر ظاهر الخبر في النصف الأعلى وجمع بأن مقرها في النصف الأعلى ولها اتصال بباقيه وقيل وجزم به القاضي والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه أجرى الإقعاد مجرى الإجلاس وقد يقال أجلسه من نومه إذا أيقظه والحديث ورد بهما والظاهر أن لفظ الرسول فيجلسانه وبعض الرواة أبدله بيقعدانه فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع وهو في ذلك تابع للأثر حيث قال عقب قوله يقعدانه وفي حديث البراء فيجلسانه وهو أولى بالاختيار لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام فيقولون القيام والقعود ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس يقال قعد عن قيامه وجلس عن مضجعه واستلقائه وحكى أن نصر بن جميل دخل على المأمون فسلم فقال له اجلس فقال : يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس فقال كيف أقول قال اقعد فالمختار من الروايتين الإجلاس لموافقته لدقيق المعنى وتصحيح الكلام وهو الأجدر ببلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل من روى فيقعدانه ظن أن اللفظين بمعنى ولهذا أنكروا رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد ورده الطيبي بأن الأقرب الترادف وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية ونحن نقول به إذا كانا مذكورين معا نحو * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * [ آل عمران : 191 ] لا إذا لم يكن أحدهما مذكورا ، ألا ترى إلى حديث مجئ جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله إذ طلع علينا ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم وكذا لم يرد في نص الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس (فيقولان له) الظاهر أن أحدهما يقول (3) لحصول الاكتفاء به لكن لما كان كل منهما بصدد القول نسب إليهما جميعا (ما كنت) في حياتك (1) أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد يحفران الارض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما معهما مرزية لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها . (2) قوله فيقعدانه : زاد في حديث البراء . فتعاد روحه في جسده ظاهره في جميع الجسد لكن سئل الحافظ عن ذلك فأجاب بأن ظاهر الخبر أنهما تحمل في النصف الاعلى انتهى قلت ويمكن أن يقال قوة حلولها في النصف الاعلى ولها اتصال بالنصف الاسفل لكن مقرها وقوتها في الاعلى . (3) أي مع حضور الاخر . (*)
[ 473 ]
(تقول) أي أي شئ تقوله (في هذا الرجل (1) لمحمد) أي في محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله لمحمد بيان من الراوي للرجل أي لأجل محمد ولم يقولا رسول الله أو النبي امتحانا له واغرابا على المسؤول لئلا يتلقى تعظيمه منهما فيقول تقليدا لا اعتقادا وفهم بعض من لفظ الإشارة أنه يكشف له عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه عيانا فيقال ما تقول في هذا وأبطله ابن جماعة بأن الإشارة تطلق في كلامهم على الحاضر والغائب كما يقول المرء لصاحبه ما تقول في هذا السلطان وهما لم يرياه (فأما المؤمن) أي الذي قبض على الإيمان (فيقول) بعزم وجزم من غير تلعثم ولا توقف (أشهد أنه عبد الله ورسوله) إلى كافة الثقلين (فيقال) أي فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما (انظر إلى مقعدك من النار) أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك (قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة) أي محل قعودك فيها (فيراهما جميعا) أي يرى مقعده من النار ومقعده من الجنة فيزداد فرحا إلى فرح ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار وإدخاله الجنة وأما الكافر فيزداد غما إلى غم وحسرة إلى حسرة بتفويت الجنة وحصول النار له (ويفسح له في قبره) أي يوسع له فيه (سبعون ذراعا) (2) يعني شيئا كثيرا جدا فالسبعين للتكثير لا للتحديد كما في نظائره (ويملأ عليه خضرا) أي ريحانا ونحوه ويستمر كذلك (إلى يوم يبعثون) من القبور (وأما الكافر) أي المعلن بكفره (أو المنافق) الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهذا شك من الراوي أو بمعنى الواو قال ابن حجر والروايات كلها مجمعة على أن كلا منهما يسأل انتهى وفيه رد لقول ابن عبد البر لا يسأل الكافر لكن رجحه المصنف في أرجوزته قيل والسؤال من خصائص هذه الأمة وقيل لا وقيل بالوقف وقيل والمؤمن يسأل سبعا والمنافق أربعين صباحا (فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له (3) لا دريت) بفتح الراء (ولا تليت) من الدراية والتلاوة أصله تلوت أبدلت الواو ياء لمزاوجة دريت ومجموع ذلك دعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا (4) أو أخبار له أي لا علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون ذكره ابن بطال وغيره وقال الخطابي هكذا يرويه المحدثون وهو غلط وصوابه أتليت بوزن أفعلت من قولك (1) قوله في هذا الرجل زاد أبو داود في أوله ما كنت تعبد فإن هداه الله قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فالاقتصار على البعض من بعض الرواة قال ابن مردويه فما يسأل عن شئ غيرهما من التكليفات ويؤيده ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى * (يثبت الله الذين آمنوا الاية) * [ إبراهيم : 27 ] قال الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم قيل لعكرمة ما هو قال يسألون عن الايمان بمحمد وأقر التوحيد انتهى . (2) زاد ابن حبان في سبعين أي توسعة عظيمة جدا . (3) أي يقول له الملكان أو غيرهما . (4) والمعنى لا فهمت ولا قرأت أو لا دريت ولا اتبعت من يدري . (*)
[ 474 ]
أي ما أتلوته أي ما استطعته (ثم يضرب) بالبناء للمجهول يعني يضربه الملكان اللذان يليان فتنته (بمطراق) في رواية بمطرقة بكسر الميم أي بمرزبة كما عبر بها في سنن أبي داود (من حديد) (1) ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه) ظاهره الملكان فقط وليس مرادا بقرينة قوله : (غير الثقلين) الجن والإنس وبقرينة خبر أحمد فيسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين والمنطوق مقدم على المفهوم وحكمة عدم سماع الثقلين الابتلاء فلو سمعا صار الإيمان ضروريا وأعرضوا عن نحو المعايش مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع فيبطل معاشهم (ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه) وأصل الثقل المتاع المحمول على الدابة وقيل لهما الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها ذكره الزمخشري قال القاضي وظاهر الخبر أن السؤال إنما يكون فيمن قبر أما غيره فبمعزل عنه ويشهد له خبر لولا أن لا تدافنوا لدعوات الله أن يسمعكم من عذاب القبر قلت بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم حتى من أكله سبع أو طير وتفرق شرقا وغربا فإنه تعالى يعلق روحه الذي فارقه يجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول الذي تتعلق به الأرواح أولا فيحيى ويحيى بحياته سائر أجزاء البدن ليسأل فيثاب أو يعذب ولا يستبعد ذلك فإنه تعالى عالم بالجزئيات فيعلم الأجزاء انفصالها ومواقعها ومحالها ويميز بين الأصلي وغيره ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع فإن البينة عندنا ليست شرطا للحياة بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخص الواحد في آن واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول وفيه حل المشي بين القبور بنعل لكن يكره كذا قيل واستثنى من السؤال جماعة (2) ووردت أخبار بإعفائهم عنه (تنبيه) قال جدي نقلا عن شيخه العراقي ظاهر الخبر أن الملكين يأتيان المؤمن والمنافق على صفة واحدة وهو اللائق بالامتحان والاختبار (تنبيه) قال ابن عربي من أفسد شيئا بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه (حم ق د ن عن أنس) بن مالك . 2073 - (إن العبد) أي المؤمن ذا البصيرة (آخذ عن الله أدبا حسنا) وهو أنه (إذا وسع عليه) أي وسع الله عليه في رزقه (وسع) على نفسه وعياله (وإذا أمسك) الله (عليه) أي ضيق (أمسك) لعلمه بأن مشيئة الله في بسط الأرزاق وإضاقتها تابع للحكمة والمصلحة فهو يتلقى ما قسم له بالرضى ويجري على (1) أي متخذة منه وتقدم أنه لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها . (2) الاول الشهيد . الثاني المرابط . الثالث المطعون وكذا من مات في زمن الطاعون بغير الطعن إذا كان صابرا محتسبا الرابع الصديق . الخامس الاطفال . السادس الميت يوم الجمعة أو ليلتها . السابع القارئ كل ليلة تبارك الذي بيده الملك ، وبعضهم ضم إليها السجدة . الثامن من قرأ في مرضه الذي يموت فيه قل هو الله احد . (*)
[ 475 ]
منواله في الاتساع والإنجماع قال مجاهد من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد (1) أي في الإنفاق فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ما ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأولن * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) * [ سبأ : 39 ] فإن هذا في الآخرة (حل) من حديث جعفر بن كزال بن إبراهيم بن بشير المكي عن معاوية بن عبد الكريم عن أبي حمزة (عن ابن عمر) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث معاوية مسندا متصلا مرفوعا وإنما يحفظ من قبل الحسن انتهى وجعفر بن محمد بن كزال قال الذهبي قال الدراقطني ليس بقوي وإبراهيم بن بشير المكي ضعيف ومعاوية قال أبو حاتم لا يحتج به ورواه البيهقي أيضا من هذا الوجه ثم قال هذا حديث منكر 2074 - (إن العجب) بضم فسكون وهو نظر الإنسان إلى نفسه بعين الاستحسان (ليحط) بضم التحية أي يفسد ويهدم (عمل سبعين سنة) أي مدة طويلة جدا فالمراد بالسبعين التكثير على وزان ما قيل * (في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) * [ الحاقة : 32 ] وذلك لأن المعجب يستكثر فعله ويستحسن عمله فيكون كمن أصابه عين فأتلفته ولهذا قال الحكماء العجب إصابة العمل بالعين وسيجئ خبر إن العين تدخل الرجل القبر فكما أن العين تميت الإنسان فكذا تميت أعماله وتبطل أفعاله وربما استحكمت الغفلة على الإنسان فرأى طاعته بحوله وقوته ولا يرى لله عليه منة في إحداث القوة لها وخلق الاستطاعة لكسبها فإن الذي يدخل عليه في اعتقاده أكثر مما يدخل عليه من العجب بأفعاله قال بعض العارفين من أعجبته نفسه وأحوالها لا بثبت له قدم في العبودية لأنه مراء في أفعاله وأحواله فهو واقف مع وجوده وإيجاده وعزه في نفسه فهو لا ينتفع بعلم ولا ينفعه عمل قال الغزالي والناس في العجب ثلاثة أصناف صنف هم المعجبون بكل حال وهم القدرية والمعتزلة الذين لا يرون لله عليهم منة في أحوالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص لشبه استولت عليهم وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشئ من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به وصنف مخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله وتارة يغفلون فيعجبون لمكان الغفلة العارضة والقترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة إلى هنا كلام الغزالي ثم نقل بعد ذلك عن شيخه إمام الحرمين أن العجب يذهب إضعاف العمل فقط (تنبيه) قال في المناهج وعرف بعضهم العجب بأنه استعظام النعمة مع نسيان إضافتها للمنعم ويتولد الكبر منه ومن آفاته نسيان الذنوب لظنه الاستغناء بسبب إعجابه بنفسه والعمى عن آفات الأعمال فيضيع عمله لأنه إذا لم يفتقده لم يخرج من شوائب الإبطال فلذلك قال إنه يحبطه قالوا والمعجب يمنعه إعجابه من الاستفادة والاستشارة واستماع النصح ويجره إلى احتقار الخلق والعمى عن وجه الصواب في دينه ودنياه (فر) عن الحسين بن علي أمير المؤمنين وفيه موسى بن إبراهيم المروزي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك . (1) أي ينبغي له أن ينفق بقدر ما رزقه الله من غير ضجر ولا قلق ويعلم أن مشيئة الله في بسط الرزق وضيقه لحكمة ومصلحة . (*)
[ 476 ]
2075 - (إن العرافة) بالكسر وهي تدبر أمر القوم والقيام بسياستهم والعريف هو القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك وشهر (حق) أي أمر ينبغي أن يكون لما تدعو إليه المصلحة بل الضرورة (ولا بد للناس) في انتظام شملهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) ليتعرف الأمير من العريف حال من جعل فيما عليه من قبيلة أو أهل محلة ليرتب البعوث والأجناد (ولكن العرفاء في النار) أي عاملون فيما يقودهم إليها أو المراد الذين لم يعدلوا وعبر بصيغة العموم إجراء للغالب مجرى الكل ومقصوده التحذير من التعرض للرياسة والتأمر على الناس لما فيه من الفتنة التي قلما يسلم منها عريف ووضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن العرافة على خطر ومباشرها على شفا جرف هار (د) في الخراج من حديث غالب القطان (عن رجل) من الصحابة وفيه قصة قال الصدر المناوي فيه مجاهيل . 2076 - (إن العرق) بالتحريك الرشح من البدن (يوم القيامة) في الموقف (ليذهب في الأرض سبعين باعا) أي ينزل فيها من كثرته شئ كثير جدا فالسبعين للتكثير لا للتحديد على ما مر (وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس) أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام فيمنعهم من الكلام (وإلى آذانهم) بأن يغطي الأفواه ويعلو عليها إذ الأذن أعلى من الفم فيكون الناس على قدر أعمالهم ، فمنهم من يلجمه فقط ومنهم من يزيد فيبلغ إلى أذنيه ثم يحتمل أن المراد عرق نفسه خاصة ويحتمل غيره كما مر فيشدد على بعض ويخفف عن بعض وهذا كله لتزاحم الناس وانضمام بعضهم لبعض حتى صار العرق يجري كالسيل واستشكل بأن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة فتغطيهم على السواء وأجيب بأن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة وسبب كثرته تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم . قال الغزالي : وكل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة (م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2077 - (إن العين) أي عين العائن من الإنسان أو الجان (لتولع) بالبناء للمفعول أي تعلق (بالرجل) أي الكامل في الرجولية فالمرأة ومن هو في سن الطفولية أولى (بإذن الله تعالى) أي بتمكينه وإقداره (حتى يصعد حالقا) بحاء مهملة أي جبلا عاليا (ثم يتردى) أي يسقط (منه) لأن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل به فتضره وقد خلق الله تعالى في الأرواح خواص تؤثر في الأشباح لا ينكرها عاقل ، ألا ترى الوجه كيف يحمر لرؤية من يحتشمه ويصفر لرؤية
[ 477 ]
من يخافه وذلك بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة بل التأثير للروح فحسب ، قال ابن القيم ومن وجه بأن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالف جميع العقلاء . (تتمة) قالوا قد تصيب الإنسان عين نفسه قال الغساني نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال : كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صديقا وعمر فاروقا وعثمان حبيبا ومعاوية حليما ويزيد صبورا وعبد الملك سائسا والوليد جبارا وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات (حم ع عن أبي ذر) قال الهيثمي رجال أحمد ثقات ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما . 2078 - (إن الغادر) أي المغتال لذي عهد أو أمان (ينصب) في رواية يرفع (له لواء) أي علم (يوم القيامة) خلفه تشهيرا له بالغدر وإخزاء وتفضيحا على رؤوس الأشهاد (فيقال) أي ينادي عليه في ذلك المحفل العظيم (ألا) إن (هذه غدرة فلان) أي علامة على غدرة فلان (ابن فلان) ويرفع في نسبه حتى يتميز عن غيره تمييزا تاما وظاهره أن لكل غدرة لواء فيكون للواحد ألوية بعدد غدراته ، وحكمة نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب والعذر خفي فاشتهرت عقوبته بإشهار اللواء (مالك) في الموطأ (ق د ت عن ابن عمر) بن الخطاب . 2079 - (إن الغسل يوم الجمعة) بنيتها لأجلها (لسيل) أي يخرج (الخطايا) أي ذنوب المغتسل لها (من أصول الشعر استلالا) أي يخرجها من منابتها خروجا وأكده بالمصدر إشارة إلى استقصائه جميع الذنوب بحيث لا يبقى منها شيئا إلا أنه سيمر بك ما تعلم منه أن هذا ومثاله منزل على الصغائر فلا تغفل والاستلال الإخراج قال في الصحاح وغيره انسل من الهم خرج وسل السيف من غمده واستله أخرجه (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجاله ثقات . 2080 - (إن الغضب من الشيطان) بمعنى أنه المحرك له الباعث إليه ليردي الآدمي ويغويه ويبعده عن نعمة الله ورحمته (وإن الشيطان خلق) بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم به (من النار) لأنه من الجان الذي قال الله تعالى فيهم * (وخلق الجان من مارج من نار) * [ الرحمن : 15 ] وكانوا سكان
[ 478 ]
الأرض قبل آدم عليه الصلاة والسلام وإبليس أعبدهم فلما عصى جعل شيطانا (وإنما تطفأ) أي تخمد (النار بالماء) لأنه ضدها (فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ندبا مؤكدا وضوءه للصلاة وإن كان متوضئا والغسل أفضل قال الطيبي أراد أن يقول إذا غضب أحدكم فليستعذ من الشيطان فإن الغضب من الشيطان قصور حالة الغضب ومنشأه ثم أرشد إلى تسكينه فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع وللموانع أزجر وأردع وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية ، قال ابن رسلان وورد الأمر بالاغتسال فيحمل على الحالة التي يشتد الغضب فيها جدا وهذا تحذير شديد من الغضب ولا ينافيه قول إمامنا الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو جبار لأن القوة الغضبية محلها القلب ومعناها غليان دمه لطلب الانتقام فمن فرط فيها حتى انعدمت بالكلية أو ضعفت أو أفرط حتى جاوز حدها الشرعي ذم ذما شديدا ومحمل كلام الشافعي الأول والحديث الثاني وسبب ذم الأول استلزامه انعدام الغيرة والحمية والأنفة مما يؤلف منه (حم د) في الأدب (عن عطية) بفتح أوله وكسر المهملة الثانية وشد المثناة تحت ابن عروة (العوفي) صحابي نزل الشام قال في التقريب له ثلاثة أحاديث وسكت عليه هو والمنذري . 2081 - (إن الفتنة) أي البلاء والشر والمحنة (تجئ فتنسف العباد نسفا) أي تهلكهم وتبيدهم ، واستعمال النسف في ذلك ونحوه مجاز قال الزمخشري من المجاز نسفت الريح التراب ونسفوا البناء قلعوه من أصله (وينجو العالم منها بعمله) الفتنة الاختبار ، والعلم الذي ينجي من هذه الفتنة قد يكون بأنواع فتن النفوس بأسباب الدنيا كمال ونساء وجاه فهذه أصول الفتن فتن الدنيا وقد تكون فتنة القلوب بالبدع والأهواء فيتنوع إلى بضع وسبعين فرقة كل فرقة تدعو إلى هوى وكلها في النار إلا واحدة فتجئ فتن الدنيا إلى النفوس وفتن الدين إلى القلوب فكاد يستأصل إهلاكها والعالم الناجي بعلمه العالم بالله العامل بتقواه وعلمه الذي ينجو به العلم بعظمة الله علم وجد بالقلب لا علم عقيدة فحسب علامته دوام الهيئة والخشية وثمراته تقوى الله بالعمل بالكتاب والسنة وترك الهوى أي العالم بعلم طريق الآخرة فإن الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات فالأولى من ضعف البصيرة وقلة العلم سيما إذا قارنه نوع هوى ومن هذا القسم فتنة أهل البدع فإنما ابتدعوا لاشتباه الحق عليهم بالباطل والهوى بالضلال ولو أتقنوا العلم بما بعث الله به رسوله وتجردوا عن الهوى لما ابتدعوا . والثانية : من النفس ، فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات وأصل كل منهما من تقديم الرأي على الشرع فالأول أصل فتنة الشبهة والثاني أصل فتنة الشهوة ففتنة الشبهات إنما تدفع بكمال البصيرة واليقين وفتنة الشهوات إنما تدفع بكمال العقل والصبر والدين فمن ثم كان العالم من الناجين وما عداه من الهالكين (حل) من حديث عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن إبراهيم بن أدهم عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة الأنصاري (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث أبي إسحاق لم يكتبه إلا من حديث عطية .
[ 479 ]
2082 - (إن الفحش والتفحش) أي تكلف إيجاد الفحش أي القبح شرعا (ليسا من الإسلام في شئ وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا) بالضم لأن الخلق شعار الدين وحلية المؤمنين فكلما ارتقى الإنسان في درجات حسن الخلق ارتقى في معارج الإيمان ، ولهذا قال التاج ابن عطاء الله رضي الله تعالى عنه ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقرب الخلق إلى الله تعالى السالكون آثاره بحسن الخلق (حم ع طب) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر بن سمرة) قال كنت في مجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال : إن الفحش إلخ قال الحافظ العراقي إسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله ثقات وقال المنذري بعد عزوه لهم إسناد أحمد جيد . 2083 - (إن الفخذ عورة) أي من العورة سواء كان ذكر أو أنثى حرا أو قينا فيجب ستر ما بين السرة والركبة (1) ويحرم النظر إليه من ذكر أو أنثى إلا الحليل لكن يحل نظر العورة من صغير أو صغيرة لا تشتهى إلا الفرج عند الشافعية (ك) في اللباس (عن جرهد) بضم الجيم وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه برد فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو عجيب فقد رواه أبو داود في الحمام عن جرهد المذكور وكان من أصاب الصفة قال جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا وفخذي مكشوفة قال أما علمت أن الفخذ عورة وخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في الاستئذان فإضراب المصنف عن ذا كله صفحا واقتصاره على الحاكم وحده قصور وتقصير مستبين فلا تكن من المتعصبين . 2084 - (إن القاضي العدل) أي الذي يحكم بالحق (ليجاء به يوم القيامة) إلى الموقف (فيلقى من شدة الحساب ما) أي أمرا عظيما (يتمنى أن لا يكون قضى) أي حكم (بين اثنين) أي خصمين حتى ولا (في) شئ تافه جدا نحو (تمرة) أو حبة بر أو زبيب لما يرى من ذلك الهول ، لكن ذلك لا يدل على انحطاط درجة العادل فمنزلة الولاية منزلة شديدة المقاساة أولا والسلامة والغنيمة آخرا للعادل ومنزلة (1) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في حق الذكر والامة في الصلاة وأما الحرة فيجب ستر جميع بدنها ما عد الوجه والكفين في الصلاة ومطلقا خارجا وكذا الامة والرجل أي عورة كل منهما جميع بدنه بالنسبة للاجانب في حق الانثى والاجنبيات في حق الذكر وأما في الخلوة فعورة الانثى ولو أمة ما بين السرة والركبة وعورة الذكر السوءتان . (*)
[ 480 ]
العطب لغيره (قط) (1) (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن عائشة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عمران بن حطان قال العقيلي لا يتابع على حديثه . 2085 - (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا) الميت (منه) أي من القبر أي من عذابه ونكاله (فما بعده) من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها (أيسر) عليه (منه وإن لم ينج منه) أي من عذابه (فما بعده) مما ذكر (أشد منه) عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى * (وإنما توفون أجوركم) * [ آل عمران : 115 ] أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور ، ذكره في الكشاف (ت ه ك) في الجنائز عن عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان (عن عثمان بن عفان) صححه الحاكم فاعترضه الذهبي بأن ابن بجير ليس بعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عن جمع لكن لا ذكر له في الكتب الستة . 2086 - (إن القلوب) أي قلوب بني آدم جمع قلب وليس المراد بها هنا اللحم الصنوبري الشكل القار في الجانب الأيسر من الصدر فإنه موجود في البهائم بل لطيفة ربانية روحانية لها بذلك القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك والمخاطب والمطالب والمعاقب ولهذه اللطيفة علاقة بالقلب الجسداني وقد تحيرت عقول الأكثر في كيفية التعلق وأن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وتحقيق التعلق متعلق بعلوم المكاشفة لا بالعلوم النظرية (بين أصبعين من أصابع الله يقلبها) حيث شاء أي يصرفها إلى ما يريد بالعبد بحسب القدر الحاوي عليه المستند إلى العلم الأزلي بحسب خلق تلك الدواعي والصوارف فتصرفه سبحانه وتعالى في خلقه إما ظاهر بخلق يخرق العادات كالمعجزة أو بنصيب الأدلة كالأحكام التكليفية وإما باطن بتقدير الأسباب نحو * (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) * (1) قوله قط أي فيما مضى من عمره فهي ظرف لما مضى من الزمان وفيها لغات أشهرها فتح القاف وضم الطاء المشددة ، وإذا كان هذا في القاضي العدل وفي الشئ اليسير فما بالك بغير العدل والشئ الكثير ، وكون قط ظرفا هو ما في كثير من النسخ ، وظاهر ما في كلام المتن أنها رمز للدارقطني فإنه ذكر قط والشيرازي - بواو العطف - . (*)
[ 481 ]
[ الانفال : 42 ] أو يخلق الدواعي والصوارف نحو * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * [ الانعام : 108 ] * (ونقلب أفئدتهم) * [ الانعام : 110 ] (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) أي طاعتك وعبر بالتثنية دون الجمع إشارة إلى أن الأصبعين هما ظهور القدرة الربانية بمظهري الخير والشر في قلب العبد لا أن لله جارحة تعالى عن ذلك وعبر بالأصبعين دون اليدين لأن أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيرها فلما كان تقليب الله قلوب عباده أسرع شئ خاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم العرب بما تعقل قال الكمال ابن أبي شريف وقوله كيف يشاء نصب على المفعول المطلق من قوله يقلبها والتقدير تقليبا يريده وهذا من أحاديث الصفات ، وللناس في تلقيتها مذهبان أحدهما أن الإيمان بها وجب كالإيمان بمتشابه القرآن والبحث فيها بدعة وعليه أكثر السلف الثاني أن البحث عنها واجب وتأويلها بنحو ما تقرر متعين فرارا من التعطيل ، وإمام هذه الطائفة المرتضى والحبر ومن على قدمهما من فقهاء الصدر الأول لأن الله سبحانه لم ينزل من المتشابه ما أنزل إلا ليعلم ورسوله لم يقل ما قال إلا ليفهم وبمعرفة المتشابه يتميز الفاضل من المفضول والعالم من المتعلم والحكيم من المتعجرف ومن آمن بالأخبار على ما جاءت به حيث ألبس عليه كنه معرفتها لا تجب عليه أن يردها رد منكر لها بل يؤمن ويسلم ويكلها إلى الله ورد متشابه التنزيل والسنة طريق هين يستوي فيه العالم والجاهل والسفيه والعاقل وإنما يظهر الفضل بالبحث واستخراج الحكمة والحمل على ما يوافق الأصول والعقول (حم ت ك عن أنس) بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله آمنا بذلك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال : نعم فذكره قال الصدر المناوي رجاله رجال مسلم في الصحيح . 2087 - (إن الكافر ليسحب لسانه) أي يجره وخص لتلفظه بكلمة الكفر (يوم القيامة وراءه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس) أي أهل الموقف فيكون ذلك من العذاب قبل دخوله دار العقاب ، والقصد بهذا الخبر بيان عظم جثة الكافر في الموقف وأن له من العذاب ألوانا ، والسحب الجر على الأرض يقال سحبته على الأرض سحبا من باب نفع جررته فانسحب وسمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء ، والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وهو فارسي معرب والوطء الدوس بالرجل يقال وطئته برجلي أطأه وطأ إذا علوته ووطئ زوجته جامعها لأنه استعلاء . قال الزمخشري : ومن المجاز وطئه العدو وطأة منكرة وفلان وطئ الخلق (حم ت) في صفة جهنم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال الترمذي غريب قال في المنار : ولم يبين لم لا يصح وذلك لأنه من رواية الفضل بن يزيد وهو ثقة عن أبي المخارق عن ابن عمر وأبو المخارق هو معن العبدي وهو ضعيف انتهى ، وقال العراقي سنده ضعيف إذ أبو المخارق لا يعرف وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف . 2088 - (إن الكافر ليعظم) أي لتكبر جثته في الآخرة (حتى إن ضرسه لأعظم من أحد) أي حتى
[ 482 ]
يصير ضرسه أكبر من جبل أحد (وفضيلة جسده) أي زيادته وعظمه (على ضرسه كفضيلة جسد أحدكم على ضرسه) (1) فإذا كان ضرسه مثل جبل أحد فجثته مثله سبعين مرة أو أكثر وقد استبعد هذا الخبر وما قبله قوم من الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ولا هدى إعجابا برأيهم وتحكما على السنة بعقول ضعيفة وأفهام سخيفة وما دروا أن الله سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول البشر بل أمر ونهى بحكمته ووعد وواعد بمشيئته ولو كان كل ما لا تدركه العقول غير مقبول لاستحالت أكثر واجبات الشرائع ، ألا ترى أنه تعالى أوجب غسل جميع البدن من المني وهو طاهر ، وأوجب غسل الأعضاء الأربعة من الغائط فقط وهو نجس منتن وأوجب بخروج يسير ما أوجب بخروج ريح يسير فبأي عقل يساوي ما لا عين له ما له عين قائمة بمحل واحد وأوجب قطع يد السارق في ربع دينار وقطعه في مائة ألف قنطار والقطع فيهما سواء وأوجب للأم الثلث فإذا كان للولد أخوة فالسدس من غير أن يرث الإخوة من ذلك شيئا فبأي عقل يدرك هذا إلا تسليما للشارع ؟ وهذا باب واسع يطول تتبعه وإذا كان هذا في أمور الدنيا فما بالك بأمر الآخرة التي ليس معها شئ على نمط ما في الدنيا ولا يشبهه إلا في مجرد الاسم (ه عن أبي سعيد) الخدري . 2089 - (إن) المرأة (التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب) هذه (الأمة) يعني أن المرأة إذا زنت وأتت بولد ونسبته إلى حليلها ليلحق به ويثبت بينهما التوارث وغيره من الأحكام عليها عذاب عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه وليس المراد أن عليها نصف عذاب هذه الأمة حقيقة بالتحديد بل المراد مزيد الزجر والتهويل ووصف عظيم عذابها وإلا فمعلوم أن إثم من قتل مائة مسلم ظلما أشد عذابا منها ومن دل الكفار على عقورات المسلمين فاستأصلوهم بالقتل والسبي والزنى بالنساء عالما بأن ذلك كله سيكون من دلالته كابن العلقمي وزير الخليفة المعتصم الذي أغرى التتار عليه وعلى أهل الإسلام حتى كان منهم ما كان في بغداد وما والاها أعظم عذابا منها (هب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم . 2090 - (إن الذي أنزل الداء) وهو الله تعالى (أنزل الشفاء) أي أنزل ما يحصل به الشفاء من الادوية أو أنزل ما يستشفى به ومنه وما من شئ إلا وله ضد وشفاء الضد بضده وإنما يتعذر استعماله بالجهل بعينه أو يفقده أو قيام موانع أخر كذا المرض والدواء ما يتداوى به كما مر والشفاء البرء من العلة (ك عن أبي هريرة) وصححه . (1) أي نسبة زيادة جسد الكافر على ضرسه كنسبة زيادة جسد أحدكم على ضرسه وأمر الاخر وراء طور العقول فنؤمن بذلك ولا نبحث عنه . (*)
[ 483 ]
2091 - (إن) الرجل (الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة) عند جلوسهم بمحلها لاستماع الخطبة والصلاة (ويفرق بين اثنين) قعدا لذلك بجلوسه بينهما (بعد خروج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (كالجار قصبه) بضم القاف أي أمعاءه والجمع أقصاب وقيل هو ما أسفل البطن من الأمعاء (في النار) أي له في الآخرة عذاب شديد مثل عذاب من يكون في النار وهو يجر أمعاءه فيها بمعنى أنه يستحق ذلك وقد يعفى عنه وهذا وعيد شديد يفيد تحريم التخطي والتفريق بين اثنين فإن رأى فرجة لا يبلغها إلا به جاز له أن يتخطى صفين لا أكثر فيحرم كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه واختار في الروضة خلاف ترجيحه في المجموع الكراهة (1) والتفريق صادق بأن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بينهما (حم طب ك) في المناقب (عن الأرقم) بن أبي الأرقم قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن هشام بن زياد أحد رجاله واه وتعقب الهيثمي على أحمد والطبراني بأن فيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه اه وساقه في الميزان من مناكير رشدين . 2092 - (إن) المكلف (الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب) عبر بفي دون من لأن المحرم الأكل أو الشرب واضعا فاه فيه لا متباعدا منه (2) (إنما يجرجر) بضم التحتية وفتح الجيم (3) (في بطنه نار جهنم) أي يرددها فيه من جرجر الفحل إذ ردد صوته في حنجرته ذكره في الفائق وفي رواية نارا أي قطعة هائلة من نار جهنم جعل صوت شرب الإنسان الماء في هذه الآنية لكون استعمالها محرما موجبا لاستحقاق العقاب كجرجرة نار جهنم في بطنه ، وفي رواية نارا من جهنم ، وهي أبلغ بزيادة (1) واعتمد الرملي في التفريق أنه مكروه ووافقه الخطيب الشربيني فقال يكره تخطي الرقاب إلا لامام أو رجل صالح لان الصالح يتبرك به ولا يتأذى بتخطيه والحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا قال لان الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به أو وجد فرجة لا يصلها إلا يتخطى واحد أو اثنين أو أكثر وإن لم يرج سدها كأن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره . (2) هذا التعليل فيه نظر فتدبر . اه . (3) أي الاولى وسكون الراء بعد جيم مكسورة أي يردد أو يصب في بطنه نار جهنم بنصب نار على أنه مفعول به والفاعل ضمير الشارب والجريرة بمعنى الصب وجاء الرفع على أنه فاعل والجرجرة تصويت في البطن أي تصوت في بطنه نار جهنم وفي الحديث تحريم الاكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجل كان أو امرأة ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه بدون استعماله . (*)
[ 484 ]
التنوين الذي للتهويل . (تنبيه) قال الغزالي : النقد ليس في عينه غرض وخلق وسيلة لكل غرض فمن اقتناه فقد أبطل الحكمة وكان كمن حبس الحاكم في سجن وأضاع الحكم وما خلق النقد لإنسان فقط بل لتعرف به المقادير فأخبر تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا حرف قبله ولا صوت له الذي لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه وفهموه من رسوله حتى وصلوا إليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذي عجزوا عن إدراكه ، فقال * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * [ التوبة : 34 ] الآية وكل من اتخذ النقد آنية فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنزه فإنه كمن سخر الحاكم في نحو حياكة أو كنس فالحبس أهون فإن الخزف يقوم مقامه في حفظ الأطعمة والمائعات ففاعله كافر للنعمة بالنقد فمن لم ينكشف له هذا قيل له الذي يأكل أو يشرب فيه إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ، وأفاد حرمة استعماله على الذكور والإناث وعلة التحريم العين مع الخيلاء (م ه عن أم سلمة) ورواه عنه البخاري في الأشربة بدون ذكر الأكل والذهب (زاد طب) في روايته (إلا أن يتوب) توبة صحيحة عن استعماله فإنه لا يجرجر حينئذ في نار جهنم . 2093 - (إن) الإنسان (الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب قال الطيبي أراد بالجوف هنا القلب إطلاقا لاسم المحل على الحال قال تعالى * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * [ الاحزاب : ، ] ، (فائدة) ذكره تصحيح التشبيه بالبيت الخرب كجوف الإنسان الخالي عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله ومحبته (حم ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وفاتهما أن فيه قابوس ابن أبي ظبيان ضعيف كما بينه ابن القطان والراوي عن قابوس جرير وفيه مقال فالصحة له محال ومن ثم استدركه الذهبي على الحاكم وقال قابوس لين وقال النسائي غير قوي . 2094 - (إن) المصورين (الذين يصنعون هذه الصور) أي التماثيل ذوات الأرواح (يعذبون يوم القيامة) في نار جهنم (فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) أمر تعجيز أي اجعلوا ما صورتم حياته ذا روح (1) (1) واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق فدل على أن غير الله ليس بخالق حقيقة ، وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك وهن وأما استثناء غير ذي الروح فورد الرخص . (*)
[ 485 ]
ونسب الخلق إليهم تهكما واستهزاء وهذا يؤذن بدوام تعذيب المصور لتكليفه نفخ الروح وليس بنافخ وهو على بابه إن استحل التصوير لكفره وإلا فهو زجر وتهديد إذ دوام التعذيب إنما للكفار (ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب . 2095 - (إن الماء طهور) أي طاهر في نفسه مطهر لغيره (لا ينجسه شئ) مما اتصل به من النجاسات قال الرافعي أراد مثل الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة كانت واسعة كثيرة الماء وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيرها فإن فرض تغير الكثير بنجس نجسه إجماعا . وقال الولي العراقي رحمه الله تعالى أل للاستغراق أو للعهد أي الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة ويعلم حكم غيره بالأولى أو لبيان الجنس أي أن هذا هو الأصل في الماء وطهور بفتح الطاء على المشهور لأن المراد به الماء وجاء في رواية ولا بإثبات الواو واستدل به المالكية على قولهم الماء لا ينجس إلا بالتغير وخصه الشافعية والحنابلة بخبر القلتين كما مر وأجمعوا على نجاسة المتغير (حم 3 قط هق عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله إنا نتوضأ من بئر بضاعة (1) وهي تلقى فيها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن فذكره وحسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والبغوي وابن حزم وغيرهم من الجهابذة قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فنفي الدارقطني أي في العلل ثبوته باطل . 2096 - (إن الماء) في رواية طهور (لا ينجسه شئ) نجس وقع فيه (إلا ما) أي نجس (غلب على ريحه وطعمه ولونه) الواو مانعة خلو لا جمع وفيه كالذي قبله أن الماء يقبل التنجيس وأنه لا أثر لملاقاته حيث لا تغير أي إن كثر الماء والتمسك بالأصل حتى نتيقن بتحقق رافعه (تنبيه) هذا الحديث كالذي قبله قد مثل به من أصحابنا في الأصول إلى أن العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه عند الأكثر ولا يقصر على السبب لوروده فيه فإن سبب الحديث ما تقرر من أنه سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي يلقى فيها ما ذكر فقال إن الماء طهور لا ينجسه شئ أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره (ه عن أبي أمامة) ورواه الدارقطني والبيهقي بدون ولونه وظاهر عدم رمز المصنف إليه بالضعف يوهم أنه لا ضعف فيه وليس كذلك بل جزم بضعفه جمع منهم الحافظ العراقي ومغلطاي في شرح ابن ماجه نفسه فقال ضعيف لضعف رواته الذين منهم رشدين بن سعد الذي قال فيه أحمد لا يبالي عمن روى وأبو حاتم منكر الحديث وقال النسائي متروك ويحيى واه وأشار الشافعي إلى ضعفه واستغنى عنه بالإجماع . (1) بضم الباء وكسرها بئر معروفة بالمدينة والضاد معجمة ، والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وشدها أي خرق الحيض وفي رواية بالصاد المهملة أي الخرق التي يمسح بها دم الحيض ، وعذر الناس بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة وهي الغائط . (*)
[ 486 ]
2097 - (إن الماء لا يجنب) بضم أوله (1) أي لا ينتقل له حكم الجنابة وهو المنع من استعماله باغتسال الغير منه وحقيقته لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل وأما تفسير لا يجنب بلا ينجس فرده ابن دقيق العبد بأنه تفسير للأعم بالأخص ويحتاج إلى دليل وأل في الماء للاستغراق خص منه المتغير بدليل وهو الإجماع أو للعهد أي الماء المعهود بالتطهر منه فإنه قال لميمونة لما اغتسلت في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت إني كنت جنبا (2) وفيه حذف أي كنت جنبا حالة استعمال الماء ثم حذف منه أيضا مقصود هذا الإخبار وهو أنه هل يمنع استعماله أم لا قال الولي العراقي وقوله الماء لا يجنب نكرة في سياق النفي فيعم والقياس يخصصه بالجنابة أي لا تحصل له بسبب الجنابة منع من التطهير كما مر عن الخطابي ومع ذلك لا يختص الحكم بالجنابة بل بكل حدث وخبث كذلك لأن العبرة بعموم اللفظ قال وقوله لا يجنب كالتصريح بالرد على من قال العلة في إفساد الماء باستعماله انتقال المنع إليه وفيه جواز العمل بالأصل وطرح الاحتمال فإنه ينبغي لمن علم حال شئ خفي على غيره بيانه له وإن عظم قيل وطهورية المستعمل وهو غير سديد إذ الاغتسال كما يحمل كونه فيها يحتمل كونه منها والدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال على أنه صرح في رواية البيهقي والدارقطني وغيرهما بأنه كان منها ونصه فضل من غسلها فضل فأراد أن يتوضأ به فقالت يا رسول الله إني اغتسلت منه فذكره وفيه صحة التطهير بفضل المرأة وإن حلت به وبه قال الأئمة الثلاثة وخالف أحمد وأن الشرط في الطهر الإسباغ فلا يقدر ماؤه إلا ندبا قال القشيري والعام لا يخص بسببه على المختار فإذا حمل لا يجنب على أنه لا يعلق به منع بسبب الجنابة دل على حل استعماله في حدث وخبث معا وإن كان سبب الحكم طهر الحدث (د ت ه حب ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عباس) قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت : إني كنت جنبا فذكره وقال الترمذي حسن صحيح وصححه النووي في شرح أبي داود وظاهر اقتصار المصنف على عزوه لهؤلاء أنه لم يره مخرجا لغيرهم وهو عجب فقد خرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة ، وصححه والدارمي وغيرهم كلهم عن الحبر . 2098 - (إن المؤمن) وفي رواية إن العبد (ليدرك بحسن الخلق) أي ببسطة الوجه وبذل المعروف (1) أي وكسر النون ويجوز فتحها مع ضم النون . قال النووي والأول أفصح وأشهر . (2) توهما منها أن الماء صار مستعملا وفي رواية أبي داود ونهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قال الخطابي وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت هذا أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال أو فضل عن أعضائها عند التطهير به دون الفضل الذي يستقر في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرة فلا بأس به . (*)
[ 487 ]
وكف الأذى (درجة القائم الصائم) في أشد الحر والمتهجد ليلا وهو راقد على فراشه لأنه قد رفع عن قلبه الحجب فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه ويعد نفسه ضيقا في بيته وروحه عارية في بدنه ، لكن لا يكون حسن الخلق محمودا في كل حال ولا الغضب مذموما كذلك بل كل منهما محتاج إليه في حينه فمن رزق كمالا يضع كل شئ في محله فطوبى له وإلا فليعالج نفسه ويهذبها بالرياضة فمن جبل على قلة الغضب ورزانة الطبع والرأفة فلا يجفو ولا يغلظ وعلى البذل فلا يمسك وكذا سائر الأخلاق لزيادة بعض الأمشاج من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة على بعض فالرياضة محتاج إليها لتعديل الأخلاط فالمجبول على الرزانة وقلة الغضب عليه أن يروض نفسه على اكتساب الحركة والغضب كما على الطائش أن يروضها على اكتساب الحلم والرزانة فالواجب أن لا يستخف الرذائل فيميل إليها ولا يستثقل الفضائل فيحيد عنها بل يكون فيه حلم وغضب ورزانة وخفة وجد وهزل ولا يجري على طبعه وعادته (د) في الأدب (حب) كلاهما (عن عائشة) ورواه عنها أيضا البغوي في شرح السنة وغيره وعزاه المنذري إلى أبي الشيخ عن علي وضعفه . 2099 - (إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه) أي تزهق روحه من جسده فيموت (وهو) أي والحال أنه (يحمد الله تعالى) إنما حمده حال قبض أعز شئ منه لموت شهواته حالتئذ إذ هو إنما يحب الحياة بالشهوة المركبة فيه فيتلذذ بها فإذا انقطعت الشهوة وخلصت الروح من آفات النفس حمد الله على خلاصه من السجن (هب عن ابن عباس) رضي الله عنه وفي الباب غيره . 2100 - (أن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير) هذا عبارة عن كثرة إيراد أنواع المصائب وضروب المحن والفتن فضرب الوجه هنا مجاز عن ذلك ، قال الزمخشري ومن المجاز ضرب على يده إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه ، ثم أعلم أنه تعالى إنما يصير المؤمن عرضة للبلاء لكرامته عليه لما في الابتلاء من تمحيص الذنوب ورفع الدرجات والحكيم لا يفعل شيئا إلا لغرض صحيح وحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل لإدراكها العاقلون (خط) في ترجمة أبي القاسم الصفار (عن ابن عباس) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي قال ابن حبان يضع ومطير الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة لين . 2101 - (إن المؤمن ينضي) بنون ساكنة وضاد معجمة مكسورة وفي رواية لينضي (شيطانه) أي يهزله ويجعله نضوا أي مهزولا لكثرة إذلاله له وجعله أسيرا تحت قهره وتصرفه ومن أعز سلطان الله
[ 488 ]
أعزه الله وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور ، قلت ولم ذا ؟ قال أذبتني بكتاب الله . وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة (حم والحكيم) الترمذي (وابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (مكائد الشيطان) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضا سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود . 2102 - (أن المؤمن إذا أصابه سقم) بضم فسكون وبفتحتين أي مرض (ثم أعفاه الله عنه) أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول (كان) مرضه (كفارة لما مضى من ذنوبه) فيه شمول للكبائر والصغائر (وموعظة له فيما يستقبل) لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيها على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق (1) المذكور في قوله (وإن المنافق) الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (إذا مرض ثم أعفي) من مرضه (كان كالبعير عقله أهله) أي أصحابه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم عقلوه) أي لأي شئ فعلوا به ذلك (ولم يدر لم أرسلوه) أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر (1) أي النفاق الحقيقي ويحتمل أن المراد العملي . (*)
[ 489 ]
حسرة الموت فلذا شبهه بالبعير المرسل بعد القيد في كونه لا يدري فيم قيد وفيم أرسل فحقه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ذنوبه فإذا عوفي لم يعد فلما لم يتنبه جعل كالبهيمة * (أولئك كالأنعام بل هم أضل) * [ الاعراف : 179 ] ثم إن للحديث عند مخرجه أبي داود تتمة وهي : فقال رجل ممن حوله يا رسول الله وما الأسقام والله ما مرضت قط قال قم عنا فلست منا (د) في الجنائز (عن عامر الرام) أخي الخضر قال محمد بن سلمة قال إني لبلادنا إذ رفعت لنا رايات وألوية فقلنا ما هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا وهو جالس تحت شجرة قد بسط له كساء وقد اجتمع إليه أصحابه فجلست إليه فذكر الأسقام فقال إن المؤمن إلخ وفيه زيادة ذكره البغوي في الدعوات في المصابيح قال المنذري في إسناده راو لم يسم . - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - (1) أي النفاق في 2103 - (إن المؤمن) في رواية المسلم (لا ينجس) زاد الحاكم حيا ولا ميتا (1) أما الحي فإجماعا ، قال الفاكهي حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها وأما الميت فعلى الصحيح عند الشافعية والمالكية انتهى ، وذكر المؤمن وصف طردي فالكافر كذلك خلافا لنعمان والمراد بنجاسة المشركين في الآية نجاسة الاعتقاد أو تجنبهم كالنجس ومفهوم الخبر متروك لمانع (2) (تنبيه) قال القاضي يمكن أن يحتج بالحديث على من قال الحدث نجاسة حكمية وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما (ق 4 عن أبي هريرة) قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى بعد فانسللت أي مضيت بتمهل فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت قلت لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك فذكره ولفظ رواية مسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وفيه حل مصافحة الجنب ومخالطته وطهارة عرقه وجواز تأخيره للغسل وأن يسعى في حوائجه (حم د ن ه عن حذيفة) بن اليمان (ن عن ابن مسعود طب عن أبي موسى) الأشعري واللفظ للبخاري . 2104 - (إن المؤمن يجاهد بسيفه) الكفار (ولسانه) الكفار وغيرهم من الملحدين والفرق الزائغة بإقامة الحجة ونصب البراهين وغير ذلك أو أراد بالجهاد باللسان هجو الكفر وأهله وهذا إلى ظاهر (1) فيه رد على من قال إنه ينجس بالموت . (2) وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى * (إنما المشركون نجس) * وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة كما يجتنب النجس وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي ليس نجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء . (*)
[ 490 ]
الأخبار أقرب ، ومقصود الحديث أن المؤمن شأنه ذلك فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء الله بالسنان بل يضم إليه الجهاد باللسان (حم طب عن كعب بن مالك) قال لما نزلت * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * [ الشعراء : 244 ] أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما ترى في الشعر فذكره قال الهيثمي رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح . 2105 - (إن المؤمنين يشدد) بضم أوله (عليهم) لفظ رواية الحاكم إن المؤمن يشدد عليه (لأنه لا يصيب المؤمن نكبة) بنون وكاف موحدة (من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة) في الجنة (وحط عنه) أي محى عنه بسببه (خطيئة) من خطاياه وسبق أنه لا مانع من كون الشئ الواحد رافعا وحاطا ومر أن النكبة ما يصيب الإنسان من المصائب والشوكة معروفة (ابن سعد) في الطبقات (ك) في الجنائز (هب) كلهم (عن عائشة) قالت طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع فجعل يتقلب على فراشه فقلت يا رسول الله لو صنع هذا بعضنا لخشي أن تجد عليه فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 2106 - (إن المتحابين في الله) يكونون (في ظل العرش) يوم القيامة زاد الحاكم في روايته يوم لا ظل إلا ظله ومعلوم أن الكلام في المؤمنين (طب عن معاذ) بن جبل ورواه الحاكم أيضا وقال على شرطهما وقال العراقي وهو عند الترمذي عن معاذ بلفظ آخر . 2107 - (إن المتشدقين) بمثناة فوقية وشين معجمة أي المتوسعين في الكلام من غير احتياط وتحرز أو الذين يلوون أشداقهم به (في النار) أي سيكونون يوم القيامة في نار جهنم جزاء لهم بتفحصهم على ربهم وازدرائهم بخلقه أي أنهم يستحقون دخولها وقد يدركهم العفو (طب عن أبى أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان ضعيف . 2108 - (إن المجالس) أي أهلها (ثلاثة) أي ثلاثة أنواع (سالم وغانم وشاجب) بمعجمة وجيم أي هالك يقال شجب يشجب إذا هلك يعني إما سالم من الإثم وإما غانم للأجر وإما هالك آثم ذكره الزمخشري وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تتمته كما في الميزان واللسان وغيرهما فالغانم الذاكر والسالم الساكت والشاجب الذي يشغب بين الناس (حم ع حب عن أبي سعيد) الخدري .
[ 491 ]
2109 - (إن) النساء (المختلعات) أي اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع ويبذلن لأجله المال بلا عذر (والمتنزعات) أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق يقال نزع الشئ من يده جذبه ويحتمل أن المراد النساء اللاتي يأبين التزوج من قومهن ويؤثرن عليهن الأجانب ، قال الزمخشري من المجاز نساء نزائع تزوجن في غير عشائرهن وعنده نزيع ونزيعة نجيب ونجيبة من غير بلادة اه (هن المنافقات) أطلق عليهن اسم النفاق لمزيد الزجر والتهويل والتحذير من الوقوع في ذلك فيكره للمرأة الخلع إلا لعذر كالشقاق وكراهتها للزوج لقبح خلق أو خلق دنيوي أو ديني أو خوف تقصيرها في بعض حقه أو قصدها سفرا أو نحو ذلك (طب عن عقبة بن عامر) الجهني وفيه قيس بن الربيع وثقه النووي وضعفه شعبة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي . 2110 - (إن المرء كثير بأخيه وابن عمه) أي يتقوى بنصرتهما ويعتضد بمعونتهما فهو وإن كان قليلا في نفسه بانفراد فإنه يكثر بأخيه وابن عمه إذا ظاهراه على الأمر وساعداه عليه فكأنه كان قليلا حين انفراده كثيرا باجتماعه معهما وسيأتي لهذا مزيد بيان (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب المشهور بالجود الخارق للأجانب والأقارب . 2111 - (إن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول أي خلقها الله (من ضلع) بكسر ففتح واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى (لن تستقيم لك) أيها الرجل (على طريقة) واحدة (فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج) (1) ليس منه بد (وإن ذهبت تقيمها) أي قصدت أن تسوي اعوجاجها وأخذت في الشروع في ذلك (كسرتها) قال في المصباح ذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقته وذهب في الدين مذهبا رأى فيه رأيا قال الزمخشري ومن المجاز ذهب فلان مذهبا حسنا وفلان يذهب إلى قول الحنفية أي يأخذ به ثم فسر كسرها بقوله (وكسرها) هو (طلاقها) إشعارا باستحالة تقويمها أي إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها وهذا حث على الرفق بالنساء والصبر على عوجهن وتحمل ضعف عقولهن وأنه لا مطمع في استقامتهن وفيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه على عوجه وإلى ذلك يشير قوله سبحانه وتعالى * : (قوا أنفسكم وأهليكم (1) وبها عوج : ضبط بالفتح وبالكسر وهو أرجح قال شيخنا قال أهل اللغة العوج بالفتح في الاجسام المرثية وبالكسر في المعاني غير المرثية كالرأي والكلام . (*)
[ 492 ]
نارا) * [ التحريم : 6 ] فلا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو بترك الواجب بل المراد تركها على عوجها في الأمور المباحة فقط وفيه ندب المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر عليهن وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها (تنبيه) قال ابن عربي لما خلق الله جسم آدم ولم يكن فيه شهوة نكاح وقد سبق في علم الحق إيجاد التناسل في هذه الدار لبقاء النوع استخرج من ضلعه القصير حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل * (وللرجال عليهن درجة) * [ البقرة : 228 ] فلا تلحق بهم أبدا وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو على ولدها وزوجها فحنو الرجل عليها حنوه على نفسه لأنها جزؤه وحنوها عليه لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعمر الله المحل من آدم الذي خرجت منه الشهوة إليها لئلا يبقى في الوجود خلاه فلما عمره بالهوى فلذلك حن إليها حنينه على نفسه لأنها جزء منه فحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه فحبها حب وطنها وحبه حب نفسه فلذلك ظهر حب الرجل لها لكونها عينه وأعطيت القوة المعبر عنها بالحياء في محبة الرجل فقويت على الإخفاء وصور في ذلك الضلع جميع ما صور في جسم آدم ونفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة محلا للحرث لوجود الإنبات فسكن إليها وسكنت إليه فكانت لباسا له وكان لباسا لها * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * [ المؤمنون : 14 ] (م) في النكاح (ت) كلاهما (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2112 - (إن المرأة خلقت من ضلع) بفتح اللام وقد تسكن (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) فإن ترد إقامة المرأة تكسرها وكسرها طلاقها (فدارها تعش بها) أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة (حم حب ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه . 2113 - (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة فنسبتها للشيطان لكون الشهوة من جسده وأسبابه والعقل من جند الملائكة والكل جند الله والعقل حزب الله * (ألا إن حزب الله هم المفلحون) * [ المجادلة : 22 ] فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي جعل صورة الشيطان ظرفا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر
[ 493 ]
إليها كالشيطان الداعي للشر (وتدبر في صورة شيطان) لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضا بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فسادا لحصول المواجهة به (فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته) أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه (فليأت أهله) أي فليجامع حليلته (فإن ذلك) أي جماعها (يرد ما في نفسه) بمثناة تحتية أي يعكسه ويغلبه ويقهره وقال في النهاية وروي بموحدة من البر وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينا لها وجمعا لقلبه ودفعا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب رضي الله تعالى عنها فقضى حاجته منها وخرج فذكره قال ابن العربي هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سرا لم يعلمه إلا الله تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما وقد كان آدميا وذا شهوة لكنه كان معصوما عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة قال ابن العربي وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين (حم م) كلهم في النكاح (عن جابر) ورواه عنه النسائي ولم يخرجه البخاري . 2114 - (إن المرأة تنكح لدينها) أي صلاحها (ومالها وجمالها فعليك بذات الدين) ولا تلتفت لدينك في جنبه لأنه الأهم الواجب التقديم (تربت يداك) أي افتقرتا إن لم تفعل قال الزمخشري من المجاز تربت يداك أي خابت وخسرت انتهى قالوا وهذه الكلمات التي جاءت عن العرب صورتها دعاء ولا يراد بها الدعاء بل الحث والتحريض وأخذ منه المالكية أن المرأة تجبر على أن تجهز بقدر صداقها وزعموا أن عليا رضي الله تعالى عنه قضى بذلك (حم م ت ن عن جابر) قال تزوجت امرأة ثيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال فذاك إذن ثم ذكره . 2115 - (إن المسألة) أي الطلب من الناس أن يعطوه من أموالهم شيئا (لا تحل) حلا مستوي الطرفين وقد تجب (إلا لأحد ثلاثة لذي دم موجع) اسم فاعل من أوجع يعني ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل (أو لذي غرم مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة مكسورة وعين مهملة : شديد شنيع ، والمراد به ما استدانه لنفسه وعياله (أو لذي فقر
[ 494 ]
مدقع) بالقاف أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر وقيل هو سوء احتمال الفقر وهذا قاله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأخذ أعرابي بطرف رداءه فسأله إياه فأعطاه ثم ذكره قال النووي اتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة وفي سؤال القادر على الكسب وجهان أصحهما يحرم والثاني يجوز بكراهة بشرط أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل السؤال ولا يؤذي فإن فقد شرط منها حرم (حم 4 عن أنس) قال المناوي وغيره فيه الأخضر بن عجلان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم يكتب حديثه . 2116 - (إن المسجد لا يحل) المكث فيه (لجنب ولا حائض) ومثلهما النفساء فيحرم مكث كل منهم فيه عند الأئمة الأربعة ويباح عبوره وهو حجة على المزني وداود وابن المنذر في زعمهم جوازه مطلقا أو بشرط الوضوء على الخلاف بينهم (ه عن أم سلمة) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلا صوته فذكره . 2117 - (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم) في مرضه أي زاره فيه وتعهد حاله (لم يزل في مخرقة (1) الجنة) أي بساتينها الزهية وروضاتها البهية ، شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر ، قال شمر المخرقة سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء والخريف بفتح فكسر البستان من نخل (حتى يرجع) أي حتى يذهب إلى العيادة ثم يعود إلى محله ، وفيه إيذان بأنه كل ما كان محل المريض أبعد كانت العيادة أكثر ثوابا لكن ما يوهمه من فضل طول المكث عند المريض غير مراد كما بينته أخبار الأمر بالتخفيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم وغيره قيل يا رسول الله وما مخرقة الجنة قال جناها (حم م) في الأدب (ت) في الجنائز (عن ثوبان) ولم يخرجه البخاري ولا خرج في صحيحه عن ثوبان . 2118 - (إن المظلومين) في الدنيا (هم المفلحون) أي الفائزون (يوم القيامة) بالأجر الجزيل والنجاة من النار ورفع الدرجات في دار الاختيار والانتقام لهم ممن ظلمهم والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب) له (ورسته) بضم الراء بضبط المصنف (في) كتاب (الإيمان) له كلاهما (عن أبي صالح) عبد الرحمن بن قيس تابعي جليل (الحنفي) بفتح الحاء (1) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وقيل المخرفة الطريق أي أنه على طريق يؤديه إلى طرق الجنة . (*)
[ 495 ]
والنون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار ينسب إليها خلق كثير (مرسلا) . 2119 - (إن المعروف) قال في المصباح وهو الخير والرفق والإحسان (لا يصلح إلا لذي دين) بكسر الدال أي لصاحب قدم راسخ في الإسلام (أو لذي حسب) بفتحتين أي لصاحب مآثر حميدة ومناقب شريفة (أو لذي حلم) بكسر فسكون أي صاحب تثبت واحتمال وغفر وأناة ، والظاهر أن مقصود الحديث أن المعروف لا يصدر إلا ممن اتصف بهذه الأوصاف أو ببعضها ويحتمل أن المراد لا يليق فعله إلا مع من اتصف بذلك بخلاف نحو فاسق ودنئ ولئيم وأحمق (طب وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الجنابري وهو متروك انتهى فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه واستيعاب مخرجه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة ، إذ منهم البيهقي رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال في إسناده من يجهل . 2120 - (إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة) يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة من تلزمه مؤونته شرعا فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتحملها على قدر طاقته وقام بحقها وعاين من فنون الدنيا ما أمر به لأجلها أمده الله بمعونته ورزقه من حيث لا يحتسب بقدرها وعماد ذلك طلب المعونة من الله تعالى بصدق إخلاص فهو حينئذ مجاب فيما طلب من المعونة فمن كانت عليه مؤونة شئ فاستعان الله عليها جاءته المعونة على قدر المؤونة فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبدا ، وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول الله وقوته وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال (1) (وإن الصبر يأتي من الله) للعبد المصاب (على قدر المصيبة) فإن عظمت المصيبة أفرغ الله عليه صبرا كثيرا لئلا يهلك جزعا وإن خفت خفف بقدرها . أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما ، والمعونة كما في الصحاح وغيره الإعانة وفي المصباح كغيره العون الظهر والاسم المعونة والمعانة أيضا بالفتح ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية وقيل هي فعولة وقال الزمخشري تقول أي العرب إذا قلت المعونة كثرت المؤونة وفي الصحاح المؤونة تهمز ولا تهمز ومانت القوم احتملت مؤونتهم وفي المصباح المؤونة الثقل وفيها لغات والمراد أن من احتاج إلى مؤونة كثيرة لكثرة عياله يفاض عليه من المعونة ما يقوم بهم ومن قلت عياله اقتصر عليه بقدر حاجياتهم (الحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي (1) أي فلا يخشى الانسان الفقر من كثرة العيال فإن الله يعينه على مؤونتهم بل يندب له أن يعمل على ما فيه تكثيرهم اعتمادا على الله . (*)
[ 496 ]
وفيه طارق بن عمار قال البخاري لا يتابع على حديثه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك قال والحديث غريب . 2121 - (إن المقسطين) أي العادلين يقال قسط أي جار وهو أن يأخذ قسط غيره أي نصيبه وأقسط إذا عدل والهمزة للسلب (عند الله) عندية تعظيم وتكريم لا عندية مكان تعالى الله عما يقول الظالمون (يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء ومحل التجلي (على منابر) جمع منبر سمي منبرا لارتفاعه (من نور) من أجسام نورانية حقيقة أو هو كناية عن الدرجات العلية الرفيعة (عن يمين الرحمن) شبههم في دنوهم من الله وعلو منزلتهم بمن يجلس على الكراسي عن يمين الملك فإنه يكون أعظم الناس قدرا وأرفعهم منزلة ثم نزهه سبحانه عما يسبق إلى فهم من لم يقدر الله حق قدره من مقابلة اليمين باليسار وكشف عن حقيقة المراد بقوله (وكلتا يديه يمين) أي ليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال وتثنية اليدين للاستيعاب كقوله * (ثم ارجع البصر كرتين) * [ الملك : 4 ] لبيك وسعديك والخير كله بيديك وقال القاضي إنما قال وكلتا يديه يمين دفعا لتوهم من يتوهم أن له يمينا من جنس أيماننا التي يقابلها يسار وأن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من الله فاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلى محل من مجلس السلطان بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء (الذين يعدلون) صفة كاشفة للمقسطين أو صفة مادحة أو بدل منه أو استئناف كأنه قيل من هؤلاء الذين فازوا بالقدح المعلى قيل الذين يعدلون (في حكمهم) أي فيما قلدوا من خلافة أو إمارة أو قضاء (وأهلهم) أي وفي القيام بالواجب لأهلهم من الحقوق على أي تفسير فسر الأهل من أزواج وأولاد وأرقاء وأقارب وأصحاب أو المجموع قال البعض والعدل عبارة عن التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وذلك واجب الرعاية في كل شئ (وما ولوا) بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية كنظر على وقف أو يتيم أو صدقة ، وأصله وليوا فاعل وروي ولوا بشد اللام على بناء المجهول أي جعلوا والين عليه فقدم قوله في حكمهم ليشمل من بيده أزمة الشرع ثم أردفه بالأهل لتناول كل من في مؤونته أقارب أو عيال وختم بقوله وما ولوا ليستوعب كل من تولى شيئا من الأمور فيشمل نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر به (تنبيه) قال الطيبي قوله عند الله خبر إن أي المقسطين مقربون عند الله وعلى منابر يجوز كونه خبرا بعد خبر وحالا من الضمير المستقر في الظرف ومن نور صفة مخصصة لبيان الحقيقة وفي عن يمين الرحمن صفة أخرى لمنابر ويجوز كونه حالا بعد حال على التداخل (حم م) في المغازي (ن) في القضاء (عن ابن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري . 2122 - (إن المكثرين) مالا (هم المقلون) ثوابا وفي رواية إن الأكثرين هم الأقلون (يوم
[ 497 ]
القيامة) وحذف تمييز المكثرين والمقلين ليعم هذا المقدر وغيره مما يناسب المقام وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصدق كما دل عليه بقوله (إلا من أعطاه الله خيرا) أي مالا حلالا لقوله تعالى : * (إن ترك خيرا) * [ البقرة : 18 ] (فنفح) بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بلا تكلف (فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) يعني ضرب يديه بالعطاء لفقر الجهات الأربع ولم يذكر ما بقي من الجهات وهو فوق وتحت لندرة الإعطاء من قبلهما وإن كان ممكنا وفسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل القصد الصحيح الإخفاء (وعمل فيه خيرا) أي حسنة بأن صرفه في وجوه البر وضروب القربات ، وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول المال والثاني القربة فمن وفق لذلك هو الذي يرجى له الفلاح والنجاح وأما من أعطى مالا ولم يلهم فيه ذلك فهو من الهالكين وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقليل ما هم (ق عن أبي ذر) الغفاري . 2123 - (إن الملائكة) يحتمل أن المراد الكل ويحتمل من في الأرض منهم (لتضع أجنحتها) جمع جناح بالفتح وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان (1) قال الزمخشري ومن المجاز خفض له جناحه (لطالب العلم) الشرعي للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه الله تعالى (رضى بما يطلب) وفي رواية بما يصنع ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه أو توقيره وتعظيمه . أو إعانته على بلوغ مقاصده أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم أو عن تواضعها ودعائها له يقال للرجل المتواضع خافض الجناح قال السيد السمهودي والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات وذلك لأنه سبحانه وتعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام لما أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة فسألته على جهة الاستعظام لخلقه أن خلقا يكون منهم الفساد وسفك الدماء كيف يكون خليفة فقال * (إني أعلم ما لا تعلمون) * [ البقرة : 30 ] وقال لآدم عليه السلام أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم تصاغرت الملائكة فرأت فضل آدم فألزمها الخضوع والسجود لفضل العلم فسجدت فتأدبت فكلما ظهر علم في بشر خضعت له وتواضعت إعظاما للعلم وأهله هذا في طلابه فكيف بأحباره . (فائدة) روى النووي في بستانه بإسناده عن زكريا الساجي كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض المحدثين فأسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها - كالمستهزئ - فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ عبد القادر الرهاوي إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأي العين لأن رواتها أعلام وراويها إمام ، ثم قال النووي بالإسناد إلى الحافظ محمد بن (1) لكن لا يلزم أن تكون اجنحة الملائكة كأجنحة الطائر . (*)
[ 498 ]
طاهر المقدسي عن أبي داود قال كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث إن الملائكة تضع أجنحتها إلخ فجعل في نعله ورجله مسامير حديد وقال أريد أطؤ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله قال وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في شرح مسلم هذه الحكاية وقال فيها فشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه (الطيالسي) أبو داود (عن صفوان بن عسال) بمهملتين مشدد : المرادي نزيل الكوفة روى عنه ابن مسعود مع جلالته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لغير الطيالسي ممن هو أشهر وأحق بالعزو وهو تقصير أو قصور بل الصديق الثاني للإمام أحمد الشيباني وابن حبان والحاكم . 2124 - (إن الملائكة لتصافح) أي بأيديها أيدي (ركاب) جمع راكب (الحجاج) حجا مبرورا وسبق أن المصافحة إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال بالوجه على الوجه (وتعتنق) أي تضم وتلتزم (المشاة) منهم مع وضع الأيدي على العنق والظاهر أن هذا كناية عن مزيد ابتهالهم لهم في الاستغفار والدعاء وأنهم للمشاة أكثر استغفارا ودعاء ولا مانع من كونه حقيقة ولا يقدح فيه عدم مشاهدتنا لأن الملائكة أنوار هفافة وفيه إيذان بأن الحج ماشيا أفضل وبه قال جمع وفضل آخرون الركوب ، ومقصود الحديث الترغيب في الحج والازدياد منه وهل مثل الحاج المعتمر ؟ فيه تأمل (هب عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا إسناد فيه ضعف هذه عبارته فحذفه لذلك من كلامه من سوء التصرف وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي وإن كان المحاربي فمتروك الحديث كما قال الأزدي وإن كان القرشي فوضاع كذاب كما قال ابن حبان . 2125 - (إن الملائكة لتفرح) أي تسر وترضى من الفرح وهو لذة القلب بنيل مراده (بذهاب الشتاء) أي بانقضاء فصل الشتاء (رحمة) منهم (لما يدخل على فقراء المسلمين) وفي رواية رحمة للمساكين وفي رواية لما يدخل على فقراء أمتي (فيه من الشدة) أي من شدة مقاساة البرد لفقدهم ما يتقون به ولما يلحقهم من مشقة التطهر بالماء البارد فيه ولذلك قال الزمخشري عن بعض التابعين وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها وعن بعضهم البرد عدو الدين وتقول العرب الشتاء ذكر والصيف أنثى لقسوة الشتاء وشدة غلظته ولين الصيف وسهولة شكيمته قال الزمخشري وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس والصيف وإن تلظى قيظه وحمى صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء لما يلقونه فيه من الترح والبؤس ولهذا قيل لبعضهم ما أعددت للبرد قال طول الرعدة وفظاظة الشدة وقال الأصمعي رأيت أعرابيا قد حفر قربوصا وقعد فيه في أول الشتاء قلت ما صيرك كذلك قال شدة البرد ثم قال :
[ 499 ]
يا رب هذا البرد أصبح كالحا * * وأنت بصير عالم ما نعلم لئن كنت يوما في جهنم مدخلي * * ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم وقال بعضهم : شتاء تقلص الأشداق منه * * وبرد يجعل الولدان شيبا وأرض تزلق الأقدام فيها * * فما يمشي بها إلا الدبيبا وقال أبو عوانة الشتاء في أوله أضر منه في آخره قال علي كرم الله وجهه توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله في الأشجار أوله يحرق وآخره يورق ، وأخرج المقريزي بسنده عن ابن عمر يرفعه خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم ، وأخرج أيضا عن قتادة لم ينزل عذاب قط من السماء على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء ، وعن عمر بن العلاء إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الضعفاء . دخل أعرابي خرسان فلقيه الشتاء فأقام بسمرقند فلما طاب الزمان عاد إلى البصرة فسأله أميرها عن خراسان فقال جنة في الصيف جهنم في الشتاء فقال صف لي الشتاء بها قال تهب الرياح وتضجر الأرواح وتدوم الغيوم وتسقط الثلوج ويقل الخروج وتفور الأنهار وتجف الأشجار والشمس مريضة والعين غضيضة والوجوه عابسة والأغصان ناعسة والمياه جامدة والأرض هامدة وأهلها يفرشون اللبود ويلبسون الجلود نيرانهم تنور ومراجلهم تفور لحاهم صفر من الدخان وثيابهم سود من النيران فالمواشي من البرد كالفراش المبثوث والجبال من الثلج كالعهن المنفوش فأما من كثرت نيرانه وخفت ميزانه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية ، فقال الأمير ما تركت عذابا في الآخرة إلا وصفته لنا في الدنيا . وقال كعب الأحبار : أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن تأهب للعدو وقد أضلك قال يا رب ومن عدوي وليس يحضرني قال الشتاء ، وعن الأصمعي كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم : القيظ أم القر ؟ فقالت يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى . ثم إن هذا الحديث لا يعارضه خبر الديلمي عن أنس إن الملائكة لتفرح للمتعبدين في أيام الشتاء نهار قصير للصائم وليل طويل للقائم اه لأن جهة الفرح والترح مختلفة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي في رجاله معلى بن ميمون متروك وفي الميزان معلى بن ميمون ضعيف الحديث قال النسائي والدارقطني متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث وابن عدي أحاديثه مناكير ثم ساق منها هذا الحديث وفيه أيضا في ترجمة سعيد بن دهيم إنه خبر منكر وفي اللسان عن العقيلي غير محفوظ قال ولا يصح في متنه شئ . 2126 - (إن الملائكة) أي ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر ونحوهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف طرفة عين وكذا ملائكة الموت لا تدخل بيتا يعني مكانا بينا
[ 500 ]
أو غيره فيه تماثيل جمع تمثال ، وهي الصورة المصورة كما في الصحاح وغيره فالعطف للتفسير في قوله (أو صورة) أي صورة حيران تام الخلقة لحرمة التصوير ومشابهته بيت الأصنام وذلك لأن المصور يجعل نفسه شريكا لله في التصوير وهذا يفيد تحريم اتخاذ ذلك وتشديد النكير في شأنه وقد ورد في النهي أحاديث كثيرة (حم ت حب عن أبي سعيد) الخدري . 2127 - (إن الملائكة لا تدخل بيتا) يعني محلا (فيه كلب) لنجاسته فأشبه المبرز وهم منزهون عن محل الأقذار إذ هم أشرف خلق الله وهم المكرمون المتمكنون في أعلى مراتب الطهارة وبينهما تضاد كما بين النور والظلمة ومن سوى نفسه بالكلاب فحقيق أن تنفر منه الملائكة ، وتعليلهم بذلك يعرفك أنه لا اتجاه لزعم البعض أنه خاص بكلب يحرم اقتناؤه بخلاف كلب نحو صيد أو زرع والكلب في الأصل اسم لكل سبع عقور ومنه خبر أما يخاف أن يأكله كلب الله فجاء الأسد فاقتلع هامته ثم غلب على هذا النوع النابح (ولا صورة) لأن الصورة فيها منازعة لله تعالى وهو الخالق المصور وحده فعدم دخولهم مكانا هما فيه لأجل عصيان أهله (تنبيه) قال الغزالي القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأين تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب قال ولست أقول المراد بلفظ البيت القلب وبالكلب الغضب والصفات المذمومة بل أقول هو تنبيه عليه ودخول من الظواهر إلى البواطن مع تقرير الظواهر فبهذه الدقيقة فارق الباطنية فإن هذا طريق الاعتبار ومسلك الأئمة الأبرار ، ومعنى الاعتبار أن تعبر مما ذكر إلى غيره فلا تقتصر عليه أي ما ذكر قال ولا تظن أن هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في دفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله * (اخلع نعليك) * [ طه : 12 ] وحاش لله فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ولم يفهموا وجهه كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ولذلك ورد للقرآن ظاهر وباطن وحد ومفطع بل أقول فهم موسى عليه السلام من الأمر بخلع النعلين إطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا لخلع نعليه وباطنا بطرح العالمين فهذا هو الاعتبار أي العبور من الشئ إلى غيره ومن الظاهر إلى السر ، وفرق بين من يسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل ، وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول الكلب ليس كلبا لصورته بل لمعناه وهو السبعية والضراوة وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية أولى فأنا أجمع بين الظاهر والسر فهذا هو الكمال وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه انتهى كلام الغزالي وذكر الدخول والبيت غالبي وهذا اللفظ عام لكن خص بما هو غير منبوذ يوطأ ويداس فإن الرخصة وردت فيه (ه عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وهو بمعناه في مسلم من حديث ابن عباس .
[ 501 ]
2128 - (إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر) الإنسان (بخير) (1) فعل معه فجحده (ولا المتمضخ) أي الإنسان المتلطخ (بالزعفران) لحرمة ذلك على الرجل لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء وقرن بالكافر لاتباعه هواه ومخالفته (ولا الجنب) الذي اعتاد ترك الغسل تهاونا به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير الله تغليظ لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته فليس المراد أي جنب كان لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبا ويطوف على نسائه بغسل واحد وزعم أن المراد بالجنب من زنا : بعيد من السياق وتقييد للإطلاق بلا دليل قال القاضي والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر (حم د عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة مكسورة (2) . 2129 - (إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم) أي تستغفر له (ما دامت مائدته موضوعة) أي مدة دوام وضعها للاضياف ونحوهم والمائدة ما يمد ويبسط عليه الطعام كمنديل وثوب وسفرة ، قال يقدم عليه ونظيره شجرة مطعمة انتهى . وظاهر الخبر أن الاكل على المائدة محبوب لا مرهوب ، وكأني بك تقول يشكل بقولهم لم يأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم على خوان فنقول كلا لا إشكال إذ المائدة ما يمد للاكل عليه كما تقرر وأما الخوان فهو المرتفع من الارض بقوائمه والسفرة ما أسفر عما في جوفه لانها (1) قوله بخير أي ببشر بل يوعدونه بالعذاب الشديد والهوان الوبيل ويحتمل أن الباء في قوله بخير ظرفية بمعنى في كقوله تعالى : * (نجيناهم بسحر) * [ القمر : 34 ] أي في سحر أي لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حضور شر ونزول بؤس به وقال المناوي لا تحضر جنازة الكافر بخير فعل معه فستره وأنكره ، وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءا كاملا وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ بالله من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة للهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة . (2) قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي أي من كثرة العمل فخلقوني بزعفران فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه درع - بالدال والعين المهملتين - أي لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كل الغسل فسلمت عليه فرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وقال إن الملائكة فذكره . (*)
[ 502 ]
مضمونة بمعاليقها ثم إن سؤال الملائكة ربهم أن يغفر لعبده من الأسباب الموجبة للمغفرة له فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يشاء بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإذ أشكل عليك فانظر إلى الأسباب الموجبة لمحبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب والكل منه وإليه وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد وفيه حث على الجود وكثرة الإطعام (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عائشة) ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن عائشة ، فاقتصار المؤلف على الحكيم غير مرضي وجزم الحافظ العراقي كالمنذري بضعفه وقال البيهقي في الشعب بعد ما خرجه تفرد به بندار بن علي . 2130 - (إن الملائكة صلت على آدم) أي بعد موته صلاة الجنازة (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات وهذا يوضحه ما رواه الحاكم عن رفعة لما أحضر آدم قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة وقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم فلما رأتهم حواء ذعرت وجعلت تدنو إلى آدم عليه الصلاة والسلام وتلتصق به فقال إليك عني فمن قبلك أتيت خلي بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فافعلوا ، وفيه أن صلاة الجنازة ليست من خصائصنا لكن حمله بعضهم على الأصل لا الكيفية (الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الخطيب باللفظ المذكور ورواه الطبراني بلفظ إن الملائكة غسلت آدم عليه الصلاة والسلام وكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم ورواه الدارقطني عن أبي بن كعب بلفظ إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم . قال الفرياني وفيه داود بن المحبر وضاع عن رحمة بن مصعب قال ابن معين ليس بشئ وله طريق أخرى فيها خارجة . 2131 - (إن الموت فزع) بفتح الزاي قال البيضاوي : مصدر وصف به للمبالغة أو تقديره ذو فزع أي خوف قال ويؤيد الثاني رواية إن للموت فزعا أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس قال وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلل الأمل من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) ندبا لتهويل الموت قال القاضي الباعث على القيام أحد أمرين إما ترجيب الميت وتعظيمه وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتا استشعارا منه ورعبا ويشهد للثاني قوله فإذا رأيتم إلخ لأن ترتب الحكم على الوصف سيما إذا كان بالغا يدل على أن الوصف علة للحكم انتهى وفي رواية إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة فقالوا يا رسول الله يهودي قال أليس نفسا قال النووي في شرح مسلم ومشهور ومذهبنا أن القيام غير مستحب قالوا هو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوم ثم تركه وبه أي بمذهب الشافعي قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يكره القعود حتى توضع وفي المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب (حم م ه) في الجنائز (عن
[ 503 ]
جابر) قال مرت جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية فذكره ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ . 2132 - (إن الموتى ليعذبون) أي من يستحق العذاب منهم (في قبورهم) فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير (لتسمع أصواتهم) وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه الله وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شئ من أمر الدين وليس في آية * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * [ الدخان : 56 ] ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله * (لا يذوقون فيها) * الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله * (لا يذوقون فيها) * الآية . وجوابه أن معنى قوله * (لا يذوقون فيها الموت) * أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح . 2133 - (إن الميت ليعذب ببكاء الحي) والمعنى هو البكاء المذموم بأن اقترن بنحو ندب أو نوح وكان متسببا عن وصيته (1) أو أراد بالميت المشرف على الموت والتعذيب أنه إذا احتضر والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت فيصير معذبا به ، قال العراقي والأولى أن يقال سماع صوت البكاء هو نفس العذاب كما أنا نعذب ببكاء الأطفال فالحديث على ظاهره بغير تخصيص وصوبه الكرماني وقال في باقي الوجوه تكلف وقيل أراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يوصفه أهله به أو تألمه بما يقع من أهله قال بعض الأعاظم وبما تقرر عرف خطأ من حمد عند ما سمع * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * [ الانعام : 164 ] أو غلط رواة هذا الخبر وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما ، قال ابن تيمية : وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد واعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك إلى هنا كلامه (ق عن عمر) بن الخطاب لكنه في البخاري بعض حديث ولفظه إن الميت ليعذب (1) أي كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة بن العبد لزوجته : إذا مت فانعيني بما أنها أهله * وشقي علي الجيب يا أم معبد . (*)
[ 504 ]
ببكاء أهله عليه ومسلم رواه مستقلا بهذا اللفظ فجعله في الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم سهو نشأ عن عدم تأمل ما في البخاري لكونه في ذيل حديث قال المصنف هذا متواتر . 2134 - (إن الميت) ولو أعمى (يعرف من يحمله) من محل موته إلى مغتسله (ومن يغسله) ومن يكفنه (ومن يدليه في قبره) ومن يلحده فيه وغير ذلك وإنما نبه بالمذكورات على ما سواها وذلك لأن الموت ليس بعدم محض والشعور باق حتى تمام الدفن حتى أنه يعرف زائره كما في عدة آثار بل في بعض الأخبار ونقل القرطبي عن ابن دينار أنه ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى بدنه كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به وكيف يقبر قال ويقال له على سريره اسمع ثناء الناس عليك ذكره أبو نعيم وحكى النووي في بستانه أن الفقيه محمدا النووي مات فقرأ له ختمة قرآن فرآه فقال له أنت في الجنة قال اليوم لا ندخلها بل نتنعم في غيرها أي وإنما ندخلها بعد الساعة فلا يدخلها اليوم إلا الأنبياء والشهداء قال فقلت له جاء أن الروح ترجع للبدن قبل سؤال منكر ونكير فهل رجوعها للبدن بعد الوضع في القبر أو قبله حال حمل الميت على النعش قال بعد الوضع في القبر فإن قلت هذا يناقضه خبر إن الروح إذا قبض صعد بها الملائكة حتى تجاوز السماوات السبع فتوقف بين يدي الله وتسجد له قلت لا تعارض لإمكان أن يصعد بها حتى يقضي الله فيها قضاءه ثم يهبط ليشهد غسله وحمله ودفنه وإنما يغلط أكثر الناس في هذا وأمثاله حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكانا لا يمكن أن تكون بغيره بل الروح لها اتصال بالبدن والقبر وجرمها في السماء كشعاع الشمس ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس (تنبيه) قال الغزالي إنما يشاهد غسله ودفنه من كان على شريعتنا أما المشرك فلا يرى شيئا من ذلك لأنه قد هوى به وأخرج ابن أبي الدنيا عن امرأة أيوب بن عتبة قالت رأيت سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخي أيوب عني خيرا فإنه يزورني كثيرا وقد كان عندي اليوم فقال أيوب نعم حضرت اليوم جنازة فوهبت لقبره وأفتى الحافظ ابن حجر أن الميت يعلم من يزوره فإن الأرواح مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين ومن يستبعد ذلك قياسه له على المشاهدة من أحوال الدنيا وأحوال البرزخ لا تقاس على ذلك (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه رجل لم أجد من ترجمه اه وظاهر حاله أنه لم ير فيه ممن يحمل عليه إلا ذلك للمجهول وهو غير مقبول ففيه إسماعيل بن عمرو البجلي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه عن فضيل بن مرزوق وقال أعني الذهبي وضعفه ابن معين عن عطية فإن كان العوفي فضعفوه أيضا وابن عارض فلا يعرف أو الطفاوي فضعفه الأزدي وغيره . 2135 - (إن الميت إذا دفن سمع حفق نعالهم) أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له (إذا ولوا عنه منصرفين) في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن
[ 505 ]
يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى : * (وما أنت بمسمع من في القبور) * [ فاطر : 22 ] وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه (تنبيه) أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعدا وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شئ به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر (طب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال الهيثمي رجاله ثقات . 2136 - (إن الناس) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العاقبة (إذا رأوا الظالم) أي علموا بظلمه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول قال ابن جرير وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين ، إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى : * (عليكم أنفسكم) * [ المائدة : 105 ] فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان ؟ نسأل الله السلامة . أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم ، واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا (1) أي ومما كلف به الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يتمثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الامر والنهي . (*)
[ 506 ]
فشيئا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها (د ت ه) كلهم في الفتن (عن أبي بكر) الصديق قال أبو بكر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * [ المائدة : 105 ] الآية وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إلخ قال النووي رضي الله عنه في الأذكار والرياض أسانيده صحيحة رواه عنه أيضا النسائي في التفسير واللفظ لأبي داود . 2137 - (إن الناس دخلوا في دين الله) أي طاعته التي يستحقون بها الجزاء (أفواجا) جمع فوج وهو الجماعة من الناس وقيل زمرا أمة بعد أمة وقيل قبائل (وسيخرجون منه أفواجا) كما دخلوا فيه كذلك وهذا من جنس الخبر المار إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء (حم) من حديث شداد بن أبي عمار قال حدثني جار لجابر (عن جابر) قال قدمت من سفر فجاءني جابر ليسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . 2138 - (إن الناس لكم تبع (1) أي تابعون فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو رجل عدل ذكره الطيبي وقال المظهر لكم خطاب للصحب (وإن رجالا يأتونكم) عطف على إن الناس (من أقطار الأرض) أي جوانبها ونواحيها جمع قطر بالضم وهو الجانب والناحية (يتفقهون في الدين) جملة استئنافية لبيان على الإتيان أو حال من الضمير المرفوع في يأتوكم (فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا) أي اقبلوا وصيتي فيهم يعني الناس يأتوكم من أقطار الأرض وجوانبها يطلبون العلم منكم بعدي لأنكم أخذتم أفعالي وأقوالي واتبعتموني فيها فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا وأمروهم بالخير وعظوهم وعلموهم علوم الدين ، والاستيصاء قبول الوصية وبمعنى التوصية أيضا وتعدى بالباء قال البيضاوي وحقيقة استوصوا اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم وقال الطيبي هذا من باب التجريد أي ليجرد كل واحد منكم شخصا من نفسه ويطلب منه الوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم والمراد حق على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها متابعتكم وحق عليهم أن يأتوكم جميعا ويأخذوا عنكم أمر دينهم فإذا لم يتمكنوا منه فعليهم أن يستنفروا رجالا يأتوكم ليتفقهوا في الدين ولينذروا (1) وأوله كما في الترمذي عن هارون قال كما نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن النبي (ص) قال إن الناس الخ . (*)
[ 507 ]
قومهم إذا رجعوا إليهم فالتعريف في الناس لاستغراق الجنس والتنكير في رجالا للنوع أي رجالا صفت نياتهم وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم وإرشاد الخلق وفي تصدير الجملة الشرطية بإذا التحقيقية تحقيق للوعد وإظهار للإخبار عن الغيب ولهذا قال العلائي ذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد حفظ الله بذلك الدين وكان بعض الصحب إذا أتاه طالب قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون الطالب عنده أعز الناس عليه وأقرب من أهله إليه ولذلك كان علماء السلف يلقون شبك الإجتهاد لصيد طالب ينفع الناس في حياتهم وبعدهم وأن يتواضع مع طلبته ويرحب بهم عند إقبالهم عليه ويكرمهم ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم ويعاملهم بطلاقة وجه وظهور بشر وحسن ود ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ومن ظهرت أهليته من ذوي البيوت ونحوهم (2) (ت ه عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان ضعيف فيه أبو هارون العبدي كذاب قال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون العبدي وقال الذهبي تابعي ضعيف وقال مغلطاي ورد من طريق غير طريق الترمذي حسن بل صحيح انتهى وبذلك يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره هذا الطريق المعلول واقتصاره عليه . 2139 - (إن الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات) أي على حسب غدوهم إليها والرواح يكون بمعنى الغدو كما هنا وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في آية * (غدوها شهر ورواحها شهر) * [ سبأ : 12 ] أي ذهابها ورجوعها ومن فهم أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار فقد وهم فالمبكرون إليها في أول الساعة أقربهم إلى الله تعالى ثم من يليهم على الترتيب المعروف وهذا حث عظيم على التبكير للجمعة ورد لقول من زعم عدم سن التبكير لها كمالك ونص على تفاوت مراتب الناس في الفضل بقدر أعمالهم (الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع) وهذا قال أبو زرعة فيه إن مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وهو من بات قوله تعالى : * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * [ الحجرات : 13 ] وهو صريح في رد ذهاب مالك إلى أن تأخير الذهاب إلى الزوال أفضل وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة منهم أحمد بل وبعض أتباعه كابن حبيب (ه) عن كثير عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود) قال علقمة خرجت مع ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة نفر سبقوه فقال رابع أربعة ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وعبد المجيد هذا خرج له مسلم والأربعة لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن حبان يستحق الترك وقال أبو داود داعية إلى الإرجاء ثقة . (1) فائدة : روى البيهقي في الشعب والبخاري في التاريخ عن أيوب بن المتوكل قال كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئا أراه أنه استفاد منه وإذا أفاد إنسانا شيئا لم يره أنه أفاده ، وثبت أيضا عن الشافعي كان يقول وددت أن يؤخذ هذا العلم عني ولا ينسب إلي . (*)
[ 508 ]
2140 - (إن الناس لا يرفعون شيئا) أي بغير حق أو فوق منزلته التي يستحقها (إلا وضعه الله تعالى) أي في الدنيا والآخرة هذا هو المتبادر من معنى الحديث مع قطع النظر عن ملاحظة سببه وهو أن ناقة المصطفى صلى الله عليه وسلم العضباء أو القصوى كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فذكره فالملائم للسبب أن يقال في قوله لا يرفعون شيئا أي من أمر الدنيا وبه جاء التصريح في رواية (هب عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على المشهور وقيل بكسرها المخزومي أحد الأعلام (مرسلا) أرسل عن عمر وغيره وجلالته معروفة وإسناده صحيح . 2141 - (إن الناس لم يعطوا) بالبناء للمفعول (شيئا) من الخصال الحميدة (خيرا من خلق) بالضم (حسن) فإن حسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجات الأخيار في هذه الدار ودار القرار قال حجة الإسلام لا سبيل إلى السعادة الاخروية إلا بالايمان وحسن الخلق فليس للانسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا وأفضل زادها بعد الإيمان حسن الخلق وبحسن الخلق ينال الإنسان خير الدنيا والآخرة وقال بعض الحكماء لحسن الخلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة ولسئ الخلق من نفسه في عناء والناس منه في بلاء وقال بعضهم عاشر أهلك بحسن الأخلاق فإن السوء فيهم قليل وإذا حسنت أخلاق المرء كثر مصادقوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب وقال الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق قال الماوردي وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلام (طب عن أسامة بن شريك) الثعلبي بالمثلثة والمهملة الذبياني الصحابي قال ابن حجر تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح . 2142 - (إن النبي) صلى الله عليه وسلم أل عهدية أو جنسية أراد به هنا الرسول بقرينة قوله (لا يموت حتى يؤمه بعض أمته) والنبي غير الرسول لا أمة له والمراد لا يموت حتى يصلي به بعض أمته إماما وقد أم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق بل وعبد الرحمن بن عوف في تبوك في الصبح (حم ع عن أبي بكر) الصديق . 2143 - (إن النذر) (1) بمعجمة وهو كما قال الراغب إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر (لا (1) النذر لغة الوعد بخير أو شر وشرعا قبل الوعد بخير خاصة وقيل التزام لم تكن واجبة عينا . (*)
[ 509 ]
يقرب) بالتشديد أي يدني (من ابن آدم) وفي رواية البخاري لا يقدم (شيئا لم يكن الله تعالى قدره له) هذا إشارة إلى تعليل النهي عن النذر (ولكن النذر يوافق القدر) أي قد يصادف ما قدره الله في الأزل (فيخرج ذلك من) مال (البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج) قال البيضاوي عادة الناس النذر على تحصيل نفع أو دفع ضر فنهى عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد التقرب بادر والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شئ من يده إلا بعوض فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له فيعلقه على جلب نفع أو دفع ضر فلا يعطي إلا إذا لزمه النذر والنذر لا يغني من ذلك شيئا فلا يسوق له قدرا لم يكن مقدورا ولا يرد شيئا من القدر (م ه) في الأيمان والنذور (عن أبي هريرة) وخرجه البخاري بمعناه . 2144 - (إن النذر) قال الحرالي وهو إبرام العدة بخير مستقبل فعله أو يرتقب له ما يلتزم به وهو أدنى الإنفاق سيما إذا كان على وجه الإشتراط (لا يقدم شيئا ولا يؤخر (1) شيئا من المقدور (وإنما يستخرج به من البخيل) بل مثاله في موافقة القدر الدعاء فإن الدعاء لا يرد القضاء لكن منه القدر لكن الدعاء منذور والنذر مندوب (حم ك) في النذر (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي . 2145 - (إن النهبة) كفرقة اسم للمنهوب من الغنيمة أو غيرها لكن المراد هنا الغنيمة (لا تحل) لأن الناهب إنما يأخذ على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه ويبخس بعضهم حظه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم فإذا انتهبوا الغتيمة بطلت الغنيمة وفاتت التسوية واستثنى من ذم النهبة انتهاب النثار في العرس لخبر فيه (1) (ه حب ك عن ثعلبة) بفتح المثلثة بلفظ الحيوان المشهور (بن الحكم) الليثي صحابي شهد حنينا ونزل الكوفة قال أصبنا غنما للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم ذكره ورواه الطبراني بلفظه عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات . (1) وقال النووي إنه منهي عنه قال المتولي إنه قربة وهو قضية قول الرافعي إنه قربة فلا يصح من الكافر وقول النووي النذي عمدا في الصلاة : لا يبطلها لانه مناجاة لله كالدعاء وأجيب عن النهي بحمله على ما ظن أنه لا يلتزم بما التزمه وقال ابن الرفعة هو قربة في البر . (2) هو ما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك - أي نكاح - فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا أيدينا فقال ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فخذوا على اسم الله قال فجاذبنا وجاذبناه . (*)
[ 510 ]
2146 - (إن النهبة) من القيامة ومثلها غيرها من كل حق للغير إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ليست بأحل من الميتة) أي ما يأخذه فوق حقه باختطافه من حق أخيه الضعيف عن مقاومته حرام كالميتة فليس بأحل منها أي أقل إثما منها في الأكل بل هما سيان ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره قدم الميتة (د عن رجل) من الأنصار وسبق أن جهالة الصحابي لا تضر لأنهم عدول . 2147 - (إن الهجرة) أي النقلة من دار الكفر إلى دار الإسلام (لا تنقطع) أي لا ينتهي حكمها (ما دام الجهاد) باقيا كذا هو بخط المصنف ما دام والذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في الاصابة معزوا لأحمد ما كان ولعله الصواب فيكره الإقامة بدار الكفر إلا لمصلحة دينية (حم) من طريق يزيد عن أبي الخير عن حذيفة البارقي (عن جنادة) بضم الجيم وخفة النون بضبط المصنف كغيره وهو ابن أبي أمية الأزدي قال جنادة إن رجالا من الصحابة قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الهجرة إلخ قال في الكاشف جنادة مختلف في صحبته وفي الإصابة بعد ما ساق له هذا الحديث وحديث آخر والخبران صحيحان دالان على صحة صحبته اه وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 2148 - (إن الهدى الصالح) بفتح الهاء وقد تكسر وسكون الدال الطريقة الصالحة ، قال الخطابي وهدى الرجل حاله وسيرته (والسمت الصالح) الطريق المنقاد (والاقتصاد) أي سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق وعلى سبيل تمكن إدامته (جزء من خمسة وعشرين جزءا) وفي رواية أكثر وفي أخرى أقل وسيجئ (من النبوة) أي هذه الخصال منحها الله أنبيائه فهي من شمائلهم وفضائلهم فاقتدوا بهم فيها لا أن النبوة تتجزأ ولا أن جامعها يكون نبيا إذ النبوة غير مكتسبة (1) وتأنيث خمس على معنى الخصال (حم د عن ابن عباس) قال في المنار فيه قابوس بن ظبيان ضعيف محدود في القربة وفي المهذب فيه قابوس ضعيف . 2149 - (إن الود) أي المودة يعني المحبة (يورث والعداوة تورث) أي يرثها الابناء عن الاباء (1) أي بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم وانقطعت بعده ويحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله تعالى لباس التقوى الذي يلبسه أنبياءه فكأنها جزء من النبوة . (*)
[ 511 ]
وهكذا يستمر ذلك في السلالة جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وهذا شئ كالمحسوس وإطلاق الإرث على غير المال ونحوه من التركة التي يخلفها المورث مجاز كما يفيده قول الزمخشري من المجاز أورثه كثرة الأكل التخم والأدواء وأورثته الحمى ضعفا وهو في إرث مجد والمجد متوارث بينهم (طب عن عفير) بالتصغير رجل من العرب كان يغشى أبا بكر فقال له أبو بكر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الود فذكره ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك . 2150 - (إن الولد مبخلة مجبنة) بفتح الميم فيهما مفعلة أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه حتى يبخلا بالمال لأجله ويتركا الجهاد بسببه قال الماوردي أخبر بهذا الحديث أن الحذر على الولد يكسب هذه الأوصاف ويحدث هذه الأخلاق وقد كره قوم طلب الولد كراهة لهذه الحالة التي لا يقدر عليها دفعها من نفسه للزومها طبعا وحدوثها حتما . قيل ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ما لك تكره الولد قال مالي وللولد إن عاش كدني وإن مات هدني (ه عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن مرة) بضم الميم وشد الراء ابن وهب بن جابر الثقفي ويقال العامري قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما وذكره قال الحافظ العراقي إسناده صحيح . 2151 - (إن الولد مبخلة) بالمال عن إنفاقه في وجوه القرب (مجبنة) عن الهجرة والجهاد (مجهلة) لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له (محزنة) يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا وإن طلب شيئا لا قدرة لهما عليه حزنا فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه فإن شب وعق فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي اللازم (ك) في الفضائل (عن الأسود بن خلف) ابن عبد يغوث القرشي من مسلمة الفتح قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح (طب عن خولة) بفتح المعجمة ويقال لها أيضا خويلة بالتصغير (بنت حكيم) ابن أمية السلمية يقال لها أم شريك صحابية مشهورة يقال لها الواهبة نفسها وقيل بل غيرها قالت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حسنا فقبله ثم ذكره قال الذهبي إسناده قوي . 2152 - (إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه) أي تخضع وتذل كما يخضع ويذل الوجه (فإذا وضع أحدكم وجهه) يعني جبهته على الأرض في السجود (فليضع يديه) على الأرض في سجوده (فإذا رفعه فليرفعهما) فوضع اليدين واجب في السجود وهو الأصح عند الشافعية وأراد باليدين بطون الراحتين والأصابع ويجب أيضا وضع الركبتين وأطراف القدمين كما مر (د ن ك) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي .
[ 512 ]
2153 - (إن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي أصله اليهوديين حذفت ياء النسبة (والنصارى) جمع نصراني بفتح النون قال الملوي : اليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة ، والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام والنصارى من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام (لا يصبغون) لحاهم وشعورهم وهو بضم الباء وفتحها لغتان (فخالفوهم) بأن تصبغوها ندبا وقيل وجوبا بنحو حناء أو غيره مما لا سواد فيه ، ولا يعارضه النهي عن تغيير الشيب لأن الأمر بالتغيير لمن كان شيبه نقيا كأبي قحافة والد الصديق والنهي لمن شمط فقط وكان شعره بشعا وعليه نزل اختلاف السلف وفيه ندب خضب الشيب للرجل والمرأة لكن بحمرة أو صفرة لا بسواد فيحرم إلا للجهاد (ق) في اللباس (د) في الترجل (ت) في الزينة (ه) في اللباس (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2154 - (إن آدم قبل أن يصيب الذنب) وهو أكله من الشجرة التي نهى عن قربها بقوله تعالى : * (ولا تقربا هذه الشجرة) * [ البقرة : 35 ] (كان أجله) أي كان دنو أجله واستحضاره للموت (بين عينيه) وكان الموت نصب عينيه (وأمله خلفه) ألا يشاهده ولا يستحضره (فلما أصاب الذنب جعل الله تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت) وهكذا حال بنيه ، وطول الأمل موقع في الزلل (ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده ضعيف . 2155 - (إن آدم خلق) بالبناء للمفعول أي خلقه الله (من ثلاث تربات) بضم فسكون جمع تربة (سوداء وبيضاء وحمراء) فمن ثم جاء بنوه كذلك فيهم الأسود والأحمر والأبيض يتبع كل منهم الطينة التي خلق منها (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي ذر) الغفاري . 2156 - (إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي) أي يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام ، وقد جاء البخيل ليس من يبخل بماله ولكن من بخل بمال غيره فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب
[ 513 ]
أن يجاد عليه فمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى ، فهل تجد أحدا أبخل من هذا ؟ (الحارث) بن أبي أسامة وكذا الديلمي (عن عوف بن مالك) وفيه رجل مجهول وآخر مضعف رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضا . 2157 - (إن أبخل الناس من بخل بالسلام) ابتداءا أو جوابا لأنه لفظ قليل لا كلفة فيه وأجر جزيل فمن بخل به مع عدم كلفة فهو أبخل الناس ومن ثم قيل : إذا ما بخلت برد السلام * * فأنت ببذل الندا أبخل (وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى حيث سمع قول ربه في كتابه (ادعوني) فلم يدعه مع حاجته وفاقته وعدم المشقة عليه فيه والله سبحانه وتعالى لا يخيب من سأله واعتمد عليه فمن ترك طلب حاجاته من الله تعالى مع ذلك فهو أعجز العاجزين (ع) وكذا ابن حبان والإسماعيلي والبيهقي في الشعب كلهم (عن أبي هريرة) موقوفا وفيه إسماعيل بن زكريا أورده الذهبي في الضعفاء قال مختلف فيه وهو شيعي غال . 2158 - (إن أبر) وفي رواية من أبر (البر) أي الإحسان جعل البر بارا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازا والمراد منه أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة قال الأكمل أبر البر من قبيل جل جلاله وجد جده بجعل الجد جادا وإسناد الفعل إليه (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة (بعد أن يولي الأب) بكسر اللام المشددة أي يدبر بموت أو سفر قال التوربشتي وهذه الكلمة مما تخبط الناس فيها والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه أي بعد أن يموت أو يغيب أبوه من ولى يولي ، قال الطيبي : وفي جامع الأصول والمشارق : يولي بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم فإنه من تمام الإحسان إلى الأب قال الحافظ العراقي رحمه الله جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته وكذا بعد غيبته فإنه إذا لم يظهر له شئ يوجب ترك المودة فكأنه حاضر فيبقى وده كما كان وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة وزوال الوحشة وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة فيكون من عموم المشترك أو من التواطئ أو بعضها فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ونبه بالأب على بقية الأصول وقياس
[ 514 ]
تقديم الشارع الأم في البر كون وصل أهل ودهاأقدم وأهم ومن البين أن الكلام في أصل مسلم أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام نعم إن كان حيا ورجا ببر أصدقائه تألفه للإسلام تأكد وصله وفي معنى الأصول الزوجة فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصل صويحبات خديجة بعد موتها قائلا حسن العهد من الإيمان وألحق بعضهم بالأب الشيخ ونحوه (حم خد م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب مر به أعرابي وهو راكب على حمار فقال ألست ابن فلان قال بلى فأعطاه حماره وعمامته فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لمسلم أنه أعطاه حمارا كان يركبه وعمامة كانت على رأسه فقالوا له أصلحك الله إنه من الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لأبي داود عن أبي أسيد بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما . 2159 - (إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم بيت الله) الكعبة وما حولها من الحرم كما بينه رواية مسلم بدله حرم مكة (وأمنه) بالتشديد أي صيره مأمنا يعني حرمها بإذن الله أي أظهر حرمتها بأمره فإسناد التحريم إليه من حيث التبليغ والإظهار لا من حيث الإيجاد فإن الله تعالى حرمها قبل ذلك كما يصرح به خبر الشيخين أو أنه دعى الله تعالى فحرمها بدعوته ولا ينافيه خبر إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لأنها كانت محرمة يومئذ فلما رفع البيت المعمور من الطوفان اندرست حرمتها ونسيت معاهدتها فأظهر الله إحياءها على يد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبدعوته (1) (وإني حرمت المدينة) فعيلة من مدن بالمكان أقام والمراد البلدة النبوية كما سبق (ما بين لابتيها) تثنية لابة وهي الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها حرقت بنار وأراد بهما هنا حرتان يكتنفانها (لا يقطع عضاهها) بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة جمع عضاهة شجرة أم غيلان أو كل شجر له شوك (ولا يضاد صيدها) في أبي داود ولا ينفر صيدها أي لا يزعج فإتلافه أولى لكن لا يضمن صيد المدينة ولا نباتها لأن حرمها غير محل للنسك (2) (م) في الحج (عن جابر) ولم يخرجه البخاري . (1) وحرم مكة من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق والطائف على سبعة ومن طريق الجعرانة على تسعة ومن طريق جدة على عشرة كما قال : وللحرم التحديد من أرض طيبة * * ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه وسبعة أميال عراق وطائف * * وجدة عشر ثم تسع جعرانة وزاد الدميري : ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى * * فلم يعد سبل الجل إذ جاء تبيانه . (2) وللمدينة لابتان شرقية وغربية فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها طولا وهما عير وثور . (*)
[ 515 ]
2160 - (إن إبراهيم ابني) من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر (وإنه مات في الثدي) أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر قال القرطبي هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن (وإن له ظئرين) بكسر الظاء مهمورا أي مرضعتين (1) (يكملان رضاعه في الجنة) بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين إن واللام تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعددا إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلا وظئر نهارا والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال * (أحياء عند ربهم يرزقون) * [ آل عمران : 169 ] قال القرطبي وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيدا ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم ، قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارئ إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره (حم م عن أنس) قال ما رأيت أحدا رحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره . 2161 - (إن أبغض الخلق إلى الله العالم) الذي (يزور العمال) عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك الله قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو (1) أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الاجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا . (*)
[ 516 ]
لك وأيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك أنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك منه ، اتخذوك قطبا يدور عليك رحا باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقودون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا عليك في جنب ما خربوا عليك فدا ودينك فقد دخله سقم ولا يخفى على الله من شئ والسلام ، وقال حكيم : الذئاب على العذرة أحسن من عالم على أبواب هؤلاء (تنبيه) قال الغزالي العالم المحتاج غليه في الدين محتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين أحدهما صبر طويل وحلم عظيم ونظر لطيف واستغاثة بالله دائمة الثاني أن يكون في هذا المعنى منفردا عنهم فإن كان بالشخص معهم وإن كلموه كلمهم أو زاروه وعظهم وشكرهم أو أعرضوا عنه اغتنتم ذلك فإن كانوا في خير وحق ساعدهم وإن صاروا إلى لغو وشر هاجرهم بل زجرهم إن رجى قبولهم ثم يقوم بحقهم من نحو زيارة وعيادة وقضاء حاجة ما أمكنه ولا يطالبهم بما فاته ولا يرجوها منهم ولا يريهم من نفسه استيحاشا لذلك ويباسطهم بالبذل إذا قدر وينقبض عنهم في الأخذ إن أعطى ويتحمل أذاهم ويظهر لهم البشر ويتجمل لهم بظاهره ويكتم حاجته عنهم فيقاسيها ويعالجها في سره ثم يحتاج مع ذلك أن ينظر لنفسه خاصة ويجعل لها حظا من العبادة ، وله في المعنى أبيات وهي : فإن كنت في هدي الأئمة راغبا * * فوطن على أن ترتكبك الوقائع لسانك مخزون وطرفك ملجم * * وسرك مكتوم لدى الرب ذائع بنفس وقور عند كل كريهة * * وقلب صبور وهو في الصدر قانع وذكرك مغموم وبابك مغلق * * وثغرك بسام وبطنك جائع وقلبك مجروح وسوقك كاسد * * وفضلك مدفون وطعنك شائع وفي كل يوم أنت جارع غصة * * من الدهر والإخوان والقلب طائع نهارك شغل الناس من غير منة * * وليلك سوق غاب عنه الطلائع (ابن لال) أبو بكر أحمد بن علي الفقيه وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه قال الذهبي قال البرقاني : سألت عنه الدارقطني فقال كذاب وعصام بن رواد العسقلاني قال في الميزان لينه الحاكم وبكير الدامعاني منكر الحديث . 2162 - (إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت) بكسر أوله أي الشرير الخبيث من بني آدم (النفريت) أي القوي في شيطنته ، قال الزمخشري العفر والعفرية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في العفريت والعفارية للإلحاق وحرف التأنيث فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق كقنديل (الذي لم يرزأ) أي لم يصب بالرزايا (في مال ولا ولد) بل لا يزال ماله موفورا وولده باقون وذلك لأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه قال كعب في بعض الكتب السماوية لولا أن يحزن عبدي
[ 517 ]
المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبدا وخرج ابن أبي الدنيا وغيره أن رجلا قال ، يا رسول الله ما الأسقام قال أو ما سقمت قط قال لا قال قم عنا فلست منا ، قال ابن عربي هذا إشارة إلى أنه ناقص المرتبة عند ربه وعلامة ذلك صحة بدنه على الدوام وهذا خرج مخرج الغالب أو علم من حال ذلك في نقصانه ما أخبر عنه وطلق خالد بن الوليد زوجته ثم أحسن عليها الثناء فقيل : لم طلقتها قال ما فعلته لأمر رابني ولا ساءني لكن لم يصبها عندي بلاء والرزية كما في المصباح المصيبة وقال الزمخشري النقصان والضرر (هب عن أبي عثمان النهدي مرسلا) واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشدة اللام ابن عمرو بن عدي والنهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة أسلم على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يجاهد ولم يره . 2163 - (إن إبليس) أي الشيطان من أبلس إذا أيس * (فإذا هم مبلسون) * [ الانعام : 44 ] (يضع عرشه) أي سرير ملكه يحتمل أن يكون سريرا حقيقة يضعه (على الماء) ويجلس عليه وكونه تمثيلا لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه وجيوشه (1) وأيا ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله عرشه تهكما وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب * (وكان عرشه على الماء) * [ هو : 7 ] والقصد أن إبليس مسكنه البحر (ثم يبعث سراياه) جمع سرية وهي القطعة من الجيش (فأدناهم منه) أي أقربهم (منزلة) وهو مبتدأ (أعظمهم فتنة) خبره (يجئ أحدهم) بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد (فيقول فعلت كذا وكذا) أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب (فيقول) له (ما صنعت شيئا) استخفافا بفعله فنكره في سياق النفي (ويجئ أحدهم فيقول) له (ما تركته) يعني الرجل (حتى فرقت بينه وبين أهله) أي زوجته (فيدنيه منه) أي يقربه منه وأوقعه مخبرا عنه وحذف الخبر وهو صنعت شيئا لإدعاء أنه هو المتعين لإسناد الصنع العظيم المدلول بالتنوين عليه أيضا (ويقول) مادحا شاكرا له (نعم أنت) بكسر النون وسكون العين على أنه أفعال المدح كذا جرى عليه جمع ، قال بعض المحققين ولعله خطأ لأن الفاعل لا يحذف وإضماره في أفعال المدح لا ينفصل عن نكرة منصوبة مفسرة وإنما صوابه بفتح النون على أنه حرف إيجاب ثم إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله * (يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) (حم م) في أواخر صحيحه (عن جابر) زاد مسلم في روايته بعد قوله نعم أنت قال أراه قال فيلتزمه ولم يخرجه البخاري . (1) والمراد جنوده وأعوانه أي يرسلهم إلى إغواء بني آدم وافتتانهم وإيقاع البغضاء والشرور بينهم . (*)
[ 518 ]
2164 - (إن إبليس) عدو آدم وبنيه (يبعث) أي يرسل (أشد أصحابه) في الإغواء والإضلال (وأقوى أصحابه) على الصد عن سبيل الهدى (إلى من يصنع المعروف) أي ما ارتضاه الشرع وندب إليه (في ماله) كأن يتصدق منه أو يصلح ذات البين أو يعين في نائبة أو يفك رقبة أو يبني مسجدا أو نحو ذلك من وجوه القرب فيوسوس إليه ويخوفه عاقبة الفقر ويمد له في الأمل ويحذره من عاقبة الحاجة إلى الناس حتى يصده عن الصرف منه في الطاعات (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك اه . وأورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم تركوه . 2165 - (إن ابن آدم لحريص على ما منع) أي شديد الحرص على تحصيل ما منع منه باذلا للجهد فيه لما جبل وطبع عليه من شدة محبته للممنوع وهذا شئ كالمحسوس معروف بالوجدان لا يحتاج إلى برهان (فر) من حديث يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني وعبد الله بن أحمد ومن طريقهما أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليهما لكونهما الأصل أولى ، ثم إن يوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة والدارقطني وهارون بن كثير مجهول كما ذكره أيضا ولهذا قال السخاوي سنده ضعيف قال وقوله ابن أسلم تحريف والصواب سالم والثلاثة مجهولون ولهذا قال أبو حاتم هذا باطل اه . 2166 - (إم ابن آدم إن أصابه حر قال حس) بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كاوه (وإن أصابه برد قال حس) يعني من قلقه وجزعه أنه إن أصابه الحر تألم وتشوش وتضجر وقلق وإن أصابه البرد فكذلك ومن ثم قال امرئ القيس : يتمنى المرء في الصيف الشتاء * * فإذا جاء الشتاء أنكره فهو لا يرضى بحال واحد * * قتل الإنسان ما أكفره (حم طب عن خولة) بنت قيس الأنصارية تزوجها حمزة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور حمزة ببيتها قالت : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلغني أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضا قال : نعم وأحب الناس إلي أن يروى منه قومك فقدمت إليه برمة فيها حزيرة فوضع يده فيها ليأكل فاحترقت أصابعه قال : حس ثم ذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح .
[ 519 ]
2167 - (إن ابني هذا) يعني الحسن بن علي (سيد) في رواية السيد باللام أي حليم كريم محتمل ، قال في النهاية السيد يطلق على الرب وعلى المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومحتمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم وهو من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي من الأشخاص العظيمة (ولعل الله) أي عساه واستعمال لعل في محل عسى مستفيض لاشتراكهما في الرجاء (أن يصلح به) يعني بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الخلافة وتركها كذلك لمعاوية (بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان ذلك ، فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكا عضوضا ثم سار إلى معاوية بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفا على الموت فلما تراءى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل الفريق الآخر فنزل له عن الخلافة لا لقلة ولا لذلة بل رحمة للأمة واشترط على معاوية شروطا التزمها ، قال ابن بطال وغيره لم يوف له بشئ منها فصار معاوية من يومئذ خليفة ولما خيف من طول عمر الحسن رضي الله تعالى عنه أرسل يزيد إلى زوجته جعدة إن هي سمته تزوجها ففعلت فأرسلت تستنجز فقال : إنا لم نرضك له فكيف نرضاك لنا . وفيه منقبة للحسن رضي الله تبارك وتعالى عنه ورد على الخوارج الزاعمين كفر علي كرم الله وجهه وشيعته ومعاوية ومن معه لقوله من المسلمين وأخذ منه جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بمال وحل أخذ المال وإعطائه على ذلك مع توفر شروطه (حم خ م) من حديث الحسن رضي الله عنه (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وقد تفتح وفي سماعه منه خلف والأصح أنه سمع . 2168 - (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف فيصير ظلها عليه وقال أبواب الجنة ولم يقل الجنة لأن المراد أن الجهاد طريق لذلك وهذا التعبير أدل عليه وفيه دلالة على فضل الجهاد (حم م ت) عن أبي موسى . 2169 - (إن أبواب السماء) كذا بخط المصنف فمن قال الجنة لم يصب (تفتح عند زوال الشمس) أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء (فلا ترتج) بمثناة فوقية وجيم مخففة والبناء للمفعول لا تغلق قال الزمخشري وغيره أرتج الباب أغلقه إغلاقا وثيقا ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام (حتى يصلي الظهر) ليصعد إليها عمل صلاته (فأحب أن يصعد لي) عمل (فيها) أي في تلك الساعة التي السماء فيها مفتحة الأبواب (خير) أي عمل صالح
[ 520 ]
وتمامه عند مخرجه أحمد عن أبي أيوب قلت : يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن قال : نعم قلت : ففيها سلام فاصل قال لا والمراد بالزوال هنا الميل كما تقرر فلا تعارض كراهة الصلاة حال الاستواء (حم عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن الجوزي فيه عبيدة بن مغيث ضعفوه . 2170 - (إن أتقاكم) أي أكثركم تقوى (وأعلمكم) أي أكثركم علما (بالله أنا) لأن الله سبحانه وتعالى جمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره وكلما ازداد علم العبد بربه ازداد تقواه وخوفه منه ومن عرف الله صفا له العيش وهابه كل شئ فمعناه ما أنا عليه من التقوى والعلم أوفر وأكثر من تقواكم وعلمكم فلا ينبغي لأحد أن يتشبه بي ذكره القاضي وقال القرطبي إنما كان كذلك لما خص به في أصل خلقته من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل إتمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل الله عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية ثم إنه تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم على ما لم يطلع عليه غيره وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشاهم لأن الخشية منبعثة عن العلم * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * [ فاطر : 28 ] قال الكرماني وقوله أتقاكم إشارة إلى كمال القوة العملية وأعلمكم إلى كمال القوة العلمية والتقوى على مراتب وقاية النفس عن الكفر وهو للعامة وعن المعاصي وهو للخاصة وعما سوى الله وهو لخاص الخواص والعلم بالله يشمل ما بصفاته وهو المسمى بأصول الدين وبأحكامه وهو فروع الدين وما بكلامه وهو علم القرآن وتعلقاته وما بأفعاله وهو معرفة حقائق الأشياء ، ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم جامعا لأنواع التقوى حاويا لأقسام العلوم ما خصص التقوى ولا العلم وقد يقصد بالحذف إفادة العلوم والاستغراق اه وقال بعضهم ظاهر الحديث تمييزه في كل فرد فرد من أوصاف التقوى والعلم فأما التقوى فلا نزاع وأما العلم بالله فقد أخذ بعض شراح الشفا من قوله أعلمكم ولم يقل أعلم خلق الله أن ذلك يخرج علم جبريل بالله فإنه أمين الوحي وملازم الحضرة الأقدسية ثم إن المعرفة غير ممكنة بكنه الحقيقة لجميع الخلق وفي الخبر سبحانك ما عرفناك حق معرفتك (خ عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم من الأعمال بما يطيقون فقالوا إنا لسنا كهيئتك إن الله غفر لك فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول هذا . 2171 - (إن أحب عباد الله إلى الله) أي من أحبهم إليه (أنصحهم لعباده) أي أكثرهم نصحا لهم فإن النصح هو الدين ولهذا قال بعض العارفين لبعض أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم وإضافة العباد إليه تلويح بأن المراد من آمن منهم (عم في زوائد الزهد) أي فيما زاد على كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن) البصري (مرسلا) .
[ 521 ]
2172 - (إن أحب عباد الله إلى الله من حبب) أي إنسان حبب الله إليه (المعروف وحبب إليه فعاله) لأن المعروف من أخلاق الله وإنما يفيض من أخلاقه على أحب خلقه إليه فإذا ألهم العبد المعروف كان ذلك دلالة على حب الله له ناهيك بها رتبة والفعال ككتاب وشعاب جمع فعل وكسلام وكلام الوصف الحسن والقبيح هو قبيح الفعال كما يقال هو حسن الفعال ويكون مصدرا فيقال فعل فعالا كذهب ذهابا كما في المصباح والحب الأول للمعروف من حيث هو والثاني من حيث الإتيان به والثاني ينشأ عن الأول فالأول منبعه وأسه وأفاد بإضافة العباد إليه المؤذنة بالتشريف أن الكلام في أهل الإيمان لا الكفر إذ لا حب لهم فضلا عن الأحبية (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائح) للناس (وأبو الشيخ) في الثواب (عن أبي سعيد) الخدري وفيه الوليد بن شجاع أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به . 2173 - (إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير) وظاهر الحديث أن هذه الكلمات مطلوبة عند الاستيقاظ مطلقا قال الغزالي رحمه الله تعالى هذا أول الأوراد النهارية وهي سبعة قال ويلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر العورة امتثالا لأمر الله واستعانة على عبادته من غير قصد رياء ودعوته (خط) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنبع المصنف أن مخرجه الخطيب سكت عليه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه عقبه ببيان حاله ونقل عن ابن معين أن الوقاصي هذا لا يكتب حديثه كان يكذب انتهى وقال في الضعفاء تركوه . 2174 - (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة) أسعدهم بمحبته يومها (وأدناهم منه مجلسا) أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم منزلة (إمام) مؤمن (عادل) لامتثال قول ربه * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * [ النحل : 90 ] (وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه إمام جائر) في حكمه على رعيته فإن الله يبغض الظلم ويبغض الظالمين ويعاقبهم والمراد بالإمام هنا ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه (حم ت عن أبي سعيد) ثم قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه انتهى وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث كذبه حرزة وخولف وفضيل بن مرزوق الوقاصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره وعطية العوفي قال ابن القطان مضعف وقال الذهبي ضعفوه قال ابن القطان والحديث حسن لا صحيح .
[ 522 ]
2175 - (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وذلك لأن لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع فالأصول أصول والأصول هي الصفا ت السبع وأصول الأصول ما ينتهي إليه الأصول وهي اسمان : الله ، الرحمن ، وكل منهما يشتمل على الأسماء كلها ولذلك حمت العزة أن يتسمى بأحدهما أحد غير الله وما ورد من رحمن اليمامة فذاك مضاف إلى اليمامة والمطلق منه عن الإضافة منزه عن القول بالإشتراك ، وهذيان شاعر بني حنيفة بقوله : * وأنت غيث الورى لازلت رحمنا * تعنت وتغال في الكفر لا يرد لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحدا ابتداءا ، وإطلاقه لم يكن على غير من هو متسم به ويختص الاسم الرحمن لا باعتبار الأسماء الداخلة تحته بأنه المتحرك بحركة له أزلية أبدية ديمومية تعطي الصور المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية في أنواع غير متناهية العد وباعتبار دخولها تحته أقرب ما ينسب إليه حركة وجود متعين به ومنه وفيه الموجودات بأسرها فإن انتهى موجود منها إلى حد طوره صار القهقرى إلى الاسم الأعظم * (ألا إلى الله تصير الأمور) * [ الشورى : 53 ] فعلى هذا التقدير اسم الباسط هو صاحب العطاء الصادر عن الرحمن واسم القابض هو صاحب الرد إلى اسم الله ويتبين من هذا دخول الأسماء تحت الاسمين العظيمين . قال المناوي وتفضيل التسمية بهذين محمول على من أراد التسمي بالعبودية فتقديره أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية عبد الله وعبد الرحمن لأنهم كانوا يسمون عبد شمس والدار ولا ينافي أن اسم أحمد ومحمد أحب إلى الله من جميع الأسماء فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو الأحب إليه هذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق ، إلى هنا كلامه (تنبيه) يلحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد (م) في الأسماء (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو داود والترمذي . 2176 - (إن أحدا) بضم الحاء وسكونها (جبل) معروف بالمدينة كما مر غير مرة (يحبنا ونحبه) حقيقة أو مجازا على ما مر قال الطيبي الظاهر أنه أراد جميع أرض المدينة وخصه لأنه أول ما يبدو له (ق عن أنس) بن مالك رضي الله عنه . 2177 - (إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة) أي على باب من أبوابها (وعير) أي وجبل عير وهو معروف هناك (على ترعة من ترع النار) أي على باب من أبوابها وقد سبق تقريره عن
[ 523 ]
الشريف السمهودي بما فيه بلاغ فلا يغفل ، كما في الصحاح بوزن الجرعة الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة وقيل غير ذلك عن هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مكنف (عن أنس) بن مالك قال المؤلف وعبد الله بن مكنف ضعيف لكن يزيده هنا بيانا فيقول : قال العارف ابن عربي محققوا أهل النظر والأدلة المقصودة على الحواس والضروريات والبديهيات يقولون إنه إذا جاء عن نبي أن جبلا أو حجرا أو ذراعا أو جذع نخلة أو بهيمة كلمة فمعناه خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت بحيث يتكلم ويكلم ويفهم ما يخاطب به والأمر عندنا ليس كذلك بل العالم كله حي ناطق من جهة الكشف وسر الحياة في جميع العالم حتى أن كل من سمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له حقيقة بلا شبهة ومن أراد أن يقف على ذلك يسلك طريق الرجال ويلزم طريق الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على ذلك عينا فيعلم أن الناس في عماء عن إدراك هذه الحقائق انتهى . 2178 - (إن أحدكم) أيها المؤمنون (إذا كان في صلاته) المفروضة أو النافلة (فإنه يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلا يبزقن) بنون التوكيد (بين يديه) أي لا يكون بزاقه إلى جهة القبلة لأنه استخفاف عادة فلا يليق بتعظيم الجهة وفي رواية للشيخين بدل بين يديه قبل القبلة وفي رواية أو تحت (ولا عن يمينه) أي لا يبزقن على ما في يمينه فعن بمعنى على تشريفا لها لأن فيها ملائكة الرحمة ولهم مزية على ملائكة العذاب ألا ترى أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات والنهي يعم المسجد وغيره (ولكن) يبصق (عن يساره وتحت) وفي رواية أو تحت (قدمه) أي اليسرى وتمام الحديث عند الشيخين ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه خاص بغير من بالمسجد أما من فيه فلا يبصق إلا في نحو ثوبه وفي الحديث إشارة إلى أن قلب المصلي ينبغي كونه فارغا من غير ذكر الله وفيه جواز الفعل القليل في الصلاة وطهارة البصاق (ق عن أنس) بن مالك قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة فشق عليه ذلك حتى رؤي في وجهه ثم قام فحكه بيده ثم ذكره . 2179 - (إن أحدكم) معشر الآدميين (يجمع خلقه) أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم (1) وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن تلك لا تستعمل إلا في النفي ويجمع من الإجماع لا من الجمع يقال أجمعت الشئ أو جعلته جميعا والمراد يجوز ويقرر مادة خلقه (في بطن) يعني رحم (أمه) وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة (1) وهو المني بعد انتشاره في سائر البدن . (*)
[ 524 ]
جميعا (أربعين يوما) لتتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها (نطفة) وذلك بأن أودع في الرحم قوتين قوة انبساط ينبسط بها عند ورود مني الرجل عليه فيأخذه ويختلط مع منيها وقوة انقباض يقبضهما بها لئلا ينزل منه شئ فإن المني ثقيل بطبعه وفم الرحم منكوس وهل هذه الحركة إرادية فيكون الرحم حيوانا ؟ الظاهر لا ، وأودع في مني الرجل وهو الثخين الأبيض قوة الفعل وفي منيها وهو الرقيق الأصفر قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة بلبن وما قيل إن في كل من مني الرجل والمرأة قوة فعل وانفعال فلا ينافيه لجواز كون قوة الفعل في مني الرجل وقوة الانفعال في مني المرأة أكثر فاعتبر الغالب وإن امتزجا ومضى عليه أربعون يوما لحكمة خفيت عن أكثر المدارك أفاض عليهما صورة خلاف صورة المني وهو المشار إليه بقوله (ثم) عقب هذه الأربعين (يكون علقة) قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) فإذا مضى عليه أربعون يوما أفاض عليها صورة خلاف صورة العلقة وإليه الإشارة بقوله (ثم) عقب الأربعين الثانية (يكون) في ذلك المحل (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ (مثل ذلك) الزمن وهو أربعون (ثم) بعد انقضاء الأربعين الثالثة (يرسل الله الملك) المعهود الموكل بالمضغة أو بالرحم ويجوز كومه ملكا موكلا بهما أو كون لكل ملك ومعنى إرساله إياه أن يأمره بالتصرف فيه كذا ذكره الأكمل وقال بعض الشراح المراد ملك النفوخات كما جاء مصرحا به في خبر رواه ابن وهب فأل فيه عهدية فيبعث إليه حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فينفخ فيه الروح) وهي ما يحيى بها الإنسان وإسناد النفخ إليه مجاز عقلي لأنه من أفعال الله كالخلق وكذا ما ورد من قوله صوره أي الملك وخلق سمعه وبصره ونحو ذلك وفي الحديث إيماء إلى أن التصوير في الأربعين الثالثة قال الخطابي روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قال الطبري الصحابة أعلم بتغيير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطا للتوفي عن خلاف ، وقال ابن القيم ما ذكر من تنقل الخلق في كل أربعين إلى طور هو ما دل عليه الوحي وما وقع في كلام أهل الطب والتشريح مما يخالفه لا يعول عليه إذ غاية أمرهم أنهم شرحوا الأموات فوجدوا الجنين في الرحم على صفة أخبروا بها على طريق الحدس والنظام الطبيعي ولا علم لهم بما وراء ذلك من مبدأ الحمل وتغير أحوال النطفة ثم الكلام في الروح طويل فمن ذاهب إلى أنه عرض ، إذ لو كان جوهرا والجواهر متساوية في الجوهرية لزوم للروح روح آخر وهو فاسد ومن ذاهب إلى أنه جوهر فرد متحين وزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الجوال وأنه حاصل للصفات المعنوية وهو كذلك لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لا كسرا ولا قطعا ولا وهما ولا فرضا وصدور المعاني الخارقة عن مثل ذلك مستحيل وقيل هو صورة لطيفة بصورة الجسم في داخل الجسم تقابل كل جزء منه وعضو نظيره وهو خيال وقيل جسم لطيف سار بالبدن سريان ماء الورد فيه وقال
[ 525 ]
الغزالي جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجا عنه ولا متصلا ولا منفصلا لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشئ عن الشئ وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجردا فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على الله محال وبأنه متناقض لأنه جعله الله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله : * (قل الروح من أمر ربي) * وإذا لم يكن مخلوقا لم يكن محدثا وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشئ يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشئ من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقا بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك (ويؤمر) بالبناء للمفعول أي يأمر الله الملك (بأربع كلمات) أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مرادا كما يشير إليه خبر مسلم (ويقال له) أي يقول الله للملك (اكتب) أي بين عينيه كما في خبر البزار (أجله) أي مدة حياته (ورزقه) كما وكيفا حراما وحلالا (وعمله) كثيرا أو قليلا وصالحا أو فاسدا (وشقي) وهو من استوجب النار (أو سعيد) من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل ، عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافيا قاسي القلب ضاريا بالطبع منائيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبدا لأن خبر الله يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله ولله أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبدا (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فوالذي) في رواية فوالله الذي (لا إله غيره)
[ 526 ]
وهو شروع في بيان أن السعيد قد يشقى وعكسه وذلك مما لا يطلع عليه أحد أما التقدير الأزلي فلا تغيير فيه (وإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات الاعتقادية قولية أو فعلية (حتى ما يكون) حتى هي الناصبة وما نافية غير مانعة لها من العمل ذكره الطيبي وتعقب بأن الوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع عطفا على ما قبله وما ذكر من أن لفظ الحديث ما يكون هو ما في نسخ كثيرة لكن وقفت على نسخة المصتف فرأيت بخطه لم يكن هذا كتب ولعله سبق فلم (بينه وبينها إلا ذراع) تصوير لغاية قربه من الجنة (فيسبق عليه الكتاب) قال الطيبي والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب سبقا بلا مهلة والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو بمعنى التقدير أي التقدير الأزلي واللام للعهد (فيعمل بعمل) الباء فيه وفيما قبله زائدة أي يعمل عمل (أهل النار فيدخل النار) تفريع على ما مهده من كتاب السعادة والشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتد بها من حيث كونها علامة (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني شئ قليل جدا (فيسبق عليه الكتاب) كتاب السعادة (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) بحكم القدر الجاري المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى خير يختم له به وعكسه عكسه وحينئذ فالعبرة بالخاتمة ، قال ابن عطاء الله ربما يعطي الحق عبده والعطاء عين السلب والمنع وربما يمنع المنع عين العطاء إذ لا تبديل لما أراد في عالم القدم تمت الكلمة ونفذ القلم بما حكم ألا ترى إلى سحرة فرعون كان منعهم عين العطاء وحجابهم عين الوصول وإبليس أعطى العلم وقوة العبادة وكان العطاء عين المنع والقطيعة وبلعام أعطي الاسم الأعظم وكان العطاء عين المنع وسبب الحجاب ؟ * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [ الشورى : 7 ] فالخاتمة مرتبطة بالسابقة فمن زعم أن الصوفية عولوا على السابقة والفقهاء على الخاتمة وأنهما متباينان فقد وهم وفيه أنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه الأصلح خلافا للمعتزلة وأنه يعلم الجزئيات خلافا للحكماء وأن الخير والشر بتقديره خلافا للقدرية وأن الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر وأن العمل السابق غير معتبر بل الذي ختم به وفيه حث على لزوم الطاعات ومراقبة الأوقات خشية أن يكون ذلك آخر عمره وزجر عن العجب والفرح بالأعمال فرب متكل مغرور فإن العبد لا يدري ما يصيبه في العاقبة وأنه ليس لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار وأنه تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء وكله عدل وصواب * (لا يسأل عما يفعل) * [ الانبياء : 23 ] (ق 4 عن ابن مسعود) حديث عظيم الفوائد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ترهاته وخرافاته وقول الخطيب الحافظ هو والله الذي لا إله إلا هو من كلام ابن مسعود تعقبوه . 2180 - (إن أحدكم إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (إنما) وفي رواية بدله فإنه (يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو
[ 527 ]
إرادة الخير مجازا (فلينظر كيف يناجيه) أي فليتأمل في جواب ما يناجيه من القول على سبيل التعظيم والتبجيل ومواطأة القلب اللسان والإقبال على الله تعالى بشراشره والإخلاص في عبادته وتفريغ القلب للذكر والتلاوة والتدبر فلا يليق لعاقل أن يتلقى شكر هذه النعمة الخطيرة السنية التي هي مناجاة هاتيك الحضرة العلية بشغل القلب بشئ من الدنيا الدنية ، قال الطيبي وقوله إنما يناجي ربه تعليل للنهي شبه العبد وتوجهه إلى الله تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال الرحمة مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه ومالكه فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر منه في تلك الجهات شئ وإن كان الله تعالى منزها عن الجهات لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض وفيه حث على إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لما في صلاته من ذكر وغيره وإن الصلاة أفضل الأعمال لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها (ك عن أبي هريرة) ورواه أحمد والنسائي والبيهقي بلفظ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به . 2181 - (إن أحدكم مرآة أخيه) أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه (فإذا رأى به) أي علم بملبسه أو بنحوه (أذى) أي قذرا كمخاط وبصاق وتراب (فليمط عنه) أي فليزله عنه ندبا فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضا فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له إلى ذلك لكن يبعده زيادة ما في بعض الروايات وليره إياه إلا أن يقال أراد برؤياه ما يعم توقيفه عليه ليجتنبه وعلى الثاني اقتصر سلفنا الصوفية حيث قالوا معنى الحديث إن المؤمن في إزاء عيب أخيه كالمرآة المجلوة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق ، فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراءه أقواله وأفعاله وأحواله تعريفات وتلويحات من الله تعالى فأي وقت ظهر من المؤمنين المجتمعين في عقد الأخوة عيب فادح نافروه لأن ذلك يظهر بظهور النفس وظهورها من تضييع حق الوقت فعلموا بذلك خروجه من دائرة الجمعية وعقد الأخوة فنافروه ليرجع ، قال رويم لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا فهو إشارة إلى تفقد بعضهم أحوال بعض فينبغي أن لا يسامح بعضهم بعضا في فعل ما يخالف الصواب أو إهمال دقيق الآداب فإن بذلك تصدأ مرآة القلوب ولا يرى فيها الخلل والعيوب قال عمر في مجلس فيه المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد لو فعلت قومناك تقويم القدح فقال أنتم إذن أنتم إذن (ت عن أبي هريرة) . 2182 - (إن أحساب أهل الدنيا) جمع حسب بمعنى الكرم والشرف والمجد سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها وطمأنيتهم إليها كما يشغف الرجل بأهل وبأنس إليهم فصاروا أهلا لها وهي لها أهل
[ 528 ]
وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين (الذين يذهبون إليه هذا المال) قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثا لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفا لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب النسب العالي هو الحسيب ولو فقيرا ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جدا وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه إلى هنا كلامه . وقال ابن حجر يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له (حم ن ك حب عن بريدة) قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان . 2183 - (إن أحسن الحسن الخلق الحسن) أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر (تنبيه) في المواهب : الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زروق في قواعد الشريعة والحقيقة الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح ، وقال ابن سينا في كتاب نهذيب الأخلاق الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شئ كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيرا من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شئ وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقا قال : وقال قوم ليس شئ من الأخلاق طبيعيا وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعا أو بطيئا وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك (تنبيه) قال الغزالي : جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال : أن يكون كثير الحياء ، قليل الأذى ، كثير الصلاح ، صدوق اللسان ، قليل الكلام ، كثير العمل ، قليل الزلل ، قليل الفضول ، بر وصول ، وقور صبور ، شكور حليم ، رفيق ، عفيف ، شفيق ، لا لعان ، ولا سباب ، ولا نمام ، ولا مغتاب ، ولا عجول ، ولا حقود ، ولا بخيل ، ولا حسود (المستغفري) أبو العباس (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة (وابن عساكر) في تاريخه
[ 529 ]
كلاهما من حديث العلائي عن الحسن عن الحسن عن الحسن (عن الحسن) أمير المؤمنين (بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني ابن عساكر الحسن الأول هو ابن حسان السمتي والثاني ابن دينار والثالث البصري اه وابن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال النسائي وغيره متروك . 2184 - (إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب) وهو بياض الشعر (الحناء) بكسر فتشديد فمد (والكتم) بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها (حم 4 حب عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح . 2185 - (إن أحسن ما زرتم به الله) يعني ملائكته (في قبوركم) إذا صرتم إليها بعد الموت (ومساجدكم) ما دمتم باقين في الدنيا (البياض) أي الأبيض البالغ البياض من الثياب أي ونحوها من كل ملبوس فأفضل ما كفن به المسلم البياض وأفضل ما يلبس يوم الجمعة لصلاتها البياض وإنما لبس الأرفع منه يوم العيد ولو غير أبيض لأن القصد يومئذ إظهار الزينة وإيثار النعمة وهما بالأرفع أليق (ه عن أبي الدرداء) . 2186 - (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه) أي يقرؤه بحزن وتخشع وبكاء ، فإن لم يبك تباكى إذ بذلك يخشع القلب فتنزل الرحمة . قال الزمخشري ومن المجاز صوت حزين رخيم (طب عن ابن عباس) . 2187 - (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فأخذ الأجرة على تعليمه جائز كالاستئجار لقراءته وأما خبر إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها أي الهدية على تعليمه فمنزل على أنه كان متبرعا بالتعليم ناويا الاحتساب فكره تضييع أجره وإبطال حسنته فلا حجة فيه للحنفية المانعين أخذ الأجر لتعليمه وقياسه على الصوم والصلاة فاسد لأنهما مختصان بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المتعلم ذكره القرطبي قال ابن حجر في هذا الخبر إشعار بنسخ الخبر الآتي من أخذ على تعليم القرآن
[ 530 ]
قوسا قلده الله قوسا من نار (ح) في الطب بلفظه وفي الإجارة معناه (عن ابن عباس) قال : لما رقى بعض مسافرين على لديغ بالحمد فبرأ فأعطوه شيئا فكرهه أصحابه قائلين أخذت على تعليم القرآن أجرا فلما قدموا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر وهم من عزاه للمتفق عليه وهذا المتن أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقعقع المؤلف عليه وأبرق وأرعد وما ضره ذلك شيئا فإنه أعني ابن الجوزي أورده بسند غير سند البخاري وقال إنه من ذلك الطريق موضوع وليس حكمه على المتن . 2188 - (إن أحق الشروط أن توفوا به) نصب على التمييز أي وفاء أو مجرور بحرف الجر أي بالوفاء (ما استحللتم به الفروج) خبره يعني الوفاء بالشروط حق وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج وهو المهر والنفقة ونحوهما فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره ولا يخفى حسنه قال الرافعي رحمه الله وحمله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد كشرط المعاشرة بالمعروف ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته بخلاف ما يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها فلا يجب الوفاء به وأخذ أحمد رضي الله عنه بالعموم وأوجب الوفاء بكل شرط (حم ق 4) في النكاح (عن عقبة بن عامر) . 2189 - (إن أخا صداء) أي الذي هم من قبيلة صداء بضم الصاد والتخفيف والمد حي من اليمن زياد بن الحارث بايع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مصر سماه أخا لكونه منهم تقول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحدا منهم ومن بيت الحماسة حيث قال فيهم واصفهم : لا يسألون أخاهم حين يندبهم * * في النائبات على ما قال برهانا أفاده الزمخشري (هو أذن) للصلاة (ومن أذن) لها (فهو) الذي (يقيم) لا غيره أي هو أحق بالإقامة ممن لم يؤذن لكن لو تعدى غيره وأقام اعتد بها ولا تعاد وفيه أن نظر الإقامة إلى الإمام فلو أقام بغير إذنه أجزأ وأما الأذان فنظره إلى المؤذن وفيه جواز ذكر الإنسان بما يميزه ولو غير اسمه وكنيته إذا لم يوهم نفعا (حم د ت ه) في الأذان (عن زياد بن الحارث الصدائي) قال : أمرني المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت وأراد بلال أن يقيم فذكره واللفظ للترمذي وقضية صنيع المصنف أن مخرجيه رووه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل تعقبه الترمذي بأنه إنما يعرف من حديث الأفريقي وهو ضعيف عندهم اه قال المناوي وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة اه وقال الذهبي رواه أبو داود من حديث الأفريقي عن زياد بن نعيم الصدائي والأفريقي ضعيف وزياد لا يعرف لكن صرح ابن الأثير بأن زياد بن الحارث صحابي معروف وقال نزل مصر وبايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأذن بين يديه .
[ 531 ]
2190 - (إن أخوف ما أخاف) قال أبو البقاء أخوف اسم إن وما نكرة موصوفة والعائد محذوف تقديره إن أخوف شئ أخافه (على أمتي) أمة الإجابة (الأئمة) جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد (المضلون) يعني إذا استقصيت الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال في المطامح كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إصلاح أمته راغبا في دوام خيرتها فخاف عليهم فساد الأئمة لأن بفسادهم يفسد النظام لكونهم قادة الأنام فإذا فسدوا فسدت الرعية وكذا العلماء إذا فسدوا فسد الجمهور من حيث أنهم مصابيح الظلام انتهى وساق العلائي بسنده إلى ابن عمر أنه قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين ومن هذا الجنس ما في الكشاف عن الحجاج أنه قيل له إنك حسود فقال أحسد مني من قال : * (وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * [ ص : 35 ] وهذا من جرأته على الله وشيطنته كما حكى أنه قال طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال اتقوا الله ما استطعتم وأطلق طاعتنا فقال وأولي الأمر منكم ومن ضلالهم وضلالاتهم ما نقل عن بعض خلفاء بني مروان أنه قال لابن عبد العزيز أو الزهري بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب عليه معصية فقال يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أو الأنبياء قال تعالى : * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) * [ ص : 36 ] ولما مات ابن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه حتى شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب (حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا . 2191 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول (كل منافق عليم اللسان) أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها يدعو الناس إلى الله ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه ، قال الزمخشري رحمه الله والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشكر استهزاء وخداعا ولذلك أنزل فيهم * (إن المنافقين في الدرك الأسفل) * [ ا لنساء : 145 ] انتهى . وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا : يا أصحاب القصور قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأبوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين المحمدية والعالمية وأكثر علماء الزمان ضربان ضرب منكب على حطام الدنيا لا يمل من جمعه وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهج في المزابل يطير من عذرة إلى عذرة وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه ولزمه خوف الفقر وحب الإكثار واتخذ المال عدة للنوائب لا يتنكر عليه تغلب الدنيا وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام شحا على
[ 532 ]
رئاستهم يلتقطون الرخص ويخادعون الله بالحيل ديدنهم المداهنة وساكن قلوبهم المنى طمأنينتهم إلى الدنيا وسكونهم إلى أسبابها اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال وسيكافئهم الجبار المتعال (حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وأبو يعلى قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثوقون انتهى . 2192 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئا بعد شئ لم يجد أخوف من (عمل قوم لوط) عبر به تلويحا بكونهم الفاعلين لذلك ابتداء وأنه من أقبح القبيح لأن كل ما أوجده الله في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب فيهما الشهوة للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل الحكمة الربانية وقد تطابق على ذمه وقبحه شرعا وعقلا وطبعا أما شرعا فلآية * (وأمطرنا عليهم حجارة) * [ الحجرات : 74 ] روي أن جبريل عليه السلام رفع قرى قوم لوط على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها وأمطر عليهم الحجارة وأما عقلا فلأنه تعالى خلق الإنسان أفضل الأنواع وركب فيه النفس الناطقة المسماة بالروح بلسان الشرع والقوة الحيوانية لمعرفته تعالى ومعرفة الأمور العالية التي منها معرفة وجه حكمته وفي ذلك إبطال حكمته كما تقرر ، وأما طبعا فلأن ذلك الفعل لا يحصل إلا بمباشرة فاعل ومفعول به والقبح الطبيعي هو ما لا يلائم الطبع وهذا الغعل لا يلائم المفعول به إلا لأحد أمرين إما فيضان صورة الأنوثة عليه وإما لتولد مادة المنفد فيحصل تآكل ورعدة بالمحل تسكن بالفعل به وذلك نقيصة لا يلائم طبع الفاعل إلا بجعل النفس الناطقة تابعة للقوة الحيوانية وهو نقص لا يكنته كنهه ثم هل اللواط أغلظ أم الزنا ؟ أقوال ثالثها هما سواء وللخلاف فوائد منها ما لو رأى رجلا يلوط وآخر يزني وبدفع أحدهما يفوت الآخر فأيهما يقدمه ؟ (حم ت ك) كلهم في الحدود (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وفيه عبد الله بن محمد احتج به أحمد وقال ابن خزيمة لا يحتج به ولينه أبو حاتم . 2193 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي الاشراك بالله) قيل أتشرك أمتك من بعدك قال : نعم (أما) بالتخفيف (إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا) أي صنما (ولكن أعمالا لغير الله) أي رياء وسمعة (وشهوة خفية) قال الأزهري : أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع أي الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بتركه المعاصي والشهوة في قلبه وقيل
[ 533 ]
الرياء ما ظهر من العمل والشهوة الخفية حب اطلاع الناس على العمل وسئل الحسن عن الرياء أهو شرك قال نعم أما تقرأ * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * [ الكهف : 110 ] وقال العارف الجنيد الذي يملك نفسه مالك والذي يملكه هواه مملوك ومن لم يكن الغالب على قلبه ربه فإنما يعبد هواه ونفسه ثم هذا الخبر لا يناقضه * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * [ الاحقاق : 9 ] لحمل هذا على المخاطبين المخصوصين بهذا الخطاب وأنه من قبيل الكشف له وذلك على الأعم وما قبل الكشف وفي الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمائة وستين كتابا في الحكمة حتى وصف بها فأوحى الله إلى نبيهم قل له قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني بشئ من ذلك ولا أقبل منه شيئا فندم وترك وخالط العامة وتواضع فأوحى الله إليه قل له الآن قد وافقت رضاي (تتمة) قال ابن عطاء الله إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجديد انحطاط عن الهمة العلية (ه) من رواية داود بن الجراح عن عامر بن عبد الله عن الحسن بن ذكوان عن عبادة (عن شداد بن أوس) ورواد ضعفه الدارقطني وعامر قال المنذري لا يعرف والحسن بن ذكوان قال أحمد أحاديثه بواطيل قال الحافظ العراقي ورواه أحمد عن شداد أيضا وزاد فيه قيل ما الشهوة الخفية قال : يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيترك صومه ويفطر ثم قال : أعني العراقي حديث لا يصح لعلة فيه خفية وعبد الوهاب بن زياد وهو ضعيف قال وبتقدير صحته فإبطال صومه لأجل شهوته مكروه بخلافه لأمر مشروع من زائر وعارض فلا تعارض بينه وبين حديث : الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر . 2194 - (إن أدنى أهل الجنة منزلة) زاد في رواية وليس فيهم دنئ (لمن ينظر إلى جنانه) بكسر الجيم جمع جنة وبفتحها (وأزواجه ونعمه) بفتح النون والعين إبله وبقره وغنمه أو هو بكسر النون وفتح العين جمع نعمة كسدرة وسدر والنعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم (وخدمه) بالتحريك جمع خادم غلاما كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل (وسرره) بضمتين جمع سرير وجمعه أيضا أسرة وقد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة كما في الصحاح وغيره (مسيرة ألف سنة) ذكره الطيبي (وأكرمهم على الله) أي أعظمهم كرامة عنده وأوسعهم ملكا (من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية) تمامه ثم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * [ القيامة : 23 ] قال البعض ولم يرد به التوقيت إذ لا غدوة ثم ولا عشية وإنما اختص الإكرام بكثرة النظر لأنه لا شئ يقاوم تجليه ولولا تقويته لهم لصاروا دكا كالجبال لكنه قواهم ليستوفوا لذة النظر فينسيهم ذلك كل
[ 534 ]
نعيم كانوا فيه * (ذلك هو الفوز العظيم) * [ التوبة : 72 ] وفيه أنه تعالى يراه المؤمنون في الجنة بمعنى حصول الحالة الإدراكية الحاصلة عند النظر إلى القمر من غير جهة ولا مقابلة وفيه أن الرؤيا يرجى نيلها بالمحافظة على العبادة في هذين الوقتين أي طرفي النهار ذكره ابن حجر (ت) في صفة الجنة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي وغيره وفيه وبر بن أبي فاختة قال الذهبي واه اه وأقول فيه أيضا لبابة بن سوار قال في الكاشف صدوق يرى الإرجاء وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حجر في الفتح في سنده ضعيف . 2195 - (إن أدنى أهل الجنة منزلا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها) جمع غرفة (وأبوابها) أي وجدرها وسائر أجزائها وليس ذلك ببعيد إذ هو القادر على كل شئ فيكرم أهل الجنة ما لا يخطر بقلب ولا يدرك بعقل وأحوال الجنة لا تقاس بأحوال الدنيا (هناد) بن إبراهيم النسفي روى الكثير قال السمعاني الغالب على روايته المناكير ولعله ما روى في مجموعاته حديثا صحيحا إلا ما شاء الله وهو تلميذ المستغفري مات سنة خمس وستين وأربعمائة (في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد) بضم المهملة وفتح الموحدة (بن عمير) مصغر عمر بن قتادة الليثي مرادف الأسد قاضي مكة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل ابن عمير (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي وطائفة وذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر واستبعده الذهبي . 2196 - (إن أرحم ما يكون الله بالعبد) أي أرحم حال يكون الله رحيما بالعبد فيها حال العبد (إذا وضع في حفرته) أي إذا ألحد لحده لأن أعظم فاقة يجدها العبد في ذلك الحال وأشد اضطرارا كان ويكون له الآن وفي الاستقبال ومن وصل إلى هذه الرتبة في الاضطرار وقطع النظر عما سوى الملك الغفار أفيض عليه من بحر الرحمة الزخار وظاهره أن المراد بالعبد المؤمن لا الكافر (فر عن أنس) وفيه نوح بن سالم قال الذهبي قال ابن معين ليس بشئ . 2167 - (إن أرواح الشهداء في طير خضر) أي يكون الطائر ظرفا لها لقوله في خبر أبي داود في أجواف طير وليس هذا بحصر ولا بحبس لأنها إما أن توسع عليها كالفضاء أو يجعل في تلك الحواصل من النعيم ما لا يوجد في فضاء واسع والمراد أنها نفسها تكون طيرا بأن تمثل بصورته كتمثل الملك بشرا سويا وتحقيقه أن الأرواح بعد مفارقة البدن مجردة فهي في غاية اللطافة وما كان كذلك فظهوره وتعينه في حقيقة كل متعين ومرتبة وعالم إنما يكون بحسب قابلية الأمر المعين والمرتبة المقتضية تعينه وظهوره فيها ويعرف بهذا سر تجسد الأرواح الملكية وكون جبريل يسعه أدنى جزء من الأرض كحجرة عائشة
[ 535 ]
رضي الله عنها مع أن له ستمائة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم ؟ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخا وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيرا شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية (تعلق) بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها (من ثمرة الجنة) فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول ، قال الطيبي : الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا تصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة ، قال ابن القيم : وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن (تنبيه) قال العلم البلقيني قال السبكي رضي الله عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث (إن أرواح الشهداء ، إلخ) فحضر العلم العراقي فاستقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع (عجيبة) رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلا من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيرا فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غدا وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبدا (ت عن كعب بم مالك) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح . 2198 - (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة) وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها أعداء الله شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في
[ 536 ]
المطامح الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه الله تعالى الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه وقال ابن الزملكاني اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطرابا كثيرا ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قبض أرواحنا وقوله تعالى * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * [ الزمر : 24 ] فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام * (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * [ المائدة : 116 ] ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحا حتى يكتب أخلاقا ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفسا وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقا بل يفصل كما ذكر (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك . 2199 - (إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور (ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط ، وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به : نحن الخالدات فلا يمتنه . نحن
[ 537 ]
الآمنات فلا يخفنه ، نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى ، فما اقتضاه صنيع المصنف من أن ما ذكر هو الحديث بكماله غير جيد (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري والهيثمي ورجالهما رجال الصحيح . 2200 - (إن أشد) وفي رواية لمسلم إن من أشد بزيادة من (الناس عذابا) نصب على التمييز (يوم القيامة) الذي هو يوم وقوع الجزاء (المصورون) لصورة حيوان تام في نحو ورق أو قرطاس أو حجر أو مدر لأن الأصنام التي كانت تعبد كانت بصورة الحيوان وشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وظرف ونمط وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم وعجب من الإمام الطيبي مع كونه شافعيا وقع فيما ذهب إليه هذا القائل مع كون منقول مذهبه خلافه وخرج بالحيوان غيره كشجر وبالتام مقطوع نحو رأس مما لا يعيش بدونه وبتصويره على ما ذكر اسمه على نحو مائع أو هواء قال الحرالي والتصوير إقامة الصورة وهي تمام المبادئ التي يقع عليها حسن الناظر لظهورها فصورة كل شئ تمام بدوه (حم م) من حديث مسلم بن صبيح عن مسروق (عن ابن مسعود) قال مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق هذي تماثيل كسرى فقلت في هذا تماثيل مريم فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بواسطة ابن مسعود فذكره . 2201 - (إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف (باع آخرته بدنيا غيره) أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلا به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشئ طمعا في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال : أكلف نفسي كل يوم وليلة * * هموم هوى من لا أفوز بخيره كما سود القصار بالشمس وجهه * * حريصا على تبييض أثواب غيره (تخ عن أبي أمامة) وإسناده حسن . 2202 - (إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا وإن أشد الناس تكذيبا) للناس (أكذبهم حديثا) فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح
[ 538 ]
والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به (1) (أبو الحسن القزويني) بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهدا عابدا من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب (في) كتاب (أماليه) الحديثية (عن أبي أمامة) الباهلي . 2203 - (إن أطيب طعامكم) أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان (ما) أي شئ مأكول (مسته النار) أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شئ أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مسا أصابه (2) (ع طب عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه . 2204 - (إن أطيب الكسب) أي من أطيبه (كسب التجار) قال الحرالي الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار على إحساس بمنة فيه وقوة عليه (الذين إذا حدثوا) أي أخبروا عن السلعة وشأنها (لم يكذبوا) في أخبارهم للمشتري بشئ من ذلك (وإذا ائتمنوا) أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله (لم يخونوا) فيما ائتمنوا عليه (وإذا وعدوا) بنحو وفاء ديون التجارة (لم يخلفوا) اختيارا (وإذا اشتروا) سلعة (لم يذمو) ها (وإذا باعوا) سلعة (لم يطروا) (3) أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شئ فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن (وإذا كان) عليهم ديون لم يمطلوا (4) أربابها أي يسوفوا وإذا كان (لهم) ديون وتقاضوها (لم يعسروا) أي يضيقوا (1) قال الشيخ لان الانسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الالماح بما في قصة آدم فيما ذكره الله بقوله * (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) * [ الاعراف : 21 ] وأنهما قبلا منه ذلك لظنهما أنه لا يحلف بالله كاذبا . (2) قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره . (3) يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الاطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه . (4) قال في المصباح مطلت الحديدة فطلا من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطله بدينه مطلا سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى . (*)
[ 539 ]
أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود الله الذين أخذ الله عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * [ الطلاق : 3 ] (1) (هب عن معاذ) وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره . 2205 - (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله وأهنأه (من كسبكم) يعني إن أطيب أكلكم مما كسبتموه بغير واسطة لقربه للتوكل وتعدى نفعه كذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه ويسمى الولد كسبا مجازا وذلك لأن والده سعى في تحصيله والكسب الطلب والسعي في الرزق ونفقة الأصل الفقير واجبة على فرعه عند الشافعي رضي الله عنه قال وقوله من كسبكم خبر إن ومن ابتدائية يعني إن أطيب أكلكم مبتدئا بما كسبتموه بغير واسطة أو بواسطة من كسب أولادكم (تخ ت ن ه) في البيع إلا الترمذي ففي الأحكام (عن عائشة) لكن لفظ أبي داود وابن ماجه ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه والحديث حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وهما لا يعرفان . 2206 - (إن أعظم الذنوب) أي من أعظمها على وزان قولهم فلان أعقل الناس أي من أعقلهم (عند الله أن يلقاه بها عبد) أي أن يلقى الله بها ملتبسا (بعد الكبائر التي نهى الله عنها) في القرآن والسنة (أن يموت الرجل وعليه دين) جملة حالية (لا يدع) أي لا يترك (له قضاء) (2) قال الطيبي قوله أن يلقاه خبر وأن يموت بدل منه لأنك إذا قلت إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل وعليه دين استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ورجل مظهر أقيم مقام العبد أو لاستبعاد ملاقاته مالكه بهذا الشين ثم إعادته بلفظ رجل وتنكيره تحقيرا وتوهينا له وإنما جعله هنا دون الكبائر لأن الاستدانة لغير معصية (1) قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لانها أقرب إلى التوكل ولانها أعم نفعا ولان الحاجة إليها أعم وفيها بالبدن أيضا ولانه لا بد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لان الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لان الصحابة كانوا يكتسبون بها . (2) وهذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية . (*)
[ 540 ]
غير معصية والقائم بعدم وفائه بسبب عارض من تضييع حق الآدميين وأما الكبائر فمنهية لذاتها (حم د) في البيوع (عن أبي موسى) الأشعري ولم يضعفه فهو صالح وسنده جيد . 2207 - (إن أعظم الناس) أي من أعظمهم (خطايا) جمع خطيئة وهو الإثم والذنب (يوم القيامة) يوم وقوع الجزاء (أكثرهم خوضا في الباطل) أي مشيا فيه إذ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، وكم من كلمة لا يلقى لها الخائض بالا يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا كما سبق ، قال في المصباح خاض الرجل في الماء مشى فيه وخاض في الأمر وخاض في الباطل دخل فيه : وقال الزمخشري من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي بيطل مع المبطلين (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في الصمت) أي في كتابه الذي ألفه في فضل الصمت (عن قتادة) ابن دعامة (مرسلا) . 2208 - (إن أعمال العباد تعرض (1) زاد في رواية على رب العالمين (يوم الإثنين ويوم الخميس) فليستح عبد أن يعرض على من أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه ولا يعارضه خبر رفع عمل الليل قبل النهار والنهار قبل الليل لأنها تعرض كل يوم ثم تعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم أعمال السنة في شعبان فيعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة استأثر بها الله أو أطلع عليها من شاء أو المراد تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو عكسه (حم د عن أسامة بن زيد) : قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فذكره . 2209 - (إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل) يوم (خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) أي قريب بنحو إساءة أو هجر فعمله لا ثواب فيه وإن كان صحيحا وسبق أنه لا تلازم بين الصحة وعدم القبول وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة أي إن كان بما ذكر بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة كما قاله العلامة الولي العراقي ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال والعشية ما بين العشاءين أو آخر النهار أو من الزوال إلى الصباح أو أول ظلام الليل أو غير ذلك وهي مؤنثة وربما ذكرت على معنى العشي قال في الاتحاف ذكر العرض في الوقت المذكور بفهم أنه لا يقع في غيره وليس مرادا لما ورد أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس وعليه فذكر (1) ومعنى العرض هنا الظهور وذلك أن الملائكة تقرأ الصحف في هذين اليومين . (*)
[ 541 ]
العرض المتعلق بهذا في عشية الخميس لاحتمال التخصيص بهذا العمل بترك العشية ويحتمل وهو أقرب أن الحكم بعدم القبول يؤخر إلى ليلة الجمعة في العشية المذكورة فإن رجع إلى الحق وتاب قبل العمل عشية الخميس وإلا رد وفيه إشارة إلى أن الشخص ينبغي له تفقد نفسه في تلك العشية ليلقى ليلة الجمعة على وجه حسن (حم خد عن أبي هريرة) قال الهيثمي كالمنذري رجاله ثقاة . 2210 - (إن أغبط الناس عندي) في رواية إن أغبط أوليائي أي أحسنهم حالا لمؤمن خفيف الحاذ بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي قليل المال خفيف الظهر من العيال (ذو حظ من الصلاة) أي ذو راحة من مناجاة الله فيها واستغراق في المشاهدة ومنه خبر أرحنا يا بلال بالصلاة (أحسن عبادة ربه) تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص وعليه فقوله (وأطاعه في السر) عطف تفسيري على أحسن (وكان غامضا في الناس) أي مغمورا غير مشهور (لا يشار إليه) أي لا يشير الناس إليه (بالأصابع) بيان وتقرير لمعنى الغموض (وكان رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد ولا ينقص (فصبر على ذلك) بين به أن ملاك ذلك كله الصبر وبه يقوى على الطاعة * (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) * [ البقرة : 75 ] (عجلت منيته) أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة (وقل تراثه (1) وزاد في رواية وقلت بواكيه : أي لقلة عياله وهو انه على الناس وعدم احتفالهم به قال ابن عربي هؤلاء هم الرجال الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها رجال اقتطعهم الله إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة وليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبهم فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة لا يعرفون بخرق عادة ولا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة فهم الأتقياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس والأولياء الأكابر إذا تركوا أنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلا لعلمهم بأنه تعالى إنما خلقهم له فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق بغير اختيار منهم بما يجعل في قلوب الخلق لهم فذلك إليه ما لهم فيه عمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدرا يعظمونهم من أجله فذلك إليه سبحانه فلا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم اختاروا الستر والانقطاع إليه (1) أي المال الذي خلفه وهذا صفة أويس الفرني وأضرابه من أهل الظاهر وفي الاولياء من هو أرفع درجة من هؤلاء وهو عبد قد استعمله الله فهو في قبضته به ينطق وبه يبصر وبه يسمع وبه يبطش جعله جعله صاحب لواء الاولياء وأمان أهل الارض ومنظر أهل السماء وخاصة الله وموقع نظره ومعدن سره وسوطه يؤدب به خلقه ويحيى القلوب الميتة برؤيته وهو أمير الاولياء وقائدهم والقائم بالثناء على ربه بين يدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يباهي به الملائكة وهو القطب . (*)
[ 542 ]
(تتمة) قال ابن عطاء الله لا تنسبن نفسك لعفاف ولا لتقلل وكفاف ولكن اشهد فضل الله عليك (حم ت ه ك) في الأطعمة وصححه (عن أبي أمامة) قال ابن القطان وأخطأ من عزاء لأبي هريرة قال في المنار وهو ضعيف إذ يرويه عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم وهم ضعفاء اه . قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له بل هو إلى الضعف ما هو قال الحافظ العراقي رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين وقال ابن الجوزي حديث لا يصح رواته ما بين مجاهيل وضعفاء ولا يبعد أن يكون معمولهم اه . 2211 - (إن أفضل الضحايا) جمع أضحية وضحية (أغلاها) بغين معجمة (وأسمنها) أكثرها شحما ولحما يعني التضحية بها أكثر ثوابا عند الله تعالى من الهزيلة كما سبق تقريره ، قال الشافعية والأسمن أفضل من العدد وكثير اللحم غير الردئ خير من كثير الشحم (تنبيه) : قال في المصباح الأضحية فيها لغات ضم الهمزة في الأكثر وهي في تقدير أفعولة وكسرها اتباعا لكسرة الحاء والجمع أضاحي والثالثة ضحية والجمع ضحايا كعطية وعطايا والرابعة أضحاه بفتح الهمزة والجمع أضحى ومنه عيد الأضحى وضحى تضحية ذبح الأضحية وقت الأضحى هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت شاء من أيام التشريق (حم ك عن رجل) من الصحابة . 2212 - (إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) أي يقصد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يعني هو أكثر الأعمال ثوابا وسبق الجمع بينه وبين نحو خبر أفضل الأعمال الصلاة (طب عن بلال) المؤذن . 2213 - (إن أفضل عباد الله يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وكشف الغطاء ونتيجة الأمر (الحمادون) لله أي الذين يكثرون حمد الله أي وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السراء والضراء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام حتى في حال الانتقام قال في الكشاف والتحميد في الجنة على وجه اللذة لا الكلفة (طب عن عمران بن حصين) بالتصغير . 2214 - (إن أفواهكم طرق للقرآن) أي للنطق بحروف القرآن عند تلاوته (فطيبوها بالسواك) أي نظفوها لأجل ذلك باستعمال آلة السواك المعروفة إظهارا لشرف العبادة ولأن الملك يضع فمه على فم القارئ فيتأذى بالريح الكريه قال الغزالي وينبغي أن ينوي بالسواك تطهير فمه للقراءة زذكر الله
[ 543 ]
في الصلاة هذا لفظه (تنبيه) أخذ بعض الصوفية من هذا أنه كما شرع تنظيف الأفواه للقراءة من الدنس الحسي يشرع من القذر المعنوي فيتأكد لحملة القرآن صون اللسان عن نحو كذب وغيبة ونميمة وأكل حرام إجلالا لكلام الملك العلام ولهذا قال بعضهم طهروا أفواهكم للقراءة فإن من يدنس فمه بطعام أو كلام حرام كمن يكتب القرآن على نجاسة والقوم يشهدون القذر الحكمي كالحسي فيرون تضمخ اللسان مثلا بدم اللثة أخف من تضمخه بغيبة ونميمة (أبو نعيم) الحافظ (في كتاب) (فضل السواك) له (والسجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين وهو عند أبي نعيم من حديث بحر بن كثير السقا قال الذهبي في الضعفاء اتفقوا على تركه عن عثمان بن عمر وابن ساج أورده أيضا في الضعفاء وقال تكلم فيه عن سعيد بن جبير عن علي قال الديلمي وسعيد ولم يدرك عليا اه . فعلم أن فيه ضعفا وانقطاعا ورواه ابن ماجه موقوفا على علي وهو أيضا ضعيف وقد بسط مغلطاي ضعفه ثم أفاد أنه وقف عليه من طرق سالمة من الضعفاء عن علي مرفوعا بلفظ إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شئ إلا دخل جوف الملك فطهروا أفواهكم بالسواك اه . 2215 - (إن أقل ساكني الجنة النساء) أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيرا فيكون سكناهن في الجنة قليلا بالنسبة لمن دخل قبلهن وإنما قلنا ذلك لأن السكنى في الجنة غير متناهية فلا توصف بقلة ولا كثرة (حم م عن عمران بن حصين) . 2216 - (إن أكبر الإثم عند الله) أي أعظمه عقوبة عليه (أن يضيع الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد كل من تلزمه نفقة غيره (من يقوت) أي من عليه قوته أي تلزمه مؤونته من نحو زوجة وأصل وفرع وخادم بترك الإنفاق عليهن مع اليسار وفقد الأعذار والمراد أن ذلك من أكبر الآثام لا الأكبر مطلقا فقتلهم أكبر جرما من عدم إنفاقهم وتجويعهم وتقدم لذلك نظائر (طب عن ابن عمرو) بن العاص . 2217 - (إن أكثر) بثاء مثلثة (الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) لفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه في الآخرة بدل القيامة فليحرر فإن بعض الناس يعذب يوم القيامة بالجوع
[ 544 ]
وبعضهم يؤذن له في الأكل من أرض المحشر التي هي خبزة بيضاء ومقصود الحديث التنفير من الشبع لكونه مذموما فإن من كثر أكله كثر شربه فكثر نومه فتلبد ذهبه فقسا قلبه فكسل جسمه ومحقت بركة عمره ففتر عن عبادة الودود فطرد يوم القيامة عن مناهل الورود فإن لم يحفه لطف المعبود ورد النار وبئس الورد المورود وحكم عكسه عكس حكمه فمن اشتغل قلبه بما يصير إليه من الموت وما بعده منعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته فجاء يوم القيامة شبعان ، وفوائد الجوع العاجلة والآجلة المتكلفة بالرفعة في الدارين لا تحصى فإن أردت الوقوف عليها فعليك بنحو الإحياء ولا يعارضه خبر أنهم أكلوا عند أبي الهيثم حتى شبعوا لأن المنهي عنه الشبع المثقل للمعدة المبطئ بصاحبه عن العبادة كما تقرر والقسطاس المستقيم ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه . تنبيه ذكروا أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة الأول ما تقوم به الحياة والثاني يزيد حتى يصوم ويصلي من قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقدر على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مندوبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد عليه وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهو البطنة المنهي عنها وهذا حرام . قال ابن حجر ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني . خاتمة : قال العارف ابن عربي أركان الطريق أربعة الصمت والجوع والعزلة والسهر وينشأ عن هذه الأربعة معرفة الله والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه وأعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة تبدلت بشريته ملكية وعبودية سيادة وعقله حسا وغيبته شهادة وباطنه ظاهرا وإذا رحل عن موضع وترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أهل ذلك الموطن فإن ظهر شوق من أناسي ذلك الموطن شديد لذلك الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تكسها بدله فكلمتهم وكلمته وهو غائب (ه ك عن سليمان) وفيه عند ابن ماجه محمد بن الصباح قال في الكاشف وثقه أبو زرعة وله حديث منكر وزيد بن وهب قال في ذيل الضعفاء ثقة مشهور وقال النسوي في حديثه خلل كبير وقال ابن حجر أخرجه ابن ماجه عن سليمان بسندين وخرجه عن ابن عمر بنحوه وفي سنده مقال وخرجه البزار عن أبي جحيفة بسند ضعيف . 2218 - (إن أكثر) بمثلثة بخط المؤلف (شهداء أمتي لأصحاب الفرش) أي الذين يألفون النوم على الفراش ولا يهاجرون الفراش ويتصدون للغزو . قال الحكيم هؤلاء قوم اطمأنت نفوسهم إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعا وبذلوها له إيثارا لمحبته على محبتها فهم ومن قتل في معركة الكفار سيان فينالون منازل الشهداء لأن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار وهؤلاء بذلوها طول الأعمار (ورب قتيل بين الصفين) في قتال الكفار بسببه (الله أعلم بنيته) هل هي نية إعلاء كلمة الله وإظهار دينه أو ليقال شجاع باسل أو لينال حظا وافرا من الغنائم أو
[ 545 ]
يكثر ماله ليطلب الملك والرياسة وغير ذلك من المقاصد التي لا يطلع عليها إلا المطلع على الضمائر . تنبيه : عدوا من خصائص هذه الأمة أنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله (حم عن ابن مسعود) جزم المصنف بعزوه لأحمد عن ابن مسعود غير جيد وذلك لأن أحمد إنما قال عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمدا خبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الهيثمي هكذا رواه أحمد ولم أره ذكر ابن مسعود والظاهر أنه مرسل وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات اه نعم قال ابن حجر في الفتح الضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد خرجه في مسند ابن مسعود قال ورجال سنده موثقون . 2219 - (إن أمامكم) في رواية ورائكم (عقبة) أي جبل (كؤود) بفتح الكاف أي شاقة المصعد (لا يجوزها المثقلون) من الذنوب المتضمخون بأدناس العيوب أي إلا بمشقة عظيمة وكرب شديد بل من طهر قلبه عن الأخلاق الذميمة وعمره بالخصال الحميدة وكلما غدا المطلب وشرف صعب مسلكه وطال منهجه وكثرت عقباته وشقت مقاساته وتلك العقبة هي الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله ثم الحساب ثم الجنة أو النار . قال ذو النون حق لابن آدم أن تبكي عليه السماوات والأرض لخفاء السابقة وإبهام العاقبة ومطالبة الشريعة وثقل التكليف وسقوط العذر وكثرة ما أمامه من العقبات وكما أن أمام ابن آدم عقبات أخروية فأمامه قبلها عقبات دنيوية . قال حجة الإسلام : وهي سبع مترتبة عقبة العلم وعقبة التوبة وعقبة العوائق وعقبة البواعث وعقبة الفوادح وعقبة الحمد والشكر وشرح ذلك مما لا يحتمل المقام بعضه (هب ك) في الفتن عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) وقال صحيح وأقره الذهبي وسببه كما في الطبراني قالت أم الدرداء لأبي الدرداء ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فساقه ثم قال فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة قال الهيثمي رجاله ثقات . 2220 - (إن أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة والمراد المتوضئون منهم (يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون قال الراغب الدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل يا من غير أن ينضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان قد يستعمل كل منهما محل الآخر ويستعمل استعمال التسمية كدعوت ابني زيدا أي سميته (يوم القيامة) أي موقف الحساب أو الميزان أو الصراط والحوض أو غير ذلك (غرا) بضم فتشديد جمع أغر أي ذو غرة والغرة بالضم بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو حال أي أنهم إذا دعوا يوم التنادي على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف أو كانوا على هذا النعت قال الطيبي ولا
[ 546 ]
تبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة الأحمر للمناسبة بين الاسم والمسمى (محجلين) من التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في غيره قل أو كثر بعد ما يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين (من آثار الوضوء) بضم الواو وجوز القشيري فتحها على أنه الماء ولا دلالة في هذا على أن الوضوء من خصائصنا بل الغرة والتحجيل خاصة بدليل ما رواه البخاري في قصة سارة (1) فقامت تتوضأ وقصة جريح الراهب قام فتوضأ وأما خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء مع قبلي مع احتمال أنه من خصائص الأنبياء لا أممهم كما مر بسطه فضعيف (فمن استطاع) أي قدر (منكم) أيها المؤمنون (أن يطيل غرته) أي وتحجيله على وزن سرابيل تقيكم الحر واقتصر على الغرة لشمولها للتحجيل على ما عليه كثير أو لأن محلها أشرف الأعضاء وأول ما يقع عليه النظر وزعم أنه كنى بالغرة عن التحجيل لعدم إمكان غسل زيادة في الوجه باستلزامه قلب اللغة وما نفاه ممنوع بإمكان غسله إلى صفحة العنق ومقدم الرأس ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على الغرة والتحجيل معا متوقف على ثبوت وروده وأنى به (فليفعل) أي فليفعل الإطالة بأن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائدا على الواجب وما فوق الواجب من يديه ورجليه واعلم أن الاستطاعة إذا أضيفت للعبد فهي والقدرة والقوة بمعنى عند أهل الأصول وهي نوعان أحدهما سلامة الأسباب والآلات وهي متقدمة على الفعل إجماعا وحدها التهيؤ لتنفيذ الفعل عن إرادة المختار والثاني حقيقة القدرة وهي نوع جدة يترتب على إرادة الفعل إرادة جازمة مؤثرة في وجوده والاستطاعة هنا من الطراز الأول ومعناه من قدر منكم أن يعرف ويشتهر في عرصات القيامة وينادى بذلك فليفعل تلك الإطالة فحذف المفعول اختصارا وفيه رد على منع ندب إطالتهما كالأئمة الثلاثة وتأويلهم الإطالة المطلوبة بإدامة الوضوء عورض بأن الراوي أدرى بما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع ونقل ابن تيمية وابن القيم وابن جماعة عن جمع من الحفاظ أن قوله فمن استطاع إلى آخره زيادة مدرجة من كلام أبي هريرة وقال ابن حجر لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير زيادة نعيم هذه (ق) في الطهارة (عن أبي هريرة) لكن قال مسلم يأتون بدل يدعون وسببه كما في مسلم أن نعيم بن عبد الله رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى بلغ إلى الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره . 2221 - (إن أمتي) أي أمة الاجابة (لن) وفي لفظ لا (تجتمع على ضلالة) ومن ثم إجماعهم حجة (فإذا رأيتم ختلافا) في أمر الدين كالعقائد والدنيا كالتنازع في شأن الامامة العظمى أو نحو ذلك (1) أي مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا الوضوء . (*)
[ 547 ]
(فعليكم بالسواد الأعظم) من أهل الإسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه فمن خالف مات ميتة جاهلية (ه عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الدارقطني في الأفراد وابن أبي عاصم واللالكائي قال ابن حجر رحمه الله تعالى حديث تفرد به معاذ بن رفاعة عن أبي خلف ومعاذ صدوق فيه لين وشيخه ضعيف . 2222 - (إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا) وفي رواية بدله مواتيا (حتى يتكلموا في الولدان والقدر) بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئا (طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أولى . 2223 - (إن أمين هذه الأمة) أي الثقة الرضي (أبو عبيدة) عامر (بن الجراح) قد شاركه غيره من الصحب في الأمانة لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليه وكان أخص بها وناهيك بمن قال عمر رضي الله عنه في حقه عند عهده بالخلافة لو كان حيا (1) لاستخلفته (2) (وإن حبر هذه الأمة) بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح أي عالمها (عبد الله ابن عباس) ترجمان القرآن كيف لا وقد دعا له (1) أي لأنه توفي في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك سنة ثمان عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان رضي الله عنه يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن ولما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسين ورحلة فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل وقال عمر لأصحابه به تمنوا فقال رجل أتمنى أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل ، أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح اه من صفة الصفوة لابن الجوزي . (2) تتمته كما في صفة الصفوة فإن سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح . (*)
[ 548 ]
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (خط عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب وفيه كوثر بن حكيم قال الذهبي في الضعفاء تركوه وضعفوه اه وساقه في الميزان في ترجمة الحسن بن محمد البغدادي وقال هذا باطل وقال في اللسان هذا لا ذنب فيه للحسين والحمل فيه على كوثر منهم بالكذب . 2224 - (إن أناسا من أمتي) أمة الإجابة (يأتون بعدي) أي بعد موتي (يود) أي يحب ويتمنى (أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله) هذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد وجد في كل عصر من يود ذلك ممن لا يحصى حتى قال بعض الأكابر لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عشت ذلك اليوم (ك) في المناقب (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي . 2225 - (إن أناسا من أمتي يستفقهون في الدين) أي يتفقهون في أحكامه فيصيرون فقهاء (ويقرأون القرآن ويقولون) أي يقول بعضهم لبعض (نأتي الأمراء) أي ولاة أمور الناس (فنصيب من دنياهم) حظا يعود نفعه علينا (ونعتزلهم بديننا) فلا نوافقهم على ارتكاب المعاصي (ولا يكون ذلك) أي السلامة من ارتكاب الآثام مع مخالطتهم والإصابة من دنياهم (كما لا يجتني من القتاد) شجر كثير الشوك ينبت بنجد وتهامة وفي المثل دونه خرط القتاد (إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) لأن الدنيا خضرة وحلوة وزمامها بأيدي الأمراء ومخالطهم لا ينفك عن التكلف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم وتحسين حالهم لهم مع ما هم عليه من الظلم وذلك هو السم القاتل فمخالطتهم مفتاح لعدة شرور ، قال الغزالي إذا مالت قلوب العلماء إلى الدنيا وأهلها سلبها الله ينابيع الحكمة وأطفأ مصابيح الهدى من قلوبهم (د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا . 2226 - (إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل) أي نأمر بالمعروف ولا نأتمر وننهى عن المنكر ونأتيه والحديث ناع على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث فعله (1) ولهذا (1) وفي قصة الاسراء أن النبي (ص) مر بأناس تفرض شفاههم وألسنتهم بالمقاريض فقال (ص) من هؤلاء فقال له جبريل هؤلاء خطباء السوء من أمتك يقولون ما لا يفعلون . (*)
[ 549 ]
قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم ولا يعمل كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد . وروي أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام وكان يعظه فلم يتعظ فدعا عليه فخرج ففقده فلم يجد له أثر حتى جاء رجل وبيده خنزير بحبل في عنقه فقال أتعرف فلانا ؟ هو ذا ، فسأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرده لحاله فيسأله فأوحى الله إليه لو دعوتني بما دعاني آدم فمن دونه ما أجبتك فيه لكن أخبرك أنه كان يطلب الدنيا بالدنيا ، قال العارف البسطامي عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم وخطره قال الغزالي رحمه الله وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول إذا كان ورود هذا الخطر العظيم في العلم فتركه أولى فلا تظنن ذلك فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلعت ليلة المعراج على النار فرأيت أكثر أهلها الفقراء قالوا من المال ؟ قال لا من العلم ، فمن لم يتعلم العلم لا يمكنه إحكام العبادة والقيام بحقوقها ولو أن رجلا عبد الله بعبادة ملائكة السماء بغير علم كان من الخاسرين فتشمر في طلب العلم والتلقين والتدريس واجتنب الكسل والملال وإلا فأنت في خطر الضلال (طب عن الوليد بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وهو ابن أبي معيط الأموي أخو عثمان لأمه من الطلقاء استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وولى الكوفة ولما قتل أخوه اعتزل الفتنة بالرقة قال الهيثمي وفيه أبو بكر بن حكيم الداهري ضعيف جدا انتهى وسبقه الذهبي فقال الداهري متهم . 2227 - (إن أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدعاء) أي الصلاة فهي أعظم أنواع البر بحيث بلغت لعظمتها أنه لو وضع ثوابها في كفة ووضع ثواب جميع أنواع العبادات في كفة لعادلتها وحدها واحتمال إجرائه على ظاهره من إرادة حقيقة الدعاء يحتاج إلى تعسف في التوجيه (1) (ابن صصري في أماليه) الحديثية (عن أنس) بن مالك . 2228 - (إن أهل الجنة ياكلون فيها ويشربون) أي يتنعمون فيه بالأكل وغيره تنعما لا آخر له على هيئة نعيم الدنيا لكن لا نسبة بينهما في اللذة والنفاسة (و) لكن (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون) كما لأهل الدنيا (ولا يتمخطون) أي لا يكون لهم مخاط (ولكن طعامهم ذلك) أي رجيع طعامهم الذي يطعمونه (جثاء) كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند (1) وحمله العزيزي على ظاهره فإنه قال فلو وضع ثوابه في كفة ووضع ثواب جميع العبادات في كفة لعادلها وهذا خرج على منهج المبالغة في مدحه والحث عليه . (*)
[ 550 ]
الشبع (ورشح كرشح المسك) وعرق يخرج من أبدانهم رائحته كرائحة المسك في الذكاء يعني أن العرق الذي يترشح منهم ريحه كالمسك وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم لما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لا عجم لها ولا ثقل لم تكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب الدنيا . قال السمهودي وهذه الصفات لا تختص بالزمرة الأولى التي اقتصر عليها في إحدى روايات الصحيح قال ونعيم أهل الجنة ولباسهم وطعامهم ليس عن دفع ألم يعتريهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة وحكمته أنه تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم عليه ما لم يعلمه إلا هو (يلهمون التسبيح والتحميد) أي يوفقون لهما والإلهام إلقاء شئ في النفوس يبعث على فعل أو ترك (كما تلهمون) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم (النفس) بفتح الفاء بضبط المصنف وفي نسخة التنفس بزيادة تاء قبل النون وهي من زوائد النساخ إذ لا وجود لها في خط المصنف يعني يعني لا يتعبون من التسبيح والتهليل كما لا تتعبون أنتم من التنفس ولا يشغلهم شئ عن ذلك كالملائكة أو أراد أنها تصير صفة لازمة لا ينفكون عنها كالتنفس اللازم للحيوان وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم تنعمت برؤيته وغمرتهم سوابغ نعمته فامتلأت قلوبهم بمحبته وألسنتهم ملازمة لذكره رهينة لشكره ومن أحب شيئا أكثر من ذكره (حم م د عن جابر) قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم قال إن الذي يشرب يكون له الحاجة الجنة مطهرة فذكره . 2229 - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (1) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد الهمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض قال الزمخشري والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشئ ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي . (1) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين . (*)
[ 551 ]
2230 - (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون) أنتم يا أهل الدنيا فيها (الكوكب الدري) بضم فكسر مشددا نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره (الغابر) بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والمراد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى (فائدتان) إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض ، وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة : إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات (في) رواية لمسلم من (الأفق) متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا (من المشرق والمغرب) شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضئ في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد (لتفاضل ما بينهم) يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار . ذكره الطيبي (حم ق) في صفة الجنة (عن أبي سعيد) الخدري (ت ه عن أبي هريرة) وحسنه وقضية صنيع المؤلف أن ما أورده هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح البخاري قالوا يا رسول الله تلم منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين انتهى بنصه . 2231 - (إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم) منزلة (كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء) أي طرفها (وإن أبا بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (منهم وأنعما) أي زادا في الرتبة
[ 552 ]
وتجاوزا تلك المنزلة فقوله وأنعما عطف على المقدر في منهم أي أنهما استقرا منهم وأنعما وقيل أراد بأنعما صارا إلى النعيم (1) وسيلقاك لهذا تتمة على الأثر (حم ت ه حب عن أبي سعيد) الخدري (طب عن جابر بن سمرة) قال الهيثمي فيه الربيع بن سهل الواسطي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) بن العاص (وعن أبي هريرة) رضي الله عنهما وذكر الديلمي أن الشيخين خرجاه . 2232 - (إن أهل عليين يشرف) أي ينظر ويعلو (أحدهم على الجنة) أي لينظر إليها من محل عال قال في الصحاح وغيره الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال وأشرف عليه اطلع من فوق (فيضئ وجهه لأهل الجنة كما يضئ القمر ليلة البدر لأهل الدنيا) فأصل ألوان أهل الجنان البياض كما في الأوسط والصغير للطبراني بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعا في وصفهم جرد مرد بيض جعد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين وعند الطبراني من حديث ابن عمر جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل واستفهم فقال فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام (وإن أبا بكر وعمر منهم) أي من أهل عليين (وأنعما) قال الزمخشري كلمة نعم استعملت في حمد كل شئ واستجادته وتفضيله على جنسه ثم قيل إذا عملت عملا فأنعمه أي فأجده وجئ به على وجه يثني عليه بنعم العمل هذا ومنه دق الدواء دقا ناعما ودقه فأنعم دقه ومنه قوله هنا وأنعما أي فضلا وزادا على كونهما من جملة أهل عليين انتهى (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري . 2233 - (إن أهل الجنة يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضا فيها (على النجائب) جمع نجيبة قال الأزهري وهي عتاق الإبل التي يسابق عليها انتهى وبه يتبين سر تعبيره بالنجائب دون النوق (بيض) (1) أي ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال وفي بعض طرق الحديث قبل ما معنى وأنما قال وأهل ذلك هما . (*)
[ 553 ]
صفة النجائب (كأنهن الياقوت) أي الأبيض إذ هو أنواع (وليس في الجنة شئ من البهائم) جمع بهيمة (إلا الإبل والطير) أي بسائر أنواعها ، فإن قلت : سيجئ في خبر إن فيها الخيل أيضا وذلك يعارض الحصر المذكور هنا ، قلت : ويمكن التوفيق بأنها جنان متعددة فبعضها ليس فيها من البهائم إلا ذينك وبعضها فيه خيل فقط والبعض فيه الكل والبهيمة تطلق ويراد بها كل ذات أربع من دواب البر والبحر ويطلق ويراد كل حيوان لا يميز (طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي رحمه الله وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف . 2234 - (إن أهل الجنة يدخلون على الجبار) سبحانه (كل يوم مرتين) أي في مقدار كل يوم من أيام الدنيا مرتين فإن قلت ما حكمة تعبيره هنا بالجبار دون غيره من الأسماء والصفات قلت لأن الجبار إما من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله وهو تلافي خلل المؤمنين بالعفو عن مسيئهم ورفع درجات مقصريهم في الأعمال وإما من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم فهو أعلى العباد فهو إشارة إلى أنهم يؤذن لهم في العروج إلى حضرة عالية المنار رفيعة المقدار وبذلك علم أن الدخول لا في مكان بل تجوز به على مشاكلة ما للملوك (فيقرأ عليهم القرآن) زاد في رواية فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك (وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه) أي الذي يستحق أن يكون مجلسا له على قدر درجته (على منابر) جمع منبر (الدر والياقوت والزمرد (1) والذهب والفضة) يحتمل أن المراد أن المنابر منها ما هو لؤلؤ ومنها ما هو ياقوت وهكذا وأن المراد كل منبر مركب من جميع المذكورات ولا مانع أن المراد أن منها ما هو بسيط ومنها ما هو مركب ثم إن جلوسهم عليها يكون (بالأعمال) أي بحسبها فمن يبلغ به عمله أن يكون كرسيه ذهبا جلس على الذهب ومن يقصر عنه يكون على الفضة وهكذا فرفع الدرجات في الجنة بالأعمال ونفس الدخول بالفضل (فلا تقر أعينهم قط) أي تسكن سكون سرور (كما تقر بذلك) أي بجلوسهم ذلك المجلس وسماعهم للقرآن قال في الصحاح وغيره قرت عينه تقر بكسر القاف وبفتحها ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا يطمح إلى ما فوقه ويقال حتى تبرد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة وفي المصباح قرت العين قرة بالضم وقرورا بردت سرورا قال الزمخشري ومن المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر عيني أن أراك انتهى . (ولم يسمعوا شيئا أعظم منه) في اللذة والسرور والطرب (ولا أحسن منه) في ذلك (ثم ينصرفون) (1) الزمرذ بثقل الراء مضمومة والذال معجمة وهو الزبرجد والدال المهملة تصحيف الواحدة زمرذة . (*)
[ 554 ]
راجعين (إلى رحالهم) جمع رحل وهو المنزل (وقرة أعينهم) أي سرورهم ولذتهم بما هم فيه من النعيم المقيم (ناعمين) أي منعمين (إلى مثلها) أي إلى مثل تلك الساعة (من الغد) فيدخلون على الجبار أيضا وهكذا إلى ما لا نهاية له فإن قلت قوله هنا يدخلون عليه في كل يوم مرتين ويقرأ عليهم إلى آخره قد يعارضه ما في الخبر المار أنهم إنما يدخلون عليه في كل أسبوع مرة يوم الجمعة قلت قد يمكن الجواب بأن الدخول اليومي للجلوس بالحضرة وسماع القراءة مع وجود الحجاب عن النظر والدخول الأسبوعي للرؤية فلا تعارض أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقامات قال ابن عطاء الله قال البسطامي إن في الجنة أناسا إذا حجب المولى عنهم طرفة عين استغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي . 2235 - (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) أراد علماء طريق الاخرة (وذلك أنهم يزورون الله في كل جمعة) أي مقدارها من الدنيا وهذه زيارة النظر كما نقرر وتلك زيارة سماع القرآن ولم أر من تعرض لذلك (فيقول لهم تمنوا علي ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء) أي يعطفون عليهم ويصرفون وجوههم إليهم قال في المصباح التفت بوجهه ولفته صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال وقال الزمخشري لفت رداءه على عنقه عطفه (فيقولون ماذا نتمنى فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا) الظاهر أن المراد أنهم يقولون لطائفة تمنوا عليه كذا وكذا فيأمرون كل طائفة بسؤال يليق بحالهم ويختلف ذلك باختلاف طبقاتهم ومقاماتهم (فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا) (1) قال حجة الإسلام رحمه الله تعالى فيه إشارة إلى أن ما كل أحد يحسن أن يتمنى على الله ولا أن يدعوه في الدنيا والآخرة فالأولى أن لا يجاوز الإنسان في طلبه المأثور فإنه إذا جاوزه ربما اعتدى فسأل الله ما لا يقتضيه مصلحته (ابن عساكر) في ترجمة صفوان الثقفي (عن جابر) وفيه مجاشع بن عمر قال ابن معين أحد الكذابين وقال البخاري منكر مجهول وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله موضوع انتهى وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع (1) قال الشيخ وفي البدور للمؤلف بعد ذكر هذا وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن عبد الرحمن قال بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا فتأتيهم الرسل من قبل ربهم فيقولون سلوا ربكم فيقولون ما ندري ما نسأل ثم يقول بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شئ أتيناهم فيأتون العلماء فيقولون إنه قد أتانا رسل ربنا تأمرنا أن نسأل فما ندري ما نسأل فيفتح الله على العلماء فيقولون لهم سلوا كذا سلوا كذا فيسألون فيعطون . (*)
[ 555 ]
لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر المذكور . 2236 - (إن أهل الفردوس) هو وسط الجنة وأعلاها (يسمعون أطيط) أي تصويت (لعرش) لأنه سقف الفردوس كما في خبر آخر والحديث مسوق لبيان غاية رفعة الفردوس وأهله وأنهم في أسنى المناصب وأرفع المراتب والأطيط صهيل نحو الخيل أو حنين أصوات الإبل والخيل يقولون شجاني أطيط الركاب وفي الحديث أيضا ليأتين على باب الجنة زمان وله أطيط قال الزمخشري ومن المجاز أطت بكم الرحم أي رقت وحنت (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي أمامة) الباهلي . 2237 - (إن أهل البيت) من بيوت الدنيا (يتتابعون) أي يقع أثر بعضهم على بعض (في النار) أي في نار جهنم يوم القيامة (حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها وإن أهل البيت يتتابعون في الجنة حتى ما في رواية حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة إلا دخلها وذلك لأن لكل مؤمن صالح يوم القيامة شفاعة فإذا كان في أهل البيت من هو موسوم بالصلاح شفع في أهل بيته فأدخلوا الجنة فإذا لم يكن فيهم من هو كذلك عمهم العقاب ولأنهم غالبا يتطابقون في الاعتقاد والأعمال وذلك الارتباط كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة والأول أوجه (طب عن أبي جحيفة) بالتصغير واسمه وهب بن عبد الله قال أخبرت أن أهل الجنة إلى آخره هذا لفظ رواية الطبراني وظاهره أنه غير مرفوع خلاف ما جرى عليه المصنف من رفعه لكن هذا مما لا مجال للرأي فيه فالإخبار إما من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي عنه قال الهيثمي رواه الطبراني من طريق كثير ولم ينسبه عن أبي جحيفة ، ولم أعرف كثيرا هذا وبقية رجاله ثقات . 2238 - (إن أهل النار) نار جهنم (ليبكون) أي بكاء الحزن (حتى لو أجريت) بالبناء للمجهول (السفن) جمع سفينة وهي معروفة (في دموعهم لجرت) لكثرتها ومصيرها كالبحر العجاج والجري إسراع حركة الشئ ودوامها (وإنهم ليبكون الدم) أي يبكون بدموع لونها لون الدم لكثرة حزنهم وطول عذابهم وهل هذا البكاء قبل دخولهم النار أو بعده ومن البين أن المراد بأهل النار بحيث أطلقوا الكفار الذين هم مخلدون لا من يدخلها من عصاة المؤمنين وبمثل هذا يقال في الخبر الآتي وما أشبهه (ك) في الأهوال (عن أبي موسى) الأشعري وقال صحيح وأقره الذهبي .
[ 556 ]
2239 - (إن أهل النار يعظمون في النار) أي في جهنم (حتى يصير ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه) أي محل الرداء من منكبه يذكر ويؤنث في الصحاح (مسيرة سبعمائة عام) يظهر أن المراد التكثير لا التحديد وكم له من نظير (وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعا وضرسه) أي كل ضرس من أضراسه (أعظم) قدرا (من جبل أحد) أي أكبر منه وسبق أن أمور الآخرة لا تجول فيها العقول وإنما علينا التسليم والقبول (طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه أحمد وغيره وكأنه أغفله ذهولا لقولهم إن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي وفي أسانيدهم يحيى القتات وهو ضعيف وبقية رجاله أوثق منه . 2240 - (إن أهل البيت ليقل طعمهم) بضم فسكون أي أكلهم للطعام والطعم بالضم الطعام والطعام اسم لما يؤكل (فتستنير بيوتهم) أي تشرق وتضئ والظاهر أن المراد بقلة الطعم الصيام ويحتمل الإطلاق وإن كان الأول أقرب ويحتمل أن المراد بالبيوت الأبدان ويحتمل حمله على ظاهره ويكون ذلك لإلف الأرواح النورانية لهم (طس عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ والديلمي والعقيلي وفيه الحسن بن ذكوان قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد أحاديثه أباطيل وفيه عبد الله بن المطلب قال العقيلي مجهول وحديثه منكر غير محفوظ ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه على ذلك المؤلف في مختصرها فلم يتعقب الحكم بوضعه بشئ بل أقره . 2241 - (إن أهل البيت إذا تواصلوا) أي وصل بعضهم بعضا بالإحسان والبر والتحابب ، والتواصل ضد التهاجر (أجرى الله تعالى عليها الرزق) أي يسره لهم ووسعه عليهم ببركة الصلة (وكانوا في كنف الله) أي حفظه ورعايته ولفظ رواية ابن لال كنف الرحمن ويظهر أن المراد بأهل البيت هنا القبائل وفيه حث عظيم على صلة الرحم وأنها توسعة للرزق وأنها عند الله بمكان والكنف بفتحتين الجانب والساتر قال الزمخشري وتكنفوه واكتنفوه أحاطوا به من كل جانب وكنفته حفظته وكانفته عاونته ومن المجاز قولهم في حفظ الله وكنفه (عد وابن عساكر) في التاريخ عن ابن عباس ورواه عمه أيضا ابن لال والحاكم والديلمي فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد لإبهامه ثم إن فيه هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش وقد سبق ما فيهما من المقال .
[ 557 ]
2242 - (إن أهل السماء) أي جنسها الصادق بجميع السماوات (لا يسمعون شيئا من أهل الأرض) أي لا يسمعون شيئا من أصواتهم بالعبادة (إلا الأذان) للصلاة فإن صوت المؤذنين يبلغه الله إلى هنان السماء حتى يسمعه أهل الملأ الأعلى جميعا لكونه يحبه كثيرا ، فإن قلت القرآن أفضل الكلام مطلقا فما بالهم لا يسمعونه ؟ قلت قد يجاب بأن عظم رتبته اقتضت أن لا يصعد إلا وملائكة يشيعونه فإن في بعض الأخبار إشعارا بأن الملائكة تشيعه لخبر إن القارئ إذا لم يقوم القراءة قومه الملك ثم رفعه (أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة وسكون الواو ونسبته إلى طرسوس مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي وأبو أمية بغدادي أكثر الإقامة بطرسوس فنسب إليها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (في مسنده عد) وكذا أبو الشيخ والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه يحيى بن عبيد الله الوصافي قال يحيى ليس بشئ والنسائي متروك . 2243 - (إن أهل الجنة) أي الرجال منهم (إذا جامعوا نساءهم) من الآدميين والحور أي طمثوهن (عادوا أبكارا) لفظ رواية الطبراني عدن أبكارا وهو القياس فقول المؤلف عادوا سبق قلم ففي كل مرة افتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الافتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة ، وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحما وأعذب فاها وأضيق مسلكا وأسخن فرجا وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم (عجيبة) ذكر العارف ابن العربي أن أهل الجنة ينكحون جميع نسائهم وجواريهم في آن واحد نكاحا حسيا بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر قال وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذا الحقيقة من حيث فكره وإنما يدركه بقوة إلهية في قلب من شاء من عباده والله على كل شئ قدير (طص عن أبي سعيد) الخدري قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به يعلى . قال الهيثمي فيه يعلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب انتهى . 2244 - (إن أهل المعروف في الدنيا) أي ما لا ينكره الشرع (هم أهل المعروف في الآخرة) التي مبدؤها ما بعد الموت قال العسكري المعروف عند العرب ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل الفضل
[ 558 ]
ثم كثر فصار اصطناع الخير معروفا يقال أنالني معروفه وقسم لي من معروفه قال حاتم : * وأبذل معروفي له دون منكر * (وإن أهل المنكر في الدنيا) أي ما أنكره الشرع ونهى عنه هم (أهل المنكر في الآخرة) يقول إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه (1) وقال الحكماء إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سببا لأعظم الآلام الروحانية (طب عن سلمان الفارسي) قال ابن الجوزي حديث لا يصح قال أحمد تركت حديث هشام (2) بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي وبقية رجاله ثقات (وعن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة (بن برمة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن معاوية الأسدي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول فذكره قال أبو حاتم قبيصة هذا لا يصح له صحبة قال الذهبي يعني حديثه مرسل انتهى وفي التقريب مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قال الهيثمي وفيه علي بن أبي هاشم (وعن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون القروي وهو ضعيف ذكره الهيثمي (حل عن أبي هريرة خط عن علي) أمير المؤمنين قال ابن الجوزي وهذا لا يصح إذ فيه محمد بن الحسين البغدادي كان يسمي نفسه لاحقا وقد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى ذكره الخطيب وأبي الدرداء وفيه هند أم ابن قتيبة قال الجوزي مجهول . 2245 - (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة (3) قال ابن العربي حقيقة المعروف المعلوم لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب ومعنى تسميته بذلك أنه أمر لا يجهل ومعنى لا يختلف فيه كل أحد (وإن أول أهل الجنة دخولا) أي من أولهم دخولا الجنة (أهل المعروف) وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والآخرة أعواض (1) فالدنيا مزرعة للاخرة وما يفعله العبد من خير وشر تظهر نتيجة في دار البقاء . (2) أي أحد رجاله وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به انتهى وقال الهيثمي فيه هشام بن لاحق . (3) يحتمل أن المراد أنهم يشفقون لغيرهم فيصدر عنهم المعروف في الاخرة كما صدر عنهم في الدنيا أو المراد هم أهل لفعل المعروف معهم في الاخرة أي يجازيهم الله على معروفهم ولا مانع من الجمع . (*)
[ 559 ]
ومكافآت ، روي أن أقواما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر (تنبيه) قال القيصري : المنكر والمعروف ضدان كالليل والنهار إذا ظهر هذا غاب هذا ، وفي ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها فإن المعروف مأخوذ من العرف الذي هو العادة التي عرفها الناس والمنكر هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة فإن المعروف الحق الذي لم يزل ولا يزال هو الله ومخلوقاته في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرف إلا إياه ربا ولم تعرف طاعة إلا طاعته فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط فلما خلق آدم عليه السلام وخلق وإبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عن الثقلين صار العصيان منكرا أي أنكره العقل لأنه لم يألفه ولم يعهده ولا له أصل في العرف المتقدم ولهذا إذا كان المنكر مخفيا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وحوارحه فقط لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد فإذا ظهر وفشى وجب تغييره ورده إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد حتى لا يبقى إلا المعروف الذي لم يزل معروفا قديما وحديثا (طب عم أبي أمامة) الباهلي . 2246 - (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة) يعني في الزمن اللاحق بعد الموت وذلك لأن البطنة تذهب الفطنة وتنوم وتثبط عن الطاعات فيأتي يوم القيامة وهو جيعان عطشان وأهل الجوع في الدنيا ينهضون للعبادة فيتزودون منها للآخرة فيأتون يوم القيامة وقد قدموا زادهم فلقوه وأهل الشبع في الدنيا يقدمون ولا زاد لهم ولهذا قال الداراني مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأمثل كل خير في الدارين الخوف (طب عن ابن عباس) قال المنذري إسناده حسن وقال الهيثمي فيه يحيى بن سليمان القرشي الحضرمي وفيه مقال وبقية رجاله ثقات . 2247 - (إن أوثق) أي من أوثق (عرى الإسلام) أي أكثرها وثاقة أي قوة وثباتا (أن تحب في الله وتبغض في الله) (1) أي لأجله لا لعلة والوثيق كما في الصحاح الشئ المحكم وفي المصباح وثق الشئ وثاقة قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم والعرى جمع عروة وعروة القميص معروفة وعروة الكوز أذنه قال في المصباح وقوله عرى الإسلام على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها وقال الزمخشري تستعار العروة لما يوثق به ويعول عليه (حم ش هب عن البراء) ابن عازب قال الهيثمي فيه ليث بن سليم ضعفه الأكثر . (1) فالمراد محبة الصالحين وبغض الكافرين والحالة الغير المرضية من المسلمين . (*)
[ 560 ]
2248 - إن أولى الناس با لله) أي من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من الولي القرب (من بدأهم بالسلام) أي أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين قال في الأذكار وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام لهذا الحديث (1) اه (د عن أبي أمامة) صدى بن عجلان الباهلي قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام فذكره قال في الأذكار والرياض إسناده جيد وظاهر صنيع المصنف أن أبا داود قد تفرد به من الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي وابن ماجه . 2249 - (إن أولى الناس بي يوم القيامة) أقربهم مني يوم القيامة وأولاهم بشفاعتي وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات (أكثرهم علي صلاة) في الدنيا لأن كثرة الصلاة تدل على نصوح العقيدة وخلوص النية وصدق المحبة والمداومة على الطاعة والوفاء بحق الواسطة الكريمة ، ومن كان حظه من هذه الخصال أوفر كان بالقرب والولاية أحق وأجدر قالوا وهذه منقبة شريفة وفضيلة منيفة لأتباع الأثر وحملة السنة فيا لها من منة (2) (تخ ت حب عن ابن مسعود) وقال الترمذي حسن غريب وقال ابن حبان صحيح وفيه موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بقوي لكن وثقه ابن معين وأبو داود وساق له ابن عدي عدة أحاديث استنكرها وعد هذا منها . 2250 - (إن أول ما يجازى به) العبد (المؤمن بعد موته) على عمله الصالح (أن يغفر) بالبناء للمفعول ويجوز للفاعل وهو الله تعالى (الجميع من تبع جنازته) أي شيعها من ابتداء خروجها إلى انتهاء دفنه وفي رواية بدل من تبع جنازته من شيعه وبه يعلم أن المراد بمن تبع من شيع وإن كان أمامه لا خلفه وفيه شمول للكبائر وفضل الله واسع لكن قياس نظائره الصغائر وإذا كان مما يجازى به الغفران لغيره لأجله فالغفران له هو من باب أولى وهل اللام للاستغراق أو الجنس فيشمل حتى الفاسق المصر أو هي للعهد والمعهود المؤمن الكامل أو التائب احتمالات ويظهر أن الكلام في الرجال لقوله للنساء في الخبر (1) روي إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لانه ذكرهم بالسلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملاء خير منهم وأطيب . (2) إذ ليس من هذه الامة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال أبو نعيم هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الاثر ونقلتها لانه لا يعرف لعصابة من الصلاة على النبي (ص) أكثر مما يعرف لهذا العصابة نسخا وذكرا . (*)
[ 561 ]
المار ارجعن مأزورات غير مأجورات (عبد بن حميد والبزار) في مسنده (هب عن ابن عباس) وضعفه المنذري قال الهيثمي فيه مروان بن سالم الشامي ضعيف وفي الميزان مروان بن سالم قال الدارقطني متروك والشيخان وأبو حاتم منكر الحديث ثم ساق له مناكير ذا منها وقال عقبه هذا منكر اه وأورده ابن الجوزي في في الموضوعات . 2251 - (إن أول الآيات) أي علامات الساعة (خروجا) أي ظهورا تمييز (طلوع الشمس من مغربها) قال ابن كثير أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج قبلها لأنها أمور مألوفة إذ هم مثلهم بشر (وخروج الدابة) (1) هذا غير مألوف أيضا فإنها تخرج (على الناس ضحى) بضم الضاد وفتحها على شكل غريب غير معهود وتخاطب الناس وتسمهم بالإيمان أو الكفر وذلك خارج من مجاري العادات (فأيتهما كانت قبل صاحبتيها فالأخرى على أثرها) بفتح الهمزة أي عقبها وقد بقي منها بقية (قريبا) صفة لمصدر محذوف تأكيدا لما قبله أي فالأخرى تحصل على أثرها حصولا قريبا فطلوع الشمس أول الآيات السماوية والدابة أول الآيات الأرضية بالمعنى المذكور وحكمة جعل طلوعها من مغربها آية مقاربة قيام الساعة الإيماء إلى قرب طلوع جميع الأرواح من الأشباح ذكره الحرالي (حم م د ه) في الفتن كلهم (عن ابن عمر) بن العاص لم يخرجه البخاري بهذا اللفظ . 2252 - (إن أول هذه الأمة خيارهم وآخرها شرارهم مختلفين) أي في العقائد والمذاهب والآراء والأقوال والأفعال وهذا منصوب على الحال أو المعنى فإنهم لا يزالون كذلك (متفرقين) عطف تفسير وقد يدعى أن بينهما عموما وخصوصا (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي بكل ما بعد الموت (فلتأتيه منيته) أي فليجئ إليه الموت (وهو) أي والحال أنه (يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) أي يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه هم معه وبذلك تنتظم أحوال الجمهور ويرتفع الخلاف والتفور وتزول (1) وذلك أول الايات الارضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الايات السماوية روي أنها جمعت من كل حيوان فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد لونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل اثني عشر ذراعا . (*)
[ 562 ]
الضغائن من الصدور (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المفضل بن معروف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 2253 - (إن أول) أي من أول (ما يسأل عنه العبد) قال الطيبي ما مصدرية (يوم القيامة من النعيم أن يقال) أي أن سؤال العبد هو أن يقال (له) من قبل الله تعالى (ألم نصح لك جسمك) أي جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (ونرويك (1) من الماء البارد) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به وهذا هو المراد بقوله تعالى : * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * [ التكاثر : 8 ] وقيل هو شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وقيل الصحة والفراغ وقيل سلامة الحواس وقيل الغداء والعشاء وقيل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن ، وقيل ما سوى كن يأويه وكسرة تقويه وكسوة تغنيه يسأل عنها ويحاسب عليها وقيل وقيل (ت) في التفسير (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المناوي سند الترمذي جيد . 2254 - (إن باب الرزق مفتوج من لدن العرش) أي من عنده (إلى قرار بطن الأرض) أي السابعة (يرزق الله كل عبد) من إنس وجن (على قدر همته ومهنته) في الإنفاق على من يمونه ووجوه القرب فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له كما في خبر آخر وفي رواية بدل يرزق إلخ ينزل الله تعالى إلى عباده أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته إن الله تعالى لا يحب السخاء ولو بفلق تمرة ويحب الشجاعة ولو بقتل الحية والعقرب اه بنصه ولدن ظرف بمعنى عند ذكره بعضهم وقال بعض المحققين ولدن من وعند الظروف المكانية لكن فرق النجاة بينهما بأن عند يجوز كونه بحضرته وفي ملكه ولدن مختص بالحضرة قال في المصباح وقرار الأرض المستقر الثابت والهمة بالكسر أول العزم وقد يطلق على العزم القوي فيقال له همة عالية والنهمة ولوع الهمة بالشئ والنهم بفتحتين إفراط الشهوة كما في الصحاح وغيره (حل) وكذا ابن عدي كلاهما عن علي بن سعيد بن بشير عن أحمد بن عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر (عن الزبير) بن العوام قالت أسماء قال لي الزبير مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فجبذ عمامتي بيده فالتفت إليه فقال يا زبير إن باب الرزق إلخ أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لي عبد الله يروي الموضوعات عن الأثبات اه وأقره على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات . (1) هو بإثبات الياء فيحتمل أنه معطوف على المجزوم وفيه إثبات حرف العلة مع الجازم وهو لغة ويحتمل أنه منصوب بعد واو المعية . (*)
[ 563 ]
2255 - (إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب العبد المطيع ومعناه عبد الله فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو الله ، عبري غير مشتق (لما هلكوا قصوا) أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص وعولوا عليها واكتفوا بها وفي رواية لما قصوا هلكوا أي لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان ذلك سبب إهلاكهم وكيفما كان ففيه تحذير شديد من علم بلا عمل (طب والضياء) المقدسي في المختارة (عن خباب) بالتشديد ابن الأرت بالمثناة ورواه بلفظ لما قصوا ضلوا ثم حسنه قال عبد الحق وليس مما يحتج به . 2256 - (إن بين يدي الساعة) أي أمامها مقدما على وقوعها (كذابين) قيل هم نقلة الأخبار الموضوعة وأهل العقائد الزائغة وغيرهم ممن ينسب نفسه إلى العلم وهو كالرجال في الجدال وإبليس في التلبيس (فاحذروهم) أي خافوا شر فتنتهم به واستعدوا وتأهبوا لكشف عوارهم وهتك أستارهم وتزييف أقوالهم وتقبيح أفعالهم ليحذرهم الناس ويبور ما جاؤوا به من الالباس والبأس وقيل أراد المسرعين للإمامة الموعودة الخاتمة لدائرة الولاية المدعين للنبوة وقيل غير ذلك والحمل على الأعم أفيد وأتم (حم م) في الفتن (عن جابر بن سمرة) عزو المصنف ذلك بجملته لمسلم غير سديد فإن قوله فاحذروهم ليس في مسلم بل جاء في رواية غيره ونوزع فيه بأنه من قول جابر لا من تتمة الحديث . 2257 - (إن بين يدي الساعة) أي أمام قيامها (لأياما) نكرها لمزيد التهويل وقرنه باللام لمزيد التأكيد (ينزل فيها الجهل) يعني به الموانع المانعة عن الاشتغال بالعلم (ويرفع فيها العلم) بموت العلماء فكلما مات عالم يرفع العلم بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهرج) بسكون الراء (والهرج) هو (القتل) (1) وفي رواية والهرج بلسان الحبشة القتل وأصله لغة الفتنة والاختلاف والاختلاط كما في الصحاح (2) قال ابن بطال وجميع (1) ونسب التفسير لابي موسى وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل وكثيرا ما يسمون الشئ باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة . (2) وذكر صاحب المحكم معاني أخر أي الهرج ومجموعها سعة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الاتقان للشئ وقال الجوهري أصل الهرج الكثرة في الشئ حتى لا ينتهي . (*)
[ 564 ]
ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناه عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وعمت الفتن وكثر القتل قال ابن حجر يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله والمراد من الحديث استعمال ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر والواقع أن هذه الصفات وجدت مبادئها من عصر الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر البعض الكثير في التي تليها وإليه يشير الحديث الآتي لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه وفيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الرديئة (حم ق عن ابن مسعود) (وأبي موسى) الأشعري أيضا . 2258 - (إن بيوت الله تعالى) أي الأماكن التي يختارها ويصطفيها لتنزلات رجمته وملائكته (في الأرض) هي المساجد (وإن حقا على الله أن يكرم من زاره) يعني من عبده (فيها) حق عبادته وقد ورد هذا بمعناه من كلام الله في الكتب السماوية القديمة ، قال حجة الإسلام ، قال الله تعالى في بعض الكتب : إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره (طب عن ابن مسعود) عبد الله . 2259 - (إن تحت كل شعرة) من بدن الإنسان (جنابة) قال الخطابي ظاهره يوجب نقض الضفائر لغسل الجنابة أو نحوها إذ لا يتيقن غسل شعره كله إلا بنقضها اه أي فإن فرض وصول الماء بدون النفض لم يجب عند الشافعية ومذهبهم أيضا أنه لا يجب غسل باطن شعر انعقد بنفسه (فاغسلوا الشعر) قال مغلطاي حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل الفم والأنف اه (وانقوا البشرة) بالنون (1) قال الطيبي علل الوصف بالظرف وهو لفظه تحت ثم رتب عليه الحكم بالفاء وعطف عليه وأنقوا للدلالة على أن الشعر قد يمنع وصول الماء كما أن الوسخ يمنع ذلك فإذن يجب استقصاء الشعر بالغسل وتنقية البدن عن الوسخ ليخرج المكلف عن العهدة بيقين اه قال البهيقي وفيه دليل على وجوب استعمال الماء الناقص وتكميله بالتيمم (2) قال ابن عيينة والمراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بها (د ت ه عن أبي هريرة) ظاهر صنيعه أن مخرجيه خرجوه ساكتين ولم يطعنوا (1) والقاف من الانقاء والبشرة ظاهر الجلد أي اجعلوه نقيا بأن يغمره الماء بعد إزالة المانع وقيل المراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كني عنه بالبشرة . (2) واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وأتقوا البشرة وزعم أن داخل الفم من البشرة هذا خلاف قول أهل اللغة لان البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من الناظر إليه . (*)
[ 565 ]
في سنده والأمر بخلافه فقد قال أبو داود فيه الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف وقال الترمذي حديثه غريب وهو شيخ ليس بذلك وقال الدارقطني غريب تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث المذكور وجزم البغوي بضعف الحديث جدا وقال ابن حزم خبر لا يصح وقال الذهبي فيه الحارث بن وجيه واه وإنما يروى من قول أبي هريرة رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر مداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جدا قال الشافعي هذا الحديث غير ثابت وقال البيهقي أنكره البخاري وغيره إلى هنا كلامه وبعد أن استبان لك شدة ضعفه علمت أن المصنف لم يصب في إيثاره وإهمال ما هو بمعناه وهو حديث صحيح كما جزم به ابن حجر وهو خبر أبي داود وابن ماجه عن علي مرفوعا : من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا الحديث بتمامه . 2260 - (إن جزءا من سبعين جزءا من النبوة) وفي رواية أقل فالعدد إما للمبالغة في أكثره أو مختلف باختلاف الناس وقد مر (تأخير السحور) بضم السين أي تأخير الصائم الأكل بنيته إلى قبيل الفجر ما لم يقع في الشك (وتبكير الفطر) يعني مبادرة الصائم إلى الفطر بعد تحقق الغروب (وإشارة الرجل) يعني المصلي ولو أنثى أو خنثى فذكر الرجل وصف طردي (بأصبعه في الصلاة) لعل المراد به رفع السبابة في التشهد عند قوله إلا الله فإنه مندوب وهل يحركها وجهان للشافعية الأصح عندهم المنع قال الفارسي والتبكير هنا الإسراع والتعجيل ولم يرد تكرر الغدو والصباح (عب عد) وكذا الطبراني (عن أبي هريرة) وفيه عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي حازم قال في الميزان عمرو أو أبو حازم لا يعرف . 2261 - (إن جهنم (1) تسجر) بسين مهملة فجيم توقد ومنه البحر المسجور * (وإذا البحار سجرت) * [ التكوير : 6 ] (إلا يوم الجمعة) بالنصب أي فإنها لا تسجر فيه وسره أنه أفضل الأيام عند الله ، ويقع فيه من العبادة والابتهال ما يمنع من سجر جهنم فيه ولذا تكون معاصي أصل الإيمان فيه أقل منها في غيره حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره قال البعض والظاهر أن المراد منه سجر جهنم في الدنيا وأنها توقد في كل يوم إلا يوم الجمعة وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما ما (تنبيه) قال القرطبي عقب إيراده هذا الحديث ولهذا المعنى كانت النافلة جائزة في يوم الجمعة عند قائم الظهيرة دون غيرها من الأيام (د عن أبي قتادة) (1) وأوله كما في أبي داود عن أبي قتادة عن النبي (ص) أنه كرر الصلاة نصف النهار أي وقت الاستواء إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة . (*)
[ 566 ]
الأنصاري ظاهر سكوت المصنف عليه أن مخرجه أقره والأمر بخلافه بل أعله بالانقطاع كما نقله الحافظ العراقي وغيره وأقروه فسكوت المصنف عنه غير صواب . 2262 - (إن حسن الخلق) بالضم (ليذيب الخطيئة) أي يمحو أثرها ويقطع خبرها (كما تذيب الشمس) أي حرارة ضوئها (الجليد) (1) وهو كما في الصحاح ندى يسقط من السماء فيجمد على الأرض قال الزمخشري ومن المجاز لك جامد هذا المال وذائبه قال الغزالي الخلق الحسن أفضل أعمال الصديقين وهو على التحقيق شطر الدين وهو ثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) ابن مالك . 2263 - (إن حسن الظن بالله) أي بأن يظن أن الله يغفر له ويعفو عنه (من حسن عبادة الله) تعالى أي حسن ظنه به من جملة حسن عبادته فيظن أنه يعطف على ضعفه وفقره ويكشف ضره ويغفر ذنبه بجميل صفحه فيعلق آماله به لا بغيره ويحتمل أن معنى من حسن العبادة أنه كلما أحسن الأدب في عبادة ربه حسن ظنه بأنه يقبلها وكل ما شاهد توفيقه لفعلها حسن ظنه في عفوه عن زللها ومن لا يحسن أدبه في خدمة ربه يتوهم أنه يحسن الظن وهو مغرور * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * [ فاطر : 5 ] فيراه يأتي بصورة عبادة بغير أدب ويؤمل القبول ويسئ الظن بسيده في ضمان رزقه فيحرص عليه ويأخذه من غير حله ويسئ الظن به في الشدائد فيفزع إلى غيره ويسئ الظن به في الخلق فلا ينفق في طاعته ويحقق ظن عدوه وشيطانه فيستجيب له في بخله فهو مطلوب محبوب لكن مع ملاحظة مقام الخوف فيكون باعث الرجاء والخوف في قرن أي إن لم يغلب القنوط وإلا فالرجاء أولى ولا أمن من المكر وإلا فالخوف أولى ثم هذا كله في الصحيح أما المريض لا سيما المحتضر فالأولى في حقه الرجاء (حم ت ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي عليه . 2264 - (إن حسن العهد) أي الوفاء والخفارة ورعاية الحرمة (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان ومن خصائلهم أو من شعب الإيمان ويكفي الموفي بالعهد مدحا وشرفا قول من علت كلمته والموفون بعهدهم إذا عاهدوا وقد تظافرت على حسن العهد مع الإخوان والخلان أهل الملل والنحل (1) الجديد بالجيم وآخره مهملة بوزن فعيل الماء الجامد يكون في البلاد الشديدة البرد والمراد بالخطيئة الصغيرة . (*)
[ 567 ]
وأعظم الناس وفاء بذلك ومحافظة عليه وإن تقادم عهده : الصوفية ، وأنشد بحضرة العارف الشاذلي : رأى المجنون في البيداء كلبا * * فجر له من الإحسان ذيلا فلاموه لذاك وعنفوه * * وقالوا لم أنلت الكلب نيلا فقال دعوا الملامة إن عيني * * رأته مرة في حي ليلي فقال له كرر فلم يزل يتواجد وينتحب ثم قال جزاك الله خيرا يا بني على وفائك بعهدك إن حسن العهد من الإيمان والعهد لغة له معان منها حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال والمراد هنا عهد المعرفة المتقدمة (ك) في الإيمان (عن عائشة) قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز فقال من أنت قالت جثامة المزنية قال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعد ذا قالت بخير فلما خرجت قلت تقبل هذا الإقبال على هذه قال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان قال الحاكم على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي . 2265 - (إن حقا على الله أن لا يرتفع شئ من أمر الدنيا إلا وضعه) أي أن عدم الارتفاع حق على الله تعالى فعل متعلق بحقا وأن لا يرتفع خبر إن وأن مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة ويمكن أن يقال على صفة حقا أي حق ثابت على الله قاله الطيبي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما سبقت ناقته العضباء كانت لا تسبق (1) وهذا تزهيد في الدنيا وحث على التواضع وهوانها عند الله تعالى وتنبيه على ترك الفخر والمباهاة وأن كل ما هان على الله ففي محل الصنعة قال بعض العارفين إن كنت أنت ذلك الشئ فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أنه تعالى إذا وضعه يضعه في النار ، قال ابن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والفخر وأن كل شئ هان على الله في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيها . حكي أن رجلين تنازعا في جدار فأنطق الله لبنة منه فقالت كنت ملكا ألف سنة ثم صرت رميما ألفا فأخذت مني خزفا فانكسرت فاتخذت مني لبنا وأنا في هذا الجدار منذ كذا فلما تنازعا قال البوني سره أنه لما كان من ملوك الدنيا الفانية جعله الله في أحقر الدرجات إذ الأكثرون هم الأقلون والأعظمون هم الأحقرون بوم القيامة (حم خ) في الجهاد (د) في الأدب (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر ما عز شئ إلا وهان فلا أصل له كما قال السخاوي وما ذكره في معناه . (1) وفي الحديث اتخاذ الابل للركوب المسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للارشاد إلى أن كل شئ منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي (ص) وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وعظمته في صدور أصحابه . (*)
[ 568 ]
2266 - (إن حقا على المؤمنين أن يتوجع) أي يتألم (بعضهم لبعض) مما ناله بنحو مصيبة (كما يألم الجسد الرأس) أي كما يألم وجع الجسد الرأس فإن الرأس إذا اشتكى اشتكى البدن كله بالحمى وغيرها فكذلك المؤمنون حقا إذا اشتكى بعضهم حق لهم التألم لأجله كلهم فالمؤمنون بأجمعهم جسد واحد كإنسان أحد اشتكى بعضه فتداعى كله فكذا المؤمن إذا أصيب أخوه بمصيبة فكأنه أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبت أخوة الإيمان بينه وبينهم فإنه تعالى قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان (أبو الشيخ) في كتاب (التوبيخ عن محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء وبالمعجمة المدني من حلفاء الأوس وأبوه من سبي بني قريظة (مرسلا) أي هو تابعي أرسل عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة وعائشة وابن الأرقم وغيرهم قال في الكاشف ثقة حجة . 2267 - (إن حوضي من عدن) بفتحتين بلد باليمن مشتق من عدن بالمكان أقام (إلى عمان) بفتح العين وشد الميم مدينة قديمة من أرض الشام (البلقاء) أي بالبلقاء بضم وتخفيف موضع عند البحرين وفي رواية بدل هذا من أيلة إلى عدن وفي أخرى ما بين أذرح وجرباء وفي رواية ما بين الكعبة وبيت المقدس (ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) لم يقل من السكر لأنهم لم يكونوا يعرفونه ولا كان ببلادهم مع ما تميز به العسل من المنافع التي لا تكاد تحصى (أكواب) جمع كوب بالضم الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له (عدد النجوم) أي نجوم السماء (من يشرب منه شربة لم يظمأ (1) بعدها أبدا) قال القرطبي ظاهره أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من الأهوال إذ من وصل لمحل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعاد للحساب أو يذوق نكال العذاب ، فالقول به أوهى من السراب (أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا) أي المغبرة رؤوسهم (الدنس ثيابا) أي الوسخة أثوابهم (الذين لا ينكحون) النساء (المتنعمات) بمثناة فنون فعين مهملة شديدة وفي رواية المنعمات بنون فعين مشددة وما ذكره من أن لفظ الحديث المتنعمات أو المنعمات هو ما في نسخ لا تحصى لكن رأيت في نسخة المصنف بخطه المتنعمات والظاهر أنه سبق قلم (ولا تفتح لهم السدد) جمع سدة وهي كالظلة على الباب لوقاية نحو (1) الظمأ مهموز العطش قيل إن الشرب منه يكون بعد الحساب الخ وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له بالسلامة من النار ويحتمل أن من شرب منه من هذه الامة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالعطش بل يكون عذابه بغير ذلك لان ظاهر الحديث أن جميع الامة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرا والعياذ بالله . (*)
[ 569 ]
مطر أو الباب نفسه أو الساحة أمامه أو الصفة أو السقيفة وأيا ما كان فالمراد لا يؤذن لهم في الدخول على الكبراء ولا يؤهلون لمجالسة نحو الأمراء (الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون) بضم أوله بضبط المصنف (الذي لهم) أي الحق الذي لهم لضعفهم وإزراء الناس بهم واحتقارهم لهم (تنبيه) في فروع الحنابلة أن في قوله ماؤه أشد بياضا من اللبن دليل على خلاف ما عليه قوم أن الماء لا لون له ذكره ابن هبيرة (تنبيه) قال القرطبي أخذا من كلام حجة الإسلام ظن بعضهم أن التحديد أن في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف وليس كذلك وإنما تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبا لكل قوم بما يعرفه من مسافات مواضعها فقال لأهل الشام ما بين أذرح وجرباء لأهل اليمن من عدن إلى عمان وهكذا وتارة يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر والمعنى المراد أنه حوض كبير متسع الأرجاء والزوايا فكان ذلك يحسب من حضره ممن يعرف ذلك الجهات وليس الحوض على وجه هذه الأرض بل وجوده في الأرض المبدلة على مسافة هذه الأقطار وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد (حم ت ه عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر ابن عبد العزيز أبا سلام الحبشي على البريد حتى شافهه بهذا الحديث فقال عمر رضي الله عنه لكني نكحت المنعمات وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي على جسدي حتى يتسخ . 2268 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة) أي يترصدون دخول الأوقات بها (لذكر الله) أي لأجل ذكره (تعالى) من الأذان للصلاة ثم لإقامتها ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة وقال في البرهان في المراعاة أمور ظاهرة وأمور باطنة أما الظاهرة فالرؤية بحاسة البصر في الطلوع والتوسط والغروب والحركة فإذا تأمله المتأمل ذكر الله وسبحه ومجده بتحقيق سيما إذا أطلعه الله على أسرار نتائجها وأفعالها ومن اشتغل عنها مما يدل على أحكام القدرة الأزلية في المصنوعات المترتبة على الأسباب وعن علي أن رجلا أتاه فقال أريد الخروج لتجارة وكان في محاق الشهر فقال تريد أن يمحق الله تجارتك استقبل الشهر بالخروج (طب ك) في الإيمان (عن ابن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجال الطبراني موثقون وقال المنذري رواه ابن شاهين وقال تفرد به ابن عيينة عن مسعود وهو حديث غريب صحيح . 2269 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الموفون) لله بما عاهدوه (المطيبون) بالبناء للمفعول
[ 570 ]
أي القوم الذين غمسوا أيديهم في الطيب وتحالفوا عليه وذلك أن بني هاشم وزهرة وتميم اجتمعوا في الجاهلية في دار ابن جدعان وغمسوا أيديهم في الطيب وتعاهدوا وتعاقدوا على إغاثة الملهوف ونصر المظلوم وحضر ذلك معهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو حين ذاك طفل فوفوا بما عاهدوا الله عليه فأثنى في هذا الخبر عليهم بإخباره بأنهم من خيار الخلق الموفين بالعهود والظاهر أنهم أدركوا البعثة وأسلموا ويحتمل أنه أراد بالمطيبين هنا من جرى على منهجهم من أمنه في الوفاء بالعهود (طب حل عن أبي حميد الساعدي حم عن عائشة) . 2270 - (إن خياركم) أي من خياركم (أحسنكم قضاء) للدين أي الذين يدفعون أكثر مما عليهم ولم يمطلوا رب الدين ويوفوا به مع اليسار ومفهومه أن الذي يمطل ليس من الخيار وهو ظاهر لأن المطل للغني ظلم محرم بل هو كبيرة إن تكرر بل قال بعضهم وإن لم يتكرر وقوله قضاء تمييز وأحسنكم خبر خياركم واستشكاله بأن المبتدأ بلفظ الجمع والخبر بالإفراد مع أن التطابق بينهما واجب مجاب باحتمال كونه مفردا بمعنى المختار وبأن أفعل التفضيل المضاف المقصود به الزيادة ويجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له والمراد الخيرية في المعاملات (حم ن ه عن أبي هريرة) قال كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فتقاضاه فقال أعطوه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خياركم فذكره . 2271 - (إن ربك) تعالى (ليعجب) من العجب ومعناه الحقيقي مستحيل عليه تقدس وتعالى كما سبق فيؤول كما يليق بالمقام (من عبده إذا قال) في دعائه (رب اغفر لي ذنوبي) فيقول الله تعالى قال عبدي ذلك (وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) أي فإذا دعاني وهو يعتقد ذلك غفرت له ولا أبالي ووجه التعجب هنا أن المؤمن أعرض عن الأسباب مع قربها منه وقصر نظر عين بصيرته على سببها وجاهد النفس والشيطان في استدعائهما من طلب الغفران من الأوثان فالعجب من صبره مع ضعفه على محاربة الأعداء حتى لم يشرك بعبادة ربه أحدا (د) في الجهاد (ت) في الدعوات (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي حسن صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي أيضا . 2272 - (إن رجالا يتخوضون) بمعجمتين من الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التصرف في الشئ أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين من نحو فئ وغنيمة (بغير)
[ 571 ]
قسمة بل بالباطل بلا تأويل صحيح واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بقسمة أو غيرها لكن تخصيصه بالقسمة هو ما دلت عليه أخبار أخر (فلهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة (1) خبر إن محذوف وأدخل الفاء لأن اسمها نكرة موصوفة بالفعل وفيه ردع للولاة أن يتصرفوا في بيت المال بغير حق قال الراغب الخوض الشروع في الماء والحدور فيه ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد فيما يذم شرعا بنحو * (ذرهم في خوضهم يلعبون) * [ الانعام : 9 ] اه وقال الزمخشري من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي يبطل مع المبطلين (خ) في الخمس (عن خولة) الأنصارية زوجة حمزة ابن عبد المطلب أو غيرها وليس لها في البخاري إلا هذا الحديث ولم يخرجه مسلم . 2273 - (إن روح القدس) أي الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام سمي به لأنه يأتي بما فيه حياة القلب فإنه المتولي لإنزال الكتب الإلهية التي بها تحيا الأرواح الربانية والقلوب الجسمانية فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ لحياة الجسد وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة من العيوب وخص بذلك وإن كانت جميع الملائكة كذلك لأن روحانيته أتم وأكمل ذكره الإمام الرازي قال وإطلاق الروح عليه مجاز لأن الروح هو المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه وجبريل عليه السلام لا كذلك فتسميته بالروح على منهج التشبيه من حيث أن الروح كما أنه سبب لحياة الإنسان فجبريل سبب لحياة القلوب بالعلوم والمعارف وقال الحرالي الروح لمحة من لمحات الله وأمر الله قيومته في كليته خلقا وملكوتا فما هو قوام الخلق كله هو الإله الحق وما هو قوام صوره من جملة الخلق هو الروح الذي هو لمحة من ذلك الأمر ولقيام عالم الملكوت وخصوصا حملة العرش بعالم الملكوت وخصوصا أمر الدين الباقي سماهم الله روحا ومن أخصهم روح القدس والقدس الطهارة العلمية الدائمة التي لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن (نفث) بفاء ومثلثة تفل بغير ريق (في روعي) بضم الراء أي ألقى الوحي في خلدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه ولا أراه والنفث ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين . أما الروع بفتح فهو الفزع لا دخل له هنا (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد (وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال إن قسم فلا تعجل وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبدا بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن (1) فيه إشعار بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي . (*)
[ 572 ]
أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله (1) فإن الله تعالى لا ينال عنده) من الرزق وغيره (إلا بطاعته) قال الطيبي رحمه الله : والاستبطاء يعني الإبطاء والسير للمبالغة وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد (2) لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام فقوله ما عنده إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام وقوله أن يطلبه بمعصية إشارة إلى ما عند الله إذا طلب بمعصية سمي حراما وقوله إلا بطاعته إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقا والكل من عند الله تعالى خلافا للمعتزلة روي أنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى * (وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) * [ الذاريات : 23 ] قالت الملائكة هلكت بنو آدم أغضبوا الرب حتى أقسم لهم على أرزاقهم قال الرافعي رحمه الله واحتج به الشافعي رضي الله عنه على أن من الوحي ما يتلى قرآنا ومنه غيره كما هنا وله نظائر انتهى ثم إن النفث المذكور هو أحد أنواع الوحي فإنه ستة أنواع أحدها كان يأتيه كصلصلة الجرس وهو أشد ، جاءه مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقل على زيد حتى كاد يرض فخذه ، الثاني يتمثل له الملك رجلا فيكلمه الثالث النومية الرابع الإلقاء في القلب الخامس يأتيه جبريل عليه السلام في صورته الأصلية له ستمائة جناح تسد الأفق السادس يكلمه الله تعالى كما كلمه ليلة الإسراء وهو أسمى درجاته (تنبيه) جعلهم نفخ الروح في الروع من أقسام الوحي يؤذن باختصاصه بالأنبياء لكن صرح العارف ابن عربي رضي الله عنه بأنه يقع للأولياء أيضا وعبارته العلوم ثلاث مراتب علم العقل وهو كل علم يحصل ضرورة أو عقب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل الثاني علم الأحوال ولا سبيل له إلا بالرزق فلا يمكن عاقل وجدانه ولا إقامة دليل معرفة كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والوجد والشوق فهذه علوم لا يعلمها إلا من يتصف بها ويذوقها الثالث علم الأسرار وهو فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع ويختص به النبي والولي وهو نوعان والعالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها وليس أصحاب تلك العلوم كذلك انتهى (حل عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه أيضا الطبراني ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم عن ابن مسعود ورواه البيهقي في المدخل وقال منقطع . 2274 - (إن روحي المؤمنين) تثنية مؤمن (تلتقي) (3) كذا هو بخط المصنف لكن لفظ رواية (1) أي على طلبه بمعصيته فلا يطلبوه بها وإن أبطأ عليكم وهذا وارد مورد الحث على الطاعة والتنفير من المعصية فليس مفهومه مرادا . (2) فائدة : ذكر المقريزي أن بعض الثقات أخبره أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهما منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا فسقطت فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر وكسروها فوجدوها سالمة من السوس كأنها كما حصدت فأكل كل منهم قطعة فكانت ادخرت لها من زمن فرعون فإن حائط العجوز بنيت عقب غرقه فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها . (3) أي كل منهما بعد الموت بالاخرى . (*)
[ 573 ]
الطبراني ليلتقيان (على مسيرة يوم وليلة) أي على مسافتها (وما رأى) والحال أنه ما رأى (واحد منهما وجه صاحبه) في الدنيا أي ذاته فإن الأرواح إذا خلصت من كدورات النفس وخلعت ملابس اللذات والشهوات وترحلت إلى ما منه بدت وانفكت من هذه القيود بالموت تصير ذات سطوع في الجو فتجول وتحول إلى حيث شاءت على أقدارهم من السعي إلى الله أيام الحياة فإذا تردت هكذا سمعت وأبصرت أحوال الدنيا والملائكة فإذا ورد عليهم خبر ميت من الأحياء تلقاه من بينه وبينه تعارف بالمناسبة وإن لم يره في الدنيا في ذلك الفضاء على تلك المسافات وأكثر وتحدث معه وسأله عن الأخبار فسبحان الواحد القهار قال في علم الهدى : الاجتماع في عالم الأرواح أبلغ بلا نهاية له من الاجتماع في عالم الأجسام وخرج بالمؤمنين الكافران لأنهما مشغولان بالعذاب بل جعل ابن القيم الكلام في الأرواح المنعمة قال أما المعذبة ولو من المؤمنين فهم في شغل بما هم فيه عن التلافي فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة هي التي تتلاقى وتزاور وتتذكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا ويكون كل ذي روح مع رفيقها الذي على مثل عملها (خد طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي ورجاله وثقوا على ضعف فيهم اه . وأقول فيه ابن لهيعة وفيه ضعف ودراج قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال أحمد أحاديثه مناكير . 2275 - (إن زاهرا) بن حرام بالفتح والراء كان بدويا من أشجع الناس لا يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية (باديتنا) أي ساكن باديتنا أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها فصار كأنه باديتنا أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا فأغنانا عن الرحيل أو هو من إطلاق اسم المحل على الحال أو تأوه للمبالغة وأصله باديتنا ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك (ونحن حاضروه) أي نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان ذميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فعرفه فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدره وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال إذن يا رسول الله تجدني كاسدا قال لكنك عند الله لست كاسدا (البغوي) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه أيضا الترمذي وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم وقال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح اه . فما أوهمه عدول المصنف للبغوي واقتصاره عليه من عدم وجوده لأحد من المشاهير الكبار غير صواب . 2276 - (إن ساقي القوم) ماء أو لبنا وألحق بهما ما يفرق على جمع كلحم وفاكهة ومشموم (آخرهم شربا) وتناولا لما ذكر أي تأخيره الشرب إلى أن يستوعبهم بالسقي أبلغ في الأدب وأدخل في مكارم الأخلاق وحسن العشرة وجميل المصاحبة وهذا قاله لما عطشوا في سفر فدعا بماء قليل فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة اشرب فقال لا أشرب حتى تشرب فذكره (حم م عن أبي قتادة) الأنصاري .
[ 574 ]
2277 - (إن سبحان الله) أي قول سبحان الله بإخلاص وحضور ذهن وهكذا في الباقي (والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض) أي تسقط (الخطايا) عن قائلها (كما تنفض) تسقط (الشجرة ورقها) عند إقبال التناسل به تحقيقا لمحو جميع الخطايا وسيجئ ما يعلم به أن المراد بهذا وما أشبهه الصغائر لا الكبائر والنفض كما في الصحاح وغيره تحريك الثوب ونحوه ليزول عنه الغبار ونفض الورق من الشجر حركه ليسقط واستعمال النفض هنا مجاز قال الزمخشري من المجاز نفضته الحمى وانتفض من الرعدة وانفض القوم فني زادهم وثوب نافض قد ذهب صبغه ونفض من مرضه نفوضا برئ منه (حم خذ عن أنس) بن مالك . 2278 - (إن سعدا) أي ابن معاذ سيد الأنصار (ضغط) بالبناء للمفعول يضبط المصنف أي عصر وضيق عليه (في قبره) حين دفن (ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه) فاستجاب دعائي وروخى عنه كما في خبر آخر وإذا كان هذا لمعاذ زعيم الأنصار المقتول شهيدا بسهم وقع في أكحله في غزوة الخندق فما بالك بغيره ؟ نسأل الله السلامة قال في الصحاح ضغطه زحمه إلى حائط ونحوه ومنه ضغطة القبر بالفتح وأما الضغطة بالضم فالشدة والمشقة وقال الزمخشري ضغط الشئ عصره وضيق عليه وأعوذ بالله من ضغطة القبر وضغطته إلى الحائط وغيره فانضغط وقال ومن المجاز فعل ذلك الأمر ضغطة قهرا واضطرارا (طب عن ابن عمر) بن الخطاب . 2279 - (إن سورة من القرآن) أي من سوره والسورة الطائفة من القرآن كما سبق (ثلاثون) في رواية ما هي إلا ثلاثون (آية شفعت لرجل) أي فيه وقد كان لازم على قراءتها فما زالت تسأل الله فيه وفي رواية بدل لرجل لصاحبها (حتى غفر له) حتى أخرجته من النار (وهي) سورة (تبارك) تعالى عن كل النقائص (الذي بيده) بقبضته قدرته (الملك) أي التصرف في كل الأمور وفي الإبهام أولا ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل إن سورة تبارك شفعت إلخ لم تكن بهذه المثابة والتنكير في رجل للإفراد أي شفعت لرجل من الرجال ولو ذهب إلى أن شفعت بمعنى تشفع كما في * (ونادى أصحاب الجنة) * [ الاعراف : 4 ] لكان له اتجاه وهذا حث لكل أحد على مواظبة قراءتها لينال شفاعتها ثم إثبات الشفاعة للقرآن إما على الحقيقة أو على الاستعارة والأول هو ما عليه أهل الحقيقة فقد قال العارف ابن عربي رضي الله عنه الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلمون وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح
[ 575 ]
العالم لسانا وأوضحه بيانا وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف إلى هنا كلامه وهذا الحديث احتج به من ذهب إلى أن البسملة ليست آية من القرآن لإجماع القراء على أنها ثلاثون آية غير البسملة وأجيب بأن المراد ما بعد البسملة لأنها غير مختصة بهذه السورة وباحتمال أن يكون ذلك قبل نزول البسملة وبأن راوي الخبر أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله (حم عد حب ك عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وورد في فضل هذه السورة أحاديث صالحة للاحتجاج حتى في غير الفضائل منها ما رواه ابن حجر رحمه الله في أماليه عن عكرمة وقال حسن غريب قال لرجل ألا أطرفك بحديث تفرح به اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وولدك وجيران بيتك فإنها المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها وتطلب إليه أن تنجيه من النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر قال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي قال الحافظ حسن غريب وظاهر سياقه وقفه لكن آخره يشعر برفعه . 2280 - (إن سياحة) بمثناة تحتية (أمتي) ليست هي مفارقة الوطن وهجر المألوفات وترك اللذة والجمعة والجماعات والذهاب في الأرض والانقطاع عن النساء وترك النكاح للتخلي للعبادة بل هي (الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الجبار وهذا وقع جوابا لسائل شجاع باسل استأذن في السياحة في زمن تعين فيه الجهاد أما السياحة لغير من ذكر في غير ما زبر في الفلوات والانسلاخ عن رعونات النفس وتجرع فرقة الوطن والأهل والغربة لمن يصير على ذلك محتسبا قاطعا من قبله العلائق الشاغلة من غير تضييع من يعوله ففضلها لا ينكر فتدبره (د ك هب) عن أبي أمامة قال قال رجل يا رسول الله ائذن لي في السياحة فذكره ، قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ، قال النووي رحمه الله في رياضه ثم العراقي إسناده جيد . 2281 - (إن شرار أمتي) أي من شرارهم (أجرؤهم على صحابتي) أي من شرارهم من يتجرأ عليهم ويذكرهم بما لا يليق بعلي منصبهم ويطلق لسانه بذمهم أو الطعن فيهم فإن ذلك حرام شديد التحريم فالجرأة عليهم علامة على كون المجترئ من الأشرار والتأدب معهم علامة على كون فاعله من الأخيار قالوا والحق تعظيم جمع الصحب والكف عن الطعن فيهم سيما المهاجرين والأنصار لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم وتوقف على المرتضى عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كان لحزنه وعن نصرة عثمان لعدم رضاه وعن قبول بيعته لإعظام الحادثة وعن قصاص القتلى لشركتهم أو لأنه رأى عدم مؤاخذة البغاة لما أتلفوا من الدم والمال وتوقف الجماعة عن الخروج معه إلى الحروب كان لاجتهاد منهم وعدم إلزام منه لا لنزاع في إمامته والمصيب في حرب الجمل والخوارج علي والمخالفون بغاة لا كفرة ولا فسقة لما لهم من الشبهة (عد عن عائشة) أم المؤمنين بسند ضعيف .
[ 576 ]
2282 - (إن شر الرعاء) بالكسر والمد جمع راع والمراد هنا (الأمراء الحطمة) كلمزه الذي يظلم رعيته ولا يرحمهم من الحطم الكسر يقال راع حطمة إذا كان قليل الرحمة للماشية وهذا من أمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم استعار للوالي الرعي وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم وقيل هو الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه فإن من هذا دأبه يكون دين النفس ظالما بالطبع شديد الطمع فيما في أيدي الناس (1) (حم م) في المناقب (عن عائذ) بعين مهملة ومثناة تحتية وذال معجمة (عن عمير) تصغير عمر ممن شهد بيعة الرضوان وكان من صالحي الصحب دخل على ابن زياد قال أي بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال إياك أن تكون منهم فقال اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل لهم نخالة إنما النخالة من بعدهم . 2283 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس شره) فإن قيل الناس عام في قوله إن شر الناس فيلزم كون المسلم الذي يخاف شره أدنى منزلة من الكافر فالجواب أن من في قوله من يخاف عام يتناول المسلم والكافر لأن الكفار كلهم أعداء يتقى شرهم فالمسلم الذي يخاف شره مشارك للكافر في كونه شر الناس غايته أن الكافر أشد شرا كما يقال أحسن الأشياء العلم مع أن بعض أفراده كالشرعي أحسن فالمراد من قوله شر الناس أي من شرهم فحذفت من وهي مرادة كذا قرره الأكمل وأولى منه قول ابن الكمال أن الكافر خارج عن حيز الخير بالكلية بقوله عند الله فإنه بمعزل عن الدنو منه بالكلية على ما وقع الإفصاح عنه في الخبر المار بقوله إن الله يدني المؤمن إلخ انتهى وعليه فلا حاجة لتقدير ولا إضمار (طس عن أنس) بن مالك أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه شرا فرحب به فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال الهيثمي فيه ابن مطر ضعيف جدا انتهى وفي الميزان عثمان هذا ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها . 2284 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه) أي لأجل قبيح فعله وقوله أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا أو فعلا وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا (1) وقيل هو العنيف الذي لا رفق عنده وفي النهاية هو العنيف برعاية الابل في السوق والايراد . (*)
[ 577 ]
والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا بنحو رفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر : ووضع الندا في موضع السيف بالعدا * * مضر كوضع السيف في موضع الندا (تنبيه) قال بعضهم أخذ من هذا الخبر وما قبله أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر (ق د) ثلاثتهم في الأدب (ت) في البر كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قالت استأذن رجل أي وهو عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس انبسط له فلما انطلق سألته عائشة فذكره . 2285 - (إن شهابا اسم شيطان) يحتمل إبليس ويحتمل غيره أي فلا ينبغي التسمي به قال ابن القيم فيكره التسمي بأسماء الشياطين لذلك وسيجئ لها مزيد تقرير فيما بعد إن شاء الله تعالى والشهاب كما في الصحاح وغيره شعبة من النار ساطعة فهو اسم مناسب لمسماه (1) (هب عن عائشة) رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقال له شهاب قال بلى أنت هشام ثم ذكره . 2286 - (إن شهداء البحر) أي من مات بسبب قتال الكفار فيه (أفضل عند الله من شهداء البر) أي أكثر ثوابا وأرفع درجة عنده منهم لأن راكب البحر يتعرض للهلاك من وجهين قتال الكفار والغرق فهو على النفس أشق ولم يكن العرب تألفه بل ولا تعرفه فحثهم عليه وبين لهم أفضليته على ما ألفوه لما فيه من المشقة وبما تقرر علم أنه ليس المراد بشهيد البحر الغريق لأن شهيد المعركة أفضل اتفاقا واحتج به من فضل غزو البحر على البر قال ابن عبد البر ولا تقوم به حجة لضعفه قال الراغب والبحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير اه وفي الكشاف ما محصوله أنه حيث أطلق إنما يراد به المالح اه لكن الظاهر أن المراد في الحديث ما يشمل الأنهار العظام كالنيل (طب عن سعيد بن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون قال الهيثمي وفيه من لم أعرفهم . (1) ونهى عن التسمي بالحباب وقال إنه اسم شيطان فيكره التسمي بأسماء الشياطين وفي ابن أبي شيبة عن مجاهد عطس رجل عند ابن عمر فقال أشهب قال له أشهب وضعه إبليس بين العطسة والحمدلة . (*)
[ 578 ]
2287 - (إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض) أي صومه كما في الفردوس (لا يرفع إلى الله تعالى رفع قبول إلا) مصحوبا (بزكاة الفطر) أي بإخراجها فقبوله والإثابة عليه متوقفة على إخراجها على ما اقتضاه ظاهر اللفظ ويحتمل أن المراد لا يرفع رفعا تاما مرضيا بل بعضا منه ويثاب عليه ثوابا لا يبلغ ثواب من أدى زكاة الفطر بل يكون دونه في الجزالة (ابن صصري) قاضي القضاة (في أماليه) الحديثية (عن جرير) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جرير المذكور وفيه ضعف . 2288 - (إن صاحب السلطان) أي ذا السلطان وهو الوالي والمراد المصاحب له المدخل في الأمور (على باب عنت) أي واقف على باب خط شاق يؤدي إلى الهلاك قال في الصحاح : العنت الوقوع في أمر شاق وذلك لأن صحبته تحوج إلى مراعاته ومراءاته ومداهنته والثناء عليه بما هو مرتكبه (إلا من عصم الله) أي حفظه ووقاه فمن أراد السلامة لدينه فليتجنب الأمراء أو فليتجنب قربهم ويفر منهم كما يفر من الأسد (1) لكن لا ينبغي احتقار السلطان ولو ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال سهل رضي الله عنه من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق من دعاه يجبه فهو مبتدع ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل يريد الباطل (البارودي) بفتح الموحدة وسكون الراء وآخره دال مهملة نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها أيبورد كما مر (عن حميد) هو في الصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه . 2289 - (إن صاحب الدين) بفتح الدال (له سلطان) أي سلاطة ونفاذ حكم (على صاحبه) أي المديون الموسر من السفر (د عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال : جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم بعض الكلام فهم أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه ثم ذكره . 2290 - (إن صاحب المكس في النار) يعني العاشر الذي يأخذ المكس من قبل السلطان يكون يوم القيامة في نار جهنم أي مخلدا فيها إن استحله لأنه كافر وإلا فيعذب فيها مع عصاة المؤمنين ما شاء (1) ومن ثم قيل مخالط السلطان ملاعب الثعبان . (*)
[ 579 ]
الله ثم يخرج ويدخل الجنة وقد يعفى عنه ابتداء (حم طب) من حديث أبي الخير عن رويفع بالفاء (ابن ثابت) بن السكن بن عدي بن حارثة الأنصاري المدني صحابي سكن مصر وولى أمرة برقة قال أبو الخير عرض مسلمة بن مخلد وكان أميرا على مصر على رويفع أن يوليه العشور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وفيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف . 2291 - (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم) ست ساعات يحتمل أن المراد الفلكية ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطئ) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية واستغفر الله منها أي طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) بالبناء للمفعول يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي خطيئة واحدة بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا * (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) * [ البقرة : 178 ] وهذه إحدى روايات الطبراني ولفظ الرواية الأخرى ستجئ في حرف الصاد وفي أثر نقله الغزالي ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به وسقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول لهما الله كفا عنه وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه ولو خلقتماه لرحمتماه فأغفر له لعله يعمل صالحا فأبدله حسنات فذلك معنى قوله تعالى * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * [ فاطر : 41 ] (طب عن أبي أمامة) قاله الهيثمي رواه الطبراني بأسانيد أحدها رجاله وثقوا . 2292 - (إن صاحبي الصور) هما الملكان الموكلان به قال ابن حجر اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام ونقل الحلبي فيه الإجماع فلعله ميز على الآخر فلذلك أفرد بالذكر في الرواية وإن كانا إثنين (بأيديهما قرنان) تثنية قرن بالتحريك ما ينفخ فيه والمراد بيد كل واحد منهما قرن (يلاحظان النظر متى يؤمران) بالنفخ فيهما من قبل الله تعالى أي هما متوقعان بروز الأمر بالنفخ في كل وقت متأهبان مستعدان لذلك (1) واللحاظ النظر بمؤخر العين (ه عن أبي سعيد) الخدري وفيه عباد بن عوام قال في الكاشف قال أحمد حديثه عن ابن أبي عروبة مضطرب . (1) أي لعلمهما بقرب الساعة قال الشيخ بعد كلام وفي أبي الشيخ عن وهب خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة وفي أبي داود والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم أن أعربيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال قرن ينفخ فيه ولفظ الطبرني كيف أنتم وصاحب الصور قد التقمه ينتظر متى يؤمر وفي رواية (*)
[ 580 ]
2293 - (إن صدقة السر تطفئ غضب الرب) فهي أفضل من صدقة العلن * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * [ البقرة : 271 ] وفائدة الإخفاء الخلوص من آفة الرياء والسمعة وقد بالغ في قصد الإخفاء جمع حتى اجنهد أن لا يعرف القابض من المعطي توسلا إلى إطفاء غضب الرب (وإن صلة الرحم) أي الإحسان إلى القرابة (تزيد من العمر) أي هي سبب لزيادة البركة فيه (وإن صانع المعروف) جمع صنيعة وهي كما في المصباح وغيره ما اصطنعته من خير (تقي مصارع السوء) أن تحفظ منها (وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها) أي قائل كلمة الشهادة وكان القياس قائله لأن الضمير فيه للقول لكن أنثه باعتبار الشهادة أو الكلمة (تسعة وتسعين) بتقديم التاء على السين فيهما (بابا) يعني نوعا (من البلاء) أي الإمتحان والإفتتان (أدناها) أي أقل تلك الأنواع (الهم) فالمداومة عليها تزيل الهم والغم وتملأ القلب سرورا وانشراحا وفرحا وانبساطا والظاهر أن المراد بالتسعة وتسعين التكثير لا التحديد على منوال ما مر غير مرة (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه الطبراني في الأوسط عن معاوية بن حيدة بسند ضعيف . 2294 - (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته) بضم الخاء طول صلاته بالنسبة إلى قصر خطبته فليس المراد طولها في نفسها بحيث يشق على المقتدين فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالتخفيف (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفعلة بنيت من إن المكسورة المشددة فإنها لشدة مشابهتها الفعل لفظا ومعنى أجريت مجراه في بناء الكلمة منها ومن أغرب ما قيل فيها إن الهمزة بدل من ظاء المظنة وميمها في ذلك كلمة زائدة وقيل أصلية (من فقهه) أي علامة يتحقق فيها فقهه وحقيقتها مكان لقول القائل إنه فقيه (فأطيلوا) أيها الأمة (الصلاة) أي صلاة الجمعة (وأقصروا الخطبة) ندبا لأن الصلاة أصل مقصود بالذات والخطبة فرع عليها وتوطئة ومقدمة لها ومن القضايا الفقهية إيثار الأصل على الفرع بالزيادة والفضل (وإن من البيان لسحرا) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان والمراد بطول صلاة الجمعة أنها أطول من خطبتها وإلا فهي قصيرة كخطبتها لخبر مسلم كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي بين قد النقم القرن الخ ثم قال للعرش خذ الصور فأخذه وفيه ثقب بعدد روح كل مخلوق ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسطه لؤلؤة كاستدارة السماء والارض وإسرافيل واضع فمه على تلك اللؤلؤة . (*)
[ 581 ]
الطول الظاهر والتخفيف الماحق وقصد كل شئ تحسينه وقصر الخطبة مندوب وأوجبه الظاهرية قال ابن حزم شاهدت خطيب قرية أطال الخطبة فأخبرني بعض الوجوه أنه بال في ثيابه إذ لم يمكنه الخروج من المقصورة (حم م) في الجمعة من حديث أبي وائل (عن عمار بن ياسر) قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان أوجزت وأبلغت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرج البخاري إلا قوله إن من البيان لسحرا . 2295 - (إن عامة عذاب القبر) يعني معظمه وأكثره (من البول) أي من التقصير في التحرز عنه لأن التطهير منه مقدمة للصلاة التي هي أفضل الأعمال البدنية وأول ما يخاطب به في الدنيا بعد الإيمان وأول ما يحاسب عليه يوم القيامة والقبر أول درجات الآخرة وهو مقدمة لها فناسب أن يعد في مقدمة الآخرة على مقدمة الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه في الآخرة (فتنزهوا) تحرزوا أن يصيبكم وتنظفوا (منه) ما استطعتم بحيث لا تنتهوا إلى الوسواس المذموم (1) ومما شدد على الأمم السابقة أنه كان على أحدهم إذا أصاب البول بدنه أن بقرضه بمقراض والتنزه التباعد عن الشئ ومنه فلان يتنزه عن الأقذار أي يباعد نفسه منها قال الزمخشري ومن المجاز رجل نزه ونزيه عن الريب وهو يتنزه عن المطامع (ابن حميد والبزار) في مسنده (طب) وكلهم (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا قال الولي العراقي وفي إسناده ضعف لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة من رواية حسرة حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول قلت كذبت قالت بلى أنه يقرض منه الجلد والثوب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا ما هذا فأخبرته فقال صدقت . 2296 - (إن عدد درج الجنة عدد آي القرآن) جمع آية (فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن) أي جميعه (لم يكن فوقه أحد) وفي رواية يقال له اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها أي عند حفظك أو آخر تلاوتك لمحفوظك وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما خبر الجنة مائة درجة فيحتمل كون المائة من جملة الدرج وكونها نهاية هذه المائة وفي ضمن كل درجة درج دونها قالوا وهذه القراءة كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم عن لذاتهم بل هي كالمستلذ الأعظم ودون ذلك كل مستلذ (ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رضي الله عنها . (1) فالاستبراء عقب البول مندوب وقيل واجب والقول بالوجوب محمول على ما إذا غلب على ظنه بقاء شئ . (*)
[ 582 ]
2297 - (إن عدة الخلفاء) أي خلفائي الذين يقومون (من بعدي) بأمور الأمة (عدة نقباء بني إسرائيل) أي اثني عشر قال عياض لعل المراد باثني عشر في هذا الخبر وما أشبهه أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوهم قال الحافظ ابن حجر هذا أحسن ما قيل هنا وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته والذين اجتمعوا عليه الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين بصفين فتسمى معاوية من يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم علي ولده بزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بين سليمان ويزيد ابن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد اجتمعوا عليه بعد هشام ثم قاموا عليه فقتلوه فتغير الحال من يومئذ ولم يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية ولخروج المغرب عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة وانقرض الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا مجرد الاسم بعد فإنه كان يخطب لعبد الملك في جميع الأقطار شرقا وغربا يمينا وشمالا مما غلب عليه المسلمون وقيل المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا ويؤيده قوله في رواية كلهم يعمل بالهدى ودين الحق وعليه فالمراد بالإثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وضم بعضهم إليهم المهتدي العباسي لأنه منهم كعمر بن عبد العزيز في الأمويين والظاهر العباسي لما أوتي من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية ثم يلي الأمر بعده اثني عشر رجلا (1) ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم لكن هذه الرواية ضعيفة جدا وما ذكر من أن لفظ الحديث بني إسرائيل هو ما في نسخ لا يحصى فتبعتهم ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه موسى بدل بني إسرائيل (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) عبد الله قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تملك هذه الأمة من خليفة فذكره . (1) وحمله الشيعة والإمامية على الإثني عشر إماما علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضى ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه على النقي بالنون ثم ابنه حسن العسكري ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وأنه اختفى من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا كما ملئت جورا وأنه عندهم لا امتناع من طول حياته كعيسى والخضر وهذا كلام متهافت ساقط . (*)
[ 583 ]
2298 - (إن أعظم الجزاء) أي كثرته (مع عظم البلاء) بكسر المهملة وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن بلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم (وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا وهو أعلم بحالهم قال لقمان لابنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء (فمن رضي) قضاء بما ابتلى به (فله الرضى) من الله تعالى وجزيل الثواب (ومن سخط) أي كره قضاء ربه ولم يرضه (فله السخط (1) منه تعالى وأليم العذاب * (ومن يعمل سوءا يجز به) * [ النساء : 123 ] وقوله ومن رضي فله الرضى شرط وجزاءا فهم منه أن رضى الله تعالى مسبوق برضى العبد ومحال أن يرضى العبد عن الله إلا بعد رضى الله عنه كما قال * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * [ المائدة : 119 ] ومحال أن يحصل رضى الله ولا يحصل رضى العبد في الآخرة فعن الله الرضى أزلا وأبدا وفيه جنوح إلى كراهة اختيار الصحة على البلاء والعافية على السقم ولا ينافيه ما مر ويجئ من الأمر بسؤال العافية وأنها أفضل الدعاء لأنه إنما كرهه لأجل الجرائم واقتراف العظائم كيلا يلقوا ربهم غير مطهرين من دنس الذنوب فالأصلح لمن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهير بقدر التمحيص والأجر بقدر الصبر ذكره ابن جرير (ت) في الزهد (ه) في الفتن كلاهما من حديث سعد بن سنان (عن أنس) وقال الترمذي حسن غريب قال في المنار ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن سعد بن سنان قال البخاري فيه نظر ووهنه أحمد اه وقال الذهبي سعد هذا ليس بحجة . 2299 - (إن علما) مما شأنه الانتفاع به (لا ينتفع به) بالبناء للمفعول أي لا ينتفع به الناس أو لا ينتفع به صاحبه (ككنز لا ينفق منه في سبيل الله) في كون كل منهما وبالا على صاحبه لأن غير النافع حجة على صاحبه ولهذا استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث قال الزمخشري ومن المجاز معه كنز من كنوز العلم قال زهير ومن يستبح كنزا من العلم يعظم ويقولون هذا كتاب مكتنز بالفوائد (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2300 - (إن عمار) كزوار (بيوت الله) أي المحبين للمساجد بالذكر والتلاوة والاعتكاف ونحو ذلك من صنوف العبادات وزعم أن المراد بعمارتها بناؤها أو إصلاحها أو ترميما سبق ما ينازع فيه (هم أهل الله) أي خاصته وأحباؤه من خلقه الداخلين في حزبه * (ألا إن حزب الله هم المفلحون) * [ المجادلة : 22 ] قال سيبويه : أهل الرجل هم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه (عبد بن حميد ع طس (1) والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه . (*)
[ 584 ]
هق) كلهم (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد عزوه لأبي يعلى والبزار والطبراني فيه صالح بن بشير المري ضعيف في الحديث وهو رجل صالح وقال الهيثمي فيه صالح المري وهو ضعيف وأقول فيه عند البيهقي هاشم بن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عروبة كبر وتغير . 2301 - (إن عم الرجل صنو أبيه) أي أصله وأصله شئ واحد والصنو بكسر فسكون واحد الصنوين وهو نخلتان في أصل واحد وقيل الصنو المثل فاستعمل لفظ الصنو دون المثل رعاية للأدب وكيفما كان استعمال الصنو في العم من قبيل المجاز قال الزمخشري من المجاز هو شقيقه وصنوه ، قال : أتتركني وأنت أخي وصنوي * * فيا للناس للأمر العجيب وركبتان صنوان متقاربتان وتصغيره صني (طب عن ابن مسعود) عبد الله وفي الباب عن عدة من الصحابة . 2302 - (إن غلاء أسعاركم) أي ارتفاع أثمان أقواتكم (ورخصها بيد الله) أي بإرادته وتصريفه يفعل ما يشاء من غلا ورخص وتوسيع وتقتير وخصب وجدب لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فلا أسعر ولا آمر بالتسعير بل أنهى عنه (إني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله) إذا توفاني (وليس لأحد منكم) أيها الأمة (قبلي) بكسر ففتح وزان عنب (مظلمة) بفتح الميم وكسر اللام (في مال ولا دم) وفي التسعير ظلم لرب المال لأنه تحجير عليه في ملكه فهو حرام في كل زمن فلا أفعله وهذا مذهب الشافعي ومع ذلك إن وقع من الإمام عذر مخالفه للافتيات قال في الصحاح وغيره والمظلمة بفتح اللام ما تطلبه عند الظالم وهي اسم ما أخذ منك (طب عن أنس) بن مالك . 2303 - (إن غلظ جلد الكافر) أي ذرع ثخانته (اثنتين وأربعين ذراعا بذراع الجبار) قيل هو اسم ملك من الملائكة قال الإمام الرازي وغيره ربما أضيف الشئ إلى الله تعالى والمراد إضافته إلى بعض خواص عباده لأن الملك ينسب إليه ما يفعله خواصه على معنى التشريف لهم والتنويه بقدرهم (وإن ضرسه مثل أحد) أي مثل مقدار جبل أحد (وإن مجلسه) موضع مقعده (من جهنم) أي فيها (ما بين مكة والمدينة) أي مقدار ما بينهما من المسافة وسبق أن هذا مما تجول فيه الأفهام وأنه يجب علينا التسليم واعتقاد ما قاله الشارع وإن لم تدركه عقولنا القاصرة وليست أحوال الدنيا كأحوال الآخرة (ت) في صفة جهنم (ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي .
[ 585 ]
2304 - (إن فضل عائشة) بنت الصديق الصديقة (على النساء) أي على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين في زمنها ومن أطلق نساءه ورد عليه خديجة وهي أفضل من عائشة رضي الله عنها على الصواب لتصريح المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ولخبر ابن أبي شيبة فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم وآسية وخديجة فإذا فضلت فاطمة فعائشة أولى ومن قول بنساء زمنها ورد عليه فاطمة وفي شأنها قال أبوها ما سمعت وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحدا قال البعض وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة رضي الله عنها (كفضل الثريد) بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم (على سائر الطعام) من جنسه بلا ثريد لما في الثريد من نفعه وسهولة مساغه وتيسر تناوله وبلوغ الكفاية منه بسرعة واللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ فشبهت به لما أعطيت من حسن الخلق وعذوبة المنطق وجودة الذهن ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل وغير ذلك (حم ق ت ن ه عن أنس) بن مالك (ن عن أبي موسى) الأشعري (عن عائشة) أم المؤمنين . 2305 - (إن فقراء المهاجرين) الذين هاجروا من أرض الكفر إلى غيرها فرارا بدينهم (يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة) أي إلى دخولها لعدم فضول الأموال التي يحاسبون على مخارجها ومصارفها (بأربعين خريفا) أي سنة وهذا لا تعارض بينه وبين قوله في الخبر الآتي خمسمائة سنة لاختلاف مدة السبق باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم سابق بأربعين ومنهم بخمسمائة كما يتفاوت مكث عصاة الموحدين في النار باختلاف جرائمهم وهذا كما ترى أعم ، واقعد من فرق البعض بأن الفقير الحريص يتقدم على الغني بأربعين سنة والزاهد بخمسمائة سنة أو أراد بالأربعين التكثير لا التحديد وأن خبر الخمسمائة متأخر ويكون الشارع زاد في زمن سبق الدخول ترغيبا في الصبر على الفقر ، لكن ينبغي أن تعلم أن سبق الدخول لا يستلزم رفع المنزلة فقد يكون بعض المتأخرين أرفع درجة من السابقين يرشد إليه أن ممن يحاسب أفضل من السبعين ألفا الداخلين بغير حساب فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان ويحصل لواحد السبق والرفعة ويعدمها آخر ويحصل لآخر واحد فقط بحسب المقتضي (م) في الزهد من حديث عبد الرحمن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الجيلي جاء ثلاثة نفر إلى ابن عمرو فقالوا له والله ما نقدر على شئ لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لكم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره . 2306 - (إن فقراء المهاجرين) في رواية فقراء المؤمنين وهي أعم (يدخلون الجنة قبل أغنيائهم
[ 586 ]
بمقدار خمسمائة سنة) ويدخل فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالقدر المذكور ذكره القرطبي ثم الأغنياء إن أحسنوا في فضول أموالهم كانوا بعد الدخول أرفع درجة من كثير من الفقراء كما تقرر والمراد في هذا وما قبله من لا فضل له عما وجب عليه من نفقته ونفقة ممونه على الوجه اللائق وإن لم يكن من أهل الزكاة ولا الفئ ذكره ابن تيمية وغيره (تتمة) أخرج العسكري عن نصر بن جرير أن أبا حنيفة رضي الله عنه سئل عن حديث يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم فقال المراد الأغنياء من غير هذه الأمة لأن في أغنياء هذه الأمة مثل عثمان بن عفان والزبير وابن عوف رضي الله عنهم قال نصر فذكرته لعبد الواحد بن زيد فقال لا يسأل أبو حنيفة عن هذا إنما يسأل عن المدبر والمكاتب ونحوه (ه عن أبي سعيد) الخدري . 2307 - (إن فناء أمتي) قال في الصحاح فنى الشئ بالكسر فناء وتفانوا أفنى بعضهم بعضا في الحروب (بعضها ببعض) أي أن اهلاكهم بقتل بعضهم بعضا في الحروب بينهم فإن نبيهم سأل الله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم (قط في) كتاب (الأفراد عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير قادح لأن الصحب كلهم عدول قال ابن حجر رحمه الله في تخريج الهداية إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا . 2308 - (إن فلانا أهدى إلي ناقة) فعل ماض من الهدية (فعوضته منها) أي عنها (ست بكرات) جمع بكرة بفتح فسكون والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس والبكرة بمنزلة الفتاة (فظل ساخطا) أي غضبانا كارها لذلك التعويض طالبا الأكثر منه قال في الصحاح سخط غضب وفي الصحاح عطاء سخوط أي مكروه (لقد هممت) أي أردت وعزمت قال في الصحاح هم بالشئ أراده (أن لا أقبل هدية) من أحد (إلا من قريشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) لأنهم لمكارم أخلاقهم وشرف نفوسهم وإشراق النور على قلوبهم دقت الدنيا في أعينهم فلا تطمح نفوسهم إلى ما ينظر إليه السفلة والرعاع من المكافاة على الهدية واستكثار العوض وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق ويعطي عطاء من لا يخاف الفقر ولا يستكثر مكافأة ذلك الإنسان بستين فضلا عن ستة لكنه رأى غيره في ذلك الوقت أحوج وبالتضعيف لذلك حتى يرضى يفوت حق غيره (حم ت) في آخر الجامع (عن أبي هريرة) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره ورواه أبو داود مختصرا . 2309 - (إن فاطمة) بنت النبي صلى الله عليه وسلم (أحصنت) في رواية حصنت بغير ألف (فرجها) صانته عن كل محرم من زنا وسحاق ونحو ذلك (فحرمها) أي بسبب ذلك الإحصان
[ 587 ]
حرمها (الله وذريتها على النار) أي حرم دخول النار عليهم فأما هي وابناها فالمراد في حقهم التحريم المطلق وأما من عداهم فالمحرم عليهم نار الخلود وأما الدخول فلا مانع من وقوعه للبعض للتطهير ، هكذا فافهم وقد ذكر أهل السير أن زيد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهم خرج على المأمون فظفر به فبعث به لأخيه علي الرضى فوبخه الرضى وقال له يا زيد ما أنت قائل لرسول الله (ص) إذا سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله غرك أنه قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها كالحسن والحسين لا لي ولا لك والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله تعالى فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته إنك إذن لاكرم على الله منهم وروى أبو نعيم والخطيب بسندهما لمحمد بن مرثد كنت ببغداد فقال محمد بن مرثد هل لك أن أدخلك على علي الرضى فأدخلني فسلمنا وجلسنا فقال له حديث إن فاطمة أحصنت فرجها إلخ قال خاص للحسن والحسين (تنبيه) قال ابن حجر يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعا تزوج حفصة خير من عثمان وتزوج عثمان خيرا من حفصة (البزار) في مسنده عن محمد بن عقبة السدوسي عن معاوية بن هشام عن عمرو بن غياث عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود ثم قال أعني البزار لا نعلم من رواه هكذا إلا عمرو ولم يتابع عليه وقال العقيلي في الحديث نظر وقال ابن الجوزي موضوع مداره على عمرو بن غياث وقد ضعفه الدارقطني وكان من شيوخ الشيعة (ع طب ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وقال الذهبي لا بل ضعيف تفرد به معاوية وفيه ضعف عمرو بن غياث وهو واه بمرة اه لكن له شواهد منها خبر البزار والطبراني أيضا إن فاطمة أحصنت فرجها وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة قال الهيثمي فيه عمرو بن غياث ضعيف . 2310 - (إن فسطاط المسلمين) بضم الفاء أصله الخيمة والمراد حصنهم من الفتن (يوم الملحمة) أي الوقعة العظيمة في الفتنة كما في الصحاح (بالغوطة) بالضم وهي كما في الصحاح موضع بالشام كثير الماء والشجر وهي غوطة دمشق ولهذا قال (إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) بكسر ففتح وهي قصبة الشام كما في الصحاح سميت باسم دماشاق بن نمروذ بن كنعان (من خير مدائن الشام) أي هي من خيرها بل هي خيرها ولا يقدح فيه من لأن بعض الأفضل قد يكون أفضل بدليل خبر عائشة رضي الله تعالى عنها كان أي النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم قال ابن عساكر دخلها عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (د) في الملاحم (عن أبي الدرداء) وروي من طرق أخرى . 2311 - (إن في الجمعة) أي في يومها (لساعة) أبهمها كليلة القدر والاسم الأعظم حتى تتوافر
[ 588 ]
الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم وفي خبر يجئ إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها ويوم الجمعة من تلك الأيام فينبغي التعرض لها في جميع نهاره بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء والنزوع عن وسواس الدنيا فعساه يحظى بشئ من تلك النفحات والأصح أن هذه الساعة لم ترفع وأنها باقية وأنها في كل جمعة لا في جمعة واحدة من السنة خلافا لبعض السلف وجاء تعيينها في أخبار ورجح النووي منها خبر مسلم أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة ورجح كثيرون منهم أحمد وحكاه الزملكاني عن نص الشافعي أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة وأطيل في الانتصار له ووراء ذلك أربعون قولا أضربنا عن حكايتها لقول بعض المحققين ما عدا القولين موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوفا استند قائله إلى اجتهاد لا توقيف وحقيقة الساعة المذكورة جزء مخصوص من الزمن وتطلق على جزء من اثني عشر جزءا من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر منه أو على الوقت الحاضر وفي خبر مرفوع لأبي داود ما يصرح بالمراد وهو يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة إلخ (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد مسلم) يعني انسان مؤمن عبد أو أمة حر أو قن قال الطيبي وقوله لا يوافقها صفة لساعة أي لساعة من شأنها أن يترقب لها وتغتنم الفرصة لإدراكها لأنها من نفحات رب رؤوف رحيم وهي كالبرق الخاطف فمن وافقها أي تعرض لها واستغرق أوقاته مترقبا للمعانها فوافقها قضى وطره منها ، قال الشاعر : فأنالني كل المنى بزيارة * * كانت مخالسة كخطفة طائر فلو استطعت إذن خلعت علي الدجا * * فلطول ليلتنا سواد الناظر (وهو قائم) جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية (فيسأل) حال ثالثة (الله تعالى) فيها (خيرا) من خيور الدنيا والآخرة وفي رواية للبخاري شيئا أي مما يليق أن يدعو به المؤمن ويسأل فيه ربه تعالى وذكر قائم غالبي فالقاعد والمضطجع كذلك (إلا أعطاه إياه) تمامه عند البخاري وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفيه تغليب الصلاة على ما قبلها وهي الخطبة بناء على القول الأول وأما على الثاني فمعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى * (ما دمت عليه قائما) * [ آل عمران : 75 ] واستشكل حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمصلي وساعة الإجابة معلقة بالوقت فكيف يتفق مع الإختلاف وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل (مالك) في الموطأ (حم م ن ه عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد رواه البخاري عن أبي هريرة أيضا مع تغيير لفظي يسير وذلك لا يقدح ولهذا قال الحافظ العراقي في المغني هو متفق عليه . 2312 - (إن في الجنة بابا) لم يقل للجنة إشعارا بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه (يقال له الريان) بفتح الراء وشدة المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليذهب عطشه وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم واكتفى بالري عن الشبع لدلالته عليه أو لأنه أشق على الصائم من الجوع (يدخل
[ 589 ]
منه) إلى الجنة (الصائمون يوم القيامة) يعني الذين يكثرون الصوم لتتكسر نفوسهم لما تحملوا مشقة الظمأ في صومهم خصوا بباب في الري والأمان من الظمأ قبل تمكنهم ومن ثم كان مختصا بهم (لا يدخل منه أحد غيرهم) كرر نفي دخول غيرهم تأكيدا (يقال) أي يوم القيامة في الموقف والقائل الملائكة أو من أمره الله من خلقه (أين الصائمون) المكثرون للصيام (فيقومون) فيقال لهم ادخلوا الجنة (فيدخلون منه فإذا دخلوا) منه أي دخل آخرهم (أغلق) بالبناء للمفعول (فلم يدخل منه) بعد ذلك أحد أي لم يدخل منه غير من دخل ولا يناقضه أن المتشهد عقب الوضوء تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء لجواز أن يصرف الله مشيئة ذلك المتشهد عن دخول باب الريان إن لم يكن من مكثري الصوم ذكره البعض وذكر أن المراد بالصائمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم سموا به لصيامهم رمضان فمعناه لا يدخل من الريان إلا هذه الأمة بعيد متكلف (فائدة) ذكر الطالقاني في حظائر القدس لرمضان ستين اسما (حم ق) في صفة الجنة (عن سهل بن سعد) الساعدي . 2313 - (إن في الجنة لعمدا) بضمتين وبفتحتين جمع عمود وهو معروف والعماد الأبنية الرفيعة وما يسند به (من ياقوت) أحمر وأبيض وأصفر (عليها غرف) جمع غرفة بالضم وهي كما في الصحاح العلية (من زبرجد) كسفرجل جوهر معروف (لها أبواب مفتحة تضئ) يعني تلك الغرف ومن أرجعه للأبواب فقد أبعد وإن كان أقرب (كما يضئ الكوكب الدري) قالوا يا رسول الله من يسكنها قال (يسكنها المتحابون في الله والمتجالسون في الله) لنحو ذكر أو قراءة أو علم أو غيرها (والمتلاقون في الله) أي المتعاونون على أمر الله فأعظم بمحبة الله من خصلة من ثمراتها استحقاق السكنى بهاتيك المساكن (ابن ابي الدنيا) أبو بكر (في كتاب) فضل زيارة (الإخوان هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وضعفه المنذري وذلك لأن فيه يوسف بن يعقوب القاضي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول وحميد بن الأسود وأورده فيهم وقال كان عفان يحمل عليه ومحمد بن أبي حميد وضعفوه وحينئذ فتعصيب الهيثمي الجناية برأس الأخير حدوه ليس على ما ينبغي . 2314 - (إن في الجنة غرفا يرى) بالبناء للمفعول أي يرى أهل الجنة (ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها) لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها قالوا لمن هي يا رسول الله قال (أعدها الله تعالى) أي
[ 590 ]
هيأها (لمن أطعم الطعام) في الدنيا للعيال والفقراء والأضياف والإخوان ونحوهم (وألان الكلام) أي تملق للناس واستعطفهم قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشئ لينا وألينه صيره لينا وقد ألانه أيضا على النقصان والتمام وتلين تملق انتهى وحقيقة اللين كما قاله ابن سيناء كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشئ بها قوام غير سيال فينتقل عن وضعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وضده الصلابة قال الطيبي جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى * (أولئك يجزون الغرفة) * [ الفرقان : 75 ] * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * [ الفرقان : 63 ] الآية وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * [ الفرقان : 67 ] فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان (وتابع الصيام) قال ابن العربي عنى به الصيام المعروف كرمضان والأيام المشهود لها بالفضل على الوجه المشروع مع بقاء القوة دون استيفاء الزمان كله والاستيفاء القوة بأسرها وإنما يكسر الشهوة مع بقاء القوة وقال الصوفية الصيام هنا الإمساك عن كل مكروه فيمسك قلبه عن اعتقاد الباطل ولسانه عن القول الفاسد ويده عن الفعل المذموم وفي رواية وواصل الصيام (1) وفي أخرى وأفشى السلام (وصلى بالليل) أي تهجد فيه (والناس نيام) وهذا ثناء على صلاة الليل وعظم فضلها عند الله تعالى وجعل الغرفة جزاء من صلى بالليل كما في قوله تعالى * (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * [ الفرقان : 64 ] فأومأ به إلى أن المتهجد ينبغي أن يتحرى في قيامه الإخلاص ويجتنب الرياء لأن البيتوتة للرب لم تشرع إلا لإخلاص العمل لله ولم يذكر الصيام في التنزيل استغناء بقوله * (بما صبروا) * [ الفرقان : 75 ] لأن الصيام صبر كله هذا ما قرره شارحون لكن في رواية البيهقي قيل يا رسول الله وما إطعام الطعام قال من قات عياله قيل وما وصال الصيام قال من صام رمضان ثم أدرك رمضان فصامه قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة اه . وهو وإن ضعفه ابن عدي لكن أقام له شواهد يعتضد بها ومع ملاحظته لا يمكن التفسير بغيره (حم حب هب عن أبي مالك الأشعري) قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن معانق وثقه ابن حبان (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل حفظه اه . ولهذا جزم الحافظ العراقي بضعف سنده وكثيرا ما يقع للمصنف عزو الحديث لمخرجه ويكون مخرجه قد عقبه بما يقدح في سنده فيحذف المصنف ذلك ويقتصر على عزوه له وذلك من سوء التصرف . (1) ويكفي في متابعة الصيام مثل حال أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله ومثلها من أوسطه وآخره والإثنين والخميس وعشر ذي الحجة ونحو ذلك . (*)
[ 591 ]
2315 - (إن في الجنة مائة درجة) أي درجات كثيرة جدا ومنازل عالية شامخة فالمراد بالمائة التكثير لا التحديد فلا تدافع بينه وبين خبر إن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة وقيل الحصر في المائة للدرج الكبار المتضمنة للصغار والدرجة المرقاة (لو أن العالمين) بفتح اللام أي جميع المخلوقات (اجتمعوا) جميعا (في إحداهن لوسعتهم) جميعهم لسعتها المفرطة التي لا يعلم كنه مقدارها إلا الذي كونها والقصد بين عظم الجنة (1) وأن أهلها لا يتنافسون في مساكنها ولا يتزاحمون في أماكنها كما هو واقع لهم في الدنيا (ت عن أبي سعيد) قال الترمذي حسن صحيح . 2316 - (إن في الجنة بحر الماء) غير آسن (وبحر العسل) أي المصفى (وبحر اللبن) أي الذي لم يتغير طعمه (وبحر الخمر) الذي هو لذة للشاربين (ثم تشقق الأنهار بعد) قال الطيبي رحمه الله تعالى يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما وبالنهر مثل نهر معفل حيث تشقق منها جداول وخص هذه الأنهار بالذكر لكونها أفضل أشربة النوع الإنساني فالماء لريهم وطهورهم والعسل لشفائهم ونفعهم واللبن لقوتهم وغذائهم والخمر للذتهم وسرورهم وقدم الماء لأنه حياة النفوس وثنى بالعسل لأنه شفاء للناس وثلث باللبن لأنه الفطرة وختم بالخمر إشارة إلى أن من حرمه في الدنيا لا يحرمه في الآخرة (حم ت عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة . 2317 - (إن في الجنة لمراغا من مسك) أي محلا منبسطا مملوءا منه مثل المحل المملوء من التراب المعد لتمرغ الدواب أي تمعكهم وتقلبهم فيه في الدنيا فلهذا قال (مثل مراغ دوابكم في الدنيا) في سعته وتكثره وسهولة وجدانه لكل أحد وإنما شبهه به لأن الإنسان بالمألوف آنس وبالمعهود أميل فليس في الجنة شئ يشبهه ما في الدنيا كما يجئ في خبر (2) قال في الصحاح مرغه في التراب تمريغا أي معكه (1) والله تعالى يقول * (عرضها السموات والارض) [ آل عمران : 123 ] و * (كعرض السماء والارض) * [ الحديد : 21 ] وإذا كان هذا عرضها فما بالك بالطول . (2) أي فيتمرغ فيه أهلها كما تتمرغ الدواب في التراب واحتمال أن المراد أن الدواب التي تدخل الجنة تتمرغ فيه بعيد وفي النهاية في الجنة مراغ المسك أي الموضع الذي يتمرغون فيه من ترابها والتمرغ التقلب في التراب وظاهر أن ذلك من باب ظهور الشرف وكمال المقابلة وإن كانت دوابهم غير محتاجة لذلك لان (*)
[ 592 ]
فتمعك والموضع متمرغ ومراغ ومراغة وقال الزمخشري مرغته تمريغا إذا أشبعت رأسه وجسده دهنا ومن المجاز فلان يتمرغ في النعيم يتقلب فيه (طب) وكذا الأوسط (عن سهل بن سعد) قال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمي رجالهما ثقات . 2318 - (إن في الجنة لشجرة) قيل هي شجرة طوبى ويحتاج لتوقيف والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل قاوم الشتاء أو عجز عنه ذكره في القاموس فشمل شجر البلح وغيره (يسير الراكب) الفرس (الجواد (1) بالتخفيف أي الفائق أو السابق الجيد وفي رواية المجود الذي يجود ركض الفرس (المضمر (2) بضاد معجمة مفتوحة وميم مشددة أي الذي قلل علفه تدريجا ليشتد جريه قال الزركشي هو بنصب الجواد وفتح الميم الثانية من المضمر ونصب الراء نعت لمفعول الراكب وضبطه الأصيلي بضم المضمر والجواد صفة للراكب فيكون على هذا بكسر الميم الثانية وقد يكون على البدل (في ظلها (3) أي راحتها ونعيمها إذ الجنة لا شمس فيها ولا أذى (مائة عام) في رواية سبعين (4) (ما يقطعها) زاد أحمد وهي شجرة الخلد والجملة حال من فاعل يسير يعني لا يقطع الراكب المواضع التي تسترها أغصان الشجرة وفي ذكر كبر الشجرة رمز إلى كبر الثمرة ومن ثم ورد أن نبقها كقلال هجر وذا أبين لفضل المؤمن وأجلب لمسرته فحين أبصر شجر الرمان مثلا في الدنيا وحجم ثمرها وأن قدر الكبرى من الشجر لا يبلغ مساحتها عشرة أذرع وثمرها لا يفضل على أصغر بطيخة ثم أبصر شجرة في ذلك القدر وثمرة منها تشيع أهل دار كان أفرط لابتهاجه واغتباطه وأزيد لاستعجابه واستغرابه وأبين لكنه النعمة وأظهر للمزية من أن يفجأ ذلك الشجر والثمر على ما سلف له به عهد وتقدم له ألف فإبصاره لها على ذلك الحجم دليل على تمام الفضل وتناهي الأمر وأن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستوجب تعجبهم ويستدعي تحجبهم في كل أوان فسبحان الحكيم المنان ، واستشكل هذا الحديث بأن التمرغ لازالة التعب عنها وهي ليس عليها تعب لكن ربما يقال إن ذلك لنحو دواب الجهاد التي تدخل الجنة مجازاة لاصحابها من باب تتميم اللذة لهم فإن أعمالهم تكون بين أيديهم تسرهم رؤيتها ومنها تلك الدواب أي لكونهم جاهدوا عليها وأشار إليه بعض من تكلم على دواب الجنة وقد ثبت دخول بعض الدواب الدنيوية الجنة انتهى . (1) الجواد بالنصب على أنه مفعول الراكب أو بالجر بالإضافة أي الفائق الجيد . (2) المضمر هو أن يعلف حتى يسمن ويقوى على الجري ثم يقلل العلف بقدر القوت ويدخل بيتا ويغشى بالحلال حتى يحمى فيعرق فإذا جف عرقه قل لحمه وقوي على الجري . (3) وقيل معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها . (4) ولا تعارض لأن المراد التكثير لا التحديد أو أن بعض أغصانها سبعين وبعضها مائة . (*)
[ 593 ]
من أين هذا الظل والشمس قد كورت وما في الجنة شمس ؟ وأجاب السبكي بأنه لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تتسخه الشمس وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع في الابدان وغيرها (حم خ ت عن أنس) بن مالك (ق عن سهل) بن سعد (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (ق ت ه عن أبي هريرة) . 2319 - (إن في الجنة ما لا عين رأت) في دار الدنيا (ولا أذن سمعت) فيها (ولا خطر على قلب أحد) (1) * (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) * [ السجدة : 17 ] أخفوا ذكره عن الأغيار والرسوم فأخفى ثوابهم عن المعارف والفهوم وقد أشهد الله عباده في هذه الدار آثارا من آثارها وأنموذجا منها من الروائح الطيبة واللذة والمناظر البهية والمناكح الشهية وفي خبر أبي نعيم يقول الله للجنة طيبي أهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس في السحر من ذلك كما جعل سبحانه وتعالى نار الدنيا وغمومها وأحزانها وآلامها مذكرة بنار الآخرة وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده أنفاس جنته وما نذكرهم بها (تنبيه) استشكل هذا الحديث بما في حديث أبي داود وغيره أنه تعالى لما خلق الجنة أرسل جبريل عليه السلام إليها فقال انظر إليها وإلى ما أعددت إلى أهلها فيها الحديث فقد رأته عين وأجيب بما منه أن المراد من نظر جبريل عليه السلام لما أعده الله لأهلها فيها ما أعده لعامتهم فلا يمتنع أنه يعد فيها لبعضهم ما لم ينظر إليه جبريل عليه السلام وبأن المراد عين البشر لا الملائكة وسيجئ بسطه (طب) وكذا البزار (عن سهل بن سعد) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا منهم فلو عزاه المصنف للبزار كان أجود . 2320 - (إن في الجنة لسوقا) يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح والمراد به هنا مجتمع يجتمع فيه أهل الجنة وقد حفته الملائكة بما لا يخطر بقلب بشر يأخذون مما يشتهون بلا شراء وهو أنواع الالتذاذ كما قال (ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها) (2) أراد بالصورة الشكل والهيئة أي تتغير أوصافه بأوصاف شبيهة بتلك الصورة فالدخول مجاز عن ذلك وأراد (1) أي لم يدخل تحت علم أحد ، كني بذلك عن عظيم نعيمها عن كنه علمنا الان وسيظهر لنا بعد إن شاء الله . (2) قال ابن حجر قوله دخل فيها : الذي يظهر لي أن المراد به أن الصورة تتغير شبيهة بتلك الصورة لا أنه يدخل فيها حقيقة والمراد بالصورة الشكل والهيئة . (*)
[ 594 ]
به التزيين بالمحل والحلل وعليها فالمتغير الصفة لا الذات ذكره الطيبي وقال القاضي له معنيان أحدهما أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التزيين ، الثاني أنه أراد الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة فإذا اشتهى صورة منها صوره الله بها وبدلها بصورته فتتغير الهيئة والذات قال وظاهره يستدعي أن الصور تباع وتشترى في ذلك السوق لأن تقدير الكلام إلا بيع الصور وشراءها وإلا لما صح الاستثناء فلا بد لها من عوض تشترى به وهو الإيمان والعمل الصالح على ما دل عليه نص الكتاب والسنة الدالة على تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور التي تكون لأهل الجنة اختيار لها واتيانه بها ابتياعا له وجعله كالمتملك لها المتمكن منها متى شاء ونوزع فيه بما لا يجدي (فائدة) قال ابن عربي حدثني أوحد الدين الكرماني قال كنت أخدم شيخا وأنا شاب فمرض بالبطن وكان في مغارة فلما وصلنا تكريت قلت يا سيدي اتركني أطلب لك دواء من صاحب المارستان فلما رأى احتراقي قال اذهب إليه فذهبت إليه فإذا هو قاعد في الخيمة ورجال قائمون بين يديه ولا يعرفني فرآني واقفا بين يديه مع الناس فقام إلي وأخذ بيدي وأكرمني وأعطاني الدواء وخرج معي في خدمتي فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة أمير المارستان فقال لي يا ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك ثم خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت من هيكلي ودخلت في هيكل ذلك الأمير وقعدت في محله فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء (ت) في صفة الجنة (عن علي) أمير المؤمنين وقال غريب انتهى وضعفه المنذري وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ودندن عليه ابن حجر ثم قال وفي القلب منه شئ والمصنف بما محصوله أن له شواهد . 2321 - (إن في الجنة دارا) أي عظيمة جدا في النفاسة فالتنكير للتعظيم (يقال لها دار الفرح) أي تسمى بذلك بين أهلها (لا يدخلها) من المؤمنين أي دخول سكنى بها كما يقتضيه الترغيب (إلا من فرح) بالتشديد (الصبيان) يعني الأطفال ذكورا أو إناثا فليس المراد الذكور فحسب وتفريحهم مثل أن يطرفهم بشئ من الباكورة ويزينهم في المواسم ويأتي إليهم بما يستعذب ويستغرب فيه شمول لصبيانه وصبيان غيره لكن أبدأ بمن تعول . تنبيه قال الراغب الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلا وآجلا والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية وقد يسمى الفرح سرورا وعكسه لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدها بصورة الأخذ (عد) عن أحمد بن حفص عن سليم بن شبيب عن عبد الله بن يزيد المقري عن ابن لهيعة عن هشام عن عروة (عن عائشة) أورده الجوزي من هذا الوجه في الموضوعات وقال ابن لهيعة ضعيف وأحمد بن حفص منكر الحديث انتهى وفي الميزان أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي صاحب مناكير وقال ابن عدي هو عندي لا يتعمد الكذب .
[ 595 ]
2322 - (إن في الجنة دارا يقال لها الفرح) أي وهي على غاية من النفاسة والبهجة بحيث تعد من الفرائد وتتميز على غيرها بفضل حسن كما يفيده السياق (لا يدخلها إلا من) أي إنسان (فرح يتامى المؤمنين) بشئ مما مر لأن الجزاء من جنس العمل فمن فرح من ليس له من يفرحه فرحه الله بإسكان تلك الدار العلية المقدار الرفيعة المنار فإن قلت ظاهر التقييد هنا اليتيم أن المراد بالصبيان فيما قبله اليتامى دون غيرهم قلت الأقعد أن يراد ثم مطلق الصبيان وتكون الدار غير هذه لكن تكون هذه الدار أنفس لأن تفريح الأيتام أفضل وإن كان تفريح كل شئ فاضلا (حمزة) أبو القاسم (بن يوسف) بن إبراهيم بن موسى (السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء نسبة إلى سهم بن عمرو وهو الجرجاني الحافظ له تصانيف معروفة (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه أي تاريخ بغداد كلاهما جميعا عن محمد بن القاسم القزويني عن أبي الحسن الوراق عن علي بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن يزيد الحراني عن محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن ابن لهيعة عن ابن غسانة (عن عقبة بن عامر الجهني) . 2323 - (إن في الجنة بابا يقال له الضحى) أي يسمى باب الضحى (فإذا كان يوم القيامة نادى مناد) من قبل الله تعالى من الملائكة أو غيرهم (أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى) في الدنيا فيأتون فيقال لهم (هذا بابكم) أي الذي أعده الله لكم (فادخلوه) فرحين مسرورين (برحمة الله) لا بأعمالكم فالمداومة على صلاة الضحى لا توجب الدخول منه ولا بد وإنما الدخول بالرحمة لما تقرر في غير ما موضع أن العمل الصالح غير موجب للدخول بل إنما يحصل به الاستعداد للذي يتفضل عليه * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * [ الاعراف : 56 ] وهذا تنويه عظيم بصلاة الضحى وهي سنة وما ورد مما يخالفه مؤول (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي وفيه سليمان بن داود اليمامي قال ابن عدي وغيره متروك . 2324 - (إن في الجنة بيتا يقال له بيت الأسخياء) أي يسمى بين أهل الجنة والملائكة بذلك والسخي الكريم والمراد أن لهم فيها بيتا عظيم الشأن يختص بهم دون غيرهم وقياس ما سبق فيما قبله أن يقال لا يدخله إلا الأسخياء والسخاء بالمد الجود والكرم ومقصود الحديث الحث على السخاء وتجنب البخل (طس عن عائشة) وقال تفرد به جحدر بن عبد الله وقال الهيثمي ولم أجد من ترجمه .
[ 596 ]
2325 - (إن في الجنة لنهرا) بفتح الهاء في اللغة العالية وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ذكره الزمخشري وقال غيره هو ما بين حافتي الوادي سمي به لسعة ضوئه (ما يدخله جبريل من دخلة) بكسر الميم جار ومجرور الجار زائد أي مرة واحدة من الدخول ضد الخروج (فيخرج منه فينتفض إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه ملكا) يعني ما ينغمس فيه جبريل عليه السلام انغماسة فيخرج منه فينتفض انتفاضة إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه من الماء حال خروجه منه ملكا يسبحه دائما فقوله إلا إلخ هو محط الفائدة وهذا الحديث يوضحه ما رواه العقيلي بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا في السماء بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل عليه السلام كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج منه سبعون ألف قطرة فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا فيتولى عليهم أحدهم ثم يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله تعالى فيه إلى أن تقوم الساعة انتهى قال ابن الجوزي موضوع فقال المؤلف ما هو بموضوع قال ابن حجر رحمه الله واستدل به على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت من الملائكة في هذا الخبر (أبو الشيخ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن إبراهيم بن محمد بن الحسن عن ابن عبد الله المخزومي عن مروان بن معاوية الفرازي عن زياد بن المنذر عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي قال المؤلف وزياد بن المنذر ضعفه أبو حاتم . 2326 - (إن في الجنة نهرا) من ماء (يقال له رجب) أي يسمى ذلك بين أهلها (أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من شهر رجب سقاه الله من ذلك النهر) فيه إشعار باختصاص ذلك الشرب بصوامه وهذا تنويه عظيم بفضل رجب ومزية الصيام فيه وفيه كالذي قبله رمز إلى فضل الأنهار وأنها أعظم ماء من الله به على عباده في الدارين قال الزمخشري أنزه البساتين وأكرمها منظرا ماء أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شئ وأحسنه لا تروق النواظر وتبهج النفوس وتجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء وإلا كان الأنفس الأعظم فائتا والسرور الأوفر مفقودا (الشيرازي في) كتاب (الألقاب هب عن أنس) قال ابن الجوزي هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا يدري من هم انتهى وفي الميزان هذا باطل .
[ 597 ]
2327 - (إن في الجنة درجة) أي منزلة عالية (لا ينالها إلا أصحاب الهموم) يعني في طلب المعيشة كذا في الفردوس والهم بالفتح الحزن والقلق وأهمني الأمر بالألف أقلقني وهمني هما من باب قتل مثله واهتم الرجل بالأمر قام به كذا في المصباح قال الزمخشري تقول أي العرب أهمه الأمر حتى أهرمه أي أذابه ووقعت السوسة في الطعام فهمته هما أي أكلت لبابه واهتم به ونزل به مهم ومهمات (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى . 2328 - (إن في الجمعة ساعة) أي لحظة قيل وليس المراد هنا الفلكية (لا يحتجم فيها أحد إلا مات) أي بسبب الحجم وقوله في الجمعة أي في يومها ويحتمل أن المراد في ساعة من الأسبوع جميعه فالأول أقرب وفي الخبر ما يدل عليه (ع) عن يحيى بن العلاء عن زيد بن أسلم عن طلحة بن عبيد (عن الحسين بن علي) فيه يحيى بن العلاء وهو كذاب وقال الذهبي في التنقيح في إسناده مثل يحيى بن العلاء وهو متروك انتهى وقال في الميزان يحيى بن العلاء البجلي ضعفه جماعة وقال الدارقطني متروك وقال أحمد كذاب يضع الحديث ثم سرد له مما أنكر عليه أخبارا هذا منها انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه فقال موضوع تعقبه المؤلف بأنه رواه البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها من يحتجم إلا عرض له داء يشفى منه وقال عطاء أحد رجاله ضعيف . 2329 - (إن في الحجم شفاء) أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جوابا لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد (م) من حديث عاصم (عن جابر) بن عبد الله قال عاصم إن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال : لا أبرح أحتجم حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره . 2330 - (إن في الصلاة شغلا) وفي رواية لشغلا باللام قال القرطبي : اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة فكأنه قال شغلا كافيا أو مانعا من الكلام وغيره وقال غيره تنكيره يحتمل التنويع أي أن شغل الصلاة قراءة القرآن والتسبيح والدعاء لا الكلام أي شغلا أي شغل لأنها مناجاة مع الله واستغراق في خدمته فلا تصلح للشغل فإن قيل فكيف حمل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبي العاص في صلاته على عاتقه وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها قلنا إسناد الحمل والوضع والرفع إليه مجاز فإنه لم يتعمد حملها لكنها على عادتها تتعلق به وتجلس على عاتقه وهو لا يدفعها فإذا كان علم الخميصة لشغله عن صلاته حتى استبدل بها فكيف لا تشغله هذه ؟ قال بعض الأولياء : وقل من يشتغل برعاية مخارج
[ 598 ]
الحروف والترقيق والتفخيم والإدغام والإقلاب ونحو ذلك إلا اشتغل عن الصلاة وفاته الحضور مع الله الذي هو روحها لأن النفس ليس في إمكانها الإشتغال بشيئين معا وقال الغزالي : بين بهذا الخبر أن الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس فإذا رأيت نفسك معرضة عن الصلاة متطلعة إلى كلام الناس وملاقاتهم بلا حاجة فاعلم أنه فضول ساقه الفراغ إليك فإذا أعطيت الصلاة حقها وجدت حلاوة المناجاة واستأنست بها واشتغلت عن الخلق واستوحشت من صحبتهم والمصلون وافدون إلى باب الملك فمنهم من يقرع بأنامل فقره معتذرا من ذنوبه مؤملا أن يفتح له باب الغفر ليطفئ نيران مخالفته وهم الظالمون ومنهم من يقرع بأنامل رجائه لقبول العمل وجزيل البر والثواب وهم المقتصدون ومنهم من يقرع بأنامل التعظيم متدللا مغضيا عن ملاحظة الأسباب ليفتح له بالإذن ويرفع الحجاب فيوشك أن يفتح له (ش حم ق د ه عن ابن مسعود) قال : كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا فلم يرد ثم ذكره ، وقضيته أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة فإن ابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبلها ويعارضه حديث زيد بن أرقم عند الشيخين كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت * (وقوموا لله قانتين) * [ البقرة : 238 ] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قال ابن أرقم مدني فظاهر حديثه أن تحريم الكلام في الصلاة كان في المدينة بعد الهجرة وأجيب بأن ابن أرقم لم يبلغه تحريم ذلك إلا حين نزول الآية فيكون نزولها غاية لعدم بلوغ النهي عن الكلام لهم لا لعدم النهي على الإطلاق . 2331 - (إن في الليل لساعة) يحتمل أن يراد بها الساعة النجومية وأن يراد جزؤ منها ونكرها حثا على طلبها بإحياء الليالي (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد) في رواية رجل (مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) أي ذلك المذكور يحصل كل ليلة فلا يختص ببعض الليالي بل كائن في جميعها قبيل تلك الساعة في الثلث الأخير الذي يقول فيه الله من يدعوني فأستجيب له وقيل وقت السحر وقيل مطلقة وجزم الغزالي بأنها مبهمة في جميع الليالي كليلة القدر في رمضان وحكمة إبهامها توفر الدواعي على مراقبتها والإجتهاد في الدعاء في جميع ساعات الليل كما قالوه في إبهام حكمة ليلة القدر (حم م) في الصلاة (عن جابر) ولم يخرجه البخاري . 2332 - (إن في المعاريض) جمع معراض كمفتاح من التعريض وعرفه المتقدمون بأنه ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم والمتأخرون كالمولى التفتازاني بأنه ذكر شئ مقصود بلفظ حقيقي أي مجازي أو كنائي ليدل به على شئ آخر لم يذكر في الكلام (لمندوحة) بفتح الميم وسكون النون ومهملتين بينهما واو سعة وفسحة من الندح وهو الأرض الواسعة (عن الكذب) أي فيها سعة
[ 599 ]
وفسحة وغنية عنه كقولك للرجل سمعت من تكره يدعو لك ويذكرك بخير ويريد به عند دعائه للمسلمين فإنه داخل فيهم قال الغزالي والحديث فيما إذا اضطر الإنسان إلى الكذب أما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض والتصريح جميعا لكن التعريض أهون قال البيهقي بين بالحديث أن هذا لا يجوز فيما يرد به ضررا ولا يضر الغير أي كقول ابن جبير للحجاج حين أراد قتله وقال له ما تقول قال قاسط عادل فقال الحاضرون ما أحسن ما قال ظنوا أنه وصفه بالقسط والعدل قال الحجاج يا جهلة سماني مشركا ظالما ثم تلى * (وأما القاسطون) * الآية * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * [ الانعام : 1 ] ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض فكان بعضهم يقول لخادمه إذا جاء من يطلبه ولا غرض له يلقيه قل له ما هو هون يريد به الهاون الذي يدق فبه وكان الشعبي يقول لخادمه دور بأصبعك دارة في الحائط وقل له ما هو في الدار وكان الجارحي يقول إذا أنكر ما قاله الله يعلم ما قلته بتوهم النفي بحرف ما ويريد أنه موصول (عد) من حديث أبي إبراهيم الترجماني عن داود بن الزبرقان عن سعد ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين مرفوعا ثم قال ابن عدي لا أعلم أحدا رفعه غير داود (هق) وكذا ابن السني كما في الدرر (عن عمران بن حصين) موقوفا قال البيهقي : الصحيح هكذا ورواه أبو إبراهيم عن داود الزبرقاني عن ابن أبي عروبة فرفعه قال الذهبي داود تركه أبو داود انتهى وتخصيص ذينك بالعزو يوهم أنه لا يعرف لأشهر منهما ولا أحق بالعزو وهو غفلة فقد خرجه باللفظ المزبور عن عمران المذكور البخاري في الأدب المفرد . 2333 - (إن في المال لحقا سوى الزكاة) كفكاك الأسير وإطعام المضطر وسقي الظمآن وعدم منع الماء والملح والنار وانفاذ محترم أشرف على الهلاك ونحو ذلك قال عبد الحق فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها فقول الضحاك نسخت الزكاة كل حق مالي ليس في محله وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور وله عند جمع من السلف محامل لا تلائم ما عليه المذاهب المستعملة الآن فذهب أبو ذر إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت فيه وعن علي كرم الله وجهه أربعة آلاف نفقة وما فوقها كنز وتأول عياض كلام أبي ذر على أن مراده الإنكار على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه وقال النووي هذا باطل لأن سلاطين زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا إذ منهم الخلفاء الأربعة رده الزين العراقي بأنه أراد بعض نواب الخلفاء كمعاوية وقد وقع بينه وبين أبي ذر بسبب ذلك ما أوجب نقله إلى المدينة وهذا الحديث له عند مخرجه الترمذي تتمة وهي ثم تلا * (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) * [ البقرة : 177 ] الآية وطريق الاستدلال بها أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل على أن في المال حقا سوى الزكاة قال الطيبي والحق حقان حق يوجبه الله على عباده وحق يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة عن الشح الذي جبلت عليه وإليه الإشارة بقوله على حبه أي الله أو حب الطعام وأنشد : تعود بسط الكف حتى لوانه * * ثناها لقبض لم تطعه أنامله
[ 600 ]
(ت) في الزكاة (عن فاطمة بنت قيس) الفهرية من المهاجرات تأخرت وفاتها ثم قال أعني الترمذي أبو حمزة ميمون الأعور أي أحد رواته ضعيف انتهى وقال البيهقي تفرد به ميمون الاعور وهو مجروح ومن ثم رمز المصنف لضعفه . 2334 - (إن في أمتي) عام في أمة الإجابة والدعوة (خسفا) لبعض المدن والقرى أي غورا وذهابا في الأرض بما فيها من أهلها (ومسخا) أي تحول صور بعض الآدميين إلى صورة نحو كلب أو قرد (وقذفا) أي رميا لها بالحجارة من جهة السماء يعني يكون فيها ذلك في آخر الزمان وقد تمسك بهذا ونحوه من قال بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة وجعله المانعون مجازا عن مسخ القلوب وخسفها (طب) وكذا البزار (عن سعيد بن أبي راشد) الجمحي يقال قتل باليمامة قال الهيثمي وفيه عمرو بن مجمع وهو ضعيف . 2335 - (إن في ثقيف) القبيلة المعروفة المشهورة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى الطلب بثأره وغرضه من ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس ويتوصل به إلى تحصيل الإمارة وكان طالبا للدنيا ذكره شارحون (ومبيرا) أي مهلكا لجمع عظيم من سلف هذه الأمة من أبار غيره أهلكه أو المراد به الحجاج قال المصنف اتفقوا على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن عبيد المدعي النبوة أن جبريل عليه السلام يأتيه قتله ابن الزبير ، وبالمبير الحجاج وقال ابن العربي الحجاج ظالم معتدي ملعون على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم من طرق خارج عن الإسلام عندي باستخفافه بالصحابة كابن عمر وأنس كذا ذكره في المعارضة (م عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق أم ابن الزبير لما صلب الحجاج ابنها أرسل إليها فلم تأته فأتاها فقال كيف رأيت الله صنع بعدوه قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته . 2336 - (إن في مال الرجل) ذكر الرجل غالبي (فتنة) أي بلاء ومحنة وفي هنا سببية (وفي زوجته فتنة و) في (ولده) فتنة كما نطق به نص القرآن في غير ما مكان ومر توجيهه بما محصوله أنهم يوقعونه في الإثم والعدوان ويقربونه من سخط الرحمن (طب عن حذيفة) . 2337 - (إن فيك) يا أشج واسمه المنذر بن عائذ (لخصلتين) تثنية خصلة (يحبها الله تعالى)
[ 601 ]
ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال (الحلم) أي العقل وتأخير مكافأة الظالم أو العفو عنه أو غير ذلك (والأناة) التثبت وعدم العجلة وسببه أن قدم عليه في وفد عبد القيس فابتدر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بثياب سفرهم وتخلف الأشج وهو أصغرهم حتى أناخ وجمع متاعه ولبس ثوبين أبيضين ومشى فقبل يده فذكره فقال يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال : بل الله جبلك فحمد الله وهذا لا يناقضه النهي عن مدح المرء في وجهه لأن ما كان من النبوة فهو وحي والوحي لا يجوز كتمه أو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم من حال الأشج أن المدح لا يلحقه منه إعجاب فأخبره بأن ذلك مما يحبه الله ليزداد لزوما ويشكر الله على ما منحه (م) في الإيمان (ت) في البر عن ابن عباس . 2338 - (إن قبر إسماعيل) النبي ابن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام (في الحجر) بالكسر هو المحوط عند الكعبة بقدر نصف دائرة فهو مدفون في ذلك الموضع بخصوصه ولم يثبت أنه نقل منه لغيره (الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (عن عائشة) أم المؤمنين . 2339 - (إن قدر حوضي) مفرد الحياض (كما بين أيلة) مدينة بطرف بحر القلزم من طرف الشام كانت عامرة وهي الآن خراب يمر بها حجاج مصر وغزة وغيرهم فيكون أمامهم (وصنعاء اليمن) احترز عن صنعاء الشام وروى كما بين صنعاء وأيلة (وإن فيه من الأباريق) أي ظروفا كائنة من جنس الأباريق فمن بيانية (كعدد نجوم السماء) في رواية البخاري كنجوم السماء وهو مبالغة وإشارة إلى كثرة العدد عند جمع لكن صوب النووي أنه على ظاهره ولا مانع منه عقلا ولا شرعا (حم ق عن أنس) بن مالك . 2340 - (إن قذف المحصنة) أي رميها بالزنا والمحصنة العفيفة (ليهدم) أي يسقط ويحبط (عمل مائة سنة) أي يحبط من الأعمال الحسية التي قدمها القاذف عمل مائة سنة بفرض أنه عمر وتعبد مائة عام وهذا تغليظ شديد وحث عظيم على حفظ اللسان عن ذلك والظاهر أن المراد بالمائة التكثير لا التحديد قياسا على نظائره المارة ومن هذا الوعيد الشديد أخذ أنه كبيرة (البزار) في مسنده (طب ك عن حذيفة) ابن اليماني قال الهيثمي فيه ليث ابن سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وبقية رجاله رجال الصحيح . 2341 - (إن قريشا أهل أمانة) قال الرافعي يجوز أنهم ائتمنوا على التقدم للإمامة وأن المراد أن
[ 602 ]
توقيرهم واحترامهم ومحنتهم ومكانتهم من المصطفى صلى الله عليه وسلم أمانة أئتمن عليها الناس أو المراد قوة أمانتهم وكمالها يرشد إليه خبر علي أمانة الأمير من قريش يعدل أمانة اثنين من غيرهم (لا يبغيهم) أي لا يطلب لهم (العثرات) جمع عثرة وهي الخصلة التي من شأنها العثور أي الخرور (أحد) من الناس (إلا كبه الله) أي قلبه (لمنخريه) أي صرعه أو ألقاه على وجهه يعني أذله وأهانه وخص المنخرين جريا على قولهم رغم أنفه وأرغم الله أنفه أي ألقاه في الرغام واللام في المنخرين لام التخصيص فيفيد أن الكب لهما خاصة وهذا كناية عن خذلان عدوهم ونصرهم عليه كيف وقد طهر الله قلوبهم وقربهم وهم وإن تأخر إسلامهم فقد بلغ فيهم المبلغ العلي (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله (خط طب عن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء مخففة (ابن رافع) ضد الخافض الأنصاري المدني له رواية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : اجمع لي قومي فجمعهم ثم دخل عليه فقال : أدخلهم عليك أو تخرج إليهم قال : بل أخرج إليهم فقال : هل فيكم من أحد غيركم ؟ قالوا : نعم حلفاؤنا منا وبنو إخواننا وموالينا قال حلفاؤنا منا وبنو إخواننا منا وموالينا وأنتم لا تسمعون أوليائي منكم المتقون فإن كنتم أولئك فذاك وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم ثم رفع يديه وقال يا أيها الناس إلخ ما هنا قالها ثلاثا قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني والبزار ورجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات . 2342 - (إن قلب ابن آدم) أي ما أودع فيه (مثل العصفور) الطائر المعروف (يتقلب قي اليوم سبع مرات) الظاهر أن المراد بالسبع تكثير التقليب لا التحديد أخذا من نظائره ، ثم الكلام في قلب الإنسان لا في مطلق الحيوان كما نطق به الخبر وخصه لأنه محل المعارف والعلوم والأفعال الإختيارية وإدراك الكليات والجزئيات والحيوان وإن وجد فيه شكله وقام به ما يدرك مصالحه ومنافعه ويميز به بين مفاسده ومضاره لكنه إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين إدراك العلميات والاعتقادات وبهذا المعنى امتاز عن بقية الأعضاء وكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الإخلاص ك) في الرقائق (هب عن أبي عبيدة) بن الجراح رضي الله عنه قال الحاكم على شرط مسلم ورده الذهبي وقال فيه انقطاع . 2343 - (إن قلب ابن آدم بكل واد) قال الطيبي لا بد فيه من تقدير أي في كل واد له (شعبة) من شعب الدنيا يعني أن أنواع المتفكر فيه بالقلب متكثرة مختلفة باختلاف الأغراض والشهوات والنيات وإذا كانت القلوب كثيرة الالتفات سريعة التقلب والحركات فلا بد للعبد من جمع همته عن بعض الجهات والاعراض عن غيرها لئلا يتبدد همه (فمن) جعل همه الآخرة فاز ومن خالف (وأتبع
[ 603 ]
قلبه الشعب) وتشعب القلب همومه المتشعبة وأمانيه وأوديته طرق الهوى إلى أنواع شهوات الدنيا (كلها لم يبال الله تعالى بأي واد أهلكه) لاشتغاله بدنياه وإعراضه عن مولاه (ومن توكل على الله كفاه الشعب) أي كفاه مؤونة حاجاته المتشعبة المختلفة فإذا قطع العبد شغل جوارحه عن الدنيا في وقت فكرته وتقيده ومنع قلبه من التشتت في ميادين الأمور الدنيوية اجتمع همه وحضر عقله فإذا حضر له ذلك ثم تفكر بالتوكل على الرحمن لا على عقله فتحت له الفكرة باب الفهم لكلام ربه ومعرفته ومواقع وعده ووعيده * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * [ ق : 37 ] قيل (باع) ابن عمر حمارا له وقال كان لنا موافقا لكنه أذهب شعبة من قلبي فبعته لذلك والشعبة الظائفة والقطعة من الشئ قال الزمخشري شعبة الشئ ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعبة الجبال ما تفرق من رؤوسها فأصل الشعب وما اشتق منه للتفريق وإنما قيل لضده وهو الملامة لوقوعها عقب التفريق أو بعده اه . وقد أبان الخبر أن القلب هو محل العلوم والمعارف والأفعال الاختيارية وأن الحواس معه كالحجاب مع الملك لأنها تدرك المعلومات ثم تؤديها إليه ليحكم عليها ويصرف فيها فهي آلات وخدمة له وهي معه كملك مع رعيته وهو محل العقل عند الأكثر * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * * (ولكن تعمى القلوب) * [ الحج : 46 ] وبه رد على القائلين بأنه في الدماغ كأبي حنيفة والأطباء (ه عن عمرو بن العاص) وفيه صالح بن رزين قال في الميزان حدث بحديث منكر ثم ساق هذا الخبر . 2344 - (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين) أي هو سبحانه قادر على تقليب القلوب باقتدار تام كما يقال فلان بين أصبعي ويراد به كمال التصرف فيه فهو تمثيل أو أراد بالأصبعين الداعيتين لأن القلب صالح لميله إلى الإيمان والكفر ولا يميل لأحدهما إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى قال الطيبي وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على أمته (من أصابع الرحمن) نسب تقلب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تولى بنفسه أمر قلوبهم ولم يكله لأحد من ملائكته وخص الرحمن تعالى بالذكر إيذانا بأن ذلك لم يكن إلا لمحض رحمته وفضل نعمته كي لا يطلع أحد غيره على سرائرهم ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ذكره القاضي واعتراضه بأنه جاء في رواية من أصابع الله فلا يتم ما ذكره في حيز الرد لأن عدم إشعار إحدى الروايتين بفائدة زائدة لا ينافي إشعار الأخرى (كقلب واحد يصرفه حيث) وفي رواية كيف (يشاء) أي يتصرف في جميع قلوبهم كتصرفه في قلب واحد لا يشغله قلب عن قلب أو معناه كتصرف واحد منكم في قلب واحد فهو إشارة إلى تمام قدرته على تصريفها ولا يشغله شأن عن شأن قال الطيبي وليس المراد أن تصرفه في القلب الواحد أسهل عليه من التصرف في القلوب كلها فإن ذلك عنده تعالى سواء * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * [ يس : 82 ] لكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوه فيما بينهم كقوله سبحانه * (وهو أهون عليه) * [ الروم : 27 ] أي أهون فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم وإلا فالإبتداء والإنشاء عنده سواء قال
[ 604 ]
الإمام الرازي وهذا عبارة عن كون القلب مقهورا محدودا مقصورا محصورا مغلوبا متناهيا وكلما كان كذلك امتنع أن يكون له إحاطة بما لا نهاية له فالإحاطة بجلاله متعذرة وفيه أن المؤمن ينبغي كونه بين الخوف والرجاء (حم م) في الإيمان بالقدر وكذا النسائي (عن ابن عمرو) بن العاص وتمامه عند مسلم ثم فال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم مصرف صرف قلوبنا على طاعتك) . 2345 - (إن كذبا علي) بفتح الكاف وكسر المعجمة (ليس ككذب) بكسر الذال (على أحد) غيري من الأمة فإن الكذب عليه أعظم أنواع الكذب لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام (فمن كذب علي متعمدا) أي غير مخطئ في الإخبار عنى بالشئ على خلاف الواقع (فليتبوأ) أي فليتخذ لنفسه (مقعده من النار) مسكنه أمر بمعنى الخبر أو بمعنى التحذير أو التهكم أو الدعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك واحتمال كونه أمرا حقيقة والمراد من كذب علي فليأمر نفسه بالتبوئ بعيد وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر قال الذهبي وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض قال : ولاح من هذا الخبر أن رواية الموضوع لا تحل (ق عن المغيرة) بن شعبة (ع عن سعيد بن زيد) ورواه أيضا البزار وأبو يعلى وكثيرون . 2346 - (إن كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا) في الإثم وبه صرح في رواية وهذا قاله لحفار أخرج عظما أو عضدا فذهب ليكسرها وخرج بقولهم في الإثم القصاص فلو كسر عظم ميت أو فقأ عينه فلا قود بل يؤدب لجرأته على المثلة (عب ص د ه عن عائشة) أم المؤمنين . 2347 - (إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة) يعني تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى من الذنوب كما يوضحه روايات أخر والمراد الصغائر وعلى هذا التقرير فالمراد بالصلاة المفروضة (حم طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي وإسناده حسن . 2348 - (إن لله تعالى عتقاء) من النار (في كل يوم وليلة) يعني من رمضان كما جاء في رواية أخرى (لكل عبد منهم) أي لكل إنسان من أولئك العتقاء (دعوة مستجابة) أي عند فطره أو عند بروز
[ 605 ]
الأمر بعتقه وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي (تنبيه) قال الحكيم دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب فربما يخرج شديد النور شمس تطلع وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب (حم عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري شك الأعمش (سمويه عن جابر) قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح كذا ذكره في موضع وأعاده في آخر وقال فيه أبان بن أبي عياش متروك . 2349 - (إن لله عبادا يعرفون الناس) أي أحوالهم وضمائرهم (بالتوسم) أي التفرس غرقوا في بحر شهوده فجاد عليهم بكشف الغطاء عن قلوبهم فأبصروا بها بواطن الناس واطلعوا على ضمائرهم وأما من شغل بنفسه ودواهيها فليس من أهل هذا الباب بل فراسته خدعت نفسه له حتى تدسه في التراب وتمام الحديث ثم قرأ * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * [ الحجر : 76 ] (تتمة) قال الداراني القلب بمنزلة قبة مضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح من القلب بعمله انفتح له باب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن الشهوات ولذلك كتب عمر إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنه ينجلي لهم أمور صادقة ، وقال بعضهم يد الله على أفواه العلماء لا ينطقون إلا بما هيأه الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن الله يطلع الخاشعين على بعض سره وقال الجنيد المحدث إذا قرن بالقديم اضمحل ولم يبق له أثر وشتان بين من ينطق عن درسه أو نفسه وبين من ينطق عن ربه * (وما ينطق عن الهوى) * [ النجم : 3 ] وقال ابن عربي لا تنكر على الصوفية النطق عن الغيب مع إيمانك بالمثال المحسوس : أن المرآة إذا صقلت وجلى عنها الصدأ وتجلت صورة الناظر فيها أليس يرى نفسه حسنا أو قبيحا فإن جاء أحد خلفه تجلت صورته في المرآة فأبصره على أية صورة هو ولم يره بعينه المعهودة فمن عمد إلى مرآة قلبه فجلاها من صدأ الأغيار وأماط عنها كل حجاب يحجبها عن تجلي صور المعقولات والمغيبات بأنواع الرياضات والمجاهدات صفت وتجلى فيها كل ما قابلها من المغيبات فنطق على شاهد ووصف ما رأى * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * [ النجم : 11 ] (الحكيم) الترمذي في نوادره (والبزار) في مسنده وكذا الطبراني وأبو نعيم وابن جرير وابن السني (عن أنس) قال الهيثمي إسناده حسن وتبعه السخاوي لكن في الميزان عن أبي حاتم في ترجمة بشر بن الحكم أنه روى خبرا منكرا وهو هذا والله أعلم . 2350 - (إن لله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس) أي بقضائها ولفظ رواية الطبراني بدل عبادا اختصهم إلى آخره : خلقا خلقهم لحوائج الناس (يفزع الناس إليهم) أي يلجئون إليهم ويستغيثون بهم (في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله) أضافهم إليه إضافة اختصاص وخصهم
[ 606 ]
بالنيابة عنه في خلقه وجعلهم خزائن نعمه الدينية والدنيوية لينفقوا على المحتاجين فيجب شكر هذه النعمة ومن شكرها بذلها للطالبين وإغاثة الملهوفين ليحفظ أصول النعم وتثمر الزيادة من المنعم كما خص قوما بحجج العلوم الدينية في العقائد وبعلوم شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعرفة الحلال والحرام في الفروع الفقهية فإن هؤلاء قوم عرفوا الله معرفة التوحيد واعترفوا له باللسان وقبلوا العبودية وقاموا بحقوق الخلق إعظاما لجلال الحق فجوزوا بالأمان من عذاب النيران وهذا يوضحه خبر الطبراني أيضا (إن لله عبادا استخصهم لنفسه لقضاء حوائج الناس وآلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة أجلسوا على منابر من نور يتحادثون إليه والناس في الحساب) (طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه شخص ضعفه الجمهور وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . 2351 - (إن لله تعالى عند كل فطر) أي وقت فطر كل يوم من رمضان وهو تمام الغروب (عتقاء) من صائمي رمضان (من النار) أي من دخول نار جهنم (وذلك) يعني العتق المفهوم من عتقاء (في كل ليلة) أي من رمضان كما جاء مصرحا به في روايات أخر وهذا أيضا معلم بعظم فضل الشهر وصومه (ه عن جابر) بن عبد الله (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجال أحمد والطبراني موثقون انتهى وقال البيهقي عقب تخريجه هذا غريب ومن رواية الأكابر عن الأصاغر وهي رواية الأعمش عن الحسين بن واقد اه . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ولكن رد . 2352 - (إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد) أي لأجل منافعهم (ويقرها فيهم ما بذلوها) أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق (فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم) لمنعهم الإعطاء للمستحق * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * [ الرعد : 11 ] فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة * (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) * [ القصص : 77 ] (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي كتابه المؤلف في فضل قضاء حوائج الناس (طب حل) وكذا البيهقي في الشعب والحاكم بل وأحمد ولم يحسن المصنف بإهماله (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي فيه محمد بن حسان السمبتي وفيه لين ووثقه ابن معين يرويه عن أبي عثمان عبد الله بن زيد الحمصي وقد ضعفه الأزدي .
[ 607 ]
2353 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) منها ما هو ثبوتي ومنها ما هو سلبي ومنها ما هو اعتبار فعل من أفعاله لكنها توقيفية على الاصح فلا يحل اختراع اسم أو وصف له إلا بقرآن أو خبر صحيح مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب ولم يذكر لنحو مقابلة أو مشاكلة (مائة إلا) اسما (واحدا) بدل من اسم إن أو تأكيد وأنصب بتقدير أعني وزاده حذرا من تصحيف تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أو مبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس (من أحصاها) حفظها أو أطاق القيام بحقها أو عرفها أو أحاط بمعانيها أو عمل بمقتضاها بأن وثق بالرزق إذ قال الرزاق مثلا وهكذا وعدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا والفضل للمتقدم وسيجئ ما يؤيده (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وليس في الخبر ما يفيد الحصر في هذا العدد لأن قوله من أحصاها صفة تسعة وتسعين ويدل لعدم الحصر خبر أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وخصها لأنها أشهرها أو أظهرها معنى أو لتضمنها معاني ما عداها أو لأن العدد زوج وفرد والفرد أفضل ومنتهى الإفراد بلا تكرار تسعة وتسعون أو لغير ذلك كما سبق توضيحه . (فائدة) قال العارف ابن عربي الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم يغمض عليه شئ من علم الحقائق وهي معرفة أسماء الله تعالى ومعرفة التجليات ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ومعرفة كمال الوجود ونقصه ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ومعرفة الخيال ومعرفة العلل والأدوية (ق ت ه عن أبي هريرة وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب . 2354 - (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما) بالنصب على التمييز أي من جملة أسمائه هذا القدر فليس فيه نفي غيرها وقد نقل ابن عربي إن لله تعالى ألف اسم قال وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مددا ، وإنما خص هذه لشهرتها ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا تعلم إلا من طريق الوحي والسنة ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف وإن جوزه العقل وحكم به القياس فالنقصان عنه كالزيادة غير مرضي وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسما للمادة وإرشادا للاحتياط بقوله (مائة) بالنصب على البدل (إلا) اسما (واحدا) وفي رواية للبخاري إلا واحدة بالتأنيث ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة (لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) فيه دلالة على أن معنى أحصاها في الخبر المار حفظها وبه صرح البخاري (وهو وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما ينبئ عنه جعل الصلاة خمسا
[ 608 ]
والطهارة ثلاثا والطواف سبعا والصوم في السنة شهرا واحدا والحج في العمر مرة واحدة والزكاة في الحول مرة وعدد ركعات الصلاة في الحضر سبع عشرة وفي السفر إحدى عشر وقيل معناه يحب الوتر أي المخلص في عبادته الذي تفرد تعالى بها وقيل غير ذلك (ق عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره . 3255 - (إن لله تعالى ملائكة) جمع ملك ونكره على معنى بعض صفته كذلك (سياحين) بسين مهملة من السياحة وهي السير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها أصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط (في الأرض في مصالح بني آدم وفي رواية بدله في الهواء (يبلغوني من) وفي رواية عن (أمتي) أمة الإجابة (السلام) ممن يسلم علي منهم وإن بعد قطره وتناءت داره أي فيرد عليهم سماعه منهم كما بين في خبر آخر وهذا التعظيم للمصطفى صلى الله عليه وسلم وإجلالا لمنزلته حيث سخر الملائكة الكرام لذلك قال السبكي قال ابن بشار تقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فسمعت من داخل الحجرة الشريفة وعليك السلام (حم ن) في الصلاة (حب ك) في التفسير كلهم (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح قال الحافظ العراقي الحديث متفق عليه دون قوله سياحين . 3256 - (إن لله تعالى ملائكة ينزلون في كل ليلة) من السماء إلى الأرض (يحسون الكلال عن دواب الغزاة) أي يذهبون عنها التعب والنصب بحسها وإسقاط التراب عنها وفي رواية يحسرون أي يكشفون (إلا دابة) فرسا أو نحوها مما أعد للكر والفر أو الحمل لمتعلقات الغزو (في عنقها جرس) بالتحريك وروي بسكون الراء أي جلجل أي صوت جلجل فإن الملائكة لا تدخل مكانا فيه ذلك وهذا زجر شديد عن تعليق الجلاجل بالدواب فيكره ذلك تنزيها ولا فرق بين الجرس الكبير والصغير خلافا لبعضهم (طب) من رواية عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن يحيى عن عباد عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي رحمه الله في المغني سنده ضعيف وبينه في شرح الترمذي فقال وعباد بن كثير ضعيف وقال تلميذه الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يدفع عدالته . 2357 - (إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم) أي كأنها تركب ألسنتها على
[ 609 ]
ألسنتهم كما في التابع والمتبوع من الجن (بما في المرء من الخير والشر) لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهرا للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة فيستفيض ذلك على الألسنة وضده من استحكمت فيه مادة الخبث ومن ثم لم تزل سنة الله جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار * (ليميز الله الخبيث من الطيب) * [ الانفال : 37 ] في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار (ك) في الجهاد (هب عن أنس) قال مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت أي الجنة ومر بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت أي النار فسئل عنه فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي . 2358 - إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة) أي مكتوبة ولا يلزم من ذلك سماعنا لندائه بعد ذلك بإخبار الشارع (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم) يعني خطاياكم التي ارتكبتموها وظلمتم بها أنفسكم حتى أعدت لكم مقاعد في جهنم التي وقودها الناس والحجارة (فأطفئوها بالصلاة) أي امحوا أثرها بفعل الصلاة فإنها مكفرة للذنوب وفي رواية بالصدقة وفعل القربات يمحو الخطيئات وفي هذا من تعظيم حرمة الصلاة والصدقة وتأكيد شأنها مما لا يخفى توقعه في الدين فعلم أن فعل القربات تمحو الخطيئات . أخرج الحكيم عن نافع قال : خرجت عنق من النار لا تمر على شئ إلا أحرقته فأخبر بها عمر رضي الله عنه فصعد المنبر وقال : يا أيها الناس أطفئوها بالصدقة فجاء ابن عوف بأربعة آلاف فقال ابن عمر : ماذا صنعت خسرت الناس فتصدقوا فطفئت فقال عمر : لو لم تفعل لذهبت حتى أنزل عليها (طب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي فيه أبان بن أبي عياش ضعفه شعبة وأحمد ويحيى . 2359 - (إن لله تعالى ملكا موكلا) لفظ رواية الحاكم إن ملكا موكلا كذا رأيته بخط الذهبي وغيره من الحفاظ (بمن يقول يا أرحم الراحمين) أي بمن يتلفظ بها ثلاثا عن صدق وإخلاص بمطابقة القلب واللسان (فمن قالها) كذلك (ثلاثا) من المرات (قال له الملك) الموكل به (إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك) أي بالرحمة والرأفة واستجابة الدعاء (فسله) فإنك إن سألته أعطاك سؤلك وهل المراد أن كل إنسان يقول ذلك يوكل به ملك مخصوص أو ملك واحد موكل بالكل الأقرب الأول لكثرة قائلي ذلك في خلق الله تعالى وتفرقهم في الأقطار وتواصل ذلك القول آناء الليل وأطراف النهار وهذا حث على لزوم الدعاء عقب قول ذلك (ك) من حديث كامل بن طلحة عن فضالة (عن أبي أمامة) ثم صححه وتعقبه الذهبي وقال فضالة ليس بشئ فأين الصحة ؟
[ 610 ]
2360 - (إن لله تعالى ملكا لو قيل له) أي لو قال الله له (التقم) أي ابتلع (السماوات السبع والأرضين) السبع بمن فيهما (بلقمة واحدة لفعل) أي لأمكنه فعل ما أمره به بلا مشقة لعظم خلقه (تسبيحه سبحانك) أي أنزهك يا ألله (حيث كنت) وهذا مسوق لبيان عظم أجرام الملائكة وعظيم خلق الله تعالى وباهر سلطانه وأنه سبحانه ليس بمتصل بهذا العالم كما أنه غير منفصل عنه قال في المصباح واللقمة اسم لما تلقم في مرة كجرعة اسم لما يجرع في مرة ولقمه الشئ لقما من باب تعب والتقمته أكلته بسرعة (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) وقال تفرد به وهب ابن رزق قال الهيثمي ولم أر من ذكر له ترجمة . 2361 - (إن لله تعالى ما أخذ) من الأولاد وغيرهم لأن العالم كله ملكه فلم يأخذ ما هو للخلق بل ما هو له عندهم في معنى العارية (وله ما أعطى) أي ما أبقى لنا فإذا أخذ شيئا فهو الذي كان أعطاه فإن أخذه وأخذ ماله فلا ينبغي الجزع لأن مستوى الأمانة يقبح عليه الجزع لاستعادتها وما فيها مصدرية أو موصولة وقدم الأخذ وإن تأخر في الواقع لأنه في بيان ما قبض ثم أكد هذا المعنى بقوله : (وكل شئ) بالرفع على الابتداء وروي بالنصب عطفا على اسم إن أي كل شئ من الأخذ والإعطاء أو من الأنفس أو مما هو أعم فنحن وكل ما بأيدينا ملكه وفي ملكه وسلطانه يتصرف كيف يشاء (عنده) أي في علمه (بأجل مسمى) أي معلوم مقدر فلا يتقدم شئ قبل أجله ولا يتأخر عنه فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم معرفا إيابا بما الأمر عليه ليسلم الأمر إليه فيرزق درجة التسليم والتفويض مع بذل المجهود فيما يحبسه منا أن يرجع فيه إليه بحسب الحال في المخالفة بالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على الموافقة ومن استحضر ذلك هانت عليه المصائب وتصبر على فقد الحبائب وهذا قاله لابنته حين أرسلت تدعوه إلى ابن لها في الموت فأرسل يقرئها السلام ويقول لها ذلك فعلمها به حقيقة التوحيد وهذه الحقيقة توجب السكوت تحت مجاري الأقدار . قال النووي رحمه الله هذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض (حم ق م د ن ه) كلهم في الجنائز (عن أسامة بن زيد) بألفاظ متقاربة . 2362 - (إن لله تعالى ريحا يبعثها) أي يرسلها (على رأس مائة سنة) تمضي من ذلك القرن (تقبض روح كل مؤمن) ومؤمنة المراد أن ذلك يكون في آخر الزمان على رأس قرن من القرون لا أنه
[ 611 ]
يكون على رأس مائة سنة من قوله قال المؤلف هذه المائة قرب الساعة وابن الجوزي ظن أنها المائة الأولى من الهجرة وليس كذلك (ع والروياني) في مسنده (وابن قانع) في معجمه (ك) في الفتن (والضياء) في المختارة كلهم (عن بريدة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح اه وأخطأ ابن الجوزي في حكمه بوضعه . 2363 - (إن لله تعالى في كل يوم جمعة) قيل أراد بالجمعة الأسبوع عبر عن الشئ بآخره لأنه مما يتم به ويوجد عنده (ستمائة ألف عتيق) يحتمل من الآدميين (ويحتمل من غيرهم أيضا كالجن يعتقهم من النار) أي من دخول نار جهنم يوم القيامة (كلهم قد استوجبوا النار) أي دخولها بمقتضى الوعيد والظاهر أن المراد بالستمائة ألف التكثير وأنهم فوق ذلك بكثير ورحمته سبقت غضبه فإن فرض إرادة التحديد فجملة ذلك ثمانية عشر ألف ألف إن كان رمضان كاملا فإن كان ناقصا فيكون سبعة عشر ألف ألف وأربعمائة ألف (ع عن أنس) ورواه عنه من طريق أخرى ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب قال الدارقطني في العلل والحديث عن ثابت انتهى وأقره عليه الحافظ العراقي وأورده في الميزان في ترجمة أزور بن غالب التيمي من حديثه وقال منكر الحديث أتى بما لا يحتمل فكذب وفي اللسان بعد ما ساق الحديث قال أبو زرعة ليس بقوي وقال الساجي منكر الحديث وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد كان يخطئ ولا يعلم . 2364 - (إن لله تعالى مائة خلق) أي وصف (وسبعة عشر) وفي رواية ستة عشر وفي أخرى بضعة عشرة خلقا بالضم فيهما وفي رواية بدل خلقا شريعة (من أتاه) يوم القيامة (بخلق منها) أي واحد (دخل الجنة) قال الحكيم كأنه يريد أن من أتاه بخلق واحد منها وهب له جميع سيئاته وغفر له سائر ذنوبه وفي خبر أن الأخلاق في الخزائن فإذا أراد الله بعبد خيرا منحه خلقا منها ألا ترى أن المفرط في دينه المضيع لحقوقه يموت وهو صاحب خلق من هذه الأخلاق فتنطلق الألسنة بالثناء عليه فأخلاق الله أخرجها لعباده من باب القدرة وخزنها لهم في الخزائن وقسمها بينهم على قدر منازلهم عنده فمنهم من أعطاه منها واحدة ومنهم من أعطاه خمسة وعشرا وأكثر أو أقل فمن زاد منها ظهر منه حسن معاملة الخلق والخالق هلى قدر تلك الأخلاق ومن نقصه منها ظهر عليه بقدره فهذه أخلاق وأكثرها مما سمي به والذي لم يسم به داخل فيما سمي به لأن اللين والرزانة من الحلم والرأفة والرحمة من النزاهة فمنحه الله إياه واحدة من هذه الأخلاق أن يعطيه نور ذلك الاسم فيشرق نوره على قلبه وفي صدره فيصير لنفسه بذلك الخلق بصيرة فيعتادها ويتخلق بها فحقيق بمن أكرمه بذلك أن يهب له مساويه ويستره بعفوه ويدخله جنته وقد عد في بعض الروايات من تلك الأخلاق كظم الغيظ والعفو عند القدرة
[ 612 ]
والصلة عند القطيعة والحلم عند السفه والوقار عند الطيش ووفاء الحق عند الجحود والإطعام عند الجوع والقطيعة عند المنع والإصلاح عند الإفساد والتجاوز عن المسئ والعطف على الظالم وقبول المعذرة والإنابة للحق والتجافي عن دار الغرور وترك التمادي في الباطل فإذا أراد الله بعبد خيرا وفقه لتلك الأخلاق وإن أراد به شرا خلى بينه وبين أخلاق إبليس التي منها أن يغضب فلا يرضى ويسمع فيحقد ويأخذ في شره ويلعب فيلهو (تتمة) قال ابن عربي سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه أي هو متخلق بأخلاق الله تعالى حتى كأنه هو وما هو هو (تنبيه) لم يصرح في هذا الحديث في أي مكان هذه الأخلاق ولم يصرح بأن الآتي بشئ من هذه الأخلاق شرطه الإسلام وقد بين ذلك في حديث آخر روى الطبراني عنه في الأوسط مرفوعا (إن لله عز وجل لوحا من زبرجدة خضراء تحت العرش كتب فيه أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة) وإسناده حسن ولا منافاة بين قوله في الحديث المشروع مائة وقوله في الحديث ثلثمائة لأنا إن قلنا أن مفهوم العدد ليس بحجة فالقليل لا ينفي الكثير وإلا فيمكن أن يقال إن منها مائة وسبعة عشر أصول والباقي متشعبة عنها داخلة تحتها فأخبر مرة بالأصول وأخرى بها وما تفرع عنها (الحكيم) الترمذي (ع هب) من حديث عيد الواحد بن زيد عن عبد الله بن راشد مولى عثمان (عن عثمان) ابن عفان ثم قال أعني البيهقي هكذا رواه عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد وليس بقوي في الحديث وقد خولف في إسناده ومتنه اه ولما عزاه الهيثمي إلى أبي يعلى قال فيه عبد الله بن راشد ضعيف اه وقال في اللسان قال ابن عبد البر عبد الواحد بن زيد الزاهد أجمعوا على تركه وقال ابن حبان يقلب الأخبار من سوء حفظه وكثرة وهمه فاستحق الترك اه وعبد الله بن راشد ضعفوه وبه أعل الهيثمي الخبر كما تقرر لكنه عصب الجناية برأسه وحده فلم يصب . 2365 - (إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد) أي قوة يقتدر بها على سماع ما ينطق به كل مخلوق من إنس وجن وغيرهما (فليس من أحد يصلي علي) صلاة (إلا) سمعها و (أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد) أي إنسان (صلاة) واحدة (وإلا صلى عليه عشر أمثالها) هذه إحدى الروايتين للطبراني عن عمار وفي رواية ثانية له عنه إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه وقال : يا محمد صلى عليك فلان فيصلي الرب تعالى وتبارك عليه بكل واحدة عشرة (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي فيه نعيم بن ضمضم ضعيف وابن الحميري لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . 2366 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) الاسم كلمة وضعت بإزاء مسمى متى أطلقت
[ 613 ]
فهم منها ذلك المسمى (مائة غير واحدة) قال الرافعي في أماليه قاله دفعا لتوهم أنه للتقريب ودفعا للاشتباه وقال البيضاوي فائدة التأكيد المبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس أو لئلا يلتبس تسعة وتسعين بسبعة وتسعين أو سبعة وسبعين أو تسعة وسبعين من زلة الكاتب وهفوة القلم فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور وتأنيث واحدة لإرادة الكلمة أو الصفة أو التسمية وهذا العدد لا يدل على الحصر هنا فقد ثبت في الكتاب الرب المولى ، النصير ، المحيط ، الكافي ، العلام وغير ذلك وفي السنة الحنان المنان الجميل وغيرها وخصها بالذكر لكونها أشهر لفظا وأظهر معنى وهذا ذكره القاضي وسيجئ عن الطيبي ما يرده (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويرضاه ويقبله (وما من عبد) أي إنسان (يدعو) الله بها أي بهذه الأسماء (إلا وجبت له الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير سبق عذاب بشرط صدق النية وخلوص الطوية (تتنبيه) قال ابن عربي كل حكم يثبت في باب العلم الإلهي للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام ونسب وإضافات وسلوب فالكثرة في النسب لا في العدد وهنا زل قدم من شرك بين من يقبل التشريك ومن لا يقبله عند كلامهم في الصفات واعتمدوا فيه على الأمور الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبا وشاهدا فأما شاهدا فقد يسلم وأما غائبا فلا (حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه . 2367 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما (من أحصاها) أي من قرأها كلمة كلمة على منهج الترتيل كأنه يعدها أو من عدها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها أو من أطاقها أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها بأن تأمل معانيها واستعمل نفسه فيما يناسبها فالمعنى الأول عام والثاني خاص والثالث أخص ولذا قبل الأول للعوام والثاني للعلماء والثالث للأولياء (دخل الجنة) يعني من أتى عليها حصرا وتعدادا وعلما وإيمانا فدعا الله بها وذكره وأثنى عليه استحق بذلك دخول الجنة قال القاضي وأسماء الله ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته واعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والاول ، أو الحقيقة كالعليم والقادر ، أو الاضافية كالحميد والملك ، أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرازق (هو الله) علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الآنية بعده قيل أصله لاها بالسريانية فعرب وقيل عربي وضع لذاته وصف في أصله لكنه غلب عليه فلم يستعمل في غيره ولا في الكفر كما مر تفصيله (الذي لا إله إلا هو) صفته (الرحمن الرحيم) اسمان بنيا من الرحمة وهي لغة رقة تقتضي الإنعام على من رق له فرحمة الله إما إرادة الإنعام ودفع الضر وإما نفس الإنعام والدفع والرحمن أبلغ لزيادة بنائه كما سلف فراجعه وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراشره إلى جناب قدسه فيتوكل عليه ويلتجئ فيما يعن له إليه ويشغل سره بذكره استبدادا به عن غيره ويرحم عباد الله فيعاون المظلوم ويدفع الظالم عن ظلمه بالتي هي أحسن وينبه الغافل وينظر إلى العاصي بعين الرحمة لا الإزدراء (الملك) ذو الملك والمراد به القدرة
[ 614 ]
على الإيجاد والإختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه أو المتصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء (القدوس) المنزه عن سمات التقص وموجبات الحدوث فعول من القدس وهو الطهارة ، قال بعضهم حقيقة القدس الإعتلاء عن قبول التغير ، ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأراضي والقدوس هو الذي لا يجوز عليه نقص في ذات ولا وصف ولا فعل ولا اسم وبذلك يتصف الملك على الإطلاق وإنما أتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بنحو جور وظلم وغيرهما فأبان أن ملكه ملك لا يعرض له تغير أصلا (السلام) المسلم عباده من المهالك أو المسلم عليهم في الجنة أو ذو السلامة من كل آفة ونقص وهو مصدر نعت به وقيل مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنان بدليل * (سلام قولا من رب رحيم) * [ يس : 58 ] (المؤمن) أي المصدق رسله بقوله الصدق أو الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد طرق المخاوف وإفادة آلات تدفع بها المضار ، أو الذي يؤمن الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر (المهيمن) الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من هيمن الطير إذا نشر جناحه على فرخه وصونا له أو معناه الشاهد أي العالم أو الشاهد على كل نفس بما كسبت وقيل أصله مؤيمن قلبت الهمزة هاء ومعناه الأمين الصادق أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم . قال الحرالي : وهذا من الأسماء التي علت بعلو معناها عن مجاز الاشتقاق وهو اسم جامع لمعنى العلم والكلام (العزيز) ذو العزة أو المعتز أو الرفيع أو النفيس أو العديم النظر أو القاهر لجميع الممكنات قولا وفعلا وفسره إمام الحرمين بالغلبة . قال بعضهم : ويكنى به عن التمكن من إمضاء الأحكام بإمضاء القدرة وإحاطة العلم بحكم الترتيب على مقتضى اسم الملك فهو اسم جامع لمعنى القدرة (الجبار) من الجبر وهو إصلاح الشئ بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد نحو يا جابر كل كسير وتارة في القهر المجرد ثم تجوز فيه لمجرد العلو لأن القهر مسبب عنه فقيل معناه المصلح لأمور خلقه على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال وقيل معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكافرين ويؤثر فيه قصد القاصدين (المتكبر) ذو الكبرياء وهو الملك أو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إليه فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى وتقدس فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة لكل شئ من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم (الخالق) من الخلق وأصله التقدير المستقيم فتبارك الله أحسن الخالقين أي المقدرين * (وتخلقون إفكا) * [ العنكبوت : 17 ] أي تقدرون كذبا ويستعمل بمعنى الإبداع وإيجاد الشئ من غير أصل كقوله تعالى * (خلق الله السماوات والأرض) * [ العنكبوت : 44 ] بمعنى التكوين نحو خلق الإنسان من نطفة فالله خالق كل شئ بمعنى أنه مقدره أي موجده من أصل أو غير أصل (الباري) من البرء وأصله خلوص الشئ من غيره إما على منهج التقصي كبرئ فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء منه ومنه برأ الله النسمة وهو البارئ لها وقيل البارئ الذي
[ 615 ]
خلق الخلق برئ من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الأكمل يميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة (المصور) مبدع صور المخترعات ومزينها بحكمته فهو من معاني الحكيم والمعرفة بهذه الأسماء الثلاثة تنفي التدبير والإختيار لقوله تعالى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * [ القصص : 68 ] ما كان لهم من الخيرة أي ما جعلناها لهم لأن الذي يخلق ما يشاء هو الذي يختار ما يشاء فيهيئ كل مخلوق لما أعد له ويظهره في الصورة التي شاء أن يركبه فيها (الغفار) من الغفر وهو ستر الشئ بما يصونه ومعناه ستار القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بها والعفو عنها في العقبى وقال الحرالي من الغفر وهو ستر ما يقتضي العلم غيبة وترك العقاب يلحقه من معنى العفو بالإهلاك (الوهاب) كثير النعم دائم العطاء (الرزاق) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها والرزق وهو المنتفع به وكل شئ ينتفع به فهو رزق هبة مباحا أو حراما (الفتاح) الحاكم بين الخلائق من الفتح بمعنى الحكم أو مبدئ الفتح قال في الكشاف والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق وقيل هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية وقيل مبدع الفتح والنصر (العليم) لكل معلوم أو البالغ في العلم فعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات محيط بها سابق على وجودها (القابض) الذي يضيق الرزق على من أراد (الباسط) الذي يوسعه لمن يشاء وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة (الخافض) الذي يخفض الكفار بالخزي والصغار (الرافع) الذي يرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز فيخفض أعداءه بالإذلال والإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد (المعز) الذي يجعل من يشاء مرغوبا فيه والإعزاز الحقيقي تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوة وجعله غالبا على أمره قاهرا على نفسه (المذل) الذي يجعل من يشاء مرغوبا عنه والإذلال ضد الإعزاز الحقيقي (السميع) مدرك كل مسموع (البصير) مدرك جميع المبصرات وهما في حقه صفتان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما (الحكم) الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب وقيل أصله المنع وسمي العلم حكما لأنها تمنع صاحبها عن شيم الجهال (العدل) العادل البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله (اللطيف) أي الملطف كالجميل بمعنى المجمل أو العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها أو المحسن الموصل للمنافع برفق وقال الحرالي اللطيف من اللطف وهو إخفاء الأمور في صور أضدادها من نحو ما أخفى ليوسف عليه الصلاة والسلام أناله الملك في إلباس ثوب الرق حتى قال * (إن ربي لطيف لما يشاء) * [ يوسف : 100 ] (الخبير) العليم ببواطن الأمور من الخبرة وهو العلم بالخفايا الباطنة أو المتمكن من الإخبار عما علمه (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال عقوبة وتسارع إلى الانتقام (العظيم) من عظم الشئ إذا كبر عظمة ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين كالفيل والجمل أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالسماء والأرض ثم لكل شئ كبير القدر على الرتبة وعلى هذا القياس والعظيم
[ 616 ]
المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر ولا بصيرة هو الله سبحانه (الغفور) كثير المغفرة وهي صيانة العبد عما يستوجبه من الانتقام بالتجاوز عن ذنبه من الغفر وهو إلباس الشئ ما يصونه عن الدنس قيل والغفار أبلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينهما أن المبالغة في الغفور من جهة الكيفية وفي الغفار من جهة الكمية (الشكور) الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثني على عباده المطيعين أو المجازي عباده على شكرهم (العلي) فعيل من العلو وهو البالغ في علو المرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه (الكبير) نقيض الصغير وهما في الأصل يستعملان في الأجسام باعتبار مقاديرها ثم لعالي الرتبة ودانيها والله تعالى كبير بالمعنى الثاني إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول (الحفيظ) الحافظ جدا يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء (المقيت) خالق الأقوات البدنية والروحانية وموصلها إلى الأشباح والأرواح أو المقتدر أو الحافظ للشئ أو المشاهد له (الحسيب) الكافي في الأمور من أحسبني إذا كفاني فعيل بمعنى مفعل كالأثيم أو المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى فاعل وقيل الشريف والحسب الشرف (الجليل) المنعوت بنعوت الجلال وهو من الصفات التنزيهية كالقدوس قاله الإمام الرازي والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير الكامل في الذات والجليل الكامل في الصفات والعظيم الكامل فيهما (الكريم) المتفضل الذي يعطي من غير مسألة ولا وسيلة أو المتجاوز الذي لا يستقصي في العقاب أو المقدس من النقائص والعيوب (الرقيب) الذي يراقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (المجيب) للداعي إذا دعاه (الواسع) الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه كافة خلقه أو المحيط علمه بكل شئ (الحكيم) ذو الحكمة وهي عبارة عن كمال العلم وإحسان العمل والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم أو هو مبالغة الحاكم (الودود) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في جميع الأحوال والمحب لأوليائه (المجيد) مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم (الباعث) لمن في القبور للنشور أو باعث الأرزاق لعباده والأولى تفسيره بالأعم (الشهيد) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظواهر الأشياء وما تمكن مشاهدته كما أن الخبير العالم ببواطنها وما يتعذر الإحساس به أو مبالغة الشاهد والمعنى يشهد على الخلق يوم القيامة (الحق) الثابت وفي مقابلته الباطل الذي هو المعدوم أو المحق أي المظهر للحق (الوكيل) القائم بأمور العباد وقال الحرالي من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفها فهو سبحانه الوكيل على كل شئ بحكم إقامته له (القوي) الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يمسه نصب ولا لعب ولا يدركه قصور ولا تعب والقوة تطلق على معان مترتبة أقصاها القدرة التامة البالغة إلى الكمال والله سبحانه وتعالى قوي بهذا المعنى أو الذي لا يستولي عليه العجز بحال وقال الحرالي : المقوي من القوي وهي وسط ما بين الحول وظاهر القدرة لأن أول ما يوجد في الباطن من منة العمل ويسمى حولا ثم يحس به في الأعضاء مثلا
[ 617 ]
يسمى قوة وظهور العمل بصورة البطش والتنازل يسمى قدرة ولذلك كان في كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله رجع بالأمور والأعمال الظاهرة إلى مسند أمر الله انتهى وأبان بهذا أن القوة أمر زائد على القدرة ومثله في الخلائق ليقرب فهمه وإلا فتعالى ربنا عن الاتصاف بصفات الأجسام من الأعضاء والإحساس والظاهر والباطن في وصفه (المتين) الذي له كمال القوة بحيث لا يعارض ولا يشارك ولا يدانى ولا يقبل الضعف في قوته ولا يمانع في أمره بل هو الغالب الذي لا يغالب ولا يغلب ولا يحتاج في قوته لمادة ولا سبب (الولي) المحب الناصر أو متولي أمر الخلائق (الحميد) المحمود المستحق للثناء وقال الحرالي من الحمد وهو ثبوت مقتضيات الثناء المستغرق الذي لا يشذ عنه وصف ولا يعقبه تطرق بذم (المحصي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده وقيل هو القادر قال الحرالي من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء وما شأنه التعداد (المبدئ) المظهر من العدم إلى الوجود (المعيد) الذي يعيد المعدوم وقال الحرالي : الوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في قوله * (إنه هو يبدئ ويعيد) * [ البروج : 13 ] فيبدئ من الإبداء وهو الإظهار على وجه التطويل المهئ للإعادة فهو سبحانه وتعالى بدأ الخلق على نحو ما يعيدهم عليه فهو بذلك المبدئ والمعيد (المحيي) ذو الحياة وهو الفعال الدراك معطي الحياة لمن شاء حياته (المميت) خالق الموت ومسلطه على من يشاء قال الحرالي والوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في * (لا إله إلا هو يحيي ويميت) * [ الاعراف : 158 ] فيحيي من الإحياء وهو الإظهار من غيب عن تكامل تكون الأمانة على مظهر تكامله عودا من نهاية ذلك التكامل تغييبا إلى بعض ذلك الغيب الذي هو مبدأ التكامل أي فحقيقة الحياة تكامل في الظهور وحقيقة الموت تراجع إلى الغيب (الحي القيوم) القائم بنفسه المقيم لغيره على الدوام على أعلى ما يكون من القيام فإن قوامه بذاته وقوام كل شئ به فيعول للمبالغة (الواجد) الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شئ أو الغنى مأخوذ من الوجد (الماجد) يعني المجيد إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد (الواحد) المتعال عن التجزئ فإن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ويكره إطلاق الواحد بهذا المعنى والله تعالى من حيث تعاليه عن أن يكون له مثل فيطرق ذاته التعدد والاشتراك أحد ومن حيث أنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد وقال الأزهري الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول جاءني واحد من الناس ولا تقول جاءني أحد فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير والأحد منفرد بالمعنى (الصمد) السيد سمي به لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد في الرغائب وقال الحرالي الصمد اسم مطلق وهو الملجأ الذي لا يمكن الخروج عنه لإحاطة أمره فهو راجع إلى اسم الله ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله وقال الزجاج الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه (القادر) المتمكن من الفعل بلا معالجة ولا واسطة وقال الحرالي من القدرة وهي ظهور الأشياء في العيان والشهادة (المقتدر) من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته ذكره الحرالي وقال القاضي معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى
[ 618 ]
مبالغة (المقدم المؤخر) هو الذي يقدم بعض الأشياء على بعض إما بالذات كتقديم البسائط على المركبات أو الوجود كتقديم الأسباب على المسببات أو بالشرف كتقديم الأنبياء والصلحاء على من عداهم وإما بغير ذلك وقال الحرالي هما من التقديم والتأخير وهو إحكام ترتيب الأشياء بعضها على بعض فلذلك نزلا منزلة اسم واحد (الأول والآخر) قال الحرالي هما اسما إحاطة بتقديم الأول على كل أول وإحاطة الآخر بكل آخر فيه البدء أو إليه الانتهاء فليس قبله شئ ولا بعده شئ بل هو مبدأ الوجود ومنتهاه منه أبدا وإليه يعود (الظاهر الباطن) أي الظاهر وجوده بآياته ودلائله المثبتة في أرضه وسمائه إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها ومقدر قدرها والباطن بذاته المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه (الوالي) الذي تولى الأمور وملك الجمهور (المتعالي) البالغ في العلاء المرتفع عن النقائص (البر) المحسن الذي يوصل الخيرات لمن كتبها له بلطف وإحسان وقال الحرالي : البر اسم مطلق لكونه على بناء فعل وليس من أبنية الاشتقاق والجاري على الاشتقاق منه بار ولم يحفظ من أسماء الله تعالى وهو تمام الاكتفاء بما به التربية من مقتضى اسم الرب (التواب) الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد أصره ورجع إلى التزام الطاعة بقبول توبته من التوب وهو الرجوع أو الذي يوفق المذنبين للتوبة فسمي المسبب للشئ باسم المباشر له (المنتقم) المعاقب للعصاة على ذنوبهم افتعال من نقم الشئ إذا كرهه غاية الكراهة قال ابن العربي الألوهية تقتضي أن يكون في العالم بلاء وعافية فليس إزالة المنتقم من الموجود أولى من إزالة الغافر والعفو والمنعم ولو بقي من الأسماء ما لا حكم له لكان معطلا والتعطيل في الألوهية محال فعدم أثر الأسماء محال (العفو) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ في الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو وأصل العفو القصد لتناول الشئ سمي به المحو لأنه قصد لإزالة المحو (الرؤوف) ذو الرأفة وهي شدة الرحمة وهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين (مالك الملك) الذي ينفذ مشيئته في ملكه تجري الأمور فيه على ما يشاء أو هو الذي له التصرف المطلق في علو ملكه ومالك بلا حجر ولا تردد ولا استثناء ولا توقف (ذو الجلال والإكرام) الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه (المقسط) الذي ينتصف للمظلومين ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين يقال قسط إذا جار وإذا عدل أو أزال الجور ، وقال الحرالي من القسط وهو القيام بأتم الوزن وأعدل التكافئ (الجامع) المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متزاوجة وممتزجة في الأنفس والأفاق أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء (الغني) المستغني عن كل شئ (المغني) معطي كل شئ ما يحتاجه (المعطي) من شاء ما شاء لا مانع لما أعطى (المانع) الدافع لأسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان أو من المنعة أي يحوط أولياءه وينصرهم أو من المنع أي يمنع من يستحق المنع (الضار النافع) الذي يصدر عنه النفع والضر إما بواسط أو بغيره (النور) الظاهر بنفسه المظهر لغيره (الهادي)
[ 619 ]
* (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * [ طه : 50 ] خاصته إلى معرفة ذاته فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته فاستشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته (البديع) المبدع وهو الآتي بما لم يسبق إليه أو الذي لم يعهد مثله (الباقي) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء (الوارث) الباقي بعد فناء العباد فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك (الرشيد) الذي ينساق تدبيره إلى غاية السداد من غير استشارة ولا إرشاد أو مرشد الخلق إلى مصالحهم فعيل بمعنى فاعل وقال الحرالي الرشيد من الرشد وهو التولي بأمر لا يناله تعقب ولا يلحقه استدراك (الصبور) الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الاول وفارق الحليم بأن الصبور يشعر بأنه يعاقب في العقبى بخلافه وأصل الصبر حبس النفس عن المراد فاستعير لمطلق التأني في الفعل قال الحرالي : الصبور من الصبر وهو احتمال الأذى الذي هو وصف المتنزه بما يتنزه عنه ولاستحقاق التنزيه والتسبيح كان ذلك في حقه سبحانه وتعالى أشد (ت) في الدعوات (حب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال التنائي غريب لا نعلم ذكر الأسماء إلا في هذا الخبر وذكره آدم ابن أبي إياس بسند آخر ولا يصح انتهى قال النووي في الأذكار إنه أي حديث الترمذي هذا حديث حسن وقدم المصنف هذه الرواية على ما بعدها لأنها أرجح الثلاثة وعليها شرح الأكثر . 2368 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما قال بعضهم مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وقد يؤخذ باعتبار الأجزاء وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ولا خفاء في تكثير أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه سبحانه عن التركيب (من أحصاها كلها) علما وايمانا أو عدا لها حتى يستوفيها فلا يقتصر على بعضها بل يثني على الله تعالى ويدعوه بكلها أو في رواية لابن مردويه بدل من أحصاها من دعا بها (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (أسأل الله) أي أطلب من الذات الواجب الوجود لذاته قال ثعلب مفرد فيه توحيد مجرد وخاصيته زيادة اليقين بتيسير المقاصد المحمودة في الذات والصفات والأفعال فقد قالوا من دوامه كل يوم ألف مرة بصيغة يا ألله يا هو رزقه الله كمال اليقين وفي الأربعين الادريسية يا ألله المحمود في كل فعاله قال السهروردي من تلاه يوم الجمعة قبل الصلاة على طهارة ونظافة خاليا سرا مائتي مرة يسر الله له مطلوبه وإن كان ما كان وإن تلاه مريض أعجز الأطباء علاجه برئ ما لم يكن حضر أجله (الرحمن) فعلان من الرحمة التي هي ظهور أمره تعالى في الخلق بنوع من الرفق وخاصيته على وفق معناه صرف المكروه عن ذاكره وحامله ويذكر مائة مرة بعد كل صلاة في جمعية وخلوة فيخرج الغفلة والنسيان وفي الأربعين الادريسية يا رحمن كل شئ وراحمه قال يكتب بزعفران ممسك ويدفن في بيت من أخلاقه شرسة ضيقة تتبدل طباعه ويظهر فيه الحياء والرحمة والعطف والمسكنة (الرحيم) فعيل من الرحمة قيل وهو أبلغ مما قبله في الصيغة لأن مقتضاه الإمداد وهو بعد الإيجاد فله متعلقان في الأثر ووجهان في
[ 620 ]
المعنى ولما كانت صورة الامداد يظهر أثرها من الخلق جاز إطلاق هذا الاسم عليهم على وجه يليق بهم واختص بالمؤمنين * (وكان بالمؤمنين رحيما) * [ الاحزاب : 43 ] وإمداد الكافر إنما هو استدراج * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * [ آل عمران : 178 ] فإمداد الكافر نقمة وإمداد المؤمن رحمة وخاصيته رقة القلوب ورحمة الخلق فمن داومه كل يوم مائة مرة كان له ذلك فمن خاف الوقوع في مكروه ذكره مع ما قبله وحمله قال السهروردي إذا كتب وحل في ماء وصب في أصل شجرة ظهرت بركتها ومن شرب الماء اشتاق لكاتبه (الإله) المنفرد بالألوهية قال الاقليشي الصحيح أن الله وإله اسمان على حيالهما وأن الله يتسمى بإله ولا يتسمى بلاه وإن كان يجوز كون أصل الله إله فقد انتقل حكمه وثبت الله اسما له وثبت له أيضا إله فالإله هو الذي يأله إليه كل شئ أي يلجأ ولذلك يضاف إلى كل موجود في الوجود والله هو الذي تأله إليه العقول العالمة به أي تتحير (الرب) المالك أو السيد أو القائم بالأمر والمصلح أو المربي (المالك) المتصرف في المخلوقات بالقضايا والتدبيرات دون احتياج ولا حجر ولا مشاركة غير مع وصف العظمة والجلال ومن علم أنه الملك الحق الذي ينتهي الآمال إليه جعل همته وقفا عليه فلم يتوجه في كل أموره إلا إليه وخاصية صفاء القلب وحصول الغنى ونحو الأمرة فمن واظبه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر كل يوم مائة وعشرين مرة أغناه الله من فضله (القدوس) فعول من القدس صيغة مبالغة وحقيقته الاعتلاء عن قبول التغير وخاصيته أن يكتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز أثر صلاة الجمعة فآكله بعد ذكر ما وقع عليه يفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وزيادة (السلام) ذو السلامة من كل آفة ونقص وحقيقة السلامة استواء الأمر والتوسط بين طرفي ظهور الرحمة والمحنة وتوسط حال بين منعم عليه ومنتقم منه وخاصيته صرف المصائب والآلام حتى إذا قرئ على مريض مائة وإحدى وعشرين مرة برئ ما لم يحضر أجله أو خفف عنه (المؤمن) المصدق لمن أخبر عنه بأمره بإظهار دلائل صدقه قال إمام الحرمين وهو يرجع إلى التأمين بمجموع القول والفعل ونسق بالسلام لمزيد معنى التأمين على السالم لما فيه من الإقبال والقبول وخاصيته وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق ومن خاصيته أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة يأمن على نفسه وماله ويزاد بحسب القوة والضعف (المهيمن) الشاهد المحيط بداخلة ما شهد فيه ومن عرف أنه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه في كل أحواله وخاصيته الحصول على شرف الباطن وعزته برفع الهمة وعلوها تقرأ مائة مرة بعد الغسل والصلاة بخلوة وجمع خاطر لما يريد (العزيز) الممتنع عن الإدراك الغالب على أمره المرتفع عن أوصاف الخلق ، ومن عرف أنه العزيز رفع همته عن الخلق ، ومن عرف أنه العزيز رفع همته عن الخلق أنه قال المرسي والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلائق وقال ابن عطاء الله يقال لك إذا استندد لغير الله ففقدته أنظر إلى إلهك الذي ظللت عليه عاكفا وخاصيته وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى فمن ذكره أربعين يوما كل يوم أربعين مرة أغناه الله وأعزه ولم يحوجه لأحد (الجبار) من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله أو من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم وخاصيته الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين سفرا وحضرا يذكر صباحا ومساءا (المتكبر)
[ 621 ]
المظهر كبرياءه لعباده بظهور أمره حتى لا يبقى كبرياء لغيره قال إمام الحرمين وهو اسم جامع لمعاني التنزيه وهو من الأسماء الذي جبلت الفطر على اعتقاد معناه كما جبلت على الادمان لاسم الله وخاصيته الجلالة والبركة حتى أن من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقبل جماعها عشرا رزق ولدا ذكرا صالحا (الخالق) موجد الكائنات وممدها ومشيدها وقيومها والتخليق إيجاد الممكن وإبرازه للوجود فهو من معاني القدرة وخاصيته أن يذكر في جوف الليل فينور قلب ذاكره ووجهه (البارئ) المهئ كل ممكن لقبول صورته في خلقه فهو من معاني الإرادة وخاصيته أن يذكر سبعة أيام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة من الآفات (المصور) معطي كل مخلوق ماله من صورة وجوده بحكمته فهو من معاني الحكيم بهذه الثلاثة ظهر الوجود وخاصيته الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار حتى أن العاقر إذا ذكرته كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الفطر سبعة أيام وتفطر على ماء زال عقمها ويصور الولد في رحمها (الحكيم) المحكم للأشياء حتى صدرت متقنة على وفق علمه وإرادته بقضائه وقدره وخاصيته دفع الدواهي وفتح باب الحكمة (العليم) بمعنى العالم والعالم من قام به العلم وهو صفة معنوية متعلقة بالمعلومات واجبة وجائزة ومستحيلة وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن لازمه عرف الله حق معرفته على الوجه اللائق به (السميع) الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركا لكل مسموع من كلام وغيره وخاصيته إجابة الدعاء فمن قرأه يوم الخميس بعد صلاة الضحى خمسمائة مرة كان مجاب الدعاء (البصير) المدرك لكل موجود برؤيته وخاصية وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مائة مرة فتح الله عين بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل (الحي) الموصوف بالحياة التي لا يجوز عليها فناء ولا موت ولا يعتريها قصور ولا عجز ولا تأخذه سنة ولا نوم وخاصيته ثبوت الحياة في كل شئ (القيوم) القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره قال الحرالي من القيام مؤكدا بصيغة المبالغة فيعول إنباء عن القيام بالأمور أولها وآخرها باطنها وظاهرها وخاصيته حصول القيام والقيومية ذاتا ووصفا قولا وفعلا فمن ذكره مجردا ذهب عنه النوم (الواسع) الذي وسع علمه ورحمته كل شئ وقال الحرالي من السعة وهي إحاطة الأمر بكل ما شأنه الإحاطة من معنى القدرة والعلم والرحمة وسع كل شئ رحمة وعلما وخاصيته حصول السعة والجاه وسعة الصدر والقناعة والسلامة من نحو حرص وغل وحقد وحسد لذاكره الملازم (اللطيف) بمعنى الخفي عن الإدراك أو العالم بالخفيات وخاصيته دفع الآلام فمن ذكره عدده الواقع عليه وهو يشاهد الجلالة أثر في المقام ومن ذكره كل يوم مائة مرة أو مائة وثلاثين أو ثمانين مرة وسع عليه ما ضاق وكان ملطوفا به (الخبير) العليم بدقائق الأمور التي لا يصل إليها غيره إلا بالاختيار أو الاحتيال وقال الحرالي هو من الخبرة أي إظهار ما خفي في الأشياء إظهار وفاء وخاصيته حصول الإخبار بكل شئ فمن ذكره سبعة أيام أتته الروحانية بكل خير يريده من أخبار السنة والملوك وأخبار القلوب ومن كان في يد إنسان يؤذيه فليكثر قراءته (الحنان) بالتشديد الرحيم بعباده من قولهم فلان يتحنن على فلان أي يترحم ويتعطف عليه (المنان) الذي يشرف عباده بالامتنان بماله من عظيم الإنعام والإحسان (البديع) المبدع أو الذي لا مثل له وخاصيته قضاء
[ 622 ]
الحوائج ودفع الجوائح فمن قرأه سبعين ألف مرة كان له ذلك (الودود) كثير الود لعباده والتودد لهم بوار النعم وصرف النقم وإيصال الخيرات ودفع المضرات وخاصيته ثبوت الود سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مرة على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته (الغفور) هو من معنى الغفار إلا أن الغفار يقتضي العموم في الأزمان والأفراد والغفور يقتضي المبالغة في كثرة ما يغفر وخاصيته دفع الألم حتى أنه ليكتب للمحموم ثلاث مرات فيبرأ وإن كتب سيد الاستغفار وجرع لمن صعب عليه الموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت ذكره البلالي وجرب (الشكور) المجازي بالخير الكثير على العمل اليسير وقال الحرالي من الشكر وهو إظهار مستبطن الخير فعلا أو قولا وخاصيته التوسعة ووجود العافية في البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق نفسي أو تعب في البدن وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برئ (المجيد) ذو الشرف الكامل والملك الواسع الذي لا غاية له ولا يمكن الزيادة عليه ولا الوصول لشئ منه وخاصيته تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى في عالم الأبدان والصور فقد قالوا إذا صام الأبرص أيام البيض وقرأه كل يوم عند الفطر كثيرا برئ بسبب أو بلا سبب ، وقيل إن البرص إذا جاوز خمسين سنة لا يبرأ لسريانه في كلية التركيب فلا يزول إلا بتحول الذات وذلك متوقف على الموت (المبدئ) مظهر الكائنات من العدم الغيبي إلى الوجود العيني وخاصيته يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا وعشرين مرة يثبت ما في بطنها ولا ينزلق (المعيد) مرجع الأكوان بعد العدم وخاصيته أن يذكر مرارا لتذكار المحفوظ إذا نسي سيما إذا أضيف له الأول (النور) مظهر الأعيان من العدم إلى الوجود . قال الحرالي : هو مظهر المظاهر المبين لذات كل شئ وفرقانه على أتم ما شأنه أن يبين ويظهر وخاصيته تنوير القلب لذاكره وجوارحه (البارئ) من يخرج الأشياء من العدم إلى الوجود (الأول) الذي لا مفتتح لوجوده (الآخر) الذي لا مختتم له لثبوت قدمه واستحالة عدمه فكل شئ منه بدأ وإليه يعود وخاصية الآخر الأول جمع الشمل فإذا واظبه مسافر كل يوم جمعة ألفا انجمع شمله وخاصيته صفاء الباطن عما سواه تعالى فإذا واظبه كل يوم مائة خرج من قلبه ما سواه تعالى (الظاهر الباطن) الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن التكيف والأوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكييف قال في الحكم أظهر كل شئ لأنه الباطن وطوى وجود كل شئ لأنه الظاهر وخاصية الأول إظهار نور الولاية على قلب قارئه وقالبه ، والثاني وجود الأنس لمن قرأه كل يوم ثلاث مرات في كل مرة ساعة زمانية (العفو) الذي يترك المؤاخذة بالذنب حتى لا يبقى له أثر فيعفو أثره أي يندرس ويذهب ويؤخذ من قولهم عفا الأثر إذا ذهب وخاصيته أن من أكثر ذكره فتح له باب الرضى (الغفار) الكثير المغفرة لعباده والمغفرة الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة وخاصيته وجود المغفرة فمن ذكره أثر صلاة الجمعة مائة مرة ظهرت له آثار المغفرة (الوهاب) من الهبة وهي العطية بلا سبب سابق ولا استحقاق ولا مقابلة ولا جزاء وفي صيغته من المبالغة ما لا يخفى وخاصيته حصول الغنى والقبول والهيبة والإجلال لذاكره ومن داومه في سجود صلاة الضحى فله ذلك ويذكر مركبا مع اسمه الكريم ذي
[ 623 ]
الطول الوهاب للبركة في المال والجاه (الفرد) الذي لا شفع له من صاحبة أو ولد لعدم مجانسته غيره وخاصيته ظهور عالم القدرة وآثارها حتى لو ذكره ألفا في خلوة وطهارة ظهرت له من ذلك عجاب وغرائب بحسب قوته وضعفه (الأحد) الذي انقسامه مستحيل قال الأفلشي الفرق بينه وبين الواحد أن الواحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متحيز فهو اسم لعين الذات فيه سلب الكثرة عن ذاته والأحد وصفا لذاته فيه سلب النظير والشريك عنه فافترقا وقال السهيلي أحد أبلغ وأعم ألا ترى أن ما في الدار أحدا وأبلغ من ما فيها واحد وقال بعضهم قد يقال إنه الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله والأحد في وحدانيته إذ لا يقبل التغير ولا التشبه بحال (الصمد) الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد فيها وخاصيته حصول النجاح والصلاح فمن قرأه عند السحر مائة وخمسة وعشرين مرة كل يوم ظهر عليه آثار الصدق والصديقية (الوكيل) المتكفل بمصالح عباده الكافي لهم في كل أمر . وقال الحرالي من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وتر فيها وخاصيته نفي الحوائج والصائد فمن خاف ريحا أو صاعقة فليكثر منه فإنه يصرف عنه ويفتح أبواب الخير والرزق (الكافي) عبده بإزالة كل جائحة وحده (الحسيب) من الحسب بالتحريك السؤدد والشرف الكامل أو من الحسب الذي هو الإكتفاء أي المعطي لعباده كفايتهم من قولهم حسبي أي يكفيني أو من الحساب أي المحاسب لعباده على أعمالهم وخاصيته وقوع الأمن بين ذوي الأنساب والقرابات فيقرأه من يخاف عليه من قريبه كل يوم قبل الطلوع وبعد الغروب سبعا وسبعين مرة فإن الله يؤمنه قبل الأسبوع ويكون الإبتداء يوم الخميس (الباقي) الذي لا يجوز عليه العدم ولا الفناء وخاصيته أن من ذكره ألف مرة تخلص من ضده وهمه وغمه (الحميد) الموصوف بالصفات العلية التي لا يصح معها الحمد لغيره ولا يثنى عليه حقيقة سواه وخاصيته إكتساب المحامد في الأخلاق والأفعال والأقوال (المقيت) معطي كل موجود ما قام به قوامه من القوت والقوة الحسية والمعنوية وخاصيته وجود القوت والقوة فالصائم إذا قرأه وكتبه على التراب وبله ثم شمه قواه على ما هو به ومن قرأه على كوز سبعا ثم كتب عليه وكان يشرب فيه في السفر أمن وحشة السفر سيما إن أضاف إليه قراءة سورة قريش صباحا ومساء وقد جربت لذلك وللأمن فيه (الدائم) الذي لا يقبل الفناء فلا انقضاء لديموميته قال الأقليشي وهو وصف ذات سلبي كالباقي إلا أن في الدائم زيادة معنى وهو أن الدائم الباقي على حالة واحدة وثبوت الدوام له ضروري وما ثبت قدمه استحال عدمه وقال بعضهم الدائم هو الذي لا انصرام لوجود ولا انقطاع لبقائه (المتعالي) المرتفع في كبريائه وعظمته وعلو مجده عن كل ما يدرك أو يفهم من أوصاف خلقه وخاصيته وجود الرفعة وصلاح الحال حتى أن الحائض إذا لازمته أيام حيضها أصلح الله حالها (ذا الجلال والإكرام) الذي له العظمة والكبرياء والإفضال التام وخاصيته وجود العزة والكرامة وظهور الجلالة (الولي) المتولي لأمور عباده المختصين بإحسانه * (والله ولي المتقين) * [ الجاثية : 19 ] * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) * [ البقرة : 257 ] وخاصيته ثبوت الولاية الملازمة حتى أنه يحاسب حسابا يسيرا وتيسير أموره حتى أن من ذكره كل يوم
[ 624 ]
جمعة ألفا نال مطالبه (النصير) كثير النصر لأوليائه نعم المولى ونعم النصير (الحق) الثابت الوجود على وجه لا يقبل الزوال ولا العدم ولا التغيير والكل منه وإليه فكل شئ دونه باطل إذ لا حقيقة لمن دونه من ذاته ولا في ذاته * ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وخاصيته أن يكتب في كاغد مربع على أركانه الأربع ويجعله في كفه سحرا ويرفعه إلى السماء يكفيه الله ما أهمه (المبين) المظهر للصراط المستقيم لمن شاء هدايته من خلقه ومن لازم لا إله إلا الله الملك الحق المبين في كل يوم مائة مرة استغنى من فقره وحصل على تيسير أمره (الباعث) مثير الساكن في حالة أو وصف أو حكم أو نوم أو غيره فهو باعث الرسل بالأحكام والمولى للقيام . والقائم باليقظة من المنام وخاصيته بعث عالم الغيب فمن وضع يده على صدره عند النوم وقرأه مائة مرة نور الله قلبه ورزقه العلم والحكمة (المجيب) الذي يسعف السائل بمقتضى فضله حالا ومآلا بأن يعطيه مراده وما هو أفضل أو أسلم أو أصلح في علمه وخاصيته إسراع الإجابة بأن يذكر مع الدعاء سيما مع اسمه السميع (المحيي) خالق الحياة ومعطيها لكل من شاء حياته على وجه يريده ومديمها لمن شاء دوامها له كما شاء بسبب وغيره وخاصيته وجود الألفة فمن خاف الفراق أو الحبس فليقرأه على بدنه (المميت) خالق الموت ومسلطه على من شاء من الأحياء متى شاء وكيف شاء بسبب وبدونه وقد يكون من ذلك في المعاني وجها فيحيي القلوب بنور المعرفة كما أحيا الأجسام بالأرواح ويميتها بعارض الغفلة ونحوها وخاصيته أن يكثر منه المسرف والذي لم تطاوعه نفسه على الطاعة (الجميل) في ذاته وصفاته وأفعاله قال الأقليشي وهو صفة ذانية سلبية إذ الجميل من الخلق من حسنت صفاته وانتفى عنه الشين وقد يكون صفة فعل بمعنى مجمل (الصادق) في وعده وإيعاده (الحفيظ) مدبر الخلائق وكالؤهم عن المهالك أو العالم بجميع المعلومات علما لا تغير له ولا زوال وخاصيته أنه ما حمله أحد ولا ذكره في مواضع الاحتمال إلا وجد بركته لوقته حتى أن من علقه عليه لو نام بين السباع لم تضره (المحيط) بجميع مخلوقاته وبما كان وما يكون منهم من الظواهر والبواطن (الكبير) الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شئ سواه فهو يحتقر كل شئ في جنب كبريائه وخاصيته لفتح باب العلم والمعرفة لمن أكثر ذكره وإن قرئ على طعام وأكله الزوجان تصالحا وتوافقا (القريب) من لا مسافة تبعد عنه ولا غيبة ولا حجب يمنع منه (الرقيب) الذي لا يغفل ولا يذهل ولا يجوز عليه ذلك فلا يحتاج لمدبر ولا منبه وخاصيته جمع الضوال وحفظ الأهل والمال فصاحب الضالة يكثر قراءته فيجمع عليها ويقرأه من خاف على الجنين في بطن أنه سبعا يأمن عليه ومن أراد سفرا يضع يده على عنق من يخاف عليه المنكر من أهل أو ولد ويقوله سبعا يأمن عليه (الفتاح) المتفضل بإظهار الخير والسعة على أثر ضيق وانفلاق وخاصيته تيسير الأمور وتنوير القلب والتمكين من أسباب الفتح فمن قرأه إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره طهر قلبه وتنور سره وتيسر أمره وفيه سر تيسير الرزق (التواب) الذي يكثر منه التوبة على عباده وخاصيته دفع الظلم وتحقيق التوبة ومن قرأه إثر صلاة الضحى ثلاثمائة وستين مرة تحققت توبته ومن قرأه على
[ 625 ]
ظالم عشر مرات خلص منه مظلومه (القديم) الذي لا ابتداء لوجوده (الوتر) المنفرد بالتوحيد (الفاطر) المخترع المبدع فاطر السماوات والأرض وهو من صفات الفعل (الرزاق) ممد كل كائن بما يتحفظ به صورته ومادته فإمداد الأجسام بالأغذية والعقول والقلب بالفهم والأرواح بالتجليات وخاصيته سعة الرزق يقرأ قبل صلاة الفجر في كل ناحية من البيت عشرا يبدأ باليمين من جهة القبلة ويستقبلها في كل ناحية إن أمكن (العلام) البالغ في العلم لكل معلوم وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن واظبه عرف الله حق معرفته (العلي) المرتفع عن مدارك العقول ونهاياتها في ذاته وصفاته وأفعاله فليس كذاته ذات ولا كصفته صفة ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل وخاصيته الرفع من أسافل الأمور إلى أعاليها فيكتب ويعلق على الصغير فيبلغ وعلى الغريب فينجمع شمله وعلى الفقير فيجد غنى (العظيم) الذي يحتقر عند ذكر وصفه كل شئ سواه فهو العظيم على الإطلاق وخاصيته وجود العافية والبرء من المرض لمن يكثر من ذكره ولم يكن حضر أجله (الغني) الذي لا يحتاج إلى شئ في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله إذ لا يلحقه نقص ولا يعتريه عارض وخاصيته وجود العافية في كل شئ فمن ذكره على مرض أو بلاء في بدنه أو غيره أذهبه الله عنه وفيه سر الغنى ومعنى الاسم الأعظم لمن أهل له (المغني) معطي الغنى أي الكفاية لمن شاء من عبيده وخاصيته وجود الغنى فيقرأه الآيس من الخلق كل يوم ألف مرة يغنيه الله وإن قرأه عشر جمع كل ليلة جمعة عشرة آلاف ظهر الأثر على أثرها (المليك) مبالغة من المالك لأن فعيلا في اللسان مصوغ للمبالغة في اسم الفاعل (المقتدر) بمعنى القادر أو أخص كما مر وخاصيته وقوع التدبير من مولاه له فمن قرأه عند انتباهه من نومه نظرا دبره الله فيما يريد حتى لا يحتاج إلى تدبير (الأكرم) أي الأكثر كرما من كل كريم (الرؤوف) من الرأفة وهي أشد الرحمة فالرأفة باطن الرحمة والرحمة من أخص الأوصاف الإرادية لأن الرحمة إرادة كشف الضرر ودفع السوء بنوع عطف والرأفة بزيادة لطف ورفق وخاصيته أن من ذكره عند الغضب عشرا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مثلها سكن غضبه وكذا من ذكر بحضرته (المدبر) لأسرار خلقه بما تحار فيه الألباب وهو اسم فاعل من دبر يدبر إذا نظر في عواقب الأمور وخاصيته وقوع التدبير من الله تعالى له فمن لازمه شهد أن التدبير في ترك التدبير (المالك) وهو اسم جامع لمعاني الصفات العلا وإحاطة العلم والاقتدار بحيث لا يعزب عن علمه شئ مما هو ملكه ولا يعجز عن إنفاذ ما يقتضيه حكمه ومن فسره بالخلق أخذ طرفا من معناه وكذا من فسره بالقدرة وخاصيته صفاء القلب والتخلص عن شوائب الكدر لمن داوم ذكره (القاهر) من القهر وهو الاستيلاء على الشئ من جهة أمر ظاهره من جهة الملك والسلطان وباطنه من جهة علو المكانة وقيام الحجة ذكره الحرالي وأشار بآخره إلى قوله تعالى * (وهو القاهر فوق عباده) * [ الانعام : 18 ] وخاصيته إذهاب حب الدنيا وعظمة ما سوى الله من قلبه وضعف النفس عن التعلقات الدنيوية فمن أكثر ذكره حصل له ذلك وظهرت له آثار النصر على عدوه بقهره (الهادئ) مرشد العباد أمرا وتوفيقا فهو * (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * [ طه : 50 ] وخاصيته هداية قلب حامله وذاكره وإن ذاكره يرزقه التحكم في البلاد وله وضع وملدة واختصاص (الشاكر) الثاني بالجميل على
[ 626 ]
من فعله من عباده المثيب عليه من بحر إمداده وإنعامه (الكريم) الرفيع القدر العظيم الشأن ومنه أن هذا الأملاك كريم وهذا كرم الذات وكرم الأفعال البداء بالنوال قبل السؤال والإعطاء بلا حد ولا زوال وهو تعالى كريم ذاتا وصفاتا وفعلا وخاصيته وجود الكرم والإكرام فمن دارم ذكره عند النوم أوقع الله في القلوب إكرامه (الرفيع) البالغ في إرتفاع المرتبة (الشهيد) الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئي ولا مسموع ولا يحتاج فيه إلى تعريف بل هو المعرف لكل شئ * (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * [ فصلت : 53 ] وخاصيته الرجوع عن الباطل إلى الحق حتى أنه إذا أخذ من جبهة الولد العاق شعرا وقرأ عليه أو على الزوجة كذلك ألفا صلح حالهما (الواحد) المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله فهو أحد في ذاته لا ينقسم ولا يتجزأ واحد في صفاته لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ واحد في أفعاله لا شريك له ولا نظير وخاصيته إخراج الخلق من القلب فمن قرأه كل يوم ألف مرة أخرج الخلائق من قلبه فكفي خوف القلب وهو أصل كل بلاء (ذو الطول) الإضافة لذلك إذ الطول اتساع الغنى والفضل يقال طال عليهم يطول إذا أفضل فلما كان يطول على عباده بطوله ويوسعهم بجزيل عطائه سمي به (ذا المعارج) أي المصاعد قال الاقليشي والأظهر أن الإضافة ملكية أو تكون المعارج المراقي الموضوعة لعروج الملائكة ومن يعرج عليها إلى الله ويحتمل كونه من إضافة الصفة إلى الموصوف فتكون المعارج الدرجات العالية والأوصاف الفاضلة التي استحقها لذاته (ذا الفضل) الزيادة في العطاء (الخلاق) الكثير المخلوقات (الكفيل) المتكفل بمصالح خلقه (الجليل) من له الأمر النافذ والكلمة المسوعة ونعوت الجلال كالملك والغنى إلى هنا تم الكلام على شرح ما في هذا الخبر من الأسماء قال الحافظ ابن حجر هذا يخالف سياق الترمذي في الترتيب والزيادة والنقصان وإنما ترك العاطف بين هذه الأسماء في هذا الخبر وما قبله إشعارا باستقلال كل من الصفات الكمالية فيها قصد من ذكره ولأن شيئا منها لا يؤدي جميع مفهوم اسم الذات العلم وقد يذكر بالعطف للمناسبة والتصريح بالاجتماع وقد تذكر في بعض وتترك في بعض تفننا فإنه يوجب توجه الذهن أو لزيادة مناسبة وكمال علاقة (ك) من حديث عبد العزيز بن الحصين عن أبي أيوب وعن هشام بن حسان جميعا عن ابن سيرين عن أبي هريرة (وأبو الشيخ) الأصبهاني (وابن مردويه معا في التفسير) أي تفسير القرآن (وأبو نعيم) الحافظ (في الأسماء الحسنى) أي في شرحها كلهم (عن أبي هريرة) قال الحاكم وعبد العزيز ثقة وتعقب الحافظ ابن حجر فقال بل هو متفق على ضعفه وهاه الشيخان وابن معين اه وفي الميزان عن البخاري ليس بالقوي عندهم وعن ابن معين ضعيف وعن مسلم ذاهب الحديث وعن ابن عدي الضعف على رواياته بين ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الحديث .
[ 627 ]
2369 - (إن لله) تعالى (تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا) بدل من تسعة وتسعين وفائدته التأكيد والمبالغة في التقدير والمنع من الزيادة في القياس ذكره بعضهم قال أبو البقاء روى مائة بالنصب بدل من تسعة وتسعين وبالرفع بتقدير هي مائة وقوله إلا واحدا منصوب على الاستثناء وبالرفع على أن تكون إلا بمعنى غير فتكون صفة لمائة وروى مائة إلا واحدة قال الطيبي أنت ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وبين وجه كونها إلا واحدا بقوله (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يرضاه ويحبه فشرع لنا وترين وترا بالنهار وهو صلاة المغرب ووترا بالليل ليكون شفعا لأن الوترية في حق المخلوق محال قال تعالى * (ومن كل شئ خلقنا زوجين) * [ الذاريات : 49 ] حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله تعالى (من حفظها دخل الجنة الله) اسم جامع محيط بجميع الأسماء وبمعانيها كلها (الواحد) في ذاته وصفاته * (ليس كمثله شئ) * [ الشورى : 11 ] ومن عرف أنه الواحد أفرد قلبه له فلا يرى في الدارين إلا هو وبه يتضح التخلق فيكون واحدا في عمره بل في دهره وبين أبناء جنسه . إذا كان من تهواه في الحسن واحدا * * فكن واحدا في الحب إن كنت تهواه (الصمد) من له دعوة الحق وكل كمال مطلق ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به
[ 628 ]
في كل أحواله (الأول) السابق على الأشياء كلها (الآخر) الباقي وحده بعد فناء خلقه فلا ابتداء ولا انتهاء لوجوده ومن عرف أنه الأول غاب عن كل شئ به ومن عرف أنه الآخر رجع في كل شئ إليه (الظاهر) لذاته وصفاته عند أهل البصيرة أو العالم بالظواهر المتجلي للبصائر الباطن المخفي كنه ذاته وصفاته عما سواه * . (حل) عن زكريا ابن الصلت عن عبد السلام بن صالح عن عباد بن العوام عن عبد الغفار المدني عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) قال تفرد به عبد الغفار اه وقال الحافظ العراقي في ذيل الميزان لم أر من تكلم في زكريا بالضعف وإنما الآفة من شيخه المذكور وأقره ابن حجر في اللسان . 2374 - (إن لله تعالى أهلين من الناس) قالوا ومن هم يا رسول الله قال (أهل القرآن) وأكد ذلك وزاده إيضاحا وتقريرا في النفوس بقوله (هم أهل الله وخاصته) أي الذين يختصون بخدمته قال * هنا بياض بجميع الاصول بمقدار شرح أربعة أحاديث . (1) محصل هذا الحديث وما قبله أن الرسول (ص) يخبر أن لله سبحانه وتعالى عبادا يمنعهم من أن يقتلوا لمكانتهم عنده ويطيل أعمارهم في الاعمال الصالحة ويوسع أرزاقهم من الحلال الخالص ويحييهم في أمان من الفتن بصرف قلوبهم عنها فهم يتقلبون في طاعته ليل نهار ، وقد جادوا بأرواحهم لربهم ، يقبضهم الله وهم على فرشهم ، ولكنه يبلغهم منازل الشهداء * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * [ الجمعة : 4 ] . (2) حاصل هذا الحديث : أن لله تعالى عبادا تولاهم يدافعون عن الاسلام ويذبون عنه ويدافعون عن المسلمين ويحاربون البدع ، وأمرنا سبحانه وتعالى بالحرص على مجالس هؤلاء العباد على مجالس هؤلاء العباد ونصرهم والدفاع عنهم وتأييد الحق وأن لا تخشى في الله لومة لائم ، وأمرنا بالتوكل عليه ، ووعدنا بالنصر ، والله لا يخلف الميعاد . اه . (*)
[ 629 ]
العسكري هذا على المجاز والتوسع فإنه لما قربهم واختصهم كانوا كأهله ومنه قيل لأهل مكة أهل الله لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله (حم ن ه ك عن أنس) قال الحاكم روي من ثلاثة أوجه هذا أجودها اه وفي الميزان رواه النسائي وابن ماجه من طريق ابن مهدي عن عبد الرحمن بن بديل وأحمد عن عبد الصمد عن ابن بديل تفرد به وقد ضعفه يحيى ووهاه ابن حبان وقواه غيرهما . 2375 - (إن لله تعالى آنية) جمع إناء وهو وعاء الشئ (من أهل الأرض) من الناس أو من الجنة والناس أو أعم (وآنية ربكم) في أرضه (قلوب عباده الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الحق والخلق بمعنى أن نور معرفته تملأ قلوبهم حتى تفيض على الجوارح وأما حديث ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فلا أصل له (وأحبها إليه) أي أكثرها حبا عنده (ألينها وأرقها) فإن القلب إذا لان ورق وانجلى صار كالمرآة الصقيلة فإذا أشرفت عليه أنوار الملكوت أضاء الصدر وامتلأ من شعاعها فأبصرت عين الفؤاد باطن أمر الله في خلقه فيؤديه ذلك إلى ملاحظة نور الله تعالى فإذا لاحظه فذلك قلب استكمل الزينة والبهاء بما رزق من الصفاء فصار محل نظر الله من بين خلقه فكلما نظر إلى قلبه زاده به فرحا وله حبا وعزا واكتنفه بالرحمة وأراحه من الزحمة وملأه من أنوار العلوم قال حجة الإسلام وهذه الأنوار مبذولة بحكم الكرم الرحمني غير مضنون بها على أحد فلم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع بل لخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب لما تقرر أن القلب هو الآنية والآنية ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء والقلوب مشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله (طب عن أبي عنبة) بكسر المهملة وفتح النون والموحدة الخولاني اسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة صحابي له حديث قيل أسلم في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يره بل صحب معاذ بن جبل ونزل بحمص ومات في خلافة عبد الملك على الصحيح قال الهيثمي إسناده حسن وقال شيخه العراقي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث فيه . 2376 - (إن للإسلام ضوى) بفتح الضاد العجمة والتنوين كذا ذكره البعض لكن في النهاية الجزم بأنه بصاد مهملة أي أعلاما منصوبة يستدل بها عليه واحدتها ضوة كقوة قال في الفردوس والنهاية والصوى أعلام منصوبة من الحجارة في الفيافي والمفاوز يستدل بها على الطريق وفي المصباح الضوة العلم من الحجارة المنصوبة في الطريق والجمع ضوى كمدية ومدى وقال الزمخشري الضوى والأضوى حجارة مركومة جعلت أعلاما قال ومن المجاز إن للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق انتهى (ومنارا) أي شرائع يهتدى بها (كمنارة الطريق) أراد أن الإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها وهي واضحة الظاهر وأما معرفة حقائقه وأسراره فإنما يدركها أولو الألباب والبصائر الذين أشرق نور اليقين على قلوبهم فصار كالمصباح فانجلا له حقيقة الحق ولاح وأما المكب على الشهوات المحجوبة باللذات فقلبه مظلم لا يبصر تلك الأسرار وإن كانت عند أولئك كالشمس في رابعة النهار ولهذا قال
[ 630 ]
ربيع بن خيثم إن على الحق نورا وضوءا كضوء النهار نعرفه وعلى الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرها (ك) في الإيمان من حديث خالد بن معدان (عن أبي هريرة) قال الحاكم غير مستبعد لقي خالد أبا هريرة وكتب الذهبي على حاشيته بخطه ما نصه قال ابن أبي حاتم خالد عن أبي هريرة متصل قال أدرك أبا هريرة ولم يذكر له سماع . 2377 - (إن للإسلام ضوى وعلامات كمنار الطريق) فلا تضلكم الأهواء عما صار شهيرا لا يخفى على من له أدنى بصيرة (ورأسه) بالرفع بضبط المصنف أي أعلاه (وجماعه) بالرفع وبكسر الجيم والتخفيف أي مجمعه ومظنته (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإتمام الوضوء) أي سبوغه بمعنى إسباغه بتوفيته شروطه وفروضه وسننه وآدابه فهذه هي أركان الإسلام التي بني عليها (طب عن أبي الدرداء) وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد سبق قول ابن أبي حاتم فيه أنه منكر الحديث جدا عن معاوية بن صالح وقد أروده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به . 2378 - (إن للتوبة بابا عرض ما بين مصراعيه) أي شطريه والمصراع من الباب الشطر كما في المصباح وغيره (ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) يعني أن أمر قبول التوبة هين والناس في سعة منه ما لم تطلع الشمس من مغربها فإن بابا سعته ما ذكر لا يتضايق عن الناس إلا أن يغلق وفي بعض الروايات ذكر أن ذلك الباب بالمغرب ولعله لما رأى أن سد الباب إنما هو من قبيل المغرب جعل فتح الباب أيضا من ذلك الجانب وتحديد عرضه بذلك مبالغة في التوسعة أو تقدير لعرض الباب بمقدار يتسع بجرم الشمس في طلوعها ذكره القاضي البيضاوي وقال القونوي باب التوبة كناية عن عمر المؤمن واختصاصه بسبعين سنة إشارة إلى ما في الحديث الآخر : أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وإنما ذكر العرض دون الطول لأن العرض دائما أقل منه وللإنسان أجلان أجل متناه وهو مقدار عمره في هذه النشأة والدار وأجل آخر وهو روحاني يعلمه الحق مخصوص بالنشأة الأخروية في جنة أو نار غير متناه وإليه أشار بقوله وأجل مسمى عنده ولهذا يقولون للعالم طول وعرض فعرضه عالم الأجسام وطوله عالم الأرواح وغلق الباب كناية عن انتهاء العمر وإليه أشار بخبر إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر قال وأما طلوع الشمس من مغربها بالنسبة للنشأة الإنسانية فكناية عن مفارقة الروح البدن فإن الروح زمن تعلقه بالبدن متصنع بأحكامه ومقيد بصفاته فإذا جاء الموت طلع من حيث غرب قال ولست أقول لا معنى للحديث غير هذا بل أقول لما كانت النشأة الإنسانية نسخة من نشأة العالم
[ 631 ]
وأخبرت الشريعة بأن الشمس تطلع من مغربها عند قرب الساعة كناية عن موت ما يقبل الموت من العالم وكانت الشمس بالنسبة إلى جسم الإنسان وجب أن لا يئبت في العالم الخارج عن الإنسان وصف ولا حكم إلا وتكون النسخة الإنسانية له مثل ونظير (طب عن صفوان بن عسال) بمهملتين المرادي صحابي معروف نزل الكوفة . 2379 - (إن للحاج) ومثله المعتمر (الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة) من حسنات الحرم (وللماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة) المراد التكثير وأن خطوة الماشي نسبتها لخطوة الراكب في الأجر نسبة السبعمائة إلى السبعين فثواب خطوة الراكب عشر ثواب خطوة الماشي وهذا كما ترى صريح في أن الحج ماشيا أفضل وبه أخذ جمع وهو وجه عند الشافعية وذلك لكثرة الأجر بكثرة الخطا وعكس آخرون لكون الركوب أبعد عن الضجر وأقل للأذى وأقرب للسلامة وفي ذلك تمام حجه وتوسط آخرون بحمل الأول على من سهل عليه المشي والثاني على خلافه والمصحح عند الشافعية الثاني بإطلاقه (طب) من حديث سعيد بن جبير (عن ابن عباس) قال سعيد كان ابن عباس يقول لبنيه اخرجوا حاجين من مكة مشاة حتى ترجعوا إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه يحيى بن سليم فإن كان الطائفي فقد قال النسائي غير قوي ووثقه ابن معبن وإن كان الفزاري فقال البخاري فيه نظر عن محمد بن مسلم الطائفي وقد ضعفه أحمد . 2380 - (إن للزوج من المرأة لشعبة) بفتح لام التأكيد أي طائفة كثيرة وقدر عظيم من المودة وشدة اللصوق إذ الشعبة كما مر الطائفة من الشئ وغصن الشجر المتفرع عنها (ما هي لشئ) أي ليس مثلها لقريب ولا لغيره وهذا قاله لما قيل لحمنة بنت جحش قتل أخوك فقالت يرحمه الله واسترجعت فقيل قتل زوجك فقالت واحزناه فذكره (ه ك عن محمد بن عبد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدي هاجر مع أبيه قال الذهبي في المهذب قلت غريب انتهى ثم إن فيه عند ابن ماجه إسحاق بن محمد الفروي قال في الكاشف وهاه أبو داود وتناقض أبو حاتم فيه . 2381 - (إن للشيطان كحلا) أي شيئا يجعله في عيني الإنسان (ولعوقا) شيئا يجعله في فيه لينذلق لسانه بالفحش واللعوق بالفتح ما يؤكل بالملعقة (فإذا كحل الإنسان من كحله نامت عيناه عن الذكر وإذا لعقه من لعوقه ذرب) أي فضح وفحش (لسانه بالشر) حتى لا يبالي ما قال ، وقال في الفردوس قوله ذرب أي انبسط بالشر قال الغزالي وينشأ عن ذلك الوقاحة ، والخبث ، والتبذير ، والتقتير ، والمجانة ، والعبث ، والملق ، والحسد ، والتهور ، والصلف ، والاستشاطة ، والمكر ، والخديعة ،
[ 632 ]
والدهاء ، والحيلة ، والتلبيس ، والغش ، وأمثالها فإن قهره الإنسان بقوة العلم والبصيرة ورد نفسه إلى الاعتدال وألزمها صفات الكمال عادت إلى صفة الصبر والحلم والاحتمال والعفو والثبات والشهامة والوقار وغيرها ، وفي الحديث إشعار بأن لزوم الذكر يطرد الشيطان ويجلو مرآة القلب وينور البصيرة * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) * [ الاعراف : 20 ] فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (مكائد الشيطان طب هب عن سمرة) بن جندب قال الحافظ العراقي في سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحكم بن عبد الله القرشي وهو ضعيف اه وأقول تعصيبه الجناية برأس الحكم وحده مع وجود من هو أشد جرحا منه فيه غير صواب كيف وفيه أبو أمية الطرسوسي المختط وهو كما قال الذهبي في الضعفاء متهم أي بالوضع وهو أول من اختط دارا بطرسوس وفيه الحسن بن بشر الكوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن خراش منكر الحديث . 2382 - (إن للشيطان كحلا ولعوقا ونشوقا) بالفتح أي ما ينشقه الإنسان إنشاقا وهو جعله في أنفه ويلعقه إياه ويدسم به أذنيه أي يسد يعني أن وساوسه ما وجدت منفذا إلا دخلت فيه ذكره كله الزمخشري (أما لعوقه فالكذب) أي المحرم شرعا (وأما نشوقه فالغضب) أي لغير الله (وأما كحله فالنوم) أي الكثير المفوت للقيام بوظائف العبادات الفرضية والنفلية كالتهجد ، قال الغزالي ومن طاعة الشيطان في الغضب ينتشر إلى القلب صفة البذاءة والبذخ والكبر والعجب والاستهزاء والفخر والاستخفاف وتحقير الخلق وإرادة الظلم وغيرها فإن قهره ودافعه عادت نفسه إلى حد الواجب من الصفات الشريفة (هب عن أنس) وفيه عاصم بن علي شيخ البخاري قال يحيى لا شئ وضعفه ابن معين قال الذهبي وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير والربيع بن صبيح ضعفه النسائي وقواه أبو زرعة ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك . 2383 - (إن للشيطان مصالي) هي تشبه الشرك جمع مصلاة وأراد ما يستغربه الإنسان من زينة الدنيا وشهواتها (وفخوخا) جمع فخ آلة يصاد بها (وإن) من (مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله) أي
[ 633 ]
الطغيان عند النعمة (والفخر بعطاء الله) أي ادعاء العظم والشرف (والكبر على عباد الله) أي التعاظم والترفع عليهم (واتباع الهوى) بالقصر (في غير ذات الله) فهذه الخصال أخلاقه وهي فخوخه ومصائده التي نصبها لبني آدم فإذا أراد الله بعبد شرا خلا بينه وبين الشيطان فتحلى بهذه الأخلاق فوقع في شبكته فكان من الهالكين ومن أراد به خيرا أيقظه ليتجنب تلك الخصال ويتباعد عنها ليصير من أهل الكمال (ابن عساكر) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن النعمان المذكور وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه . 2384 - (إن للشيطان لمة) بالفتح قرب وإصابة من الإلمام وهو القرب (يابن آدم وللملك لمة) المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق) فإن الملك والشيطان يتعاقبان على القلب تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره وآخر بضده ومنهم من يكون زمنه نهارا كله وآخر بضده ، قال القاضي والرواية الصحيحة إيعاد على زنة إفعال في الموضعين (فمن وجد ذلك) أي إلمام الملك (فليعلم أنه من الله) يعني مما يحبه ويرضاه (فليحمد الله) على ذلك (ومن وجد الأخرى) أي لمة الشيطان (فليتعوذ بالله من الشيطان) تمامه ثم قرأ * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) * [ البقرة : 268 ] اه قال القاضي والإيعادو إن اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد وعدا شرا إلا أنه استعمل في الخير للازدواج والأمن من الاشتباه بذكر الخير بعده اه ونسب لمة الملك إلى الله تعالى تنويها بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة وسبب اشتباه الخواطر أربعة أشياء لا خامس لها كما قاله العارف السهروردي ضعف اليقين أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلى بها لم يفرق وانكشاف بعض الخواطر دون بعض لوجود هذه الأربعة دون بعض واتفقوا على أن كل من أكل من الحرام لا يفرق بين الوسوسة والإلهام (تنبيه) قال الغزالي الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر سميت به لأنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركة للإرادات وتنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أي ما ينفع في الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والمذموم يسمى وسواسا وهذه الخواطر حادثة وكل حادث لا بد له من سبب ومهما
[ 634 ]
اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه واسود علم أن سبب السواد غير سبب الاستنارة وكذا الأنوار في القلب وظلماته سببان فسبب الخاطر الداعي للخير يسمى ملكا والداعي للشر شيطانا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول لمة الملك يسمى توقيفا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول وسواس الشيطان إغواءا وخذلانا فإن المعاني مختلفة إلى أسامي مختلفة والملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف والشيطان عبارة عن خلق شأنه الوعيد بالشر والأمر بالفحشاء فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في مقابلة الخذلان وإليه يشير بآية * (ومن كل شئ خلقنا زوجين) * والقلب متجاذب بين الشيطان والملك فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان لله أمضاه وما كان من عدوه جاهده والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة وآثار الشياطين صلاحا متساويا لكن يترجح أحدهما باتباع الهوى والاكباب على الشهوات والإعراض عنها ومخالفتها واعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم قطعا أنه داعي إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داعي إلى الخير فلا يشك كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فلا يدري أنه من لمة الملك أو لمة الشيطان فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز بينهما غامض فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة الملك أو لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى الطبع ولا يطلع عليه إلا بنور اليقين وغزارة العلم * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) * [ الاعراف : 201 ] (ت ن) كلاهما في التفسير (حب عن ابن مسعود) قال الترمذي حسن غريب لا نعلمه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب فلم يخرج له مسلم إلا متابعة . 2385 - (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) ولهذا كان ابن عمر روايه يقول عند فطره يا واسع المغفرة اغفر لي ، قال الحكيم : خصت هذه الأمة في شأن الدعاء فقيل * (ادعوني استجب لكم) * [ غافر : 60 ] وإنما ذلك للأنبياء . فأعطيت هذه الأمة ما أعطيت الأنبياء عليهم السلام فلما خلطوا في أمورهم لما استولى على قلوبهم من الشهوات حجبت قلوبهم والصوم يكف الشهوات فإذا ترك شهوته صفا قلبه وتوالت عليه الأنوار فاستجيب له ثم إن هذا الحديث ونحوه إنما هو فيمن أعطى الصوم حقه من حفظ اللسان والجنان والأركان ، فقد ورد عن سيد ولد عدنان فيما رواه الحكيم الترمذي إن على أبواب السماء حجابا يردون أعمال أهل الكبر والحسد والغيبة (ه ك) في الزكاة من حديث إسحاق بن عبد الله عن ابن أ بي مليكة (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم : إن كان إسحاق مولى زائدة فقد روى له مسلم وإن كان ابن أبي فروة فواه . 2386 - (إن للطاعم) أي متناول الطعام المفطر الذي لم يصم نفلا (الشاكر) لله سبحانه على ما أطعمه (من الأجر) أي الثواب في الآخرة (مثل ما) أي مثل الأجر الذي (للصائم الصابر) على الجوع
[ 635 ]
والظمأ ابتغاء رضى الله تعالى ورغبة فيما عنده أو المراد الصابر على البلاء مع صومه ، وقال الكرماني : التشبيه هنا في أصل الثواب لا الكمية والكيفية والتشبيه لا يستلزم المماثلة من كل وجه . وقال الطيبي : ربما توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه ووجه الشبه اشتراكها في حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وفيه حث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص بالأكل وتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر لأن الأصل أن المشبه به أعلى درجة (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) ولم يصححه بل سكت عليه ورواه البخاري معلقا . 2387 - (إن للقبر ضغطة) أي ضيقا لا ينجو منه صالح ولا طالح لكن الكافر يدوم ضغطه والمؤمن لا ، والمراد به التقاء جانبيه على الميت (لو كان أحد ناحيا منها نجا) منها (سعد بن معاذ) إذ ما من أحد إلا وقد ألم بخطيئة فإن كان صالحا فهذه جزاؤه ثم تدركه الرحمة ولذلك ضغط سعد حتى اختلفت أضلاعه كما في رواية وحتى صار كالشعرة كما في أخرى لعدم استبرائه من البول كما ورد ، وقيل أصل ذلك أن الأرض أمهم : منها خلقوا فغابوا عنها طويلا فتضمهم ضمة والدة غاب عنها ولدها فالمؤمن برفق والعاصي بعنف غضبا عليه (حم عن عائشة) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده جيد . 2388 - (إن للقرشي) أي الواحد من سلالة قريش (مثل قوة الرجلين من غير قريش) من طبقات العرب . قال الزهري : عنى بذلك نبل الرأي وشدة الحزم وعلو الهمة وشرف النفس والقرش الجمع يقال قرشه يقرشه جمعه من هنا وههنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم في الحرم ، أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترون أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه كأنه جميل قرش أي شديد ، أو لأن قصيا كان يقال له القرش أو لأنهم كانوا يقيسون الحاج فيسدون خلتها أو لغير ذلك (حم حب ك) في الفضائل (عن جبير) بالتصغير قال الحاكم صحيح وقال الذهبي في المهذب صحيح ولم يخرجوه وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح . 2389 - (إن للقلوب صدءا كصدأ الحديد) وفي رواية البيهقي كصدأ النحاس أي وهو أن يركبها الرين بمباشرة الآثام فيذهب بجلائها كما يعلوا الصدأ وجه المرآة ونحوها ، شبه القلوب في صدأها وهو قسوتها لما يعلوها من ظلمة الذنوب ورين الهوى وغين الغفلة بالمرآة إذا ركبها الصدأ بإهمال
[ 636 ]
الجلاء لا يرى فيها الناظر ما غاب عنه وكذا القلب كلما صفا من كدورات أخلاق النفس والطبع ورق بدوام الموعظة والذكر وانجلى عن وجهه ظلمات الهوى والغفلة وزايله رين الذنب والغفلة نظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان إلى أن يرتقي إلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويرى الجنة والنار وما فيها فيقبل على ربه وعمارة آخراه وجلاء ذلك الصدأ هو الاستغفار كما قال (وجلاؤها الاستغفار) أي طلب غفران الذنوب أي سترها وعدم المؤاخذة بها لأن العبد بايع الله يوم الميثاق أن يطيعه فلما دنس قلبه بدنس المخالفة خرج من ستره فتعرى فأذن له ربه بالتوبة فلما طلبها مضطرا واستغفر المرة بعد المرة طهر قلبه من الدنس وانجلت مرآته لكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ثم تمسح فإنها لا تخلو عن كدورة وذلك لأن القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة بالإضافة إلى المتلونات فكما أن المرآة إذا علاها الصدأ والكدر أظلمت واحتاجت للجلاء فكذلك القلب مرآة تكدره المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجهه من كثرة الشهوات لأن ذلك يمنع صفاءه فيمنع ظهور الحق فيه بقدر ظلمته وتراكمه وجلاؤه الاستغفار وسلوك طريق الأبرار فإذا وقع ذلك عاد القلب كما كان قبل العصيان لكن ليست المرآة التي تدنس ثم تمسح كالمصقلة التي لم تدنس قط ذكره الغزالي وقال ابن عربي القلب مرآة مصقولة لا تصدأ ابدا وإطلاق الصدأ عليها في هذا الحديث ليس المراد به أنه طخاء طلع على وجه القلب بل لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجهه لكونه المانع من تجلي الحق إليه لأن الحضرة الإلهية متجلية دائما لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لقبوله غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران ونحوها فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هو ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلبه المشاهد الكامل الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال من حيث كونها من الحضرة الإلهية ومن لم يتجل له منها القلب الغافل عن الله المطرود عن قربه انتهى قال الراغب : والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من العفو وهو إلباس الشئ ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله تعالى أن يصون العبد عن أن يمسه ألم العذاب (الحكيم) الترمذي (عد) كلاهما (عن أنس) ورواه عنه باللفظ المزبور والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي وفيه الوليد بن سلمة الطبراني وهو كذاب أه . 2390 - (إن للمؤمن في الجنة لخيمة) بفتح لام التوكيد أي بيتا شريف المقدار عالي المنار وأصل الخيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (من لؤلؤة) بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى لا الثانية وعكسه (واحدة) تأكيد (مجوفة) واللؤلؤ معروف (طولها ستون ميلا) أي في السماء وفي رواية عرضها
[ 637 ]
ثلاثون ميلا ولا معارضة إذ عرضها في مساحة أرضها وطولها في العلو نعم ورد طولها ثلاثون ميلا وحينئذ يمكن الجمع بأن ارتفاع تلك الخيمة باعتبار درجات صاحبها (للمؤمن فيها أهلون) أي زوجات من نساء الدنيا والحور (يطوف عليهن المؤمن) أي لجماعهن وما هنالك (فلا يرى بعضهن بعضا) أي من سعة الخيمة وعظمها ثم إن ما ذكر من كون تلك الخيمة في النفاسة والصفاء كاللؤلؤ لا أنها منه حقيقة فهو من قبيل * (قوارير من فضة) * [ الانسان : 16 ] والقارورة لا تكون فضة بل المراد أن بياضها كالفضة إلى هنا كلامه وفيه ما فيه إذ لا مانع شرعا ولا عقلا من إجرائه على ظاهره والفاعل المختار لا يعجزه جعل الخيمة لؤلؤة مجوفة وزعمه أن الخيمة لا تكون إلا من كرباس بخلاف القصر واللؤلؤ تحكم ظاهر والفرق هلهل بالمرة (م عن أبي موسى) الأشعري . 2391 - (إن للمسلم حقا) وذلك الحق أنه (إذا رآه أخوه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب (أن يتزحزح له) أي يتنحى عن مكانه ويجلسه بجنبه إكراما له فيندب ذلك لا سيما إن كان عالما أو صالحا أو من ذوي الولاية لأن في ترك ذلك مفاسد لا تخفى (هب عن واثلة) بكسر المثلثة (ابن الخطاب) العدوي من رهط عمر له صحبة وحديث سكن دمشق قال واثلة : دخل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد قاعدا فتزحزح له فقال رجل يا رسول الله إن في المكان سعة فذكره وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي ومجاهد بن فرقد قال في اللسان حديثه منكر تكلم فيه انتهى . 2392 - (إن الملائكة الذين شهدوا بدرا) أي حضروا وقعة بدر التي أعز الله بها الإسلام وخذل بها أهل الشرك (في السماء لفضلا) أي زيادة في رفعة المقام ومزيد الإعظام والإحترام والشرف (على من تخلف منهم) عن شهودها وقد ورد في الثناء على أهل بدر أخبار كثيرة (طب عن را فع بن خديج) بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة الحارثي الأنصاري الأوسي قال الهيثمي فيه جعفر بن مقلاص لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي الحديث قصة . 2393 - (إن للمهاجرين) الذين هاجروا من بلاد المآثم إلى بلاد الطاعات (منابر) جمع منبر بكسر الميم أي شئ مرتفع قال ابن فارس كل شئ رفع فقد نبر ومنه المنبر لارتفاعه وكسرت الميم علي التشبيه بالآلة (من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة) والحال أنهم (قد أمنوا من الفزع) وهو أشد أنواع
[ 638 ]
الخوف هذا أصله والظاهر أنه هنا بمعنى مطلق الخوف لا بقيد الشدة فتدبر قال راويه أبو سعيد والله لو حبوت بها أحدا لحبوت بها قومي (البزار) في مسنده (ك) في مستدركه كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك عن أبي حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 2394 - (إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان) بفتح الواو مصدر معناه المتحير من شدة العشق سمي به هذا الشيطان لإغوائه الناس في التحير في الوضوء والطهارة حتى لا يعلموا هل عم الماء العضو أم لا وكم غسل مرة ونحو ذلك من الشكوك والأوهام (فاتقوا وسواس الماء) أي احذروا وسوسة الولهان فوضع الماء موضع ضميره مبالغة في كمال وسواسه في شأن الماء وإيقاع الناس في التحير حتى يتحيروا هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء والغسل أو لم يصل وهل غسل مرة أو أكثر وهل هو طاهر أو نجس أو بلغ قلتين أم لا وغير ذلك والوسواس بالفتح اسم من وسوست إليه نفسه إذا حدثته وبالكسر مصدر قال في المصباح ويقال لما يخطر بالقلب من شر ولما لا خير فيه وسواس قال الغزالي من وهن علم الرجل ولوعه بالماء الطهور وقال إبن أدهم أول ما يبدأ الوسواس من قبل الطهور وقال أحمد من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء وقال المروزي وضأت أبا عبد الله بن العسكري فسترته من الناس لئلا يقولوا لا يحسن الوضوء لقلة صبه الماء وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى ومن مفاسد وسواس الماء شغل ذمته بالزائد على حاجته فيما لو كان لغيره كموقوف أو نحو حمام فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد حتى يحكم بينه وبين صاحبه رب العباد انتهى . (تنبيه) ظاهر الخبر أن لكل نوع من المخالفات والوساوس شيطانا يخصه ويدعو إليه قال الغزالي واختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب قال مجاهد لإبليس خمسة أولاد جعل كل واحد منهم على شئ وهم شبر والأعور وسوط وداسم وزلنبور فشبر صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية والأعور صاحب الزنا يأمر به ويزينه لهم وسوى صاحب الكذب وداسم يدخل مع الرجل على أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وزلنبور صاحب السوق وشيطان الصلاة يسمى خنزب والوضوء يسمى الولهان وكما أن الملائكة فيهم كثرة . ففي الشياطين كثرة (تتمة) الوسوسة من آفات الطهارة وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل ومتبعها متكبر مذل نفسه يسئ الظن بعباد الله معتمد على عمله معجب به وقوته وعلاجها بالتلهي عنها والإكثار من سبحان الملك الخلاق * (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) * [ ابراهيم : 19 ] كذا في النصائح قال الحكيم فأما القلوب التي ولجها عظمة الله وجلاله فهابت واستقرت فقد انتفى عنهم وسواس نفوسهم ووسواس عدوهم قال ومن هنا أنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الوسوسة فقال هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ثم روى حديثا أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أدخل في صلاتي فلم أدرأ على شفع أم على وتر من وسوسة أجدها في صدري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدت ذلك فاطعن أصبعك هذه يعني السبابة في فخذك اليسرى وقل بسم الله فإنها سكين الشيطان أو مديته (ت ه) وفيه
[ 639 ]
كراهة الإسراف في الوضوء قال النووي أجمعوا على النهي عن الإسراف فيه وإن كان على شط بحر فيكره تنزيها وقيل تحريما (ه ك عن أبي) قال الترمذي غريب ليس إسناده بالقوي لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة بن مصعب انتهى وقد رواه أحمد وابن خزيمة أيضا في صحيحه من طريق خارجة قال ابن سيد الناس ولا أدري كيف دخل هذا في الصحيح قال ابن أبي حاتم في العلل كذا رواه خارجة وأخطأ فيه وقال أبو زرعة رفعه منكر وقال جدي في أماليه هذا حديث فيه ضعف وخارجة ضعيف جدا وليس بالقوي ولا يثبت في هذا شئ انتهى وذلك لأن فيه خارجة بن مصعب وهاه أحمد وكذبه ابن معين وذكر في الميزان أنه انفرد بهذا الخبر وقال في التنقيح وهوه جدا وقال ابن حجر خارجة ضعيف جدا وقال أبو زرعة رفعه منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي وإلا لذكره تقوية له لضعفه وليس كذلك بل رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند . 2395 - (إن لإبليس مردة) بالتحريك جمع مارد وهو العاتي (من الشياطين يقول لهم عليكم بالحجاج والمجاهدين فأضلوهم عن السبيل) أي الطريق يذكر ويؤنث والتأنيث أغلب لأن شأنه هو وجنده الصد عن طريق الهدى والمناهج الموصلة إلى ديار السعداء والأمر بالفحشاء والمنكر ، ثم يحتمل أن المراد الإضلال عن الطرق الحسية فيما لو خرج واحدا وشر ذمة منفردون ويحتمل أن المراد المعنوية بأن يقول للحاج أتحج وتذر أرضك وسماءك وزوجك وولدك مع طول الشقة وكثرة المشقة وللمجاهد أتجاهد فتقاتل وتقتل وتنكح نساؤك ويقسم مالك فيقع التطارد بين حزب الشيطان وأمر الرحمن في معركة القلب إلى أن يغلب أحدهما (طب عن ابن عباس) وفيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في الذيل وقال ثقة قال أبو حاتم يرى القدر اضطر الناس إليه بأخذه عن نافع بن أبي هرمز قال النسائي وغيره غير ثقة . 2396 - (إن لجهنم) قال القاضي علم لدار العقاب وهي في الأصل مرادف للنار وقيل معرب (بابا) أي عظيم المشقة وعر الشقة (لا يدخله) أي لا يدخل منه (إلا من شفا غيظه بمعصية الله) أي أزال شدة حنقه وإبراء علة غضبه بإيصال المكروه إلى المغتاظ عليه على وجه لا يجوز شرعا ، قال في المصباح وغيره شفى الله المريض يشفيه شفاء واستشفيت بالعدو وشفيت به من ذلك لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه برئ من دائه وأصل الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الحنق وفي رواية بدل قوله بمعصية الله بسخط الله قال الغزالي وعدد أبواب جهنم بعدد الأعضاء السبعة التي بها يعصي العبد بعضها فوق بعض الأعلى جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم الجحيم ثم الهاوية فانظر الآن في عنق الهاوية فإنه لاحد لعقمها كما لا حد لعمق حد شهوات الدنيا وقال الحكيم الإنسان جبل على أخلاق سبعة : الشرك والشك والغفلة والرغبة والرهبة
[ 640 ]
والشهوة والغضب . فأي خلق منها استولى على قلبه نسب إليه دون البقية ولذلك جعل لجهنم سبعة أبواب بعدد هذه الأخلاق وأهلها مقسومون على هذه السبعة فكل جزء منهم إنما صار جزءا بخلق من هذه الأخلاق المستولية عليهم ومما يحققه قولهم في هذا الحديث إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بسخط الله وقوله في حديث آخر لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي وإذا ولج الإيمان القلب ففي هذه السبعة منه أو بعضها بقدر قوة الإيمان وضعفه فإن انتفت كلها صارت أبواب جهنم كلها مسدودة دونه أو بعضها فما يناسبه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذم الغضب) أي في كتاب ذمه (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا البزار من حديث قدامة بن محمد عن إسماعيل ابن شيبة قال الهيثمي وهما ضعيفان وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح . 2397 - (إن لجواب الكتاب حقا كرد السلام) يعني إذا أرسل إليك أخوك المسلم كتابا يتضمن السلام عليك فيه فحق عليك رد سلامه بمكاتبة مثله ومراسلة أو إخبار ثقة وبوجوب ذلك صرح بعض الشافعية وهذا من المصطفى صلى الله عليه وسلم شرع للإيناس فإن السلام تحية من الغائب وقلما يخلو كتاب من سلام وفيه تجديد لعهد المودة لئلا تخلق ببعد الدار وطول المدة (فر عن ابن عباس) ورواه أيضا ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن فيه جويبر بن سعيد قال في الكاشف تركوه عن الضحاك وقد سبق قال ابن تيمية والمحفوظ وقفه . 2398 - (إن لربكم في أيام دهركم نفحات) أي تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده والنفحة الدفعة من العطية (فتعرضوا لها) بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة ذكره الغزالي (لعل) أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا) فإنه تعالى كملك يدر الأرزاق على عبيده شهرا شهرا ثم له في خلال ذلك عطية من جوده فينفتح باب الخزائن ويعطى منها ما يعم ويستغرق جميع الأرزاق الدارة فمن وافق الفتح استغنى للأبد وتلك النفحات من باب خزائن المتن وأبهم وقت الفتح هنا ليتعرض في كل وقت فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر وكم من سائل سأل فرد مرارا فإذا وافق المسؤول قد فتح كيسه لينفق ما يرده وإن كان قد رده قبل (طب) قيل إنما ذكره في الأوسط فليحرر (عن محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدرا والمشاهد إلا تبوك وكان من فضلاء الصحابة قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم ومن أعرفهم وثقوا انتهى ورواه عنه الحكيم أيضا . 2399 - (إن لصاحب الحق) أي الدين (مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة قاله لأصحابه لما
[ 641 ]
جاءه رجل تقاضاه فأغلظ له فهموا به فقال دعوه وذكره وأخذ منه الغزالي أن المظلوم من جهة القاضي له أن يتظلم إلى السلطان وينسبه إلى الظلم وكذا يقول المستفتي للمفتي قد ظلمني أبي أو أخي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص والأولى التعريض بأن يقول ما قولكم في رجل ظلمه أبوه أو أخوه قال لكن التعين مباح لما ذكر (حم عن عائشة حل عن أبي حميد الساعدي) بكسر المهملة قضية صنيع المصنف أن هذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد قال الحافظ العراقي ثم السخاوي وغيرهما إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ لصاحب الحق مقال . قال السخاوي وهو من غرائب الصحيح وعزاه لهما بلفظ ما هنا الديلمي في الفردوس وأعجب من ذلك أن المصنف جزم في الدرر بعزوه للشيخين بلفظ : إن لصاحب الحق مقالا ، وما هذه إلا غفلة عجيبة . 2400 - (إن لصاحب القرآن) أي قارئة حق قراءته بتلاوته وتدبر معناه (عند كل ختمة) يختمها من القرآن (دعوة مستجابة) قال التوربشتي الصحبة للشئ الملازمة له إنسانا أو حيوانا مكانا أو زمانا وتكون بالبدن وهي الأصل وبالعناية والهمة وصاحب القرآن هو ملازمه بالهمة والعناية ويكون ذا تارة بنحو حفظ وتلاوة وتارة بتدبير وعمل فإن قلنا بالأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث ما يناله العبد من الكرامة على قدر منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير ، أو بالثاني وهو أتم الوجهين وأحقهما فالمراد بالدرجات سائرها فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها واستكمال ذلك للمصطفى صلى الله عليه وسلم ثم من بعده على مراتبهم في الدين انتهى ، وناقشه في بعضه الطيبي ثم قال والذي نذهب إليه أن سياق الحديث تحريض لصاحب القرآن على التحري في القراءة والإمعان في النظر فيه والملازمة له والعمل بمقتضاه وكل هذه الفوائد يعطيها معنى الصاحب (وشجرة في الجنة لو أن غرابا طار من أصلها لم ينته إلى فرعها حتى يدركه الهرم) أي الكبر والضعف والشيخوخة قيل يضرب الغراب مثلا في طول العمر لأنه تطول حياته أكثر من غيره من الطيور شبه ببعد طولها ببعد مسافة غراب طار من أول عمره إلى آخره هذا بحسب العرف وإلا فلا مناسبة بين البعدين (خط) في ترجمة عبد الله بن صديق (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي . قال أحمد لا يكتب حديثه وأبو عصمة وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح . 2401 - (إن لغة إسماعيل) بن إبراهيم الخليل جد المصطفى صلى الله عليه وسلم (كانت قد درست) أي عفت وخفيت آثارها قال في الصحاح درس الرسم عفى وفي المصباح وغيره درس المنزل دروسا عفى وخفيت آثاره وربع دارس الرسم ودرسته الرياح تكررت عليه فعفته . قال الزمخشري رحمه الله : ومن المجاز درس الحنطة داسها ودرس الثواب أخلق اه . والمراد هنا خفيت آثارها فلم يبق شئ في الأرض من البشر من
[ 642 ]
ينطق بها على وجهها (فأتاني بها جبريل) عليه السلام (فحفظنيها) فلذلك حاز قصب السبق في النطق باللغة التي هي أفصح اللغات وصار باعثا للتصدي للبلاغة التي هي أعم البلاغات وأفحم بلغاء العرب كافة ، فلم يدع شعبا من شعوبهم ولا بطنا من بطونهم ولا فخذا من أفخاذهم من شعراء مفلقين وخطباء مصاقع يرمون في حدق البيان عند هدر الشقاشق ويصيبون الأعراض بالكلم الرواشق إلا أعجزه وأذله وحيره في أمره وأعله (الغطريف في جزئه) الحديثي (وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب . 2402 - (إن لقارئ القرآن دعوة مستجابة) عند ختمه (فإن شاء صاحبها تعجلها) بالمثناة الفوقية (في الدنيا) أي دعا الله تعالى أن يعجلها له فيها فيعجلها (وإن شاء أخرها) بالتشديد (إلى الآخرة) والله خير وأبقى والظاهر أن المراد بهذا أن يؤذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن أحب (ابن مردويه) في التفسير (عن جابر) بن عبد الله . 2403 - (إن لقمان الحكيم) أي المتقن للحكمة وقد مر تعريفها (قال إن الله إذا استودع شيئا حفظه) لأن العبد عاجز ضعيف والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها وتحلى بالاعتراف بالضعف واستودع الله شيئا فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته فيكلأه الله ويرعاه ويحفظه والله خير حفظا وأخرج الحكيم عن ابن عمر أن عمر عرض الناس فإذا برجل معه ابنه فقال عمر رضي الله عنه ما رأيت غرابا أشبه بهذا منك . قال والله يا أمير المؤمنين ولدته أمه في القبر فاستوى قاعدا ، فقال حدثني ، فقال غزوت وأمه حامل فقالت تدعني حاملا معقلا قلت أستودع الله ما في بطنك فلما قدمت وجدتها ماتت فبت عند قبرها وبكيت فرفعت لي نار علية فقلت إنا لله أما والله كانت عفيفة صوامة قوامة فتأملت فإذا القبر مفتوح وهو يدب حولها ونوديت أيها المستودع ربه وديعته خذ وديعتك أما لو استودعته وأمه لوجدتهما . فأخذته فعاد القبر كما كان (حم عن ابن عمر) بن الخطاب . 2404 - (إن لك) بكسر الكاف خطابا لعائشة رضي الله عنها لما كانت معتمرة (من الأجر) أي أجر نسكك (على قدر نصبك) بالتحريك أي تعبك ومشقتك (ونفقتك) لأن الجزاء على قدر المشقة . قال النووي : ظاهره أن أجر العبادة بقدر النصب والنفقة قال ابن حجر وهو كما قال لكن لا يطرد فرب عبادة أخف وأكثر ثوابا كقيام ليلة القدر بالنسبة لغيرها وأمثلته قد أكثر من تعدادها ابن عبد السلام وغيره (ك) في الحج (عن عائشة) وقال على شرطهما وأقره الذهبي .
[ 643 ]
2405 - (إن لكل أمة أمينا) أي ثقة رضيا تعول النفس عليه وتسكن القلوب إليه (وإن أمين هذه الأمة) الذي له الزيادة من الأمانة هو (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر ، فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهر وخصه بأمانة هذه الأمة لأن عنده من الزيادة فيها ما ليس لغيره كما خص الحياء بعثمان رضي الله تعالى عنه والقضاء بعلي كرم الله وجهه قال أبو نعيم أبو عبيدة وهو الأمين الرشيد والعامل الزهيد الأمين للأمة كان للأجانب من المؤمنين وديدا وعلى الأقارب من المشركين شديدا فيه نزلت * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * [ المجادلة : 22 ] الآية (خ) في فضائله (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل خرجه مسلم في فضائل أبي عبيدة عن أنس بلفظ إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح . 2406 - (إن لكل أمة حكيما وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء) عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي وقيل اسمه عامر وعويمر لقب كان آخر أهل داره إسلاما وحسن إسلامه وكان فقيها عالما عاقلا حكيما بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما ترى آخى بينه وبين سلمان الفارسي شهد ما بعد أحد وفي أحد خلف وكان يدفع الدنيا بالصدر والراحتين ولي قضاء دمشق في خلافة عثمان ومات بعده بقليل وقيل غير ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن جبير بن نفير) بتصغيرهما الحضرمي (مرسلا) أرسل عن خالد بن الوليد وعبادة وأبي الدرداء . 2407 - (إن لكل أمة فتنة) أي امتحانا واختبارا وقال القاضي أراد بالفتنة الضلال والمعصية (وإن فتنة أمتي المال) أي الالتهاء به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة قال سبحانه وتعالى * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * [ الانفال : 28 ] وفيه أن المال فتنة وبه تمسك من فضل الفقر على الغنى قالوا فلو لم يكن الغنى بالمال إلا أنه فتنة فقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه لكفى (ت) في الزهد (ك) في الرقاق وكذا ابن حبان كلهم (عن كعب بن عياض) الأشعري صحابي نزل الشام قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن قال في اللسان عن العقيلي لا أصل له من حديث مالك ولا من وجه يثبت اه . وخرجه ابن عبد البر وصححه . 2408 - (إن لكل أمة سياحة) أي ذهابا في الأرض وفراق وطن (وإن سياحة أمتي الجهاد في
[ 644 ]
سبيل الله) أي هو مطلوب منهم كما أن السياحة مطلوبة في دين النصرانية فهو يعدلها في الثواب بل يزيد عليها (وإن لكل أمة رهبانية) أي تبتلا وانقطاعا للعبادة يقال ترهب الراهب انقطع للعبادة والراهب عابد النصارى (ورهبانية أمتي الرباط في نحور العدو) أي ملازمة الثغور بقصد ملاقاة أعداء الدين ومقابلتهم بالضرب على أعناقهم وصدورهم والرباط كما في الصحاح وغيره ملازمة ثغر العدو والنحر موضع القلادة من الصدر . قال في المصباح ويطلق النحور على الصدور ويقال ضرب نحره ونحورهم ومنه نحر البعير طعن في نحره (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال فيه عفير بن معدان وهو ضعيف اه . 2409 - (إن لكل أمة أجلا) أي مدة من الزمن قال في الصحاح أجل الشئ مدته وفي المصباح أجل الشئ مدته ووقته الذي يحل فيه (وإن لأمتي) من الأجل (مائة سنة) أي لانتظام أحوالها (فإذا مرت) أي مضت وانقضت يقال من الدهر مرا ومرورا ذهب (على أمتي مائة سنة أتاها وعدها الله) عز وجل من انقراض الأعمار والتحول من هذه الدار إلى دار القرار قال أحد رواته ابن لهيعة يعني بذلك كثرة الفتن والاختلاق وعدم الانتظام (طب عن المستورد بن شداد) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث على ضعفه . 2410 - (إن لكل بيت بابا وباب القبر من تلقاء رجليه) أي من جهة رجلي الميت إذا وضع فيه وهذا يقتضي أنه ينبغي جعل بابه كذلك أي يندب ذلك وعليه العمل في الأعصار والأمصار (طب عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة . 2411 - (إن لكل دين خلقا) أي طبعا وسجية (وإن خلق الإسلام الحياء) أي طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه أو مروءة هذا الدين التي بها جماله الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله تعالى فكلما ازداد حياؤه بالله ازداد منه حياة ألا ترى أن المستحي يعرق في وقت الحياء فعرقه من حرارة الحياة التي هاجت من الروح فمن هيجانه تفور الروح فيعرق منه الجسد ويعرق منه أعلاه لأن سلطان الحياة في الوجه والصدر وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين خضوعها وانقيادها فلذلك صار الحياء خلقا للاسلام ويستحي ، ذكره الحكيم ، يعني الغالب
[ 645 ]
على أهل كل دين سجية سوى الحياء والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الخلاق وإنما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء (ه عن أنس وابن عباس) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال الدارقطني حديث غير ثابت . 2412 - (إن لكل ساع غاية) أي لكل عامل منتهى وأصل السعي كما في المصباح التصرف في كل عمل ومنه * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * [ النجم : 39 ] إلا ما عمل وفي النهاية غاية كل شئ مداه ومنتهاه (وغاية ابن آدم الموت (1) فلا بد من انتهائه إليه وإن طال عمره أخبر أن مدة العمر سفر إلى الآخرة فلا يضيع الإنسان مدة مهلته وأن كل ساع يسعى إما في فكاك رقبته أو هلاكها كما قال في الخبر الآخر فبائع نفسه فموبقها فمشتري نفسه فمعتقها (فعليكم بذكر الله) أي الزموه باللسان والقلب (فإنه يسليكم) كذا في كثير من النسخ فتبعتها ثم رأيت في نسخة المصنف بخطه يسهلكم (ويرغبكم في الآخرة) أي يجركم إلى إرادة الأعمال الأخروية بأن يوفقكم لإرادة فعلها والمحافظة على حيازة فضلها قال في الصحاح وغيره رغب فيه أراده وبابه طرب (البغوي) في معجم الصحابة من طريق علي بن قرين عن زيد بن هلال عن أبيه هلال بن قطبة (عن جلاس) بفتح الجيم وشد اللام (ابن عمرو) الكندي قال وفدت في نفر من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أردنا الرجوع قلنا أوصنا يا نبي الله فذكره . اه . وقال في الإصابة على بن قرين ضعيف جدا من فرقة لا يعرفون . 2413 - (إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد) صادق بالذكر والأنثى وتمامه عند مخرجه البزار وغيره إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم قلنا يا رسول الله كلنا رحيم قال ليست الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته حتى يرحم الناس أجمعين اه . قيل ذبح رجل عجلا بحضرة أمه فأيبس الله يده فينما هو ذات يوم إذ سقط فرخ من وكره وأبواه يبصبصان له فرحمه فرده لو كره فرحمه الله ورد عليه يده (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو مهدي سعيد بن سنان ضعيف متروك وقال العلائي فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا بل متروك . 2414 - (إن لكل شئ أنفة) بضم الهمزة وفتحها قال بعض محققي شراح المصابيح والصحيح الفتح أي لكل شئ ابتداء وأول قال الزمخشري كأن التاء زيدت على أنف كقولهم في الذنب ذنبة جاء في أمثالهم إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته قال وعن الكسائي أنفة الصبا ميعته وأوليته قال : (1) وكذا كل ذي روع وإنما خص ابن آدم تنبيها على أنه لا ينبغي أن يضيع زمن مهلته بل يتنبه من غفلته . (*)
[ 646 ]
عذرتك في سلمى بأنفة الصبا * * وميعته إذ تزدهيك ظلالها (وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها) أي داوموا على حيازة فضلها لكونها صفوة الصلاة كما في خبر البزار ولأن من حافظ عليها أربعين يوما كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق كما في خبر ضعيف وإنما يحصل فضلها بشهود التكبير مع الإمام والإحرام معه عقب تحرمه فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته لكن يغتفر له وسوسة خفيفة (ش طب عن أبي الدرداء) قال الحافظ ابن حجر في إسناده مجهول وقال الهيثمي هو موقوف وفيه رجل لم يسم قال ابن حجر والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى آثار كثيرة . 2415 - (إن لكل شئ بابا وباب العبادة الصيام) لأنه يصفي الذهن ويكون سببا لإشراق النور على القلب ومن فوائده سكون النفس الأمارة وكسر سورتها عند الفضول بالجوارح لإضعافه حركتها في مطلوباتها ومنه العطف على المساكين فإنه لما ذاق الجوع في بعض الأحيان ذكر من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إلى الرقة عليه فبادر بالإحسان إليه فنال من الجزاء ما أعده الله له لديه ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملونه أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى كما ذكر عن بشر الحافي أنه وجد في الشتاء يرعد وثوبه معلق فقيل له في مثل هذا الوقت تنزع الثوب فقال الفقراء كثير ولا طاقة لي بمواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملونه (هناد عن ضمرة بن حبيب) بن صهيب الزبيدي بضم الزاي أبو عقبة المصري تابعي ثقة (مرسلا) قال الحافظ العراقي وأخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف اه فما اقتضاه صنيع المصنف من أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل للرواية مرسلة مع ضعفهما جميعا غير سديد . 2416 - (إن لكل شئ توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا وقع في شر منه) أي أشد منه شرا فإن سوء خلقه يجني عليه ويعمى عليه طرق الرشاد حتى يوقعه في أقبح مما تاب منه ولهذا عبث بعضهم بالفرزدق وهو صبي لم يبلغ الحلم فقال له أيسرك أن لك مائة ألف وأنك أحمق قال لا قال ولم قال لئلا يجني علي سوء خلقي جناية فيضيع المائة ألف ويبقى حمقي علي (خط عن عائشة) وفيه محمد بن إبراهيم التيمي وثقوه إلا أحمد فقال في حديثه شئ يروي أحاديث منكرة . 2417 - (إن لكل شئ حقيقة) أي كنها (وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم) علما جازما (أن) أي بأن (ما أصابه) من المقادير أي وصل إليه منها (لم يكن ليخطئه) لأن ما قدر عليه في الأزل لا بد أن يصيبه ولا يصيب غيره منه شيئا (وما أخطأه) منها (لم يكن ليصيبه) وإن تعرض له لأنه بان أنه
[ 647 ]
ليس مقدرا عليه ولا يصيبه إلا ما قدر عليه والمراد أن من تلبس بكمال الإيمان وولج نوره في قلبه حقيقة علم أنه قد فرغ مما أصابه أو أخطأه من خير وشر فما أصابه فإصابته له متحتمة لا يتصور أن يخطئه وما أخطأه فسلامته منه متحتمة لأنها سهام صائبة وجهت في الأزل فلا بد أن تقع مواقعها جف القلم بما هو كائن وفيه حث على تفويض كل أمر إلى الله تعالى مع شهود أنه الفاعل لما يشاء وأنه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) * [ الحديد : 22 ] (تنبيه) قال العارف ابن عربي الحقائق أربع : حقائق ترجع إلى الذات المقدسة وحقائق ترجع إلى الصفات وحقائق ترجع إلى الأفعال وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات وهذه الحقائق الكونية ثلاث علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المتخيلات والحقائق الذاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه بغير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة والحقائق الصفاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه قادرا حيا عالما إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة المتماثلة ، والكونية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات والأجسام والاتصال والانفصال ، والفعلية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة بالمقدور بضرب خاص بكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها وجميع ذلك يسمى أحوال ومقامات فالمقامات كل صفة يجب الرسوخ فيها وعدم النقل عنها كالتوبة والحال كل صفة يكون فيها وقتا دون وقت كالسكر والمحو أو يكون وجودها مشروطا بشرط فينعدم كالصبر مع البلاء والشكر مع النعماء (حم طب عن أبي الدرداء) قال العلائي فيه سليمان بن عتبة وثقه ابن دحيم وضعفه ابن معين وباقي رجاله ثقات . 2418 - (إن لكل شئ دعامة) بالكسر أي عمادا يقوم عليه ويستند إليه وأصل الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط ومنه قيل لسيد قومه هو دعامة القوم كما يقال هو عمادهم قال الزمخشري فالمدعوم الذي يميل فيريد أن يقع فيسند إليه ما يستمسك به ، قال ومن المجاز هو دعامة قومه لسيدهم وسندهم وأقام فلان دعائم الإسلام ودعمت فلانا أعنته وقويته (ودعامة هذا الدين الفقه) أي هو عماد الإسلام الذي عليه مبناه وبه استمساكه وبقاؤه (ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) لأن من فقه عن الله أمره ونهيه وعلم لماذا أمر ونهى تعاظم لذلك وكبر في صدره شأنه وكان أشد تسارعا لما أمر وأشد هربا مما نهى فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير الله تعالى في ذلك لهم بنور يقينهم ليعبدوه على
[ 648 ]
بصيرة وطمأنينة ومن حرم ذلك عبده على مكابدة وكره ، لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفع شئ أو ضره والنفس والشيطان جندهما الشهوات فيحتاج الإنسان إلى أضداد هما من الجنود ليقهرهما وهو الفقه ولهذا قالوا قلما قام عمر خطيبا إلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين يا أيها الناس تفقهوا (هب خط) في ترجمة محمد بن عيسى المروزي (عن أبي هريرة) وفيه خلف ابن يحيى كذبه أبو حاتم قال الذهبي قال أبو حاتم كذاب اه وأورده ابن الجوزي في العلل وقال هذا لا يصح وفيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم . 2419 - (إن لكل شئ سقالة) (1) بسين أو صاد مهملتين أي جلا (وإن سقالة القلوب ذكر الله وما من شئ أنجى من عذاب الله) كذا في كثير من النسخ ولكن رأيت في نسخة المصنف بخطه من عذاب بالتنوين (من ذكر الله ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع) أي في جهاد الكفار قال الطيبي قوله كل شئ عام خص بقرينة الفعل أي لكل شئ مما يصدأ حقيقة أو مجازا فإن صدأ القلوب الرين في قوله تعالى * (كلا بل ران على قلوبهم) * [ المطففين : 14 ] فكلمة لا إله تجليها وإلا الله تحليها اه وقد مر غير مرة أن القلب كالمرآة مستعد لأن يتجلى فيه حقائق الأشياء كلها وإنما يحجبه عنها أدناس الذنوب والشهوات وبالتصفية ومجاهدة النفس ولزوم الذكر يزول الصدأ وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب كانطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها فالعلماء يعملون في اكتساب العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلب وتصقيله فقط قال حجة الإسلام حكي أن أهل الصين وأهل الروم تنازعوا بين يدي ملك في حسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم لكل فريق صفة لينقش أهل الصين صفة وأهل الروم صفة ويرخى بينهم حجابا يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك وجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة مالا يحصى ودخل أهل الصين من غير صبغ وهم يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم فرغوا فعجب الملك كيف فرغوا من النقش بغير صبغ فقيل كيف فرغتم بغير صبغ قالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفع فإذا جانبهم قد تلألأ فيه عجائب الصنع الرومية مع زيادة إشراق وبريق لكنه صار كالمرآة المجلية لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد الصفاء فكذا عناية الأولياء تطهير القلب وإجلاؤه وصفاؤه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل الصين وعناية العلماء باكتساب نفس العلوم وتحصيل نقضها في القلب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن حسان وهما اثنان أحدهما قال أحمد غير قوي والآخر قال الذهبي متهم بالوضع . (1) في المصباح صقلت السيف ونحوه صقلا من باب قتل وصقالا أيضا بالكسر جلوته . (*)
[ 649 ]
2420 - (إن لكل شئ سناما) أي رفعة وعلوا استعير من سنام البعير ثم كثر استعماله حتى صار مثلا (وإن سنام القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة (من قرأها في بيته) أي في محله بيتا أو غيره وذكر البيت غالبي (ليلا) أي في الليل (لم يدخله شيطان) نكره دفعا لتوهم إرادة إبليس وحده (ثلاث ليال) أي مدة ثلاث ليال (ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام) قال الحرالي لأن مقصودها الإحاطة الكتابية والإجتهادية الإحاطة الإلهية القيومية وذلك في آية الكرسي تصريحا وفي سائر آياتها الإحاطة بحسب قرب الإحاطة الكتابية من الإحاطة الإلهية اه وتمسك بهذا الحديث وما بمعناه من ذهب إلى القول بخلق القرآن لأن ماله سنام أو قلب لا يكون إلا مخلوقا ورد بأن القرآن ليس بجسم ولا ذي حدود وأقطار وإنما المراد بكونها سنام القرآن أنها أعلاه كما تقرر أن السنام من البعير أعلاه (ع حب طب هب عن سهل بن سعد) وفيه كما قال الهيثمي سعيد بن خالد الخزاعي المديني وهو ضعيف اه وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة . 2421 - (إن لكل شئ شرفا) أي رفعة (وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة) يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية بحسب نيته في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وشرابه وطعامه تشرف حالته بذلك فيتحرى القبلة في مجلسه ويستشعر هيئتها فلا يعبث فيسن المحافظة على استقبالها ما أمكن حتى للمدرس على الأصح وإنما سن استدبار الخطيب لأن المنبر يسن كونه بصدر المجلس فلو استقبل خرج عن مقاصد الخطاب لأنه يخاطب حينئذ من هو خلف ظهره . قال الشريف السمهودي نعم كان شيخي شيخ الإسلام الشرف المناوي يجلس لإلقاء الدرس مستدبرها والقوم امامه قياسا على الخطبة ويعلله بما ذكر من أن ترك استقبال واحد أسهل من تركه لخلق كثير قال ويستأنس له بما رواه الخطيب عن جابر أقبل مغيث إلى مكحول فأوسع له بجنبه فأبى وجلس مقابل القبلة وقال هذا أشرف المجالس فالظاهر أن جلوس مكحول مستدبرا كان كذلك اه (طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس وهو طريق الطبراني وقال الذهبي رواه الحاكم من طريقين أحدهما هذا وهشام متروك والآخر فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال فبطل الحديث اه وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جدا اه نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إن لكل شئ سيدا
[ 650 ]
وإن سيد المجالس قبالة القبلة قال الهيثمي والمنذري وغيرهما إسناده حسن اه فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا لوضعه على ما جزموا بحسنه . 2422 - (إن لكل شئ) كذا هو في خط المصنف وفي رواية عمل وفي أخرى عابد (شرة) بكسر الشين والتشديد بضبط المصنف حدة وحرصا ونشاطا ورغبة قال القاضي الشرة الحرص على الشئ والنشاط فيه وصاحبها فاعل فعل دل عليه ما بعده وقوله تعالى * (وإن أحد من المشركين استجارك) * (ولكل شرة فترة) أي وهنا وضعفا وسكونا يعني أن العابد يبالغ في العبادة أو لا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين وقال القاضي المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط الشرة والتفريط الفترة فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه (فإن صاحبها سدد وقارب) أي إن سدد صاحب الشرة أي جعل عمله متوسطا أي دنا من التوسط وسلك الطريق الأقوم وتجنب طريقي إفراط الشرة وتفريط الفترة (فارجوه) يعني ارجوا الصلاح والخير منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط وأحب الأعمال إلى الله أدومها (وإن أشير إليه بالأصابع) أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالعبادة والزهد وصار مشهورا مشارا إليه بالعبادة (فلا تعدوه) أي لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا ذكره القاضي وقال الطيبي معناه إن لكل شئ من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين إفراطا وتفريطا فالمحمود القصد بينهما فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد فارجوه أن يكون يكون من الفائزين فلا تقطعوا له بأنه من الفائزين فإن الله هو الذي يتولى السرائر وإن رأيته يسلك طريق الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر (ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن صحيح غريب وفيه محمد بن عجلان وثقه أحمد وقال الحاكم سئ الحفظ . 2423 - (إن لكل شئ قلبا) أي لبا (وقلب القرآن يس) أي هي خالصه ولبه المودع فيه المقصود منه لأن أحوال البعث وأهوال القيامة مستقصاة فيها مع تصديرها بإثبات نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم عليها على أبلغ وجه واشتمالها مع قصر نظمها وصغر حجمها على الآيات البديعة من خلق الليل والنهار والقمرين والفلك وعبر ذلك من المواعظ والعبر والمعاني الدقيقة والمواعيد الرائقة والزواجر البالغة والإشارات الباهرة ما لم تكد تكن في سورة سواها مع صغر حجمها وقصر نظمها (ومن قرأ يس كتب الله له) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب له (بقراءتها) ثواب (قراءة القرآن عشر مرات) أي قدر ثواب قراءة القرآن بدون سورة يس عشر مرات وقد تواترت الآثار بجموم فضائل يس ، روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده مرفوعا من قرأ سورة يس وهو خائف أمن أو سقيم شفي أو جائع شبع
[ 651 ]
حتى ذكر خصالا كثيرة وفي مسند الدارمي من حديث عطاء بلاغا أنه عليه الصلاة والسلام قال من قرأ يس في صدر النهار قضيت حاجته وعن بعضهم من قرأها أول النهار لم يزل فرحا مسرورا إلى الليل ومن قرأها أول الليل لم يزل كذلك إلى الصباح (الدارمي) في مسنده (ت) في فضائل القرآن (عن أنس) وقال الترمذي غريب فيه هارون أبو محمد شيخ مجهول انتهى كلام الترمذي فعزو المصنف الحديث له وحذفه لذلك من كلامه غير سديد وفي الباب أبو بكر وأبو هريرة وغيرهما . 2424 - (إن لكل شئ قمامة) أي كناسة (وقمامة المسجد) قول الإنسان فيه (لا والله وبلى والله) أي اللغو فيه وكثرة الخصومات والحلف واللغط فإن ذلك مما ينزه المسجد ويصان عنه فتكره الخصومة ورفع الصوت ونحو البيع والشراء ونشد الضالة ونحوها ويكره اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء حيث لا يشرع تغليظ اليمين بالمكان ولم يكن عذر لنحو مرض (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه رشدين بن أبي سعد وفيه كلام كثير وقال الذهبي قال ابن معين رشدين ليس بشئ وقال أبو زرعة ضعيف والجوزجاني له مناكير وعد هذا منها . 2425 - (إن لكل شئ نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد) أي سورة الإخلاص بكمالها قال في الصحاح النسب واحد الأنساب والهاء للمبالغة في المدح ونسبت الرجل ذكرت نسبته وهذا قاله لما قالت له اليهود يا محمد انسب لنا ربك فقوله الله أحد أثبت الوجود للأحد فنفى العدد وأثبت الأحدية لله سبحانه وتعالى وقوله الله الصمد نفي للجسم ولم يلد ولم يولد نفي للوالد والولد ولم يكن له كفوا أحد نفي للصاحبة كما نفى الشريك بقوله * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * [ الانبياء : 22 ] قال العارف ابن عربي وفي الحديث دلالة على الاكتفاء بأخذ العقائد من القرآن وأنه بمنزلة الدليل العقلي في الدلالة إذ هو المصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يحتاج معه إلى أدلة العقول (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه الوازع بن نافع وهو متروك . 2426 - (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي) أي طريقتي التي شرعتها (فقد اهتدى) أي سار سيرة مرضية حسنة (ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) الهلاك الأبدي وشقي الشقاء السرمدي قال الزمخشري هدى هدي فلان سار سيرته وفي حديث واهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه وفلان هالك في الهوالك واهتوى فلان ألقى نفسه في التهلكة (هب عن ابن عباس وابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .
[ 652 ]
2427 - (إن لكل غادر) أي لكل ناقض للعهد تارك للوفاء بما عاهد عليه قال بعضهم والمشهور بين المصنفين أن هذا الغدر إنما هو في الحروب من نقض عهد أو أمان والحمل على الأعم أتم (لواء) أي علم وهو دون الراية ينصب له (يوم القيامة يعرف به) بين أهل الموقف تشهيرا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ولما كان الغدر إنما يقع مكتوما مستترا أشهر صاحبه بكشف ستره ليتم فضيحته وتشيع عقوبته وأصل اللواء الشهرة فلما كان الغدر لا يقع إلا بسبب خفي عوقب بضد ما فعل وهي شهرته هذه الشهرة التي تتضمن الخزي على رؤوس الأشهاد ويكون ذلك اللواء (عند استه) استخفافا بذكره واستهانة لأمره ومبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته أو لأن علم العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون علم الذلة فيما هو كالمقابل له والاست كما في الصحاح وغيره العجز وقد يراد به حلقة الدبر وهمزته وصل ولامه محذوفة والأصل ستة بفتحتين وقد تزاد الهاء الحذوفة وتحذف التاء فيقال سه قال الزمخشري وتقول باست فلان إذا استخففت به (الطيالسي) أبو داود (حم) كلاهما (عن أنس) بن مالك بإسناد حسن . 2428 - (إن لكل قوم فارطا) أي سابقا إلى الآخرة يهيئ لهم ما ينفعهم فيها (وإني فرطكم على الحوض) أي متقدمكم إليه وناظر لكم في إصلاحه وتهيئته فتردون علي فيه (فمن ورد على الحوض فشرب لم يظمأ ومن لم يظمأ دخل الجنة) أي أن من يعذب في الموقف بالظمأ يدخل النار إما خالدا إن كان كافرا أو للتطهير إن كان مؤمنا ومن لم يقدر له الظمأ ذلك اليوم لشربه من الحوض لا بد وأن يدخل الجنة أولا من غير دخول النار أصلا والفارط كما في الصحاح وغيره السابق الذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم الرشاد والدلاء ويمد لهم الحياض ويستسقي لهم قال الزمخشري ومن المجاز فرط له ولد سبق إلى الجنة جعله الله لك فرطا وافترط فلان أولادا والورود الحضور كما في الصحاح وغيره والحوض ما يجتمع فيه الماء للشرب ونحوه والظمأ العطش (طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف . 2429 - (إن لكل قوم فراسة) بكسر الفاء (وإنما يعرفها الأشرف) أي العالو المرتبة المرتفعو المقدار في علم طريق الآخرة وسبق أن الفراسة ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس
[ 653 ]
بنوع كرامة وإصابة حدس فللقلب عين كما أن للبصر عينا فمن صح عين قلبه وأعانه نور الله اطلع على حقائق الأشياء وعلى إدراك العالم العلوي وهو في الدنيا فيرى مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقاعدة الفراسة الصحيحة وأسها الغض عن المحارم قال الكرماني من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحرمات واعتاد أكل الحلال لم تخطئ فراسته أبدا اه . فمن وفق لذلك أبصر الحقائق عيانا بقلبه وأما ما هو متعارف من الفراسة بأدلة وتجاريب وخلق وأخلاق وفيه مصنفات فلا ثقة به وإنما هي ظنون لا تغني من الحق شيئا وسر ذلك أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم عليه عوض من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فيرى به ما لم يره من أطلق بصره وهذا كالمحسوس (ك عن عروة) بضم أوله ابن الزبير (مرسلا) أرسل عن عائشة . 2430 - (إن لكل نبي أمينا) أي ثقة يعتمد عليه (وأميني أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (ابن الجراح) أحد العشرة المبشرة قال في النوادر الأمانة ترك الأشياء في مواضعها كما وضعت وإنزالها حيث أنزلت وللنفس أخلاق رديئة دنيئة عجولة في مهواها وتتشبث بمخالبها في دنياها فلما تخلص أبو عبيدة من حبائلها اطمأنت فطرته وماتت شهوته فأبصر قلبه الأشياء على هيئتها وصار ذلك أمانة لخلوص قلبه من الظلمات الحاجبة للنور عن إشراقه وفيه ندب توفير العالم وتعظيمه بمخاطبته بالكنية وإن كان هو دون المتكلم في الرتبة (حم) وكذا البزار (عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي رجاله ثقات ورواه الطبراني عن خالد بن الوليد قال الهيثمي بسند رجاله رجال الصحيح . 2431 - (إن لكل نبي حواريا) وزيرا أو ناصرا أو خالصا أو خليلا أو خاصة من أصحابه وحواري الرجل صفوته وخالصته أي صاحب سره سمي به لخلوص نيته وصفاء سريرته من الحور بفتحتين شدة البياض وقال الحرالي : الحواري المستخلف نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه قال الزركشي قال الزجاج وهو منصرف (وإن حواري الزبير) إضافة إلى ياء المتكلم فحذف الياء وقد ضبطه جمع بفتح الياء وآخرون بكسرها وهو القياس لكنهم لما استثقلوا ثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمه صفية عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله لما قال يوم الأحزاب من يأتيني يخبر القوم فقال الزبير أنا لما أحكم أسباب الإخلاص اصطفاه ونسبه للاختصاص (خ) في الجهاد (ت) في المناقب (عن جابر) بن عبد الله (ت ك) في المناقب (عن أمير المؤمنين) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه بل خرجه مسلم في الفضائل عن جابر ولفظه ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم
[ 654 ]
فانتدب الزبير (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير . 2432 - (إن لكل نبي حوضا) على قدر رتبته وأمته قال الطيبي يجوز حمله على ظاهره فيدل على أن لكل نبي حوضا وأن يحمل على المجاز ويراد به العلم والهدى ونحوه وقال الحكيم الحياض يوم القيامة للرسل لكل على قدره وقد من تبعه وهو شئ يلطف الله به عباده فإنهم تخلصوا من تحت أيدي قابض الارواح قد أذاقهم مرارة الموت وطالت مدتهم في اللحود ونشروا للهول العظيم والغوث لاهل التوحيد من الله تعالى مترادف أغاثهم يوم ألست بربكم فأثبت أسماءهم بالولاية ونقلهم في الاصلاب حتى أواهم إلى آخر قالب ثم أنزله فرباه وهداه وهيأه وهيأ له وكلاه حتى ختم له بما اتبلاه فلما أذاقه الموت المر وحبسه مع البلاء الطويل ثم أنشره فبعثه إلى موقف عظيم بين الجنة والنار فمن غوثه إياه أن جعل الرسول الذي أجابه فرطا له قد هيأ له مشربا يروي منه فلا يظمأ بعدها أبدا وسعد فلا يشقى أبدا فمن لم يذد عنه إذا دنا منه وسقى فقد استقر في جوفه ما حرمت النار عليه ثم ينصب الصراط للجواز ، إلى هنا كلامه (وإنهم) أي الانبياء (يتباهون أيهم أكثر) أمة (واردة) على الحوض (وإني أرجو) أي أؤمل (أن أكون أكثرهم واردة) قال القرطبي وقال البكري المعروف بابن الواسطي لكل نبي حوض إلا صالحا فإن حوضه ضرع ناقته انتهى ولم اقف على ما يدل عليه أو يشهد له انتهى وهذا الحديث صريح في أن الحوض ليس من الخصائص المحمدية التي اشتهر الاختصاص والحديث اختلف في وصله وإرساله قال ابن حجر والمرسل خرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن بلفظ إن لكل نبي حوضا (1) وكان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهما يتصدق بها وفي رواية فكان يقسمه كل ليلة ثم يقدم إلى منزله ليس معه منه شئ وباع دارا له بستمائة ألف فقيل له غبنت قال كلا والله لتعلمن أني لم أغبن هي في سبيل الله . وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وأن في صدره مثل العيون من الطعن والرمي وعن ابن أبي حازم عن الزبير قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح وقتل يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين قتله ابن جرموز واستأذن على علي فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكل نبي حواري وحواري الزبير وقال عبد الله بن الزبير جعل أبي يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول إن عجزت عن شئ منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة قال فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائة ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتها يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف . اه . (*)
[ 655 ]
وهو قائم على حوضه بيده عصى يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ورواه الطبراني من وجه آخر عن سمرة مرفوعا مثله وفي سنده لين وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد رفعه كل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض وحينئذ فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره (ت) في الزهد (عن سمرة) بن جندب وقال الترمذي غريب وصحح إرساله . 2433 - (إن لكل نبي خاصة من أصحابه) أي من يختص بخدمته منهم ويعول عليه في المهمات من بينهم (وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب ومن ثم استوزرهما في حياته وحق لهما أن يخلفاه على أمته بعد مماته ، والهاء في الخاصة للتأكيد كما في المصباح وعن الكسائي الخاص والخاصة واحد (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فبه عبد الرحيم أبو حماد الثقفي وهو متروك . 2434 - (إن لكل نبي دعوة) أي مرة من الدعاء متيقنا إجابتها (قد دعا بها في أمته) لهم أي عليهم أو صرفها في هذه الدار لأحد أمرين فمنهم من دعا عليهم كنوح وموسى عليهما السلام ومنهم من دعا لهم كإبراهيم وعيسى عليهما السلام ومنهم من صرفه لغيرهم كسليمان عليه السلام حين سأل الملك (فاستجيب له) وليس معناه أنهم إذا دعوا لم يستجب لهم إلا واحدة فقد إستجاب لكل نبي ما لا يحصى لكنهم في تلك الدعوات بين رجاء وخوف رد ، فكل نبي تعجل دعوته والمصطفى صلى الله عليه وسلم أخرها لوقت الإضطرار قال الطيبي وإرادته الإجابة لا الدعوة (وإني اختبأت دعوتي) أي ادخرتها (شفاعة لأمتي يوم القيامة) لأن صرفها لهم في جهة الشفاعة أهم وفي الآخرة أتم لا يقال اختبأ الشئ يقتضي حصوله وتلك الدعوة إنما تحصل له يوم القيامة فكيف تكون مدخرة قلنا يجوز أن بخير الله النبي بين أن يدعو تلك الدعوة المستجابة في الدنيا وبين أن يدعو في الآخرة فاختارها فسمي ذلك الإختيار اختباء كذا قرروه واستشكله الطيبي بدعاء المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على أحياء العرب كمضر وعصية وذكوان قال فالتأويل المستقيم أن معناه جعل لكل نبي دعوة مستجابة في أمته فكل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها في الدنيا وأنا ما نلتها فيها حيث دعوت على بعض أمتي لي ليس لك من الأمر شئ فبقيت تلك الدعوة مدخرة في الآخرة ودعاؤه على مضر ليس للاهلاك بل للارتداع * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * [ الانبياء : 107 ] تنبيه هذا الحديث قد استبدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر قالوا لأن الشفاعة تنال كل من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا كما نص عليه في رواية مسلم وصاحب الكبيرة في ذلك كذلك فوجب أن تناله الشفاعة (حم ق عن أنس) بن
[ 656 ]
مالك وزاد مسلم في آخره فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا . 2435 - (إن لكل نبي ولاة) جمع ولي أي لكل نبي أحياء وقرناؤهم أولى به من غيرهم (من النبيين وإن وليي أبي) يعني إبراهيم الخليل عليه السلام (وخليلي ربي) قال التوربشتي وفي المصابيح وإن وليي ربي وهو غلط ولعل من حرفه دخل عليه الدخيل من قوله تعالى * (إن وليي الله) * [ الاعراف : 196 ] والصواب ما ذكرنا واعترضه المظهر بأنه لو كان كذا كان قياس التركيب أن يكون وليي أبي خليلي ربي بغير واو العطف الموجبة للتغاير وبإضافة الخليل إلى ربي ليكون عطف بيان لأبي قال الطيبي والرواية المعتبرة ما في الترمذي وغيره ولو ذهب إلى أن خليلي ربي عطف بيان بلا واو لزم حصول كون إبراهيم أبا النبي ووليه فأتى به بيانا وإذا جعل معطوفا عليه يلزم شهرته به والعطف يكون لإثبات وصف آخر له على سبيل المدح ثم إنه لا يلزم من قوله لكل نبي ولاة أن يكون لكل منهم أولياء لأن النكرة المفردة إذا وقعت في محل الجمع أفادت الاستغراق (ت) في التفسير (عن ابن مسعود) وتمامه عنده ثم قرأ * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) * [ آل عمران : 68 ] ورواه عنه أيضا الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي . 2436 - (إن لكل نبي وزيرين) تثنية وزير وهو الذي يحمل أثقال الملك ويلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره (ووزيراي وصاحباي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب وفيه جنوح إلى استحقاقهما الإمامة من بعده (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده فعزوه للفروع وإهماله الأصل غير سديد ثم إن فيه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي قال ابن عساكر اتهم في لقاء إسحاق بن أبي ثابت وأورده في اللسان وقال متهم بالاعتزال . 2437 - (إن لي أسماء) وفي رواية للبخاري خمسة أسماء أي موجودة في الكتب السالفة أو مشهورة بين الأمم الماضية أو يعلمها أهل الكتابين أو مختص بها لم يتسم بها أحد قبلي أو معظمة أو أمهات الأسماء وما عداها راجع إليها لا أنه أراد الحصر كيف وله أسماء أخر بلغها بعضهم كما قال النووي في المجموع وتهذيب الأسماء واللغات ألفا لكن أكثرها من قبيل الصفات قال ابن القيم فبلوغها ذلك باعتبارها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة باعتبار متباينة باعتبار (أنا محمد)
[ 657 ]
قدمه لأنه أشرفها ومن باب التفعيل للمبالغة ولم يسم به غيره قبله لكن لما قرب مولده سموا به نحو خمسة عشر رجاء كونه هو (وأنا أحمد) أي أحمد الحامدين فالأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا قال المصنف وتسميته به من خصائصه (وأنا الحاشر) أي ذو الحشر (الذي يحشر الناس على قدمي) بتخفيف الياء على الإفراد وبشدها على التثنية والمراد على أثر نبوتي أي زمنها أي ليس بعده نبي ، قال الطيبي وهذا اسناده مجازي لأنه سبب في حشر الناس لأنهم لا يحشرون حتى يحشر إذ يحشر قبلهم كما في عدة أخبار وقال ابن حجر يحمل أن المراد بالقدم الزمان أو وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة واستكمل التفسير بأنه يقتضي أنه محشور فكيف يصير به حاشرا وهو اسم فاعل وأجيب بأن استناد الفعل إلى الفاعل إضافة وهي نصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لكونه لا نبي بعده نسب إليه الحشر لوقوعه عقبه وقيل معنى القدم السبب أو المراد على مشاهدتي قائما لله (وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) أي يزيل أهله من جزيرة العرب أو من أكثر البلاد وقد يراد المحو العام بمعنى ظهور الحجة والغلبة ليظهره على الدين كله (وأنا العاقب) زاد مسلم الذي ليس بعدي أحمد وللترمذي الذي ليس بعدي نبي لأنه جاء عقبهم وفيه جواز التسمية بأكثر من واحد قال ابن القيم لكن تركه أولى لأن القصد بالاسم التعريف والتمييز والاسم كاف وليس كأسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن أسماءه كانت نعوتا دالة على كمال المدح لم يكن إلا من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى لا للتعريف فحسب (تتمة) قال المؤلف في الخصائص من خصائصه أن له ألف اسم واشتقاق اسمه من اسم الله تعالى وأنه سمي من أسماء الله بنحو سبعين اسما وأنه سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله (مالك) في الموطأ (ق) في الفضائل (ت) في المناقب (ن) في التفسير (عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسمون الطاء وكسر العين . 2438 - (إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء من الملائكة جبريل وميكائيل ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر) قال الطيبي فيه دلالة على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل من جبريل وميكائيل والوزير من الوزر والثقل فإنه يحتمل عن الملك أوزاره قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام * (واجعل لي وزيرا من أهلي) * [ طه : 29 ] انتهى وعد المصنف وزارة هؤلاء من خصائصه (ك) في التفسير (عن أبي سعيد) الخدري وصححه وأقره الذهبي (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه الترمذي بمعناه من حديث أبي سعيد أيضا . 2439 - (إن ما قد قدر في الرحم سيكون) سواء عزل المجامع أم أنزل داخل الفرج فلا أثر للعزل ولا لعدمه وهذا قاله لمن سأله عن العزل والرحم موضع تكوين الولد وتخفف بسكون الحاء مع
[ 658 ]
فتح الراء ومع كسرها أيضا في لغة بني كلاب وفي لغة لهم تكسر الحاء اتباعا لكسرة الراء كذا في المصباح (ن عن أبي سعيد) وقيل أبو سعيد واسمه عمارة بن سعيد أو غيره (الزرقي) بفتح الزاي وسكون الراء وآخره في نسبة إلى زرق قرية من قرى مرو بها قتل يزدجرد أحد ملوك الفرس خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين . 2440 - (إن ما بين مصراعين) تثنية مصراع وهو من الباب الشطر (في الجنة) أي في باب من أبواب الجنة (كمسيرة أربعين سنة) والمراد بهذا الباب الأعظم وما عداه كما بين مكة وهجر وعليه نزل الخبر الآني في مطلع حرف الباء فلا تدافع بين الخبرين كما سيجئ تحقيقه في حرف الميم عند خبر ما بين مصراعين إلى آخره (حم ع) وكذا الطبراني (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات . 2441 - (إن مثل العلماء في الأرض) المثل لغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهو المراد هنا وقال الحرالي المثل ما يتحصل في باطن الإدراك من حقائق الأشياء المحسوسة فيكون ألطف من الشئ المحسوس فيقع لذلك جالبا لمعنى مثل المعنى المعقول ويكون الأظهر منهما مثلا للأخفى (كمثل النجوم) جمع نجم وهو الكوكب المضئ (في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر) فكذا العلماء يهتدى بهم في ظلمات الضلال والجهل قال في العوارف والهدى وجدان القلب موهبة العلم من الله تعالى (فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة) فكذا إذا ماتت العلماء أوشك أن تضل الناس والطموس كما في الصحاح وغيره الدروس والانمحاء وانطمس الأثر انمحى قال الزمخشري ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء وقد طمس الغيم انتهى (حم عن أنس) قال المنذري فيه رشدين ضعيف وأبو حفص صاحب أنس لا أعرفه قال الهيثمي فيه رشدين بن سعد اختلف في الاحتجاج فيه وأبو حفص صاحب أنس مجهول . 2442 - (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعلي وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة وجعلهم وصلة إليها ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكر النعمة مشرفهم والأخذ بهدي علمائهم فمن أخذ بذلك نجا من
[ 659 ]
ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة المترادفة ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في كثير من الآيات وهم العروة الوثقى ومعدن التقى واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض (ك) في منا قب أهل البيت (عن أبي ذر) قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي فقال فيه مفضل بن صالح واه . 2443 - (إن مثل الذي يعود في عطيته) أي يرجع فيما يهبه لغيره (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم) أكله (عاد في قيئه فأكله) قال ابن دقيق العيد وقع التشبيه في التشديد من وجهين تشبيه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقئ وقال البيضاوي المعنى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بصفة ذميمة يشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال ابن حجر وهذا أبلغ في الزجر وأدل على التحريم بما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة وظاهره تحريم العود في الهبة بعد القبض قال النووي وموضعه في هبة الأجنبي فلو وهب لفرعه رجع وقال أبو حنيفة له الرجوع فيها للأجنبي لأن فعل الكلب يوصف بالقبح لا الحرمة (ه عن أبي هريرة) . 2444 - (إن مثل الذي يعمل السيئات) جمع سيئة وهي ما يسئ صاحبه في الآخرة أو الدنيا (ثم يعمل الحسنات كمثل رجل) بزيادة مثل أو الكاف (كانت عليه درع) بدال مهملة قال ابن الأثير زردية (ضيقة قد خنقته) أي عصرت حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع (ثم عمل حسنة فانفكت) أي تخلصت (حلقة) بسكون اللام (ثم عمل) حسنة (أخرى فانفكت الأخرى) وهكذا واحدة واحدة (حتى تخرج إلى الأرض) يعني عمل السيئات يضيق صدر العامل ورزقه ويحيره في أمره فلا يتيسر له في أموره ويبغضه عند الناس فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته فإذا زالت انشرح صدره وتوسع رزقه وسهل أمره وأحبه الخلق ومعنى قوله حتى تخرج إلى الأرض انحلت وانفكت حتى تسقط تلك الدروع ويخرج صاحبها من ضيقها فقوله تخرج إلى الأرض كناية عن سقوطها (طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو منه إليه وأنه لا علة فيه والأمر بخلافه أما الأول فقد رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ عن عقبة وأما الثاني فلأن فيه ابن لهيعة .
[ 660 ]
2445 - (إن مجوس هذه الأمة) أي الجماعة المحمدية (المكذبون) أي القوم المكذبون (بأقدار الله) بفتح الهمزة جمع قدر بفتحتين القضاء الذي يقدره الله تعالى كما مر بما فيه (إن مرضوا فلا تعودوهم) أي لا تزوروهم في مرضهم فإذا كانوا مجوس هذه الأمة فينبغي معاملتهم بالجفاء وترك المؤاخاة والصفاء وحينئذ (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضرون جنائزهم (وإن لقيتموهم) في نحو طريق (فلا تسلموا عليهم) قال الطيبي لفظه هذا إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا من هذه الأمة بهذه الصفة الشنيعة حيث نزلوا من اوج تلك المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة جعلهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة (1) (ه) عن محمد بن المصفى عن بقية عن الأوزاعي عن ابن جريح عن أبي الزبير (عن جابر) ابن عبد الله قال ابن الجوزي حديث لا يصح وأطال في بيانه ، وهذا الحديث مما انتقده السراج القزويني على المصابيح وزعم وضعه ونازعه العلائي ثم قال مدار الحديث على بقية وقد قال فيه عن الأوزاعي والذي استقر عليه أكثر الأمر من قول الأئمة أن بقية ثقة في نفسه لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين يسقطهم ويضعف الحديث عن شيوخهم فلا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو أخبرنا أو سمعت أو عن . وقال الذهبي هذا من الأحاديث الضعيفة وفي الباب عدة أحاديث فيها مقال . 2446 - (إن محاسن الأخلاق مخزونة) أي محرزة (عند الله تعالى) أي في علمه وفي هذه العندية من التشريف ما لا يخفى (فإذا أحب الله عبدا منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) بضم اللام بأن يطبعه عليه في جوف أمه أو يفيض على قلبه نورا فيشرح صدره للتخلق به والمداومة عليه حتى يصير بمنزلة الغريزي فإعطاؤه الخلق الحسن آية محبة الله له والخلق الحسن الصادر من العبد دليل طيبه المقتضى لمحبة ربه له والله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب كما أن من صدر عنه الخلق السئ دليل على خبثه المقتضي لبغض ربه أعاذنا الله من ذلك (الحكيم) الترمذي (عن العلاء بن كثير مرسلا) وهو الإسكندراني مولى قريش ثقة عابد . (1) يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى الانسان والشيطان والله تعالى خالقهما جميعا لا يكون شئ منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وايجادا وإلى الفاعلين لهما عملا واكتسابا . (*)
[ 661 ]
2447 - (إن مريم) بنت عمران الصديقة بنص القرآن هي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا (سألت الله أن يطعمها لحما لا دم فيه) أي سائل (فأطعمها الجراد) تمامه عند الطبراني فقالت اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع انتهى . ولعل المصنف أغفله ذهولا وفيه حل أكل الجراد وشرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره وقد ورد فيه أخبار منها خبر : أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد ، والكبد والطحال . وبفرض أنه موقوف على ابن عمر فهو في حكم المرفوع كما مر ، وخبر الجراد أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه صريح في حله خلافا لمن وهمه وإنما لم يأكله لعذر كالضب بل روى أبو نعيم أنه أكله (عق عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي وكذا الديلمي . 2448 - (إن مسح الحجر الأسود) أي استلامه بيده اليمنى ومثله موضعه (والركن اليماني يحطان الخطايا حطا) أي يسقطانها أو ينقصانها وأكده بالمصدر إشارة إلى تحقق ذلك . قال في المصباح كغيره حططت من الدين أسقطت واستحطته من الثمن كذا فحطه وانحط السعر نقص . قال الزمخشري : من المجاز حط الله أوزارهم وحط الله وزرك وانحط السعر انتهى والمراد بالخطايا الصغائر كما هو قياس النظائر وفيه ندب استلام الحجر والركن اليماني لكن الحجر يستلمه بيمينه ثم يقبلها ثم يقبله والركن اليماني يستلمه ثم يقبل يده ولا يقبله ويفعل هكذا في ابتداء كل طوفة والأولى آكد (حم عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . 2449 - (إن مصر) بمنع الصرف للعلمية والعجمة (ستفتح) أي سيغلب عليها المسلمون ويملكونها قهرا يقال فتح السلطان البلاد غلب عليها وتملكها قهرا (فانتجعوا خيرها) أي اذهبوا إليها لطلب الربح والفائدة فإنها كثيرة الربح والمكاسب لاسيما الجانب الغربي منها كما هو مصرح به في خبر يأتي وإذا حصلتم على الربح فارتحلوا عنها (ولا تتخذوها دارا) أي محل إقامة (فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا) فإن قلت الآجال مقدرة والأعمال محصية مقدرة فما فائدة الأمر بمنع الإقامة ؟ قلت جائز أن يقال إنه يكون مكتوبا في اللوح أو الصحف أنه إن لم يقم بها عاش طويلا وإن قطنها أفسد هواؤها مزاجه فهلك (فائدة) اشتهر على الألسنة في قوله سبحانه * (سأريكم دار الفاسقين) * [ الاعراف : 145 ] أنها مصر قال ابن الصلاح وهو غلط نشأ عن تصحيف وإنما قال بعض المفسرين
[ 662 ]
* (دار الفاسقين) * مصيرهم فصحفت بمصر تتمة أخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعا أن إبليس دخل العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرح وبسط عبقرية . قال الهيثمي رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا انتهى . وزعم ابن الجوزي وضعه ورده المؤلف (غريبة) قال العارف البسطامي مصر شأنها عجيب وسرها غريب خلقها أكثر من رزقها ومعيشتها أغزر من خلقها من لم يخرج منها لم يشسع . قال بعض الحكماء : نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود . وقال تعالى * (أصلها ثابت وفرعها في السماء) * [ إبراهيم : 24 ] (تخ) يعني تاريخه الصغير كما في الإصابة وظاهر كلام المؤلف أن البخاري خرجه وأقره وليس كذلك بل قال عقبه لا يصح (والبارودي) في الصحابة (طب وابن السني وأبو نعيم في الطب) النبوي وابن السكن في الصحابة وابن شاهين وابن يونس كلهم من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه (عن) جده (رباح) بفتح الراء والموحدة ابن قصير بفتح أوله اللخمي قال ابن يونس عقبة منكر جدا وقد أعاذ الله موسى أن يحدث بمثله فهو كان أتقى لله من ذلك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال البخاري لا يصح وقال ابن السكن في إسناده نظر ولما عزاه الهيثمي للطبراني قال فيه مظهر بن الهيثم وهو متروك وأقر السخاوي ابن الجوزي على دعواه وضعه . وقال المؤلف في حسن المحاضرة في إسناده مظهر بن الهيثم قال فيه ابن يونس متروك والحديث منكر جدا وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات . إلى هنا كلامه . 2450 - (إن مطعم) بفتح فسكون ففتح (ابن آدم) كنى به عن الطعام والشراب الذي يستحيل بولا وغائطا (ضرب مثلا الدنيا) أي لدناءتها وقذارتها (وإن قزحه) بقاف وزاي مشددة أي وضع فيه القزح وهو النابل يعني وإن نوبله وكثر أبزاره وبالغ في تحسينه . قال الزمخشري : قزح قدرك توبلها وطعام مليح قزيح . وفي المصباح القزح كحمل الأبزار وقد يراد بقزحه هنا جعله ألوانا مليحة ، ففي المصباح أيضا القزح الطريق وهو خطوط من صفرة وخضرة وحمرة وما ذكر من أن قزحه مشددا هو ما ضبطه المصنف بخطه لكن إن كانت الرواية هكذا فمسلم وإلا فالمسموع جواز الأمرين ، ففي المصباح وغيره قزح قدره بالتخفيف والتثقيل جعل فيه القزح (وملحه) بفتح الحاء وشد اللام كذا رأيته بخط المصنف ، لكن قال المنذري هو بتخفيف اللام أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح (فانظر إلى ما يصير) يعني ما يخرج منه : كان قبل ذلك ألوانا من الأطعمة طيبة ناعمة وشرابا سائغا فصارت عاقبته إلى ما ترى ، فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها يتنافس في رتبتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى (تنبيه) ما في قوله إلى ما يصير موصولة وعائدها محذوف لأنه جر بمثل الحرف الذي جر الموصول به والتقدير إلى ما يصير إليه ونظر يتعدى (حم طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير غني وهو ثقة وقال المنذري إسناده جيد قوي .
[ 663 ]
2451 - (إن معافاة) مصدر من قوله عافاك الله معافاة (الله العبد في الدنيا أن يستر عليه سيئاته) فلا يظهرها لأحد ولا يفضحه بها ومن ستر عليه في الدنيا ستر عليه في الآخرة كما سيجئ في خبر . قال ابن الأثير العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلاء وهي الصحة ، والمعافاة أن يعافيك من الناس ويعافيهم منك (الحسن بن سفيان في) كتاب (الوحدان) بضم الواو وسكون الحاء المهملة (وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة من طريق محمد بن عثمان القرشي عن حبيب بن سليم (عن بلال بن يحيى) قال أبو نعيم (العبسي) الكوفي صاحب حذيفة (مرسلا) أرسله عن حذيفة وغيره قال ابن حجر قلت هو كما ظن فإن حبيب بن سالم معروف بالرواية عنه وهو تابعي معروف حتى قيل إن روايته عن حذيفة مرسلة . 2452 - (إن مع كل جرس) بالتحريك أي جلجل يعلق في عنق الدابة أو غيرها من كل حيوان (شيطانا) قيل لدلالته على أصحابه بصوته وظاهره العموم فيشمل الجرس الصغير والكبير في نحو أذن أو رجل أو عنق من نحاس أو حديد أو نقد أو غيرها (د عن عمر) بن الخطاب قال عامر بن عبد الله بن الزبير قال ذهبت مولاة لآل الزبير بابنة لهم إلى عمر وفي رجلها أجراس فقطعها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : فذكره قال المنذري ومولاتهم مجهولة وعامر لم يدرك عمر . 2453 - (إن مغير الخلق) بضم الخاء (كمغير الخلق) بفتحها (إنك لا تستطيع أن تغير خلقه حتى تغير خلقه) وتغيير خلقه محال فتغيير خلقه كذلك وتأبى الطباع على النافل وهذا يوضح خبر أحمد إذا حدثت أن جبلا زال عن مكانه فصدق وإذا حدثت أن رجلا زال عن خلقه فلا تصدق وذلك لأن من تمحضت فيه مادة الخبث فقد طبع على الخلق المذموم الذي لا مطمع في تبدله ومن تمحضت فيه مادة الطيب فقد طبع على الخلق الحسن المحمود الذي لا مطمع في تبدله قال الشريف السمهودي وقد جربت مصداقه الآن فكم أظهر الواحد منهم التوبة عن أخلاق ذميمة بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها ثم نكص على عقبيه راجعا لما كان عليه لاقتضاء خبثهم المستحكم وعظيم بغضهم لأهل الخير سيما ذوي البيوت وأنشد بعضهم : وما هذه الأخلاق إلا طبائع * * فمنهن محمود ومنهن مذمم ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه * * لئيم ولن يستطيعه متكرم
[ 664 ]
(عد فر) وكذا الطبراني والعسكري كلهم (عن أبي هريرة) وفيه بقية عن إسماعيل بن عياش وقد سبق بيان حالهما . 2454 - (إن مفاتيح الرزق متوجهة نحو العرش) أي جهته (فينزل الله على الناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له) أي من وسع على عياله ونحوهم ممن عليه مؤونتهم وجوبا أو ندبا أدر الله عليه من الأرزاق بقدر ذلك أو أزيد ومن قتر عليهم قتر عليه وشاهده الخبر المار إن الله ينزل المعونة على قدر المؤونة وفي خبر آخر إن لله تعالى ملكا ينادي كل صباح اللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تلفا (قط في الأفراد عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال الذهبي ضعيف والواقدي ومحمد بن إسحاق . 2455 - (إن ملكا موكلا بالقرآن فمن قرأ منه شيئا لم يقومه) أي لم يجره على سنن الجادة من رعاية اللغة والإعراب ووجوه القراءات الجائزة وغير ذلك مما يجب في أدائه (قومه الملك) أي عدله والقوام بالفتح العدل والاعتدال قال تعالى * (وكان بين ذلك قواما) * [ الفرقان : 67 ] أي عدلا وهو حسن القوام أي الاعتدال وقومته تقويما فتقوم بمعنى عدلته فتعدل كما في المصباح كغيره (ورفعه) إلى الملأ الأعلى قويما فظاهره أن الملك واحد لجميع القراء من الخلق ويحتمل على بعد : أن لكل قارئ ملكا (أبو سعيد السماني) بشد الميم بخط المصنف وفي التحرير للحافظ ابن حجر السماني بكسر السين المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون معروف منسوب إلى سعد السمان الحافظ الرازي (في مشيخته والرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أنس) في صنيع المصنف إشعار بأنه لم يره لأشهر من هذين في فن الحديث وهو عجب فقد رواه البخاري في الضعفاء عن أنس المذكور باللفظ المزبور وفيه معلا بن هلال قال في الميزان رواه السفيانان بالكذب . 2456 - (إن من البيان لسحرا) أي إن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا وهذا معنى قول ابن قتيبة : إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم وهذا قاله حين قدم وفد تميم
[ 665 ]
وفيه الزبرقان وعمرو بن الأهيم فخطبا ببلاغة وفصاحة ثم فخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب لديهم أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك فقال عمرو : إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه فقال الزبرقان والله لقد علم مني أكثر ما قال ما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا أحسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال ضيق العطن أحمق الولد والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت لكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن إلخ قال الميداني هذا المثال في استحسان النطق وإيراد الحجة البالغة قال التوربشتي وحقه أن يقال إن بعض البيان كالسحر لكنه جعل الخبر مبتدأ مبالغة في جعل الأصل فرعا والفرع أصلا (مالك حم خ) في النكاح والطب (د) في الأدب (ت) في البر كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ووهم في المشارق حيث عزاه إلى علي كرم الله وجهه فإن البخاري لم يخرجه عنه . 2457 - (إن من البيان سحرا) أي إن بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح المشكل ويكشف بحسن بيانه عن حقيقته فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر فلما كان في البيان من صنوف التركيب وغرائب التأليف ما يجذب السامع إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي قال صعصعة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق (وإن من الشعر حكما) جمع حكمة أي قولا صادقا مطابقا للحق موافقا للواقع وذلك ما كان منه من قبيل المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن جنس البيان وإن كان محمودا ففيه ما يذم للمعنى السابق وجنس الشعر وإن كان مذموما ففيه ما يحمد لاشتماله على الحكمة وعبر بمن إشارة إلى أن بعضه ليس كذلك وفيه رد على من كره مطلق الشعر وأصل الحكمة المنع وبها سمي اللجام لأنه يمنع الدابة (حم د عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه والجملة الثانية في البخاري بلفظ إن من الشعر لحكمة من حديث أبي . 2458 - (إن من البيان سحرا) قال القاضي البيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة باعتبار المعنى والسحر في الأصل الصرف قال * (فأنى تسحرون) * [ المؤمنون : 89 ] وسمي السحر سحرا لأنه مصروف عن جهته والمراد به هنا من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قول الباطل ويروج عليهم ويخيل لهم ما ليس بحق حقا ويشغلهم بتمويه اللفظ عن تدبر المعنى فيكون صفة ذم ويؤيده ما ورد صريحا في مذمته ويكون المقصود من الكلام منع الحاضرين عن استعجابه والاغترار به وحثهم على أن يكون مجامع نظرهم في الاستحسان والاستقباح إلى جانب المعنى فإن حسن البيان وإن كان محمودا في
[ 666 ]
الجملة ففيه ما هو مذموم لكونه معربا عن باطل وجنس الشعر وإن كان مذموما في الجملة لكنه قد يكون فيه ما هو محمود لاشتماله على حكم ومنه ما يستعذب ويقضى له بالتعجب ويقصر عنه منه العامة كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد فيكون صفة مدح ويسمى السحر الحلال (وإن من العلم جهلا) لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو المراد من العلوم ما لا يحتاج إليه فيشتغل به عن تعلم ما يحتاجه في دينه فيصير علمه مما لا يعنيه (وإن من الشعر حكما) أكد هنا وفيما مر بأن وفي بعض الروايات باللام أيضا ردا على من أطلق كراهة الشعر فأشار إلى أن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح وكل كلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد وأما خبر الشعر مزامير الشيطان وخبر إنه جعل له كالقرآن فواهيان وبعد الإغضاء عن ذلك محمول على ما كان من غير ذلك القبيل أو على المجازفة والإفراط جمعا بين الأدلة (وإن من القول عيالا (1) قال في النهاية هو عرض الحديث على من لا يريده وليس من شأنه كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده اه . وقال الراغب : العيال جمع عيل لما فيه من الثقل فكأنه أراد به الملال فالسامع إما عالم فيمل أو جاهل فلا يفهم فيسأم (د) في الأدب من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه (عن) جده (بريدة) بن الحصيب قال عبد الله بينما هو - يعني بريدة - جالس بالكوفة في مجلس من أصحابه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال فقال صعصعة بن صوحان وهو أحدث القوم سنأ صدق الله ورسوله ولو لم يقلها كان كذلك قال فتوسمه رجل من الحلقة فقال له بعد ما تفرق القوم من مجلسهم ما حملك على أن قلت صدق نبي الله ولو لم يقلها كان كذلك قال أما قوله إن من البيان سحرا أن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فليسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه وأما قوله وإن من العلم جهلا فهو تكلف العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالا فعرضك كلامك من ليس من شأنه ولا يريده قال الحافظ العراقي في إسناده من يجهل . 2459 - (إن من التواضع لله الرضى بالدون) أي الأقل (من شرف المجالس) فمن هذب نفسه حتى رضيت منه بأن يجلس حيث انتهى به المجلس كما كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم سمي متواضعا لله حقا فالفضيلة إنما هي بالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية لا برفعه المواضع ولا بالخلع ولا بالمناصب فلو جلس ذو الفضيلة عند النعال لصار موضعه صدرا وعكسه فليحذر من هذا التنافس المذموم شرعا فإنه سم قاتل وفي ضمن هذا الحديث الأخذ بمدحة التواضع والأمر به قال بعض العارفين احذر أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلاها إلا الحق وإن (1) قال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه وغيره عيلا قال الازهري من قولك علت الضالة أعيل عيلا وعيلا وعيالا إذا لم تدر أي جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد إلى من يطلب علمه فعرضه على من لا يريده . (*)
[ 667 ]
رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه تعالى والذي عليك التواضع والذلة والانكسار فإنك إنما أنشأك الله من الأرض فلا تعلو عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين محرم مذموم (طب هب عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي وفيه أيوب بن سليمان بن عبد الله لم أعرفه ولا والده وبقية رجاله ثقات اه وأقول فيه أيضا سليمان بن أيوب الطلحي قال في اللسان صاحب مناكير وقد وثق وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ثم أورد له أخبارا هذا منها اه نعم رواه الخرائطي في المكارم وأبو نعيم في الرياض عنه أيضا قال الحافظ العراقي وسنده جيد اه وكان ينبغي للمصنف إيثار العزو إليهما . 2460 - (إن) يقال (من الجفاء) أي الإعراض عن الصلاة جفوت الرجل أجفوه أعرضت عنه أو طردته (أن يكثر الرجل) ذكره هنا وصف طردي والمراد المصلي ولو امرأة وخنثى (مسح جبهته) من الحصى والغبار بعد تحرمه و (قبل الفراغ من صلاته) فيكره إكثار ذلك لمنافاته للخشوع وخرج بالإكثار ما وقع على الندور والكلام في خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للأرض فإن منع وجب مسحه ولم تصح صلاته بدونه (ه عن أبي هريرة) قال الحافظ مغلطاي حديث ضعيف لضعيف هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي قال البخاري لا يتابع في حديثه وأبو حاتم منكر الحديث وابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به . 2461 - (إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة) لا الفرض ولا النفل (ولا الصيام) كذلك (والحج ولا العمرة) ولم يذكر الزكاة لأن الذي يهتم بمعيشته لا مال له غالبا قيل وما يكفرها ؟ قال (يكفرها الهموم) جمع هم وهو القلق والاغتمام والحزن كما في الصحاح وغيره (في طلب المعيشة) أي السعي في تحصيل ما يعيش به ويقوم بكفايته وممونه قال في المصباح وغيره المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به وإنما صلح ذلك دون غيره لتكفيرها لأن الشئ يكفر بضده كما أن المرض يعالج بضده فالمعاصي القلبية تكفر بالهموم القلبية فيدخل الله الهم على القلب ليكفر به ذلك الذنب ومن ثم قيل إن الهم الذي يدخل على القلب والعبد لا يعرفه هو ظلمة الذنوب والهم بها وشعور القلب بوقفة الحساب وهول المطلع لكن قال الغزالي الهم إنما يكفر حقوق الله أما مظالم العباد فلا يكفيه فيها إلا الخروج عنها (حل وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط والخطيب في تلخيص المشتبه من طريق يحيى بن بكير عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن حجر وإسناده إلى يحيى واه وقال الحافظ الهيثمي فيه محمد بن سلام المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع قال وهذا مما روي عن يحيى بن بكير .
[ 668 ]
2462 - (إن من السرف) أي مجاوزة الحد المرضي وفي رواية من الإسراف (أن تأكل كل ما اشتهيت) لأن النفس إذا اعتادت ذلك من صاحبها شرهت ونزقت من رتبة لأخرى فلا يقدر بعد ذلك على كفها فيقع في أعلى مراتب السرف المذموم قال الحجة وأكلتان في يوم سرف وأكلة في يومين تقتير وأكلة في يوم هو المحمود وبين كونها قبيل الفجر وفيه أن السرف في المأكل والمشرب ومثلهما الملبس مذموم وكل من أسرف في ماله أسرف في دينه والله تعالى ما أعطى عبدا فوق كفايته إلا لينفق منه بقدر ضرورته ويدفع الفاضل منه للمحتاج أو يرصده له لا ليأكل منه إسرافا ويدفع ذلك في الكنيف ومن فعل ذلك فقد خالف طريق الحق الذي درج عليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والصالحون ولولا أنه تعالى جعل الإنسان يحتاج للطعام والشراب لكان الأكل إسرافا وبدارا فإن من يلقي الطعام النفيس في بطنه كمن يلقيه في بطن الخلاء من حيث إتلافه وتنجيسه فافهم وارع حكمة الله حق الرعاية وإلا نفرت وقلما تعود (ه) من حديث بقية عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن (عن أنس) ورواه عنه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والبيهقي قال المنذري وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا وحسنه غيره اه وأقول بقية حاله معروف ويوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال شيخ لبقية لا يعرف ونوح قال في الميزان قال أبو حاتم ليس بشئ وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وابن حبان منكر الحديث جدا وساق من مناكيره هذا الخبر اه وعده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقب بأن له شواهد . 2463 - (إن من السنة) أي الطريقة الإسلامية المحمدية (أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار) يعني إلى المحل الذي أتاه فيه دارا كان أو خلوة أو معبدا أو غير ذلك إيناسا وإكراما له لينصرف طيب النفس وفيه أن المراد بالضيف ما يشتمل الزائر ونحوه وإن لم يقدم له ضيافة ، تنبيه قال في النهاية إذا أطلقت السنة في الشرع إنما يراد بها ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا أو فعلا أو تقريرا مما لم ينطق به الكتاب وبهذا يقال في أدلة الشرع والسنة أي القرآن والحديث . قال الولي العراقي وقد يراد بالسنة المستحب سواء دل على استحبابه كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ومنه قولهم فروض الصلاة وسننها وقد يراد به ما واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ليس بواجب فهذه ثلاث اصطلاحات (ه عن أبي هريرة) قال البيهقي وفي إسناده ضعف اه وذلك لأن فيه علي بن عروة الدمشقي قال في الميزان عن ابن معين ليس بشئ وعن أبي حاتم متروك وعن ابن حبان يضع الحديث وكذبه صالح جزره وغيره ثم أورد له هذا الخبر . 2464 - (إن من الفطرة) أي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه قال الزمخشري بناء الفطرة يدل على النوع من الفطرة وفي اللام إشارة إلى أنها
[ 669 ]
معهودة وأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها نطق بها قوله تعالى * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * [ الروم : 30 ] اه (المضمضة والاستنشاق) أي إيصال الماء إلى الفم والأنف في الطهارة (والسواك) بما يزيل القلح ويتأكد في مواضع مبينة في الفروع (وقص الشارب) يعني إزالته بقص أو نحو حلق حتى تبين طرف الشفة بيانا ظاهرا (وتقليم الأظافر) من يد أو رجل ولو زائدة قال الدمياطي وتلقيت عن بعضهم أنه من قصها مخالفا لم يصبه رمد وأنه جربه قال القشيري ولا أصل له ولا يجوز اعتقاد ندبه لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل لكن يسن تقديم اليد على الرجل ويكره الاقتصار على تقليم يد أو رجل (ونتف الإبط) أي إزالة ما به من شعر ينتفه إن قوي عليه وإلا أزاله بحلق أو غيره كنورة (والاستحداد) أي حلق العانة بالحديد أي الموسى يعني إزالة شعرها بحديد أو غيره على وزان ما مر وخص الحديد لأن الغالب إزالتها بالحلق به (وغسل البراجم) تنظيف المواضع المنقبضة والمنعطفة التي يجتمع فيها الوسخ وأصلها العقد التي بظهر الأصابع (والانتضاح بالماء) أي الاستنجاء به من النضح وهو الماء القليل كذا في شرح أبي داود للنووي وفي شرح مسلم له عن الجمهور وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي الوسواس : وقال المنذري إزالة الماء بنشر وتنحنح (والاختتان) للذكر بقطع القلفة وللأنثى بقطع ما ينطلق عليه الاسم من فرجها قال الشافعي هو واجب على الذكر والأنثى دون ما قبله ولا مانع من أن يراد بالفطرة القدر المشترك الجامع للوجوب والندب كما يأتي وقال مالك وأبو حنيفة سنة وأحمد واجب على الذكر سنة للأنثى (حم ش د ه عن عمار بن ياسر) قال النووي في شرح أبي داود وضعيف منقطع أو مرسل لأنه من رواية سلمة محمد بن عمار بن ياسر عن جده عمار قال البخاري لم يسمع من جده وقال الولي العراقي في الحديث علل أربع الإنقطاع والإرسال والجهل بحال سلمة إن لم يكن أبا عبيدة وضعف علي بن زيد والاختلاف في إسناده . 2465 - (إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى) أي حسنى أو خيرا وهو من الطيب أي عيش طيب (لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل) شدة حسرة ودمار وهلاك (لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) قال الحكيم فالخير مرضاة الله والشر سخطه فإذا رضى الله عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحا للخير فإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير وعليه من الله سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير بعمل الخير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيرا فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه والآخر يتقلب في شر ويعمل شرا وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شرا فهو مفتاح الشر لذلك
[ 670 ]
فصحبة الأول دواء والثاني داء (ه) والطيالسي كلاهما من حديث محمد بن أبي حميد عن حفص بن عبيد الله بن أنس (عن) جده (أنس) بن مالك ومحمد بن أبي حميد هذا قال في الكاشف ضعفوه وقال السخاوي ابن أبي حميد منكر الحديث وله شاهد مرسل ضعيف . 2466 - (إن من الناس مفاتيح) بإثبات الياء جمع مفتاح ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل وعلى ما كان معنويا كما هنا (لذكر الله) أي تذكره بنحو تسبيح أو تحميد أو تهليل أو صلاة أو نحوها قيل من هم يا رسول الله قال الذين (إذا رؤوا ذكر الله) ببناء رؤوا للمجهول يعني إذا رآهم الناس ذكروا الله برؤيتهم لما هم عليه من سمات الصلاح وشعار الأولياء وضياء الأصفياء (طب) هب (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عمر بن القاسم ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر هذا الخير صححه ابن حبان من حديث أنس . 2467 - (إن من النساء عيا) (1) أي جهلا ونقصا وقبحا وعجزا واتعابا يقال عيي بالأمر وعن حجته يعيا عياء عجز عنه وقد يدغم الماضي فيقال عى وعي بالأمر لم يهتد لوجهه وأعياني كذا بالألف أتعبني فأعييت يستعمل لازما ومتعديا ذكره في المصباح كغيره (وعورة) بعين مهملة أي نقصا وقبحا (فكفوا) أيها الرجال (عيهن بالسكوت) أي بالضرب صفحا عن كلامهن وعدم جوابهن عن كل ما سألنه (وواروا عوراتهن بالبيوت) أي استروا عورتهن بإمساكهن في بيوتهن ومنعهن من الخروج (عق) عن الحسين بن إسحاق التستري عن زكريا بن يحيى الحراز عن إسماعيل ابن عباد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (عن أنس) بن مالك ثم قال العقيلي هذا حديث غير محفوظ وقال ابن الجوزي موضوع وإسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا . 2468 - (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا) أي أكثركم حسن خلق وهو اختيار الفضائل وترك الرذائل وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات ومفهوم الحديث أن من أبغضهم إليه أسوأهم أخلاقا وبنحوه صرح في رواية الترمذي بزيادة ولفظه عن جابر إن من أحبكم إلي (1) قال في النهاية العي الجهل والعورة وكل ما يستحي منه إذا ظهر ومنه الحديث المرأة عورة جعلها نفسها عورة إذا ظهرت يستحي من العورة إذا ظهرت . (*)
[ 671 ]
وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون (خ عن ابن عمر) بن العاص . 2469 - (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي) أي صاحب (الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان وتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه (وحامل القرآن) أي قارئه (غير الغالي فيه) أي غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه (والجافي عنه) أي التارك له البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه (وإكرام ذي السلطان) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة من السلاطة وهي التمكن من القهر قال الله تعالى * (ولو شاء الله لسلطهم عليكم) * [ النساء : 90 ] ومنه سمي السلطان وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج (المقسط) بضم الميم العادل في حكمه بين رعيته قال ابن الأثير وقيد بقوله غير الغالي إلخ لأن من أخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور والغلو التشديد في الدين ومجاوزة الحد والتجافي البعد عنه (د عن أبي موسى) الأشعري سكت عليه أبو داود وقال في الرياض حديث حسن وقال الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر سنده حسن وقال ابن القطان ما مثله يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع بهذا اللفظ من حديث أنس ونقل عن ابن حبان أنه لا أصل له ولم يصب بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر انتهى 2470 - (إن من إجلالي) أي تعظيمي وأداء حقي وفي رواية من إجلال الله (توقير الشيخ من أمتي) أي من جملة إجلال الله وتوقيره أن يكرم موضع وقاره وهو شيبة المسلم ولهذا السر قال الخليل وقد رأى الشيب وكان أول من شاب ما هذا يا رب قال وقار يا إبراهيم قال يا رب زدني وقارا (خط في الجامع عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حبيب عن بقية قال في الميزان عن يحيى ليس بشئ وعن ابن حبان لعله وضع أكثر من خمسمائة حديث ثم أورد له هذا الخبر ثم قال قال ابن حبان لا أصل له ثم أعاده في ترجمة يعقوب بن إسحاق الواسطي وقال إنه هو المتهم بوضع هذا وحكاه عنه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره . 2471 - (إن من أخلاق المؤمن) أي الكامل (قوة في دين) أي طاقة عليه وقياما بحقه جلد عمر ابنه الحد فقال يا أبت قتلتني قال إذا لقيت ربك فأخبره أنا نقيم الحدود (وحزما في لين) أي سهولة فإذا جاءت المعرفة بأنوارها انجلت الكثافة وزالت الفظاظة وذلك لأن الحزم هو اجتماع الأمور وإنما تجتمع وتستحكم باللين فإن الغصن الصلب إذا مددته انكسر باثن واللين إذا مددته انقاد وبلغت به
[ 672 ]
المراد (وإيمانا في يقين) لأن العبد وإن كان موحدا لكن قد يدخله النقص في نوره المشرق في صدره فيحجب عن الله ويقف مع الأسباب فيحتاج إلى يقين يزيل حجابه ويطلق عنانه (وحرصا في علم) أي اجتهادا فيه ودواما عليه لأن العلم بحر لا ساحل له ولا منتهى فمن دخله احتاج إلى حرص يعينه عليه ويذهب بملاله ويبعثه في كل وقت إليه (وشفقة) أي خوفا ومحبة وعطفا (في مقة) بالقاف بضبط المصنف لكن رواية الحكيم معه بالعين مشتقة من المعة أمعاء البطن فالشفقة تحنن الرأفة والإكباب على من يشفق عليه وإنما يصير منكبا بشدة الرأفة فإذا كانت الشفقة بغير معة انتشرت فأفسدت وإذا كانت في معة كانت في حصن فلم تنتشر ولم تفسد لأن هنا حدا يحويها (وحلما في علم) لأن الحلم سعة الأخلاق فإذا توسع المرء في أخلاقه ولم يكن له علم فقد الهدى وإن كان ثم علم لا حلم ساء خلقه وتكبر بعلمه لأن للعلم حلاوة ولكل حلاوة شرة (وقصدا في غنى) فلا يتوسع في الإنفاق فيقع في الإسراف بل يكون وسطا فإنما هو رزق الله (وتجملا في فاقة) أي فقر بأن لا يلقي بيديه إلى التهلكة ويصبر على القلة ويرضى بالذلة ولكته يأخذ شعره ويقلم ظفره ويغسل ثوبه ويتنظف ويتطيب على قدر حاله فإن الله جميل يحب الجمال (وتحرجا) أي كفا (عن طمع) لأن الطمع فيما في أيدي الخلق انقطاع عن الله ومن انقطع عنه خذل وخسر (وكسبا من) وفي رواية في (حلال) أي سعيا في طلب الحلال فإن كل نفس فرغ ربها من رزقها فما فائدة الطلب من غير حل (وبرأ) أي إحسانا (في استقامة) بأن لا يمازجه هوى أو جور بل يكون مع صلابة في العدل حتى بين العيال والأطفال (ونشاطا في هدى) أي لا في ضلالة فإذا انبسطت نفسه ألجمها بلجام الشرع حتى لا تتعدى للفساد حال الانبساط (ونهيا عن شهوة) فإن النفس ذات شهوات فإذا أطعتها في واحدة طمعت في أخرى وهكذا حتى تشرد على صاحبها شراد البعير (ورحمة للمجهود) في عبادة أو معاش أو بلاء لأنه إذا تأمل ذلك الجهد رق قلبه من تعب ذلك البدن وفرغت نفسه له (وإن المؤمن من عباد الله) كذا وقفت عليه في خط المصنف وهو تحريف فإن لفظ رواية الحكيم الذي نسب المصنف الحديث إلى تخريجه ما نصه وإن المؤمن عياذا لله بمثناة تحتية بعد المهملة وذال معجمة أي هو الذي يعيذ المؤمنين من السوء فالمؤمن البالغ في إيمانه يعيذ العباد بفضل أمانه من جوره وظلمه ويصيرون منه في معاذ ثم وصفه فقال (لا يحيف على من يبغض) أي لا يحمله بغضه إياه على الجور عليه ولا يأثم فيمن يحب أي لا يحمله حبه إياه على أن يأثم في جنبه فإنه إذا كان كذلك كان بغضه وحبه لله وفي الله وبالله وإذا لم يكن كذلك كان بضده (ولا يضيع ما استودع) بالبناء للمجهول أي ما جعل أمينا على حفظه لشفقته على ما أودعه وائتمن عليه كشفقته على نفسه وماله لعظم قدر الأمانة عنده (ولا يحسد) لأن من أخلاق المعرفة إذا رأى لمؤمن حالا حسنة أذاعها أو دنيئة سترها فكيف يحسده (ولا يطعن) لأن الطعن يكون من الحسد أو من الغيرة والغيرة المذمومة من الشيطان فإذا طعن في الأعراض فقد هتك الستر وإنما يطعن في ستر الله (ولا يلعن) فإن اللعنة إذ صارت إلى من
[ 673 ]
وجهت عليه فلم تجد مساغا رجعت على صاحبها (ويعترف بالحق) الذي عليه (وإن لم يشهد عليه) بالبناء للمفعول أي لم يقم عليه به شهود فإن المؤمن أسير الحق يعلم أن الشاهد عليه علام الغيوب فاجتمع على قلبه أمران إثبات العلم الشهادة فأخذته هيبة العلم وحياء الشهادة (ولا يتنابز) أي يتداعى (بالألقاب) لأنه من شأن البطالين إذ هم الذين يجترثون على تغيير أسماء تسمى بها أهلها تحقيرا لهم (في الصلاة متخشعا) فإن الخشوع من فعل القلب فإذا علم أين قام خضع ولمن قام خشع وذلت نفسه وخشعت جوارحه (إلى الزكاة مسرعا) أي إلى أدائها لمستحقها لعلمه بأن المال ميال بالقلوب عن الله فإذا مال القلب لشئ نزعت منه البركة (في الزلازل وقورا) لأن الوقار يشغل قلب العبد فإذا نالته الزلزلة من بلاء أو شدة فلم يكن وقار استفزته الشدة فإذا توقر ثبت عند الشدائد (في الرخاء شكورا) لأن النفس وقت الرخاء ساكنة والقلب مشرق بالنور منكشف الغطاء فإن تناول النعمة على نور من ربه فهو على بصيرة منه فكان في هذه الحالة شكورا وكان في البلاء صبورا (قانعا بالذي له) أي بما رزقه الله (لا يدعى ما ليس له) أي لا يطالب أحد بشئ ليس له عليه فالقناعة تطيب النفس في الحياة الطيبة وهي من الله ثواب عاجل للعبد بما أطاعه (ولا يجمع في الغيظ) فإن الغيظ حرارة الحرص فإذا جمعه كذلك لم يدعه الحرص أن يتورع في كسبه حتى يتقمص في مكاسب السوء فيجره للتقحم في جرائم الحرام لكن يجمعه في تؤدة وسكينة وهيبة ومراقبة وما ذكر من أن اللفظ في القيظ هو ما في رواية الحكيم لكن رأيت المصنف في نسخته كتب بخطه الغيظ (ولا يغلبه الشح) أشد البخل (عن معروف يريده) أي يريد فعله فالشح أصله الحرص * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * [ الحشر : 9 ] والشح يدعو إلى أخذ مال الغير والتوغل في الحرام (يخالط الناس كي يعلم) فضل الله عليه وما يبقى وما يذر من البشر لا استرواحا بهم ولا أنسا لقربهم واطمئنانا لهم بل مخالطة اختبار واعتبار (ويناطق الناس) كذا بخط المصنف لكن بلفظ رواية الحكيم يناطقهم (كي يفهم) أحوالهم وأمورهم لأن الأسرار إنما تظهر بالمناطقة ولهذا قيل المرء بأصغريه (وإن ظلم وبغى عليه) ببناء ظلم وبغي للمجهول أي ظلمه أحد من الناس أو بغى عليه (صبر حتى يكون الرحمن) تقدس (هو الذي) يرحمه و (يقتص له) كذا هو بخط المصنف وضبطه بضم أوله لكن بلفظ رواية مخرجه الحكيم ينتصر له ممن ظلمه فالصبر هو مركز المؤمن بين يدي ربه والمؤمن الكامل عالم بأن الله تعالى عدل ينصف المظلوم من ظالمه وجد الله أقوى منه في الانتصار وإن كان مأذونا فيه شرعا لكن الترك أسلم والسلام قالوا وهذه الأخلاق من وجوه أخلاق
[ 674 ]
المعرفة فمن رقى في درجات العرفان أتى بكل خلق من أخلاقها ليصير كامل الإيمان (الحكيم) الترمذي (عن جندب) بضم الجيم والدال تفتح وتضم (بن عبد الله) البجلي ثم العلقمي بفتحتين ثم قاف وقد ينسب إلى جده . 2472 - (إن من أربى الربا) أي أكثره وبالا وأشده تحريما (الاستطالة في عرض المسلم) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه لأن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم خطرا أو الربا الزيادة والارتفاع والكثرة والاستطالة والتطاول احتقار الناس والترفع عليهم وعبر عنه بلفظ الربا لأن المعتدي يضع عرضه ثم يستزيد عليه ونبه بقوله (بغير حق) على حل استباحة العرض في مواضع مخصوصة كجرح الشاهد وذكر مساوئ الخاطب وقول الدائن في المماطل مطلني حقي ونحو ذلك مما هو مبين في الفروع قال البيضاوي والاستطالة في عرض المسلم أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قال له أو أكثر مما رخص له فيه ولذلك مثل الربا وعده من عداده ثم فضله على أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشرع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال قال التوربشتي وفي قوله بغير حق تنبيه على أن العرض ربما يجوز استباحته في بعض الأحوال كحديث لي الواجد يحل عرضه (حم د) في الأدب (عن سعيد بن يزيد) وسكت عليه أبو داود ورواه الحاكم وصححه وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار بإسنادين قال المنذري أحدهما قوي وقال الهيثمي رجال أحدهما رجال الصحيح غير محمد بن أبي نعيم وهو ثقة وفيه ضعف . 2473 - (إن من أسرق السراق) أي من أشدهم سرقة (من يسرق لسان الأمير) أي يغلب عليه حتى يصير لسانه كأنه في يده فلا ينطق إلا بما أراده (وإن من أعظم الخطايا من اقتطع) أي أخذ قال في المصباح كغيره اقتطعت من ماله قطعة أخذتها (مال امرئ مسلم بغير حق) بنحو جحد أو غصب أو سرقة أو يمين فاجرة أو غير ذلك (وإن من الحسنات عيادة المريض) أي زيارته في مرضه ولو أجنبيا (وإن من تمام عيادته أن تضع يدك عليه) أي على شئ من بدنه كيده ويحتمل أن المراد على موضع العلة (وتسأله كيف هو) أي يسأله عن حاله في مرضه وتتوجع له وتدعو له وأفهم هذا أن أصل الثواب يحصل بالحضور عنده والدعاء وإن لم يسأله عن حاله (وإن أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين) ذكر وانثى (في نكاح حتى تجمع بينهما) حيث وجدت الكفاءة وغلب على الظن أن في اتصالهما خيرا (وأن من لبسة الأنبياء) بكسر اللام وضمها أي مما يلبسونه (القميص قبل السراويل) لأنه يستر جميع
[ 675 ]
البدن فهو أهم من السراويل الساتر لأسفله فقط يعني يهتمون بتحصيله ولبسه (وإن مما يستجاب به عند الدعاء العطاس) من الداعي أو من غيره أو مقارنة العطاس للدعاء يستدل به على استجابة ذلك الدعاء وقبوله وقد ورد في الخبر المار أصدق الحديث ما عطس عنده والظاهر المراد أنه عطاس المسلم (طب عن أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء واسمه أحزب بن أسيد (السمعي) ويقال السماعي نسبة إلى السمع بن مالك بكسر المهملة وفتح الميم وقد تسكن وقيل بفتحها وآخره مهملة ذكره ابن أبي خثيمة وغيره في الصحابة وقال البخاري وابن السمعاني هو تابعي وجزم به في التجريد قال الهيثمي رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر انتهى وأشار به إلى أن فيه هشام بن عمار ومعاوية بن يحيى الطبراني وقد أوردهما الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني لمعاوية مناكير . 2474 - (إن من أشراط الساعة) أي علاماتها جمع شرط بالتحريك وهو العلامة (أن يرفع العلم) ذلك بقبض حملته لا الانتزاع من قلوبهم (ويظهر الجهل) ومن لازمه ظهور الجهل ولا ينافي قوله أن يرفع ما في رواية للبخاري أيضا أن يقل لأن القلة قد يراد بها العدم أو القلة في ابتداء الأشراط والعدم في أثنائها فهو باعتبار الزمانين وهو في محل نصب لأنه اسم إن (ويفشو الزنا) أي يظهر قال القرطبي هذا من أعلام النبوة لأنه إخبار عن أمور ستقع وقد وقعت اه وإذا كان كذلك في زمن القرطبي فما بالك الآن (ويشرب الخمر) بالبناء للمفعول أي يكثر شربه (ويذهب الرجال وتبقى النساء) لفظ رواية البخاري وتكثر النساء وذلك أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل حرب دون النساء وقيل هو إشارة إلى كثرة الفتوح فيكثر السبي فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات . قال ابن حجر وفيه نظر لتصريحه بالقلة في حديث فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من العلامات يناسب رفع العلم وظهور الجهل (حتى يكون لخمسين امرأة) وفي رواية لأربعين ولا تعارض لدخول الأربعين في الخمسين أو أن الأربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعنه وهو أعم من أن يلذن به . قال الكرماني : ويحتمل أن العدد مجاز ظن الكثرة وسره أن الأربعة كمال لثبات الأزواج فاعتبر الكمال مع زيادة واحدة عليه ليصير فوق الكمال مبالغة في الكثرة أو أن الأربعة تؤلف منها العشرة واحد واثنين وثلاثة وأربعة ومن العشرات المائة والألوف فهي أصل جميع الأعداد فزيد فوق الأصل واحد آخر ثم اعتبر كل واحد منها بعثر أمثاله تأكيدا للكثرة ومبالغة فيها كما قرر نظيره في خمسين ألف سنة (قيما واحدا) لفظ رواية البخاري القيم الواحد ولامه للعهد إشعارا بما هو المعهود
[ 676 ]
من كون الرجال قوامين على النساء والقيم ما يقوم بأمرهن فكنى به عن اتيانهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما وخص هذه الأمور الخمسة بالذكر لإشعارها باختلاف الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما . قال الكرماني وإنما كان اختلاف هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا ولا نبي يعد نبينا فتعين ذلك والمراد بشرب الخمر كثرته والتجاهر به لا أصل شربه فإنه في كل زمن وقد حد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه فيه ما لا يخفى على أن العلامة مجموع الأمور المذكورة وفيه الإخبار بما سيقع فوقع (حم ق ت ن ه عن أنس) بن مالك قال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي سمعه منه ؟ فذكره . 2475 - (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر) قال الطبراني عن بعضهم يقال إن المراد الأصاغر من أهل البدع وأخرج الطبراني عن ابن مسعود لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا ، وقال بعض الحكماء : سودوا كباركم لتعزوا ، ولا تسودوا صغاركم فتذلوا وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس قيل يا رسول الله متى ينزعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : إذا ظهر فيكم ما ظهر في نبي إسرائيل إذا ظهر الادهان في خياركم والفحش في شراركم والملك في صغاركم والفقه في رذالكم وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند قال ابن حجر صحيح عن عمر : فساد الناس إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير ، وذكر أبو عبيدة أن المراد بالصغير في هذا صغير القدر لا السن (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت (الجمحي) وقيل اللخمي وقيل الجهني وقيل المخزومي صحابي له حديث . قال الهيثمي فيه ابن لهيعة ضعيف . 2476 - (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد) أي يدرأ كل من أهل المسجد الإمامة عن نفسه ويحيدها على غيره فكل من قدم إليها أبى وتأخر ويقول لست أهلا لها لتركه تعلم ما تصح الإمامة به (ولا يجدون إماما يصلي بهم) لقلة العلم وظهور الجهل فكل منهم يرى نفسه جاهلا بالإمامة وشروطها فلا يتقدم لذلك (حم د) في الصلاة وكذا ابن ماجه كلهم من حديث عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم (عن سلامة بنت الحر) الفزارية أخت خرشه الحر الفزاري صحابية لها حديث واحد . قال الذهبي في المهذب وعقيلة مجهولة .
[ 677 ]
2477 - (إن من أعظم الأمانة) أي من أعظم خيانة الأمانة (عند الله تعالى يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء (الرجل) خبر إن وفيه تقدير مضاف أي خيانة الرجل كما تقرر (يفضي إلى امرأته) أي يصل إليها استمتاعا فهو كناية عن الجماع (وتفضي إليه) أي تستمتع به وأصله من الفضاء . قال الراغب : الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده وأفضى إلى امرأته قال تعالى * (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * [ النساء : 21 ] (ثم ينشر سرها) أي يتكلم بما جرى بينه وبينها قولا وفعلا وهذا وعيد شديد كما قال النووي في حرمة إفشاء هذا السر إذا لم يترتب عليه فائدة وإلا كأن تدعي عجزه عن الجماع أو إعراضه عنها ونحو ذلك فلا يحرم بل لا يكره ذكره واعلم أن كراهة إفشاء السر شامل لحليلته لأخرى ، فإن قلت هذا يناقضه ما علمه أنس بتوقيف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى أزواجه بغسل واحد ولا طريق لعلمه إلا إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم كما قاله الإمام البيهقي ، قلت لعل النهي عن إفشاء السر من قبيل الغيبة أو إن كان مفصلا أو بحضور الناس . أما ما ليس من قبيل الغيبة وهو إجمالي لمن لا يحتشمه كخادمه فليس منهيا أو يقال إنما قصد بإعلام أنس بيان الجواز (حم م د عن أبي سعيد الخدري) ولم يخرجه البخاري . 2478 - (إن من أعظم الفرى) بوزن الشرى أي أكذب الكذبات الشنيعة إذ الفرية الكذبة العظيمة وجمعه فرى كمرية ومرى مقصور وممدود (أن يرى) بضم التحتية أوله فكسر من الإراءة (الرجل عينيه) بالتثنية منصوب بالياء مفعول (في المنام ما لم تريا) أي يدعي أن عينيه رأتا في النوم شيئا ما رأتاه فيقول رأيت في منامي كذا وهو يكذب لأن ما يراه النائم إنما يراه بإراءة الملك والكذب عليه كذب على الله وذكر العين وإن كانت رؤياه بنفسه لا بجارحة لأنه إنما يرى في النوم ما تخيله بالجارحة يقظة ويسمع بجارحة الأذن وغير ذلك من الجوارح لكونها هي الطرق المألوفة في اليقظة في إيصال المحسوس إلى النفس وإلا فالعين لا ترى في النوم بل النفس هي الباصرة السامعة (حم عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو عثمان بن العباس بن الفضل البصري وهو متروك وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول فقد خرجه البخاري في الصحيح باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور بلفظ إن من أفرى إلخ وفي رواية له بإسقاط من . 2479 - (إن من أفرى الفرى) بكسر الفاء مقصورة وممدودة أي من أعظم الكذبات (أن يدعي الرجل) بتشديد الدال ينتسب (إلى غير أبيه) فيقال ابن فلان وهو ليس بابنه (أو يري عينه ما لم تر)
[ 678 ]
بالإفراد في عينه ويرى بالضم أوله وكسر ثانيه من أرى أي ينسب الرؤية إلى عينه تارة يقول : رأيت في منامي كذا ولا يكون رآه لأنه جزء من الوحي فالمخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه (1) قال الطيبي المراد بإراءته عينه وصفها بما ليس فيها ونسب الكذب إلى الكذبات المبالغة نحو ليل أليل (أو يقول) بفتح التحتية أوله وضم القاف وسكون الواو وروي بفتح المثناة والقاف وشد الواو مفتوحة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل) وجمع الثلاثة في خبر لشدة المناسبة بينها وأنها من أفحش أنواع الافتراء فالكذب على المصطفى صلى الله عليه وسلم كذب في أصول الدين وهدم لقاعدة من قواعد المسلمين والكذب عليه كذب على الله وما ينطق عن الهوى والرؤيا جزء من أجزاء النبوة والمنام طرف من الوحي فإذا كذب فقد كذب في نوع الوحي ومن ادعى لغير أبيه فقد استهزأ بنص القرآن ويكفي في ذلك لعن امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم (خ عن واثلة) ابن الأسقع وغيره . 2480 - (إن من (2) أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم) عليه الصلاة والسلام وخلقه فيه يوجب له شرفا ومزية كما قاله القاضي (وفيه قبض) وذلك سبب للشرف أيضا فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص عن النكبات (وفيه النفخة) أي النفخ في الصور وذلك شرف أيضا لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم والموت أحد الأسباب الموصلة للنعيم وهو وإن كان فناءا ظاهرا فهو بالحقيقة ولادة ثانية ذكره الراغب (وفيه الصعقة) هي غير النفخة وقد ذكرها تعالى بفاء التعقيب في * (ونفخ في الصور فصعق) * [ الزمر : 68 ] (فأكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة وكذا ليلتها قال أبو طالب المكي وأقل ذلك ثلاثمائة مرة كذا نقله عنه في الإتحاف (فإن صلاتكم معروضة علي) قال ابن الملقن معنى معروضة علي موصولة إلي توصل الهدايا . ثم إنهم قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (3) بفتح فسكون ففتح على الأشهر أي بليت ، وفي رواية أرممت أي صرت رميما قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لأنها تتشرف بوقع أقدامهم (1) وإنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد يكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال لان الكذب على المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين فقوله تعالى * (ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * [ هود : 18 ] الاية وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من النبوة فهو من قبل الله تعالى . (2) أتى بمن لان يوم عرفة أفضل أيام السنة ويليه في الفضيلة يوم النحر فيوم الجمعة أفضل الايام الاسبوع . (3) قيل يوزن ضربت وقيل أرمت بتشديد الميم وسكون التاء لتأنيث العظام قال ابن الاثير أصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلي والرمة العظم البالي . (*)
[ 679 ]
عليها وتفتخر بضمهم إليها فكيف تأكل منهم ولأنهم تناولوا ما تناولوا منها بحق وعدل وسخرها لهم لإقامة العدل عليها فلم يكن لها عليهم سلطان ومثلهم الشهداء . قال في المطامح : وقد وجد حمزة صحيحا لم يتغير حين حفر معاوية قبره وأصاب الفأس أصبعه فدميت وكذا عبد الله بن حرام وعمرو بن الجموح وطلحة وغيرهم . قال الطيبي : إنما قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد بليت استبعادا فما وجه الجواب بقوله إن الله حرم إلخ فإن المانع من العرض والسماع الموت وهو قائم بعدما قلنا حفظ أجسادهم من أن تبلى أخرق للعادة المستمرة فكما أنه تعالى يحفظها منه كذلك يمكن من العرض عليهم ومن الاستماع منهم (حم د ن ه حب ك عن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو (بن أبي أوس) واسم أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي سكن دمشق وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال هو والد عمرو بن أوس قال في التقريب وهو غير أوس بن أبي أوس الثقفي على الصحيح قال الحاكم على شرط البخاري انتهى ، وليس كما قال ، فقد قال الحافظ المنذري وغيره له علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وغفل عنها من صححه كالنووي في الرياض والأذكار . 2481 - (إن من اقتراب الساعة أن يصلي خمسون نفسا) بسكون الفاء أي إنسانا والنفس اسم لجملة الحيوان الذي هو قوامه بالدم الذي هو النفس (لا تقبل لأحد منهم) لقلة العلم وظهور الجهل وغلبته حتى لا يجد الناس من يرشدهم إلى أحكام دينهم ويصحح لهم عبادتهم والظاهر أن المراد بالخمسين ليس التحديد بل التكثير أي جمع كثير من الناس (أبو الشيخ) الأصبهاني (في كتاب الفتن) له (عن ابن مسعود) عبد الله . 2482 - (إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس) أي الكاذبة الفاجرة سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار وفعول للمبالغة (وما حلف) ما نافية (حالف بالله يمين صبر) هي التي يصبر أي يحبس عليها شرعا ولا يوجد ذا إلا بعد التداعي (فأدخل فيها) أي في تلك اليمين (مثل جناح بعوضة) أي شيئا حقيرا جدا من الكذب (إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة) قال الطيبي ذكر ثلاثة أشياء وخص الأخير منها بالوعيد إيذانا بأنه مثلها وداخلة في أكبر الكبائر حذرا من احتقارها وظن أنها غير كبيرة ومعنى الانتهاء في قوله إلى يوم القيامة أن أثر تلك النكتة التي هي من الرين تبقى إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك يترتب عليه وبالها والعقاب عليها فكيف إذا كان ذلك كذبا محضا (حم ت حب ك عن) أبي يحيى (عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة وفتح النون تصغير أنس بن سعد الجهني حليف الأنصار شهد العقبة ومات بالشام وفيه من طريق الترمذي أبو
[ 680 ]
أمامة الأنصاري عن عبد الله المذكور قال في المنار لا يعرف اسمه وهشام بن سعد وفيه خلاف لكن قال ابن حجر في الفتح سنده حسن وله شاهد من حديث ابن عمرو عند أحمد . 2483 - (إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا) بالضم (وألطفهم بأهله) أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأقاربه وأولاده وعشيرته المنسوبين إليه قال في الصحاح وغيره اللطف في العمل الرفق وألطفه بكذا أبره به والملاطفة المبارة والتلطف بالأمر الترفق به (ت ك) كلاهما في الإيمان من حديث أبي قلابة (عن عائشة) قال الترمذي حسن لكن لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة انتهى وقال الحاكم على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال قلت فيه انقطاع انتهى وظاهر اقتصاره على عزوه للترمذي أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه عنها أيضا النسائي في عشرة النساء . 2484 - (إن من أمتي) أي أمة الإجابة (من يأتي السوق) أي المحل الشارع الذي يباع فيه القمص (فيبتاع القميص بنصف دينار أو ثلث دينار) يعني بشئ قليل جدا يعدل نصف دينارا أو ثلثه لخمسة دراهم أو ثلاثة (فيحمد الله إذا لبسه) على نعمة الله تعالى به وتيسيره له (فلا يبلغ ركبتيه) أي لا يصل إليهما (حتى يغفر له) يعني يغفر الله له ذنوبه بمجرد لبسه لكونه حمد الله تعالى عليه ، وظاهره يشمل الكبائر وقياس ما سيجئ اختصاصه بالصغائر (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي فيه جعفر بن الزبير متروك كذاب . 2485 - (إن من أمتي قوما) أي جماعة لهم قوة في الدين (يعطون مثل أجور أولهم) أي يثيبهم الله مع تأخر زمنهم مثل إثابة الأولين من الصدر الأول الذين نصروا الإسلام وأسسوا قواعد الدين قيل من هم يا رسول الله ؟ قال هم الذين (ينكرون المنكر) أي ما أنكره الشرع قالوا ويجب الأمر بالواجب والنهي عن الحرام ويندب الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه بشرط العلم بوجه المعروف والمنكر وانتفاء المفسدة وفي اشتراط ظن التأثير خلف ولا يختص بالوالي إلا ما يفضي إلى القتال ولا بالمجتهد إلا ما يفتقر إليه ولا بمن لا يرتكب مثله وهو فرض كفاية فيسقط بقيام البعض (حم) من حديث عبد الرحمن الحضرمي (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب سمع منه الثوري في الصحة وعبد الرحمن الحضرمي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح .
[ 681 ]
2486 - (إن من تمام إيمان العبد أن يستثنى) في كل حديثه أي يعقب كل حديث يمكن تعليقه بقوله إن شاء الله لتحققه أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * [ الكهف : 23 ] فيندب ذلك ندبا مؤكدا هذا ما جرى عليه محققون في تقرير هذا الحديث ، وذهب الجوزقاني إلى الأخذ بعموم مفهومه فقال : الاستثناء في الإيمان سنة فمن قال إنه مؤمن فليقل إن شاء الله وذا ليس استثناء شك بل عواقب المؤمنين مغيبة عنهم ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (طس عن أبي هريرة) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه معارك بن عباد متروك منكر الحديث قال المصنف وفيه نظر انتهى ولم يوجهه بشئ وفي الميزان معارك قال البخاري وغيره منكر الحديث ضعفه وشيخه واه ثم ساق من مناكيره هذا الخبر ثم قال وهذا حديث باطل قد يحتج به الأزارقة الذين لو قيل لأحدهم أنت مسيلمة الكذاب لقال إن شاء الله انتهى وذكر الحافظ في اللسان مثله وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف . 2487 - (إن من تمام الصلاة) أي مكملاتها يقال تم الشئ يتم تكملت أجزاؤه وتم الشهر كملت أيامه ثلاثين فهو تام ويعدى بالعمزة والتضعيف فيقال أتممته وتمممته والاسم التمام بالفتح وقد يكسر يقال ولد الولد لتمام الحمل بالفتح والكسر وألقت المرأة الولد لغير تمام بالوجهين (إقامة الصف) يعني تسويته وتعديله عند إرادة الدخول في الصلاة فهو سنة مؤكدة ينبغي المحافظة عليها (تنبيه) قال العارف ابن عربي التراص في الصف أن لا يكون بين الإنسان والذي يليه خلل من أول الصف إلى آخره وذلك لأن الشياطين تسد ذلك الخلل بأنفسها وهم في محل القرب منه تعالى فينبغي كونهم متلاصقين بحيث لا يبقى بينهم خلل يؤدي إلى بعد كل من صاحبه وإذا ألزقت المناكب بعضها ببعض انسد الخلل ولم يجد الشيطان الذي هو محل البعد عن الله سبيلا للدخول وإنما يدخل الشياطين الضعفاء لعله يرى من شمول الرحمة التي يعطيها الله للمصلين فدخولهم في تلك الفرج لينالهم منها شئ بحكم المجاورة وهؤلاء ليسوا الشياطين الذين يوسوسون في الصلاة فأولئك محلهم القلوب (حم عن جابر) رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه عبد الله بن محمد ابن عقيل اختلف في الاحتجاج به . 2488 - (إن من تمام الحج أن تحرم) أي تنوي الدخول في النسك من حج أو عمرة أو قران (من دويرة أهلك) يعني من بلدك أو وطنك وهذا قاله لمن قال له ما معنى قوله تعالى : * (وأتموا الحج) * وأخذ بقضية هذا جمع قالوا : الأفضل لمن فوق الميقات أن يحرم من دويرة أهله لأنه أكثر
[ 682 ]
عملا وقد فعله جمع ما بين صحابي وتابعي وعكس آخرون ففضلوا الإحرام من الميقات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخر احرامه من المدينة إلى الحليفة في حجة الوداع وكذا في عمرة الحديبية رواه البخاري (عد هب عن أبي هريرة) ثم قال البيهقي في الشعب نفرد به جابر بن نوح وهذا إنما يعرف عن علي موقوفا وقال في السنن هذا فيه نظر . اه . قال الذهبي في المهذب قلت سنده واه وأقول لم يبين علته وذلك أن فيه جابر بن نوح المذكور قال ابن حبان وغيره لا يحتج به وقال أبو داود ما أنكر حديثه وساق في الميزان هذا الحديث بما أنكر عليه . 2489 - (إن من حق الولد على والده) ومثله الجد أو الأب عند فقده فإن فقد فالأم وإن علت (أن يعلمه الكتابة) أي الخط لأنه عون له على الدنيا والدين وكذا يعلمه القراءة والآداب وكل ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية (وأن يحسن اسمه) بأن يسميه بأحب الأسماء إلى الله تعالى أو بنحو ذلك ولا يسميه باسم شئ من أسماء الشياطين ونحوها مما نهى عنه (وأن يزوجه) أو يسريه (إذا بلغ) الحلم فإنه بالتزويج أو التسري يحفظ عليه شطر دينه كما سيجئ في خبر وفيه إشارة إلى أن على الآباء تعليم أبنائهم حسن الأدب الذي شرع الشرع والعقل فضله واتفقت الكلمة على شكر أهله وأجرة تعليمه الكتابة ونحوها من ماله ثم على أبيه وإن علا ثم أمه وإن علت (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف لكن له شاهد . 2490 - (إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة) أي التوبة والرجوع إلى الله تعالى لأنه حينئذ يكثر من الطاعات ويتزود من القربات لا يقال قد كان أولى الناس بطول العمر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أسعد الناس قلت الكلام فيمن يسعد بالأعمال ويستوجب بها مزيد الدرجات وكمال الأحوال وأما سعادة النبوة فمحض الهبة والتخصيص الأول فهم لا يصلون إلى الله بأعمالهم ولا يستحقون الدرجات التي هم فيها باجتهادهم وأحوالهم بل حظوظهم موهبية وحظوظ غيرهم كسيبة (ك) في التوبة (عن جابر) رضي الله تعالى عنه وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه ابن منيع والديلمي . 2491 - (إن من شر الناس عند الله منزلة) بفتح الميم أي رتبة قال في الصحاح المنزلة المرتبة (يوم القيامة) في رواية من أشر بالألف قال عياض تقول النحاة لا يجوز أشر وأخير بل خير وشر وقد جاء
[ 683 ]
اللغتان في صحيح الأخبار وهو حجة للجواز (الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه) بالمباشرة والجماع (ثم ينشر سرها) أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل ويكره مجرد ذكر الجماع بلا فائدة لأنه خلاف المروءة ولهذا قال الأحنف جنبوا مجالسكم ذكر النساء والطعام فكفى بالرجل ذما أن يكون واصفا لفرجه وبطنه والظاهر أن المرأة كالرجل فيحرم عليها إفشاء سره كأن تقول هو سريع الإنزال أو كبير الآلة أو غير ذلك مما يتعلق بالمجامعة ولم أر من تعرض له والإفضاء لغة المس ببطن الكف قال ابن فارس أفضى بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته أفضى إلى امرأته باشرها وجامعها (تنبيه) نبه بهذا الحديث على أن من أمراض النفس المذمومة شرعا التزام قول الحق في كل موطن قال ابن عربي من أكبر أمراض النفس التزام قول الحق في كل موطن ودواؤه معرفة المواطن التي ينبغي أن يصرفه فيها فإن حكاية الرجل ما يفعله بأهله في فراشه حق وهو من العظائم والغيبة والنميمة حق وقد عدهما بعض الأئمة من الكبائر والنصيحة في الملأ حق وفضيحة فالعارف يتأمل كيف يصرف الأحكام الشرعية ولا يجمد على الظواهر (م عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان إنما يرويه عن مسلم عمر بن حمزة عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد : أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح انتهى . 2492 - (إن من شر) وفي رواية إن شر (الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبدا) أي إنسانا مكلفا حرا كان أو عبدا (أذهب آخرته بدنيا غيره) أي باع دينه بدنيا غيره ومن ثم سماه الفقهاء أخس الأخساء وقالوا لو أوصى للأخس صرف له وفي ذكر عبد دون رجل أو امرأة توبيخ شديد حيث ترك رضى مولاه لرضى من هو مثله ولا تدافع بين هذا والخبر المار إن شر الناس من يتقى فحشه لأن من أذهب آخرته بدنيا غيره يكون ذا فحش أشد فمن أقدم عليه على أي شئ شاء فيتركه الناس اتقاء فحشه (ه طب عن أبي أمامة) الباهلي . 2493 - (إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله تعالى) إذ لولا ضعفه لما فعل ذلك لأن من قوي بيقينه علم أن الله تعالى هو النافع الضار وأنه لا معول إلا على رضاه وليس لأحد غيره من الأمر شئ فلا يهاب أحدا ولا يخشاه حتى يرضيه لخوف لحوق ضرر منه إليه (وأن تحمدوهم) أي تصفهم بالجميل (على رزق الله) أي على ما وصل إليك على يدهم من رزق الله لأن الله هو الرزاق وحده (وأن
[ 684 ]
تذمهم على ما لم يؤتك الله) أي على ما منعهم ما بأيديهم عنك مع أن المانع إنما هو الله لا هم فإنهم مأمورون مسخرون . (إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص) أي اجتهاد مجتهد متهالك على تحصيله قالوا والحرص الشح على الشئ أن يضيع أو يتلف (ولا يرده) عنك (كراهة كاره) حصوله لك فما لم يقدر لك لم يأتك على كل حال وما قدر لك خرق الحجاب وطرق عليك الباب (وإن الله بحكمته) أي بإحاطته بالكليات والجزئيات بأسرها وإتقان صنعها ووضعها في مواضعها اللائقة بها (وجلاله) أي عظمته التي لا تتناهى (جعل الروح) بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس قال في الصحاح وغيره الروح بالفتح من الاستراحة وكذا الراحة (والفرح) أي السرور والنشاط والانبساط قالوا والفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى (في الرضى واليقين) فمن أوتي يقينا استحضر به قوله تعالى : * (قل كل من عند الله) * [ النساء : 78 ] فشاهد الخير عيانا فقر وسكن ولم يضطرب فما سمع بأذنه من خبر ربه أبصره بعين قلبه وبصر القلب هو اليقين فمن تيقن أن الكل من الله وبالله ولله نال الثواب ورضي عن الله ورضي الله عنه ولم يلتفت لغيره (وجعل الهم والحزن في الشك) أي التردد وعدم الجزم بأن الكل بإرادته تعالى وتقديره (والسخط) أي عدم الرضى بالفضاء ومن كان بهذه الحالة لم يصبر على ضيق ولم يرضى بمكروه فما ترى إلا ساخطا للقضاء جازعا عند البلاء فيحبط عمله ولا يغني عنه ذلك شيئا (حل هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله محمد بن مروان السدي أي أحد رجاله ضعيف انتهى وفيه أيضا عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري ساقط . 2494 - (إن من عباد الله من) أي إنسان (لو أقسم على الله لأبره) أي لجعله راضيا بارا صادقا في يمينه لكرامته عليه ضمن على معنى العزم يعني أقسم عازما على الله أن يفعل ما يريده والمقسم به محذوف وللقاضي هنا تكلف ينافر السياق (حم ق د ن ه عن أنس) إن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فعرض عليها الأرش فأبت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقالت أمها أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق فذكره وليس مراده أن حلفها رد قضائه بل ترغيب المستحق في العفو . 2495 - (إن من فقه الرجل) أي من علامة معرفته بالأحكام الشرعية (تعجيل فطره) إذا كان صائما أن يوقعه عقب تحقق الغروب (وتأخير سحوره) إلى قبيل الفجر بحيث لا يوقع التأخير في شك فهاتان سنتان مؤكدتان دالتان على فقه فاعلهما المحافظ عليهما (ص عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) .
[ 685 ]
2496 - (إن مما أدرك الناس) أي الجاهلية ويجوز رفع الناس على عائد محذوف ونصبه على أن العائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ ذكره الطيبي وغيره لكن الرواية بالرفع فقد قال الحافظ ابن حجر الناس بالرفع في جميع الطرق (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في أولاهما ثم تتابعت بقيته عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ، وقوله الأولى أي التي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين فالحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى وما من نبي إلا وقد حث عليه وندب إليه وافهم بإضافة الكلام إلى النبوة أن هذا من نتائج الوحي وأن الحياء مأمور به في جميع الشرائع (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فإنك مجزي به فهو أمر تهديد لتاركه نحو * (اعملوا ما شئتم) * [ فصلت : 40 ] أو أراد الخبر يعني عدم الحياء يورث الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد ما لا تستحي من الله في فعله فافعله وما لا فلا فهو أمر إباحة والأول أولى ، قال الزمخشري فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء هو الحياء فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة (حم خ) في ذكر بني إسرائيل لكن بدون لفظ الأولى (د) في الأدب (ه) في الزهد (عن ابن مسعود حم عن حذيفة) بن اليمان لكن قوله الأولى ليست في رواية البخاري كما تقرر . 2497 - (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره) بين الناس بنحو نقل وإفتاء وتأليف (وولدا صالحا) أي مسلما (تركه) أي خلفه بعده يدعو له (ومصحفا ورثه) بالتشديد أي خلفه لوارثه ويظهر أن مثله كتب الحديث كالصحيحين (أو مسجدا بناه) لله تعالى لا للرياء والسمعة ومثله الرباط والمدرسة ومصلى العيد ونحو ذلك كما يعلم بالأولى من قوله (أو بيتا لابن السبيل بناه) لله تعالى لا للرياء يعني خانا تنزل فيه المارة من المسافرين بنحو جهاد أو حج (أو نهرا أجراه) أي حفره وأجرى فيه الماء لتحيى به الأرض وأهلها (أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته) وهو يؤمل البقاء ويخشى الفقر (تلحقه من بعد موته) أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابها من بعد موته فإذا مات انقطع عمله إلا منها وتحصل من الأخبار أن الذي تجري عليهم أجورهم بعد الموت أحد عشر نظمها المؤلف وبسطها السخاوي وغيره وتمسك بظاهر هذا الخبر وما أشبهه من زعم أن الميت لا ينتفع إلا بما نسب إليه في الحياة وأطالوا في رده حكى القرطبي أن ابن عبد السلام كان يفتي بأنه لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له لقوله سبحانه وتعالى * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * [ النجم : 39 ] فلما مات رآه بعض أصحابه فقال له كنت تقول لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه
[ 686 ]
ويهدى له فكيف الأمر قال كنت أقول ذلك في الدنيا والآن قد رجعنا عنه لما رأيت من كرم الله وأنه يصل إليه ذلك (ه) وكذا البيهقي (عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن ورواه أيضا ابن خزيمة لكنه قال أو نهرا أجراه وقال يعني حفره ولم يذكر المصحف . 2498 - (إن من معادن التقوى) أي أصولها (تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم) ولا تقنع بما علمت فإن القناعة فيه زهد والزهد فيه ترك والترك له جهل وللعلوم أوائل تؤدي إلى آخرها ومداخل تفضي إلى حقائقها وللحقائق مراتب فمن أصول التقوى الترقي في تعلمها فإذا أدرك الأوائل والمداخل لا يظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره وأنه لم يبق منه إلا غامضا طلبه عناء بل يقرأ مما أدرك فلا ينبغي تركه لاستصعابه فإنه مطية المتوكئ وعذر المقصرين ، والعلم كله صعب على من جهله سهل على من علمه والمعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست قال بعضهم من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وحق على من طلب المعالي تحمل تعب الطلب والدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وبقدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وقيل مطية الراحة قلة الاستراحة فإن كلت النفس يوما تركها ترك راحة ثم عاودها بعد استراحة فإن إجابتها تسرع وطاعتها ترجع قال عيسى عليه السلام يا صاحب العلم تعلم ما جهلت وعلم الجهال ما علمت قال الحكماء عليك بالإكثار من العلم فإن قليله أشبه بقليل الخير وكثيره أشبه شئ بكثيره (والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه) أي وقلة زيادة العلم نقص له لأن الإنسان معرض للنسيان الحادث عن غفلة التقصير وإهمال التواني فإذا لم يزد فيه نقص بسبب ذلك فعلى الطالب أن يذكر ذلك بإدامة الطلب قال الحكماء لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما ومتى أهمل سياسة نفسه بازديادها من العلوم وأغفل رياضتها بتدرجها في الفهوم فقد عرض ما حصله للضياع (وإنما يزهد الرجل) أي الإنسان وذكر الرجل غالبي (في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم) إذ لو انتفع به لحلا له العكوف عليه وصرف نفائس أوقاته إليه وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به قال الحكماء ومن تمام العلم استعماله ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد قال أبو تمام : ولم يحمدوا من عالم غير عامل * * حلالا ولا من عامل غير عالم رأوا طرقات المجد عوجا فظيعة * * وأفظع عجز عندهم عجز حازم (خط عن جابر) وفيه ابن معاذ قال في الميزان قال ابن معين ليس بشئ وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبية متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات وأورد له هذا الخبر وأورده ابن
[ 687 ]
الجوزي في الواهيات وقال لا يصح والمتهم به أي بوضعه ياسين الزيات ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وفيه ياسين الزيات وهو منكر الحديث . 2499 - (إن من موجبات المغفرة) أي من أسباب ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها (بذل السلام) أي إفشاؤه بين الناس على كل من لقيته عرفته أم لا سيما الفقراء والمساكين (وحسن الكلام) أي إلانة القول للإخوان واستعطافهم على منهج المداراة لا على طريق المداهنة والبهتان (طب عن هانئ) بفتح الهاء وكسر النون وبمثناة تحت (ابن يزيد) ابن أبي شريح الأنصاري الأوسي المدني شهد بدرا وجميع المشاهد روى له البخاري حديثا واحد قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي فيه أبو عبيدة بن عبد الله الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه أحمد وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وهو ذهول فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين وقال الحافظ العراقي رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبهيقي من حديث هانئ بن يزيد بإسناد جيد انتهى . 2500 - (إن من موجبات المغفرة) للذنوب من علام الغيوب (ادخالك) وفي رواية ادخال (السرور) أي الفرح والبشر (على أخيك المسلم) وفي رواية المؤمن أي بنحو بشارة بإحسان أو اتحاف بهدية أو تفريج كرب عن نحو معسر أو انقاذ محترم من ضرر ونحو ذلك وذلك لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ومن أحبه الله غفر له (طب) وكذا في الأوسط من حديث عبد الله بن حسن عن أبيه (عن) جده (الحسين) احدى الريحانتين (بن علي) أمير المؤمنين وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه جهم بن عثمان وهو ضعيف وقال ابن حجر جهم بن عثمان فيه جهالة وبعضهم تكلم فيه وعبد الله هذا من أئمة أهل البيت وعبادهم تابعي روى عن عبد الله بن جعفر وكبار التابعين وعنه مالك والزهري وأثنى عليه الكبار . 2501 - (إن من نعمة الله على عبده أن يشبهه ولده) أي خلقا وخلقا أما الأول فلئلا يستريب أحد في نسبه إذا لم يشبهه فيه وأما الثاني فلأنه إذا تغايرت الطباع وقع التنافر والتشاجر المؤدي إلى العقوق والتقصير في الحقوق وجهد كل منهما في نقل صاحبه عن طباعه وتأبى الطباع على الناقل فأعظم بالتشابه من نعمة الناس عنهما غافلون وما يجحد بها إلا الجاهلون . قال الحكماء الولد الشين يشين السلف ويهدم الشرف والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر والسلطان الجائر يخيف البرئ ويصطنع الدنئ والبلد السوء يجمع السفل ويورث العلل (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) له (عن
[ 688 ]
إبراهيم) ابن يزيد النخعي ، بفتح النون والمعجمة ثم مهملة الفقيه إمام أهل الكوفة المجمع على جلالته علما وعملا وكان عجبا في الورع متوقيا للشبه حمل عنه العلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ولما مات قال الشعبي ما ترك أحد أعلم منه قالوا ولا الحسن قال ولا الحسن ولا ابن سيرين ولا أهل البصرة والحجاز أجمعين مات سنة ست وتسعين عن ست وأربعين (مرسلا) أرسل عن خاله الأسود وعلقمة رأى عائشة رضي الله تعالى عنها . 2502 - (إن من هوان الدنيا) أي احتقارها (على الله أن يحيى) من الحياة سمي به لأن الله أحيا قلبه فلم يذنب ولم يهم وفي خبر ما من آدمي إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى (ابن زكريا) النبي ابن النبي عليهما أفضل الصلاة والسلام قتلته امرأة) بغي من بغايا بني إسرائيل ذبحته بيدها ذبحا أو ذبح لرضاها وأهدى رأسه إليها في طست من ذهب كما في الربيع وفي المستدرك عن ابن الزبير ، من أنكر البلاء فإني لا أنكره لقد ذكر أن قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام في زانية وفي البيهقي عن ابن عباس قصة قتله أن بنت أخ للملك سألته ذبحه فذبحه حين حرم نكاح بنت الأخ وكانت تعجب الملك ويريد نكاحها اه . وكما أن ذلك من هوان الدنيا على الله وهو تحفة ليحيى عليه السلام وإذا أراد الله تعالى أن يتحف عبدا سلط عليه من يظلمه ثم يرزقه التسليم والرضى فيكتب في ديوان الراضين حتى يستوجب غدا الرضوان الأكبر والفردوس الأعظم الأفخر قال الزمخشري : وهذا تسلية عظيمة لفاضل يرى الناقص الفاجر يظفر من الدنيا بالحظ الأسنى والعيش الأهنئ كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة الفاخرة (هب عن أبي) بن كعب وقضية كلام المصنف أن البهيقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف . 2503 - (إن من يمن المرأة) أي بركتها (تيسير خطبتها) بالكسر أي سهولة سؤال الخاطب أولياءها نكاحها واجابتهم بسهولة من غير توقف (وتيسير صداقتها) أي عدم التشديد في تكثيره ووجد انه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله (وتيسير رحمها) أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل ، قاله عروة قال وأنا أقول إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها (حم ك) في الصداق (هق كلهم عن عائشة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي سنده جيد لكن قال تلميذه الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد فيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات . 2504 - (إن موسى) كليم الله (أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه)
[ 689 ]
قال الطيبي كنى بعفة الفرج عن النكاح تأدبا وأنه مما ينبغي أن يمد مالا لاكتساب العفة به وفيه خلاف قال الحنيفة لا يجوز تزويج المرأة بأن يخدمها مدة ويجوز بأن يخدمها عبده وقالوا كان جائزا في تلك الشريعة وأجاز الشافعي جعل المهر خدمة أو غيرها من الأعمال قيل وفيه جواز الاستئجار للخدمة من غير بيان نوعها وبه قال مالك ويحمل على العرف وقال أبو حنيفة والشافعي لا يصح حتى بغير نوعها وأقول الاستدلال به إنما ينهض عند القائل بأن شرع من قبلنا شرع لنا والأصح عند الشافعية خلافه (حم ه عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية ثم موحدة (ابن الندر) بضم النون وشدة الدال المهملة صحابي شهد فتح مصر وسكن دمشق قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى عليه السلام ذكره . 2505 - (إن ملائكة النهار) الذين في الأرض (أرأف) أي أشد رحمة (من ملائكة الليل) أي فادفنوا موتاكم بالنهار ولا تدفنوهم بالليل كما جاء مصرحا به في خبر الديلمي من حديث ابن عباس يرفعه بادروا بموتاكم ملائكة النهار فإنهم أرأف من ملائكة الليل اه قال الديلمي عقبه يعني يدفن الميت نهارا ولا يحتبس في البيت ليلا (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا كما تقرر . 2506 - (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) لو جمع حطب الدنيا فأوقد حتى صار نارا كان جزءا واحدا من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءا أشد من حر نار الدنيا (ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها) أي هذه النار التي في الدنيا (لتدعوا الله أن لا يعيدها فيها لشدة حرها ومقصوده التحذير من جهنم والإعلام بفظاعتها وبشاعتها فعلى العاقل المحافظة على تجنب ما يقرب إليها من الخطايا (ه ك) في كتاب الأهوال (عن أنس) وقال الحاكم صحيح . 2507 - (إن نطفة الرجل بيضاء غليظة فمنها يكون العظام والعصب) للولد الذي يخلق منها لغلظها وغلظ العظم والعصب (وإن نطفة المرآة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم) للولد لرقتها فحصل التناسل وهذا كالمصرح بأنه ليس كل جزء من أجزاء الآدمي مخلوقا من مائهما بل البعض من الرجل والبعض منها لكن في أخبار أخر ما يفيد أن كل جزء مخلوق من منيهما مطلقا (طب عن ابن مسعود) عبد الله .
[ 690 ]
2508 - (إن هذا الدين متين) أي صلب شديد (فأوغلوا) أي سيروا (فيه برفق) من غير تكلف ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا وتتركوا العمل والإيغال كما في النهاية السير الشديد والوغول الدخول في الشئ اه والظاهر أن المراد في الحديث السير لا يفيد الشدة إذ لا يلائم السياق وقال الغزالي أراد بهذا الحديث أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة بل يكون بتلطف وتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم تلك الصفات المذمومة الراسخة فيه ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه وهذا لا يعرف إلا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فإن الصبي يحمل على التعليم ابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم (حم عن أنس) . 2509 - (إن هذا الدين متين فأوغل (1) فيه برفق (2) فإن المنبت) وهو الذي انقطع به في السفر وعطلت راحليه ولم يقض وطره (لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) أي فلا هو قطع الأرض التي يممها ولا هو أبقى ظهره ينفعه فكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق فيكره التشديد في العبادة لذلك ويقال للمنقطع به في سفره منبت من البت وهو القطع (تنبيه) قال ابن الجوزي بدأ الشرائع كان علي التخفيف ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب انتهى ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روي موصولا ومرسلا ومرفوعا وموقوفا واضطرب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر ؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله . 2510 - (إن هذا الدينار والدرهم) أي مضروبي الذهبي والفضة (أهلكا من كان قبلكم) من (1) قال في النهاية الإيغال السير الشديد يقال أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم والوغول الدخول في الشئ انتهى . (2) أي بالغ في العبادة لكن اجعل تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيها بغير رفق ويتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات فيكون مثله مثل الذي أجهد دابته في سفره حتى أعياها أو عطبت ولم يقض وطره . (*)
[ 691 ]
من الأمم السالفة (وهما) لفظ رواية الطبراني وما أراهما (إلا مهلكاكم) أيتها الأمة لأن كل منهما زينة الحياة الدنيا كما أخبر الله سبحانه به وقضية ما يزين به التفاخر والتكبر والتهافت على جمعه من أي قبيل والتساقط على صرفه في اللذات والشهوات المهلكات ، قال الحرالي المتعلق خوفهم ورجاؤهم بالدينار والدرهم مشركو هذه الأمة وما تعلق به خوفهم ورجاؤهم هو ربهم ومعبودهم الذي إليه تصرف جميع أعمالهم واسم كل امرئ مكتوب علي وجه ما اطمئنان به قلبه وقد رأى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الدنيا في صورة عجوز عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقك قالت بل قتلتهم كلهم فقال تبا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكيهم واحدا بعد واحد ولا يكونوا منك على حذر ؟ وقال أبو العلاء رأيت عجوز في النوم مزينة والناس عليها عكوف يعجبون من حسنها فقلت من أنت قالت الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن تعاديني فابغض الدرهم والدينار انتهى لكن مما ينبغي أن يعلم أن الدينار والدرهم يتعلق بهما نظام الوجود فإذا لم يجعل الله لعبده تعلقا قلبيا به بل زهده فيه وجعله كثير النوال ناسجا به نظام الشريعة على أحسن منوال كان جديرا بالعز والإقبال وحسن الثناء عليه من كل ذي مقال كما يشير إليه خبر ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه فالمال من حيث كونه ما لا ليس بقبيح شرعا ولا عقلا وإنما يحسن أو يقبح بالإضاءة إلى مالكه (طب هب عن ابن مسعود عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني فيه يحيى بن الندر وهو ضعيف . 2511 - (إن هذا العلم) الشرعي الصادق بالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين وأصول الفقه ويلحق بها آلاتها (دين فانظروا) أي تأملوا (عمن تأخذون دينكم) أي فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله وفي الإنجيل هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس يقعان كلاهما في بئر انتهى . فعلى الطالب أن يتحرى الآخذ عمن اشتهرت ديانته وكملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته وكان أحسن تعليما وأجود تفهيما ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق حسن وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الآخذ عن الخاملين فقد عدوا مثل ذلك من الكبر وجعلوه عين الحمق لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها فإن كان الخامل مرجو البركة فالنفع به أعم والتحصيل من جهته أهم وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر وفي الموطأ ما يدل على أن على المستفتي سؤال الأعلم فالأعلم لأنه أقرب اصابة ممن دونه قال ابن القيم وعليه فطر الله عباده وقال الماوردي ليأخذ الطالب حظه ممن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء وبعد الذكر إذا كان النفع بغيرهم أعم إلا أن يستوي النفعان فيكون الآخذ عمن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى لأن الانتساب إليه أجمل والآخذ عنه أشهر وإذا قرب منك العلم فلا تطلب ما بعد وإذا سهل لك من وجه
[ 692 ]
فلا تطلب ما صعب وإذا حمدت من خبرته فلا تطلب من لم تخبره فإن العدول عن القريب إلى البعيد عناء وترك الأسهل بالأصعب بلاء والانتقام عن المخبور إلى غيره خطر قال علي : عقبى الأخرق مضرة والمتعسف لا تدوم له مسرة وقال الحكماء : القصد أسهل من التعسف والكفاف أورع من التكلف (تنبيه) أخذ الصوفية من هذا الخبر أن على المريد امتحان من أراد صحبته لا على جهة كشف العورات وتتبع السيئات لفقد العصمة بل خلق دون خلق وذنب دون ذنب والمؤمن رجاع والمنافق مدمن جاء رجل إلى العارف يوسف العجمي فقال أريد أن أدخل دائرتك لكن حتى تحلف لي بالطلاق أنك عارف بالله فقال الطلاق الثلاث يلزمني أني عارف بالله وزيادة وهي التربية فما كل عارف مربي فأخذ عنه فالعالم يمتحن بالمسائل العلمية والصوفي يمتحن بالخصائل الخلقية ، حكى القشيري أن الحيري دعاه رجل إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال ليس لي حاجة بك وندمت فانصرف وعاد إليه وقال احضر الساعة فوصل باب داره فقال له : كذلك وهكذا خمس مرات فقال يا أستاذ إنما اختبرتك واعتذر إليه ومدحه فقال تمدحني على خلق تجد مثله في الكلب فإنه إذا دعى حضر وإذا زجر انزجر (ك عن أنس) ابن مالك (السجزي) في الإبانة (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل وفيه إبراهيم بن الهيثم أو خليل بن دعلج ضعيف ورواه مسلم عن ابن سيرين من قوله . 2512 - (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي سبع لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة أو غير ذلك على ما سلف تقريره وغلط أبو شامة من زعم أن المراد القراءات السبع وحكى الإجماع على خلافه (فاقرؤوا ما تيسر منه) من الأحرف المنزل بها بالنسبة لما يستحضره القارئ من القراءات فالذي في آية المزمل للكمية في الصلاة وغيرها بأية لغة من السبع أو بأي وجه من الوجوه أو بأي لفظ من الألفاظ أدى المعنى (حم ق 3 عن عمر) بن الخطاب (1) . 2513 - (إن هذا القرآن مأدبة الله) بضم الدال أشهر يعني مدعاته ، شبه القرآن بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع وهذا من تنزيل المعقول منزلة المحسوس قال الزمخشري المأدبة مصدر بمنزلة (1) قال العلقمي وسببه كما في البخاري عن عمر قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن فذكره . (*)
[ 693 ]
الأدب وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة (فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم) تمامه عند الحاكم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف انتهى فاقتصار المصنف على بعضه وإن جاز لمثله تقصير (ك) في فضائل القرآن من حديث إبراهيم الهجرمي عن أبي الأحوص (عن) عبد الله (بن مسعود) قال الحاكم تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح وتعقبه الذهبي بأن صالحا ثقة خرج له مسلم لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف انتهى . 2514 - (إن هذا المال) في الميل إليه وحرص النفوس عليه (خضر حلو) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي غض شهى يميل الطبع ولا يميل عنه كما لا تمل العين من النظر إلى الخضرة والفم من أكل الحلو وفي تشبيهه بالخضر إشارة إلى سرعة زواله إذ الأخضر أسرع الألوان تغيرا ولفظ رواية البخاري إن هذا المال خضرة حلوة قال الزركشي نبه بتأنيث الخبر على تأنيث المبتدأ وتقديره إن صورة هذا المال أو التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة وقال ابن حجر أنث الخبر لأن المراد الدنيا (فمن أخذه) ممن يدفعه (لحقه) لفظ رواية البخاري بسخاوة نفس أي بطيبها من غير حرص (بورك له فيها) أي بارك الله له في المأخوذ (ومن أخذه بإشراف) بكسر الهمزة وشين معجمة أي بطمع (نفس) أو مكتسبا له بطلب نفسه وحرصها عليه قال الزركشي فالهاء راجعة إلى لفظ المال وإشراف النفس تطلعها للأخذ والعلو والغلو فيه (لم يبارك له) أي لم يبارك للأخذ (فيه) أي فيما أخذه (وكان) أي للآخذ (كالذي) أي كالحيوان الذي به الجوع الكالب بحيث (يأكل ولا يشبع) ويسمى جوع الكلب كلما ازاداد أكلا ازداد جوعا فكلما نال منه شيئا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه وإلى من فوقه (واليد العليا) بضم العين مقصورا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) السائلة أو الآخذة أو العليا يد من تعفف عن السؤال والسفلى يد السائل وعليه فعلوها معنوي ومقصود الحديث أن الأخذ بسخاء نفس يحصل البركة في الرزق فإن الزهد يحصل خير الدارين (حم ق ت ن عن حكيم بن حزام) قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم ذكره فقلت والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك أبدا وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فمسلم إنما رواه بدون قوله وإن اليد إلخ . 2515 - (إن هذا المال) كبقلة أو كفاكهة أو كروضة أو كشجرة متصفة بأنها (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل من الوصفين ممال إليه على انفراده فكيف إذا اجتمعا فالتأنيث واقع على التشبيه
[ 694 ]
أو نظر لما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا أو المعنى أن فائدة المال أو صورته أو التاء للمبالغة كعلامة وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان ولباس أهل الإيمان في الجنان (فمن أصابه) أي المال (بحق) أي بقدر حاجته من الحلال (بورك فيه) أي بارك الله له فيه (ورب متخوض) أي متسارع ومتصرف (فيما شاءت نفسه) أي فيما أحبته والتذت به (من مال الله ورسوله) قال الطيبي كان الظاهر أن يقال ومن أصابه بغير حق ليس له إلا النار فعدل إلى ورب متخوض إيماء إلى قلة من يأخذه بحق والأكثر يتخوض فيه بغير حق ولذا قال في الأول خضرة حلوة أي مشتهاة وفي الثاني فيما شاءت نفسه (ليس له) جزاء (يوم القيامة إلا النار) أي دخولها وهو حكم مترتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله ورسوله فيكون مشعرا بالعلية قال الراغب والخوض الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار في الأمور وأكثر استعماله فيما يذم شرعا * (ذرهم في خوضهم يلعبون) * [ الانعام : 91 ] وهذا حث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال بلا ضرورة فيحرم على القادر كسب ويحل لغيره بشرط ألا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول وإلا حرم (حم ت عن خولة) بنت قيس (بفتح المعجمة) بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها رواية وحديث . 2516 - (إن هذه الأخلاق) جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون (من الله) أي في إرادته وبقضائه وتقديره في رواية إن هذه الأخلاق من الله وفي أخرى إن هذه الأخلاق منائح من الله (فمن أراد الله به خيرا) في الدنيا والآخرة (منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) ليدر عليه من ذلك الخلق فعلا حسنا جميلا بهيا (ومن أراد به سوءا منحه) خلقا (سيئا) بأن يقابله بضد ذلك بأن يجبله على ذلك في بطن أمه أو يصير له ملكة على الاقتدار بالتخلق به بحيث يحمل نفسه على التمرن عليه فيعتاده ويألفه وبه يتميز الخبيث من الطيب في هذه الدار فإذا غلب الخلق السئ على عبد كان مظهرا لخبث أفعاله التي هي عنوان شقاوته وبضده من غلب عليه الحسن (تنبيه) مر غير مرة الخلاف في أن الخلق هل هو جبلي لا يستطاع غيره أو يمكن اكتسابه وتقدم طريق الجمع والحاصل أن فرقة ذهبت إلى أنه من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه وتعلق بظاهره هذا الخبر وأشباهه كالخبر الآتي فرغ الله من الخلق والخلق قال ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق وقال جمع : يمكن لأنه مأمور به ولو لم يكن لما أمر به وحقق آخرون أنه لا سبيل إلى تغير القوة التي هي السجية لكن جعل للإنسان سبيل إلى اكتسابها وإلا لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي وإذا كان هذا ممكنا في بعض البهائم كالوحشي ينقل بالعادة إلى الناس فالآدمي أولى لكن الناس في غرائزهم مختلفون فبعضهم جبل جبلة سريعة القبول وبعضهم جبلته بطيئة القبول وبعضهم في الوسط وكل لا ينفك عن أثر القبول وإن قل
[ 695 ]
قال الراغب ومن منع التغير رأسا اعتبر القوة نفسها وهو صحيح فإن النوى محال أن ينبت منه تفاحة ومن أجاز تغيره اعتبر إمكان نقل ما في القوة إلى الوجود وإفساده بإهماله وهذا صحيح (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف ورواه العسكري وغيره عن أبي المنهال وزاد بيان السبب وهو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر برجل له عنزة فلم يذبح له شيئا ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له فقال ذلك . 2517 - (إن هذه النار) المشار إليه النار التي يخشى انتشارها (إنما هي عدو لكم) يا بني آدم فإن قيل ما معنى قصرها على العداوة وكثير من المنافع مربوط بها فالجواب أن هذا بطريق الادعاء مبالغة في التحذير عن ابقائها (فإذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفؤها عنكم) المراد به إسكانها بحيث يؤمن اضرارها والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي متجاوز عنكم (ق) في الاستئذان (ه) في الأدب كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال احترق بيت في المدينة على أهله في ليلة فحدث به النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . 2518 - (إن هذه القلوب أوعية) أي حافظة متدبرة لما يرد عليها (فخيرها أوعاها) أي أحفظها للخير (فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم واثقون بالإجابة) من الله تعالى (فإن الله تعالى لا يستجيب دعاء من دعا عن ظهر قلب غافل) أي لاه تارك للاهتمام وجمع الهمة للدعاء ولفظ الظهر مقحم ويحتمل أنه إشارة إلى أن الكلام فيمن لم ينشئ الدعاء من سويداء قلبه بالكلية فإن الله سبحانه جعل لخلقه حظوظا مخزونة عنده في سر غيبه وهم فيها متفاوتون بحسب القسمة الأزلية فلو أبرزها لمدت الأمم أعينها إلى تلك الحظوظ وظهرت الخصومات واشتدت المعاداة وقالوا نحن عبيدك من طينة واحدة فأسر تلك الحظوظ في غيبه وألقاها إلى الدعاء تخييلا أنهم إنما نالوها به ذكره الحكيم والدعاء بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة إذ قوله * (ادعوني أستجب لكم) * [ غافر : 60 ] لا شرط فيه وكانت الأمم تفزع إلى الأنبياء في حوائجهم لتسأل لهم وكان التطهير من الدنس قبل المسألة مشروطا عليهم أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام قل لبني إسرائيل لا يمد أحدهم يده إلي ولأحدهم قبله مظلمة (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه بشر بن ميمون الواسطي مجمع على ضعفه . 2519 - (إن يوم الجمعة يوم عيد وذكر) لله عز وجل وذلك لأنه سبحانه وتعالى خص أيام تخليق العالم بستة أيام وكسا كل يوم منها اسما يخصه وخص كل يوم منها بصنف من الخليقة أوجده فيه
[ 696 ]
وجعل يوم إكمال الخلق مجمعا وعيد للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد (فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيام) أي لا تخصوه بذلك من بين الأيام (ولكن اجعلوه يوم فطر) وذكر لله تعالى (إلا أن تخلطوه بأيام) بأن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده فإنه لا كراهة في صومه حينئذ فإفراد الجمعة بصوم نفل مكروه تنزيها ولو حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث لهذا الخبر وإن كان العرف لا يقتضيه كذا في شرح أحكام عبد الحق واحتج بهذا الحديث بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه جمع من السلف ونقل عن أحمد أنه من صلى قبل الزوال أجزأته لأنه لما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى ومنع بأنه لا يلزم من تسميته عيدا اشتماله على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاق (تنبيه) قال الراغب والعيد ما يعاد مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولا في الشرع للسرور واستعمل العيد في كل يوم مسرة أيا ما كان (هب عن أبي هريرة) ورواه الحاكم من حديث أبي بشر من حديث أبي هريرة ثم قال لم أقف على اسم أبي بشر اه قال الذهبي وهو مجهول ورواه البزار بنحوه قال الهيثمي وسنده حسن . 2520 - (إن يوم الثلاثاء يوم الدم) أي يوم غلبته على الدم وهيجانه فيه أو يوم كان الدم فيه يعني قتل ابن آدم أخاه فيه (وفيه ساعة) أي لحظة وإرادة الساعة النجومية بعيد (لا يرقأ) بهمز آخره لا ينقطع الدم فيها لو احتجم أو افتصد فيه وربما هلك به المرء قال ابن جرير قال زهير مات عندنا ثلاثة ممن احتجم ، وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة فيه كله خوفا من مصادفتها كما في نظائره (تنبيه) روى أبو يعلى من حديث الحسين بن علي مرفوعا في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل يحتجم فيها إلا مات وقوله في الجمعة يحتمل أن المراد به يوم الجمعة فيكون كيوم الثلاثاء في ذلك ويحتمل أن المراد الجمعة كلها وأن الحديث المشروح عين تلك الساعة في يوم الثلاثاء والأول أقرب ولم أر من تعرض له (د) في الطب (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة قال الذهبي في المهذب إسناده لين وقال الصدر المناوي فيه بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال ابن معين ليس بشئ وابن عدي من جملة الضعفاء الذي يكتب حديثهم اه لكن يقويه رواية ابن جرير له في التهذيب من طرق وأما زعم ابن الجوزي وضعه فلم يوافقوه . 2521 - (إنا) أي العرب وزعم أنه أراد نفسه ينافره السياق ويأباه قوله (أمة) جماعة عرب (أمية) أي باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا من عدم القراءة والكتابة ثم بين ذلك بقوله (لا نكتب) أي لا يكتب فينا إلا الفرد النادر قال الله تعالى * (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) * [ الجمعة : 3 ] (ولا نحسب) بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فالعمل بقول المنجمين ليس من هدينا
[ 697 ]
بل إنما ربطت عبادتنا بأمر واضح وهو رؤية الهلال فإنا نراه مرة لتسع وعشرين وأخرى لثلاثين وفي الإناطة بذلك دفع للحرج عن العرب في معاناة ما لا يعرفه منهم إلا القليل ثم استمر الحكم بعدهم وإن كثر من يعرف ذلك (ق د ن) كلهم في الصوم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وقضية صنيع المصنف أن كلا من الكل لم يرو إلا ما ذكره والأمر بخلافه بل تتمته عند الشيخين الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين . 2522 - (إنا لن) وفي رواية البخاري لا وفي أخرى لمسلم إنا والله (نستعمل على عملنا) أي الإمارة والحكم بين الناس (من أراده) وفي رواية من يطلبه وذلك لأن إرادته إياه والحرص عليه مع العلم بكثرة آفاته وصعوبة التخلص منها آية أنه يطلبه لنفسه ولأغراضه ومن كان هكذا أوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك إذ الولاية تفيد قوة بعد ضعف وقدرة بعد عجز وقال من أريد بأمر أعين عليه ومن أراد أمرا وكل إليه ليرى عجزه ، وهذه النون كما قال الزمخشري : يقال لها نون الواحد المطاع وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم مطاعا يكلم أهل طاعته على صفته وحاله التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك ، ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلام * (علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ) * [ النمل : 16 ] وقد يتعلق بتحمل الإمام وتقحمه وإظهار سياسته وعزته مصالح فيعود تكلف ذلك واجبا (حم ق د ن) من حديث يريد عن عبد الله (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال : أقبلت ومعي رجلان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك فكلاهما سأل فقال يا أبا موسى أما شعرت أنهما يطلبان العمل فذكره وفي رواية للشيخين أيضا عنه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله وقال الآخر مثل ذلك فقال : إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه . 2523 - (إنا لا نقبل) لا نجيب بالقبول (شيئا) يهدى إلينا (من المشركين) يعني الكافرين فإن قلت قد صح من عدة طرق قبول الهدية الكافر كالمقوقس والأكيدر وذي يزن وغيرهم من الملوك قلت لك في دفع التدافع مسلكان : الاول أن مراده هنا أنه لا يقبل شيئا منهم على جهة كونه هدية بل لكونه مال حربي فيأخذه على وجه الاستباحة الثاني أن يحمل القبول على ما إذا رجى إسلام المهدي وكان القبول يؤلفه أو كان فيه مصلحة للإسلام وخلافه وأما الجواب بأن حديث الرد ناسخ لحديث القبول فهلهل لعدم العلم بالتاريخ (حم ك) من حديث عراك بن مالك (عن حكيم بن حزام) قال عراك كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية والإسلام فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها على المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى وقال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن فأخذها به قال الهيثمي رجاله ثقات .
[ 698 ]
2524 - (إنا لا نستعين) في رواية إنا لن نستعين أي في أسباب الجهاد من نحو قتل واستيلاء ومن عمم فقال أو استخدام فقد أبعد (بمشرك) أي لا نطلب منه العون في شئ من ذلك وفي امتناع استعانة المسلمين بالكفار خلاف في الفروع شهير (1) (حم د ه عن عائشة) وسببه كما رواه البيهقي عن ابن حميد الساعدي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى جاوز ثنية الوداع إذا كتيبة خشناء قال من هؤلاء ؟ قال عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه بني قينقاع قال وقد أسلموا ؟ قالوا لا قال فليرجعوا ثم ذكره . 2525 - (إنا لا نستعين) في القتال (بالمشركين على المشركين) أي عند عدم الحاجة إليه وهذا قاله لمشرك لحقه ليقاتل معه ففرح به المسلمون لجرأته ونجدته فقال له تؤمن ؟ قال لا ، فرده ثم ذكره ، لأن محل المنع عند عدم دعاء الحاجة ، وأما الجواب بأنه خرج باختياره لا بأمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففيه أن التقرير قائم مقام الأمر والقول بأن النهي خاص بذلك الوقت أورده في شخص معين وجد له رغبة في الإسلام فرده بذلك ليسلم أو أن الأمر فيه إلى الإمام اعترضه ابن حجر بأنه نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل (حم تخ عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة ورد الذهبي على من زعم كونه بحاء مهملة (ابن يساف) ابن عتبة بن عمرو الخزرجي المدني صحابي بدري له حديث . 2526 - (إنا معشر الأنبياء) منصوب على الاختصاص أو المدح والمعشر كل جمع أمرهم واحد فالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر وهو بمعنى قول جمع الطائفة الذين يشملهم وصف (تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) بل هي دائمة اليقظة لا يعتريها غفلة ولا يتطرق إليها شائبة نوم لمنعه من إشراق الأنوار الإلهية الموجبة لفيض المطالب السنية عليها ولذا كانت رؤياهم وحيا ولم تنتقض طهارتهم بالنوم ولا يشكل بنومه في قصة الوادي حتى طلعت الشمس لأن الله خرق عادته في نومه ليكون ذلك رخصة لأمته وزعم أن المراد تنام أعيننا عن الدنيا ولا تنام قلوبنا عن الملكوت الأعلى بعيد من السوق كما لا يخفى علي أهل الذوق (ابن سعد) في الطبقات (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وهو القرشي الفهري المكي كان أسود أفطس أعرج ثم عمي من أجل التابعين حج سبعين حجة وعاش مائة سنة . (1) قال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعان به استعين وإلا فلا ، وجاء في حديث آخر أن النبي (ص) استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه . (*)
[ 699 ]
2527 - (إن معشر) وفي رواية معاشر (الأنبياء أمرنا) بالبناء للمفعول أي أمرنا الله (أن نعجل إفطارنا) إذا كنا صائمين بأن نوقعه بعد تحقق الغروب ولا نؤخره إلى اشتباك النجوم (ونؤخر سحورنا) بالضم أي نقربه من الفجر جدا ما لم يوقع التأخير في شك (ونضع أيماننا) أي أيدينا اليمنى (على شمائلنا) فويق السرة (في الصلاة) في رواية بدله في صلاتنا وذلك بأن يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض الساعد باسطا أصابعها في عرض المفصل أو ناشرا لها صوب الساعد والأمر هنا للندب وهذا صريح في أن هذه الثلاثة ليست من خصوصياته (الطيالسي) أبو داود (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح . 2528 - (إن معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء) أي يزاد وليس محصورا في الواحد من ضعف الشئ يضعف إذا زاد وضعفته إذا زدته وفي البلاء من الفضائل والفوائد ما لا يخفى قال ابن النحاس وقوله معشر يشبه المنادى وليس بمنادي وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره كما لم يجز ظهوره مع المنادى وموضع هذا الاسم نصب على الحال لأنه لما كان في التقدير أنا أخص أو أعني فكأنه قال إنا نفعل كذا مخصوصين من بين الناس أو معينين فالحال من فاعل نفعل لا من اسم إن لئلا يبقى الحال بلا عامل (طب عن) فاطمة بنت اليمان العبسية (أخت حذيفة) صحابية قال في التقريب كأصله صحابية لها حديث قضى به عثمان ويقال لها الفارعة قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا شن معلق نحوه يقطر ماؤه فيه من شدة ما يجده من حر الحمى فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك ؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجيب مع وجوده لأحمد في المسند باللفظ المزبور عن فاطمة المذكورة بل رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بزيادة فقال إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر كان النبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبتلى بالإيذاء من قومه وكانوا يفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء انتهى . وذكر في الفردوس أن حديث ابن ماجه هذا صحيح ولما عزاه الهيثمي إلى الطبراني وأحمد قال وإسناد أحمد فاقتضى أن سند الطبراني غير حسن . 2529 - (إنا آل محمد) مؤمني بني هاشم والمطلب . مال العكبري إلى أن آل منصوب بأعني أو أخص وليس بمرفوع على أنه خبر إن لأن ذلك معلوم لا يحتاج لذكره وخبر إن قوله (لا تحل لنا الصدقة) لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والاصطفاء وعرفها ليفيد أن المراد الزكاة أي لا تحل لنا الصدقة المعهودة وهي الفرض بخلاف النفل فتحل لهم دونه عند الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية وعمم مالك التحريم . قال الزمخشري : الصدقة محظورة على الأنبياء وقيل كانت تحل لغير
[ 700 ]
نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل * (وتصدق علينا) * [ يوسف : 88 ] (حم حب) من حديث أبي الحواري (عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين قال أبو الحواري كنا عند الحسن فسئل ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عنه قال كنت أمشي معه فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذ ت التمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها ، فقال بعض القوم وما عليك لو تركتها فذكره قال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال في الفتح إسناده قوي . 2530 - (إنا نهينا) نهي تحريم والناهي هو الله تعالى (أن ترى عوراتنا) ضمير الجمع يؤذن بأن المراد هو والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو هو وأمته وعد ابن عبد السلام من خواصه أنه لم ترى عورته قط قال ولو رآها أحد طمست عيناه وعد بعض الأكابر من خصائص هذه الأمة وجوب ستر العورة قال القضاعي وكان نهيه عن التعري وكشف العورة من قبل أن يبعث بخمس سنين (ك) وكذا البيهقي (عن جبار) بجيم وموحدة تحتية وراء قال في الإصابة ومن قال حبان فقد صحفه (بن صخر) قال الذهبي وصحف من قال بن ضمرة وهو الأنصاري السلمي قيل من أهل العقبة وقيل بدري وليس له إلا هذا الحديث وحديث آخر كما في الإصابة وغيرها وفيه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد قال الذهبي في الذيل له مناكير وقد احتمل عن شرحبيل بن سعد قال ابن أبي ذؤيب كان متهما كذا ذكره الذهبي في الضعفاء والذيل وكأنه ذهل في التلخيص حيث سكت على تصحيح الحاكم له . 2531 - (إنك) يا جرير بن عبد الله (امرؤ قد حسن الله خلقك) بفتح الخاء (فأحسن خلقك) بضمها أي مع الخلق يتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها وتمرينها على ذلك وبصحبة أهل الأخلاق الحسنة وبالنظر في أخبار أهل الصدر الأول وحكاياتهم الدالة على كمال حسن خلقهم فالخلق وإن كان غريزيا أصالة لكنه بالنظر لما يستعمل فيه كسبي وإلا لاستحال الأمر به لاستحالته فيما طبع عليه العبد كما مر غير مرة (ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه الوفود فيبعث إلي فألبس حلتي أجئ فيباهي بي ويقول : يا جرير إنك إلخ ورواه أيضا الخرائطي والديلمي وأبو العباس الدعولي في الآداب قال الحافظ العراقي وفيه ضعف . 2532 - (إنك) يا سلمة بن الأكوع (الذي قال الأول اللهم ابغني) بهمزة وصل أمر من البغاء أي اطلب وبهمزة قطع أمر من الإبغاء أي أعني على الطلب (حبيبا هو أحب إلي من نفسي) قاله له وكان أعطاه ترسا ثم رآه مجردا عنه فسأله فقال لقيني عمي فرأيته أعزل فأعطيته إياها وقوله الأول بدل من الذي أي كالأول أي كالذي مضى فيمن مضى قائلا اللهم إلخ (م عن سلمة بن الأكوع) ورواه عنه غيره أيضا .
[ 701 ]
2533 - (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) لأن الدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز ولا يعارضه خبر الطبراني إنهم يدعون بأسماء أمهاتهم سترا منه على عبادة لإمكان الجمع بأن من صح نسبه يدعى بالأب وغيره يدعى بالأم كذا جمع البعض وأقول هو غير جيد إذ دعاء الأول بالأب والثاني بالأم يعرف به ولد الزنا من غيره فيفوت المقصود وهو الستر ويحصل الافتضاح فالأولى أن يقال خبر دعائهم بالأمهات ضعيف فلا يعارض به الصحيح ثم رأيت ابن القيم أجاب بنحوه فقال أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه كالمنفي بلعان فيدعى به في الدنيا فالعبد يدعى بما يدعى به فيها من أب وأم إلى هنا كلامه (فأحسنوا أسمائكم) أي بأن تسموا بنحو عبد الله وعبد الرحمن أو بحارث وهمام لا بنحو حرب ومرة قال النووي في التهذيب : ويستحب تحسين الاسم لهذا الحديث (حم د) في الأدب من حديث عبد الله بن أبي زكريا (عن أبي الدرداء) قال النووي في الأذكار وفي التهذيب إسناده جيد وتبعه الزين العراقي قال في المغني وقال في البهيقي إنه مرسل وقال المناوي كالمنذري ابن أبي زكريا ثقة عابد لكن لم يسمع من أبي الدرداء فالحديث منقطع وأبوه اسمه إياس وقال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين عبد الله بن أبي زكريا راويه عن أبي الدرداء فإنه لم يدركه . 2534 - (إنكم تتمون سبعين أمة) أي يتم العدد بكم سبعين (أنتم خيرها وأكرمها على الله) ويظهر هذا الإكرام في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقامهم في الموقف ووقوفهم على تل يشرفون عليهم إلى غير ذلك ومما فضلوا به الذكاء وقوة الفهم ودقة النظر وحسن الاستنباط فإنهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد ممن قبلهم ، ألا ترى إلى أن بني إسرائيل عاينوا من الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق الكليم كانفجار البحر ونتق الجبل وغير ذلك ثم اتخذوا بعده العجل وقالوا * (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * [ البقرة : 55 ] وما تواتر من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم أمور نظرية كالقرآن والتحدي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة بنبوته دقيقة يدركها الأذكياء (حم ت ه ك عن معاوية بن حيدة) 2535 - (إنكم ستبتلون) أي يصيبكم البلاء (في أهل بيتي من بعدي) هذا من معجزاته الخارقة لأنه إخبار عن غيب وقد وقع وما حل بأهل البيت بعده من البلاء أمر شهير وفي الحقيقة البلاء والشقاء على من فعل بهم ما فعل (طب) من حديث عمارة بن يحيى بن خالد بن عرفطة (عن خالد بن
[ 702 ]
عرفطة) بفتح المهملة أوله ابن أبرهة الليثي ويقال البكري ويقال القضاعي ويقال العدوي استعمله معاوية على بعض حروبه قال معاوية كنا عند خالد يوم قتل الحسين فقال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم إلخ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عمارة وقد وثقه ابن حبان . 2536 - (إنكم) أيها الأنصار كما دل عليه خبر عبد الله بن محمد بن عقيل أن معاوية قدم المدينة فتلقاه أبو قتادة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إنكم إلخ قال فيم أمركم قال أمرنا بالصبر قال اصبروا إذن (ستلقون) وفي رواية للبخاري سترون (بعدي) أي بعد موتي من الأمراء (أثرة) بضم أو كسر فسكون وبفتحات إيثارا واختصاصا بحظوظ دنيوية يأثرون بها غيركم يفضلون عليكم من ليس له فضل ويؤثرون أهواءهم على الحق ويصرفون الفئ لغير المستحق . قال الراغب والاستئثار التفرد بالشئ من دون غيره وزاد في رواية البخاري وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال (فإذا رأيتم ذلك فاصبروا) أي إذا وقع ذلك فاصبروا كما أمرت بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة (حتى تلقوني غدا) أي يوم القيامة (على الحوض) أي عنده فتنصفون ممن ظلمكم وتجازون على صبركم والخطاب وإن كان للأنصار لكن لا يلزم من مخاطبتهم به أن يختص بهم فقد ورد ما يدل على التعميم وهذا لا تعارض بينه وبين الأحاديث الآمرة بالنهي عن المنكر لأن ما هنا فيما إذا لزم منه سفك دم أو إثارة فتنة وفيه الأمر بالصبر على الشدائد وتحمل المكاره قال ابن بزيزة : وخص الحوض لكونه مجمع الأمم بعد الخلاص من أهوال الموقف حيث لا يذكر حبيب حبيبه (حم ق ت عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (بن حضير) بضم المهملة وفتح المعجمة بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة كان كبير الشأن وكان أبوه فارس الأوس ورئيسهم وقائدهم يوم بعاث (حم ق عن أنس) قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح . 2537 - (إنكم سترون ربكم) يوم القيامة (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها ولا تجهدون في تحصيلها فمعنى التشبيه أن ذلك محقق بلا مشقة ولا خفاء فهو تشبيه للرؤية برؤية القمر ليلة تمامه في الوضوح لا للمرئي بالمرئي (لا تضامون) بضم الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم أي ظلم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وبالفتح والشد من الضم وأصله تتضامون فيضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون حال النظر لخفائه أو لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم لأجل ذلك كما يفعل في رؤية شئ خفي (في رؤيته) تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول (فإن استطعتم أن لا
[ 703 ]
تغلبوا) بالبناء للمجهول أي عن أن لا تتركوا الاستعداد بقطع أسباب الغفلة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل (على) بمعنى عن (صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما في رواية مسلم (فافعلوا) ثم قرأ * (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) * [ طه : 30 ] قال أبو عيسى حديث حسن صحيح عدى المغلوبية التي لازمها فعل الصلاة بقطع الأسباب النافية للاستطاعة كنوم ونحوه فكأنه قال صلوا في هذين الوقتين وذكرهما عقب الرؤية إشارة إلى أن رجاء الرؤية بالمحافظة عليهما وخصهما لشدة خوف فوتهما ومن حفظهما فبالحري أن يحفظ غيرهما أو لاجتماع الملائكة ورفع الأعمال فيها وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن العمل يرفع آخر النهار فمن كان في طاعة بورك له في رزقه وعمله وأفاد الخبر أن رؤيته تعالى ممكنة أي للمؤمنين في الآخرة وزيادة شرف المصلين والصلاتين (حم ق) في الصلاة وغيرها (4) في عدة مواضع (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره أيضا . 2538 - (إنكم ستحرصون) بكسر الراء وفتحها (على الإمارة) الخلافة العظمى ونيابتها (وإنها ستكون ندامة) لمن لم يعمل فيها بما أمر به ويسلك سبيل المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم (وحسرة يوم القيامة) وهذا أصل في تجنب الولايات سيما لضعيف أو غير أهل فإنه يندم إذا جوزي بالخزي يوم القيامة ، أما أهل عادل فأجره عظيم لكنه على خطر عظيم ومن ثم أباها الأكابر (فنعمت) الإمارة (المرضعة) أي في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة (وبئست) الإمارة (الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره فإنها تقطع عنه تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليه الحسرة والتبعة فالمخصوص بالمدح والذم محذوف وهو الإمارة ضرب المرضعة مثلا للإمارة الموصلة صاحبها من المنافع العاجلة والفاطمة وهي التي انقطع لبنها مثلا لمفارقتها عنها بانعزال أو موت ، والقصد ذم الحرص عليها وكراهة طلبها وقال القاضي شبه الولاية بالمرضعة وانقطاعها بموت أو عزل بالفاطمة أي نعمت المرضعة الولاية فإنها تدر عليك المنافع واللذات العاجلة وبئست الفاطمة المنية فإنها تقطع عنك تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليك الحسرة والتبعة فلا ينبغي لعاقل أن يلم بلذة تتبعها حسرات وألحقت التاء في بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإلحاق وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك وقال في شرح المصابيح شبه على سبيل الاستعارة ما يحصل من نفع الولاية حالة ملابستها بالرضاع وشبه بالفطام انقطاع ذلك عنها عند الانفصال عنها فالاستعارة في المرضعة والفاطمة تبعية فإن قلت هل من فائدة لطيفة في ترك الباء من فعل المدح وإثباتها مع الذم أجيب بأن ارضاعها أحب حالتيها للنفس وفطامها أشقها والتأنيث أخفض حالتي الفعل فاستعمل حالة التذكير مع الحالة المحبوبة التي هي أشرف حالتي الولاية واستعمل حالة التأنيث مع الحالة الشاقة على النفس وهي حالة الفطام عن الولاية لمكان المناسبة في المحلين انتهى وفي شرح المشكاة إنما لم يلحق التاء بنعم لأن المراضعة مستعارة للإمارة وهي وإن كانت مؤنثة لكن تأنيثها غير حقيقي وألحقها بئس نظرا إلى كون
[ 704 ]
الإمارة حينئذ ذاهبة وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء والضراء أشد مما يناله من النعماء فعلى العاقل أن لا يلم بلذة يتبعها حسرات قال في المطامح وكذا سائر الولايات الدينية وللفقهاء تفصيل في حكم الطلب مبين في الفروع (خ) في الأحكام (ن) في القضاء والسير (عن أبي هريرة) قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فذكره . 2539 - (إنكم قادمون) بالقاف وسهى من زعم أنه بمثناة فوقية فاضطر إلى ارتكاب التعسف في تقريره بما يمجه السمع (على إخوانكم) في الدين (فأصلحوا رحالكم) أي ركابكم (وأصلحوا لباسكم) أي ملبوسكم بتحسينه وتنظيفه وتطييبه (حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس) أي كونوا في أحسن زي وهيئة حتى تظهروا للناس وينظروا إليكم كما تظهر الشامة وينظر إليها دون باقي الجسد والشامة الخال في الجسد معروفة ذكره ابن الأثير والإصلاح كما قال الحرالي تلاقى خلل الشئ (فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) فيه كما في المطامح ندب تحسين الهيئة وترجيل الشعر وإصلاح اللباس والمحافظة على النظافة والتجمل وإصلاح الحال وأن ذلك من صفات الكمال ولا ينافي الزهد بكل حال (نكتة) رأى رجل على آخر عمامة رثة فقال دب فيها البلاء فرقت ودقت فهي تقرأ إذ السماء انشقت (حم د ك) في اللباس (هب عن سهل) ضد الصعب (بن الحظلية) صحابي صغير أوس والحنظلية أمه أو من أمهاته واختلف في اسم أبيه قيل الربيع بن عمرو وقيل غيره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن إلا أن قيس بن بشر اختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم . 2540 - (إنكم مصبحون) بميم مضمومة أوله بضبط المصنف (عدوكم) أي توافونه صباحا يقال صبحت فلانا بالتشديد أتيته صباحا وفي رواية قد دنيتم من عدوكم (والفطر أقوى لكم) على قتال العدو (فأفطروا) قاله حين دنا من مكة للفتح فأفطروا قال أبو سعيد فكانت عزيمة ثم نزلنا منزلا آخر فقاله فمنا من أفطر ومنا من صام فكانت رخصة وأخذ من تعليله بدنو العدو واحتياجهم إلى القوة التي يلقونه بها أن الفطر هنا للجهاد لا للسفر فلو وافاهم العدو في الحضر واحتاجوا إلى التقوي بالفطر جاز على ما قيل لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر والقوة ثم تخص المسافر وهنا له وللمسلمين ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر (حم م عن أبي سعيد) الخدري .
[ 705 ]
2541 - (إنكم لن تدركوا) أي تحصلوا (هذا الأمر بالمغالبة) المراد أمر الدين فإن الدين متين لا يغالبه أحد إلا غلبه فأوغلوا فيه برفق كما في الحديث السابق (ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن ابن الأردع) بالدال المهملة واسمه سلم أو محجن وهو الذي قال المصطفى صلى الله غليه وسلم فيه ارموا وأنا مع ابن الأردع وهو ممن عرف بأبيه ويذكر باسمه قال كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ذات ليلة لحاجته فرآني فأخذ بيدي فمررنا على رجل يصلي فجهر بالقرآن فذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح . 2542 - (إنكم) أيها الصحب (في زمان) متصف بالأمن وعزة الإسلام (من ترك منكم) فيه (عشر ما أمر به) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ لا يجوز صرف هذا القول إلى عموم المأمورات لما عرف أن مسلما لا يعذر فيما يهمل من فرض عيني (هلك) أي في ورطات الهلاك لأن الدين عزيز وفي أنصاره كثرة فالترك تقصير منكم فلا عذر لأحد في التهاون حالتئذ (ثم يأتي زمان) يضعف فيه الإسلام وتكثر الظلمة ويعم الفسق ويكثر الدجالون وتقل أنصار الدين فيعذر المسلمون في الترك إذ ذاك لعدم القدرة وفقد التقصير وحينئذ (من عمل منهم) أي من أهل ذلك الزمن المحتوي على المحن والفتن (بعشر ما أمر به نجا) لأنه المقدور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها * (فاتقوا الله ما استطعتم) * [ التغابن : 19 ] قال الغزالي لولا بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي زمان من تمسك فيه بعشر ذلك نجا لكان جديرا بنا أن نقتحم والعياذ بالله ورطة اليأس والقنوط مع ما نحن عليه من سوء أعمالنا فنسأل الله أن يعاملنا بما هو أهله وأن يستر قبائح أعمالنا كما يقتضيه فضله وكرمه وقال بعض الحكماء معروف زمننا منكر زمان مضى ومنكر زمننا معروف زمان لم يأت (ت) في آخر الفتن (عن أبي هريرة) وقال غريب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال قال النسائي حديث منكر رواه أبو نعيم بن حماد وليس بثقة . 2543 - (إنكم لا ترجعون إلى الله تعالى) أي لا تعاودون مأدبة كرمه المرة بعد الأخرى قال الزمخشري من المجاز خالفني ثم رجع إلى قوله وما رجع إليه في خطب إلا كفي (بشئ أفضل مما خرج منه يعني القرآن) كذا هو في خط المصنف قال البخاري خروجه منه ليس كخروجه منك إن كنت تفهم وقال ابن فورك الخروج خروج جسم من جسم بمفارقة محله واستبداله محلا آخر وذا محال هنا وظهور شئ من شئ يقال خرج لنا من كلامك نفع وهو المراد هنا أي ما أنزل الله على نبيه وقيل ضمير منه
[ 706 ]
يعود للعبد وخروجه منه وجوده بلسانه محفوظا بصدره مكتوبا بيده (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (ت عن جبير بن نفير مرسلا ك) في فضائل القرآن وصححه (عنه) أي عن جبير (عن أبي ذر) سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعيف فاقتضى جودته وكأنه لم يقف على قول سلطان هذا الشأن البخاري في كتاب خلق الأفعال إنه لا يصح لإرساله وانقطاعه ، هكذا قال وأقره الذهبي . 2544 - (إنكم اليوم) أي الآن وأنا بين أظهركم (على دين) التنكير للتعظيم أي دين متين كامل في القوة والصلابة (وإني مكاثر بكم الأمم) يوم القيامة كما في رواية أخرى (فلا تمشوا) أي ترجعوا (بعدي) أي بعد موتي (القهقرى) أي إلى وراء وهذا تحذير من سلوك غير سبيله ومعلوم أن صحبه الذين خاطبهم حينئذ بذلك لم يرجعوا بعده كفارا ولا زنادقة بل ولا فساقا وإنما وقع منهم الحروب والفتن باجتهاد وأصاب فيه بعض وأخطأ بعض بلية قضى الله بها لما سبق في غيبه (حم عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي فيه مجالد بن سعيد وفيه خلاف . 2545 - (إنكم لا تسعون) بفتح السين أي لا تطيقون أن تعموا وفي رواية إنكم لن تسعوا (الناس بأموالكم) أي لا يمكنكم ذلك (ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) أي لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم والوسع والسعة الجدة والطاقة وفي رواية إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم انتهى وذلك لأن استيعاب عامتهم بالإحسان بالفعل غير ممكن فأمر بجعل ذلك بالقول حسبما نطق به * (وقولوا للناس حسنا) * [ البقرة : 83 ] وأخرج العسكري في الأمثال عن الصولي قال لو وزنت كلمات المصطفى صلى الله عليه وسلم بأحسن كلام الناس لرجحت على ذلك وهي قوله إنكم إلخ قال وقد كان ابن عياد كريم الوعد كثير البذل سريعا إلى فعل الخير فطمس ذلك سوء خلقه فما ترى له حامدا وكان العارف إبراهيم بن أدهم يقول إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه بماله لأن المال عليه فيه زكاة وصلة أرحام وأشياء أخر وخلقه ليس عليه فيه شئ قال الحرالي والسعة المزيد على الكفاية من نحوها إلى أن ينبسط إلى ما وراء امتدادا ورحمة وعلما ولا تقع السعة إلا مع إحاطة العلم والقدرة وكمال الحلم والإفاضة في وجوه الكفايات ظاهرا وباطنا عموما وخصوصا وذلك ليس إلا لله أما المخلوق فلم يكد يصل إلى حظ من السعة أما ظاهرا فلا تقع منه ولا يكاد وأما باطنا بخصوص حسن الخلق فعساه يكاد (البزار) في المسند (حل ك هب) وكذا الطبراني ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فكان إيثاره بالعزو أولى (عن أبي هريرة) قال البيهقي تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه وروي من وجه آخر ضعيف عن عائشة اه . وفي الميزان عبد الله بن سعيد هذا واه بمرة وقال الفلاس منكر الحديث متروك وقال يحيى استبان لي كذبه وقال الدارقطني متروك ذاهب وساق له أخبارا هذا منها ثم قال وقال فيه البخاري تركوه ورواه أبو يعلى قال العلائي وهو حسن .
[ 707 ]
2546 - (إنكم) أيها المؤمنون (لن تروا ربكم) بأعينكم يقظة (عز وجل حتى تموتوا) فإذا متم رأيتموه في الآخرة رؤية منزهة عن الكيفية أما في الدنيا يقظة فلغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممنوعة ولبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممكنة في بعض الأحوال كما في تفسير القاضي وقال القشيري إن قيل هل يجوز للأولياء رؤية الله بالبصر في الدنيا على جهة الكرامة قلنا الأقوى لا يجوز للإجماع عليه قال وسمعت ابن فورك يحكي عن الأشعري فيه قولين قال النووي : قلت نقل جمع الإجماع على أنها لا تتحصل للأولياء في الدنيا قال وامتناعها بالسمع وإلا فهي ممكنة بالعقل عند أهل الحق (طب في السنة عن أبي أمامة) الباهلي . 2547 - (إنما الأسود) من العبيد والإماء (لبطنه ولفرجه) يعني أن اهتمامه ليس إلا بهما فإن جاع سرق وإن شبع زنى كما في الخبر الآتي ومما قيل في ذم العبد للمتنبي : فلا ترج الخير من امرئ * * مرت يد النخاس في رأسه (فائدة) في البرهان أن السبب الظاهر لاختلاف ألوان الناس وأخلاقهم وطبائعهم ارتباطها باختلاف أحوال الشمس وذلك على ثلاثة أقسام أحدها من يسكن من خط الاستواء إلى محاذاة رأس السرطان وهؤلاء الذين يسمون بالاسم العام السودان وسببه أن الشمس تمر بسمت رؤوسهم في السنة مرة أو مرتين فتحرقهم وتسود أبدانهم وتجعد شعورهم وتجعل وجوههم قحلة وأخلاقهم وحشة وهم الزنج والحبشة وأما الذين مساكنهم أقرب إلى جانب الشمال فالسواد فيهم أقل وطبائعهم أعدل وأخلاقهم أحسن كأهل الهند واليمن وبعض المغاربة ، القسم الثاني الذي مساكنهم على سمت رأس السرطان إلى محاذاة بنات نعش الكبرى ويسمون بالاسم العام البيض لأن الشمس لا تسامت رؤوسهم ولا تبعد عنهم جدا فلذلك لم يعرض لهم شدة حر ولا شدة برد فصارت ألوانهم متوسطة وأخلاقهم فاضلة كأهل الصين والترك وخراسان والعراق وفارس ومصر والشام ومن كان من هؤلاء أميل إلى الجنوب فهو أتم ذكاء وفهما لقربه من منطقة ذلك البروج وممر الكواكب المتحيرة ومن مال إلى المشرق أقوى نفسا وأشد ذكورة لأن المشرق يمين الفلك ومنه الكواكب تطلق والأنوار تطلق فاليمين أقوى أرباع الفلك وجوانبه ونواحيه ومن كان أقرب إلى المغرب فهو ألين نفسا وأكثر أنوثة وكتمانا للأمور ، والقسم الثالث من مساكنهم محاذاة بنات نعش وهم الصقالية والروس ولكثرة بعدهم عن ممر البروج ومسامتة الشمس غلب البرد عليهم وكثرت فيهم الرطوبة لفقد ما ينضجها ثم من الحرارة فلذلك ابيضت ألوانهم وصارت أبدانهم رخصة وطباعهم مائلة إلى البرد وأخلاقهم وحشية شرسة قال الحرالي والبطن فضاء جوف الشئ الأجوف لغيبته عن ظاهره الذي هو ذلك البطن (عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن خالد بن محمد بن خالد بن الزبير عن أم
[ 708 ]
أيمن قال خالد خرجنا نتلقى الوليد بن عبد الملك مع علي بن الحسين فعرض حبشي لركابنا فقال علي حدثتني أم أيمن فذكره ثم قال مخرجه العقيلي لا يتابع خالد عليه وقال أبو حاتم هو مجهول انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه في اللسان بأن ابن حبان ذكره في الثقات (طب) عن إبراهيم بن محمد الحمصي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن محمد بن آل الزبير عن أبيه عن علي بن الحسين عن أم أيمن قال الهيثمي فيه خالد بن محمد من آل الزبير وهو ضعيف انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه خالد بن محمد من آل الزبير منكر الحديث ونازعه المصنف وقال ضعيف لا موضوع . 2548 - (إنما الأعمال كالوعاء) بكسر الواو واحد الأوعية وأوعى الزاد والمتاع جعله في الوعاء كذا في الصحاح وغيره والمراد هنا أن العمل شبيه بالإناء المملوء (إذا طاب أسفله) أي حسن وعذب أسفل ما فيه من نحو مائع (طاب أعلاه) الذي هو مرئي (وإذا فسد أسفله فسد أعلاه) والقصد بالتشبيه أن الظاهر عنوان الباطن ومن طابت سريرته طابت علانيته فإذا اقترن العمل بالإخلاص القلبي الذي هو شرط القبول أشرق ضياء الأنوار على الجوارح الظاهرة وإذا اقترن برياء أو نحوه اكتسب ظلمة يدركها أهل البصائر وأرباب السرائر ، إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم فاتقوا فراسة المؤمن قال الغزالي للأعمال الظاهرة علائق من المساعي الباطنة تصلحها وتفسدها كالإخلاص والرياء والعجب وغيرها فمن لم يعرف هذه المساعي الباطنة ووجه تأثيرها في العبادات الظاهرة فقلما سلم له عمل الظاهر فتفوته طاعات الظاهر والباطن فلا يبقى بيده إلا الشقاء والكذب ذلك هو الخسران المبين (ه) في الزهد (عن معاوية) بن أبي سفيان وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس وعبد الرحمن بن يزيد أورده الذهبي في الضعفاء قال ضعفه أحمد وقال البخاري منكر الحديث . 2549 - (إنما الإمام) الأعظم (جنة) بضم الميم أي وقاية وساتر وترس تحمى به بيضة الإسلام (يقاتل به) بزنة المجهول أي يدفع بسببه الظلامات ويلتجئ إليه الناس في الضرورات ويكون إمام الجيش في الحرب ليشد قلوبهم ويتعلمون منه الشجاعة والإقدام وقصر المراد على الأخير تقصير وزعم أن المعنى هو العاقد للهدنة يربو عليه في القصور وليس في حيز الظهور والحمل على الأعم أتم (د عن أبي هريرة) ظاهره أن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وإلا لما عدل لأبي داود وهو ذهول فقد رواه مسلم عن أبي هريرة بزيادة ولفظه إن الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه وزرا انتهى وقد سمعت غير مرة أن الواجب في الصناعة الحديثية أنه إذا كان الحديث في أحد الصحيحين لا يعزى لغيره البتة .
[ 709 ]
2550 - (إنما الأمل) أي ترجي الحصول قال ابن حجر الأمل رجاء ما تحبه النفس من نحو طول عمر وصحة وزيادة غنى (ورحمة من الله تعالى لأمتي) أمة الإجابة ويحتمل العموم بل هو أقرب (لولا الأمل ما أرضعت أم ولدا) أي ولدها (ولا غرس غارس شجرا) فتخرب الدنيا فالحكمة تقتضي شمول الأمل لعمارة الدنيا فلولاه لاشتغل الناس بأنفسهم ولذهلت كل مرضعة عما أرضعت ولرأيت الناس حيارى وما هم بحيارى ولوقفت الألسن والأقلام عن كثير مما انتشر من العلوم ولا تهنئ أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع بعمل دنيوي بل ولا كثير من الأعمال الأخروية كتأليف العلوم ولله سبحانه وتعالى فيما هو شر في الظاهر أسرار وحكم كما أن له في الخير أسرارا وحكما ولا منتهى لحكمته كما لا غاية لقدرته (خط عن انس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو باطل بل عقبه بقوله هذا الحديث باطل بهذا الإسناد ولا أعلم من جاء به إلا محمد بن إسماعيل الرازي وكان غير ثقة اه . 2551 - (إنما البيع) أي الجائز الصحيح شرعا الذي يترتب عليه أثره من انتقال الملك هو ما صدر (عن تراض) من المتعاقدين بخلاف ما لو صدر بنحو إكراه فلا أثر له بل المبيع باق على ملك البائع وإن صدرت صورة البيع وأفاد بإناطة الانعقاد بالرضى اشتراط الصيغة لوجود صورته الشرعية في الوجود لأن الرضى خفي لا يطلع عليه فاعتبر ما يدل عليه وهو الصيغة (تنبيه) قال الأبي وغيره العرب لبلاغتها وحكمتها وحرصها على تأدية المعنى للفهم بأخص وجه تخص كل معنى بلفظ وإن شارك غيره في أكثر وجوهه ولما كانت الأملاك تنتقل من ملك مالكيها بعوض وبدونه سموا المتنقل بعوض بيعا وحقيقة البيع أنه نقل ملك رقبة بعوض وقد اختلفت الطرق في تعريف الحقائق الشرعية فمنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح والفاسد كتعريف بعضهم البيع بأنه دفع عوض في معوض ومنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح فقط لأنه المقصود كتعريف من عرفه بأنه نقل ملك رقبة بعوض على وجه مخصوص فالفاسد لا ينقل الملك وتعقب ابن عبد السلام هذا التعريف بأنه نقل الملك للمبيع لا نفسه قال والبيع غني عن التعريف لأن حقيقته معلومة حتى للصبيان ورد بأن المعلوم خفي لهم وقوعه لا حقيقته وأما انقسامه إلى بت وخيار ومرابحة وغائب وحاضر ومعين وهي الذمة فهو تفسير له باعتبار عوارضه وإلا فحقيقته واحدة (ه عن أبي سعيد) الخدري قال قدم يهودي بتمر وشعير وقد أصاب الناس جوع فسألوه أن يسعر لهم فأبى وذكره . 2552 - (إنما الحلف حنث أو ندم) أي إذا حلفت حنثت أو فعلت ما لا تريده كراهة للحنث
[ 710 ]
فتندم أو المراد إن كانت صادقة ندم أو كاذبة حنث قال الغزالي والندم توجع القلب عند شعوره بفوت محبوب وعلامته طول الحسرة والحزن (ه) وكذا أبو يعلى كلاهما من حديث بشار بن كدام عن محمد بن زبيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي وبشار ضعفه أبو زرعة وغيره . 2553 - (إنما الربا في النسيئة) أي البيع إلى أجل معلوم يعني بيع الربوي بالتأخير من غير تقابض هو الربا وإن كان بغير زيادة لأن المراد أن الربا إنما هو في النسيئة لا في التفاضل كما وهم ومن ثم قال بعض المحققين الحصر إضافي لا حقيقي من قبيل * (إنما الله إله واحد) * [ النساء : 171 ] لأن صفاته لا تنحصر في ذلك وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد فكذا هنا المقصود الرد على من أنكر ربا النسيئة وفهم الحبر ابن عباس منه الحصر الحقيقي فقصر الربا عليه وخالفه الجمهور فإن فرض أنه حقيقي فمفهومه منسوخ بأدلة أخرى وقد قام الإجماع على ترك العمل بظاهره (حم م ن ه عن أسامة بن زيد) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه . 2554 - (إنما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل ضد اليمن إنما هو كائن (في ثلاثة) وفي رواية في أربع فزاد السيف (في الفرس) إذا لم يغز عليه أو كان شموسا أو جموحا ومثله البغل والحمار كما شمله قوله في رواية الدابة (والمرأة) إذا كانت غير ولود أو سليطة (والدار) ذات الجار السوء أو الضيقة أو البعيدة عن المسجد وقد يكون الشؤم في غيرها أيضا فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة للسعادة لا للخلقة كذا حمله بعضهم وأجراه جمع منهم ابن قتيبة على ظاهره فقالوا النظير بهذه الثلاثة مستثنى من قوله لا طيرة وأنه مخصوص بها فكأنه قال لا طيرة إلا في هذه الثلاثة فمن تشاءم بشئ منها حل به ما كره وأيد بخبر الطيرة على من تطير قال المازري وقد أخذ مالك بهذا الحديث وحمله ولم يتأوله وانتصر له بحديث يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فذهب العدد وقل المال فقال دعوها ذميمة قال القرطبي ولا يظن بقائل هذا القول أن الذي رخص من الطيرة بهذه الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقده فيه وتفعل عندها وإنما معناها أنها أكثر مما يتشاءم به الناس لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شئ من ذلك فله إبداله بغيره مما يسكن له خاطره مع اعتقاده أنه تعالى الفعال وليس لشئ منها أثر في الوجود وهذا يجري في كل متطير به وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه لا بد للانسان من ملازمتها فأكثر ما يقع التشاؤم بها قال وأما الحمل الاول فيأباه ظاهر الحديث ونسبته إلى أنه مراد الشارع من فاسد النظر وفي معنى الدار الدكان والحانوت والخان ونحوها بدليل رواية إن يكن الشؤم في شئ ففي الربع والخادم والفرس فيدخل في الربع ما ذكر والمرأة تتناول الزوجة والسرية والخادم كما في المفهم ويشكل الفرق بين الدار ومحل الوباء حيث وسع في الارتحال عنها ومنع من الخروج من محله وأجيب بأن الأشياء بالنسبة لهذه المعاني ثلاثة أحدها ما لم يقع
[ 711 ]
التأثر به ولا اطردت عادة عامة ولا خاصة به كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار فلا يلتفت إليه وفي مثله قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا طيرة الثاني ما يحصل به الضرر لكنه يعم ويخص ويندر ولا يتكرر كالطاعون فهذا لا يقدم عليه عملا بالأحوط ولا يفر منه لإمكان حصول الضرر للفائز فيكون تنفيره زيادة في محنته وتعجيلا في هلكته الثالث سبب يخص ولا يعم ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كهذه الثلاثة فوسع للإنسان الاستبدال عنها والتوكل على الله والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال كما ذكره بعض أهل الكمال لكن بقي شئ وهو أن الحديث قد يعارضه خبر البيهقي عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان أهل الجاهلية يقولون إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ثم قرأ * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب) * [ الحديد : 22 ] الآية (خ د ه عن ابن عمر) قال الذهبي مع نكارته إسناده جيد ولم يخرجوه . 2555 - (إنما الطاعة) واجبة على الرعية للأمير (في المعروف) أي في الأمر الجائز شرعا فلا يجب فيما لا يجوز بل لا يجوز وهذا قاله لما أمر على سرية رجلا وأمرهم أن يطيعوه فأمرهم أن يقدوا نارا ويدخلوها فأبوا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها ثم ذكره (حم ق عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما . 2556 - (إنما العشور) أي إنما تجب العشور (على اليهود والنصارى) فإذا صولحوا على العشر وقت العقد أو على أن يدخلوا بلادنا للتجارة ويؤدوا العشور أو نحوه لزمتهم (وليس على المسلمين عشور) غير عشور الصدقات . وتخصيص اليهود والنصارى ليس لإخراج غيرهم من الكفار عن الوجوب بل للإشعار بأنها إذا وجبت مثلا عليهما وهم أهل كتاب فنحو المعطلة والوثنية أولى والنصارى جمع نصران ونصرانية لكن لم يستعمل النصراني إلا بياء النسبة ذكره الجوهري وفي الكشاف الياء في نصراني للمبالغة كما جرى لأنهم نصروا المسيح عليه الصلاة والسلام وقيل نسبة إلى ناصرة أو نصرة قريتان (د عن رجل) من بني تغلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأخذ الصدقة من قومه فقال أفأعشرهم ؟ فذكره ولفظ سنن أبي داود عن حرب بن عبد الله بن عمير عن جده أبي أمه عن أبيه يرفعه وهكذا نقله عنه في المنار قال عبد الحق وهو حديث في سنده اختلاف ولا أعلمه من طريق يحتج به وقال ابن القطان حرب هذا سئل عنه ابن معين فقال مشهور وذا غير كاف في تثبيته فكم من مشهور لا يقبل أما جده أبو أمه فلا يعرف أصلا فكيف أبوه اه وقال المناوي رواه البخاري في تاريخه الكبير وساق اضطراب الرواة فيه وقال لا يتابع عليه اه وذكره الترمذي في الزكاة بغير سند ورواه أحمد في المسند عن الرجل المذكور قال الهيثمي وفيه عطاء بن السائب اختلط وبقية رجاله ثقات .
[ 712 ]
2557 - (إنما الماء من الماء) أي يجب الغسل بالماء من خروج الماء الدافق وهو المني سواء خرج بشهوة أم دونها من ذكر أو أنثى عاقل أو مجنون بجماع أو دونه وما دل عليه الحصر من عدم وجوبه بجماع لا إنزال فيه الذي أخذ به جمع من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وغيرهم كالأعمش وداود الظاهري ، أجيب بأنه منسوخ بخبر الصحيحين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهدها فقد وجب الغسل زاد مسلم وإن لم ينزل لتأخر هذا عن الأول لما رواه أبو داود وغيره عن أبي بن كعب أنهم كانوا يقولون الماء من الماء رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها هكذا قرره صحبنا في الأصول ممثلين به نسخ السنة بالسنة وأما قول البعض نقلا عن ابن عباس أنه أراد بالحديث نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إن لم ينزل فيأباه ما ذكر في سبب الحديث الثابت في مسلم إنه قيل له الرجل يقوم عن امرأته ولم يمن ماذا يجب عليه فقال إنما إلخ نعم ذهب البعض إلى أنه لا حاجة لدعوى نسخه لأن خبر إذا التقى الختانان مقدم عليه لأن دلالته على وجوب الغسل بالمنطوق ودلالة الحصر عليه بالمفهوم والمنطوق مقدم على المفهوم بل في حجة المفهوم خلاف (م د عن أبي سعيد) الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فذكره (حم عن أبي أيوب) الأنصاري . 2558 - (إنما المدينة) النبوية (كالكير) زق الحداد ينفخ فيه (تنفي) بفاء مخففة وروي بقاف مشددة من التنقية (خبثها) بفتحات وروي بخاء مضمومة ساكنة الباء خلاف الطيب والمراد هنا ما لا يليق بالمدينة (وتنصع) بنون وصاد مهملة من باب التفعيل أو الإفعال تخلص وتميز (طيبها) بفتح الطاء وتشديد الباء وفتح الموحدة وبكسر الطاء وسكون الياء وقال الزمخشري تبضع من الإبضاع بباء موحدة وضاد معجمة من أبضعه إذا دفعه إليه بضاعة أي تعطي طيبها ساكنيها وقال ابن حجر في تخريج المختصر تنصع بنون وصاد وعين مهملتين ضبط في أكثر الروايات بفتح أوله من الثلاثي وطيبها مرفوع فاعل وفي بعضها بضم أوله من الرباعي وطيبها بالنصب ونصع معناه خلص وأنصع معناه أظهر ما عنده وكلا المعنيين ظاهر في هذا السياق اه وهذا مختص بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه ثم يكون في آخر الزمان عند خروج الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه بدليل خبر مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها الحديث . قيل لما خرج ابن عبد العزيز من المدينة بكى : وقال نخشى أن نكون ممن نفته المدينة وهذا قاله لأعرابي بايعه فوعك بالمدينة وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى فخرج فذكره والمراد الإقالة من الإسلام أو
[ 713 ]
الهجرة ثم المذموم الخروج منها كراهة فيها أو رغبة عنها أما خروج جمع صحابيين فلمقاصد كنشر العلم والجهاد والمرابطة في الثغور ونحو ذلك (تنبيه) أخذ جمع مجتهدون من هذا الخبر أن إجماع أهل المدينة حجة لأنه نفى عنها الخبث والخطأ فيكون منفيا عن أهلها والصحيح عند الشافعية المنع وأجابوا عن ذلك بصدوره من بعضهم بلا ريب لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة (حم ق) في الحج (ت) في آخر المجامع (ن) في الحج (عن جابر) رضي الله عنه . 2559 - (إنما الناس كإبل مائة) وفي رواية كالإبل بزيادة أل (لا تكاد تجد فيها راحلة) أي مرحولة وهي النجيبة المختارة ويقال هي من الإبل المركوب المدرب الحسن الفعال القوي على الحمل والسفر يطلق على الذكر والأنثى والتاء فيه للمبالغة وخصها ابن قتيبة بالنوق ونوزع ، قال الزمخشري يريد أن المرضى المنتخب في عزة وجوده كالنجيبة التي لا توجد في كثير من الإبل وقال القاضي معناه لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب وطيئة سهلة الانقياد فكذا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه وقال الراغب الإبل في تعارفهم اسم لمائة بعير فمائة إبل عشرة آلاف بعير فالمراد أنك ترى واحدا كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى عد ألف بواحد اه قال بعضهم خص ضرب المثل بالراحلة لأن أهل الكمال جعلهم الحق تعالى حاملين عن أتباعهم المشاق مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق لغلبة الحنو عليهم والإشفاق (حم ق ت ه عن ابن عمر) بن الخطاب . 2560 - (إنما) وفي رواية الدارقطني إن بدون ما (النساء شقائق الرجال) أي أمثالهم كذا قرره البعض وأولى منه قول بعض العارفين إنما كن شقائق الرجال لأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام وخلقت كل أنثى من بنيه من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء المرأة وكل خنثى فمن مساواة الماءين في الأخلاق والطبائع كأنهن شققن منهم (حم د ت) وكذا الدارقطني في الطهارة (عن عائشة) قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد بللا ولم يذكر احتلاما فقال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بللا قال لا غسل عليه وقالت أم سليم أعلى المرأة ترى ذلك غسل قال نعم ثم ذكره وفي رواية إن أم سليم سألته عن المرأة ترى ما يرى الرجل في النوم قال إذا رأت الماء فلتغتسل فقالت هل للنساء من ماء قال نعم ثم ذكره وأشار الترمذي إلى أن فيه عبد الله بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيى بن سعيد (البزار) في مسنده (عن أنس) قال ابن القطان هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح قال بعضهم ما ثم أميل من النساء للرجال وعكسه لافتقار كل منهما للآخر شهوة وحالا وطبعا .
[ 714 ]
2561 - (إنما الوتر) بفتح الواو وكسرها (بالليل) أي إنما وقته المقدر له شرعا في جوف الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فمن أوتر قبل ذلك أو بعده فلا وتر له نعم يسن قضاؤه (طب عن الأغر) بفتح المعجمة بعدها راء (ابن يسار) المدني له صحبة قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر فذكره قال الهيثمي رجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر . 2562 - (إنما الولاء) بالفتح والمد (لمن أعتق) أي لا لغيره كالحليف وفيه عموم يقتضي ثبوته في كل عتق تبرعا أو واجبا عن كفارة أو غيرها قاله لعائشة لما أرادت شراء بريرة وأراد مواليها اشتراط ولائها لهم أي فلا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط وجوده كعدمه واستفيد منه أن كلمة إنما للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولاه ما لزم من إثبات الولاء للمعتق ونفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه ولاء لمن أسلم على يديه رجل خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق وبمنطوقه على إثبات الولاء لمن أعتق سائبة ودخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس وهذا الحديث فيه فوائد تزيد على أربعمائة وذكر النووي أن ابن جرير وابن خزيمة صنفا فيه تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من الاستنباط (خ) في الفرائض (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه من تفردات البخاري عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه مسلم في العتق صريحا ورواه النسائي وأبو داود . 2563 - (إنما أخاف على أمتي) أمة الإجابة (الأمة) أي شر الأمة (المضلين) المائلين عن الحق المميلين عنه والأمة جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد يحتمل أنه يريد أنه يخاف على عوام أمته جور جميع أئمة الضلال أئمة العلم والسلطان فالسلطان إذا ضل عن العدل وباين الحق تبعه كافة العوام خوفا من سلطانه وطمعا في جاهه والإمام في العلم قد يقع في شبهة ويعتريه زلة فيضل بهوى أو بدعة فيتبعه عوام المسلمين تقليدا ويتسامح بمتابعة هوى أو يتهافت على حطام الدنيا من أموال السلطان أو يرتكب معصية فيغتر به العوام وفائدة الحديث تحذير الإمام من الإمامة على ضلالة وتخويف الرعية من متابعته على الاغترار بإمامته (ت) في الفتن (عن ثوبان) ورواه عنه أيضا أبو داود وفيه عبد الله بن فروخ تكلم فيه غير واحد . 2564 - (إنما استراح من غفر له) أي سترت ذنوبه فلا يعاقب عليها فمن تحققت له المغفرة استراح وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء والأمر بدخول الجنة فليس الموت مريحا لأن ما بعده غيب عنا ومن ثم سئل بعض العارفين متى يجد العبد طعم الراحة فقال أول قدم يضعها في الجنة (حل عن عائشة) قالت قام بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
[ 715 ]
ثم قال أبو نعيم غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى بن عمران (ابن عساكر) في التاريخ (عن بلال) المؤذن قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت فغضب ثم ذكره وقضية تصرف المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ممن ذكره ولا أعلا وهو عجيب فقد خرجه أحمد والطبراني بسند فيه ابن لهيعة والبزار بسند قال الهيثمي رجاله ثقات باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير سديد . 2565 - (إنما أنا بشر) أي مخلوق يجري علي ما يجري على الناس من السهو (أنسى) بفتح الهمزة وتخفيف المهملة وقيل بضم الهمزة وشد المهملة والنسيان غفلة القلب عن الشئ (كما تنسون) قاله لما زاد أو نقص في الصلاة وقيل له أو زيد فيها ؟ فذكره قال ابن القيم كان سهوه في الصلاة من إتمام الله نعمته على عبيده وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما شرعه عند السهو فعلم منه جواز السهو على الأنبياء في الأحكام لكن يعلمهم الله به بعد وقال في الديباج استدل به الجمهور على جواز النسيان عليه في الأفعال البلاغية والعبادات ومنعه طائفة وتأولوا الحديث وعلى الأول قال الأكثر شرطه تنبهه فورا متصلا بالحادثة وجوز قوم تأخيره مدة حياته واختاره إمام الحرمين أما الأقوال البلاغية فيستحيل السهو فيها إجماعا وأما الأمور العادية والدنيوية فالأصح جواز السهو في الأفعال لا الأقوال (فإذا نسي أحدكم) في صلاته (فليسجد) ندبا هبه بزيادة أو نقص أو بهما (سجدتين) وإن تكرر السهو مرات (وهو جالس) في صلاته وما قيل إن اقتصاره على سجود السهو يقتضي أن سهوه كان بزيادة إذ لو كان بنقص لتداركه منع بأن ليس كل نقص يجب تداركه بل ذاك في الواجب لا الأبعاض ثم إن آخر الخبر يدل على أن سجود السهو قبل السلام وأوله بعكسه والخلاف معروف (حم ه عن ابن مسعود) ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه بل رواه الشيخان بما يفيد معناه بزيادة ابن مسعود أيضا ولفظهما إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين اه . 2566 - (إنما أنا بشر) أي بالنسبة إلى عدم الاطلاع على بواطن الخصوم وبدأ به تنبيها على جواز أن لا يطابق حكمة الواقع لأنه لبشر لا يعلم الغيوب ولا يطلع على ما في النفوس ولو شاء الله لأطلعه على ما فيها ليحكم باليقين لكن لما أمرت أمته بالإقتداء به أجرى أحكامه على الظاهر ، والبشر الخلق يتناول الواحد والجمع (وإنكم تختصمون إلي) فيما بينكم ثم تردونه إلي ولا أعلم باطن الأمر (فلعل) وفي رواية بالواو (بعضكم) المصدر خبر لعل من قبيل رجل عدل أي كائن أو إن زائدة أو المضاف محذوف أي لعل وصف بعضكم (أن يكون) أبلغ كما في رواية البخاري أي أكثر بلاغة وإيضاحا للحجة وفي رواية له أيضا (ألحن) كأفعل من اللحن بفتح الحاء الفطانة أي أبلغ وأفصح وأعلم في تقرير مقصوده وأفطن ببيان دليله وأقدر على البرهنة على دفع دعوى خصمه بحيث يظن أن الحق معه فهو
[ 716 ]
كاذب ويحتمل كونه من اللحن وهو الصرف عن الصواب أي يكون أعجز عن الإعراب (بحجته من بعض) آخر فيغلب خصمه (فأقضي) فأحكم له أي للبعض الأول على الأول وللثاني على الثاني وإن كان الواقع أن الحق لخصمه لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته لكن إنما أقضي (على نحو) بالتنوين (ما أسمع) لبناء أحكام الشريعة على الظاهر وغلبة الظن ومن فيهما بمعنى لأجل أو بمعنى على أي أقضي على الظاهر من كلامه وتمسك بقوله أسمع من قال إن الحاكم لا يقضي بعلمه لإخباره بأنه لا يحكم إلا إذا سمع في مجلس حكمه وبه قال أحمد وكذا مالك في المشهور عنه وقال الشافعي يقضى به وقال أبو حنيفة في المال فقط (فمن قضيت له) بحسب الظاهر (بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكره المسلم تنبيها على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك (فإنما هي) أي القصة أو الحكومة أو الحالة (قطعة من النار) أي مآلها إلى النار أو هو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه شبه ما يقضى به ظاهرا بقطعة من نار نحو * (إنما يأكلون في بطونهم نارا) * [ النساء : 10 ] قال السبكي وهذه قضية شرطية لا يستدعي وجودها بل معناه أن ذا جائز ولم يثبت أنه حكم بحكم فبان خلافه (فليأخذها أو ليتركها) تهديد لا تخيير على وازن * (فمن شاء فليؤمن) * [ الكهف : 29 ] ذكره النووي واعترض بأنه إن أريد به أن كلا من الصنفين للتهديد فممنوع فإن قوله أو ليتركها للوجوب وهو خطاب للمقضى له ومعناه إن كان محقا فليأخذ أو مبطلا فليترك فالحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ولم يبين له ما هو الحق بالحق دفعا لهتك أسرار الأشرار وليقتدي به في الحكم ببينة أو يمين وما تقرر في معنى هذا الحديث هو ما نقحه بعض المتأخرين أخذا من قول القاضي إنما صدر بقوله (إنما أنا بشر) تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه الواقع لأنه لا يعلم الغيب ولا يطلع على ما في الضمائر وإنما يحكم بما سمعه من المترافعين فلعل أحدهما أقدر على تقرير حجته فيقررها على وجه يظن أن الحق معه فيحكم له وفي الواقع لخصمه لكن لم يفطن لحقه ولم يقدر على معارضته وتمهيدا لعذره فيما عسى أن يصدر عنه من أمثال ذلك ولو نادرا من قبيل الخطأ في الحكم إذ الحاكم مأمور بالحكم بالظاهر لا بما في نفس الأمر فلو أقام المبطل بينة زورا فظن الحاكم عدالتها فقضى فهو محق في الحكم وإن كان المحكوم به غير ثابت انتهى . وقال القرطبي قد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بحق ذلك لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يجعل الله ذلك طريقا عاما ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا لغيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر وتلك سنة الله في خلقه * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * [ الفتح : 23 ] قال وقد شاهدت بعض المحرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقول الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعا وهذا خير البشر يقول في مثل هذا المواطن إنما أنا بشر معترفا بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملا بما نصبه الله له من اعتبار الإيمان والبينات ، وفي الحديث شمول للأموال والعقود
[ 717 ]
والفسوخ فحكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا فيما الباطن فيه كالظاهر وظاهرا فقط فيما يترتب على أصل كاذب فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا ، فهو حجة على الحنفية في قولهم ينفذ باطنا أيضا حتى لو حكم بنكاح شاهدي زور حل له وطؤها عندهم وأجابوا عن الخبر بما فيه تعسف وتكلف (مالك) في الموطأ (حم ق ع عن أم سلمة) قالت : سمع النبي صلى الله عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فذكره . 2567 - (إنما أنا بشر) قال الراغب : عبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها صوف أو شعر أو وبر واستوى في لفظه الواحد والجمع (تدمع العين) رأفة ورحمة وشفقة على الولد تنبعث على التأمل فيما هو عليه لا جزع وقلة صبر (ويخشع القلب) لوفور الشفقة (ولا نقول) معشر المؤمنين (ما يسخط الرب) أي يغضبه (والله يا إبراهيم) ولده من مارية (إنا بك) أي بسبب موتك (لمحزونون) فيه الرخصة في البكاء بلا صوت والإخبار عما في القلب من الحزن وإن كان كتمه أولى ، ودمع العين وحزن القلب لا ينافي الرضى بالقضاء وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئا بالرضى ولما ضاق صدر بعض العارفين عن جمع الأمرين عند موت ولده ضحك فقيل له فيه فقال إن الله قضى قضاء فأحببت الرضى بقضائه ، فحال المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل من هذا فإنه أعطى المعبودية حقها واتسع قلبه للرضى فرضي عن الله تعالى بقضائه وحملته الرأفة على البكاء وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماعهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز ومسلم في الفضائل عن أنس بلفظ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون انتهى وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين . 2568 - (إنما أجلكم) في رواية للبخاري إنما بقاؤكم (فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (خلا) قبلكم (من الأمم) السابقة (كما) أي مثل الزمن الذي (بين) آخر وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى مغارب) وفي رواية غورب (الشمس) ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمن الأمم السابقة وليس مرادا بل معناه أن نسبة مدة عمر هذه الأمة إلى أعمار من تقدم من الأمم مثل ما بين العصر والغروب إلى بقية النهار فكأنه قال إلى بقاؤكم بالنسبة لما خلا إلخ فجعل في بمعنى إلى وحذف ما تعلقت به وهو النسبة كما حذف ما تعلقت به إلى (وإنما مثلكم) أيها الأمة فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به قوله (ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل) في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل
[ 718 ]
الكتابين مع أنبيائهم (استأجر أجراء) بالمد بخط المصنف جمع أجير فما في نسخ من جعله أجيرا بالإفراد تحريف (فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط) أصله قراط بالتشديد وهو نصف دانق والمراد به هنا النصيب وكرره دلالة على أن الأجر لكل منهم قيراط لا أن المجموع في الطائفة قيراط وعادة العرب إذا أرادت تقسيم شئ على متعدد كررته تقول أقسم المال على بني فلان درهما درهما أي لكل واحد درهما (فعملت اليهود) في رواية حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم قال (من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر) أي أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها (على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين) بالتثنية (فأنتم) أيتها الأمة (هم) أي فلكم قيراطان لإيمانكم بموسى وعيسى مع إيمانكم بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأن التصديق عمل قال المصنف المراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه وليس المراد طول الزمن وقصره إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل ، قال إمام الحرمين الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال (فغضبت اليهود والنصارى) أي الكفار منهم (وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء) يعني قال أهل الكتاب ربنا أعطيت لأمة محمد ثوابا كثيرا مع قلة أعمالهم وأعطيتنا قليلا مع كثرة أعمالنا (قال) أي الله تعالى (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من حقكم) وفي رواية بدل حقكم أجركم أي الذي اشترطته لكم (شيئا) وفي رواية من شئ وأطلق لفظ الحق لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضله تعالى (قالوا لا) لم تنقصنا من أجرنا أو لم تظلمنا (قال فذلك) أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أوتيه من أشاء) قال الطيبي هذه المقاولة تخييل وتصوير لا حقيقة ويمكن حملها على وقوعها عند إخراج الذر ذكره القاضي قال الفخر الرازي كل نبي معجزاته أظهر فثواب أمته أقل إلا هذه الأمة فإن معجزات نبيها أظهر وثوابها أكثر (مالك) في الموطأ (حم خ ت عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أنس وأبو هريرة وغيرهما . 2569 - (إنما أنا بشر) أي أنا مقصور على الموصوف بالبشرية بالنسبة إلى الظواهر (وإني اشترطت على ربي عز وجل) يعني سألته فأعطاني (أي عبد من المسلمين شتمته أو سببته) من باب الحصر المجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان قصر قلب لأنه أتى به ردا
[ 719 ]
على من زعم أن الرسول يعلم الغيب فيطلع على البواطن فلا يخفى عليه شئ فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه ولم يطرأ عليه تأييد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (أن يكون ذلك له زكاة) نماء وزيادة في الخير (وأجرا) ثوابا عظيما منه تعالى قال في الزاهر معنى اشترطت عليه جعلت بيني وبينه علامة ومنه قولهم نحن في أشراط الفتنة أي في علاماتها ثم إن هذا من كمال شفقته على الخلق واتساعه في معرفة الحق قال العارف الشاذلي كان إذا آذاني إنسان يهلك للوقت وأنا الآن ليس كذا فقيل كيف قال اتسعت المعرفة (حم م عن جابر) بن عبد الله . 2570 - (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية وهذا إشارة إلى قوله تعالى * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) * [ الكهف : 110 ] فقد ساوى البشر في البشرية وأمتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية (إذا أمرتكم بشئ من دينكم) أي إذا أمرتكم بما ينفعكم في أمر دينكم (فخذوا به) أي افعلوه فهو حق وصواب دائما (وإذا أمرتكم بشئ من رأيي) يعني من أمور الدنيا (فإنما أنا بشر) يعني أخطئ وأصيب فيما لا يتعلق بالدين لأن الإنسان محل السهو والنسيان ومراده بالرأي الرأي في أمور الدنيا على ما عليه جمع لكن بعض الكاملين قال أراد به الظن لأن ما صدر عنه برأيه واجتهاده وأقر عليه حجة الإسلام مطلقا (م عن رافع بن خديج) قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل قال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فذكره قال القرطبي إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة فإنه لم يكن ممن يعاني الزراعة والفلاحة ولا باشر ذلك فخفي عليه فتمسك بالقاعدة الكلية التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مدبر إلا الله فإذا نسب شئ إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرفية . 2571 - (إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الخبرة بما يحصل للأشجار والثمار ونحو ذلك لا بالنسبة إلى كل شئ (وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله) أي لا يقع عني فيما أبلغه عن الله كذب ولا غلط عمدا ولا سهوا وهذا كالذي قبله يفيد أنه لم يكن التفاته إلى الأمور الدنيوية ولم يكن على ذكر منه إلا المهمات الأخروية (حم ه عن طلحة) بن عبد الله قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون فذكره نحو ما تقرر في التأبير .
[ 720 ]
2572 - (إنما أهلك) في رواية هلك (الذين من قبلكم) من بني إسرائيل (أنهم كانوا) بفتح الهمزة فاعل أهلك (إذا سرق فيهم الشريف) أي الإنسان العالي المنزلة الرفيع الدرجة (تركوه) يعني لم يحدوه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الوضيع الذي لا عشيرة له ولا منعة (أقاموا عليه الحد) أي قطعوه . قال في المطامح وهذا جار في عصرنا فلا قوة إلا بالله وهذه مداهنة في حدود الله وتبعيض فيما أمر بنفي التبعيض فيه . قال ابن تيمية قد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن مشابهة من قبلنا في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء وأمر أن يسوى بين الناس في ذلك وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة ، واعلم أن الحصر قد أشكل على كثير لأن الأمم السالفة كان فيهم أشياء كثيرة تقتضي الهلاك غير المحاباة في الحدود وأجيب إما بمنع اقتضائه الحصر أو بأن المحصور هلاك خاص باعتبار خاص على حد * (إنما أنت نذير) * [ هود : 12 ] وهو نذير وبشير قال ابن عرفة ويدخل تحت هذا الذم كل من أولى الأمر أو الخطبة غير أهلها وغير ذلك من المحاباة في أحكام الدين وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها انتهى بنصه (حم ق 4 عن عائشة) قالت إن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فكلموا أسامة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم خطب فذكره ثم قال وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . 2573 - (إنما بعثت فاتحا خاتما) أي للأنبياء أو للنبوة قال ابن عطاء الله ما زال فلك النبوة دائرا إلى أن عاد الأمر من حيث بدأ وختم بمن له كمال الاصطفاء فهو الفاتح الخاتم نور الأنوار وسر الأسرار والمبجل في هذه الدار أعلى المخلوقات منارا وأتمهم فخارا (وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه) القرآن أو كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها (واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون) أي الذين يقعون في الأمور بغير روية قال الحرالي وإنما بعث كذلك لأنه بعث بالقرآن المنزل عند انتهاء الخلق وكمال الأمر بدءا فكان التخلق جامعا لانتهاء كل خلق خلق وكمال كل أمر فلذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم الفاتح الخاتم الجامع الكامل وكان كتابه خاتما فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي جلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها (هب عن أبي قلابة) بكسر القاف وفتح اللام بموحدة واسمه عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء البصري أحد الأئمة التابعين ونزيل الشام (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم وهو كثير الإرسال .
[ 721 ]
2574 - (إنما الدين) أي الملة وهو دين الإسلام أي عماده وقوامه ومعظمه كالحج عرفة فالحصر مجازي بل ادعى جمع أنه حقيقي لما سيجئ في معنى النصح وأنه لم يبق من الدين شيئا (النصح) هو لغة الإخلاص والتصفية وشرعا إخلاص الرأي من الغش للنصوح وإيثار مصلحته ومن ثم كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها ليس في كلامهم أجمع منها ولهذا عبر بأداة الحصر والقصر فمن لا نصح عنده فليس عنده من الدين إلا الاسم وحقيق بالنصح أن يكون بهذه المثابة لأنه الوصف النفسي الذي لا يصدر عنها إلا وهي خالصة من النفاق عارية من الغش فدل بهذه الجملة على أن النصح يسمى دينا وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول (أبو الشيخ) الأصبهاني (في التوبيخ عن ابن عمر) بن الخطاب . 2575 - (إنما المجالس بالأمانة) أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار فلا يحل لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه كما أفصح به في الخبر الآتي (أبو الشيخ في التوبيخ عن عثمان) بن عفان (وعن ابن عباس) . 2576 - (إنما يتجالس المتجالسان) أي الشخصان الذي يجلس أحدهما إلى الآخر للتحدث (بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما يخاف) من إفشائه . قال البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها ، وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون ممن خالف قول الله * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * [ النساء : 58 ] فتكون من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين (أبو الشيخ) في الثواب (عن أبي مسعود) ورواه عنه أيضا ابن لال ثم إن فيه عبد الله بن محمد بن المغيرة قال الذهبي في الضعفاء قال العقيلي يحدث بما لا أصل له وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ورواه البيهقي في الشعب مرسلا وقال هذا مرسل جيد . 2577 - (إنما العلم) أي تحصيله (بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم ، وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما
[ 722 ]
تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول (وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب (ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه الله تعالى إياه (ومن يتق) في رواية يتوق (الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو رده من سفر تطير (تنبيه) قال بعضهم ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة ، والثاني يحصل بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالما بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللهجة وسخيا وجريئا وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلا طبعا وعادة وتعلما فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلا فهو كامل الرذيلة (قط في الأفراد) والعلل (خط) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى ولم يبين وجه ضعفه وذلك لأن فيه إسماعيل بن مجالد وليس بمحمود (طس عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه محمد بن الحنفي بن أبي يزيد وهو كذاب انتهى وقال السخاوي محمد بن الحسن هذا كذاب لكن رواه البيهقي في المدخل من غير جهته عن أبي الدرداء موقوفا ورواه عنه مرفوعا باللفظ المذكور الخطيب في كتابه رياضة المتعلمين وفي الباب عن أنس أخرجه عنه العسكري وعن معاوية وما ذكر من عزو الحديث للطبراني هو ما في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أجد فيها للطبراني بل خط عن أبي الدرداء انتهى ورواه ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال ابن حجر في المختصر إسناده حسن لأن فيهما مبهما اعتضد لمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم مرفوعا فلا تغتر بمن جعله من كلام البخاري .
[ 723 ]
2578 - (إنما الخاتم) بكسر التاء وفتحها الحلقة التي توضع في الأصبع (لهذه وهذه يعني الخنصر والبنصر) بفتح الصاد وكسرها فيهما أي إنما ينبغي للرجل لبسه فيهما لا في غيرهما من بقية الأصابع لأنه من شعائر الحمقاء والنساء وقد صرح النووي في شرح مسلم بكراهة لبس الخاتم في غير الخنصر للرجل بل صوب الأذرعي التحريم لكن صرح الصيدلاني بحل اتخاذ خواتيم كثيرة ليلبسها معا أي ما لم يعد إسرافا هذا محصول ما عند الشافعية في المسألة وأما ما في الخبر من ضم البنصر للخنصر فلم أقف على من قال به ولولا تفسير الراوي لأمكن جعل الإشارة لخنصر اليد اليمنى وبنصر اليسرى (طب) من رواية محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقلب خاتمي في السبابة والوسطى فذكره قال الحافظ الزين العراقي ومحمد بن عبيد الله أظنه العرزمي ضعيف عندهم وقال بعده بقليل هذا الحديث إسناده ضعيف . 2579 - (إنما أنا بشر مثلكم) خصني الله بالوحي والرسالة ومع ذلك (أمازحكم) أي أداعبكم وأباسطكم كانت له مهابة فكان ينبسط للناس بالدعابة وكان إذا مازح لا يقول إلا حقا نحو أحملك على ولد الناقة زوجك الذي في عينه بياض لا يدخل الجنة عجوز ونحو ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي جعفر الخطمي) بفتح المعجمة وسكون الطاء المدني نزيل البصرة (مرسلا) واسمه عمير تصغير عمر بن يزيد ثقة صدوق . 2580 - (إنما أنا لكم) اللام للأجل أي لأجلكم (بمنزلة الوالد) في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو وفي تعليم ما لا بد منه فكما يعلم الأب ولده الأدب فأنا (أعلمكم) مالكم وعليكم وأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة وهو الذي أنقذنا الله به من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان وقدم هذا أمام المقصود إعلاما بأنه يجب عليه تعليمهم أمر دينهم كما يلزم الوالد إيناسا للمخاطبين كما يحتشموا عن السؤال عما يعرض لهم عما يستحى منه وبسطا للعذر عن التصريح بقوله (فإذا أتى أحدكم الغائط) أي محل قضاء الحاجة (فلا يستقبل) يعني فرجه الخارج منه (القبلة) أي الكعبة (ولا يستدبرها) ببول ولا غائط وجوبا في الصحراء وندبا في غيرها (ولا يستطب) أي لا يستنجي بغسل أو مسح وقول المشارق الاستطابة بالحجر فقط ردوه ، سميت به لطيب الموضع أو لطيب نفس المستطيب بإزالة النجاسة ومعنى
[ 724 ]
الطيب هنا الطهارة (بيمينه) فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما وقد أفاد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمة كالأب وكذا أزواجه أمهات المؤمنين لأن منه ومن أزواجه تعلم الذكور والأناث معاني الدين كله ولم يتولد خير إلا منه ومنهن فبره وبرهن أوجب من كل واجب وعقوقه وعقوقهن أهلك من كل مهلك وهذا نهي بلفظ الخبر وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه وأمره وقد يخالف ذكره النووي ويستطبب بالياء على ما في عامة النسخ لكن قال الحافظ العراقي هو في أصلنا بدون ياء على لفظ النهى (تنبيه) قال ابن الحاج أمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة أولاده لأنه السبب للإنعام عليهم بالحياة السرمدية والخلود في دار النعيم فحقه أعظم من حقوق الوالدين قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك فقدم نفسه على غيره والله قدمه في كتابه على نفس كل مؤمن ومعناه إذا تعارض له حقان حق لنفسه وحق لنبيه فآكدهما وأوجبهما حق النبي صلى الله عليه وسلم ثم يجعل حق نفسه تبعا للحق الأول وإذا تأملت الأمر في الشاهد وجدت نفع المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من الآباء والأمهات وجميع الخلق فإنه أنقذك وأنقذ آباءك من النار وغاية أمر أبويك أنهما أوجداك في الحس فكانا سببا لإخراجك إلى دار التكليف والبلاء والمحن (حم د ن ه حب) كلهم في الطهارة (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام سبق . 2581 - (إنما أنا عبد) أي كامل المعبودية لله تعالى (آكل كما يأكل العبد) لا كما تأكل الملوك ونحوهم من أهل الرفاهية (وأشرب كما يشرب العبد) أي لا أجلس للأكل ولا للشرب كما يجلس الذين ادعوا الحرية ويجلسون جلوس الأحرار برفاهية وغيرها والإنسان وإن أفر بالعبودية لا يفي بكمال حقها إذ وصف العبد رد المشيئة في جميع أموره إلى مشيئة مولاه وترك الاختيار مطلقا ولا يطيق ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكره الأكل والشرب متكئا (عد) وكذا الديلمي وابن أبي شيبة (عن أنس) وفيه قصة قال بعض شراح الشفاء وسنده ضعيف . 2582 - (إنما أنا مبلغ) عن الله ما يوحي به إلي (والله يهدي) أي يوصل إلى الرشاد وليس لي من الهداية شئ (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم ما أمرني الله بقسمته وألقى إلى كل واحد ما يليق به (والله يعطي) من يشاء فليست قسمتي كقسمة الملوك الذين يعطون من شاؤوا ويحرمون من شاؤوا فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر للتفاضل فإنه بأمر الله والمراد أنا أقسم ما أوحى إلي لا أفضل أحدا من أمتي على الآخر في إبلاغ الوحي وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء أو المراد أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي الفهم الذي يهتدي به إلى خفيات العلوم في كلمات الكتاب والسنة والتفكر في معناها والتوفيق للعمل بمقتضاها لمن شاء ذكره القاضي وهو بمعنى قول الطيبي المراد أنه تعالى يعطي من
[ 725 ]
شاء أن يفقهه استعدادا لتلقف المعاني استعدادا على ما قدره وقال التوربشتي علم المصطفى صلى الله عليه وسلم صحبه أنه لم يفضل في قسمته ما أوحي إليه أحدا على أحد بل سوى في الإبلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء وقد كان بعض الصحب يسمع الحديث ولا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم وممن بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . وقال الكرماني في قوله الله يعطي تقديم لفظ الله مفيد للتقوية عند السكاكي ولا يحتمل التخصيص أي الله يعطي لا محالة وعند الزمخشري يحتمله أيضا فيكون معناه الله يعطي لا غيره ويصح أن يكون جملة حالية فيكون معناه ما أنا قاسم إلا في حال إعطاء الله لا في حال غيره واستشكل التعبير بأداة الحصر من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير ، وأجيب بأن الحصر بالنسبة لاعتقاد السامع فحسب فلا ينفي إلا ما اعتقده لا كل صفة فإن اعتقد أنه معط لا قاسم كان من قصر القلب أي ما أنا إلا قاسم لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط كان قصر أفراد لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط (تنبيه) استنبط السبكي من هذا الحديث أن الإمام ليس له تقديم غير الأحوج عليه لأن التمليك والإعطاء إنما هو من الله لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفته القسمة وهي يجب كونها بالعدل ومنه تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجة فإذا قسم بينهما ودفع لهما علمنا أن الله ملكه لهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة فإن لم يكن إمام وبرز أحدهما واستأثر كان كما لو استأثر بعض الشركاء بمال مشتركا فلا يجوز (تنبيه) أخذ ابن الحاج من الحديث أنه ليس للعالم أن يخص قوما دون آخرين بإلقاء الأحكام عليهم لأن المسلمين قد تساووا في الأحكام وبقيت المواهب من الله يخص بها من يشاء (طب عن معاوية) قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن . 2583 - (إنما أنا رحمة) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك (مهداة) بضم الميم أي ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها الله إليهم فمن قبل هديته أفلح ونجا ومن أبى خاب وخسر وذلك لأنه الواسطة لكل فيض فمن خالف فعذابه من نفسه كعين انفجرت فانتفع قوم وأهمل قوم فهي رحمة لها ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه كثيرا لأن الغضب لم يقصد من بعثه بل القصد بالذات الرحمة والغضب بالتبعية بل في حكم العدم فانحصر فيها مبالغة أو المعنى أنه رحمة على الكل لا غضب على الكل أو أنه رحمة في الجملة فلا ينافي الغضب في الجملة أنه رحمة في الجملة ويكفي في المطلب إثبات الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) في النوادر (عن أبي صالح مرسلا) أبو صالح في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه (ك) في الإيمان (عنه) أي عن أبي صالح (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم على شرطهما وتفرد الثقة مقبول انتهى وأقره عليه الذهبي .
[ 726 ]
2584 - (إنما بعثت) أي أرسلت (لأتمم) أي لأجل أن أكمل (صالح) وفي رواية بدله مكارم (الأخلاق) بعد ما كانت ناقصة وأجمعها بعد التفرقة قال الحكيم أنبأنا به أن الرسل قد مضت ولم تتم هذه الأخلاق فبعث بإتمام ما بقي عليهم وقال بعضهم أشار إلى أن الأنبياء عليهم السلام قبله بعثوا بمكارم الأخلاق وبقيت بقية فبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بما كان معهم وبتمامها ، وقال الحرالي صلاح الأخلاق هي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في قوله اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي وقال العارف ابن عربي معنى الحديث أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف وظهرت مكارم الأخلاق كلها في شرائع الرسل وتبين سفسافها من مكارمها عندهم وما في العالم إلا أخلاق الله وكلها مكارم فما ثم سفساف أخلاق فبعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة وأوتي جوامع الكلم وكل شئ يقدمه على شرع خاص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه بعث لتتم صالح الأخلاق فصار للكل مكارم أخلاق فما ترك في العلم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقصد الشرع فأبان لنا مصارفه لهذا المسمى سفسافا من نحو حرص وشره وحسد وبخل وكل صفة مذمومة فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها عليها عادت مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم فكانت محمودة فتمم الله به مكارم الأخلاق فلا ضد لها كما أنه لا ضد للحق لكن منا من عرف المصارف ومنا من جهلها (ابن سعد) في الطبقات (خد ك هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى . فكأن المصنف أغفله ذهولا وقال ابن عبد البر حديث متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره . 2585 - (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا) لأنه حشي بالرحمة والرأفة فاستنار قلبه بنور الله فرقت الدنيا في عينه فبذل نفسه في جنب الله فكان رحمة ومفزعا ومأمنا وغياثا وأمانا فالعذاب لم يقصد من بعثه (تخ عن أبي هريرة) وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين . 2586 - (إنما بعثتم) أيها المؤمنون (ميسرين) نصب على الحال من الضمير في بعثتم وكذا قوله الآتي معسرين قال الحرالي والتيسير تحمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر بما يجتهد النفس ويضر الجسم ثم أكد التيسير بنفي ضده وهو التعسير فقال (ولم تبعثوا معسرين) إسناد البعث إليهم مجاز لأنه المبعوث بما ذكر ، لكن لما نابوا عنه في التبليغ أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله أي
[ 727 ]
مأمورون وكان ذا شأنه مع كل من بعثه لجهة يقول يسروا ولا تعسروا وهذا قاله لما بال ذو الخويصرة اليماني أو الأقرع بن جايس بالمسجد (ت عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا . 2587 - (إنما بعثني الله مبلغا) للأحكام عن الله معرفا به داعيا إليه وإلى جنته مبينا مواقع رضاه وآمرا بها ومواقع سخطه وناهيا عنها ومخبرا بأخبار الرسل مع أممهم وأمر المبدأ والمعاد وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك (ولم يبعثني متعنتا) أي مشددا قاله لعائشة لما أمر بتخيير نسائه فبدأ بها فاختارته وقالت لا تقل أني اخترتك فذكره وفي إفهامه إشعار بأن من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الأخلاق باللطف والتعريض ما أمكن من غير تصريح وبطريق الرحمة من غير توبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف وتهبيج الحرص على الإصرار ذكره الغزالي (ت عن عائشة) ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن لكن قال الذهبي في المهذب هو منقطع . 2588 - (إنما جزاء السلف) أي القرض (الحمد والوفاء) أي حمد المقترض للمقرض والثناء عليه وأداء حقه له قال الغزالي فيستحب للمدين عند قضاء الدين أن يحمد المقضي له بأن يقول بارك الله لك في أهلك ومالك انتهى وما اقتضاه وضع إنما من ثبوت الحكم المذكور ونفيه عما عداه من أن الزيادة على الدين زيادة غير جائزة غير مراد وإنما هو على سبيل الوجوب لأن شكر المنعم وأداء حقه واجبان والزيادة فضل ذكره الطيبي (حم ن ه عن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي قال : استسلف النبي صلى الله عليه وسلم مني حين غزا حنينا أربعين ألفا فجاءه مال فقضاها وقال بارك الله في أهلك ومالك ثم ذكره وفيه إبراهيم بن إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم على اختلاف الروايتين ابن عبد الله بن أبي ربيعة قال في المنار لا يعرف حاله ولم تثبت عدالته انتهى ، لكن قال الحافظ العراقي الحديث حسن وعبد الله بن أبي ربيعة اسم أبيه عمرو بن المغيرة ولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم الجند فبقي عليها إلى أواخر أيام عثمان ومات بقرب مكة ومن لطائف إسناده أنه من رواية إسماعيل عن أبيه عن جده . 2589 - (إنما جعل الطواف بالبيت) الكعبة (وبين الصفا والمروة) أي وإنما جعل السعي بينهما (ورمي الجمار) إلى العقبة (لإقامة ذكر الله) يعني إنما شرع ذلك لإقامة شعار النسك وتمامه في رواية الحاكم لا لغيره وكأنه سقط من كلام المصنف (د ك) في الحج (عن عائشة) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم واعترض بأن فيه عبد الله بن أبي زياد الصراح ضعفه ابن معين وكذا النسائي مرة وظاهر
[ 728 ]
صنيع المصنف تفرد به أبي داود عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه منهم أيضا الترمذي وقال حسن صحيح . 2590 - (إنما جعل الاستئذان) أي إنما شرع الاستئذان في دخول الغير (من أجل) وفي رواية من قبل (البصر) أي جهته أي إنما احتيج إليه لئلا يقع نظر من في الخارج على من هو داخل البيت ولولاه لم يشرع وهذا قاله لما اطلع الحكم ابن العاص أو غيره في بابه وكان بيد النبي صلى الله عليه وسلم مدرا يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر لطلقت به في عينك ثم ذكره قال في المنضد وإذا كان هذا في النظر إلى الرجال فإلى النساء آكد وأشد وفيه دليل على صحة التعليل القياسي فهو حجة الجمهور على نفاة القياس وفيه أن من اطلع في بيت غيره يجوز طعنه في عينه إذا لم يندفع إلا به ولا يختص ذلك ببيت المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل خبر من اطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه ولا ضمان ولا دية عند الشافعي لأنه عقوبة على جناية سابقة (حم ق ت) كلهم في الاستئذان (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أيضا النسائي في الديات . 2591 - (إنما حر جهنم على أمتي) أمة الإجابة إذا دخلها العصاة منهم للتطهير (كحر الحمام) أي كحرارته اللطيفة التي لا تؤذي الجسم ولا توهنه ، فإن قلت هذا قد يناقضه ما مر أنهم إذا دخلوها ماتوا فلا يحسون بألم العذاب قلت قد يقال إنها تكون عليهم عند إحيائهم الأمر بإخراجهم منها كحر الحمام (طس عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف انتهى وفيه أيضا شعيب بن طلحة نقل السخاوي عن الدارقطني أنه متروك والأكثر على قبوله . 2592 - (إنما سماهم الله تعالى الأبرار) أي إنما سمى الله تعالى الأبرار أبرارا في القرآن (لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء) أي أحسنوا إلى آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم ورفقوا بهم وتحروا محابهم وتوقوا مكارههم ولم يوقعوا الضغائن بينهم بتفضيل بعضهم على بعض بنحو عطية أو إكرام بلا موجب شرعي (كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك) عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فضل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد الله بن الوليد الصافي وهو ضعيف انتهى ونقل في الميزان تضعيفه عن الدارقطني وغيره
[ 729 ]
وعن ابن حبان والنسائي والفلاس أنه متروك ثم ساق له أخبارا أنكرت عليه هذا منها وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلا من الطبراني وهو قصور فقد رواه سلطان المحدثين باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور في الأدب المفرد وترجم عليه باب بر الأب لولده فالضرب عنه صفعا والعدول عنه للطبراني من سوء التصرف . 2593 - (إنما سمي البيت) الذي هو الكعبة المعظمة البيت (العتيق لأن الله) لفظ رواية الحاكم إنما يسمي البيت العتيق لأنه (أعتقه) أي حماه (من الجبابرة) جمع جبار وهو الذي يقتل على الغضب (فلم يظهر عليه جبار قط) وفي رواية لم ينله جبار قط وفي أخرى لم يقدر عليه جبار قط وأراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء . قال في المصباح ظهرت على الحائط علوت ومنه قيل ظهر على عدوه إذا غلبه والمراد جبار من الكفار وقصة الفيل مشهورة (ت ك) في التفسير (هب) كلهم عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وأقول فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعفه الأئمة وبقية رجاله ثقات . 2594 - (إنما سمي الخضر) وفي نسخة حذف هذه وهي ثابتة في خط المصنف نعم هي رواية ، والخضر بفتح السكون أو فكسر أو بكسر فسكون ، قال ابن حجر ثبتت بهما الرواية بالرفع قائم مقام الفاعل ومفعوله الثاني قوله (خضرا لأنه جلس على فروة) بالفاء أرض يابسة (بيضاء) لا نبات فيها فإذا هي أي الفروة تهتز أي تتحرك تحته خضرا بالتنوين أي نباتا أخضر ناعما بعد ما كانت جرداء وروى خضراء كحمراء . قال النووي : واسمه بلياء أو إيلياء وكنيته أبو العباس والخضر لقبه وإطلاق الاسم على اللقب شائع وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه بالقرآن العظيم بتلك الأعاجيب وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن قالع ابن عابر ابن شالخ ابن أرفخشد ابن سام ابن نوح وقيل هو ابن حلقيا وقيل ابن قابيل ابن آدم وقيل ابن فرعون صاحب موسى وهو غريب وقيل أمه رومية وأبوه فارسي وقيل هو ابن آدم عليه السلام لصلبه وقيل الرابع من أولاده وقيل عيصو وقيل من سبط هارون عليه السلام وقيل هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره ، ومن أعجب ما قيل أنه من الملائكة والأصح عند الجمهور أنه نبي معمر محجوب عن الأبصار وهو حي عند عامة العلماء وعامة الصلحاء وقيل لا يموت إلا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن . قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم وهو الذي يقتله الدجال ثم يحييه وإنما طالت حياته لأنه شرب من ماء الحياة وليكذب الدجال قال العارف ابن عربي حدثني شيخنا العزيني بشئ فتوقفت فيه فتأذى الشيخ ولم أشعر فانصرفت فلقيني في الطريق
[ 730 ]
رجل لا أعرفه فسلم علي ثم قال صدق الشيخ فيما قال فرجعت إلى الشيخ فلما رآني قال : تحتاج في كل مسألة إلى أن يلقاك الخضر فيخبرك بصدقها وقال ابن عربي أيضا كنت في مركب بساحل تونس فأخذتني بطني والناس نيام فقمت إلى جنب السفينة وتطلعت في البحر فرأيت رجلا على بعد في ضوء القمر يمشي على الماء حتى وصل إلي فرفع قدمه الواحدة واعتمد الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد الأخرى ورفع صاحبتها فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام وانصرف فأصبحت جئت المدينة فلقيني رجل صالح فقال كيف كانت ليلتك مع الخضر عليه السلام قال وخرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد فدخلنا مسجدا خرابا لصلاة الظهر فإذا بجماعة من السياحين المنقطعين دخلوا يريدون ما نريده وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني في البحر ورجل أكبر منزلة منه فصلينا ثم خرجنا فأخذ الخضر عليه السلام حصيرا من محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع ثم صلى عليها فقلت لصاحبي أما تنظر ما فعل ؟ قال اسأله فلما فرغ من صلاته أنشدته هذه الأبيات : شغل المحب عن الهواء بسره * * في في حب من خلق الهواء وسخره والعارفون عقولهم معقولة * * عن كل كون ترتضيه مطهره فهم لديه مكرمون وفي الورى * * أحوالهم مجهولة ومستره فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به شيخنا علي بن عبد الله بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحدا من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي الله تعالى عنهم (1) . (1) وذكره صاحب العروة الوثقى فقال أبو العباس الخضر عليه السلام أعني بليان بن ملكان بن سمعان وأورد حديثين سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلى الله على محمد إلا نضر الله قلبه ونور بصيرته والثاني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته وكل عام يلتقي مع إلياس في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان على هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله بسم ما شاء الله (*)
[ 731 ]
(حم ق ت د عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) ما ذكره من أن الشيخين معا خرجاه هو ما جرى عليه فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به شيخنا علي بن عبد الله بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحدا من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي الله تعالى عنهم (1) . (1) وذكره صاحب العروة الوثقى فقال أبو العباس الخضر عليه السلام أعني بليان بن ملكان بن سمعان وأورد حديثين سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلى الله على محمد إلا نضر الله قلبه ونور بصيرته والثاني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته وكل عام يلتقي مع إلياس في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان على هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله بسم ما شاء الله (*)
[ 731 ]
(حم ق ت د عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) ما ذكره من أن الشيخين معا خرجاه هو ما جرى عليه البعض فتبعه لكن الصدر المناوي قال لم يخرجه مسلم فليحرر . (تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث إن شاء الله) وأوله حديث (إنما سمي القلب من تقلبه . . . . الخ) . ما كان من نعمة فمن الله بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فمن قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب .