فتح الباري
ابن حجر ج 11

[ 1 ]
فتح الباري شرح صحيح البخاري للامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى الجزء الاول دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان الطبعة الثانية أعيد طبعه بالاوفست (الجزء الاول)
[ 2 ]
قوله كتاب الاستئذان باب بدء السلام الاستئذان طلب الاذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن وبدء بفتح أوله والهمز بمعنى الابتداء أي أول ما وقع السلام وانما ترجم للسلام مع الاستئذان للاشارة إلى أنه لا يؤمن لمن لم يسلم وقد أخرج أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد عن ربعي بن حراش حدثني رجل أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال أألج فقال لخادمه اخرج لهذا فعلمه فقال قل السلام عليكم أأدخل الحديث وصححه الدارقطني وأخرج بن أبي شيبة من طريق زيد بن أسلم بعثني أبي إلى بن عمر فقلت أألج فقال لا تقل كذا ولكن قل السلام عليكم فإذا رد عليك فادخل ومن طريق بن أبي بريدة استأذن رجل على رجل من أصحابه ثلاث مرات يقول أأدخل وهو ينظر إليه لا يأذن له فقال السلام عليكم أأدخل قال نعم ثم قال لو أقمت إلى الليل وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه قوله حدثنا يحيى بن جعفر هو البيكندي قوله خلق الله آدم على صورته تقدم بيانه في بدء الخلق واختلف إلى ماذا يعود الضمير فقيل إلى آدم أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن اهبط وإلى ان مات دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى أو ابتدأ خلقه كما وجد لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة وقيل للرد على الدهرية انه لم يكن انسان الا من نطفة ولا تكون نطفة انسان إلا من انسان ولا أول لذلك فبين أنه خلق من أول الامر على هذه الصورة وقيل
[ 3 ]
للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الانسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره وقيل للرد على القدرية الزاعمين أن الانسان يخلق فعل نفسه وقيل إن لهذا الحديث سببا حذف من هذه الرواية وان أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال له ان الله خلق آدم على صورته وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العتق وقيل الضمير لله وتمسك قائل ذلك بما ورد في بعض طرقه على صورة الرحمن والمراد بالصورة الصفة والمعنى ان الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك وان كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شئ قوله اذهب فسلم على أولئك فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد واستدل به على إيجاب ابتداء السلام لورود الامر به وهو بعيد بل ضعيف لانها واقعة حال لا عموم لها وقد نقل بن عبد البر الاجماع على أن الابتداء بالسلام سنة ولكن في كلام المازري ما يقتضي اثبات خلاف في ذلك كذا زعم بعض من أدركناه وقد راجعت كلام المازري وليس فيه ذلك فإنه قال ابتداء السلام سنة ورده واجب هذا هو المشهور عند أصحابنا وهو من عبادات الكفاية فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عين أو كفاية وقد صرح بعد ذلك بخلاف أبي يوسف كما سأذكره بعد نعم وقع في كلام القاضي عبد الوهاب فيما نقله عنه عياض قال لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض على الكفاية فان سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم قال عياض معنى قوله فرض على الكفاية مع نقل الاجماع على أنه سنة أن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية قوله نفر من الملائكة بالخفض في الرواية ويجوز الرفع والنصب ولم أقف على تعيينهم قوله فاستمع في رواية الكشميهني فاسمع قوله ما يحيونك كذا للاكثر بالمهملة من التحية وكذا تقدم في خلق آدم عن عبد الله بن محمد عن عبد الرزاق وكذا عند أحمد ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق وفي رواية أبي ذر هنا بكسر الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة من الجواب وكذا هو في الادب المفرد للمصنف عن عبد الله بن محمد بالسند المذكور قوله فانها أي الكلمات التي يحيون بها أو يجيبون قوله تحيتك وتحية ذريتك أي من جهة الشرع أو المراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون وقد أخرج البخاري في الادب المفرد وابن ماجة وصححه بن خزيمة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة مرفوعا ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدوكم على السلام والتأمين وهو يدل على أنه شرع لهذه الامة دونهم وفي حديث أبي ذر الطويل في قصة إسلامه قال وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه فكنت أول من حياه بتحية الاسلام فقال وعليك ورحمة الله أخرجه مسلم وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة رفعه جعل الله السلام تحية لامتنا وأمانا لاهل ذمتنا وعند أبي داود من حديث عمران بن حصين كنا نقول في الجاهلية أنعم بك عينا وأنعم صباحا فلما جاء الاسلام نهينا عن ذلك ورجاله ثقات لكنه منقطع وأخرج بن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال كانوا في الجاهلية يقولون حييت مساء حييت صباحا فغير الله ذلك بالسلام قوله فقال السلام عليكم قال بن بطال يحتمل أن يكون الله علمه كيفية ذلك تنصيصا ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له فسلم قلت ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك ويؤيده ما تقدم في باب حمد العاطس في الحديث الذي أخرجه بن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ان آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن
[ 4 ]
قال الحمد لله الحديث فلعله ألهمه أيضا صفة السلام واستدل به على أن هذه الصيغة هي المشروعة لابتداء السلام لقوله فهي تحيتك وتحية ذريتك وهذا فيما لو سلم على جماعة فلو سلم على واحد فسيأتي حكمه بعد أبواب ولو حذف اللام فقال سلام عليكم أجزأ قال الله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم وقال تعالى فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة وقال تعالى سلام على نوح في العالمين إلى غير ذلك لكن باللام أولى لانها للتفخيم والتكثير وثبت في حديث التشهد السلام عليك أيها النبي قال عياض ويكره أن يقول في الابتداء عليك السلام وقال النووي في الاذكار إذا قال المبتدئ وعليكم السلام لا يكون سلاما ولا يستحق جوابا لان هذه الصيغة لا تصلح للابتداء قاله المتولي فلو قاله بغير واو فهو سلام قطع بذلك الواحدي وهو ظاهر قال النووي ويحتمل أن لا يجزئ كما قيل به في التحلل من الصلاة ويحتمل أن لا يعد سلاما ولا يستحق جوابا لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما بالاسانيد الصحيحة عن أبي جرى بالجيم والراء مصغر الهجيمي بالجيم مصغرا قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت عليم السلام يا رسول الله قال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى قال ويحتمل أن يكون ورد لبيان الاكمل وقد قال الغزالي في الاحياء يكره للمبتدئ أن يقول عليكم السلام قال النووي والمختار لا يكره ويجب الجواب لانه سلام قلت وقوله بالاسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقا إلى الصحابي المذكور وليس كذلك فإنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي جرى ومع ذلك فمداره عند جميع من أخرجه على أبي تميمة الهجيمي راويه عن أبي جرى وقد أخرجه أحمد أيضا والنسائي وصححه الحاكم وقد اعترض هو ما دل عليه الحديث بما أخرجه مسلم من حديث عائشة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع الحديث وفيه قلت كيف أقول قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين قلت وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أتى البقيع السلام على أهل الديار من المؤمنين الحديث قال الخطابي فيه أن السلام على الاموات والاحياء سواء بخلاف ما كانت عليه الجاهلية من قولهم عليك سلام الله قيس بن عاصم قلت ليس هذا من شعر أهل الجاهلية فان قيس بن عاصم صحابي مشهور عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم والمرثية المذكورة لمسلم معروف قالها لما مات قيس ومثله ما أخرج بن سعد وغيره أن الجن رثوا عمر بن الخطاب بأبيات منها عليك سلام من أمير وباركت * يد الله في ذاك الاديم الممزق وقال بن العربي في السلام على أهل البقيع لا يعارض النهي في حديث أبي جرى لاحتمال أن يكون الله أحياهم لنبيه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم سلام الاحياء كذا قال ويرده حديث عائشة المذكور قال ويحتمل أن يكون النهي مخصوصا بمن يرى أنها تحية الموتى وبمن يتطير بها من الاحياء فانها كانت عادة أهل الجاهلية وجاء الاسلام بخلاف ذلك قال عياض وتبعه بن القيم في الهدى فنقح كلامه فقال كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في الابتداء السلام عليكم ويكره أن يقول عليكم السلام فذكر حديث أبي جرى وصححه ثم قال أشكل هذا على طائفة وظنوه معارضا لحديث عائشة وأبي هريرة وليس كذلك وإنما معنى قوله عليك
[ 5 ]
السلام تحية الموتى إخبار عن الواقع لا عن الشرع أي أن الشعراء ونحوهم يحيون الموتى به واستشهد بالبيت المتقدم وفيه ما فيه قال فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الاموات وقال عياض أيضا كانت عادة العرب في تحية الموتى تأخير الاسم كقولهم عليه لعنة الله وغضبه عند الذم وكقوله تعالى وان عليك اللعنة إلى يوم الدين وتعقب بأن النص في الملاعنة ورد بتقديم اللعنة والغضب على الاسم وقال القرطبي يحتمل أن يكون حديث عائشة لمن زار المقبرة فسلم على جميع من بها وحديث أبي جرى اثباتا ونفيا في السلام على الشخص الواحد ونقل بن دقيق العيد عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال عليكم السلام لم يجز لانها صيغة جواب قال والاولى الاجزاء لحصول مسعى السلام ولانهم قالوا ان المصلي ينوي بأحدى التسليمتين الرد على من حضر وهي بصيغة الابتداء ثم حكى عن أبي الوليد بن رشد أنه يجوز الابتداء بلفظ الرد وعكسه وسيأتي مزيد لذلك في باب من رد فقال عليك السلام ان شاء الله تعالى قوله فقالوا السلام عليك ورحمة الله كذا للاكثر في البخاري هنا وكذا للجميع في بدء الخلق ولاحمد ومسلم من هذا الوجه من رواية عبد الرزاق ووقع هنا الكشميهني فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وعليها شرح الخطابي واستدل برواية الاكثر لمن يقول يجزئ في الرد أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به كما تقدم قيل ويكفي أيضا الرد بلفظ الافراد وسيأتي البحث في ذلك في باب من رد فقال عليك السلام قوله فزادوه ورحمة الله فيه مشروعة الزيادة في الرد على الابتداء وهو مستحب بالاتفاق لوقوع التحية في ذلك في قوله تعالى فحيوا بأحسن منها أو ردوها فلو زاد المبتدئ ورحمة الله استحب أن يزاد وبركاته فلو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الرد وكذا لو زاد المبتدئ على وبركاته هل يشرع له ذلك أخرج مالك في الموطأ عن بن عباس قال انتهى السلام إلى البركة وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن بأبيه قال جاء رجل إلى بن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال حسبك إلى وبركاته انتهى إلى وبركاته ومن طريق زهرة بن معبد قال قال عمر انتهى السلام إلى وبركاته ورجاله ثقات وجاء عن بن عمر الجواز فأخرج مالك أيضا في الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات وأخرج البخاري في الادب المفرد من طريق عمرو بن شعيب عن سالم مولى بن عمر قال كان بن عمر يزيد إذا رد السلام فأتيته مرة فقلت السلام عليكم فقال السلام عليكم ورحمة الله ثم أتيته فزدت وبركاته فرد وزاد وطيب صلواته ومن طريق زيد بن ثابت انه كتب إلى معاوية السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومغفرته وطيب صلواته ونقل بن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من قوله تعالى فحيوا بأحسن منها الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بسند قوي عن عمران بن حصين قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه وقال عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه وقال عشرون ثم جاء آخر فزاد وبركاته فرد وقال ثلاثون وأخرجه البخاري في الادب المفرد من حديث أبي هريرة وصححه بن حبان وقال ثلاثون حسنة وكذا فيما قبلها صرح بالمعدود وعند أبي نعيم في عمل يوم وليلة من حديث على أنه هو الذي وقع له مع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأخرج الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف رفعه من قال
[ 6 ]
السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن زاد وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة وأخرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه بسند ضعيف نحو حديث عمران وزاد في اخره ثم جاء آخر فزاد ومغفرته فقال أربعون وقال هكذا تكون الفضائل وأخرج بن السني في كتابه بسند واه من حديث أنس قال كان رجل يمر فيقول السلام عليك يا رسول الله فيقول له وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف أيضا من حديث زيد بن أرقم كنا إذا سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته وهذه الاحاديث الضعيفة إذا انضمت قوى ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته واتفق العلماء على أن الرد واجب على الكفاية وجاء عن أبي يوسف أنه قال يجب الرد على كل فرد فرد واحتج له بحديث الباب لان فيه فقالوا السلام عليك وتعقب بجواز أن يكون نسب إليهم والمتكلم به بعضهم واحتج له أيضا بالاتفاق على أن من سلم على جماعة فرد عليه واحد من غيرهم لا يجزئ عنهم وتعقب بظهور الفرق واحتج الجمهور بحديث علي رفعه يجزى عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزى عن الجلوس أن يرد أحدهم أخرجه أبو داود والبزار وفي سنده ضعف لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني وفي سنده مقال وآخر مرسل في الموطأ عن زيد بن أسلم واحتج بن بطال بالاتفاق على أن المبتدئ لا يشترط في حقه تكرير السلام بعدد من يسلم عليهم كما في حديث الباب من سلام آدم وفي غيره من الاحاديث قال فكذلك لا يجب الرد على كل فرد إذا سلم الواحد عليهم واحتج الماوردي بصحة الصلاة الواحدة على العدد من الجنائز وقال الحليمي انما كان الرد واجبا لان السلام معناه الامان فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه انتهى كلامه وسيأتي بيان معاني لفظ السلام في باب السلام اسم من أسماء الله تعالى ويؤخذ من كلامه موافقة القاضي حسين حيث قال لا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان سلم حين دخل ووافقه المتولي وخالفه المستظهري فقال السلام سنة عند الانصراف فيكون الجواب واجبا قال النووي هذا هو الصواب كذا قال قوله فكل من يدخل الجنة كذا للاكثر هنا وللجميع في بدء الخلق ووقع هنا لابي ذر فكل من يدخل يعني الجنة وكأن لفظ الجنة سقط من روايته فزاد فيه يعني قوله على صورة آدم تقدم شرح ذلك في بدء الخلق قال المهلب في هذا الحديث أن الملائكة يتكلمون بالعربية ويتحيون بتحية الاسلام قلت وفي الاول نظر لاحتمال أن يكون في الازل بغير اللسان العربي ثم لما حكى للعرب ترجم بلسانهم ومن المعلوم أن من ذكرت قصصهم في القرآن من غير العرب نقل كلامهم بالعربي فلم يتعين أنهم تكلموا بما نقل عنهم بالعربي بل الظاهر أن كلامهم ترجم بالعربي وفيه الامر بتعلم العلم من أهله والاخذ بنزول مع إمكان العلو والاكتفاء في الخير مع إمكان القطع بما دونه وفيه أن المدة التي بين آدم والبعثة المحمدية فوق ما نقل عن الاخباريين من أهل الكتاب وغيرهم بكثير وقد تقدم بيان ذلك ووجه الاحتجاج به في بدء الخلق قوله باب قول الله تعالى في رواية أبي ذر قوله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم إلى قوله تعالى وما تكتمون وساق في رواية
[ 7 ]
كريمة والاصيلي الآيات الثلاث والمراد بالاستئناس في قوله تعالى حتى تستأنسوا الاستئذان بتنحنح ونحوه عند الجمهور وأخرج الطبري من طريق مجاهد حتى تستأنسوا تنحنحوا أو تتنخموا ومن طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس يتكلم ويرفع صوته وأخرج بن أبي حاتم بسند ضعيف من حديث أبي أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت وأخرج الطبري من طريق قتادة قال الاستئناس هو الاستئذان ثلاثا فالاولى ليسمع والثانية ليتأهبوا له والثالثة ان شاءوا أذنوا له وان شاءوا ردوا والاستئناس في اللغة طلب الايناس وهو من الانس بالضم ضد الوحشة وقد تقدم في أواخر النكاح في حديث عمر الطويل في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وفيه فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم قال فجلس وقال البيهقي معنى تستأنسوا تستبصروا ليكون الدخول على بصيرة فلا يصادف حالة يكره صاحب المنزل أن يطلعوا عليها وأخرج من طريق الفراء قال الاستئناس في كلام العرب معناه انظروا من في الدار وعن الحليمي معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان وجاء عن بن عباس إنكار ذلك فاخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن بن عباس كان يقرأ حتى تستأذنوا ويقول أخطأ الكاتب وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ومن طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في مصحف بن مسعود حتى تستأذنوا وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة عن إبراهيم في مصحف عبد الله حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في احكام القرآن عن بن عباس واستشكله وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده وأجيب بان بن عباس بناها على قراءته التي تلقاها عن أبي بن كعب وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم الخروج عما يوافقه وكان قراءة أبي من الاحرف التي تركت القراءة بها كما تقدم تقريره في فضائل القرآن وقال البيهقي يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الاولى ثم نسخت تلاوته يعني ولم يطلع بن عباس على ذلك قوله وقال سعيد بن أبي الحسن هو البصري أخو الحسن قوله للحسن أي لاخيه قوله ان نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك عنهن يقول الله عزوجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم قال قتادة عما لا يحل لهم كذا وقع في رواية الكشميهني ووقع في رواية غيره بعد قوله اصرف بصرك وقول الله عزوجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الخ فعلى رواية الكشميهني يكون الحسن استدل بالآية وأورد المصنف أثر قتادة تفسيرا لها وعلى رواية الاكثر تكون ترجمة مستأنفة والنكتة في ذكرها في هذا الباب على الحالين للاشارة إلى ان أصل مشروعية الاستئذان للاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بغير إذن وأعظم ذلك النظر إلى النساء الاجنبيات وأثر قتادة عند بن أبي حاتم وصله من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عنه في قوله تعالى ويحفظوا فروجهم قال عما لا يحل لهم قوله وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن كذا للاكثر تخلل أثر قتادة بين الآيتين وسقط جميع ذلك من رواية النسفي فقال بعد قوله حتى تستأنسوا الآيتين وقول الله عزوجل قل للمؤمنين يغضوا من
[ 8 ]
أبصارهم الآية وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن قوله خائنة الاعين من النظر إلى ما نهى عنه كذا للاكثر بضم نون نهى على البناء للمجهول وفي رواية كريمة الى ما نهى الله عنه وسقط لفظ من رواية أبي ذر وعند بن أبي حاتم من طريق بن عباس في قوله تعالى يعلم خائنة الاعين قال هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غض بصره وقد علم الله تعالى أنه يود لو اطلع على فرجها وان قدر عليها لو زنى بها ومن طريق مجاهد وقتادة نحوه وكأنهم أرادوا أن هذا من جملة خائنة الاعين وقال الكرماني معنى يعلم خائنة الاعين ان الله يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل وأما خائنة الاعين التي ذكرت في الخصائص النبوية فهي الاشارة بالعين إلى أمر مباح لكن على خلاف ما يظهر منه بالقول قلت وكذا السكوت المشعر بالتقرير فإنه يقوم مقام القول وبيان ذلك في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الا أربعة نفر وامرأتين فذكر منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أن قال فأما عبد الله فاختبأ عند عثمان فجاء به حتى أوقفه فقال يا رسول الله بايعه فأعرض عنه ثم بايعه بعد الثلاث مرات ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عنه فيقتله فقالوا هلا أومأت قال انه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الاعين أخرجه الحاكم من هذا الوجه وأخرجه بن سعد في الطبقات من مرسل سعيد بن المسيب أخصر منه وزاد فيه وكان رجل من الانصار نذر ان رأى بن أبي سرح أن يقتله فذكر بقية الحديث نحو حديث بن عباس وأخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن يربوع وله طرق أخرى يشد بعضها بعضا قوله وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شئ منهن ممن يشتهى النظر إليه وان كانت صغيرة كذا الاكشر وفي رواية الكشميهني في النظر إلى ما لا يحل من النساء لا يصلح الخ وقال النظر اليهن وسقط هذا الاثر والذي بعده من رواية النسفي قوله وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يبعن بمكة الا أن يريد أن يشتري وصله بن أبي شيبة من طريق الاوزاعي قال سئل عطاء بن أبي رباح عن الجواري التي يبعن بمكة فكره النظر اليهن الا لمن يريد أن يشتري ووصله الفاكهي في كتاب مكة من وجهين عن الاوزاعي وزاد اللاتي يطاف بهن حول البيت قال الفاكهي زعموا أنهم كانوا يلبسون الجارية ويطوفون بها مسفرة حول البيت ليشهروا أمرها ويرغبوا الناس في شرائها ثم ذكر فيه حديثين مرفوعين الاول حديث بن عباس قوله أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل هو بن عباس وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال بن بطال في الحديث الامر بغض البصر خشية الفتنة ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع قال ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لاعجابه بهن بها فخشي الفتنة عليه قال وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والاعجاب وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ لو لزم ذلك جميع النساء لام النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل قال وفيه دلى على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا لاجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء وأن قوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم على الوجوب في غير الوجه قلت وفي
[ 9 ]
استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لانها كانت محرمة وقوله عجز راحلته بفتح العين المهملة وضم الجيم بعدها زاي أي مؤخرها وقوله وضيئا الحسن وجهه ونظافة صورته وقوله فأخلف يده أي أدارها من خلفه وقوله بذقن الفضل بفتح الذال المعجمة والقاف بعدها نون قال بن التين أخذ منه بعضهم أن الفضل كان حينئذ أمرد وليس بصحيح لان في الرواية الاخرى وكان الفضل رجلا وضيئا فإن قيل سماه رجلا باعتبار ما آل إليه أمره قلنا بل الظاهر أنه وصف حالته حينئذ ويقويه أن ذلك كان في حجة الوداع والفضل كان أكبر من أخيه عبد الله وقد كان عبد الله حينئذ راهق الاحتلام قلت وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أن يزوج الفضل لما سأله أن يستعمله على الصدقة ليصيب ما يتزوج به فهذا يدل على بلوغه قبل ذلك الوقت ولكن لا يلزم منه أن تكون نبتت لحيته كما لا يلزم من كونه لا لحية له أن يكون صبيا الحديث الثاني حديث أبي سعيد قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وأبو عامر هو العقدي وزهير هو بن محمد التميمي وزيد بن أسلم هو مولى بن عمر وهكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي عامر وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق أخرى عن أبي عامر كذلك وأخرجه أحمد وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر العقدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فكأن لابي عامر فيه شيخين وهو عند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن زهير به وأخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن زهير وقد مضى في المظالم من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم قوله إياكم هو للتحذير قوله والجلوس بالنصب وقوله بالطرقات في رواية الكشميهني في الطرقات وفي رواية حفص بن ميسرة على الطرقات وهي جمع الطرق بضمتين وطرق جمع طريق وفي حديث أبي طلحة عند مسلم كنا قعودا بالافنية جمع فناء بكسر الفاء ونون ومد وهو المكان المتسع أمام الدار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لكم ولمجالس الصعدات بضم الصاد والعين المهملتين جمع صعيد وهو المكان الواسع وتقدم بيانه في كتاب المظالم ومثله لابن حبان من حديث أبي هريرة زاد سعيد بن منصور من مرسل يحيى بن يعمر فانها سبيل من سبيل الشيطان أو النار قوله فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها قال عياض فيه دليل على أن أمره لهم لم يكن للوجوب وانما كان على طريق الترغيب والاولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة وقد يحتج به من لا يرى الاوامر على الوجوب قلت ويحتمل أن يكونوا رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من الحاجة إلى ذلك ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر نظن القوم أنها عزمة ووقع في حديث أبي طلحة فقالوا انما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتحدث ونتذاكر قوله فإذا أبيتم في رواية الكشميهني إذا أبيتم بحذف الفاء قوله الا المجلس كذا للجميع هنا بلفظ الا بالتشديد وتقدم في أواخر المظالم بلفظ فإذا أتيتم إلى المجالس بالمثناة بدل الموحدة في أتيتم وبتخفيف اللام من إلى وذكر عياض أنه للجميع هناك هكذا وقد بينت هناك أنه للكشميهني هناك كالذي هنا ووقع في حديث أبي طلحة إما لا بكسر الهمزة ولا نافية وهي ممالة في الرواية ويجوز ترك الامالة ومعناه إلا تتركوا ذلك فافعلوا كذا وقال بن الانباري افعل كذا إن كنت لا تفعل كذا ودخلت ما صلة وفي حديث عائشة عند الطبراني في الاوسط فان أبيتم إلا أن تفعلوا وفي مرسل يحيى بن يعمر فان كنتم لابد فاعلين قوله فأعطوا الطريق حقه في رواية
[ 10 ]
حفص بن ميسرة حقها والطريق يذكر ويؤنث وفي حديث أبي شريح عند أحمد فمن جلس منكم على الصعيد فليعطه حقه قوله قالوا وما حق الطريق في حديث أبي شريح قلنا يا رسول الله وما حقه قوله غض البصر وكف الاذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حديث أبي طلحة الاولى والثانية وزاد وحسن الكلام وفي حديث أبي هريرة الاولى والثالثة وزاد وإرشاد بن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد وفي حديث عمر عند أبي داود وكذا في مرسل يحيى بن يعمر من الزيادة وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال وهو عند البزار بلفظ وارشاد الضال وفي حديث البراء عند أحمد والترمذي اهدوا السبيل وأعينوا المظلوم وأفشوا السلام وفي حديث بن عباس عند البزار من الزيادة وأعينوا على الحمولة وفي حديث سهل بن حنيف عند الطبراني من الزيادة ذكر الله كثيرا وفي حديث وحشي بن حرب عند الطبراني من الزيادة واهدوا الاغبياء وأعينوا المظلوم ومجموع ما في هذه الاحاديث أربعة عشر أدبا وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي جمعت آداب من رام الجلوس على الطر يق من قول خير الخلق إنسانا افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث * لهفان أهد سبيلا وأهد حيرانا بالعرف مروانه عن نكر وكف أذى * وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بخظور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن ومن التعرض لحقوق الله وللمسلمين مما لا يلزم الانسان إذا كان في بيته وحيث لا ينفرد أو يشتغل بما يلزمه ومن رؤية المناكير وتعطيل المعارف فيجب على المسلم الامر والنهي عند ذلك فان ترك ذلك فقد تعرض للمعصية وكذا يتعرض لمن يمر عليه ويسلم عليه فإنه ربما كثر ذلك فيعجز عن الرد على كل مار ورده فرض فيأثم والمرء مأمور بأن لا يتعرض للفتن والزام نفسه ما لعله لا يقوى عليه فندبهم الشارع إلى ترك الجلوس حسما للمادة فلما ذكروا له ضرورتهم إلى ذلك لما فيه من المصالح من تعاهد بعضهم بعضا ومذاكرتهم في أمور الدين ومصالح الدنيا وترويح النفوس بالمحادثة في المباح دلهم على ما يزيل المفسدة من الامور المذكورة ولكل من الآداب المذكورة شواهد في أحاديث أخرى فأما إفشاء السلام فسيأتي في باب مفرد وأما إحسان الكلام فقال عياض فيه ندب إلى حسن معاملة المسلمين بعضهم لبعض فإن الجالس على الطريق يمر به العدد الكثير من الناس فربما سألوه عن بعض شأنهم ووجه طرقهم فيجب أن يتلقاهم بالجميل من الكلام ولا يتلقاهم بالضجر وخشونة اللفظ وهو من جملة كف الاذى قلت وله شواهد من حديث أبي شريح هانئ رفعه من موجبات الجنة إطعام الطعام وإفشاء السلام وحسن الكلام ومن حديث أبي مالك الاشعري رفعه في الجنة غرف لمن أطاب الكلام الحديث وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رفعه اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة وأما تشميت العاطس فمضى مبسوطا في أواخر كتاب الادب وأما رد السلام فسيأتي أيضا قريبا وأما المعاونة على الحمل فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رفعه كل سلامي من
[ 11 ]
الناس عليه صدقة الحديث وفيه ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها ويرفع له عليها متاعه صدقة وأما إعانة المظلوم فتقدم في حديث البراء قريبا وله شاهد آخر تقدم في كتاب المظالم وأما إغاثة الملهوف فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي موسى فيه ويعين ذا الحاجة الملهوف وفي حديث أبي ذر عند بن حبان وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث وأخرج المرهبي في العلم من حديث أنس رفعه في حديث والله يحب إغاثة اللهفان وسنده ضعيف جدا لكن له شاهد من حديث بن عباس أصلح منه والله يحب إغاثة اللهفان وأما إرشاد السبيل فروى الترمذي وصححه بن حبان من حديث أبي ذر مرفوعا وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة والبخاري في الادب المفرد والترمذي وصححه من حديث البراء رفعه من منح منيحة أو هدى زقاقا كان له عدل عتق نسمة وهدى بفتح الهاء وتشديد المهملة والزقاق بضم الزاي وتخفيف القاف وآخره قاف معروف والمراد من دل الذي لا يعرفه عليه إذا احتاج إلى دخوله وفي حديث أبي ذر عند بن حبان ويسمع الاصم ويهدي الاعمى ويدل المستدل على حاجته وأما هداية الحيران فله شاهد في الذي قبله وأما الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ففيهما أحاديث كثيرة منها في حديث أبي ذر المذكور قريبا وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة وأما كف الاذى فالمراد به كف الاذى عن المارة بأن لا يجلس حيث يضيق عليهم الطريق أو على باب منزل من يتأدى بجلوسه عليه أو حيث يكشف عياله أو ما يريد التستر به من حاله قاله عياض قال ويحتمل أن يكون المراد كف أذى الناس بعضهم عن بعض انتهى وقد وقع في الصحيح من حديث أبي ذر رفعه فكف عن الشر فإنها لك الصدقة وهو يؤيد الاول وأما غض البصر فهو المقصود من حديث الباب وأما كثرة ذكر الله ففيه عدة أحاديث يأتي بعضها في الدعوات قوله باب السلام اسم من أسماء الله تعالى هذه الترجمة لفظ بعض حديث مرفوع له طرق ليس منها شئ على شرط المصنف في الصحيح فاستعمله في الترجمة وأورد ما يؤدي معناه على شرطه وهو حديث التشهد لقوله فيه فإن الله هو السلام وكذا ثبت في القرآن في أسماء الله السلام المؤمن المهيمن ومعنى السلام السالم من النقائص وقيل المسلم لعباده وقيل المسلم على أوليائه وأما لفظ الترجمة فأخرجه في الادب المفرد من حديث أنس بسند حسن وزاد وضعه الله في الارض فأفشوه بينكم وأخرجه البزار والطبراني من حديث بن مسعود موقوفا ومرفوعا وطريق الموقوف أقوى وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة مرفوعا بسند ضعيف وألفاظهم سواء وأخرج البيهقي في الشعب عن بن عباس موقوفا السلام اسم الله وهو تحية أهل الجنة وشاهده حديث المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى توضأ وقال إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره ويحتمل أن يكون أراد ما في رد السلام من ذكر اسم الله صريحا في قوله ورحمة الله وقد اختلف في معنى السلام فنقل عياض أن معناه اسم الله أي كلاءة الله عليك وحفظه كما يقال الله معك ومصاحبك وقيل معناه أن الله مطلع عليك فيما تفعل وقيل معناه أن اسم الله يذكر على الاعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيها وانتفاء عوارض الفساد عنها وقيل معناه السلامة كما قال تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين وكما قال الشاعر
[ 12 ]
تحيي بالسلامة أم عمرو * وهل لي بعد قومي من سلام فكأن المسلم أعلم من سلم عليه أنه سالم منه وأن لا خوف عليه منه وقال بن دقيق العيد في شرح الالمام السلام يطلق بإزاء معان منها السلامة ومنها التحية ومنها أنه اسم من أسماء الله قال وقد يأتي بمعنى التحية محضا وقد يأتي بمعنى السلامة محضا وقد يأتي مترددا بين المعنيين كقوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم قوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها لم يقع في رواية أبي ذر أو ردوها ومناسبة ذكر هذه الآية في هذه الترجمة للاشارة إلى أن عموم الامر بالتحية مخصوص بلفظ السلام كما دلت عليه الاحاديث المشار إليها في الباب الاول واتفق العلماء على ذلك إلا ما حكاه بن التين عن بن خويز منداد عن مالك أن المراد بالتحية في لآية الهدية لكن حكى القرطبي عن بن خويز منداد أنه ذكره احتمالا وادعى أنه قول الحنفية فانهم احتجوا بذلك بأن السلام لا يمكن رده بعينه بخلاف الهدية فإن الذي يهدى له إن أمكنه أن يهدي أحسن منها فعل وإلا ردها بعينها وتعقب بأن المراد بالرد رد المثل لا رد العين وذلك سائغ كثير ونقل القرطبي أيضا عن بن القاسم وابن وهب عن مالك أن المراد بالتحية في الآية تشميت العاطس والرد على المشمت قال وليس في السياق دلالة على ذلك ولكن حكم التشميت والرد مأخوذ من حكم السلام والرد عند الجمهور ولعل هذا هو الذي نحا إليه مالك ثم ذكر حديث بن مسعود في التشهد وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة والغرض منه قوله فيه إن الله هو السلام وهو مطابق لما ترجم له واتفقوا على أن من سلم لم يجزئ في جوابه إلا السلام ولا يجزئ في جوابه صبحت بالخير أو بالسعادة ونحو ذلك واختلف فيمن أتى في التحية بغير لفظ السلام هل يجب جوابه أم لا وأقل ما يحصل به وجوب الرد أن يسمع المبتدئ وحينئذ يستحق الجواب ولا يكفي الرد بالاشارة بل ورد الزجر عنه وذلك فيما أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الاشارة بالاصبع وتسليم النصارى بالاكف قال الترمذي غريب قلت وفي سنده ضعف لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والاكف والاشارة قال النووي لا يرد على هذا حديث أسماء بنت يزيد مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والاشارة وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ فسلم علينا انتهى والنهي عن السلام بالاشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والاخرس وكذا السلام على الاصم ولو أتى بالسلام بغير اللفظ العربي هل يستحق الجواب فيه ثلاثة أقوال للعلماء ثالثها يجب لمن يحسن بالعربية وقال بن دقيق العيد الذي يظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك المستحب وليس بمكروه إلا إن قصد به العدول عن السلام إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل أكابر أهل الدنيا ويجب الرد على الفور فلو أخر ثم استدرك فرد لم يعد جوابا قاله القاضي حسين وجماعة وكأن محله إذا لم يكن عذر ويجب رد جواب السلام في الكتاب ومع الرسول ولو سلم الصبي على بالغ وجب عليه الرد ولو سلم على جماعة فيهم صبي فأجاب أجزأ عنهم في وجه قوله
[ 13 ]
باب تسليم القليل على الكثير هو أمر نسبي يشمل الواحد بالنسبة للاثنين فصاعدا والاثنين بالنسبة للثلاثة فصاعدا وما فوق ذلك قوله عبد الله هو بن المبارك قوله يسلم كذا للجميع بصيغة الخبر وهو بمعنى الامر وقد ورد صريحا في رواية عبد الرزاق عند معمر عن أحمد بلفظ ليسلم ويأتي شرحه فيما بعده قال الماوردي لو دخل شخص مجلسا فإن كان الجمع قليلا يعمهم سلام واحد فسلم كفاه فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس ويكفي أن يرد منهم واحد فإن زاد فلا بأس وان كانوا كثيرا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم وتتأدى سنة إسلام في حق جميع من يسمعه ويجب على من سمعه الرد على الكفاية وإذا جلس سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين وهل يستحب أن يسلم على من جلس عندهم ممن لم يسمعه وجهان أحدهما إن عاد فلا بأس والا فقد سقطت عنه سنة السلام لانهم جمع واحد وعلى هذا يسقط فرض الرد بفعل بعضهم والثاني ان سنة السلام باقية في حق من لم يبلغهم سلامه المتقدم فلا يسقط فرض الرد من الاوائل عن الاواخر عز وجلقوله باب يسلم الراكب على الماشي في رواية الكشميهني تسليم على وفق الترجمة التي قبلها قوله مخلد هو بن يزيد قوله زياد هو بن سعد الخراساني نزيل مكة وقد وقع في رواية الاسماعيلي هنا زياد بن سعد قوله أنه سمع ثابتا مولى بن يزيد في رواية غير أبي ذر عبد الرحمن بن زيد ووقع في رواية روح التي بعدها ان ثابتا أخبره وهو مولى عبد الرحمن بن زيد وزيد المذكور هو بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب ولذلك نسبوا ثابتا عدويا وحكى أبو علي الجياني أن في رواية الاصيلي عن الجرجاني عبد الرحمن بن يزيد بزيادة ياء في أوله وهو وهم وثابت هو بن الاحنف وقيل بن عياض بن الاحنف وقيل إن الاحنف لقب عياض وليس لثابت في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في المصراة من كتاب البيوع قوله يسلم الراكب على الماشي كذا ثبت في هذه الرواية ولم يذكر ذلك في رواية همام كما ذكر في رواية همام الصغير على الكبير ولم يذكر في هذه فكأن كلا منهما حفظ ما لم يحفظ الآخر وقد وافق هماما عطاء بن يسار كما سيأتي بعده واجتمع من ذلك أربعة أشياء وقد اجتمعت في رواية الحسن عن أبي هريرة عند الترمذي وقال روى من غير وجه عن أبي هريرة ثم حكى قول أيوب وغيره أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة قوله باب يسلم الماشي على القاعد ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر عن بن جريج وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة بعدها لام بزيادة أخرجه عبد الرزاق وأحمد بسند صحيح بلفظ يسلم الراكب على الراجل والراجل على الجالس والاقل على الاكثر فمن أجاب كان له ومن لم يجب فلا شئ له قوله باب يسلم الصغير على الكبير وقال إبراهيم هو بن طهمان وثبت كذلك في رواية أبي ذر وقد وصله البخاري في الادب المفرد قال حدثنا أحمد بن أبي عمرو حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان به سواء وأبو عمرو هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي قاضي نيسابور ووصله أيضا أبو نعيم من طريق عبد الله بن العباس والبيهقي من طريق أبي حامد بن الشرفي كلاهما عن أحمد بن حفص به وأما قول الكرماني عبر البخاري بقوله وقال إبراهيم لانه سمع منه في مقام المذاكرة فغلط عجيب فان البخاري لم يدرك إبراهيم بن طهمان فضلا عن أن يسمع منه فإنه مات قبل مولد
[ 14 ]
البخاري بست وعشرين سنة وقد ظهر بروايته في الادب أن بينهما في هذا الحديث رجلين قوله والمار على القاعد هو كذا في رواية همام وهو أشمل من رواية ثابت التي قبلها بلفظ الماشي لانه أعم من أن يكون المار ماشيا أو راكبا وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد عند البخاري في الادب المفرد والترمذي وصححه والنسائي وصحيح بن حبان بلفظ يسلم الفارس على الماشي والماشي على القائم وإذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور وتبقى صورة لم تقع منصوصة وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان وقد تكلم عليها المازري فقال يبدأ الادنى منهما الاعلى قدرا في الدين إجلالا لفضله لان فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحس من مركوب الآخر كالجمل والفرس فيبدأ راكب الفرس أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرا في الدين فيبتدؤه الذي دونه هذا الثاني أظهر كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام كما تقدم في حديث المتهاجرين في أبواب الادب وأخرج البخاري في الادب المفرد بسند صحيح من حديث جابر قال الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل ذكره عقب رواية بن جريج عن زياد بن سعد عن ثابت عن أبي هريرة بسنده المذكور عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر وصرح فيه بالسماع وأخرج أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما والبزار من وجه آخر عن بن جريج الحديث بتمامه مرفوعا بالزيادة وأخرج الطبراني بسند صحيح عن الاغر المزني قال لي أبو بكر لا يسبقك أحد إلى السلام والترمذي من حديث أبي أمامة رفعه أن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام وقال حسن وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قلنا يا رسول الله إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام قال أطوعكم لله قوله والقليل على الكثير تقدم تقريره لكن لو عكس الامر فمر جمع كثير على جمع قليل وكذا لو مر الصغير على الكبير لم أر فيهما نصا واعتبر النووي المرور فقال الوارد يبدأ سواء كان صغيرا أم كبيرا قليلا أم كثيرا ويوافقه قول المهلب إن المار في حكم الداخل وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض لانه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لاجله ولخرج به عن العرف قلت ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الادب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال كنت أغدو مع بن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع قال إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا لان مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والاثر المذكور ظاهر في أنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقال بن بطال عن المهلب تسليم الصغير لاجل حق الكبير لانه أمر بتوقيره والتواضع له وتسليم القليل لاجل حق الكثير لان حقهم أعظم وتسليم المار لشهة بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال بن العربي حاصل ما في هذا الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل وقال المازري أما أمر الراكب فلان له مزية على الماشي فعوض الماشي
[ 15 ]
بأن يبدأه الراكب بالسلام احتياطا عل الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكبا فإذا ابتدأه بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه أو لان في التصرف في الحاجات إمتهانا فصار للقاعد مزية فأمر بالابتداء أو لان القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لان الجماعة لو ابتدأوا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم وكأنه لمراعاة السن لانه معتبر في أمور كثيرة في الشرع فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الاصغر أعلم مثلا فبه نظر ولم أر فيه نقلا والذي يظهر إعتبار السن بأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز ونقل بن دقيق العيد عن بن رشد أن محل الامر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما راكبا والاخر ماشيا بدأ الراكب وان كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير وقال المازري وغيره هذه المناسبات لا يعترض عليها بجزيئات تخالفها لانها لم تنصب نصب العلل الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها حتى لو ابتدأ الماشي فسلم على الراكب لم يمتنع لانه ممتثل للامر بإظهار السلام وإفشائه غير أن مراعاة ما ثبت في الحديث أولى وهو خبر بمعنى الامر على سبيل الاستحباب ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة بل يكون خلاف الاولى فلو ترك المأمور بالابتداء فبدأه الآخر كان المأمور تاركا للمستحب والآخر فاعلا للسنة إلا إن بادر فيكون تاركا للمستحب أيضا وقال المتولي لو خالف الراكب أو الماشي ما دل عليه الخبر كره قال والوارد يبدأ بكل حال وقال الكرماني لو جاء أن الكبير يبدأ الصغير والكثير يبدأ القليل لكان مناسبا لان الغالب أن الصغير يخاف من الكبير والقليل من الكثير فإذا بدأ الكبير والكثير أمن منه الصغير والقليل لكن لما كان من شأن المسلمين أن يؤمن بعضهم بعضا اعتبر جانب التواضع كما تقدم وحيث لا يظهر رجحان أحد الطرفين باستحقاقه التواضع له اعتبر الاعلام بالسلامة والدعاء له رجوعا إلى ما هو الاصل فلو كان المشاة كثيرا والقعود قليلا تعارضا ويكون الحكم حكم اثنين تلاقيا معا فأيهما بدأ فهو أفضل ويحتمل ترجيح جانب الماشي كما تقدم والله أعلم قوله باب إفشاء السلام كذا للنسفي وأبي الوقت وسقط لفظ باب الباقين والافشاء الاظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته وأخرج البخاري في الادب المفرد بسند صحيح عن بن عمر إذا سلمت فاسمع فإنها تحية من عند الله قال النووي أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر ويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه إيقاظ ونيام فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ونقل النووي عن المتولي أنه قال يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام لان القصد بمشروعية السلام تحصيل الالفة وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام قوله جرير هو بن عبد الحميد والشيباني هو أبو إسحاق وأشعث هو بن أبي الشعثاء بمعجمه ثم مهملة ثم مثلثة فيه وفي أبيه واسم أبيه سليم بن أسود قوله عن معاوية بن قرة كذا للاكثر وخالفهم جعفر بن عوف فقال عن الشيباني عن أشعث عن سويد بن غفلة عن البراء وهي رواية شاذة أخرجها الاسماعيلي
[ 16 ]
قوله أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض الحديث تقدم في اللباس أنه ذكر في عدة مواضع لم يسقه بتمامه في أكثرها وهذا الموضع مما ذكر فيه سبعا مأمورات وسبعا منهيات والمراد منه هنا إفشاء السلام وتقدم شرح عيادة المريض في الطب واتباع الجنائز فيه وعون المظلوم في كتاب المظالم وتشميت العاطس في أواخر الادب وسيأتي إبرار القسم في كتاب الايمان والنذور وسبق شرح المناهي في الاشربة وفي اللباس وأما نصر الضعيف المذكور هنا فسبق حكمه في كتاب المظالم ولم يقع في أكثر الروايات في حديث البراء هذا وانما وقع بدله إجابة الداعي وقد تقدم شرحه في كتاب الوليمة من كتاب النكاح قال الكرماني نصر الضعيف من جملة إجابة الداعي لانه قد يكون ضعيفا واجابته نصره أو أن لا مفهوم للعدد المذكور وهو السبع فتكون المأمورات ثمانية كذا قال والذي يظهر لي أن إجابة الداعي سقطت من هذه الرواية وأن نصر الضعيف المراد به عون المظلوم الذي ذكر في غير هذه الطريق ويؤيد هذا الاحتمال أن البخاري حذف بعض المأمورات من غالب المواضع التي أورد الحديث فيها اختصارا قوله وافشاء السلام تقدم في الجنائز بلفظ ورد السلام ولا مغايرة في المعنى لان ابتداء السلام ورده متلازمان وافشاء السلام ابتداء يستلزم افشاءه جوابا وقد جاء افشاء السلام من حديث البراء بلفظ آخر وهو عند المصنف في الادب المفرد وصححه بن حبان من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عنه رفعه أفشوا السلام تسلموا وله شاهد من حديث أبي الدرداء مثله عند الطبراني ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ألا أدلكم على ما تحابون به أفشوا السلام بينكم قال بن العربي فيه أن من فوائد افشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الاقبال على قائلها وعن عبد الله بن سلام رفعه أطعموا الطعام وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنة بسلام أخرجه البخاري في الادب المفرد وصححه الترمذي والحاكم وللاولين وصححه بن حبان من حديث عبد الله بن عمرو رفعه اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنان والاحاديث في إفشاء السلام كثيرة منها عند البزار من حديث الزبير وعند أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وعند الطبراني من حديث بن مسعود وأبي موسى وغيرهم ومن الاحاديث في إفشاء السلام ما أخرجه النسائي عن أبي هريرة رفعه إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الاولى أحق من الآخرة وأخرج بن أبي شيبة من طريق مجاهد عن بن عمر قال إن كنت لاخرج إلى السوق ومالي حاجة إلا أن أسلم ويسلم علي وأخرج البخاري في الادب المفرد من طريق الطفيل بن أبي بن كعب عن بن عمر نحوه لكن ليس فيها شئ على شرط البخاري فاكتفى بما ذكره من حديث البراء واستدل بالامر بافشاء السلام على أنه لا يكفي السلام سرا فل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في الابتداء وفي الجواب ولا تكفي الاشارة باليد ونحوه وقد أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا تسلى اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والاكف ويستثنى من ذلك حالة الصلاة فقد وردت أحاديث جيدة أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي إشارة منها حديث أبي سعيد أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه إشارة ومن حديث بن مسعود نحوه وكذا من كان بعيدا بحيث
[ 17 ]
لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام وأخرج بن أبي شيبة عن عطاء قال يكره السلام باليد ولا يكره بالرأس وقال بن دقيق العيد استدل بالامر بافشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما في ذلك من الحرج والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل يجب على واحد دون الباقين ولا يجب السلام على واحد دون الباقين قال وإذا سقط على هذه السورة لم يسقط الاستحباب لان العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى وهذا البحث ظاهر في حق من قال أن ابتداء السلام فرض عين وأما من قال فرض كفاية فلا يرد عليه إذا قلنا أن فرض الكفاية ليس واجبا على واحد بعينه قال ويستثنى من الاستحباب من ورد الامر بترك ابتدائه بالسلام كالكافر قلت ويدل عليه قوله في الحديث المذكور قبل إذا فعلتموه تحاببتم والمسلم مأمور بمعاداة الكافر فلا يشرع له فعل ما يستدعي محبته ومواددته وسيأتي البحث في ذلك في باب التسليم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين وقد اختلف أيضا في مشروعية السلام على الفاسق وعلى الصبي وفي سلام الرجل على المرأة وعكسه وإذا جمع المجلس كافرا ومسلما هل يشرع السلام مراعاة لحق المسلم أو يسقط من أجل الكافر وقد ترجم المصنف لذلك كله وقال النووي يستثنى من العموم بابتداء السلام من كان مشتغلا بأكل أو شرب أو جماع أو كان في الخلاء أو الحمام أو نائما أو ناعسا أو مصليا أو مؤذنا ما دام متلبسا بشئ مما ذكر فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلا شرع السلام عليه ويشرع في حق المتبايعين وسائر المعاملات واحتج له بن دقيق العيد بأن الناس غالبا يكونون في أشغالهم فلو روعى ذلك لم يحصل امتثال الافشاء وقال بن دقيق العيد احتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان وليس موضع التحية لاشتغال من فيه بالتنظيف قال وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة بل يدل على عدم الاستحباب قلت وقد تقدم في كتاب الطهارة من البخاري أن كان عليهم إزار فيسلم وإلا فلا وتقدم البحث فيه هناك وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم هاني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت عليه الحديث قال النووي وأما السلام حال الخطبة في الجمعة فيكره للامر بالانصات فلو سلم لم يجب الرد عند من قال الانصات واجب ويجب عند من قال أنه سنة وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد وأما المشتغل بقراءة القرآن فقال الواحدي الاولى ترك السلام عليه فإن سلم عليه كفاه الرد بالاشارة وإن رد لفظا استأنف الاستعاذة وقرأ قال النووي وفيه نظر والظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه الرد ثم قال وأما من كان مشتغلا بالدعاء مستغرقا فيه مستجمع القلب فيحتمل أن يقال هو كالقارئ والاظهر عندي أنه يكره السلام عليه لانه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الاكل وأما الملبي في الاحرام فيكره أن يسلم عليه لان قطعه التلبيه مكروه ويجب عليه الرد مع ذلك لفظا أن لو سلم عليه قال ولو تبرع واحد من هؤلاء برد السلام ان كان مشتغلا بالبول ونحوه فيكره وان كان آكلا ونحوه فيستحب في الموضع الذي لا يجب وان كان مصليا لم يجز أن يقول بلفظ المخاطبة كعليك السلام أو عليك فقط فلو فعل بطلت أن علم التحريم لا إن جهل في الاصح فلو أتى بضمير الغيبة لم تبطل ويستحب أن يرد بالاشارة وإن رد بعد فراغ الصلاة لفظا
[ 18 ]
فهو أحب وإن كان مؤذنا أو ملبيا لم يكره له الرد لفظا لانه قدر يسير لا يبطل الموالاة وقد تعقب والدي رحمه الله في نكته على الاذكار ما قاله الشيخ في القارئ لكونه يأتي في حقه نظير ما أبداه هو في الداعي لان القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون مهتما بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعا والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعا فالوساوس مسلطة عليه ولو فرض أنه يوفق للحالة العلية فهو على ندور أنتهي ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره الشيخ من تنكد الداعي يأتي نظيره في القارئ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا رد السلام بالخطاب ليس متفقا عليه فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل لانه لا يريد حقيقة الخطاب بل الدعاء وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد فرد بعد الفراغ كان مستحبا وذكر بعض الحنفية أن من جلس في المسجد للقراءة أو التسبيح أو لانتظاره الصلاة لا يشرع السلام عليهم وإن سلم عليهم لم يجب الجواب قال وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد وكذلك الاستاذ إذا سلم عليه تلميذه لا يجب الرد عليه كذا قال وهذا الاخير لا يوافق عليه ويدخل في عموم إفشاء السلام السلام على النفس لمن دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم الآية وأخرج البخاري في الادب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن عن بن عمر فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وأخرج الطبري عن بن عباس ومن طريق كل من علقمة وعطاء ومجاهد نحوه ويدخل فيه من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه فإنه يشرع له السلام ولا يتركه لهذا الظن لانه قد يخطئ قال النووي وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سببا لتأثيم الآخر فهو غباوة لان المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا ولو أعلمنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات قال وينبغي لمن وقع له ذلك أن يقول له بعبارة لطيفة رد السلام واجب فينبغي أن ترد ليسقط عنك الفرض وينبغي إذا تمادى على الترك أن يحلله من ذلك لانه حق آدمي ورجح بن دقيق العيد في شرح الالمام المقالة التي زيفها النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه ولا سيما وامتثال الافشاء قد حصل مع غيره قوله باب السلام للمعرفة وغير المعرفة أي من يعرفه المسلم ومن لا يعرفه أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه وصدر الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في الادب المفرد بسند صحيح عن بن مسعود أنه مر برجل فقال السلام عليك يا أبا عبد الرحمن فرد عليه ثم قال إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشعب من وجه آخر عن بن مسعود مرفوعا ولفظه أن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ولفظ الطحاوي ان من أشراط الساعة السلام للمعرفة ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عبد الله بن عمرو قوله حدثني يزيد هو بن أبي حبيب كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الايمان قوله عن أبي الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة والاسناد كله مصريون وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الايمان قال النووي معنى قوله على من عرفت ومن لم تعرف تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وافشاء السلام الذي هو شعار هذه الامة قلت وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على
[ 19 ]
من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه قال وهذا العموم مخصوص بالمسلم فلا يبتدئ السلام على كافر قلت قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام ولا حجة فيه لان الاصل مشروعية السلام للمسلم فيحمل قوله من عرفت عليه وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه بل ان عرف أنه مسلم فذاك وإلا فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر وقال بن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم أخوة فلا يستوحش أحد من أحد وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه وأورد الطحاوي في المشكل حديث أبي ذر في قصة إسلامه وفيه فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى هو وصاحبه فكنت أول من حياه بتحية الاسلام قال الطحاوي وهذا لا ينافي حديث بن مسعود في ذم السلام للمعرفة لاحتمال أن يكون أبو ذر سلم على أبي بكر قبل ذلك أو لان حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم دون أبي بكر قلت والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام وقد ساق مسلم قصة إسلام أبي ذر بطولها ولفظه وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى صلاته قال أبو ذر فكنت أول من حياه بتحية السلام فقال وعليك ورحمة الله الحديث وفي لفظ قال وصلى ركعتين خلف المقام فأتيته فإني لاول الناس حياه بتحية الاسلام فقال وعليك السلام من أنت وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو بكر توجه بعد الطواف إلى منزله ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فدخل عليه أبو ذر وهو وحده ويؤيده ما أخرجه مسلم وقد تقدم للبخاري أيضا في المبعث من وجه آخر عن أبي ذر في قصة إسلامه أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه ويكره أن يسأل عنه فرآه علي فعرفه أنه غريب فاستتبعه حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم الحديث الثاني حديث أبي أيوب لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه الحديث تقدم شرحه في كتاب الادب مستوفى وهو متعلق بالركن الاول من الترجمة قوله باب آية الحجاب أي الآية التي نزلت في أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب من الرجال وقد ذكر فيه حديث أنس من وجهين عنه وتقد شرحه مستوفى في سورة الاحزاب وقوله في آخره فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية كذا اتفق عليه الرواة عن معتمر بن سليمان وخالفهم عمرو بن علي الفلاس عن معتمر فقال فأنزلت لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا أخرجه الاسماعيلي وأشار إلى شذوذه فقال جاء بآية غير الآية التي ذكرها الجماعة قوله في أول الطريق الاول عن بن شهاب أخبرني أنس بن مالك أنه قال كان قال الكرماني فيه التفات أو تجريد وقوله خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا حياته أي بقية حياته إلى أن مات وقوله وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب أي بسبب نزوله وإطلاق مثل ذلك جائز للاعلام لا للاعجاب وقوله وقد كا أبي بن كعب يسألني عنه فيه إشارة إلى إختصاصه بمعرفته لان أبي بن كعب أكبر منه علما وسنا وقدرا وقوله رضي الله تعالى عنها في الطريق الاخرى معتمر هو بن سليمان التيمي وقوله قال أبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة مخففا والقائل هو معتمر ووقع في الرواية المتقدمة في سورة الاحزاب سمعت أبي قوله حدثنا أبو مجلز عن أنس قد تقدم في باب الحمد للعاطس لسليمان التيمي حديث عن أنس بلا واسطة وقد سمع
[ 20 ]
من أنس عدة أحاديث وروى عن أصحابه عنه عدة أحاديث وفيه دلالة على أنه لم يدلس قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله فيه أي في حديث أنس هذا قوله من الفقه أنه لم يستأذنهم حين قام وخرج وفيه أنه تهيأ للقيام وهو يريد أن يقوموا ثبت هذا كله للمستملي وحده هنا وسقط للباقين وهو أولى فإنه أفرد لذلك ترجمة كما سيأتي بعد اثنين وعشرين بابا قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد الزهري قوله عن صالح هو بن كيسان وقد سمع إبراهيم بن سعد الكثير من بن شهاب ربما أدخل بينه وبينه واسطة كهذا قوله كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحجب نساءك تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة وقوله في آخره قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله عزوجل الحجاب ويجمع بينه وبين حديث أنس في نزول الحجاب بسبب قصة زينب أن عمر حرص على ذلك حتى قال لسودة ما قال فاتفقت القصة للذين قعدوا في البيت في زواج زينب فنزلت الآية فكان كل من الامرين سبب لنزولها وقد تقدم تقرير ذلك بزيادة فيه في تفسير سورة الاحزاب وقد سبق إلى الجمع بذلك القرطبي فقال يحمل على أن عمر تكرر منه هذا القول قبل الحجاب وبعده ويحتمل أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى قال والاول أولى فإن عمر قامت عنده أنفة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يحجبهن فلما نزل الحجاب كان قصده أن لا يخرجن أصلا فكان في ذلك مشقة فأذن لهن أن يخرجن لحاجتهن التي لا بد منها قال عياض خص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين واختلف في ندبه في حق غيرهن قالوا فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها قال ولا يجوز إبراز أشخاصهن وإن كن مستترات إلا فيما دعت الضرورة إليه من الخروج إلى البراز وقد كن إذا حدثني جلسن الناس من وراء الحجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن انتهى وفي دعوة وجوب حجب أشخاصهن مطلقا إلا في حاجة البراز نظر فقد كن يسافرن للحج وغيره ومن ضرورة ذلك الطواف والسعي وفيه بروز أشخاصهن بل وفي حالة الركوب والنزول لا بد من ذلك وكذا في خروجهن إلى المسجد النبوي وغيره تنبيه حكى بن التين عن الداودي أن قصة سودة هذه لا تدخل في باب الحجاب وإنما هي في لباس الجلابيب وتعقب بأن إرخاء الجلابيب هو الستر عن نظر الغير إليهن وهو من جملة الحجاب قوله باب الاستئذان من أجل البصر أي شرع من أجله بأن المستأذن لو دخل بغير اذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه وقد ورد التصريح بذلك فيما أخرجه البخاري في الادب المفرد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ثوبان رفعه لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن فان فعل فقد دخل أي صار في حكم الداخل وللاولين من حديث أبي هريرة بسند حسن رفعه إذا دخل البصر فلا اذن وأخرج البخاري أيضا عن عمر من قوله من ملا عينه من قاع بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق قوله سفيان قال الزهري كانت عادة سفيان وليس في ذلك تصريح بأنه سمعه من الزهري لكن قد أخرج كثيرا حذف الصيغة فيقول فلان عن فلان لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا عن وقوله حفظته كما أنك ههنا هو قول سفيان مسلم والترمذي الحديث المذكور من طرق عن سفيان فقالوا عن الزهري ورواه الحميدي وابن أبي عمر في مسنديهما عن سفيان فقالا حدثنا
[ 21 ]
الزهري أخرجه أبو نعيم من طريق الحميدي والاسماعيلي من طريق بن أبي عمر وقوله كما أنك ههنا أي حفظته حفظا كالمحسوس لا شك فيه قوله عن سهل في رواية الحميدي سمعت سهل بن سعد ويأتي في الديات من رواية الليث عن الزهري أن سهلا أخبره وقد تقدم بعض هذا في كتاب اللباس ووعدت بشرحه في الديات وقوله في هذه الرواية من حجر في حجر الاول بضم الجيم وسكون المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط وأصلها مكامن الوحش والثاني بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة وهي ناحية البيت ووقع في رواية الكشميهني حجرة بالافراد وقوله مدري يحك به في رواية الكشميهني بها والمدرى تذكر وتؤنث وقوله لو أعلم أنك تنتظر كذا للاكثر بوزن تفتعل والكشميهني تنظر وقوله من أجل البصر وقع فيه عند أبي داود بسبب آخر من حديث سعد كذا عنده مبهم وهو عند الطبراني عن سعد بن عبادة جاء رجل فقام على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن مستقبل الباب فقال له هكذا عنك فانما الاستئذان من أجل النظر وأخرج أبو داود بسند قوي من حديث بن عباس كان الناس ليس لبيوتهم ستور فأمرهم الله بالاستئذان ثم جاء الله بالخير فلم أر أحدا يعمل بذلك قال بن عبد البر أظنهم اكتفوا بقرع الباب وله من حديث عبد الله بن بسر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الايمن أو الايسر وذلك ان الدور لم يكن عليها ستور وقوله في حديث أنس بمشقص أو مشاقص بشين معجمة وقاف وصاد مهملة وهو شك من الراوي هل قاله شيخه بالافراد أو بالجمع والمشقص بكسر أوله وسكون ثانية وفتح ثالثة نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض وقوله يختل بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطعنه وهو غافل وسيأتي حكم من أصيبت عينه أو غيرها بسبب ذلك في كتاب الديات وهو مخصوص بمن تعمد النظر وأما من وقع ذلك منه عن غير قصد فلا حرج عليه ففي صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك وقال لعلي لا تتبع النظرة النظرة فان لك الاولى وليست لك الثانية واستدل بقوله من أجل البصر على مشروعية القياس والعلل فإنه دل على أن التحريم والتحليل يتعلق بأشياء متى وجدت في شئ وجب الحكم عليه فمن أوجب الاستئذان بهذا الحديث وأعرض عن المعنى الذي لاجله شرع لم يعمل بمقتضى الحديث واستدل به على أن المرء لا يحتاج في دخول منزله إلى الاستئذان لفقد العلة التي شرع لاجلها الاستئذان نعم لو احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إليه شرع له ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة وقد أخرج البخاري في الادب المفرد عن نافع كان بن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه الا بإذن ومن طريق علقمة جاء رجل إلى بن مسعود فقال أستأذن على أمي فقال ما على كل أحيانها تريد أن تراها ومن طريق مسلم بن نذير بالنون مصغر سأل رجل حذيفة أستأذن على أمي قال ان لم تستأذن عليها رأيت ما تكره ومن طريق موسى بن طلحة دخلت مع أبي على أمي فدخل واتبعته فدفع في صدري وقال تدخل بغير إذن ومن طريق عطاء سألت بن عباس أستأذن على أختي قال نعم قلت انها في حجري قال أتحب ان تراها عريانة وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة وذكر الاصوليون هذا الحديث مثالا للتنصيص على العلة التي هي أحد أركان القياس قوله باب زنا الجوارح دون الفرج أي ان الزنا لا يختص إطلاقه بالفرج بل يطلق على
[ 22 ]
ما دون الفرج من نظر وغيره وفيه إشارة إلى حكمة النهى عن رؤية ما في البيت بغير استئذان لتظهر مناسبته الذي قبله قوله عن بن طاوس هو عبد الله وفي مسند الحميدي عن سفيان حدثنا عبد الله بن طاوس وأخرجه أبو نعيم من طريقه قوله لم أر شيئا أشبه باللمم من قول أبي هريرة هكذا اقتصر البخاري على هذا القدر من طريق سفيان ثم عطف عليه رواية معمر عن بن طاوس فساقه مرفوعا بتمامه وكذا صنع الاسماعيلي فأخرجه من طريق بن أبي عمر عن سفيان ثم عطف عليه رواية معمر وهذا يوهم أن سياقهما سواء وليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من رواية بشر بن موسى عن الحميدي ولفظه سئل بن عباس عن اللمم فقال لم أر شيئا أشبه به من قول أبي هريرة كتب على بن آدم حظه من الزنا وساق الحديث موقوفا فعرف من هذا أن رواية سفيان موقوفة ورواية معمر مرفوعة ومحمود شيخه فيه هو بن غيلان وقد أفرده عنه في كتاب القدر وعلقه فيه لورقاء عن بن طاوس فلم يذكر فيه بن عباس بين طاوس وأبي هريرة فكأن طاوسا سمعه من أبي هريرة بعد ذكر بن عباس له ذلك وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب القدر ان شاء الله تعالى قال بن بطال سمى النظر والنطق زنا لانه يدعو إلى الزنا الحقيقي ولذلك قال والفرج يصدق ذلك ويكذبه قال بن بطال استدل أشهب بقوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه على أن القاذف إذا قال زنت يدك لا يحد وخالفه بن القاسم فقال يحد وهو قول للشافعي وخالفه بعض أصحابه واحتج للشافعي فيما ذكر الخطابي بأن الافعال تضاف للايدي لقوله تعالى فبما كسبت أيديكم وقوله بما قدمت يداك وليس المراد في الآيتين جناية الايدي فقط بل جميع الجنايات انفاقا فكأنه إذا قال زنت يدك وصف ذاته بالزنا لان الزنا لا يتبعض اه وفي التعليل الاخير نظر والمشهور عند الشافعية أنه ليس صريحا قوله باب التسليم والاستئذان ثلاثا أي سواء اجتمعا أو انفردا وحديث أنس شاهد للاول وحديث أبي موسى شاهد للثاني وقد ورد في بعض طرقه الجمع بينهما واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أو لا فقال المازري صورة الاستئذان أن يقول السلام عليكم أأدخل ثم هو بالخيار أن يسمي نفسه أو يقتصر على التسليم كذا قال وسيأتي ما يعكر عليه في باب إذا قال من ذا فقال أنا قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وعبد الله بن المثنى أي بن عبد الله بن أنس تقدم القول فيه في باب من أعاد الحديث ثلاثا في كتاب العلم وقدم هنا السلام على الكلام وهناك بالعكس وتقدم شرحه وقول الاسماعيلي أن السلام انما يشرع التكرار إذا اقترن بالاستئذان والتعقب عليه وأن السلام وحده قد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيرا ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب وبهذا جزم النووي في معنى حديث أنس وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الاعاده فيعيد مرة ثانية وثالثة ولا يزيد على الثالثة وقال بن بطال هذه الصيغة تقتضي العموم ولكن المراد الخصوص وهو غالب أحواله كذا قال وقد تقدم من كلام الكرماني مثله وفيه نظر وكان بمجردها لا تقتضي مداومة ولا تكثيرا لكن ذكر الفعل المضارع بعدها يشعر بالتكرار واختلف فيمن سلم ثلاثا فظن أنه لم يسمع فعن مالك له أن يزيد حتى يتحقق وذهب الجمهور وبعض المالكية إلى أنه لا يزيد اتباعا لظاهر الخبر وقال المازري اختلفوا فيما إذا ظن أنه لم يسمع هل يزيد على الثلاث فقيل لا وقيل نعم وقيل إذا كان الاستئذان بلفظ السلام لم يزد وان كان بغير لفظ السلام زاد الحديث
[ 23 ]
الثاني قوله حدثنا يزيد بن خصيفة بخاء معجمة وصاد مهملة وفاء مصغر ووقع لمسلم عن عمرو الناقد حدثنا سفيان حدثني والله يزيد بن خصيفة وشيخه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة وقد صرح بسماعه من أبي سعيد في الرواية الثانية المعلقة قوله كنت في مجلس من مجالس الانصار في رواية مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بسنده هذا إلى أبي سعيد قال كنت جالسا بالمدينة وفي رواية الحميدي عن سفيان اني لفي حلقة فيها أبي بن كعب أخرجه الاسماعيلي قوله إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور في رواية عمرو الناقد فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا وزاد قلنا ما شأنك فقال ان عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه قوله فقال استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت في رواية مسلم فسلمت على بابه ثلاثا فلم يردوا علي فرجعت وتقدم في البيوع من طريق عبيد بن عمير ان أبا موسى الاشعري استأذن على عمر بن الخطاب فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولا فرجع أبو موسى ففزع عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له قيل انه رجع وفي رواية بكير بن الاشج عن بسر عند مسلم استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت وله من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد ان أبا موسى أتى باب عمر فاستأذن فقال عمر واحدة ثم استأذن فقال عمر ثنتان ثم استأذن فقال عمر ثلاث ثم انصرف فاتبعه فرده وله من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة جاء أبو موسى إلى عمر فقال السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس فلم يأذن له فقال السلام عليكم هذا أبو موسى السلام عليكم هذا الاشعري ثم انصرف فقال ردوه علي وظاهر هذين السياقين التغاير فان الاول يقتضي انه لم يرجع إلى عمر الا في اليوم الثاني وفي الثاني أنه أرسل إليه في الحال وقد وقع في رواية لمالك في الموطأ فأرسل في اثره ويجمع بينهما بان عمر لما فرغ من الشغل الذي كان فيه تذكره فسأل عنه فأخبر برجوعه فأرسل إليه فلم يجده الرسول في ذلك الوقت وجاء هو إلى عمر في اليوم الثاني قوله فقال ما منعك قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي في رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى عند البخاري في الادب المفرد فقال يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي اعلم ان الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك فقلت بل استأذنت الخ وفي هذه الزيادة دلالة على ان عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال امرته وقد كان عمر استخلفه على الكوفة مع ما كان عمر فيه من الشغل قوله إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع وقع في رواية عبيد بن عمير كنا نؤمر بذلك وفي رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى فقال عمر ممن سمعت هذا قلت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي نضرة ان هذا شئ حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال والله لتقيمن عليه بينة زاد مسلم والا أوجعتك وفي رواية بكير بن الاشج فوالله لاوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا وفي رواية عبيد بن عمير لتأتيني على ذلك بالبينة وفي رواية أبي نضرة والا جعلتك عظة قوله أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبيد بن عمير فانطلق إلى مجلس الانصار فسألهم وفي رواية أبي نضرة فقال ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاستئذان ثلاث قال فجعلوا يضحكون فقلت أتاكم أخوكم وقد أفزع فتضحكون قوله فقال
[ 24 ]
أبي هو بن كعب وهو في رواية مسلم كذلك قوله لا يقوم معي إلا أصغر القوم في رواية بكير بن الاشج فوالله لا يقوم معك الا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد قوله فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في رواية مسلم فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت وفي رواية أبي نضرة فقال أبو سعيد انطلق وأنا شريكك في هذه العقوبة وفي رواية بكير بن الاشج فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا واتفق الرواة على أن الذي شهد لابي موسى عند عمر أبو سعيد الا ما عند البخاري في الادب المفرد من طريق عبيد بن حنين فإن فيه فقام معي أبو سعيد الخدري أو أبو مسعود إلى عمر هكذا بالشك وفي رواية لمسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة في هذه القصة فقال عمر ان وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية وان لم يجد بينة فلن تجدوه فلما ان جاء بالعشي وجده قال يا أبا موسى ما تقول أقد وجدت قال نعم أبي بن كعب قال عدل قال يا أبا الطفيل وفي لفظ له يا أبا المنذر ما يقول هذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك يا بن الخطاب فلا تكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبحان الله أنا سمعت شيئا فأحببت أن أثبت هكذا وقع في هذه الطريق وطلحة بن يحيى فيه ضعف ورواية الاكثر أولى أن تكون محفوظة ويمكن الجمع بأن أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها في الادب المفرد زيادة مفيدة وهي أن أبا سعيد أو أبا مسعود قال لعمر خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يريد سعد بن عبادة حتى أتاه فسلم فلم يؤذن له ثم سلم الثانية فلم يؤذن له ثم سلم الثالثة فلم يؤذن له فقال قضينا ما علينا ثم رجع فأذن له سعد الحديث فثبت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله وقصة سعد بن عبادة هذه أخرجها أبو داود من حديث قيس بن سعد بن عبادة مطولة بمعناه وأحمد من طريق ثابت عن أنس أو غيره كذا فيه وأخرجه البزار عن أنس بغير تردد وأخرجه الطبراني من حديث أم طارق مولاة سعد واتفق الرواة على أن أبا سعيد حدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكى قصة أبي موسى عنه إلا ما أخرجه مالك في الموطأ عن الثقة عن بكير بن الاشج عن بسر عن أبي سعيد عن أبي موسى بالحديث مختصرا دون القصة وقد أخرجه مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن بكير بطوله وصرح في روايته بسماع أبي سعيد له من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا وقع في رواية أخرى عنده فقال أبو موسى إن كان سمع ذلك منكم أحد فليقم معي فقالوا لابي سعيد قم معه وأغرب الداودي فقال روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى وهو يشهد له عند عمر فأدى إلى عمر ما قال أهل المجلس وكأنه نسي أسماءهم بعد ذلك فحدث به عن أبي موسى وحده لكونه صاحب القصة وتعقبه بن التين بأنه مخالف لما في رواية الصحيح لانه قال فأخبرت عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قلت وليس ذلك صريحا في رد ما قال الداودي وإنما المعتمد في التصريح بذلك رواية عمرو بن الحارث وهي من الوجه الذي أخرجه منه مالك والتحقيق أن أبا سعيد حكى قصة أبي موسى عنه بعد وقوعها بدهر طويل لان الذين رووها عنه لم يدركوها ومن جملة قصة أبي موسى الحديث المذكور فكأن الراوي لما اختصرها واقتصر على المرفوع خرج منها أن أبا سعيد ذكر الحديث المذكور عن أبي موسى وغفل عما في آخرها من رواية أبي سعيد المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة وهذا من آفات الاختصار فينبغي لمن اقتصر على
[ 25 ]
بعض الحديث أن يتفقد مثل هذا والا وقع في الخطأ وهو كحذف ما الممتن به تعلق وتختلف الدلالة بحذفه وقد اشتد إنكار بن عبد البر على من زعم ان هذا الحديث انما رواه أبو سعيد عن أبي موسى وقال ان الذي وقع في الموطأ لهما هو من النقلة لاختلاط الحديث عليهم وقال في موضع آخر ليس المراد أن أبا سعيد روى هذا الحديث عن أبي موسى وإنما المراد عن أبي سعيد عن قصة أبي موسى والله أعلم وممن وافق أبا موسى على رواية الحديث المرفوع جندب بن عبد الله أخرجه الطبراني عنه بلفظ إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قوله وقال بن المبارك هو عبد الله وابن عيينة هو سفيان المذكور في الاسناد الاول وأراد بهذا التعليق بيان سماع بسر له من أبي سعيد وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى حدثنا عبد الله بن المبارك وكذا وقع التصريح به عند مسلم عن عمرو الناقد وأخرجه الحميدي عن سفيان حدثنا يزيد بن خصيفة سمعت بسر بن سعيد يقول حدثني أبو سعيد وقد استشكل بن العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكور مع كونه وقع له مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في حديث بن عباس الطويل في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة فان فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع حتى جاءه الاذن وذلك بين في سياق البخاري قال والجواب عن ذلك أنه لم يقض فيه بعلمه أو لعله نسي ما كان وقع له ويؤيده قوله شغلني الصفق بالاسواق قلت والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة لما رواه أبو موسى بل استأذن في كل مرة فلم يؤذن له فرجع فلما رجع في الثالثة استدعى فأذن له ولفظ البخاري الذي أحال عليه ظاهر فيما قلته وقد استوفيت طرقه عند شرح الحديث في أواخر النكاح وليس فيهما ادعاه وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد ولا حجة فيه لانه قبل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد واستدل به من ادعى أن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره كما في الشهادة قال بن بطال وهو خطأ من قائله وجهل بمذهب عمر فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لابي موسى أما إني لم أتهمك ولكني أردت أن لا يتجزأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهذه الزيادة في الموطأ عن ربيعة عن غير واحد من علماءهم أن أبا موسى فذكر القصة وفي آخره فقال عمر لابي موسى أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها آنفا فقال عمر لابي موسى والله ان كنت لامينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أحببت أن أستثبت ونحوه في رواية أبي بردة حين قال أبي بن كعب لعمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت قال بن بطال فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك وقال بن عبد البر يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالاسلام فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة والرهبة طلبا للمخرج مما يدخل فيه فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئا من ذلك ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج وادعى بعضهم أن عمر لم يعرف أبا موسى قال بن عبد البر
[ 26 ]
وهو قول خرج بغير روية من قائله ولا تدبر فإن منزلة أبي موسى عند عمر مشهورة وقال بن العربي اختلف في طلب عمر من أبي موسى البينة على عشرة أقوال فذكرها وغالبها متداخل ولا تزيد على ما قدمته واستدل بالخبر المرفوع على أنه لا تجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاث قال بن عبد البر فذهب أكثر أهل العلم إلى ذلك وقال بعضهم إذا لم يسمع فلا بأس أن يزيد وروى سحنون عن بن وهب عن مالك لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع قلت وهذا هو الاصح عند الشافعية قال بن عبد البر وقيل تجوز الزيادة مطلقا بناء على أن الامر بالرجوع بعد الثلاث للاباحة والتخفيف عن المستأذن فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه قال الاستئذان أن يقول السلام عليكم أأدخل كذا قال ولا يتعين هذا اللفظ وحكى بن العربي إن كان بلفظ الاستئذان لا يعيد وإن كان بلفظ آخر أعاد قال والاصح لا يعيد وقد تقدم ما حكاه المازري في ذلك وأخرج البخاري في الادب المفرد عن أبي العالية قال أتيت أبا سعيد فسلمت فلم يؤذن لي ثم سلمت فلم يؤذن لي فتنحيت ناحية فخرج علي غلام فقال أدخل فدخلت فقال لي أبو سعيد أما إنك لو زدت يعني على الثلاث لم يؤذن لك واختلف في حكمة الثلاث فروى بن أبي شيبة من قول علي بن أبي طالب الاولى إعلام والثانية مؤامرة والثالثة عزمة إما أن يؤذن له وإما أن يرد قلت ويؤخذ من صنيع أبي موسى حيث ذكر اسمه أولا وكنيته ثانيا ونسبته ثالثا إن الاولى هي الاصل والثانية إذا جوز ان يكون التبس على من استأذن عليه والثالثة إذا غلب على ظنه أنه عرفه قال بن عبد البر وذهب بعضهم إلى أن أصل الثلاث في الاستئذان قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات قال وهذا غير معروف في تفسيرها وإنما أطبق الجمهور على أن المراد بالمرات الثلاث الاوقات قلت وأخرج بن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حبان قال بلغنا أن رجلا من الانصار وامرأته أسماء بنت مرثد صنعا طعاما فجعل الناس يدخلو بغير اذن فقالت أسماء يا رسول الله ما أقبح هذا إنه ليدخل على المرأة وزوجه غلامهما وهما في ثوب واحد بغير اذن فنزلت وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم بسند قوي من حديث بن عباس أنه سئل عن الاستئذان في العورات الثلاث فقال ان الله ستير يحب الستر وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده وهو على أهله فأمروا أن يستأذنوا في العورات الثلاث ثم بسط الله الرزق فاتخذوا الستور والحجال فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم الله به مما أمروا به ومن وجه آخر صحيح عن بن عباس لم يعمل بها أكثر الناس وأني لآمر جاريتي أن تستأذن علي وفي الحديث أيضا أن لصاحب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن سواء سلم مرة أم مرتين أم ثلاثا إذا كان في شغل له ديني أو دنيوي يتعذر بترك الاذن معه للمستأذن وفيه أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه قال بن بطال وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه وفيه أن لمن تحقق براءة الشخص مما يخشى منه وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه أن يمازحه ولو كان قبل إعلامه بما يطمئن به خاطره مما هو فيه لكن بشرط أن لا يطول الفصل لئلا يكون سببا في إدامة تأذي المسلمين بالهم الذي وقع له كما وقع للانصار مع أبي موسى وأما إنكار أبي سعيد عليهم فإنه اختار الاولى وهو المبادرة إلى إزالة ما وقع فيه قبل التشاغل بالممازحة قوله باب
[ 27 ]
إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن يعني أو يكتفي بقرينة الطلب قوله وقال سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو إذنه كذا للاكثر ووقع للكشميهني وقال شعبة والاول هو المحفوظ وقد أخرجه المصنف في الادب المفرد وأبو داود من طريق عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن سعيد بن أبي عروبة وأخرجه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن بن أبي عروبة ولفظ البخاري إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ولفظ أبي داود مثله وزاد إلى طعام قال أبو داود لم يسمع قتادة من أبي رافع كذا في اللؤلؤي عن أبي داود ولفظه في رواية أبي الحسن بن العبد يقال لم يسمع قتادة من أبي رافع شيئا كذا قال وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في الادب المفرد من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ رسول الرجل إلى الرجل إذنه وأخرج له شاهدا موقوفا على بن مسعود قال إذا دعي الرجل فهو إذنه وأخرجه بن أبي شيبة مرفوعا واعتمد المنذري على كلام أبي داود فقال أخرجه البخاري تعليقا لاجل الانقطاع كذا قال ولو كان عنده منقطعا لعلقه بصيغة التمريض كما هو الاغلب من صنيعه وهو غالبا يجزم إذا صح السند إلى من علق عنه كما قال في الزكاة وقال طاوس قال معاذ فذكر أثرا وطاوس لم يدرك معاذا وكذا إذا كان فوق من علق عنه من ليس على شرطه كما قال في الطهارة وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وحيث وقع فيما طواه من ليس على شرطه مرضه كما قال في النكاح ويذكر عن معاوية بن حيدة فذكر حديثا ومعاوية هو جد بهز بن حكيم وقد أوضحت ذلك في المقدمة ثم أورد المصنف طرفا من حديث مجاهد عن أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال أبا هر الحق أهل الصفة فادعهم إلي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا اقتصر منه على هذا القدر لانه الذي احتاج إليه هنا وساقه في الرقاق بتمامه كما سيأتي وظاهره يعارض الحديث الاول ومن ثم لم يجزم بالحكم وجمع المهلب وغيره بتنزيل ذلك على اختلاف حالين إن طال العهد بين الطلب والمجئ احتاج إلى استئناف الاستئذان وكذا ان لم يطل لكن كان المستدعي في مكان يحتاج معه إلى الاذن في العادة والا لم يحتج إلى استئناف اذن وقال بن التين لعل الاول فيمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لاجله والثاني بخلافه قال والاستئذان على كل حال أحوط وقال غيره إن حضر صحبة الرسول أغناه استئذان الرسول ويكفيه سلام الملاقاة وان تأخر عن الرسول احتاج إلى الاستئذان وبهذا جمع الطحاوي واحتج بقوله في الحديث الثاني فأقبلوا فاستئذنوا فدل على أن أبا هريرة لم يكن معهم والا لقال فأقبلنا كذا قال قوله باب التسليم على الصبيان سقط لفظ باب لابي ذر وكأنه ترجم بذلك للرد على من قال لا يشرع لان الرد فرض وليس الصبي من أهل الفرض وأخرج بن أبي شيبة من طريق أشعث قال كان الحسن لا يرى التسليم على الصبيان وعن بن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولا يسمعهم قوله عن سيار بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو أبو الحكم مشهور باسمه وكنيته معا فيجئ غالبا هكذا عن سيار أبي الحكم وهو عنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي وسطى من طبقة الاعمش وتقدمت وفاته على وفاة شيخه ثابت البناني بسنة وقيل أكثر وليس له في الصحيحين عن ثابت الا هذا الحديث وقال البزار لم يسند سيار عن ثابت غيره قلت ورواية شعبة عنه من رواية
[ 28 ]
الاقران وقد حدث شعبة عن ثابت نفسه بعدة أحاديث وكأنه لم يسمع هذا منه فأدخل بينهما واسطة وقد روى شعبة أيضا عن آخر اسمه سيار وهو بن سلامة أبو المنهال وليس هو المراد هنا ولم نقف له على رواية عن ثابت وأخرج النسائي حديث الباب من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بأتم من سيقه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الانصار فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم وهو مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة بخلاف سياق الباب حيث قال مر على صبيان فسلم عليهم فإنها تدل على انها واقعة حال ولم أقف على أسماء الصبيان المذكورين وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت بلفظ غلمان بدل صبيان ووقع لابن السني وأبي نعيم في عمل يوم وليلة من طريق عثمان بن مطر عن ثابت بلفظ فقال السلام عليكم يا صبيان وعثمان واه ولابي داود من طريق حميد عن أنس انتهى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا فأرسلني برسالة الحديث وسيأتي في باب حفظ السر والبخاري في الادب المفرد نحوه من هذا الوجه ولفظه ونحن صبيان فسلم علينا وأرسلني في حاجة وجلس في الطريق ينتظرني حتى رجعت قال بن بطال في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الاكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب قال أبو سعيد المتولي في التتمة من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لان الصبي ليس من أهل الفرض وينبغي لوليه أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض وكذا قال شيخه القاضي حسين ورده المستظهري وقال النووي الاصح لا يجزئ ولو ابتدأ الصبي بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح قلت ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان وضيئا وخشي من السلام عليه الافتتان فلا يشرع ولا سيما ان كان مراهقا منفردا قوله باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال وهو مقطوع أو معضل والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على شرطه وله شاهد من حديث جابر عند أحمد وقال الحليمي كان النبي صلى الله عليه وسلم العصمة مأمونا من الفتنة فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم والا فالصمت اسلم وأخرج أبو نعيم في عمل يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعا يسلم الرجال على النساء ولا يسلم النساء على الرجال وسنده واه ومن حديث عمرو بن حريث مثله موقوفا عليه وسنده جيد وثبت في مسلم حديث أم هانئ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه الحديث الاول قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار قوله كنا نفرح يوم الجمعة في رواية الكشميهني بيوم بزيادة موحدة في أوله وتقدم في الجمعة من وجه آخر عن أبي حازم بلفظ كنا نتمنى يوم الجمعة وذكر سبب الحديث ثم قال في آخره كنا نفرح بذلك قوله قلت لسهل ولم بكسر اللام للاستفهام والقائل هو أبو حازم راوي الحديث والمجيب هو سهل قوله كانت لنا عجوز في الجمعة امرأة ولم أقف على اسمها قوله ترسل إلى بضاعة بضم الموحدة على المشهور وحكى كسرها وبتخفيف المعجمة
[ 29 ]
وبالعين المهملة وذكره بعضهم بالصاد المهملة قوله قال بن مسلمة نخل بالمدينة القائل هو عبد الله بن مسلمة شيخ البخاري فيه وهو القعنبي وفسر بضاعة بأنها نخل بالمدينة والمراد بالنخل البستان ولذلك كان يؤتى منها بالسلق وقد تقدم في كتاب الجمعة انها كانت مزرعة للمرأة المذكورة وفسرها غيره بأنها دور بني ساعدة وبها بئر مشهورة وبها مال من أموال المدينة كذا قال عياض ومراده بالمال البستان وقال الاسماعيلي في هذا الحديث بيان أن بئر بضاعة بئر بستان فيدل على أن قول أبي سعيد في حديثه يعني الذي أخرجه أصحاب السنن انها كانت تطرح فيها خرق الحيض وغيرها أنها كانت تطرح في البستان فيجريها المطر ونحوه إلى البئر قلت وذكر أبو داود في السنن أنه رأى بئر بضاعة وزرعها ورأى ماءها وبسط ذلك في كتاب الطهارة من سننه وادعى الطحاوي أنها كانت سيحا وروى ذلك عن الواقدي وليس هذا موضع استيعاب ذلك قوله في قدر في رواية الكشميهني في القدر وتكركر أي تطحن كما تقدم في الجمعة قال الخطابي الكركرة الطحن والجش وأصله الكر وضوعف لتكرار عود الرحى في الطحن مرة أخرى وقد تكون الكركرة بمعنى الصوت كالجرجرة والكركرة أيضا شدة الصوت للضحك حتى يفحش وهو فوق القرقرة قوله حبات من شعير بين في الرواية التي في الجمعة أنها قبضة وقد تقدمت بقية شرحه هناك الحديث الثاني قوله بن مقاتل هو محمد وعبد الله هو بن المبارك قوله يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام تقدم شرحه في المناقب وحكى بن التين أن الداودي اعترض فقال لا يقال للملائكة رجال ولكن الله ذكرهم بالتذكير والجواب أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي وقال بن بطال عن المهلب سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة وفرق المالكية بين الشابة والعجور سدا للذريعة ومنع منه ربيعة مطلقا وقال الكوفيون لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لانهن منعن من الاذان والاقامة والجهر بالقراءة قالوا ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها قال المهلب وحجة مالك حديث سهل في الباب فان الرجال الذين كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها انتهى وقال المتولي ان كان للرجل زوجة أو محرم أو أمة فالرجل مع الرجل وان كانت أجنبية نظر أن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام لا ابتداء ولا جوابا فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها جاز وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه فان الجمال مظنة الافتتان بخلاف مطلق الشابة فلو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنه قوله تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته أما متابعة شعيب فوصلها المؤلف في الرقاق وأما زيادة يونس وهو بن يزيد فتقدم في الحديث بتمامه موصولا في كتاب المناقب وأما متابعة النعمان وهو بن راشد فوصلها الطبراني في الكبير ووقعت لنا بعلو في جزء هلال الحفار قال الاسماعيلي قد أخرجنا فيه من حديث بن المبارك وبركاته وكان ساقه من طريق أبي إبراهيم البناني ومن طريق حبان بن موسى كلاهما عن بن المبارك وكذا قال عقيل وعبيد الله بن أبي زياد عن الزهري قوله باب إذا قال من ذا فقال أنا سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكأنه لم يجزم بالحكم لان الخبر ليس صريحا في
[ 30 ]
الكراهة قوله عن محمد بن المنكدر في رواية الاسماعيلي عن أحمد بن محمد بن منصور وغيره عن علي بن الجعد شيخ البخاري فيه عن شعبة أخبرني محمد بن المنكدر عن جابر قوله أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي تقدم بيانه في كتاب البيوع من وجه آخر مطولا قوله فدققت بقافين للاكثر وللمستملي والسرخسي فدفعت بفاء وعين مهملة وفي رواية الاسماعيلي فضربت الباب وهي تؤيد رواية فدققت بالقافين وله من وجه آخر وهي عند مسلم استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلم في أخرى دعوت النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهها وفي رواية لمسلم فخرج وهو يقول أنا أنا وفي أخرى كأنه كره ذلك ولابي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كره ذلك بالجزم قال المهلب إنما كره قول أنا لانه ليس فيه بيان إلا أن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه صوته ولا يلتبس بغيره والغالب الالتباس وقيل إنما كره ذلك لان جابرا لم يستأذن بلفظ السلام وفيه نظر لانه ليس في سياق حديث جابر أنه طلب الدخول وإنما جاء في حاجته فدق الباب ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمجيئه فلذلك خرج له وقال الداودي إنما كرهه لانه أجابه بغير ما سأله عنه لانه لما ضرب الباب عرف أن ثم ضاربا فلما قال أنا كأنه أعلمه أن ثم ضاربا فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب قال وكان هذا قبل نزول آية الاستئذان قلت وفيه نظر لانه لا تنافي بين القصة وبين ما دلت عليه الآية ولعله رأى أن الاستئذان ينوب عن ضرب الباب وفيه نظر لان الداخل قد يكون لا يسمع الصوت بمجرده فيحتاج إلى ضرب الباب ليبلغه صوت الدق فيقرب أو يخرج فيستأذن عليه حينئذ وكلامه الاول سبقه إليه الخطابي فقال قوله أنا لا يتضمن الجواب ولا يفيد العلم بما استعلمه وكان حق الجواب أن يقول أنا جابر ليقع تعريف الاسم الذي وقعت المسألة عنه وقد أخرج المصنف في الادب المفرد وصححه الحاكم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ قال فجئت فقال من هذا قلت أنا بريدة وتقدم حديث أم هاني جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أنا أم هاني الحديث في صلاة الضحى قال النووي إذا لم يقع التعريف إلا بأن يكني المرء نفسه لم يكره ذلك وكذا لا بأس أن يقول انا الشيخ فلان أو القارئ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا بذلك وذكر بن الجوزي أن السبب في كراهة قول أنا أن فيها نوعا من الكبر كأن قائلها يقول أنا الذي لا أحتاج أذكر اسمي ولا نسبي وتعقبه مغلطاي بأن هذا لا يتأتى في حق جابر في مثل هذا المقام وأجيب بأنه ولو كان كذلك فلا يمنع من تعليمه ذلك لئلا يستمر عليه ويعتاده والله أعلم قال بن العربي في حديث جابر مشروعية دق الباب ولم يقع في الحديث بيان هل كان بآلة أو بغير آلة قلت وقد أخرج البخاري في الادب المفرد من حديث أنس أن أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالاظافير وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا محمول منهم على المبالغة في الادب وهو حسن لمن قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه وذكر السهيلي أن السبب في قرعهم بابه بالاظافير أن بابه لم يكن فيه حلق فلاجل ذلك فعلوه والذي يظهر أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك توقيرا وإجلالا وأدبا قوله باب من رد فقال عليك السلام يحتمل أن يكون أشار إلى من قال لا يقدم على لفظ السلام شئ بل يقول في الابتداء والرد السلام عليك أو من
[ 31 ]
قال لا يقتصر على الافراد بل يأتي بصيغة الجمع أو من قال لا يحذف الواو بل يجيب بواو العطف فيقول وعليك السلام أو من قال يكفي في الجواب أن يقتصر على عليك بغير لفظ السلام أو من قال لا يقتصر على عليك السلام بل يزيد ورحمة الله وهذه خمسة مواضع جاءت فيها آثار تدل عليها فأما الاول فيؤخذ من الحديث الماضي أن السلام اسم الله فينبغي أن لا يقدم على اسم الله شئ نبه عليه بن دقيق العيد ونقل عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال عليك السلام لم يجزئ وذكر النووي عن المتولي أن من قال في الابتداء وعليكم السلام لا يكون سلاما ولا يستحق جوابا وتعقبه بالرد فإنه يشرع بتقديم لفظ عليكم قال النووي فلو أسقط الواو فقال عليكم السلام قال الواحدي فهو سلام ويستحق الجواب وإن كان قلب اللفظ المعتاد هكذا جعل النووي الخلاف في إسقاط الواو واثباتها والمتبادر أن الخلاف في تقديم عليكم على السلام كما يشعر به كلام الواحدي قال النووي ويحتمل وجهين كالوجهين في التحلل بلفظ عليكم السلام والاصح الحصول ثم ذكر حديث أبي جرى وقد تقدم الكلام عليه في الباب الاول وأما الثاني فأخرج البخاري في الادب المفرد من طريق معاوية بن قرة قال قال لي أبي قرة بن إياس المزني الصحابي إذا مر بك الرجل فقال السلام عليكم فلا تقل وعليك السلام فتخصه وحده فإنه ليس وحده وسنده صحيح ومن فروع هذه المسألة لو وقع الابتداء بصيغة الجمع فإنه لا يكفي الرد بصيغة الافراد لان صيغة الجمع تقتضي التعظيم فلا يكون امتثل الرد بالمثل فضلا عن الاحسن نبه عليه بن دقيق العيد وأما الثالث فقال النووي اتفق أصحابنا أن المجيب لو قال عليك بغير واو لم يجزئ وإن قال بالواو فوجهان وأما الرابع فأخرج البخاري في الادب المفرد بسند صحيح عن بن عباس أنه كان إذا سلم عليه يقول وعليك ورحمة الله وقد ورد مثل ذلك في أحاديث مرفوعة سأذكرها في باب كيف الرد على أهل الذمة وأما الخامس فتقدم الكلام عليه في الباب الاول قوله وقالت عائشة وعليه السلام ورحمة الله وبركاته هذا طرف من حديث تقدم ذكره قريبا في باب تسليم الرجال والنساء وفيه بيان من زاد فيه وبركاته قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم رد الملائكة على آدم السلام عليك ورحمة الله هذا طرف من الحديث الآخر الذي تقدم في أول كتاب الاستئذان وجزم المصنف بهذا اللفظ مما يقوي رواية الاكثر بخلاف رواية الكشميهني قوله عبيد الله هو بن عمر بن حفص العمري قوله عن أبي هريرة قد قال فيه بعض الرواة عن أبيه عن أبي هريرة وهي رواية يحيى القطان المذكورة في آخر الباب وبينت في كتاب الصلاة أي الروايتين أرجح قوله إن رجلا دخل المسجد الحديث في قصة المسئ صلاته والغرض منه قوله فيه ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له وعليك السلام ارجع وتقدم في الصلاة بلفظ فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى فقال وعليك وسقط ذلك أصلا من الرواية الآتية في الايمان والنذور وقد تقدم ما فيه مع بقية شرحه مستوفى في باب أمر الذي لا يتم ركوعه بالاعادة من كتاب الصلاة قوله وقال أبو أسامة في الاخير حتى تستوي قائما وصل المصنف رواية أبي أسام هذه في كتاب الايمان والنذور كما سيأتي وقد بينت في صفة الصلاة النكتة في اقتصار البخاري على هذه اللفظة من هذا الحديث وحاصله أنه وقع هنا في الاخير ثم أرفع حتى تطمئن جالسا فأراد البخاري أن يبين أن راويها خولف فذكر رواية أبي أسامة مشيرا إلى ترجيحها وأجاب
[ 32 ]
الداودي عن أصل الاشكال بأن الجالس قد يسمى قائما لقوله تعالى ما دمت عليه قائما وتعقبه بن التين بأن التعليم إنما وقع لبيان ركعة واحدة والذي يليها هو القيام يعني فيكون قوله حتى تستوي قائما هو المعتمد وفينظر لان الداودي عرف ذلك وجعل القيام محمولا على الجلوس واستدل الآية والاشكال إنما وقع في قوله في الرواية الاخرى حتى تطمئن جالسا وجلسة الاستراحة على تقدير أن تكون مرادة لا تشرع الطمأنينة فيها فلذلك احتاج الداودي إلى تأويله لكن الشاهد الذي أتى به عكس المراد والمحتاج إليه هنا أن يأتي بشاهد يدل على أن القيام قد يسمى جلوسا وفي الجملة المعتمد للترجيح كما أشار إليه البخاري وصرح به البيهقي وجوز بعضهم أن يكون المراد به التشهد والله أعلم قوله في الطريق الاخيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارفع حتى تطمئن جالسا هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث وساقه في كتاب الصلاة بتمامه قوله باب إذا قال فلان يقرئك السلام في رواية الكشميهني يقرأ عليك السلام وهو لفظ حديث الباب وقد تقدم شرحه في مناقب عائشة وتقدم شرح هذه اللفظة وهي اقرأ السلام في كتاب الايمان قال النووي في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول تبليغه لانه أمانة وتعقب بأنه بالوديعة أشبه والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الامانة وإلا فوديعة والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شئ قال وفيه إذا أتاه شخص بسلام من شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أبيه فقال له وعليك السلام وعلى أبيك السلام وقد تقدم في المناقب أن خديجة لما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل سلام الله عليها قالت إن الله هو السلام ومنه السلام وعليك وعلى جبريل السلام ولم أر في شئ من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه غير واجب وقد ورد بلفظ الترجمة حديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم من حديث أنس أن فتى من أسلم قال يا رسول الله إني أريد الجهاد فقال ائت فلانا فقل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول ادفع إلي ما تجهزت به قوله باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين أورد فيه حديث أسامة بن زيد في قصة عبد الله بن أبي قال بن التين قوله بن سلول هي قبيلة من هوازن وهو اسم أمه يعني عبد الله فعلى هذا لا ينصرف قلت ومراده أن اسم أم عبد الله بن أبي وافق اسم القبيلة المذكورة لا أنهما لمسمى واحد وفيه حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين وفيه فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت الاشارة إليه قريبا في باب كنية المشرك من كتاب الادب قال النووي السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم
[ 33 ]
ويقصد به المسلم قال بن العربي ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة وبمجلس فيه عدول وظلمة وبمجلس فيه محب ومبغض واستدل النووي على ذلك بحديث الباب وهو مفرع على منع ابتداء الكافر بالسلام وقد ورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه مسلم والبخاري في الادب المفرد من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق والبخاري في الادب المفرد والنسائي من حديث أبي بصرة وهو بفتح الموحدة وسكون المهملة الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدءوهم بالسلام وقالت طائفة يجوز ابتداؤهم بالسلام فأخرج الطبري من طريق بن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين وقول إبراهيم لابيه سلام عليك وأخرج بن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال نرد عليهم ولا نبدؤهم قال عون فقلت له فكيف تقول أنت قال ما أرى بأسا أن نبدأهم قلت لم قال لقوله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه فسئل عن ذلك فقال إن الله جعل السلام تحية لامتنا وأمانا لاهل ذمتنا هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لابيه بأن القصد بذلك المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى وقل سلام فسوف يعلمون نسخت بآية القتال وقال الطبري لا مخالفة بين حديث أسامة في سلام النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار حيث كانوا مع المسلمين وبين حديث أبي هريرة في النهي عن السلام على الكفار لان حديث أبي هريرة عام وحديث أسامة خاص فيختص من حديث أبي هريرة ما إذا كان الابتداء لغير سبب ولا حاجة من حق صحبة أو مجاورة أو مكافئة أو نحو ذلك والمراد منع ابتدائهم بالسلام المشروع فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه كأن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو جائز كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وغيره سلام على من اتبع الهدى وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال السلام على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم السلام على من اتبع الهدى وأخرج بن أبي شيبة عن محمد بن سيرين مثله ومن طريق أبي مالك إذا سلمت على المشركين فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيحسبون أنك سلمت عليهم وقد صرفت السلام عنهم قال القرطبي في قوله وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراما لهم واحتراما وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الاولى في المعنى وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم لان ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب قوله باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي أما الحكم الاول فأشار إلى الخلاف فيه وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع قال النووي فان اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم وكذا قال بن العربي وزاد وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فكأنه قال الله رقيب عليكم وقال المهلب ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية
[ 34 ]
وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وخالف في ذلك جماعة كما تقدم في الباب قبله وقال بن وهب يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا واحتج بقوله تعالى وقولوا للناس حسنا وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوة وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الاسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك وحكى بن رشد قال قال مالك لا يسلم على أهل الاهواء قال بن دقيق العيد ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا فقيل يستبرأ حاله سنة وقيل ستة أشهر وقيل خمسين يوما كما في قصة كعب وقيل ليس لذلك حدا محدود بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته ولكن لا يكفي ذلك في ساعة ولا يوم ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني وقد اعترض الداودي على من حده بخمسين ليلة أخذا من قصة كعب فقال لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله فيه يعني فتكون واقعة حال لا عموم فيه وقال النووي وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه فلا يسلم عليهم ويرد عليهم السلام كما قال جماعة من أهل العلم واحتج البخاري لذلك بقصة كعب بن مالك انتهى والتقييد بمن لم يتب جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته أن لا يكلم حتى تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكنا وأما بعده فيكفي ظهور علامة الندم والاقلاع وأمارة صدق ذلك قوله اقترف أي اكتسب وهو تفسير الاكثر وقال أبو عبيدة الاقتراف التهمة قوله وقال عبد الله بن عمر ولا تسلموا على شربة الخمر بفتح الشين المعجمة والراء بعدها موحدة جمع شارب قال بن التين لم يجمعه اللغويون كذلك وانما قالوا شارب وشرب مثل صاحب وصحب انتهى وقد قالوا فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب وهذا الاثر وصله البخاري في الادب المفرد من طريق حبان بن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ لا تسلموا على شراب الخمر وبه إليه قال لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا وأخرج الطبري عن علي موقوفا نحوه وفي بعض النسخ من الصحيح وقال عبد الله بن عمر بضم العين وكذا ذكره الاسماعيلي وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف عن بن عمر لا تسلموا على من شرب الخمر ولا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا وأخرجه بن عدي بسند أضعف منه عن بن عمر موفوعا قوله حدثنا بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير وذكر قطعا يسيرة من حديث كعب بن مالك في قصة توبته في غزوة تبوك وقد ساقه في المغازي بطوله عن يحيى بن بكير بهذا الاسناد وقوله وآتى هو بمد الهمزة فعل مضارع من الاتيان وبين قوله عن كلامنا وبين هذه الجملة كلام كثير آخره فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الاسواق ولا يكلمني أحد وفي الحديث أيضا قصته مع أبي قتادة وتسوره عليه الحائط وامتناع أبي قتادة من رد السلام عليه ومن جوابه له عما سأله عنه واقتصر البخاري على القدر الذي ذكره لحاجته إليه هنا وفيه ما ترجم به من ترك السلام تأديبا وترك الرد أيضا وهو مما يخص به عموم الامر بإفشاء السلام عند الجمهور وعكس ذلك أبو أمامة فأخرج الطبري بسند جيد عنه أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال إنا أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل
[ 35 ]
الخصوص واستثنى بن مسعود ما إذا احتاج لذلك المسلم لضرورة دينية أو دنيوية كقضاء حق المرافقة فأخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال كنت ردفا لابن مسعود فصحبنا دهقان فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها فأتبعه عبد الله بصره فقال السلام عليكم فقلت ألست تكره أن يبدؤا بالسلام قال نعم ولكن حق الصحبة وبه قال الطبري وحمل عليه سلام النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار وقد تقدم الجواب عنه في الباب الذي قبله قوله باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام في هذه الترجمة إشارة إلى أنه لا منع من رد السلام على أهل الذمة فلذلك ترجم بالكيفية ويؤيده قوله تعالى فحيوا بأحسن منها أو ردوها فإنه يدل على أن الرد يكون وفق الابتداء ان لم يكن أحسن منه كما تقدم تقريره ودل الحديث على التفرقة في الرد على المسلم والكافر قال بن بطال قال قوم رد السلام على أهل الذمة فرض لعموم الآية وثبت عن بن عباس أنه قال من سلم عليك فرد عليه ولو كان مجوسيا وبه قال الشعبي وقتادة ومنع من ذلك مالك والجمهور وقال عطاء الآية مخصوصة بالمسلمين فلا يرد السلام على الكافر مطلقا فان أراد منع الرد بالسلام والا فأحاديث الباب ترد عليه الحديث الاول قوله ان عائشة قالت كذا قال صالح بن كيسان مثله كما تقدم في الادب وقال سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت وسيأتي في استتابة المرتدين قوله دخل رهط من اليهود لم أعرف أسماءهم لكن أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم قال بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال السام عليك يا محمد فقال وعليكم فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر الكلام عنهم كما جرت العادة من نسبة القول إلى جماعة والمباشر له واحد منهم لان اجتماعهم ورضاهم به في قوة من شاركه في النطق قوله فقالوا السام عليك كذا في الاصول بألف ساكنة وسيأتي في الكلام على الحديث الثاني أنه جاء بالهمز وقد تقدم تفسير السوم بالموت في كتاب الطب وقيل هو الموت العاجل قوله ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة في رواية بن أبي مليكة عن عائشة كما تقدم في أوائل الادب فقالت عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ولمسلم من طريق أخرى عنها بل عليكم السام والذام بالذال المعجمة وهو لغة في الذم ضد المدح يقال ذم بالتشديد وذام بالتخفيف وذيم بتحتانية ساكنة وقال عياض لم يختلف الرواة أن الذام في هذا الحديث بالمعجمة ولو روي بالمهملة من الدوام لكان له وجه ولكن كان يحتاج لحذف الواو ليصير صفة للسام وقد حكى بن الاعرابي الدام لغة في الدائم قال بن بطال فسر أبو عبيد السام بالموت وذكر الخطابي أن قتادة تأوله على خلاف ذلك ففي رواية عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة قال كان قتادة يقول تفسير السام عليكم تسامون دينكم وهو يعني السام مصدر سئمة سآمة وسآما مثل رضعه رضاعة ورضاعا قال بن بطال ووجدت هذا الذي فسره قتادة مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه بقي بن مخلد في تفسيره من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس مع أصحابه إذ أتى يهودي فسلم عليه فردوا عليه فقال هل تدرون ما قال قالوا سلم يا رسول الله قال قال سام عليكم أي تسامون دينكم قلت يحتمل أن يكون قوله أي تسامون دينكم تفسير قتادة كما بينته رواية عبد الوارث التي ذكرها الخطابي وقد أخرج البزار وابن
[ 36 ]
حبان في صحيحه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فسلم عليهم فرد عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدرون ما قال قالوا نعم سلم علينا قال فإنه قال السام عليكم أي تسامون دينكم ردوه علي فردوه فقال كيف قلت قال قلت السام عليكم فقال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم ما قلتم لفظ البزار وفي رواية بن حبان أن يهوديا سلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتدرون والباقي نحوه ولم يذكر قوله ردوه الخ وقال في آخره فإذا سلم عليكم رجل من أهل الكتاب فقولوا وعليك قوله واللعنة يحتمل أن تكون عائشة فهمت كلامهم بفطنتها فأنكرت عليهم وظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنهم تلفظوا بلفظ السلام فبالغت في الانكار عليهم ويحتمل أن يكون سبق لها سماع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديثي بن عمر وأنس في الباب وانما أطلقت عليهم اللعنة وإما لانها كانت ترى جواز لعن الكافر المعين باعتبار الحالة الراهنة لا سيما إذا صدر منه ما يقتضي التأديب وإما لانها تقدم لها علم بأن المذكورين يموتون على الكفر فأطلقت اللعن ولم تقيده بالموت والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها الافراط في السب وقد تقدم في أوائل الادب في باب الرفق ما يتعلق بذلك وسيأتي الكلام على جواز لعن المشرك المعين الحي في باب الدعاء على المشركين من كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله مهلا يا عائشة تقدم بشرحه في باب الرفق من كتاب الادب قوله فقد قلت عليكم وكذا في رواية معمر وشعيب عن الزهري عند مسلم بحذف الواو وعنده في رواية سفيان وعند النسائي من رواية أخرى عن الزهري بإثبات الواو قال المهلب في هذا الحديث جواز انخداع الكبير للمكايد ومعارضته من حيث لا يشعر إذا رجا رجوعه قلت في تقييده بذلك نظر لان اليهود حينئذ كانوا أهل عهد فالذي يظهر أن ذلك كان لمصلحة التآلف الحديث الثاني قوله عن عبد الله بن دينار عن بن عمر يأتي في استتابة المرتدين من وجه آخر بلفظ حدثني عبد الله بن دينار سمعت بن عمر قوله إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك هكذا هو في جميع نسخ البخاري وكذا أخرجه في الادب المفرد عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك والذي عند جميع رواة الموطأ بلفظ فقل عليك ليس فيه الواو وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن بكير ومن طريق عبد الله بن نافع كلاهما عن مالك بإثبات الواو وفيه نظر فإنه في الموطأ عن يحيى بن بكير بغير واو ومقتضى كلام بن عبد البر أن رواية بن عبد الله بن نافع بغير واو لانه قال لم يدخل أحد من رواة الموطأ عن مالك الواو قلت لكن وقع عند الدارقطني في الموطآت من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ فقل وعليكم بالواو وبصيغة الجمع قال الدارقطني القول الاول أصح يعني عن مالك قلت أخرجه الاسماعيلي من طريق روح ومعن وقتيبة ثلاثتهم عن مالك بغير واو وبالافراد كرواية الجماعة وأخرجه البخاري في استتابة المرتدين من طريق يحيى القطان عن مالك والثوري جميعا عن عبد الله بن دينار بلفظ قل عليك بغير واو لكن وقع في رواية السرخسي وحده فقل عليكم بصيغة الجمع بغير واو أيضا وأخرجه مسلم والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري وحده بلفظ فقولوا وعليكم بإثبات الواو بصيغة الجمع وأخرجه مسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار بغير واو وفي نسخة
[ 37 ]
صحيحة من مسلم بإثبات الواو وأخرجه النسائي من طريق بن عيينة عن بن دينار بلفظ إذا سلم عليكم اليهودي والنصراني فإنما يقول السام عليكم فقل عليكم بغير واو وبصيغة الجمع وأخرجه أبو داود من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار مثل بن مهدي عن الثوري وقال بعده وكذا رواه مالك والثوري عن عبد الله بن دينار قال فيه وعليكم قال المنذري في الحاشية حديث مالك أخرجه البخاري وحديث الثوري أخرجه البخاري ومسلم وهذا يدل على أن رواية مالك عندهما بالواو فأما أبو داود فلعله حمل رواية مالك على رواية الثوري أو اعتمد رواية روح بن عبادة عن مالك وأما المنذري فتجوز في عزوه للبخاري لانه عنده بصيغة الافراد ولحديث بن عمر هذا سبب أذكره في الذي بعده الحديث الثالث أورده من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس حدثنا أنس بن مالك يعني جده بلفظ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم كذا رواه مختصرا ورواه قتادة عن أنس أتم منه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعبة عنه بلفظ أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال قولوا وعليكم وأخرجه البخاري في الادب المفرد من طريق همام عن قتادة بلفظ مر يهودي فقال السام عليكم فرد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال قال السام عليكم فأخذ اليهودي فاعترف فقال ردوا عليه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق شيبان نحو رواية همام وقال في آخره ردوه فردوه فقال أقلت السام عليكم قال نعم فقال عند ذلك إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وتقدم في الكلام على حديث عائشة من وجه آخر عن قتادة بزيادة فيه وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق هشام بن زيد بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك ثم قال أتدرون ماذا يقول قال السام عليكم قالوا يا رسول الله ألا نقتله قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وفي رواية الطيالسي أن القائل ألا نقتله عمر والجمع بين هذه الروايات أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر وأتمها سياقا رواية هشام بن زيد هذه وكأن بعض الصحابة لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهود تقول ذلك سألوا حينئذ عن كيفية الرد عليهم كما رواه شعبة عن قتادة ولم يقع هذا السؤال في رواية هشام بن زيد ولم تختلف الرواة عن أنس في لفظ الجواب وهو وعليكم بالواو وبصيغة الجمع قال أبو داود في السنن وكذا رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة قال المنذري أما حديث عائشة فمتفق عليه قلت هو أول أحاديث الباب قال وأما حديث أبي عبد الرحمن فأخرجه بن ماجة وأما حديث أبي بصرة فأخرجه النسائي قلت هما حديث واحد اختلف فيه على يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير فقال عبد الحميد بن جعفر عن أبي بصرة أخرجه النسائي والطحاوي وقال بن إسحاق عن أبي عبد الرحمن أخرجه أحمد وابن ماجة والطحاوي أيضا وقد قال بعض أصحاب بن إسحاق عنه مثل ما قال عبد الحميد أخرجه الطحاوي والمحفوظ قول الجماعة ولفظ النسائي فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم وقد اختلف العلماء في اثبات الواو واسقاطها في الرد على أهل الكتاب لاختلافهم في أي الروايتين أرجح فذكر بن عبد البر عن بن حبيب لا يقولها بالواو لان فيها تشريكا وبسط ذلك أن الواو في مثل هذا التركيب يقتضي تقرير الجملة الاولى وزيادة الثانية عليها كمن قال زيد كاتب
[ 38 ]
فقلت وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد قال وخالفه جمهور المالكية وقال بعض شيوخهم يقول عليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة ووهاه بن عبد البر بأنه لم يشرع لنا سب أهل الذمة ويؤيد إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة لما سبتهم وذكر بن عبد البر عن بن طاوس قال يقول علاكم السلام بالالف أي ارتفع وتعقبه وذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم عليكم السلام كما يرد على المسلم واحتج بعضهم بقوله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله وقيل يجوز مطلقا وعن بن عباس وعلقمة يجوز ذلك عند الضرورة وعن الاوزاعي إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد تركوا وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام أصلا وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب والراجح من هذه الاقوال كلها ما دل عليه الحديث ولكنه مختص بأهل الكتاب وقد أخرج أحمد بسند جيد عن حميد بن زادويه وهو غير حميد الطويل في الاصح عن أنس أمرنا أن لا نزيد على أهل الكتاب على وعليكم ونقل بن بطال عن الخطابي نحو ما قال بن حبيب فقال رواية من روى عليكم بغير واو أحسن من الرواية بالواو لان معناه رددت ما قلتموه عليكم وبالواو يصير المعنى على وعليكم لان الواو حرف التشريك انتهى وكأنه نقله من معالم السنن الخطابي فإنه قال فيه هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو وكان بن عيينة يرويه بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه يحذفها يصير قولهم بعينه مردودا عليهم وبالواو يقع الاشتراك والدخول فيما قالوه انتهى وقد رجع الخطابي عن ذلك فقال في الاعلام من شرح البخاري لما تكلم على حديث عائشة المذكور في كتاب الادب من طريق بن أبي مليكة عنها نحو حديث الباب وزاد في آخره أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في قال الخطابي ما ملخصه إن الداعي إذا دعا بشئ ظلما فإن الله لا يستجيب له ولا يجد دعاؤه محلا في المدعو عليه انتهى وله شاهد من حديث جابر قال سلم ناس من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم قال وعليكم قالت عائشة وغضبت ألم تسمع ما قالوا قال بلى قد رددت عليهم فنجاب عليهم ولا يجابون فينا أخرجه مسلم والبخاري في الادب المفرد من طريق بن جريج أخبرني أنه سمع جابرا وقد غفل عن هذه المراجعة من عائشة وجواب النبي صلى الله عليه وسلم لها من أنكر الرواية بالواو وقد تجاسر بعض من أدركناه فقال في الكلام على حديث أنس في هذا الباب الرواية الصحيحة عن مالك بغير واو وكذا رواه بن عيينة وهي أصوب من التي بالواو لانه بحذفها يرجع الكلام عليهم وبإثباتها يقع الاشتراك انتهى وما أفهمه من تضعيف الرواية بالواو وتخطئتها من حيث المعنى مردود عليه بما تقدم وقال النووي الصواب أن حذف الواو واثباتها ثابتان جائزان وباثباتها أجود ولا مفسدة فيه وعليه أكثر الروايات وفي معناها وجهان أحدهما أنهم قالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت والثاني أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وقال البيضاوي في العطف شئ مقدر والتقدير وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس هو عطفا على عليكم في كلامهم وقال القرطبي قيل الواو للاستئناف وقيل زائدة وأولى الاجوبة أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا وحكى بن دقيق العيد عن بن رشد تفصيلا يجمع الروايتين اثبات
[ 39 ]
الواو وحذفها فقال من تحقق أنه قال السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال وقال النووي تبعا لعياض من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو ومن فسرها بالسآمة فإسقاطها هو الوجه قلت بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت وهو أولى من تغليط الثقة واستدل بقوله إذا سلم عليكم أهل الكتاب بأنه لا يشرع للمسلم ابتداء الكافر بالسلام حكاه الباجي عن عبد الوهاب قال الباجي لانه بين حكم الرد ولم يذكر حك الابتداء كذا قال ونقل بن العربي عن مالك لو ابتدأ شخصا بالسلام وهو يظنه مسلما فبان كافرا كان بن عمر يسترد منه سلامه وقال مالك لا قال بن العربي لان الاسترداد حينئذ لا فائدة له لانه لم يحصل له منه شئ لكونه قصد السلام على المسلم وقال غيره له فائده وهو إعلام الكافر بأنه ليس أهلا للابتداء بالسلام قلت ويتأكد إذا كان هناك من يخشى إنكاره لذلك أو اقتداؤه به إذا كان الذي سلم ممن يقتدى به واستدل به على أن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزئ في الرد على المسلم وقيل إن أجاب بالواو أجزأ وإلا فلا وقال بن دقيق العيد التحقيق أنه كاف في حصول معنى السلام لا في امتثال الامر في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها وكأنه أراد الذي بغير واو وأما الذي بالواو فقد ورد في عدة أحاديث منها في الطبراني عن بن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلام عليكم فقال وعليك ورحمة الله وله في الاوسط عن سلمان أتى رجل فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك قلت لكن لما اشتهرت هذه الصيغة للرد على غير المسلم ينبغي ترك جواب المسلم بها وإن كانت مجزئة في أصل الرد والله أعلم قوله باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره كأنه يشير إلى أن الاثر الوارد في النهي عن النظر في كتاب الغير يخص منه ما يتعين طريقا إلى دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر والاثر المذكور أخرجه أبو داود من حديث بن عباس بلفظ من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينطر في النار وسنده ضعيف ثم ذكر في الباب حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وقد تقدم شرحه في تفسير سورة الممتحنة ويوسف بن بهلول شيخه فيه بضم الموحدة وسكون الهاء شيخ كوفي أصله من الانبار ولم يرو عنه من الستة إلا البخاري وما له في الصحيح إلا هذا الحديث وقد أورده من طرق أخرى في المغازي والتفسير منها في المغازي عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الله بن إدريس بالسند المذكور هنا وبقية رجال الاسناد كلهم كوفيون أيضا قال بن التين معنى بهلول الضحاك وسمي به ولا يفتح أوله لانه ليس في الكلام فعلول بالفتح وقال المهلب في حديث على هتك ستر الذنب وكشف المرأة العاصية وما روي أنه لا يجوز النظر في كتاب أحد إلا بإذنه إنما هو في حق من لم يكن متهما على المسلمين وأما من كان متهما فلا حرمة له وفيه أنه يجوز النظر إلى عورة المرأة للضرورة التي لا يجد بدا من النظر إليها وقال بن التين قول عمر دعني أضرب عنقه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا له إلا خيرا يحمل على أنه لم يسمع ذلك أو كان قوله قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
[ 40 ]
ويحتمل أن يكون عمر لشدته في أمر الله حمل النهي على ظاهره من منع القول السئ له ولم ير ذلك مانعا من إقامة ما وجب عليه من العقوبة الذنب الذي ارتكبه فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه صادق في اعتذاره وأن الله عفا عنه قوله باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب ذكر فيه طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو واضح فيما ترجم له قال بن بطال فيه جواز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه قال وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة قلت في جواز السلام على الاطلاق نظر والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك وقد تقدم نقل الخلاف في ذلك في أوائل كتاب الاستئذان قوله باب بمن يبدأ في الكتاب أي بنفسه أو بالمكتوب إليه ذكر فيه طرفا من حديث الرجل من بني إسرائيل الذي اقترض ألف دينار وكأنه لما لم يجد فيه حديثا على شرطه مرفوعا اقتصر على هذا وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرع من قبلنا إذا وردت حكايته في شرعنا ولم ينكر ولا سيما إذا سيق مساق المدح لفاعله والحجة فيه كون الذي عليه الدين كتب في الصحيفة من فلان إلى فلان وكان يمكنه أن يحتج بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل المشار إليه قريبا لكن قد يكون تركه لان بداءة الكبير بنفسه إلى الصغير والعظيم إلى الحقير هو الاصل وإنما يقع التردد فيما هو بالعكس أو المساوى وقد أورد في الادب المفرد من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن كبراء آل زيد بن ثابت هذه الرسالة لعبد الله معاوية أمير المؤمنين لزيد بن ثابت سلام عليك وأورد عن بن عمر نحو ذلك وعند أبي داود من طريق بن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله وعن نافع كان بن عمر يأمر غلمانه إذا كتبوا إليه أن يبدأوا بأنفسهم وعن نافع كان عمال عمر إذا كتبوا إليه بدءوا بأنفسهم قال المهلب السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وعن معمر عن أيوب أنه كان ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه وسئل مالك عنه فقال لا بأس به وقال هو كما لو أوسع له في المجلس فقيل له إن أهل العراق يقولون لا تبدأ بأحد قبلك ولو كان أباك أو أمك أو أكبر منك فعاب ذلك عليهم قلت والمنقول عن بن عمر كان في أغلب أحواله وإلا فقد أخرج البخاري في الادب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية وفي رواية زيادة أما بعد بعد البسملة وأخرج فيه أيضا من رواية عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك يبايعه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك الخ وقد ذكر في كتاب الاعتصام طرفا منه ويأتي التنبيه عليه هناك إن شاء الله تعالى وله وقال الليث تقدم في الكفالة بيان من وصله قوله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أخذ خشبة كذا أورده مختصرا وأورده في الكفالة وغيرها مطولا قوله وقال عمر بن أبي سلمة أي بن عبد الرحمن بن عوف وعمر هذا مدني قدم واسط وهو صدوق فيه ضعف وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله البخاري في الادب المفرد قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة
[ 41 ]
حدثنا عمر فذكر مثل اللفظ المعلق هنا وقد رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص مطولا فقال حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا موسى وقد ذكرت فوائده عند شرحه من كتاب الكفالة قوله عن أبي هريرة في رواية الكشميهني سمع أبا هريرة وكذا النسفي والاصيلي وكريمة قوله نجر كذا للاكثر بالجيم والكشميهني بالقاف قال بن التين قيل في قصة صاحب الخشبة اثبات كرامات الاولياء وجمهور الاشعرية على إثباتها وأنكرها الامام أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية والشيخان أبو محمد بن أبي زيد وأبو الحسن القابسي من المالكية قلت أما الشيرازي فلا يحفظ عنه ذلك وانما نقل ذلك عن أبي إسحاق الاسفرايني وأما الآخران فإنما أنكرا ما وقع معجزة مستقلة لنبي من الانبياء كإيجاد ولد عن غير والد والاسراء إلى السماوات السبع بالجسد في اليقظة وقد صرح إمام الصوفية أبو القاسم القشيري في رسالته بذلك وبسط هذا يليق بموضع آخر وعسى أن يتيسر ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم هذه الترجمة معقودة لحكم قيام القاعد للداخل ولم يجزم فيها بحكم للاختلاف بل اقتصر على لفظ الخبر كعادته قوله عن سعد بن ابرهيم عن أبي أمامة بن سهل تقدم بيان الاختلاف في ذلك في غزوة بني قريظة من كتاب المغازي مع شرح الحديث ومما لم يذكر هناك أن الدارقطني حكى في العلل أن أبا معاوية رواه عن عياض بن عبد الرحمن عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده والمحفوظ عن سعد عن أبي أمامة عن أبي سعيد قوله على حكم سعد هو بن معاذ كما وقع التصريح به فيما تقدم قوله في آخره قال أبو عبد الله هو البخاري أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد يعني شيخه في هذا الحديث بسنده هذا من قول أبي سعيد إلى حكمك يعني من أول الحديث إلى قوله فيه على حكمك وصاحب البخاري في هذا الحديث يحتمل أن يكون محمد بن سعد كاتب الواقدي فإنه أخرجه في الطبقات عن أبي الوليد بهذا السند أو بن الضريس فقد أخرجه البيهقي في الشعب من طريق محمد بن أيوب الرازي عن أبي الوليد وشرحه الكرماني على وجه آخر فقال قوله إلى حكمك أي قال البخاري سمعت أنا من أبي الوليد بلفظ على حكمك وبعض أصحابي نقلوا لي عنه بلفظ إلى بصيغة الانتهاء بدل حرف الاستعلاء كذا قال قال بن بطال في هذا الحديث أمر الامام الاعظم بإكرام الكبير من المسلمين ومشروعية إكرام أهل الفضل في مجلس الامام الاعظم والقيام فيه لغيره من أصحابه وإلزام الناس كافة بالقيام إلى الكبير منهم وقد منع من ذلك قوم واحتجوا بحديث أبي أمامة قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما تقوم الاعاجم بعضهم لبعض وأجاب عنه الطبري بأنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن بريدة أن أباه دخل على معاوية فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن يتمثل له الرجال قياما وجبت له النار وأجاب عنه الطبري بأن هذا الخبر إنما فيه نهي من يقام له عن السرور بذلك لا نهى من يقوم له إكراما له وأجاب عنه بن قتيبة بأن معناه من أراد أن يقوم الرجال على رأسه كما يقام بين يدي ملوك الاعاجم وليس المراد به نهي الرجل عن القيام لاخيه إذا سلم عليه واحتج بن بطال للجواز بما أخرجه النسائي من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى فاطمة
[ 42 ]
بنته قد أقبلت رحب بها ثم قام فقبلها ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه قلت وحديث عائشة هذا أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه بن حبان والحاكم وأصله في الصحيح كما مضى في المناقب وفي الوفاة النبوية لكن ليس فيه ذكر القيام وترجم له أبو داود باب القيام وأورد معه في حديث أبي سعيد وكذا صنع البخاري في الادب المفرد وزاد معهما حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول وقد أشار إليه في الباب الذي يليه وحديث أبي أمامة المبدأ به أخرجه أبو داود وابن ماجة وحديث بن بريدة أخرجه الحاكم من رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن معاوية فذكره وفيه ما من رجل يكون على الناس فيقوم على رأسه الرجال يحب أن يكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة وله طريق أخرى عن معاوية أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والمصنف في الادب المفرد من طريق أبي مجلز قال خرج معاوية على بن الزبير وابن عامر فقام بن عامر وجلس بن الزبير فقال معاوية لابن عامر اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار هذا لفظ أبي داود وأخرجه أحمد من رواية حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز وأحمد عن إسماعيل بن علية عن حبيب مثله وقال العباد بدل الرجال ومن رواية شعبة عن حبيب مثله وزاد فيه ولم يقم بن الزبير وكان أرزنهما قال فقال مه فذكر الحديث وقال فيه من أحب أن يتمثل له عباد الله قياما وأخرجه أيضا عن مروان بن معاوية عن حبيب بلفظ خرج معاوية فقاموا له وباقيه كلفظ حماد وأما الترمذي فإنه أخرجه من رواية سفيان الثوري عن حبيب ولفظه خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا فذكر مثل لفظ حماد وسفيان وإن كان من جبال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد وقد اتفقوا على أن بن الزبير لم يقم وأما ابدال بن عامر بابن صفوان فسهل لاحتمال الجمع بأن يكونا معا وقع لهما ذلك ويؤيده الاتيان فيه بصيغة الجمع وفي رواية مروان بن معاوية المذكورة وقد أشار البخاري في الادب المفرد إلى الجمع المنقول عن بن قتيبة فترجم أولا باب قيام الرجل لاخيه وأورد الاحاديث الثلاثة التي أشرت إليها ثم ترجم باب قيام الرجل للرجل القاعد وباب من كره أن يقعد ويقوم له الناس وأورد فيهما حديث جابر اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فلما سلم قال إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وترجم البخاري أيضا قيام الرجل للرجل تعظيما وأورد فيه حديث معاوية من طريق أبي مجلز ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لاجله لم يجلس ولو كان في شغل نفسه فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس فقال أما التلقي فلا بأس به وأما القيام حتى يجلس فلا فان هذا فعل الجبابرة وقد أنكره عمر بن عبد العزيز وقال الخطابي في حديث الباب جواز إطلاق السيد على الخير الفاضل وفيه أن قيام المرءوس للرئيس الفاضل والامام العادل والمتعلم للعالم مستحب وانما يكره لمن كان بغير هذه الصفات ومعنى حديث من أحب أن يقام له أي بأن يلزمهم بالقيام له صفوفا على طريق الكبر والنخوة ورجح المنذري ما تقدم من الجمع عن بن قتيبة والبخاري وان
[ 43 ]
القيام المنهي عنه أن يقام عليه وهو جالس وقد رد بن القيم في حاشية السنن على هذا القول بأن سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك وانما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيما ولان هذا لا يقال له القيام للرجل وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل قال والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه قلت وورد في خصوص القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه الطبراني في الاوسط عن أنس قال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود ثم حكى المنذري قول الطبري وإنه قصر النهي على من سره القيام له لما في ذلك من محبة التعاظم ورؤية منزلة نفسه وسيأتي ترجيح النووي لهذا القول ثم نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضا قال وفي ذلك نظر قلت كأنه لم يقف على مستند هذا القائل وقد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد احتج به النووي في كتاب القيام ونقل عن البخاري ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به ولفظ مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا وقد اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج فقال ما ملخصه لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه لما خص به الانصار فإن الاصل في أفعال القرب التعميم ولو كان القيام لسعد على سبيل البر والاكرام لكان هو صلى الله عليه وسلم أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة فلما لم يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الامر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات ولان عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها فلذلك خص الانصار بذلك دون المهاجرين مع أن المراد بعض الانصار لا كلهم وهم الاوس منهم لان سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لم يكن للاعانة فليس هو المتنازع فيه بل لانه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع قال ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من تحكيمه والرضا بما يحكم به والقيام لاجل التهنئة مشروع أيضا ثم نقل عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه الاول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع على سبيل البر والاكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها وقال التوربشتي في شرح المصابيح معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى اعانته وانزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للاكرام وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف لان إلى في هذا
[ 44 ]
المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما وهذا مأخوذ من ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله سيدكم علة للقيام له وذلك لكونه شريفا علي القدر وقال البيهقي القيام على وجه البر والاكرام جائز كقيام الانصار لسعد وطلحة لكعب ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى ان ترك القيام له حنق عليه أو عاتبه أو شكاه قال أبو عبد الله وضابط ذلك أن كل أمر ندب الشرع المكلف بالمشي إليه فتأخر حتى قدم المأمور لاجله فالقيام إليه يكون عوضا عن المشي الذي فات واحتج النووي أيضا بقيام طلحة لكعب بن مالك وأجاب بن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته ولذلك لم يحتج به البخاري للقيام وإنما أورده في المصافحة ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن حضر وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة والبشارة ونحو ذلك تكون على قدر المودة والخلطة بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت ومن لم تعرف والتفاوت في المودة يقع بسبب التفاوت في الحقوق وهو أمر معهود قلت ويحتمل أن يكون من كان لكعب عنده من المودة مثل ما عند طلحة لم يطلع على وقوع الرضا عن كعب واطلع عليه طلحة لان ذلك عقب منع الناس من كلامه مطلقا وفي قول كعب لم يقم إلي من المهاجرين غيره إشارة إلى أنه قام إليه غيره من الانصار ثم قال بن الحاج وإذا حمل فعل طلحة على محل النزاع لزم أن يكون من حضر من المهاجرين قد ترك المندوب ولا يظن بهم ذلك واحتج النووي بحديث عائشة المتقدم في حق فاطمة وأجاب عنه بن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لاجل إجلاسها في مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه وأمعن في بسط ذلك واحتج النووي أيضا بما أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فجلس عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام فأجلسه بين يديه واعترضه بن الحاج بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الاخ وإنما قام للاخ إما لان يوسع له في الرداء أو في المجلس واحتج النووي أيضا بما أخرجه مالك في قصة عكرمة بن أبي جهل أنه لما فر إلى اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلما فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء وبقيام النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم جعفر من الحبشة فقال ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر وبحديث عائشة قدم زيد بن حارثة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه فاعتنقه وقبله وأجاب بن الحاج بأنها ليست من محل النزاع كما تقدم واحتج أيضا بما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل وأجاب بن الحاج بأن قيامهم كان لضرورة الفراغ ليتوجهوا إلى أشغالهم ولان بيته كان بابه في المسجد والمسجد لم يكن واسعا إذ ذاك فلا يتأتى أن يستووا قياما الا وهو قد دخل كذا قال والذي يظهر لي في الجواب أن يقال لعل سبب تأخيرهم حتى يدخل لما يحتمل عندهم من أمر يحدث له حتى لا يحتاج إذا تفرقوا أن يتكلف استدعائهم ثم راجعت سنن أبي داود فوجدت في آخر الحديث ما يؤيد
[ 45 ]
ما قلته وهو قصة الاعرابي الذي جبذ رداءه صلى الله عليه وسلم فدعا رجلا فأمره أن يحمل له على بعيره تمرا وشعيرا وفي آخره ثم التفت إلينا فقال انصرفوا رحمكم الله تعالى ثم احتج النووي بعمومات تنزيل الناس منازلهم واكرام ذي الشيبة وتوقير الكبير واعترضه بن الحاج بما حاصله أن القيام على سبيل الاكرام داخل في العمومات المذكورة لكن محل النزاع قد ثبت النهي عنه فيخص من العمومات واستدل النووي أيضا بقيام المغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف واعترضه بن الحاج بأنه كان بسبب الذب عنه في تلك الحالة من أذى من يقرب منه من المشركين فليس هو من محل النزاع ثم ذكر النووي حديث معاوية وحديث أبي أمامة المتقدمين وقدم قبل ذلك ما أخرجه الترمذي عن أنس قال لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك قال الترمذي حسن صحيح غريب وترجم له باب كراهية قيام الرجل للرجل وترجم لحديث معاوية باب كراهية القيام للناس قال النووي وحديث أنس أقرب ما يحتج به والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه فكره قيامهم له لهذا المعنى كما قال لا تطروني ولم يكره قيام بعضهم لبعض فإنه قد قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته فلم ينكر عليهم بل أقره وأمر به ثانيهما أنه كان بينه وبين أصحابه من الانس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالاكرام بالقيام فلم يكن في القيام مقصود وان فرض للانسان صاحب بهذه الحالة لم يحتج إلى القيام واعترض بن الحاج بأنه لا يتم الجواب الاول إلا لو سلم أن الصحابة لم يكونوا يقومون لاحد أصلا فإذا خصوه بالقيام له دخل في الاطراء لكنه قرر أنهم يفعلون ذلك لغيره فكيف يسوغ لهم أن يفعلوا مع غيره ما لا يؤمن معه الاطراء ويتركوه في حقه فان كان فعلهم ذلك للاكرام فهو أولى بالاكرام لان المنصوص على الامر بتوقيره فوق غيره فالظاهر أن قيامهم لغيره انما كان لضرورة قدوم أو تهنئة أو نحو ذلك من الاسباب المتقدمة لا على صورة محل النزاع وأن كرامته لذلك انما هي في صورة محل النزاع أو للمعنى المذموم في حديث معاوية قال والجواب عن الثاني أنه لو عكس فقال ان كان الصاحب لم تتأكد صحبته له ولا عرف قدره فهو معذور بترك القيام بخلاف من تأكدت صحبته له وعظمت منزلته منه وعرف مقداره لكان متجها فإنه يتأكد في حقه مزيد البر والاكرام والتوقير أكثر من غيره قال ويلزم على قوله ان من كان أحق به وأقرب منه منزلة كان أقل توقيرا له ممن بعد لاجل الانس وكمال الود والواقع في صحيح الاخبار خلاف ذلك كما وقع في قصة السهو وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وقد كلمه ذو اليدين مع بعد منزلته منه بالنسبة إلى أبي بكر وعمر قال ويلزم على هذا أن خواص العالم والكبير والرئيس لا يعظمونه ولا يوقرونه لا بالقيام ولا بغيره بخلاف من بعد منه وهذا خلاف ما عليه عمل السلف والخلف انتهى كلامه وقال النووي في الجواب عن حديث معاوية ان الاصح والاولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له قال وليس فيه تعرض للقيام بمنهى ولا غيره وهذا متفق عليه قال والمنهي عنه محبة القيام فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أو لم يقوموا قال فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهي عنه قلنا هذا فاسد لانا قدمنا أن الوقوع
[ 46 ]
في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا ولا يخفى ما فيه واعترضه بن الحاج بان الصحابي الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهي عن القيام الموقع الذي يقام له في المحذور فصوب فعل من امتنع من القيام دون من قام وأقروه على ذلك وكذا قال بن القيم في حواشي السنن في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي انما هو في حق من يقوم الرجال بحضرته لان معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له ثم ذكر بن الحاج من المفاسد التي تترتب على استعمال القيام أن الشخص صار لا يتمكن فيه من التفصيل بين من يستحب اكرامه وبره كأهل الدين والخير والعلم أو يجوز كالمستورين وبين من لا يجوز كالظالم المعلن بالظلم أو يكره كمن لا يتصف بالعدالة وله جاء فلولا اعتياد القيام ما احتاج أحد أن يقوم لمن يحرم اكرامه أو يكره بل جر ذلك إلى ارتكاب النهي لما صار يترتب على الترك من الشر وفي الجملة متى صار ترك القيام يشعر بالاستهانة أو يترتب عليه مفسدة امتنع وإلى ذلك أشار بن عبد السلام ونقل بن كثير في تفسيره عن بعض المحققين التفصيل فيه فقال المحذور أن يتخذ ديدنا كعادة الاعاجم كما دل عليه حديث أنس وأما إن كان لقادم من سفر أو لحاكم في محل ولايته فلا بأس به قلت ويلتحق بذلك ما تقدم في أجوبة بن الحاج كالتهنئة لمن حدثت له نعمة أو لاعانة العاجز أو لتوسيع المجلس أو غير ذلك والله أعلم وقد قال الغزالي القيام على سبيل الاعظام مكروه وعلى سبيل الاكرام لا يكره وهذا تفصيل حسن قال بن التين قوله في هذه الرواية حكمت فيهم بحكم الملك ضبطناه في رواية القابسي بفتح اللام أي جبريل فيما أخبر به عن الله وفي رواية الاصيلي بكسر اللام أي بحكم الله أي صادفت حكم الله قوله باب المصافحة هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الافضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد وقد أخرج الترمذي بسند ضعيف من حديث أبي أمامة رفعه تمام تحيتكم بينكم المصافحة وأخرج المصنف في الادب المفرد وأبو داود بسند صحيح من طريق حميد عن أنس رفعه قد أقبل أهل اليمن وهم أول من حيانا بالمصافحة وفي جامع بن وهب من هذا الوجه وكانوا أول من أظهر المصافحة قوله وقال بن مسعود علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه سقط هذا التعليق من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين وسيأتي موصولا في الباب الذي بعده قوله وقال كعب بن مالك دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني هو طرف من قصة كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك في قصة توبته وقد تقدمت الاشارة إليه في الباب الذي قبله وجاء ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر كما سيأتي في أثناء باب المعانقة) قوله عن قتادة قلت لانس بن مالك أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم زاد الاسماعيلي في روايته عن همام قال قتادة وكان الحسن يعني البصري يصافح وجاء من وجه آخر عن أنس قيل يا رسول الله الرجل يلقى أخاه أينحني له قال لا قال فيأخذ بيده ويصافحه قال نعم أخرجه الترمذي وقال حسن قال بن بطال المصافحة حسنة عند عامة العلماء وقد استحبها مالك بعد كراهته وقال النووي المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن البراء رفعه ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وزاد فيه بن السني وتكاشرا بود ونصيحة وفي رواية لابي داود وحمدا
[ 47 ]
الله واستغفراه وأخرجه أبو بكر الروياني في مسنده من وجه آخر عن البراء لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحني فقلت يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم فقال نحن أحق بالمصافحة فذكر نحو سياق الخبر الاول وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ تصافحوا يذهب الغل ولم نقف عليه موصولا واقتصر بن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره قال النووي وأما تخصيص المصافحة بما بعد صلاتي الصبح والعصر فقد مثل بن عبد السلام في القواعد البدعة المباحة بها قال النووي وأصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الاحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة قلت وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها ويستثنى من عموم الامر بالمصافحة المرأة الاجنبية والامرد الحسن قوله أخبرني حيوه بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة وآخرها هاء تأنيث هو بن شريح المصري قوله سمع جده عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان من بني تميم بن مرة قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب كذا اختصره وكذا أورده في مناقب عمر بن الخطاب وساقه بتمامه في الايمان والنذور وسيأتي البحث فيه هناك وأغفل المزي ذكره هنا ولم يقع في رواية النسفي أيضا وذكره الاسماعيلي هنا من رواية رشدين بن سعد وابن لهيعة جميعا عن زهرة بن معبد بتمامه وأسقطه من كتاب الايمان والنذور وابن لهيعة ورشدين ليسا من شرط الصحيح ولم يقع لابي نعيم أيضا من طريق بن وهب عن حيوة فأخرجه في الايمان والنذور بتمامه من طريق البخاري وأخرج القدر المختصر هنا من رواية أبي زرعة وهب الله بن راشد عن زهرة بن معبد ووهب الله هذا مختلف فيه وليس من رجال الصحيح ووجه إدخال هذا الحديث في المصافحة أن الاخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة اليد غالبا ومن ثم أفردها بترجمة تلي هذه لجواز وقوع الاخذ باليد من غير حصول المصافحة قال بن عبد البر روى بن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وذهب إلى هذا سحنون وجماعة وقد جاء عن مالك جواز المصافحة وهو الذي يدل عليه صنيعه في الموطأ وعلى جوازه جماعة العلماء سلفا وخلفا والله أعلم قوله باب الاخذ باليد كذا في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي وللباقين باليدين وفي نسخة باليمين وهو غلط وسقطت هذه الترجمة وأثرها وحديثها من رواية النسفي قوله وصافح حماد بن زيد بن المبارك بيديه وصله غنجار في تاريخ بخارى من طريق إسحاق بن أحمد بن خلف قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمع أبي من مالك ورأى حماد بن زيد يصافح بن المبارك بكلتا يديه وذكر البخاري في التاريخ في ترجمة أبيه نحوه وقال في ترجمة عبد الله بن سلمة المرادي حدثني أصحابنا يحيى وغيره عن أبي إسماعيل بن إبراهيم قال رأيت حماد بن زيد وجاءه بن المبارك بمكة فصافحه بكلتا يديه ويحيى المذكور هو بن جعفر البيكندي وقد أخرج الترمذي من حديث بن مسعود رفعه من تمام التحية الاخذ باليد وفي سنده ضعف وحكى الترمذي عن البخاري أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي أحد التابعين وأخرج بن المبارك في كتاب البر والصلة من حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل لا ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى
[ 48 ]
يكون هو الذي يصرفه قوله علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كذا عنده بتأخير المفعول عن الجملة الحالية وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الآتي التنبيه عليها بتقديم المفعول وهو لفظ التشهد قوله في آخره وهو بين ظهرانينا بفتح النون وسكون التحتانية ثم نون أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم عنه والمتأخر أي كائن بيننا والالف والنون زيادة للتأكيد ولا يجوز كسر النون الاولى قاله الجوهري وغيره قوله فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم هكذا جاء في هذه الرواية وقد تقدم الكلام على حديث التشهد هذا في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية شقيق بن سلمة عن بن مسعود وليست فيه هذه الزيادة وتقدم شرحه مستوفى وأما هذه الزيادة فظاهرها أنهم كانوا يقولون السلام عليك أيها النبي بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون السلام على النبي وأما قوله في آخره يعني على النبي فالقائل يعني هو البخاري وإلا فقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في آخره فلما قبض صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على النبي وهكذا أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر وقد أشبعت القول في هذا عند شرح الحديث المذكور قال بن بطال الاخذ باليد هو مبالغة المصافحة وذلك مستحب عند العلماء وانما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روى فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين قال فقبلنا يده قال وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم ذكره الابهري وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم وقبل زيد بن ثابت يد بن عباس حين أخذ بن عباس بركابه قال الابهري وانما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز قال بن بطال وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات الحديث وفي آخره فقبلا يده ورجله قال الترمذي حسن صحيح قلت حديث بن عمر أخرجه البخاري في الادب المفرد وأبو داود وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في الدلائل وابن المقري وحديث كعب وصاحبيه أخرجه بن المقري وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في جامعه وحديث بن عباس أخرجه الطبري وابن المقري وحديث صفوان أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءا في تقبيل اليد سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله أخرجه أبو داود ومن حديث مزيدة العصري مثله ومن حديث أسامة بن شريك قال قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده وسنده قوي ومن حديث جابر أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل يده ومن حديث بريدة في قصة الاعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له وأخرج البخاري في الادب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال أخرج لنا سلمة بن الاكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها وعن ثابت أنه قبل يد أنس وأخرج
[ 49 ]
أيضا أن عليا قبل يد العباس ورجله وأخرجه بن المقري وأخرج من طريق أبي مالك الاشجعي قال قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولنيها فقبلتها قال النووي تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الامور الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة وقال أبو سعيد المتولي لا يجوز قوله باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت كذا للاكثر وسقط لفظ المعانقة واو العطف من رواية النسفي ومن رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي وضرب عليها الدمياطي في أصله قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه كما بينته في الوفاة النبوية وقال الكرماني لعله بن منصور لانه روى عن بشر بن شعيب في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم قلت وهو استدلال على الشئ بنفسه لان الحديث المذكور هناك وهنا واحد والصيغة في الموضعين واحدة فكان حقه إن قام الدليل عنده على ان المراد بإسحاق هناك بن منصور أن يقول هنا كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية قوله وحدثنا أحمد بن صالح هو إسناد آخر إلى الزهري يرد على من ظن انفراد شعيب به وقد بينت هناك أن الاسماعيلي أخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان ولم أستحضر حينئذ رواية يونس هذه فهم على هذا ثلاثة من حفاظ أصحاب الزهري رووه عنه وسياق المصنف على لفظ أحمد بن صالح هذا وسياقه هناك على لفظ شعيب والمعنى متقارب وقد ذكرت شرحه هناك قال بن بطال عن المهلب ترجم للمعانقة ولم يذكرها في الباب وانما أراد أن يدخل فيه معانقة النبي صلى الله عليه وسلم للحسن الحديث الذي تقدم ذكره في باب ما ذكر من الاسواق في كتاب البيوع فلم يجد له سندا غير السند الاول فمات قبل أن يكتب فيه شيئا فبقي الباب فارغا من ذكر المعانقة وكان بعده باب قول الرجل كيف أصبحت وفيه حديث علي فلما وجد ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين ظنهما واحدة إذ لم يجد بينهما حديثا وفي الكتاب مواضع من الابواب فارغة لم يدرك أن يتمها بالاحاديث منها في كتاب الجهاد انتهى وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر أنه أراد ما أخرجه في الادب المفرد فإنه ترجم فيه باب المعانقة وأورد فيه حديث جابر أنه بلغه حديث عن رجل من الصحابة قال فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إلى فخرج فاعتنقني واعتنقته الحديث فهذا أولى بمراده وقد ذكر طرفا منه في كتاب العلم معلقا فقال ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر في حديث واحد وتقدم الكلام على سنده هناك وأما جزمه بأنه لم يجد لحديث أبي هريرة سند ا آخر ففيه نظر لانه أورده في كتاب اللباس بسند آخر وعلقه في مناقب الحسن فقال وقال نافع بن جبير عن أبي هريرة فذكر طرفا منه فلو كان أراد ذكره لعلق منه موضع حاجته أيضا بحذف أكثر السند أو بعضه كأن يقول وقال أبو هريرة أو قال عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة وأما قوله أنهما ترجمتان خلت الاولى عن الحديث فضمهما الناسخ فإنه محتمل ولكن في الجزم به نظر وقد ذكرت في المقدمة عن أبي ذر راوي الكتاب ما يؤيد ما ذكره من أن بعض من سمع الكتاب كان يضم بعض التراجم إلى بعض ويسد البياض وهي قاعدة يفزع إليها عند العجز عن تطبيق الحديث على الترجمة ويؤيده إسقاط لفظ المعانقة من رواية من ذكرنا وقد ترجم في الادب باب كيف أصبحت وأورد فيه حديث بن عباس
[ 50 ]
المذكور وأفرد باب المعانقة عن هذا الباب وأورد فيه حديث جابر كما ذكرت وقوى بن التين ما قال بن بطال بأنه وقع عنده في رواية باب المعانقة قول الرجل كيف أصبحت بغير واو فدل على أنهما ترجمتان وقد أخذ بن جماعة كلام بن بطال جازما به واختصره وزاد عليه فقال ترجم بالمعانقة ولم يذكرها وإنما ذكرها في كتاب البيوع وكأنه ترجم ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى ولا طريق آخر لسند معانقة الحسن ولم ير أن يرويه بذلك السند لانه ليس من عادته إعادة السند الواحد أو لعله أخذ المعانقة من عادتهم عند قولهم كيف أصبحت فاكتفى بكيف أصبحت لاقتران المعانقة به عادة قلت وقد قدمت الجواب عن الاحتمالين الاولين وأما الاحتمال الاخير فدعوى العادة تحتاج إلى دليل وقد أورد البخاري في الادب المفرد في باب كيف أصبحت حديث محمود بن لبيد أن سعد بن معاذ لما أصيب أكحله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول كيف أصبحت الحديث وليس فيه للمعانقة ذكر وكذلك أخرج النسائي من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف أصبحت فقال صالح من رجل لم يصبح صائما وأخرج بن أبي شيبة من طريق سالم بن أبي الجعد عن بن أبي عمر نحوه وأخرج البخاري أيضا في الادب المفرد من حديث جابر قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت قال بخير الحديث ومن حديث مهاجر الصائغ كنت أجلس إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا قيل له كيف أصبحت قال لا نشرك بالله ومن طريق أبي الطفيل قال قال رجل لحذيفة كيف أصبحت أو كيف أمسيت يا أبا عبد الله قال احمد الله ومن طريق أنس أنه سمع عمر سلم عليه رجل فرد ثم قال له كيف أنت قال احمد الله قال هذا الذي أردت منك وأخرج الطبراني في الاوسط نحو هذا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا فهذه عدة أخبار لم تقترن فيها المعانقة بقول كيف أصبحت ونحوها بل ولم يقع في حديث الباب أن اثنين تلاقيا فقال أحدهما للآخر كيف أصبحت حتى يستقيم الحمل على العادة في المعانقة حينئذ وإنما وقع فيه أن من حضر باب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا خروج علي من عند النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن حاله في مرضه فأخبرهم فالراجح أن ترجمة المعانقة كانت خالية من الحديث كما تقدم وقد ورد في المعانقة أيضا حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم قال قلت لابي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه قال ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود وأجود ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم وأخرج الطبراني في الاوسط من حديث أنس كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا وله في الكبير كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم قال بن بطال اختلف الناس في المعانقة فكرهها مالك وأجازها بن عيينة ثم ساق قصتهما في ذلك من طريق سعيد بن إسحاق وهو مجهول عن علي بن يونس الليثي المدني وهو كذلك وأخرجها بن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه من وجه آخر عن علي بن يونس قال استأذن سفيان بن عيينة على مالك فأذن له فقال السلام عليكم فردوا عليه ثم قال السلام خاص وعام السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته فقال وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته ثم قال لولا أنها بدعة لعانقتك قال قد
[ 51 ]
عانق من هو خير منك قال جعفر قال نعم قال ذاك خاص قال ما عمه يعمنا ثم ساق سفيان الحديث عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم الحديث قال الذهبي في الميزان هذه الحكاية باطلة واسنادها مظلم قلت والمحفوظ عن بن عيينة بغير هذا الاسناد فأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن الاجلح عن الشعبي أن جعفرا لما قدم تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جعفرا بين عينيه وأخرج البغوي في معجم الصحابة من حديث عائشة لما قدم جعفر استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل ما بين عينيه وسنده موصول لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف وأخرج الترمذي عن عائشة قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن وأخرج قاسم بن اصبغ عن أبي الهيثم بن التيهان أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فاعتنقه وقبله وسنده ضعيف قال المهلب في أخذ العباس بيد على جواز المصافحة والسؤال عن حال العليل كيف أصبح وفيه جواز اليمين على غلبة الظن وفيه أن الخلافة لم تذكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أصلا لان العباس حلف أنه يصير مأمورا لا آمرا لما كان يعرف من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بها إلى غيره وفي سكوت على دليل على علم علي بما قال العباس قال وأما قول علي لو صرح النبي صلى الله عليه وسلم بصرفها عن بني عبد المطلب لم يمكنهم أحد بعده منها فليس كما ظن لانه صلى الله عليه وسلم قال مروا أبا بكر فليصل بالناس وقيل له لو أمرت عمر فامتنع ثم لم يمنع ذلك عمر من ولايتها بعد ذلك قلت وهو كلام من لم يفهم مراد علي وقد قدمت في شرح الحديث في الوفاة النبوية بيان مراده وحاصله أنه إنما خشي أن يكون منع النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الخلافة حجة قاطعة يمنعهم منها على الاستمرار تمسكا بالمنع الاول لو رده بمنع الخلافة نصا وأما منع الصلاة فليس فيه نص على منع الخلافة وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر في مرضه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة فهو بطريق الاستنباط لا النص ولولا قرينة كونه في مرض الموت ما قوي وإلا فقد استناب في الصلاة قبل ذلك غيره في أسفاره والله أعلم وأما ما استنبطه أولا ففيه نظر لان مستند العباس في ذلك الفراسة وقرائن الاحوال ولم ينحصر ذلك في أن معه من النبي صلى الله عليه وسلم النص على منع علي من الخلافة وهذا بين من سياق القصة وقد قدمت هناك أن في بعض طرق هذا الحديث أن العباس قال لعلي بعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم أبسط يدك أبايعك فيبايعك الناس فلم يفعل فهذا دال على أن العباس لم يكن عنده في ذلك نص والله أعلم وقول العباس في هذه الرواية لعلي ألا تراه أنت والله بعد ثلاث الخ قال بن التين الضمير في تراه للنبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن الاظهر أنه ضمير الشأن وليست الرؤيا هنا الرؤيا البصرية وقد وقع في سائر الروايات ألا ترى بغير ضمير وقوله لو لم تكن الخلافة فينا أمرناه قال بن التين فهو بمد الهمزة أي شاورناه قال وقرأناه بالقصر من الامر قلت وهو المشهور والمراد سألناه لان صيغة الطلب كصيغة الامر ولعله أراد أنه يؤكد عليه في السؤال حتى يصير كأنه آمر له بذلك وقال الكرماني فيه دلالة على أن الامر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء وحكى بن التين عن الداودي أن أول ما استعمل الناس كيف أصبحت في زمن طاعون
[ 52 ]
عمواس وتعقبه بأن العرب كانت تقوله قبل الاسلام وبأن المسلمين قالوه في هذا الحديث قلت والجواب حمل الاولية على ما وقع في الاسلام لان الاسلام جاء بمشروعية السلام للمتلاقيين ثم حدث السؤال عن الحال وقل من صار يجمع بينهما والسنة البداءة بالسلام وكأن السبب فيه ما وقع من الطاعون فكانت الداعية متوفرة على سؤال الشخص من صديقه عن حاله فيه ثم كثر ذلك حتى اكتفوا به عن السلام ويمكن الفرق بين سؤال الشخص عمن عنده ممن عرف أنه متوجع وبين سؤال من حاله يحتمل الحدوث قوله باب من أجاب بلبيك وسعديك ذكر فيه حديث أنس عن معاذ قال أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا معاذ قلت لبيك وسعديك وقد تقدم شرح هاتين الكلمتين في كتاب الحج وتقدم شرح بعض حديث معاذ في كتاب العلم وفي الجهاد ويأتي مستوفى في كتاب الرقاق وكذلك حديث أبي ذر المذكور في الباب بعده وقوله فيه قلت لزيد أي بن وهب والقائل هو الاعمش وهو موصول بالاسناد المذكور وقد بين في الرواية التي تليها أن الاعمش رواه عن أبي صالح عن أبي الدرداء وقوله وقال أبو شهاب عن الاعمش يعني عن زيد بن وهب عن أبي ذر كما تقدم موصولا في كتاب الاستقراض والمراد أنه أتى بقوله يمكث عندي فوق ثلاث بدل قوله في رواية هذا الباب تأتي على ليلة أو ثلاث عندي منه دينار وبقية سياق الحديث سواء إلا الكلام الاخير في سؤال الاعمش زيد بن وهب إلى آخره وقوله أرصده بضم أوله وقوله فقمت أي أقمت في موضعي وهو كقوله تعالى وإذا أظلم عليهم قاموا وقد ورد ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج النسائي وصححه بن حبان من حديث محمد بن حاطب قال انطلقت بي أمي إلى رجل جالس فقالت له يا رسول الله قال لبيك وسعديك قلت وأمه هي أم جميل بالجيم بنت المحلل بمهملة ولامين الاولى ثقيلة قوله باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه هكذا ترجم بلفظ الخبر وهو خبر معناه النهي وقد رواه بن وهب بلفظ النهي لا يقم وكذا رواه بن الحسن ورواه القاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار بلفظ لا يقيمن وكذا رقع في رواية الليث عند مسلم بلفظ النهي المؤكد وكذا عنده من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس وهذا الحديث ليس في الموطأ إلا عند بن وهب ومحمد بن الحسن وقد أخرجه الدارقطني من رواية إسماعيل وابن وهب وابن الحسن والوليد بن مسلم والقاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار كلهم عن مالك وأخرجه الاسماعيلي من رواية القاسم بن يزيد الجرمي وعبد الله بن وهب جميعا عن مالك وضاق على أبي نعيم فأخرجه من طريق البخاري نفسه وقد تقدم في كتاب الجمعة من رواية بن جريج عن نافع ويأتي في الباب الذي يليه من رواية عبد الله بن عمر العمري عن نافع وسياقه أتم ويأتي شرحه
[ 53 ]
فيه قوله باب إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا كذا لابني ذر وزاد غيره وإذا قيل انشزوا فانشزوا الآية اختلف في معنى الآية فقيل إن ذلك خاص بمجلس النبي صلى الله عليه وسلم قال بن بطال قال بعضهم هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة عن مجاهد وقتادة قلت لفظ الطبري عن قتادة كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوه مقبلا ضيقوا مجلسهم فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض قلت ولا يلزم من كون الآية نزلت في ذلك الاختصاص وأخرج بن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان بفتح المهملة والتحتانية الثقيلة قال نزلت يوم الجمعة أقبل جماعة من المهاجرين والانصار من أهل بدر فلم يجدوا مكانا فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ناسا ممن تأخر إسلامه فأجلسهم في أماكنهم فشق ذلك عليهم وتكلم المنافقون في ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا وعن الحسن البصري المراد بذلك مجلس القتال قال ومعنى قوله انشزوا انهضوا للقتال وذهب الجمهور إلى أنها عامة في كل مجلس من مجالس الخير وقوله افسحوا يفسح الله أي وسعوا يوسع الله عليكم في الدنيا والآخرة قوله سفيان هو الثوري قوله أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر كذا في رواية سفيان وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ لا يقم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه قوله ولكن تفسحوا وتوسعوا هو عطف تفسيري ووقع في رواية قبيصة عن سفيان عند بن مردويه ولكن ليقل افسحوا وتوسعوا وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية قبيصة وليس عنده ليقل وهذه الزيادة أشار مسلم إلى أن عبيد الله بن عمر تفرد بها عن نافع وأن مالكا والليث وأيوب وابن جريج رووه عن نافع بدونها وأن بن جريج زاد قلت لنافع في الجمعة قال وفي غيرها وقد تقدمت زيادة بن جريج هذه في كتاب الجمعة ووقع في حديث جابر عند مسلم لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا فجمع بين الزيادتين ورفعهما وكان ذلك سبب سؤال بن جريج لنافع قال بن أبي جمرة هذا اللفظ عام في المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة أما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وأما على الخصوص كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا اذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها ثم هو في المجالس العامة وليس عاما في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الاذى كآكل الثوم النئ إذا دخل المسجد والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضى للضغائن والحث على التواضع المقتضى للمواددة وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى شئ استحقه ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة وبعضه على سبيل التحريم قال فأما قوله تفسحوا وتوسعوا فمعنى الاول أن يتوسعوا فيما بينهم ومعنى الثاني أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل من الجمع مجلس للداخل انتهى ملخصا قوله وكان بن عمر هو موصول بالسند المذكور قوله يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه أخرجه البخاري في الادب المفرد عن قبيصة عن سفيان وهو الثوري بلفظ وكان بن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه وكذا أخرجه مسلم من رواية
[ 54 ]
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقوله يجلس في روايتنا بفتح أوله وضبطه أبو جعفر الغرناطي في نسخته بضم أوله على وزن يقام وقد ورد ذلك عن بن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب بفتح المعجمة وكسر المهملة آخره موحدة بوزن عظيم واسمه زياد بن عبد الرحمن عن بن عمر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن جاءنا أبو بكرة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا وأخرجه الحاكم وصححه من هذا الوجه لكن لفظه مثل لفظ بن عمر الذي في الصحيح فكأن أبا بكرة حمل النهي على المعنى الاعم وقد قال البزار أنه لا يعرف له طريق إلا هذه وفي سنده أبو عبد الله مولى أبي بردة بن أبي موسى وقيل مولى قريش وهو بصري لا يعرف قال بن بطال اختلف في النهي فقيل للادب وإلا فالذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهي وقيل هو على ظاهره ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه واحتجوا بالحديث يعني الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به قالوا فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت أنه حقه قبل أن يقوم ويتأيد ذلك بفعل بن عمر المذكور فإنه راوي الحديث وهو أعلم بالمراد منه وأجاب من حمله على الادب أن الموضع في الاصل ليس ملكه قبل الجلوس ولا بعد المفارقة فدل على أن المراد بالحقيقة في حالة الجلوس الاولوية فيكون من قام تاركا له قد سقط حقه جملة ومن قام ليرجع يكون أولى وقد سئل مالك عن حديث أبي هريرة فقال ما سمعت به وإنه لحسن إذا كانت أوبته قريبة وان بعد فلا أرى ذلك له ولكنه من محاسن الاخلاق وقال القرطبي في المفهم هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه وما احتج به من حمله على الادب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة لانا نسلم أنه غير ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه قال النووي قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود إليه كإرادة الوضوء مثلا أو لشغل يسير ثم يعود لا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه واختلف هل يجب عليه على وجهين أصحهما الوجوب وقيل يستحب وهو مذهب مالك قال أصحابنا وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها قال ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا والله أعلم وقال عياض اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى فحكى عن مالك أنه أحق به إذا عرف به قال والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب ولعله مراد مالك وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الافنية والطرق التي هي غير متملكة قالوا من اعتاد بالجلوس في شئ منها فهو أحق به حتى يتم غرضه قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع وقال القرطبي الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب وقال النووي استثنى أصحابنا من عموم قول لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه من ألف من المسجد موضعا يفتي فيه أو يقرئ فيه قرآنا أو علما فله أن يقيم من سبقه إلى القعود فيه وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الاسواق لمعاملة قال النووي وأما ما نسب إلى بن عمر فهو ورع منه وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك
[ 55 ]
برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لاجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى ان الايثار بالقرب مكروه أو خلاف الاولى فكان يمتنع لاجل ذلك لئلا يرتكب ذلك أحد بسببه قال علماء أصحابنا وانما يحمد الايثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا قوله باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه أو تهيأ للقيام ليقوم الناس ذكر فيه حديث أنس في قصة زواج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وفيه فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الاحزاب قال بن بطال فيه أنه لا ينبغي لاحد أن يدخل ببيت غيره إلا بإذنه وأن المأذون له لا يطيل الجلوس بعد تمام ما أذن له فيه لئلا يؤذي أصحاب المنزل ويمنعهم من التصرف في حوائجهم وفيه أن من فعل ذلك حتى تضرر به صاحب المنزل أن لصاحب المنزل أن يظهر التثاقل به وأن يقوم بغير إذن حتى يتفطن له وأن صاحب المنزل إذا خرج من منزله لم يكن للمأذون له في الدخول أن يقيم إلا بإذن جديد والله أعلم قوله باب الاحتباء باليد وهو وقع في رواية الكشميهني وهي القرفصاء بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة ثم صاد مهملة ومد وقال الفراء ان ضممت القاف والفاء مددت وإن كسرت قصرت والذي فسر به البخاري الاحتباء أخذه من كلام أبي عبيدة فإنه قال القرفصاء جلسة المحتبى ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه وقال عياض قيل هي الاحتباء وقيل جلسة الرجل المستوفز وقيل جلسة الرجل على إليتيه قال وحديث قيلة يدل عليه لان فيه وبيده عسيب نخلة فدل على أنه لم يحتب بيديه قلت ولا دلالة فيه على نفي الاحتباء فإنه تارة يكون باليدين وتارة بثوب فلعله في الوقت الذي رأته قيلة كان محتبيا بثوبه وقد قال بن فارس وغيره الاحتباء أن يجمع ثوبه ظهره وركبتيه قلت وحديث قيلة وهي بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها لام أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل والطبراني وطوله بسند لا بأس به أنها قالت فذكر الحديث وفيه قالت فجاء رجل فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك السلام ورحمة الله وعليه أسمال مليتين قد كانتا بزعفران فنفضتا وبيده عسيب نخلة مقشرة قاعدا القرفصاء قالت فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق فقال له جليسه يا رسول الله أرعدت المسكينة فقال ولم ينظر إلي يا مسكينة عليك السكينة فذهب عني ما أجد من الرعب الحديث وقوله فيه وعليه أسمال بمهملة جمع سمل بفتحتين وهو الثوب البالي ومليتين بالتصغير تثنية ملاءة وهي الرداء وقيل القرفصاء الاعتماد على عقبيه ومس أليتيه بالارض والذي يتحرر من هذا كله أن الاحتباء قد يكون بصورة القرفصاء لا أن كل احتباء قرفصاء والله أعلم قوله حدثني محمد بن أبي غالب هو القومسي بضم القاف وسكون الواو وبالسين المهملة نزل بغداد وهو من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بست سنين وليس له عنده سوى هذا الحديث وحديث آخر في كتاب التوحيد ولهم شيخ آخر يقال له محمد بن أبي غالب الواسطي نزيل بغداد قال أبو نصر الكلاباذي سمع من هشيم ومات قبل القومسي بست وعشرين سنة قوله محمد بن فليح عن أبيه هو فليح بن سليمان المدني وقد نزل البخاري في حديثه هذا درجتين لانه سمع الكثير من أصحاب فليح مثل يحيى بن صالح ونزل في حديث
[ 56 ]
إبراهيم بن المنذر درجة لانه سمع منه الكثير وأخرج عنه بغير واسطة قوله بفناء الكعبة بكسر الفاء ثم نون ثم مد أي جانبها من قبل الباب قوله محتبيا بيده هكذا كذا وقع عنده مختصرا ورويناه في الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد عن محمود بن خالد عن أبي غزية وهو بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتانية وهو محمد بن موسى الانصاري القاضي عن فليح نحوه وزاد فأرانا فليح موضع يمينه على يساره موضع الرسغ وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي غزية بسند آخر قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن عمر بن محمد بن زيد عن نافع فذكر نحو حديث الباب دون كلام فليح وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن أبي غزية عن فليح ولم يذكر كلام فليح أيضا والذي يظهر أن لابي غزية فيه شيخين وأبو غزية ضعفه بن معين وغيره ووقع عند أبي داود من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه زاد البزار ونصب ركبتيه وأخرج البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ جلس عند الكعبة فضم رجليه فأقامهما واحتبى بيديه ويستثنى من الاحتباء باليدين ما إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيديه فينبغي أن يمسك إحدهما بالاخرى كما وقعت الاشارة إليه في هذا الحديث من وضع احداها على رسغ الاخرى ولا يشبك بين أصابعه في هذه الحالة فقد ورد النهي عن ذلك عند أحمد من حديث أبي سعيد بسند لا بأس به والله أعلم وتقدمت مباحث التشبيك في المسجد في أبواب المساجد من كتاب الصلاة وقال بن بطال لا يجوز للمحتبي أن يصنع بيديه شيئا ويتحرك لصلاة أو غيرها لان عورته تبدو إلا إذا كان عليه ثوب يستر عورته فيجوز وهذا بناء على أن الاحتباء قد يكون باليدين فقط وهو المعتمد وفرق الداودي فيما حكاه عنه بن التين بين الاحتباء والقرفصاء فقال الاحتباء أن يقيم رجليه ويفرج بين ركبتيه ويدير عليه ثوبا ويعقده فإن كان عليه قميص أو غيره فلا ينهى عنه وإن لم يكن عليه شئ فهو القرفصاء كذا قال والمعتمد ما تقدم قوله باب من اتكأ بين يدي أصحابه قيل الاتكاء الاضطجاع وقد مضى في حديث عمر في كتاب الطلاق وهو متكئ على سرير أي مضطجع بدليل قوله قد أثر السرير في جنبه كذا قال عياض وفيه نظر لانه يصح مع عدم تمام الاضطجاع وقد قال الخطابي كل معتمد على شئ متمكن منه فهو متكئ وايراد البخاري حديث خباب المعلق يشير به إلى أن الاضطجاع اتكاء وزيادة وأخرج الدارمي والترمذي وصححه وأبو عوانة وابن حبان عن جابر بن سمرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة ونقل بن العربي عن بعض الاطباء أنه كره الاتكاء وتعقبه بأن فيه راحة كالاستناد والاحتباء قوله وقال خباب بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وآخره موحدة أيضا هو بن الارت الصحابي وهذا القدر المعلق طرف من حديث له تقدم موصولا في علامات النبوة ثم ذكر حديث أبي بكرة في أكبر الكبائر وأورده من طريقين لقوله فيه وكان متكئا فجلس وقد تقدمت الاشارة إليه في أوائل كتاب الادب وورد في مثل ذلك حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة لما قال أيكم بن عبد المطلب فقالوا ذلك الابيض المتكئ قال المهلب يجوز للعالم والمفتي والامام الاتكاء في مجلسه بحضرة الناس لالم يجده في بعض أعضائه أو لراحة يرتفق بذلك ولا يكون ذلك في عامة جلوسه قوله باب من أسرع في مشيه لحاجة أي لسبب من الاسباب وقوله أو قصد أي لاجل قصد شئ معروف
[ 57 ]
والقصد هنا بمعنى المقصود أي أسرع لامر المقصود ذكر فيه طرفا من حديث عقبة بن الحارث قال بن بطال فيه جواز اسراع الامام في حاجته وقد جاء أن إسراعه عليه الصلاة والسلام في دخوله إنما كان لاجل صدقة أحب أن يفرقها في وقته قلت وهذا الذي أشار إليه متصل في حديث عقبة بن الحارث المذكور كما تقدم واضحا في كتاب الزكاة فإنه أخرجه هناك بالاسناد الذي ذكره هنا تاما وتقدم أيضا في صلاة الجماعة وقال في الترجمة لحاجة أو قصد لان الظاهر من السياق أنه كان لتلك الحاجة الخاصة فيشعر بأن مشيه لغير الحاجة كان على هينته ومن ثم تعجبوا من إسراعه فدل على أنه وقع على غير عادته فحاصل الترجمة أن الاسراع في المشي إن كان لحاجة لم يكن به بأس وان كان عمدا لغير حاجة فلا وقد أخرج بن المبارك في كتاب الاستئذان بسند مرسل أن مشية النبي صلى الله عليه وسلم كانت مشية السوقى لا العاجز ولا الكسلان وأخرج أيضا كان بن عمر يسرع في المشي ويقول هو أبعد من الزهو وأسرع في الحاجة قال غيره وفيه اشتغال عن النظر إلى ما لا ينبغي التشاغل به وقال بن العربي المشي على قدر الحاجة هو السنة اسراعا وبطئا لا التصنع فيه ولا التهور قوله باب السرير بمهملات وزن عظيم معروف ذكر الراغب أنه مأخوذ من السرور لانه في الغالب لاولى النعمة قال وسرير الميت لشبهة به في الصورة وللتفاؤل بالسرور وقد يعبر بالسرير عن الملك وجمعه أسرة وسرر بضمتين ومنهم من يفتح الراء استثقالا للضمتين ذكر فيه حديث عائشة وهو ظاهر فيما ترجم له قال بن بطال فيه جواز اتخاذ السرير والنوم عليه ونوم المرأة بحضرة زوجها وقال بن التين وقوله فيه وسط السرير قرأناه بسكون السين والذي في اللغة المشهورة بفتحها وقال الراغب وسط الشئ يقال بالفتح للكمية المتصلة كالجسم الواحد نحو وسطه صلب ويقال بالسكون الكمية المنفصلة بين جسمين نحو وسط القوم قلت وهذا مما يرجح الرواى بالتحريك ولا يمنع السكون ووجه إيراد هذه الترجمة وما قبلها وما بعدها في كتاب الاستئذان أن الاستئذان يستدعي دخول المنزل فذكر متعلقات المنزل استطرادا قوله باب من ألقى له وسادة ألقى بضم أوله على البناء للمجهول وذكره لان التأنيث ليس حقيقيا ويقال وسادة ووساد وهي بكسر الواو وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو ما يوضع عليه الرأس وقد يتكأ عليه وهو المراد هنا قوله حدثنا إسحاق هو بن شاهين الواسطي وخالد شيخه هو بن عبد الله الطحان وقوله وحدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي وعمرو بن عون من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في الصلاة وغيرها بغير واسطة وشيخه هو الطحان المذكور وشيخه خالد هو بن مهران الحذاء وقد نزل البخاري في هذا الاسناد الثاني درجة وقد تقدم هذا الحديث عن إسحاق بن شاهين بهذا الاسناد في كتاب الصلاة وتقدمت مباحث المتن في الصيام وساقه المصنف هنا على لفظ عمرو بن عون وهذا هو السر في إيراده له من هذا الوجه النازل حتى لا تتمحض إعادته بسند واحد على صفة واحدة وقد اطرد له هذا الصنيع إلا في مواضع يسيرة إما ذهولا وإما لضيق المخرج قوله أخبرني أبو المليح بوزن عظيم اسمه عامر وقيل زيد بن أسامة الهذلي قوله دخلت مع أبيك زيد هذا الخطاب لابي قلابة واسمه عبد الله بن زيد ولم أر لزيد ذكرا إلا في هذا الخبر وهو بن عمرو وقيل بن عامر بن ناتل بنون ومثناة بن مالك بن عبيد الجرمي قوله فألقيت له وسادة قال المهلب فيه اكرام الكبير وجواز
[ 58 ]
زيارة الكبير تلميذه وتعليمه في منزله ما يحتاج إليه في دينه وايثار التواضع وحمل النفس عليه وجواز رد الكرامة حيث لا يتأذى بذلك من تردد عليه قوله حدثنا يحيى بن جعفر هو البيكندي ويزيد هو بن هارون ومغيرة هو بن مقسم وإبراهيم هو النخعي وقد تقدم الحديث في مناقب عمار مشروحا وقوله فيه ارزقني جليسا في رواية سليمان بن حرب عن شعبة في مناقب عمار جليسا صالحا وكذا في معظم الروايات وقوله أو ليس فيكم صاحب السواك والوساد في رواية الكشميهني الوسادة يعني أن بن مسعود كان يتولى أمر سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووساده ويتعاهد خدمته في ذلك بالاصلاح وغيره وقد تقدم في المناقب بزيادة والمطهرة وتقدم الرد على الداودي في زعمه أن المراد أن بن مسعود لم يكن في ملكه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذه الاشياء والثلاثة وقد قال بن التين هنا المراد أنه لم يكن له سواهما جهازا وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إياهما وليس ذلك مراد أبي الدرداء بل السياق يرشد إلى أنه أراد وصف كل واحد من الصحابة بما كان اختص به من الفضل دون غيره من الصحابة وقضية ما قاله الداودي هناك وابن التين هنا أن يكون وصفه بالتقلل وتلك صفة كانت لغالب من كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضلاء الصحابة والله أعلم وقوله فيه أليس فيكم أو كان فيكم هو شك من شعبة وقد رواه إسرائيل عن مغيرة بلفظ وفيكم وهي في مناقب عمار ورواه أبو عوانة عن مغيرة بلفظ أولم يكن فيكم وهي في مناقب بن مسعود قوله الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان يعني عمارا في رواية إسرائيل الذي أجاره الله من الشيطان يعني على لسان رسوله وفي رواية أبي عوانة ألم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان وقد تقدم بيان المراد بذلك في المناقب ويحتمل أن يكون أشير بذلك إلى ما جاء عن عمار ان كان ثابتا فإن الطبراني أخرج من طريق الحسن البصري قال كان عمار يقول قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن والانس أرسلني إلى بئر بدر فلقيت الشيطان في صورة انسي فصارعني فصرعته الحديث وفي سنده الحكم بن عطية مختلف فيه والحسن لم يسمع من عمار قوله باب القائلة بعد الجمعة أي بعد صلاة الجمعة وهي النوم في وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد قيل لها قائلة لانها يحصل فيها ذلك وهي فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية ويقال لها أيضا القيلولة وأخرج بن ماجة وابن خزيمة من حديث بن عباس رفعه استعينوا على صيام النهار بالسحور وعلى قيام الليل بالقيلولة وفي سنده زمعة بن صالح وفيه ضعف وقد تقدم شرح حديث سهل المذكور في الباب في أواخر كتاب الجمعة وفيه إشارة إلى أنهم كانت عادتهم ذلك في كل يوم وورود الامر بها في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أنس رفعه قال قيلوا فإن الشياطين لا تقيل وفي سنده كثير بن مروان وهو متروك وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه من حديث خوات بن جبير رضي الله عنه موقوفا قال نوم أول النهار حرق وأوسطه خلق وآخره حمق وسنده صحيح قوله باب القائلة في المسجد ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب وقد تقدم في أواخر كتاب الادب والغرض منه قول فاطمة عليها السلام فغاضبني فخرج فلم يقل عندي وهو بفتح أوله وكسر القاف قوله هو في المسجد راقد قال المهلب فيه
[ 59 ]
جواز النوم في المسجد من غير ضرورة إلى ذلك وعكسه غيره وهو الذي يظهر من سياق القصة قوله باب من زار قوما فقال عندهم أي رقد وقت القيلولة والفعل الماضي منه ومن القول مشترك بخلاف المضارع فقال يقيل من القائلة وقال يقول من القول وقد تلطف النضير المناوي حيث قال في لغز قال قال النبي قولا صحيحا * قلت قال النبي قولا صحيحا فسره السراج الوراق في جوابه حيث قال فابن منه مضارعا يظهر الخا * في ويبدو الذي كنيت صريحا ثم ذكر فيه حديثين أحدهما قصة أم سليم في العرق قوله حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الانصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة وقد أكثر البخاري الرواية عنه بلا واسطة كالذي هنا وثمامة هو عم عبد الله بن المثنى الراوي عنه قوله أن أم سليم هذا ظاهره أن الاسناد مرسل لان ثمامة لم يلحق جدة أبيه أم سليم والدة أنس لكن دل قوله في أواخره فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلي على أن ثمامة حمله عن أنس فليس هو مرسلا ولا من مسند أم سليم بل من مسند أنس وقد اخرج الاسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الانصاري فقال في روايته عن ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم وذكر الحديث وقد أخرج مسلم معنى الحديث من رواية ثابت ومن رواية إسحاق بن أبي طلحة ومن رواية أبي قلابة كلهم عن أنس ووقع عنده في رواية أبي قلابة عن أنس عن أم سليم وهذا يشعر بأن أنسا إنما حمله عن أمه قوله فيقيل بفتح أوله وكسر القاف عندها في رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عند مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه فجاء ذات يوم فقيل لها فجاءت وقد عرق فاستنقع عرقه وفي رواية أبي قلابة المذكورة كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه وكان كثير العرق قوله أخذت من عرقه وشعره فجعلته في قارورة في رواية مسلم في قوارير ولم يذكر الشعر وفي ذكر الشعر غرابة في هذه القصة وقد حمله بعضهم على ما ينتثر من شعره عند الترجل ثم رأيت في رواية محمد بن سعد ما يزيل اللبس فإنه أخرج بسند صحيح عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق شعره بمنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى به أم سليم فجعلته في سكها قالت أم سليم وكان يجئ فيقيل عندي على نطع فجعلت أسلت العرق الحديث فيستفاد من هذه الرواية أنها لما أخذت العرق وقت قيلولته أضافته إلى الشعر الذي عندها لا أنها أخذت من شعره لما نام ويستفاد منها أيضا أن القصة المذكورة كانت بعد حجة الوداع لانه صلى الله عليه وسلم انما حلق رأسه بمنى فيها قوله في سك بضم المهملة وتشديد الكاف هو طيب مركب وفي النهاية طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل وفي رواية الحسن بن سفيان المذكورة ثم تجعلها في سكها وفي رواية ثابت المذكورة عند مسلم دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة المذكورة عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها
[ 60 ]
فأفاق فقال ما تصنعين قالت نرجو بركته لصبياننا فقال أصبت والعتيدة بمهملة ثم مثناة وزن عظيمة السلة أو الحق وهي مأخوذة من العتاد وهو الشئ المعد للامر المهم وفي رواية أبي قلابة المذكورة فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير فقال ما هذا قالت عرقك أذوف به طيبي وأذوف بمعجمة مضمومة ثم فاء أي أخلط ويستفاد من هذه الروايات اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على فعل أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها أنها كانت تجمعه لاجل طيبه وبين قولها للبركة بل يحمل على أنها كانت تفعل ذلك للامرين معا قال المهلب في هذا الحديث مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة قال وفيه طهارة شعر الآدمي وعرقه وقال غيره لا دلالة فيه لانه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك متمكن في القوة ولا سيما ان ثبت الدليل على عدم طهارة كل منهما الحديث الثاني قصة أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله إذا ذهب إلى قباء لم يذكر أحد من رواة الموطأ هذه الزيادة إلا بن وهب قال الدارقطني قال وتابع إسماعيل عليها عتيق بن يعقوب عن مالك قوله أم حرام بفتح المهملتين وهي خالة أنس وكان يقال لها الرميصاء ولام سليم الغميصاء بالغين المعجمة والباقي مثله قال عياض وقيل بالعكس وقال بن عبد البر الغميصاء والرميصاء هي أم سليم ويرده ما أخرج أبو داود بسند صحيح عن عطاء بن يسار عن الرميصاء أخت أم سليم فذكر نحو حديث الباب ولابي عوانة من طريق الدراوردى عن أبي طوالة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في بيت بنت ملحان إحدى خالات أنس ومعنى الرمص والغمص متقارب وهو اجتماع القذى في مؤخر العين وفي هدبها وقيل استرخاؤها وانكسار الجفن وقد سبق حديث الباب في أول الجهاد في عدة مواضع منه واختلف فيه عن أنس فمنهم من جعله من مسنده ومنهم جعله من مسند من أم حرام والتحقيق أن أوله من مسند أنس وقصة المنام من مسند أم حرام فان أنسا إنما حمل قصة المنام عنها وقد وقع في أثناء هذه الرواية قالت فقلت يا رسول الله ما يضحكك وتقدم بيان من قال فيه عن أنس عن أم حرام في باب الدعاء بالجهاد لكنه حذف ما في أول الحديث وابتدأه بقوله استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه إلى آخره وتقدم في باب ركوب البحر من طريق محمد بن يحيى بن بان بفتح المهملة وتشديد الموحدة عن أنس حدثتني أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما في بيتها فاستيقظ الحديث قوله وكانت تحت عبادة بن الصامت هذا ظاهره أنها كانت حينئذ زوج عبادة وتقدم في باب غزو المرأة في البحر من رواية أبي طوالة عن أنس قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ابنة ملحان فذكر الحديث إلى ان قال فتزوجت عبادة بن الصامت وتقدم أيضا في باب ركوب البحر من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن أنس فتزوج بها عبادة فخرج بها إلى الغزو وفي رواية مسلم من هذا الوجه فتزوج بها عبادة بعد وقد تقدم بيان الجمع في باب غزو المرأة في البحر وأن المراد بقوله هنا وكانت تحت عبادة الاخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك وهو الذي اعتمده النووي وغيره تبعا لعياض لكن وقع في ترجمة أم حرام من طبقات بن سعد أنها كانت تحت عبادة فولدت له محمدا ثم خلف عليها عمرو بن قيس بن زيد الانصاري النجاري فولدت له قيسا وعبد الله وعمرو بن قيس هذا اتفق أهل المغازي أنه استشهد بأحد وكذا ذكر بن إسحاق أن ابنه
[ 61 ]
قيس بن عمرو بن قيس استشهد بأحد فلو كان الامر كما وقع عند بن سعد لكان محمد صحابيا لكونه ولد لعبادة قبل أن يفارق أم حرام ثم اتصلت بمن ولدت له قيسا فاستشهد بأحد فيكون محمد أكبر من قيس بن عمرو إلا أن يقال أن عبادة سمى ابنه محمدا في الجاهلية كما سمي بهذا الاسم غير واحد ومات محمد قبل إسلام الانصار فلهذا لم يذكروه في الصحابة ويعكر عليه أنهم لم يعدوا محمد بن عبادة فيمن سمي بهذا الاسم قبل الاسلام ويمكن الجواب وعلى هذا فيكون عبادة تزوجها أولا ثم فارقها فتزوجت عمرو بن قيس ثم استشهد فرجعت إلى عبادة والذي يظهر لي أن الامر بعكس ما وقع في الطبقات وان عمرو بن قيس تزوجها أولا فولدت له ثم استشهد هو وولده قيس منها وتزوجت بعده بعبادة وقد تقدم في باب ما قيل في قتال الروم بيان المكان الذي نزلت به أم حرام مع عبادة في الغزو ولفظه من طريق عمير بن الاسود أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل بساحل حمص ومعه أم حرام قال عمير فحدثتنا أم حرام فذكر المنام قوله فدخل يوما زاد القعنبي عن مالك عليها أخرجه أبو داود قوله فأطعمته لم أقف على تعيين ما أطعمته يومئذ زاد في باب الدعاء إلى الجهاد وجعلت تفلي رأسه وتفلى بفتح المثناة وسكون الفاء وكسر اللام أي تفتش ما فيه وتقدم بيانه في الادب قوله فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية الليث عن يحيى بن سعيد في الجهاد فنام قريبا مني وفي رواية أبي طوالة في الجهاد فاتكأ ولم يقع في روايته ولا في رواية مالك بيان وقت النوم المذكور وقد زاد غيره أنه كان وقت القائلة ففي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما في بيتها ولمسلم من هذا الوجه أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا ولاحمد وابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في بيتي ولاحمد من رواية عبد الوارث بن سعيد عن يحيى فنام عندها أو قال بالشك وقد أشار البخاري في الترجمة إلى رواية يحيى بن سعيد قوله ثم استيقظ يضحك تقدم في الجهاد من هذا الوجه بلفظ وهو يضحك وكذا هو في معظم الروايات التي ذكرتها قوله فقلت ما يضحكك في رواية حماد بن زيد عند مسلم بأبي أنت وأمي وفي رواية أبي طوالة لم تضحك ولاحمد من طريقه مم تضحك وفي رواية عطاء بن يسار عن الرميصاء ثم استيقظ وهو يضحك وكانت تغسل رأسها فقالت يا رسول الله أتضحك من رأسي قال لا أخرجه أبو داود ولم يسق المتن بل أحال به على رواية حماد بن زيد وقال يزيد وينقص وقد أخرجه عبد الرزاق من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود فقال عن عطاء بن يسار ان امرأة حدثته وساق المتن ولفظه يدل على أنه في قصة أخرى غير قصة أم حرام فالله أعلم قوله فقال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في رواية حماد بن زيد فقال عجبت من قوم من أمتي ولمسلم من هذا الوجه أريت قوما من أمتي وهذا يشعر بأن ضحكه كان إعجابا بهم وفرحا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة قوله يركبون ثبج هذا البحر في رواية الليث يركبون هذا البحر الاخضر وفي رواية حماد بن زيد يركبون البحر ولمسلم من طريقه يركبون ظهر البحر وفي رواية أبي طوالة يركبون البحر الاخضر في سبيل الله والثبج بفتح المثلثة والموحدة ثم جيم ظهر الشئ هكذا فسره جماعة وقال الخطابي متن البحر وظهره وقال الاصمعي ثبج كل شئ وسطه وقال أبو علي في أماليه قيل ظهره وقيل معظمه وقيل هو له وقال أبو زيد في نوادره ضرب ثبج الرجل بالسيف أي وسطه وقيل ما بين كتفيه والراجح أن
[ 62 ]
المراد هنا ظهره كما وقع التصريح به في الطريق التي أشرت إليها والمراد أنهم يركبون السفن التي تجري على ظهره ولما كان جري السفن غالبا انما يكون في وسطه قيل المراد وسطه والا فلا اختصاص لوسطه بالركوب وأما قوله الاخضر فقال الكرماني هي صفة لازمة للبحر لا مخصصة انتهى ويحتمل أن تكون مخصصة لان البحر يطلق على الملح والعذب فجاء لفظ الاخضر لتخصيص الملح بالمراد قال والماء في الاصل لا لون له وانما تنعكس الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه وقال غيره ان الذي يقابله السماء وقد اطلقوا عليها الخضراء لحديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء والعرب تطلق الاخضر على كل لون ليس بأبيض ولا أحمر قال الشاعر وأنا الاخضر من يعرفني * أخضر الجلدة من نسل العرب يعني أنه ليس بأحمر كالعجم والاحمر يطلقونه على كل من ليس بعربي ومنه بعثت إلى الاسود والاحمر قوله ملوكا على الاسرة كذا للاكثر ولابي ذر ملوك بالرفع قوله أو قال مثل الملوك على الاسرة يشك إسحاق يعني راويه عن أنس ووقع في رواية الليث وحماد المشار إليهما قبل كالملوك على الاسرة من غير شك وفي رواية أبي طوالة مثل الملوك على الاسرة بغير شك أيضا ولاحمد من طريقه مثلهم كمثل الملوك على الاسرة وهذا الشك من إسحاق وهو بن عبد الله بن أبي طلحة يشعر بأنه كان يحافظ على تأدية الحديث بلفظه ولا يتوسع في تأديته بالمعنى كما توسع غيره كما وقع لهم في هذا الحديث في عدة مواضع تظهر مما سقته وأسوقه قال بن عبد البر أراد والله أعلم أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الاسرة في الجنة ورؤياه وحي وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة على سرر متقابلين وقال على الارائك متكئون والارائك السرر في الحجال وقال عياض هذا محتمل ويحتمل أيضا أن يكون خبرا عن حالهم في الغزو من سعة أحوالهم وقوام أمرهم وكثرة عددهم وجودة عددهم فكأنهم الملوك على الاسرة قلت وفي هذا الاحتمال بعد والاول أظهر لكن الاتيان بالتمثيل في معظم طرقه يدل على أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موقع التشبيه أنهم فيما هم من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم والتشبيه بالمحسوسات أبلغ في نفس السامع قوله فقلت ادع الله أن يجعلني منهم فدعا تقدم في أوائل الجهاد بلفظ فدعا لها ومثله في رواية الليث وفي رواية أبي طوالة فقال اللهم اجعلها منهم ووقع في رواية حماد بن زيد فقال أنت منهم ولمسلم من هذا الوجه فإنك منهم وفي رواية عمير بن الاسود فقلت يا رسول الله أنا منهم فقال أنت منهم ويجمع بأنه دعا لها فأجيب فأخبرها جازما بذلك قوله ثم وضع رأسه فنام في رواية الليث ثم قام ثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها فأجابها مثلها وفي رواية حماد بن زيد فقال ذلك مرتين أو ثلاثة وكذا في رواية أبي طوالة عند أبي عوانة من طريق الدراوردي عنه وله من طريق إسماعيل بن جعفر عنه ففعل مثل ذلك مرتين أخريين وكل ذلك شاذ والمحفوظ من طريق أنس ما اتفقت عليه روايات الجمهور أن ذلك كان مرتين مرة بعد مرة وأنه قال لها في الاولى أنت منهم وفي الثانية لست منهم ويؤيده ما في رواية عمير بن الاسود حيث قال في الاولى يغزون هذا البحر وفي الثانية يغزون مدينة قيصر قوله أنت من الاولين زاد في رواية الدراوردي عن أبي طوالة ولست من الآخرين وفي رواية عمير بن الاسود في الثانية فقلت يا رسول الله أنا منهم فقال لا
[ 63 ]
قلت وظاهر قوله فقال مثلها أن الفرقة الثانية يركبون البحر أيضا ولكن رواية عمير بن الاسود تدل على أن الثانية انما غزت في البر لقوله يغزون مدينة قيصر وقد حكى بن التين أن الثانية وردت في غزاة البر وأقره وعلى هذا يحتاج إلى حمل المثلية في الخبر على معظم ما اشتركت فيه الطائفتان لا خصوص ركوب البحر ويحتمل أن يكون بعض العسكر الذين غزوا مدينة قيصر ركبوا البحر إليها وعلى تقدير أن يكون المراد ما حكى بن التين فتكون الاولية مع كونها في البر مقيدة بقصد مدينة قيصر والا فقد غزوا قبل ذلك في البر مرارا وقال القرطبي الاولى في أول من غزا البحر من الصحابة والثانية في أول من غزا البحر من التابعين قلت بل كان في كل منهما من الفريقين لكن معظم الاولى من الصحابة والثانية بالعكس وقال عياض والقرطبي في السياق دليل على أن رؤياه الثانية غير رؤياه الاولى وأن في كل نومة عرضت طائفة من الغزاة وأما قول أم حرام ادع الله أن يجعلني منهم في الثانية فلظنها أن الثانية تساوي الاولى في المرتبة فسألت ثانيا ليتضاعف لها الاجر لا أنها شكت في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الاولى وفي جزمه بذلك قلت لا تنافي بين إجابة دعائه وجزمه بأنها من الاولين وبين سؤالها أن تكون من الآخرين لانه لم يقع التصريح لها أنها تموت قبل زمان الغزوة الثانية فجوزت أنها تدركها فتغزو معهم ويحصل لها أجر الفريقين فأعلمها أنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية فكان كما قال صلى الله عليه وسلم قوله فركبت البحر في زمان معاوية في رواية الليث فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية وفي رواية حماد فتزوج بها عبادة فخرج بها إلى الغزو وفي رواية أبي طوالة فتزوجت عبادة فركبت البحر مع بنت قرظة وقد تقدم اسمها في باب غزوة المرأة في البحر وتقدم في باب فضل من يسرع في سبيل الله بيان الوقت الذي ركب فيه المسلمون البحر للغزو اولا وأنه كان في سنة ثمان وعشرين وكان ذلك في خلافة عثمان ومعاوية يومئذ أمير الشام وظاهر سياق الخبر يوهم أن ذلك كان في خلافته وليس كذلك وقد اغتر بظاهره بعض الناس فوهم فإن القصة انما وردت في حق أول من يغزو في البحر وكان عمر ينهى عن ركوب البحر فلما ولي عثمان استأذنه معاوية في الغزو في البحر فأذن له ونقله أبو جعفر الطبري عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ويكفي في الرد عليه التصريح في الصحيح بأن ذلك كان أول ما غزا المسلمون في البحر ونقل أيضا من طريق خالد بن معدان قال أول من غزا البحر معاوية في زمن عثمان وكان استأذن عمر فلم يأذن له فلم يزل بعثمان حتى أذن له وقال لا تنتخب أحدا بل من اختار الغزو فيه طائعا فأعنه ففعل وقال خليفة بن خياط في تاريخه في حوادث سنة ثمان وعشرين وفيها غزا معاوية البحر ومعه امرأته فأخته بنت قرظة ومع عبادة بن الصامت امرأته أم حرام وأرخها في سنة ثمان وعشرين غير واحد وبه جزم بن أبي حاتم وأرخها يعقوب بن سفيان في المحرم سنة سبع وعشرين قال كانت فيه غزاة فارس الاولى وأخرج الطبري من طريق الواقدي أن معاوية غزا الروم في خلافة عثمان فصالح أهل قبرس وسمى امرأته كبرة بفتح الكاف وسكون الموحدة وقيل فأخته بنت قرظة وهما أختان كان معاوية تزوجهما واحدة بعد أخرى ومن طريق بن وهب عن بن لهيعة أن معاوية غزا بامرأته إلى قبرس في خلافة عثمان فصالحهم ومن طريق أبي معشر المدني أن ذلك كان في سنة ثلاث وثلاثين فتحصلنا على ثلاثة
[ 64 ]
أقوال والاول أصح وكلها في خلافة عثمان أيضا لانه قتل في آخر سنة خمس وثلاثين قوله فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت في رواية الليث فلما انصرفوا من غزوهم قافلين إلى الشام قربت إليها دابة لتركبها فصرعت فماتت وفي رواية حماد بن زيد عند أحمد فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت وفي رواية عنه مضت في باب ركوب البحر فوقعت فاندقت عنقها وقد جمع بينهما في باب فضل من يصرع في سبيل الله والحاصل أن البغلة الشهباء قربت إليها لتركبها فشرعت لتركب فسقطت فاندقت عنقها فماتت وظاهر رواية الليث أن وقعتها كانت بساحل الشام لما خرجت من البحر بعد رجوعهم من غزاة قبرس لكن أخرج بن أبي عاصم في كتاب الجهاد عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بالسند الماضي لقصة أم حرام في باب ما قيل في قتال الروم وفيه وعبادة نازل بساحل حمص قال هشام بن عمار رأيت قبرها بساحل حمص وجزم جماعة بأن قبرها بجزيرة قبرس فقال بن حبان بعد أن أخرج الحديث من طريق الليث بن سعد بسنده قبر أم حرام بجزيرة في بحر الروم يقال لها قبرس بين بلاد المسلمين وبينها ثلاثة أيام وجزم بن عبد البر بأنها حين خرجت من البحر إلى جزيرة قبرس قربت إليها دابتها فصرعتها وأخرج الطبري من طريق الواقدي أن معاوية صالحهم بعد فتحها على سبعة آلاف دينار في كل سنة فلما أرادوا الخروج منها قربت لام حرام دابة لتركبها فسقطت فماتت فقبرها هناك يستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة فعلى هذا فلعل مراد هشام بن عمار بقوله رأيت قبرها بالساحل أي ساحل جزيرة قبرس فكأنه توجه إلى قبرس لما غزاها الرشيد في خلافته ويجمع بأنهم لما وصلوا إلى الجزيرة بادرت المقاتلة وتأخرت الضعفاء كالنساء فلما غلب المسلمون وصالحوهم طلعت أم حرام من السفينة قاصدة البلد لتراها وتعود راجعة للشام فوقعت حينئذ ويحمل قول حماد بن زيد في روايته فلما رجعت وقول أبي طوالة فلما قفلت أي أرادت الرجوع وكذا قول الليث في روايته فلما انصرفوا من غزوهم قافلين أي أرادوا الانصراف ثم وقفت على شئ يزول به الاشكال من أصله وهو ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن امرأة حدثته قالت نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك فقلت تضحك مني يا رسول الله قال لا ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر مثلهم كمثل الملوك على الاسرة ثم نام ثم استيقظ فقال مثل ذلك سواء لكن قال فيرجعون قليلة غنائمهم مغفورا لهم قالت فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها قال عطاء فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم فماتت بأرض الروم وهذا إسناد على شرط الصحيح وقد أخرج أبو داود من طريق هشام بن يوسف عن معمر فقال في روايته عن عطاء بن يسار عن الرميصاء أخت أم سليم وأخرجه بن وهب عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم فقال في روايته عن أم حرام وكذا قال زهير بن عباد عن زيد بن أسلم والذي يظهر لي أن قول من قال في حديث عطاء بن يسار هذا عن أم حرام وهم وانما هي الرميصاء وليست أم سليم وان كانت يقال لها أيضا الرميصاء كما تقدم في المناقب من حديث جابر لان أم سليم لم تمت بأرض الروم ولعلها أختها أم عبد الله بن ملحان فقد ذكرها بن سعد في الصحابيات وقال انها أسلمت وبايعت ولم أقف على شئ من خبرها الا ما ذكر بن سعد فيحتمل أن تكون هي صاحبة القصة التي ذكرها بن عطاء بن يسار
[ 65 ]
وتكون تأخرت حتى أدركها عطاء وقصتها مغايرة لقصة أم حرام من أوجه الاول أن في حديث أم حرام أنه صلى الله عليه وسلم لما نام كانت تفلي رأسه وفي حديث الاخرى أنها كانت تغسل رأسها كما قدمت ذكره من رواية أبي داود الثاني ظاهر رواية أم حرام أن الفرقة الثانية تغزو في البر وظاهر رواية الاخرى أنها تغزو في البحر الثالث أن في رواية أم حرام أنها من أهل الفرقة الاولى وفي رواية الاخرى أنها من أهل الفرقة الثانية الرابع أن في حديث أم حرام أن أمير الغزوة كان معاوية وفي رواية الاخرى أن أميرها كان المنذر بن الزبير الخامس أن عطاء بن يسار ذكر أنها حدثته وهو يصغر عن إدراك أم حرام وعن أن يغزو في سنة ثمان وعشرين بل وفي سنة ثلاث وثلاثين لان مولده على ما جزم به عمرو بن علي وغيره كان في سنة تسع عشرة وعلى هذا فقد تعددت القصة لام حرام ولاختها أم عبد الله فلعل إحداهما دفنت بساحل قبرس والاخرى بساحل حمص ولم أر من حرر ذلك ولله الحمد على جزيل نعمه وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في الجهاد والحض عليه وبيان فضيلة المجاهد وفيه جواز ركوب البحر الملح للغزو وقد تقدم بيان الاختلاف فيه وأن عمر كان يمنع منه ثم أذن فيه عثمان قال أبو بكر بن العربي ثم منع منه عمر بن عبد العزيز ثم أذن فيه من بعده واستقر الامر عليه ونقل عن عمر أنه انما منع ركوبه لغير الحج والعمرة ونحو ذلك ونقل بن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقا وكره مالك ركوب النساء مطلقا البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال فيه إذ يتعسر الاحتراز من ذلك وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار واما الكبار التي يمكنهن فيهن الاستتار بأماكن تخصهن فلا حرج فيه وفي الحديث جواز تمني الشهادة وأن من يموت غازيا يلحق بمن يقتل في الغزو كذا قال بن عبد البر وهو ظاهر القصة لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل الاستواء في الدرجات وقد ذكرت في باب الشهداء من كتاب الجهاد كثيرا ممن يطلق عليه شهيد وان لم يقتل وفيه مشروعية القائلة لما فيه من الاعانة على قيام الليل وجواز إخراج ما يؤذي البدن من قمل ونحوه عنه ومشروعية الجهاد مع كل امام لتضمنه الثناء على من غزا مدينة قيصر وكان أمير تلك الغزوة يزيد بن معاوية ويزيد يزيد وثبوت فضل الغازي إذا صلحت نيته وقال بعض الشراح فيه فضل المجاهدين إلى يوم القيامة لقوله فيه ولست من الآخرين ولا نهاية للآخرين إلى يوم القيامة والذي يظهر أن المراد بالآخرين في الحديث الفرقة الثانية نعم يؤخذ منه فضل المجاهدين في الجملة لا خصوص الفضل الوارد في حق المذكورين وفيه ضروب من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال وذلك معدود من علامات نبوته منها اعلامه ببقاء أمته بعده وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وأنها تكون مع من يغزو البحر وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية وفيه جواز الفرح بما يحدث من النعم والضحك عند حصول السرور لضحكه صلى الله عليه وسلم اعجابا بما رأى من امتثال أمته أمره لهم بجهاد العدو وما أثابهم الله تعالى على ذلك وما ورد في بعض طرقه بلفظ التعجب محمول على ذلك وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالاذن وأمن الفتنة وجواز خدمة المرأة الاجنبية الضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك وإباحة ما قدمته المرأة للضيف من مال زوجها لان الاغلب أن الذي في بيت المرأة هو من مال
[ 66 ]
الرجل كذا قال بن بطال قال وفيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك جاز له فعله ولا شك أن عبادة كان يسره أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قدمته له امرأته ولو كان بغير اذن خاص منه وتعقبه القرطبي بأن عبادة حينئذ لم يكن زوجها كما تقدم قلت لكن ليس في الحديث ما ينفي أنها كانت حينئذ ذات زوج الا أن في كلام بن سعد ما يقتضي أنها كانت حينئذ عزبا وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة فقال بن عبد البر أظن ان أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة فلذلك كان ينام عندها وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال انما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه لانها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لان أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار ومن طريق يونس بن عبد الاعلى قال قال لنا بن وهب أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه قال بن عبد البر وأيهما كان فهي محرم له وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه بن بطال عنه بما قال بن وهب قال وقال غيره انما كانت خالة لابيه أو جده عبد المطلب وقال بن الجوزي سمعت بعض الحفاظ يقول كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وحكى بن العربي ما قال بن وهب ثم قال وقال غيره بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما يملك اربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه وهو المبرء عن كل فعل قبيح وقول رفث فيكون ذلك من خصائصه ثم قال ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب جزما وقد قدمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع ورد عياض الاول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وثبوت العصمة مسلم لكن الاصل عدم الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية فقال ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية لان امهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الانصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الاعلى وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية لانها خؤلة مجازية وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص هذا خالي لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمه آمنة وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة ثم قال وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء الا على أزواجه الا على أم سليم فقيل لها فقال أرحمها قتل أخوها معي يعني حرام بن ملحان وكان قد قتل يوم بئر معونة قلت وقد تقدمت قصته في الجهاد في باب فضل من جهز غازيا وأوضحت هناك وجه الجمع بين ما أفهمه هذا الحصر وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام بما حاصله أنهما أختان كانتا في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار وحرام بن ملحان أخوهما معا فالعلة مشتركة فيهما وان ثبت قصة أم عبد الله بنت ملحان التي
[ 67 ]
أشرت إليها قريبا فالقول فيها كالقول في أم حرام وقد انضاف إلى العلة المذكورة كون أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه ورفع الحشمة التي تقع بين الاجانب عنه ثم قال الدمياطي على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع قلت وهو احتمال قوي لكنه لا يدفع الاشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر وأحسن الاجوبة دعوى الخصوصية ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لان الدليل على ذلك واضح والله أعلم قوله باب الجلوس كيف ما تيسر سقط لفظ باب من رواية أبي ذر فيه حديث أبي سعيد في النهي عن لبستين وبيعتين وقد تقدم شرحه في ستر العورة من كتاب الصلاة وفي كتاب البيوع قال المهلب هذه الترجمة قائمة من دليل الحديث وذلك أنه نهى عن حالتين ففهم منه إباحة غيرهما مما تيسر من الهيئات والملابس إذا ستر العورة قلت والذي يظهر لي ان المناسبة تؤخذ من جهة العدول عن النهي عن هيئة الجلوس إلى النهي عن لبستين يستلزم كل منهما انكشاف العورة فلو كانت الجلسة مكروهة لذاتها لم يتعرض لذكر اللبس فدل على أن النهي عن جلسة تفضي إلى كشف العورة وما لا يفضي إلى كشف العورة يباح في كل صورة ثم ادعى المهلب أن النهي عن هاتين اللبستين خاص بحالة الصلاة لكونهما لا يستران العورة في الخفض والرفع وأما الجالس في غير الصلاة فإنه لا يصنع شيئا ولا يتصرف بيديه فلا تنكشف عورته فلا حرج عليه قال وقد سبق في باب الاحتباء أنه صلى الله عليه وسلم احتبى قلت وغفل رحمه الله عما وقع من التقييد في نفس الخبر فإن فيه والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ وتقدم في باب اشتمال الصماء من كتاب اللباس وفيه والصماء أن يجمل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه وستر العورة مطلوب في كل حالة وان تأكد في حالة الصلاة لكونها قد تبطل بتركه ونقل بن بطال عن بن طاوس أنه كان يكره التربع ويقول هي جلسة مملكة وتعقب بما أخرجه مسلم والثلاثة من حديث جابر بن سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ويمكن الجمع قوله تابعه معمر ومحمد بن أبي حفص وعبد الله بن بديل عن الزهري أما متابعة معمر فوصلها المؤلف في البيوع وأما متابعة محمد بن أبي حفص فهي عند أبي أحمد بن عدي في نسخة أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن أبي حفص وأما متابعة عبد الله بن بديل فأظنها في الزهريات جمع الذهلي والله اعلم قوله باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به ذكر فيه حديث عائشة في قصة فاطمة رضي الله عنهما إذ بكت لما سارها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ضحكت لما سارها ثانيا فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لافشي وفيه أنها أخبرت بذلك بعد موته وقد تقدم شرحه في المناقب وفي الوفاة النبوية قال بن بطال مساررة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز لان المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة قلت وسيأتي إيضاح هذا بعد باب قال وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المسر لان فاطمة لو أخبرتهن لحزن لذلك حزنا شديدا وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهن واشتد حزنهن فلما أمنت من ذلك بعد موتهن أخبرت به قلت أما الشق الاول فحق العبارة أن
[ 68 ]
يقول فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على افشائه من المضرة لان الاصل في السر الكتمان والا فما فائدته وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة لان فاطمة رضي الله تعالى عنها ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته وهو أيضا مردود لان الحزن الذي علل به لم ينزل بموت النبي صلى الله عليه وسلم بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتهن من ذلك وقال بن التين يستفاد من قول عائشة عزمت عليك بمالي عليك من الحق جواز العزم بغير الله قال وفي المدونة عن مالك إذا قال أعزم عليك بالله فلم يفعل لم يحنث وهو كقوله أسألك بالله وان قال أعزم بالله أن تفعل فلم يفعل حنث لان هذا يمين انتهى والذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى قصد الحالف فان قصد يمين نفسه فيمين وان قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا قوله باب الاستلقاء هو الاضطجاع على القفا سواء كان معه نوم أم لا وقد تقدمت هذه الترجمة وحديثها في آخر كتاب اللباس قبيل كتاب الادب وتقدم بيان الحكم في أبواب المساجد من كتاب الصلاة وذكرت هناك قول من زعم أن النهي عن ذلك منسوخ وأن الجمع أولى وأن محل النهي حيث تبدو العورة والجواز حيث لا تبدو وهو جواب الخطابي ومن تبعه ونقلت قول من ضعف الحديث الوارد في ذلك وزعم أنه لم يخرج في الصحيح وأوردت عليه بأنه غفل عما في كتاب اللباس من الصحيح والمراد بذلك صحيح مسلم وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري وقد أصلحته في أصلي ولحديث عبد الله بن زيد في الباب شاهد من حديث أبي هريرة صححه بن حبان قوله باب لا يتناجى اثنان دون الثالث أي لا يتحدثان سرا وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر قوله وقال الله عزوجل يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا إلى قوله المؤمنون كذا لابي ذر وساق في رواية الاصيلى وكريمة الآيتين بتمامهما وأشار بإيراد هاتين الآيتين إلى أن التناجي الجائز المأخوذ من مفهوم الحديث مقيد بأن لا يكون في الاثم والعدوان قوله وقوله يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إلى قوله بما تعملون كذا لابي ذر وساق في رواية الاصيلى وكريمة الآيتين أيضا وزعم بن التين أنه وقع عنده وإذا تناجيتم قال والتلاوة يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم قلت ولم أقف في شئ من نسخ الصحيح على ما ذكره بن التين وقوله تعالى فقدموا بين يدي نجواكم صدقة أخرج الترمذي عن علي أنها منسوخة وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن عاصم الاحول قال لما نزلت كان لا يناجي النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا تصدق فكان أول من ناجاه علي بن أبي طالب فتصدق بدينار ونزلت الرخصة فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم الآية وهذا مرسل رجاله ثقات وجاء مرفوعا على غير هذا السياق عن علي أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه وابن مردويه من طريق علي بن علقمة عنه قال لما نزلت هذه الآية قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول دينار قلت لا يطيقونه قال في نصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد قال فنزلت أأشفقتم الآية قال علي فبي خفف عن هذه الامة وأخرج بن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص له شاهدا قوله عن نافع كذا أورده هنا عن مالك عن دافع ولمالك فيه شيخ آخر عن بن عمر وفيه قصة سأذكرها بعد باب ان شاء الله تعالى قوله إذا كانوا ثلاثة كذا للاكثر بنصب
[ 69 ]
ثلاثة على أنه الخبر ووقع في رواية لمسلم إذا كان ثلاثة بالرفع على ان كان تامة قوله فلا يتناجى اثنان دون الثالث كذا للاكثر بألف مقصورة ثابتة في الخط صورة ياء وتسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين وهو بلفظ الخبر ومعناه النهي وفي بعض النسخ بجيم فقط بلفظ النهي وبمعناه زاد أيوب عن نافع كما سيأتي بعد باب فإن ذلك يحزنه وبهذه الزيادة تظهر مناسبة الحديث للآية الاولى من قوله ليحزن الذين آمنوا وسيأتي بسطه بعد أبواب قوله باب حفظ السر أي ترك افشائه قوله معتمر بن سليمان هو التيمي قوله أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا في رواية ثابت عن أنس عند مسلم في أثناء حديث فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك ولاحمد وابن سعد من طريق حميد عن أنس فأرسلني في رسالة فقالت أم سليم ما حبسك قوله فما أخبرت به أحدا بعده ولقد سألتني أم سليم في رواية ثابت فقالت ما حاجته قلت انها سر قالت لا تخبر بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وفي رواية حميد عن أنس فقالت احفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ثابت والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت قال بعض العلماء كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه وقال بن بطال الذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة وأكثرهم يقول انه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة قلت الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك وإلى ما يكره مطلقا وقد يحرم وهو الذي أشار إليه بن بطال وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه ان يفعل ذلك ومن الاحاديث الواردة في حفظ السر حديث أنس احفظ سري تكن مؤمنا أخرجه أبو يعلى والخرائطي وفيه علي بن زيد وهو صدوق كثير الاوهام وقد أخرج أصله الترمذي وحسنه ولكن لم يسق هذا المتن بل ذكر بعض الحديث ثم قال وفي الحديث طول وحديث انما يتجالس المتجالسان بالامانة فلا يحل لاحد أن يفشي على صاحبه ما يكره أخرجه عبد الرزاق من مرسل أبي بكر بن حزم وأخرج القضاعي في مسند الشهاب من حديث علي مرفوعا المجالس بالامانة وسنده ضعيف ولابي داود من حديث جابر مثله وزاد إلا ثلاثة مجالس ما سفك فيه دم حرام أو فرج حرام أو اقتطع فيه مال بغير حق وحديث جابر رفعه إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة أخرجه بن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وله شاهد من حديث أنس عند أبي يعلي قوله باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة أي مع بعض دون بعض وسقط باب لابي ذر وعطف المناجاة على المسارة من عطف الشئ على نفسه إذا كان بغير لفظه لانهما بمعنى واحد وقيل بينهما مغايرة وهي أن المسارة وان اقتضت المفاعلة لكنها باعتبار من يلقى السر ومن يلقى إليه والمناجاة تقتضي وقوع الكلام سرا من الجانبين فالمناجاة أخص من المسارة فتكون من عطف الخاص على العام قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله فلا يتناجى في رواية الكشميهني بجيم ليس بعدها ياء وقد تقدم بيانه قبل باب قوله حتى تختلطوا بالناس أي يختلط الثلاثة بغيرهم والغير أعم من أن يكون واحدا أو أكثر فطابقت الترجمة
[ 70 ]
ويؤخذ منه أنهم إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين لا مكان أن يتناجى الاثنان الآخران وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه المصنف في الادب المفرد وأبو داود وصححه بن حبان من طريق أبي صالح عن بن عمر رفعه قلت فان كانوا أربعة قال لا يضره وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار كان بن عمر إذا أراد أن يسارر رجلا وكانوا ثلاثة دعا رابعا ثم قال للاثنين استريحا شيئا فإني سمعت فذكر الحديث وفي رواية سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار نحوه ولفظه فكان بن عمر إذا أراد أن يناجي رجلا دعا آخر ثم ناجى الذي أراد وله من طريق نافع إذا أراد أن يناجي وهم ثلاثة دعا رابعا ويؤخذ من قوله حتى تختلطوا بالناس أن الزائد على الثلاثة يعني سواء جاء اتفاقا أم عن طلب كما فعل بن عمر قوله أجل ان ذلك يحزنه أي من أجل وكذا هو في الادب المفرد بالاسناد الذي في الصحيح بزيادة من قال الخطابي قد نطقوا بهذا اللفظ بإسقاط من وذكر لذلك شاهدا ويجوز كسر الهمزة إن ذلك والمشهور فتحها قال وانما قال يحزنه لانه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له قلت ويؤخذ من التعليل استثناء صورة مما تقدم عن بن عمر من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة وهي مما لو كان بين الوحد الباقي وبين الاثنين مقاطعة بسبب يعذران به أو أحدهما فإنه يصير في معنى المنفرد وأرشد هذا التعليل إلى أن المناجى إذا كان ممن إذا خص أحد بمناجاته أحزن الباقين امتناع ذلك إلا أن يكون في أمر مهم لا يقدح في الدين وقد نقل بن بطال عن أشهب عن مالك قال لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لانه قد نهي أن يترك واحدا قال وهذا مستنبط من حديث الباب لان المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد قال وهذا من حسن الادب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا وقال المازري ومن تبعه لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد زاد القرطبي بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد فليكن المنع أولى وانما خص الثلاثة بالذكر لانه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى فمهما وجد المعنى فيه ألحق فيه في الحكم قال بن بطال وكلما كثر الجماعة مع الذي لا يناجي كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة فيكون أولى واختلف فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي دون جماعة قال بن التين وحديث عائشة في قصة فاطمة دال على الجواز ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود في قصة الذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله والمراد منه قول بن مسعود فأتيته وهو في ملا فساررته فان في ذلك دلالة على أن المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالسرار ويستثنى من أ ل الحكم ما إذا أذن من يبقى سواء كان واحدا أم أكثر للاثنين في التناجي دونه أو دونهم فان المنع يرتفع لكونه حق من يبقى وأما إذا انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث كان بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرا فأتى ليستمع عليهما فلا يجوز كما لو لم يكن حاضرا معهما أصلا وقد اخرج المصنف في الادب المفرد من رواية سعيد المقبري قال مررت على بن عمر ومعه رجل يتحدث فقلت إليهما فلطم صدري وقال إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد وقال أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذنهما قال بن عبد البر لا يجوز لاحد أن يدخل على المتناجين في حال تناجيهما قلت ولا ينبغي لداخل القعود عندهما ولو تباعد عنهما الا باذنهما لما افتتحا حديثهما سرا وليس عندهما
[ 71 ]
أحد دل على أن مرادهما الا يطلع أحد على كلامهما ويتأكد ذلك إذا كان صوت أحدهما جهوريا لا يتأتى له اخفاء كلامه ممن حضره وقد يكون لبعض الناس قوة فهم بحيث إذا سمع بعض الكلام استدل به على باقيه فالمحافظة على ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وان تفاوتت المراتب وقد أخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال قال بن عمر في زمن الفتنة الا ترون القتل شيئا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديث الباب وزاد في آخره تعظيما لحرمة المسلم وأظن هذه الزيادة من كلام بن عمر استنبطها من الحديث فأدرجت في الخبر والله أعلم قال النووي النهي في الحديث للتحريم إذا كان بغير رضاه وقال في موضع آخر الا بإذنه أي صريحا كان أو غير صريح والاذن أخص من الرضى لان الرضا قد يعلم بالقرينة فيكتفى بها عن التصريح والرضا أخص من الاذن من وجه آخر لان الاذن قد يقع مع الاكراه ونحوه والرضى لا يطلع على حقيقته لكن الحكم لا يناط الا بالاذن الدال على الرضا وظاهر الاطلاق أنه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر وهو قول الجمهور وحكى الخطابي عن أبي عبيد بن حربويه أنه قال هو مختص بالسفر في الموضع الذي لا يأمن فيه الرجل على نفسه فأما في الحضر وفي العمارة فلا بأس وحكى عياض نحوه ولفظه قيل أن المراد بهذا الحديث السفر والمواضع التي لا يأمن فيها الرجل رفيقه أو لا يعرفه أو لا يثق به ويخشى منه قال وقد روى في ذلك أثر وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد من طريق أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما الحديث وفي سنده بن لهيعة وعلى تقدير ثبوته فتقييده بأرض الفلاة يتعلق بإحدى علتى النهي قال الخطابي انما قال يحزنه لانه اما أن يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو أنهما يتفقان على غائلة تحصل له منهما قلت فحديث الباب يتعلق بالمعنى الاول وحديث عبد الله بن عمرو يتعلق بالثاني وعلى هذا المعنى عول بن حربويه وكأنه ما استحضر الحديث الاول قال عياض قيل كان هذا في أول الاسلام فلما فشا الاسلام وأمن الناس سقط هذا الحكم وتعقبه القرطبي بأن هذا تحكم وتخصيص لا دليل عليه وقال بن العربي الخبر عام اللفظ المعنى والعلة الحزن وهي موجودة في السفر والحضر فوجب أن يعمهما النهي جميعا قوله باب طول النجوى وإذا هم نجوى مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون هذا التفسير في رواية المستملي وحده وقد تقدم بيانه في تفسير الآية في سورة سبحان وتقدم منه أيضا في تفسير سورة يوسف في قوله تعالى خلصوا نجيا ثم ذكر حديث أنس أقيمت الصلاة ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وعبد العزيز راويه عن أنس هو بن صهيب وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في باب الامام تعرض له الحاجة وهو قبيل صلاة الجماعة قوله حتى نام أصحابه تقدم هناك بلفظ حتى نام بعض القوم فيحمل الاطلاق في حديث الباب على ذلك قوله باب لا تترك النار في البيت عند النوم بضم أول تترك ومثناة فوقانية على البناء للمجهول وبفتحه ومثناه تحتانية بصيغة النهي المفرد ذكر فيه ثلاثة أحاديث الاول حديث بن عمر في النهي عن ذلك الثاني حديث أبي موسى وفيه بيان حكمة النهي وهي خشية الاحتراق الثالث حديث جابر وفيه بيان علة الخشية المذكورة فاما
[ 72 ]
حديث بن عمر فقوله في السند بن عيينة عن الزهري وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وقوله حين ينامون قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالبا ويستنبط منه انه متى وجدت الغفلة حصل النهي واما حديث أبي موسى فقوله احترق بيت بالمدينة على أهله لم اقف على تسميتهم قال بن دقيق العيد يؤخذ من حديث أبي موسى سبب الامر في حديث جابر باطفاء المصابيح وهو فن حسن غريب ولو تتبع لحصل منه فوائد قلت قد أفرده أبو حفص العكبري من شيوخ أبي يعلى بن الفراء بالتصنيف وهو في المائة الخامسة ووقفت على مختصر منه وكأن الشيخ ما وقف عليه فلذلك تمنى ان لو تتبع وقوله ان هذه النار انما هي عدو لكم هكذا أورده بصيغة الحصر مبالغة في تأكيد ذلك قال بن العربي معنى كون النار عدوا لنا انها تنافي ابداننا واموالنا منافاة العدو وان كانت لنا بها منفعة لكن لا يحصل لنا منها الا بواسطة فأطلق انها عدو لنا لوجود معنى العداوة فيها والله اعلم واما حديث جابر فقوله في السند كثير كذا للاكثر غير منسوب زاد أبو ذر في روايته هو بن شنظير وهو كذلك وشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة تقدم ضبطه والكلام عليه في باب ذكر الجن من كتاب بدء الخلق وشرح حديثه هذا وانه ليس له في الصحيح غير هذا الحديث ووقع في رجال الصحيح للكلاباذي ان البخاري اخرج له أيضا في باب استعانة اليد في الصلاة فراجعت الباب المذكور من الصحيح وهو قبيل كتاب الجنائز فما وجدت له هناك ذكرا ثم وجدت له بعد الباب المذكور بأحد عشر بابا حديثا اخر بسنده هذا وقد نبهت عليه في باب ذكر الجن والشنظير في اللغة السئ الخلق وكثير المذكور يكنى أبا قرة وهو بصرى وقال القرطبي الامر والنهي في هذا الحديث للارشاد قال وقد يكون للندب وجزم النووي بأنه للارشاد لكونه لمصلحة دنيوية وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره وقال القرطبي في هذه الاحاديث ان الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه ان يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق وكذا ان كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم واحقهم بذلك اخرهم نوما فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفا ولادائها تاركا ثم اخرج الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه بن حبان والحاكم من طريق عكرمة عن بن عباس قال جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألفتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا نمتم فاطفئوا سراجكم فان الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم وفي هذا الحديث بيان سبب الامر أيضا وبيان الحامل الفويسقة وهي الفأرة على جر الفتيلة وهو الشيطان فيستعين وهو عدو الانسان عليه بعدو اخر وهي النار اعاذنا الله بكرمه من كيد الاعداء انه رؤوف رحيم وقال بن دقيق العيد إذا كانت العلة في اطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه ان السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يمنع ايقاده كما لو كان على منارة من نحاس املس لا يمكن الفأرة الصعود إليه أو يكون مكانه بعيدا عن موضع يمكنها ان تثب منه إلى السراج قال وأما ورود الامر باطفاء النار مطلقا كما في حديثي بن عمر وأبي موسى وهو أعم من نار السراج فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شئ من السراج على بعض متاع البيت وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شئ من المتاع
[ 73 ]
فيحرقه فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك فإذا استوثق بحيث يؤمن معه الاحراق فيزول الحكم بزوال علته قلت وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلا لانه يؤمن معه الضرر الذي لا يؤمن مثله في السراج وقال بن دقيق العيد أيضا هذه الاوامر لم يحملها الاكثر على الوجوب ويلزم أهل الظاهر حملها عليه قال وهذا لا يختص بالظاهري بل الحمل على الظاهر الا لمعارض ظاهر يقول به أهل القياس وان كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات وهذه الاوامر تتنوع بحسب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال ومنها ما يحمل على الندب والاراد والارشاد معا كإغلاق الابواب من اجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا لان الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه وان كان تحته مصالح دنيوية كالحراسة وكذا ايكاء السقاء وتخمير الاناء والله اعلم قوله باب غلق الابواب بالليل في رواية الاصيلي والجرجاني وكذا لكريمة عن الكشميهني اغلاق وهو الفصيح وقال عياض هو الصواب قلت لكن الاول ثبت في لغة نادرة قوله همام هو بن يحيى وعطاء هو بن أبي رباح قوله اطفئوا المصابيح بالليل تقدم شرحه في الذي قبله قوله واغلقوا الابواب في رواية المستملي والسرخسي وغلقوا بتشديد اللام وتقدم في الباب الذي قبله بلفظ اجيفوا بالجيم والفاء وهي بمعنى اغلقوا وتقدم شرحها في باب ذكر الجن وكذا بقية الحديث قال بن دقيق العيد في الامر بإغلاق الابواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الانفس والاموال من أهل العبث والفساد ولا سيما الشياطين واما قوله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا فإشارة إلى ان الامر بالاغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالانسان وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه الا من جانب النبوة قال واللام في الشيطان للجنس إذ ليس المراد فردا بعينه وقوله في هذه الرواية وخمروا الطعام والشراب قال همام وأحسبه قال ولو بعود يعرضه وهو بضم الراء بعدها ضاد معجمة وقد تقدم الجزم بذلك عن عطاء في رواية بن جريج في الباب المذكور ولفظه وخمر اناءك ولو بعود تعرضه عليه وزاد في كل من الاوامر المذكورة واذكر اسم الله تعالى وتقدم في باب شرب اللبن من كتاب الاشربة بيان الحكمة في ذلك وقد حمله بن بطال على عمومه وأشار إلى استشكاله فقال أخبر صلى الله عليه وسلم ان الشيطان لم يعط قوة على شئ من ذلك وان كان أعطى ما هو أعظم منه وهو ولوجه في الاماكن التي لا يقدر الآدمي ان يلج فيها قلت والزيادة التي أشرت إليها قبل ترفع الاشكال وهو ان ذكر اسم الله يحول بينه وبين فعل هذه الاشياء ومقتضاه انه يتمكن من كذلك إذا لم يذكر اسم الله ويؤيده ما أخرجه مسلم والاربعة عن جابر رفعه إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم وقد تردد بن دقيق العيد في ذلك فقال في شرح الالمام يحتمل ان يؤخذ قوله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا على عمومه ويحتمل ان يخص بما ذكر اسم الله عليه ويحتمل ان يكون المنع لامر يتعلق بجسمه ويحتمل ان يكون لمانع من الله بأمر خارج عن جسمه قال والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج فأما الشيطان الذي كان داخلا فلا يدل الخبر على خروجه قال فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا رفعها ويحتمل ان تكون التسمية عند الاغلاق تقتضي طرد من في البيت من
[ 74 ]
الشياطين وعلى هذا فينبغي ان تكون التسمية من ابتداء الاغلاق إلى تمامه واستنبط منه بعضهم مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في عموم الابواب مجازا قوله باب الختان بعد الكبر بكسر الكاف وفتح الموحدة قال الكرماني وجه مناسبة هذه الترجمة بكتاب الاستئذان ان الختان يستدعي الاجتماع في المنازل غالبا قوله الفطرة خمس تقدم شرحه في اواخر كتاب اللباس وكذلك حكم الختان واستدل بن بطال على عدم وجوبه بأن سلمان لما اسلم لم يؤمر بالاختتان وتعقب باحتمال ان يكون ترك لعذر أو لان قصته كانت قبل إيجاب الختان أو لانه كان مختتنا ثم لا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع وقد ثبت الامر لغيره بذلك قوله في الحديث الثاني اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة تقدم بيان ذلك والاختلاف في سنه حين اختتن وبيان قدر عمره في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام وذكرت هناك انه وقع في الموطأ من رواية أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة موقوفا على أبي هريرة ان إبراهيم أول من اختتن وهو بن عشرين ومائة واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ورويناه في فوائد بن السماك من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعا وأبو أويس فيه لين وأكثر الروايات على ما وقع في حديث الباب انه عليه السلام اختتن وهو بن ثمانين سنة وقد حاول الكمال بن طلحة في جزء له في الختان الجمع بين الروايتين فقال نقل في الحديث الصحيح انه اختتن لثمانين وفي رواية أخرى صحيحة انه اختتن لمائة وعشرين والجمع بينهما ان إبراهيم عاش مائتي سنة منها ثمانين سنة غير مختون ومنها مائة وعشرين وهو مختون فمعنى الحديث الاول اختتن ثمانين مضت من عمره والثاني لمائة وعشرين بقيت من عمره وتعقبه الكمال بن العديم في جزء سماه الملحة في الرد على بن طلحة بأن في كلامه وهما من أوجه أحدها تصحيحه لرواية مائة وعشرين وليست بصحيحة ثم أوردها من رواية الوليد عن الاوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعة وتعقبه بتدليس الوليد ثم أورده من فوائد بن المقري من رواية جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد به موقوفا ومن رواية علي بن مسهر وعكرمة بن إبراهيم كلاهما عن يحيى بن سعيد كذلك ثانيها قوله في كل منهما لثمانين لمائة وعشرين ولم يرد في طريق من الطرق بالام وانما ورد بلفظ اختتن وهو بن ثمانين وفي الاخرى وهو بن مائة وعشرين وورد الاول أيضا بلفظ على رأس ثمانين ونحو ذلك ثالثها انه صرح في أكثر الروايات انه عاش بعد ذلك ثمانين سنة فلا يوافق الجمع المذكور ان المائة وعشرين هي التي بقيت من عمره ورابعها ان العرب لا تزال تقول خلون إلى النصف فإذا تجاوزت النصف قالوا بقين والذي جمع به بن طلحة يقع بالعكس ويلز ان يقول فيما إذا مضى من الشهر عشرة أيام لعشرين بقين وهذا لا يعرف في استعمالهم ثم ذكر الاختلاف في سن إبراهيم وجزم بأنه لا يثبت منها شئ منها قول هشام بن الكلبي عن أبيه قال دعا إبراهيم الناس إلى الحج ثم رجع إلى الشام فمات به وهو بن مائتي سنة وذكر أبو حذيفة البخاري أحد الضعفاء في المبتدأ بسند له ضعيف ان إبراهيم عاش مائة وخمسا وسبعين سنة واخرج بن أبي الدنيا من مرسل عبيد بن عمير في وفاة إبراهيم وقصته مع ملك الموت ودخوله عليه في صورة شيخ فأضافه فجعل يضع اللقمة في فيه فتتناثر ولا تثبت في فيه فقال له كم اتى عليك قال مائة وإحدى وستون سنة فقال إبراهيم في نفسه
[ 75 ]
وهو يومئذ بن ستين ومائة ما بقي ان اصير هكذا الاسنة واحدة فكره الحياة فقبض ملك الموت حينئذ روحه برضاه فهذه ثلاثة أقوال مختلفة يتعسر الجمع بينها لكن ارجحها الرواية الثالثة وخطر لي بعد انه يجوز الجمع بأن يكون المراد بقوله وهو بن ثمانين انه من وقت فارق قومه وهاجر من العراق إلى الشام وان الرواية الاخرى وهو بن مائة وعشرين أي من مولده أو ان بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو بالعكس والله اعلم قال المهلب ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين وانما اختتن وقت اوحى الله إليه بذلك وأمره به قال والنظر يقتضي انه لا ينبغي الاختتان الا قرب وقت الحاجة إليه لاستعمال العضو في الجماع كما وقع لابن عباس حيث قال كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك ثم قال والاختتان في الصغر لتسهيل الامر على الصغير لضعف عضوه وقلة فهمه قلت يستدل بقصة إبراهيم عليه السلام لمشروعية الختان حتى لو أخر لمانع حتى بلغ السن المذكور لم يسقط طلبه والى ذلك أشار البخاري بالترجمة وليس المراد ان الختان يشرت أخيره إلى الكبر حتى يحتاج إلى الاعتذار عنه واما التعليل الذي ذكره من طريق النظر ففيه نظر فإن حكمة الختان لم تنحصر في تكمل ما يتعلق بالجماع بل ولما يخشى من انحباس بقية البول في الغرلة ولا سيما للمستجمر فلا يؤمن ان يسيل فينجس الثوب أو البدن فكانت المبادرة لقطعها عند بلوغ السن الذي يؤمر به الصبي بالصلاة أليق الاوقات وقد بينت الاختلاف في الوقت الذي يشرع فيه فيما مضى قوله واختتن بالقدوم مخففة ثم أشار إليه من طريق أخرى مشددة وزاد وهو موضع وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الانبياء واشرت إليه أيضا في اثناء اللباس وقال المهلب القدوم بالتخفيف الآلة كقول الشاعر على خطوب مثل نحت القدوم وبالتشديد الموضع قال وقد يتفق لابراهيم عليه السلام الامران يعنى انه اختتن بالالة وفي الموضع قلت وقد قدمت الراجح من ذلك هناك وفي المتفق للجوزقي بسند صحيح عن عبد الرزاق قال القدوم القرية واخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه اختتن إبراهيم بالقدوم فقلت ليحيى ما القدوم قال الفأس قال الكمال بن العديم في الكتاب المذكور الاكثر على ان القدوم الذي اختتن به إبراهيم هو الالة يقال بالشديد والتخفيف والافصح التخفيف ووقع في روايتي البخاري بالوجهين وجزم النضر بن شميل انه اختتن بالالة المذكورة فقيل له يقولون قدوم قرية بالشام قلم يعرفه وثبت على الاول وفي صحاح الجوهري القدوم الالة والموضع بالتخفيف معا وأنكر بن السكيت التشديد مطلقا ووقع في متفق البلدان للحازمي قدوم قرية كانت عند حلب وكانت مجلس إبراهيم قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو البغدادي المعروف بصاعقة وشيخه عباد بن موسى هو الختلي بضم المعجمة وتشديد المثناة الفوقانية وفتحها بعدها لام من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري وقد نزل البخاري في هذا الاسناد درجة بالنسبة لاسماعيل بن جعفر فإنه اخرج الكثير عن إسماعيل بن جعفر بواسطة واحدة كقتيبة وعلي بن حجر ونزل فيه درجتين بالنسبة لاسرائيل فإنه اخرج عنه بواسطة واحدة كعبد الله بن موسى ومحمد بن سابق قوله انا يومئذ مختون أي وقع له الختان
[ 76 ]
يقال صبي مختون ومختتن وختين بمعنى قوله وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أي حتى يبلغ الحلم قال الاسماعيلي لا أدري من القائل وكانوا لا يختنون أهو أبو إسحاق أو إسرائيل أو من دونه وقد قال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قبض النبي صلى الله عليه وسلم وانا بن عشر وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وانا قد ناهزت الاحتلام قال والاحاديث عن بن عباس في هذا مضطربة قلت وفي كلامه نظر اما اولا فلان الاصل ان الذي يثبت في الحديث معطوفا على ما قبله فهو مضاف إلى من نقل عنه الكلام السابق حتى يثبت انه من كلام غيره ولا يثبت الادراج بالاحتمال واما ثانيا فدعوى الاضطراب مردودة مع إمكان الجمع أو الترجيح فإن المحفوظ الصحيح انه ولد بالشعب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة وبذلك قطع أهل السير وصححه بن عبد البر وأورد بسند صحيح عن بن عباس انه قال ولدت وبنو هاشم في الشعب وهذا لا ينافي قوله ناهزت الاحتلام أي قاربته ولا قوله وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك لاحتمال ان يكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع وأما قوله وانا بن عشر فمحمول على إلغاء الكسر وروى أحمد من طريق أخرى عن بن عباس انه كان حينئذ بن خمس عشرة ويمكن رده إلى رواية ثلاث عشرة بن يكون بن ثلاث عشرة وشئ وولد في اثناء السنة فجبر الكسرين بان يكون ولد مثلا في شوال فله من السنة الاولى ثلاثة اشهر فأطلق عليها سنة وقبض النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع فله من السنة الاخيرة ثلاثة أخرى واكمل بينهما ثلاث عشرة فمن قال ثلاث عشرة الغي الكسرين ومن قال خمس عشرة جرهما والله اعلم قوله وقال بن إدريس هو عبد الله وأبوه هو بن يزيد الاودي وشيخه أبو إسحاق هو السبيعي قوله قبض النبي صلى الله عليه وسلم وانا ختين أي مختون كقتيل ومقتول وهذا الطريق وصله الاسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس قوله باب كل لهو باطل إذا شغله أي شغل اللاهي به عن طاعة الله أي كمن النهي بشئ من الاشياء مطلقا سواء كان مأذونا في فعله أو منهيا عنه كمن اشتغل بصلاة نافلة أو بتلاوة أو ذكر أو تفكر في معاني القرآن مثلا حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عمدا فإنه يدخل تحت هذا الضابط وإذا كان هذا في الاشياء المرغب فيها المطلوب فعلها فكيف حال ما دونها وأول هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد والاربعة وصححه بن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر رفعه كل ما يلهو به المرء المسلم باطل الا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله الحديث وكأنه لما لم يكن على شرط المصنف استعمله لفظ ترجمة واستنبط من المعنى ما قيد به الحكم المذكور وانما اطلق على الرمي انه لهو لامالة الرغبات إلى تعليمه لما فيه من صورة اللهو لكن المقصود من تعمله الاعانة على الجهاد وتأديب الفرس إشارة إلى المسابقة عليها وملاعبة الاهل للتأنيس ونحوه وانما اطلق على ما عداها البطلان من طريق المقابلة لا ان جميعها من الباطل المحرم قوله ومن قال لصاحبه تعال اقامرك أي ما يكون حكمه قوله وقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية كذا في رواية أبي ذر والاكثر وفي رواية أصيلي وكريمة ليضل عن سبيل الله الآية وذكر بن بطال ان البخاري استنبط تقييد اللهو في الترجمة من مفهوم قوله تعالى ليضل عن سبيل الله فان مفهومه انه إذا اشتراه لا ليضل
[ 77 ]
لا يكون مذموما وكذا مفهوم الترجمة انه إذا لم يشغله اللهو عن طاعة الله لا يكون باطلا لكن عموم هذا المفهوم يخص بالمنطوق فكل شئ نص على تحريمه مما يلهي يكون باطلا سواء شغل أو لم يشغل وكأنه رمز إلى ضعف ما ورد في تفسير اللهو في هذه الآية بالغناء وقد اخرج الترمذي من حديث أبي امامة رفعه لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن الحديث وفيه وفيهن انزل الله ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية وسنده ضعيف واخرج الطبراني عن بن مسعود موقوفا انه فسر اللهو في هذه الآية بالغناء وفي سنده ضعف أيضا ثم اورد حديث أبي هريرة وفيه ومن قال لصاحبه تعال اقامرك الحديث وأشار بذلك إلى ان القمار من جملة اللهو ومن دعا إليه دعا إلى المعصية فلذلك أمر بالتصدق ليكفر عنه تلك المعصية لان من دعا إلى معصية وقع بدعائه إليها في معصية وقال الكرماني وجه تعلق هذا الحديث بالترجمة والترجمة بالاستئذان ان الداعي إلى القمار لا ينبغي ان يؤذن له في دخول المنزل ثم لكونه يتضمن اجتماع الناس ومناسبة بقية حديث الباب للترجمة ان الحلف باللات لهو يشغل عن الحق بالخلق فهو باطل انتهى ويحتمل ان يكون لما قدم ترجمة ترك السلام على من اقترف ذنبا أشار إلى ترك الاذن لمن يشتغل باللهو عن الطاعة وقد تقدم شرح حديث الباب في تفسير سورة والنجم قال مسلم في صحيحه بعد ان اخرج هذا الحديث هذا الحرف تعال اقامرك لا يرويه أحد الا الزهري وللزهري نحو تسعين حرفا لا يشاركه فيها غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد قلت وانما قيد التفرد بقوله تعالى اقامرك لان لبقية الحديث شاهدا من حديث سعد بن أبي وقاص يستفاد منه سبب حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بسند قوي قال كنا حديثي عهد بجاهلية فحلفت باللات والعزى فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وانفث عن شمالك وتعوذ بالله ثم لا تعد فيكمن ان يكون المراد بقوله في حديث أبي هريرة فليقل لا إله إلا الله إلى اخر الذكر المذكور إلى قوله قدير ويحتمل الاكتفاء بلا اله الا الله لانها كلمة التوحيد والزيادة المذكورة في حديث سعد تأكيد قوله باب ما جاء في البناء أي من منع وإباحة والبناء أعم من ان يكون بطين أو مدر أو بخشب أو من قصب أو من شعر قوله قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة إذا تطاول رعاة البهم في البنيان كذا للاكثر بضم الراء وبهاء تأنيث في اخره وفي رواية الكشميهني رعاء بكسر الراء وبالهمز مع المد وقد تقدم هذا الحديث موصولا مطولا مع شرحه في كتاب الايمان وأشار بإيراد هذه القطعة إلى ذم التطاول في البنيان وفي الاستدلال بذلك نظر وقد ورد في ذم تطويل البناء صريحا ما اخرج بن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين وفي سنده ضعف مع كونه موقوفا وفي ذم البناء مطلقا حديث خباب رفعه قال يؤجر الرجل في نفقته كلها الا التراب أو قال البناء أخرجه الترمذي وصححه واخرج له شاهدا عن أنس بلفظ الا البناء فلا خير فيه وللطبراني من حديث جابر رفعه إذا أراد الله بعبد شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبنى ومعنى خضر بمعجمتين حسن وزنا ومعنى وله شاهد في الاوسط من حديث أبي بشر الانصاري بلفظ إذا ارد الله بعبد سوءا انفق ماله في البنيان واخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال مر بي النبي صلى الله
[ 78 ]
عليه وسلم وانا اطين حائطا فقال الامر اعجل من ذلك وصححه الترمذي وابن حبان وهذا كله محمول على ما تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر وقد اخرج أبو داود أيضا من حديث أنس رفعه اما ان كل بناء وبال على صاحبه الا ما لا الا ما لا أي الا ما لا بد منه ورواته موثقون الا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الاسدي فليس بمعروف وله شاهد عن واثلة عند الطبراني قوله حدثنا إسحاق هو بن سعيد كذا في الاصل وسعيد المذكور هو بن عمرو بن سعيد بن العاص الاموي ونسب كذلك عند الاسماعيلي من وجه اخر عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه وعمرو بن سعيد هو المعروف بالاشدق وإسحاق بن سعيد يقال له السعيدي سكن مكة وقد روى هذا الحديث عن والده وهو المراد بقوله عن سعيد قوله رأيتني بضم المثناة كأنه استحضر الحالة المذكورة فصار لشدة علمه بها كأنه يرى نفسه يفعل ما ذكر قوله مع النبي صلى الله عليه وسلم أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قوله يكننى بضم أوله وكسر الكاف وتشديد النون من أكن إذا وفى وجاء بفتح أوله من كن وقال أبو زيد الانصاري كننته أو اكننته بمعنى أي سترته وأسررته وقال الكسائي كننته صنته واكننته اسررته قوله ما اعانني عليه أحد من خلق الله هو تأكيد لقوله بنيت بيدي واشارة إلى خفة مؤنته ووقع في رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم عن إسحاق بن سعيد السعيدي بهذا السند عند الاسماعيلي وأبي نعيم في المستخرجين بيتا من شعر واعترض الاسماعيلي على البخاري بهذه الزيادة فقال ادخل هذا الحديث في البناء بالطين والمدر والخبر انما هو في بيت الشعر وأجيب بأن راوي الزيادة ضعيف عندهم وعلى تقدير ثبوتها فليس في الترجمة تقييد بالطين والمدر قوله قال عمرو هو بن دينار قوله لبنة بفتح اللام وكسر الموحدة مثل كلمة ويجوز كسر أوله وسكون الموحدة قوله ولاغرست نخلة قال الداودي ليس الغرس كالبناء لان من غرس ونيته طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الاثم قلت لم يتقدم للاثم في الخبر ذكر حتى يعترض به وكلامه يوهم ان في البناء كله الاثم وليس كذلك بل فيه التفصيل وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الاثم ولا شك ان في الغرس من الاجر من اجل ما يؤكل منه ما ليس في البناء وأن كان في بعض البناء ما يحصل به الاجر مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب والله سبحانه وتعالى اعلم قوله فذكرته لبعض أهله لم اقف على تسميته والقائل هو سفيان قوله قال والله لقد بنى زاد الكشميهني في روايته بيتا قوله قال سفيان قلت فلعله قال قبل أي قال ما وضعت لبنة الخ قبل ان يبنى الذي ذكرت وهذا اعتذار حسن من سفيان راوي الحديث ويحتمل ان يكون بن عمر نفى ان يكون بنى بيده بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والذي أثبته بعض أهله كان بنى بأمره فنسبه إلى فعله مجازا ويحتمل ان يكون بناؤه بيتا من قصب أو شعر ويحتمل ان يكون الذي نفاه بن عمر ما زاد على حاجته والذي أثبته بعض أهله بناء بيت لا بد له منه أو إصلاح ما وهي من بيته قال بن بطال يؤخذ من جواب سفيان ان العالم إذا جاء عنه قولان مختلفان انه ينبغي لسامعهما ان يتأولهما على وجه ينفي عنهما التناقض تنزيها له عن الكذب انتهى ولعل سفيان فهم من قول بعض أهل بن عمر الانكار على ما رواه له عن عمرو بن دينار عن بن عمر فبادر سفيان إلى الانتصار لشيخه ولنفسه وسلك الادب مع الذي
[ 79 ]
خاطبه بالجمع الذي ذكره والله سبحانه وتعالى اعلم خاتمة اشتمل كتاب الاستئذان من الاحاديث المرفوعة على خمسة وثمانين حديثا المعلق منها وما في معناه اثنا عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منه فيه وفيما مضى خمسة وستون حديثا والخالص عشرون وافقه مسلم على تخرجيها سوى حديث لابي هريرة رسول الرجل اذنه وحديث أنس في المصافحة وحديث بن عمر في الاحتباء وحديثه في البناء وحديث بن عباس في ختانه وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة اثار والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الدعوات بفتح المهملتين جمع دعوة بفتح أوله وهي المسألة الواحدة والدعاء الطلب والدعاء إلى الشئ الحث على فقله ودعوت فلانا سألته ودعوته استغثته ويطلق أيضا على رفعة القدر كقوله تعالى ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة كذا قال الراغب ويمكن رده إلى الذي قبله ويطلق الدعاء أيضا على العبادة والدعوى بالقصر الدعاء كقوله تعالى وآخر دعواهم والادعاء كقوله تعالى فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا وقال الرغب الدعاء على التسمية كقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال الراغب الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم والدعاء لا يكاد يتجرد وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في شرح الاسماء الحسنى ما ملخصه جاء الدعاء في القرآن على وجوه منها العبادة ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ومنها الاستغاثة وادعوا شهداءكم ومنها السؤال ادعوني استجب لكم ومنها القول دعواهم فيها سبحانك اللهم والنداء يوم يدعوكم والثناء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قوله وقول الله تعالى ادعوني استجب لكم الآية كذا لابي ذر وساق غيره الآية إلى قوله داخرين وهذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على التفويض وقالت طائفة الافضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا عن الآية بأن آخرها دل على ان المراد بالدعاء العبادة لقوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي الآية أخرجه الاربعة وصححه الترمذي والحاكم وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور ان الدعاء من أعظم العبادة فهو كالحديث الآخر الحج عرفة أي معظم الحج وركنه الاكبر ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أنس رفعه الدعاء مخ العبادة وقد تواردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في الدعاء والحث عليه كحديث أبي هريرة رفعه ليس شئ اكرم على الله من الدعاء أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم وحديثه رفعه من لم يسأل الله يغضب عليه أخرجه أحمد والبخاري في الادب المفرد والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عنه وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه بن معين وقواه أبو زرعة وظن الحافظ بن كثير انه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الاطراف بما قلته ووقع في رواية البزار والحاكم
[ 80 ]
عن أبي صالح الخوزي سمعت أبا هريرة قال الطيبي معنى الحديث ان من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب ان يسأل انتهى ويؤيده حديث بن مسعود رفعه سلوا الله من فضله فإن الله يحب ان يسأل أخرجه الترمذي وله من حديث بن عمر رفعه ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك الحاكم واخرج الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات الا ان فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعا ان الله يحب الملحين في الدعاء وقال الشيخ تقي الدين السبكي الاولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط ان الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد انما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر واما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وان كنا نرى ان ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الادلة الواردة في الحث عليه قلت وقد دلت الآية الآتية قريبا في السورة المذكورة ان الاجابة مشترطة بالاخلاص وهو قوله تعالى فادعوه مخلصين له الدين وقال الطيبي معنى حديث النعمان ان تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادت موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان وحكى القشيري في الرسالة الخلاف في المسألة فقال اختلف أي الامرين أولى الدعاء أو السكوت والرضا فقيل الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الادلة لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل قلت وشبهتهم ان الداعي لا يعرف ما قدر له فدعاؤه ان كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وان كان على خلافه فهو معاندة والجواب عن الاول ان الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن الثاني انه إذا اعتقد انه لا يقع الا ما قدر الله تعالى كان اذعانا لا معاندة وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الامر ولاحتمال ان يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لان الله خالق الاسباب ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي ان يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه قال والاولى ان يقال إذا وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس قلت القول الاول أعلى المقامات ان يدعو بلسانه ويرض بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي ان يختص به الكمل قال القشيري ويص ان يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ فالسكوت أفضل وعبر بن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب ان يدعو لغيره ويترك لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وان كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك ان كل داع يستجاب له لكن تتنوع الاجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الارض مسلم يدعو بدعوة الا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ولاحمد من حديث أبي هريرة اما ان يعجلها له واما ان يدخرها له وله في حديث أبي سعيد رفعه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها
[ 81 ]
اثم ولا قطعية رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته واما ان يدخرها له في الآخرة واما ان يصرف عنه من السوء مثلها وصححه الحاكم وهذا شرط ثان للاجابة ولها شروط أخرى منها ن يكون طيب المطعم والملبس لحديث فانى يستجاب لذلك وسيأتي بعد عشرين بابا من حديث أبي هريرة ومنها الا يكون يستعجل لحديث يستجاب لاحكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي أخرجه مالك قوله باب لكل نبي دعوة مستجابة كذا لابي ذر وسقط لفظ باب لغيره فصار من جملة الترجمة الاولى ومناسبتها للاية الاشارة إلى ان بعض الدعاء لا يستجاب عينا قوله إسماعيل هو بن أبي أويس قوله مستجابة كذا لابي ذر ولم ارها عند الباقين ولا في شئ من نسخ الموطأ قوله يدعو بها زاد في رواية الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فيعجل كل نبي دعوته وفي حديث أنس ثاني حديثي الباب فاستجيب له قوله وأريد ان اختبئ دعوتي شفاعة لامتي في الآخرة وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة الآتية في التوحيد فأريد ان شاء الله ان اختبئ وزيادة ان شاء الله في هذا للتبرك ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة واني اختبأت وفي حديث أنس فجعلت دعوتي وزاد يوم القيامة وزاد أبو صالح فهي نائلة ان شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا وقوله من مات في محل نصب على المفعولية ولا يشرك بالله في محل نصب على الحال والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد ان يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة وأنواعها في أول كتاب الرقاق ان شاء الله تعالى وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الانبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وظاهره ان لكل نبي دعوة مستجابة فقط والجواب ان المراد بالاجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الاجابة وقيل معنى قوله لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته ولهم دعوات أخرى وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته اما باهلاكهم واما بنجاتهم واما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها مالا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح لا تذر على الارض وقول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقول سليمان وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي حكاه بن التين وقال بعض شراح المصابيح ما لفظه اعلم ان جميع دعوات الانبياء مستجابة والمراد بهذا الحديث ان كل نبي دعا على أمته بالاهلاك الا انا فلم ادع فاعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على اذاهم والمراد بالامة امة الدعوة لا امة الاجابة وتعقبه الطيبي بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على احياء من العرب ودعا على اناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ودعا على مضر قال والاولى ان يقال ان الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كمنهم في الدنيا واما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد اهلاكهم وانما أراد ردعهم ليتوبوا واما جزمه أولا بأن جميع ادعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة الحديث قال بن بطال في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الانبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم وقال بن الجوزي
[ 82 ]
هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لانه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لانه اثر أمته على نفسه ومن صحة نظره لانه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين وقال النووي فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم واما قوله فهي نائلة ففيه دليل لاهل السنة ان من مات غير مشرك لا يخلد في النار ولو مات مصرا على الكبائر قوله وقال معتمر هو بن سليمان التيمي كذا للاكثر وبه جزم الاسماعيلي والحميدي لكن عند الاصيلي وكريمة في أوله قال لي خليفة حدثنا معتمر فعلى هذا هو متصل وقد وصله أيضا مسلم عن محمد بن عبد الاعلى عن معتمر قوله لكل نبي سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة هكذا وقع بالشك ولم يسق مسلم لفظه بل أحال به على طريق قتادة عن أنس وقد أخرجه بن منده في كتاب الايمان من طريق محمد بن عبد الاعلى به ومن طريق الحسن بن الربيع ومسدد وغيرهما عن معتمر بالشك ولفظه كل نبي قد سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا بها الحديث ولفظ قتادة عند مسلم لكل نبي دعوة دعاها لامته فذكره ولم يشك قوله باب أفضل الاستغفار سقط لفظ باب لابي ذر ووقع في شرح بن بطال بلفظ فضل الاستغفار وكأنه لما رأى الآيتين في أول الترجمة وهما دالتان على الحث على الاستغفار ظن ان الترجمة لبيان فضيلة الاستغفار ولكن حديث الباب يؤيد ما وقع عند الاكثر وكأن المصنف أراد اثبات مشروعية الحث على الاستغفار بذكر الآيتين ثم بين بالحديث أولى ما يستعمل من ألفاظه وترجم بالافضلية ووقع الحديث بلفظ السيادة وكأنه أشار إلى ان المراد بالسيادة الافضلية ومعناها الاكثر نفعا لمستعمله ومن أوضح ما وقع في فضل الاستغفار ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث يسار وغيره مرفوعا من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وان كان فر من الزحف قال أبو نعيم الاصبهاني هذا يدل على ان بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح وضابطه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال ووجه الدلالة منه انه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر فدل على ان ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال قوله وقوله تعالى واستغفروا ربكم انه كان غفارا الآية كذا رأيت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر وسقطت الواو من رواية غيره وهو الصواب فان التلاوة فقلت استغفروا ربكم وساق غير أبي ذر الآية إلى قوله تعالى انهارا وكأن المصنف لمح بذكر هذه الآية إلى اثر الحسن البصري ان رجلا شكى إليه الجدب فقال استغفر الله وشكى إليه آخر الفقر فقال استغفر الله وشكى إليه آخر جفاف بستانه فقال استغفر الله وشكى إليه آخر عدم الولد فقال استغفر الله ثم تلا عليهم هذه الآية وفي الآية حث على الاستغفار واشارة إلى وقوع المغفرة لمن استغفر والى ذلك أشار الشاعر بقوله لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه * من جود كفيك ما علمتني الطلبا قوله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهما الآية كذا لابي ذر وساق غيره إلى قوله وهم يعملون واختلف في معنى قوله ذكروا الله فقيل ان قوله فاستغفروا تفسير للمراد بالذكر وقيل هو على حذف تقديره ذكروا عقاب الله والمعنى تفكروا في أنفسهم ان الله سائلهم فاستغفروا
[ 83 ]
لذنوبهم أي لاجل ذنوبهم وقد ورد في حديث حسن صفة الاستغفار المشار إليه في الآية أخرجه أحمد والاربعة وصححه بن حبان من حديث علي بن أبي طالب قال حدثني أبو بكر الصديق رض الله عنهما وصدق أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثيقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله عزوجل الا غفر له ثم تلا والذين إذا فعلوا فاحشة الآية وقوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا فيه إشارة إلى ان من شرط قبول الاستغفار ان يقلع المستغفر عن الذنب والا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب وورد في فضل الاستغفار والحث عليه آيات كثيرة وأحاديث كثيرة منها حديث أبي سعيد رفعه قال إبليس يا رب لا ازال اغويهم ما دامت ارواحهم في اجسادهم فقال الله تعالى وعزتي لا أزال اغفر لهم ما استغفروني أخرجه أحمد وحديث أبي كبر الصديق رفعه ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة أخرجه أبو داود والترمذي وذكر السبعين للمبالغة والا ففي حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد مرفوعا ان عبدا اذنب ذنبا فقال رب اني اذنبت ذنبا فاغفر لي فغفر له الحديث وفي اخره علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به اعمل ما شئت فقد غفرت لك قوله حدثنا الحسين هو بن ذكوان المعلم ووقع عند النسائي من رواية غندر حدثنا الحسين المعلم وكذا عند الاسماعيلي من طريق يحيى القطان عن حسين المعلم قوله حدثنا عبد الله بن بريدة أي بن الحصيب الاسلمي قوله حدثنا بشير بالموحدة ثم المعجمة مصغر وقد تابع حسينا على ذلك ثابت البناني وأبو العوام عن بريدة ولكنهما لم يذكرا بشير بن كعب بل قالا عن بن بريدة عن شداد خرجه النسائي وخالفهم الوليد بن ثعلبة فقال عن بن بريدة عن أبيه أخرجه الاربعة الا الترمذي وصححه بن حبان والحاكم لكن لم يقع في رواية الوليد أول الحديث قال النسائي حسين المعلم اثبت من الوليد بن ثعلبة واعلم بعبد الله بن بريدة وحديثه أولى بالصواب قلت كأن الوليد سلك الجادة لان جل رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه وكأن من صححه جوز ان يكون عن عبد الله بن بريدة على الوجهين والله اعلم قوله حدثني شداد بن أوس أي بن ثابت بن المنذر بن حرام بمهملتين الانصاري بن أخي حسان بن ثابت الشاعر وشداد صحابي جليل نزل الشام وكنيته أبو يعلى واختلف في صحبه أبيه وليس لشداد في البخاري الا هذا الحديث الواحد قوله سيد الاستغفار قال الطيبي لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الاصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الامور قوله ان يقول أي العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي ان سيد الاستغفار ان يقول العبد وللترمذي من رواية عثمان بن ربيعة عن شداد الا أدلك على سيد الاستغفار وفي حديث جابر عند النسائي تعلموا سيد الاستغفار قوله لا اله الا أنت أنت خلقتني كذا في نسخة معتمدة بتكرير أنت وسقطت الثانية من معظم الروايات ووقع عند الطبراني من حديث أبي امامة من قال حين يصبح اللهم لك الحمد لا اله الا أنت والباقي نحو حديث شداد وزاد فيه آمنت لك مخلصا لك ديني قوله وانا عبدك قال الطيبي يجوز ان تكون مؤكدة ويجوز ان تكون مقدرة أي انا عابد لك ويؤيده عطف قوله وانا على عهدك قوله وانا على عهدك سقطت الواو في رواية النسائي قال الخطابي يريد انا على ما عهتك عليه وواعدتك من الايمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك ويحتمل
[ 84 ]
ان يريد انا مقيم على ما عهدت إلى من امرك ومتمسك به منتجز وعدك في المثوبة والاجر واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى وقال بن بطال قوله وانا على عهدك ووعدك يريد العهد الذي اخذه الله على عباده حيث أخرجه أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقروا له بالربوبية واذعنوا له بالوحدانية وبالوعد ما قال على لسان نبيه ان من مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه ان يدخله الجنة قلت وقوله وأدى ما افترض عليه زيادة ليست بشرط في هذا المقام لانه جعل المراد بالعهد الميثاق المأخوذ في عالم الذر وهو التوحيد خاص فالوعد هو إدخال من مات على ذلك الجنة قال وفي قوله ما استطعت اعلام لامته ان أحدا لا يقدر على الاتيان بجميع ما يحب عليه لله ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك الا وسعهم وقال الطيبي يحتمل ان يراد بالعهد والوعد ما في الآية المذكورة كذا قال والتفريق بين العهد والوعد أوضح قوله أبوء لك بنعمتك علي سقط لفظ لك من رواية النسائي وأبوء بالموحدة والهمز ممدود معناه اعترف ووقع في رواية عثمان بن ربيعة عن شداد واعترف بذنوبي وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلا إذا اسكنه فكأنه الزمه به قوله وأبوء لك بذنبي أي اعترف أيضا وقيل معناه احمله برغمي لا أستطيع صرفه عني وقال الطيبي اعترف اولا بأنه انعم عليه ولم يقيده لانه يشمل أنواع الانعام ثم اعترف بالتقصير وانه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس قلت ويحتمل ان يكون قوله ابوء لك بذنبي اعترف بوقوع الذنب مطلقا ليصح الاستغفار منه لا انه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنبا قوله فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا أنت يؤخذ منه ان من اعترف بذنبه غفر له وقد وقع صريحا في حديث الافك الطويل وفيه العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه قوله من قالها موقنا بها أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها وقال الداودي يحتمل ان يكون هذا من قوله ان الحسنات يذهبن السيئات ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء وغيره لانه بشر بالثواب ثم بشر بأفضل منه فثبت الاول وما زيد عليه وليس يبشر بالشئ ثم يبشر بأقل منه مع ارتفاع الاول ويحتمل ان يكون ذلك ناسخا وان يكون هذا فيمن قالها ومات قبل ان يفعل ما يفغر له به ذنوبه أو يكون ما فعله من الوضوء وغيره لم ينتقل منه بوجه ما والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء كذا حكاه بن التين عنه وبعضه يحتاج إلى تأمل قوله ومن قالها من النهار في رواية النسائي فإن قالها حين يصبح وفي رواية عثمان بن ربيعة لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل ان يصبح أو حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل ان يمسي قوله فهو من أهل الجنة في رواية النسائي دخل الجنة وفي رواية عثمان بن ربيعة الا وجبت له الجنة قال بن أبي جمرة جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الالفاظ ما يحق له انه يسمى سيد الاستغفار ففيه الاقرار لله وحده بالالهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والاقرار بالعهد الذي اخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه واضافة النعماء إلى موجدها واضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك الا هو وفي كل ذلك الاشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة فإن تكاليف الشريعة لا تحصل الا إذا كان في ذلك عون من الله
[ 85 ]
تعالى وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة فلو اتفق ان العبد خالف حتى يجرى عليه ما قدر عليه وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة لم يبق إلا أحد أمرين إما العقوبة بمقتضى العدل أو العفو بمقتضى الفضل انتهى ملخصا وقال أيضا من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والادب فلو ان أحدا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن اخل بالشروط هل يستويان فالجواب ان الذي يظهر ان اللفظ المذكور انما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة والله اعلم قوله باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم أي وقوع الاستغفار منه أو التقدير مقدار استغفاره في كل يوم ولا يحمل على الكيفية لتقدم بيان الافضل وهو لا يترك الافضل قوله قال قال أبو هريرة في رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني أبو سلمة انه سمع أبا هريرة أخرجه النسائي قوله والله اني لاستغفر الله فيه القسم على الشئ تأكيدا له وان لم يكن عند السامع فيه شك قوله لاستغفر الله وأتوب إليه ظاهره انه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ويحتمل ان يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن بن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه في المجلس قبل ان يقوم مائة مرة وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن بن عمر بلفظ انا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة قوله أكثر من سبعين مرة وقع في حديث أنس اني لاستغفر الله في اليوم سبعين مرة فيحتمل ان يريد المبالغة ويحتمل ان يريد العدد بعينه وقوله أكثر مبهم فيحتمل ان يفسر بحديث بن عمر المذكور وانه يبلغ المائة وقد وقع في طريق أخرى عن أبي هريرة من رواية معمر عن الزهري بلفظ اني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة لكن خالف أصحاب الزهري في ذلك نعم اخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ اني لاستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة واخرج النسائي أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني اتوب إليه في اليوم مائة مرة وله في حديث الاغر المزني رفعه مثله وهو عنده وعند مسلم بلفظ انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله كل يوم مائة مرة قال عياض المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه ان يداوم عليه فإذا فتر عنه لامر ما عد ذلك ننبا فاستغفر عنه وقيل هو شئ يعترى القلب مما يقع من حديث النفس وقيل هو السكينة التي تغشى قلبه والاستغفار لاظهار العبودية لله والشكر لما اولاه وقيل هي حالة خشية واعظام والاستغفار شكرها ومن ثم قال المحاسبي خوف المتقربين خوف اجلال واعظام وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي لا يعتقد ان الغين في حالة نقص بل هو كمال أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلا فإنه يمنع العين من الرؤية فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة هو كمال هذا محصل كلامه بعبارة طويلة قال فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للاغيرة الثائرة من انفاس الاغيار فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك انتهى وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية وأجيب بعدة أجوبة
[ 86 ]
منها ما تقدم في تفسير الغين ومنها قول بن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد والانبياء وان عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ومنها قول بن بطال الانبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما اعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه ان الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل ان يكون لاشتغاله بالامور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها ان استغفاره تشريع لامته أو من ذنوب الامة فهو كالشفاعة لهم وقال الغزالي في الاحياء كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على ان العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الاحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك وقال الشيخ السهروردي لما كان روح النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب يستتبع القلب والقلب يستتبع النفس ولا ريب ان حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج فاقتضت الحكمة ابطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شأو ترقى القلب والله اعلم قوله باب التوبة أشار المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم التوبة في أوائل كتاب الدعاء إلى ان الاجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا بالمعصية فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لاجابته وما الطف قول بن الجوزي إذ سئل أأسبح أو استغفر فقال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور والاستغفار استفعال من الغفران وأصله الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه عما يدنسه وتدنيس كل شئ بحسبه والغفران من الله للعبد ان يصونه عن العذاب والتوبة ترك الذنب على أحد الاوجه وفي الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على فعله والعزم على عدم العود ورد المظلمة ان كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي ابلغ ضروب الاعتذار لان المعتذر اما ان يقول لا افعل فلا يقع الموقع عند من اعتذر له لقيام احتمال انه فعل لا سيما ان ثبت ذلك عنده عنه أو بقول فعلت لاجل كذا ويذكر شيئا يقيم عذره وهو فوق الاول أو يقول فعلت ولكن اسأت وقد اقلعت وهذا أعلاه انتهى من كلام الراغب ملخصا وقال القرطبي في المفهم اختلفت عبارات المشايخ فيها فقائل يقول انها الندم واخر يقول انها العزم على ان لا يعود وآخر يقول الاقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الامور الثلاثة وهو اكملها غير انه مع ما فيه غير مانع ولا جامع اما اولا فلانه قد يجمع الثلاثة ولا يكون تائبا شرعا إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله أو لئلا يعيره الناس به ولا تصح التوبة الشرعية الا بالاخلاص ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا واما ثانيا فلانه يخرج منه من زنى مثلا ثم جب ذكره فإنه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى وأما العزم على عدم العود فلا يتصور منه قال وبهذا اغتر من قال ان الندم يكفي في حد التوبة وليس كما قال لانه لو ندم ولم يقلع وعزم على العود لم يكن
[ 87 ]
تائبا اتفاقا قال وقال بعض المحققين هي اختيار ترك ذنب سبق حقيقة أو تقديرا لاجل الله قال وهذا أسد العبارات وأجمعها لان التائب لا يكون تاركا للذنب الذي فرغ لانه غير متمكن من عينه لا تركا ولا فعلا وانما هو متمكن من مثله حقيقة وكذا من لم يقع منه ذنب انما يصح منه اتقاء ما يمكن ان يقع لاترك مثل ما وقع فيكون متقيا لا تائبا قال والباعث على هذا تنبيه الهي لمن أراد سعادته لقبح الذنب وضرره لانه سم مهلك يفوت على الانسان سعادة الدنيا والآخرة ويحجبه عن معرفة الله تعالى في الدنيا وعن تقريبه في الآخرى قال ومن تفقد نفسه وجدها مشحونة بهذا السم فإذا وفق انبعث منه خوف هجوم الهلاك عليه فيبادر بطلب ما يدفع به عن نفسه ضرر ذلك فحينئذ ينبعث منه الندم على ما سبق والعزم على ترك العود عليه قال ثم اعلم ان التوبة اما من الكفر واما من الذنب فتوبة الكافر مقبولة قطعا وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق ومعنى القبول الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ثم توبة العاصي اما من حق الله واما من حق غيره فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم غير ان منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك فقط بل أضاف إليه القضاء أو الكفارة وح غير الله يحتاج إلى ايصالها لمستحقها والا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب لك من لم يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول فإنه يضم التبعات ويبدل السيئات حسنات والله اعلم قلت حكى غيره عن عبد الله بن المبارك في شروط التوبة زيادة فقال الندم والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وان يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وان يذيق نفسه الم الطاعة كما اذاقها لذة المعصية قلت وبعض هذه الاشياء مكملات وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث بن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه لان المعنى الحض عليه وانه الركن الاعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية من قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده واحتج من شرط في صحة التوبة من حقوق العباد ان يرد تلك المظلمة بأن من غصب امة فزنى بها لا تصح توبته الا بردها لمالكها وان من قتل نفسا عمدا لا تصح توبته الا بتمكين نفسه من ولى الدم ليقتص أو يعفو قلت وهذا من جهة التوبة من الغصب ومن حق المقتول واضح ولكن يمكن ان تصح التوبة من العود إلى الزنا وان استمرت الامة في يده ومن العود إلى القتل وان لم يمكن من نفسه وزاد بعض من أدركناه في شروط التوبة أمورا أخرى منها ان يفارق موضع المعصية وان لا يصل في آخر عمره إلى الغرغرة وان لا تطلع الشمس من مغربها وان لا يعود إلى ذلك الذنب فان عاد إليه بان ان توبته باطلة قلت والاول مستحب والثاني والثالث داخلان في حد التكليف والرابع الاخير عزى للقاضي أبي بكر الباقلاني ويرده الحديث الآتي بعد عشرين بابا وقد أشرت إليه في باب فضل الاستغفار وقد قال الخليمي في تفسير التواب في الاسماء الحسنى انه العائد على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته وندم على معصيته فلا يحبط عنه ما قدمه من خير ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الاحسان وقال الخطابي التواب الذي يعود إلى القبول كلما عاد العبد إلى الذنب وتاب قوله وقال قتادة توبة
[ 88 ]
نصوحا الصادقة الناصحة وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة مثله وقيل سميت ناصحة لان العبد ينصح نفسه فيها فذكرت بلفظ المبالغة وقرأ عاصم نصوحا بضم النون أي ذات نصح وقال الراغب النصح تجري قول أو فعل فيه صلاح تقول نصحت لك الود أي اخلصته ونصحت الجلد أي خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط فيحتمل ان يكون قوله توبة نصوحا مأخوذا من الاخلاص أو من الاحكام وحكى القرطبي المفسر انه اجتمع له من أقوال العلماء في تفسير التوبة النصوح ثلاثة وعشرون قولا الاول قول عمر ان يذنب الذنب ثم لا يرجع وفي لفظ ثم لا يعود فيه أخرجه الطبري بسند صحيح عن بن مسعود مثله وأخرجه أحمد مرفوعا واخرج بن أبي حاتم من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان يندم إذا اذنب فيستغفر ثم لا يعود إليه وسنده ضعيف جدا الثاني ان يبغض الذنب ويتسغفر منه كلما ذكره أخرجه بن أبي حاتم عن الحسن البصري الثالث قول قتادة المذكور قبل الرابع ان يخلص فيها الخامس ان يصير من عدم قبولها على وجل السادس ان لا يحتاج معها إلى توبة أخرى السابع ان يشتمل على خوف ورجاء ويدمن الطاعة الثامن مثله وزاد وان يهاجر من اعانه عليه التاسع ان يكون ذنبه بين عينيه العاشر ان يكون وجها بلاقفا كما كان في المعصية قفا بلا وجه ثم سرد بقية الاقوال من كلام الصوفية بعبارات مختلفة ومعان مجتمعة ترجع إلى ما تقدم وجميع ذلك من المكملات لا من شرائط الصحة والله اعلم قوله حدثنا أحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده واشتهر بذلك وأبو شهاب شيخه اسمه عبد ربه بن نافع الحناط بالمهملة والنون وهو أبو شهاب الحناط الصغير وما أبو شهاب الحناط الكبير فهو في طبقة شيوخ هذا واسمه موسى بن نافع وليسا اخوين وهما كوفيان وكذا بقية رجال هذا السند قوله عن عمارة بن عمير فذكر المصنف تصريح الاعمش بالتحديث وتصريح شيخه عمارة وفي رواية أبي أسامة المعلقة بعد هذا وعمارة تيمى من بني تيم اللات بن ثعلبة كوفي من طبقة الاعمش وشيخه الحارث بن سويد تيمي أيضا وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق اولهم الاعمش وهو من صغار التابعين وعمارة من اوساطهم والحارث من كبارهم قوله حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والاخر عن نفسه قال إن المؤمن فذكره إلى قوله فوق انفه ثم قال لله افرح بتوبة عبده هكذا وقع في هذه الرواية غير مصرح برفع أحد الحديثين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي قالوا المرفوع لله افرح الخ والاول قول بن مسعود وكذا جزم بن بطال بأن الاول هو الموقوف والثاني هو المرفوع وهو كذلك ولم يقف بن التين على تحقيق ذلك فقال أحد الحديثين عن بن مسعود والاخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزد في الشرح على الاصل شيئا وأغرب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في مختصره فأفرد أحد الحديثين من الاخر وعبر في كل منهما بقوله عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك في شئ من نسخ البخاري ولا التصريح برفع الحديث الاول إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من نسخ كتب الحديث الا ما قرأت في شرح مغلطاي انه روى مرفوعا من طريق وهاها أبو أحمد الجرجاني يعني بن عدي وقد وقع بيان ذلك في الرواية المعلقة وكذا وقع البيان في رواية مسلم مع كونه لم يسق حديث بن مسعود الموقوف ولفظه من طريق جرير عن الاعمش عن عمارة عن
[ 89 ]
الحارث قال دخلت على بن مسعود اعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله أشد فرحا الحديث قوله ان المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف ان يقع عليه قال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الامر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل ان غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة وحاصله ان المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الايمان فلا يأمن العقوبة بسببها وهذا شأن المسلم انه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السئ قوله وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب في رواية أبي الربيع الزهراني عن أبي شهاب عند الاسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب مر على انفه أي ذنبه سهل عنده لا يعتقد انه يحصل له بسببه كبير ضرر كما ان ضرر الذباب عنده سهل وكذا دفعه عنه والذباب بضم المعجمة وموحدتين الاولى خفيفة بينهما الف جمع ذبابة وهي الطير المعروف قوله فقال به هكذا أي تجاه بيده أو دفعه هو من إطلاق القول على الفعل قالوا وهو ابلغ قوله قال أبو شهاب هو موصول بالسند المذكور قوله بيده على انفه هو تفسير منه لقوله فقال به قال المحب الطبري انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته لانه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية وقال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل قال ويستفاد من الحديث ان قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب اخف الطير واحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الاشياء قال وفي ذكر الانف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لان الذباب قلما ينزل على الانف وانما يقصد غالبا العين قال وفي اشارته بيده تأكيد للخفة أيضا لانه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره قال وفي الحديث ضرب المثل بما يمكن وارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الايمان وفيه ان الفجور أمر قلبي كالايمان وفيه دليل لاهل السنة لانهم لا يكفرون بالذنوب ورد على الخوارج وغيرهم ممن يكفر بالذنوب وقال بن بطال يؤخذ منه انه ينبغي ان يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا لان الله تعالى قد يعذب على القليل فإنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى قوله ثم قال لله افرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا في رواية أبي الربيع المذكورة بتوبة عبده المؤمن وعند مسلم من رواية جرير ومن رواية أبي أسامة لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن وكذا عنده من حديث أبي هريرة وإطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه قال الخطابي معنى الحديث ان الله ارضى بالتوبة واقبل لها والفرح الذي يتعارفه الناس بينهم غير جائز على الله وهو كقوله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون أي رضون وقال بن فورك الفرح في اللغة السرور ويطلق على البطر ومنه ان الله لا يحب الفرحين وعلى الرضا فان كل من يسر بشئ ويرضى به يقال في حقه فرح به قال بن العربي كل صفة تقتضي التغير لا يجوز ان يوصف الله بحقيقتها فان ورد شئ من ذلك حمل على
[ 90 ]
معنى يليق به وقد يعبر عن الشئ بسببه أو ثمرته الحاصلة عنه فان من فرح بشئ جاد لفاعله بما سأل وبذل له ما طلب فعبر عن عطاء الباري وواسع كرمه بالفرح وقال بن أبي جمرة كنى عن إحسان الله التائب وتجاوزه عنه بالفرح لان عادة الملك إذا فرح بفعل أحد ان يبالغ في الاحسان إليه وقال القرطبي في المفهم هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب وانه يقبل عليه بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله ووجه هذا المثل ان العاصي حصل بسبب معصية في قبضة الشيطان وأسره وقد اشرف على الهلاك فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة خرج من شؤم تلك المعصية وتخلص من اسر الشيطان ومن المهلكة التي اشرف عليها فأقبل الله عليه بمغفرته وبرحمته وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله تعالى لانه اهتزاز وطرب يجده الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه ويسد به خلته أو يدفع به عن نفسه ضررا أو نقصا وكل ذلك محال على الله تعالى فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور لكن هذا الفرح له عندنا ثمرة وفائدة وهو الاقبال على الشئ المفروح به واحلاله المحل الاعلى وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية الشئ باسم ما جاوره أو كان منه بسبب وهذا القانون جار في جميع ما اطلقه الله تعالى على صفة من الصفات التي لا تليق به وكذا ما ثبت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله هو مهلكة كذا في الروايات التي وقفت عليها من صحيح البخاري بواو مفتوحة ثم موحدة خفيفة مكسورة ثم هاء ضمير ووقع عند الاسماعيلي في رواية أبي الربيع عن أبي شهاب بسند البخاري فيه بدوية بموحدة مكسورة ودال مفتوحة ثم واو ثقيلة مكسروة ثم تحتانية مفتوحة ثم هاء تأنيث وكذا في جميع الروايات خارج البخاري عند مسلم وأصحاب السنن والمسانيد وغيرهم وفي رواية لمسلم في ارض دوية مهلكة وحكى الكرماني انه وقع في نسخة من البخاري وبيئة وزن فعيلة من الوباء ولم اقف انا على ذلك في كلام غيره ويلزم عليه ان يكون وصف المذكر وهو المنزل بصفة المؤنث في قوله وبيئة مهلكة وهو جائز على إرادة البقعة والدوية هي القفر والمفازة وهي الداوية باشباع الدال ووقع كذلك في رواية لمسلم وجمعها داوي قال الشاعر اروع خراج من الداوي قوله مهلكة فتح الميم واللام بينهما هاء ساكنة يهلك من حصل بها وفي بعض النسخ بضم المى وكسر اللام من الرباعي أي تهلكي من يحصل بها قوله عليها طعامه وشرابه زاد أبو معاوية عن الاعمش وما يصلحه أخرجه الترمذي وغيره قوله وقد ذهبت راحلته في رواية أبي معاوية فأضلها فخرج في طلبها وفي رواية جرير عن الاعمش عند مسلم فطلبها قوله حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله شك من أبي شهاب واقتصر جرير على ذكر العطش ووقع في رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت قوله قال ارجع بهمزة قطع بلفظ المتكلم قوله إلى مكاني فرجع فنام في رواية جرير ارج إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى اموت فوضع رأسه على ساعده ليموت وفي رواى أبي معاوية ارجع إلى مكاني الذي اضللنها فيه فأموت فيه فرجع إلى مكانه فغلبت عينه قوله فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده في رواية جرير فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده طعامه وشرابه وزاد أبو معاوية في روايته وما يصلحه قوله تابعه أبو عوانه هو الوضاح وجرير هو بن عبد الحميد عن الاعمش فأما متابعة أبي عوانة فوصلها
[ 91 ]
الاسماعيلي من طريق يحيى بن حماد عنه واما متابعة جرير فوصلها مسلم وقد ذكرت اختلاف لفظها قوله وقال أبو أسامة هو حماد بن أسامة حدثنا الاعمش حدثنا عمارة حدثنا الحارث يعني عن بن مسعود بالحديثين ومراده ان هؤلاء الثلاثة وافقوا أبا شهاب في إسناد هذا الحديث الا ان الاولين عن عناه وصرخ فيه أبو أسامة ورواية أبي أسامة وصلها مسلم أيضا وقال مثل حديث جرير قوله وقال شعبة وأبو مسلم زاد المستملي في روايته عن الفريري اسمه عبيد الله أي بالتصغير كوفي قائد الاعمش قلت واسم أبيه سعيد بن مسلم كوفي ضعفه جماعة لكن لما وافقه شعبة ترخص البخاري في ذكره وقد ذكره في تاريخه وقال في حديثه نظر وقال العقيلي يكتب حديثه وبنظر فيه ومراده ان شعبة وأبا مسلم خالفا أبا شهاب ومن تبعه في تسمية شيخ الاعمش فقال الاولون عمارة وقال هذان إبراهيم التيمي وقد ذكر الاسماعيلي ان محمد بن فضيل وشجاع بن الوليد وقطبه بن عبد العزيز وافقوا أبا شهاب على قوله عمارة عن الحارث ثم ساق رواياتهم وطريق قطبة عند مسلم أيضا قوله وقال أبو معاوية حدثنا الاعمش عن عمارة عن الاسود عن عبد الله وعن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله يعني ان أبا معاوية خالف الجميع فجعل الحديث عند الاعمش عن عمارة بن عمير وإبراهيم التيمي جميعا لكنه عند عمارة عن الاسود وهو بن يزيد النخعي وعند إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد وأبو شهاب ومن تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد ورواية أبي معاوية لم اقف عليها في شئ من السنن والمسانيد على هذين الوجهين فقد أخرجه الترمذي عن هناد بن السري والنسائي عن محمد بن عبيد والاسماعيلي من طريق أبي همام ومن طريق أبي كريب ومن طريق محمد بن طريف كلهم عن أبي معاوية كما قال أبو شهاب ومن تبعه وأخرجه النسائي عن أحمد بن حرب الموصلي عن أبي معاوية فجمع بين الاسود والحارث بن سويد وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق أبي كريب ولم أره من رواية أبي معاوية عن الاعمش عن إبراهيم التيمي وانما وجدته عند النسائي من رواية على بن مسهر عن الاعمش كذلك وفي الجملة فقد اختلف فيه على عمارة في شيخه هل هو الحارث بن سويد أو الاسود وتبين مما ذكرته انه عنده عنهما جميعا واختلف على الاعمش في شيخه هل هو عمارة أو إبراهيم التيمي وتبين أيضا انه عنده عنهما جميعا والراجح من الاختلاف كله ما قال أبو شهاب ومن تبعه ولذلك اقتصر عليه مسلم وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولا وذكر الاختلاف معلقا كعادته في الاشارة إلى ان مثل هذا الخلاف ليس بقادح والله اعلم تنبيه ذكر مسلم حديث البراء لهذا الحديث المرفوع سببا وأوله كيف تقولون في رجل انفلتت من راحلته بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب فطلبها حتى شق عليه فذكر معناه وأخرجه بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مختصرا ذكروا الفرح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل يجد ضالته فقال لله أشد فرحا الحديث قوله حدثني إسحاق قال أبو على الجياني يحتمل ان يكون بن منصور فان مسلما اخرج عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا قلت وتقدم في البيوع في باب البيعان بالخيار في رواية أبي على بن ثبويه حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا غير هذا وهذا مما يقوى ظن أبي علي والله اعلم وحبان بفتح المهملة ثم الموحدة الثقيلة وهمام هو بن يحيى وقد نزل
[ 92 ]
البخاري في حديثه في السند الاول ثم علاه بدرجة في السند الثاني والسبب في ذلك انه وقع في السند النازل تصريح قتادة بتحديث أنس له ووقع في السند العالي بالعنعنة قوله سقط على بعيره أي صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به ومنه قولهم على الخبير سقطت وحكى الكرماني ان في رواية سقط إلى بعيره أي انتهى إليه والاول أولى قوله وقد اضله أي ذهب منه بغير قصده قال بن السكيت اضللت بعيري أي ذهب مني وضللت بعيري أي لم اعرف موضعه قوله بفلاة أي مفازة إلى هنا انتهت رواية قتادة وزاد إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فيه عند مسلم فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فاتى شجره فاضطجع في ظلها فبينا هو كذلك إذا بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وانا ربك أخطأ من شدة الفرح قال عياض فيه ان ما ناله الانسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به وكذا حكايته عنه على طريق علمي وفائدة شرعية لا على الهزل والمحاكاة والعبث ويدل على ذلك حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولو كان منكرا ما حكاه والله اعلم قال بن أبي جمرة وفي حديث بن مسعود من الفوائد جواز سفر المرء وحده لانه لا يضرب الشارع المثل الا بما يجوز ويحمل حديث النهي على الكراهة جمعا ويظهر من هذا الحديث حكمة النهي قلت والحصر الاول مردود وهذه القصة تؤكد النهي قال وفيه تسمية المفازة التي ليس فيها ما يؤكل ولا يشرب مهلكة وفيه ان من ركن إلى ما سوى الله يقطع به أحوج ما يكون إليه لان الرجل ما نام في الفلاة وحده الا ركونا إلى ما معه من الزاد فلما اعتمد على ذلك خانه لولا ان الله لطف به وأعاد عليه ضالته قال بعضهم من سره ان لا يرى ما يسوؤه * فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا قال وفيه ان فرح البشر وغمهم انما هو على ما جرى به اثر الحكمة من العوائد يؤخذ من ذلك ان حزن المذكور انما كان على ذهاب راحلته لخوف الموت من اجل فقد زاده وفرحه بها انما كان من اجل وجدانه ما فقد مما تنسب الحياة إليه في العادة وفيه بركة الاستسلام لامر الله لان المذكور لما ايس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته وفيه ضرب المثل بما يصل إلى الافهام من الامور المحسوسة والارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الايمان قوله باب الضجع على الشق الايمن الضجع بفتح أوله وسكون الجيم مصدر يقال ضجع الرجل يضجع ضجعا وضجوعا فهو ضاجع والمعنى وضع جنبه بالارض وفي رواية باب الضجعة وهو بكسر أوله لان المراد الهيئة ويجوز الفتح أي المرة وذكر فيه حديث عائشة في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر وقد مضى شرحه في كتاب الصلاة وترجم له باب الضجع على الشق الايمن بعد ركعتي الفجر قال بن التين أصل اضطجع اضتجع بمثناة فأبدلوها طاءن ومنهم ما ابقاها ولم يدغموا الضاد فيها وحكى المازني الضجع بلام ساكنة قبل الضاد كراهة للجمع بين الضاد والطاء في النطق لثقله فجعل بدله اللام وذكر المصنف هذا الباب والذي بعده توطئة لما يذكر بعدهما من القول عند النوم قوله باب إذا بات طاهرا زاد أبو ذر في روايته وفضله وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث ليست على شرطه منها حديث معاذ رفعه ما من مسلم يبيت على ذكر وطهارة فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة ألا أعطاه إياه أخرجه أبو داود والنسائي
[ 93 ]
وابن ماجة وأخرجه الترمذي من حديث أبي امامة نحوه واخرج بن حبان في صحيحه عن بن عمر رفعه من بات طاهرا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ الا قال الملك اللهم اغفر لعبدك فلان واخرج الطبراني في الاوسط حديث بن عباس نحوه بسند جيدا قوله معتمر هو بن سليمان التيمي ومنصور هو بن المعتمر قوله عن سعد بن عبيدة كذا قال الاكثر وخالفهم إبراهيم بن طهمان فقال عن منصور عن الحكم عن سعد بن عبيدة زاد في الاسناد الحكم أخرجه النسائي وقد سأل بن أبي حاتم عنه أباه فقال هذا خطأ ليس فيه الحكم قلت فهو من المزيد في متصل الاسانيد قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا لابي ذر وأبي زيد المروزي وسقط لفظ لي من رواية الباقين وفي رواية أبي إسحاق كما في الباب الذي يليه أمر رجلا وفي أخرى له اوصى رجلا وفي رواية أبي الاحوص عن أبي إسحاق الآتية في كتاب التوحيد عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت إلى فراشك الحديث وأخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له الا أعلمك كلمات تقول إذ اويت إلى فراشك قوله إذا أتيت مضجعك أي إذا أردت ان تضطجع ووقع صريحا كذلك في رواية أبي إسحاق المذكورة ووقع في رواية فطر بن خليفة عن سعد بن عبيدة عند أبي داود والنسائي إذا اويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك الحديث نحو حديث الباب وسنده جيد ولكن ثبت ذلك في اثناء حديث آخر سأشير إليه في شرح حديث حذيفة الاتي في الباب بعده وللنسائي من طريق الربيع بن البراء بن عازب قال قال البراء فذكر الحديث بلفظ من تكلم بهؤلاء الكلمات حين يأخذ جنبه من مضجعه بعد صلاة العشاء فذكر حديث الباب قوله فتوضأ وضوءك للصلاة الامر فيه للندب وله فوائد منها ان يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب لانه أولى من طهارة البدن وقد اخرج عبد الرزاق من طريق مجاهد قال قال لي بن عباس لا تبيتن الا على وضوء فان الارواح تبعث على ما قبضت عليه ورجاله ثقات الا أبا يحيى القتات هو صدوق فيه كلام ومن طريق أبي مراية العجلي قال من اوى إلى فراشه طاهرا ونام ذاكرا كان فراشه مسجدا وكان في صلاة وذكر حتى يستيقظ ومن طريق طاوس نحوه ويتأكد ذلك في حق المحدث ولا سيما الجنب وهو انشط للعود وقد يكون منشطا للغسل فيبيت على طهارة كاملة ومنها ان يكون اصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به قال الترمذي ليس في الاحاديث ذكر الوضوء عند النوم الا في هذا الحديث قوله ثم اضطجع على شقك بكسر المعجمة وتشديد القاف أي الجانب وخص الايمن لفوائد منها انه أسرع إلى الانتباه ومنها ان القلب متعلق إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم ومنها قال بن الجوزي هذه الهيئة نص الاطباء على انها اصلح للبدن قالوا يبدأ بالاضطجاع على الجانب الايمن ساعة ثم ينقلب إلى الايسر لان الاول سبب لانحدار الطعام والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة تنبيه هكذا وقع في رواية سعد بن عبيدة وأبي إسحاق عن البراء ووقع في رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن البراء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه كما سيأتي قريبا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اوى إلى فراشه نام على شقه الايمن ثم قال الحديث فيستفاد مشروعية هذا الذكر من قوله صلى الله عليه
[ 94 ]
وسلم ومن فعله ووقع عند النسائي من رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن البراء وزاد في أوله ثم قال بسم الله اللهم أسلمت نفسي إليك ووقع عند الخرائط في مكارم الاخلاق من وجه اخر عن البراء بلفظ كان إذا اوى إلى فراشه قال اللهم أنت ربي ومليكي والهي لا اله الا أنت إليك وجهت وجهي الحديث قوله وقل اللهم أسلمت وجهي إليك كذا لابي ذر وأبي زيد ولغيرهما أسلمت نفسي قيل الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص أي أسلمت ذاتي وشخصي لك وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق عن البراء الآتية بعد باب ولفظه أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وجمع بينهما أيضا في رواية العلاء بن المسيب وزاد خصلة رابعة ولفظه أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري وألجأت ظهري إليك فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا الذات وبالوجه القصد وأيد القرطبي هذا احتمالا بعد جزمه بالاول قوله أسلمت أي استسلمت وانقدت والمعنى جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها وقوله وفوضت أمري إليك أي توكلت عليكم في أمري كله وقوله وألجأت أي اعتمدت في أموري عليك لتكينني على ما ينفعني لان من استند إلى شئ تقوى به واستعان به وخصه بالظهر لان العادة جرت ان الانسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه وقوله رغبة ورهبة إليك أي رغبة في رفدك وثوابك ورهبة أي خوفا من غضبك ومن عقابك قال بن الجوزي اسقط من مع ذكر الرهبة واعمل إلى مع ذكر الرغبة وهو على طريق الاكتفاء كقول الشاعر وزججن الحواجب والعيونا والعيون لا تزجج لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ وكذا قال الطيبي ومثل بقوله متقلدا سيفا ورمحا قلت ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات من ولفظه رهبة منك ورغبة إليك أخرجه النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة قوله لا ملجأ ولا منجأ منك الا إليك أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز ولكن لما جمعا جاز ان يهمزا للازدواج وان يترك الهمز فيهما وان يهمز المهموز ويترك الاخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة قال الكرماني هذان اللفظان ان كانا مصدرين يتنازعان في منك وان كانا ظرفين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد الا إليك ولا منجا منك الا إليك وقال الطيبي في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها الا المتقن من أهل البيان فأشار بقوله أسلمت نفسي إلى ان جوارحه منقادة لله تعالى في اوامره ونواهيه وبقوله وجهت وجهي إلى ان ذاته مخلصة له بريئة من النفاق وبقوله فوضت أمري إلى ان أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وبقوله الجأت ظهري إلى انه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الاسباب كلها قال وقوله رغبة ورهبة منصوبان على المفعول له على طريف اللف والنشر أي فوضت اموري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة قوله آمنت بكتابك الذي أنزلت يحتمل ان يريد به القرآن ويحتمل ان يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب انزل قوله ونبيك الذي أرسلت وقع في رواية أبي زيد المروزي ارسلته وأنزلته في الاول بزيادة الضمير فيهما قوله فإن مت مت على الفطرة في رواية أبي الاحوص عن أبي إسحاق الآتية في التوحيد من ليلتك وفي رواية المسيب بن رافع من قالهن ثم مات تحت ليلته قال الطيبي فيه إشارة إلى وقوع ذلك قبل ان
[ 95 ]
ينسلخ النهار من الليل وهو تحته أو المعنى بالتحت أي مت تحت نازل ينزل عليك في ليلتك وكذا معنى من في الرواية الاخرى أي من اجل ما يحدث في ليلتك وقوله على الفطرة أي على الدين القويم ملة إبراهيم فإنه عليه السلام اسلم واستسلم قال الله تعالى عنه جاربه بقلب سليم وقال عنه أسلمت لرب العالمين وقال فلما اسلما وقال بن بطا وجماعة المراد بالفطرة هنا دين الاسلام وهو بمعنى الحديث الاخر من كان اخر كلامه إله إلا الله دخل الجنة قال القرطبي في المفهم كذا قال الشيوخ وفيه نظر لانه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا الى ان يموت كمن يقول لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شئ من هذه الامور فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة ويمكن ان يكون الجواب ان كلا منهما وان مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الاول فطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين قلت وقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة في آخره عند أحمد بدل قوله مات على الفطرة بنى له بيت في الجنة وهو يؤيد ما ذكره القرطبي ووقع في اخر الحديث في التوحيد من طريق أبي إسحاق عن البراء وان أصبحت أصبت خيرا وكذا لمسلم والترمذي من طريق بن عيينة عن أبي إسحاق فإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا وهو عند مسلم من طريق حصين عن سعد بن عبيدة ولفظه وان أصبح أصاب خيرا أي صلاحا في المال وزيادة في الاعمال قوله فقلت كذا لابي ذر وأبي زيد المروزي ولغيرهما فجعلت استذكرهن أي أتحفظهن ووقع في رواية الثوري عن مقصود الماضية في اخر كتاب الوضوء فرددتها أي رددت تلك الكلمات لاحفظهن ولمسلم من رواية جرير رواية جرير عن منصور فرددتهن لاستذكرهن وله وبرسولك الذي أرسلت قالا وبنبيك الذي أرسلت في رواية جرير عن منصور تبعا لغيره هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى وهو الصحيح من مذهب مالك فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع فإن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا وان أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول والا فهو نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي بلا عكس فإن النبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن انه نبي رسول وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم انه رسول فأراد صلى الله عليه وسلم ان يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما فيه حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة فإنه إذا قال ورسولك فقد فهم منه انه أرسله فإذا قال الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت فلا تكرار فيه لا متحققا ولا متوهما انتهى كلامه وقوله صار كالحشو متعقب لثبوته في أفصح الكلام كقوله تعالى وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه إذا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم هو الذي أرسل رسوله بالهدى ومن غير هذا اللفظ يوم ينادي المنادي إلى غير ذلك فالاولى حذف هذا الكلام الاخير والاقتصار على قوله ونبيك الذي أرسلت في هذا المقام افيد من قوله ورسولك الذي أرسلت لما ذكر والذي ذكره في الفرق بين الرسول والنبي مقيد بالرسول البشرى والا فإطلاق الرسول كما في اللفظ هنا يتناول الملك كجبريل مثلا فيظهر لذلك فائدة أخرى وهي تعين البشرى دون الملك فيخلص الكلام من اللبس واما الاستدلال به
[ 96 ]
على منع الرواية بالمعنى ففيه نظر لان شرط الرواية بالمعنى ان يتفق اللفظان في المعنى المذكور وقد تقرر ان النبي والرسول متغايران لفظا ومعنى فلا يتم الاحتجاج بذلك قيل وفي الاستدلال بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى مطلقا نظر وخصوصا ابدال الرسول بالنبي وعكسه إذا وقع في الرواية لان الذات المحدث عنها واحدة فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف إذا ثبتت الصفة له وهذا بناء على ان السبب في منع الرواية بالمعنى ان الذي يستجيز ذلك قد يظن يوفى بمعنى اللفظ الاخر ولا يكون كذلك في نفس الامر كما عهد في كثير من الاحاديث فالاحتياط الاتيان باللفظ فعلى هذا إذا تحقق بالقطع ان المعنى فيهما متحد لم يضر بخلاف ما إذا اقتصر على الظن ولو كان غالبا وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي ان ألفاظ الاذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا الاختيار المازري قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله اوحى إليه بهذه الكلمات فيتعين اداؤها بحروفها وقال النووي في الحديث ثلاث سنن احداها الوضوء عند النوم وان كان متوضئا كفاه لان المقصود النوم على طهارة ثانيها النوم على اليمين ثالثها الختم بذكر الله وقال الكرماني هذا الحديث يشتمل على الايمان بكل ما يجب الايمان به إجمالا من الكتب والرسل من الالهيات والنبويات وعلى إسناد الكل إلى الله من الذوات والصفات والافعال لذكر الوجه والنفس والامر وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه وهذا كله بحسب المعاش وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرا وشرا وهذا بحسب المعاد تنبيه وقع عند النسائي في رواية عمرو بن مرة عن سعد بن عبيدة في أصل الحديث امنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت وكأنه لم يسمع من سعد بن عبيدة الزيادة التي في اخره فروى بالمعنى وقد وقع في رواية أبي إسحاق عن البراء نظير ما في رواية منصور عن سعد بن عبيدة أخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق وفي آخره قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت فطعن بيده في صدري ثم قال ونبيك الذي أرسلت وكذا اخرج النسائي من طريق فطر بن خليفة عن أبي إسحاق ولفظه فوضع يده في صدري نعم اخرج الترمذي من حديث رافع بن خديج ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اضطجع أحدكم على يمينه ثم قال فذكر نحو الحديث وفي آخره اؤمن بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت هكذا فيه بصيغة الجمع وقال حسن غريب فإن كان محفوظا فالسر فيه حصول التعميم الذي دلت عليه صيغة الجمع صريحا فدخل فيه جميع الرسل من الملائكة والبشر فأمن اللبس ومنه قوله تعالى كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والله اعلم صلى الله عليه وسلم قوله باب ما يقول إذا نام سقطت هذه الترجمة لبعضهم وثبتت للاكثر قوله سفيان هو الثوري وعبد الملك هو بن عمير وثبت في رواية أبي ذر وأبي زيد المروزي عن عبد الملك بن عمير قوله إذا أو إلى فراشه أي دخل فيه وفي الطريق الآتية قريبا إذا اخذ مضجعه وأوى بالقصر واما قوله الحمد لله الذي آوانا فهو بالمد ويجوز فيه القصر والضابط في هذه اللفظة انها مع اللزوم تمد في الافصح ويجوز القصر وفي التعدي بالعكس قوله باسمك اموت وأحيا أي يذكر اسمك احيا ما حييت وعليه اموت وقال القرطبي قوله باسمك اموت يدل على ان الاسم هو المسمى وهو كقوله تعالى سبح اسم
[ 97 ]
ربك الاعلى أي سبح ربك هكذا قال جل الشارحين قال واستفدت من بعض المشايخ معنى اخر وهو ان الله تعالى سمى نفسه بالاسماء الحسنى ومعانيها ثابتة له فكل ما صدر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات فكأنه قال باسمك المحيي احيا وباسمك المميت اموت انتهى ملخصا والمعنى الذي صدرت به أليق وعليه فلا يدل ذلك على ان الاسم غير المسمى ولا عينه ويحتمل ان يكون لفظ الاسم هنا زائدا كما في قول الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما قوله وإذا قام قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا قال أبو إسحاق الزجاج النفس التي تفارق الانسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي يزول معها التنفس وسمى النوم موتا لانه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها قاله في النهاية ويحتمل ان يكون المراد بالموت هنا السكون كما قالوا ماتت الريح أي سكنت فيحتمل ان يكون اطلق الموت على النائم بمعنى إرادة سكون حركته لقوله تعالى وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه قاله الطيبي قال وقد يستعار الموت للاحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية والجهل وقال القرطبي في المفهم النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهرا وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت وباطنا وهو الموت فإطلاق الموت على النوم يكون مجازا لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن وقال الطيبي الحكمة في إطلاق الموت على النوم ان انتفاع الاسنان بالحياة انما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع قال وهذا التأويل موافق للحديث الاخر الذي فيه وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وينتظم معه قوله واليه النشور أي واليه المرجع في نيل الثواب بما يكتسب في الحياة قلت والحديث الذي أشار إليه سيأتي مع شرحه قريبا قوله واليه النشور أي البعث يوم القيامة والاحياء بعد إلا ماتة يقال نشر الله الموتى فنشروا أي احياهم فحيوا قوله تنشرها تخرجها كذا ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بذلك وذكرها بالزاي من انشزه إذا رفعه بتدريج وهي قراءة الكوفيين وابن عامر واخرج من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال ننشرها أي نحييها وذكرها بالراء من انشرها أي احياها ومنه ثم إذا شاء انشره وهي قراءة أهل الحجاز وأبي عمرو قال والقراءتان متقاربتان في المعنى وقرئ في الشاذ بفتح أوله بالراء وبالزاي أيضا وبضم التحتانية معهما أيضا قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي سمعت البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا ح وحدثنا ادم حدثنا شعبة حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب كذا للاكثر وفي رواية السرخسي عن أبي إسحاق سمعت البراء والاول اصوب والا لكان موافقا للرواية الاولى من كل جهة ولاحمد عن عفان عن شعبة أمر رجلا من الانصار وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في الباب قبله تنبيهان الاول لشعبة في هذا الحديث شيخ اخر أخرجه النسائي من طريق غندر عنه عن مهاجر أبي الحسن عن البراء وغندر من اثبت الناس في شعبة ولكن لا يقدح ذلك في رواية الجماعة عن شعبة فكأن لشعبة فيه شيخين الثاني وقع في رواية شعبة عن أبي إسحاق في هذا الحديث عن البراء لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك وهذا القدر من الحديث مدرج لم يسمعه أبو إسحاق من
[ 98 ]
البراء وان كان ثابتا في غير رواية أبي إسحاق عن البراء وقد بين ذلك إسرائيل عن جده أبي إسحاق وهو من اثبت الناس فيه أخرجه النسائي من طريقه فساق الحديث بتمامه ثم قال كان أبو إسحاق يقول لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك لم اسمع هذا من البراء سمعتهم يذكرونه عنه وقد أخرجه النسائي أيضا من وجه اخر عن أبي إسحاق عن هلال بن يساف عن البراء قوله باب وضع اليد تحت الخد اليمنى كذا فيه بتأنيث الخد وهو لغ ذكر فيه حديث حذيفة المذكور في الباب الذي قبله وفيه وضع يده تحت خده قال الاسماعيلي ليس فيه ذكر اليمنى وانما ذلك وقع في رواية شريك ومحمد بن جابر عن عبد الملك بن عمير قلت جرى البخاري على عادته في الاشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وطريق شريك هذه أخرجها أحمد من طريقه وفي الباب عن البراء أخرجه النسائي من طريق أبي خيثمة والثوري عن أبي إسحاق عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الايمن وقال اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وسنده صحيح وأخرجه أيضا بسند صحيح عن حفصة وزاد يقول ذلك ثلاثا قوله باب النوم على الشق الايمن تقدمت فوائد هذه الترجمة قريبا وبين النوم والضجع عموم وخصوص وجهي قوله العلاء بن المسيب عن أبيه هو بن رافع الكاهلي ويقال الثعلبي بمثلثة ثم مهملة يكنى أبا العلاء وكان من ثقات الكوفيين وما لولده العلاء في البخاري الا هذا الحديث واخر تقدم في غزوة الحديبية وهو ثقة قال الحاكم له أوهام تنبيه وقع في مستخرج أبي نعيم في هذا الموضع ما نصه لسترهبوهم من الرهبة ملكوت ملك مثل رهبوت ورحموت تقول ترهب خير من ان ترحم انتهى ولم أره لغيره هنا وقد تقدم قوله استرهبوهم من الرهبة في تفسير سورة الاعراف وباقيه تقدم في تفسير الانعام وتكلمت عليه هناك وبينت ما وقع في سياق أبي ذر فيه من تغيير وان الصواب كالذي وقع هنا والله اعلم قوله باب الدعاء إذا انتبه من الليل في رواية الكشميهني بالليل ووقع عندهم في أول التهجد في أواخر كتاب الصلاة بالعكس ذكر فيه حديثين عن بن عباس الاول قوله عن سفيان هو الثوري وسلمة هو بن كهيل قوله بت عند ميمونة تقدم شرحه مضموما إلى ما في ثاني حديثي الباب في أول أبواب الوتر دون ما في اخره من الدعاء فأحلت به على ما هنا وقوله فيه فغسل وجهه كذا لابي ذر ولغيره غسل بغير فاء وقوله شناقها بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف هو رباط القزي يشد عنقها فشبه بما يشنق به وقيل هو ما تعلق به ورجح أبو عبيد الاول قوله وضوءا بين وضوءين قد فسره بقوله لم يكثر وقد ابلغ وهو يحتمل ان يكون قلل من الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث ووقع في رواية شعبة عن سلمة عند مسلم وضوءا حسنا ووقع عند الطبراني من طريق منصور بن معتمر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في هذه القصة والى جانبه مخضب من برام مطبق عليه سواك فاستن به ثم توضأ قوله اتقيه بمثناه ثقيلة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة قال الخطابي أي ارتقبه وفي رواية بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش وفي رواية القابسي ابغيه بسكون الموحدة بعدها معجمة مكسروة ثم تحتانية أي اطلبه وللاكثر ارقبه
[ 99 ]
وهي أوجه قوله فتتامت بمثناتين أي تكاملت وهي رواية شعبة عن سلمة عند مسلم وله فنام حتى نفخ وكان إذا قام نفخ في رواية مسلم ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه قوله وكان يقول في دعائه فيه إشارة إلى ان دعاءه حينئذ كان كثيرا وكان هذا من جملته وقد ذكر في ثاني حديثي الباب قوله اللهم أنت نور السماوات والارض الخ ووقع في رواية شعبة عن سلمة فكان يقول في صلاته وسجوده وسأذكر ان في رواية الترمذي زيادة في هذا الدعاء طويلة ووقع عند مسلم أيضا في رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه انه قال الذكر الاتي في الحديث الثاني أول ما قام قبل ان يدخل في الصلاة وقال هذا الدعاء المذكور في الحديث الاول وهو ذاهب إلى صلاة الصبح فأفاد ان الحديثين في قصة واحدة وأن تفريقهما صنيع الرواة وفي رواية الترمذي التي سيأتي التنبيه عليها انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين فرغ من صلاته ووقع عند البخاري في الادب المفرد من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي فقضى صلاته يثنى على الله بما هو أهله ثم يكون اخر كلامه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث ويجمع بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه قوله اللهم اجعل في قلبي نور الخ قال الكرماني التنوين فيها للتعظيم أي نورا عظيما كذا قال وقد اقتصر في هذه الرواية على ذكر القلب والسمع والبصر والجهات الست وقال في آخره واجعل لي نورا ولمسلم عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن بن مهدي بسند حديث الباب وعظم لي نورا بتشديد الظاء المعجمة ولابي يعلى عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن واعظم لي نورا أخرجه الاسماعيلي وأخرجه أيضا من رواية بندار عن عبد الرحمن وكذا لابي عوانة من رواية أبي حذيفة عن سفيان ولمسلم في رواية شعبة عن سلمة اجعل لي نورا أو قال واجعلني نورا هذه رواية غندر عن شعبة وفي رواية النضر عن شعبة واجعلني ولم يشك وللطبراني في الدعاء من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في اخره واجعل لي يوم القيامة نورا قوله قال كريب وسبع في التابوت قلت حاصل ما في هذه الرواية عشرة وقد أخرجه مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها ثنتي عشرة ونسيت ما بقي فذكر ما في رواية الثوري هذه وزاد وفي لساني نورا بعد قوله في قلبي وقال في اخره واجعل لي في نفسي نورا واعظم لي نورا وهاتان ثنتان من السبع التي ذكر كريب انها في التابوت مما حدثه بعض ولد العباس وقد اختلف في مراده بقوله التابوت فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به الصدر الذي هو وعاء القلب وسبق بن بطال والداودي إلى ان المراد بالتابوت الصدر وزاد بن بطال كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع وقال النووي تبعا لغيره المراد بالتابوت الاضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة وقال بن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت قلت ويؤيده ما وقع عند أبي عوانة من طريق أبي حذيفة عن الثوري بسند حديث الباب قال كريب وستة عندي مكتوبات في التابوت وجزم القرطبي في المفهم وغير واحد بان المراد بالتابوت الجسد أي ان السبع المذكورة تتعلق بجسد الانسان بخلاف أكثر
[ 100 ]
ما تقدم فإنه يتعلق بالمعاني كالجهات الست وان كان السمع والبصر من الجسد وحكى بن التين عن الداودي ان معنى قوله في التابوت أي في صحيفة في تابوت عند بعض ولد العباس قال والخصلتان العظم والمخ وقال الكرماني لعلهما الشحم والعظم كذا قالا وفيه نظر سأوضحه قوله فلقيت رجلا من ولد العباس قال بن بطال ليس كريب هو القائل فلقيت رجلا من ولد العباس وانما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب قلت هو محتمل وظاهر رواية أبي حذيفة ان القائل هو كريب قال بن بطال وقد وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال فذكر الحديث مطولا وظهرت منه معرفة الخصلتين اللتين نسيهما فان فيه اللهم اجعل في عظامي نورا وفي قبري نورا قلت بل الاظهر ان المراد بهما اللسان والنفس وهما اللذان زادهما عقيل في روايته عند مسلم وهما من جملة الجسد وينطبق عليه التأويل الاخير للتابوت وبذلك جزم القرطبي في المفهم ولا ينافيه ما عداه والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلة حين فرغ من صلاته يقول اللهم اني أسألك رحمة من عندك فساق الدعاء بطوله وفيه اللهم اجعل لي نورا في قبري ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم والدم والعظام ثم قال في اخره اللهم عظم لي نورا واعطني نورا واجعلني نورا قال الترمذي غريب وقد روى شعبة وسفيان عن سلمة عن كريب بعض هذا الحديث ولم يذكروه بطوله انتهى واخرج الطبري من وجه اخر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في اخره وزدني نورا قالها ثلاثا وعند بن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن عن كريب في اخر الحديث وهب لي نورا على نور ويجتمع من اختلاف الروايات كما قال بن العربي خمس وعشرون خصلة قوله فذكر عصبي بفتح المهملتين وبعدهما موحدة قال بن التين هي اطناب المفاصل وقوله وبشرى بفتح الموحدة والمعجمة ظاهر الجسد قوله وذكر خصلتين أي تكملة السبعة قال القرطبي هذه الانوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى ان يجعل له في كل عضو من اعضائه نورا يستضئ به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم قال والاولى ان يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى فهو على نور من ربه وقوله تعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ثم قال والتحقيق في معناه ان النور مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي معنى طلب النور للاعضاء عضوا عضوا ان يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالانوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الامور راجعه إلى الهداية والبيان وضياء الحق والى ذلك يرشد قوله تعالى الله نور السماوات والارض إلى قوله تعالى نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء انتهى ملخصا وكان في بعض ألفاظه مالا يليق بالمقام فحذفته وقال الطيبي أيضا خص السمع والبصر والقلب بلفظ لي لان القلب مقر الفكرة في آلاء الله والسمع والبصر مسارح آيات الله المصونة قال وخص اليمين والشمال بعن ايذانا بتجاوز الانوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله
[ 101 ]
من اتباعه وعبر عن بقية الجهات بمن ليشمل استنارته وانارته من الله والخلق وقوله في اخره واجعل لي نورا هي فذلك لذلك وتأكيد له قوله سفيان هو بن عيينة قوله كان إذا قام من الليل يتهجد تقدم شرحه مستوفى في أوائل التهجد وقوله في اخره لا اله الا أنت أو لا اله غيرك شك من الراوي ووقع في رواية للطبراني في اخره ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم قوله باب التكبير والتسبيح عند المنام أي والتحميد قوله عن الحكم هو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر فقيه الكوفة وقوله عن بن أبي ليلى هو عبد الرحمن وقوله عن علي قد وقع في النفقات عن بدل بن المحبر عن شعبة أخبرني الحكم سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أنبأنا علي قوله ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى زاد بدل في روايته مما تطحن وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي عند الطبراني وأرته اثرا في يدها من الرحى وفي زوائد عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وصححه بن حبان من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي اشتكت فاطمة مجمل يدها وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع وقال الطبري المراد به غلظ اليد وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه وعند أحمد من رواية هبيرة بن يريم عن علي قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادما فقد اجهدك الطحن والعمل وعنده وعند بن سعد من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة فذكر الحديث وفيه فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري فقالت وانا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقوله سنوت بفتح المهملة والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان الساقية وهي الناقة وعند أبي داود من طريق أبي الورد بن ثمامة عن علي بن اعبد عن علي قال كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فجرت بالرحى حتى اثرت بيدها واستقت بالقربة حتى اثرت في عنقها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وفي رواية له وخبزت حتى تغير وجهها قوله فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما أي جارية تخدمها ويطلق أيضا على الذكر وفي رواية السائب وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي إليه فاستخدميه أي اسأليه خادما وزاد في رواية يحيى القطان عن شعبة كما تقدم في النفقات وبلغها انه جاءه رقيق وفي رواية بدل وبلغها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بسبي قوله فلم تجده في رواية القطان فلم تصادفه وفي رواية بدل فلم توافقه وهي بمعنى تصادفه وفي رواية أبي الورد فأتته فوجدت عنده حداثا بضم المهملة وتشديد الدال وبعد الالف مثلثة أي جماعة يتحدثون فاستحيت فرجعت فيحمل على ان المراد انها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد وعنده من يتحدث معه قوله فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته في رواية القطان أخبرته عائشة زاد غندر عن شعبة في المناقب بمجئ فاطمة وفي رواية بدل فذكرت ذلك عائشة له وفي رواية محاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر الفريابي في الذكر والدارقطني في العلل وأصله في مسلم حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له أم سلمة بعد ان رجعت فاطمة ويجمع بان فاطمة التمسته في بيتي أمي المؤمنين وقد وردت القصة من حديث أم سلمة نفسها أخرجها الطبري في تهذيبه من طريق شهر بن حوشب عنها قالت جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية السائب فأتت النبي صلى
[ 102 ]
الله عليه وسلم فقال ما جاء بك يا بنية قلت جئت لاسلم عليك واستحيت ان تسأله ورجعت فقلت ما فعلت قالت استحييت قالت وهذا مخالف لما في الصحيح ويمكن الجمع بأن تكون لم تذكر حاجتها اولا على ما في هذه الراوية ثم ذكرتها ثانيا لعائشة لما لم تجده ثم جاءت هي وعلي على ما في رواية السائب فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض وقد اختصره بعضهم ففي رواية مجاهد الماضية في النفقات ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أخبرك ما هو خير لك منه وفي رواية هببيرة فقالت انطلق معي فانطلقت معها فسألناه فقال الا ادلكما الحديث ووقع عند مسلم من حديث أبي هريرة ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وشكت العمل فقال ما الفيته عندنا وهو بالفاء أي ما وجدته ويحمل على ان المراد ما وجدته عندنا فاضلا عن حاجتنا إليه لما ذكر من انفاق اثمان السبي على أهل الصفة قوله فجاءنا وقد اخذنا مضاجعا زاد في رواية السائب فأتيناه جميعا فقلت بأبي يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا فقال والله لا اعطيكما وادع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما انفق عليهم ولكني ابيعهم وأنفق عليهم اثمانهم وقد أشار المصنف إلى هذه الزيادة في فرض الخمس وتكلمت على شرحها هناك ووقع في رواية عبيدة بن عمرو عن علي عند بن حبان من الزيادة فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا وفي رواية السائب فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفة لهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت اقدامهما وإذا غطيا اقدامهما تكشفت رؤوسهما قوله فذهب اقوم وافقه غندر وفي رواية القطان فذهبنا نقوم وفي رواية يدل لنقوم وفي رواية السائب فقاما قوله فقال مكانك وفي رواية غندر مكانكما وهو بالنصب أي الزما مكانكما وفي رواية القطان وبدل فقال على مكانكما أي استمرا على ما أنتما عليه قوله فجلس بيننا في رواية غندر فقعد بدل جلس وفي رواية القطان فقعد بيني وبينها وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى عند النسائي اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة قوله حتى وجدت برد قدميه هكذا هنا بالتثنية وكذا في رواية غندر وعند مسلم أيضا وفي رواية القطان بالافراد وفي رواية بدل كذلك بالافراد للكشميهني وفي رواية للطبري فسخنتهما وفي رواية عطاء عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر في الذكر وأصله في مسلم من الزيادة فخرج حتى اتى منزل فاطمة وقد دخلت هي وعلي في اللحاف فلما استأذن هما ان يلبسا فقال كما أنتما اني أخبرت انك جئت تطلبين فما حاجتك قالت بلغني انه قدم عليك خدم فأحببت ان تعطيني خادما يكفيني الخبز والعجن فإنه قد شق علي قال فما جئت تطلبين احب إليك أو ما هو خير منه قال علي فغمزتها فقلت قولي ما هو خير منه احب الي قال فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه فذكر التسبيح وفي رواية علي بن اعبد فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها ويحمل على انه فعل ذلك اولا فلما تآنست به دخل معهما في الفراش مبالغة منه في التأنيس وزاد في رواية علي بن اعبد فقال ما كان حاجتك امس فسكنت مرتين فقلت انا والله أحدثك يا رسول الله فذكرته له ويجمع بين الروايتين بأنها اولا استحيت فتكلم على عنها فأنشطت للكلام فأكملت
[ 103 ]
القصة واتفق غالب الرواة على انه صلى الله عليه وسلم جاء إليهما ووقع في رواية شبث وهو بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة بن ربعي عن علي عند أبي داود وجعفر في الذكر والسياق له قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلق علي وفاطمة حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما اتى بكما قال علي شق علينا العمل فقال الا ادلكما وفي لفظ جعفر فقال علي لفاطمة ائت أباك فاسأليه ان يخدمك فأتت اباها حين امست فقال ما جاء بك يا بنية قالت جئت اسلم عليك واستحيت حتى إذا كانت القابلة قال ائت أباك فذكر مثله حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي امشي فخرجا معا الحديث وفيه الا ادلكما على خير لكما من حمر النعم وفي مرسل علي بن الحسين عند جعفر أيضا ان فاطمة أنت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وبيدها اثر الطحن من قطب الرحى فقال إذا ويت إلى فراشك الحديث فيحتمل ان تكون قصة أخرى فقد اخرج أبو داود من طريق أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير أي بن عبد المطلب قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت انا واختي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نشكو إليه ما نحن فيه وسألناه ان يأمر لنا بشئ من السبي فقال سبقكن يتامى بدر فذكر قصة التسبيح اثر كل صلاة ولم يذكر قصة التسبيح عند النوم فلعله علم فاطمة في كل مرة أحد الذكرين وقد وقع في تهذيب الطبري من طريق أبي امامة عن علي في قصة فاطمة من الزيادة فقال اصبري يا فاطمة ان خير النساء التي نفعت أهلها قوله فقال الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم في رواية بدل خير ما سألتماه وفي رواية غندر مما سألتماني وللقطان نحوه وفي رواية السائب الا اخبركما بخير مما سألتماني فقالا بلى فقال كلمات علمنيهن جبريل قوله إذا اويتما إلى فراشكما أو اخذتما مضاجعكما هذا شك من سليمان بن حرب وكذا في رواية القطان وجزم بدل وغندر بقوله إذا اخذتما مضاجعكما ولمسلم من رواية معاذ عن شعبة إذا اخذتما مضاجعكما من الليل وجزم في رواية السائب بقوله إذا اويتما إلى فراشكما وزاد في رواية تسبحان دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وهذه الزيادة ثابتة في رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أصحاب السنن الاربعة في حديث أوله خصلتنان لا يحصيهما عبد الا دخل الجنة وصححه الترمذي وابن حبان وفيه ذكر ما يقال عند النوم أيضا ويحتمل ان كان حديث السائب عن علي محفوظا ان يكون على ذكر القصتين اللتين أشرت إليهما قريبا معا ثم وجدت الحديث في تهذيب الآثار للطبري فساقه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء كما ذكرت ثم ساقه من طريق شعبة عن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا وفاطمة إذا اخذا مضاجعهما بالتسبيح والتحميد والتكبير فساق الحديث فظهر ان الحديث في قصة علي وفاطمة وان من لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث وان رواية السائب انما هي عن عبد الله بن عمرو وان قول من قال فيه عن علي لم يرد الوراية عن علي وانما معناه عن قصة علي وفاطمة كما في نظائره قوله فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين كذا هنا بصيغة الامر والجزم بأربع في التكبير وفي رواية بدل مثله ولفطه فكبرا الله ومثله للقطان لكن قدم التسبيح واخر التكبير ولم يذكر الجلالة وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى وفي رواية السائب كلاهما مثله وكذا في رواية هبيرة عن علي وزاد في آخره فتلك مائة باللسان وألف
[ 104 ]
في الميزان وهذه الزيادة ثبتت أيضا في رواية هبيرة وعمارة بن عبد معا عن علي عند الطبراني وفي رواية السائب كما مضى وفي حديث أبي هريرة عند مسلم كالاول لكن قال تسبحين بصيغة المضارع وفي رواية عبيدة بن عمرو فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين وثلاث وثلاثين وأربع وثلاثين من تسبيح وتحميد وتكبير وفي رواية غندر للكشميهني مثل الاول وعن غير الكشميهني تكبران بصيغة المضارع وثبوت النون وحذفت في نسخة وهي اما على ان إذا تعمل عمل الشرط واما حذفت تخفيفا وفي رواياة مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في النفقات بلفظ تسبحين الله عند منامك وقال في الجميع ثلاثا وثلاثين ثم قال في اخره قال سفيان رواية إحداهن أربع وفي رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان لا أدري أيها أربع وثلاثون وفي رواية الطبري من طريق أبي امامة الباهلي عن علي في الجميع ثلاثا وثلاثين واختماها بلا اله الا الله وله من طريق محمد بن الحنفية عن علي وكبراه وهلللاه أربعا وثلاثين وله من طريق أبي مريم عن علي احمدا أربعا وثلاثين وكذا له في حديث أم سلمة وله من طريق هبيرة ان التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر التحميد وقد أخرجه أحمد من طريق هبيرة كالجماعة وما عدا ذلك شاذ وفي رواية عطاء عن مجاهد عند جعفر وأصله عند مسلم اشك أيها أربع وثلاثون غير اني أظنه التكبير وزاد في اخره قال علي فما تركتها بعد فقالوا له ولا ليلة صفين فقال ولا ليلة صفين وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي فقيل لي وفي رواية عمرو بن مرة فقال له رجل وكذا في رواية هبيرة ولمسلم في رواية من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت ولا ليلة صفين وفي رواية جعفر الفريابي في الذكر من هذا الوجه قال عبد الرحمن قلت ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وكذا أخرجه مطين في مسند على من هذا الوجه وأخرجه أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق حدثني هبيرة وهانئ بن هانئ وعمارة بن عبد انهم سمعوا عليا يقول فذكر الحديث وفي اخره فقال له رجل قال زهير أراه الاشعث بن قيس ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وفي رواية السائب فقال له بن الكواء ولا ليلة صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين وللبزار من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب فقال له عبد الله بن الكواء والكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد وكان من أصحاب علي لكنه كان كثير التعنت في السؤال وقد وقع في رواية زيد بن أبي انيسة عن الحكم بسند حديث الباب فقال بن الكواء ولا ليلة صفين فقال ويحك ما أكثر ما تعنتني لقد ادركتها من السحر وفي رواية علي بن اعبد ما تركتهن منذ سمعتهن الا ليله صفين فإني ذكرتها من اخر الليل فقلتها وفي رواية له وهي عند جعفر أيضا في الذكر الا ليلة صفين فاني انسيتها حتى ذكرتها من اخر الليل وفي رواية شبث بن ربعي مثله وزاد فقلتها والاختلاف فإنه نفى ان يكون قالها أول الليل واثبت انه قالها في اخره واما الاختلاف في تسمية السائل فلا يؤثر لانه محمول على التعدد بدليل قوله في الرواية الاخرى فقالوا وفي هذا تعقب علي الكرماني حيث فهم من قول علي ولا ليلة صفين انه قالها من الليل فقال مراده انه لم يشتغل مع ما كان فيه من الشغل بالحرب عن قول الذكر المشار إليه فان في قول علي فأنسيتها التصريح بأنه نسيها أول الليل وقالها في اخره والمراد بليلة صفين الحرب التي كانت بين علي ومعاوية بصفين وهي بلد معروف بين العراق والشام واقام الفريقان بها عدة اشهر وكانت بينهم وقعات كثيرة لكن لم يقاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي
[ 105 ]
ليلة الهرير بوزن عظيم سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها وقتل بين الفريقين تلك الليلة عدة آلاف وأصبحوا وقد اشرف علي وأصحابه على النصر فرفع معاوية وأصحابه المصاحف فكان ما كان من الاتفاق على التحكيم وانصراف كل منهم إلى بلاده واستفدنا من هذه الزيادة ان تحديث علي بذلك كان بعد وقعة صفين بمدة وكانت صفين سنة سبع وثلاثين وخرج الخوارج على علي عقب التحكيم في أول سنة ثمان وثلاثين وقتلهم بالنهروان وكل ذلك مشهور مبسوط في تاريخ الطبري وغيره فائدة زاد أبو هريرة في هذه القصة مع الذكر المأثور دعاء اخر ولفظه عند الطبري في تهذيبه من طريق الاعمش عن أبي صالح عنه جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أدلك على ما هو خير من خادم تسبحين فذكره وزاد وتقولين اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شئ منزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت اخذ بناصيتها أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عني الدين واغنني من الفقر وقد أخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكن فرقه حديثين وأخرجه الترمذي من طريق الاعمش لكن اقتصر على الذكر الثاني ولم يذكر التسبيح وما معه قوله وعن شعبة عن خالد هو الحذاء عن بن سيرين هو محمد قال التسبيح أربع وثلاثون هذا موقوف على بن سيرين وهو موصول بسند حديث الباب وظن بعضهم انه من رواية بن سيرين بسنده إلى علي وانه ليس من كلامه وذلك ان الترمذي والنسائي وابن حبان اخرجوا الحديث المذكور من طريق بن عون عن بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي لكن الذي ظهر لي انه من قول بن سيرين موقوف عليه إذ لم يتعرض المصنف لطريق بن سيرين عن عبيدة وأيضا فإنه ليس في روايته عن عبيدة تعيين عدد التسبيح وقد أخرجه القاضي يوسف في كتاب الذكر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بسنده هذا إلى بن سيرين من قوله فثبت ما قلته ولله الحمد ووقع في مرسل عروة عند جعفر ان التحميد اربع واتفاق الرواة على ان الاربع للتكبير أرجح قال بن بطال هذا نوع من الذكر عند النوم ويمكن ان يكون صلى الله عليه وسلم كان يقول جميع ذلك عند النوم وأشار لامته بالاكتفاء ببعضها اعلاما منه ان معناه الحض والندب لا الوجوب وقال عياض جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم اذكار عند النوم مختلفة بحسب الاحوال والاشخاص والاوقات وفي كل فضل قال بن بطال وفي هذا الحديث حجة لمن فضل الفقر على الغنى لقوله الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم فعلمهما الذكر فلو كان الغنى أفضل من الفقر لاعطاهما الخادم وعلمهما الذكر فلما منعهما الخادم وقصرهما على الذكر علم انه انما اختار لهما الافضل عند الله قلت وهذا انما يتم ان لو كان عنده صلى الله عليه وسلم من الخدام فضلة وقد صرح في الخبر انه كان محتاجا إلى بيع ذلك الرقيق لنفقته على أهل الصفة ومن ثم قال عياض لا وجه لمن استدل به على ان الفقير أفضل من الغني وقد اختلف في معنى الخيرية في الخبر فقال عياض ظاهره انه أراد ان يعلمهما ان عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا على كل حال وانما اقتصر على ذلك لما لم يمكنه إعطاء الخادم ثم علمهما إذ فإنهما ما طلباه ذكرا يحصل لهما اجرا أفضل مما سألاه وقال القرطبي انما احالهما على الذكر
[ 106 ]
ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة أو لكونه احب لابنته ما احب لنفسه من إيثار الفقر وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لاجرها وقال المهلب علم صلى الله عليه وسلم ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعا لها في الآخرة وآثر أهل الصفة لانهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة على شبع بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا في عيال ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت ويؤخذ منه تقديم طلبه العلم على غيرهم في الخمس وفيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وقلة الشئ وشدة الحال وان الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها وتلك سنة أكثر الانبياء والاولياء وقال إسماعيل القاضي في هذا الحديث ان للامام ان يقسم الخمس حيث رأى لان السبي لا يكون الا من الخمس واما الاربعة اخماس فهو حق الغانمين انتهى وهو قول مالك وجماعة وذهب الشافعي وجماعة إلى ان لآل البيت سهما من الخمس وقد تقدم بسط ذلك في فرض الخمس في اواخر الجهاد ثم وجدت في تهذيب الطبري من وجه اخر ما لعله يعكر على ذلك فساق من طريق أبي امامه الباهلي عن علي قال أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق اهداهم له بعض ملوك الاعاجم فقلت لفاطمة ائت أباك فاستخدميه فلو صح هذا لا زال الاشكال من أصله لانه حينئذ لا يكون للغانمين فيه شئ وانما هو من مال المصالح يصرفه الامام حيث يراه وقال المهلب فيه حمل الانسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت لهم قدرة على ذلك قال وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان وجلوسه بينهما في فراشهما ومباشرة قدميه بعض جسدهما قلت وفي قوله بغير استئذان نظر لانه ثبت في بعض طرقه انه استأذن كما قدمته من رواية عطاء عن مجاهد في الذكر لجعفر وأصله عند مسلم وهو في العلل للدارقطني أيضا بطوله واخرج الطبري في تهذيبه من طريق أبي مريم سمعت عليا يقول ان فاطمة كانت تدق الدرمك بين حجرين حتى مجلت يداها فذكر الحديث وفيه فأتانا وقد دخلنا فراشنا فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا فلما سمع ذلك قال كما أنتما في لحافكما ودفع بعضهم الاستدلال المذكور لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يلحق به غيره ممن ليس بمعصوم وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام وفيه بيان إظهار غاية التعطف والشفقة عل البنت والصهر ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب حيث لم يزعجهما عن مكانهما فتركهما على حالة اضطجاعهما وبالغ حتى ادخل رجله بينهما ومكث بينهما حتى علمها ما هو الاولى بحالها من الذكر عوضا عما طلباه من الخادم فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب ايذانا بأن الاهم من المطلوب هو التزود للمعاد والصبر على مشاق الدنيا والتجافي عن دار الغرور وقال الطيبي فيه دلالة على مكانة أم المؤمنين من النبي صلى الله عليه وسلم حيث خصتها فاطمة بالسفارة بينها وبين أبيها دون سائر الازواج قلت ويحتمل انها لم ترد التخصيص بل الظاهر انها قصدت اباها في يوم عائشة في بيتها فلما لم تجده ذكرت حاجتها لعائشة ولو اتفق انه كان يوم غيرها من الازواج لذكرت لها ذلك وقد تقدم ان في بعض طرقه ان أم سلمة ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا فيحتمل ان فاطمة لما لم تجده في بيت عائشة مرت على بيت أم سلمة فذكرت لها ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص هاتين من الازواج لكون باقيهن كن حزبين كل حزب يتبع واحدة من هاتين كما تقدم صريحا في كتاب الهبة وفيه ان من واظب على هذا
[ 107 ]
الذكر عند النوم لم يصبه اعياء لان فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وسلم على ذلك كذا افاده بن تيمية وفيه نظر ولا يتعين رفع التعب بل يحتمل ان يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل ولا يشق عليه ولو حصل له التعب والله اعلم قوله باب التعوذ والقراءة عند النوم ذكر فيه حديث عائشة في قراءة المعوذات وقد تقدم شرحه في كتاب الطب وبينت اختلاف الرواة في انه كان يقول ذلك دائما أو بقيد الشكوى وانه ثبت عن عائشة انه يفيد الامران معا لما في رواية عقيل عن الزهري بلفظ كان إذا اوى إلى فراشه كل ليلة وبينت فيه ان المراد بالمعوذات الاخلاص والفلق والناس وان ذلك وقع صريحا في رواية عقيل المذكورة وانها تعين أحد الاحتمالات الماضي ذكرها ثمة وفيها كيفية مسح جسده بيديه وقد ورد في القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحه منها حديث أبي هريرة في قراءة اية الكرسي وقد تقدم في الوكالة وغيرها وحديث بن مسعود الايتان من اخر سورة البقرة وقد تقدم في فضائل القرآن وحديث فروة بن نوفل عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل اقرأ قل يا أيها الكافرون في كل ليلة ونم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وابن حبان والحاكم وحديث العرباض بن سارية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المسبحات قبل ان يرقد ويقول فيهن آية خير من الف آية أخرجه الثلاثة وحديث جابر رفعه كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك أخرجه البخاري في الادب المفرد وحديث شداد بن أوس رفعه ما من امرئ مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله الا بعث الله ملكا يحفظه من كل شئ يؤذيه حتى يهب أخرجه أحمد والترمذي وورد في التعوذ أيضا عدة أحاديث منها حديث أبي صالح عن رجل من اسلم رفعه لو قلت حين امسيت أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضرك شئ وفيه قصة ومنهم من قال عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وحديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا اخذ أحدنا مضجعه ان يقول اللهم رب السماوات ورب الارض الحديث وفي لفظ اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ ومليكه اشهد ان لا اله الا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان الرجيم وشركه أخرجه أبو داود والترمذي وحديث علي رفعه كان يقول عند مضجعه اللهم اني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر كل شئ أنت اخذ بناصيته أخرجه أبو داود والنسائي قال بن بطال في حديث عائشة رد على من منع استعمال العوذ والرقي الا بعد وقوع المرض انتهى وقد تقدم تقرير ذلك والبحث فيه في كتاب الطب قوله باب كذا للاكثر بغير ترجمة وسقط لبعضهم وعليه شرح بن بطال ومن تبعه والراجح إثباته ومناسبته لما قبله عموم الذكر عند النوم وعلى اسقاطه فهو كالفصل من الباب الذي قبله لان في الحديث معنى التعويذ وان لم يكن بلفظه قوله زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعبيد الله بن عمر هو العمري وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وأبوه تابعي كبير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق مدنيون قوله إذا اوى بالقصر وقد تقدم بيانه قريبا قوله فلينفض فراشه بداخلة إزاره كذا للاكثر وفي رواية أبي زيد المروزي بداخل بلا هاء ووقع في رواية مالك الآتية في التوحيد بصنفه ثوبه وكذا للطبراني من وجه اخر وهي بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء هي الحاشية التي تلي الجلد والمراد
[ 108 ]
بالداخلة طرف الازار الذي يلي الجسد قال مالك داخلة الازار ما يلي داخل الجسد منه ووقع في رواية عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عند مسلم فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وفي رواية يحيى القطان كما سيأتي فلينزع وقال عياض داخلة الازار في هذا الحديث طرفه وداخلة الازار في حديث الذي اصيب بالعين ما يليها من الجسد وقيل كنى بها عن الذكر وقيل عن الورك وحكى بعضهم انه على ظاهره وانه أمر بغسل طرف ثوبه والاول هو الصواب وقال القرطبي في المفهم حكمة هذا النفض قد ذكرت في الحديث وأما اختصاص النفض بداخلة الازار فلم يظهر لنا ويقع لي ان في ذلك خاصية طبية تمنع من قرب بعض الحيوانات كما أمر بذلك العائن ويؤيده ما وقع في بعض طرقه فلينفض بها ثلاثا فحذا بها حذو الرقى في التكرير انتهى وقد ابدى غيره حكمة ذلك وأشار الداودي فيما نقله بن التين إلى ان الحكمة في ذلك ان الازار يستر بالثياب فيتوارى بما يناله من الوسخ فلو نال ذلك بكمه صار غير لدن الثوب والله يحب إذا عمل العبد عملا ان يحسنه وقال صاحب النهاية انما أمر بداخلته دون خارجته لان المؤتزر يأخذ طرفي إزاره بيمينه وشماله ويلصق ما بشماله وهو الطرف الداخلي على جسده ويضع ما بيمينه فوق الاخرى فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره امسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنه يحل بيمينه خارج الازار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض وقال البيضاوي انما أمر بالنفض بها لان الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الازار وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وأشار الكرماني إلى ان الحكمة فيه ان تكون يده حين النفض مستورة لئلا يكون هناك شئ فيحصل في يده ما يكره انتهى وهي حكمة النفض بطرف الثوب دون اليد لا خصوص الداخلة وقوله فإنه لا يدري ما خلفه عليه بتخفيف اللام أي حدث بعده فيه وهي رواية بن عجلان عند الترمذي وفي رواية عبده فإنه لا يدري من خلفه في فراشه وزاد في روايته ثم ليضطجع على شقه الايمن وفي رواية يحيى القطان ثم ليتوسد بيمينه ووقع في رواية أبي ضمرة في الادب المفرد وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه أي ما صار بعده خلفا وبدلا عنه إذا غاب قال الطيبي معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام قوله ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك ارفعه في رواية عبدة ثم ليقل بصيغة الامر وفي رواية يحيى القطان اللهم باسمك وفي رواية أبي ضمرة ثم يقول سبحانك ربي وضعت جنبي قوله ان امسكت في رواية يحيى القطان اللهم ان امسكت وفي رواية بن عجلان اللهم فان امسكت وفي رواية عبده فان احتبست قوله فارحمها في رواية مالك فاغفر لها وكذا في رواية بن عجلان عند الترمذي قال الكرماني الامساك كناية عن الموت فالرحمة أو المغفرة تناسبه والارسال كناية عن استمرار البقاء والحفظ يناسبه قال الطيبي هذا الحديث موافق لقوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها الآية قلت ووقع التصريح بالموت والحياة في رواية عبد الله بن الحارث عن بن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا اخذ مضجعه ان يقول اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها ان احييتها فاحفظها وان امتها فاغفر لها أخرجه النسائي وصححه بن حبان قوله بما تحفظ به عبادك الصالحين قال الطيبي هذه الباء هي مثل الباء في قولك كتبت بالقلم وما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها وزاد بن عجلان
[ 109 ]
عند الترمذي في اخره شيئا لم أره عند غيره وهو قوله وإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد الي روحي وهو يشير إلى ما ذكره الكرماني وقد نقلت قول الزجاج في ذلك في اواخر الكلام على حديث البراء فيما مضى قريبا وكذلك كلام الطيبي قال بن بطال في هذا الحديث أدب عظيم وقد ذكر حكمته في الخبر وهو خشية ان يأوي إلى فراشه بعض الهوام الضارة فتؤذيه وقال القرطبي يؤخذ من هذا الحديث انه ينبغي لمن أراد المنام ان يمسح فراشه لاحتمال ان يكون فيه شئ يخفى من رطوبة أو غيرها وقال بن العربي هذا من الحذر ومن النظر في أسباب دفع سوء القدر أو هو من الحديث الاخر اعقلها وتوكل قلت ومما ورد ما يقال عند النوم حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي أخرجه مسلم والثلاثة ولابي داود من حديث بن عمر نحوه وزاد والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل ولابي داود والنسائي من حديث علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه اللهم اني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك ويحمدك ولابي داود من حديث أبي الازهر الانماري ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا اخذ مضجعه من الليل بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي واخسئ شيطاني وفك رهاني واجعلني في النداء الاعلى وصححه الحاكم والترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد رفعه من قال حين يأوي إلى فراشه استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب ثلاث مرات غفرت له ذنوبه وان كانت مثل زيد البحر وان كانت عدد رمل عالج وان كانت عدد أيام الدنيا ولابي داود والنسائي من حديث حفصه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاثا وأخرجه الترمذي من حديث البراء وحسنه ومن حديث حذيفة وصححه قوله تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكريا عن عبيد الله هو بن عمر المذكور في الاسناد وأبو ضمرة هو أنس بن عياض ومراده انهما تابعا زهير بن معاوية في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وأبي هريرة فأما متابعة أبي ضمرة فوصلها مسلم والبخاري في الادب المفرد وأما متابعة إسماعيل بن زكريا فوصلها الحارث بن أبي سلمة عن يونس بن محمد عنه كذا رأيته في شرح مغلطاي وكنت وقفت عليها في الاوسط للطبراني وأوردتها منه في تعليق التعليق ثم خفي على مكانها الآن ووقع عند أبي نعيم في المستخرج هنا وعبدة وهو بن سليمان ولم ارها لغيره فان كانت ثابتة فانها عند مسلم موصولة وقد ذكر الاسماعيلي ان الاكثر لم يقولوا في السند عن أبيه وان عبد الله بن رجاء رواه عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبيه أو عن أخيه عن أبي هريرة ثم ساقه بسنده إليه وهذا الشك لا تأثير له لاتفاق الجماعة على انه ليس لاخي سعيد فيه ذكر واسم أخي سعيد المذكور عباد وذكر الدارقطني ان أبا بدر شجاع بن الوليد والحسن بن صالح وهريم وهو بالراء المهملة مصغر بن سفيان وجعفر بن زياد وخالد بن حميد تابعوا زهير بن معاوية في قوله فيه عن أبيه قوله وقال يحيى بن سعيد هو القطان وبشر بن المفضل عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 110 ]
اما رواية يحيى القطان فوصلها النسائي واما رواية بشر بن المفضل فأخرجها مسدد في مسنده الكبير عنه وذكر الدارقطني ان هشام بن حسان ومعتمر بن سليمان و عبد الله بن كثير رووه عن عبيدالله بن عمر كذلك وكذا ذكر الاسماعيلي ان عبد الله بن نمير والطبراني ان معتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد الاموي وأبا أسامة رووه كلهم عن عبيد الله بن عمر كذلك وأشار البخاري بقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ان بعضهم رواه عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة موقوفا منهم هشام بن حسان والحمادان وابن المبارك وبشر بن المفضل ذكره الدارقطني قلت فلعله اختلف على بشر في وقفه ورفعه وكذا على هشام بن حسان ورواية بن المبارك وصلها النسائي موقوفة قوله ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم اما رواية مالك فوصلها المصنف في كتاب التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله الاويسي عنه وقصر مغلطاي فعزاها لتخريج الدارقطني في غرائب مالك مع وجود ها في الصحيح الذي شرحه وتبعه شيخنا بن الملقن وقد ذكر المصنف في التوحيد أكثر هذه التعاليق المذكورة هنا أيضا عقب رواية مالك ولما ذكر الدارقطني حديث مالك المذكور قال هذا حديث غريب لا اعلم اسنده عن مالك الا الاويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد مرسلا واما رواية محمد بن عجلان فوصلها أحمد عنه ووصلها أيضا الترمذي والنسائي والطبراني في الدعاء من طرق عنه وقد ذكرت الزيادة التي عند الترمذي فيه قبل تنبيه قال الكرماني عبر اولا بقوله تابعه ثم بقوله وقال لانهما للتحمل وعبر بقوله رواه لانها تستعمل عند المذاكرة قلت وهذا ليس بمطرد لما بينت انه وصل رواية مالك في كتاب التوحيد بصيغة التحمل وهي حدثنا لا بصيغة المذاكرة كقال وروى ان سلمنا ان ذلك للمذاكرة والله اعلم قوله باب الدعاء نصف الليل أي بيان فضل الدعاء في ذلك الوقت على غيره إلى طلوع الفجر قال بن بطال هو وقت شريف خصه الله بالتنزيل فيه فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم واعطاء سؤالهم وغفران ذنوبهم وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية وفي زمن البرد وكذا أهل التعب ولا سيما في قصر الليل فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها ليستشعر العبد الجد والاخلاص لربه قوله يتنزل ربنا كذا للاكثر هنا بوزن يتفعل مشددا وللنسفي والكشميهني ينزل بفتح أوله وسكون ثانية وكسر الزاي قوله حين يبقى ثلث الليل قال بن بطال ترجم بنصف الليل وساق في الحديث ان التنزل يقع ثلث الليل لكن المصنف عول على ما في الآية وهي قوله تعالى قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه فأخذ الترجمة من دليل القرآن وذكر النصف فيه يدل على تأكيد المحافظة على وقت التنزل قبل دخوله ليأتي وقت الاجابة والعبد مرتقب له مستعد للقائه وقال الكرماني لفظ الخبر حين يبقى ثلث الليل وذلك يقع في النصف الثاني انتهى والذي يظهر لي ان البخاري جرى على عادته فأشار إلى الرواية التي وردت بلفظ النصف فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ينزل الله إلى السماء الدنيا نصف الليل الاخير أو ثلث الليل الاخر
[ 111 ]
وأخرجه الدارقطني في كتاب الرؤيا من رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه ومن طريق حبيب بن أبي ثابت عن الاغر عن أبي هريرة بلفظ شطر الليل من غير تردد وسأستوعب ألفاظه في التوحيد ان شاء الله تعالى وقال أيضا النزول محال على الله لان حقيقته الحركة من جهة العلو إلى السفل وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه وقد تقدم شرح الحديث في الصلاة في باب الدعاء في الصلاة من اخر الليل من أبواب التهجد ويأتي ما بقي منه في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى قوله باب الدعاء عند الخلاء أي عند إرادة الدخول ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وفيه ذكر من رواه بلفظ إذا أراد ان يدخل قوله باب ما يقول إذا أصبح ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث شداد بن أوس وقد تقدم شرحه قريبا في باب أفضل الاستغفار ثانيها حديث حذيفة وقد تقدم شرحه بعد ذلك في باب ما يقول إذا نام ثالثها حديث أبي ذر وهو بلفظ حذيفة سواء من مخرجه فإنه من طريق أبي حمزة وهو السكري عن منصور وهو بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن خرشة بفتح المعجمة والراء ثم شين معجمة ثم هاء تأنيث بن الحر بضم المهملة ضد العبد عن أبي ذر وحديث حذيفة هو من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي عنه فكأنه وضح للبخاري ان لربعي فيه طريقين وكأن مسلما اعرض عن حديث أبي ذر من اجل هذا الاختلاف وقد وافق أبا حمزة على هذا الاسناد شيبان النحوي أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين من طريقه وهذا الموضع مما كان الدارقطني ذكره في التتبع وقد ورد فيما يقال عند الصباح عدة أحاديث منها حديث أنس رفعه من قال حين يصبح اللهم اني أصبحت اشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا اله الا أنت وان محمدا عبدك ورسولك اعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار الحديث رواه الثلاثة وحسنه الترمذي وحديث أبي سلام عمن خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا الا كان حقا على الله ان يرضيه أخرجه أبو داود وسنده قوي وهو عند الترمذي بنحوه من حديث ثوبان بسند ضعيف وحديث عبد الله بن غنام البياضي رفعه من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان وحديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة ما منعك ان تسمعي ما اوصيك به ان تقولي إذا أصبحت وإذا امسيت يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أخرجه النسائي والبزار قوله باب الدعاء في الصلاة ذكر فيه ثلاثة أحاديث وهي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق انه قال للنبي صلى الله
[ 112 ]
عليه وسلم علمني دعاء ادعو به في صلاتي وقد تقدم الكلام عليه في باب الدعاء قبيل السلام في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بما فيه كفاية قوله وقال عمرو هو بن الحارث عن يزيد هو بن أبي حبيب وهو المذكور في السند الاول وأبو الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء مهملة قوله قال أبو بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم وصله في التوحيد من رواية عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ولفظه ان أبا بكر قال يا رسول الله وقد بينت ذلك في شرحه قال الطبري في حديث أبي بكر دلالة على رد قول من زعم انه لا يستحق اسم الايمان الا من لا خطيئة له ولا ذنب لان الصديق من أكبر أهل الايمان وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقول اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت وقال الكرماني هذا الدعاء من الجوامع لان فيه الاعتراف بغاية التقصير وطلب غاية الانعام فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الاول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم وقال بن أبي جمرة ما ملخصه في الحديث مشروعية الدعاء في الصلاة وفضل الدعاء المذكور على غيره وطلب التعليم من الاعلى وان كان الطالب يعرف ذلك النوع وخص الدعاء بالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وفيه ان المرء ينظر في عبادته إلى الا رفع فيتسبب في تحصيله وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر هذا الدعاء إشارة إلى إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا ولعله فهم ذلك من حال أبي بكر وايثاره أمر الآخرة قال وفي قوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت أي ليس لي حيلة في دفعه فهي حالة افتقار فأشبه حال المضطر الموعود بالاجابة وفيه هضم النفس والاعتراف بالتقصير وتقدمت بقية فوائده هناك وحديث عائشة في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال أنزلت في الدعاء وقد تقدم شرحه في تفسير سبحان وعلي شيخه هو بن سلمة كما أشرت إليه في تفسير المائدة وحديث عبد الله وهو بن مسعود في التشهد وقد تقدم شرحه في اواخر صفة الصلاة وأخذ الترجمة من هذه الاحاديث الا ان الاول نص في المطلوب والثاني يستفاد منه صفة من صفات الداعي وهي عدم الجهر والخافته فيسمع نفسه ولا يسمع غيره وقيل للدعاء صلاة لانها لا تكون الا بدعاء فهو من تسمية بعض الشئ باسم كله والثالث فيه الامر بالدعاء في التشهد وهو من جملة الصلاة والمراد بالثناء الدعاء فقد تقدم في باب التشهد بلفظ فليتخير من الدعاء ما شاء وقد ورد الامر بالدعاء في السجود في حديث أبي هريرة رفعه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا من الدعاء وورد الامر أيضا بالدعاء في التشهد في حديث أبي هريرة وفي حديث فضالة بن عبيد عند أبي داود والترمذي وصححه وفيه انه أمر رجلا بعد التشهد ان يثني على الله بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء ومحصل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ستة مواطن الاول عقب تكبيرة الاحرام ففيه حديث أبي هريرة في الصحيحين اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث الثاني في الاعتدال ففيه حديث بن أبي أوفى عند مسلم انه كان يقول بعد قوله من شئ بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد الثالث في الركوع وفيه حديث عائشة كان يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي أخرجاه الرابع في السجود وهو أكثر ما كان يدعو فيه وقد أمر به فيه الخامس بين السجدتين اللهم
[ 113 ]
اغفر لي السادس في التشهد وسيأتي وكان أيضا يدعو في القنوت وفي حال القراءة إذا مر بآية رحمة سأل وإذا مر بآية عذاب استعاذ قوله باب الدعاء بعد الصلاة أي المكتوبة وفي هذه الترجمة رد على من زعم ان الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكا بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يثبت الا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام والجواب ان المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسا على هيئته قبل السلام الا بقدر ان يقول ما ذكر فقد ثبت انه كان إذا صلى اقبل على اصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على انه كان يقوله بعد ان يقبل بوجهه على اصحابه قال بن القيم في الهدي النبوي وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء الامام والمنفرد والمأموم فلم يكن ذلك من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روى عنه بإسناد صحيح ولا حسن وخص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعد ولا ارشد إليه أمته وانما هو استحسان رآه من رآه عوضا من السنة بعدهما قال وعامة الادعية المتعلقة بالصلاة انما فعلها فيها وامر بها فيها قال وهذا اللائق بحال المصلى فإنه مقبل على ربه مناجيه فإذا سلم منها انقطعت لمناجاة وانتهى موقفه وقربه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ثم قال لكن الاذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن اتى بها ان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان يفرغ منها ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية وهي الذكر لا لكونه دبر المكتوبة قلت وما ادعاه من النفي مطلقا مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ اني والله لاحبك فلا تدع دبر كل صلاة ان تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وحديث أبي بكرة في قول اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن دبر كل صلاة أخرجه أحمد والترمذي النسائي وصححه الحاكم وحديث سعد الاتي في باب التعوذ من البخل قريبا فإن في بعض طرقه المطلوب وحديث زيد بن أرقم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شئ الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وحديث صهيب رفعه كان يقول إذا انصرف من الصلاة اللهم اصلح لي ديني الحديث أخرجه النسائي وصححه بن حبان وغير ذلك فان قيل المراد بدبر كل صلاة قرب اخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الامر بالذكر دبر كل صلاة والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد اخرج الترمذي من حديث أبي امامة قيل يا رسول الله أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الاخير ودبر الصلوات المكتوبات وقال حسن واخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة ان مراد بن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا وليس كذلك فان حاصل كلامه انه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة وايراده بعد السلام وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الاذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الاتيان بالدعاء حنيئذ ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في التسبيح بعد الصلاة وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده
[ 114 ]
لا شريك له وقد ترجم في أواخر الصلاة باب الذكر بعد التشهد وأود فيه هذين الحديثين وتقدم شرحهما هناك مستوفى ومناسبة هذه الترجمة لهما ان الذاكر يحصل له ما يحصل الداعي إذا شغله الذكر عن الطلب كما في حديث بن عمر رفعه يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطي السائلين أخرجه الطبراني بسند لين وحديث أبي سعيد بلفظ من شغله القرآن وذكري عن مسألتي الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وقوله في الحديث الاول حدثنا إسحاق هو بن راهويه أو بن منصور ويزيد هو بن هارون وورقاء هو بن عمر اليشكري وسمى هو مولى أبي صالح قوله تابعه عبيد الله بن عمر هو العمري عن سمي يعني في إسناده وفي أصل الحديث لا في العدد المذكور وقد بينت هناك عند شرحه ان ورقاء خالف غيره في قوله عشرا وان الكل قالوا ثلاثا وثلاثين وان منهم من قال المجموع هذا القدر قلت قد ورد بذكر العشر في حديث عبد الله بن عمرو وجماعة وحديث عبيد الله بن عمر تقدم موصولا هناك وأغرب الكرماني فقال لما جاء هناك بلفظ الدرجات فقيدها بالعلا وقيد أيضا زيادة في الاعمال من الصوم والحج والعمرة زاد في عدة الاذكار يعني ولما خلت هذه الرواية من ذلك نقص العدد ثم قال على ان مفهوم العدد لا اعتبا به انتهى وكلا الجوابين متعقب اما الاول فمخرج الحديثين واحد وهو من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وانما اختلف الرواة عنه في العدد المذكور في الزيادة والنقص فان أمكن الجمع والا فيؤخذ بالراجح فان استووا فالذي حفظ الزيادة مقدم وأظن سبب الوهم انه وقع في رواية بن عجلان يسبحون يكبرون ويحمدون في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة فحمله بعضهم على ان العدد المذكور مقسوم على الاذكار الثلاثة فروى الحديث بلفظ إحدى عشرة والغى بعضهم الكسر فقال عشر والله اعلم واما الثاني فمرتب على الاول وهو لائق بما إذا اختلف مخارج الحديث اما إذا اتحد المخرج فهو من تصرف الرواة فإذا أمكن الجمع والا فالترجيح قوله ورواه بن عجلان عن سمى ورجاء بن حيوة وصله مسلم قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان فذكره مقرونا برواية عبيد الله بن عمر كلاهما عن سمي عن أبي صالح به وفي آخره قال بن عجلان فحدثت به رجاء بن حيوة فحدثني بمثله عن أبي صالح عن أبي هريرة ووصله الطبراني من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة وسمي كلاهما عن أبي صالح به وفيه تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدونه ثلاثا وثلاثين وتكبرونه أربعا وثلاثين وقال في الاوسط لم يروه عن رجاء الا بن عجلان قوله ورواه جرير يعني بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء وصله أبو يعلى في مسنده والاسماعيلي عنه عن أبي خيثمة عن جرير ووصله النسائي من حديث جرير بهذا وفيه مثل ما في رواية بن عجلان من تربيع التكبير وفي سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر وقد بين النسائي الاختلاف فيه على عبد العزيز بن رفيع فأخرجه من رواية الثوري عنه عن أبي عمر الضبي عن أبي الدرداء وكذا رواه شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر لكن زاد أم الدرداء بين أبي الدرداء وبين أبي عمر أخرجه النسائي أيضا ولم يوافق شريك على هذه الزيادة فقد أخرجه النسائي أيضا من رواية شعبة عن الحكم عن أبي عمر عن أبي الدرداء ومن رواية زيد بن أبي انيسة عن الحكم لكن قال عن عمر الضبي فان كان اسم أبي عمر عمر اتفقت الروايتان لكن
[ 115 ]
جزم الدارقطني بأنه لا يعرف اسمه فكأنه تحرف على الراوي والله اعلم قوله ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وصله مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل فساق الحديث بطوله لكن قال فيه تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين قال سهيل إحدى عشرة وإحدى عشرة وإحدى عشرة فذلك كان ثلاث وثلاثون وأخرجه النسائي من رواية الليث عن بن عجلان عن سهيل بهذا السند بغير قصة ولفظ اخر قال فيه من قال خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعني تمام المائة غفرت له خطاياه أخرجه النسائي وأخرجه أيضا من وجه اخر عن الليث عن بن عجلان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن بعض الصحابة ومن طريق زيد بن أبي انيسة عن سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة وهذا اختلاف شديد على سهيل والمعتمد في ذلك رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة والله اعلم ورواية أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة أخرجها مالك في الموطأ لكن لم يرفع وأوردها مسلم من طريق خالد بن عبد الله وإسماعيل بن زكريا كلاهما عن سهيل عن أب عبيد مولى سليمان بن عبد الملك قوله في حديث المغيرة جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر قوله في دبر كل صلاة في رواية الحموي والمستملي في دبر صلاته قوله وقال شعبة عن منصور قال سمعت المسيب يعني بن رافع بالسند المذكور وصله أحمد عن محمد بن جعفر حدثنا شعبة به ولفظه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال لا اله الا الا الله وحده لا شريك له الحديث قال بن بطال في هذه الاحاديث الحض على الذكر في ادبار الصلوات وان ذلك يوازي انفاق المال في طاعة الله لقوله تدركون به من سبقكم وسئل الاوزاعي هل الذكر بعد الصلاة أفضل أم تلاوة القرآن فقال ليس شئ يعدل القرآن ولكن كان هدي السلف الذكر وفيها ان الذكر المذكور يلي الصلاة المكتوبة ولا يؤخر إلى ان يصلي الراتبة لما تقدم والله اعلم قوله باب قول الله تبارك وتعالى وصل عليهم كذا للجمهور ووقع في بعض النسخ زيادة ان صلواتك سكن لهم واتفقوا على أن المراد بالصلاة هنا الدعاء وثالث أحاديث الباب يفسر ذلك وتقدم في السورة قريبا من هذه الآية قوله تعالى ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول وفسرت الصلوات هنا أيضا بالدعوات لانه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لمن يتصدق قوله ومن خص اخاه بالدعاء دون نفسه في هذه الترجمة إشارة إلى رد ما جاء عن بن عمر اخرج بن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال ذكرت رجلا عند بن عمر فترحمت عليه فلهز في صدري وقال لي ابدأ بنفسك وعن إبراهيم النخعي كان يقال إذا دعوت فابدأ بنفسك فإنك لا تدري في أي دعاء يستجاب لك وأحاديث الباب ترد على ذلك ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله بن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه ما من مسلم يدعو لاخيه بظهر الغيب الا قال الملك ولك مثل ذلك واخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس رفعه خمس دعوات مستجابات وذكر فيها ودعوة الاخ لاخيه وأخرجه أيضا هكذا استدل بهما بن بطال وفيه نظر لان الدعاء بظهر الغيب ودعاء الاخ للاخ أعم من ان يكون الداعي خصه أو ذكر نفسه معه واعم من ان يكون بدأ به أو بدأ بنفسه واما ما أخرجه الترمذي من حديث أبي بن
[ 116 ]
كعب رفعه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه وكان إذا ذكر أحدا من الانبياء بدأ بنفسه ويؤيد هذا القيد انه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا وقد تقدم حديث أبي هريرة اللهم ايده بروح القدس يريد حسان بن ثابت وحديث بن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من الامثلة مع ان الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت انه دعا لبعض الانبياء فلم يبدأ بنفسه كما مر في المناقب من حديث أبي هريرة يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد وقد أشار المصنف إلى الاول بسادس أحاديث الباب والى الثاني بالذي بعده وذكر المصنف فيه سبعة أحاديث الحديث الاول قوله وقال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعبيد أبي عامر اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه هذا طرف من حديث لابي موسى تقدم بطوله موصولا في غزوة ارطاس من المغازي وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى الاشعري وفيه قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم ان أبا عامر قال له قل للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لي قال فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر وفيه فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما الحديث الثاني قوله يحيى هو بن سعيد القطان قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فقال رجل من القوم هو عمر بن الخطاب وعامر هو بن الاكوع عم سلمة راوي الحديث وقد تقدم بيان ذلك كله في غزوة خيبر من كتاب المغازي وسبب قول عمر لولا متعتنا به وان ذلك ورد مصرحا به في صحيح مسلم واما بن عبد البر فأورده مورد الاستقراء فقال كانوا عرفوا انه ما استرحم لانسان قط في غزاة تخصه الا استشهد فلذا قال عمر لولا امتعتنا بعامر قوله وذكر شعرا غير هذا ولكني لم احفظه تقدم بيانه في المكان المذكور من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد ويعرف منه ان القائل وذكر شعرا هو يحيى بن سعيد راوية وان الذاكر هو يزيد بن أبي عبيد وقوله من هناتك بفتح الهاء والنون جمع هنة ويروي هنيهاتك وهنياتك والمراد الاراجيز القصار وتقدم شرح الحديث مستوفى هناك قوله فلما امسوا أو قدوا نارا كثيرة الحديث قي قصة الحمر الاهلية في رواية حاتم بن إسماعيل فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم فيه يعني خيبر وذكر الحديث بطوله وقد تقدم شرحه الحديث الثالث قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وعمرو شيخ شعبة فيه هو بن مرة وابن أبي أوفى هو عبد الله قوله صل على آل أبي أوفى أي عليه نفسه وقيل عليه وعلى اتباعه وسيأتي الكلام في الصلاة على غير الانبياء بعد ثلاثة عشر بابا الحديث الرابع قوله في حديث جرير وهو بن عبد الله البجلي وهو نصب بضم النون وبصاد مهملة ثم موحدة هو الصنم وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة سأل وقوله يسمى الكعبة اليمانية في رواية الكشميهني كعبة اليمانية وهي لغة وقوله فخرجت في خمسين من قومي في رواية الكشميهني فارسا والقائل وربما قال سفيان
[ 117 ]
هو علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه وسفيان هو بن عيينة وقد تقدم شرح هذا الحديث في اواخر المغازي الحديث الخامس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لانس ان يكثر ماله وولده وسيأتي شرحه قريبا بعد ثمانية وعشرين بابا وقد بين مسلم في رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ان ذلك كان في اخر دعائه لانس ولفظه فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع الله له فدعا لي بكل خير وكان في دعائه ان قال فذكره قال الداودي هذا يدل على بطلان الحديث الذي ورد اللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فاقلل له من المال والولد الحديث قال وكيف يصح ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يحض على النكاح والتماس الولد قلت لا منافاة بينهما لاحتمال ان يكون ورد في حصول الامرين معا لكن يعكر عليه حديث الباب فيقال كيف دعا لانس وهو خادمه بما كرهه لغيره ويحتمل ان يكون مع دعائه له بذلك قرنه بأن لا يناله من قبل ذلك ضرر لان المعنى في كراهية اجتماع كثرة المال والولد انما هو لما يخشى من ذلك من الفتنة بهما والفتنة لا يؤمن معها الهلكة الحديث السادس الله تبارك وتعالى قوله عبدة هو بن سليمان قوله رجلا يقرأ في المسجد هو عباد بن بشر كما تقدم في الشهادات وتقدم شرح المتن في فضائل القرآن وقوله فيه لقد اذكرني كذا وكذا آية قال الجمهور يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ان ينسى شيئا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه وكذا يجوز ان ينسى مالا يتعلق بالابلاغ ويدل عليه قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله الحديث السابع الله عز وجلقوله سليمان هو بن مهران الاعمش قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الادب من طريق حفص بن غياث عن الاعمش سمعت شقيقا قوله فقال رجل هو معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة أو حرقوص كما تقدم بيانه في غزوة حنين هناك والمراد منه هنا قوله يرحم الله موسى فخصه بالدعاء فهو مطابق لاحد ركني الترجمة وقوله وجه الله أي الاخلاص له قوله باب ما يكره من السجع في الدعاء السجع بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها عين مهملة هو موالاة الكلام على روى واحد ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها قاله بن دريد وقال الازهري هو الكلام المقفى من غير مراعاة وزن قوله هارون المقرئ هو بن موسى النحوي قوله حدثنا الزبير بن الخريت بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله حدث الناس كل جمعة مرة فان أبيت فمرتين هذا إرشاد وقد بين حكمته قوله ولا تمل الناس هذا القرآن هو بضم أول تمل من الرباعي والملل والسآمة بمعنى وهذا القرآن منصوب على المفعولية وقد تقدم في كتاب العلم حديث بن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا قوله فلا الفينك بضم الهمزة وبالفاء أي لا اجدنك والنون مثقلة للتأكيد وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولهم لا أرينك ههنا وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه والنهي عن قطع حديث غيره وانه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه ويحدث من يشتهى بسماعه لانه اجدر ان ينتفع به قوله فتملهم يجوز في محله الرفع والنصب قوله وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه أي لا تقصد إليه ولا نشغل فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء وقال بن التين المراد بالنهي
[ 118 ]
المستكره منه وقال الداودي الاستكثار منه قوله لا يفعلون الا ذلك أي ترك السجع ووقع عند الاسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه لا يفعلون ذلك بإسقاط الا وهو واضح وكذا أخرجه البزار في مسنده عن يحيى والطبراني عن البنار ولا يرد على ذلك ما وقع في الاحاديث الصحيحة لان ذلك كان يصدر من غير قصد إليه ولاجل هذا يجئ في غاية الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الاحزاب وكقوله صلى الله عليه وسلم صدق وعده واعز جنده الحديث وكقوله أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع وكلها صحيحة قال الغزالي المكروه من السجع هو المتكلف لانه لا يلائم الضراعة والذلة والا ففي الادعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة قال الازهري وانما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة كما في قصة المرأة من هذيل وقال أبو زيد وغيره أصل السجع القصد المستوي سواء كان في الكلام أم غيره قوله باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له المراد بالمسألة الدعاء والضميران لله تعالى أو الاول ضمير الشأن والثاني لله تعالى جزما ومكره بضم أوله وكسر ثالثه قوله حدثنا إسماعيل هو المعروف بابن علية وعبد العزيز هو بن صهيب ونسب في رواية أبي زيد المروزي وغيره قوله فليعزم المسألة في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء ومعنى الامر بالعزم الجد فيه وان يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وان كان مأمورا في جميع ما يريد فعله ان يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم ان يحسن الظن بالله في الاجابة قوله ولا يقولن اللهم ان شئت فاعطني في حديث أبي هريرة المذكور بعده اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت وزاد في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد اللهم ارزقني ان شئت وهذه كلها أمثلة ورواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة ليعزم في الدعاء وله من رواية العلاء ليعزم وليعظم الرغبة ومعنى قوله ليعظم الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والالحاح فيه ويحتمل ان يراد به الامر بطلب الشئ العظيم الكثير ويؤيده ما في اخر هذه الرواية فإن الله لا يتعاظمه شئ قوله فإنه لا مستكره له في حديث أبي هريرة فإنه لا مكره له وهما بمعنى والمراد ان الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى اكراهه على الشئ فيخفف الامر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشئ الا برضا وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة وقيل المعنى ان فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والاول أولى وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء فان الله صانع ما شاء وفي رواية العلاء فان الله لا يتعاظمه شئ أعطاه قال بن عبد البر لا يجوز لاحد ان يقول اللهم اعطني ان شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لانه كلام مستحيل لا وجه له لانه لا يفعل الا ما شاءه وظاهره انه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر وحمل النووي النهي في ذلك على كارهة التنزيه وهو أولى ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة وقال بن بطال في الحديث انه ينبغي للداعي ان يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الاجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما وقد قال بن عيينة لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فان الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال رب انظرني إلى يوم يبعثون وقال الداودي معنى قوله ليعزم المسألة
[ 119 ]
أن يجتهد ويلح ولا يقل ان شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير قلت وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى انه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد قوله باب يستجاب للعبد أي إذا دعا ما لم يعجل والتعبير بالعبد وقع في رواية أبي إدريس كما سأنيه عليه قوله عن أبي عبيد هو سعد بن عبيد قوله مولى بن ازهر اسمه عبد الرحمن قوله يستجاب لاحدكم ما لم يعجل أي يجاب دعاؤه وقد تقدم بيان ذلك في التفسير في قوله تعالى الذين استجابوا لله قوله يقول دعوت فلم يستجب لي في رواية غير أبي ذر فيقول بزيادة فاء واللام منصوبة قال بن بطال المعنى انه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو انه اتى من الدعاء ما يستحق به الاجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الاجابة ولا ينقصه العطاء وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستعجل قيل وما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم ار يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ومعنى قوله يستحسر وهو بمهملات ينقطع وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء وهو انه يلازم الطلب ولا ييأس من الاجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار حتى قال بعض السلف لانا أشد خشية ان احرم الدعاء من ان احرم الاجابة وكأنه أشار إلى حديث بن عمر رفعه من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة الحديث أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم قال الداودي يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي ان يحرم الاجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الاحاديث الدالة على ان دعوة المؤمن لا ترد وانها اما ان تعجل له الاجابة وإما ان تدفع عنه من السوء مثلها واما ان يدخر له في الآخرة خير مما سأل فأشار الداودي إلى ذلك والى ذلك أشار بن الجوزي بقوله اعلم ان دعاء المؤمن لا يرد غير انه قد يكون الاولى له تأخير الاجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا فينبغي للمؤمن ان لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض ومن جملة اداب الدعاء تحري الاوقات الفاضلة كالسجود وعند الاذان ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والاخلاص وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالاسماء الحسنى وأدلة ذلك ذكرت في هذا الكتاب وقال الكرماني ما ملخصه الذي يتصور في الاجابة وعدمها أربع صور الاولى عدم العجلة وعدم القول المذكور الثانية وجودهما الثالثة والرابعة عدم أحدهما ووجود الآخر فدل الخبر على ان الاجابة تختص بالصورة الاولى دون الثلاث قال ودل الحديث على ان مطلق قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان مقيد بما دل عليه الحديث قلت وقد أول الحديث المشار إليه قبل على ان المراد بالاجابة ما هو أعم من تحصيل المطلوب بعينه أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه والله اعلم قوله باب رفع الايدي في الدعاء أي على صفة خاصة وسقط لفظ باب لابي ذر قوله وقال أبو موسى هو الاشعري دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه هذا طرف من حديثه الطويل في قصة قتل عمه أبي عامر الاشعري وقد تقدم موصولا في المغازي في غزوة حنين وأشرت إليه قبل بثلاثة أبواب في باب قول الله تعالى وصل عليهم قوله وقال بن عمر رفع النبي صلى اله
[ 120 ]
عليه وسلم يديه وقال اللهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد وهذا طرف من قصة غزوة بني جذيمة بجيم ومعجمة وزن عظيمة وقد تقدم موصلا مع شرحه في المغازي بعد غزوة الفتح وخالد المذكور هو بن الوليد قوله وقال الاويسي هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر أي بن كثير ويحيى بن سعيد هو الانصاري وهذا طرف أيضا من حديث أنس في الاستسقاء وقد تقدم هناك بهذا السند معلقا ووصله أبو نعيم من رواية أبي زرعة الرازي قال حدثنا الاويسي به وأورد البخاري قصة الاستسقاء مطولة من رواية شريك بن أبي نمر وحده عن أنس من طرق في بعضها ورفع يديه وليس في شئ منها حتى رأيت بياض إبطيه الا هذا وفي الحديث الاول رد من قال لا يرفع كذا الا في الاستسقاء بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا وتمسك بحديث أنس لم يكن النبي صلى الله يرفع يديه في شئ من دعائه الا في الاستسقاء وهو صحيح لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفى صفة خاصة لا أصل الرفع وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء وحاصله ان الرفع في الاستسقاء يخالف غيره اما بالمبالغة إلى ان تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك انه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء ابلغ منها في غيره واما ان الكفين في الاستسقاء يليان الارض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الاثبات أرجح قلت ولا سيما مع كثرة الاحاديث الواردة في ذلك فان فيه أحاديث كثيرة افردها المنذري في جزء سرد منها النووي في الاذكار وفي شرح المهذب جملة وعقد لها البخاري أيضا في الادب المفرد بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله ورفع يديه وحديث جابر ان للطفيل بن عمرو هاجر فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه وسنده صحيح وأخرجه مسلم وحديث عائشة انها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول اللهم انما انا بشر الحديث وهو صحيح الاسناد ومن الاحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في جزء رفع اليدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا ثم رفع يديه يدعو وفي حديثها عنده في دعائه لاهل البقيع فرفع يديه ثلاث مرات الحديث ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة فرفع يديه وجعل يدعو وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة بن اللتيية ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت ومن حديث عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتي وفي حديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وفي حديث أسامة كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الاخرى أخرجه النسائي بسند جيد وفي
[ 121 ]
حديث قيس بن سعد عند أبي داود ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول اللهم صلواتك ورحمتك علي آل سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والاحاديث في ذلك كثيرة وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر انه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة فقد حكى الطبري عن بعض السلف انه اخذ بظاهره وقال السنة ان الداعي يشير بأصبع واحدة ورده بأنه انما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الاخبار بمشروعيتها وقد اخرج أبو داود والترمذي وحسنة وغيرهما من حديث سلمان رفعه ان ربكم حي كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه ان يردهما صفرا بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد قال الطبري وكره رفع اليدين في الدعاء بن عمر وجبير بن مطعم ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال من تتناول بهما لا أم لك وساق الطبري ذلك بأسانيده عنهم وذكر بن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم انه نقل عن مالك ان رفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء قال وقال في المدونة ويختص الرفع بالاستسقاء ويجعل بطونهما إلى الارض واما ما نقله الطبري عن بن عمر فانما انكر رفعهما إلى حذو المنكبين وقال ليجعلهما حذو صدره كذلك اسنده الطبري عنه أيضا وعن بن عباس ان هذه صفة الدعاء وأخرج أبو داود والحاكم عنه من وجه اخر قال المسألة ان تدفع يديك حذو منكبيك والاستغفار ان تشير بأصبع واحدة والابتهال ان تمد يديك جميعا واخرج الطبري من وجه اخر عنه قال يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه وقد صح عن بن عمر خلاف ما تقدم أخرجه البخاري في الادب المفرد من طريق القاسم بن محمد رأيت بن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه قوله باب الدعاء غير مستقبل القبلة ذكر فيه حديث قتادة عن أنس بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله ادع الله ان يسقينا الحديث وفيه فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله ان يصرف عنا فقد غرقنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء وفي بعض طرقه في الاول فقال اللهم اسقنا ووجه اخذه من الترجمة من جهة ان الخطيب من شأنه ان يستدبر القبلة وأنه لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم لما دعا في المرتين استدار وقد تقدم في الاستسقاء من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة في اخره ولم يذكر انه حول رداءه ولا استقبل القبلة قوله باب الدعاء مستقبل القبلة ذكر فيه حديث عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقى فدعا واستسقى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه قال الاسماعيلي هذا الحديث مطابق للترجمة التي قبل هذا يريد انه قدم الدعاء قبل الاستسقاء ثم قال لكن لعل البخاري أراد انه لما تحول وقلب رداءه دعا حينئذ أيضا قلت وهو كذلك فأشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وقد مضى في الاستسقاء من هذا الوجه بلفظ وانه لما أراد ان يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وترجم له استقبال القبلة في الدعاء والجمع بينه وبين حديث أنس ان القصة التي في حديث أنس كانت في خطبة الجمعة بالمسجد والقصة التي في حديث عبد الله بن زيد كانت بالمصلى وقد سقطت هذه الترجمة من رواية أبي زيد المروزي فصار
[ 122 ]
حديثها من جملة الباب الذي قبله ويسقط بذلك اعتراض الاسماعيلي من أصله وقد ورد في استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها حديث عمر عند الترمذي وقد قدمته في باب رفع اليدين في الدعاء ولمسلم والترمذي من حديث بن عباس عن عمر لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه الحديث وفي حديث بن مسعود استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش الحديث متفق عليه وفي حديث عبد الرحمن بن طارق عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز مكانا من دار يعلى استقبل القبلة فدعا أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وفي حديث بن مسعود رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبر عبد الله ذي النجادين الحديث وفيه فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه أخرجه أبو عوانة في صحيحه قوله باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ذكر فيه حديث أنس قالت أمي يا رسول الله خادمك ادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده الحديث وقد مضى قريبا وذكره في عدة أبواب وليس في شئ منها ذكر العمر فقال بعض الشراح مطابقة الحديث للترجمة ان الدعاء بكثرة الولد يستلزم حصول طول العمر وتعقب بأنه لا ملازمة بينهما الا بنوع من المجاز بأن يراد ان كثرة الولد في العادة تستدعي بقاء ذكر الولد ما بقي أولاده فكأنه حي والاولى في الجواب انه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرقه فاخرج في الادب المفرد من وجه اخر عن أنس قال قالت أم سليم وهي أم أنس خويدمك الا تدعو له فقال اللهم أكثر ماله وولده واطل حياته واغفر له فأما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في اخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال أنس فوالله ان مالي لكثير وان ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم وتقدم في حديث الطاعون شهادة لكل مسلم في كتاب الطب قول أنس أخبرتني ابنتي امينة انه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون وقال النووي في ترجمته كان أكثر الصحابة اولادا وقد قال بن قتيبة في المعارف كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه أبو بكرة وأنس وخليفة بن بدر وزاد غيره رابعا وهو المهلب بن أبي صفرة واخرج الترمذي عن أبي العالية في ذكر أنس وكان له بستان يأتي في كل سنة الفاكهة مرتين وكان فيه ريحان يجئ منه ريح المسك ورجاله ثقات واما طول عمر أنس فقد ثبت في الصحيح انه كان في الهجرة بن تسع سنين وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل وقيل سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين قاله خليفة وهو المعتمد وأكثر ما قيل في سنه انه بلغ مائة وسبع سنين واقل ما قيل فيه تسعا وتسعين سنة قوله باب الدعاء عند الكرب بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه قوله هشام وفي الطريق الثانية هشام بن أبي عبد الله وهو الدستوائي وأبو العالية هو الرياحي بتحتانية ثم مهملة واسمه رفيع وقد رواه قتادة عنه بالعنعنة وهو مدلس وقد ذكر أبو داود في السنن في كتاب الطهارة عقب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة انما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث بن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث بن عباس شهد عندي رجال مرضيون وروى بن أبي حاتم
[ 123 ]
في المراسيل بسنده عن يحيى القطان عن شعبة قال لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة أحاديث فذكرها بنحوه ولم يذكر حديث بن عمر وكأن البخاري لم يعتبر بهذا الحصر لان شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين الا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة وهذا هو السر في إيراده له معلقا في اخر الترجمة من رواية شعبة واخرج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ان أبا العالية حدثه وهذا صريح في سماعه له منه واخرج البخاري أيضا من رواية قتادة عن أبي العالية غير هذا وهو حديث رؤية موسى وغيره ليلة أسرى به واخرج مسلم أيضا وقوله في هذا المعلق وقال وهب كذا للاكثر وللمستملي وحده وهيب بالتصغير وقال أبو ذر الصواب الاول قلت ووقع في رواية أبي زيد المروزي وهب بن جرير أي بن حازم فأزال الاشكال ويؤيده ان البخاري اخرج الحديث المذكور في التوحيد من طريق وهيب بالتصغير وهو بن خالد فقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فظهر انه عند وهيب بالتصغير عن سعيد بالمهملة والدال وعند وهب بسكون الهاء عن شعبة بالمعجمة والموحدة قوله كان يدعو عند الكرب أي عند حلول الكرب وعند مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب وله من رواية يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي الحارث عن أبي العالية كان إذا حزبه أمر وهو بفتح المهملة والزاي وبالموحدة أي هجم عليه أو غلبه وفي حديث على عند النسائي وصححه الحاكم لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني ان نزل بي كرب أو شدة ان اقولها قوله لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السماوات والارض ورب العرش العظيم ووقع في الرواية التي بعدها بلفظ ورب الارض ورب العرش الكريم وقال في أوله رب العرش الكريم بدل العظيم الحليم ووقع جميع ما تضمنته هاتان الروايتان في رواية وهيب بن خالد التي أشرت إليها لكن قال العليم الحليم باللام بدل الظاء المعجمة وكذا هو لمسلم من طريق معاذ بن هشام وقال العظيم بدل العليم قوله رب العرش العظيم نقل بن التين عن الداودي انه رواه برفع العظيم وكذا برفع الكريم في قوله رب العرش الكريم على انهما نعتان للرب والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على انه نعت للعرش وكذا قرأ الجمهور في قوله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم بالرفع وقرأ بن محيصن بالجر فيهما وجاء ذلك أيضا عن بن كثير وعن أبي جعفر المدني واعرب بوجهين أحدهما ما تقدم والثاني ان يكون مع الرفع نعتا للعرش على انه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح ورجح لحصول توافق القراءتين ورجح انو بكر الاصم الاول لان وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش وفيه نظر لان وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم فقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان قال العلماء الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة والعظيم الذي لا شئ يعظم عليه والكريم المعطي فضلا وسيأتي لذلك مزيد في شرح الاسماء الحسنى قريبا وقال الطيبي صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لانه مقتضى التربية وفيه التهليل المشتمل على التوحيد وهو أصل التنزيهات الجلالية والعظمة التي تدل على تمام القدرة والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم وهما أصل الاوصاف الاكرامية ووقع في حديث على الذي أشرت إليه لا إله إلا الله الكريم العظيم سبحان
[ 124 ]
الله تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وفي لفظ الحليم الكريم في الاول وفي لفظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم وفي لفظ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أخرجها كلها النسائي قال الطبري معنى قول بن عباس يدعو وانما هو تهليل وتعظيم يحتمل امرين أحدهما ان المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث المذكورة وفي اخره ثم يدعو قلت وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه وعند عبد بن حميد من هذا الوجه كان إذا حزبه أمر قال فذكر الذكر المأثور وزاد ثم دعا وفي الادب المفرد من طريق عبد الله بن الحارث سمعت بن عباس فذكره وزاد في اخره اللهم اصرف عني شره قال الطبري ويؤيد هذا ما روى الاعمش عن إبراهيم قال كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء ثانيهما ما أجاب به بن عيينة فيما حدثنا حسين بن حسن المروزي قال سألت بن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث فقال سفيان هو ذكر وليس فيه دعاء ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزوجل من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين قال وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان أأذكر حاجتي أم قد كفاني * حياؤك ان شيمتك الحياء إذا اثنى عليكم المرء يوما * كفاه من تعرضك الثناء قال سفيان فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرام اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخلاف قلت ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط الا استجاب الله تعالى له أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وفي لفظ للحاكم فقال رجل أكانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسمع إلى قول الله تعالى وكذلك ننجي المؤمنين وقال بن بطال حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم اكتب الحديث وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم قل لابي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن الا قليلا حتى اخرج انتهى واخرج بن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة له من طريق عبد الملك بن عمير قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلده واوقفه للناس قال فبعث إليه فجئ به فقام إليه على بن الحسين فقال يا بن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك فذكر حديث علي باللفظ الثاني فقالها فرفع إليه عثمان رأسه فقال أرى وجه رجل كذب عليه خلوا سبيله فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق واخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها ان نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين قال الحسن فأرسل إلى الحجاج فقلتهن
[ 125 ]
فقال والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد ان اقتلك فلانت اليوم احب الي من كذا وكذا وزاد في لفظ فسل حاجتك ومما ورد من دعوات الكرب ما أخرجه أصحاب السنن الا الترمذي عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب الله الله ربي لا اشرك به شيئا وأخرجه الطبري من طريق أبي الجوزاء عن بن عباس مثله ولابي داود وصححه بن حبان عن أبي بكرة رفعه دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا أنت قوله باب التعوذ من جهد البلاء الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة وتقدم ما فيه في حديث بدء الوحي أول الكتاب والبلاء بالفتح مع المد ويجوز الكسر مع القصر قوله سمى بالمهملة مصغر هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي قوله كان يتعوذ كذا للاكثر ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الامر تعوذوا وسيأتي في كتاب القدر وكذا وقع في رواية الحسن بن علي الواسطي عن سفيان عند الاسماعيلي وأبي نعيم قوله ودرك الشقاء بفتح الدال والراء المهملتين ويجوز سكون الراء وهو الادراك واللحاق والشقاء بمعجمة ثم قاف هو الهلاك ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك قوله قال سفيان هو بن عيينة راوي الحديث المذكور وهو موصول بالسند المذكور قوله الحديث ثلاث زدت انا واحدة لا أدري ايتهن أي الحديث المرفوع المروي يشتمل على ثلاث جمل من الجمل الاربع والرابعة زادها سفيان من قبل نفسه ثم خفي عليه تعيينها ووقع عند الحميدي في مسنده عن سفيان الحديث ثلاث من هذه الاربع وأخرجه أبو عوانة والاسماعيلي وأبو نعيم من طريق الحميدي ولم يفصل ذلك بعض الرواة عن سفيان وفي ذلك تعقب على الكرماني حيث اعتذر عن سفيان في جواب من استشكل جواز زيادته الجملة المذكورة في الحديث مع انه لا يجوز الادراج في الحديث فقال يجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث كذا قال وفيه نظر فسيأتي في القدر عن مسدد وأخرجه مسلم عن أبي خيثمة وعمر والناقد والنسائي عن قتيبة الاسماعيلي من رواية العباس بن الوليد وأبو عوانة من رواية عبد الجبار بن العلاء وأبو نعيم من طريق سفيان بن وكيع كلهم عن سفيان بالخصال الاربعة بغير تمييز الا ان مسلما قال عن عمرو الناقد قال سفيان اشك اني زدت واحدة منها وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم عن سفيان فاقتصر على ثلاثة ثم قال قال سفيان وشماتة الاعداء وأخرجه الاسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن سفيان وبين ان الخصلة المزيدة هي شماتة الاعداء وكذا أخرجه الاسماعيل من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان مقتصرا على الثلاثة دونها وعرف من ذلك تعيين الخصلة المزيدة ويجاب عن النظر بان سفيان كان إذا حدث ميزها ثم طال الامر فطرقه السهو عن تعيينها فحفظ بعض من سمع تعيينها منه قبل ان يطرقه السهو ثم كان بعد ان خفي عليه تعيينها يذكر كونها مزيدة مع ابهامها ثم بعد ذلك اما ان يحمل الحال حيث لم يقع تمييزها لا تعيينا ولا ابهاما ان يكون ذهل عن ذلك أو عين أو ميز فذهل عنه بعض من سمع ويترجح كون الخصلة المذكور هي المزيدة بأنها تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة ثم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فان كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لان شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء واما شماتة الاعداء
[ 126 ]
فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة وقال بن بطال وغيره جهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة مشقة ومالا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه وقيل المراد بجهد البلاء قلة المال وكثرة العيال كذا جاء عن بن عمر والحق ان ذلك فرد من افراد جهد البلاء وقيل هو ما يختار الموت عليه قال ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة وكذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والاهل والولد والخاتمة والمعاد قال والمراد بالقضاء هنا المقضى لان حكم الله كله حسن لا سوء فيه وقال غيره القضاء الحكم بالكليات على سبيل الاجمال في الازل والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل قال بن بطال وشماته الاعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ وانما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تعليما لامته فان الله تعالى كان امنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض قلت ولا يتعين ذلك بل يحتمل ان يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الامر كما قدمته وقال النووي شماتة الاعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي قال وفي الحديث دلالة لاستحباب الاستعاذة من الاشياء المذكورة واجمع على ذلك العلماء في جميع الاعصار والامصار وشذت طائفة من الزهاد قلت وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في أوائل كتاب الدعوات وفي الحديث ان الكلام المسجوع لا يكره إذا صدر عن غير قصد إليه ولا تكلف قاله بن الجوزي قال وفيه مشروعية الاستعاذة ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر لا يرد لاحتمال ان يكون مما قضى فقد يقضى على المرء مثلا بالبلاء ويقضي انه ان دعا كشف فالقضاء محتمل الدافع والمدفوع وفائدة الاستعاذة والدعاء إظهار العبد فاقته لربه وتضرعه إليه وقد تقدم ذلك مبسوطا في أوائل كتاب الدعوات قوله باب كذا للاكثر بغير ترجمة ذكر فيه حديث عائشة في الوفاة النبوية وفيه قوله عليه الصلاة والسلام الرفيق الاعلى وقد تقدم شرحه في اواخر المغازي وتعلقه بما قبله من جهة ان فيه إشارة إلى حديث عائشة انه كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات وقضية سياقها هنا انه لم يتعوذ في مرض موته بذلك بل تقدم في الوفاة النبوية من طريق بن أبي مليكة عن عائشة فذهبت اعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الاعلى قوله أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم ان عائشة رضي الله عنها قالت لم اقف على تعيين أحد منهم صريحا وقد روى أصل الحديث المذكور عن عائشة بن أبي مليكة وذكوان مولى عائشة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد فيمكن ان يكون الزهري عناهم أو بعضهم قوله باب الدعاء بالموت والحياة في رواية أبي زيد المروزي وبالحياة وهو أوضح وفيه حديثان الاول حديث خباب ويحيى في سنده هو بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وانما اعاده عن محمد بن المثنى بعد ان أورده عن مسدد وكلاهما يرويه عن يحيى القطان لما في رواية محمد بن المثنى من الزيادة وهي قوله في بطنه فسمعته يقول وباقي سياقهما سواء ووقعت الزيادة المذكورة عند الكشميهني وحده في رواية مسدد وهي غلط وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب عيادة المرضى الثاني حديث أنس لا يتمنين أحدكم الموت في رواية الكشميهني أحد منكم وقد تقدم شرحه أيضا هناك قوله باب
[ 127 ]
الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم في رواية أبي زيد المروزي ومسح رأسه بالافراد وورد في فضل مسح رأس اليتيم حديث أخرجه أحمد والطبراني عن أبي امامة بلفظ من مسح رأس يتيم لا يمسحه الا لله كان له بكل شعرة تمر يده عليها حسنة وسنده ضعيف ولاحمد من حديث أبي هريرة ان رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال اطعم المسكين وامسح رأس اليتيم وسنده حسن وذكر في الباب أحاديث الحديث الاول قوله وقال أبو موسى ولد لي مولود هذا طرف من حديث تقدم موصلا في كتاب العقيقة واسم الولد المذكور إبراهيم الثاني قوله حاتم هو بن إسماعيل والجعد يقال فيه الجعيد بالتصغير والسائب بن يزيد يعرف بابن أخت النمر وقد تقدم في باب خاتم النبوة في أوائل الترجمة النبوية قبل المبعث وتقدم شرح الحديث هناك وفي باب استعمال فضل وضوء الناس من كتاب الطهارة الثالث قوله عن أبي عقيل بفتح أوله واسمه زهرة بن سعيد وعبد الله بن هشام هو التيمي من بني تيم بن مرة تقدم شرح حديثه في الشركة الرابع قوله محمود بن ربيع وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو غلام من بئرهم كذا أورده مختصرا وأورده من هذا الوجه في الطهارة كذلك ولم يذكر الخبر الذي أخبر به محمود وهو حديثه عن عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقد أورده في باب إذا دخل بيتا صلى حيث شاء من كتاب الصلاة من هذا الوجه مختصرا فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة أنبأنا إبراهيم بن سعد فذكر بإسناده الذي أورده هنا إلى محمود بن الربيع فزاد عن عتبان بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه إلى منزله فقال أين تحب ان أصلي في بيتك الحديث وأورده عنه من طريق عقيل عن بن شهاب أخبرني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فذكره مطولا ولم يذكر قول محمود في المجة وذكر في العلم من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمود مختصرا على قصة المجة أتم مما هنا قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة وقد شرحته هناك وأورده قبل باب الذكر في الصلاة من طريق معمر عن الزهري مطولا بقصة المجة وبحديث عتبان وأورده في الرقاق من هذا الوجه كذلك لكن باختصار وقد اورد مسلم حديث عتبان من طرق عن الزهري منها للاوزاعي عنه قصة محمود في المجة ولم يتنبه لذلك الحميدي في جمعه فترجم لمحمود بن الربيع في الصحابة الذين انفرد البخاري بتخريج حديثهم وساق له حديث المجة المذكورة وكأنه لما رأى البخاري أفرده ولم يفرده مسلم ظن انه حديث مستقل الخامس حديث عائشة في قصة الغلام الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الصلاة السادس حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير بمهملتين مصغر وهو صحابي صغير وأبوه ثعلبة صحابي أيضا ويقال فيه بن أبي صغير أيضا قوله وكان رسول الله صلى الله عليه سلم مسح عينه كذا هنا باختصار وتقدم معلقا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري بلفظ مسح وجهه عام الفتح وتقدم شرحه هناك ووقع في الزهريات للذهلي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ مسح وجهه زمن الفتح كذا أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان قوله انه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة سبقت الاشارة إلى
[ 128 ]
هذا في كتاب الوتر ووقع في رواية الطبراني بعد قوله ركعة واحدة بعد صلاة العشاء لا يزيد عليها حتى يقوم من جوف الليل وسبق بيان الاختلاف في الوتر بركعة فردة مستوفى قوله باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلها والاقتصار على ما أورده في الباب يدل على إرادة الثالث وقد يؤخذ منه الثاني اما حكمها فحاصل ما وقفت عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أولها قول بن جرير الطبري انها من المستحبات وادعى الاجماع على ذلك ثانيها مقابلة وهو نقل بن القصار وغيره الاجماع على انها تجب في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الاجزاء مرة ثالثها تجب في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم وغيرهما وقال القرطبي المفسر لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وانها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة وسبقه بن عطية رابعها تجب في القعود اخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلل قاله الشافعي ومن تبعه خامسها تجب في التشهد وهو قول الشعبي وإسحاق بن راهويه سادسها تجب في الصلاة من غير تعيين المحل نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر سابعها يجب الاكثار منها من غير تقييد بعدد قاله أبو بكر بن بكير من المالكية ثامنها كلما ذكر قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية وقال بن العربي من الماليكة انه الاحوط وكذا قال الزمخشري تاسعها في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا حكاه الزمخشري عاشرها في كل دعاء حكاه أيضا واما محلها فيؤخذ مما أوردته من بيان الاراء في حكمها وسأذكر ما ورد فيه عند الكلام على فضلها واما صفتها فهي أصل ما يعول عليه في حديثي الباب قوله حدثنا الحكم لم اقف عليه في جميع الطرق عن شعبة الا هكذا غير منسوب وهو فقيه الكوفة في عصره وهو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر ووقع عند الترمذي والطبراني وغيرهما من رواية مالك بن مغول وغيره منسوبا قالوا عن الحكم بن عتيبة وعبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي كبير وهو والد بن أبي ليلى فقيه الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ينسب إلى جده قوله لقيني كعب بن عجرة في رواية فطر بن خليفة عن بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة الانصاري أخرجه الطبراني ونقل بن سعد عن الواقدي انه أنصاري من أنفسهم وتعقبه فقال لم أجده في نسب الانصار والمشهور انه بلوى والجمع بين القولين انه بلوى حالف الانصار وعين المحاربي عن مالك بن مغول عن الحكم المكان الذي التقيا به فأخرجه الطبري من طريقه بلفظ ان كعبا قال له وهو يطوف بالبيت قوله الا أهدى لك هدية زاد عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده كما تقدم في أحاديث الانبياء سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا يجوز في ان الفتح والكسر وقال الفاكهاني في شرح العمدة في هذا السياق إضمار تقديره فقال عبد الرحمن نعم فقال كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقع ذلك صريحا في رواية شبابة وعفان عن شعبة بلفظ قلت بلى قال أخرجه الخلعي في فوائده وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة ولفظه فقلت بلى فاهدها لي فقال قوله فقلنا يا رسول الله كذا في معظم الروايات عن كعب بن عجرة قلنا بصيغة الجمع وكذا وقع في حديث أبي سعيد في الباب ومثله في حديث أبي بريدة عند أحمد وفي حديث طلحة عند النسائي
[ 129 ]
وفي حديث أبي هريرة عند الطبري ووقع عند أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة بسند حديث الباب قلنا أو قالوا يا رسول الله بالشك والمراد الصحابة أو من حضر منهم ووقع عند السراج والطبراني من رواية قيس بن سعد عن الحكم به ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وقال الفاكهاني الظاهر ان السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير عن البعض بالكل ثم قال ويبعد جدا ان يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردا فاتى بالنون التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدا لقال له قل ولم يقل قولوا انتهى ولم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع ان يسأل الصحابي الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع إشارة إلى اشتراك الكل في الحكم ويؤكده ان في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي كلها بصيغة الجمع فدل على انه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع لكن الاتيان بنون العظمة في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يظن بالصحابي فان ثبت ان السائل كان متعددا فواضح وان ثبت انه كان واحدا فالحكمة في الاتيان بصيغة الجمع الاشارة إلى ان السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد على ان الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في بعض الطرق فعند الطبري من طريق الاجلح عن الحكم بلفظ قمت إليه فقلت السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمد الحديث وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن خارجة الانصاري وطلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وعبد الرحمن بن بشير اما كعب فوقع عند الطبراني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بهذا السند بلفظ قلت يا رسول الله قد علمنا واما بشير ففي حديث أبي مسعود عند مالك ومسلم وغيرهما انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله ان نصلي عليك الحديث وأما زيد بن خارجة فأخرج النسائي من حديثه قال انا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد الحديث واخرج الطبري من حديث طلحة قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك ومخرج حديثهما واحد واما حديث أبي هريرة فاخرج الشافعي من حديثه انه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك واما حديث عبد الرحمن بن بشير فأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت أو قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا عنده على الشك وأبهم أبو عوانة في صحيحه من رواية الاجلح وحمزة الزيات عن الحكم السائل ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله قد علمنا ووقع لهذا السؤال سبب أخرجه البيهقي والخلعي من طريق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الاعمش ومسعر ومالك بن مغول عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت ان الله وملائكته يصلون على النبي الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا الحديث وقد اخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا ولم يسق لفظه بل أحال به على ما قبله فهو على شرطه وأخرجه السراج من طريق مالك بن مغول وحده كذلك واخرج أحمد والبيهقي وإسماعيل القاضي من طريق يزيد بن أبي زياد والطبراني من طريق محمد
[ 130 ]
بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والطبري من طريق الاجلح والسراج من طريق سفيان وزائدة فرقهما وأبو عوانة في صحيحه من طريق الاجلح وحمزة الزيات كلهم عن الحكم مثله واخرج أبو عوانة أيضا من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله وفي حديث طلحة عند الطبري اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمعت الله يقول ان الله وملائكته الآية فكيف الصلاة عليك قوله قد علمنا المشهور في الرواية بفتح أوله وكسر اللام مخففا وجوز بعضهم ضم أوله والتشديد على البناء للمجهول ووقع في رواية بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد وبالشك ولفظه قلنا قد علمنا أو علمنا رويناه في الخلعيات وكذا اخرج السراج من طريق مالك بن مغول عن الحكم بلفظ علمناه أو علمناه ووقع في رواية حفص بن عمر المذكورة امرتنا ان نصلي عليك وان نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه وفي ضبط عرفناه ما تقدم في علمناه وأراد بقوله امرتنا أي بلغتنا عن الله تعالى انه أمر بذلك ووقع في حديث أبي مسعود أمرنا الله وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة كيف الصلاة عليكم أهل البيت فان الله قد علمنا كيف نسلم أي علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك واما اتيانه بصيغة الجمع في قوله عليكم فقد بين مراده بقوله أهل البيت لانه لو اقتصر عليها لاحتمل ان يريد بها التعظيم وبها تحصل مطابقة الجواب للسؤال حيث قال على محمد وعلى آل محمد وبهذا يستغنى عن قول من قال في الجواب زيادة على السؤال لان السؤال وقع عن كيفية الصلاة عليه فوقع الجواب عن ذلك بزيادة كيفية الصلاة على آله قوله كيف نسلم عليك قال البيهقي فيه إشارة إلى السلام الذي في التشهد وهو قول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فيكون المراد بقولهم فكيف نصلي عليك أي بعد التشهد انتهى وتفسير السلام بذلك هو الظاهر وحكى بن عبد البر فيه احتمالا وهو ان المراد به السلام الذي يتحلل به من الصلاة وقال ان الاول أظهر وكذا ذكر عياض وغيره ورد بعضهم الاحتمال المذكور بأن سلام التحلل لا يتقيد به اتفاقا كذا قيل وفي نقل الاتفاق نظر فقد جزم جماعة من المالكية بأنه يستحب للمصلي ان يقول عند سلام التحلل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ذكره عياض وقبله بن أبي زيد وغيره قوله فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في حديثه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله وانما تمنوا ذلك خشية ان يكون لم يعجبه السؤال المذكور لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك فقد تقدم في تفسير قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء من سورة المائدة بيان ذلك ووقع عند الطبري من وجه اخر في هذا الحديث فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون واختلف في المراد بقولهم كيف فقيل المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأي لفظ يؤدى وقيل عن صفتها قال عياض لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله تعالى صلوا عليه يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم سألوا بأي لفظ تؤدى هكذا قال بعض المشايخ ورجح الباجي ان السؤال انما وقع عن صفتها لا عن جنسها وهو أظهر لان لفظ كيف ظاهر في الصفة واما الجنس فيسئل عنه بلفظ ما وبه جزم القرطبي فقال هذا سؤال من اشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك انهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها انتهى والحامل لهم على ذلك ان السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه ان الصلاة أيضا تقع بلفظ
[ 131 ]
مخصوص وعدلوا عن القياس لا مكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الاذكار فانها تجئ خارجة عن القياس غالبا فوقع الامر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صيغة أخرى قوله قال قولوا اللهم هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء وهو بمعنى يا الله والميم عوض عن حرف النداء فلا يقال اللهم غفور رحيم مثلا وانما قال اللهم اغفر لي وارحمني ولا يدخلها حرف النداء الا في نادر كقول الراجز اني إذا ما حادث الما أقول يا اللهم يا اللهما واختص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء ووجوب تفخيم لامه وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف وذهب الفراء ومن تبعه من الكوفيين إلى ان أصله يا الله وحذف حرف النداء تخفيفا والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل امنا بخير وقيل بل زائدة كما في زرقم للشديد الزرقة وزيدت في الاسم العظيم تفخيما وقيل بل هو كالواو الدالة على الجمع كأن الداعي قال يا من اجتمعت له الاسماء الحسنى ولذلك شددت الميم لتكون عوضا عن علامة الجمع وقد جاء عن الحسن البصري اللهم مجتمع الدعاء وعن النضر بن شميل من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه قوله صل تقدم في اواخر تفسير الاحزاب عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له وعند بن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار وعن بن عباس ان معنى صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وقال الضحاك بن مزاحم صلاة الله رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء اخرجهما إسماعيل القاضي عنه وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة من الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله تعالى صلوا عليه وسلموا حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام وجوز الحليمي ان تكون الصلاة بمعنى السلام عليه وفيه نظر وحديث الباب يرد على ذلك واولى الاقوال ما تقدم عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقيل صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة فصلاته على انبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شئ ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى ان الله وملائتكه يصلون على النبي وقال قبل ذلك في السورة المذكورة هو الذي يصلي عليكم وملائكته ومن المعلوم ان القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ارفع مما يليق بغيره والاجماع منعقد على ان في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها وقال الحليمي في الشعب معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وابقاء شريعته
[ 132 ]
وفي الآخرة باجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وابداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى صلوا عليه ادعوا ربكم بالصلاة عليه انتهى ولا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه فإنه لا يمتنع ان يدعى لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ الصلاة بالنسبة إلى الله والى ملائكته والى المؤمنين المأمورين بذلك بمعنى واحد ويؤيده انه لا خلاف في جواز الترحم على غير الانبياء واختلف في جواز الصلاة على غير الانبياء ولو كان معنى قولنا اللهم صل على محمد اللهم ارحم محمدا أو ترحم على محمد لجاز لغير أنبياء وكذا لو كانت بمعنى البركة وكذا الرحمة اسقط الوجوب في التشهد عند من يوجبه بقول المصلى في الشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويمكن الانفصال بان ذلك وقع بطريق التعبد فلا بد من الاتيان به ولو سبق الاتيان بما يدل عليه وقوله على محمد وعلى ال محمد كذا وقع في الموضعين في قوله صل وفي قوله وبارك ولكن وقع في الثاني وبارك على آل إبراهيم ووقع عند البيهقي من وجه اخر عن ادم شيخ البخاري فيه على إبراهيم ولم يقل على ال إبراهيم وأخذ البيضاوي من هذا ان ذكر الآل في رواية الاصل مقحم كقوله على آل أبي أوفى قلت والحق ان ذكر محمد وإبراهيم وذكر ال إبراهيم ثابت في أصل الحيز وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الاخر وسأبين من ساقه تاما بعد قليل وشرح الطيبي على ما وقع في رواية البخاري هنا فقال هذا اللفظ يساعد قول من قال ان معنى قول الصحابي علمنا كيف السلام عليك أي في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فكيف نصلي عليك أي على أهل بيتك لان الصلاة عليه قد عرفت مع السلام من الآية قال فكان السؤال عن الصلاة على الآل تشريفا لهم وقد ذكر محمد في الجواب لقوله تعالى لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وفائدته الدلالة على الاختصاص قال وانما ترك ذكر إبراهيم لينبه على هذه النكتة ولو ذكر لم يفهم ان ذكر محمد على سبيل التمهيد انتهى ولا يخفى ضعف ما قال ووقع في حديث أبي مسعود عند أبي داود والنسائي على محمد النبي الامي وفي حديث أبي سعيد في الباب على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ولم يذكر آل محمد ولا آل إبراهيم وهذا ان لم يحمل على ما قلته ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر والاظهر فساد ما بحثه الطيبي وفي حديث أبي حميد في الباب بعده على محمد وأزواجه وذريته ولم يذكر الآل في الصحيح ووقعت في رواية بن ماجة وعند أبي داود من حديث أبي هريرة اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته وأخرجه النسائي من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود ولكن وقع في السند اختلاف بين موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود فيه وبين عمرو بن عاصم شيخ شيخ النسائي فيه فروياه معا عن حبان بن يسار وهو بكسر المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بمثناة ومهملة خفيفة فوقع في رواية موسى عنه عن عبيد الله بن طلحة عن محمد بن علي عن نعيم المجمر عن أبي هريرة وفي رواية عمرو بن عاصم عنه عن عبد الرحمن بن طلحة عن محمد بن علي عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب ورواية موسى أرجح ويحتمل ان يكون لحبان فيه سندان ووقع في حديث أبي مسعود وحده في اخره في العالمين انك حميد مجيد ومثله في رواية داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة عند السراج قال النووي في شرح المهذب ينبغي ان يجمع ما في الاحاديث الصحيحة فيقول اللهم
[ 133 ]
صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم وبارك مثله وزاد في آخره في العالمين وقال في الاذكار مثله وزاد عبدك ورسولك بعد قوله محمد في صل ولم يزدها في بارك وقال في التحقيق والفتاوى مثله الا انه اسقط النبي الامي في وبارك وفاته أشياء لعلها توازي قدر ما زاده أو تزيد عليه منها قوله أمهات المؤمنين بعد قوله أزواجه ومنها وأهل بيته بعد قوله وذريته وقد وردت في حديث بن مسعود عند الدارقطني ومنها ورسولك في وبارك ومنها في العالمين في الاولى ومنها انك حميد مجيد قبل وبارك ومنها اللهم قبل وبارك فإنهما ثبتا معا في رواية للنسائي ومنها وترحم على محمد الخ وسيأتي البحث فيها بعد ومنها في اخر التشهد وعلينا معهم وهي عند الترمذي من طريق أبي أسامة عن زائدة عن الاعمش عن الحكم نحو حديث الباب قال في اخره قال عبد الرحمن ونحن نقول وعلينا معهم وكذا أخرجها السراج من طريق زائدة وتعقب بن العربي هذه الزيادة قال هذا شئ انفرد به زائدة فلا يعول عليه فان الناس اختلفوا في معنى الآل اختلافا كثيرا ومن جملته انهم أمته فلا يبقى للتكرار فائدة واختلفوا أيضا في جواز الصلاة على غير الانبياء فلا نرى ان نشرك في هذه الخصوصية مع محمد وآله أحدا وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بان زائدة من الاثبات فانفراده لو انفرد لا يضر مع كونه لم ينفرد فقد أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة من طريقين عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ويزيد استشهد به مسلم وعند البيهقي في الشعب من حديث جابر نحو حديث الباب وفي اخره وعلينا معهم وأما الايراد الاول فإنه يختص بمن يرى ان معنى الآل كل الامة ومع ذلك فلا يمتنع ان يعطف الخاص على العام ولا سيما في الدعاء واما الايراد الثاني فلا نعلم من منع ذلك تبعا وانما الخلاف في الصلاة على غير الانبياء استقلالا وقد شرع الدعاء للآحاد بما دعاه به النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه في حديث اللهم اني أسألك من خير ما سألك منه محمد وهو حديث صحيح أخرجه مسلم انتهى ملخصا وحديث جابر ضعيف ورواية يزيد أخرجها أحمد أيضا عن محمد بن فضيل عنه وزاد في اخره قال يزيد فلا ادرى اشئ زاده عبد الرحمن من قبل نفسه أو رواه عن كعب وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن فضيل ووردت هذه الزيادة من وجهين اخرين مرفوعين أحدهما عند الطبراني من طريق فطر بن خليفة عن الحكم بلفظ يقولون اللهم صل على محمد إلى قوله وآل إبراهيم وصل علينا معهم وبارك على محمد مثله وفي آخره وبارك علينا معهم ورواته موثقون لكنه فيما احسب مدرج لما بينه زائدة عن الاعمش ثانيهما عند الدارقطني من وجه اخر عن بن مسعود مثله لكن قال اللهم بدل الواو في وصل وفي وبارك وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف وقد تعقب الاسنوي ما قال النووي فقال لم يستوعب ما ثبت في الاحاديث مع اختلاف كلامه وقال الاذرعي لم يسبق إلى ما قال والذي يظهر ان الافضل لمن تشهد ان يأتي بأكمل الروايات ويقول كل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة واما التلفيق فإنه يستلزم احداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد انتهى وكأنه اخذه من كلام بن القيم فإنه قال ان هذه الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق والاولى ان يستعمل كل لفظ ثبت على حدة فبذلك يحصل الاتيان بجميع ما ورد بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة فان الغالب على الظن انه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك وقال الاسنوي
[ 134 ]
أيضا كان يلزم الشيخ ان يجمع الالفاظ الواردة في التشهد وأجيب بأنه لا يلزم من كونه لم يصرح بذلك ان لا يلتزمه وقال بن القيم أيضا قد نص الشافعي على ان الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات ولم يقل أحد من الائمة باستحباب التلاوة بجميع الالفاظ المختلفه في الحرف الواحد من القرآن وان كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم النمرين انتهى والذي يظهر ان اللفظ ان كان بمعنى اللفظ الاخر سواء كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالاولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما وان كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الاخر البتة فالاولى الاتيان به ويحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم بحفظ الاخر كما تقدم وان كان يزيد على الاخر في المعنى شيئا ما فلا بأس بالاتيان به احتياطا وقالت طائفة منهم الطبري ان ذلك الاختلاف المباح فأي لفظ ذكره المرء اجزأ والافضل ان يستعمل اكمله وأبلغه واستدل على ذلك باختلاف النقل عن الصحابة فذكر ما نقل عن علي وهو حديث موقوف طويل أخرجه سعيد بن منصور والطبري والطبراني وابن فارس وأوله اللهم داحي المدحوات إلى ان قال اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحيتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وعن بن مسعود بلفظ اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين امام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك الحديث أخرجه بن ماجة والطبري وادعى بن القيم ان أكثر الاحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد وبذكر آل إبراهيم فقط أو بذكر إبراهيم فقط قال ولم يجئ في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معا وانما أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن بن مسعود ويحيى مجهول وشيخه مبهم فهو سند ضعيف وأخرجه بن ماجة من وجه اخر قوى لكنه موقوف على بن مسعود وأخرجه النسائي والدارقطني من حديث طلحة قلت وغفل عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم في أحاديث الانبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وكذا في قوله كما باركت وكذا وقع في حديث أبي مسعود البدري من رواية محمد عن بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه أخرجه الطبري بل أخرجه الطبري أيضا في رواية الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه من طريق عمرو بن قيس عن الحكم بن عتيبة فذكره بلفظ على محمد وآل محمد انك حميد مجيد وبلفظ على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وأخرجه أيضا من طريق الاجلح عن الحكم مثله سواء واخرج أيضا من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة ما سأذكره وأخرجه أبو العباس السراج من طريق داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة انهم قالوا يارسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك عل محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ومن حديث بريدة رفعه اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأصله عند أحمد ووقع في حديث بن مسعود المشار إليه زيادة أخرى وهي وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم الحديث وأخرجه الحاكم في صحيحه من حديث بن مسعود فاغتر بتصحيحه قوم فوهموا فإنه من رواية يحيى بن السباق
[ 135 ]
وهو مجهول عن رجل مبهم نعم اخرج بن ماجة ذلك عن بن مسعود من قوله قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وبالغ بن العربي في إنكار ذلك فقال حذار مما ذكره بن أبي زيد من زيادة وترحم فإنه قريب من البدعة لانه صلى الله عليه وسلم علمهم كيفية الصلاة عليه بالوحي ففي الزيادة على ذلك استدراك عليه انتهى وابن أبي زيد ذكر ذلك في صفة التشهد في الرسالة لما ذكر ما يستحب في التشهد ومنه اللهم صل على محمد وآل محمد فزاد وترحم على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد الخ فان كان إنكاره لكونه لم يصح فمسلم والا فدعوى من ادعى انه لا يقال ارحم محمدا مردودة لثبوت ذلك في عدة أحاديث اصحها في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم وجدت لابن أبي زيد مستندا فأخرج الطبري في تهذيبه من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه من قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة وشفعت له ورجال سنده رجال الصحيح الا سعيد بن سليمان مولى سعيد بن العاص الراوي له عن حنظلة بن علي فإنه مجهول تنبيه هذا كله فيما يقال مضموما إلى السلام أو الصلاة وقد وافق بن العربي الصيدلاني من الشافعية على المنع وقال أبو القاسم الانصاري شارحا الارشاد يجوز ذلك مضافا إلى الصلاة ولا يجوز مفردا ونقل عياض عن الجمهور الجواز مطلقا وقال القرطبي في المفهم انه الصحيح لورود الاحاديث به وخالفه غيره ففي الذخيرة من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لايهامه النقص لان الرحمة غالبا انما تكون عن فعل ما يلام عليه وجزم بن عبد البر بمنعه فقال لا يجوز لاحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول رحمه الله لانه قال من صلى على ولم يقل من ترحم على ولا من دعا لي وان كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص هذا اللفظ تعظيما له فلا يعدل عنه إلى غيره ويؤيده قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا انتهى وهو بحث حسن لكن في التعليل الاول نظر والمعتمد الثاني والله اعلم قوله وعلى آل محمد قيل أصل آل أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولهذا إذا صغر رد إلى الاصل فقالوا اهيل وقيل بل أصله أول من آل إذا رجع سمى بذلك من يئول إلى الشخص ويضاف إليه ويقويه انه لا يضاف الا إلى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام بخلاف أهل ولا يضاف آل أيضا غالبا إلى غير العاقل ولا إلى المضمر عند الاكثر وجوزه بعضهم بقلة وقد ثبت في شعر عبد المطلب في قوله في قصة أصحاب الفيل من أبيات وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف إليه جميعا وضابطه انه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم الا بقرينه ومن شواهده قوله صلى الله عليه وسم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وان ذكرا معا فلا وهو كالفقير والمسكين وكذا الايمان والاسلام والفسوق والعصيان ولما اختلفت ألفاظ الحديث في الاتيان بهما معا وفي افراد أحدهما كان أولى المحامل ان يحمل على انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك كله ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر واما التعدد فبعيد لان غالب الطرق تصرح بأنه وقع جوابا عن قولهم كيف نصلي عليك ويحتمل ان يكون بعض من اقتصر على آل
[ 136 ]
إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله آل إبراهيم كما تقدم واختلف في المراد بآل محمد في هذا الحديث فالراجح انهم من حرمت عليهم الصدقة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك واضحا في كتاب الزكاة وهذا نص عليه الشافعي واختاره الجمهور ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وقد تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة ولمسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة في اثناء حديث مرفوع ان هذه الصدقة انما هي اوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال أحمد المراد بآل محمد في حديث التشهد أهل بيته وعلى هذا فهل يجوز أن قال أهل عوض آل روايتان عندهم وقيل المراد بآل محمد أزواجه وذريته لان أكثر طرق هذا الحديث جاء بلفظ وآل محمد وجاء في حديث أبي حميد موضعه وأزواجه وذريته فدل على ان المراد بالآل الازواج والذرية وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة فيحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره فالمراد بالآل في التشهد الازواج ومن حرمت عليهم الصدقة ويدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين الاحاديث وقد اطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم آل محمد في حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثا وقد تقدم ويأتي في الرقاق وفيه أيضا من حديث أبي هريرة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وكأن الازواج افردوا بالذكر تنويها بهم وكذا الذرية وقيل المراد بالآل ذرية فاطمة خاصة حكاه النووي في شرح المهذب وقيل هم جميع قريش حكاه بن الرفعة في الكفاية وقيل المراد بالآل جميع الامة امة الاجابة وقال بن العربي مال إلى ذلك مالك واختاره الازهري وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية ورجحه النووي في شرح مسلم وقيده القاضي حسين والراغب بالاتقياء منهم وعليه يحمل كلام من اطلق ويؤيده قوله تعالى ان اولياؤه الا المتقون وقوله صلى الله عليه وسلم ان اوليائي منكم المتقون وفي نوادر أبي العيناء انه غض من بعض الهاشميين فقال له اتغض مني وأنت تصلي على في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقال اني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم ويمكن ان يحمل كلام من اطلق على ان المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا تحتاج إلى تقييد وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه آل محمد كل تقي أخرجه الطبراني ولكن سنده واه جدا واخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف قوله كما صليت على آل إبراهيم اشتهر السؤال عن موقع التشبيه مع ان المقرر ان المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لان محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل إبراهيم ومن إبراهيم ولا سيما قد اضيف إليه آل محمد وقضية كونه أفضل ان تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره وأجيب عن ذلك بأجوبة الاول انه قال ذلك قبل ان يعلم انه أفضل من إبراهيم وقد اخرج مسلم من حديث أنس ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم أشار إليه بن العربي وايده بأنه سأل لنفسه التسوية مع إبراهيم وأمر أمته ان يسألوا له ذلك فزاده الله تعالى بغير سؤال ان فضله على إبراهيم وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد ان علم انه أفضل الثاني انه قال ذلك تواضعا وشرع ذلك لامته ليكتسبوا بذلك الفضيلة الثالث ان التشبيه انما هو لاصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى انا اوحينا إليك كما أو حينا إلى نوح وقوله كتب عليكم الصيام
[ 137 ]
كما كتب على الذين من قبلكم وهو كقول القائل أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان ويريد بذلك أصل الاحسان لا قدره ومنه قوله تعالى واحسن كما أحسن الله إليك ورجح هذا الجواب القرطبي في المفهم الرابع ان الكاف للتعليل كما في قوله كما ارسلنا فيكم رسولا منكم وفي قوله تعالى فاذكروه كما هداكم وقال بعضهم الكاف على بابها من التشبيه ثم عدل عنه للاعلام بخصوصية المطلوب الخامس ان المراد ان يجعله خليلا كما جعل إبراهيم وان يجعل له لسان صدق كما جعل لابراهيم مضافا إلى ما حصل له من المحبة ويرد عليه ما ورد على الاول وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما الفا ويملك الاخر الفين فسأل صاحب الالفين ان يعطى الفا أخرى نظير الذي اعطيها الاول فيصير المجموع للثاني اضعاف ما للاول السادس ان قوله اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقا بقوله وعلى آل محمد وتعقب بأن غير الانبياء لا يمكن ان يساووا الانبياء فكيف تطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لابراهيم والانبياء من آله ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببا للثواب وقد نقل العمراني في البيان عن الشيخ أبي حامد انه نقل هذا الجواب عن نص الشافعي واستبعد بن القيم صحة ذلك عن الشافعي لانه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا الكلام الذي يستلزم هذا التركيب الركيك المعيب من كلام العرب كذا قال وليس التركيب المذكور بركيك بل التقدير اللهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت إلى آخره فلا يمتنع تعلق التشبيه بالجملة الثانية السابع ان التشبيه انما هو للمجموع بالمجموع فإن في الانبياء من آل إبراهيم كثرة فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي لمحمد أمكن انتفاء التفاضل قلت ويعكر على هذا الجواب انه وقع في حديث أبي سعيد ثاني حديثي الباب مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط ولفظه اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم الثامن ان التشبيه بالنظر إلى ما يحصل لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد فيحصل من مجموع صلاة المصلين من أول التعليم إلى اخر الزمان اضعاف ما كان لآل إبراهيم وعبر بن العربي عن هذا بقوله المراد دوام ذلك واستمراره التاسع ان التشبيه راجع إلى المصلي فيما يحصل له من الثواب لا بالنسبة إلى ما يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف لانه يصير كأنه قال اللهم اعطني ثوابا على صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم كما صليت على آل إبراهيم ويمكن ان يجاب بأن المراد مثل ثواب المصلى على آل إبراهيم العاشر دفع المقدمة المذكورة اولا وهي ان المشبه به يكون ارفع من المشبه وان ذلك ليس مطردا بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كا في قوله تعالى مثل نوره كمشكاة وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى ولكن لما كان المراد من المشبه به ان يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن ان يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لابراهيم وآل إبراهيم ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين أي كما اظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ولهذا لم يقع قوله في العالمين الا في ذكر آل إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث الذي ورد فيه وهو حديث أبي مسعود فيما أخرجه مالك ومسلم وغيرهما وعبر الطيبي عن ذلك بقوله ليس التشبيه المذكور من
[ 138 ]
باب الحاق الناقص بالكامل بل من باب الحاق ما لم يشتهر بما اشتهر وقال الحليمي سبب هذا التشبيه ان الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد وقد علم ان محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال اجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما اجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به الآية وهو قوله انك حميد مجيد وقال النووي بعد ان ذكر بعض هذه الاجوبة أحسنها ما نسب إلى الشافعي والتشبيه لاصل الصلاة بأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع وقال بن القيم بعد ان زيف أكثر الاجوبة الا تشبيه المجموع بالمجموع واحسن منه ان يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن بن عباس في تفسير قوله تعالى ان الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا ان نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر ازيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وان المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الالفاظ ووجدت في مصنف لشيخنا محمد الدين الشيرازي اللغوي جوابا اخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله ان التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك ان المراد بقولنا اللهم صل على محمد اجعل من اتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في ابتاعه أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله وعلى آل محمد اجعل من اتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات والمطلوب حصول صفات الانبياء لآل محمد وهم اتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم وهذا محصل ما ذكره وهو جيد ان سلم ان المراد بالصلاة هنا ما ادعاه والله اعلم وفي نحو هذه الدعوى جواب آخر المراد اللهم استجب دعاء محمد في أمته كما استجبت دعاء إبراهيم في بنيه ويعكر على هذا عطف الآل في المضوعين قوله على آل إبراهيم هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة من الشراح وان ثبت ان إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة ثم ان المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم وفيه ما تقدم في آل محمد قوله وبارك المراد بالبركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل المراد التطهير من العيوب والتزكية وقيل المراد اثبات ذلك واستمراره من قولهم بركت الابل أي ثبتت على الارض وبه سميت بركة الماء بكسر أوله وسكون ثانيه لاقامة الماء فيها والحاصل ان المطلوب ان يعطوا من الخير اوفاه وان يثبت ذلك ويستمر دائما والمراد بالعالمين فيما رواه أبو مسعود في حديثه أصناف الخلف وفيه أقوال أخرى قيل ما حواه بطن الفلك وقيل كل محدث وقيل ما فيه روح وقيل بقيد العقلاء وقيل الانس والجن فقط قوله انك حميد مجيد اما الحميد فهو فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها وقيل هو بمعنى الحامد أي يحمد افعال عباده واما المجيد فهو من المجد وهو صفة من كمل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال كما ان الحمد يدل على صفة الاكرام ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين ان المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة
[ 139 ]
تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد ففي ذلك إشارة إلى انهما كالتعليل المطلوب أو هو كالتذييل له والمعنى انك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة كريم بكثرة الاحسان إلى جميع عبادك واستدل بهذا الحديث على إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة لما وقع في هذا الحديث من الزيادة في بعض الطرق عن أبي مسعود وهو ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه بلفظ فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وقد أشرت إلى شئ من ذلك في تفسير سورة الاحزاب وقال الدارقطني إسناده حسن متصل وقال البيهقي إسناده حسن صحيح وتعقبه بن التركماني بأنه قال في باب تحريم قتل ماله روح بعد ذكر حديث فيه بن إسحاق الحفاظ يتوقون ما ينفرد به قلت وهو اعتراض متجه لان هذه الزيادة تفرد بها بن إسحاق لكن ما ينفرد به وان لم يبلغ درجة الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث وهو هنا كذلك وإنما يصحح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحا وهذه طريقة بن حبان ومن ذكر معه وقد احتج بهذه الزيادة جماعة من الشافعية كابن خزيمة والبيهقي لا يجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بعد التشهد وقبل السلام وتعقب بأنه لا دلالة فيه على ذلك بل انما يفيد إيجاب الاتيان بهذه الالفاظ على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وعلى تقدير ان يدل على إيجاب أصل الصلاة فلا يدل على هذا المحل المخصوص ولكن قرب البيهقي ذلك بما تقدم ان الآية لما نزلت وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد والتشهد داخل الصلاة فسألوا عن كيفية الصلاة فعلمهم فدل على ان المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم وأما احتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة فهو بعيد كما قال عياض وغيره وقال بن دقيق العيد ليس فيه تنصيص على ان الامر به مخصوص بالصلاة وقد كثر الاستدلال به على وجوب الصلاة وقرر بعضهم الاستدلال بأن الصلاة عليه واجبة بالاجماع وليست الصلاة عليه خارج الصلاة واجبة بالاجماع فتعين أن تجب في الصلاة قال وهذا ضعيف لان قوله لا تجب في غير الصلاة بالاجماع ان أراد به عينا فهو صحيح لكن لا يفيد المطلوب لانه يفيد ان تجب في أحد الموضعين لا بعينه وزعم القرافي في الذخيرة ان الشافعي هو المستدل بذلك ورده بنحو ما رد به بن دقيق العيد ولم يصب في نسبه ذلك للشافعي والذي قاله الشافعي في الام فرض الله الصلاة على رسوله بقوله ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة انه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك يعني في الصلاة قال تقولون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم الحديث أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم الحديث قال الشافعي فلما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة وروى عنه انه علمهم كيف يصلون عليه في
[ 140 ]
الصلاة لم يجزان نقول التشهد في الصلاة واجب والصلاة عليه فيه غير واجبة وقد تعقب بعض المخالفين هذا الاستلال من أوجه أحدها ضعف إبراهيم بن أبي يحيى والكلام فيه مشهور الثاني على تقدير صحته فقوله في الاول يعني في ا لصلاة لم يصرح بالقائل يعني الثالث قوله في الثاني انه كان يقول في الصلاة وان كان ظاهره ان الصلاة المكتوبة لكنه يحتمل ان يكون المراد بقوله في الصلاة أي في صفة الصلاة عليه وهو احتمال قوي لان أكثر الطرق عن كعب بن عجرة كما تقدم تدل على ان السؤال وقع عن صفة الصلاة لا عن محلها الرابع ليس في الحديث ما يدل على تعين ذلك في التشهد خصوصا بينه وبين السلام من الصلاة وقد أطنب قوم في نسبة الشافعي في ذلك إلى الشذوذ منهم أبو جعفر الطبري وأبو جعفر الطحاوي وأبو بكر بن المنذر والخطابي وأورد عياض في الشفاء مقالاتهم وعاب عليه ذلك غير واحد لان موضوع كتابه يقتضي تصويب ما ذهب إليه الشافعي لانه من جملة تعظيم المصطفى وقد استحسن هو القول بطهارة فضلائه مع ان الاكثر على خلافه لكنه استجاده لما فيه من الزيادة في تعظيمه وانتصر جماعة للشافعي فذكروا أدلة نقلية ونظرية ودفعوا دعوى الشذوذ فنقلوا القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وأصح ما ورد في ذلك عن الصحابة والتابعين ما أخرجه الحاكم بسند قوي عن بن مسعود قال يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي ثم يدعو لنفسه وهذا أقوى شئ يحتج به للشافعي فإن بن مسعود ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد في الصلاة وانه قال ثم ليتخير من الدعاء ما شاء فلما ثبت عن بن مسعود الامر بالصلاة عليه قبل الدعاء دل على انه اطلع على زيادة ذلك بين التشهد والدعاء واندفعت حجة من تمسك بحديث بن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي مثل ما ذكر عياض قال وهذا تشهد بن مسعود الذي علمه له النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر الصلاة عليه وكذا قول الخطابي ان في آخر حديث بن مسعود إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك لكن رد عليه بأن هذه الزيادة مدرجة وعلى تقدير ثبوتها فتحمل على ان مشروعية الصلاة عليه وردت بعد تعليم التشهد ويتقوى ذلك بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفا الدعاء موقوف بين السماء والارض لا يصعد منه شئ حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم قال بن العربي ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي فيكون له حكم الرفع انتهى وورد له شاهد مرفوع في جزء الحسن بن عرفة واخرج العمري في عمل يوم وليلة عن بن عمر بسند جيد قال لا تكون صلاة الا بقراءة وتشهد وصلاة على واخرج البيهقي في الخلافيات بسند قوي عن الشعبي وهو من كبار التابعين قال من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته واخرج الطبري بسند صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين قال كنا نعلم التشهد فإذا قال واشهد ان محمدا عبده ورسوله يحمد ربه ويثني عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته واما فقهاء الامصار فلم يتفقوا على مخالفة الشافعي في ذلك بل جاء عن أحمد روايتان وعن إسحاق الجزم به في العمد فقال إذا تركها يعيد والخلاف أيضا عند المالكية ذكرها بن الحاجب في سنن الصلاة ثم قال على الصحيح فقال شارحه بن عبد السلام يريد ان في وجوبها قولين وهو ظاهر كلام بن المواز منهم وأما الحنفية فألزم بعض شيوخنا من قال منهم بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر كالطحاوي ونقله السروجي في شرح الهداية عن أصحاب المحيط والعقد والتحفة
[ 141 ]
والمغيث من كتبهم ان يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره في آخر التشهد لكن لهم ان يلتزموا ذلك لكن لا يجعلونه شرطا في صحة الصلاة وروى الطحاوي ان حرملة انفرد عن الشافعي بايجاب ذلك بعد التشهد وقبل سلام التحلل قال لكن اصحابه قبلوا ذلك وانتصروا له وناظروا عليه انتهى واستدل له بن خزيمة ومن تبعه بما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه وكذا بن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال عجل هذا ثم دعاه فقال إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء وهذا مما يدل على ان قول بن مسعود المذكور قريبا مرفوع فإنه بلفظه وقد طعن بن عبد البر في الاستدلال بحديث فضالة للوجوب فقال لو كان كذلك لامر المصلى بالاعادة كما أمر المسئ صلاته وكذا أشار إليه بن حزم وأجيب باحتمال ان يكون الوجوب وقع عند فراغه ويكفي التمسك بالامر في دعوى الوجوب وقال جماعة منهم الجرجاني من الحنفية لكانت فرضا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لانه علمهم التشهد وقال فيتخير من الدعاء ما شاء ولم يذكر الصلاة عليه وأجيب باحتمال ان لا تكون فرضت حينئذ وقال شيخنا في شرح الترمذي قد ورد هذا في الصحيح بلفظ ثم ليتخير وثم للتراخي فدل على انه كان هناك شئ بين التشهد والدعاء واستدل بعضهم بما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رفعه إذا فرغ أحدكم من التشهد الاخير فليستعذ بالله من أربع الحديث وعلى هذا عول بن حزم في إيجاب هذه الاستعاذة في الشهد وفي كون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة عقب التشهد لا واجبة وفيه ما فيه والله اعلم وقد انتصر بن القيم للشافعي فقال اجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد وانما اختلفوا في الوجوب والاستحباب وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر لان عملهم كان بوفاقه الا ان كان يريد بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب وأنى يوجد ذلك قال وأما قول عياض ان الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له فأي شناعة في ذلك لانه لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة بل القول بذلك من محاسن مذهبه واما نقله للاجماع فقد تقدم رده وأما دعواه أن الشافعي اختار تشهد بن مسعود فيدل على معرفة باختيارات الشافعي فإنه إنما اختار تشهد بن عباس واما ما احتج به جماعة من الشافعية من الاحاديث المرفوعة الصريحة في ذلك فانها ضعيفة كحديث سهل بن سعد وعائشة وأبي مسعود وبريدة وغيرهم وقد استوعبها البيهقي في الخلافيات ولا بأس بذكرها للتقوية لا انها تنهض بالحجة قلت ولم ار عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب الا ما نقل عن إبراهيم النخعي ومع ذلك فلفظ المنقول عنه كما تقدم يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب فإنه عبر بالاجزاء قوله في ثاني حديثي الباب بن أبي حازم والدراوردي اسم كل منهما عبد العزيز وابن أبي حازم ممن يحتج به البخاري والدراوردي انما يخرج له في المتابعات أو مقرونا بآخر ويزيد شيخهما هو بن عبد الله بن الهاد وعبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الاولى ثقيلة قوله هذا السلام عليك أي عرفناه كما وقع تقريره في الحديث الاول وتقدمت بقية فوائده في الذي قبله واستدل بهذا الحديث على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه في امتثال الامر سواء قلنا بالوجوب
[ 142 ]
مطلقا أو مقيدا بالصلاة وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية والاصح عند اتباعه لا تجب واختلف في الافضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير واما الشافعية فقالوا يكفي ان يقول اللهم صل على محمد واختلفوا هل يكفي الاتيان بما يدل على ذلك كأن يقوله بلفظ الخبر فيقول صلى الله على محمد مثلا والاصح اجزاؤه وذلك ان الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزا بطريق الاولى ومن منع وقف عند التعبد وهو الذي رجحه بن العربي بل كلامه يدل على ان الثواب الوارد لمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم انما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة واتفق أصحابنا على انه لا يجزئ ان يقتصر على الخبر كأن يقول الصلاة على محمد إذ ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله تعالى واختلفوا في تعين لفظ محمد لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم كالنبي ورسول الله لان لفظ محمد وقع التعبد به فلا يجزئ عنه الا ما كان أعلى منه ولهذا قالوا لا يجزئ الاتيان بالضمير ولا بأحمد مثلا في الاصح فيهما مع تقدم ذكره في التشهد بقوله النبي وبقوله محمد وذهب الجمهور إلى الاجتزاء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم لو قال في اثناء التشهد الصلاة والسلام عليك أيها النبي اجزأ وكذا لو قال اشهد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله بخلاف ما إذا قدم عبده ورسوله وهذا ينبغي ان ينبني على ان ترتيب ألفاظ التشهد لا يشترط وهو الاصح ولكن دليل مقابله قوي لقولهم كما يعلمنا السورة وقول بن مسعود عدهن في يدي ورأيت لبعض المتأخرين فيه تصنيفا وعمدة الجمهور في الاكتفاء بما ذكر ان الوجوب ثبت بنص القرآن بقوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي صلى الله عليه وسلم واختلف النقل لتلك الالفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات وترك ما زاد على ذلك كما في التشهد إذ لو كان المتروك واجبا لما سكت عنه انتهى وقد استشكل ذلك بن الفركاح في الاقليد فقال جعلهم هذا هو الاقل يحتاج إلى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة فان الاحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والاحاديث التي فيها الامر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير إلى ما يجب من ذلك في الصلاة واقل ما وقع في الروايات اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إيجاب ذكر إبراهيم وجهين واحتج لمن لم يوجبه بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قو ولفظه صلوا علي وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفيه نظر لانه من اختصار بعض الرواة فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه بتمامه وكذا الطحاوي واختلف في إيجاب الصلاة على الآل ففي تعينها أيضا عند الشافعية والحنابلة روايتان والمشهور عندهم لا وهو قول الجمهور وادعى كثير منهم فيه الاجماع وأكثر من اثبت الوجوب من الشافعية نسبوه إلى الترنجي ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق المروزي وهو من كبار الشافعية قال أنا اعتقد وجوبها قال البيهقي وفي الاحاديث الثابتة دلالة على صحة ما قال قلت وفي كلام الطحاوي في مشكلة ما يدل على ان حرملة نقله عن الشافعي واستدل به على مشروعية الصلاة على النبي وآله في التشهد الاول والمصحح عند الشافعية استحباب الصلاة عليه فقط لانه مبني على التخفيف وأما الاول فبناه الاصحاب على حكم ذلك في التشهد الاخير ان قلنا بالوجوب قلت واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لاصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لانه لا يختار لنفسه الا الاشرف الافضل ويترتب
[ 143 ]
على ذلك لو حلف ان يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر ان يأتي بذلك هكذا صوبه النووي في الروضة بعد ذكر حكاية الرافعي عن إبراهيم المروزي انه قال يبر إذا قال كلما ذكره الذاكرون وكلما سها عن ذكره الغافلون قال النووي وكأنه اخذ ذلك من كون الشافعي ذكر هذه الكيفية قلت وهي في خطبة الرسالة لكن بلفظ غفل بدل سها وقال الاذرعي إبراهيم المذكور كثير النقل من تعليقة القاضي حسين ومع ذلك فالقاضي قال في طريق البر يقول اللهم صلى على محمد كما هو أهله ومستحقه وكذا نقله البغوي في تعليقه قلت ولو جمع بينها فقال ما في الحديث وأضاف إليه اثر الشافعي وما قاله القاضي لكان اشمل ويحتمل ان يقال يعمد إلى جميع ما اشتملت عليه الروايات الثابتة فيستعمل منها ذكرا يحصل به البر وذكر شيخنا مجد الدين الشيرازي في جزء له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض العلماء انه قال أفضل الكيفيات ان يقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الامي وعلى آله وازواجه وذريته وسلم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك وعن اخر نحوه لكن قال عدد الشفع والوتر وعدد كلماتك التامة ولم يسم قائلها والذي يرشد إليه الدليل ان البر يحصل بما في حديث أبي هريرة لقوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يكتال بالمكيال الاوفى إذا صلى علينا فليقل اللهم صلي على محمد النبي وازواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم الحديث والله اعلم تنبيه ان كان مستند المروزي ما قاله الشافعي فظاهر كلام الشافعي ان الضمير لله تعالى فإن لفظه وصلى الله على نبيه كلما ذكره الذاكرون فكان حق من غير عبارته ان يقول اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون الخ واستدل به على جواز الصلاة على غير الانبياء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستدل به على ان الواو لا تقتضي الترتيب لان صيغة الامر وردت بالصلاة والتسليم بالواو في قوله تعالى صلوا عليه وسلموا وقدم تعليم السلام قبل الصلاة كما قالوا علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك واستدل به على رد قول النخعي يجزئ في امتثال الامر بالصلاة قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته في التشهد لانه لو كان كما قال لارشد النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه إلى ذلك ولما عدل إلى تعليمهم كيفية أخرى واستدل به على ان افراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذا العكس لان تعليم التسليم تقدم قبل تعليم الصلاة كما تقدم فأفرد التسليم مدة في التشهد قبل الصلاة عليه وقد صرح النووي بالكراهة واستدل بورود الامر بهما معا في الآية وفيه نظر نعم يكره ان يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا اما لو صلى في وقت وسلم في وقت اخر فإنه يكون ممتثلا واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ورود الامر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه بن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة من صل علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه بن حبان ومنها حديث بن مسعود رفعه ان أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وحسنه
[ 144 ]
الترمذي وصححه بن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي امامة بلفظ صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان اقربهم مني منزلة ولا بأس بسنده وورد الامر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه بن حبان والحاكم ومنها حديث البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي واطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن ومنها حديث من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة أخرجه بن ماجة عن بن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا وحديث رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ من ذكرت عنده ولم يصل على فمات فدخل النار فأبعده الله وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني واخر عن أنس عند بن أبي شيبة واخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه بن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الطبراني من حديث جابر رفعه شقى عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة من الجفاء ان أذكر عند رجل فلا يصلي علي ومنها حديث أبي بن كعب ان رجلا قال يا رسول الله اني أكثر الصلاة فما اجعل لك من صلاتي قال ما شئت قال الثلث قال ما شئت وان زدت فهو خير إلى ان قال اجعل لك كل صلاتي قال إذا تكفي همك الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن فهذا الجيد من الاحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية واما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة وفي الاحاديث القوية غنية عن ذلك قال الحليمي المقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله بامتثال امره وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وتبعه بن عبد السلام فقال ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فرأشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه وقال بن العربي فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوص العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة صلى الله عليه وسلم وقد تمسك بالاحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما 1 ذكر لان الدعاء بالرغم والابعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد والوعيد على الترك من علامات الوجوب ومن حيث المعنى ان فائدة الامر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه واحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر وتمسكوا أيضا بقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فلو كان إذا ذكر لا يصلي عليه لكان كآحاد الناس ويتأكد ذلك إذا كان المعنى بقوله دعاء الرسول الدعاء المتعلق بالرسول وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبه منها انه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين فهو قول مخترع ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا اذن وكذا سامعه وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن وللزم الداخل في الاسلام إذا تلفظ
[ 145 ]
بالشهادتين ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به وقد اطلق القدوري وغيره من الحنفية ان القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للاجماع المنعقد قبل قائله لانه لا يحفظ عن أحد من الصحابة انه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليك ولانه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى وأجابوا عن الاحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد واحتج الطبري لعدم الوجوب أصلا مع ورود صيغة الامر بذلك بالاتفاق من جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الامة على ان ذلك غير لازم فرضا حتى يكون تاركه عاصيا قال فدل ذلك على ان الامر فيه للندب ويحصل الامتثال لمن قاله ولو كان خارج الصلاة وما ادعاه من الاجماع معارض بدعوى غيره الاجماع على مشروعية ذلك في الصلاة اما بطريق الوجوب واما بطريق الندب ولا يعرف عن السلف لذلك مخالف الا ما أخرجه بن أبي شيبة والطبري عن إبراهيم انه كان يرى ان قول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته يجزئ عن الصلاة ومع ذلك لم يخالف في أصل المشروعية وانما ادعى أجزاء السلام عن الصلاة والله اعلم ومن المواطن التي اختلف في وجوب الصلاة عليه فيها التشهد الاول وخطبة الجمعة وغيرها من الخطب وصلاة الجنازة ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي اخر القنوت وفي اثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم وعند القيام لصلاة الليل وعند ختم القرآن وعند الهم والكرب وعند التوبة من الذنب وعند قراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر وعند نسيان الشئ وورد ذلك أيضا في أحاديث ضعيفة وعند استلام الحجر وعند طنين الاذن وعند التلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا وورد الامر بالاكثار منها يوم الجمعة في حديث صحيح كما تقدم قوله باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم أي استقلالا أو تبعا ويدخل في الغير الانبياء والملائكة والمؤمنون فأما مسألة الانبياء فورد فيها أحاديث أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي والحاكم وحديث بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله الحديث أخرجه البيهقي بسند واه وحديث أبي هريرة رفعه صلوا على أنبياء الله الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف وحديث بن عباس رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني أخرجه الطبراني ورويناه في فوائد العيسوى وسنده ضعيف أيضا وقد ثبت عن بن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه بن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال ما اعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد الا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وقال ما تعبدنا به وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك يكره وقال عياض عامة أهل العلم على الجواز وقال سفيان يكره ان يصلي الا على نبي ووجدت بخط بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز ان يصلي الا على محمد وهذا غير معروف عن مالك وانما
[ 146 ]
قال أكره الصلاة على غير الانبياء وما ينبغي لنا ان نتعدى ما أمرنا به وخالفه يحيى بن يحيى فقال لا بأس به واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة فلا يمنع الا بنص أو إجماع قال عياض والذي اميل إليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا يذكر غير الانبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الانبياء يعني استقلالا لم تكن من الامر المعروف وانما احدثت في دولة بني هاشم واما الملائكة فلا اعرف فيه حديثا نصا وانما يؤخذ ذلك من الذي قبله ان ثبت لان الله تعالى سماهم رسلا واما المؤمنون فاختلف فيه فقيل لا تجوز إلا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكى عن مالك كما تقدم وقالت طائفة لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو ألحق به لقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ولانه لما علمهم السلام قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته وهذا القول اختاره القرطبي في المفهم وأبو المعالي من الحنابلة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الاحزاب وهو اختيار بن تيمية من المتأخرين وقالت طائفة تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز استقلالا وهذا قول أبي حنيفة وجماعة وقالت طائفة تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد وقال النووي هو خلاف الاولى وقالت طائفة تجوز مطلقا وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهي قوله تعالى وصل عليهم ثم علق الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا فأما الاول وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة ان النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد وفي حديث جابر ان امرأته قال للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي وعلى زوجي ففعل أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه بن حبان وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبا داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبري واحتجوا بقوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ان الملائكة تقول لروح المؤمن صلى الله عليك وعلى جسدك وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من الله ورسوله ولهما ان يخصا من شاء بما شاء وليس ذلك لاحد غيرهما وقال البيهقي يحمل قول بن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم لا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة وقال بن القيم المختار ان يصلي على الانبياء والملائكة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الاجمال وتكره في غير الانبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الاحايين من غير ان يتخذ شعارا لم يكن به بأس ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك لهم وهم من أدى زكاته الا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة تنبيه اختلف في السلام على غير الانبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقا وقيل بل تبعا ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني قوله في ثاني حديثي الباب عبد الله بن أبي بكر عن أبيه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري مختلف في اسمه وقيل كنيته اسمه وروايته عن عمرو بن سليم من الاقران وولده من صغار التابعين ففي
[ 147 ]
السند ثلاثة من التابعين في نسق والسند كله مدنيون قوله وذريته بضم المعجمة وحكى كسرها هي النسل وقد يختص بالنساء والاطفال وقد يطلق على الاصل وهي من ذرأ بالهمز أي خلق الا ان الهمزة سهلت لكثرة الاستعمال وقيل بل هي من الذر أي خلقوا أمثال الذر وعليه فليس مهموز الاصل والله اعلم واستدل به على ان المراد بآل محمد أزواجه وذريته كما تقدم البحث فيه في الكلام على آل محمد في الباب الذي قبله واستدل به على ان الصلاة على الآل لا تجب لسقوطها في هذا الحديث وهو ضعيف لانه لا يخلو ان يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته أو أزواجه وذريته وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب اما على الاول فلثبوت الامر بذلك في غير هذا الحديث وليس في هذا الحديث المنع منه بل اخرج عبد الرزاق من طريق بن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته واما على الثاني فواضح واستدل به البيهقي على ان الازواج من أهل البيت وأيده بقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة كذا ترجم بهذا اللفظ وأورده بلفظ اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة أورده من طريق يونس وهو بن يزيد عن بن شهاب وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه مثله وظاهر سياقه انه حذف منه شئ من أوله وقد بينه مسلم من طريق بن أخي بن شهاب عن عمه بهذا الاسناد بلفظ اللهم اني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما انا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعله له زكاة ورحمة ومن طريق الاعرج عن أبي هريرة مثل رواية بن أخي بن شهاب لكن قال فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ومن طريق سالم عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وانى قد اتخذت عندك عهدا الحديث وفيه فأيما مؤمن آذيته والباقي بمعناه بلفظ أو واخرج من حديث عائشة بيان سبب هذا الحديث قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشئ لا اردي ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت له فقال اوما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم انما انا بشر فآي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا وأخرجه من حديث جابر نحوه وأخرجه من حديث أنس وفيه تقييد المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل ولفظه انما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل ان يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وفيه قصة لام سليم وقوله اللهم فأيما مؤمن الفاء جواب الشرط المحذوف لدلالة السياق عليه قال المازري ان قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها بأهل قيل ا لمراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن امره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه فكأنه يقول من كان باط امره عندك انه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما طهر لي من مقتض حاله حينئذ طهورا وزكاة قال وهذا معنى صحيح لا احالة فيه لانه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله
[ 148 ]
انتهى وهذا مبني على قول من قال انه كان يجتهد في الاحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده واما من قال كان لا يحكم الا بالوحي فلا يتأتى منه هذا الجواب ثم قال المازري فان قيل فما معنى قوله واغضب كما يغضب البشر فإن هذا يشير إلى ان تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا انها على مقتضى الشرع فيعود السؤال فالجواب انه يحتلم انه أراد ان دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه قال ويحتمل ان يكون ذلك خرج مخرج الاشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله فكأنه أظهر الاشتفاق من ان يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت أو اشفاقا من ان يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت ويكون من الصغائر على قول من يجوزها أو يكون الزجر يحصل بدونها ويحتمل ان يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الاخير فقال يحتمل ان يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم عقرى حلقي وتربت يمينك فأشفق من موافقة امثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه ان يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى وهذا الاحتمال حسن الا انه يرد عليه قوله جلدته فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد وقد ساق الجميع مساقا واحدا الا ان حمل على الجلدة الواحدة فيتجه ثم ابدى القاضي احتمالا آخر فقال كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلم في حال غضبه الا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الاغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط الا ان تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح قلت فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم وهذا كله في حق معين في زمنه واضح واما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فما أظنه يشمله والله اعلم قوله باب التعوذ من الفتن ستأتي هذه الترجمة وحديثها في كتاب الفتن وتقدم شئ من شرحه يتعلق بسبب نزول الآية المذكورة في اخر الحديث في تفسير سورة المائدة وقوله احفوه بحاء مهملة ساكنة وفاء مفتوحة أي الحوا عليه يقال احفيته إذا حملته على ان يبحث عن الخبر وقوله لا بالرفع ويجوز النصب على الحال وقوله إذا لاحى بمهملة خفيفة أي خاصم وفي الحديث ان غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع من حكمه فإنه لا يقول الا الحق في الغضب والرضا وفيه فهم عمر وفضل علمه قوله باب التعوذ من غلبة الرجال ذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وذكر صفية بنت حي وتقدم شرح ذلك في المغازي وغيرها وسيأتي منه التعوذ مفردا بعد أبواب قوله فكنت اسمعه يكثر ان يقول استدل به على ان هذه الصيغة لا تدل على الدوام ولا ا لاكثار والا لما كان لقوله يكثر فائدة وتعقب بأن المراد بالدوام أعم من الفعل والقوة ويظهر لي ان الحاصل انه لم يعرف لذلك مزيلا ويفيد قوله يكثر وقوع ذلك من فعله كثيرا قوله من الهم
[ 149 ]
والحزن إل قوله والجبن يأتي شرحه قريبا قوله وضلع الدين أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع أي مال والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة وقال بعض السلف ما دخل هم الدين قلبا الا اذهب من العقل مالا يعود إليه قوله وغلبة الرجال أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا قال الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم لان أنواع الرذائل ثلاثة نفسانية وبدنية وخارجية فالاولى بحسب القوى التي للانسان وهي ثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية والثاني يكون عند سلامة الاعضاء وتمام الآلات والقوى والاول عند نقصان عضو ونحوه والضلع والغلبة بالخارجية فالاول مالي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على جميع ذلك قوله باب التعوذ من عذاب القبر تقدم الكلام عليه في اواخر كتاب الجنائز قوله سفيان هو بن عيينة وأم خالد بنت خالد اسمها امة بتخفيف الميم بنت خالد بن سعيد بن العاص تقدم ذكرها في اللباس وانها ولدت بأرض الحبشة لما هاجر ابواها إليها ثم قدموا المدينة وكانت صغيرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظت عنه قوله باب التعوذ من البخل كذا وقعت هذه الترجمة هنا للمستملي وحده وهي غلط من وجهين أحدهما ان الحديث الاول في الباب وان كان فيه ذكر البخل لكن قد ترجم لهذه الترجمة بعينها بعد أربعة أبواب وذكر فيه الحديث المذكور بعينه ثانيهما ان الحديث الثاني مختص بعذاب القبر لا ذكر للبخل فيه أصلا فهو بقية من الباب الذي قبله وهو اللائق به وقوله عن عبد الملك هو بن عمير كما سيأتي منسوبا في الباب المشار إليه قوله عن مصعب هو بن سعد بن أبي وقاص وسيأتي قريبا من رواية غندر عن شعبة عن عبد الملك عن مصعب بن سعد ولعبد الملك بن عمير فيه شيخ اخر فقد تقدم في كتاب الجهاد من طريق أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون عن سعد وقال في اخره قال عبد الملك فحدثت به مصعبا فصدقه وأورده الاسماعيلي من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب وقال في اخره فحدثت به عمرو بن ميمون فقال وأنا حدثني بهن سعد وقد أورده الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الملك عن مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون جميعا عن سعد وساقه على لفظ مصعب وكذا أخرجه النسائي من طريق زائدة عن عبد الملك عنهما وأخرجه البخاري من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب وحده وفي سياق عمرو انه كان يقول ذلك دبر الصلاة وليس ذلك في رواية مصعب وفي رواية مصعب ذكر البخل وليس في رواية عمرو وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن بن مسعود هذه رواية زكريا عنه وقال إسرائيل عنه عن عمرو عن عمر بن الخطاب ونقل الترمذي عن الدارمي انه قال كان أبو إسحاق يضطرب فيه قلت لعل عمرو بن ميمون سمعه من جماعة فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم ثلاثة كما ترى وقوله انه كان سعد يأمر في رواية الكشميهني يأمرنا بصيغة الجمع وجرير المذكور في الحديث الثاني هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر من صغار التابعين وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وهو ومسروق شيخه من كبار التابعين
[ 150 ]
ورجال الاسناد كلهم كوفيون إلى عائشة ورواية أبي وائل عن مسروق من الاقران وقد ذكر أبو علي الجياني انه وقع في رواية أبي إسحاق المستملي عن الفربري في هذا الحديث منصور عن أبي وائل ومسروق عن عائشة بواو بدل عن قال والصواب الاول ولا يحفظ لابي وائل عن عائشة رواية قلت اما كونه الصواب فصواب لاتفاق الرواة في البخاري على انه من رواية أبي وائل عن مسروق وكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية منصور وأما النفي فمردود فقد اخرج الترمذي من رواية أبي وائل عن عائشة حديثين أحدهما ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة من رواية أبي وائل عن مسروق عن عائشة والثاني إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها الحديث أخرجه أيضا من رواية عمرو بن مرة سمعت أبا وائل عن عائشة وهذا أخرجه الشيخان أيضا من رواية منصور والاعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة وهذا جميع ما في الكتب الستة لابي وائل عن عائشة واخرج بن حبان في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة حديث ما من مسلم يشاك شوكة فما دونها الا رفعه الله بها درجة الحديث وفي بعض هذا ما يرد إطلاق أبي علي قوله دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة عجز بضم العين المهملة والجيم بعدها زاي جمع عجوز مثل عمود وعمد ويجمع أيضا على عجائز وهذه رواية الاسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة شيخ البخاري فيه قال بن السكيت ولا يقال عجوزة وقال غيره هي لغة رديئة وقوله ولم انعم هو رباعي من انعم والمراد انها لم تصدقهما اولا قوله فقلت يا رسول الله ان عجوزين وذكرت له فقال صدقتا قال الكرماني حذف خبر ان للعلم به والتقدير دخلتا قلت ظهر لي ان البخاري هو الذي اختصره فقد أخرجه الاسماعيل عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة شيخ البخاري فيه فساقه ولفظه فقلت له يا رسول الله ان عجوزين مع جائز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا ان أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال صدقتا وكذا أخرجه مسلم من وجه اخر عن جرير شيخ عثمان فيه فعلى هذا فيضبط وذكرت له بضم التاء وسكون الراء أي ذكرت له ما قالتا وقوله تسمعه البهائم تقدم شرحه مستوفى وبينت طريق الجمع بين جزمه صلى الله عليه وسلم هنا بتصديق اليهوديتين في اثبات عذاب القبر وقوله في الرواية عائذا بالله من ذلك وكلا الحديثين عن عائشة وحاصله انه لم يكن اوحى إليه ان المؤمنين يفتنون في القبور فقال انما يفتن يهود فجرى على ما كان عنده من علم ذلك ثم لما علم بأن ذلك يقع لغير اليهود استعاذ منه وعلمه وأمر بإيقاعه في الصلاة ليكون انجح في الاجابة والله اعلم قوله باب التعوذ من فتنة المحيا أي زمن الحياة والممات أي زمن الموت من أول النزع وهلم جرا ذكر فيه حديث أنس وفيه ذكر العجز والكسل والجبن وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد والبخل وسيأتي بعد بابين والهرم والمراد به الزيادة في كبر السن وعذاب القبر وقد مضى في الجنائز واما فتنة المحيا والممات فقال بن بطال هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة وينبغي للمرء ان يرغب إلى ربه في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر دفعا عن أمته وتشريعا لهم ليبين لهم صفة المهم من الادعية قلت وقد تقدم شرح المراد بفتنة المحيا وفتنة الممات في باب الدعاء قبل السلام في اواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة
[ 151 ]
وأصل الفتنة الامتحان والاختبار واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره ويقال فتنت الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته وفي الغفلة عن المطلوب كقوله انما أموالكم وأولادكم فتنة وتستعمل في الاكراه على الرجوع عن الدين كقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قلت واستعملت أيضا في الضلال والاثم والكفر والعذاب والفضيحة ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن قوله باب التعوذ من المأثم والمغرم بفتح الميم فيهما وكذا الراء والمثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة والمأثم ما يقتضي الاثم والمغرم ما يقتضي الغرم وقد تقدم بيانه في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة قوله من الكسل والهرم تقدما في الباب الذي قبله قوله والمأثم والمغرم والمراد الاثم والغرامة وهي ما يلزم الشخص اداؤه كالدين زاد في رواية الزهري عن عروة كما مضى في باب الدعاء قبل السلام فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المأثم والمغرم هكذا أخرجه من طريق شعيب عن الزهري وكذا أخرجه النسائي من طريق سليمان بن سليم الحمصي عن الزهري فذكر الحديث مختصرا وفيه فقال له يا رسول الله انك تكثر التعوذ الحديث وقد تقدم بيانه هناك وقلت اني لم اقف حينئذ على تسمية القائل ثم وجدت تفسير المبهم في الاستعاذة للنسائي أخرجه من طريق سلمة بن سعيد بن عطية عن معمر عن الزهري فذكر الحديث مختصرا ولفظه كان يتعوذ من المغرم والمأثم قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم قال انه من غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فعرف ان السائل له عن ذلك عائشة راوية الحديث قوله ومن فتنة القبر هي سؤال الملكين وعذاب القبر تقدم شرحه قوله ومن فتنة النار هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ واليه الاشارة بقوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير وسيأتي الكلام عليه في باب الاستعاذة من ارذل العمر بعد ثلاثة أبواب قوله ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر تقدم الكلام على ذلك أيضا في باب الدعاء قبل السلام قال الكرماني صرح في فتنة الغني بذكر الشر إشارة إلى ان مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على اصحابه حتى لا يغتروا فيغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى ان صورته لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فانها قد تكون خيرا انتهى وكل هذا غفلة عن الواقع فان الذي ظهر لي ان لفظ شر في الاصل ثابتة في الموضعين وانما اختصرها بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرقا عن هشام بسنده هذا بلفظ شر فتنة الغني وشر فتنة الفقر ويأتي بعد أبواب أيضا من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام بإسقاط شر في الموضعين والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لان كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر قال الغزالي فتنة الغني الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله وبمنعه من واجبات انفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنى ولا عكسه قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال في رواية وكيع ومن شر فتنة المسيح الدجال وقد تقدم شرحه أيضا في باب الدعاء قبل السلام قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد الخ
[ 152 ]
تقدم شرحه في الكلام على حديث أبي هريرة في أوائل صفة الصلاة وحكمة العدول عن الماء الحار إلى الثلج والبرد مع ان الحار في العادة ابلغ في إزالة الوسخ الاشارة إلى ان الثلج والبرد ما أن طاهران لم تمسهما الايدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ذكرهما آكد في هذا المقام أشار إلى هذا الخطابي وقال الكرماني وله توجيه اخر وهو انه جعل الخطايا بمنزلة النار لكونها تؤدي إليها فعبر عن اطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في اطفائها وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى ابرد منه وهو الثلج ثم إلى ابرد منه وهو البرد بدليل انه قد يجمد ويصير جليدا بخلاف الثلج فإنه يذوب وهذا الحديث قد رواه الزهري عن عروة كما أشرت إليه وقيده بالصلاة ولفظه كان يدعو في الصلاة وذكرت هناك توجيه ادخاله في الدعاء قبل السلام ولم يقع في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف ذكر المأثم والمغرم ووقع ذلك عند مسلم من وجه اخر عن الزهري ولم يقع عندهما معا فيه قوله اللهم اغسل عني خطاياي الخ وهو حديث واحد ذكر فيه كل من هشام بن عروة والزهري عن عروة ما لم يذكره الاخر والله اعلم قوله باب الاستعاذة من الجبن والكسل تقدم شرحهما في كتاب الجهاد قوله كسالى وكسالى واحد بفتح الكاف وضمها قلت وهما قراءتان قرأ الجمهور بالضم وقرأ الاعرج بالفتح وهي لغة بني تميم وقرأ بن السميفع بالفتح أيضا لكن اسقط الالف وسكن السين وصفهم بما يوصف به المؤنث المفرد لملاحظة معنى الجماعة وهو كما قرئ وترى الناس سكرى والكسل الفتور والتواني وهو ضد النشاط قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ووقع التصريح به في رواية أبي زيد المروزي قوله عمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب الماضي ذكره في باب التعوذ من غلبة الرجال قوله فكنت اسمعه يكثر ان يقول اللهم اني أعوذ بك من الهم إلى قوله والجبن تقدم شرح هذه الامور الستة ومحصله ان الهم لما يتصوره العقل من المكروه في الحال والحزن لما وقع في الماضي والعجز ضد الاقتدار والكسل ضد النشاط والبخل ضد الكرم والجبن ضد الشجاعة وقوله وضلع الدين تقدم ضبطه وتفسيره قبل ثلاثة أبواب وقوله وغلبة الرجال هي إضافة للفاعل استعاذ من ان يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس والمعاش قوله باب التعوذ من البخل تقدم الكلام عليه قبل قوله البخل والبخل واحد يعني بضم أوله وسكون ثانيه وبفتحهما قوله مثل الحزن والحزن يعني في وزنهما قوله وأعوذ بك ان ارد إلى ارذل العمر في رواية السرخسي وأعوذ بك من ان ارد بزيادة من وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده قوله وأعوذ بك من فتنة الدنيا كذا للاكثر وأخرجه أحمد عن روح عن شعبة وزاد في رواية ادم الماضية قريبا عن شعبة يعني فتنة الدجال وحكى الكرماني ان هذا التفسير من كلام شعبة وليس كما قال فقد بين يحيى بن أبي كثير عن شعبة انه من كلام عبد الملك بن عمير راوي الخبر أخرجه الاسماعيلي من طريقه ولفظه قال شعبة فسألت عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا فقال الدجال ووقع في رواية زائدة بن قدامة عن عبد الملك بن عمير بلفظ وأعوذ بك من فتنة الدجال أخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة عن حسن بن علي الجعفي وقد أخرجه البخاري في الباب الذي بعده عن إسحاق عن حسين بن علي بلفظ من فتنة الدنيا فلعل بعض رواته ذكره بالمعنى الذي فسره به عبد الملك بن عمير وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة إلى ان
[ 153 ]
فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي امامة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه انه لم تكن فتنة في الارض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال أخرجه أبو داود وابن ماجة قوله باب التعوذ من ارذل العمر ارذلنا سقاطنا بضم المهملة وتشديد القاف جمع ساقط وهو اللئيم في حسبه ونسبه وهذا قد تقدم القول فيه في أوائل تفسير سورة هود وأورد فيه حديث أنس وليس فيه لفظ الترجمة لكنه أشار بذلك إلى ان المراد بأرذل العمر في حديث سعد بن أبي وقاص الذي قبله الهرم الذي في حديث أنس لمجيئها موضع الاخرى من الحديث المذكور قوله باب الدعاء برفع الوباء والوجع أي برفع المرض عمن نزل به سواء كان عاما أو خاصا وقد تقدم بيان الوباء وتفسيره في باب ما يذكر في الطاعون من كتاب الطب وانه أعم من الطاعون وان حقيقته مرض عام ينشأ عن فساد الهواء وقد يسمى طاعونا بطريق المجاز واوضحت هناك الرد على من زعم ان الطاعون والوباء مترادفان بما ثبت هناك ان الطاعون لا يدخل المدينة وان الوباء وقع بالمدينة كما في قصة العرنيين وكما في حديث أبي الاسود انه كان عند عمر فوقع بالمدينة بالناس موت ذريع وغير ذلك وذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عائشة اللهم حبب إلينا المدينة الحديث وفيه انقل حماها إلى الجحفة وهو يتعلق بالركن الاول من الترجمة وهو الوباء لانه المرض العام وأشار به إلى ما ورد في بعض طرقه حيث قالت في أوله قدمنا المدينة وهي اوبأ ارض الله وقد تقدم بهذا اللفظ في اخر كتاب الحج ثانيهما حديث سعد بن أبي وقاص عادني النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من شكوى الحديث وهو متعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الوجع وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الوصايا وقوله في اخره قال سعد رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يرد قول من زعم ان في الحديث ادراجا وان قوله يرثى له الخ من قول الزهري متمسكا بما ورد في بعض طرقه وفيه قال الزهري الخ فان ذلك يرجع إلى اختلاف الرواة عن الزهري هل وصل هذا القدر عن سعد أو قال من قبل نفسه والحكم للوصل لان مع رواته زيادة علم وهو حافظ وشاهد الترجمة من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم فان فيه إشارة إلى الدعاء لسعد بالعافية ليرجع إلى دار هجرته وهي المدينة ولا يستمر مقيما بسبب الوجع بالبلد التي هاجر منها وهي مكة إلى ذلك الاشارة بقوله لكن البائس سعد بن خولة الخ وقد أوضحت في أوائل الوصايا ما يتعلق بسعد بن خولة ونقل بن المزين المالكي ان الرثاء لسعد بن خولة بسبب اقامته بمكة ولم يهاجر وتعقب بأنه شهد بدرا ولكن اختلفوا متى رجع إلى مكة حتى مرض بها فمات فقيل انه سكن مكة بعد ان شهد بدرا وقيل مات في حجة الوداع وأغرب الداودي فيما حكاه بن التين فقال لم يكن للمهاجرين ان يقيموا بمكة الا ثلاثا بعد الصدر فدل ذلك ان سعد بن خولة توفي قبل تلك الحجة وقيل مات في الفتح بعد ان أطال المقام بمكة بغير عذر إذ لو كان له عذر لم يأثم وقد قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له ان
[ 154 ]
صفية حاضت احابستنا هي فدل على ان للمهاجر إذا كان له عذر ان يقيم ازيد من الثلاث المشروعة للمهاجرين وقال يحتمل ان تكون هذه اللفظة قالها صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع ثم حج فقرنها الراوي بالحديث لكونها من تكملته انتهى وكلامه متعقب في مواضع منها اشتهاده بقصة صفية ولا حجة فيها لاحتمال ان لا تجاوز الثلاث المشروعة والاحتباس الامتناع وهو يصدق باليوم بل بدونه ومنها جزمه بأن سعد بن خولة أطال المقام بمكة ورمزه إلى انه قام بغير عذر وانه اثم بذلك إلى غير ذلك مما يظهر فساده بالتأمل قوله باب الاستعاذة من ارذل العمر ومن فتنة الدنيا ومن فتنة النار في رواية الكشميهني ومن عذاب النار بدل فتنة النار قوله أنبأنا الحسين هو بن علي الجعفي الزاهد المشهور وإسحاق الراوي عنه هو بن راهويه وشيخه زائدة هو بن قدامه وعبد الملك هو بن عمير وقد تقدم شرح الحديث مستوفي قبل قليل وكذا حديث عائشة ثاني حديثي الباب قوله باب الاستعاذة من فتنة الغنى ذكر فيه حديث عائشة المذكور مختصرا من رواية وكيع عن هشام بن عروة وقد تقدم شرحه قوله باب التعوذ من فتنة الفقر ذكر فيه حديث عائشة من طريق أبي معاوية عن هشام بتمامه وقد تقدم شرحه أيضا مستوفى قوله باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة سقط هذا الباب والترجمة من رواية السرخسي والصواب إثباته قوله شعبة قال سمعت قتادة عن أنس عن أم سليم انها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له الحديث وفي اخره وعن هشام بن زيد سمعت أنس بن مالك مثله قلت هكذا قال غندر عن شعبة جعل الحديث من مسند أم سليم وكذا أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه عن محمد بن جعفر وهو غندر هذا فذكر مثله ولكنه لم يذكر رواية هشام بن زيد التي في آخره وقال حسن صحيح وأخرجه الاسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه عن أم سليم كما قال غندر وكذا أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد وعن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة وأخرجه في باب من خص اخاه بالدعاء من رواية سعيد بن الربيع عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا قال قالت أم سليم وظاهره انه من مسند أنس وهو في الباب الذي يلي هذا كذلك وكذا تقدم في باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس قال قالت أمي وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي والاسماعيلي من رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة وهذا الاختلاف لا يضر فإن أنسا حضر ذلك بدليل ما أخرجه مسلم من رواية إسحاق بن أبي
[ 155 ]
طلحة عن أنس قال جاءت بي أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا ابني أنس يخدمك فادع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده واما رواية هشام بن زيد المعطوفة هنا فإنها معطوفة على رواية قتادة وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة وهشام بن زيد جميعا عن أنس وكذا صنيع مسلم حيث أخرجه من رواية أبي داود عن شعبة تنبيه ذكر الكرماني انه وقع هنا وعن هشام بن عروة قال والاول هو الصحيح قوله انها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له تقدم لهذا الحديث مبدأ من رواية حميد عن أنس في كتاب الصيام في باب من زار قوما فلم يفطر عندهم وقد بسطت شرحه هناك بما يغنى عن اعادته وذكرت طرفا منه قريبا في باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر قوله باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة تقدم شرحه في الذي قبله وتقدم الحديث سندا ومتنا في باب قول الله تعالى وصل عليهم ومن خص اخاه بالدعاء قوله باب الدعاء عند الاستخارة هي استفعال من الخير أو من الخيرة بكسر أوله وفتح ثانيه بوزن العنبة اسم من قولك خار الله له واستخار الله طلب منه الخيرة وخار الله له أعطاه ما هو خير له والمراد طلب خير الامرين لمن احتاج إلى أحدهما قوله حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال بفتح الميم وتخفيف الواو جمع مولى واسمه زيد ويقال زيد جد عبد الرحمن وأبوه لا يعرف اسمه وعبد الرحمن من ثقات المدنيين وكان ينسب إلى ولاء آل علي بن أبي طالب وخرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن في زمن المنصور فلما قتل محمد حبس عبد الرحمن المذكور بعد ان ضرب وقد وثقه بن المعين وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وذكره بن عدي في الكامل في الضعفاء وأسند عن أحمد بن حنبل انه قال كان محبوسا في المطبق حين هزم هؤلاء يعني بني حسن قال وروى عن محمد بن المنكدر حديث الاستخارة وليس أحد يرويه غيره وهو منكر وأهل المدينة إذا كان حديث غلطا يقولون بن المنكدر عن جابر كما ان أهل البصرة يقولون ثابت عن أنس يحملون عليهما وقد استشكل شيخنا في شرح الترمذي هذا الكلام وقال ما عرفت المراد به فإن بن المنكدر وثابتا ثقتان متفق عليهما قلت يظهر لي ان مرادهم التهكم والنكتة في اختصاص الترجمة الشهرة والكثرة ثم ساق بن عدي لعبد الرحمن أحاديث وقال هو مستقيم الحديث والذي انكر عليه حديث الاستخارة وقد رواه غير واحد من الصحابة كما رواه بن أبي الموال قلت يريد ان للحديث شواهد وهو كما قال مع مشاححة في إطلاقه قال الترمذي بعد ان أخرجه حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من حديث بن أبي الموال وهو مدني ثقة روى عنه غير واحد وفي الباب عن بن مسعود وأبي أيوب قلت وجاء أيضا عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر فحديث بن مسعود أخرجه الطبراني وصححه الحاكم وحديث أبي أيوب أخرجه الطبراني وصححه بن حبان والحاكم وحديث أبي سعيد وأبي هريرة اخرجهما بن حبان في صحيحه وحديث بن عمر وابن عباس حديث واحد أخرجه الطبراني من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن عطاء عنهما وليس في شئ منها ذكر الصلاة سوى حديث جابر الا ان لفظ أبي أيوب اكتم الخطبة وتوضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك الحديث فالتقييد بركعتين خاص بحديث جابر وجاء ذكر الاستخارة في حديث سعد رفعه من سعادة بن آدم استخارته الله أخرجه أحمد وسنده حسن
[ 156 ]
وأصله عند الترمذي لكن بذكر الرضا والسخط لا بلفظ الاستخارة ومن حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أمرا قال اللهم خر لي واختر لي وأخرجه الترمذي وسنده ضعيف وفي حديث أنس رفعه ما خاب من استخار والحديث أخرجه الطبراني في الصغير بسند واه جدا قوله عن محمد بن المنكدر عن جابر وقع في التوحيد من طريق معن بن عيسى عن عبد الرحمن سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن أي بن الحسن بن علي بن أبي طالب يقول أخبرني جابر السلمي وهو بفتح السين المهملة واللام نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام بطن من الانصار وعند الاسماعيلي من طريق بشر بن عمير حدثني عبد الرحمن سمعت بن المنكدر حدثني جابر قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في رواية معن يعلم اصحابه وكذا في طريق بشر بن عمير قوله في الامور كلها قال بن أبي جمرة هو عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الامر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه امران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه قلت وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العموم العظيم من الامور والحقير فرب حقير يترتب عليه الامر العظيم قوله كالسورة من القرآن في رواية قتيبة عن عبد الرحمن الماضية في صلاة الليل كما يعلمنا السورة من القرآن قيل وجه التشبيه عموم الحاجة في الامور كلها إلى الاستخارة كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة ويحتمل ان يكون المراد ما وقع في حديث بن مسعود في التشهد علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفى بين كفي أخرجه المصنف في الاستئذان وفي رواية الاسود بن يزيد عن بن مسعود أخذت التشهد من في رسول الله كلمة كلمة أخرجها الطحاوي وفي حديث سلمان نحوه وقال حرفا حرفا أخرجه الطبراني وقال بن أبي جمرة التشبيه في تحفظ حروفه وترتب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه ويحتمل ان يكون من جهة الاهتمام به والتحقق لبركته والاحترام له ويحتمل ان يكون من جهة كون كل منهما علم بالوحي قال الطيبي فيه إشارة إلى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء وهذه الصلاة لجعلهما تلوين الفريضة والقرآن قوله إذا هم فيه حذف تقديره يعلمنا قائلا إذا هم وقد ثبت ذلك في رواية قتيبة يقول إذا هم وزاد في رواية أبي داود عن قتيبة لنا قال بن أبي جمرة ترتيب الوارد على القلب على مراتب الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الارادة ثم العزيمة فالثلاثة الاولى لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الاخرى فقوله إذا هم يشير إلى أول ما يرد على القلب يستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الامر عنده وقويت فيه عزيمته وارادته فإنه يصير إليه له ميل وحب فيخشى ان يخفى عنه وجه الارشدية لغلبة ميله إليه قال ويحتمل ان يكون المراد بالهم العزيمة لان الخاطر لا يثبت فلا يستمر الا على ما يقصد التصميم على فعله والا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه اوقاته ووقع في حديث بن مسعود إذا أراد أحدكم أمرا فليقل قوله فليركع ركعتين يقيد مطلق حديث أبي أيوب حيث قال صل ما كتب الله لك ويمكن الجمع بأن المراد انه لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين ويكون ذكرهما على سبيل التنبيه بالادنى على الاعلى فلو صلى أكثر من ركعتين اجزأ والظاهر انه يشترط إذا أراد
[ 157 ]
ان يسلم من كل ركعتين ليحصل مسمى ركعتين ولا يجزئ لو صلى أربعا مثلا بتسليمة وكلام النووي يشعر بالاجزاء قوله من غير الفريضة فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلا ويحتمل ان يريد بالفريضة عينها وما يتعلق بها فيحترز عن الراتبة كركعتي الفجر مثلا وقال النووي في الاذكار لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبه صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر اجزأ كذا اطلق وفيه نظر ويظهر ان يقال ان نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معا اجزأ بخلاف ما إذا لم ينو ويفارق صلاة تحية المسجد لان المراد بها شغل البقعة بالدعاء والمراد بصلاة الاستخارة ان يقع الدعاء عقبها أو فيها ويبعد الاجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة لان ظاهر الخبر ان تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الامر وأفاد النووي انه يقرأ في الركعتين الكافرون والاخلاص قال شيخنا في شرح الترمذي لم اقف على دليل ذلك ولعله الحقهما بركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب قال ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الاخلاص والتوحيد والمستخير محتاج لذلك قال شيخنا ومن المناسب ان يقرأ فيهما مثل قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار وقوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان تكون لهم الخيرة قلت والاكمل ان يقرأ في كل منهما السورة والاية الاوليين في الاولى والاخريين في الثانية ويؤخذ من قوله من غير الفريضة ان الامر بصلاة ركعتي الاستخارة ليس على الوجوب قال شيخنا في شرح الترمذي ولم ار من قال بوجوب الاستخارة لورود الامر بها ولتشبيهها بتعليم السورة من القرآن كما استدل بمثل ذلك في وجوب التشهد في الصلاة لورود الامر به في قوله فليقل ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن فان قيل الامر تعلق بالشرط وهو قوله إذا هم أحدكم بالامر قلنا وكذلك في التشهد انما يؤمر به من صلى ويمكن الفرق وان اشتركا فيما ذكر ان التشهد جزء من الصلاة فيؤخذ الوجوب من قوله صلوا كما رأيتموني أصلي ودل على عدم وجوب الاستخارة ما دل على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس في حديث هل على غيرها قال لا الا ان تطوع انتهى وهذا وان صلح للاستدلال به على عدم وجوب ركعتي الاستخارة لكن لا يمنع من الاستدلال به على وجوب دعاء الاستخارة فكأنهم فهموا ان الامر فيه للارشاد فعدلوا به عن سنن الوجوب ولما كان مشتملا على ذكر الله والتفويض إليه كان مندوبا والله اعلم ثم نقول هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة فلو دعا به في اثناء الصلاة احتمل الاجراء ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء فان موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد وقال بن أبي جمرة الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء ان المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شئ لذلك انجع ولا انجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا قوله اللهم اني استخيرك بعملك الباء للتعليل أي لانك اعلم وكذا هي في قوله بقدرتك ويحتمل ان تكون للاستعانة كقوله بسم الله مجراها ويحتمل ان تكون للاستعطاف كقوله قال رب بما انعمت علي الآية وقوله واستقدرك أي اطلب منك ان تجعل لي على ذلك قدرة ويحتمل ان يكون المعنى اطلب منك ان تقدره لي والمراد بالتقدير التيسير قوله وأسألك من فضلك إشارة إلى ان إعطاء الرب فضل منه وليس لاحد عليه حق في نعمه كما هو مذهب أهل السنة قوله فإنك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم
[ 158 ]
إشارة إلى ان العلم والقدرة لله وحده وليس للعبد من ذلك الا ما قدر الله له وكأنه قال أنت يا رب تقدر قبل ان تخلق في القدرة وعندما تخلقها في وبعد ما تخلقها قوله اللهم ان كنت تعلم ان هذا الامر في رواية معن وغيره فإن كنت تعلم هذا الامر زاد أبو داود في رواية عبد الرحمن بن مقاتل عن عبد الرحمن بن أبي الموال الذي يريد وزاد في رواية معن ثم يسميه بعينه وقد ذكر ذلك في آخر الحديث في الباب وظاهر سياقه ان ينطق به ويحتمل ان يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء وعلى الاول تكون التسمية بعد الدعاء وعلى الثاني تكون الجملة حالية والتقدير فليدع مسميا حاجته وقوله ان كنت استشكل الكرماني الاتيان بصيغة الشك هنا ولا يجوز الشك في كون الله عالما وأجاب بأن الشك في ان العلم متعلق بالخير أو الشر لافي أصل العلم قوله ومعاشي زاد أبو داود ومعادي وهو يؤيد ان المراد بالمعاش الحياة ويحتمل ان يريد بالمعاش ما يعاش فيه ولذلك وقع في حديث بن مسعود في بعض طرقه عند الطبراني في الاوسط في ديني ودنياي وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في دنياي وآخرتي زاد بن حبان في روايته وديني وفي حديث أبي سعيد في ديني ومعيشتي قوله وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله هو شك من الراوي ولم تختلف الطرق في ذلك واقتصر في حديث أبي سعيد على عاقبة أمري وكذا في حديث بن مسعود وهو يؤيد احد الاحتمالين في ان العاجل والآجل مذكوران بدل الالفاظ الثلاثة أو بدل الاخيرين فقط وعلى هذا فقول الكرماني لا يكون الداعي جازما بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان دعا ثلاث مرات يقول مرة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ومرة في عاجل أمري وآجله ومرة في ديني وعاجل أمري وآجله قلت ولم يقع ذلك الشك في حديث أبي أيوب ولا أبي هريرة أصلا قوله فاقدره لي قال أبو الحسن القابسي أهل بلدنا يكسرون الدال وأهل الشرق يضمونها وقال الكرماني معنى قوله اجعله مقدورا لي أو قدره وقيل معناه يسره لي زاد معن ويسره لي وبارك لي فيه قوله فاصرفه عني واصرفني عنه أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الامر عنه متعلقا به وفيه دليل لاهل السنة ان الشر من تقدير الله على العبد لانه لو كان يقدر على اختراعه لقدر على صرفه ولم يحتج إلى طلب صرفه عنه قوله واقدر لي الخير حيث كان في حديث أبي سعيد بعد قوله واقدر لي الخير اينما كان لا حول ولا قوة الا بالله قوله ثم رضني بالتشديد وفي رواية قتيبة ثم ارضني به أي اجعلني به راضيا وفي بعض طرق حديث بن مسعود عند الطبراني في الاوسط ورضني بقضائك وفي حديث أبي أيوب وضني بقدرك والسر فيه ان لا يبقى قلبه متعلقا به فلا يطمئن خاطره والرضا سكون النفس إلى القضاء وفي الحديث شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمت وتعليمهم جميع ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ووقع في بعض طرقه عند الطبراني في حديث بن مسعود انه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء إذا أراد ان يصنع أمرا وفيه ان العبد لا يكون قادرا الا مع الفعل لا قبله والله هو خالق العلم بالشئ للعبد وهمه به واقتداره عليه فإنه يجب على العبد رد الامور كلها إلى الله والتبري من الحول والقوة إليه وان يسأل ربه في أموره كلها واستدل به على ان الامر بالشئ ليس نهيا عن ضده لانه لو كان كذلك لاكتفى بقوله ان كنت تعلم انه خير لي عن قوله وان كنت تعلم انه شر لي الخ لانه إذا لم يكن خيرا فهو شر وفيه نظر لاحتمال وجود الواسطة واختلف فيما ذا يفعل المستخير بعد الاستخارة فقال بن عبد السلام
[ 159 ]
يفعل ما اتفق ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث بن مسعود في اخره ثم يعزم وأول الحديث إذا أراد أحدكم أمرا فليقل وقال النووي في الاذكار يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره ويستدل له بحديث أنس عند بن السني إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن سنده واه جدا والمعتمد انه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة والى ذلك الاشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد ولا حول ولا قوة الا بالله قوله باب الدعاء عند الوضوء ذكر فيه حديث أبي موسى قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر الحديث ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في المغازي في باب غزوة اوطاس قوله باب الدعاء إذا علا عقبه كذا ترجم بالدعاء وأورد في الحديث التكبير وكأنه اخذه من قوله في الحديث انكم لا تدعون اصم ولا غائبا فسمى التكبير دعاء قوله أيوب هو السختياني وأبو عثمان هو النهدي قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر لم اقف على تعيينه قوله اربعوا بهمزة وصل مكسورة ثم موحدة مفتوحة أي ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم قوله فانكم لا تدعون اصم يأتي بيانه في التوحيد قوله كنز سمى هذه الكلمة كنزا لانها كالكنز في نفاسته وصيانته عن اعين الناس قوله أو قال الا أدلك على كلمة هي كنز الخ شك من الراوي هل قال قل لا حول ولا قوة الا بالله فانها كنز من كنوز الجنة أو قال الا أدلك الخ وسيأتي في كتباب القدر من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان بلفظ ثم قال يا عبد الله بن قيس الا أعلمك كلمة الخ وسيأتي في اواخر كتاب الدعوات أيضا من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان بلفظ ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد لله بن قيس الا أدلك الخ ولم يتردد ووقع في هذين الطريقين بيان سبب قوله انكم لا تدعون اصم فإن في رواية سليمان فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته وفي رواية خالد فجعلنا لا نصعد شرفا الا رفعنا اصواتنا بالتكبير ووقع في بعض النسخ اصما وكأنه لمناسبة غائبا وقوله بصيرا ووقع في تلك الرواية قريبا ويأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب القدر ان شاء الله تعالى وقوله لا حول يجوز ان يكون في موضع جر على البدل من قوله على كنز وفي موضع نصب بتقدير اعني وفي موضع رفع بتقدير هو قوله باب الدعاء إذا هبط واديا فيه حديث جابر كذا ثبت عند المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما والمراد بحديث جابر ما تقدم في الجهاد وفي باب التسبيح إذا هبط واديا من حديثه بلفظ كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا وقال بعده باب التكبير إذا علا شرفا وأورد فيه حديث جابر أيضا لكن بلفظ وإذا تصوبنا بدل نزلنا والتصويب الانحدار وقد ورد بلفظ هبطنا في هذا الحديث عند النسائي وابن خزيمة وأشرت إلى شرحه هناك ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع ان الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به ان يذكر كبرياء الله تعالى وانه أكبر من كل شئ فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله ومناسبة التسبيح عند الهبوط لكون المكان المنخفض محل ضيق فيشرع فيه التسبيح لانه من أسباب الفرج كما وقع في قصة يونس عليه السلام حين سبح في الظلمات فنجى من الغم قوله باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري ومثله في
[ 160 ]
رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ باب والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق فيما اظن الحديث الذي أوله ان النبي صلى الله عليه وسلم اقبل من خيبر وقد اردف صفية فلما كان ببعض الطريق عثرت الناقة فان في آخره فلما اشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الادب وفي اواخر اللباس وشرحته هناك الا الكلام الاخير هنا فوعدت بشرحه هنا وإسماعيل في الحديث الموصول هو بن أبي أويس قوله كان إذا قفل بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه ووقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الازدي عن بن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا فذكر الحديث إلى ان قال وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون الحديث والى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله إذا أراد سفرا قوله من غزو أو حج أو عمرة ظاهره اختصاص ذلك بهذه الامور الثلاث وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وقيل يتعدى أيضا إلى المباح لان المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لان مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وهذا التعليل متعقب لان الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الاكثار من ذكر الله وانما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الاذان وعقب الصلاة وانما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ولهذا ترجم بالسفر على انه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في اواخر أبواب العمرة ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة قوله يكبر على كل شرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ إذا أوفى أي ارتفع على ثنيه بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة أو فدفد بفتح الفاء بعده دال مهملة ثم فاء ثم دال والاشهر تفسيره بالمكان المرتفع وقيل هو الارض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الاودية ذات الحصى قوله ثم يقول لا إله إلا الله الخ يحتمل انه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل ان التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده ان كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه والا فإذا هبط سبح كما دل عليه حديث جابر ويحتمل ان يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى انه المتفرد بايجاد جميع الموجودات وانه المعبود في جميع الاماكن قوله آيبون جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير نحن آيبون وليس المراد الاخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والانصاف بالاوصاف المذكورة وقوله تائبون فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لامته أو المراد أمته كما تقدم تقريره وقد تستعمل التوبة لارادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد ان لا يقع منهم ذنب قوله صدق الله وعده أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله وعدكم الله
[ 161 ]
مغانم كثيرة وقوله وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين قوله ونصر عبده يريد نفسه قوله وهزم الاحزاب وحده أي من غير فعل أحد من الآدميين واختلف في المراد بالاحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الاحزاب وقد مضى خبرهم مفصلا في كتاب المغازي وقيل المراد أعم من ذلك وقال النووي المشهور الاول وقيل فيه نظر لانه يتوقف على ان هذا الدعاء انما شرع من بعد الخندق والجواب ان غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة الاحزاب ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وفيها قبل ذلك إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها الآية والاصل في الاحزاب انه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من الناس فاللام اما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار وأما عهدية والمراد من تقدم وهو الاقرب قال القرطبي ويحتملان يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الاحزاب والاول أظهر قوله باب الدعاء للمتزوج فيه حديث أنس في تزويج عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب النكاح والمراد هنا قوله بارك الله لك وقوله فقال مهيم اومه شك من الراوي والمعتمد ما في الرواية المتقدمة وهو الجزم بالاول ومعناه ما حالك ومه في هذه الرواية استفهامية انقلبت الالف هاء وحديث جابر في تزويجه الثيب وفيه هلا جارية تلاعبها وقد تقدم شرحه أيضا في النكاح والمراد منه قوله فيه بارك الله عليك وقوله فيه تزوجت يا جابر قلت نعم قال بكرا أم ثيبا انتصب على حذف فعل تقديره أتزوجت وقوله في الجواب قلت ثيت بالرفع على ان التقدير مثلا التي تزوجتها ثيب قيل وكان الاحسن النصب على نسق الاول أي تزوجت ثيبا قلت ولا يمتنع ان يكون منصوبا فكتب بغير الف على تلك اللغة وقوله فيه أو تضاحكها شك من الرواي وهو يعين أحد الاحتمالين في تلاعبها هل من اللعب أو من اللعاب وقد تقدم بيانه عند شرحه قوله لم يقل بن عيينة ومحمد بن مسلم عن عمرو بارك الله عليك اما رواية سفيان بن عيينة فتقدمت موصولة في المغازي وفي النفقات من طريقه واما رواية محمد بن مسلم وهو الطائفي فتقدم الكلام عليها في المغازي ومناسبة قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بارك الله لك ولجابر بارك الله عليك ان المراد بالاول اختصاصه بالبركة في زوجته وبالثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدم مصلحة اخواته على حظ نفسه فعدل لاجلهن عن تزوج البكر مع كونها ارفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالبا قوله باب ما يقول إذا اتى أهله ذكر فيه حديث بن عباس وفي لفظه ما يقتضي ان القول المذكور يشرع عند إرادة الجماع فيرفع احتمال ظاهر الحديث انه يشرع عند الشروع في الجماع وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب النكاح وقوله لم يضره شيطان ابدا أي لم يضر الولد المذكور بحيث يتمكن من اضراره في بدنه أو بدته وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة كذا ذكره بلفظ الآية وأورد الحديث من طريق
[ 162 ]
عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا إلى اخر الآية وقد أورده في تفسير البقرة عن أبي معمر عن عبد الوارث بسنده هذا ولكن لفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وللباقي مثله وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن علية عن عبد العزيز قال سأل قتادة أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة إلى اخره قال وكان أنس إذا أراد ان يدعو بدعوة دعا بها وهذا الحديث سمعه شعبة من إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس مختصرا رواه عنه يحيى بن أبي بكير قال يحيى فلقيت إسماعيل فحدثني به فذكره كما عند مسلم وأورده مسلم من طريق شعبة عن ثابت عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية وهذا مطابق للترجمة واخرج بن أبي حاتم من طريق أبي نعيم حدثنا عبد السلام أبو طالوت كنت عند أنس فقال له ثابت ان اخوانك يسألونك ان تدعو لهم فقال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فذكر القصة وفيها إذا أتاكم الله ذلك فقد اتاكم الخير كله قال عياض انما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة قال والحسنة عندهم ههنا النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب نسأل الله تعالى ان يمن علينا بذلك ودوامه قلت قد اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فعن السحن قال هي العلم والعبادة في الدنيا أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح وعنه بسند ضعيف الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة وتفسير الحسنة في الآخرة بالجنة نقله بن أبي حاتم أيضا عن السدي ومجاهد وإسماعيل بن أبي خالد ومقاتل بن حيان وعن بن الزبير يعملون في دنياهم لدنياهم وآخرتهم وعن قتادة هي العافية في الدنيا والآخرة وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات ونحوه عن يزيد بن أبي مالك وأخرج بن المنذر من طريق سفيان الثوري قال الحسنة في الدنيا الرزق الطيب والعلم وفي الآخرة الجنة ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال الحسنة في الدنيا المنى ومن طريق السدي قال المال ونقل الثعلبي عن السدى ومقاتل حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب وعن عطية حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة وبسنده عن عوف قال من آتاه الله الاسلام والقرآن والاهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ونقل الثعلبي عن سلف الصوفية اقوالا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا وفي الآخرة واقتصر الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي انها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقال الشيخ عماد الدين بن كثير الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنئ وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا واما الحسنة في الآخرة فاعلاها دخول الجنة وتوابعه من الامن من الفزع الاكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات قلت أو العفو محضا ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكر لا ما يتبعه حقيقة قوله باب التعود من فتنة الدنيا تقدمت
[ 163 ]
هذه الترجمة ضمن ترجمة وذلك قبل اثني عشر بابا وتقدم شرح الحديث أيضا قوله باب تكرير الدعاء ذكر فيه حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم طب بضم الطاء أي سحر وقد تقدم شرحه في اواخر كتاب الطب واخرج أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ان يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا وتقدم في الاستئذان حديث أنس كان إذا تكلم بكلمة اعادها ثلاثا قوله زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا ودعا وساق الحديث كذا للاكثر وسقط كل ذلك لابي زيد المروزي ورواية عيسى بن يونس تقدمت موصولة في الطب مع شرح الحديث وهو المطابق للترجمة بخلاف رواية أنس بن عياض التي أوردها في الباب فليس فيها تكرير الدعاء ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن نمير عن هشام في هذا الحديث فدعا ثم دعا ثم دعا وتقدم توجيه ذلك وتقدم الكلام على طريق الليث في صفة إبليس من بدء الخلق قوله باب الدعاء على المشركين كذا اطلق هنا وقيده في الجهاد بالهزيمة والزلزلة وذكر فيه أحاديث الاول قوله وقال بن مسعود اللهم اعني عليهم بسبع كسبع يوسف وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه هناك الثاني قوله وقال اللهم عليك بأبي جهل أي باهلاكه وسقط هذا التعليق من رواية أبي زيد وهو طرف من حديث لابن مسعود أيضا في قصة سلي الجزور التي القاها اشقى القوم على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الطهارة وهو رابع الاحاديث المذكورة في الترجمة التي أشرت إليها انفا في كتاب الجهاد الثالث قوله وقال بن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقال اللهم العن فلانا وفلانا حتى انزل الله عزوجل ليس لك من الامر شئ هذا أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في غزوة أحد وفي تفسير آل عمران وتقدم شرحه وتسمية من ابهم من المدعو عليهم الحديث الرابع قوله حدثنا بن سلام هو محمد بن أبي خالد اسمه إسماعيل وابن أبي أوفى هو عبد الله قوله على الاحزاب تقدم المراد به قريبا وسريع الحساب أي سريع فيه أو المعنى ان مجئ الحساب
[ 164 ]
سريع وتقدم شرح الحديث مستوفى في باب لا تتمنوا لقاء العدوا من كتاب الجهاد الحديث الخامس حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمستضعفين من المسلمين وفيه اللهم اشدد وطأتك على مضر أي خذهم بشدة وأصلها من الوطئ بالقدم والمراد الاهلاك لان من يطأ على الشئ برجله فقد استقصى في هلاكه والمراد بمضر القبيلة المشهورة التي منها جميع بطون قيس وقريش وغيرهم وهو على حذف مضاف أي كفار مضر وقد تقدم في الجهاد انه يشرح في المغازي فلم يتهيأ ذلك فشرح في تفسير سورة النساء وقوله فيه اللهم انج سلمة بن هشام نقل بن التين عن الداودي انه قال هو عم أبي جهل قال فعلى هذا فاسم أبي جهل هشام واسم جده هشام قلت وهو خطأ من عدة أوجه فان اسم أبي جهل عمرو واسم أبيه هشام وسلمة اخوه بلا خلاف بين أهل الاخبار في ذلك فلعله كان فيه فاسم أبي أبي جهل فيستقيم لكن قوله وسلمة عم أبي جهل خطأ فيرجع الخطأ الحديث السادس حديث أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم القراء الحديث وقد تقدم شرحه في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي وقوله وجد من الوجد بفتح ثم سكون أي حزن الحديث السابع حديث عائشة كانت اليهود يسلمون وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان الحديث الثامن حديث علي كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الحديث وفيه ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا وقد تقدم شرحه في تفسير سورة البقرة وأشرت إلى اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى وبلغته إلى عشرين قولا وقد تعسف أبو الحسن بن القصار في تأويله فقال وإنما تسميه العصر وسطى يختص بذلك اليوم لانهم شغلوا عن الظهر والعصر والمغرب فكانت العصر بالنسبة إلى الثلاثة التي شغلوا عنها وسطى لا ان المراد بالوسطى تفسير ما وقع في سورة البقرة قلت وقوله في هذه الرواية وهي صلاة العصر جزم الكرماني بأنه مدرج في الخبر من قول بعض رواته وفيه نظر فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس وفي المغازي من رواية روح بن عبادة وفي التفسير من راية يزيد بن هارون ومن رواية يحيى بن سعيد كلهم عن هشام ولم يقع عنده ذكر صلاة العصر عن أحد منهم الا انه وقع في المغازي إلى ان غابت الشمس وهو مشعر بأنها العصر وأخرجه مسلم من رواية أبي أسامة ومن رواية المعتمر بن سليمان ومن رواية يحيى بن سعيد ثلاثتهم عن هشام كذلك ولكن بلفظ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود مثله سواء وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعا شغلونا عن صلاة العصر وهو ظاهر في انه من نفس الحديث وقوله في السند حدثنا الانصاري يريد محمد بن عبد الله بن المثنى القاضي وهو من شيوخ البخاري ولكن ربما اخرج عنه بواسطة كالذي هنا وقوله حدثنا هشام بن حسان يرجح قول من قال في الرواية التي مضت في الجهاد من طريق عيسى بن يونس حدثنا هشام انه بن حسان وقد كنت ظننت انه الدستوائي ورددت على الاصيلي حيث جزم بأنه بن حسان ثم نقل تضعيف هشام بن حسان يروم رد الحديث فتعقبته هناك ثم وقفت على هذه الرواية فرجعت عما ظننته لكن أجيب الآن عن تضعيفه لهشام بأن هشام بن حساوان تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه لكن لم يضعفه بذلك احد مطلقا بل بقيد بعض شيوخه واتفقوا على انه ثبت في الشيخ الذي حدث عنه بحديث الباب وهو محمد بن سيرين قال سعيد بن أبي عروبة
[ 165 ]
ما كان أحد احفظ عن بن سيرين من هشام وقال يحيى القطان هشام بن حسان ثقة في محمد بن سيرين وقال أيضا هو احب إلى في بن سيرين من عاصم الاحول وخالد الحذاء وقال علي بن المديني كان يحيى القطان يضعف حديث هشام بن حسان عن عطاء وكان أصحابنا يثبونه قال وأما حديثه عن محمد بن سيرين فصحيح وقال يحيى بن معين كان ينفي حديثه عن عطاء وعن عكرمة وعن الحسن قلت قد قال أحمد ما يكاد ينكر عليه شئ الا ووجدت غيره قد حدث به اما أيوب واما عوف وقال بن عدي أحاديثه مستقيمة ولم ار فيها شيئا منكرا انتهى وليس له في الصحيحين عن عطاء شئ وله في البخاري شئ يسير عن عكرمة وتوبع عليه والله اعلم قوله باب الدعاء للمشركين تقدمت هذه الترجمة وحديث أبي هريرة فيها في كتاب الجهاد لكن زاد بالهدى ليتألفهم وقد تقدم شرحه هناك وذكرت وجه الجمع بين الترجمتين والدعاء على المشركين والدعاء للمشركين وانه باعتبارين وحكى بن بطال ان الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ليس لك من الامر شئ قال والاكثر على ان لا نسخ وان الدعاء على المشركين جائز وانما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الاسلام ويحتمل في التوفيق بينهما ان الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم والتقييد بالهداية يرشد إلى ان المراد بالمغفرة في قوله في الحديث الاخر اغفر لقومي فانهم لا يعملون العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها لان ذنب الكفر لا يمحى أو المراد بقوله اغفر لهم اهدهم إلى الاسلام الذي تصح معه المغفرة أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا والله أعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت كذا ترجم ببعض الخبر وهذا القدر منه يدخل فيه جميع ما اشتمل عليه لان جميع ما ذكر فيه لا يخلو عن أحد الامرين قوله عبد الملك بن الصباح ماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد اورد طريق معاذ عن معاذ عن شعبة عقبه إشارة إلى انه لم ينفرد به وعكس مسلم فصدر بطريق معاذ ثم اتبعه بطريق عبد الملك هذا قال أبو حاتم الرازي عبد الملك بن الصباح صالح قلت وهي من ألفاظ التوثيق لكنها من الرتبة الاخيرة عند بن أبي حاتم وقال ان من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار وعلى هذا فليس عبد الملك بن الصباح من شرط اصحيح لكن اتفاق الشيخين على التخريج له يدل على انه ارفع رتبة من ذلك ولا سيما وقد تابعه معاذ بن معاذ وهو من الاثبات ووقع في الارشاد الخليلي عبد الملك بن الصباح الصنعاني عن مالك متهم بسرقة الحديث حكاه الذهبي في الميزان وقال هو المسمعي مصري صدوق خرج له صاحب الصحيح انتهى والذي يظهر لي انه غير المسمعي فإن الصنعاني اما من صنعاء اليمن أو صنعاء دمشق وهذا بصري قطعا فافترقا قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي قوله عن بن أبي موسى هكذا جاء مبهما في رواية عبد الملك وهكذا أورده الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان والقاسم بن زكريا كلاهما عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه وأخرجه بن حبان في النوع الثاني عشر من القسم الخامس من صحيحه عن عمر بن محمد بن بشار حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي فذكره وسماه معاذ عن شعبة فقال في روايته عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قوله وقال عبيد الله بن معاذ الخ أخرجه مسلم بصريح التحديث فقال حدثنا عبيد الله بن معاذ
[ 166 ]
وكذا قال الاسماعيلي حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وأشار الاسماعيلي إلى ان في السند علة أخرى فقال سمعت بعض الحفاظ يقول ان أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة وانما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه قلت وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان لا يروى عن أحد من المدلسين الا ما يتحقق انه سمعه من شيخه قوله في الطريق الثالثة إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة أحسبه عن أبي موسى الاشعري لم أجد طريق إسرائيل هذه في مستخرج الاسماعيلي وضاقت على أبي نعيم فأوردها من طريق البخاري ولم يستخرجها من وجه اخر وأفاد الاسماعيلي ان شريكا وأشعث وقيس بن الربيع رووه عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه وقد وقعت لي طريق إسرائيل من وجه اخر أخرجها أبو محمد بن صاعد في فوائده عن محمد بن عمرو الهروي عن عبيد الله بن عبد المجيد الذي أخرجه البخاري من طريقه بسنده وقال في روايته عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن أبيهما ولم يشك وقال غريب من حديث أبي بكر بن أبي موسى قلت وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق وهو من اثبت الناس في حديث جده تنبيه حكى الكرماني ان في بعض نسخ البخاري وقال عبد الله بن معاذ بالتكبير قلت وهو خطأ محض وكذا حكى أن في بعض النسخ من طريق إسرائيل عبد الله بن عبد الحميد بتأخير الميم وهو خطأ أيضا وهذا هو أبو علي الحنفي مشهور من رجال الصحيحين قوله انه كان يدعو بهذا الدعاء لم ار في شئ من طرقه محل الدعاء بذلك وقد وقع معظم اخره في حديث بن عباس انه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في صلاة الليل وقد تقدم بيانه قبل ووقع أيضا في حديث علي عند مسلم انه كان يقوله في اخر الصلاة واختلفت الرواية هل كان يقوله قبل السلام أو بعده ففي رواية لمسلم ثم يكون من اخر ما يقول بين التشهد والسلام اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اسرفت وما اعلنت وما أنت اعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت وفي رواية له وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت الخ ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية الى إرادة السلام لان مخرج الطريقين واحد وأورده بن حبان في صحيحه بلفظ كان إذا فرغ من الصلاة وسلم وهذا ظاهر في انه بعد السلام ويحتمل انه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده وقد وقع في حديث بن عباس نحو ذلك كما بينته عند شرحه قوله رب اغفر لي خطيئتي الخطيئة الذنب يقال خطئ يخطئ ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطية بالتشديد قوله وجهلي الجهل ضد العلم قوله واسرافي في أمري كله الاسراف مجاوزة الحد في كل شئ قال الكرماني يحتمل ان يتعلق بالاسراف فقط ويحتمل ان يتعلق بجميع ما ذكره قوله اغفر لي خطاياي وعمدي وقع في رواية الكشميهني في طريق إسرائيل خطئي وكذا أخرجه البخاري في الادب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الاول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فان الخطيئة أعم من ان تكون عن خطأ وعن عمد أو هو من عطف أحد العامين على الاخر قوله وجهلي وجدي وقع في مسلم اغفر لي هزلي وجدي وهو انسب والجد بكسر الجيم ضد الهزل قوله وكل ذلك عندي أي موجود أو ممكن قوله اللهم اغفر لي ما قدمت الخ تقدم سر المراد به وبيان تأويله قوله أنت المقدم وأنت المؤخر في رواية مسلم اللهم أنت المقدم الخ
[ 167 ]
قوله وأنت على كل شئ قدير في حديث على الذي أشرت إليه قبل لا اله الا أنت بدل قوله وأنت على كل شئ قدير قال الطبري بعد ان استشكل صدور هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ما حاصله انه صلى الله عليه وسلم امتثل ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة إذا جاء نصر الله والفتح قال وزعم قوم ان استغفاره عما يقع بطريق السهو والغفلة أو بطريق الاجتهاد مما لا يصادف ما في نفس الامر وتعقب بأنه لو كان كذلك للزم منه ان الانبياء يؤاخذون بمثل ذلك فيكونون أشد حالا من اممهم وأجيب بالتزامه قال المحاسبي الملائكة والانبياء أشد لله خوفا ممن دونهم وخوفهم خوف اجلال واعظام واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق وقال عياض يحتمل ان يكون قوله اغفر لي خطيئتي وقوله اغفر لي ما قدمت وما أخرت على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه لما علم انه قد غفر له وقيل هو محمول على ما صدر من غفلة أو سهو وقيل على ما مضى قبل النبوة وقال قوم وقوع الصغيرة جائز منهم فيكون الاستغفار من ذلك وقيل هو مثل ما قال بعضهم في آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي من ذنب أبيك آدم وما تأخر أي من ذنوب أمتك وقال القرطبي في المفهم وقوع الخطيئة من الانبياء جائز لانهم مكلفون فيخافون وقوع ذلك ويتعوذون منه وقيل قاله على سبيل التواضع والخضوع لحق الربوبية ليقتدى به في ذلك تكميل نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي ان قول القائل في دعائه اللهم اغفر لجميع المسلمين دعاء بالمحال لان صاحب الكبيرة قد يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران وتعقب بالمنع وان المنافي للغفران الخلود في النار واما الاخراج بالشفاعة أو العفو فهو غفران في الجملة وتعقب أيضا بالمعارضة بقول نوح عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات وقول إبراهيم عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في قوله تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والتحقيق ان السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد فرد بطريق التعيين فلعل مراد الفراني منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدعاء بذلك ثم اني لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب والله اعلم قوله باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة أي التي ترجى فيها إجابة الدعاء وقد ترجم في كتاب الجمعة باب الساعة التي في يوم الجمعة ولم يذكر في البابين شيئا يشعر بتعيينها وقد اختلف في ذلك كثيرا واقتصر الخطابي منها على وجهين أحدهما انها ساعة الصلاة والآخر انها ساعة من النهار عند دنو الشمس للغروب وتقدم سياق الحديث في كتاب الجمعة من طريق الاعرج عن أبي هريرة بلفظ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا الا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها وقد ذكرت شرحه هناك واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكور فزاد على الاربعين قولا واتفق لي نظير ذلك في ليلة القدر وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور وهو ما أخرجه أحمد وصححه بن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال قلت يا أبا سعيد ان أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فقال سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني كنت اعلمتها ثم انسيتها كما انسيت ليلة القدر وفي هذا الحديث إشارة إلى ان كل رواية جاء فيها تعيين وقت
[ 168 ]
الساعة المذكورة مرفوعا وهم والله اعلم قوله يسأل الله خيرا يقيد قوله في رواية الاعرج شيئا وان الفضل المذكور لمن يسأل الخير فيخرج الشر مثل الدعاء بالاثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك وقوله وقال بيده فيه إطلاق القول على الفعل وقد وقع في رواية الاعرج وأشار بيده قوله قلنا يقللها يزهدها يحتمل ان يكون قوله يزهدها وقع تأكيدا لقوله يقللها والى ذلك أشار الخطابي ويحتمل ان يكون قال أحد اللفظين فجمعهما الراوي ثم وجدته عند الاسماعيلي من رواية أبي خيثمة زهير بن حرب يقللها ويزهدها فجمع بينهما وهو عطف تأكيد وقد أخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل شيخ مسدد فيه فلم يقع عنده قلنا ولفظه وقال بيده يقللها يزهدها وأخرجه أبو عوانة عن الزعفراني عن إسماعيل بلفظ وقال بيده هكذا فقلنا يزهدها أو يقللها وهذه أوضح الروايات والله اعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا أي لانا ندعو عليهم بالحق وهم يدعون علينا بالظلم ذكر فيه حديث عائشة في قول اليهود السام عليكم وفي قولها لهم السام عليكم واللعنة وفي اخره رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في ولمسلم من حديث جابر وانا تجاب عليهم ولا يجابون علينا ولاحمد من طريق محمد بن الاشعث عن عائشة في نحو حديث الباب فقال مه ان الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شئ ولزمهم إلى يوم القيامة وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان وفيه بيان الاختلاف في المراد بذلك ويستفاد منه ان الداعي إذا كان ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه ويؤيده قوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقوله هنا وإياك والعنف بضم العين ويجوز كسرها وفتحها وهو ضد الرفق بسم الله الرحمن الرحيم قوله باب التأمين يعني قول آمين عقب الدعاء ذكر فيه حديث أبي هريرة إذا امن القارئ فأمنوا وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة والمراد بالقارئ هنا الامام إذا قرأ في الصلاة ويحتمل ان يكون المراد بالقارئ أعم من ذلك وورد في التأمين مطلقا أحاديث منها حديث عائشة مرفوعا ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدتكم على السلام والتأمين رواه بن ماجة وصححه بن خزيمة وأخرجه بن ماجة أيضا من حديث بن عباس بلفظ ما حسدتكم على آمين فاكثروا من قول آمين واخرج الحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يجتمع ملا فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم الا اجابهم الله تعالى ولابي داود من حديث أبي زهير النميري قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على رجل قد الح في الدعاء فقال أوجب ان ختم فقال بأي شئ قال بآمين فاتاه الرجل فقال يا فلان اختم بآمين وأبشر وكان أبو زهير يقول امين مثل الطاب على الصحيفة وقد ذكرت في باب جهر الامام بالتأمين في كتاب الصلاة ما في آمين من اللغات واختلاف في معناها فاغنى عن الاعادة الله تعالى قوله باب فضل التهليل أي قول لا إله إلا الله وسيأتي بعد باب شئ مما يتعلق بذلك قوله عن مالك عن سمي بمهملة مصغر وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الحباب عن مالك حدثني سمى مولى أبي بكر أخرجه بن ماجة وفي رواية عبد الله بن سعيد عن أبي هند عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قوله عن أبي صالح هو السمان قوله عن أبي هريرة في رواية عبد الله بن سعيد انه سمع أبا هريرة قوله من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير
[ 169 ]
هكذا في أكثر الروايات وورد في بعضها زيادة يحيى ويميت وفي أخرى زيادة بيده الخير وسأذكر من زاد ذلك قوله مائة مرة في رواية عبد الله بن يوسف عن مالك الماضية في بدء الخلق في يوم مائة مرة وفي رواية عبد الله بن سعيد إذا أصبح ومثله في حديث أبي امامة عند جعفر الفريابي في الذكر ووقع في حديث أبي ذر تقييده بأن ذلك في دبر صلاة الفجر قبل ان يتكلم لكن قال عشر مرات وفي سندهما شهر بن حوشب وقد اختلف عليه وفيه مقال قوله كانت له في رواية الكشميهني من طريق عبد الله بن يوسف الماضية كان بالتذكر أي القول المذكور قوله عدل فتح العين قال الفراء العدل بالفتح ما عدل الشئ من غير جنسه وبالكسر المثل قوله عشر رقاب في رواية عبد الله بن سعيد عدل رقبة ويوافقه رواية مالك حديث البراء بلفظ من قال لا إله إلا الله وفي اخره عشر مرات كن له عدل رقبة أخرجه النسائي وصححه بن حبان والحاكم ونظيره في حديث أبي أيوب الذي في الباب كما سيأتي التنبيه عليه واخرج جعفر الفريابي في الذكر من طريق الزهري أخبرني عكرمة بن محمد الدؤلي ان أبا هريرة قال من قالها فله عدل رقبة ولا تعجزوا ان تستكثروا من الرقاب ومثله رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكنه خالف في صحابيه فقال عن أبي عياش الزرقي أخرجه النسائي قوله وكتبت في رواية الكشميهني وكتب بالتذكير قوله وكانت له حرزا من الشيطان في رواية عبد الله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي وزاد ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك ومثل ذلك في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد قوله ولم يأت أحد بأفضل مما جاء كذا هنا وفي رواية عبد الله بن يوسف مما جاء به قوله الا رجل عمل أكثر منه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لم يجئ أحد بأفضل من عمله الا من قال أفضل من ذلك أخرجه النسائي بسند صحيح إلى عمرو والاستثناء في قوله الا رجل منقطع والتقدير لكن رجل قال أكثر مما قاله فإنه يزيد عليه ويجوز ان يكون الاستثناء متصلا قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وعبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي بفتح المهملة والقاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه وعمر بن أبي زائدة اسم أبيه خالد وقيل ميسرة وهو أخو زكريا بن أبي زائدة وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي تابعي صغير وعمرو بن ميمون هو الاودي تابعي كبير مخضرم أدرك الجاهلية قوله من قال عشرا كان كمن اعتق رقبة من ولد إسماعيل هكذا ذكره البخاري مختصرا وساقه مسلم عن سليمان بن عبيد الله الغيلاني والاسماعيلي من طريق علي بن مسلم قالا حدثنا أبو عامر بالسند المذكور ولفظه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير عشر مرات كان كمن اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة ومن طريق عمرو بن عاصم فرقهما قالا حدثنا عمر بن أبي زائدة فذكر مثله سواء قوله قال عمر كذا لابي ذر غير منسوب ولغيره عمر بن أبي زائدة وهو الراوي المذكور في أول السند قوله وحدثنا عبد الله بن أبي السفر بفتح المهملة والفاء وسكن بعض المغاربة الفاء وهو خطأ وهو معطوف على قوله عن أبي إسحاق وقد أوضح ذلك مسلم والاسماعيلي في روايتهما المذكورة فأعاد مسلم السند من أوله إلى عمر بن أبي زائدة قال حدثنا عبد الله بن أبي السفر فذكره وكذا وقع عند أحمد عن روح بن عبادة وعند أبي عوانة من روايته واقتصر على الموصول
[ 170 ]
في رواية عمرو بن عاصم المذكور عن الشعبي عن الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر قوله مثله أي مثل رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الموقوفة وحاصل ذلك ان عمر بن أبي زائدة اسنده عن شيخين أحدهما عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون موقوفا والثاني عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا تنبيه وقع قوله قال عمرو حدثنا عبد الله بن أبي السفر الخ مؤخرا في رواية أبي ذر عن التعاليق عن موسى وعن إسماعيل وعن ادم وعن الاعمش وحصين وقدم هذه التعاليق كلها على الطريق الثانية لعمر بن أبي زائدة فصار ذلك مشكلا لا يظهر منه وجه الصواب ووقع قوله وقال عمر بن أبي زائدة مقدما معقبا بروايته عن أبي إسحاق عند غير أبي ذر في جميع الروايات عن الفريري وكذا في رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري وهو الصواب ويؤيد ذلك رواية الاسماعيلي ورواية أبي عوانة المذكورتان قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه هو بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق هو جد إبراهيم بن يوسف قوله حدثني عمرو بن ميمون الخ أفادت هذه الرواية التصريح بتحديث عمرو لابي إسحاق وافادت زيادة ذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي أيوب في السند قوله وقال موسى حدثنا وهيب الخ مرفوعا وصله أبو بكر بن أبي خيثمة في ترجمة الربيع بن خثيم من تاريخه فقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي فذكره ولفظه كان له من الاجر مثل من اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل وقد أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن داود بن أبي هند بسنده لكن لفظه كان له عدل رقبة أو عشر رقاب ثم أخرجه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود قال مثله ومن طريق محمد بن أبي عدي ويزيد بن هارون كلاهما عن داود نحوه وأخرجه النسائي من رواية يزيد وهو عند أحمد عن يزيد بلفظ كن له كعدل عشر رقاب وأخرجه الاسماعيلي من طريق خلف بن راشد قال وكان ثقة صاحب سنة عن داود بن أبي هند مثله وزاد في اخره قال قلت من حدثك قال عبد الرحمن قلت لعبد الرحمن من حدثك قال أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه الربيع بن خثيم ورواية وهيب تؤيد رواية عمر بن أبي زائدة وان كان اختصر القصة فإنه وافقه في رفعه وفي كون الشعبي رواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله إسماعيل أهو بن أبي خالد واقتصار البخاري على هذا القدر يوهم انه خالف داود في وصله وليس كذلك وانما أراد انه جاء في هذه الطريق عن الربيع من قوله ثم لما سئل عنه وصله وليس كذلك وقد وقع لنا ذلك واضحا في زيادات الزهد لابن المبارك ورواية الحسين بن الحسين المروزي قال الحسين حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت إسماعيل بن أبي خالد يحدث عن عامر هو الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال لا إله إلا الله فذكره بلفظ فهو عدل أربع رقاب فقلت عمن ترويه فقال عن عمرو بن ميمون فلقيت عمرا فقلت عمن ترويه فقال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن فقلت عمن ترويه فقال عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال قال الربيع بن خثيم أخبرت انه من قال فذكره وزاد بعد قوله أربع رقاب يعتقها قلت عمن تروي هذا فذكر مثله لكن ليس
[ 171 ]
فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال فذكره دون قوله يعتقها فقلت له عمن تروي هذا فذكره وكذا أخرجه النسائي عن رواية يعلى بن عبيد عن إسماعيل مثله سواء وذكر الدارقطني ان بن عيينة ويزيد بن عطاء ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الاموي رووه عن الربيع بن خثيم كما قال يعلى بن عبيد وان علي بن عاصم رفعه عن إسماعيل وأخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن إسحاق عن إسماعيل عن جابر سمعت الربيع بن خثيم يقول فذكره قال قلت فمن أخبرك قال عمرو بن ميمون قال فلقيت عمرا فقلت ان الربيع روى لي عنك كذا وكذا أفأنت أخبرته قال نعم قلت من أخبرك قال عبد الرحمن فذكر ذلك الخ قوله وقال ادم حدثنا شعبة الخ هكذا للاكثر ووقع عند الدارقطني ان البخاري قال فيه حدثنا آدم وكذا رويناه في نسخة ادم بن أبي إياس عن شعبة رواية القلانسي عنه وكذا أخرجه النسائي من رواية محمد بن جعفر والاسماعيلي من رواية معاذ بن معاذ كلاهما عن شعبة بسنده المذكور وساقا المتن ولفظهما عن عبد الله هو بن مسعود قال لان أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه احب الي من ان اعتق أربع رقاب وأخرجه النسائي من طريق منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع وحده عن عبد الله بن مسعود قال من قال فذكر مثله لكن زاد بيده الخير وقال في اخره كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل قوله وقال الاعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله اما رواية الاعمش فوصلها النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال من قال اشهد ان لا إله إلا الله وقال فيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل واما رواية حصين وهو بن عبد الرحمن فوصلها محمد بن فضيل في كتاب الدعاء له حدثنا حصين بن عبد الرحمن فذكره ولفظه قال عبد الله من قال أول النهار لا إله إلا الله فذكره بلفظ كن له كعدل أربع محررين من ولد إسماعيل قال فذكرته لابراهيم يعني النخعي فزاد فيه بيده الخير وهكذا أخرجه النسائي من طريق محمد بن فضيل ورويناها بعلو في فوائد أبي جعفر بن البختري من طريق علي بن عاصم عن حصين ولفظه عن هلال قال ما قعد الربيع بن خثيم الا كان اخر قوله قال بن مسعود فذكره وهكذا رواه منصور بن المعتمر عن هلال وقال في اخره كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل وزاد فيه بيده الخير ولم يفصل كما فصل حصين أخرجه النسائي من رواية يحيى بن يعلى عن منصور وأخرجه النسائي أيضا من رواية زائدة عن منصور عن هلال عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مثل الاول وزاد عشر مرات كن عدل نسمة وهذه الطريق لا تقدح في الاسناد الاول لان عبد الرحمن صرح بأنه سمعه من أبي أيوب كما في رواية الاصيلي وغيره فلعله كان سمعه من المرأة عنه ثم لقيه فحدثه به أو سمعه منه ثم ثبتته فيه المرأة قوله ورواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا لابي ذر ووافقه النسفي ولغيرهما وقال أبو محمد الخ وأبو محمد لا يعرف اسمه كما قال الحاكم أبو أحمد وكان يخدم أبا أيوب وذكر المزي انه افلح مولى أبي أيوب وتعقب بأنه مشهور باسمه مختلف في كنيته وقال الدارقطني لا يعرف أبو محمد الا في هذا الحديث وليس لابي محمد الحضرمي في الصحيح الا هذا الموضع وقد وصله
[ 172 ]
الامام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الحريري عن أبي الورد وهو بفتح الواو وسكون الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون القشيري عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الانصاري قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزل علي فقال لي يا أبا أيوب الا أعلمك قلت بلى يا رسول الله قال ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله فذكره الا كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات والا كن له عند الله عدل عشر رقاب محررين والا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي الا كان كذلك قال فقلت لابي محمد أنت سمعتها من أبي أيوب قال والله لقد سمعتها من أبي أيوب وروى أحمد أيضا من طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رفعه من قال إذا صلى الصبح لا إله إلا الله فذكره بلفظ عشر مرات كن كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات ومحى عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك وسنده حسن وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي رهم السمعي بفتح المهملة والميم عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح فذكر مثله لكن زاد يحيي ويميت وقال فيه كعدل عشر رقاب وكان له مسلحة من أول نهاره إلى اخره ولم يعمل عملا يومئذ يقهرهن وان قالهن حين يمسي فمثل ذلك وأخرجه أيضا من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أيوب بلفظ من قال غدوة فذكر نحوه وقال في اخره واجاره الله يومه من النار ومن قالها عشية كان له مثل ذلك قوله قال أبو عبد الله هو البخاري والصحيح قول عمرو كذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي وحده ووقع عنده عمرو بفتح العين ونبه على ان الصواب عمر بضم العين وهو كما قال ووقع عند أبي زيد المروزي في روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو وقال الدارقطني الحديث حديث بن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الاسناد ومراد البخاري ترجيح رواية عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق على رواية غيره عنه وقد ذكر هو ممن رواه عن أبي إسحاق حفيده إبراهيم بن يوسف كما بينته ورواه عن أبي إسحاق أيضا حفيده الاخر إسرائيل بن يونس أخرجه جعفر في الذكر من طريقه عن أبي إسحاق فزاد في روايته بين عمرو وعبد الرحمن الربيع بن خثيم ووقفه أيضا ولفظه عنده كان له من الاجر مثل من اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ورواه عن أبي إسحاق أيضا زهير بن معاوية كذلك أخرجه النسائي من طريقه لكن قال كان أعظم اجرا وأفضل والباقي مثل إسرائيل وأخرجه أيضا من رواية زيد بن أبي انيسة عن أبي إسحاق لكن لم يذكر عبد الرحمن بين الربيع وأبي أيوب وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي الاحوص عن أبي إسحاق فقال عن عمرو بن ميمون حدثنا من سمع أبا أيوب فذكر مثل لفظ زهير بن معاوية واختلاف هذه الروايات في عدد الرقاب مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها فالاكثر على ذكر أربعة ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة يذكر عشرة لقولها مائة فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة وهي مع ذلك لمطلق الرقاب ومع وصف كون الرقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم لانهم اشرف من غيرهم من العرب فضلا عن العجم واما ذكر رقبة بالافراد في حديث أبي أيوب فشاذ والمحفوظ أربعة كما بينته وجمع للقرطبي في المفهم بين الاختلاف على اختلاف أحوال الذاكرين فقال انما يحصل الثواب
[ 173 ]
الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الثواب في الاحاديث فان في بعضها ثوابا معينا وتجد ذلك الذكر بعينه في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق في حديث أبي هريرة وأبي أيوب قلت إذا تعددت مخارج الحديث فلا بأس بهذا الجمع وإذا اتحدث فلا وقد يتعين الجمع الذي قدمته ويحتمل فيما إذا تعددت أيضا أن يختلف المقدار بالزمان كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلا وعدم التقيد إن لم يجعل المطلق في ذلك على المقيد ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك قال عياض ذكر هذا العدد من المائة دليل على انها غاية للثواب المذكور واما قوله الا أحد عمل أكثر من ذلك فيحتمل ان تراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل يحسابه لئلا يظن انها من الحدود التي نهى عن اعتدائها وانه لافضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة واعداد الطهارة ويحتمل ان تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر أو غيره الا ان يزيد أحد عملا اخر من الاعمال الصالحة وقال النووي يحتمل ان يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو غيره وهو الاظهر يشير إلى ان ذلك يختص بالذكر ويؤيده ما تقدم ان عند النسائي من رواية عمرو بن شعيب الا من قال أفضل من ذلك قال وظاهر إطلاق الحديث ان الاجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليا أو متفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو اخره لكن الافضل ان يأتي به أول النهار متواليا ليكون له حرزا في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله تنبيه أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر في حديث بن عمر عن عمر رفعه من قال حسين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير الحديث أخرجه الترمذي وغيره وهذا لفظ جعفر في الذكر وفي سنده لين وقد ورد جميعه في حديث الباب على ما اوضحته مفرقا الا قوله وهو حي لا يموت قوله باب فضل التسبيح يعني قول سبحان الله ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به صلاة النافلة واما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها وسبحان اسم منصوب على انه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا ولا يستعمل غالبا الا مضافا وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز ان يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الاول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله سبحانه ثم سبحانا انزهه قوله من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر زاد في رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي عن أبي صالح من قال حين يمسي وحين يصبح ويأتي في ذلك ما ذكره النووي من ان الافضل ان يقول ذلك متواليا في أول النهار وفي أول الليل والمراد بقوله وان كانت مثل زبد البحر الكناية عن المبالغة في الكثرة قال عياض قوله حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر مع قوله في التهليل محيت عنه مائة سيئة قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل يعني لان عدد زبد البحر اضعاف اضعاف المائة لكن تقدم في التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به فيحتمل ان يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل وانه بما زيد من رفع الدرجات
[ 174 ]
وكتب الحسنات تم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا لانه قد جاء من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة وما زاده عتق الرقاب الزيادة على الواحدة ويؤيده الحديث الاخر أفضل الذكر التهليل وانه أفضل ما قاله والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والاخلاص وقيل انه اسم الله الاعظم وقد مضى شرح التسبيح وانه التنزيه عما لا يليق بالله تعالى وجميع ذلك داخل في ضمن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير انتهى ملخصا قلت وحديث أفضل الذكر لا إله إلا الله أخرجه الترمذي والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث جابر ويعارضه في الظاهر حديث أبي ذر قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله قال ان احب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده أخرجه مسلم وفي رواية سئل أي الكلام أفضل قال ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده وقال الطيبي في الكلام على حديث أبي ذر فيه تلميح بقوله تعالى حكاية عن الملائكة ونحن نسبح بحمد ك ونقدس لك ويمكن ان يكون قوله سبحان الله وبحمده مختصرا من الكلمات الاربع وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر لان سبحان الله تنزيه له عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لان الاضافة فيه بمعنى اللام في الحمد ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لانه إذا كان كل الفضل والافضال لله ومن الله وليس من غيره شئ من ذلك فلا يكون أحد أكبر منه ومع ذلك كله فلا يلزم ان يكون التسبح أفضل من التهليل لان التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولان نفي الالهة في قول لا اله نفي لمضمنها من فعل الخلق والرزق والاثابة والعقوبة وقول الا الله اثبات لذلك ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لان التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه والله اعلم وقد جمع القرطبي بما حاصله ان هذه الاذكار إذا اطلق على بعضها انه أفضل الكلام أو احبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى اخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم احب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ويحتمل ان يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى لان حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه انتهى وقال النووي هذا الاطلاق في الافضلية محمول على كلام الادمي والا فالقرآن أفضل الذكر وقال البيضاوي الظاهر ان المراد من الكلام كلام البشر فان للثلاث الاول وان وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه قلت ويحتمل ان يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله احب الكلام بناء على ان لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لانها ذكرت بالتنصيص عليها بالافضلية الصريحة وذكرت مع اخواتها بالاحبية فحصل لها التفضيل تنصيصا وانضماما والله اعلم واخرج الطبري من رواية عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ان الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الاخلاص التي لا يقبل الله عملا حتى يقولها وإذا
[ 175 ]
قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد حتى يقولها ومن طريق الاعمش عن مجاهد عن بن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين تكميل اخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب علمني شيئا اذكرك به قال قل لا إله إلا الله الحديث وفيه لو ان السماوات السبع وعامرهن والارضين السبع جعلن في كفة ولا اله الا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله فيؤخذ منه ان الذكر بلا اله الا الله أرجح من الذكر بالحمد لله ولا يعارضه حديث أبي مالك الاشعري رفعه والحمد لله تملا الميزان فان الملء يدل على المساواة والرجحان صريح في الزيادة فيكون أولى ومعنى ملء الميزان ان ذاكرها يمتلئ ميزانه ثوابا وذكر بن بطال عن بعض العلماء ان الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه انما هو لاهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام وليس من اصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالافاضل المطهرين في ذلك ويشهد له قوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيآت ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون قوله حدثنا بن فضيل هو محمد وأبوه بالفاء والمعجمة مصغر وعمارة هو بن القعقاع بن شبرمة وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير ورجال الاسناد ما بين زهير بن حرب وأبي هريرة كوفيون قوله خفيفتان على اللسان الخ قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به واما الثقل فعلى حقيقته لان الاعمال تتجسم عند الميزان والخفة والسهولة من الامور النسبية وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته لان جميع التكاليف شاقة على النفس وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الافعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه وقوله حبيبتان إلى الرحمن تثنية حبيبة وهي المحبوة والمراد ان قائلها محبوب لله ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الاسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في اخر الصحيح حيث ختم به المصنف ان شاء الله تعالى قوله باب فضل ذكر الله عزوجل ذكر فيه حديثي أبي موسى وأبي هريرة وهما ظاهران فيما ترجم له والمراد بالذكر هنا الاتيان بالالفاظ التي ورد الترغيب في قولها والاكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما اوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ان لا يقصد به غير معناه وان انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فان انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فان وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو ابلغ الكمال وقال الفخر الرازي المراد بذكر اللسان الالفاظ الدالة على التسبيح
[ 176 ]
والتحميد والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الامر والنهي حتى يطلع على احكامها وفي أسرار مخلوقات الله والذكر بالجوارح هو ان تصير مستغرقة في الطاعات ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرا فقال فاسعوا إلى ذكر الله ونقل عن بعض العارفين قال الذكر على سبعة انحاء فذكر العينين بالبكاء وذكر الاذنين بالاصغاء وذكر اللسان بالثناء وذكر اليدين بالعطاء وذكر البدن بالوفاء وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء وورد في فضل الذكر أحاديث أخرى منها ما أخرجه المصنف في اواخر كتاب التوحيد عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي وانا معه إذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الحديث ومنها ما أخرجه في صلاة الليل من حديث أبي هريرة أيضا رفعه يعقد الشيطان الحديث وفيه فان قام فذكر الله انحلت عقدة ومنها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة الحديث ومن حديث أبي ذر رفعه احب الكلام إلى الله ما اصطفى لملائكته سبحان ربي وبحمده الحديث ومن حديث معاوية رفعه انه قال لجماعة جلسوا يذكرون الله تعالى أتاني جبريل فأخبرني ان الله يباهي بكم الملائكة ومن حديث سمرة رفعه احب الكلام إلى الله أربع لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت ومن حديث أبي هريرة رفعه لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر احب الي مما طلعت عليه الشمس واخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم عن الحارث بن الحارث الاشعري في حديث طويل وفيه فآمركم ان تذكروا الله وان مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في اثره شراعا حتى إذا اتى على حصن حصين احرز نفسه منهم فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى وعن عبد الله بن بسر ان رجلا قال يا رسول الله ان شرائع الاسلام قد كثرت علي فأخبرني بشئ تشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم واخرج بن حبان نحوه أيضا من حديث معاذ بن جبل وفيه انه السائل عن ذلك واخرج الترمذي من حديث أنس رفعه إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر واخرج الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا الا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلا قال ذكر الله عزوجل وقد أشرت إليه مستشكلا في أوائل الجهاد مع ما ورد في فضل المجاهد انه كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر وغير ذلك مما يدل على افضليته على غيره من الاعمال الصالحة وطريق الجمع والله اعلم ان المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى وان الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك وان أفضلية الجهاد انما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له انه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من
[ 177 ]
عمل صالح الا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا فصار الذكر أفضل الاعمال من هذه الحيثية ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن ابلغ من عمله الحديث الاول قوله مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت سقط لفظ ربه الثانية من رواية غير أبي ذر هكذا وقع في جميع نسخ البخاري وقد أخرجه مسلم عن أبي كريب وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وكذا أخرجه الاسماعيلي وابن حبان في صحيحه جميعا عن أبي يصلى عن أبي كريب وكذا أخرجه أبو عوانة عن أحمد بن عبد الحميد والاسماعيلي أيضا عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن براد وعن القاسم بن زكريا عن يوسف بن موسى وإبراهيم بن سعيد الجوهري وموسى بن عبد الرحمن المسروقي والقاسم بن دينار كلهم عن أبي أسامة فتوارد هؤلاء على هذا اللفظ يدل على انه هو الذي حدث به يزيد بن عبد الله شيخ أبي أسامة وانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه أو تجوز في روايته بالمعنى الذي وقع له وهو ان الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا السكن وان إطلاق الحي والميت في وصف البيت انما يراد به ساكن البيت فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت الحديث الثاني قوله حدثنا قتيبة هو بن سعيد وصرح بذلك في غير رواية أبي ذر قوله جرير هو بن عبد الحميد قوله عن أبي صالح لم أره من حديث الاعمش الا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه عن الاعمش كما سأذكره فان شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس الا بما تحقق انهم سمعوه قوله عن أبي هريرة كذا قال جرير وتابعه الفضيل بن عياض عند بن حبان وأبو بكر بن عياش عند الاسماعيلي كلاهما عن الاعمش وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الاعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هكذا بالشك للاكثر وفي نسخة وعن أبي سعيد بواو العطف والاول هو المعتمد فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال شك الاعمش وكذا قال بن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية وكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الاعمش قال الترمذي حسن صحيح وقد روى عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد قوله بعد سياق المتن رواه شعبة عن الاعمش يعني بسنده المذكور قوله ولم يرفعه هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه وهكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا قوله ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله مسلم وأحمد من طريقه وسأذكر ما في روايته من فائدة قوله إن لله ملائكة زاد الاسماعيلي عثمان بن أبي شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير فضلا وكذا لابن حبان من طريق فضيل بن عياض وكذا لمسلم من رواية سهيل قال عياض في المشارق ما نصه في روايتنا
[ 178 ]
عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب ورواه العذري والهوزني فضل بالضم وبعضهم بضم الضاد ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري قال وكان هذا الحرف في كتاب بن عيسى فضلاء بضم أوله وفتح الضاد المد وهو وهم هنا وان كانت هذه صفتهم عليهم السلام وقال في الاكمال الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير وقال بن الاثير في النهاية فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها قال بعضهم والسكون أكثر واصوب وقال النووي ضبطوا فضلا على أوجه ارجحها بضم الفاء والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى انها أكثر واصوب والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد قال القاضي عياض هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم والرابع بضم الفاء والضاد كالاول لكن برفع اللام يعني على انه خبر ان والخامس فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حلق الذكر وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كمنزل ونازل انتهى ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري وهم فإنها ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات الا ان تكون خارج الصحيح ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلا وانما أخرجه من طريقه الترمذي وزاد بن أبي الدنيا والطبراني في رواية جرير فضلا عن كتاب الناس ومثله لابن حبان من رواية فضيل بن عياض وزاد سياحين في الارض وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والاسماعيلي عن كتاب الابدي ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه سيارة فضلا قوله يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر في رواية سهيل يتبعون مجاس الذكر وفي حديث جابر بن أبي يعلى ان لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الارض قوله فإذا وجدوا قوما في رواية فضيل بن عياض فإذا رأوا قوما وفي رواية سهيل فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قوله تنادوا في رواية الاسماعيلي يتنادون قوله هلموا إلى حاجتكم في رواية أبي معاوية بغيتكم وقوله هلموا على لغة أهل نجد واما أهل الحجاز فيقولون الواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الافراد وقد تقدم تقرير ذلك في التفسير واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الاكل أم أي اقصد وقيل أصله لم بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا قوله فيحفونهم بأجنحتهم أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين والباء للتعدية وقيل للاستعانة قوله إلى السماء الدنيا في رواية الكشميهني إلى سماء الدنيا وفي رواية سهيل قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤا ما بينهم وبين سماء الدنيا قوله قال فيسألهم ربهم عزوجل وهو أعلم منهم في رواية الكشميهني بهم كذا للاسماعيلي وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم زاد في رواية سهيل من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الارض وفي رواية الترمذي فيقول الله أي شئ تركتم عبادي يصنعون قوله ما يقول عبادي قال تقول يسبحونك كذا لابي ذر بالافراد فيهما ولغيره قالوا يقولون ولابن أبي الدنيا قال يقولون وزاد سهيل في روايته فإذا تفرقوا أي أهل المجلس عرجوا أي الملائكة وصعدوا إلى السماء قوله يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك زاد
[ 179 ]
إسحاق وعثمان عن جرير ويمجدونك وكذا لابن أبي الدنيا وفي رواية أبي معاوية فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك وفي رواية الاسماعيلي قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك الخ وفي رواية سهيل جئنا من عند عباد لك في الارض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لاخرتهم ودنياهم ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وانها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر والاشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب وان كانت قراءة الحديث ومدارسه العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى قوله قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع وسقط لغيره قوله كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا زاد أبو ذر في روايته وتحميدا وكذا لابن أبي الدنيا وزاد في رواية الاسماعيلي وأشد لك ذكرا وفي رواية بن أبي الدنيا وأكثر لك تسبيحا قوله قال يقول في رواية أبي ذر فيقول قوله فما يسألوني في رواية أبي معاوية فأي شئ يطلبون قوله يسألونك الجنة في رواية سهيل يسألونك جنتك قوله كانوا أشد عليها حرصا زاد أبو معاوية في روايته عليها وفي رواية بن أبي الدنيا كانوا أشد حرصا وأشد طلبة واعظم لها رغبة قوله قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار في رواية أبي معاوية فمن أي شئ يتعوذون فيقولون من النار وفي رواية سهيل قالوا ويستجيرونك وقال ومم يستجيرونني قالوا من نارك قوله كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة في رواية أبي معاوية كانوا أشد منها هربا وأشد منها تعوذا وخوفا وزاد سهيل في روايته قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم واعطيتهم ما سألوا وفي حديث أنس فيقول غشوهم رحمتي قوله يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجة في رواية أبي معاوية فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء لم يردهم انما جاء لحاجة وفي رواية سهيل قال يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء انما مر فجلس معهم وزاد في روايته قال وله قد غفرت قوله هم الجلساء في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل هم القوم وفي اللام اشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم قوله لا يشقى جليسهم كذا لابي ذر ولغيره لا يشقى بهم جليسهم وللترمذي لا يشقى لهم جليس وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال وقد اخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الاشهب عن الحسن البصري قال بينا قوم يذكرون الله إذ اتاهم رجل فقعد إليهم قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت فقالوا ربنا فيهم عبدك فلان قال غشوهم رحمتي هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل لكن التصريح بنفي الشقاء ابلغ في حصول المقصود تنبيه اختصر أبو زيد المروزي في روايته عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه إلى قوله هلموا إلى حاجتكم ثم قال فذكر الحديث وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع علي ذلك وان جليسهم يندرج معهم
[ 180 ]
في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم اكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر وفيه محبة الملائكة بني ادم واعتناؤهم بهم وفيه ان السؤال قد يصدر من السائل وهو اعلم بالمسئول عنه من المسئول لاظهار العناية بالمسؤول عنه والتنوية بقدره والاعلان بشرف منزلته وقيل ان في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الاشارة إلى قولهم اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فكأنه قيل لهم انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس وقيل انه يؤخذ من هذا الحديث ان الذكر الحاصل من بني ادم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الادميين مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقه انه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي امامة رفعه واعلموا انكم لم تروا ربكم حتى تموتوا وفيه جواز القسم في الامر المحقق تأكيدا له وتنويها به وفيه ان الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا به وان الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول قوله باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم قريبا في باب الدعاء إذا علا عقبة ووعدت بشرحه في كتاب القدر وسيأتي إن شاء الله تعالى قوله باب لله مائة اسم غير واحدة كذا لابي ذر ولغيره مائة غير واحد بالتذكير وكذا اختلف الرواة في هذا في لفظ المتن قوله حفظناه من أبي الزناد في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو الزناد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه قوله رواية في رواية الحميدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن سفيان بهذا السند عن النبي صلى الله عليه وسلم وللمصنف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ووقع عند الدارقطني في غرائب مالك من رواية عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه عن بن وهب عن مالك بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عزوجل لي تسعة وتسعون اسما قلت وهذا الحديث رواه عن الاعرج أيضا موسى بن عقبة عند بن ماجة من رواية زهير بن محمد عنه وسرد الاسماء ورواه عن أبي الزناد أيضا شعيب بن أبي حمزة كما مضى في الشروط ويأتي في التوحيد وأخرجه الترمذي من رواية الوليد بن مسلم عن شعيب وسرد الاسماء ومحمد بن عجلان عند أبي عوانة ومالك عند بن خزيمة والنسائي والدارقطني في غرائب مالك وقال صحيح عن مالك وليس في الموطأ قدر ما عند أبي نعيم في طرق الاسماء الحسنى وعبد الرحمن بن أبي الزناد عند الدارقطني وأبو عوانة ومحمد بن إسحاق عند أحمد وابن ماجة وموسى بن عقبة عند أبي نعيم من رواية حفص بن ميسرة عنه ورواه عن أبي هريرة أيضا همام بن منبه عند مسلم وأحمد ومحمد بن سيرين عند مسلم والترمذي والطبراني في الدعاء وجعفر الفريابي في الذكر وأبو رافع عند الترمذي وأبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وابن ماجة وعطاء بن يسار وسعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعبد الله بن شقيق ومحمد بن جبير بن مطعم والحسن البصري أخرجها أبو نعيم بأسانيد عنهم كلها ضعيفة وعراك بن مالك عند البزار لكن شك فيه ورويناها في جزء المعالي وفي امالي
[ 181 ]
الجرفي من طريقه بغير شك ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة سلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وعلي وكلها عند أبي نعيم أيضا بأسانيد ضعيفة وحديث علي في طبقات الصوفية لابي عبد الرحمن السلمي وحديث بن عباس وابن عمر معا في الجزء الثالث عشر من امالي أبي القاسم بن بشران وفي فوائد أبي عمر بن حيويه انتقاء الدارقطني هذا جميع ما وقفت عليه من طرقه وقد اطلق بن عطية في تفسيره انه تواتر عن أبي هريرة فقال في سرد الاسماء نظر فان بعضها ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح ولم يتواتر الحديث من أصله وان خرج في الصحيح ولكنه تواتر عن أبي هريرة كذا قال ولم يتواتر عن أبي هريرة أيضا بل غاية امره ان يكون مشهورا ولم يقع في شئ من طرقه سرد الاسماء الا في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند بن ماجة وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الاعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الاسماء والزيادة والنقص على ما سأشير إليه ووقع سرد الاسماء أيضا في طريق ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة واختلف العلماء في سرد الاسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الاول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لان كثيرا من هذه الاسماء كذلك وذهب اخرون إلى ان التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العلماء قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الاسماء الحسنى والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال ولا أعلم خلافا عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعلم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب يشير إلى ان بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الاسماء فرواية أبي اليمان عند المصنف ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الادراج قال البيهقي يحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معا ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما ولهذا الاحتمال ترك الشيخان تخريج التعيين وقال الترمذي بعد ان أخرجه من طريق الوليد هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه الا من حديث صفوان وهو ثقة وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا نعلم في شئ من الروايات ذكر الاسماء الا في هذه الطريق وقد روى بإسناد اخر عن أبي هريرة فيه ذكر الاسماء وليس له إسناد صحيح انتهى ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضا وقد اختلف في سنده على الوليد فأخرجه عثمان الدرامي في النقض على المريسي عن هشام بن عمار عن الوليد فقال عن خليد بن دعلج عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره بدون التعيين قال الوليد وحدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال كلها في القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وسرد الاسماء وأخرجه أبو الشيخ بن حبان من رواية أبي عامر القرشي عن الوليد بن مسلم بسند اخر فقال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الاعرج عن أبي هريرة قال زهير فبلغنا ان غير واحد من أهل العلم قال ان أولها ان تفتتح بلا اله
[ 182 ]
الا الله وسرد الاسماء وهذه الطريق أخرجها بن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد لكن سرد الاسماء اولا فقال بعد قوله من حفظها دخل الجنة الله الواحد الصمد الخ ثم قال بعد ان انتهى العد قال زهير فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم ان أولها يفتتح بلا اله الا الله له الاسماء الحسنى قلت والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك بن محمد الصنعاني ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج وقد تكرر في رواية الوليد عن زهير ثلاثة أسماء وهي الاحد الصمد الهادي ووقع بدلها في رواية عبد الملك المقسط القادر الوالي وعند الوليد أيضا الوالي الرشيد وعند عبد الملك الوالي الراشد وعند الوليد العادل المنير وعند عبد الملك الفاطر القاهر واتفقا في البقية واما رواية الوليد عن شعيب وهي أقرب الطرق إلى الصحة وعليها عول غالب من شرح الاسماء الحسنى فسياقها عند الترمذي هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفو الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الاول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وقد أخرجه الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال القائم الدائم بدل القابض الباسط والشديد بدل الرشيد والاعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم ووقع عند بن حبان عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع ووقع في صحيح بن خزيمة في رواية صفوان أيضا مخالفة في بعض الاسماء قال الحاكم يدل الحكيم والقريب بدل الرقيب والمولى بدل الوالي والاحد بدل المغني ووقع في رواية البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة ووقع بين رواية زهير وصفوان المخالفة في ثلاثة وعشرين اسما فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل المحصي المتقدر المقدم المؤخر البر المنتقم المغني النافع الصبور البديع الغفار الحفيظ الكبير الواسع الاحد مالك الملك ذو الجلال والاكرام وذكر بدلها الرب الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادي بالدال القديم البار بتشديد الراء الوفي البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل المعطي العالم الاحد الابد الوتر ذو القوة ووقع في رواية عبد العزيز بن الحصين اختلاف اخر فسقط فيها ما في رواية صفوان من القهار إلى تمام خمسة عشر اسما على الولاء وسقط منها أيضا القوي الحليم الماجد القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل المقسط الجامع الضار النافع الوالي الرب فوقع فيها مما في رواية موسى
[ 183 ]
بن عقبة المذكورة انفا ثمانية عشر اسما على الولاء وفيها ايضا الحنان المنان الجليل الكفيل المحيط القادر الرفيع الشاكر الاكرم الفاطر الخلاق الفاتح المثيب بالمثلثة ثم الموحدة العلام المولى النصير ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الاله المدبر بتشديد الموحدة قال الحاكم انما أخرجت رواية عبد العزيز بن الحصين شاهدا لرواية الوليد عن شعبة لان الاسماء التي زادها على الوليد كلها في القرآن كذا قال وليس كذلك وانما تؤخذ من القرآن بضرب من التكلف لا ان جميعها ورد فيه بصورة الاسماء وقد قال الغزالي في شرح الاسماء له لا اعرف أحدا من العلماء عني بطلب أسماء وجمعها سوى رجل من حفاظ المغرب يقال له علي بن حزم فإنه قال صح عندي قريب من ثمانين اسما يشتمل عليها كتاب الله والصحاح من الاخبار فلتطلب البقية من الاخبار الصحيحة قال الغزالي وأظنه لم يبلغه الحديث يعني الذي أخرجه الترمذي أو بلغه فاستضعف إسناده قلت الثاني هو مراد فإنه ذكر نحو ذلك في المحلى ثم قال والاحاديث الواردة في سرد الاسماء ضعيفة لا يصح شئ منها أصلا وجميع ما تتبعته من القرآن ثمانية وستون اسما فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى ويبقى وجه ربك ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله تعالى بديع السماوات والارض وسأبين الاسماء التي اقتصر عليها قريبا وقد استضعف الحديث أيضا جماعة فقال الداودي لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم عين الاسماء المذكورة وقال بن العربي يحتمل ان تكون الاسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل ان تكون من جمع بعض الرواة وهو الاظهر عندي وقال أبو الحسن القابسي أسماء الله وصفاته لا تعلم الا بالتوقيف من الكتاب أو السنة أو الاجماع ولا يدخل فيها القياس ولم يقع في الكتاب ذكر عدد معين وثبت في السنة انها تسعة وتسعون فأخرج بعض الناس من الكتاب تسعة وتسعين اسما والله اعلم بما أخرج من ذلك لان بعضها ليست أسماء يعني صريحه ونقل الفخر الرازي عن أبي زيد البلخي انه طعن في حديث الباب فقال اما الرواية التي لم يسرد فيها الاسماء وهي التي اتفقوا على انها أقوى من الرواية التي سردت فيها الاسماء فضعيفة من جهة ان الشارع ذكر هذا العدد الخاص ويقول ان من احصاه دخل الجنة ثم لا يسأله السامعون عن تفصيلها وقد علمت شدة رغبة الخلق في تحصيل هذا المقصود فيمتنع ان لا يطالبوه بذلك ولو طالبوه لبينها لهم ولو بينها لما اغفلوه ولنقل ذلك عنهم واما الرواية التي سردت فيها الاسماء فيدل على ضعفها عدم تناسبها في السياق ولا في التوقيف ولا في الاشتقاق لانه ان كان المراد الاسماء فقط فغالبها صفات وان كان المراد الصفات فالصفات غير متناهية وأجاب الفخر الرازي عن الاول بجواز ان يكون المراد من عدم تفسيرها ان يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الاسماء رجاء ان يقعوا على تلك الاسماء المخصوصة كما ابهمت ساعة الجمعة وليلة القدر والصلاة الوسطى وعن الثاني بأن سردها انما وقع بحسب التتبع والاستقراء على الراجح فلم يحصل الاعتناء بالتناسب وبأن المراد من احصى هذه الاسماء دخل الجنة بحسب ما وقع الاختلاف في تفسير المراد بالاحصاء فلم يكن القصد حصر الاسماء انتهى وإذا تقرر رجحان ان سرد الاسماء ليس مرفوعا فقد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد فروينا في كتاب المائتين لابي عثمان الصابوني بسنده إلى محمد بن
[ 184 ]
يحيى الذهلي انه استخرج الاسماء من القرآن وكذا اخرج أبو نعيم عن الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلال عن بن أبي عمرو حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الاسماء الحسنى فقال هي في القرآن وروينا في فوائد تمام من طريق أبي الطاهر بن السرح عن حبان بن نافع عن سفيان بن عيينة الحديث يعني حديث ان لله تسعة وتسعين اسما قال فوعدنا سفيان ان يخرجها لنا من القرآن فأبطأ فأتينا أبا زيد فأخرجها لنا فعرضناها على سفيان فنظر فيها أربع مرات وقال نعم هي هذه وهذا سياق ما ذكره جعفر وأبو زيد قالا ففي الفاتحة خمسة الله رب الرحمن الرحيم مالك وفي البقرة محيط قدير عليم حكيم علي عظيم تواب بصير ولي واسع كاف رءوف بديع شاكر واحد سميع قابض باسط حي قيوم غني حميد غفور حليم وزاد جعفر اله قريب مجيب عزيز نصير قوي شديد سريع خبير قالا وفي آل عمران وهاب قائم زاد جعفر الصادق باعث منعم متفضل وفي النساء رقيب حسيب شهيد مقيت وكيل زاد جعفر علي كبير وزاد سفيان عفو وفي الانعام فاطر قاهر زاد جعفر مميت غفور برهان وزاد سفيان لطيف خبير قادر وفي الاعراف محيي مميت وفي الانفال نعم المولى ونعم النصير وفي هود حفيظ مجيد ودود فعال لما يريد زاد سفيان قريب مجيب وفي الرعد كبير متعال وفي إبراهيم منان زاد جعفر صادق وارث وفي الحجر خلاق وفي مريم صادق وارث زاد جعفر فرد وفي طه عند جعفر وحده غفار وفي المؤمنين كريم وفي النور حق مبين زاد سفيان نور وفي الفرقان هاد وفي سبأ فتاح وفي الزمر عالم عند جعفر وحده وفي المؤمن غافر قابل ذو الطول زاد سفيان شديد وزاد جعفر رفيع وفي الذاريات رزاق ذو القوة المتين بالتاء وفي الطور بر وفي اقتربت مقتدر زاد جعفر مليك وفي الرحمن ذو الجلال والاكرام زاد جعفر رب المشرقين ورب المغربين باقي معين وفي الحديد أول اخر ظاهر باطن وفي الحشر قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر خالق بارئ مصور زاد جعفر ملك وفي البروج مبدئ معيد وفي الفجر وتر عند جعفر وحده وفي الاخلاص أحد صمد هذا اخر ما رويناه عن جعفر وأبي زيد وتقرير سفيان من تتبع الاسماء من القرآن وفيها اختلاف شديد وتكرار وعدة أسماء لم ترد بلفظ الاسم وهي صادق منعم متفضل منان مبدئ معيد باعث قابض باسط برهان معين مميت باقي ووقفت في كتاب المقصد الاسني لابي عبد الله محمد بن إبراهيم الزاهد انه تتبع الاسماء من القرآن فتأمله فوجدته كرر أسماء وذكر مما لم أره فيه بصيغة الاسم الصادق والكاشف والعلام وذكر من المضاف الفالق من قوله فالق الحب والنوى وكان يلزمه ان يذكر القابل من قوله قابل التوب وقد تتبعت ما بقي من الاسماء مما ورد في القرآن بصيغة الاسم مما لم يذكر في رواية الترمذي وهي ا لرب الاله المحيط القدير الكافي الشاكر الشديد القائم الحاكم الفاطر الغافر القاهر المولى النصير الغالب الخالق الرفيع المليك الكفيل الخلاق الاكرم الاعلى المبين بالموحدة الحفي بالحاء المهملة والفاء القريب الاحد الحافظ فهذه سبعة وعشرون اسما إذا انضمت الاسماء التي وقعت في رواية الترمذي مما وقعت في القرآن بصيغة الاسم تكمل بها التسعة والتسعون وكلها في القرآن لكن بعضها بإضافة كالشديد من شديد العقاب والرفيع من رفيع الدرجات والقائم من قوله قائم على كل نفس بما كسبت
[ 185 ]
والفاطر من فاطر السماوات القاهر من وهو القاهر فوق عباده والمولى والنصير من نعم المولى ونعم النصير والعالم من عالم الغيب والخالق من قوله خالق كل شئ والغافر من غافر الذنب والغالب من والله غالب على امره والرفيع من رفيع الدرجات والحافظ من قوله فالله خير حافظا ومن قوله وانا له لحافظون وقد وقع نحو ذلك من الاسماء التي في رواية الترمذي وهي المحي من قوله لمحيي الموتى والمالك من قوله مالك الملك والنور من قوله نور السماوات والارض والبديع من قوله بديع السماوات والارض والجامع من قوله جامع الناس والحكم من قوله افغير الله ابتغى حكما والوارث من قوله ونحن الوارثون والاسماء التي تقابل هذه مما وقع في رواية الترمذي مما لم تقع في القرآن بصيغة الاسم وهي سبعة وعشرون اسما القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المميت الواجد الماجد المقدم المؤخر الوالي ذو الجلال والاكرام المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور فإذا اقتصر من رواية الترمذي على ما عدا هذه الاسماء وأبدلت بالسبعة والعشرين التي ذكرتها خرج من ذلك تسعة وتسعون اسما وكلها في القرآن واردة بصيغة الاسم ومواضعها كلها ظاهرة من القرآن الا قوله الحفي فإنه في سورة مريم في قول إبراهيم سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا وقل من نبه على ذلك ولا يبقى بعد ذلك الا النظر في الاسماء المشتقة من صفة واحدة مثل القدير والمقتدر والقادر والغفور والغفار والغافر والعلي والاعلى والمتعال والملك والمليك والمالك والكريم والاكرم والقاهر والقهار والخالق والخلاق والشاكر والشكور والعالم والعليم فاما ان يقال لا يمنع ذلك من عدها فان فيها التغاير في الجملة فإن بعضها يزيد بخصوصية على الاخر ليست فيه وقد وقع الاتفاق على ان الرحمن الرحيم اسمان مع كونهما مشتقين من صفة واحدة ولو منع من عد ذلك للزم ان لا يعد ما يشترك الاسمان فيه مثلا من حيث المعنى مثل الخالق البارئ المصور لكنها عدت لانها ولو اشتركت في معنى الايجاد والاختراع فهي مغايره من جهة أخرى وهي ان الخالق يفيد القدرة على الايجاد والبارئ يفيد الموجد لجوهر المخلوق المصور يفيد خالق الصورة في تلك الذات المخلوقة وإذا كان ذلك لا يمنع المغايرة لم يمتنع عدها أسماء مع ورودها والعلم عند الله تعالى وهذا سردها لتحفظ ولو كان في ذلك اعادة لكنه يغتفر لهذا القصد الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار التواب الوهاب الخلاق الرزاق الفتاح العليم الحليم العظيم الواسع الحكيم الحي القيوم السميع البصير اللطيف الخبير العلي الكبير المحيط القدير المولى النصير الكريم الرقيب القريب المجيب الوكيل الحسيب الحفيظ المقيت الودود المجيد الوارث الشهيد الولي الحميد الحق المبين القوي المتين الغني المالك الشديد القادر المتقدر القاهر الكافي الشاكر المستعان الفاطر البديع الغافر الاول الاخر الظاهر الباطن الكفيل الغالب الحكم العالم الرفيع الحافظ المنتقم القائم المحيي الجامع المليك المتعالى النور الهادي الغفور الشكور العفو الرؤوف الاكرم الاعلى البر الحفي الرب الاله الواحد
[ 186 ]
الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قوله لله تسعة وتسعون في رواية الحميدي ان لله تسعة وتسعين وكذا في رواية شعيب قوله اسما كذا في معظم الروايت بالنصب على التمييز وحكى السهيلي انه روى بالجر وخرجه على لغة من يجعل الاعراب في النون ويلزم الجمع الياء فيقول كم سنينك برفع النون وعددت سنينك بالنصب وكم مر من سنينك بكسر النون ومنه قول الشاعر وقد جاوزت حد الاربعين بكسر النون فعلامة النصب في الرواية فتح النون وحذف التنوين لاجل الاضافة وقوله مائة بالرفع والنصب على البدل في الروايتين قوله الا واحدة قال بن بطال كذا وقع هنا ولا يجوز في العربية قال ووقع في رواية شعيب في الاعتصام الا واحدا بالتذكير وهو الصواب كذا قال وليست الرواية المذكورة في الاعتصام بل في التوحيد وليست الرواية التي هنا خطأ بل وجهوها وقد وقع في رواية الحميدي هنا مائة غير واحد بالتذكير أيضا وخرج التأنيث على إرادة التسمية وقال السهيلي بل انث الاسم لانه كلمة واحتج بقول سيبويه الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة وقال بن مالك انث باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وقال جماعة من العلماء الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد قوله تسعة وتسعون ان يتقرر ذلك في نفس السامع جمعا بين جهتي الاجمال والتفصيل أو دفعا للتصحيف الخطي والسمعي واستدل به على صحة استثناء القليل من الكثير وهو متفق عليه وأبعد من استدل به على جواز الاستثناء مطلقا حتى يدخل استثناء الكثير حتى لا يبقى الا القليل وأغرب الداودي فيما حكاه عنه بن التين فنقل الاتفاق على الجواز وان من أقر ثم استثنى عمل باستنثائه حتى لو قال له علي الف الا تسعمائة وتسعة وتسعين انه لا يلزمه الا واحد وتعقبه بن التين فقال ذهب إلى هذا في الاقرار جماعة وأما نقل الاتفاق فمردود فالخلاف ثابت حتى في مذهب مالك وقد قال أبو الحسن اللخمي منهم لو قال أنت طالق ثلاثا الاثنتين وقع عليه ثلاث ونقل عبد الوهاب وغيره عن عبد الملك وغيره انه لا يصح استثناء الكثير من القليل ومن لطيف ادلتهم ان من قال صمت الشهر الا تسعا وعشرين يوما يستهجن لانه لم يصم الا يوما واليوم لا يسمى شهرا وكذا من قال لقيت القوم جميعا الا بعضهم ويكون ما لقي الا واحدا قلت والمسألة مشهورة فلا يحتاج إلى الاطالة فيها وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الاسماء الحسنى في هذه العدة أو انها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور إلى الثاني ونقل النووي اتفاق العلماء عليه فقال ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى وليس معناه انه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين وانما مقصود الحديث ان هذه الاسماء من أحصاها دخل الجنة فالمراد الاخبار عن دخول الجنة باحصائها لا الاخبار بحصر الاسماء ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد وصححه بن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وعند مالك عن كعب الا حبار في دعاء وأسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم اعلم وأورد الطبري عن قتادة نحوه ومن حديث عائشة انها دعت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك وسيأتي في الكلام على الاسم الاعظم وقال الخطابي في هذا الحديث اثبات هذه الاسماء المخصوصة بهذا العدد وليس فيه منع ما عداها من الزيادة
[ 187 ]
وانما التخصيص لكونها أكثر الاسماء وأبينها معاني وخبر المبتدأ في الحديث هو قوله من أحصاها لا قوله لله وهو كقولك لزيد الف درهم أعدها للصدقة أو لعمرو مائة ثوب من زاره البسه إياها وقال القرطبي في المفهم نحو ذلك ونقل بن بطال عن القاضي أبي بكر بن الطيب قال أليس في الحديث دليل على انه ليس لله من الاسماء الا هذه العدة وانما معنى الحديث ان من أحصاها دخل الجنة ويدل على عدم الحصر ان أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وقيل ان المراد الدعاء بهذه الاسماء لان الحديث مبني على قوله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم انها تسعة وتسعون فيدعى بها ولا يدعى بغيرها حكاه بن بطال عن المهلب وفيه نظر لانه ثبت في أخبار صحيحة الدعاء بكثير من الاسماء التي لم ترد في القرآن كما في حديث بن عباس في قيام الليل أنت المقدم وأنت المؤخر وغير ذلك وقال الفخر الرازي لما كانت الاسماء من الصفات وهي اما ثبوتية حقيقية كالحي أو اضافية كالعظيم واما سلبية كالقدوس واما من حقيقية واضافية كالقدير أو من سلبيه اضافية كالاول والاخر واما من حقيقية واضافية سلبية كالملك والسلوب غى متناهية لانه عالم بلا نهاية قادر على مالا نهاية له فلا يمتنع ان يكون له من ذلك اسم فيلزم ان لا نهاية لاسمائه وحكى القاضي أبو بكر بن العربي عن بعضهم ان لله الف اسم قال بن العربي وهذا قليل فيها ونقل الفخر الرازي عن بعضهم ان لله أربعة آلاف اسم استأثر بعلم الف منها واعلم الملائكة بالبقية والانبياء بألفين منها وسائر الناس بألف وهذه دعوى تحتاج إلى دليل واستدل بعضهم لهذا القول بأنه ثبت في نفس حديث الباب انه وتر يحب الوتر والرواية التي سردت فيها الاسماء لم يعد فيها الوتر فدل على ان له اسما اخر غير التسعة والتسعين وتعقبه من ذهب إلى الحصر في التسعة والتسعين كابن حزم بأن الخبر الوارد لم يثبت رفعه وانما هو مدرج كما تقدمت الاشارة إليه واستدل أيضا على عدم الحصر بأنه مفهوم عدد وهو ضعيف وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور وهو لا يقول بالمفهوم أصلا ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم مائة الا واحدا قال لانه لو جاز ان يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم ان يكون له مائة اسم فيبطل قوله مائة الا واحدا وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم لان الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فمن ادعى على ان الوعد وقع لمن احصى زائدا على ذلك أخطأ ولا يلزم من ذلك ان لا يكون هناك اسم زائد واحتج بقوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه وقد قال أهل التفسير من الالحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة وقد ذكر منها في اخر سورة الحشر عدة وختم ذلك بأن قال له الاسماء الحسنى قال وما يتخيل من الزيادة في العدة المذكور لعله مكرر معنى وان تغاير لفظا كالغافر والغفار والغفور مثلا فيكون المعدود من ذلك واحدا فقط فإذا اعتبر ذلك وجمعت الاسماء الواردة نصا في القرآن وفي الصحيح من الحديث لم تزد على العدد المذكور وقال غيره المراد بالاسماء الحسنى في قوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ما جاء في الحديث ان لله تسعة وتسعين اسما فان ثبت الخبر الوارد في تعيينها وجب المصير إليه ولا فليتتبع من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة فان التعريف في الاسماء للعهد فلا بد من المعهود فإنه أمر بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها فلا بد من وجود المأمور به قلت والحوالة
[ 188 ]
على الكتاب العزيز أقرب وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي ان يعمد إلى ما تكرر لفظا ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتتبع من الاحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو نمط اخر من التتبع عسى الله ان يعين عليه بحوله وقوته آمين فصل واما الحكمة في القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الاكثر انه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما خص هذا العدد إشارة إلى ان الاسماء لا تؤخذ قياسا وقيل الحكمة فيه ان معاني الاسماء ولو كانت كثيرة جدا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة وقيل الحكمة فيه ان العدد زوج وفرد والفرد أفضل من الزوج ومنتهى الافراد من غير تكرار تسعة وتسعون لان مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد وانما كان الفرد أفضل من الزوج لان الوتر أفضل من الشفع لان الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق والشفع يحتاج للوتر من غير عكس وقيل الكمال في العدد حاصل في المائة لان الاعداد ثلاثة اجناس احاد وعشرات ومئات والالف مبتدأ لاحاد اخر فأسماء الله مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الاعظم فلم يطلع عليه أحدا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وقال غيره ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة وممن جزم بذلك السهيلي فقال الاسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل المائة واستدل بهذا الحديث على ان الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء الله الحسنى فقال في هذا الحديث دليل على ان الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الاسماء غيره لقوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ثم قال والمخلص من ذلك ان المراد بالاسم هنا التسمية وقال الفخر الرازي المشهور من قول أصحابنا ان الاسم نفس المسمى وغير التسمية وعند المعتزلة الاسم نفس التسمية وغير المسمى واختار الغزالي ان الثلاثة أمور متباينة وهو الحق عندي لان الاصم ان كان عبارة عن اللفظ الدال على الشئ بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشئ المسمى فالعلم الضروري حاصل بان الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه وقال أبو العباس القرطبي في المفهم الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شئ مفرد وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك وانما التفرقة بينها باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال ان الاسم هو المسمى حقيقة كما زعم بعض الجهلة فألزم ان من قال نار احترق فلم يقدر على التخلص من ذلك وأما النحاة فمرادهم بان الاسم هو المسمى أنه من حيث أنه لا يدل الا عليه ولا يقصد الا هو فإن كان ذلك الاسم من أسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر اخر وان كان من الاسماء الدالة على معنى زائد دل على ان تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره وبيان ذلك انك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصه في الوجود من غير زيادة ولا نقصان فان قلت العالم دل على ان تلك الذات منسوبة للعلم ومن هذا صح عقلا ان تتكثر الاسماء المختلفة على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال ان المراد بالاسم التسمية ورأى ان هذا يخلصه من التكثر وهذا
[ 189 ]
فرار من غير مفر إلى مفر وذلك ان التسمية انما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم إلى مسماه فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى ان له اسمين ننسبهما إليه فبقي الالزام على حاله من ارتكاب التعسف ثم قال القرطبي وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة ان هذه الكلمة التي هي الاسم تطلق ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى وقال غيره التحقيق في ذلك انك إذا سميت شيئا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعدها وهو الذات التي اطلق عليها اللفظ والذات واللفظ متغايران قطعا والنحاة انم يطلقونه على اللفظ لانهم انما يتكلمون في الالفاظ وهو غير مسمى قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا والخلاف في الامر الثالث وهو معنى اللفظ قبل التلقيب فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في انه الثالث أو لا فالخلاف حينئذ انما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى اولا لا في الاسم اللفظي والنحوي لا يطلق الاسم على غير اللفظ لانه محط صناعته والمتكلم لا ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال وانما يزيد عليه شيئا اخر دعاه إلى تحقيقه ذكر الاسماء والصفات واطلاقها على الله تعالى قال ومثال ذلك انك إذا قلت جعفر لقبه انف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ انف الناقة والمتكلم يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعه أو رفعة لان اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضمة والرفعة وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين وبهذا يظهر ان الخلاف في ان الاسم هو المسمى أو غير المسمى خاص بأسماء الاعلام المشتقة ثم قال القرطبي فأسماء الله وان تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات وانما تعددت الاسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات ثم هي من جهة دلالتها على أربعة اضرب الاول ما يدل على الذات مجردة كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولهذا كان الاصح انه اسم علم غير مشتق وليس بصفة الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير الثالث ما يدل على إضافة أمر ما إليه كالخالق والرازق الرابع ما يدل على سلب شئ عنه كالعلي والقدوس وهذه الاقسام الاربعة منحصرة في النفي والاثبات واختلف في الاسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى انه لا يجوز لاحد ان يشتق من الافعال الثابتة لله أسماء الا إذا ورد نص اما في الكتاب أو السنة فقال الفخر المشهور عن أصحابنا انها توقيفية وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على ان معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله وقال القاضي أبو بكر والغزالي الاسماء توقيفية دون الصفات قال وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على انه لا يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق قال فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى واتفقوا على انه لا يجوز ان يطلق عليه اسم ولا صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وان ثبت في قوله فنعم الماهدون أم نحن الزارعون فالق الحب والنوى ونحوها ولا يقال له ماكر ولا بناء وان ورد ومكر الله والسماء بنيناها وقال أبو القاسم القشيري الاسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة
[ 190 ]
والاجماع فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه وقال أبو إسحاق الزجاج لا يجوز لاحد ان يدعو الله بما لم يصف به نفسه والضابط ان كل ما اذن الشرع ان يدعى به سواء كان مشتقا أو غير مشتق فهو من أسمائه وكل ما جاز ان ينسب إليه سواء كان مما يدخله التأويل اولا فهو من صفاته ويطلق عليه اسما أيضا قال الحليمي الاسماء الحسنى تنقسم إلى العقائد الخمس الاولى اثبات الباري ردا على المعطلين وهي الحي والباقي والوارث وما في معناها والثانية توحيده ردا على المشركين وهي الكافي والعلي والقادر ونحوها والثالثة تنزيهه ردا على المشبهة وهي القدوس والمجيد والمحيط وغيرها والرابعة اعتقاد ان كل موجود من اختراعه ردا على القول بالعلة والمعلول وهي الخالق والبارئ والمصور والقوي وما يلحق بها والخامسة انه مدبر لما اخترع ومصرفه على ما شاء وهو القيوم والعليم والحكيم وشبهها وقال أبو العباس بن معد من الاسماء ما يدل على الذات عينا وهو الله وعلى الذات مع سلب كالقدوس والسلام ومع إضافة كالعلي العظيم ومع سلب واضافة كالملك والعزيز ومنها ما يرجع إلى صفة كالعليم والقدير ومع إضافة كالحليم والخبير أو إلى القدرة مع إضافة كالقهار والى الارادة مع فعل واضافة كالرحمن الرحيم وما يرجع إلى صفة فعل كالخالق والبارئ ومع دلالة على الفعل كالكريم واللطيف قال فالاسماء كلها لا تخرج عن هذه العشرة وليس فيها شئ مترادف إذ لكل اسم خصوصية ما وان اتفق بعضها مع بعض في أصل المعنى انتهى كلامه ثم وقفت عليه منتزعا من كلام الفخر الرازي في شرح الاسماء الحسنى وقال الفخر أيضا الالفاظ الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعا وممتنعة قطعا وثابتة لكن مقرونة بكيفية فالقسم الاول منه ما يجوز ذكره مفردا ومضافا وهو كثير جدا كالقادر والقاهر ومنه ما يجوز مفردا ولا يجوز مضافا الا بشرط كالخالق فيجوز خالق ويجوز خالق كل شئ مثلا ولا يجوز خالق القردة ومنه عكسه يجوز مضافا ولا يجوز مفردا كالمنشئ يجوز منشئ الخلق ولا يجوز منشئ فقط والقسم الثاني ان ورد السمع بشئ منه اطلق وحمل على ما يليق به والقسم الثالث ان ورد السمع بشئ منه اطلق ما ورد منه ولا يقاس عليه ولا يتصرف فيه بالاشتقاق كقوله تعالى ومكر الله ويستهزئ بهم فلا يجوز ماكر ومستهزئ تكميل وإذ قد جرى ذكر الاسم الاعظم في هذه المباحث فليقع الالمام بشئ من الكلام عليه وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الاشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا لا يجوز تفضيل بعض الاسماء على بعض ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته ان تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئلا يظن ان بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الافضل وحملوا ما ورد من ذلك على ان المراد بالاعظم العظيم وان أسماء الله كلها عظيمة وعبارة أبي جعفر الطبري اختلفت الآثار في تعيين الاسم الاعظم والذي عندي ان الاقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها انه الاسم الاعظم ولا شئ أعظم منه فكأنه يقول كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم وقال بن حبان الاعظمية الواردة في الاخبار انما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما اطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القارئ وقيل المراد بالاسم الاعظم كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقا بحيث لا يكون
[ 191 ]
في فكره حالتئذ غير الله تعالى فان من تأتي له ذلك استجيب له ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق وعن الجنيد وعن غيرهما وقال اخرون استأثر الله تعالى بعلم الاسم الاعظم ولم يطلع عليه أحدا من خلقه واثبته اخرون معينا واضطربوا في ذلك وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولا الاول الاسم الاعظم هو نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف واحتج له بأن من أراد ان يعبر عن كلام معظم بحضرته لم يقل له أنت قلت كذا وانما يقول هو يقول تأدبا معه الثاني الله لانه اسم لم يطلق على غيره ولانه الاصل في الاسماء الحسنى ومن ثم اضيفت إليه الثالث الله الرحمن الرحيم ولعل مستنده ما أخرجه بن ماجة عن عائشة انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ان يعلمها الاسم الاعظم فلم يفعل فصلت ودعت اللهم اني ادعوك الله وادعوك الرحمن وادعوك الرحيم وادعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم اعلم الحديث وفيه انه صلى الله عليه وسلم قال لها انه لفي الاسماء التي دعوت بها قلت وسنده ضعيف وفي الاستدلال به نظر لا يخفى الرابع الرحمن الرحيم الحي القيوم لما اخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اسم الله الاعظم في هاتين الايتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وفاتحة سورة آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم أخرجه أصحاب السنن الا النسائي وحسنه الترمذي وفي نسخة صحيحة وفيه نظر لانه من رواية شهر بن حوشب الخامس الحي القيوم اخرج بن ماجة من حديث أبي امامة الاسم الاعظم في ثلاث سور البقرة وآل عمران وطه قال القاسم الراوي عن أبي امامة التمسته منها فعرفت انه الحي القيوم وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية مالا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما السادس الحنان المنان بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام الحي القيوم ورد ذلك مجموعا في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه بن حبان السابع بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام أخرجه أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي واثنى عليه قال كنت اسأل الله ان يريني الاسم الاعظم فأريته مكتوبا في الكواكب في السماء الثامن ذو الجلال الاكرام اخرج للترمذي من حديث معاذ بن جبل قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول يا ذا الجلال والاكرام فقال قد استجيب لك فسل واحتج له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الالهية لان في الجلال إشارة إلى جميع السلوب وفي الاكرام إشارة إلى جميع الاضافات التاسع الله لا إله إلا هو الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك العاشر رب رب أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ اسم الله الاكبر رب رب واخرج بن أبي الدنيا عن عائشة إذا قال العبد يا رب يا رب قال الله تعالى لبيك عبدي سل تعط رواه مرفوعا وموقوفا الحادي عشر دعوة ذي النون اخرج النسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رفعه دعوة ذي النون في بطن الحوت لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم قط الا استجاب الله له الثاني عشر نقل الفخر الرازي عن زين العابدين انه سأل الله ان يعلمه الاسم الاعظم فرأى في النوم هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم الثالث عشر هو مخفي في الاسماء الحسنى ويؤيده حديث
[ 192 ]
عائشة المتقدم لما دعت ببعض الاسماء وبالاسماء الحسنى فقال لها صلى الله عليه وسلم انه لفي الاسماء التي دعوت بها الرابع عشر كلمة التوحيد نقله عياض كما تقدم قبل هذا واستدل بحديث الباب على انعقاد اليمين بكل اسم ورد في القرآن أو الحديث الثابت وهو وجه غريب حكاه بن كج من الشافعية ومنع الاكثر لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله وأجيب بأن المراد الذات لا خصوص هذا اللفظ والى هذا الاطلاق ذهب الحنفية والمالكية وابن حزم وحكاه بن كج أيضا والمعروف عند الشافعية الحنابلة وغيرهم من العلماء ان الاسماء ثلاثة أقسام أحدها ما يختص بالله كالجلالة والرحمن ورب العالمين فهذا ينعقد به اليمين إذا اطلق ولو نوى به غير الله ثانيها ما يطلق عليه وعلى غيره لكن الغالب إطلاقه عليه وانه يقيد في حق غيره بضرب من التقييد كالجبار والحق والرب ونحوها فالحلف به يمين فان نوى به غير الله فليس بيمين ثالثها ما يطلق في حق الله وفي حق غيره على حد سواء كالحي والمؤمن فإن نوى به غير الله أو اطلق فليس بيمين وان نوى الله تعالى فوجهان صحح النووي انه يمين وكذا في المحرر وخالف في الشرحين فصحح انه ليس بيمين واختلف الحنابلة فقال القاضي أبو يعلى ليس بيمين وقال المجد بن تيمية في المحرر انها يمين قوله من حفظها هكذا رواه على بن المديني ووافقه الحميدي وكذا عمرو الناقد عند مسلم وقال بن أبي عمر عن سفيان من أحصاها أخرجه مسلم والاسماعيلي من طريقه وكذا قال شعبة عن أبي الزناد كما تقدم في الشروط ويأتي في التوحيد قال الخطابي الاحصاء في مثل هذا يحتمل وجوها أحدها ان يعدها حتى يستوفيها يريد انه لا يقتصر على بعضها لكن يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليها من الثواب ثانيها المراد بالاحصاء الا طاقة كقوله تعالى علم ان لن تحصوه ومنه حديث استقيموا ولن تحصوا أي لن تبلغوا كنه الاستقامة والمعنى من اطاق القيام بحق هذه الاسماء والعمل بمقتضاها وهو ان يعتبر معانيها فيلزم نفسه بواجبها فإذا قال الرزاق وثق بالرزق وكذا سائر الاسماء ثالثها المراد بالاحصاء الاحاطة بمعانيها من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة انتهى ملخصا وقال القرطبي المرجو من كرم الله تعالى ان من حصل له احصاء هذه الاسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية ان يدخله الله الجنة وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين وقال غيره معنى أحصاها عرفها لان العارف بها لا يكون الا مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة وقيل معناه عدها معتقدا لان الدهري لا يعترف بالخالق والفلسفي لا يعترف بالقادر وقيل أحصاها يريد بها وجه الله واعظامه وقيل معنى أحصاها عمل بها فإذا قال الحكيم مثلا سلم جميع اوامره لان جميعها على مقتضى الحكمة وإذا قال القدوس استحضر كونه منزها عن جميع النقائض وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل وقال بن بطال طريق العمل بها ان الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فان الله يحب ان يرى حلاها على عبده فليمرن العبد نفسه على ان يصح له الاتصاف بها وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم فيجب على العبد الاقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة فهذا معنى أحصاها وحفظها ويؤيده ان من حفظها عدا وأحصاها سردا ولم يعمل بها يكون
[ 193 ]
كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه وقد ثبت الخبر في الخوارج انهم يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم قلت والذي ذكره مقام الكمال ولا يلزم من ذلك ان لا يرد الثواب لمن حفظها وتعبد بتلاوتها والدعاء بها وان كان متلبسا بالمعاصي كما يقع مثل ذلك في قارئ القرآن سواء فان القارئ ولو كان متلبسا بمعصية غير ما يتعلق بالقراءة يثاب على تلاوته عند أهل السنة فليس ما بحثه بن بطال بدافع لقول من قال ان المراد حفظها سردا والله اعلم وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وهذا هو الاظهر لثبوته نصا في الخبر وقال في الاذكار هو قول الاكثرين وقال بن الجوزي لما ثبت في بعض طرق الحديث من حفظها بدل أحصاها اخترنا ان المراد العد أي من عدها ليستوفيها حفظا قلت وفيه نظر لانه لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعين السرد عن ظهر قلب بل يحتمل الحفظ المعنوي وقيل المراد بالحفظ حفظ القرآن لكونه مستوفيا لها فمن تلاه ودعا بما فيه من الاسماء حصل المقصود قال النووي وهذا ضعيف وقيل المراد من تتبعها من القرآن وقال بن عطية معنى أحصاها عدها وحفظها ويتضمن ذلك الايمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والاعتبار بمعانيها وقال الاصيلي ليس المراد بالاحصاء عدها فقط لانه قد يعدها الفاجر وانما المراد العمل بها وقال أبو نعيم الاصبهاني الاحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد وانما هو العمل والتعقل بمعاني الاسماء والايمان بها وقال أبو عمر الطلمنكي من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالاسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالما لمعاني الاسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل عليه من المعاني وقال أبو العباس بن معد يحتمل الاحصاء معنيين أحدهما ان المراد تتبعها من الكتاب والسنة حتى يحصل عليها والثاني ان المراد ان يحفظها بعد ان يجدها محصاة قال ويؤيده انه ورد في بعض طرقه من حفظها قال ويحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم اطلق اولا قوله من أحصاها دخل الجنة ووكل العلماء إلى البحث عنها ثم يسر على الامة الامر فألقاها إليهم محصاة وقال من حفظها دخل الجنة قلت وهذا الاحتمال بعيد جدا لانه يتوقف على ان النبي صلى الله عليه وسلم حدث بهذا الحديث مرتين إحداهما قبل الاخرى ومن أين يثبت ذلك ومخرج اللفظين واحد وهو عن أبي هريرة والاختلاف عن بعض الرواة عنه في أي اللفظين قاله قال وللاحصاء معان أخرى منها الاحصاء الفقهي وهو العلم بمعانيها من اللغة وتنزيهها على الوجوه التي تحملها الشريعة ومنها الاحصاء النظري وهو ان يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة ويستدل عليه باثره الساري في ا لوجود فلا تمر على موجود الا ويظهر لك فيه معنى من معاني الاسماء وتعرف خواص بعضها وموقع القيد ومقتضى كل اسم قال وهذا ارفع مراتب الاحصاء قال وتمام ذلك ان يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن بما يقتضيه كل اسم من الاسماء فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وجبت لذاته قال فمن حصلت له جميع مراتب الاحصاء حصل على الغاية ومن منح منحى من مناحيها فثوابه بقدر ما نال والله اعلم تنبيه وقع في تفسير بن مردويه وعند أبي نعيم من طريق بن سيرين عن أبي هريرة بدل قوله من أحصاها دخل الجنة من دعا بها دخل الجنة وفي سنده حصين بن مخارق وهو ضعيف وزاد
[ 194 ]
خليد بن دعلج في روايته التي تقدمت الاشارة إليها وكلها في القرآن وكذا وقع من قول سعيد بن عبد العزيز وكذا وقع في حديث بن عباس وابن عمر معا بلفظ من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن وسيأتي في كتاب التوحيد شرح معاني كثير من الاسماء حيث ذكرها المصنف في تراجمه ان شاء الله تعلى وقوله دخل الجنة عبر بالماضي تحقيقا لوقوعه وتنبيها على انه وان لم يقع فهو في حكم الواقع لانه كائن لا محالة قوله وهو وتر يحب الوتر في رواية مسلم والله وتر يحب الوتر وفي رواية شعيب بن أبي حمزة انه وتر يحب الوتر ويجوز فتح الواو وكسرها والوتر الفرد ومعناه في حق الله انه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ولا انقسام وقوله يحب الوتر قال عياض معناه ان الوتر في العدد فضلا على الشفع في أسمائه لكونه دالا على الوحدانية في صفاته وتعقب بأنه لو كان المراد به الدلالة على الوحدانية لما تعددت الاسماء بل المراد ان الله يحب الوتر من كل شئ وان تعدد ما فيه الوتر وقيل هو منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل الاخلاص وقيل لانه أمر بالوتر في كثير من الاعمال والطاعات كما في الصلوات الخمس ووتر الليل واعداد الطهارة وتكفين الميت وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والارض انتهى ملخصا وقال القرطبي الظاهر ان الوتر هنا للجنس إذ لا معهود جرى ذكره حتى يحمل عليه فيكون معناه انه وتر يحب كل وتر شرعه ومعنى محبته له انه أمر به واثاب عليه ويصلح ذلك العموم ما خلقه وترا من مخلوقاته أو معنى محبته له انه خصصه بذلك لحكمة يعلمها ويحتمل ان يريد بذلك وترا بعينه وان لم يجر له ذكر ثم اختلف هؤلاء فقيل المراد صلاة الوتر وقيل صلاة الجمعة وقيل يوم الجمعة وقيل يوم عرفة وقيل ادم وقيل غير ذلك قال والاشبه ما تقدم من حمله على العموم قال ويظهر لي وجه اخر وهو ان الوتر يراد به التوحيد فيكون المعنى ان الله في ذاته وكماله وأفعاله واحد ويحب التوحيد أي ان يوحد ويعتقد انفراده بالالوهية دون خلقه فيلتئم أول الحديث وآخره والله اعلم قلت لعل من حمله على صلاة الوتر استند إلى حديث على ان الوتر ليس بحتم كالمكتوبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اوتر ثم قال اوتروا يا أهل القرآن فان الله وتر يحب الوتر أخرجوه في السنن الاربعة وصححه بن خزيمة واللفظ له فعلى هذا التأويل تكون اللام في هذا الخبر العهد لتقدم ذكر الوتر المأمور به لكن لا يلزم ان يحمل الحديث الاخر على هذا بل العموم فيه أظهر كما ان العموم في حديث علي محتمل أيضا وقد طعن أبو زيد البلخي في صحة الخبر بأن دخول الجنة ثبت في القرآن مشروطا ببذل النفس والمال فكيف يحصل بمجرد حفظ ألفاظ تعد في أيسر مدة وتعقب بأن الشرط المذكور ليس مطردا ولا حصر فيه بل قد تحصل الجنة بغير ذلك كما ورد في كثير من الاعمال غير الجهاد ان فاعله يدخله الجنة واما دعوى ان حفظها يحصل في أيسر مدة فانما يرد على من حمل الحفظ والاحصاء على معنى ان يسردها عن ظهر قلب فاما من أوله على بعض الوجوه المتقدمة فإنه يكون في غاية المشقة ويمكن الجواب عن الاول بأن الفضل واسع قوله باب الموعظة ساعة بعد ساعة مناسبة هذا الباب لكتاب الدعوات ان الموعظة يخالطها غالبا التذكير بالله وقد تقدم ان الذكر من جملة الدعاء وختم به أبواب الدعوات التي عقبها بكتاب الرقاق لاخذه من كل منهما شوبا قوله حدثني شقيق هو أبو وائل ووقع كذلك في كتاب العلم من طريق الثوري عن الاعمش وقد ذكرت هناك ما يتعلق بسماع الاعمش له من
[ 195 ]
أبي وائل قوله كنا ننتظر عبد الله يعني بن مسعود قوله إذ جاء يزيد بن معاوية في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الاعمش عن شقيق كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي قلت وهو كوفي تابعي ثقة عابد ذكر العجلي انه من طبقة الربيع بن خثيم وذكر البخاري في تاريخه انه قتل غازيا بفارس كأنه في خلافة عثمان وليس له في الصحيحين ذكر الا في هذا الموضع ولا احفظ له رواية وهو نخعي كما وقع عند مسلم وفيه رد على بن التين في حكايته انه عبسى بالموحدة قوله قلت الا تجلس قال لا ولكن ادخل فاخرج اليكم صاحبكم في رواية أبي معاوية فقلنا أعلمه بمكاننا فدخل عليه قوله اما اني بتخفيف الميم أخبر بضم أوله وفتح الموحدة على البناء للمجهول وقد تقدم في العلم ان هذا الكلام قاله بن مسعود جواب قولهم وددنا انك لو ذكرتنا كل يوم وانه كان يذكرهم كل خميس وزاد فيه ان بن مسعود قال اني أكره ان أملكم قوله كان ينخولنا بالموعظة تقدم البحث فيه وبيان معناه وقول من حدث به بالنون بدل اللام من يتخولنا قال الخطابي المراد انه كان يراعي الاوقات في تعليمهم ووعظهم ولا يفعله كل يوم خشية الملل والتخول التعهد وقيل ان بعضهم رواه بالحاء المهملة وفسره بأن المراد يتفقد أحوالهم التي يحصل لهم فيها النشاط للموعظة فيعظهم فيها ولا يكثر عليهم لئلا يملوا حكى ذلك الطيبي ثم قال ولكن الرواية في الصحاح بالخاء المعجمة قوله في الايام يعني فيذكرهم أياما ويتركهم أياما فقد ترجم له في كتاب العلم باب من جعل لاهل العلم أياما معلومة قوله كراهية السآمة علينا أي ان تقع منا السآمة وقد تقدم توجيه علينا في كتاب العلم وان للسامة ضمنت معنى المشقة فعديت بعلي وفيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر ولا ملل ويقتدي به في ذلك فان التعليم بالتدريج اخف مؤنة وادعى إلى الثبات من اخذه بالكد والمغالبة وفيه منقبة لابن مسعود لمتابعته للنبي صلى الله عليه وسلم في القول والعمل ومحافظته على ذلك خاتمة اشتمل كتاب الدعوات من الاحاديث المرفوعة على مائة وخمسة وأربعين حديثا منها أحد وأربعون معلقة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وعشرون حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث شداد في سيد الاستغفار وحديث أبي هريرة في عدد الاستغفار كل يوم وحديث حذيفة في القول عند النوم وحديث أبي ذر في ذلك وحديث أبي الدرداء في من شهد ان لا إله إلا الله وحديث بن عباس في اجتناب السجع في الدعاء وحديث جابر في الاستخارة وحديث أبي أيوب في التهليل وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين تسعة اثار والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرقاق الصحة والفراغ ولا عيش الا عيش الآخرة كذا لابي ذر عن السرخسي وسقط عنده عن المستملي والكشميهني الصحة والفراغ ومثله للنسفي وكذا للاسماعيلي لكن قال وان لا عيش وكذا لابي الوقت لكن قال باب لا عيش وفي رواية كريمة عن الكشميهني ما جاء في الرقاق وان لا عيش الا عيش الآخرة قال مغلطاي عبر جماعة من العلماء في كتبهم بالرقائق قلت منهم بن المبارك والنسائي في الكبرى وروايته كذلك في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري والمعنى واحد والرقاق والرقائق جمع رقيقة
[ 196 ]
وسميت هذه الاحاديث بذلك لان في كل منها ما يحدث في القلب رقة قال أهل اللغة الرقة الرحمة وضد الغلظ ويقال الكثير الحياء رق وجهه استحياء وقال الراغب متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسي القلب وقال الجوهري وترقيق الكلام تحسينه قوله أخبرنا المكي كذا للاكثر بالالف واللام في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري وقد اخرج أحمد عنه هذا الحديث بعينه قوله هو بن أبي هند الضمير لسعيد لا لعبد الله وهو من تفسير المصنف ووقع في رواية أحمد عن مكي ووكيع جميعا حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند وعبد الله المذكور من صغار التابعين لانه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن سهل قوله عن أبيه في رواية يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي خرجه الاسماعيلي قوله عن بن عباس في الرواية التي بعدها سمعت بن عباس قوله نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ كذا لسائر الرواة لكن عند أحمد الفراغ والصحة وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل بن جعفر وابن المبارك ووكيع كلهم عن عبد الله بن سعيد بسنده الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ولم يبين لمن اللفظ وأخرجه الدارمي عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري فيه كذلك بزيادة ولفظه ان الصحة والفراغ نعمتان من نعم الله والباقي سواء وهذه الزيادة وهي قوله من نعم الله وقعت في رواية بن عدي المشار إليها وقوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقيل هي المنفعة المفعولة على جهة الاحسان للغير والغبن بالسكون وبالتحريك وقال الجوهري هو في البيع بالسكون وفي الرأي بالتحريك وعلى هذا فيصح كل منهما في هذا الخبر فان من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك قال بن بطال معنى الحديث ان المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على ان لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما انعم به عليه ومن شكره امتثال اوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله كثير من الناس إلى ان الذي يوفق لذلك قليل وقال بن الجوزي قد يكون الانسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك ان الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن الا الهرم كما قيل يسر الفتى طول السلامة والبقا * فكيف ترى طول السلامة يفعل يرد الفتى بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام ويحمل وقال الطيبي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقة في ذلك ان يتحرى فيمن يعالمه ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن فالصحة والفراغ رأس المال وينبغي له ان يعامل الله بالايمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة وقريب منه قول الله تعالى هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم الآيات وعليه ان يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله
[ 197 ]
مع الربح وقوله في الحديث مغبون فيهما كثير من الناس كقوله تعالى وقليل من عبادي الشكور فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية وقال القاضي أبو بكر بن العربي اختلف في أول نعمة الله على العبد فقيل الايمان وقيل الحياة وقيل الصحة والاول أولى فإنه نعمة مطلقة واما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقية الا إذا صاحبت الايمان وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه الامارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن وكذلك إذا كان فارغا فان المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة قوله وقال عباس العنبري هو بالمهملة والموحدة بن عبد العظيم أحد الحفاظ بصرى من اوساط شيوخ البخاري وقد أخرجه بن ماجة عن العباس المذكور فقال في كتاب الزهد من السنن في باب الحكمة منه حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري فذكره سواء قال الحاكم هذا الحديث صدر به بن المبارك كتابه فأخرجه عن عبد الله بن سعيد بهذا الاسناد قلت وأخرجه الترمذي والنسائي من طريقه قال الترمذي رواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد فرفعوه ووقفه بعضهم على بن عباس وفي الباب عن أنس انتهى وأخرجه الاسماعيلي من طرق عن بن المبارك ثم من وجهين عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن سعيد ثم من طريق بندار عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله به ثم قال قال بندار ربما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه وأخرجه بن عدي من وجه اخر عن بن عباس مرفوعا قوله عن معاوية بن قرة أي بن إياس المزني ولقرة صحبة ووقع في رواية ادم في فضائل الانصار عن شعبة حدثنا أبو إياس معاوية بن قرة وإياس هو القاضي المشهور بالذكاء قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم لا عيش الا عيش الآخرة في رواية المستملي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قوله فأصلح الانصار والمهاجرة تقدم في فضل الانصار بيان الاختلاف على شعبة في لفظه وانه عطف عليه رواية شعبة عن قتادة عن أنس وزيادة من زاد فيه ان ذلك كان يوم الخندق فطابق حديث سهل بن سعد المذكور في الذي بعده وزيادة من زاد فيه انهم كانوا يقولون نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا ابدا فأجابهم بذلك وتقدم في غزوة الخندق من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس أتم من ذلك كله وفيه من طريق حميد عن أنس ان ذلك كان في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك قوله الفضيل بن سليمان هو بالتصغير وهو النميري صدوق في حفظه شئ قوله وهو يحفر ونحن ننقل التراب تقدم في فضل الانصار من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون الخندق الحديث ويجمع بأن منهم من كان يحفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من كان ينقل التراب قوله وبصر بنا بفتح أوله وضم الصاد المهملة وفي رواية الكشمهيني ويمر بنا من المرور قوله فاغفر تقدم في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين والانصار وان الالفاظ المنقولة في ذلك بعضها موزون وأكثرها غير موزون ويمكن رده إلى الوزن بضرب من الزحاف وهو غير مقصود إليه بالوزن فلا يدخل هو في الشعر وفي هذين الحديثين إشارة إلى تحقير عيش الدنيا لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء قال بن المنير مناسبة إيراد حديث أنس وسهل مع
[ 198 ]
حديث بن عباس الذي تضمنته الترجمة ان الناس قد غبن كثير منهم في الصحة والفراغ لايثارهم لعيش الدنيا على عيش الآخرة فأراد الاشارة إلى ان العيش الذي اشتغلوا به ليس بشئ بل العيش الذي شغلوا عنه هو المطلوب ومن فاته فهو المغبون قوله باب مثل الدنيا في الآخرة هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فينظر بم يرجع وسنده إلى التابعي على شرط البخاري لانه لم يخرج للمستورد واقتصر على ذكر حديث سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها فان قدر السوط من الجنة إذا كان خيرا من الدنيا فيكون الذي يساويها مما في الجنة دون قدر السوط فيوافق ما دل عليه حديث المستورد وقد تقدم شرح قوله غدوة في سبيل الله في كتاب الجهاد قال القرطبي هذا نحو قوله تعالى قل متاع الدنيا قليل وهذا بالنسبة إلى ذاتها واما بالنسبة إلى الآخرة فلا قدر لها ولا خطر وانما اورد ذلك على سبيل التمثيل والتقريب والا فلا نسبة بين المتناهي وبين ما لا يتناهى والى ذلك الاشارة بقوله فلينظر بم يرجع ووجهه ان القدر الذي يتعلق بالاصبع من ماء البحر لا قدر له ولا خطر وكذلك الدنيا بالنسبة إلى الآخرة والحاصل ان الدنيا كالماء الذي يعلق في الاصبع من البحر والآخرة كسائر البحر تنبيه اختلف في ياء يرجع فذكر الرامهرمزي ان أهل الكوفة رووه بالمثناة قال فجعلوا الفعل للاصبع وهي مؤنثة ورواه أهل البصرة بالتحتانية قال فجعلوا الفعل لليم قلت أو للواضع قوله وقوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله متاع الغرور كذا في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها وعلى هذا فتفتح الهمزة في انما محافظة على لفظ التلاوة فان أول الآية اعلموا انما الحياة الدنيا الخ ولولا ما وقع من سياق بقية الآية لجوزت ان يكون المصنف أراد الآية التي في القتال وهي قوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم الآية قال بن عطية المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بد منه مما يقيم الاود ويعين على الطاعة فليس مرادا هنا والزينة ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشئ مما يحسن به الشئ والتفاخر يقع بالنسب غالبا كعادة العرب والتكاثر ذكر متعلقة في الآية وصورة هذا المثال ان المرء يولد فينشأ فيقوى فيكسب المال والولد ويرأس ثم يأخذ بعد ذلك في الانحطاط فيشيب ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب من مرض ونقص مال وعز ثم يموت فيضمحل امره ويصير ماله لغيره وتغير رسومه فحاله كحال ارض اصابها مطر فنبت عليها العشب نباتا معجبا انيقا ثم هاج أي يبس واصفر ثم تحطم وتفرق إلى ان اضمحل قال واختلف في المراد بالكفار فقيل جمع كافر بالله لانهم أشد تعظيما للدنيا واعجابا بمحاسنها وقيل المراد بهم الزراع مأخوذ من كفر الحب في الارض أي ستره بها وخصهم بالذكر لانهم أهل البصر بالثبات فلا يعجبهم الا المعجب حقيقة انتهى ملخصا وقوله في اخر الآية وفي الآخرة عذاب شديد قال الفراء لا يوقف على شديد لان تقدير الكلام انها اما عذاب شديد واما مغفرة من الله ورضوان واستحسن غيره الوقف على شديد لما فيه من المبالغة في التنفير من الدنيا والتقدير للكافرين ويبتدئ ومغفرة من الله ورضوان أي للمؤمنين وقيل ان قوله وفي الآخرة قسيم لقوله انما الحياة الدنيا لعب ولهو والاول صفة
[ 199 ]
الدنيا وهي اللعب وسائر ما ذكر والثاني صفة الآخرة وهي عذاب شديد لمن عصى ومغفرة ورضوان لمن اطا وأما قوله وما الحياة الدنيا الخ فهو تأكيد لما سبق أي تغر من ركن إليها واما التقى فهي له بلاغ إلى الآخرة ولما اورد الغزالي حديث المستورد في الاحياء عقبة بأن قال ما ملخصه اعلم ان مثل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة فانتهوا إلى جزيرة معشبة فخرجوا لقضاء الحاجة فحذرهم الملاح من التأخر فيها وأمرهم ان يقيموا بقدر حاجتهم وحذرهم ان يقلع بالسفينة ويتركهم فبادر بعضهم فرجع سريعا فصادف أحسن الامكنة وأوسعها فاستقر فيه وانقسم الباقون فرقا الاولى استغرقت في النظر إلى ازهارها المونقة وأنهارها المطردة وثمارها الطيبة وجواهرها ومعادنها ثم استيقظ فبادر إلى السفينة فلقي مكانا دون الاول فنجا في الجملة الثانية كالاولى لكنها اكبت على تلك الجواهر والثمار والازهار ولم تسمح نفسه لتركها فحمل منها ما قدر عليه فتشاغل بجمعه وحمله فوصل إلى السفينة فوجد مكانا اضيق من الاول ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه فصار مثقلا به ثم لم يلبث ان ذبلت الازهار ويبست الثمار وهاجت الرياح فلم يجد بدا من القاء ما استصحبه حتى نجي بحشاشة نفسه الثالثة تولجت في الغياض وغفلت عن وصية الملاح ثم سمعوا فساءه بالرحيل فمرت فوجدت السفينة سارت فبقيت بما استصحبت في البر حتى هلكت والرابعة اشتدت بها الغفلة عن سماع النداء وسارت السفينة فتقسموا فرقا منهم من افترسته السباع ومنهم من تاه على وجهه حتى هلك ومنهم من مات جوعا ومنهم من نهشته الحيات قال فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة وغفلتهم عن عاقبة أمرهم ثم ختم بأن قال وما أقبح من يزعم انه بصير عاقل ان يغتر بالاحجار من الذهب والفضة والهشيم من الازهار والثمار وهو لا يصحبه شئ من ذلك بعد الموت والله المستعان قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب هكذا ترجم ببعض الخبر إشارة إلى ثبوت رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن من رواه موقوفا قصر فيه (6053) قوله عن الاعمش حدثني مجاهد انكر العقيلي هذه اللفظة وهي حدثني مجاهد وقال انما رواه الاعمش بصيغة عن مجاهد كذلك رواه أصحاب الاعمش عنه وكذا أصحاب الطفاوي عنه وتفرد بن المديني بالتصريح قال ولم يسمعه الاعمش من مجاهد وانما سمعه من ليث بن أبي سليم عنه فدلسه وأخرجه بن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن قزعة حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن الاعمس عن مجاهد بالعنعنة وقال قال الحسن بن قزعة ما سألني يحيى بن معين الا عن هذا الحديث وأخرجه بن حبان في روضة العقلاء من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي عن الطفاوي بالعنعنة أيضا وقال مكثت مدة اظن ان الاعمش دلسه عن مجاهد وانما سمعه من ليث حتى رأيت على بن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بالتحديث يشير إلى رواية البخاري التي في الباب قلت وقد أخرجه أحمد والترمذي من رواية سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد وأخرجه بن عدي في الكامل من طريق حماد بن شعيب عن أبي يحيى القتات عن مجاهد وليث وأبو يحيى ضعيفان والعمدة على طريق الاعمش وللحديث طريق أخرى أخرجه النسائي من رواية عبدة بن أبي لبابة عن بن عمر مرفوعا وهذا مما يقوى الحديث المذكور لان رواته من رجال الصحيح وان كان اختلف في سماع عبدة من بن عمر قوله
[ 200 ]
اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فيه تعيين ما أبهم في رواية ليث عند الترمذي اخذ ببعض جسدي والمنكب بكسر الكاف مجمع العضد والكتف وضبط في بعض الاصول بالتثنية قوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل قال الطيبي ليست أو للشك بل للتخيير والاباحة والاحسن ان تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ولا مسكن يسكنه ثم ترقى واضرب عنه إلى عابر السبيل لان الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما اودية مردية ومفاوز مهلكة وقطاع طريق فان من شأنه ان لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة ومن ثم عقبه بقوله إذا امسيت فلا تنتظر الصباح الخ وبقوله وعد نفسك في أهل القبور والمعنى استمر سائرا ولا تغتر فإنك ان قصرت انقطعت وهلكت في تلك الاودية وهذا معنى المشبه به واما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك لمرضك أي ان العمر لا يخلو عن صحة مرض فإذا كنت صحيحا فسر سير القصد وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائما مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف زاد عبده في روايته عن بن عمر ا عبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا الحديث وزاد ليث في روايته وعد نفسك في أهل القبور وفي رواية سعيد بن منصور وكأنك عابر سبيل وقال بن بطال لما كان الغريب قليل الانبساط إلى الناس بل هو مستوحش منهم إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه مستأنس به فهو ذليل في نفسه خائف وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره الا بقوته عليه وتخفيفه من الاثقال غير متثبت بما يمنعه من قطع سفره معه زاده وراحلته يبلغانه إلى بغيته مقصده شبهه بهما وفي ذلك إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة منها والكفاف فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل وقال غيره هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة وقال النووي معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالبا وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلد فشأنه ان يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود إلى وطنه ولا يتعلق بشئ غير ما هو فيه وقال غيره المراد ان ينزل المؤمن نفسه في الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشئ من بلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه ويجعل اقامته في الدنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع إلى وطنه وهذا شأن الغريب أو يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه بل هو دائم السير إلى بلد الاقامة واستشكل عطف عابر السبيل على الغريب وقد تقدم جواب الطيبي وأجاب الكرماني بأنه من عطف العام على الخاص وفيه نوع من الترقي لان تعلقاته أقل من تعلقات الغريب المقيم قوله وكان بن عمر يقول في رواية ليث وقال لي بن عمر إذا أصبحت الحديث قوله وخذ من صحتك أي زمن صحتك لمرضك في رواية ليث لسقمك والمعنى اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض لا يجبر بذلك قوله ومن حياتك لموتك في رواية ليث قبل موتك وزاد فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا أي هل يقال له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتغير وقيل المراد هل هو حي أو ميت وهذا القدر الموقوف من هذا تقدم
[ 201 ]
محصل معناه في حديث بن عباس أول كتاب الرقاق وجاء معناه من حديث بن عباس أيضا مرفوعا أخرجه الحاكم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك وأخرجه بن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون قال بعض العلماء كلام بن عمر منتزع من الحديث المرفوع وهو متضمن لنهاية قصر الامل وان العاقل ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لا ينتظر المساء بل يظن ان أجله مدركه قبل ذلك قال وقوله خذ من صحتك الخ أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح فان المرض قد يطرأ فيمتنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك ان يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث الماضي في الصحيح إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما لانه ورد في حق من يعمل والتحذير الذي في حديث بن عمر في حق من لم يعمل شيئا فإنه إذا مرض ندم على تركه العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم والموعوظ عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبا الا بمن يميل إليه وفيه مخاطبة الواحد وإرادة الجمع وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الخير لامته والحض على ترك الدنيا والاقتصار على ما لا بد منه قوله باب في الامل وطوله الامل بفتحتين رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى وهو قريب المعنى من التمني وقيل الفرق بينهما ان الامل ما تقدم له سبب والتمنى بخلافه وقيل لا ينفك الانسان من امل فان فإنه ما امله عول على التمني ويقال الامل إرادة الشخص تحصيل شئ يمكن حصوله فإذا فاته تمناه قوله وقوله تعالى فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز الآية كذا للنسفي وساق في رواية كريمة وغيرها إلى الغرور وقع في رواية أبي ذر إلى قوله فقد فاز والمطلوب هنا ما سقط من روايته وهو الاشارة إلى ان متعلق الامل ليس بشئ لانه متاع الغرور شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغره حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس وهو الغرور بالفتح الناشئ عنه الغرور بالضم وقد قرئ في الشاذ هنا بفتح الغين أي متاع الشيطان ويجوز ان يكون بمعنى المفعول وهو المخدوع فتتفق القراءتان قوله بمزحزحه بمباعدة وقع هذا في رواية النسفي وكذا لابي ذر عن المستملى والكشميهني والمراد أن معنى قوله زحزح وفي هذه الآية فمن زحزح بوعد وأصل الزحزحة الازالة ومن أزيل عن الشئ فقد بوعد منه وقال الكرماني مناسبة هذه الآية للترجمة أن في أول الآية كل نفس ذائقة الموت وفي آخرها وما الحياة الدنيا أو أن قوله فمن زحزح مناسب لقوله وما بمزحزحه وفي تلك الآية يود أحدهم لو يعمر الف سنة قوله وقوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية كذا لابي ذر وساق في رواية كريمة وغيرها إلى يعلمون وسقط قوله وقوله للنسفي قال الجمهور هي عامة وقال جماعة هي في الكفار خاصة والامر فيه للتهديد وفيه زجر عن الانهماك في ملاذ الدنيا قوله وقال علي بن أبي طالب ارتحلت الدنيا مدبرة الخ هذه قطعة من اثر لعلي جاء عنه موقوفا ومرفوعا وفي أوله شئ مطابق للترجمة صريحا فعند بن أبي شيبة في المصنف وابن المبارك في الزهد من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد وزبيد الايامي عن رجل من بني عامر وسمي في رواية لابن أبي شيبة مهاجر العامر ي وكذا في الحلية من طريق أبي مريم عن زبيد
[ 202 ]
عن مهاجر بن عمير قال قال علي ان اخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق واما طول الامل فينسى الآخرة الا وان الدنيا ارتحلت مدبرة الحديث كالذي في الاصل سواء ومهاجر المذكور هو العامري المبهم قبله وما عرفت حاله وقد جاء مرفوعا أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب قصر الامل من رواية اليمان بن حذيفة عن علي بن أبي حفصة مولى علي عن علي بن أبي طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أشد ما اتخوف عليكم خصلتين فذكر معناه واليمان وشيخه لا يعرفان وجاء من حديث جابر أخرجه أبو عبد الله بن منده من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر مرفوعا والمنكدر ضعيف وتابعه علي بن أبي علي اللهبي عن بن المنكدر بتمامه وهو ضعيف أيضا وفي بعض طرق هذا الحديث فاتباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق وطول الامل يصرف هممكم إلى الدنيا ومن كلام على اخذ بعض الحكماء قوله الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر على المقبلة وورد في ذم الاسترسال مع الامل حديث أنس رفعه أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الامل والحرص على الدنيا أخرجه البزار وعن عبد الله بن عمرو رفعه صلاح أول هذه الامة بالزهادة واليقين وهلاك اخرها بالبخل والامل أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا وقيل ان قصر الامل حقيقة الزهد وليس كذلك بل هو سبب لان من قصر امله زهد ويتولد من طول الامل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا والنسيان للاخرة وللقسوة في القلب لان رقته وصفاءه انما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة كما قال تعالى فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وقيل من قصر امله قل همه وتنور قلبه لانه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة وقل همه ورضى بالقليل وقال بن الجوزي الامل مذموم للناس الا للعملاء فلولا املهم لما صنفوا ولا ألفوا وقال غيره الامل مطبوع في جميع بني ادم كما سيأتي في الحديث الذي في الباب بعده لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين حب الدنيا وطول الامل وفي الامل سر لطيف لانه لولا الامل ما تهنى أحد بعيش ولا طابت نفسه ان يشرع في عمل من اعمال الدنيا وانما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لامر الآخرة فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته وقوله في اثر علي فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل جعل اليوم نفس العمل والمحاسبة مبالغة وهو كقولهم نهاره صائم والتقدير في الموضعين ولا حساب فيه ولا عمل فيه وقوله ولا حساب بالفتح بغير تنوين ويجوز الرفع منونا وكذا قوله ولا عمل قوله يحيى بن سعيد هو القطان وسفيان هو الثوري وأبوه سعيد بن مسروق ومنذر هو بن يعلى الثوري ووقع في رواية الاسماعيلي أبو يعلى فقط والربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر وعبد الله هو بن مسعود ومن الثوري فصاعدا كوفيون قوله خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا الخط الرسم والشكل والمربع المستوي الزوايا قوله وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط قيل هذه صفة الخط
[ 203 ]
والاول المعتمد وسياق الحديث يتنزل عليه فالاشارة بقوله هذا الانسان إلى النقطة الداخلة وبقوله وهذا أجله محيط به إلى المربع وبقوله وهذا الذي هو خارج امله إلى الخط المستطيل المنفرد وبقوله وهذه إلى الخطوط وهي مذكورة على سبيل المثال لا ان المراد انحصارها في عدد معين ويؤيده قوله في حديث أنس بعده إذ جاءه الخط الاقرب فإنه أشار به إلى الخط المحيط به ولا شك ان الذي يحيط به أقرب إليه من الخارج عنه وقوله خططا بضم المعجمة والطاء الاولى للاكثر ويجوز فتح الطاء وقوله هذا انسان مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الانسان على التمثيل قوله وهذه الخطط بالضم فيهما أيضا وفي رواية المستملي والسرخسي وهذه الخطوط قوله الاعراض جمع عرض بفتحتين وهو ما ينتفع به في الدنيا في الخير وفي الشر والعرض بالسكون ضد الطويل ويطلق على ما يقابل النقدين والمراد هنا الاول قوله نهشه بالنون والشين المعجمة أي اصابه واستشكلت هذه الاشارات الاربع مع ان الخطوط ثلاثة فقط وأجاب الكرماني بأن للخط الداخل اعتبارين فالمقدار الداخل منه هو الانسان والخارج امله والمراد بالاعراض الافات العارضة له فان سلم من هذا لم يسلم من هذا وان سلم من الجميع ولم تصبه آفة من مرض أو فقد مال أو غير ذلك بعته الاجل والحاصل ان من لم يمت بالسبب مات بالاجل وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الامل والاستعداد لبغتة الاجل وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الاصابة والاهلاك قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وثبت كذلك في رواية الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عبد العزيز بن سلام عنه قوله همام هو بن يحيى وثبت كذلك في رواية الاسماعيلي قوله عن إسحاق في رواية الاسماعيلي حدثنا إسحاق وهو بن أخي أنس لامه قوله خطوطا قد فسرت في حديث بن مسعود قوله فبينما هو كذلك في رواية الاسماعيلي يأمل وعند البيهقي في الزهد من وجه عن إسحاق سياق المتن أتم منه ولفظه خط خطوطا وخط خطا ناحية ثم قال هل تدرون ما هذا هذا مثل بن ادم ومثل التمني وذلك الخط الامل بينما يأمل إذ جاءه الموت وانما جمع الخطوط ثم اقتصر في التفصيل على اثنين اختصارا والثالث الانسان والرابع الآفات وقد اخرج الترمذي حديث أنس من رواية حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بلفظ هذا بن ادم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها فقال وثم امله وثم أجله أي ان أجله أقرب إليه من امله قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد قلت أخرجه أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه ثم غرز إلى جنبه اخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هذا الانسان وهذا أجله وهذا امله والاحاديث متوافقة على ان الاجل أقرب من الامل قوله باب من بلغ ستين سنة فقد اعذر الله إليه في العمر لقوله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير كذا للاكثر
[ 204 ]
وسقط قوله لقوله تعالى وفي رواية النسفي يعني الشيب وثبت قوله يعني الشيب في رواية أبي ذر وحده وقد اختلف أهل التفسير فيه فالاكثر على ان المرا به الشيب لانه يأتي في سن الكهولة فما بعدها وهو علامة لمفارقة سن الصبي الذي هو مظنة اللهو وقال علي المراد به النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا أيضا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال أحدها انه أربعون سنة نقله الطبري عن مسروق وغيره وكأنه اخذه من قوله بلغ اشده وبلغ أربعين سنة والثاني ست وأربعون سنة أخرجه بن مردويه من طريق مجاهد عن بن عباس وتلا الآية ورواته رجال الصحيح الا بن خثيم فهو صدوق وفيه ضعف والثالث سبعون سنة أخرجه بن مردويه من طريق عطاء عن بن عباس قال أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فقال نزلت تعييرا لابناء السبعين وفي إسناده يحيى بن ميمون وهو ضعيف الرابع ستون وتمسك قائله بحديث الباب وورد في بعض طرقه التصريح بالمراد فأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سعيد بن سليمان عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بلفظ العمر الذي اعذر الله فيه لابن ادم ستون سنة أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وأخرجه بن مردويه من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد مثله الخامس التردد بن الستين والسبعين أخرجه بن مردويه من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ من عمر ستين أو سبعين سنة فقد اعذر الله إليه في العمر وأخرجه أيضا من طريق معتمر بن سليمان عن معمر عن رجل من غفار يقال له محمد عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ من بلغ الستين والسبعين ومحمد الغفاري هو بن معن الذي أخرجه البخاري من طريقه اختلف عليه في لفظه كما اختلف على سعيد المقبري في لفظه وأصح الاقوال في ذلك ما ثبت في حديث الباب ويدخل في هذا حديث معترك المنايا ما بين ستين وسبعين أخرجه أبو يعلى من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبي هريرة وإبراهيم ضعيف قوله حدثنا عبد السلام بن مطهر بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الهاء المفتوحة وشيخه عمر بن علي هو المقدمي وقد تقدم بهذا الاسناد إلى أبي هريرة حديث اخر وذكرت ان عمر مدلس وانه أورده بالعنعنة وبينت عذر البخاري في ذلك انه وجد من وجه اخر مصرح فيه بالسماع واما هذا الحديث فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري بنحوه وهذا الرجل المبهم هو معن بن محمد الغفاري فهي متابعة قوية لعمر بن علي أخرجه الاسماعيلي من وجه اخر عن معمر ووقع لشيخه فيه وهم ليس هذا موضع بيانه قوله اعذر الله الاعذار إزالة العذر والمعنى انه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الاجل لفعلت ما أمرت به يقال اعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ الا الاستغفار والطاعة والاقبال على الآخرة بالكلية ونسبة الاعذار إلى الله مجازيه والمعنى ان الله لم يترك للعبد سببا في الاعتذار يتمسك به والحاصل انه لا يعاقب الا بعد حجة قوله اخر أجله يعني اطاله حتى بلغه ستين سنة وفي رواية معمر لقد اعذر الله إلى عبد احياه حتى يبلغ ستين سنة أو سبعين سنة لقد اعذر الله إليه لقد اعذر الله إليه قوله تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري اما متابعة أبي حازم وهو سلمة بن دينار فأخرجها الاسماعيلي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي عن سعيد
[ 205 ]
المقبري عن أبي هريرة كذا أخرجه الحفاظ عن عبد العزيز بن أبي حازم وخالفهم هارون بن معروف فرواه عن بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه الاسماعيلي وادخاله بين سعيد وأبي هريرة فيه رجلا من المزيد في متصل الاسانيد وقد أخرجه أحمد والنسائي من رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بغير واسطة واما طريق محمد بن عجلان فأخرجه أحمد من رواية سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ من اتت عليه ستون سنة فقد اعذر الله إليه في العمر قال بن بطال انما كانت الستون حدا لهذا لانها قريبة من المعترك وهي سن الانابة والخشوع وترقب المنية فهذا اعذار بعد اعذار لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم ثم اعذر إليهم فلم يعاقبهم الا بعد الحجج الواضحة وان كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الامل لكنهم امروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية وفي الحديث إشارة إلى ان استكمال الستين مظنة لانقضاء الاجل وأصرح من ذلك ما أخرجه الترمذي بسند حسن إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه اعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين واقلهم من يجوز ذلك قال بعض الحكماء الاسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي اخر الاسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الاقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة ان يرجع إلى الحالة الاولى من النشاط والقوة وقد استنبط منه بعض الشافعية ان من استكمل ستين فلم يحج مع القدرة فإنه يكون مقصرا ويأثم ان مات قبل ان يحج بخلاف ما دون ذلك الحديث الثاني قوله يونس هو بن يزيد الايلي قوله لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الامل المراد بالامل هنا محبة طول العمر فسره حديث أنس الذي بعده في آخر الباب وسماه شابا إشارة إلى قوة استحكام حبه المال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة قوله قال ليث عن يونس وابن وهب عن يونس عن بن شهاب أخبرني سعيد هو بن المسيب وأبو سلمة يعني كلاهما عن أبي هريرة اما رواية ليث وهو بن سعد فوصلها الاسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث حدثني يونس هو بن يزيد عن بن شهاب أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة بلفظه الا انه قال المال يدل الدنيا واما رواية بن وهب فوصلها مسلم عن حرملة عنه بلفظ قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال وأخرجه الاسماعيلي من طريق أيوب بن سويد عن يونس مثل رواية بن وهب سواء وأخرجه البيهقي من وجه اخر عن أبي هريرة بزيادة في أوله قال ان بن ادم يضعف جسمه وينحل لحمه من الكبر وقلبه شاب الحديث الثالث قوله حدثنا مسلم كذا لابي ذر غير منسوب ولغيره حدثنا مسلم بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي قوله يكبر بفتح الموحدة أي يطعن في السن قوله ويكبر معه بضم الموحدة أي يعظم ويجوز الفتح ويجوز الضم في الاول تعبيرا عن الكثرة وهي كثرة عدد السنين بالعظم قوله اثنتان حب المال وطول العمر في رواية أبي عوانة عن قتادة عند مسلم يهرم بن ادم ويشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر ثم أخرجه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه قاله بمثله قوله رواه شعبة عن قتادة وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه سمعت قتادة يحدث عن
[ 206 ]
أنس بنحوه وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر بلفظ يهرم بن ادم ويشب منه اثنتان وفائدة هذا التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسا وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن المدلسين الا بما علم انه داخل في سماعهم فيستوى في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره قال النووي هذا مجاز واستعارة ومعناه ان قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه هذا صوابه وقيل في تفسيره غير هذا مما يرتضى وكأنه أشار إلى قول عياض هذا الحديث فيه من المطابقة وبديع الكلام الغاية وذلك ان الشيخ من شأنه ان تكون آماله وحرصه على الدنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره ولم يبق له الا انتظار الموت فلما كان الامر بضده ذم قال والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الامل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة عندهم في طول اعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا قال القرطبي في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وان ذلك ليس بمحمود وقال غيره الحكمة في التخصيص بهذين الامرين ان احب الاشياء إلى بن ادم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لانه من أعظم الاسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر فكلما احس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه واستدل به على ان الارادة في القلب خلافا لمن قال انها في الرأس قاله المازري تنبيه قال الكرماني كان ينبغي له ان يذكر هذا الحديث في الباب السابق يعني باب في الامل وطوله قلت ومناسبته للباب الذي ذكره فيه ليست ببعيدة ولا خفية قوله باب العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ثبتت هذه الترجمة للجميع وسقطت من شرح بن بطال فأضاف حديثها عن عتبان الذي قبله ثم أخذ في بيان المناسبة لترجمة من بلغ ستين سنة فقال خشي المصنف أن يظن أن من بلغ الستين وهو مواظب على المعصية أن ينفذ عليه الوعيد فأورد هذا الحديث المشتمل على أن كلمة الاخلاص تنفع قائلها إشارة إلى أنها لا تخص أهل عمر دون عمر ولا أهل عمل دون عمل قال ويستفاد منه أن التوبة مقبولة ما لم يصل إلى الحد الذي ثبت النقل فيه انها لا تقبل معه وهو الوصول إلى الغرغرة وتبعه بن المنير فقال يستفاد منه أن الاعذار لا تقطع التوبة بعد ذلك وانما تقطع الحجة التي جعلها الله للعبد بفضله ومع ذلك فالرجاء باق بدليل حديث عتبان وما ذكر معه قلت وعلى ما وقع في الاصول فهذه مناسبة تعقيب الباب الماضي بهذا الباب قوله فيه سعد كذا للجميع وسقط النسفي وللاسماعيلي وغيرهما وسعد فيما يظهر لي هو بن أبي وقاص وحديثه المشار إليه ما تقدم في المغازي وغيرها من رواية عامر بن سعد عن أبيه في قصة الوصية وفيه الثلث والثلث كثير وفيه قوله فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة الحديث وقد تقدم هذا اللفظ في كتاب الهجرة إلى المدينة ثم ذكر المصنف طرفا من حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنهما قوله حدثنا معاذ بن أسد هو المروزي وشيخه عبد الله هو بن المبارك قوله غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لن يوافي هكذا أورده مختصرا وليس هذا القول معقبا بالغدو بل بينهما أمور كثيرة من دخول النبي صلى الله عليه وسلم منزله وصلاته فيه وسؤالهم أن يتأخر عندهم حتى يطعموه وسؤاله عن مالك بن الدخشم وكلام من وقع في حقه والمراجعة في ذلك وفي آخره ذلك
[ 207 ]
القول المذكور هنا وقد أورده في باب المساجد في البيوت في أوائل الصلاة وأورده أيضا مطولا من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري في أبواب صلاة التطوع وأخرج منه أيضا في أوائل الصلاة في باب إذا زار قوما فصلى عندهم عن معاذ بن أسد بالسند المذكور في حديث الباب من المتن طرفا غير المذكور هنا وقوله في هذه الرواية حرم الله عليه النار وقع في الرواية الماضية حرمه الله على النار قال الكرماني ما ملخصه والمعنى واحد لوجود التلازم بين الامرين واللفظ الاول هو الحقيقة لان النار تأكل ما يلقى فيها والتحريم يناسب الفاعل فيكون اللفظ الثاني مجازا قوله يعقوب بن عبد الرحمن هو الاسكندراني قوله عن عمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء أي ثواب ولم أر لفظ جزاء في رواية الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولابي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة قوله إذا قبضت صفيه بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية وهو الحبيب المصافي كالولد والاخ وكل من يحبه الانسان والمراد بالقبض قبض روحه وهو ا لموت قوله ثم احتسبه الا الجنة قال الجوهري احتسب ولده إذا مات كبيرا فان مات صغيرا قيل أفرطه وليس هذا التفصيل مرادا هنا بل المراد باحتسبه صبر على فقده راجيا الاجر من الله على ذلك وأصل الحسبة بالكسر الاجرة والاحتساب طلب الاجر من الله تعالى خالصا واستدل به بن بطال على أن من مات له ولد واحد يلتحق بمن مات له ثلاثة وكذا اثنان وأن قول الصحابي كما مضى في باب فضل من مات له ولد من كتاب الجنائز ولم نسأله عن الواحد لا يمنع من حصول الفضل لمن مات له واحد فلعله صلى الله عليه سئل بعد ذلك عن الواحد فأخبر بذلك أو أنه أعلم بأن حكم الواحد حكم ما زاد عليه فأخبر به قلت وقد تقدم في الجنائز تسمية من سأل عن ذلك والرواية التي فيها ثم لم نسأله عن الواحد ولم يقع لي إذ ذاك وقوع السائل عن الواحد وقد وجدت من حديث جابر ما أخرجه أحمد من طريق محمود بن أسد عن جابر وفيه قلنا يا رسول الله واثنان قال واثنان قال محمود فقلت لجابر أراكم لو قلتم واحدا لقال واحد قال وانا والله اظن ذاك ورجاله موثقون وعند أحمد والطبراني من حديث معاذ رفعه أوجب ذو الثلاثة فقال له معاذ وذو الاثنين قال وذو الاثنين زاد في رواية الطبراني قال أو واحد وفي سنده ضعف وله في الكبير والاوسط من حديث جابر بن سمرة رفعه من دفن له ثلاثة فصبر الحديث وفيه فقالت أم ايمن وواحد فسكت ثم قال يا أم ايمن من دفن واحدا فصبر عليه واحتسبه وجبت له الجنة وفي سندهما ناصح بن عبد الله وهو ضعيف جدا ووجه الدلالة من حديث الباب أن الصفى أعم من أن يكون ولدا أم غيره وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه ويدخل في هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بن له فقال اتحبه قال نعم ففقده فقال ما فعل فلان قالوا يا رسول الله مات ابنه فقال الا تحب ان لا تأتي بابا من أبواب الجنة الا وجدته ينتظرك فقال رجل يا رسول الله اله خاصة أم لكلنا قال بل لكلكم وسنده على شرط الصحيح وقد صححه بن حبان والحاكم قوله باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها المراد بزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها والتنافس يأتي بيانه في الباب ذكر فيه سبعة أحاديث الحديث الاول قوله إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله
[ 208 ]
عن موسى بن عقبة هو عم إسماعيل الراوي عنه قوله قال قال بن شهاب هو الزهري قوله ان عمرو بن عوف تقدم بيان نسبه في الجزية وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن شهاب وعروة وصحابيان وهما المسور وعمرو وكلهم مدنيون وكذا بقية رجال الاسناد من إسماعيل فصاعدا قوله إلى البحرين سقط إلى من رواية الاكثر وثبتت للكشميهني قوله فواقفت في رواية المستملي والكشميهني فوافقت قوله فوالله ما الفقر أخشى عليكم بنصب الفقر أي ما أخشى عليكم الفقر ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والاول هو الراجح وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع فوقع وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر فان الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وان كان لهم في الشفقة عليهم كالاب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده والمراد بالفقر العهدي وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشئ ويحتمل الجنس والاول أولى ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لان مضرة الفقر دنيوية غالبا ومضرة الغنى دينيه غالبا قوله فتنافسوها فتح المثناة فيها والاصل فتنافسوا فحذفت إحدى التائين والتنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشئ ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشئ النفيس في نوعه يقال نافست في الشئ منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشئ بالضم نفاسه صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر بخلت ونفست عليه لم أره أهلا لذلك قوله فتهلككم أي لان المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه فتمنع منه فتقع العداوة المتقضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك قال بن بطال فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها فلا يطمئن إلى زخرفها ولا ينافس غيره فيها ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى لان فتنة الدنيا مقرونة بالغنى والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر إلى هلاك النفس غالبا والفقير آمن من ذلك الحديث الثاني حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد بعد ثمان سنين وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز وعلامات النبوة وقوله أنا فرطكم بفتح الفاء والراء أي السابق إليه الحديث الثالث حديث أبي سعيد قوله إسماعيل هو بن أبي أويس وقد وافقه في رواية هذا الحديث عن مالك بتمامه بن وهب وإسحاق بن محمد وأبو قرة ورواه معن بن عيسى والوليد بن مسلم عن مالك مختصرا كل منهما طرفا وليس هو في الموطأ قاله الدارقطني في الغرائب قوله عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أكثر ما أخاف عليكم في رواية هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار الماضية في كتاب الزكاة
[ 209 ]
في أوله انه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال ان مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي اني مما أخاف وما في قوله ما يفتح في موضع نصب لانها اسم ان ومما في قوله ان مما في موضع رفع لانها الخبر قوله زهرة الدنيا زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسير وزهرة الدنيا بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرئ في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى مثل جهرة وجهرة وقيل بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة كما في الحديث والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء قوله فقال رجل لم اقف على اسمه قوله هل يأتي في رواية هلال أو يأتي وهي بفتح الواو والهمزة للاستفهام والواو عاطفة على شئ مقدر أي اتصير النعمة عقوبة لان زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة وهو استفهام استرشاد لا إنكار والباء في قوله بالشر صلة ليأتي أي هل يستجلب الخير الشر قوله ظننت في رواية الكشميهني ظننا وفي رواية هلال فرئينا بضم الراء وكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني فأرينا بضم الهمزة قوله ينزل عليه أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى إليه قوله ثم جعل يمسح عن جبينه في رواية الدارقطني العرق وفي رواية هلال فيمسح عنه الرحضاء بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد هو العرق وقيل الكثير وقيل عرق الحمي وأصل الرحض بفتح ثم سكون الغسل ولهذا فسره الخطابي أنه عرق يرحض الجلد لكثرته قوله قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع لذلك في رواية المستملي حين طلع ذلك وفي رواية هلال وكأنه حمده والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه اغضبه ثم حمدوه آخرا لما رأوا مسألته سببا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله وكأنه حمده فأخذوه من قرينة الحال قوله لا يأتي الخير الا بالخير زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات وفي رواية هلال انه لا يأتي الخير بالشر ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير وانما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والاسراف في انفاقه فيما لم يشرع وأن كل شئ قضى الله أيكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر ووقع في مرسل سعيد المقبري عند سعيد بن منصور أو خى هو ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي ان المال ليس خيرا حقيقا وان سمي خيرا لان الخير الحقيقي هو ما يعرض له من الانفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الامساك عن الحق والاخراج في الباطل وما ذكر في الحديث بعد ذلك من قوله ان هذا المال خضرة حلوة كضرب المثل بهذه الجملة قوله أن هذا المال في رواية الدارقطني ولكن هذا المال الخ ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة والعرب تسمي كل شئ مشرق ناضر اخضر وقال بن الانباري قوله المال خضرة حلوة ليس هو صفة المال وانما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة أو التاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على معنى فائدة المال أي ان الحياة به أو العيشة أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لانه من زينتها قال الله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا وقد وقع في حديث أبي سعيد أيضا المخرج في السنن الدنيا خضرة
[ 210 ]
حلوة فيتوافق الحديثان ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة قوله وان كل ما أنبت الربيع أي الجدول وإسناد الاثبات إليه مجازى والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى وفي رواية هلال وان مما ينبت ومما في قوله مما ينبت للتكثير وليست من للتبعيض لنوافق رواية كل ما أنبت وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المقبري قوله يقتل حبطا أو يلم أما حبطا فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضا والحبط انتفاخ البطن من كثرة الاكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الاكل حتى تنتفخ فتموت وروى بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب والاول المعتمد وقوله يلم بضم أوله أي يقرب من الهلاك قوله الا بالتشديد على الاستثناء وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح قوله آكلة بالمد وكسر الكاف والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين للاكثر وهو ضرب من الكلا يعجب الماشية وواحده خضرة وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة الهاء في آخره وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة قوله امتلات خاصرتاها تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالافراد قوله أتت بمثناة أي جاءت وفي رواية هلال استقبلت قوله اجترت بالجيم أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف فأعادت مضغه قوله وثلطت بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة وضبطها بن التين بكسر اللام أي القت ما في بطنها رقيقا زاد الدارقطني ثم عادت فأكلت والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمي بها فيسهل خروجه فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعا قال الازهري هذا الحديث إذا فرق لم يكد يظهر معناه وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا المانع من اخراجها في وجهها وهو ما تقدم أي الذي يقتل حبطا والثاني المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها وقال الزين بن المنير آكلة الخضر هي بهيمة الانعام التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره والخضر النبات الاخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر منه وقيل هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه فإن الماشية تقتطف منه مثلا شيئا فشيئا ولا يصيبها منه ألم وهذا الاخير فيه نظر فإن سياق الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع الا لمن وقعت منه المداومة حتى اندفع عنه ما يضره وليس المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر البتة والمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور لاكل من اتصف بأنه آكلة الخضر ولعل قائله وقعت له رواية فيها يقتل أو يلم الا آكلة الخضر ولم يذكر ما بعده فشرحه على ظاهر هذا الاختصار قوله فنعم المعونة هو في رواية هلال فنعم صاحب المسلم هو قوله وأن اخذه بغير حقه في رواية هلال وانه من يأخذه بغير حقه قوله كالذي
[ 211 ]
يأكل ولا يشبع زاد هلال ويكون شهيدا عليه يوم القيامة يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن ينطقه الله تعالى ويجوز أن يكون مجازا والمراد شهادة الملك الموكل به ويؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف لان الماشية إذا رعت الخضر للتغذية اما أن تقتصر منه على الكفاية واما أن تستكثر الاول الزهاد والثاني اما أن يحتال على إخراج ما لو بقى لضر فإذا أخرجه زال الضر واستمر النفع واما ان يهمل ذلك الاول العاملون في جميع الدنيا بما يجب من امساك وبذل والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك وقال الطيبي يؤخذ منه أربعة اصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم ومن أكل غير مفرط ولا منهمل وانما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه فالاول مثال الكافر والثاني مثال العاصي الغافل عن الاقلاع والتوبة الا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة وبعضها لم يصرح به في الحديث وأخذه منه محتمل وقوله فنعم المعونة كالتذييل للكلام المتقدم وفيه حذف تقديره ان عمل فيه بالحق وفيه إشارة إلى عكسه وهو بئس الرفيق هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله كالذي يأكل ولا يشبع ذكر في مقابلة فنعم المعونة هو وقوله ويكون شهيدا عليه أي حجة يشهد عليه بحرصه واسرافه وانفاقه فيما لا يرضى الله وقال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه المنهمك في الاكتساب والاسباب بالبهائم المنهمكة في الاعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الاكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى ادراكها لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع وقال الغزالي مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله تعالى وانه لحب الخير لشديد وفي قوله تعالى ان ترك خيرا وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسئل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد بن دريد هذا الحديث وهو قوله ان مما ينبت الربيع
[ 212 ]
يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه وكل من وقع شئ منه في كلامه فإنما أخذه منه ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي وان جبينه ليتفصد عرقا وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لانه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر والعجب أن النووي قال فيه حجة لم رجح الغني على الفقير وكان قبل ذلك شرح قوله لا يأتي الخير الا بالخير على أن لمراد أن الخير الحقيقي لا يأتي الا بالخير لكن هذه الزهرة ليست خيرا حقيقيا لما فيها من الفتنة والمنافسة والاشتغال عن كمال الاقبال على الآخرة قلت فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغني والتحقيق أن لا حجة فيه لاحد القولين وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع وفيه ذم الاسراف وكثرة الاكل والنهم فيه وأن اكتساب المال من غير حله وكذا امساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات الحديث الرابع حديث عمران بن حصين قوله سمعت أبا جمرة هو بالجيم والراء وهو الضبعي نصر بن عمران وقد روى شعبة عن أبي حمزة بالمهملة والزاي حديثا لكنه عند مسلم دون البخاري وليس لشعبة في البخاري عن أبي جمرة بهذه الصورة الا عن نصر بن عمران وزهدم بالزاي وزن جعفر ومضرب بالضاد المعجمة ثم الموحدة والتشديد باسم الفاعل وقد تقدم شرح هذا الحديث في الشهادات وفي أول فضائل الصحابة وكذا الحديث الذي بعده الحديث الخامس حديث بن مسعود قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو الحديث السادس حديث خباب أورده من طريقين في الاولى زيادة على ما في الثانية وهو حديث واحد ذكر فيه بعض الرواة ما لم يذكر بعض وأبهم شيئا قاله شعبة وقد تقدمت روايته له عن إسماعيل بن أبي خالد في أواخر كتاب المرضى قبل كتاب الطب وشرح هناك وزاد أحمد عن وكيع بهذا السند في هذا المتن فقال في أوله دخلنا على خباب نعوده وهو يبني حائطا له فقال ان المسلم يؤجر في كل شئ الا ما يجعله في هذا التراب وقد تقدم شرح هذه الزيادة هناك وإسماعيل في الطريقين هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ورجال الاسناد من وكيع فصاعدا كوفيون ويحيى في السند الثاني هو بن سعيد القطان وهو بصري الحديث السابع حديث خباب أيضا ورجاله من شيخ البخاري فصاعدا كوفيون وسفيان هو الثوري قوله عن شقيق أبي وائل عن خباب تقدم في الهجرة من طريق يحيى بن سعيد القطان عن الاعمش سمعت أبا وائل حدثنا خباب قوله هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قصه كذا لابي ذر وهو بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ضمير والمراد أن الراوي قص الحديث وأشار به إلى ما أخرجه بتمامه في أول الهجرة إلى المدينة عن محمد بن كثير بالسند المذكور هنا وقرنه برواية يحيى القطان عن الاعمش وساقه بتمامه وقال بعد المذكور هنا فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير الحديث وقد تقدم ذكره في الجنائز وأحلت شرحه على ما هنا وذكر في الهجرة في موضعين وفي غزوة أحد في موضعين وأحلت به في الهجرة على المغازي
[ 213 ]
ولم يتيسر في المغازي التعرض لشرحه ذهولا والله المستعان وسيأتي بعد ثمانية أبواب في باب فضل الفقر ان شاء الله تعالى قوله باب قول الله تعالى يا أيها الناس ان وعد الله حق الآية إلى قوله السعير كذا لابي ذر وساق في رواية كريمة الايتين قوله جمعه سعر بضمتين يعني السعير وهو فعيل بمعنى مفعول من السعر بفتح أوله وسكون ثانيه وهو الشهاب من النار قوله وقال مجاهد الغرور الشيطان ثبت هذا الاثر هنا في رواية الكشميهني وحده ووصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد وهو تفسير قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وهو فعول بمعنى فاعل تقول غررت فلانا أصبت غرته ونلت ما أردت منه والغرة بالكسر غفلة في اليقظة والغرور كل ما يغر الانسان وانما فسر بالشيطان لانه رأس في ذلك قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن كثير ومحمد بن إبراهيم هو التيمي واسم جده الحارث بن خالد وكانت له صحبة قوله أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أي بن عثمان بن عبيد الله التيمي وعثمان جده هو أخو طلحة بن عبيد الله ووالده عبد الرحمن صحابي أخرج له مسلم وكان يلقب شارب الذهب وقتل مع بن الزبير ووقع في رواية الاوزاعي عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن شقيق بن سلمة هذه رواية الوليد بن مسلم عند النسائي وابن ماجة وفي رواية عبد الحميد بن حبيب عن الاوزاعي بسنده عن عيسى بن طلحة بدل شقيق بن سلمة قال المزي في الاطراف رواية الوليد أصوب قلت ورواية شيبان أرجح من رواية الاوزاعي لان نافع بن جبير وعبد الله بن أبي سلمة وافقا محمد بن إبراهيم التيمي في روايته له عن معاذ بن عبد الرحمن ويحتمل أن يكون الطريقان محفوظين لان محمد بن إبراهيم صاحب حديث فلعله سمعه من معاذ ومن عيسى بن طلحة وكل منهما من رهطه ومن بلده المدينة النبوية وأما شقيق بن سلمة فليس من رهطه ولا من بلده والله أعلم قوله ان بن أبان أخبره قال عياض وقع لابي ذر والنسفي والكافة ان بن أبان أخبره ووقع لابن السكن أن حمران بن أبان ووقع للجرجاني وحده أن أبان أخبره وهو خطأ قلت ووقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر أن بن أبان وقد أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان بسند البخاري فيه ووقع عنده أن حمران بن أبان أخبره قوله فأحسن الوضوء في رواية نافع بن جبير عن حمران فأسبغ الوضوء وتقدم في الطهارة من وجه آخر عن حمران بيان صفة الاسباغ المذكور والتثليث فيه وقول عروة ان هذا أسبغ الوضوء قوله ثم قال من توضأ مثل هذا الوضوء تقدم هناك توجيهه وتعقب من نفي ورود الرواية بلفظ مثل وان الحكمة في ورودها بلفظ نحو التعذر على كل أحد أن يأتي بمثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قوله ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس هكذا أطلق صلاة ركعتين وهو نحو رواية بن شهاب الماضية في كتاب الطهارة وقيده مسلم في روايته من طريق نافع بن جبير عن حمران بلفظ ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وكذا وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران عنده فيصلى صلاة وفي أخرى له عنه فيصلي الصلاة المكتوبة وزاد الا غفر الله له ما بينها وبين الصلاة التي تليها أي التي سبقتها وفيه تقييد لما أطلق في قوله في الرواية الاخرى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وان التقدم خاص بالزمان الذي بين الصلاتين وأصرح منه في رواية أبي صخرة عن حمران عند مسلم أيضا ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس الا كانت كفارة لما بينهن
[ 214 ]
وتقدم من طريق عروة عن حمران الا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها وله من طريق عمرو بن سعيد بن العاص عن عثمان بنحوه وفيه تقييده بمن لم يغش الكبيرة وقد بينت توجيه ذلك في كتاب الطهارة واضحا والحاصل أن لحمران عن عثمان حديثين في هذا أحدهما مقيد بترك حديث النفس وذلك في صلاة ركعتين مطلقا غير مقيد بالمكتوبة والآخر في الصلاة المكتوبة في الجماعة أوفي المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس قوله قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتروا قدمت شرحه في الطهارة وحاصله لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالا على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لاحد عليه وظهر لي جواب آخر وهو أن المكفر بالصلا هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر أو لا تستكثروا من الصغائر فإنها بالاصرار تعطي حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله من هو مرتبك في المعصية والله اعلم قوله باب ذهاب الصالحين أي موتهم قوله ويقال الذهاب المطر ثبت هذا في رواية السرخسي وحده ومراده أن لفظ الذهاب مشترك على المضي وعلى المطر وقال بعض أهل اللغة الذهاب الامطار اللينة وهو جمع ذهبة بكسر أوله وسكون ثانية قوله حدثني يحيى بن حماد هو من قدماء مشايخه وقد أخرج عنه بواسطة في كتاب الحيض قوله عن بيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو بن بشر وقيس هو بن أبي حازم ومرداس الاسلمي هو بن مالك زاد الاسماعيلي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي عنده في رواية محمد بن فضيل عن بيان وتقدم من وجه آخر في غزوة الحديبية من كتاب المغازي أنه كان من أصحاب الشجرة أي الذين بايعوا بيعة الرضوان وذكر مسلم في الوحدان وتبعه جماعة ممن صنف فيها أنه لم يرو عنه الا قيس بن أبي حازم ووقع في التهذيب للمزي في ترجمة مرداس هذا أنه روى عنه زياد بن علاقة أيضا وتعقب بأنه مرداس آخر أفرده أبو علي بن السكن في الصحابة عن مرداس بن مالك وقال انه مرداس بن عروة وممن فرق بينهما البخاري والرازي والبستي ورجحه بن السكن قوله يذهب الصالحون الاول فالاول في رواية عبد الواحد بن غياث عن أبي عوانة عند الاسماعيلي يقبض بدل يذهب والمراد قبض أرواحهم وعنده من رواية خالد الطحان عن بيان يذهب الصالحون أسلافا ويقبض الصالحون الاول فالاول والثانية تفسير للاولى قوله ويبقى حثالة أو حفالة هو شك هل هي بالثاء المثلثة أو بالفاء والحاء المهملة في الحالين ووقع في رواية عبد الواحد حثالة بالمثلثة جزما قوله كحثالة الشعير أو التمر يحتمل الشك ويحتمل التنويع وقع في رواية عبد الواحد كحثالة الشعير فقط وفي رواية حتى لا يبقى الا مثل حثالة التمر والشعير زاد غير أبي ذر من رواة البخاري قال أبو عبد الله وهو البخاري حثالة وحفالة يعني أنهما بمعنى واحد وقال الخطابي الحثالة بالفاء وبالمثلثة الردئ من كل شئ وقيل آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأردأه وقال بن التين الحثالة سقط الناس وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما وقال الداودي ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الاكل ووجدت لهذا الحديث شاهدا من رواية الفزارية امرأة عمر بلفظ تذهبون الخير فالخير حتى لا يبقى منكم الا حثالة كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزو المعز أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وليس فيه
[ 215 ]
تصريح برفعه لكن له حكم المرفوع قوله لا يباليهم الله بالة قال الخطابي أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا يقال بالبيت بفلان وما بالبيت به مبلاة وبالية وبالية وقال غيره أصل بالة بالية فحذفت الياء تخفيفا وتعقب قول الخطابي بأن بالة ليس مصدرا لباليت وانما هو اسم مصدره وقال أبو الحسن القابسي سمعته في الوقف بالة ولا أدري كيف هو في الدرج والاصل باليته بالاة فكأن الالف حذفت في الوقف كذا قال وتعقبه بن التين بأنه لم يسمع في مصدره بالاة قال ولو علم القابسي ما نقله الخطابي أن بالة مصدر مصار لما احتاج إلى هذ التكلف قلت تقدم في المغازي من رواية عيسى بن يونس عن بيان بلفظ لا يعبأ الله بهم شيئا وفي رواية عبد الواحد لا يبالي الله عنهم وكذا في رواية خالد الطحان وعن هنا بمعنى الباء يقال ما باليت به وما باليت عنه وقوله يعبأ بالمهملة الساكنة والموحدة مهموز أي لا يبالي وأصله من العبء بالكسر ثم الموحدة مهموز وهو الثقل فكأن معنى لا يعبأ به انه لا وزن له عنده ووقع في آخر حديث الفزارية المذكور آنفا على أولئك تقوم الساعة قال بن بطال في الحديث أن موت الصالحين من أشراط الساعة وفيه الندب إلى الاقتداء بأهل الخير والتحذير من مخالفتهم خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به وفيه أنه يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى الا أهل الشر واستدل به على جواز خلو الارض من عالم حتى لا يبقى الا أهل الجهل صرفا ويؤيده الحديث الآتي في الفتن حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا وسيأتي بسط القول في هذه المسألة هناك ان شاء الله تعالى تنبيه وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله حفالة وحثالة أي انها رويت بالفاء وبالمثلثة وهما بمعنى واحد قوله باب ما يتقى بضم أوله وبالمثناة والقاف قوله من فتنة المال أي الالتهاء به قوله وقول الله تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة أي تشغل البال عن القيام بالطاعة وكأنه أشار بذلك إلى ما أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه من حديث كعب بن عياض سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان لكل امة فتنة وفتنة أمتي المال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله وزاد ولو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليه ثالثا الحديث وبها تظهر المناسبة جدا وقوله سيل بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام على البناء للمجهول يقال سأل الوادي إذا جرى ماؤه وأما الفتنة بالولد فورد فيه ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران فنزل عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة الحديث وظاهر الحديث ان قطع الخطبة والنزول لهما فتنة دعا إليها محبة الولد فيكون مرجوحا والجواب ان ذلك انما هو في حق غيره وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فهو لبيان الجواز فيكون في حقه راجحا ولا يلزم من فعل الشئ لبيان الجواز أن لا يكون الاولى ترك فعله ففيه تنبيه على أن الفتنة بالولد مراتب وان هذا من أدناها وقد يجر إلى ما فوقه فيحذر وذكر المصنف في الباب أحاديث الاول قوله حدثني يحيى بن يوسف هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم ويقال له بن أبي كريمة فقيل هي كنية أبيه وقيل هو جده واسمه كنيته أخرج عنه البخاري بغير وساطة في الصحيح وأخرج عنه خارج الصحيح بواسطة قوله أخبرني أبو بكر بن عياش بمهملة وتحتانية
[ 216 ]
ثقيلة ثم معجمة ووقع في رواية غير أبي ذر حدثنا قوله عن أبي حصين بمهملتين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وفي رواية غير أبي ذر أيضا حدثنا قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الاسماعيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الاسماعيلي وافق أبا بكر على رفعه شريك القاضي وقيس بن الربيع عن أبي حصين وخالفهم إسرائيل فرواه عن أبي حصين موقوفا قلت إسرائيل أثبت منهم ولكن اجتماع الجماعة يقاوم ذلك وحينئذ تتم المعارضة بين الرفع والوقف فيكون الحكم المرفع والله أعلم وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في باب الحراسة في الغزو من كتاب الجهاد وهو من نوادر ما وقع في هذا الجامع الصحيح قوله تعس بكسر العين المهملة ويجوز الفتح أي سقط والمراد هنا هلك وقال بن الانباري التعس الشر قال تعالى فتعسا لهم أراد ألزمهم الشر وقيل التعس البعد أي بعدا لهم وقال غيره قولهم تعسا لفلان نقيض أولهم لعاله فتعسا دعاء عليه بالعثرة ولعا دعاء له بالانتقاش قوله عبد الدينار أي طالبه الحريص على جمعه القائم على حفظه فكأنه لذلك خادمه وعبده قال الطيبي قيل خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالاسير الذي لا يجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لان المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة وقوله ان أعطي الخ يؤذن بشدة الحرص على ذلك وقال غيره جعله عبدا لهما لشغفه وحرصه فمن كان عبدا لهواه لم يصدق في حقه إياك نعبد فلا يكون من اتصف بذلك صديقا قوله والقطيفة هي الثوب الذي له خمل والخميصة الكساء المربع وقد تقدم الحديث في كتاب الجهاد من رواية عبد الله بن دينار عن أبي صالح بلفظ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش وقوله وانتكس أي عاوده المرض فعلى ما تقدم من تفسير التعس بالسقوط يكون المراد أنه إذا قام من سقطته عاوده السقوط ويحتمل أن يكون المعنى بانتكس بعد تعس انقلب على رأسه بعد أن سقط ثم وجدته في شرح الطيبي قال في قوله تعس وانتكس فيه الترقي في الدعاء عليه لانه إذا تعس انكب على وجهه فإذا انتكس انقلب على رأسه وقيل التعس الخر على الوجه والنكس الخر على الرأس وقوله في الرواية المذكورة وإذا شيك بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف أي إذا دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها بالمنقاش وهو معنى قوله فلا انتقش ويحتمل أن يريد لم يقدر الطبيب أن يخرجها وفيه إشارة إلى الدعاء عليه بما يثبطه عن السعي والحركة وسوغ الدعاء عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أمر به من التشاغل بالواجبات والمندوبات قال الطيبي وانما خص انتقاش الشوكة بالذكر لانه أسهل ما يتصور من المعاونة فإذا انتفى ذلك الاسهل انتفى ما فوقه بطريق الاولى قوله ان أعطى بضم أوله قوله وان لم يعط لم يرض وقع من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش عند بن ماجة والاسماعيلي بلفظ الوفاء عوض الرضا وأحدهما ملزوم للآخر غالبا الحديث الثاني قوله عن عطاء هو بن أبي رباح وصرح في الرواية الثانية بسماع بن جريج له من عطاء وهذا هو الحكمة في إيراد الاسناد النازل عقب العالي إذ بينه وبين بن جريج في الاول راو واحد وفي الثاني اثنان وفي السند الثاني أيضا فائدة أخرى وهي الزيادة في آخره ومحمد في الثاني هو بن سلام وقد نسب في رواية أبي زيد المروزي كذلك ومخلد بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
[ 217 ]
هذا من الاحاديث التي صرح فيها بن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة لمرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة قوله لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا في الرواية الثانية لو أن لابن آدم واديا مالا لاحب ان له إليه مثله ونحوه في حديث أنس في الباب وجمع بين الامرين في الباب أيضا ومثله في مرسل جبير بن نفير الذي قدمته وفي حديث أبي الذي سأذكره وقوله من مال فسره في حديث ان بن الزبير بقوله من ذهب ومثله في حديث أنس في الباب وفي حديث زيد بن أرقم عند أحمد وزاد وفضة وأوله مثل لفظ رواية بن عباس الاولى ولفظه عند أبي عبيدة في فضائل القرآن كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث وله من حديث جابر بلفظ لو كان لابن آدم وادي نخل وقوله لابتغى بالغين المعجمة وهو افتعل بمعنى الطلب ومثله في حديث زيد بن أرقم وفي الرواية الثانية أحب وكذا في حديث أنس وقال في حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية قوله ولا يملا جوف بن آدم في رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عند الاسماعيلي نفس بدل جوف وفي حديث جابر كالاول وفي مرسل جبير بن نفير ولا يشبع بضم أوله جوف وفي حديث بن الزبير ولا يسد جوف وفي الرواية الثانية في الباب ولا يملا عين وفي حديث أنس فيه ولا يملا فاه ومثله في حديث أبي واقد عند أحمد وله في حديث زيد بن أرقم ولا يملا بطن قال الكرماني ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لانه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة قلت وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من إطلاق الكل وإرادة البعض وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين وأما العين فلانها الاصل في الطب لانه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لان أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها يكون للاكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملا الخ وقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب الا بالتراب ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره أن المرء لا ينقضى طمعه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن صب عليه التراب فملا جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف قوله في الطريق الثانية لابن عباس ويتوب الله على من تاب أي ان الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل وفيه إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه للاشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني وقال الطيبي يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه الا من حفظه الله تعالى ووفقه لازالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب موضعه أشعارا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن ازالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده والى
[ 218 ]
ذلك الاشارة بقوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ففي إضافة الشح إلى النفس دلالة على انه غريزة فيها وفي قوله ومن يوق إشارة إلى إمكان إزالة ذلك ثم رتب الفلاح على ذلك قال وتؤخذ المناسبة أيضا من ذكر التراب فإن فيه إشارة إلى أن الآدمي خلق من التراب ومن طبعه القبض واليبس وأن إزالته ممكنة بأن يمطر الله عليه ما يصلحه حتى يثمر الخلال الزكية والخصال المرضية قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فوقع قوله ويتوب الله الخ موقع الاستدراك أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيرا على من يسره الله تعالى عليه قوله قال بن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا يعني الحديث المذكور وسيأتي بيان ذلك في الكلام على حديث أبي قوله قال وسمعت بن الزبير القائل هو عطاء وهو متصل بالسند المذكور وقوله على المنبر بين في الرواية التي بعدها أنه منبر مكة وقوله ذلك إشارة إلى الحديث وظاهره أنه باللفظ المذكور بدون زيادة بن عباس الحديث الثالث قوله عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل أي غسيل الملائكة وهو حنظلة بن أبي عامر الاوسي وهو جد سليمان المذكور لانه بن عبد الله بن حنظله ولعبد الله صحبة وهو من صغار الصحابة وقتل يوم الحرة وكان الامير على طائفة الانصار يومئذ وأبوه استشهد بأحد وهو من كبار الصحابة وأبوه أبو عامر يعرف بالراهب وهو الذي بنى مسجد الضرار بسببه ونزل فيه القرآن وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لانه لقي بعض صغار الصحابة وهذا الاسناد من أعلى ما في صحيح البخاري لانه في حكم الثلاثيات وان كان رباعيا وعباس بن سهل بن سعد وهو ولد الصحابي المشهور الحديث الرابع قوله عبد العزيز هو الاويسي وصالح هو بن كيسان وابن شهاب هو الزهري قوله أحب أن يكون كذا وقع بغير لام وهو جائز وقد تقدم من رواية بن عباس بلفظ لاحب الحديث الخامس قوله وقال لنا أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك وشيخه حماد بن سلمة لم يعدوه فيمن خرج له البخاري موصولا بل علم المزي على هذا السند في الاطراف علامة التعليق وكذا رقم لحماد بن سلمة في التهذيب علامة التعليق ولم ينبه على هذا الموضع وهو مصير منه إلى استواء قال فلان وقال لنا فلان وليس بجيد لان قوله قال لنا ظاهر في الوصل وان كان بعضهم قال انها للاجازة أو للمناولة أو للمذاكرة فكل ذلك في حكم الموصول وان كان التصريح بالتحديث أشد اتصالا والذي ظهر لي بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يأتي بهذه الصيغة الا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج فمن أمثلة الاولى قوله في كتاب النكاح في باب ما يحل من النساء وما يحرم قال لنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد هو القطان فذكر عن بن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع الحديث فهذا من كلام بن عباس فهو موقوف وان كان يمكن أن يتلمح له ما يلحقه بالمرفوع ومن أمثلة الثاني قوله في المزارعة قال لنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان العطار فذكر حديث أنس لا يغرس مسلم غرسا الحديث فأبان ليس على شرطه كحماد بن سلمة وعبر في التخريج لكل منهما بهذه الصيغة لذلك وقد علق عنهما أشياء بخلاف الواسطة التي بينة وبينه وذلك تعليق ظاهر وهو أظهر في كونه لم يسقه مساق الاحتجاج من هذه الصيغة المذكورة هنا لكن السر فيه ما ذكرت وأمثلة ذلك في الكتاب كثيرة تظهر لمن
[ 219 ]
تتبعها قوله عن ثابت هو الثاني ويقال ان حماد بن سلمة كان أثبت الناس في ثابت وقد أكثر مسلم من تخريج ذلك محتجا به ولم يكثر من الاحتجاج بحماد بن سلمة كإكثاره في احتجاجه بهذه النسخة قوله عن أبي هو بن كعب وهذا من رواية صحابي عن صحابي وان كان أبي أكبر من أنس قوله كنا نرى بضم النون أوله أي نظن ويجوز فتحها من الرأي أي نعتقد قوله هذا لم يبين ما أشار إليه بقوله هذا وقد بينه الاسماعيلي من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ولفظه كنا نرى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا الحديث دون قوله ويتوب الله الخ قوله حتى نزلت ألهاكم التكاثر زاد في رواية موسى بن إسماعيل إلى آخر السورة وللاسماعيلي أيضا من طريق عفان ومن طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي قالا حدثنا حماد بن سلمة فذكر مثله وأوله كنا نرى أن هذا من القرآن الخ تنبيه هكذا وقع حديث أبي بن كعب من رواية ثابت عن أنس عنه مقدما على رواية أبن شهاب عن أنس في هذا الباب عند أبي ذر وعكس ذلك غيره وهو الانسب قال بن بطال وغيره قوله ألهاكم التكاثر خرج على لفظ الخطاب لان الله فطر الناس على حب المال والولد فلهم رغبة في الاستكثار من ذلك ومن لازم ذلك الغفلة عن القيام بما أمروا به حتى يفجأهم الموت وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع ذلك ولا بد لكل أحد منه فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الاول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد شرحه بعضهم على أنه كان قرآنا ونسخت تلاوته لما نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر فاستمرت تلاوتها فكانت ناسخة لتلاوة ذلك وأما الحكم فيه والمعنى فلم ينسخ إذ نسخ التلاوة لا يستلزم المعارضة بين الناسخ والمنسوخ كنسخ الحكم والاول أولى وليس ذلك من النسخ في شئ قلت يؤيد ما رده ما أخرجه الترمذي من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ان الله أمرني أن اقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال وقرأ فيها ان الدين عند الله الحنيفية السمحة الحديث وفيه وقرأ عليه لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث وفيه ويتوب الله على من تاب وسنده جيد والجمع بينه وبين حديث أنس عن أبي المذكور آنفا أنه يحتمل أن يكون أبي لما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وكان هذا الكلام في آخر ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم احتمل عنده ان يكون بقية السورة واحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتهيأ له أن يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى نزلت الهاكم التكاثر فلم ينتف الاحتمال ومنه ما وقع عند أحمد وأبي عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم ان الله قال انما انزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لاحب أن يكون له ثان الحديث بتمامه وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن ويحتمل أن يكون من الاحاديث القدسية والله أعلم وعلى الاول فهو مما نسخت تلاوته جزما وان كان حكمه مستمرا ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي موسى قال قرأت
[ 220 ]
سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها ولو أن لابن آدم واديين من مال تمنى واديا ثالثا الحديث ومن حديث جابر كنا نقرأ لو ان لابن آدم ملء واد مالا لاحب إليه مثله الحديث رحمه الله قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال خضرة حلوة تقدم شرحه قريبا في باب ما يحذر من زهرة الدنيا في شرح حديث أبي سعيد الخدري قوله وقوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الآية كذا لابي ذر ولابي زيد المروزي حب الشهوات الآية وللاسماعيلي مثل أبي ذر وزاد إلى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا وساق ذلك في رواية كريمة وقوله زين قيل الحكمة في ترك الافصاح بالذي زين أن يتناول اللفظ جميع من تصح نسبة التزيين إليه وان كان العلم أحاط بأنه سبحانه وتعالى هو الفاعل بالحقيقة فهو الذي أوجد الدنيا وما فيها وهيأها للانتفاع وجعل القلوب مائلة إليها والى ذلك الاشارة بالتزيين ليدخل فيه حديث النفس ووسوسة الشيطان ونسبة ذلك إلى الله تعالى باعتبار الخلق والتقدير والتهيئة ونسبة ذلك للشيطان باعتبار ما أقدره الله عليه من التسلط على الآدمي بالوسوسة الناشئ عنها حديث النفس وقال بن التين بدأ في الآية بالنساء لانهن أشد الاشياء فتنة للرجال ومنه حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال ومعنى تزيينها اعجاب الرجل بها وطواعيته لها والقناطير جمع قنطار واختلف في تقديره فقبل سبعون ألف دينار وقيل سبعة آلاف دينار وقيل مائة وعشرون رطلا وقيل مائة رطل وقيل ألف مثقال وقيل ألف ومائتا أوقية وقيل معناه الشئ الكثير مأخوذ من عقد الشئ واحكامه وقال بن عطية القول الاخير قيل هذا أصح الاقوال لكن يختلف القنطار في البلاد باختلافها في قدر الوقية قوله وقال عمر اللهم انا لا نستطيع الا ان نفرح بما زينته لنا اللهم اني أسألك أن أنفقه في حقه سقط هذا التعليق في رواية أبي زيد المروزي وفي هذا الاثر إشارة إلى ان فاعل التزيين المذكور في الآية هو الله وان تزيين ذلك بمعنى تحسينه في قلوب بني آدم وأنهم جبلوا على ذلك لكن منهم من استمر على ما طبع عليه من ذلك وانهمك فيه وهو المذموم ومنهم من راعى فيه الامر والنهى ووقف عند ما حد له من ذلك وذلك بمجاهدة نفسه بتوفيق الله تعالى له فهذا لم يتناوله الذم ومنهم من ارتقى عن ذلك فزهد فيه بعد أن قدر عليه وأعرض عنه مع اقباله عليه وتمكنه منه فهذا هو المقام المحمود والى ذلك الاشارة بقول عمر اللهم اني أسألك أن أنفقه في حقه وأثره هذا وصله الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الانصاري ان عمر بن الخطاب اتى بمال من المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطى ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا حلى كثير وجوهر ومتاع فبكى عمر وحمد الله عز وجل فقالوا له ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح من هذا على قوم الا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقى من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فآذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات فتلا الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع الا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن انفقه في حقك فما قام حتى ما بقي منه شئ وأخرجه أيضا من طريق عبد العزيز بن يحيى المدني عن
[ 221 ]
مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه نحوه وهذا موصول لكن في سنده إلى عبد العزيز ضعف وقال بعد قوله واستحلوا حرمتهم وقطعوا أرحامهم فما رام حتى قسمه وبقيت منه قطع وقال بعد قوله لا نستطيع الا أن يتزين لنا ما زينت لنا والباقي نحوه وزاد في آخره قصة أخرى قوله سفيان هو بن عيينة قوله ثم قال ان هذا المال ربما قال سفيان قال لي يا حكيم ان هذا المال فاعل قال اولا هو النبي صلى الله عليه وسلم والقائل ربما هو على بن المدايني راويه عن سفيان والقائل قال لي هو حكيم بن حزام صحابي الحديث المذكور وحكيم بالرفع بغير تنوين منادى مفرد حذف منه حرف النداء وظاهر السياق أن حكيما قال لسفيان وليس كذلك لانه لم يدركه لان بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو الخمسين سنة ولهذا لا يقرأ حكيم بالتنوين وانما المراد أن سفيان رواه مرة بلفظ ثم قال أي النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال ومرة بلفظ ثم قال لي يا حكيم ان هذا المال الخ وقد وقع بإثبات حرف النداء في معظم الروايات وانما سقط من رواية أبي زيد المروزي وتقدم شرح قوله فمن أخذه بطيب نفس الخ في باب الاستعفاف عن المسألة من كتاب الزكاة وتقدم شرح قوله في آخره واليد العليا خير من اليد السفلى في باب لا صدقة الا عن ظهر غنى من كتاب الزكاة أيضا وقوله بورك له فيه زاد الاسماعيلي من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان بسنده ومتنه وإبراهيم كان أحد الحفاظ وفيه مقال قوله باب ما قدم من ماله فهو له الضمير للانسان المكلف وحذف للعلم به وان لم يجر له ذكر قوله عمر بن حفص أي بن غياث وعبد الله هو بن مسعود ورجال السند كلهم كوفيون قوله أيكم مال وارثه احب إليه من ماله أي ان الذي يخلفه الانسان من المال وان كان هو في الحال منسوبا إليه فإنه باعتبار انتقاله إلى وارثه يكون منسوبا للوارث فنسبته للمالك في حياته حقيقية ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية ومن بعد موته حقيقية قوله فان ماله ما قدم أي هو الذي يضاف إليه في الحياة وبعد الموت بخلاف المال الذي يخلفه وقد أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الاعمش به سندا ومتنا وزاد في آخره ما تعدون الصرعة فيكم الحديث وزاد فيه أيضا ما تعدون الرقوب فيكم الحديث قال بن بطال وغيره فيه التحريض على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجو القربة والبر لينتفع به في الآخرة فإن كل شئ يخلفه المورث يصير ملكا للوارث فان عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك وكان ذلك الذي تعب في جمعه ومنعه وان عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الاول من الانتفاع به ان سلم من تبعته ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم لسعد انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة لان حديث سعد محمول على من تصدق بماله كله أو معظمه في مرضه وحديث بن مسعود في حق من يتصدق في صحته وشحه قوله باب المكثرون هم المقلون كذا للاكثر وللكشميهني الاقلون وقد ورد الحديث باللفظين ووقع في رواية المعرور عن أبي ذر الاخسرون بدل المقلون وهو بمعناه بناء على ان المراد بالقلة في الحديث قلة الثواب وكل من قل ثوابه فهو خاسر بالنسبة لمن كثر ثوابه قوله وقوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الايتين كذا لابي ذر وفي رواية أبي زيد بعد قوله وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها الآية ومثله للاسماعيلي لكن قال إلى قوله وباطل ما كانوا يعملون ولم يقل الآية وساق الايتين في رواية الاصيلي وكريمة واختلف في الآية فقيل هي على
[ 222 ]
عمومها في الكفار وفيمن يرائي بعمله من المسلمين وقد استشهد بها معاوية لصحة الحديث الذي حدث به أبو هريرة مرفوعا في المجاهد والقارئ والمتصدق لقوله تعالى لكل منهم انما عملت ليقال فقد قيل فبكى معاوية لما سمع هذا الحديث ثم تلا هذه الآية أخرجه الترمذي مطولا وأصله عند مسلم وقيل بل هي في حق الكفار خاصة بدليل الحصر في قوله في الآية التي تليها أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار والمؤمن في الجملة مآله إلى الجنة بالشفاعة أو مطلق العفو والوعيد في الآية بالنار واحباط العمل وبطلانه انما هو للكافر وأجيب عن ذلك بأن الوعيد بالنسبة إلى ذلك العمل الذي وقع الرياء فيه فقط فيجازي فاعله بذلك الا ان يعفو الله عنه وليس المراد احباط جميع اعماله الصالحة التي لم يقع فيها رياء والحاصل أن من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له وجوزي في الآخرة بالعذاب لتجريده قصد إلى الدنيا واعراضه عن الآخرة وقيل نزلت في المجاهدين خاصة وهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فعمومها شامل لكل مراء وعموم قوله نوف إليهم أعمالهم فيها أي في الدنيا مخصوص بمن لم يقدر الله له ذلك لقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن ثريد فعلى هذا التقييد يحمل ذلك المطلق وكذا يقيد مطلق قوله من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب وبهذا يندفع اشكال من قال قد يوجد بعض الكفار مقترا عليه في الدنيا غير موسع عليه من المال أو من الصحة أو من طول العمر بل قد يوجد من هو منحوس الحظ من جميع ذلك كمن قيل في حقه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ومناسبة ذكر الآية في الباب لحديثه أن في الحديث إشارة إلى أن الوعيد الذي فيها محمول على التأقيت في حق من وقع له ذلك من المسلمين لا على التأييد لدلالة الحديث على أن مرتكب جنس الكبيرة من المسلمين يدخل الجنة وليس فيه ما ينفى أنه قد يعذب قبل ذلك كما أنه ليس في الآية ما ينفي أنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب على معصية الرياء قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد وقد روى جرير بن حازم هذا الحديث لكن عن الاعمش عن زيد بن وهب كما سيأتي بيانه لكن قتيبة لم يدركه بن حازم وعبد العزيز بن رفيع بفاء ومهملة مصغر مكي سكن الكوفة وهو من صغار التابعين لقى بعض الصحابة كأنس قوله عن أبي ذر في رواية الاعمش الماضية في الاستئذان عن زيد بن وهب حدثنا والله أبو ذر بالربذة بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة مكان معروف من عمل المدينة النبوية وبينهما ثلاث مراحل من طريق العراق سكنه أبو ذر بأمر عثمان ومات به في خلافته وقد تقدم بيان سبب ذلك في كتاب الزكاة قوله خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمشي وحده ليس معه إنسان هو تأكيد لقوله وحده ويحتمل أن يكون لرفع توهم أن يكون معه أحد من غير جنس الانسان من ملك أو جنى وفي رواية الاعمش عن زيد بن وهب عنه كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء فأفادت تعيين الزمان والمكان والحرة مكان معروف بالمدينة من الجانب الشمالي منها وكانت به الوقعة المشهورة في زمن يزيد بن معاوية وقيل الحرة الارض التي حجارتها سود وهو يشمل جميع جهات المدينة التي لا عمارة فيها وهذا يدل على أن قوله في رواية المعرور بن سويد عن أبي ذر انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة وهو يقول هم الاخسرون ورب الكعبة فذكر قصة المكثرون وهي قصة أخرى مختلفة الزمان والمكان والسياق قوله
[ 223 ]
فظننت أنه يكره ان يمشي معه أحد فجعلت أمشي في ظل القمر أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليخفي شخصه وانما استعمر يمشى لاحتمال ان يطرأ للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة فيكون قريبا منه قوله فالتفت فرآني فقال من هذا كأنه رأى شخصه ولم يتميز له قوله فقلت أبو ذر أي أنا أبو ذر قوله جعلني الله فداءك في رواية أبي الاحوص في الباب بعده عن الاعمش وكذا لابي معاوية عن الاعمش عند أحمد فقلت لبيك يا رسول الله وفي رواية حفص عن الاعمش كما مضى في الاستئذان فقلت لبيك وسعديك قوله فقال أبا ذر تعال في رواية الكشميهني تعاله بهاء السكت قال الداودي فائدة الوقوف على هاء السكت ان لا يقف على ساكنين نقله بن التين وتعقب بأن ذلك غير مطرد وقد اختصر أبو زيد المروزي في روايته سياق الحديث في هذا الباب فقال بعد قوله ليس معه أحد فذكر الحديث وقال فيه ان المكثرين هم المقلون يوم القيامة هكذا عنده وساق الباقون الحديث بتمامه ويأتي شرحه مستوفي في الباب الذي بعده قوله وقال النضر بن شميل أنبأنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت والاعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا حدثنا زيد بن وهب بهذا الغرض بهذا التعليق تصريح الشيوخ الثلاثة المذكورين بأن زيد بن وهب حدثهم والاولان نسبا إلى التدليس مع أنه لو ورد من رواية شعبة بغير تصريح لامن فيه التدليس لانه كان لا يحدث عن شيوخه الا بما لا تدليس فيه وقد ظهرت فائدة ذلك في رواية جرير بن حازم عن الاعمش فإنه زاد فيه بين الاعمش وزيد بن وهب رجلا مبهما ذكر ذلك الدارقطني في العلل فأفادت هذه الرواية المصرحة أنه من المزيد في متصل الاسانيد وقد اعترض الاسماعيلي على قول البخاري في هذا السند بهذا فأشار إلى رواية عبد العزيز بن رفيع واقتضى ذلك أن رواية شعبة هذه نظير روايته فقال ليس في حديث شعبة قصة المقلين والمكثرين انما فيه قصة من مات لا يشرك بالله شيئا قال والعجب من البخاري كيف أطلق ذلك ثم ساقه موصولا من طريق حميد بن زنجويه حدثنا النضر بن شميل عن شعبة ولفظه ان جبريل بشرني أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قيل لسليمان يعني الاعمش انما روى هذا الحديث عن أبي الدرداء فقال انما سمعته عن أبي ذر ثم أخرجه من طريق معاذ حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت وبلال والاعمش وعبد العزيز بن رفيع سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر زاد فيه راويا وهو بلال وهو بن مرداس الفزاري شيخ كوفي اخرج له أبو داود وهو صدوق لا بأس به وقد أخرجه أبو داود الطيالسي عن شعبة كرواية النضر ليس فيه بلال وقد تبع الاسماعيلي على اعتراضه المذكور جماعة منهم مغلطاي ومن بعده والجواب عن البخاري واضح على طريقة أهل الحديث لان مراده أصل الحديث فإن الحديث المذكور في الاصل قد اشتمل على ثلاثة أشياء فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أريد بقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المساق فالاول من الثلاثة ما يسرني أن لي أحدا ذهبا وقد رواه عن أبي ذر أيضا بنحوه الاحنف بن قيس وتقدم في الزكاة والنعمان الغفاري وسالم بن أبي الجعد وسويد بن الحارث كلهم عن أبي ذر ورواياتهم عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة وهو في آخر الباب من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه وسيأتي في كتاب التمني من طريق همام وأخرجه مسلم من طريق محمد بن زياد هو عند أحمد من طريق سليمان بن يسار كلهم عن أبي
[ 224 ]
هريرة كما سأبينه الثاني حديث المكثرين والمقلين وقد رواه عن أبي ذر أيضا المعرور بن سويد كما تقدمت الاشارة إليه والنعمان الغفاري وهو عند أحمد أيضا الثالث حديث من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وفي بعض طرقه وان زنى وان سرق وقد رواه عن أبي ذر أيضا أبو الأسود الدؤلي وقد تقدم في اللباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة كما سيأتي بيانه لكن ليس فيه بيان وان زنى وان سرق وأبو الدرداء كما تقدمت الاشارة إليه من رواية الاسماعيلي وفيه أيضا فائدة أخرى وهو أن بعض الرواة قال عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء فلذلك قال الاعمش لزيد ما تقدم في رواية حفص بن غياث عنه قلت لزيد بلغني أنه أبو الدرداء فأفادت رواية شعبة أن حبيبا وعبد العزيز وافقا الاعمش على أنه عن زيد بن وهب عن أبي ذر لا عن أبي الدرداء وممن رواه عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء محمد بن إسحاق فقال عن عيسى بن مالك عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء أخرجه النسائي والحسن بن عبيد الله النخعي أخرجه الطبراني من طريقه عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء بلفظ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فقال أبو الدرداء وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق فكررها ثلاثا وفي الثالثة وان رغم انف أبي الدرداء وسأذكر بقية طرفة عن أبي الدرداء في اخر الباب الذي يليه وذكره الدارقطني في العلل فقال يشبه أن يكون القولان صحيحين قلت وفي حديث كل منهما في بعض الطرق ما ليس في الاخر قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا لم أر لفظ هذا في رواية الاكثر لكنه ثابت في لفظ الخبر الاول وذكر فيه حديثين الاول 6079) قوله حدثنا الحسن بن الربيع هو أبو علي البوراني بالموحدة والراء وبعد الالف نون وأبو الاحوص هو سلام بالتشديد بن سليم قوله فاستقبلنا أحد في رواية عبد العزيز بن رفيع فالتفت فرآني كما تقدم وتقدم قصة المكثرين والمقلين وقول فاستقبلنا أحد هو بفتح الام وأحد بالرفع على الفاعلية وفي رواية حفص بن غياث فاستقبلنا أحدا بسكون اللام وأحدا بالنصب على المفعولية قوله فقال يا أبا ذر فقلت لبيك يا رسول الله زاد في رواية سالم بن أبي الجعد ومنصور عن زيد بن وهب عند أحمد فقال يا أبا ذر أي جبل هذا قلت أحد وفي رواية الاحنف الماضية في الزكاة يا أبا ذر أتبصر أحدا قال فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وانا أرى ان يرسلني في حاجة له فقلت نعم الحديث قوله ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار في رواية حفص بن غياث ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار وفي رواية أبي معاوية عن الاعمش عند أحمد ما أحب ان لي أحدا ذاك ذهبا وفي رواية أبي شهاب عن الاعمش في الاستئذان فلما أبصر أحدا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث قال بن مالك تضمن هذا الحديث استعمال حول بمعنى صير واعمالها عملها وهو استعمال صحيح خفي على أكثر النحاة وقد جاءت هذه الرواية مبنية لما لم يسم فاعله فرفعت أول المفعولين وهو ضمير عائد على أحد ونصب ثانيهما وهو قوله ذهبا فصارت ببنابها لما لم يسم فاعله جارية مجرى صار في رفع المبتدأ ونصب الخبر انتهى كلامه وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث وهو متحد المخرج فهو من تصرف الرواة فلا يكون حجة في اللغة ويمكن الجمع بين قوله مثل أحد وبين قوله تحول لي أحد بحمل المثلية على شئ يكون وزنه من الذهب وزن أحد والتحويل على أنه إذا انقلب ذهبا كان
[ 225 ]
قدر وزنه أيضا وقد اختلفت ألفاظ رواته عن أبي ذر أيضا ففي رواية سالم ومنصور عن زيد بن وهب بعد قوله قلت أحد قال والذي نفسي بيده ما يسرني أنه ذهب قطعا أنفقه في سبيل الله أدع منه قيراطا وفي رواية سويد بن الحارث عن أبي ذر ما يسرني ان لي أحدا ذهبا أموت يوم أموت وعندي منه دينار أو نصف دينار واختلفت ألفاظ الرواة أيضا في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب كما سأذكره قوله تمضي على ثالثة أي ليلة ثالثة قيل وانما قيد بالثلاث لانه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا ويعكر عليه رواية يوم وليلة فالاولى أن يقال الثلاثة أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن قوله الا شيئا أرصده لدين أي اعده أو أحفظه وهذا الارصاد أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لاجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى ووقع في رواية حفص وأبي شهاب جميعا عن الاعمش الا دينار بالرفع والنصب والرفع جائزان لان المستثنى منه مطلق عام والمستثنى مقيد خاص فاتجه النصب وتوجيه الرفع أن المستثنى منه في سياق النفي وجواب لو هنا في تقدير النفي ويجوز أن يحمل النفي الصريح في أن لا يمر على حمل الا على الصفة وقد فسر الشئ في هذه الرواية بالدينار ووقع في رواية سويد بن الحارث عن أبي ذر وعندي منه دينار أو نصف دينار وفي رواية سالم ومنصور ادع منه قيراطا قال قلت قنطارا قال قيراطا وفيه ثم قال يا أبا ذر انما أقول الذي هو أقل ووقع في رواية الاحنف ما أحب ان لي مثل أحد ذهبا انفقه كله الا ثلاثة دنانير فظاهره نفي محبة حصول المال ولو مع الانفاق وليس مرادا وانما المعنى نفي انفاق البعض مقتصرا عليه فهو يحب انفاق الكل الا ما استثنى وسائر الطرق تدل على ذلك ويؤيده أن في رواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة عند أحمد ما يسرني أن أحدكم هذا ذهبا أنفق منه كل يوم في سبيل الله فيمر بي ثلاثة أيام وعندي منه شئ الا شئ أرصده لدين ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد بالكراهة الانفاق في خاصة نفسه لافي سبيل الله فهو محبوب قوله الا أن أقول به في عباد الله هو استثناء بعد استثناء فيفيد الاثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الانفاق فيلزم محبة وجوده مع الانفاق فما دام الانفاق مستمرا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الانفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم من ذلك كراهية حصول شئ آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الانفاق قوله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه هكذا اقتصر على ثلاث وحمل على المبالغة لان العطية لمن بين يديه هي الاصل والذي يظهر لي أن ذلك من تصرفات الرواة وأن أصل الحديث مشتمل على الجهات الاربع ثم وجدته في الجزء الثالث من البشرانيات من رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ الا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده كذا فيه بإثبات الاربع وقد أخرجه المصنف في الاستئذان عن عمر بن حفص مثله لكن اقتصر من الاربع على ثلاث وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين قوله ثم مشى ثم قال الا ان الاكثرين هم المقلون يوم القيامة في رواية أبي شهاب في الاستقراض ورواية حفص في الاستئذان هم الاقلون بالهمز في الموضعين وفي رواية عبد العزيز بن رفيع الماضية في الباب قبله ان المكثرين هم المقلون بالميم في الموضعين ولاحمد من رواية النعمان الغفاري عن أبي ذر ان المكثرين الاقلون والمراد الاكثار من بالمال والاقلال من ثواب
[ 226 ]
الآخرة وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء بعده من الانفاق قوله الا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه في رواية أبي شهاب الا من قال بالمال هكذا وهكذا وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وفي رواية أبي معاوية عن الاعمش عند أحمد الا من قال هكذا وهكذا وهكذا فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره فاشتملت هذه الروايات على الجهات الاربع وان كان كل منها اقتصر على ثلاث وقد جمعها عبد العزيز بن رفيع في روايته ولفظه الا من أعطاه الله خيرا أي مالا فنفح بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بغير تكلف يمينا وشمالا وبين يديه ووراءه وبقي من الجهات فوق وأسفل والاعطاء من قبل كل منهما ممكن لكن حذف لندوره وقد فسر بعضهم الانفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل قد يقصد الصحيح الاخفاء فيدفع لمن وراءه مالا يعطي به من هو أمامه وقوله هكذا صفة لمصدر محذوف أي أشار إشارة مثل هذه الاشارة وقوله من خلفه بيان للاشارة وخص عن اليمين والشمال لان الغالب في الاعطاء صدوره باليدين وزاد في رواية عبد العزيز بن رفيع وعمل فيه خيرا أي حسنة وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الاول المال والثاني الحسنة قوله وقليل ما هم ما زائدة مؤكدة للقلة ويحتمل أن تكون موصوفة ولفظ قليل هو الخبر وهم هو المبتدأ والتقدير وهم قليل وقدم الخبر للمبالغة في الاختصاص قوله ثم قال لي مكانك بالنصب أي الزم مكانك وقوله لا تبرح تأكيد لذلك ورفع لتوهم أن الامر بلزوم المكان ليس عاما في الازمنة وقوله حتى آتيك غاية للزوم المكان المذكور وفي رواية حفص لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع فمشيت معه ساعة فقال لي اجلس ههنا فأجلسني في قاع أي ارض سهلة مطمئنة قوله ثم انطلق في سواد الليل فيه اشعار بأن القمر كان قد غاب قوله حتى توارى أي غاب شخصه زاد أبو معاوية عني وفي رواية حفص حتى غاب عني وفي رواية عبد العزيز فانطلق في الحرة أي دخل فيها حتى لا أراه وفي رواية أبي شهاب فتقدم غير بعيد زاد في رواية عبد العزيز فأطال اللبث قوله فسمعت صوتا قد ارتفع في رواية أبي معاية فسمعت لغطا وصوتا قوله فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم أي تعرض له بسوء ووقع في رواية عبد العزيز فتخوفت أن يكون عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بضم أول عرض على البناء للمجهول قوله فأردت أن آتيه أي أتوجه إليه ووقع في رواية عبد العزيز فأردت أن أذهب أي إليه ولم يرد أن يتوجه إلى حال سبيله بدليل رواية الاعمش في الباب قوله فذكرت قوله لا تبرح فلم أبرح حتى أتاني في رواية أبي معاوية عن الاعمش فانتظرته حتى جاء قوله قلت يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له في رواية أبي معاوية فذكرت له الذي سمعت وفي رواية أبي شهاب فقلت يا رسول الله الذي سمعت أو قال الصوت الذي سمعت كذا فيه بالشك وفي رواية عبد العزيز ثم اني سمعته وهو يقول وان سرق وان زنى فقلت يا رسول الله من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا قوله فقال وهل سمعته قلت نعم قال ذاك جبريل أي الذي كنت أخاطبه أو ذلك صوت جبريل قوله أتاني زاد في رواية حفص فأخبرني ووقع في رواية عبد العزيز عرض لي أي ظهر فقال بشر أمتك ولم أر لفظ التبشير في رواية الاعمش قوله من مات لا يشرك بالله شيئا زاد الاعمش من أمتك قوله
[ 227 ]
دخل الجنة هو جواب الشرط رتب دخول الجنة على الموت بغير اشراك بالله وقد ثبت الوعيد بدخول النار لمن عمل بعض الكبائر وبعدم دخول الجنة لمن عملها فلذلك وقع الاستفهام قوله قلت وان زنى وان سرق قال بن مالك حرف الاستفهام في أول هذا الكلام مقدر ولا بد من تقديره وقال غيره التقدير أو ان زنى أو ان سرق دخل الجنة وقال الطيبي أدخل الجنة وان زنى وان سرق والشرط حال ولا يذكر الجواب مبالغة وتتميما لمعنى الانكار قال وان زنى وان سرق ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع قلت يا جبريل وان سرق وان زنى قال نعم وكررها مرتين للاكثر وثلاثا للمستملي وزاد في آخر الثالثة وان شرب الخمر وكذا وقع التكرار ثلاثا في رواية أبي الاسود عن أبي ذر في اللباس لكن بتقديم الزنا على السرقة كما في رواية الاعمش ولم يقل وان شرب الخمر ولا وقعت في رواية الاعمش وزاد أبو الأسود على رغم انف أبي ذر قال وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث يقول وان رغم انف أبي ذر وزاد حفص بن غياث في روايته عن الاعمش قال الاعمش قلت لزيد بن وهب انه بلغني انه أبو الدرداء قال أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة قال الاعمش وحدثني أبو صالح عن أبي الدرداء نحوه وأخرجه أحمد عن أبي نمير عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي الدرداء بلفظ انه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة نحوه وفيه وان رغم انف أبي الدرداء قال البخاري في بعض النسخ عقب رواية حفص حديث أبي الدرداء مرسل لا يصح انما أردنا للمعرفة أي انما اردنا ان نذكره للمعرفة بحاله قال والصحيح حديث أبي ذر قيل له فحديث عطاء بن يسار عن أبي الدرداء فقال مرسل أيضا لا يصح ثم قال اضربوا على حديث أبي الدرداء قلت فلهذا هو ساقط من معظم النسخ وثبت في نسخة الصغاني وأوله قال أبو عبد الله حديث أبي صالح عن أبي الدرداء مرسل فساقه الخ ورواية عطاء بن يسار التي أشار إليها أخرجها النسائي من رواية محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم هو يقص على المنبر يقول ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان زنى وان سرق فأعدت فأعاد فقال في الثالثة قال نعم وان رغم انف أبي الدرداء وقد وقع التصريح بسماع عطاء بن يسار له من أبي الدرداء فرواية بن أبي حاتم في التفسير والطبراني في المعجم والبيهقي في الشعب قال البيهقي حديث أبي الدرداء هذا غير حديث أبي ذر وان كان فيه بعض معناه قلت وهما قصتان متغايرتان وان اشتركتا في المعنى الاخير وهو سؤال الصحابي بقوله وان زنى وان سرق واشتركا أيضا في قوله وان رغم ومن المغايرة بينهما أيضا وقوع المراجعة المذكورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل في رواية أبي ذر دون أبي الدرداء وله عن أبي الدرداء طرق أخرى منها للنسائي من رواية محمد بن سعد بن أبو قاص عن أبي الدرداء نحو رواية عطاء بن يسار ومنها للطبراني من طريق أم الدردا عن أبي الدرداء رفعه بلفظ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال أبو الدرداء وان زنى وان سرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم وان زنى وان سرق على رغم انف أبي الدرداء ومن طريق أبي مريم عن أبي الدرداء نحوه ومن طريق كعب بن ذهل سمعت أبا الدرداء رفعه أتاني آت من ربي فقال من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فقلت يا رسول الله وان زنى وان سرق قال نعم ثم ثلثت فقال على رغم أنف عويمر فرددها قال فأنا رأيت أبا الدرداء يضرب أنفه بإصبعه ومنها لاحمد من طريق واهب بن عبد الله المغافري عن
[ 228 ]
أبي الدرداء رفعه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم أنف أبي الدرداء قال فخرجت لانادي بها في الناس فلقيني عمر فقال ارجع فان الناس ان يعلموا بهذا اتكلوا عليها فرجعت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق عمر قلت وقد وقعت هذه الزيادة الاخيرة لابي هريرة ويأتي بسط ذلك في باب من جاهد في طاعة الله تعالى قريبا الحديث الثاني قوله حدثنا أحمد بن شبيب بفتح المعجمة وموحدتين مثل حبيب وهو الحبطي بفتح المهملة والموحدة ثم الطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم وهو بصري صدوق ضعفه بن عبد البر تبعا لابي الفتح الازدي والازدي غير مرضى فلا يتبع في ذلك وأبوه يكنى أبا سعيد روى عنه بن وهب وهو من أقرانه ووثقه بن المديني قوله وقال الليث حدثني يونس هذا التعليق وصله الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث وأراد البخاري بإيراده تقوية رواية أحمد بن شبيب ويونس هو بن يزيد قوله لو كان لي زاد في رواية الاعرج عن أبي هريرة عند أحمد في أوله والذي نفسي بيده وعنده في رواية همام عن أبي هريرة والذي نفس محمد بيده قوله مثل أحد ذهبا في رواية الاعرج لو أن أحدكم عندي ذهبا قوله ما يسرني أن لا تمر على ثلاث ليال وعندي منه شئ إلا شيئا أرصده لدين في رواية الاعرج الا أن يكون شئ ارصده في دين علي وفي رواية همام وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيئا أرصده في دين علي قال بن مالك في هذا الحديث وقوع التمني بعد مثل وجواب لو مضارعا منفيا بما وحق جوابها أن يكون ماضيا مثبتا نحو لو قام لقمت أو بلم نحو لو قام لم أقم والجواب من وجهين أحدهما أن يكون وضع المضارع موضع الماضي الواقع جوابا كما وقع موضعه وهو شرط في قوله تعالى لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ثانيهما أن يكون الاصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب وفيه ضمير وهو الاسم ويسرني خبر وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير نظما ونثرا ومنه المرء مجزى بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر قال وأشبه شئ بحذف كان قبل يسرني حذف جعل قبل يجادلنا في قوله تعالى فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا أي جعل يجادلنا والوجه الاول أولى وفيه أيضا وقوع لا بين أن وتمر وهي زائدة والمعنى ما يسرني أن تمر وقال الطيبي قوله ما يسرني هو جواب لو الامتناعية فيفيد أنه لم يسره المذكور بعده لانه لم يكن عنده مثل أحد ذهبا وفيه نوع مبالغة لانه إذا لم يسره كثرة ما ينفقه فكيف ما لا ينفقه قال وفي التقييد بالثلاثة تتميم ومبالغة في سرعة الانفاق فلا تكون لا زائدة كما قال بن مالك بل النفي فيها على حاله قلت ويؤيد قول بن مالك الرواية الماضية قبل في حديث أبي ذر بلفظ ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي على ثالثة وفي حديث الباب من الفوائد أدب أبي ذر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترقبه أحواله وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شئ مما يتأذى به وفيه حسن الادب مع الاكابر وان الصغير إذا رأى الكبير منفردا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه الا بإذن منه وهذا بخلاف ما إذا كان في مجمع كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به وفيه جواز تكنية المرء نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه ولا سيما ان كان اسمه مشتركا بغيره وكنيته فردة وفيه جواز تفدية الصغير الكبير بنفسه وبغيرها والجواب بمثل لبيك وسعديك زيادة
[ 229 ]
في الادب وفيه الانفراد عند قضاء الحاجة وفيه أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده أولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون دفع المفسدة أولى وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية أو غير ذلك وفيه الاخذ بالقرائن لان أبا ذر لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم أتبصر أحدا فهم منه أنه يريد أن يرسله في حاجة فنظر إلى ما على أحد من الشمس ليعلم هل يبقى من النهار قدر يسعها وفيه أن محل الاخذ بالقرينة ان كان في اللفظ ما يخصص ذلك فان الامر وقع على خلاف ما فهمه أبو ذر من القرينة فيؤخذ منه أن بعض القرائن لا يكون دالا على المراد وذلك لضعفه وفيه المراجعة في العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك لانه تقرر عند أبي ذر من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب فلما سمع أن من مات لا يشرك دخل الجنة استفهم عن ذلك بقوله وان زنى وان سرق واقتصر على هاتين الكبيرتين لانهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وحق العباد وأما قوله في الرواية الاخرى وان شرب الخمر فللاشارة إلى فحش تلك الكبيرة لانها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الانسان على البهائم وبوقوع الخلل فيه قد يزول التوقي الذي يحجز عن ارتكاب بقية الكبائر وفيه أن الطالب إذا ألح في المراجعة يزجر بما من يليق به أخذا من قوله وان رغم أنف أبي ذر وقد حمله البخاري كما مضى في اللباس على من تاب عند الموت وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعم من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية والاول هو وفق ما فهمه أبو ذر والثاني أولى للجمع بين الادلة ففي الحديث حجة لاهل السنة ورد على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يخلد في النار لكن في الاستدلال به لذلك نظر لما مر من سياق كعب بن ذهل عن أي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءا أو ظلم نفسه ثم استغفر وسنده جيد عند الطبراني وحمله بعضهم على ظاهره وخص به هذه الامة لقوله فيه بشر أمتك وان من مات من أمتي وتعقب بالاخبار الصحيحة الواردة في أن بعض عصاة هذه الامة يعذبون ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة المفلس من أمتي الحديث وفيه تعقب على من تأول في الاحاديث الواردة في أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي بعضها حرم على النار ان ذلك كان قبل نزول الفرائض والامر والنهي وهو مروي عن سعيد بن المسيب والزهري ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه فذكر على خلاف هذا التأويل وحمله الحسن البصري على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى ورجحه الطيبي الا أن هذا الحديث يخدش فيه وأشكل الاحاديث واصعبها قوله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنة وفي آخره وان زنى وان سرق وقيل أشكلها حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار لانه أتى فيه بأداة الحصر ومن الاستغراقية وصرح بتحريم النار بخلاف قوله دخل الجنة فإنه لا ينفي دخول النار أولا قال الطيبي لكن الاول يترجح بقوله وان زنى وان سرق لانه شرط لمجرد التأكيد ولا سيما وقد كرره ثلاثا مبالغة وختم بقوله وان رغم أنف أبي ذر تتميما للمبالغة والحديث الآخر مطلق يقبل التقييد فلا يقاوم قوله وان زنى وان سرق وقال النووي بعد أن ذكر المتون في ذلك والاختلاف في هذا الحكم مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة وان من
[ 230 ]
مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة فإن كان دينا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله وحرم على النار وان كان من المخلطين بتضييع الاوامر أو بعضها وارتكاب النواهي أو بعضها ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد الا ان يشاء الله أن يعفو عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة انتهى وعلى هذا فتقييد اللفظ الاول تقديره وان زنى وان سرق دخل الجنة لكنه قبل ذلك ان مات مصرا على المعصية في مشيئة الله وتقدير الثاني حرمه الله على النار الا أن يشاء الله أو حرمه على نار الخلود والله أعلم قال الطيبي قال بعض المحققين قد يتخذ من أمثال هذه الاحاديث المبطلة ذريعة إلى طرح التكاليف وابطال العمل ظنا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وابطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى مهملين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الاخرى مع أن قوله في بعض طرق الحديث ان يعبدوه يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية وقوله ولا يشركوا به شيئا يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لان الاحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض فإنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها وبالله التوفيق وفيه جواز الحلف بغير تحليف ويستحب إذا كان لمصلحة كتأكيد أمر مهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وفي قوله في بعض طرقه والذي نفس محمد بيده تعبير الانسان عن نفسه باسمه دون ضميره وقد ثبت بالضمير في الطريق الاخرى والذي نفسي بيده وفي الاول نوع تجريد وفي الحلف بذلك زيادة في التأكيد لان الانسان إذا استحضر أن نفسه وهي أعز الاشياء عليه بيد الله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء استشعر الخوف منه فارتدع عن الحلف على ما لا يتحققه ومن ثم شرع تغليظ الايمان بذكر الصفات الالهية ولا سيما صفات الجلال وفيه الحث على الانفاق في وجوه الخير وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث انه لا يحب أن يبقى بيده شئ من الدنيا الا لانفاقه فيمن يستحقه واما لارصاده لمن له حق واما لتعذر من يقبل ذلك منه لتقييده في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في كتاب التمني بقوله أجد من يقبله ومنه يؤخذ جواز تأخير الزكاة الواجبة عن الاعطاء إذا لم يوجد من يستحق أخذها وينبغي لمن وقع له ذلك أن يعزل القدر الواجب من ماله ويجتهد في حصول من يأخذه فإن لم يجد فلا حرج عليه ولا ينسب إلى تقصير في حبسه وفيه تقديم وفاء الدين على صدقة التطوع وفيه جواز الاستقراض وقيده بن بطال باليسير اخذا من قوله الا دينارا قال ولو كان عليه أكثر من ذلك لم يرصد لادائه دينارا واحدا لانه كان أحسن الناس قضاء قال ويؤخذ من هذا أنه لا ينبغي الاستغراق في الدين بحيث لا يجد له وفاء فيعجز عن ادائه وتعقب بان الذي فهمه من لفظ الدينار من الوحدة ليس كما فهم بل إنما المراد به الجنس وأما قوله في الرواية الاخرى ثلاثة دنانير فليست الثلاثة فيه للتقليل بل للمثال أو لضرورة الواقع وقد قيل ان المراد بالثلاثة أنها كانت كفايته فيما يحتاج إلى إخراجه في ذلك اليوم وقيل بل هي دينار الدين كما في الرواية الاخرى ودينار للانفاق على الاهل ودينار للانفاق على الضيف ثم المراد بدينار الدين الجنس ويؤيده
[ 231 ]
تعبيره في أكثر الطرق بالشئ على الابهام فيتناول القليل والكثير وفي الحديث أيضا الحث على وفاء الديون وأداء الامانات وجواز استعمال لو عند تمني الخير وتخصيص الحديث الوارد عن استعمال لو على ما يكون في أمر غير محمود شرعا وادعى المهلب أن قوله في رواية الاحنف عن أبي ذر أتبصر أحدا قال فنظرت ما عليه من الشمس الحديث أنه ذكر للتمثيل في تعجيل إخراج الزكاة وان المراد ما أحب أن أحبس ما أوجب الله على إخراجه بقدر ما بقي من النهار وتعقبه عياض فقال هو بعيد في التأويل وانما السياق بين في أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبهه على عظم أحد ليضرب به المثل في أنه لو كان قدره ذهبا ما أحب أن يؤخر عنده الا لما ذكر من الانفاق والارصاد فظن أبو ذر أنه يريد أن يبعثه في حاجة ولم يكن ذاك مرادا إذ ذاك كما تقدم وقال القرطبي انما استفهمه عن رؤيته ليستحضر قدره حتى يشبه له ما أراد بقوله ان لي مثله ذهبا وقال عياض قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى وقد يحتج به من يفضل الغني على الفقر ومأخذ كل منهما واضح من سياق الخبر وفيه الحض على انفاق المال في الحياة وفي الصحة وترجيحه على انفاقه عند الموت وقد مضى فيه حديث أن تصدق وأنت صحيح شحيح وذلك أن كثيرا من الاغنياء يشح بإخراج ما عنده ما دام في عافية فيأمل البقاء ويخشى الفقر فمن خالف شيطانه وقهر نفسه ايثارا لثواب الآخرة فاز ومن بخل بذلك لم يأمن الجور في الوصية وان سلم لم يأمن تأخير تنجيز ما أوصى به أو تركه أو غير ذلك من الآفات ولا سيما ان خلف وارثا غير موفق فيبذره في أسرع وقت ويبقى وباله على الذي جمعه والله المستعان قوله باب بالتنوين الغني غنى النفس أي سواء كان المتصف بذلك قليل المال أو كثيره والغنى بكسر أوله مقصور وقد مد في ضرورة الشعر وبفتح أوله مع المد هو الكفاية قوله وقال الله تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين إلى قوله هم لها عاملون في رواية أبي ذر إلى عاملون وهذه رأس الآية التاسعة من ابتداء الآية المبدأ بها هنا والآيات التي بين الاولى والثانية وبين الاخيرة والتي قبلها اعترضت في وصف المؤمنين والضمير في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا للمذكورين في قوله نمدهم والمراد به من ذكر قبل ذلك في قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا والمعنى أيظنون أن المال الذي ترزقهم إياه لكرامتهم علينا ان ظنوا ذلك اخطئوا بل هو استدراج كما قال تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما والاشارة في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا أي من الاستدراج المذكور وأما قوله ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون فالمراد به ما يستقبلون من الاعمال من كفر أو ايمان والى ذلك أشار بن عيينة في تفسيره بقوله لم يعملوها لا بد أن يعملوها وقد سبقه إلى مثل ذلك أيضا السدي وجماعة فقالوا المعنى كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لتحق عليهم كلمة العذاب ثم مناسبة الآية الحديث أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وان كان يسمى خيرا في الجملة وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان في نفسه غنيا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وان كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وان كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الاخرى بل ربما كان وبالا عليه قوله حدثنا أبو بكر هو بن عياش
[ 232 ]
بمهملة وتحتانية ثم معجمة وهو القارئ المشهور وأبو حصين بفتح أوله اسمه عثمان والاسناد كله كوفيون إلى أبي هريرة قوله عن كثرة العرض بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة أما عن فهي سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه وقال أبو عبد الملك البوني فيما نقله بن التين عنه قال اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال العرض بتحريك الراء الواحد من العروض التي يتجر فيها قال وهو خطأ فقد قال الله تعالى يأخذون عرض هذا الادنى ولا خلاف بين أهل اللغة في أنه ما يعرض فيه وليس هو أحد العروض التي يتجر فيها بل واحدها عرض بالاسكان وهو ما سوى النقدين وقال أبو عبيد العروض الامتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله كيل ولا وزن وهكذا حكاه عياض وغيره وقال بن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الانسان من حظه في الدنيا قال تعالى تريدون عرض الدنيا وقال وان يأتهم عرض مثله يأخذوه قوله انما الغنى غنى النفس في رواية الاعرج عن أبي هريرة عند أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما انما الغنى في النفس وأصله في مسلم ولابن حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى قلت نعم قال وترى قلة المال هو الفقر قلت نعم يا رسول الله قال انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب قال بن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لان كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتى فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وانما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني وقال القرطبي معنى الحديث ان الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غني النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الامور وخسائس الافعال لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه الله لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطى بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لانه لم يستغن بما أعطى فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس انما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لامره علما بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرض والطلب وما أحسن قول القائل غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة * فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا وقال الطيبي يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية والى ذلك أشار القائل ومن ينفق الساعات في جمع ماله * مخافة فقر فالذي فعل الفقر أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات لا في جمع المال فإنه لا يزداد بذلك الا فقرا انتهى وهذا وان كان يمكن أن يراد لكن الذي تقدم أظهر في المراد وانما يحصل غنى النفس
[ 233 ]
بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى والغنى الوارد في قوله ووجدك عائلا فأغنى يتنزل على غنى النفس فان الآية مكية ولا يخفى ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال والله اعلم خ ! قوله باب فضل الفقر قيل أشار بهذه الترجمة عقب التي قبلها إلى تحقيق محل الخلاف في تفضيل الفقر على الغنى أو عكسه لان المستفاد من قوله الغنى غني النفس الحصر في ذلك فيحمل كل ما ورد في فضل الغنى على ذلك فمن لم يكن غنى النفس لم يكن ممدوحا بل يكون مذموما فكيف يفضل وكذا ما ورد من فضل الفقر لان من لم يكن غني النفس فهو فقر النفس وهو الذي تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه والفقر الذي وقع فيه النزاع عدم المال والتقلل منه وأما الفقر في قوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فالمراد به احتياج المخلوق إلى الخالق فالفقر للمخلوقين أمر ذاتي لا ينفكون عنه والله هو الغني ليس بمحتاج لاحد ويطلق الفقر أيضا على شئ اصطلح عليه الصوفية وتفاوتت فيه عباراتهم وحاصله كما قال أبو إسماعيل الانصاري نفض اليد من الدنيا ضبطا وطلبا مدحا وذما وقالوا ان المراد بذلك أن لا يكون ذلك في قلبه سواء حصل في يده أم لا وهذا يرجع إلى ما تضمنه الحديث الماضي في الباب قبله أن الغنى غنى النفس على ما تقدم تحقيقه والمراد بالفقر هنا الفقر من المال وقد تكلم بن بطال هنا على مسألة التفضيل بين الغنى والفقر فقال طال نزاع الناس في ذلك فمنهم من فضل الفقر واحتج بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي واحتج من فضل الغني بما تقدم قبل هذا بباب في قوله ان المكثرين هم الاقلون الا من قال بالمال هكذا وحديث سعد الماضي في الوصايا انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة وحديث كعب بن مالك حيث استشار في الخروج من ماله كله فقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك وحديث ذهب أهل الدثور بالاجور وفي آخره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وحديث عمرو بن العاص نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه مسلم وغير ذلك قال وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عبادة في الشكر والصبر كما قال تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وقال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى ثم ذكر كلاما طويلا حاصله أن الفقير والغني متقابلان لما يعرض لكل منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم والفضل كله في الكفاف لقوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وسيأتي قريبا وعليه يحمل قوله أسألك غناي وغنى هؤلاء وأما الحديث الذي أخرجه الترمذي اللهم احيني مسكينا وامتني مسكينا الحديث فهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فالمراد به أن لا يجاوز به الكفاف انتهى ملخصا وممن جنح إلى تفضيل الكفاف القرطبي في المفهم فقال جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه الحالات الثلاث الفقر والغنى والكفاف فكان الاول أول حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حد الاغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به والايثار مع اقتصاره منه على ما يسد
[ 234 ]
ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها قال وهي حالة سليمة من الغنى المطغى والفقر المؤلم وأيضا فصاحبها معدود في الفقراء لانه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقر الا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة انتهى ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رفعه وارض بما قسم لك تكن أغنى الناس وأصح ما ورد في ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو رفعه قد أفلح من هدي إلى الاسلام ورزق الكفاف وقنع وله شاهد عن فضالة بن عبيد نحوه عند الترمذي وابن حبان وصححاه قال النووي فيه فضيلة هذه الاوصاف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان وقال القرطبي هو ما يكف عن الحاجات ويدفع للضرورات ولا يلحق بأهل الترفهات ومعنى الحديث أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا وفيه حجة لمن فضل الكفاف لانه انما يدعو لنفسه وآله بأفضل الاحوال وقد قال خير الامور أوساطها انهى ويؤيده ما أخرجه بن المبارك في الزهد بسند صحيح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن بن عباس أنه سئل عن رجل قليل العمل قليل الذنوب أفضل أو رجل كثير العمل كثير الذنوب فقال لا أعدل بالسلامة شيئا فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى وآفات الفقر وقد ورد حديث لو صح لكان نصا في المسألة وهو ما أخرجه بن ماجة من طريق نفيع وهو ضعيف عن أنس رفعه ما من غني ولا فقير الاود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا قلت وهذا كله صحيح لكن لا يدفع أصل السؤال عن أيهما أفضل الغنى أو الفقر لان النزاع انما ورد في حق من اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل ولهذا قال الداودي في آخر كلامه المذكور أولا ان السؤال أيهما أفضل لا يستقيم لاحتمال أن يكون لاحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر فيكون أفضل وانما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الاخر قال فعلم أيهما أفضل عند الله انتهى وكذا قال بن تيمية لكن قال إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء وقد تقدم كلام بن دقيق العيد في الكلام على حديث أهل الدثور قبيل كتاب الجمعة ومحصل كلامه أن الحديث يدل على تفضيل الغنى على الفقر لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية الا ان فسر الافضل بمعنى الاشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل للنفس من التطهير للاخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ولهذا المعنى ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر لان مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى انتهى وقال بن الجوزي صورة الاختلاف في فقير ليس بحريص وغني ليس بممسك إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغنى البخيل وأن الغنى المنفق أفضل من الفقير الحريص قال وكل ما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف إلى مقصوده فبه يظهر فضله فالمال ليس محذورا لعينه بل لكونه قد يعوق عن الله وكذا العكس فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله إلى أن قال وان أخذت بالاكثر فالفقير عن الخطر أبعد لان فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر ومن العصمة أن لا تجد انتهى وصرح
[ 235 ]
كثير من الشافعية بأن الغني الشاكر أفضل وأما قول أبي علي الدقاق شيخ أبي القاسم القشيري الغني أفضل من الفقير لان الغنى صفة الخالق والفقر صفة المخلوق وصفة الحق أفضل من صفة الخلق فقد استحسنه جماعة من الكبار وفيه نظر لما قدمته أول الباب ويظهر منه أن هذا لا يدخل في أصل النزاع إذ ليس هو في ذات الصفتين وانما هو في عوارضهما وبين بعض من فضل الغني على الفقير كالطبري جهته بطريق أخرى فقال لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر غير أني أقول كما قال مطرف بن عبد الله لان اعافى فأشكر احب الي من أن ابتلى فأصبر قلت وكأن السبب فيه ما جبل عليه طبع الآدمي من قلة الصبر ولهذا يوجد من يقوم بحسب الاستطاعة بحق الصبر أقل ممن يقوم بحق الشكر بحسب الاستطاعة وقال بعض المتأخرين فيما وجد بخط أبي عبد الله بن مرزوق كلام الناس في أصل المسألة مختلف فمنهم من فضل الفقر ومنهم من فضل الغنى ومنهم من فضل الكفاف وكل ذلك خارج عن محل الخلاف وهو أي الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك ويتخلق به هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من الشواغر وينال لذه المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما في ذلك من النفع المتعدي قال وإذا كان الامر كذلك فالافضل ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهراتها ويبقى النظر فيمن حصل له شئ من الدنيا بغير تكسب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الافضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البر حتى لا يبقى منه شئ أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي قال وهو على القسمين الاولين قلت ومقتضى ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حالة الكفاف ولا يضره ما يتجدد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة بالمشهور من أحوالهم فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح فمنهم من أبقى ما بيده مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة والمواساة مع الاتصاف بغنى النفس ومنهم من استمر على ما كان عليه قبل ذلك فكان لا يبقي شيئا مما فتح عليه به وهم قليل بالنسبة للطائفة الاخرى ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك فأخبارهم في ذلك لا تحصى كثرة وحديث خباب في الباب شاهد لذلك والادلة الواردة في فضل كل من الطائفتين كثيرة فمن الشق الاول بعض أحاديث الباب وغيرها ومن الشق الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه ان الله يحب الغني النقي الخفي أخرجه مسلم وهو دال لما قلته سواء حملنا الغني فيه على المال أو على غنى النفس فإنه على الاول ظاهر وعلى الثاني يتناول القسمين فيحصل المطلوب والمراد بالتقى وهو بالمثناة من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهى عنه والخفي ذكر للتيمم إشارة إلى ترك الرياء والله أعلم ومن المواضع التي وقع فيها التردد من لا شئ له فالاولى في حقه أن يتكسب للصون عن ذل السؤال أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسألة فصح عن أحمد مع ما اشتهر من زهده وورعه أنه قال لمن سأله عن ذلك الزم السوق وقال الاخر استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عنهم وقال ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله وان يعودوا أنفسهم التكسب ومن قال بترك التكسب فهو احمق يريد تعطيل الدنيا نقله عنه أبو بكر المروزي وقال أجرة التعليم والتعلم أحب الي من الجلوس لانتظار ما في أيدي الناس وقال أيضا
[ 236 ]
من جلس ولم يحترف دعته نفسه إلى ما في أيدي الناس وأسند عن عمر كسب فيه بعض الشئ خير من الحاجة إلى الناس وأسند عن سعيد بن المسيب أنه قال عند موته وترك مالا اللهم انك تعلم اني لم اجمعه الا لاصون به ديني وعن سفيان الثوري وأبي سليمان الداراني ونحوهما من السلف نحوه بل نقله البربهاري عن الصحابة والتابعين وانه لا يحفظ عن أحد منهم أنه ترك تعاطي الرزق مقتصرا على ما يفتح عليه واحتج من فضل الغنى بآية الامر في قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية قال وذلك لا يتم الا بالمال وأجاب من فضل الفقر بأنه لا مانع ان يكون الغنى في جانب أفضل من الفقر في حالة مخصوصة ولا يستلزم أن يكون أفضل مطلقا وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الحديث الاول قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما صرح به أبو نعيم وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده ما رأيك في هذا تقدم في باب الاكفاء في الدين من أوائل النكاح عن إبراهيم بن حمزة عن أبي حازم فقال ما تقولون في هذا وهو خطاب لجماعة ووقع في رواية جبير بن نفير عن أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلف قال لي النبي صلى الله عليه وسلم انظر إلى أرفع رجل في المسجد في عينيك قال فنظرت إلى رجل في حلة الحديث فعرف منه أن المسئول هو أبو ذر ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر ووجه إليه فأجاب ولذلك نسبه لنفسه وأما المار فلم اقف على اسمه ووقع في رواية أخرى لابن حبان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا قلت نعم الحديث ووقع في المغازي لابن إسحاق ما قد يؤخذ منه أنه عيينة بن حصن الفزاري أو الاقرع بن حابس التميمي كما سأذكره قوله فقال أي المسئول قوله رجل من أشراف الناس أي هذا رجل من أشراف الناس ووقع كذلك عند بن ماجة عن محمد بن الصباح عن أبي حازم قوله هذا والله حرى بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين وتشديد آخره أي جدير وحقيق وزنا ومعنى ووقع في رواية إبراهيم بن حمزة قالوا حرى قوله ان خطب أن ينكح بضم أوله وفتح ثالثه أي تجاب خطبته وان شفع أن يشفع بتشديد الفاء أي تقبل شفاعته وزاد إبراهيم بن حمزة في روايته وان قال أن يستمع وفي رواية بن حبان إذا سأل أعطى وإذا حضر أدخل قوله ثم مر رجل زاد إبراهيم من فقراء المسلمين وفي رواية بن حبان مسكين من أهل الصفة قوله هذا خير من ملء بكسر الميم وسكون اللام مهموز قوله مثل بكسر اللام ويجوز فتحها قال الطيبي وقع التفضيل بينهما باعتبار مميزه وهو قوله بعد هذا لان البيان والمبين شئ واحد زاد أحمد وابن حبان عند الله يوم القيامة وفي رواية بن حبان الاخرى خير من طلاع الارض من الاخر وطلاع بكسر المهملة وتخفيف اللام وآخره مهملة أي ما طلعت عليه الشمس من الارض كذا قال عياض وقال غيره المراد ما فوق الارض وزاد في آخر هذه الرواية فقلت يا رسول الله أفلا يعطى هذا كما يعطى الاخر قال إذا أعطى خيرا فهو أهله وإذا صرف عنه فقد أعطى حسنة وفي رواية أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر فيما أخرجه محمد بن هارون الروياني في مسنده وابن عبد الحكم في فتوح مصر ومحمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر ما يؤخذ منه تسمية المار الثاني ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف ترى جعيلا قلت مسكينا كشكله من الناس قال فكيف ترى فلانا قلت سيدا من السادات قال
[ 237 ]
فجعيل خير من ملء الارض مثل هذا قال فقلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع قال انه رأس قومه فأتألفهم وذكر بن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا أو معضلا قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة والاقرع مائة مائة وتركت جعيلا قال والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقه خير من طلاع الارض مثل عيينة والاقر ولكني أتألفهما وأكل جعيلا إلى ايمانه ولجعيل المذكور ذكر في حديث أخيه عوف بن سراقة في غزوة بني قريظة وفي حديث العرباض بن سارية في غزوة تبوك وقيل فيه جعال بكسر أوله وتخفيف ثانيه ولعله صغر وقيل بل هما أخوان وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور وان السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها وانما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم أن العيش عيش الآخرة وان الذي يفوته الحظ من الدنيا يعاض عنه بحسنة الآخرة ففيه فضيلة للفقر كما ترجم به لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني كما قال بن بطال لانه ان كان فضل عليه لفقره فكان ينبغي أن يقول خير من ملء الارض مثله لا فقير فيهم وان كان لفضله فلا حجة فيه قلت يمكنهم أن يلتزموا الاول والحيثية مرعية لكن تبين من سياق طرق القصة أن جهة تفضيله انما هي لفضله بالتقوى وليست المسألة مفروضة في فقير متق وغني غير متق بل لا بد من استوائهما أولا في التقوى وأيضا فما في الترجمة تصريح بتفضيل الفقر على الغني إذ لا يلزم من ثبوت فضيلة الفقر افضليته وكذلك لا يلزم من ثبوت أفضلية فقير على غنى أفضلية كل فقير على كل غني الحديث الثاني حديث خباب بن الارت وقد تقدم بعض شرحه في الجنائز فيما يتعلق بالكفر ونحو ذلك وذكر في موضعين من الهجرة وأحلت بشرحه على المغازي فلم يتفق ذلك ذهولا قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان هو بن عيينة عن الاعمش وقع في أوائل الهجرة بهذا السند سواء حدثنا الاعمش قوله عدنا بضم المهملة من العيادة قوله هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أي بأمره واذنه أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا الا الصديق وعامر بن فهيرة قوله نبتغى وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لاجهة الدنيا قوله فوقع في رواية الثوري كما مضى في الهجرة عن الاعمش فوجب وإطلاق الوجوب على الله بمعنى ايجابه على نفسه بوعده الصادق والا فلا يجب على الله شئ قوله أجرنا على الله أي اثابتنا وجزاؤنا قوله لم يأكل من أجره شيئا أي من عرض الدنيا وهذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ويجمع بأن إطلاق الاجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الآخرة وذلك أن القصد الاول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا فمنهم من اعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا بحيث بقي على تلك الحالة الاولى وهم قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الاول ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثير ومنهم بن عمر ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف والى هذين القسمين أشار خباب فالقسم الاول وما التحق به توفر له أجره في الآخرة والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه ما من غازية تغزو
[ 238 ]
فتغنم وتسلم الا تعجلوا ثلثي أجرهم الحديث ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به اما ليتوفر لهم ثوابهم في الآخرة واما ليكون أقل لحسابهم عليه قوله منهم مصعب بن عمير بصيغة التصغير هو بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وكان يكنى أبا عبد الله من السابقين إلى الاسلام والى هجرة المدينة قال البراء أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان القرآن أخرجه المصنف في أوائل الهجرة وذكر بن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله مع أهل العقبة الاولى يقرئهم ويعلمهم وكان مصعب وهو بمكة في ثروة ونعمة فلما هاجر صار في قلة فأخرج الترمذي من طريق محمد بن كعب حدثني من سمع عليا يقول بينما نحن في المسجد إذ دخل علينا مصعب بن عمير وما عليه الا بردة له مرقوعة بفروة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه الذي كان فيه من النعم والذي هو فيه اليوم قوله قتل يوم أحد أي شهيدا وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثبت ذلك في مرسل عبيد بن عمير بسند صحيح عند بن المبارك في كتاب الجهاد قوله وترك نمرة بفتح النون وكسر الميم ثم راء هي ازار من صوف مخطط أو بردة قوله اينعت بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون والمهملة أي انتهت واستحقت القطف وفي بعض الروايات ينعت بغير الف وهي لغة قال القزاز وأينعت أكثر قوله فهو يهدبها بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر المهملة ويجوز ضمها بعدها موحدة أي يقطفها قال بن بطال في الحديث ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الابرار وفيه أن الكفن يكون ساترا لجميع البدن وان الميت يصير كله عورة ويحتمل أن يكون ذلك بطريق الكمال وقد تقدم سائر ما يتعلق بذلك في كتاب الجنائز ثم قال بن بطال ليس في حديث خباب تفضيل الفقير على الغني وانما فيه أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وانما كانت لله خالصة ليثيبهم عليها في الآخرة فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفر له ثوابه ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا خشي ان يكون عجل لهم أجر طاعتهم وكانوا على نعيم الآخرة احرص الحديث الثالث قوله سلم بفتح المهملة وسكون اللام بن زرير بزاي ثم راء وزن عظيم وأبو رجاء هو العطاردي وقد تقدم بهذا السند والمتن في صفة الجنة من بدء الخلق ويأتي شرحه في صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق هذا قوله تابعه أيوب وعوف وقال حماد بن نجيح وصخر عن أبي رجاء عن بن عباس اما متابعة أيوب فوصلها النسائي وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب النكاح وأما متابعة عوف فوصلها المؤلف في كتاب النكاح وأما متابعة حماد بن نجيح وهو الاسكاف البصري فوصلها النسائي من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه وليس له في الكتابين سوى هذا الحديث الواحد وقد وثقه وكيع وابن معين وغيرهما وأما متابعة صخر وهو بن جويرية فوصلها النسائي أيضا من طريق المعافى بن عمران عنه وابن منده في كتاب التوحيد من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا صخر بن جويرية وحماد بن نجيح قالا حدثنا أبو رجاء وقد وقعت لنا بعلو في الجعديات من رواية علي بن الجعد عن صخر قال سمعت أبا رجاء حدثنا بن عباس به قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق عوف وقال أيوب عن أبي رجاء عن بن عباس وكلا الاسنادين ليس فيه مقال ويحتمل أن يكون عن أبي رجاء عند كل منهما وقال الخطيب في المدرج روى هذا الحديث أبو داود الطيالسي عن أبي الاشهب وجرير بن
[ 239 ]
حازم وسلم بن زرير وحماد بن نجيح وصخر بن جويرية عن أبي رجاء عن عمران وابن عباس به ولا نعلم أحدا جمع بين هؤلاء فان الجماعة رووه عن أبي رجاء عن بن عباس وسلم انما رواه عن أبي رجاء عن عمران ولعل جريرا كذلك وقد جاءت الرواية عن أيوب عن أبي رجاء بالوجهين ورواه سعيد بن أبي عروبة عن فطر عن أبي رجاء عن عمران فالحديث عن أبي رجاء عنهما والله اعلم قال بن بطال ليس قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء يوجب فضل الفقير على الغني وانما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الاغنياء فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء اخبارا عن الحال وليس الفقر أدخلهم الجنة وانما دخلوا بصلاحهم مع الفقر فإن الفقير إذا لم يكن صالحا لا يفضل قلت ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الايمان في حديث تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار قيل بم قال بكفرهن قيل يكفرن بالله قال يكفرن بالاحسان الحديث الرابع قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج قوله عن أنس في رواية همام عن قتادة كنا نأتي أنس بن مالك وسيأتي في الباب الذي بعده قوله على خوان بكسر المعجمة وتخفيف الواو وتقدم شرحه في كتاب الاطعمة قوله وما أكل خبزا مرققا حتى مات قال بن بطال تركه عليه الصلاة والسلام الاكل على الخوان وأكل المرقق انما هو لدفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة والمال انما يرغب فيه ليستعان به على الآخرة فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المال من هذا الوجه وحاصله أن الخبر لا يدل على تفضيل الفقر على الغنى بل يدل على فضل القناعة والكفاف وعدم التبسط في ملاذ الدنيا ويؤيده حديث بن عمر لا يصيب عبد من الدنيا شيئا الا نقص من درجاته وان كان عند الله كريما أخرجه بن أبي الدنيا قال المنذر وسنده جيد والله اعلم الحديث الخامس قوله حدثنا عبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر وأبو شيبة جده لابيه وهو بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وهو أحد الحفاظ الكبار وقد أكثر عنه المصنف وكذا مسلم لكن مسلم يكنيه دائما والبخاري يسميه وقل ان كناه قوله وما في بيتي شئ الخ لا يخالف ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث المصطلقي ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درها ولا شيئا لان مراده بالشئ المنفي ما تخلف عنه مما كان يختص به وأما الذي أشارت إليه عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان قوله يأكله ذو كبد شمل جميع الحيوان وانتفى جميع المأكولات قوله الا شطر شعير المراد بالشطر هنا البعض والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست مرادة هنا ويقال أرادت نصف وسق قوله في رف لي قال الجوهري الرف شبه الطاق في الحائط وقال عياض الرف خشب يرتفع عن الارض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه قلت والاول أقرب للمراد قوله فأكلت منه حتى طال على فكلته بكسر الكاف ففنى أي فرغ قال بن بطال حديث عائشة هذا في معنى حديث أنس في الاخذ من العيش بالاقتصاد وما يسد الجوعة قلت انما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر
[ 240 ]
بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله باثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه وقد روى البيهقي من وجه آخر عن عائشة قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه وأما قولها فكلته ففنى قال بن بطال فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وان الطعام غير المكيل فيه البركة لانه غير معلوم مقداره قلت في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الذي أذكره آخر الباب ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي في الدلائل من طريق أبي العالية عن أبي هريرة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبض ثم دعا ثم قال خذهن فاجعلن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثر بهن نثرا فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوى لا يفارقه فلما قتل عثمان انقطع وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة مطولا وفيه فأدخل يدك فخذ ولا تكفئ فيكفأ عليك ومن طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة نحوه ونحوه ما وقع في عكة المرأة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الادم فتعمد إلى العكة فتجد فيها سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو تركتها ما زال قائما وقد استشكل هذا النهي مع الامر بكيل الطعام وترتيب البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معد يكرب بلفظ كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من اجل تعلق حق المتبايعين فلهذا القصد يندب وأما الكيل عند الانفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لاكلتم منه ولقام لكم قال القرطبي سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل والله اعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة ادرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الاسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله اعلم قوله باب بالتنوين كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي في حياته وتخليهم عن الدنيا أي عن ملاذها والتبسط فيها ذكر فيه ثمانية أحاديث الحديث الاول قوله حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث قال الكرماني يستلزم أن يكون الحديث بغير إسناد يعني غير موصول لان النصف المذكور مبهم لا يدري أهو الاول أو الثاني قلت يحتمل أيضا أن يكون قدر النصف الذي حدثه به أبو نعيم ملفقا من الحديث المذكور والذي يتبادر من
[ 241 ]
الاطلاق أنه النصف الاول وقد جزم مغلطاي وبعض شيوخنا أن القدر المسموع له منه هو الذي ذكره في باب إذا دعى الرجل فجاء هل يستأذن من كتاب الاستئذان حيث قال حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذرح وأخبرنا محمد بن مقاتل أنبانا عبد الله هو بن المبارك أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال أباهر الحق أهل الصفة فادعهم الي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا قال مغلطاي فهذا هو القدر الذي سمعه البخاري من أبي نعيم واعترضه الكرماني فقال ليس هذا ثلث الحديث ولا ربعه فضلا عن نصفه قلت وفيه نظر من وجهين آخرين أحدهما احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم ثانيهما أنه منتزع من اثناء الحديث فإنه ليس فيه القصة الاولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن الخ نعم المحرر قول شيخنا في النكت على بن الصلاح ما نصه القدر المذكور في الاستئذان بعض الحديث المذكور في الرقاق قلت فهو مما حدثه به أبو نعيم سواء كان بلفظه أم بمعناه وأما باقيه الذي لم يسمعه منه فقال الكرماني انه يصير بغير إسناد فيعود المحذور كذا قال وكأن مراده انه لا يكون متصلا لعدم تصريحه بأن أبا نعيم حدثه به لكن لا يلزم من ذلك محذور بل يحتمل كما قال شيخنا أن يكون البخاري حدث به عن أبي نعيم بطريق الوجادة أو الاجازة أو حمله عن شيخ آخر غير أبي نعيم قلت أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم ولهذين الاحتمالين الاخيرين أوردته في تعليق التعليق فأخرجته من طريق علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم تاما ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج والبيهقي في الدلائل وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي نعيم بتمامه واجتمع لي ممن سمعه من عمر بن ذر شيخ أبي نعيم أيضا جماعة منهم روح بن عبادة أخرجه أحمد عنه وعلى بن مسهر ومن طريقه أخرجه الاسماعيلي وابن حبان في صحيحه ويونس بن بكير ومن طريقه أخرجه الترمذي والاسماعيلي والحاكم في المستدرك والبيهقي وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة ثم قال الكرماني مجيبا عن المحذور الذي ادعاه ما نصه اعتمد البخاري على ما ذكره في الاطعمة عن يوسف بن عيسى فإنه قريب من نصف هذا الحديث فلعله أراد بالنصف هنا ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا بعضه عن يوسف وبعضه عن أبي نعيم قلت سند طريق يوسف مغاير لطريق أبي نعيم إلى أبي هريرة فيعود المحذور بالنسبة إلى خصوص طريق أبي نعيم فإنه قال في أول كتاب الاطعمة حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال أصابني جهد فذكر سؤاله عمر عن الآية وذكر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم به وفيه فانطلق بي إلى رحلة فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال عد فذكره ولم يذكر قصة أصحاب الصفة ولا ما يتعلق بالبركة التي وقعت في اللبن وزاد في آخره ما دار بين أبي هريرة وعمر وندم عمر على كونه ما استتبعه فظهر بذلك المغايرة بين الحديثين في السندين وأما المتن ففي أحد الطريقين ما ليس في الاخر لكن ليس في طريق أبي حازم من الزيادة كبير أمر والله اعلم قوله عمر بن ذر فتح المعجمة وتشديد الراء قوله ان أبا هريرة كان يقول في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما حدثنا مجاهد عن أبي هريرة قوله الله الذي لا إله إلا هو كذا للاكثر بحذف حرف الجر من القسم وهو في روايتنا بالخفض وحكى بعضهم جواز النصب وقال بن التين رويناه بالنصب
[ 242 ]
وقال بن جني إذا حذف حرف القسم نصب الاسم بعده بتقدير الفعل ومن العرب من يجر اسم الله وحده مع حذف حرف الجر فيقول الله لاقومن وذلك لكثرة ما يستعملونه قلت وثبت في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما بالواو في أوله فتعى الجر فيه قوله ان كنت بسكون النون مخففة من الثقيلة وقوله لاعتمد بكبدي على الارض من الجوع أي ألصق بطني بالارض وكأنه كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شد الحجر على بطنه أو هو كناية عن سقوطه إلى الارض مغشيا عليه كما وقع في رواية أب حازم في أول الاطعمة فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية فذكره قال فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي الحديث وفي حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة الآتي في كتاب الاعتصام لقد رأيتني واني لاخر ما بين المنبر والحجرة من الجوع مغشيا علي فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي الجنون وما بي الا الجوع وعند بن سعد من طريق الوليد بن رباح عن أبي هريرة كنت من أهل الصفة وان كان فيغشى علي فيما بين بيت عائشة وأم سلمة من الجوع ومضى أيضا في مناقب جعفر من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة واني كنت الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني وفيه وكنت الصق بطني بالحصى من الجوع وان كنت لاستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني وزاد فيه الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله قوله وان كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع عند أحمد في طريق عبد الله بن شقيق أقمت مع أبي هريرة سنة فقال لو رأيتنا وانه ليأتي على أحدنا الايام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى ان كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على اخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه قال العلماء فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لان فيه الاشارة إلى كسر النفس وقال الخطابي اشكل الامر في شد الحجر على البطن من الجوح على قوم فتوهموا أنه تصحيف وزعموا أنه الحجز بضم أوله وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة التي يشد به الوسط قال ومن أقام بالحجاز وعرف عادتهم عرف أن الحجر واحد الحجارة وذلك أن المجاعة تعتريهم كثيرا فإذا خوى بطنه لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف أو أكبر فيربطها على بطنه وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال والاعتماد بالكبد على الارض مما يقارب ذلك قلت سبقه إلى الانكار المذكور أبو حاتم بن حبان في صحيحه فلعله أشار إلى الرد عليه وقد ذكرت كلامه وتعقبه في باب التنكيل لمن أراد الوصال من كتاب الصيام قوله ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وبعض اصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة قوله فمر أبو بكر فسألته عن آية ما سألته الا ليشبعني بالمعجمة والموحدة من الشبع ووقع في رواية الكشميهني ليستتبعني بمهملة ومثناتين وموحدة أي يطلب مني أن اتبعه ليطعمني وثبت كذلك في رواية روح وأكثر الرواة قوله فمر ولم يفعل أي الاشباع أو الاستتباع قوله حتى مر بي عمر يشير إلى أنه استمر في مكانه بعد ذهاب أبي بكر إلى أن مر عمر ووقع في قصة عمر من الاختلاف في قوله ليشبعني نظير ما وقع في التي قبلها وزاد في رواية أبي حازم فدخل داره واقتحها على أي قرأ الذي استفهمته عنه ولعل العذر لكل من أبي
[ 243 ]
بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذاك ما يطعمانه لكن وقع في رواية أبي حازم من الزيادة أن عمر تأسف على عدم أدخاله أبا هريرة داره ولفظه فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر وفيه قال عمر والله لان اكون أدخلتك احب الي من ان يكون لي حمر النعم فإن فيه أشعارا بأنه كان عنده ما يطعمه إذ ذاك فيرجح الاحتمال الاول ولم يعرج على ما رمزه أبو هريرة من كنايته بذلك عن طلب ما يأكل وقد استنكر بعض مشايخنا ثبوت هذا عن أبي هريرة لاستبعاد مواجهة أبي هريرة لعمر بذلك وهو استبعاد مستبعد قوله ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي استدل أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على أنه عرف ما به لان التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لايناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوي الحمل على الثاني قوله وما في وجهي كأنه عرف من حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه ووقع في رواية علي بن مسهر وروح وعرف ما في وجهي أو نفسي بالشك قوله ثم قال لي يا أبا هر في رواية علي بن مسهر فقال أبو هر وفي رواية روح فقال أبا هر فأما النصب فواضح وأما الرفع فهو على لغة من لا يعرف لفظ الكنية أو هو للاستفهام أي أنت أبو هر وأما قوله هر فهو بتشديد الراء وهو من رد الاسم المؤنث إلى المذكر والمصغر إلى المكبر فان كنيته في الاصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا وأبوهر مذكر مكبر وذكر بعضهم أنه يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا فعلى هذا يسكن ووقع في رواية يونس بن بكير فقال أبو هريرة أي أنت أبو هريرة وقد ذكرت توجيهه قبل قوله قلت لبيك رسول الله كذا فيه بحذف حرف النداء ووقع في رواية علي بن مسهر فقلت لبيك يا رسول الله وسعديك قوله الحق بهمزة وصل وفتح المهملة أي اتبع قوله ومضى فاتبعته زاد في رواية علي بن مسهر فلحقته قوله فدخل زاد علي بن مسهر إلى أهله قوله فأستأذن بهمزة بعد الفاء والنون مضمومة فعل متكلم وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق ووقع في رواية على بن مسهر ويونس وغيرهما فاستأذنت قوله فأذن لي فدخل كذا فيه وهو اما تكرار لهذه اللفظة لوجود الفصل أو التفات ووقع في رواية علي بن مسهر فدخلت وهي واضحة قوله فوجد لبنا في قدح في رواية علي بن مسهر فإذا هو بلبن في قدح وفي رواية يونس فوجد قدحا من اللبن قوله فقال من أين هذا اللبن زاد روح لكم وفي رواية بن مسهر فقال لاهله من أين لكم هذا قوله قالوا أهداه لك فلان أو فلانة كذا بالشك ولم اقف على اسم من أهداه وفي رواية روح أهداه لنا فلان أو آل فلان وفي رواية يونس أهداه لنا فلان قوله الحق إلى أهل الصفة كذا عدي الحق بالي وكأنه ضمنها معنى انطلق ووقع في رواية روح بلفظ انطلق قوله وقال وأهل الصفة أضياف الاسلام سقط لفظ قال من رواية روح ولا بد منها فإنه كلام أبي هريرة قاله شارحا لحال أهل الصفة والسبب في استدعائهم فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخصهم بما يأتيه من الصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية وقد وقع في رواية يونس بن بكير هذا القدر في أول الحديث ولفظه عن أبي هريرة قال كان أهل الصفة أضياف الاسلام لا يأوون على أهل ولا مال والله الذي لا إله إلا هو الخ وفيه اشعار بأن أبا هريرة كان منهم قوله لا يأوون على أهل ولا مال في رواية روح والاكثر إلى بدل علي قوله ولا على أحد تعميم بعد تخصيص فشمل الاقارب والاصدقاء وغيرهم وقد وقع في حديث طلحة بن عمرو عند
[ 244 ]
أحمد وابن حبان والحاكم كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف نزل عليه فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة وفي مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط عند بن سعد كان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره وله من طريق نعيم المجمر عن أبي هريرة كنت من أهل الصفة وكنا إذا امسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل أو أكثر فيبقى من بقي عشرة أو أقل أو أكثر فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه فإذا فرغنا قال ناموا في المسجد وتقدم في باب علامات النبوة وغيره حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ان أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث الحديث ولابي نعيم في الحلية من مرسل محمد بن سيرين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناسا من أصحاب الصفة بين ناس من أصحابه فيذهب الرجل بالرجل والرجل بالرجلين حتى ذكر عشرة الحديث وله من حديث معاوية بن الحكم بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة فجعل يوجه الرجل مع الرجل من الانصار والرجلين والثلاثة حتى بقيت في أربعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم خامسنا فقال انطلقوا بنا فقال يا عائشة عشينا الحديث قوله إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا أي لنفسه وفي رواية روح ولم يصب منها شيئا وزاد ولم يشركهم فيها قوله وإذا اتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها في رواية علي بن مسهر وشركهم بالتشديد وقال فيها أو منها بالشك ووقع عند يونس الصدقة والهدية بالتعريف فيهما وقد تقدم في الزكاة وغيرها بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وتقدم في الهبة من حديث أبي هريرة مختصرا من رواية محمد بن زياد عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اتى بطعام سأل عنه فإن قيل صدقة قال لاصحابه كلو ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم ولاحمد وابن حبان من هذا الوجه إذا اتى بطعام من غير أهله ويجمع بين هذا وبين ما وقع في حديث الباب بأن ذلك كان قبل ان تبنى الصفة فكان يقسم الصدقة فيمن يستحقها ويأكل من الهدية مع من حضر من أصحابه وقد أخرج أبو نعيم في الحلية من مرسل الحسن قال بنيت صفة في المسجد لضعفاء المسلمين ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف حالين فيحمل حديث الباب على ما إذا لم يحضره أحد فإنه يرسل ببعض الهدية إلى أهل الصفة أو يدعوهم إليه كما في قصة الباب وان حضره أحد يشركه في الهدية فإن كان هناك فضل أرسله إلى أهل الصفة أو دعاهم ووقع في حديث طلحة بن عمرو الذي ذكرته آنفا وكنت فيمن نزل الصفة فوافقت رجلا فكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد من تمر بين كل رجلين وفي رواية أحمد فنزلت في الصفة مع رجل فكان بيني وبينه كل يوم مد من تمر وهو محمول أيضا على اختلاف الاحوال فكان أولا يرسل إلى أهل الصفة بما حضره أو يدعوهم أو يفرقهم على من حضر ان لم يحضره ما يكفيهم فلما فتحت فدك وغيرها صار يجري عليهم من التمر في كل يوم ما ذكر وقد اعتنى بجمع أسماء أهل الصفة أبو سعيد بن الاعرابي وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي فزاد أسماء وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحلية فسرد جميع ذلك ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة انهم كانوا سبعين وليس المراد حصرهم في هذا العدد وانما هي عدة من كان موجودا حين القصة المذكورة والا فمجموعهم اضعاف ذلك كما بينا من
[ 245 ]
اختلاف أحوالهم قوله فسائني ذلك زاد في رواية علي بن مسهر والله والاشارة إلى ما تقدم من قوله ادعهم لي وقد بين ذلك بقوله فقلت أي في نفسي وما هذا اللبن أي ما قدره في أهل الصفة والواو عاطفة على شئ محذوف ووقع في رواية يونس بحذف الواو زاد في روايته وأنا رسوله إليهم وفي رواية علي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله وهو بالجر عطفا على أهل الصفة ويجوز الرفع والتقدير وأنا ورسول الله معهم قوله وكنت ارجو ان اصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها زاد في رواية روح يومي وليلتي قوله فإذا جاء كذا فيه الافراد أي من أمرني بطلبه وللاكثر فإذا جاءوا بصيغة الجمع قوله أمرني أي النبي صلى الله عليه وسلم فكنت انا اعطيهم وكأنه عرف بالعادة ذلك لانه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه وقد تقدم في مناقب جعفر من حديث طلحة بن عبيد الله كان أبو هريرة مسكينا لا أهل له ولا مال وكان يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما دار أخرجه البخاري في تاريخه وتقدم في البيوع وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة وكنت امرأ مسكينا الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني ووقع في رواية يونس بن بكير فسيأمرني أن أديره عليهم فما عسى أن يصيني منه وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني أي عن جوع ذلك اليوم قوله وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن أي يصل الي بعد أن يكتفوا منه وقال الكرماني لفظ عسى زائد قوله ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد يشير إلى قوله تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله قوله فأتيتهم فدعوتهم قال الكرماني ظاهره ان الاتيان والدعوة وقع بعد الاعطاء وليس كذلك ثم أجاب بأن معنى قوله فكنت أنا اعطيهم عطف على جواب فإذا جاءوا فهو بمعنى الاستقبال قلت وهو ظاهر من السياق قوله فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت أي فقعد كل منهم في المجلس الذي يليق به ولم اقف على عددهم إذ ذاك وقد تقدم في أبواب المساجد في أوائل كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب الصفة الحديث وفيه اشعار بأنهم كانوا أكثر من ذلك وذكرت هناك أن أبا عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد بن الاعرابي والحاكم اعتنوا بجمع اسمائهم فذكر كل منهم من لم يذكر الاخر وجمع الجميع أبو نعيم في الحلية وعدتهم تقرب من المائة لكن الكثير من ذلك لا يثبت وقد بين كثيرا من ذلك أبو نعيم وقد قال أبو نعيم كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرقوا اما لغزو أو سفر أو استفتاء فقلوا ووقع في عوارف السهروردي أنهم كانوا أربعمائة قوله فقال يا أبا هر في رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيه ذلك قوله خذ فأعطهم أي القدح الذي فيه اللبن وصرح به في رواية يونس قوله اعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل أي الذي إلى جنبه قال الكرماني هذا فيه أن المعرفة إذا اعيدت معرفة لا تكون عين الاول والتحقيق ان ذلك لا يطرد بل الاصل أن تكون عينه الا ان تكون هناك قرينة تدل على أنه غيره مثل ما وقع هنا من قوله حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على انه اعطاهم واحدا بعد واحد إلى ان كان آخرهم النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقع في رواية يونس ثم يرده فأناوله الاخر وفي رواية علي بن مسهر قال خذ فناولهم قال فجعلت أناول الاناء رجلا رجلا فيشرب فإذا روى اخذته فناولته الاخر حتى روى القوم جميعا وعلى هذا فاللفظ
[ 246 ]
المذكور من تصرف الرواة فلا حجة فيه لخرم القاعدة قوله حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلهم أي فأعطيته القدح قوله فأخذ القدح زاد روح وقد بقيت فيه فضلة قوله فوضعه على يده فنظر الي فتبسم في رواية علي بن مسهر فرفع رأسه فتبسم كأنه صلى الله عليه وسلم كان تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شئ كما تقدم تقريره فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شئ قوله فقال أبا هر كذا فيه بحذف حرف النداء وفي رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيهه قوله بقيت أنا وأنت كأن ذلك بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان اللبن الذي في ذلك القدح نصيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله اقعد فاشرب في رواية علي بن مسهر قال خذ فاشرب قوله فما زال يقول اشرب في رواية روح فما زال يقول لي قوله ما أجد له مسلكا في رواية روح في مسلكا قوله فأرني في رواية روح فقال ناولني القدح قوله فحمد الله وسمى أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روى القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب قوله وشرب الفضلة أي البقية وهي رواية علي بن مسهر وفي رواية روح فشرب من الفضلة وفيه اشعار بأنه بقي بعد شربه شئ فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي في البيت ان كان وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم استحباب الشرب من قعود وان خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الاناء من كل واحد فيدفعه هو إلى الذي يليه ولا يدع الرجل يناول رفيقه لما في ذلك من نوع امتهان الضيف وفيه معجزة عظيمة وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم وفيه جواز الشبع ولو بلغ أقصى غايته اخذا من قول أبي هريرة لا أجد له مسلكا وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك خلافا لمن قال بتحريمه وإذا كان ذلك في اللبن مع رقته ونفوذه فكيف بما فوقه من الاغذية الكثيفة لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بما وقع في تلك الحال فلا يقاس عليه وقد أورد الترمذي عقب حديث أبي هريرة هذا حديث بن عمر رفعه أكثرهم في الدنيا شبعا اطولهم جوعا يوم القيامة وقال حسن وفي الباب عن أبي جحيفة قلت وحديث أبي جحيفة أخرجه الحاكم وضعفه أحمد وفي الباب أيضا حديث المقدام بن معد يكرب رفعه ما ملء بن آدم وعاء شرا من بطنه الحديث أخرجه الترمذي أيضا وقال حسن صحيح ويمكن لجمع بأن يحمل الزجر على من يتخذ الشبع عادة لما يترتب على ذلك من الكسل عن العبادة وغيرها ويحمل الجواز على من وقع له ذلك نادرا ولا سيما بعد شدة جوع واستبعاد حصول شئ بعده عن قرب وفيه ان كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من اظهارها والتصريح بها وفيه كرم النبي صلى الله عليه وسلم وايثاره على نفسه وأهله وخادمه وفيه ما كان بعض الصحابة عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال وفضل أبي هريرة وتعففه عن التصريح بالسؤال واكتفاؤه بالاشارة إلى ذلك وتقديمه طاعة النبي صلى الله عليه وسلم على حظ نفسه مع شدة احتياجه وفضل أهل الصفة وفيه أن المدعو إذا وصل إلى دار الداعي لا يدخل بغير استئذان وقد تقدم البحث فيه في كتاب الاستئذان مع الكلام على حديث رسول الرجل اذنه وفيه جلوس كل أحد في المكان اللائق به وفيه اشعار بملازمة أبي بكر
[ 247 ]
وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم ودعاء الكبير خادمه بالكنية وفيه ترخيم الاسم على ما تقدم والعمل بالفراسة وجواب المنادي بلبيك واستئذان الخادم على مخدومه إذا دخل منزله وسؤال الرجل عما يجده في منزله مما لا عهد له به ليرتب على ذلك مقتضاه وقبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية وتناوله منها وايثاره ببعضها الفقراء وامتناعه من تناول الصدقة ووضعه لها فيمن يستحقها وشرب الساقي آخرا وشرب صاحب المنزل بعده والحمد على النعم والتسمية عند الشرب تنبيه وقع لابي هريرة قصة أخرى في تكثير الطعام مع أهل الصفة فأخرج بن حبان من طريق سليم بن حبان عن أبيه عنه قال أتت علي ثلاثة أيام لم اطعم فجئت أريد الصفة فجعلت اسقط فجعل الصبيان يقولون جن أبو هريرة حتى انتهيت إلى الصفة فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بقصعة من ثريد فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون منها فجعلت اتطاول كي يدعوني حتى قاموا وليس في القصعة الا شئ في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه فقال لي كل باسم الله فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شعبت الحديث الثاني (6088) قوله يحيى هو بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وسعد هو بن أبي وقاص قوله اني لاول العرب رمى بسهم في سبيل الله زاد الترمذي من طريق بيان عن قيس سمعت سعدا يقول اني لاول رجل إهراق دما في سبيل الله وفي رواية بن سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكبا وهي أول السرايا بعد الهجرة قوله ورأيتنا بضم المثناة قوله ورق الحبلة بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا ووقع في مناقب سعد بالتردد بين الرفع والنصب قوله وهذا السمر بفتح المهملة وضم الميم قال أبو عبيد وغيره هما نوعان من شجر البادية وقيل الحبلة ثمر العضاه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة شجر الشوك كالطلح والعوسج قال النووي وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة قلت هي رواية أخرى عند البخاري بلفظ الا الحبلة وورق السمر وكذا وقع عند أحمد وابن سعد وغيرهما وفي رواية بيان عند الترمذي ولقد رأيتني اغزو في العصابة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأكل الا ورق الشجر والحبلة وقال القرطبي وضع في رواية الاكثر عند مسلم الا ورق الحبلة هذا السمر وقال بن الاعرابي الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبية وفي رواية التيمي والطبري في مسلم وهذا السمر بزيادة واو قال القرطبي ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر ووقع في حديث عتبة بن غزوان عند مسلم لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت اشداقنا قوله ليضع بالضاد المعجمة كناية عن الذي يخرج منه في حال التغوط قوله كما تضع الشاة زاد بيان في روايته والبعير قوله ما له خلط بكسر المعجمة وسكون اللام أي يصير بعرا لا يختلط من شدة اليبس الناشئ عن قشف العيش وتقدم بيانه في شرح الحديث المذكور في مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قوله ثم أصبحت بنو أسد أي بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وبنو أسد هم اخوة كنانة بن خزيمة جد قريش وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد الاسدي
[ 248 ]
لما ادعى النبوة ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم إلى الاسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله وقالوا في جملة ما شكوه انه لا يحسن الصلاة وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب وجوب القراءة على الامام والمأموم من أبواب صفة الصلاة وبينت أسماء من كان منهم من بني أسد المذكورين وأغرب النووي فنقل عن بعض العلماء ان مراد سعد بقوله فأصبحت بنو أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه نظر لان القصة ان كانت هي التي وقعت في عهد عمر فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد بذلك ولا يشكو منهم فإن اباهم الزبير كان إذ ذاك موجودا وهو صديق سعد وان كانت بعد ذلك فيحتاج إلى بيان قوله تعزرني أي توقفني والتعزير التوقيف على الاحكام والفرائض قاله أبو عبيد الهروي وقال الطبري معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب والمعنى أن سعدا انكر اهلية بني أسد لتعليمه الاحكام مع سابقيته وقدم صحبته وقال الحربي معنى تعزرني تلمني وتعتبني وقيل توبخني على التقصير وقال القرطبي بعد أن حكى ذلك في هذه الاقوال بعد عن معنى الحديث قال والذي يظهر لي أن الاليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا الاعظام والتوقير كأنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول الامر من شدة الحال وخشونة العيش والجهد ثم انهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس لشهرتهم وفضلهم فكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لانهم افرطوا في تعظيمه قال ويؤيده أن في حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الاشارة إلى ما كانوا فيه من ضيق العيش ثم قال في آخره فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك أي بن أبي وقاص فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا أحد الا وهو أمير على مصر من الامصار انتهى وكان عتبة يومئذ أمير البصرة وسعد أمير الكوفة قلت وهذا كله مردود لما ذكرته من ان بني أسد شكوه وقالوا فيه ما قالوا ولذلك خصهم بالذكر وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد في آخر هذا الحديث في مناقب سعد بعد قوله وضل عملي وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا لا يحسن يصلى ووقع كذلك هنا في رواية معتمر بن سليمان عن إسماعيل عند الاسماعيلي ووقع في بعض طرق هذا الحديث الذي فيه أنهم شكوه عند مسلم فقال سعد أتعلمني الاعراب الصلاة فهذا هو المعتمد وتفسير التعزى على ما شرحه من تقدم مستقيم واما قصة عتبة بن غزوان فإنما قال في آخر حديثه ما قال لانه خطب بذلك وهو يومئذ أمير فأراد اعلام القوم بأول امره وآخره واظهارا منه للتواضع والتحدث بنعمة الله والتحذير من الاغترار بالدنيا واما سعد فقال ذلك بعد ان عزل وجاء إلى عمر فاعتذر وأنكر على من سعى فيه بما سعى قوله على الاسلام في رواية بيان على الدين قوله خبت إذا وضل سعيي في رواية خالد عملي كما ترى وكذا هو في معظم الروايات وفي رواية بيان لقد خبت إذا وضل عملي ووقع عند بن سعد عن يعلى ومحمد ابني عبيد عن إسماعيل بسنده في آخره وضل عمليه بزيادة هاء في آخره وهي هاء السكت قال بن الجوزي ان قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ
[ 249 ]
له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره كما لو قال القائل اني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين قاصدا إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله ولهذا قال يوسف عليه السلام اني حفيظ عليم وقال علي سلوني عن كتاب الله وقال بن مسعود لو أعلم أحدا اعلم بكتاب الله مني لاتيته وساق في ذلك اخبارا وآثارا عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك الحديث الثالث قوله حدثني عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والاسود هو بن يزيد وهؤلاء كلهم كوفيون قوله ما شبع آل محمد أي النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة يخرج ما كانوا فيه قبل الهجرة من طعام بر يخرج ما عدا ذلك من أنواع المأكولات ثلاث ليال أي بأيامها تباعا يخرج التفاريق حتى قبض إشارة إلى استمراره على تلك الحال مدة اقامته بالمدينة وهي عشر سنين بما فيها من أيام أسفاره في الغزو والحج والعمر وزاد بن سعد من وجه آخر عن إبراهيم وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض ووقع في رواية الاعمش عن منصور فيه بلفظ ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم أخرجه مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد عن الاسود عن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض أخرجاه وعند مسلم من رواية يزيد بن قسيط عن عروة عن عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وله من طريق مسروق عنها والله ما شبع من خبز ولحم في يوم مرتين وعند بن سعد أيضا من طريق الشعبي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر وفي حديث أبي هريرة نحو حديث الباب ذكره المصنف في الاطعمة من طريق سعد المقبري عنه ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم والواحد غداة وعشاء وتقدم أيضا فس حديث سهل بن سعد ما شبع رسول الله صل الله عليه وسلم شبعتين في يوم حتى فارق الدنيا أخرجه بن سعد والطبراني وفي حديث عمران بن حصين ما شبع من غداء أو عشاء حتى لقي الله أخرجه الطبراني قال الطبري استكشل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الايام جوعا مع ما ثبت أنه كان يرفع لاهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس الف بعير مما افاء الله عليه وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لاعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الاموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه وقد أمر بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه وحث على تجهيز جيش العسرة فجهزهم عثمان بألف بعير إلى غير ذلك والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز وضيق بل تارة للايثار وتارة لكراهة الشبع ولكثرة الاكل انتهى وما نفاه مطلقا فيه نظر لما تقدم من الاحاديث آنفا وقد أخرج بن حبان في صحيحه عن عائشة من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك وتقدم في غزوة خيبر
[ 250 ]
من رواية عكرمة عن عائشة لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وتقدم في كتاب الاطعمة حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من التمر وفي حديث بن عمر لما فتحت خيبر شبعنا من التمر والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك فواساهم الانصار بالمنازل والمفائح فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم كما تقدم ذلك واضحا في كتاب الهبة وقريب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة مالي ولبلال طعام يأكله أحد الا شئ يواريه ابط بلال أخرجه الترمذي وصححه وكذا أخرجه بن حبان بمعناه نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما اخرج الترمذي من حديث أبي امامة عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن اشبع يوما واجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك وسأذكر حديث عائشة في ذلك الحديث الرابع قوله إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن هو البغوي وهلال المذكور في السند هو الوزان وهو بن حميد قوله ما أكل آل محمد في رواية أحمد بن منيع عن إسحاق الازرق بسنده المذكور هنا ما شبع محمد بحذف لفظ آل وقد تقدم أن آل محمد قد يطلق ويراد به محمد نفسه قوله أكلتين في يوم الا إحداهما تمر فيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره والسبب ما تقدم في الاحاديث التي قبله وفيه إشارة إلى أنهم بما لم يجدوا في اليوم الا أكله واحدة فإن وجدوا اكلتين فإحداهما تمر وقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعر بلفظ ما شبع آل محمد يومين من خبز البر الا وأحدهما تمر وقد أخرج بن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني حدثني والدي قال دخلنا على عائشة فقالت خرج تعني النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يملا بطنه في يوم من طعامين كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين فقد ترجم المصنف في الاطعمة للجواز وأورد حديث كان يأكل القثاء بالرطب وتقدم شرحه هناك وبيان ما يتعلق بذلك الحديث الخامس قوله النضر هو بن شميل بالمعجمة مصغر قوله كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادم بفتح الهمزة والموحدة حشوه ليف في رواية بن نمير عن هشام عند بن ماجة بلفظ كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ادما حشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة بعدها جيم ما يرقد عليه وتقدم في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط من كتاب اللباس حديث عمر الطويل في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد اثر في جنبه وتحت رأسه مرفقه من أدم حشوها ليف وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس بنحوه وفيه وسادة بدل مرفقه ومن طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة دخلت على امرأة فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فبعثت الي بفراش حشوه صوف فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال رديه يا عائشة والله لو شئت أجرى الله معي جبال الذهب والفضة وعند أحمد وأبي داود الطيالسي من حديث بن مسعود اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه فقيل له الا نأتيك بشئ
[ 251 ]
يقيك منه فقال مالي وللدنيا انما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها الحديث السادس حديث أنس وقوله وخبازه قائم لم اقف على اسمه وقد تقدم شرحه مستوفي في باب الخبز المرقق من كتاب الاطعمة الحديث اسابيع ذكره من طريقين وقد سقطت الثانية للنسفي وأبي ذر وثبتت للباقين وهي عند الجميع في كتاب الهبة قوله في الطريق الاولى يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا انما هو التمر والماء الا أن نؤتى باللحيم كذا فيه بالتصغير إشارة إلى قلته وقوله في الطريق الثانية بن أبي حازم هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق من أهل المدينة أبو حازم ويزيد وعروة قوله بن أختي بحذف حرف النداء أي يا بن أختي لان أمه أسماء بنت أبي بكر قوله ان كنا لننظر إلى الهلال ثلاث أهله في شهرين المراد بالهلال الثالث هلال الشهر الثالث وهو يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث ووقع في رواية سعيد عن أبي هريرة عند بن سعد كان يمر برسول الله صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال ثم هلال لا يوقد في شئ من بيوته نار لا لخبز ولا لطبخ قوله فقلت ما كان يعيشكم بضم أوله يقال أعاشه الله أي أعطاه العيش وفي رواية أبي سلمة عن عائشة نحوه وفيه قلت فما كان طعامكم قالت الاسودان التمر والماء وفي حديث أبي هريرة قالوا بأي شئ كانوا يعيشون نحوه وفي هذا إشارة إلى ثاني الحال بعد ان فتحت قريظة وغيرها ومن هذا ما أخرجه الترمذي من حديث الزبير قال لما نزلت ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قلت وأي نعيم نسأل عنه وانما هو الاسودان التمر والماء قال انه سيكون قال الصغاني الاسودان يطلق على التمر والماء والسواد للتمر دون الماء فنعتا بنعت واحد تغليبا وإذا اقترن الشيئان سميا باسم اشهرهما وعن أبي زيد الماء يسمى الاسود واستشهد لذلك بشعر قلت وفيه نظر وقد تقع الخفة أو الشرف موضع الشهرة كالعمرين لابي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر قوله الا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الانصار زاد أبو هريرة في حديثه جزاهم الله خيرا قوله كان لهم منائح جمع منيحة بنون وحاء مهملة وعند الترمذي وصححه من حديث بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون عشاء وعند بن ماجة من حديث أبي هريرة اتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام سخن فأكل فلما فرغ قال الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا وسنده حسن ومن شواهد الحديث ما أخرجه بن ماجة بسند صحيح عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مرارا والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر وان له يومئذ لتسع نسوة وله شاهد عند بن ماجة عن بن مسعود الحديث الثامن قوله عن أبيه هو فضيل بن غزوان وعمارة هو بن القعقاع وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير قوله اللهم ارزق آل محمد قوتا هكذا وقع هنا وفي رواية الاعمش عن عمارة عند مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وهو المعتمد فإن اللفظ الاول صالح لان يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم وان يكون طلب لهم القوت بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعين الاحتمال الثاني وهو الدال على الكفاف وقد تقدم تقرير ذلك في الباب الذي قبله وعلى ذلك شرحه بن بطال فقال فيه دليل على فضل الكفاف
[ 252 ]
وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وايثارا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك وقال القرطبي معنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا والله اعلم قوله باب القصد بفتح القاف وسكون المهملة هو سلوك الطريق المعتدلة أي استحباب ذلك وسيأتي انهم فسروا السداد بالقصد وبه تظهر المناسبة قوله والمداومة على العمل أي الصالح ذكر فيه ثمانية أحاديث أكثرها مكرر وفي بعضها زيادة على بعض ومحصل ما اشتملت عليه الحث على مداومة العمل الصالح وان قل وان الجنة لا يدخلها أحد بعمله بل برحمة الله وقصة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاته والاول هو المقصود بالترجمة والثاني ذكر استطرادا وله تعلق بالترجمة أيضا والثالث يتعلق بها أيضا بطريق خفي الحديث الاول قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد وأشعث هو بن سليم بن الاسود وأبوه يكنى أبا الشعثاء بمعجمة ثم مهملة ثم مثلثة وهو بها أشهر وقد تقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في باب من نام عند السحر من كتاب التهجد وتقدم شرحه هناك والمراد بالصارخ الديك وقوله هنا قلت في أي حين كان يقوم وقع في رواية الكشميهني فأي حين وقد تقدم هناك بلفظ قلت متى كان يقوم وأعقبه برواية أبي الاحوص عن أشعث بلفظ إذا سمع الصارخ قام فصلى اختصره وأخرجه مسلم من هذا الوجه بتمامه وقال فيه قلت أي حين كان يصلي فذكره الحديث الثاني حديث عائشة أيضا من طريق عروة عنها انها قالت كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه وهذا يفسر الذي قبله وقد ثبت هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي يلي الذي بعده الحديث الثالث حديث أبي هريرة من رواية سعيد المقبري عنه قوله لن ينجي أحدا منكم عمله في رواية أبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب ما منكم من أحد ينجيه عمله وأخرجه أبو نعيم من طريقه وتقدم في كفارة المرض من طريق أبي عبيد عن أبي هريرة بلفظ لم يدخل أحدا عمله الجنة وأخرجه مسلم أيضا وهو كلفظ عائشة في الحديث الرابع هنا ولمسلم من طريق بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ليس أحد منكم ينجيه عمله ومن طريق الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه لن ينجو أحد منكم بعمله وله من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ومعنى قوله ينجي أي يخلص والنجاة من الشئ التخلص منه قال بن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ما محصله أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالاعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الاعمال وان يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون فصرح بأن دخول الجنة أيضا وبالاعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون وليس المراد بذلك أصل الدخول ثم قال ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للاية والتقدير ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لان اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته
[ 253 ]
حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شئ من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بايجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية فذكر نحوا من كلام بن بطال الاخير وان من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعة وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله وانما هو بفضل الله وبرحمته وقال بن الجوزي يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة الاول أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الايمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله الثالث جاء في بعض الاحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالاعمال الرابع أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالانعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الاعمال وقال الكرماني الباء في قوله بما كنتم تعملون ليست للسببية بل للالصاق أو المصاحبة أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة أو للمقابلة نحو أعطيت الشاة بالدرهم وبهذا الاخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في المغني فسبق إليه فقال ترد الباء للمقابلة وهي الداخلة على الاعواض كاشتريته بألف ومنه ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وانما لم تقدر هنا للسببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لان المعطي بعوض قد يعطي مجانا بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب قال وعلى ذلك ينتفي التعارض بين الآية والحديث قلت سبقه إلى ذلك بن القيم فقال في كتاب مفتاح دار السعادة الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية فالاولى السببية الدالة على أن الاعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الاسباب لمسبباتها والثانية بالمعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة لان العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة ولا أن يكون عوضا لها لانه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرا من عمله كما في حديث أبي بن كعب الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة في ذكر القدر ففيه لو أن الله عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم الحديث قال وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا ان تكون الاعمال سببا في دخول الجنة من كل وجه والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل وأنها ثمنه وان دخولها بمحض الاعمال والحديث يبطل دعوى الطائفتين والله اعلم قلت وجوز الكرماني أيضا ان يكون المراد ان الدخول ليس بالعمل والادخال المستفاد من الارث بالعمل وهذا ان مشى في الجواب عن قوله تعالى اورثتموها بما كنتم تعملون لم يمش في قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى وانما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أي تعملونه من العمل المقبول ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للالصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات
[ 254 ]
أن دخول الجنة بسبب الاعمال والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للاعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها انما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى ورد الكرماني الاخير بأنه خلاف صريح الحديث وقال المازري ذهب أهل السنة إلى أن اثابة الله تعالى من اطاعه بفضل منه وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما الا بالسمع وله سبحانه وتعالى ان يعذب الطائع وينعم العاصي ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك وخبره صدق لا خلف فيه وهذا الحديث يقوى مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث اثبتوا بعقولهم اعواض الاعمال ولهم في ذلك خبط كثير وتفصيل طويل قوله قالوا ولا أنت يا رسول الله وقع في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم فقال رجل ولم اقف على تعيين القائل قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة الا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها الا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الاولى قلت وسبق إلى تقرير هذا المعنى الرافعي في أماليه فقال لما كان أجر النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعة أعظم وعمله في العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدره فقال لا الا برحمة الله وقد ورد جواب هذا السؤال بعينه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم من حديث جابر بلفظ لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا برحمة من الله تعالى قوله الا ان يتغمدني الله في رواية سهيل الا ان يتداركني قوله برحمة في رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الاعمش برحمة وفضل وفي رواية بشر بن سعيد منه برحمة وفي رواية بن عون بمغفرة ورحمة وقال بن عون بيده هكذا وأشار على رأسه وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني قال أبو عبيد المراد بالتغمد الستر وما أظنه الا مأخوذا من غمد السيف لانك إذا اغمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به قال الرافعي في الحديث أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لانه انما عمل بتوفيق الله وانما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته قوله سددوا في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الاخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا وقد أخرج البزار من طريق محمد بن سوقة عن بن المنكدر عن جابر ولكن صوب إرساله وله شاهد في الزهد لابن المبارك من حديث عبد الله بن عمرو موقوف ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا بتغضوا إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى والمنبت بنون ثم موحدة ثم مثناة ثقيلة أي الذي عطب مركوبه من شدة السير مأخوذ من البت وهو القطع أي صار منقطعا لم يصل إلى مقصوده وفقد مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به وقوله أو غلوا بكسر المعجمة من الوغول وهو الدخول في الشئ قوله واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة في رواية الطيالسي عن بن أبي ذئب وخطا من الدلجة
[ 255 ]
والمراد بالغدو السير من أول النهار وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار والدلجة بضم المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة فلذلك قال شيئا من الدلجة لعسر سير جميع الليل فكأن فيه إشارة إلى صيام جميع النهار وقيام بعض الليل والى أعم من ذلك من سائر أوجه العبادة وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة وهو الموافق للترجمة وعبر بما يدل على السير لان العابد كالسائر إلى محل اقامته وهو الجنة وشيئا منصوب بفعل محذوف أي افعلوا وقد تقدم بأبسط من هذا في كتاب الايمان في باب الدين يسر قوله والقصد القصد بالنصب على الاغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل ومنه قوله في حديث جابر بن سمرة عند مسلم كانت خطبته قصدا أي لا طويلة ولا قصيرة واللفظ الثاني للتأكيد ووقفت على سبب لهذا الحديث فأخرج بن ماجة من حديث جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يصلي على صخرة فأتى ناحية فمكث ثم انصرف فوجده على حاله فقام فجمع يديه ثم قال أيها الناس عليكم القصد عليكم القصد الحديث الرابع قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله هو الاويسي وسليمان هو بن بلال قوله عن موسى بن عقبة قال الاسماعيلي بعد أن أخرجه من طريق محمد بن الحسين المخزومي عن سليمان بن بلال عن عبد العزيز بن المطلب عن موسى بن عقبة لم أر في كتاب البخاري عن عبد العزيز بن المطلب بين سليمان وموسى قلت وهو المحفوظ والذي زاده غير معتمد لانه متفق على ضعفه وهو المعروف بابن زبالة بفتح الزاي وتخفيف الموحدة المدني وهذا من الامثلة لما تعقبته على بن الصلاح في جزمه بأن الزيادات التي تقع في المستخرجات يحكم بصحتها لانها خارجة مخرج الصحيح ووجه التعقب أن الذين استخرجوا لم يصرحوا بالتزام ذلك سلمنا أنهم التزموا ذلك لكن لم يفوا به وهذا من أمثلة ذلك فإن بن زبالة ليس من شرط الصحيح قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن سيأتي ما يتعلق باتصاله بعد حديثين وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله قوله وأن احب الاعمال الخ خرج هذا جواب سؤال سيأتي بيانه في الذي بعده الحديث الخامس قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة شيخه هو عمه قوله عن عائشة وقع عند النسائي من طريق بن إسحاق وهو السبيعي عن أبي سلمة عن أم سلمة فذكر معنى حديث عائشة ورواية سعد بن إبراهيم أقوى لكون أبي سلمة بلدية وقريبه بخلاف بن إسحاق في الامرين ويحتمل أن يكون عند أبي سلمة عن أمي المؤمنين لاختلاف السياقين فإن لفظه عن أم سلمة بعد زيادة في أوله وكان أحب الاعمال إليه الذي يدوم عليه العبد وان كان يسيرا وقد تقدم من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحو سياق أبي سلمة عن عائشة قوله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال احب إلى الله لم اقف على تعيين السائل عن ذلك لكن قوله قال أدومها وان قل فيه سؤال وهو أن المسئول عنه احب الاعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل فلم يتطابقا ويمكن أن يقال ان هذا السؤال وقع بعد قوله في الحديث الماضي في الصلاة وفي الحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر الخ ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولا احب إلى الله من عمل يكون أعظم اجرا لكن ليس فيه مداومة قوله وقال أي النبي صلى الله عليه وسلم هو موصول بالسند المذكور قوله اكلفوا بفتح اللام وبضمها أيضا قال بن التين هو في اللغة بالفتح
[ 256 ]
ورويناه بالضم والمراد به الابلاغ بالشئ إلى غايته يقال كلفت بالشئ إذا أولعت به ونقل بعض الشراح أنه روى بفتح الهمزة وكسر اللام من الرباعي ورد بأنه لم يسمع أكلف بالشئ قال المحب الطبري الكلف بالشئ التولع به فاستعير للعمل للالتزام والملابسة وألفه الف وصل والحكمة في ذلك أن المديم للعمل يلازم الخدمة فيكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلا ثم انقطع وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه والمراد بالعمل هنا الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات قوله ما تطيقون أي قدر طاقتكم والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة والابلاغ بها إلى حد النهاية لكن بقيد مالا تقع معه المشقة المفضية إلى السآمة والملال الحديث السادس قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو بن قيس وهو خال إبراهيم والسند كله إلى عائشة كوفيون قوله هل كان يخص شيئا من الايام أي بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره قالت لا وقد استشكل ذلك بما ثبت عنها أن أكثر صيامه كان في شعبان كما تقدم تقريره في كتاب الصيام وبأنه كان يصوم أيام البيض كما ثبت في السنن وتقدم بيانه أيضا وأجيب بأن مرادها تخصيص عبادة معينة في وقت خاص واكثاره الصيام في شعبان انما كان لانه كان يعتريه الوعك كثيرا وكان يكثر السفر في الغزو فيفطر بعض الايام التي كان يريد أن يصومها فيتفق أن لا يتمكن من قضاء ذلك الا في شعبان فيصير صيامه في شعبان بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره واما أيام البيض فلم يكن يواظب على صيامها في أيام بعينها بل كان ربما صام من أول الشهر وربما صام من وسطه وربما صام من آخره ولهذا قال أنس ما كنت تشاء أن تراه صائما من النهار الا رأيته ولا قائما من الليل الا رأيته وقد تقدم هذا كله بأبسط من هذا في كتاب الصيام أيضا قوله كان عمله ديمة بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية أي دائما والديمة في الاصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصلها الواو فانقلبت بالكسرة قبلها ياء قوله وأيكم يستطيع الخ أي في العبادة كمية كانت أو كيفية من خشوع وخضوع واخبات وإخلاص والله اعلم الحديث السابع قوله محمد بن الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما باء موحدة وبالقاف هو أبو همام الاهوازي وثقه على بن المديني والدارقطني وغيرهما وقال أبو حاتم الرازي صدوق وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد تبع فيه قوله قال أظنه عن أبي النضر هو سالم بن أبي أمية المدني التيمي وفاعل أظنه هو على بن المديني شيخ البخاري فيه وكأنه جوز أن يكون موسى بن عقبة لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة بن عبد الرحمن وأن بينهما فيه واسطة وهو أبو النضر لكن قد ظهر من وجه آخر ان لا واسطة لتصريح وهيب وهو بن خالد عن موسى بن عقبة بقوله سمعت أبا سلمة وهذا هو النكتة في إيراد الرواية المعلقة بعدها عن عفان عن وهيب وطريق عفان هذه وصلها أحمد في مسنده قال حدثنا عفان بسنده وأخرجها البيهقي في الشعب من طريق إبراهيم الحربي عن عفان وأخرج مسلم الحديث المذكور من طريق بهز بن أسد عن وهيب
[ 257 ]
قوله سددوا وأبشروا هكذا اقتصر على طرف المتن لان غرضه منه بيان اتصال السند فاكتفى وقد ساقه أحمد بتمامه عن عفان مثل رواية أبي همام سواء لكن قدم وأخر في بعض ألفاظه وكذا لمسلم في رواية بهز وزاد في آخره واعملوا أن احب العمل إلى الله أدومه وان قل ومضى لنحو هذا الحديث في كتاب اللباس سبب وهو من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه في النهار فيجلس عليه فجعل الناس يصلون عليه بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال يا أيها الناس عليكم من الاعمال بما تطيقون ووقفت له على سبب آخر وهو عند بن حبان من حديث أبي هريرة قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فأتاه جبريل فقال ان ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم فقال سددوا وقاربوا قال بن حزم في كلامه على مواضع من البخاري معنى الامر بالسداد والمقاربة أنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرا مسهلا فأمر أمته بأن يقتصدوا في الامور لان ذلك يقتضي الاستدامة عادة قوله وقال مجاهد سديدا سدادا صدقا كذا ثبت للاكثر والذي ثبت عن مجاهد عند الفريابي والطبري وغيرهما من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا قال سدادا والسداد بفتح أوله العدل المعتدل الكاف وبالكسر ما يسد الخلل والذي وقع في الرواية بالفتح وزعم مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون بن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدى عن بن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن بن أبي نجيح رواية ولا أخرجه الطبري من هذا الوجه وانما اخرج من وجه اخر عن السدى عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله قولا سديدا قال القول السديد أن يقول لمن حضره الموت قدم لنفسك واترك لولدك واخرج اثر مجاهد من رواية ورقاء عن بن أبي نجيح وأخرج أيضا من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله تعالى قولا سديدا قال عدلا يعني في منطقه وفي عمله قال والسداد الصدق وكذا أخرجه بن أبي حاتم عن قتادة ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن البصري في قوله قولا سديدا قال صدقا واخرج الطبري من طريق الكلبي مثله والذي أظنه أنه سقط من الاصل لفظه والتقدير قال مجاهد سدادا وقال غيره صدقا أو الساقط منه لفظة أي كأن المصنف أراد تفسير ما فسر به مجاهد السديد الحديث الثامن قوله فليح هو بن سليمان والاسناد لكنه مدنيون قوله صلى لنا يوما الصلاة وقع في رواية الزهري عن أنس انها الظهر قوله ثم رقى بفتح أوله وكسر القاف عن الارتقاء أي صعد وزنا ومعنى قوله من قبل أي من جهة وزنا ومعنى قوله أريت بضم الهمزة وكسر الراء وفي بعضها رأيت بفتحتين قوله ممثلتين أي مصورتين وزنا ومعنى يقال مثله إذا صوره كأنه ينظر إليه قوله في قبل بضم القاف والموحدة والمراد بالجدار جدار المسجد قوله فلم أر كاليوم في الخير والشر وقع هنا مكررا تأكيدا وقد تقدم شرح هذا اللفظ في باب وقت الظهر من أبواب المواقيت ويأتي شرح الحديث مستوفي في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى وفي الحديث إشارة إلى الحث على مداومة العمل لان من مثل الجنة والنار بين عينيه كان ذلك باعثا له على المواظبة على الطاعة والانكفاف عن المعصية وبهذا التقريب تظهر مناسبة الحديث
[ 258 ]
للترجمة قوله باب الرجاء مع الخوف أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف وفي الخوف عن الرجاء لئلا يفضي في الاول إلى المكر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما مذموم المقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو ان يمحو عنه ذنبه وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا اقلاع فهذا في غرور وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو وقد أخرج بن ماجة من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف ان لا يقبله منه وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة وقيل الاول ان يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه وأما عند الاشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى ولان المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته ويؤيده حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وسيأتي الكلام عليه في كتاب التوحيد وقال آخرون لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن ويؤيده ما اخرج الترمذي عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه وان لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود قوله وقال سفيان هو بن عيينة ما في القرآن آية أشد علي من قوله تعالى قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم وقد تقدم الكلام على هذا الاثر وبيانه والبحث فيه في تفسير المائدة ومناسبته للترجمة من جهة أن الآية تدل أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة لكن يحتمل أن يكون ذلك من الاصر الذي كان كتب على من قبل هذه الامة فيحصل الرجاء بهذه الطريق مع الخوف قوله حدثنا قتيبة هو بن سعيد وثبت كذلك لغير أبي ذر وعمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وهما مدنيان قوله ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة قال بن الجوزي رحمة الله صفة من صفات ذاته وليس هي بمعنى الرقة التي في صفات الادميين بل ضرب ذلك مثلا لما يعقل من ذكر الاجزاء ورحمة المخلوقين والمراد أنه أرحم الراحمين قلت المراد بالرحمة هنا ما يقع من صفات الفعل كما سأقرره فلا حاجة للتأويل وقد تقدم في أوائل الادب جواب آخر مع مباحث حسنة وهو في باب جعل الله الرحمة مائة جزء قوله وأرسل في خلقه كلهم كذا لهم وكذا للاسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولابي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة وذكر الكرماني أن في بعض الروايات في خلقه كله قوله فلو يعلم الكافر كذا ثبت في هذه الطريق بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لان كثرتها وسعتها تقتضي أن يطمع فيها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا وروى هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقطعه حديثين اخرجهما مسلم من طريقه فذكر حديث الرحمة بلفظ خلق الله مائة رحمة
[ 259 ]
فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة الا واحدة وذكر الحديث الآخر بلفظ لو يعلم المؤمن الخ والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الاشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لانه إذ امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى قوله بكل الذي استشكل هذا التركيب لكون كل إذا اضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الاجزاء لا لعموم الافراد والغرض من سياق الحديث تعميم الافراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الاجزاء في الاصل أو نزلت الاجزاء منزلة الافراد مبالغة قوله لم ييأس من الجنة قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء أو المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة ومطابقة الحديث للترجمة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله تعالى الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة قيل في الجملة الاولى نوع اشكال فان الجنة لم تخلق للكافر ولا طمع له فيها فغير مستبعد أن يطمع في الجنة من لا يعتقد كفر نفسه فيشكل ترتب الجواب على ما قبله وأجيب بأن هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة الله التي لو علمها الكافر الذي كتب عليه انه يختم عليه أنه لا حظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها اما بايمانه المشروط واما لقطع نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا وإذا كان ذلك حال الكافر فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه الله للايمان وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث جابر ومن حديث حذيفة وسند كل منهما ضعيف وقد تكلم الكرماني هنا على لو بما حاصله انها هنا لانتفاء الثاني وهو الرجاء لانتفاء الاول وهو العلم فأشبهت لو جئتني أكرمتك وليست لانتفاء الاول لانتفاء الثاني كما بحثه بن الحاجب في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا والعلم عند الله قال والمقصود من الحديث أن المكلف ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء حتى لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين لا يضر مع الايمان شئ ولا في الخوف بحيث لا يكون من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تتبع دين الاسلام وجد قواعده أصولا وفروعا كلها في جانب الوسط والله اعلم قوله باب الصبر عن محارم الله يدخل في هذا المواظبة على فعل الواجبات والكف عن المحرمات وذلك ينشأ عن علم العبد بقبحها وأن الله حرمها صيانة لعبده عن الرذائل فيحمل ذلك العاقل على تركها ولو لم يرد على فعلها وعيد ومنها الحياء منه والخوف منه أن يوقع وعيده فيتركها لسوء عاقبتها وأن العبد منه بمرأى ومسمع فيبعثه ذلك على الكف عما نهى عنه ومنها مراعاة النعم فإن المعصية غالبا تكون سببا لزوال النعمة ومنها محبة الله فإن المحب يصير نفسه على مراد من يحب وأحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج وقد أثنى الله على الصابرين في عدة آيات وتقدم في أوائل كتاب الايمان حديث الصبر نصف الايمان
[ 260 ]
معلقا قال الراغب الصبر الامساك في ضيق صبرت الشئ حبسته فالصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع وتختلف معانيه بتعلقاته فإن كان عن مصيبة سمي صبرا فقط وان كان في لقاء عدو سمي شجاعة وان كان عن كلام سمي كتمانا وان كان عن تعاطي ما نهى عنه سمي عفة قلت وهو المقصود هنا قوله انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب كذا للاكثر ولابي ذر وقوله تعالى وفي نسخة عز وجل ومناسبة هذه الآية للترجمة انها صدرت بقوله تعالى قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم ومن اتقى ربه كف عن المحرمات وفعل الواجبات والمراد بقوله بغير حساب المبالغة في التكثير قوله وقال عمر وجدنا خير عيشنا بالصبر كذا للاكثر وللكشميهني بحذف الموحدة وهو بالنصب على نزع الخافض والاصل في الصبر والباء بمعنى في وقد وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال قال عمر وجدنا خير عيشنا الصبر وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق أحمد كذلك وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد من وجه آخر عن مجاهد به وأخرجه الحاكم من رواية مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر والصبر ان عدي بعن كان في المعاصي وان عدي بعلي كان في الطاعات وهو في الآية والحديث وفي أثر عمر شامل للامرين والترجمة لبعض ما دل عليه الحديث وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي سعيد الخدري قوله أن اناسا من الانصار لم اقف على اسمائهم وتقدم في الزكاة من طريق مالك عن بن شهاب الاشارة إلى أن منهم أبا سعيد ووقع عند أحمد من طريق أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد ان رجلا كان ذا حاجة فقال له أهله ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فأتاه فذكر نحو المتن المذكور هنا ومن طريق عمارة بن غزبة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فأتيته فقال الحديث فعرف المراد بقوله أهله ومن طريق هلال بن حصين قال نزلت على أبي سعيد فحدث أنه أصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع فقالت له امرأته أو أمه ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه الحديث ووقع عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه وقع له نحو ما وقع لابي سعيد وأن ذلك حين افتتحت قريظة قوله ان ناسا في بعض النسخ ان أناسا والمعنى واحد قوله فلم يسأله أحد منهم كذا للكشميهني ولغيره بحذف الضمير وتقدم في الزكاة بلفظ سألوا فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد فجعل لا يسأله أحد منهم الا أعطاه قوله حتى نفد بفتح النون وكسر الفاء أي فرغ قوله فقال لهم حين نفد كل شئ أنفق بيديه يحتمل أن تكون هذه الجملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية والباء تتعلق بقوله شئ ويحتمل أن تتعلق بقوله أنفق ووقع في رواية معمر فقال لهم حين أنفق كل شئ بيده وسقطت هذه الزيادة من رواية مالك قوله ما يكون عندي من خير أي مال وما موصوله متضمنة معنى الشرط وفي رواية صوبها الدمياطي ما يكن وما حينئذ شرطية وليست الاولى خطأ قوله لا أدخره عنكم بالادغام وبغيره وفي رواية مالك فلم وعنه فلن أدخره عنكم أي اجعله دخيرة لغيركم معرضا عنكم وداله مهملة وقيل معجمة قوله وانه من يستعف كذا للاكثر بتشديد الفاء وللكشميهني يستعفف بفاءين وقوله يعفه الله بتشديد الفاء المفتوحة قوله ومن يستغن يغنه الله قدم في رواية مالك الاستغناء على التصبر ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاه الله وزاد ومن سأل وله
[ 261 ]
قيمة أوقية فقد الحف وزاد في رواية هلال ومن سألنا اما ان نبذل له واما ان نواسيه ومن يستعف أو يستغن أحب إلينا ممن يسألنا قوله ولن تعطوا عطاء في رواية مالك وما أعطى أحد عطاء وأعطى بضم أوله على البناء للمجهول قوله خيرا وأوسع من الصبر كذا بالنصب في هذه الرواية وهو متجه ووقع في رواية مالك هو خير بالرفع ولمسلم عن عطاء خير قال النووي كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير هو خير كما في رواية البخاري يعني من طريق مالك وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وان الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود وقال القرطبي معنى قوله من يستعف أي يمتنع عن السؤال وقوله يعفه الله أي انه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته وقوله ومن يستغن أي بالله عمن سواه وقوله يغنه أي فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما تقدم تقريره وقوله ومن يتصبر أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق وقوله يصبره الله أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه وقال بن الجوزي لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك وانما جعل الصبر خير العطاء لانه حبس النفس عن فعل ما تحبه والزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الآجل وقال الطيبي معنى قوله من يستعفف يعفه الله أي ان عف عن السؤال ولو لم يظهر الاستغناء عن الناس لكنه ان أعطى شيئا لم يتركه يملا الله قلبه غني بحيث لا يحتاج إلى سؤال ومن زاد على ذلك فاظهر الاستغناء فتصبر ولو أعطى لم يقبل فذاك ارفع درجة فالصبر جامع لمكارم الاخلاق وقال بن التين معنى قوله يعفه الله اما ان يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال واما ان يرزقه القناعة والله اعلم الحديث الثاني حديث المغيرة قوله حتى ترم بكسر الراء وقوله أو تنتفخ شك من الراوي وهو بمعناه وقوله فيقال له القائل له ذلك عائشة قوله أفلا أكون عبدا شكورا تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أوائل أبواب التهجد ووجه مناسبته للترجمة أن الشكر واجب وترك الواجب حرام وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر على فعل الحرام والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية قال بعض الائمة الصبر يستلزم الشكر لا يتم الا به وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الاخر فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله عليه في تلك البلية فإن لله على العبد عبودية في البلاء كما له عليه عبودية في النعماء ثم الصبر على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية فلا يرتكبها وصبر على الطاعة حتى يؤديها وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها والمرء لا بد له من واحدة من هذه الثلاث فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه والصبر سبب في حصول كل كمال والى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الاول ان الصبر إن خير ما اعطيه العبد وقال بعضهم الصبر تارة يكون لله وتارة يكون بالله فالاول الصابر لامر الله طلبا لمرضاته فيصبر على الطاعة ويصبر عن المعصية والثاني المفوض لله بأن يبرأ من الحول والقوة ويضيف ذلك إلى ربه وزاد بعضهم الصبر
[ 262 ]
على الله وهو الرضا بالمقدور فالصبر لله يتعلق بالهيته ومحبته والصبر به يتعلق بمشيئته وارادته والثالث يرجع إلى القسمين الاولين عند التحقيق فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية وهي أوامره ونواهيه والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية والله اعلم قوله باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه استعمل لفظ الآية ترجمة لتضمنها الترغيب في التوكل وكأنه أشار إلى تقييد ما أطلق في حديث الباب قبله وأن كلا من الاستغناء والتصبر والتعفف إذا كان مقرونا بالتوكل على الله فهو الذي ينفع وينجع وأصل التوكل الوكول يقال وكلت أمري إلى فلان أي الجأته إليه واعتمدت فيه عليه ووكل فلان فلانا استكفاه امره ثقة بكفايته والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية وما من دابة في الارض الا على الله رزقها وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لان ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر انها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكان الصحابة يتجرون ويعملون في تخيلهم والقدوة بهم انتهى والحديث الاول سبق الكلام عليه في الجهاد والثاني أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه قوله وقال الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر قوله من كل ما ضاق على الناس وصله الطبراني وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية قال من كل شئ ضاق على الناس والربيع المذكور من كبار التابعين صحب بن مسعود وكان يقول له لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحبك أورد ذلك أحمد في الزهد بسند جيد وحديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما والربيع بن منذر لم يخرجوا عنه لكن ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وذكره بن حبان في الثقات وأبوه متفق على توثيقه والتخريج عنه قوله حدثني إسحاق هو بن منصور كما أوضحته في المقدمة وغلط من قال انه بن إبراهيم وسيأتي شرح الحديث مستوفي في باب يدخل الجنة سبعون ألفا بعد ثمانية وعشرين بابا ان شاء الله تعالى قوله باب ما يكره من قيل وقال ذكر فيه حديث المغيرة بن شعبة في ذلك قال أبو عبيد جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الاكثار بما لا فائدة فيه من الكلام وهذا على أن الرواية فيه بالتنوين وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال وفي حرف بن مسعود ذلك عيسى بن مريم قال الحق بضم اللام وقال بن دقيق العيد الاشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى لان القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الاخر كبير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقال المحب الطبري إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ قلت وفي الترجمة إشارة إلى أن جميع ذلك لا يكره لان من عمومه ما يكون في الخبر المحض فلا يكره والله اعلم وذهب بعضهم إلى أن المراد حكاية أقاويل الناس والبحث عنها كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء
[ 263 ]
اقوالا كثيرة ثم يعمل بأحدها بغير مرجح أو يطلقها من غير تثبت ولا احتياط لبيان الراجح والنهي عن كثرة السؤال يتناول الالحاف في الطلب والسؤال عما لا يعني السائل وقيل المراد بالنهي المسائل التي نزل فيها لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وقيل يتناول الاكثار من تفريع المسائل ونقل عن مالك أنه قال والله انى لاخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع المسائل ومن ثم كره جماعة من السلف السؤال عما لم يقع لما يتضمن من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة وقد تقدم كثير من هذه المباحث عند شرح الحديث في كتاب الصلاة وان المراد بالنهي عن كثرة السؤال في المال ورجحه بعضهم لمناسبته لقوله واضاعة المال وتقدم شئ من هذا في كتاب الزكاة وأما من فسره بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم وما في أيديهم أو عن أحداث الزمان ومالا يعني السائل فإنه بعيد لانه داخل في قوله نهى عن قيل وقال والله اعلم قوله حدثنا علي بن مسلم كذا للاكثر ووقع للكشميهني وحده وقال علي بن مسلم وجزم أبو نعيم في المستخرج بما عليه الجمهور قوله أنبأنا غير واحد منهم مغيرة هو بن مقسم الضبي وفلان ورجل ثالث المراد بفلان مجالد بن سعيد فقد أخرجه بن خزيمة في صحيحه عن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا حدثنا هشيم أنبأنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خيثمة عن هشيم وكذا أخرجه أحمد عن هشيم وأخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي لكن قال في روايته عن غير واحد منهم مغيرة ولم يسم مجالدا وأخرجه أيضا عن الحسن بن إسماعيل عن هشيم أنبأنا مغيرة وذكر آخر ولم يسمه وكأنه مجالد وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي ولم يذكر مع مغيرة أحدا وأما الرجل الثالث فيحتمل أنه داود بن أبي هند فقد أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن أبي بكير الكرماني عن هشيم قال أنبأنا داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي به ويحتمل أن يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي عن هشيم عن مغيرة وزكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الشعبي والحسن المذكور ثقة من شيوخ أبي داود تكلم فيه عبدان بما لا يقدح فيه وقال بن عدي لم أر له حديثا منكرا قوله فكتب إليه المغيرة ظاهره أن المغيرة باشر الكتابة وليس كذلك فقد أخرجه بن حبان من طريق عاصم الاحول عن الشعبي ان معاوية كتب إلى المغيرة اكتب الي بحديث سمعته فدعا غلامه ورادا فقال اكتب فذكره وقوله لا إله إلا الله إلى قوله وهو على كل شئ قدير زاد في نسخة الصغاني هنا ثلاث مرات وأخرجه الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن وراد كتب معاوية إلى المغيرة اكتب الي بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتبت إليه بخطي ولم أقف على تسمية من كتب لمعاوية صريحا الا ان المغيرة كان معاوية أمره على الكوفة في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة خمسين أو في التي بعدها وكان كاتب معاوية إذ ذاك عبيد بن أوس الغساني وفي الحديث حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة واعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره ان يوصل الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة وتعقب بأن هذا يحتاج إلى نقل وعلى تقدير وجوده فتكون الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل إليه فتجئ فيه مسألة التعديل
[ 264 ]
على الابهام والمرجح عدم الاعتداد به قوله وعن هشيم أنبأنا عبد الملك بن عمير هو موصول بالطريق التي قبله وقد وصله الاسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا حدثنا هشيم عن عبد الملك به قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا أطلق وظاهره أن الرواى كالتي قبلها وهو كذلك عند الاسماعيلي وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي الربيع الزهراني عن هشيم فقال في سياقه كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب الي بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قوله باب حفظ اللسان أي عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة للمتكلم به وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي جحيفة رفعه أحب الاعمال إلى الله حفظ اللسان قوله ومن كان يؤمن بالله الخ وقع عند أبي ذر وقول النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان يؤمن بالله الخ وقد أورده موصولا في الباب بلفظه قوله وقول الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد كذا لابي ذر وللاكثر وقوله ما يلفظ الخ ولابن بطال وقد أنزل الله تعالى ما يلفظ الآية وقد تقدم ما يتعلق بتفسيرها في تفسير سورة ق وقال بن بطال جاء عن الحسن انهما يكتبان كل شئ وعن عكرمة يكتبان الخير والشر فقط ويقوي الاول تفسير أبي صالح في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت قال تكتب الملائكة كل ما يتلفظ به الانسان ثم يبت الله من ذلك ماله وما عليه ويمحو ما عدا ذلك قلت هذا لو ثبت كان نصا في ذلك ولكنه من رواية الكلبي وهو ضعيف جدا والرقيب هو الحافظ والعتيد هو الحاضر وورد في فضل الصمت عدة أحاديث منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي قال هذا وأخذ بلسانه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وتقدم في الايمان حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ولاحمد وصححه بن حبان من حديث البراء وكف لسانك الا من خير وعن عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك الحديث أخرجه الترمذي وحسنة وفي حديث معاذ مرفوعا ألا أخبرك بملاك الامر كله كف هذا وأشار إلى لسانه قلت يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به قال وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد ألسنتهم أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة كلهم من طريق أبي وائل عن معاذ مطولا وأخرجه أحمد أيضا من وجه أخر عن معاذ وزاد الطبراني في رواية مختصرة ثم انك لن تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب عليك أو لك وفي حديث أبي ذر مرفوعا عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان أخرجه أحمد والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وعن بن عمر رفعه من صمت نجا أخرجه الترمذي ورواته ثقات وعن أبي هريرة رفعه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وحسنه وذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الاول قوله حدثني كذا لابي ذر وللباقين حدثنا وكذا للجميع في هذا السند بعينه في المحاربين وعمر بن علي المقدمي بفتح القاف وتشديد الدال هو عم محمد بن أبي بكر الراوي عنه وقد تقدم أن عمر مدلس لكنه صرح هنا بالسماع قوله عن سهل بن سعد هو الساعدي قوله من يضمن بفتح أوله وسكون الضاد المعجمة والجزم من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه وهو أداء الحق الذي عليه فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن
[ 265 ]
الحرام وسيأتي في المحاربين عن خليفة بن خياط عن عمر بن علي بلفظ من توكل وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الاعلى عن عمر بن علي بلفظ من تكفل وأخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وعمر بن علي هو الفلاس وغيرهما قالوا حدثنا عمر بن علي بلفظ من حفظ عند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي موسى بسند حسن وعند الطبراني من حديث أبي رافع بسند جيد لكن قال فقميه بدل لحييه وهو بمعناه والفقم بفتح الفاء وسكون القاف قوله لحييه بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم والمراد بما بينهما اللسان وما يتأتى به النطق وبما بين الرجلين الفرج وقال الداودي المراد بما بين اللحيين الفم قال فيتناول الاقوال والاكل والشرب وسائر ما يتأتى بالفم من الفعل قال ومن تحفظ من ذلك أمن من الشر كله لانه لم يبق الا السم والبصر كذا قال وخفي عليه أنه بقي البطش باليدين وانما محمل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب فإذا لم ينطق به الا في خير سلم وقال بن بطال دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه فمن وقي شرهما وقى أعظم الشر قوله أضمن له بالجزم جواب الشرط وفي رواية خليفة توكلت له بالجنة ووقع في رواية الحسن تكفلت له قال الترمذي حديث سهل بن سعد حسن صحيح وأشار إلى أن أبا حازم تفرد به عن سهل فأخرجه من طريق محمد بن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة وحسنه ونبه على أن أبا حازم الراوي عن سهل غير أبي حازم الراوي عن أبي هريرة قلت وهما مدنيان تابعيان لكن الراوي عن أبي هريرة اسمه سلمان وهو أكبر من الراوي عن سهل واسمه سلمة ولهذا اللفظ شاهد من مرسل عطاء بن يسار في الموطأ الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم شرحه في أوائل كتاب الادب وفيه الحث على اكرام الضيف ومنع أذى الجار وفيه من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت الحديث الثالث حديث أبي شريح وقد تقدم شرحه أيضا هناك وفيه فليقل خيرا أو ليسكت وفيه إكرام الضيف أيضا وتوقيت الضيافة بثلاثة أيام وقوله الضيافة ثلاثة أيام جائزته قيل وما جائزته قال يوم وليلة وقد تقدم في الادب بلفظ فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته قال يوم وليلة وليلة وعلى ما هنا فالمعنى اعطوه جائزته فان الرواية بالنصب وان جاءت بالرفع فالمعنى تتوجه عليكم جائزته وقد تقدم بيان الاختلاف في توجيهه ووقع قوله يوم وليلة خبرا عن الجائز وفيه حذف تقديره زمان جائزته أو تضييف يوم وليلة الحديث الرابع أورده من طريقين قوله حدثنا كذا لابي ذر ولغيره حدثني بالافراد في الموضعين قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز بن دينار ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه ان عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثاه عن يزيد فيحتمل أن يكون إبراهيم لما حدث به البخاري اقتصر على بن أبي حازم ويحتمل ان يكون حدث عنهما فحذف البخاري ذكر عبد العزيز الدراوردي وعلى الاول لا اشكال وعلى الثاني يتوقف الجواز على أن اللفظ للاثنين سواء وان المذكور ليس هو لفظ المحذوف أو أن المعنى عليهما متحد تفريعا على جواز الرواية بالمعنى ويؤيد الاحتمال الاول أن البخاري اخرج بهذا الاسناد بعينه إلى محمد بن إبراهيم حديثا
[ 266 ]
جمع فيه بين بن أبي حازم والدراوردي وهو في باب فضل الصلاة في أوائل كتاب الصلاة قوله عن يزيد هو بن عبد الله المعروف بابن الهاد ووقع منسوبا في رواية إسماعيل المذكورة ومحمد بن إبراهيم هو التيمي ورجال هذا الاسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وعيسى بن طلحة هو بن عبيد الله التيمي وثبت كذلك في رواية أبي ذر وطلحة هو أحد العشرة قوله ان العبد ليتكلم كذا للاكثر ولابي ذر يتكلم بحذف اللام قوله بالكلمة أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة فلان قوله ما يتبين فيها أي لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره ولا يتأملها حتى يتثبت فيها فلا يقولها الا ان ظهرت المصلحة في القول وقال بعض الشراح المعنى أنه لا يبينها بعبارة واضحة وهذا يلزم منه أن يكون بين وتبين بمعنى واحد ووقع في رواية الدراوردي عن يزيد بن الهاد عند مسلم ما يتبين ما فيها وهذه أوضح وما الاولى نافية وما الثانية موصولة أو موصوفة ووقع في رواية الكشميهني ما يتقي بها ومعناها يؤل لما تقدم قوله يزل بها بفتح أوله وكسر الزاي بعدها لام أي يسقط قوله أبعد ما بين المشرق كذا في جميع النسخ التي وقعت لنا في البخاري وكذا في رواية إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم وأخرجه مسلم والاسماعيلي من رواية بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد بلفظ أبعد ما بين المشرق والمغرب وكذا وقع عند بن بطال وشرحه الكرماني على ما وقع عند البخاري فقال قوله ما بين المشرق لفظ بين يقتضي دخوله على المتعدد والمشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد كبير ويحتمل أن يكون اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر مثل سرابيل تقيكم الحر قال وقد ثبت في بعضها بلفظ بين المشرق والمغرب قال بن عبد البر الكلمة التي يهوى صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر وزاد بن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببا لهلاكه وان لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت إلى ذلك فيكتب على القائل اثمها والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها مظلوما وقال غيره في الاولى هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال بن التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن بن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء 0 والفحش ما لم يرد بذلك الجحد لامر الله في الدين وقال القاضي عياض يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث وان تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وان لم يعتقد ذلك وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها قال فيحرم على الانسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه قلت وهذا الذي يجرى على قاعدة مقدمة الواجب وقال النووي في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فان ظهرت فيه مصلحة تكلم والا امسك قلت وهو صريح الحديث الثاني والثالث تنبيه وقع في رواية أبي ذر تأخير طريق عيسى بن طلحة عن الطريق الاخرى ولغيره بالعكس وسقط طريق عيسى بن طلحة عند النسفي أصلا والله أعلم قوله في الطريق الثانية سمع أبا النضر هو هاشم بن القاسم والتقدير أنه سمع ويحذف لفظ أنه في الكتابة غالبا قوله عن أبي صالح هو ذكوان وفي
[ 267 ]
الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق قوله لا يلقي لها بالا بالقاف في جميع الروايات أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن انها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ان أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وقال في السخط مثل ذلك قوله يرفع الله بها درجات كذا في رواية المستملي والسرخسي وللنسفي والاكثر يرفع الله له بها درجات وفي رواية الكشميهني يرفعه الله بها درجات قوله يهوي بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الواو قال عياض المعنى ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ ينزل بها في النار لان دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ لا يرى بها بأسا يهوى بها في النار سبعين خريفا قوله باب البكاء من خشية الله عزوجل ذكر فيه طرفا من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ولفظه رجل ذكر الله ففاضت عيناه كذا اقتصر عليه وتقدم بتمامه في أبواب المساجد مع شرحه وفيه ذكر الله خاليا وورد هنا بدونها وثبتت في رواية بن خزيمة عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه أخرجه الاسماعيلي عنه مختصرا كما هنا ويحيى هو بن سعيد القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وخبيب بمعجمة وموحدتين مصغر ووقع هنا في ظله وبينت هناك من رواه بلفظ في ظل عرشه وظل كل شئ بحسبه ويطلق أيضا بمعنى النعيم ومنه أكلها دائم وظلها وبمعنى الجانب ومنه يسير الراكب في ظلها مائة عام وبمعنى الستر والكنف والخاصة ومنه أنا في ظلك وبمعنى العز ومنه أسبغ الله ظلك وقد ورد في البكاء من خشية الله على وفق لفظ الترجمة حديث أبي ريحانة رفعه حرمت النار على عين بكت من خشية الله الحديث أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وللترمذي نحوه عن بن عباس ولفظه لا تمسها النار وقال حسن غريب وعن أنس نحوه عن أبي يعلى وعن أبي هريرة بلفظ لا يلج النار رجل بكى من خشية الله الحديث وصححه الترمذي والحاكم الرب عز وجل قوله باب الخوف من الله عزوجل هو من المقامات العلية وهو من لوازم الايمان قال الله تعالى وخافون ان كنتم مؤمنين وقال تعالى فلا تخشوا الناس واخشون وقال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وتقدم حديث أنا اعلمكم بالله وأشدكم له خشية وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله يخافون ربهم من فوقهم والانبياء بقوله الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله وانما كان خوف المقربين أشد لانهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة ولان الواجب لله منه الشكر على المنزلة فيضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة فالعبد ان كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى يحول بين المرء وقلبه أو نقصان الدرجة بالنسبة وان كان مائلا فخوفه من سوء فعله وينفعه ذلك مع الندم والاقلاع فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد عليها وان يحرم التوبة أو لا يكون ممن شاء الله أن يغفر له فهو مشفق من ذنبه طالب من ربه أن يدخله فيمن يغفر له ويدخل في هذا الباب الحديث الذي قبله وفيه أيضا ورجل دعته امرأة ذات جمال ومال فقال اني أخاف الله وحديث الثلاثة أصحاب الغار فإن أحدهم الذي عف عن المرأة
[ 268 ]
خوفا من الله وترك لها المال الذي أعطاها وقد تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل من أحاديث الانبياء وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قصة الكفل وكان من بني إسرائيل وفيه أيضا انه عف عن المرأة وترك المال الذي أعطاها خوفا من الله ثم ذكر قصة الذي أوصى بأن يحرق بعد موته من حديث حذيفة وأبي سعيد وقد تقدم شرحه في ذكر بني إسرائيل أيضا قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وربعي هو بن حراش بالحاء المهملة وآخره شين معجمة والسند كله كوفيون قوله عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في ذكر بني إسرائيل تصريح حذيفة بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في صحيح أبي عوانة من طريق والان العبدي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر هذه القصة بعد ذكر حديث الشفاعة بطوله وذكر فيه أن الرجل المذكور آخر أهل النار خروجا منها وسيأتي التنبيه عليه في الشفاعة ان شاء الله تعالى ويتبين شذوذ هذه الرواية من حيث المتن كما ظهر شذوذها من حيث السند قوله كان رجل ممن كان قبلكم تقدم أنه من بني إسرائيل ومن ثم أورده المصنف هناك قوله يسئ الظن بعمله تقدم هناك أنه كان نباشا قوله فذروني قدمت هناك فيه ثلاث روايات بالتخفيف بمعنى الترك والتشديد بمعنى التفريق وهو ثلاثي مضاعف تقول ذررت الملح أذره ومنه الذريرة نوع من الطيب قال بن التين ويحتمل أن يكون بفتح أوله وكذا قرأناه ورويناه بضمها وعلى الاول هو من الذر وعلى الثاني من التذرية وبهمزة قطع وسكون المعجمة من أذرت العين دمعها وأذريت الرجل عن الفرس وبالوصل من ذروت الشئ ومنه تذروه الرياح قوله في البحر سيأتي نظيره في حديث سلمان وفي حديث أبي سعيد في الريح ووقع في حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد وأذروا نصفه في البر ونصفه في البحر قوله في يوم صائف تقدم في رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي بلفظ فذورني في اليم في يوم حاز بحاء مهملة وزاي ثقيلة كذا للمروزي والاصيلي ولابي ذر عن المستملي والسرخسي وكريمة عن الكشميهني بالراء المهملة وهو المناسب لرواية الباب ووجهت الاولى بأن المعنى أنه يجز البدن لشدة حره ووقع في حديث أبي سعيد الذي بعده حتى إذا كان ريح عاصف وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي أي حان ريحه قال بن فارس الحون ريح تحن كحنين الابل قوله في الحديث عن أبي سعيد تقدم القول في تابعيه وموسى هو بن إسماعيل التبوذكي ومعتمر هو بن سليمان التيمي والسند كله بصريون قوله فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم شك من الرواي عن قتادة وتقدم في رواية أبي عوانة عن قتادة بلفظ ان رجلا كان قبلكم قوله آتاه الله مالا وولدا يعني أعطاه كذا للاكثر وهو تفسير للفظ آتاه وهي بالمد بمعنى العطاء وبالقصر بمعنى المجئ ووقع في رواية الكشميهني هنا مالا ولا معنى لاعادتها بمفردها قوله فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر كذا وقع هنا يبتئر بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها تحتانية مهموزة ثم رواية مهملة وتفسير قتادة صحيح وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة قال أهل اللغة بأرت الشئ وابتأرته أبأره وأبتئره إذا خبأته ووقع في رواي بن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة على الموحدة حكاه عياض وهما صحيحان بمعنى والاول أشهر ومعناه لم يقدم خيرا كما جاء مفسرا في الحديث يقال بأرت الشئ وابتأرته وائبترته إذا ادخرته ومنه قيل للحفرة البئر ووقع في التوحيد وفي رواية أبي زيد المروزي فيما اقتصر عليه
[ 269 ]
عياض وقد ثبت عندنا كذلك في رواية أبي ذر لم يبتئر أو لم يبتئز بالشك في الزاي أو الراء وفي رواية الجرجاني بنون بدل الموحدة والزاي قال وكلاهما غير صحيح وفي بعض الروايات في غير البخاري ينتهز بالهاء بدل الهمزة وبالزاي ويمتئر بالميم بدل الموحدة وبالراء أيضا قال وكلاهما صحيح أيضا كالاولين قوله وان يقدم على الله يعذبه كذا هنا بفتح الدال وسكون القاف من القدوم وهو بالجزم على الشرطية وكذا يعذبه بالجزم على الجزاء والمعنى ان بعث يوم القيامة على هيئته يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء والريح لعله يخفى ووقع في حديث حذيفة عند الاسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب فإنه أن يقدر علي ربي لا يغفر لي وكذا في حديث أبي هريرة لئن قدر الله علي وتقدم توجيهه مستوفى في ذكر بني إسرائيل ومن اللطائف أن من جملة الاجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه أن الرجل قال ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجزع فيعذر في ذلك وهو نظير الخبر المروي في قصة الذي يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال ان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول للفرح الذي دخله أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح قلت وتمام هذا أن أبا عوانة اخرج في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق أن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فعلى هذا يكون وقع له من الخطأ بعد دخول الجنة نظير ما وقع له من الخطأ عند حضور الموت لكن أحدهما من غلبة الخوف والآخر من غلبة الفرح قلت والمحفوظ ان الذي قال أنت عبدي هو الذي وجد راحلته بعد أن ضلت وقد نبهت عليه فيما مضى قوله فأحرقوني في حديث حذيفة هناك فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي قوله فاسحقوني أو قال فاسهكوني هو شك من الراوي ووقع في رواية أبي عوانة اسحقوني بغير شك والسهك بمعنى السحق ويقال هو دونه ووقع في حديث حذيفة عند الاسماعيلي احرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني قوله ثم إذا كان في رواية الكشميهني حتى إذا كان قوله فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي هو من القسم المحذوف جوابه ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه أي قال لمن أوصاه قل وربي لافعلن ذلك ويؤيده ان عند مسلم فأخذ منهم يمينا لكن يؤيد الاول أنه وقع في رواية مسلم أيضا ففعلوا به ذلك وربى فتعين أنه قسم من المخبر وزعم بعضهم أن الذي في البخاري هو الصواب ولا يخفى أن الذي عند مسلم لعله أصوب ووقع في بعض النسخ من مسلم وذري بضم المعجمة وتشديد الراء المكسورة بدل وربي أي فعلوا ما أمرهم به من التذرية قال عياض ان كانت محفوظه فهي الوجه ولعل الذال سقطت لبعض النساخ ثم صحفت اللفظة كذا قال ولا يخفى أن الاول أوجه لانه يلزم من تصويب هذه الرواية تخطئه الحفاظ بغير دليل ولان غايتها أن تكون تفسيرا أو تأكيدا لقوله ففعلوا به ذلك بخلاف قوله وربي فإنها تزيد معنى آخر غير قوله وذري وأبعد الكرماتي فجوز أن يكون قوله في رواية البخاري وربي بصيغة الماضي من التربية أي ربي أخذ المواثيق بالتأكيدات والمبالغات قال لكنه موقوف على الرواية قوله فقال الله كن في رواية أبي عوانة وكذا في حديث حذيفة الذي قبله فجمعه الله وفي حديث أبي هريرة فأمر الله الارض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت قوله فإذا رجل قائم قال بن مالك جاز وقوع المبتدأ نكرة محضة بعد إذا المفاجأة لانها من القرائن التي تحصل بها الفائدة كقولك
[ 270 ]
خرجت فإذا سبع قوله مخافتك أو فرق منك بفتح الفاء والراء وهو شك من الراوي وفي رواية أبي عوانة مخافتك بغير شك وتقدم بلفظ خشيتك في حديث حذيفة وبيان الاختلاف فيه فيما مضى وهو بالرفع ووقع في حديث حذيفة من خشيتك ولبعضهم خشيتك بغير من وهي بفتح التاء وجوزوا الكسر على تقدير حذفها وابقاء عملها قوله فما تلافاه أن رحمه أي تداركه وما موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة أو الضمير في تلافاه لعمل الرجل وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه اللفظة هناك وفي حديث حذيفة فغفر له وكذا في حديث أبي هريرة قالت المعتزلة غفر له لانه تاب عند موته وندم على فعله وقالت المرجئة غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية وتعقب الاول بأنه لم يرد أنه رد المظلمة فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة لانها لا تتم الا بأخذ المظلوم حقه من الظالم وقد ثبت أنه كان نباشا وتعقب الثاني بأنه وقع في حديث أبي بكر الصديق المشار إليه أولا أنه عذب فعلى هذا فتحمل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك الخلود في النار وبهذا يرد على الطائفتين معا على المرجئة في أصل دخول النار وعلى المعتزلة في دعوى الخلود فيها وفيه أيضا رد على من زعم من المعتزلة أنه بذلك الكلام تاب فوجب على الله قبول توبته قال بن أبي جمرة كان الرجل مؤمنا لانه قد أيقن بالحساب وأن السيآت يعاقب عليها وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة قال وفي الحديث جواز تسمية الشئ بما قرب منه لانه قال حضره الموت وانما الذي حضره في تلك الحالة علاماته وفيه فضل الامة المحمدية لما خفف عنهم من وضع مثل هذه الآصار ومن عليهم بالحنيفية السمحة وفيه عظم قدره الله تعالى ان جمع جسد المذكور بعد ان تفرق ذلك التفريق الشديد قلت وقد تقدم أن ذلك أخبار عما يكون يوم القيامة وتقرير ذلك مستوفي قوله قال فحدثت أبا عثمان القائل هو سليمان التيمي والد معتمر وأبو عثمان هو النهدي عبد الرحمن بن مل وقوله سمعت سلمان غير أنه زاد حذف المسموع الي استثنى منه ما ذكروا لتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث غير أنه زاد قوله أو كما حدث شك من الراوي يشير إلى أنه بمعنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله وقد أخرج الاسماعيلي حديث سلمان من طريق صالح بن حاتم بن وردان وحميد بن مسعدة قالا حدثنا معتمر سمعت أبي سمعت أبا عثمان سمعت هذا من سلمان فذكره قوله وقال معاذ الخ وصله مسلم وقد مضى التنبيه عليه أيضا هناك قوله باب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا ورأسا والاعراض عنها بعد الوقوع فيها ذكر فيه ثلاثة أحاديث الاول قوله بريد بموحدة وراء مهملة مصغر قوله مثلي بفتح الميم والمثلثة والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لارادة التقريب والتفهيم قوله ما بعثني الله العائد محذوف والتقدير بعثني الله به اليكم قوله أتى قوما التنكير فيه للشيوع قوله رأيت الجيش بالجيم والشين المعجمة واللام فيه للعهد قوله بعيني بالافراد وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد قيل ذكر العينين ارشادا إلى أنه تحقق عنده جميع ما أخبر عنه تحقق من رأى شيئا بعينه لا يعتريه وهم ولا يخالطه شك قوله وانى أنا النذير العريان قال بن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقيق الخبر
[ 271 ]
قلت وسبق إلى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره وسمى الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري وان المرأة كانت من بني كنانة وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث لانه ليس فيها أنه كان عريانا وزعم بن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود وكان جار المنذر خشيت على قومها فركبت جملا ولحقت بهم وقالت أنا النذير العريان ويقال أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة ورجع إلى اليمن وقد سقط لحمه وذكر أبو بشر الآمدي أن زنبرا بزاي ونون ساكنة ثم موحدة بن عمرو الخثعمي كان ناكحا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة نفر فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه وقال غيره الاصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال اني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانا فتحققوا صدقه لانهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصحية ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقة لهذه القرائن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك لما ابداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبا لافهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه قلت ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الامثال وهو عند أحمد أيضا سند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث وهذا كله يدل على أن العريان من التعري وهو المعروف في الرواية وحكى الخطابي أن محمد بن خالد رواه بالموحدة قال فإن كان محفوظا فمعناه الفصيح بالانذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عريان أي فصيح اللسان قوله فالنجاء النجاء بالمد فيهما وبمد الاولى وقصر الثانية وبالقصر فيهما تخفيفا وهو منصوب على الاغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش قال الطيبي في كلامه أنواع من التأكيدات أحدهما بعيني ثانيها قوله واني أنا ثالثها قوله العريان لانه الغاية في قرب العدو ولانه الذي يختص في انذاره بالصدق قوله فأطاعه طائفة كذا فيه بالتذكير لان المراد بعض القوم قوله فأدلجوا بهمزة قطع ثم سكون أي ساروا أول الليل أو ساروا الليل كله على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة واما بالوصل والتشديد على أن المراد به سير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام قوله على مهلهم بفتحتين والمراد به الهينة والسكون وبفتح أوله وسكون ثانية الامهال وليس مرادا هنا وفي رواية مسلم على مهلتهم بزيادة تاء تأنيث وضبطه النووي بضم الميم وسكون الهاء وفتح اللام قوله وكذبته طائفة قال الطيبي عبر في الفرقة الاولى بالطاعة وفي الثانية بالتكذيب ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان قوله فصبحهم الجيش أي أتاهم صباحا هذا أصله ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم حاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشئ أجرحه إذا استأصلته والاسم الجائحة وهي الهلاك وأطلقت على الآفة لانها مهلكة قال الطيبي شبه صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل وانذاره بالعذاب القريب بانذار الرجل قومه الجيش
[ 272 ]
المصبح وشبه من اطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في انذراه ومن صدقه الحديث الثاني حديث أبي هريرة جزم المزي في الاطراف بأالبخاري ذكره في أحاديث الانبياء ولم يذكر أنه أورده في الرقاق فوجدته في أحاديث الانبياء في ترجمة سليمان عليه السلام لكنه لم يذكر الا طرفا منه ولم استحضره إذ ذاك في الرقاق فشرحته هناك ثم ظفرت به هنا فأذكر الآن من شرحه ما لم يتقدم قوله استوقد بمعنى أوقد وهو أبلغ والاضاءة فرط الانارة قوله فلما اضاءت ما حوله اختصرها المؤلف هناك ونسبتها انا لتخريج أحمد ومسلم من طريق همام وهي في رواية شعيب كما ترى وكأنه تبرك بلفظ الآية ووقع في رواية مسلم ما حولها والضمير للنار والاول الذي أوقد النار وحول الشئ جانبه الذي يمكن أن ينتقل إليه وسمى بذلك إشارة إلى الدوران ومنه قيل للعام حول قوله الفراش جزم المازري بأنها الجنادب وتعقبه عياض فقال الجندب هو الصرار قلت والحق ان الفراش اسم لنوع من الطير مستقل له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته وعطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب والجراد وأغرب بن قتيبة فقال الفراش ما تهافت في النار من البعوض ومقتضاه أن بعض البعوض هو الذي يقع في النار ويسمى حينئذ الفراش وقال الخليل الفراش كالبعوض وإنما شبهه به لكونه يلقى نفسه في النار لا أنه يشارك البعوض في القرص قوله وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها القول فيه كالقول في الذي قبله اختصره هناك فنسبته لتخريج أبي نعيم وهو في رواية شعيب كما ترى ويدخل فيما يقع في النار البعوض والبرغش ووقع في كلام بعض الشراح البق والمراد به البعوض قوله فجعل في رواية الكشميهني وجعل ومن هذه الكلمة إلى آخر الحديث لم يذكره المصنف هناك قوله فجعل الرجل يزعهن بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن وفي رواية ينزعهن بزيادة نون وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها قوله فيقتحمن فيها أي يدخلن وأصله القحم وهو الاقدام والوقوع في الامور الشاقة من غير تثبت ويطلق على رمى الشئ بغته واقتحم الدار هجم عليها قوله فأنا آخذ قال النووي روى باسم الفاعل ويروي بصيغة المضارعة من المتكلم قلت هذا في رواية مسلم والاول هو الذي وقع في البخاري وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس الخ اتى بما هو أهم وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس إلى الخطاب في قوله بحجزكم كما أن من أخذ في حديث من له بشأنه عناية وهو مشتغل في شئ يورطه في الهلاك يجد لشدة حرصه على نجاته أنه حاضر عنده وفيه إشارة إلى ان الانسان إلى النذير أحوج منه إلى البشير لان جبلته مائلة إلى الحظ العاجل دون الحظ الاجل وفي الحديث ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة والحرص على نجاة الامة كما قال تعالى حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم قوله بحجزكم بضم المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزه وهي معقد الازار ومن السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع قوله عن النار وضع المسبب موضع السبب لان المراد أنه يمنعهم من الوقوع في المعاصي التي تكون سببا لولوج النار قوله وأنتم في رواية الكشميهني وهم وعليها شرح الكرماني فقال كان القياس ان يقول وأنتم ولكنه قال وهم وفيه التفات وفيه إشارة إلى أن من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجزته لا اقتحام
[ 273 ]
له فيها قال وفيه أيضا احتراز عن مواجهتهم بذلك قلت والرواية بلفظ وأنتم ثابتة تدفع هذا ووقع في رواية مسلم وأنتم تفلتون بفتح أوله والفاء واللام الثقيلة وأصله تتفلتون وبضم أوله وسكون الفاء وفتح اللام ضبطوه بالوجهين وكلاهما صحيح تقول تفلت مني وأفلت مني لمن كان بيدك فعالج الهرب منك حتى هرب وقد تقدم بيان هذا التمثيل وحاصله أنه شبه تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببا في الوقوع في النار بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتباعا لشهواتها وشبه ذبه العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وانذرهم بذب صاحب النار الفراش عنها وقال عياض شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا قوله تقحمون فيها في رواية همام عند مسلم فيغلبوني النون مثقلة لان أصله فيغلبونني والفاء سببية والتقدير أنا آخذ بحجزكم لاخلصكم من النار فجعلتم الغلبة مسببة عن الاخذ قوله تقحمون بفتح المثناة والقاف والمهملة المشددة والاصل تقتحمون فحذفت إحدى التاءين قال الطيبي تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وذلك أن حدود الله محارمه ونواهيه كما في الحديث الصحيح ألا ان حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبة صلى الله عليه وسلم إظهار تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستنقاذ الرجال من النار وشبه فشو ذلك في مشارق الارض ومغاربها باضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي تقتحمن في النار وتغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببا لهلالكها فكذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الامة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لترديهم وفي قوله آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الامة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجزة صاحبه الذي يكاد يهوي في مهواة مهلكة الحديث الثالث قوله زكريا هو بن أبي زائدة وعامر هو الشعبي قوله المسلم تقدم شرحه في أوائل كتاب الايمان قوله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه قيل خص المهاجر بالذكر تطييبا لقلب من لم يهاجر من المسلمين لفوات ذلك بفتح مكة فأعلمهم أن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل ويحتمل أن يكون ذلك تنبيها للمهاجرين أن لا يتكلموا على الهجرة فيقصروا في العمل وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم والله اعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو تعملون ما أعلم الخ ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ الترجمة وقوله عن سعيد بن المسيب في رواية حجاج بن محمد عن الليث بسنده أخبرني سعيد وحديث أنس كذلك وهو طرف من حديث تقدم في تفسير المائدة ويأتي شرحه في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه والاهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة والمراد به التخويف وقد جاء لهذا الحديث سبب أخرجه سنيد في تفسيره بسند واه والطبراني عن بن عمر خرج رسول الله صلى الله
[ 274 ]
عليه وسلم إلى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال والذي نفسي بيده فذكر هذا الحديث وعن الحسن البصري من علم أن الموت مورده والقيامة موعده والوقوف بين يد ي الله تعالى مشهده فحقه أن يطول في الدنيا حزنه قال الكرماني في هذا الحديث من صناعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما قوله باب حجبت النار بالشهوات كذا للجميع ووقع عند أبي نعيم حفت بدل حجبت أي غطيت بها فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حدثني مالك هذا الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الاسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني في الغرائب من رواية إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه قوله عن أبي الزناد في رواية سعيد بن داود أخبرنا أبو الزناد قوله عن الاعرج عن أبي هريرة في رواية سعيد بن داود ان عبد الرحمن بن هرمز أخبره انه سمع أبا هريرة يقول قوله حجبت كذا للجميع في الموضعين الا الفروي فقال حفت في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وان مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال انظر إليها قال فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت ان لا يدخلها أحد قال اذهب إلى النار فانظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الاعرج فان المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالاتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لامر الله فيها والمراد بالشهوات ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطية اما بالاصالة واما لكون فعله يستلزم ترك شئ من المأمورات ويلتحق بذلك الشبهات والاكثار مما ابيح خشية ان يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة الا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكن هذا الخبر وان كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي قوله حفت بالمهملة الفاء من الحافظ وهو ما يحيط بالشئ حتى لا يتوصل إليه الا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها الا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجي منها الا بترك الشهوات وقال بن العربي معنى الحديث ان الشهوات جعلت على حفافي النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك ما كان مثلا صحيحا وانما هي من داخل وهذه صورتها
[ 275 ]
المكاره الشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب ان المعنى واحد لان الاعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالى والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها قلت بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وان الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله اعلم تنبيه أدخل بن بطال في هذا الباب حديثي الباب الذي بعده وحذف الترجمة التي تليه وهي ثابتة في جميع الاصول وفيها الحديثان وليس في الذي قبلها الا حديث أبي هريرة قوله باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله هذه الترجمة حذفها بن بطال وذكر الحديثين اللذين فيها في الباب الذي قبلها والمناسبة ظاهرة لكن الذي ثبت في الاصول التفرقة الحديث الاول قوله حدثنا موسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وهو بكنيته أشهر وسفيان شيخه هو الثوري وعبد الله هو بن مسعود والسند كله كوفيون قوله شراك تقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب اللباس وانه السير الذي يدخل فيه أصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقي به القدم قال بن بطال فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وان المعصية مقربة إلى النار وان الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الاشياء وتقدم في هذا المعنى قريبا حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال بن الجوزي معنى الحديث ان تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد تقدم في أوائل السيرة النبوية وفي الادب قوله أصدق بيت أطلق البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه وهو المصراع الاول المسمى عروض البيت واما نصفه الثاني وهو المسمى بالضرب فهو وكل نعيم لا محالة زائل ويحتمل أن يكون على سبيل الاكتفاء فأشار بأول البيت إلى بقيته والمراد كله وعكسه ما مضى في باب ما يجوز من الشعر في كتاب الادب بلفظ اصدق كلمة فإن المراد بها القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت وتقدم شرح هذا الحديث في أيام الجاهلية وأورده فيها أيضا بلفظ أصدق كلمة وهو المشهور وذكرت هناك أن في رواية شريك عند مسلم بلفظ اشعر كلمة تكلمت بها العرب وبحث السهيلي في ذلك وذكرت أيضا ما أورده بن إسحاق في السيرة فيما جرى لعثمان بن مظعون مع لبيد بن ربيعة ناظم هذا البيت حيث قال له لما أنشد المصراع الاول صدقت ولما انشد المصراع الثاني كذبت ثم قال له نعى الجنة لا يزول وذكرت توجيه كل من الامرين وان كل من صدق بأن ما خلا الله باطل فقصدق ببطلان ما سواه فيدخل نعيم الجنة بما حاصله ان المراد بالباطل هنا الهالك وكل شئ سوى
[ 276 ]
الله جائز عليه الفناء وان خلق فيه البقاء بعد ذلك كنعيم الجنة والله أعلم وقال بن بطال هنا قوله ما خلا الله باطل لفظ عام أريد به الخصوص والمراد أن كل ما قرب من الله فليس بباطل وأما أمور الدنيا التي لا تئول إلى طاعة الله فهي الباطل انتهى ولعل الاول أولى تنبيه مناسبة هذا الحديث الثاني للترجمة خفية وكأن الترجمة لما تضمنت ما في الحديث الاول من التحريض على الطاعة ولو قلت والزجر عن المعصية ولو قلت ففيهم أن من خالف ذلك انما يخالفه لرغبة في أمر من أمور الدنيا وكل ما في الدنيا باطل كما صرح به الحديث الثاني فلا ينبغي للعاقل أن يؤثر الفاني على الباقي قوله باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه هذا لفظ حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن أبي الزناد في رواية بن وهب عن مالك حدثني أبو الزناد أخرجه الدارقطني في الغرائب قوله عن الاعرج في رواية سعيد بن داود عن مالك حدثني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره انه سمع أبا هريرة أخرجه الدارقطني أيضا وضاق مخرجه على أبي نعيم فأخرجه من طريق القاسم بن زكريا عن البخاري وأخرجه الاسماعيلي من طريق حميد بن قتيبة عن إسماعيل والدارقطني من وجهين عن إسماعيل قوله إذا نظر أحدكم إلى من فضل بالفاء والمعجمة على البناء للمجهول قوله في المال والخلق بفتح الخاء أي الصورة ويحتمل أن يدخل في ذلك الاولاد والاتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا ورأيته في نسخة معتمدة من الغرائب للدارقطني والخلق بضم الخاء واللام قوله فلينظر إلى من هو أسفل منه في رواية عبد العزيز بن يحيى عن مالك فلينظر إلى من تحته أخرجه الدارقطني أيضا ويجوز في أسفل الرفع والنصب والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا قوله ممن فضل عليه كذا ثبت في آخر هذا الحديث عند مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وكذا ثبت لمالك الذي أخرجه البخاري من طريقه عند الدارقطني من رواية سعيد بن داود عنه بسند صحيح وزاد مسلم من طريق أبي صالح المذكورة فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا تنقصته وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير رفعه أقلوا الدخول على الاغنياء فإنه احرى ان لا تزدروا نعمة الله قال بن بطال هذا الحديث جامع لمعاني الخير لان المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها الا وجد من هو فوقه فمتى طلبت نفسه اللحاق به اقتصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ولا يكون على حال خسيسة من الدنيا الا وجد من أهلها من هو اخس حالا منه فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر اوجبه فيلزم نفسه الشكر فيعظم اغتباطه بذلك في معاده وقال غيره في هذا الحديث دواء الداء لان الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن ان يؤثر ذلك فيه حسدا ودواؤه ان ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا إلى الشكر وقد وقع في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه
[ 277 ]
لا يكتب شاكرا ولا صابرا قوله باب من هم بحسنة أو بسيئة الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشئ بالقلب رحمه اللهرضي الله تعالى عنهما قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو بن سعيد والسند كله بصريون وجعد بن دينار تابعي صغير وهو الجعد أبو عثمان الراوي عن أنس في أواخر النفقات وفي غيرها قوله عن بن عبا س في رواية الحسن بن ذكوان عن أبي رجاء حدثني بن عباس أخرجه أحمد قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسدد عند الاسماعيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر في شئ من الطرق التصريح بسماع بن عباس له من النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيما يروى عن ربه هذا من الاحاديث الالهية ثم هو محتمل أن يكون مما تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه بلا واسطة ويحتمل أن يكون مما تلقاه بواسطة الملك وهو الراجح وقال الكرماني يحتمل أن يكون من الاحاديث القدسية ويحتمل أن يكون للبيان لما فيه من الاسناد الصريح إلى الله حيث قال ان الله كتب ويحتمل أن يكون لبيان الواقع وليس فيه ان غيره ليس كذلك لانه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى بل فيه ان غيره كذلك إذ قال فيما يرويه أي في جملة ما يروى انتهى ملخصا والثاني لا ينافي الاول وهو المعتمد فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن الجعد ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانة من طريق عفان وأبو نعيم من طريق قتيبة كلاهما عن جعفر بلفظ فيما يروى عن ربه قال ان ربكم رحيم من هم بحسنة وسيأتي في التوحيد من طريق الاعرج عن أبي هريرة بلفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عزوجل إذا أراد عبدي ان يعمل وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه ومن طرق أخرى منها عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عزوجل إذا هم عبدي قوله ان الله عزوجل كتب الحسنات والسيئات يحتمل أن يكون هذا من قول الله تعالى فيكون التقدير قال الله ان الله كتب ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يحكيه عن فعل الله تعالى وفاعل ثم بين ذلك هو الله تعالى وقوله فمن هم شرح ذلك قوله ثم بين ذلك أي فصله بقوله فمن هم والمجمل قوله كتب الحسنات والسيئات وقوله كتب قال الطوفي أي أمر الحفظة ان تكتب أو المراد قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها وقال غيره المراد قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة لكونه أمرا مفروغا منه انتهى وقد يعكر على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة رفعه قال قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد ان يعمل سيئة وهو أبصر به فقال أرقبوه فإن عملها فاكتبوها فهذا ظاهره وقوع المراجعة لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة ويحتمل أن يكون ذلك وقع في ابتداء الامر فلما حصل الجواب استقر ذلك فلا يحتاج إلى المراجعة بعده وقد وجدت عن الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر وان المؤاخذة انما تقع لمن هم على الشئ فشرع فيه لا من هم به ولم يتصل به العمل فقال في صلاة الخوف لما ذكر العمل الذي يبطلها ما حاصله ان من أحرم بالصلاة وقصد القتال فشرع فيه بطلت صلاته ومن تحرم وقصد إلى العدو لو دهمه دفعه بالقتال لم تبطل قوله فمن هم كذا في رواية بن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم وفي رواية الاعرج في التوحيد
[ 278 ]
إذا أراد وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ إذا هم وكذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فهما بمعنى واحد ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ إذا تحدث وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الاخرى ويحتمل أن يكون على ظاهره ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الارادة تكتب الحسنة نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والارادة لا يكفي فعند أحمد وصححه بن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها وقد تمسك به بن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وان لم يعزم عليها زيادة في الفضل قوله فلم يعملها يتناول نفي عمل الجوارح واما عمل القلب فيحتمل نفيه أيضا ان كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الاحاديث لا ان قيدت بالتصميم كما في حديث خريم ويؤيد الاول حديث أبي ذر عند مسلم أن الكف عن الشر صدقة قوله كتبها الله له أي للذي هم بالحسنة عنده أي عند الله حسنة كاملة كذا ثبت في حديث بن عباس دون حديث أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة وكذا قوله عنده وفيهما نوعان من التأكيد فأما العندية فإشارة إلى الشرف وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها قال النووي أشار بقوله عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة إلى تخفيفها مبالغة في الفضل والاحسان ومعنى قوله كتبها الله أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد بلفظ إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها وفيه دليل على ان الملك يطلع على ما في قلب الآدمي اما باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الاول ما أخرجه بن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب انه لم يعمله فيقول انه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا قال الطوفي انما كتبت الحسنة بمجرد الارادة لان إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لآن إرادة الخير من عمل القلب واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لانه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه ثم ان ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع أم لا ويتجه ان يقال يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر ولا سيما ان قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند القدرة وان كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك الا ان قارنها قصد الاعراض عنها جملة والرغبة عن فعلها ولا سيما ان وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا فصرفه بعينه في معصية فالذي يظهر في الاخير أن لا تكتب له حسنة أصلا وأما ما قبله فعلى
[ 279 ]
الاحتمال واستدل بقوله حسنة كاملة على أنها تكتب حسنة مضاعفة لان ذلك هو الكمال لكنه مشكل يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله في أن كلا منهما يكتب له حسنة وأجيب بأن التضعيف في الآية يقتضي اختصاصه بالعامل لقوله تعالى من جاء بالحسنة والمجئ بها هو العمل وأما الناوي فإنما ورد أنه يكتب له حسنة ومعناه يكتب له مثل ثواب الحسنة والتضعيف قدر زائد على أصل الحسنة والعلم عند الله تعالى قوله فإن هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات يؤخذ منه رفع توهم ان حسنة الارادة تضاف إلى عشرة التضعيف فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه فإن عملها كتبت له عشر أمثالها وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال ورواية عبد الوارث في الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد قال بن عبد السلام في أماليه معنى الحديث إذا هم بحسنة فإن كتبت له حسنة عملها كملت له عشرة لانا نأخذ بقيد كونها قد هم بها وكذا السيئة إذا عملها لا تكتب واحدة للهم وأخرى للعمل بل تكتب واحدة فقط قلت الثاني صريح في حديث هذا الباب وهو مقتضى كونها في جميع الطرق لا تكتب بمجرد الهم وأما حسنة الهم بالحسنة فالاحتمال قائم وقوله بقيد كونها قد هم بها يعكر عليه من عمل حسنة بغتة من غير أن يسبق له أنه هم بها فإن قضية كلامه أنه يكتب له تسعة وهو خلاف ظاهر الآية من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فإنه يتناول من هم بها ومن لم يهم والتحقيق أن حسنة من هم بها تندرج في العمل في عشرة العمل لكن تكون حسنة من هم بها أعظم قدرا ممن لم يهم بها والعلم عند الله تعالى قوله إلى سبعمائة ضعف الضعف في اللغة المثل والتحقيق أنه اسم يقع على العدد بشرط ان يكون معه عدد آخر فإذا قيل ضعف العشرة فهم أن المراد عشرون ومن ذلك لو أقر بأن له عندي ضعف درهم لزمه درهمان أو ضعفي درهم لزمه ثلاثة قوله إلى أضعاف كثيرة لم يقع في شئ من طرق حديث أبي هريرة إلى أضعاف كثيرة الا في حديثه الماضي في الصيام فان في بعض طرقه عند مسلم إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله وله من حديث أبي ذر رفعه يقول الله من عمل حسنة فله عشر أمثالها وازيد وهو بفتح الهمزة وكسر الزاي وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الاخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدى النفع كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك وقد قيل ان العمل الذي يضاعف إلى اربعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار إليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة وليس فيه نفى ذلك عن غيرها صريحا ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الحديث واختلف في قوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء هل المراد المضاعفة إلى سبعمائة فقط أو زيادة على ذلك فالاول هو المحقق من سياق الآية والثاني محتمل ويؤيد الجواز سعة الفضل قوله ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة المراد بالكمال عظم القدر كما تقدم لا التضعيف إلى العشرة ولم يقع التقييد بكامله في طرق حديث أبي هريرة وظاهر
[ 280 ]
الاطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك لكنه قيده في حديث الاعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وان تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم يقع عنده من أجلي ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة وان تركها فاكتبوها له حسنة انما تركها من جراي بفتح الجيم وتشديد الراء بعد الالف ياء المتكلم وهي بمعنى من اجلي ونقل عياض عن بعض العلماء انه حمل حديث بن عباس على عمومه ثم صوب حمل مطلقه على ما قيد في حديث أبي هريرة قلت ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون حسنة الآخر لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر والكف عن الشر خير ويحتمل أيضا أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة فان تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة وقال الخطابي محل كتابة الحسنة على الترك ان يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لان الانسان لا يسمى تاركا الا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه ومثله من تمكن من الزنا مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من اذاه عاجلا ووقع في حديث أبي كبشة الانماري ما قد يعارض ظاهر حديث الباب وهو ما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه بلفظ انما الدنيا لاربعة فذكر الحديث وفيه وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يرى لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهما في الوزر سواء فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين فتحمل الحالة الاولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصر عليه وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني وغيره قال المازري ذهب بن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم وحمل الاحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر قال المازري وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ فأنا اغفرها له ما لم يعملها فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال بن الباقلاني لا تفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا ان العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالامر المذكور لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال انه كان حريصا على قتل صاحبه وسيأتي سياقه وشرحه في كتاب الفتن والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسا وهنا قسم آخر وهو من فعل المعصية ولم يتب منها ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الاصرار كما جزم به بن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا ويؤيده أن الاصرار معصية اتفاقا فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية قال النووي وهذا
[ 281 ]
ظاهر حسن لا مزيد عليه وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة الآية وقوله اجتنبوا كثيرا من الظن وغير ذلك وقال بن الجوزي إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب قال والدليل على التفريق بين الهم والعزم ان من كان في الصلاة فوقع في خاطره ان يقطعها لم تنقطع فإن صمم على قطعها بطلت وأجيب عن القول الاول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة وقسم بعضهم ما يقع في النفس اقساما يظهر منها الجواب عن الثاني اضعفها ان يخطر له ثم يذهب في الحال وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد وفوقه ان يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضا وفوقه ان يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم وهو على قسمين القسم الاول أن يكون من أعمال القلوب صرفا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزمان ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الاذى بغير موجب لذلك فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد وفي بعض هذا خلاف فعن الحسن البصري أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو عنه وحموله على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه والقسم الثاني أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلا ونقل عن نص الشافعي ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال علم الله أنه اشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشئ بل قال فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم وسأل بن المبارك سفيان الثوي أيؤاخذ العبد بما يهم به قال إذا جزم بذلك واستدل كثير منهم بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم على الخطرات كما تقدم ثم افترق هؤلاء فقال طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب وهذا قول بن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى بن عباس أيضا واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الادب واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ذكره السدى في تفسيره عن مرة عن بن مسعود وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعا ومنهم من رجحه موقوفا ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ويمكن أن يجاب عن هذا بأن
[ 282 ]
انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لان تعظيم لحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وان اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم وعصى ومن هم بمعصية الله قاصد الاستخفاف بالله كفر وانما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي ان يستحضر عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وقال السبكي الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشئ عزم عليه وهذا لا يكفي قال ومن أدلة الاول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لانها على قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح واشارته به إلى الاخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن يكونا في جردة واحدة من العذاب بالاتفاق قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة في رواية الاعرج فاكتبوها له بمثلها وزاد مسلم في حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو اغفر وله في آخر حديث أبن عباس أو يمحوها والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة والاول اشبه لظاهر حديث أبي ذر وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر الا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله واحدة ان السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة وهو على وفق قوله تعالى فلا يجزى الا مثلها قال بن عبد السلام في أماليه فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم وليس كذلك انما يكتب عليه سيئة واحدة وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي قال إسحاق بن منصور قلت لاحمد هل ورد في شئ من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة قال لا ما سمعت الا بمكة لتعظيم البلد والجمهور على التعميم في الازمنة والامكنة لكن قد يتفاوت بالعظم ولا يرد على ذلك قوله تعالى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين لان ذلك ورد تعظيما لحق النبي صلى الله عليه وسلم لان وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا على الفاحشة وهو أذى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم بعد قوله أو يمحوها ولا يهلك على الله الا هالك أي من أصر على التحري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا وفعلا قال بن بطال في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الامة لانه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة لان عمل العباد للسيآت أكثر من عملهم للحسنات ويؤيد ما دل عليه حديث الباب من الاثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه بخلاف الحسنة وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربة رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيآت
[ 283 ]
وأجاب بعض الشراح بأن بعض الائمة عد المباح من الحسن وتعقب بأن الكلام فيما يترتب على فعله حسنة وليس المباح ولو سمى حسنا كذلك نعم قد يكتب حسنة بالنية وليس البحث فيه وقد تقدم في باب حفظ اللسان قريبا شئ من ذلك وفيه أن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه جعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة بل أضاف فيها إلى العدل الفضل فأدارها بين العقوبة والعفو بقوله كتبت له واحدة أو يمحوها وبقوله فجزاؤه بمثلها أو اغفر وفي هذا الحديث رد على الكعبي في زعمه أن ليس في الشرع مباح بل الفاعل اما عاص واما مثاب فمن اشتغل عن المعصية بشئ فهو مثاب وتعقبوه بما تقدم أن الذي يثاب على ترك المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله كما تقدمت الاشارة إليه وحكى بن التين انه يلزمه أن الزاني مثلا مثاب لاشتغاله بالزنا عن معصية أخرى ولا يخفى ما فيه قوله باب ما يتقى من محقرات الذنوب التعبير بالمحقرات وقع في حديث سهل بن سعد رفعه إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزه وان محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه أخرجه أحمد سند حسن ونحوه عند أحمد والطبراني من حديث بن مسعود وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وصححه بن حبان قوله مهدي هو بن ميمون وغيلان بمعجمة ثم تحتانية وزن عجلان هو بن جامع والسند كله بصريون قوله هي ادق أفعل تفضيل من الدقة بكسر الدال إشارة إلى تحقيرها وتهوينها وتستعمل في تدقيق النظر في العمل والامعان فيه أي تعملون اعمالا تحسبونها هينة وهي عظيمة أو تؤول إلى العطم قوله ان كنا لنعدها كذا للاكثر بلام التأكيد وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي بحذفها وبحذف الضمير أيضا ولفظهما ان كنا نعد وله عن الكشميهني ان كنا نعدها وان مخففة من الثقيلة وهي للتأكيد قوله من الموبقات بموحدة وقاف وسقط لفظ من للسرخسي والمستملي أيضا قوله قال أبو عبد الله هو المصنف يعني بذلك المهلكات أي الموبقة هي المهلكة ووقع للاسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج عن مهدي كنا نعدها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر وكأنه ذكره بالمعنى وقال بن بطال المحقرات إذا كثرت صارت كبارا مع الاصرار وقد اخرج أسد بن موسى في الزهد عن أبي أيوب الانصاري قال ان الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات فيلقى الله وقد احاطت به وان الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقا حتى يلقى الله آمنا قوله باب الاعمال بالخواتيم وما يخاف منها ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه وفي آخره وانما الاعمال بالخواتيم وتقدم شرح القصة في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي شرح آخره في كتاب القدر ان شاء الله تعالى وقوله غناء بفتح المعجمة بعدها نون ممدود أي كفاية وأغنى فلان عن فلان ناب عنه وجرى مجراه وذبابة السيف حده وطرفه قال بن بطال في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لانه لو علم وكان ناجيا اعجب وكسل وان كان هالكا ازداد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء وقد روى الطبري عن حفص بن حميد قال قلت لابن المبارك رأيت رجلا قتل رجلا ظلما فقلت في نفسي انا أفضل من هذا فقال امنك على نفسك
[ 284 ]
أشد من ذنبه قال الطبري لانه لا يدري ما يئول إليه الامر لعل القاتل يتوب فتقبل توبته ولعل الذي انكر عليه يختم له بخاتمة السوء قوله باب العزلة راحة للمؤمن من خلاط السوء لفظ هذه الترجمة أثر أخرجه بن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر أنه قاله لكن في سنده انقطاع وخلاط بضم المعجمة وتشديد اللام للاكثر وهو جمع مستغرب وذكره الكرماني بلفظ خلط بغير الف وهو بضمتين مخففا كذا ذكره الصغاني في العباب قال الخطابي جمع خليط والخليط يطلق على الواحد كقول الشاعر باب الخليط ولو طوعت ما بانا وعلى الجمع كقوله ان الخليط اجدوا البين يوم نأوا ويجمع أيضا على خلط بضمتين مخففا قال الشاعر ضربا يفرق بين الجيرة الخلط قال والخلاط بالكسر والتخفيف المخالطة قلت فعله الذي وقع في هذه الترجمة ووقع عند الاسماعيلي خلطاء بدل خلاط وأخرجه الخطابي في كتاب العزلة بلفظ خليط وقال بن المبارك في كتاب الرقائق عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال قال عمر خذوا حظكم من العزلة وما أحسن قول الجنيد نفع الله بركته مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة وقال الخطابي لو لم يكن في العزلة الا السلامة من الغيبة ومن رؤية المنكر الذي لا يقدر على إزالته لكان ذلك خيرا كثيرا وفي معنى الترجمة ما أخرجه الحاكم من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ الوحدة خير من جليس السوء وسنده حسن لكن المحفوظ أنه موقوف عن أبي ذر أو عن أبي الدرداء وأخرجه بن أبي عاصم ثم ذكر في الباب حديثين الاول قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وقرنه هنا برواية أبي اليمان وأفردها في الجهاد فساقه على لفظه هناك وقد وصله مسلم عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن يوسف قوله جاء أعرابي تقدم في أوائل الجهاد أني لم اقف على اسمه وأن أبا ذر سأل عن ذلك لكن لا يحسن ان يقال في حقه أعرابي قوله أي الناس خير تقدم في الجهاد بلفظ أفضل وسأذكر له ألفاظا أخرى قوله قال رجل جاهد هذا لا ينافي جوابه الاخر الماضي في الايمان من سلم الناس من لسانه ويده ولا غير ذلك من الاجوبة المختلفة لان الاختلاف في ذلك بحسب اختلاف الاشخاص والاحوال والاوقات كما تقدم تقريره وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد قوله ورجل في شعب من الشعاب الخ هو محمول على من لا يقدر على الجهاد فيستحب في حقه العزلة ليسلم ويسلم غيره منه والذي يظهر انه محمول على ما بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وقوله يعبد ربه زاد مسلم من وجه اخو يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة حتى يأتيه اليقين ليس من الناس الا في خير وللنسائي من حديث بن عباس رفعه الا أخبركم بخير الناس رجل ممسك بعنان فرسه الحديث وفيه الا أخبركم بالذي يتلوه رجل معتزل في غنيمة يؤدي حق الله فيها وأخرجه الترمذي واللفظ له وقال حسن وقوله هنا تابعه النعمان هو بن راشد الجزري ومتابعته وصلها أحمد عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت النعمان بن راشد به قوله والزبيدي هو محمد بن الوليد الشامي وطريقه وصلها مسلم أيضا من رواية يحيى بن حمزة عنه قوله وسليمان بن كثير هو العبدي وطريقه وصلها أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عنه بلفظ سئل أي المؤمنين أكمل ايمانا قوله وقال معمر عن الزهري عن عطاء أو عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة كذا بالشك وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وقال في سياقه معمر يشك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر فقال عن عطاء بغير شك وكذا وقع لنا بعلو
[ 285 ]
في مسند عبد بن حميد ولم يشك قوله وقال يونس هو بن يزيد الايلي وطريقه وصلها الذهلي في الزهريات وأخرجه بن وهب في جامعه عن يونس قوله وابن مسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر وطريقه وصلها الذهلي في الزهريات من طريق الليث بن سعد عنه قوله ويحيى بن سعيد هو الانصاري وطريقه وصلها الذهلي أيضا من طريق سليمان بن بلال عنه قوله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا لا يخالف الرواية الاولى لان الذي حفظ اسم الصحابي مقدم على من ابهمه وقد بينت لفظ معمر ولفظ الزبيدي في كتاب الجهاد الحديث الثاني قوله حدثنا الماجشون بكسر الجيم وبالشين المعجمة هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وقد تقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم أيضا ولكن قال فيه حدثنا عبد العزي بن أبي سلمة بن الماجشون فنسبه إلى جده ولا مغايرة بين قوله الماجشون وابن الماجشون فإن كلا من عبد الله وأولاده يقال له الماجشون قوله عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة وقد روى مالك عنه هذا الحديث وجود نسبه وبينت ذلك في كتاب الايمان في باب من الدين الفرار من الفتن قوله عن أبيه في رواية يحيى بن سعيد الانصاري عن عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه أخرجه أحمد والاسماعيلي قوله يأتي على الناس زمان خير مال المسلم الغنم كذا أورده هنا وفي الكلام حذف تقديره يكون فيه وتقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم بهذا الاسناد بلفظ يأتي على الناس زمان يكون الغنم فيه خير مال المسلم ووقع في رواية مالك يوشك أن يكون خير مال المسلم الخ وتقدم إيضاحه ولفظه هنا صريح في أن المراد بخيرية العزلة أن تقع في آخر الزمان وأما زمنه صلى الله عليه وسلم فكان الجهاد فيه مطلوبا حتى كان يجب على الاعيان إذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم غازيا ان يخرج معه الا من كان معذورا وأما من بعده فيختلف ذلك باختلاف الاحوال وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن ان شاء الله تعالى والشعب بكسر أوله الطريق في الجبل أو الموضع فيه وشعف بفتح المعجمة ثم المهملة ثم فاء رأس الجبل وذكر الخطابي في كتاب العزلة ان العزلة والاختلاط يختلف باختلاف متعلقاتهما فتحمل الادلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الائمة وأمور الدين وعكسها في عكسه وأما الاجتماع والافتراق بالابدان فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالاولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط ان يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك والمطلوب انما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء فيقتصر منه على ما لا بد له منه فهو أروح للبدن والقلب والله اعلم وقال القشيري في الرسال طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شره لا العكس فان الاول ينتجه استصغاره نفسه وهي صفة المتواضع والثاني شهوده مزية له على غيره وهذه صفة المتكبر قوله باب رفع الامانة هي ضد الخيانة والمراد برفعها اذهابها بحيث يكون الامين معدوما أو شبه المعدوم وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الاول قوله حدثنا محمد بن سنان بكسر المهملة ونونين وقد تقدم في أول كتاب العلم بهذا الاسناد مقرونا برواية محمد بن فليح عن أبيه وساقه هناك على لفظه وفيه قصة الاعرابي الذي سأل عن قيام الساعة قوله إذا ضيعت الامانة هذا
[ 286 ]
جواب الاعرابي الذي سأل عن قيام الساعة وهو القائل كيف اضاعتها قوله إذا اسند قال الكرماني أجاب عن كيفية الاضاعة بما يدل على الزمان لانه يتضمن الجواب لانه يلزم منه بيان ان كيفيتها هي الاسناد المذكور وقد تقدم هناك بلفظ وسد مع شرحه والمراد من الامر جنس الامور التي تتعلق بالدين كالخلافة والامارة والقضاء والافتاء وغير ذلك وقوله إلى غير أهله قال الكرماني اتى بكلمة إلى بدل اللام ليدل على تضمين معنى الاسناد قوله فانتظر الساعة الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف أي إذا كان الامر كذلك فانتظر قال بن بطال معنى اسند الامر إلى غير أهله ان الائمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية أهل الدين فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الامانة التي قلدهم الله تعالى إياها الحديث الثاني حديث حذيفة في ذكر الامانة وفي ذكر رفعها وسيأتي بسنده ومتنه في كتاب الفتن ويشرح هناك ان شاء الله تعالى والجذر بفتح الجيم وكسرها الاصل في كل شئ والوكت بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة أثر النار ونحوه والمجل بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام هو أثر العمل في الكف والمنتبر بنون ثم مثناة مفتوحة ثم موحدة مكسورة وهو المتنفط قوله ولا يكاد أحدهم في رواية الكشميهني أحد بغير ضمير قوله من ايمان قد يفهم منه أن المراد بالامانة في الحديث الايمان وليس كذلك بل ذكر ذلك لكونها لازمة الايمان قوله بايعت قال الخطابي تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة وهذا خطأ وكيف يكون وهو يقول ان كان نصرانيا رده على ساعيه فهل يبايع النصراني على الخلافة وانما أراد مبايعة البيع والشراء قوله رده على الاسلام في رواية المستملي بالاسلام بزيادة موحدة قوله نصرانيا رده على ساعيه أي واليه الذي أقيم عليه لينصف منه وأكثر ما يستعمل الساعي في ولاة الصدقة ويحتمل أن يراد به هنا الذي يتولى قبض الجزية قوله الا فلانا وفلانا يحتمل ان يكون ذكره بهذا اللفظ ويحتمل أن يكون سمى اثنين من المشهورين بالامانة إذ ذاك فأبهمهما الراوي والمعنى لست اثق بأحد آتمنه على بيع ولا شراء الا فلانا وفلانا قوله قال الفربري ثبت ذلك في رواية المستلمي وحده وأبو جعفر الذي روى عنه هنا هو محمد بن أبي حاتم البخاري وراق البخاري أي ناسخ كتبه وقوله حدثت أبا عبد الله يريد البخاري وحذف ما حدثه به لعدم احتياجه له حينئذ وقوله فقال سمعت القائل هو البخاري وشيخه أحمد بن عاصم هو البلخي وليس له في البخاري الا هذا الموضع واخرج عنه البخاري في الادب المفرد قوله سمعت أبا عبيد هو القاسم بن سلام المشهور صاحب كتاب غريب الحديث وغيره من التصانيف وليس له في البخاري الا هذا الموضع وكذا الاصمعي وأبو عمرو وقوله قال الاصمعي هو عبد الملك ن قريب وأبو عمرو هو بن العلاء قوله وغيرهما ذكره الاسماعيلي عن سفيان الثوري بعد أن اخرج الحديث من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان الثوري ثم قال في اخره قال سفيان الجذر الاصل قوله الجذر الاصل من كل شئ اتفقوا على التفسير ولكن عند أبي عمرو ان الجذر بكسر الجيم وعند الاصمعي بفتحها قوله والوكت اثر الشئ اليسير منه هذا من كلام أبي عبيد أيضا وهو أخص مما تقدم لتقييده باليسير الحديث الثالث حديث بن عمر وسنده معدود في أصح الاسانيد قوله انما الناس كالابل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة في رواية مسلم من طريق
[ 287 ]
معمر عن الزهري تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة فعلى أن الرواية بغير الف ولام وبغير تكاد فالمعنى لا تجد في مائة ابل راحلة تصلح للركوب لان الذي يصلح للركوب ينبغي ان يكون وطيئا سهل الانقياد وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه والرواية بإثبات لا تكاد أولى لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع وان كان معنى الاول يرجع إلى ذلك ويحمل النفي المطلق على المبالغة وعلى ان النادر لا حكم له وقال الخطابي العرب تقول للمائة من الابل ابل يقولون لفلان ابل أي مائة بعير ولفلان ابلان أي مائتان قلت فعلى هذا فالرواية التي بغير الف ولام يكون قوله مائة تفسيرا لقوله ابل لان قوله كإبل أي كمائة بعير ولما كان مجرد لفظ ابل ليس مشهور الاستعمال في المائة ذكر المائة توضحيا ورفعا للالباس وأما على رواية البخاري فاللام للجنس وقال الراغب الابل اسم مائة بعير فقوله كالابل المائة المراد به عشرة آلاف لان التقدير كالمائة المائة انتهى والذي يظهر على تسليم قوله لا يلزم ما قل ان المراد عشرة آلاف بل المائة الثانية للتأكيد قال الخطابي تأولوا هذا الحديث على وجهين أحدهما ان الناس في أحكام الدين سواء لافضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالابل المائة التي لا يكون فيها راحلة وهي التي ترحل لتركب والراحلة فاعلة بمعنى مفعولة أي كلها حملة تصلح للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها والثاني أن أكثر الناس أهل نقص وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدا فهم بمنزلة الراحلة في الابل الحمولة ومنه قوله تعالى ولكن أكثر الناس لا يعملون قلت وأورد البيهقي هذا الحديث في كتاب القضاء في تسوية القاضي بين الخصمين اخذا بالتأويل الاول ونقل عن أبي قتيبة ان الراحلة هي النجيبة المختارة من الابل للركوب فإذا كانت في ابل عرفت ومعنى الحديث ان الناس في النسب كالابل المائة التي لا راحلة فيها فهي مستوية وقال الازهري الراحلة عند العرب الذكر النجيب والانثى النجيبة والهاء في الراحلة للمبالغة قال وقول بن قتيبة غلط والمعنى ان الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الابل وقال النووي هذا أجود وأجود منهما قول آخرين ان المرضى الاحوال من الناس الكامل الاوصاف قليل قلت هو الثاني الا انه خصصه بالزاهد والاولى تعميمه كما قال الشيخ وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل اثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الابل الكثيرة وقال بن بطال معنى الحديث أن الناس كثير والمرضى متهم قليل والى هذا المعنى أومأ البخاري بإدخال في باب رفع الامانة لان من كانت هذه صفته فالاختيار عد معاشرته وأشار بن بطال إلى ان المراد بالناس في الحديث من يأتي بعد القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم حيث يصيرون يخونون ولا يؤتمنون ونقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه فقال لا حاجة إلى هذا التخصيص لاحتمال أن يراد أن المؤمنين قليل بالنسبة للكفار والله اعلم قوله باب الرياء والسمعة الرياء بكسر الراء تخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من سمع والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر وقال الغزالي المعنى طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة والمرائي هو العامل وقال بن عبد السلام
[ 288 ]
الرياء ان يعمل لغير الله والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس قوله يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان في الطريقين هو الثوري والسند الثاني أعلى من الاول ولم يكتف به مع علوه لان في الرواية الاولى مزايا وهي جلالة القطان وما وقع في سياقه من تصريح سفيان بالتحديث ونسبة سلمة شيخ الثوري وهو سلمة بن كهيل بالتصغير بن حصين الحضرمي والسند الثاني كله كوفيون قوله ولم يسمع أحدا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم غيره وثبت كذلك عند مسلم في رواية وقائل ذلك هو سلمة بن كهيل ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جندب وهو بن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وهو من صغار الصحابة وقال الكرماني مراده لم يبق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ غيره في ذلك المكان قلت احترز بقوله في ذلك المكان عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب وليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أبو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين ان يكون مراده انه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد ان سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قوله من سمع بفتح المهملة والميم الثقيلة والثانية مثلها وقوله ومن يرائي بضم التحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وقد ثبتت الياء في آخر كل منهما اما الاولى فللاشباع وأما الثانية فكذلك أو التقدير فإنه يرائي به الله ووقع في رواية وكيع عن سفيان عند مسلم من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يرائي الله به ولابن المبارك في الزهد من حديث بن مسعود من سمع سمع الله به ومن راأى رأى الله به ومن تطاول تعاظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وفي حديث بن عباس عند بياض في الاصل من سمع سمع الله به ومن رأى رأى الله به ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن جابر في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة قال الخطابي معناه من عمل عملا على غير اخلاص وانما يريد ان يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة ومعنى يرائي لطلعهم على أنه فعل ذلك لهم للوجهه ومنه قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها إلى قوله ما كانوا يعملون وقيل المراد من قصد بعمله ان يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة وقيل المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه وقيل المعنى من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه وقيل المعنى من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه وقيل معنى سمع الله به شهره أو ملا اسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة قلت ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد فعند أحمد والدارمي من حديث أبي هند الداري رفعه من قام مقام رياء وسمعه رأى الله به يوم القيامة وسمع به وللطبراني من حديث عوف بن مالك نحوه وله من
[ 289 ]
حديث معاذ مرفوعا ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء الا سمع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة وفي الحديث استحباب اخفاء العمل الصالح لكن قد يستحب اظهاره ممن يقتدى به على ارادته الاقتداء به ويقدر ذلك بقدر الحاجة قال بن عبد السلام يستثنى من استحباب اخفاء العمل من يظهره ليقتدي به أو لينتفع به ككتابة العلم ومنه حديث سهل الماضي في الجمعة لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي قال الطبري كان بن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن اعمالهم ليقتدى بهم قال فمن كان إماما يستن بعمله عالما بما لله عليه قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده من كان بخلاف ذلك فالاخفاء في حقه أفضل وعلى ذلك جرى عمل السلف فمن الاول حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال انه اواب قال فإذا هو المقداد بن الاسود أخرجه الطبري ومن الثاني حديث الزهري عن أبي سلمة عن أب هريرة قال قام رجل يصلي فجهر بالقراءة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تسمعني واسمع ربك أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وسنده حسن قوله باب من جاهد نفسه في طاعة الله عزوجل يعني بيان فضل من جاهد والمراد بالمجاهدة كف النفس عن ارادتها من الشغل بغير العبادة وبهذا تظهر مناسبة الترجمة لحديث الباب وقال بن بطال جهاد المرء نفسه هو الجهاد الاكمل قال الله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى الآية ويقع بمنع النفس عن المعاصي وبمنعها من الشبهات وبمنعها من الاكثار من الشهوات المباحة لتتوفر لها في الآخرة قلت ولئلا يعتاد الاكثار فيألفه فيجره إلى الشبهات فلا يأمن ان يقع في الحرام ونقل القشيري عن شيخه أبي على الدقاق من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريق شمة وعن أبي عمرو بن بجيد من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه قال القشيري أصل مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها وللنفس صفتان انهماك في الشهوات وامتناع عن الطاعات فالمجاهدة تقع بحسب ذلك قال بعض الائمة جهاد النفس داخل في جهاد العدو فان الاعداء ثلاثة رأسهم الشيطان ثم النفس لانها تدعو إلى اللذات المفضية بصاحبها إلى الوقوع في الحرام الذي يسخط الرب والشيطان هو المعين لها على ذلك ويزينه لها فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه فمجاهدته نفسه حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه وإذا قوى العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدين فالاول الجهاد الباطن والثاني الجهاد الظاهر وجهاد النفس أربع مراتب حملها على تعلم أمور الدين ثم حملها على العمل بذلك ثم حملها على تعليم من لا يعلم ثم الدعاء إلى توحيد الله وقتال من خالف دينه وجحد نعمه وأقوى المعين على جهاد النفس جهاد الشيطان بدفع ما يلقى إليه من الشبهة والشك ثم تحسين ما نهى عنه من المحرمات ثم ما يفضي الاكثار منه إلى الوقوع في الشبهات وتمام ذلك من المجاهدة أن يكون متيقظا لنفسه في جميع أحواله فإنه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيات وبالله التوفيق قوله همام هو بن يحيى قوله أنس عن معاذ بن جبل هكذا رواه همام عن قتادة ومقتضاه التصريح بأنه من مسند معاذ وخالفه هشام الدستوائي عن قتادة فقال عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل يا معاذ وقد تقدم في اواخر
[ 290 ]
كتاب العلم ومقتضاه انه من مسند أنس والمعتمد الاول ويؤيده ان المصنف اتبع رواية هشام رواية سليمان التيمي عن أنس قال ذكر لي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ فدل على أن أنسا لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم واحتمل قوله ذكر على البناء للمجهول أن يكون أنس حمله عن معاذ بواسطة أو بغير واسطة وقد أشرت في شرحه في العلم إلى احتمال ان يكون أنس حمله عن عمرو بن ميمون الاودي عن معاذ أو من عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ وهذا كله بناء على أنه حديث واحد وقد رجح لي انهما حديثان وان اتحد مخرجهما عن قتادة عن أنس ومتنهما في كون معاذ ردف النبي صلى الله عليه وسلم للاختلاف فيما وردا فيه وهو أن حديث الباب في حق الله على العباد وحق العباد على الله والماضي فيمن لقى الله لا يشرك به شيئا وكذا رواية أبي عثمان النهدي وأبي رزين وأبي العوام كلهم عن معاذ عند أحمد ورواية عمرو بن ميمون موافقة لرواية حديث الباب ونحوها رواية عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ عند النسائي والرواية الاخرى موافقة لرواية هشام التي في العلم وقد أشرت إلى شئ من ذلك في باب اسم الفرس والحمار من كتاب الجهاد وقد جاء عن أنس عن معاذ نحو حديث الباب أخرجه أحمد من طريق الاعمش عن أبي سفيان عن أنس قال أتينا معاذا فقلنا حدثنا من غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث همام عن قتادة قوله بينا أنا رديف تقدم بيانه في أواخر كتاب اللباس قبل الادب ببابين قوله ليس بيني وبينه الا آخرة الرحل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة هو للبعير كالسرج للفرس وآخره بالمد وكسر المعجمة بعدها راء هي العود الذي يجعل خلف الراكب يستند إليه وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون اوقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه ووقع في رواية مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة شيخ البخاري فيه بسنده هذا مؤخرة بدل آخرة وهي بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الخاء ووقع في رواية عمرو بن ميمون عن معاذ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير وقد تقدم ضبطه في الجهاد ووقع عند أحمد من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار يقال له يعفور سنه من ليف ويمكن الجمع بأن المراد بآخرة الرحل موضع اخرة الرحل للتصريح هنا بكونه كان على حمار وإلى ذلك أشار النووي ومشى بن الصلاح على انهما قضيتان وكأن مستنده أنه وقع في رواية أبي العوام عند أحمد على جمل أحمر ولكن سنده ضعيف قوله فقال يا معاذ قلت لبيك تقدم بيان ذلك في كتاب الحج قوله رسول الله بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف ووقع في العلم بإثباته قوله ثم سار ساعة فيه بيان ان الذي وقع في العلم قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ لم يقع النداء الثاني على الفور بل بعد ساعة قوله فقال في رواية الكشميهني ثم قال قوله يا معاذ بن جبل تقدم ضبطه في العلم قوله قال هل تدري وقع في رواية مسلم المشار إليه بعد قوله وسعديك الثانية ثم سار ساعة ثم قال هل تدري وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام الماضية في الاستئذان بعد المرة الاولى ثم قال مثله ثلاثا أي النداء والاجابة وقد تقدم نحوه في العلم وهو لتأكيد الاهتمام بما يخبره به ويبالغ في تفهمه وضبطه قوله هل تدري ما حق الله على عباده الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة ويقال للكلام الصدق حق لان وقوعه متحقق لاتردد فيه وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده
[ 291 ]
مما جعله محتما عليهم قاله بن التيمي في التحرير وقال القرطبي حق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب والزمهم إياه بخطابه قوله ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك لانه تمام التوحيد والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك وتقدم ان الجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الاشراك به قال بن حبان عبادة الله اقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ولهذا قال في الجواب فما حق العباد إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول قوله هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه الضمير لما تقدم من قوله يعبدوه ولا يشركوا به شيئا في رواية مسلم إذا فعلوا ذلك قوله حق العباد على الله ان لا يعذبهم في رواية بن حبان من طريق عمرو بن ميمون ان يغفر لهم ولا يعذبهم وفي رواية أبي عثمان يدخلهم الجنة وفي رواية أبي العوام مثله وزاد ويغفر لهم وفي رواية عبد الرحمن بن غنم ان يدخلهم الجنة قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شئ بحكم الامر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل لانه كاشف لا موجب انتهى وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع قيام الاحتمال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه ومنها ان المراد بالحق هنا المتحقق الثابت أو الجدير لان إحسان الرب لمن لم يتخذ ربا سواه جدير في الحكمة ان لا يعذبه أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة قال وفي الحديث جواز ركوب اثنين على حمار وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وفضل معاذ وحسن أدبه في القول وفي العلم برده لما لم يحط بحقيقته إلى علم الله ورسوله وقرب منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تكرار الكلام لتأكيده وتفهيمه واستفسار الشيخ تلميذه عن الحكم ليختبر ما عنده ويبين له ما يشكل عليه منه وقال بن رجب في شرحه لاوائل البخاري قال العلماء يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكلوا ان أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها وقد سمعها معاذ فلم يزدد الا اجتهادا في العمل وخشية لله عزوجل فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن ان يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر وقد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة ان بعض عصاة الموحدين يدخلون النار فعلى هذا فيجب الجمع بين الامرين وقد سلكوا في ذلك مسالك أحدها قول الزهري ان هذه الرخصة كانت قبل نزول الفرائض والحدود وسيأتي ذلك عنه في حديث عثمان في الوضوء واستبعده غيره من ان النسخ لا يدخل الخبر وبأن سماع معاذ لهذه كان متأخرا عن أكثر نزول الفرائض وقيل لا نسخ بل هو على عمومه ولكنه مقيد بشرائط كما ترتب الاحكام على اسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع فإذا تكامل ذلك عمل المقتضي عمله والى ذلك أشار وهب بن منبه بقوله المتقدم في كتاب الجنائز في شرح ان لا إله إلا الله مفتاح الجنة ليس من مفتاح الا وله اسنان وقيل المراد ترك دخول نار الشرك وقيل ترك تعذيب جميع بدن الموحدين لان النار لا تحرق مواضع السجود وقيل ليس ذلك لكل من وحد وعبد بل يختص بمن اخلص والاخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور حصول التحقيق مع الاصرار على المعصية
[ 292 ]
لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية انتهى ملخصا وفي آخر حديث أنس عن معاذ في نحو هذا الحديث فقلت الا أخبر الناس قال لئلا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب العلم تنبيه هذا من الاحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد وهي قليلة في كتابه جدا ولكنه أضاف إليه في الاستئذان موسى بن إسماعيل وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه قوله باب التواضع بضم الضاد المعجمة مشتق من الضعة بكسر أوله وهي الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه فضله وذكر في حديثين أحدهما حديث أنس في ذكر الناقة لما سبقت وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد في باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعضهم أنه لا مدخل له في هذه الترجمة وغفل عما وقع في بعض طرقه عند النسائي بلفظ حق على الله ان لا يرفع شئ نفسه في الدنيا الا وضعه فإن فيه إشارة إلى الحث على عدم الترفع الحث على التواضع والاعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة قال بن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة وأن كل شئ هان على الله فهو في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه ويقل منافسته في طلبه وقال الطبري في التواضع مصلحة الدين والدنيا فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة قلت وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضى ان اعرابيا يسابقه وفيه جواز المسابقة وزهير في السند الاول هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي ومحمد في السند الثاني هو بن سلام وجزم به الكلاباذي ووقع كذلك في نسخة من رواية أبي ذر والفزاري هو مروان بن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث نعم رواية أبي إسحاق الفزاري له قد تقدمت في الجهاد وأبو خالد الاحمر هو سليمان بن حيان الحديث الثاني قوله محمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف والراء الخفيفة هو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وهو أقربها إلى هذا قوله عن عطاء هو بن يسار ووقع كذلك في بعض النسج وقيل هو بن أبي رباح والاول أصح نبه على ذلك الخطيب وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به وأخرج بن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه وقال هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد فإن هذا المتن لم يرو الا بهذا الاسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد قلت ليس هو في مسند أحمد جزما وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن الا بهذا الاسناد مردود ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعبا في مكانه ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية
[ 293 ]
والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها وذكر بن حبان وابن عدي أنه تفرد به وقد قال البخاري انه منكر الحديث لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال لم يروه عن عروة الا يعقوب وعبد الواحد ومنها عن أبي امامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد بسند ضعيف ومنها عن علي عند الاسماعيلي في مسند علي وعن بن عباس أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف أيضا وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب وعن معاذ بن جبل أخرجه بن ماجة أبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا وعن وهب بن منبه مقطوعا أخرجه أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية وفيه تعقب على بن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة لا يعرف لهذا الحديث الا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة قوله ان الله تعالى قال الكرماني هذا من الاحاديث القدسية وقد تقدم القول فيها قبل ستة أبواب قلت وقد وقع في بعض طرقه ان النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن جبريل عن الله عزوجل وذلك في حديث أنس قوله من عادى لي وليا المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته وقد استشكل وجود أحد يعاديه لن المعاداة انما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لابي بكر والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله وأما من جانب الآخر فلما تقدم وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الاخر لانكاره عليه وملازمته لنهيهه عن شهواته وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الاخر بالقوة قال الكرماني قوله لي هو في الاصل صفة لقوله وليا لكنه لما تقدم صار حالا وقال بن هبيرة في الافصاح قوله عادى لي وليا أي اتخذه عدوا ولا أرى المعنى الا انه عاداه من أجل ولايته وهو وان تضمن التحذير من ايذاء قلوب أولياء الله ليس على الاطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة وبين العباس وعلي إلى غير ذلك من الوقائع انتهى ملخصا موضحا وتعقبه الفاكهاني بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم الا ان كان على طريق الحسد الذي هو تمنى زوال ولايته وهو بعيد جدا في حق الولي فتأمله قلت والذي قدمته أولى أن يعتمد قال أبن هبيرة ويستفاد من هذا الحديث تقديم الاعذار على الانذار وهو واضح قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي اعلمته والايذان الاعلام ومنه أخذ الاذان قوله بالحرب في رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة من عادى لي وليا وفي رواية لاحمد من آذى لي وليا وفي أخرى له من آذى وفي حديث ميمونة مثله فقد استحل محاربتي وفي رواية وهب بن منبه موقوفا قال الله من أهان ولي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي امامة وأنس فقد بارزني وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق والجواب أنه من المخاطبة
[ 294 ]
بما يفهم فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب فكأن المعنى فقد تعرض لاهلاكي إياه فأطلق الحرب وأراد لازمه أي اعمل به ما يعمله العدو المحارب قال الفاكهاني في هذا تهديد شديد لان من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لان من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله وقال الطوفي لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه وكأنما حارب الله قوله وما تقرب الي عبدي بشئ أحب الي مما افترضت عليه يجوز في أحب الرفع والنصب ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله افترضت عليه الا ان أخذ من جهة المعنى الاعم ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الاعمال إلى الله قال الطوفي الامر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الامرين وان اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت احب إلى الله تعالى وأشد تقريبا وأيضا فالفرض كالاصل والاس والنفل كالفرع والبناء وفي الاتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الامر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدى النفل لا يفعله الا إيثار للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته قوله وما زال في رواية الكشميهني وما يزال بصيغة المضارعة قوله يتقرب الي التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق الا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالاولياء ووقع في حديث أبي امامة يتحبب الي بدل يتقرب وكذا في حديث ميمونة قوله بالنوافل حتى أحببته في رواية الكشميهني أحبه ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل وقد استشكل بما تقدم أولا ان الفرائض احب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة والجواب ان المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها ويؤيده أن في رواية أبي أمامة بن آدم انك لن تدرك ما عندي الا بأداء ما افترضت عليك وقال الفاكهاني معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على اتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرها أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى وقال بن هبيرة يؤخذ من قوله ما تقرب الخ أن النافلة لا تقدم على الفريضة لان النافلة انما سميت نافلة لانها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين وأيضا فإن من
[ 295 ]
جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب النوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الاكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور قوله فكنت سمعه الذي يسمع زاد الكشميهني به قوله وبصره الذي يبصر به في حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه التي يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الاذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي امامة وفي حديث ميمونة وقلبه الذي يعقل به وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ والجواب من أوجه أحدهما أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في ايثاره امري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى كليته مشغوله بي فلا يصغي بسمعه الا إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره الا ما أمرته به ثالثها المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره الخ رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه بن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك الخ سادسها قال الفاكهاني يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعة لان المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان املي بمعنى مأمولي والمعنى انه لا يسمع الا ذكري ولا يلتذ الا بتلاوة كتابي ولا يأنس الا بمناجاتي ولا ينظر الا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده الا فيما فيه رضاي ورجله كذلك وبمعناه قال بن هبيرة أيضا وقال الطوفي اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده واعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الالات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي قال والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجئ جبريل في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله اقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى توفيق الله لبعده في الاعمال التي يباشرها بهذه الاعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الاصغاء إلى اللهو بسمعه ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده ومن السعي إلى الباطل برجله والى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله أحفظه فلا يتصرف الا في محابي لانه إذا أحبه كره له ان يتصرف فيما يكرهه منه سابعها قال الخطابي أيضا وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب وذلك أن مساعي الانسان كلها انما تكون بهذه الجوارح المذكورة وقال بعضهم وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له جارحة الا في الله ولله فهي كلها تعمل بالحق للحق وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من
[ 296 ]
مقام الفناء والمحو وأنه الغاية التي لا شئ وراءها وهو أن يكون قائما بإقامة الله له محبا بمحبته له ناظرا بنظره له من غير ان تبقى معه بقية تناط باسم أو تقف على رسم أو تتعلق بأمر أو توصف بوصف ومعنى هذا الكلام أنه يشهد إقامة الله له حتى قام ومحبته له حتى أحبه ونظره إلى عبده حتى أقبل ناظرا إليه بقلبه وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الاسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وان لم تعدم في الخارج وعلى الاوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحد المطلقة لقوله في بقية الحديث ولئن سألني ولئن استعاذني فإنه كالصريح في الرد عليه قوله وان سألني زاد في رواية عبد الواحد عبدي قوله اعطيته أي ما سأل قوله ولئن استعاذني ضبطناه بوجهين الاشهر بالنون بعد الذال المعجمة والثاني بالموحدة والمعنى اعذته مما يخاف وفي حديث أبي امامة وإذا استنصر بي نصرته وفي حديث أنس نصحني فنصحت له ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الاقوال والافعال وقد وقع في حديث أبي امامة المذكور وأحب عبادة عبدي إلى النصحية وقد استكشل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا والجواب ان الاجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه وتارة قد تقع الاجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو اصلح منها وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لانها محل المناجاة والقربة ولا واسطة فيها بين العبد وربه ولا شئ أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع وجعلت قرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ومن كانت قرة عينه في شئ فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لان فيه نعيمه وبه تطيب حياته وانما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الافات والفتور وفي حديث حذيفة من الزيادة ويكون من أوليائي واصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة وقد تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا لا يلتفت إلى شئ من ذلك الا إذا وافق الكتاب والسنة والعصمة انما هي للانبياء ومن عاداهم فقد يخطأ فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض الصحابة بخلافه فيرجع إليه ويترك رأيه فمن ظن أنه يكتفى بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطأ وأما من بالغ منهم فقال حدثني قلبي عن ربي فإنه أشد خطأ فإنه لا يأمن أن يكون قلبه انما حدثه عن الشيطان والله المستعان قال الطوفي هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه إذ المفترضات الباطنة هي الايمان والظاهرة وهي الاسلام والمركب منهما وهو الاحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل والاحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والاخلاص والمراقبة وغيرها وفي الحديث أيضا أن من اتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هذ الوعد الصادق
[ 297 ]
المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية وقد تقدم تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات قوله وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه اني لاجد في كتب الانبياء ان الله تعالى يقول ما ترددت عن شئ قط ترددي عن قبض روح المؤمن الخ قال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الامور غير سائغ ولكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقه تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لان الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شئ انا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وقال الكلاباذي ما حاصله انه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات أي عن الترديد بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحيا إلى محبته للموت فيقبض على ذلك قال وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغب فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الاحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر واليه مشتاق قال وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله اعلم وعن بعضهم يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى مثلا فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى إليه بحسب الاجل المكتوب بالتردد وعبر بن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لان ترددهم عن أمره قال وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كأن يقال لا تقبض روحه الا إذا رضي ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لاهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده إليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من امتثاله وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر إلى ضربة لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف سائر الامور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعه قوله يكره الموت وأنا أكره مساءته في حديث عائشة أنه يكره الموت وأنا أكره مسائته زاد بن مخلد عن بن كرامة في آخره ولا بد له منه ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب وأسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة
[ 298 ]
قال الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه وليس المعنى أني أكره له الموت لان الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته انتهى وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي وهو مفارقة الروح للجسد ولا تحصل غالبا الا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال كأني اتنفس من خرم ابرة وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا فلما كان الموت بهذا الوصف والله يكره أذى المؤمن اطلق على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لانها تؤدي إلى ارذل العمر وتنكس الخلق والرد إلى أسفل سافلين وجوز الكرماني ان يكون المراد أكره مكرهه الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث عظم قدر الولي لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له وعن حوله وقوته بصدق توكله قال ويؤخذ منه أن لا يحكم لانسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله فقد تكون مصيبته في غير ذلك ما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلا قال ويدخل في قوله افترضت عليه الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك قال وفيه دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات باطلاع الله تعالى له ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فإنه لا يمنع دخول بعض اتباعه معه بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم الا الوزير ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه قلت الوصف المستثنى للرسول هنا ان كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة لاحد من اتباعه فيه الا منه والا فيحتمل ما قال والعلم عند الله تعالى تنبيه أشكل وجه دخول هذا الحديث في باب التواضع حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شئ وقال بعضهم المناسب ادخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله تعالى وبذلك ترجم البيهقي في الزهد فقال فصل في الاجتهاد في الطاعة وملازمة العبودية والجواب عن البخاري من أوجه أحدها أن التقرب إلى الله بالنوافل لا يكون الا بغاية التواضع لله والتوكل عليه ذكره الكرماني ثانيها ذكره أيضا فقال قيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد قلت ويخرج منه جواب ثالث ويظهر لي رابع وهو انها تستفاد من لازم قوله من عادى لي وليا لانه يقتضي الزجر عن معاداة الاولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الاولياء لا تتأتى الا بغاية التواضع إذ منهم الاشعث الاغبر الذي لا يؤبه له وقد ورد في الحث على التواضع عدة أحاديث صحيحة لكن ليس شئ منها على شرطه فاستغن عنها بحديثي الباب منها حديث عياض بن حمار رفعه ان الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما ومنها حديث أبي هريرة رفعه وما تواضع أحد لله تعالى الا رفعه أخرجه مسلم أيضا والترمذي ومنها حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين الحديث أخرجه بن ماجة وصححه بن حبان قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين قال أبو البقاء العكبري في اعراب المسند الساعة بالنصب والواو
[ 299 ]
فيه بمعنى مع قال ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى لانه لا يقال بعثت الساعة ولا هو في موضع المرفوع لانها لم توجد بعد وأجاز غيره الوجهين بل جزم عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال ويجوز النصب وذكر نحو توجيه أبي البقاء وزاد أبو علي ضمير يدل عليه الحال نحو فانتظروا كما قدر في نحو جاء البرد والطيالسة فاستعدوا قلت والجواب عن الذي اعتل به أبو البقاء أولا ان يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجئ الساعة نحو جئت وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها ويرجح النصب ما وقع في تفسير سورة والنازعات من هذا الصحيح من طريق فضيل بن سليمان عن أبي حازم بلفظ بعثت والساعة فإنه ظاهر في أن الواو للمعية قوله وما أمر الساعة الا كلمح البصر الآية كذا لابي ذر وفي رواية الاكثر أو هو أقرب ان الله على كل شئ قدير كذا للجميع معطوفا على الحديث بغير فصل وهو يوهم أن تكون بقيته وليس كذلك بل التقدير وقول الله عزوجل وقد ثبت ذلك في بعض النسخ ولما أراد البخاري إدخال أشراط الساعة وصفة القيامة في كتاب الرقاق استطرد من حديث الباب الذي قبله المشتمل على ذكر الموت الدال على فناء كل شئ إلى ذكر ما يدل على قرب القيامة وهو من لطيف ترتيبه ثم ذكر فيه ثلاث أحاديث عن سهل وأنس وأبي هريرة بلفظ واحد وفي حديث سهل وأبي هريرة زيادة الاشارة قوله عن سهل في رواية سفيان عن أبي حازم سمعت من سهل بن سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كتاب اللعان قوله بعثت أنا والساعة المراد بالساعة هنا يوم القيامة والاصل فيها قطعة من الزمان وفي عرف أهل الميقات جزء من أربعة وعشرين جزءا من اليوم والليلة وثبت مثله في حديث جابر رفعه يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وقد بينت حاله في كتاب الجمعة وأطلقت في الحديث على انخرام قرن الصحابة ففي صحيح مسلم عن عائشة كان الاعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر إلى أحدث انسان منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم وعنده من حديث أنس نحوه وأطلقت أيضا على موت الانسان الواحد قوله كهاتين كذا وقع عند لكشميهني في حديث سهل ولغيره كهاتين هكذا وكذا وقع في رواية سفيان لكن بلفظ كهذه من هذه أو كهاتين وفي رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عند مسلم بعثت أنا والساعة هكذا وفي رواية فضيل بن سليمان قال بأصبعيه هكذا قوله ويشير بأصبعيه فيمدهما في رواية سفيان وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى وفي رواية فضيل بن سليمان ويعقوب بالوسطى والتي تلي الابهام وللاسماعيلي من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وجمع بين أصبعيه وفرق بينهما شيئا وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند بن جرير وضم بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الابهام وقال ما مثلي ومثل لساعة الا كفرسي رهان ونحوه في حديث بريدة بلفظ بعثت أنا والساعة ان كادت لتسبقني أخرجه أحمد والطبري وسنده حسن وفي حديث المستورد بن شداد بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه لاصبعيه السبابة والوسطى أخرجه الترمذي والطبري وقوله في نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند تنفسها ومثله في حديث أبي جبيرة فتح الجيم وكسر الموحدة الانصاري عن أشياخ من الانصار أخرجه الطبري وأخرجه أيضا عن أبي جبيرة مرفوعا بغير واسطة بلفظ آخر سأنبه عليه قوله في حديث أنس وأبي التياح
[ 300 ]
بفتح المثناة وتشديد التحتانية وآخره مهملة اسمه يزيد بن حميد ووقع عند مسلم في رواية خالد بن الحارث عن شعبة سمعت قتادة وأبا التياح يحدثان أنهما سمعا أنسا فذكره وزاد في آخره هكذا وقرن شعبة المسبحة والوسطى وأخرجه من طريق بن عدي عن شعبة عن حمزة الضبي وأبي التياح مثله وليس هذا اختلافا على شعبة بل كان سمعه من ثلاثة فكان يحدث به تارة عن الجميع وتارة عن البعض وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة فجمع الثلاثة ووقع لمسلم من طريق غندر عن شعبة عن قتادة حدثنا أنس كرواية البخاري وزاد قال شعبة وسمعت قتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الاخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة أي من قبل نفسه وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله هو وزاد في رواية عاصم بن علي هكذا وأشار بأصبعيه الوسطى والسبابة قال وكان يقول يعني قتادة كفضل إحداهما على الاخرى قلت ولم أرها في شئ من الطرق عن أنس وقد أخرجه مسلم من طريق معبد وهو بن هلال والطبري من طريق إسماعيل بن عبيد الله كلاهما عن أنس وليس ذلك فيه نعم وجدت هذه الزيادة مرفوعة في حديث أبي جبيرة بن الضحاك عند الطبري قوله في حديث أبي هريرة حدثني يحيى بن يوسف في رواية أبي ذر حدثنا قوله حدثنا أبو بكر في رواية غير أبي ذر أخبرنا أبو بكر وهو بن عياش قوله عن أبي حصين في رواية بن ماجة حدثنا أبو حصين بفتح المهملة أوله وأبو صالح هو ذكوان والاسناد كله كوفيون قوله كهاتين يعني أصبعين كذا في الاصل ووقع عند بن ماجة عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وجمع بين أصبعيه وأخرجه الطبري عن هناد بلفظ وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني أصبعين وقد أخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن هناد بلفظ كهذه من هذه يعني أصبعيه وله من رواية أبي طالب عن الدوري وأشار أبو بكر بأصبعيه السبابة والتي تليها وهذا يدل على أن في رواية الطبري ادراجا وهذه الزيادة ثابتة في المرفوع لكن من حديث أبي هريرة كما تقدم وقد أخرجه الطبري من حديث جابر بن سمرة كأن انظر إلى اصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول بعثت أنا والساعة كهذه من هذه وفي رواية له عنه وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى والمراد بالسبابة وهي بفتح المهملة وتشديد الموحدة الاصبع التي بين الابهام والوسطى وهي المراد بالمسبحة سميت مسبحة لانها يشار بها عند التسبيح وتحرك في التشهد عند التهليل إشارة إلى التوحيد وسميت سبابة لانهم كانوا إذا تسابوا أشاروا بها قوله تابعه إسرائيل يعني بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي حصين يعني بالسند والمتن وقد وصله الاسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بسنده قال مثل رواية هناد عن أبي بكر بن عياش قال الاسماعيلي وقد تابعهما قيس بن الربيع عن أبي حصين قال عياض وغيره أشار بهذا الحديث على اختلاف ألفاظه إلى قلة المدة بينه وبين الساعة والتفاوت اما في المجاورة واما في قدر ما بينهما ويعضده قوله كفضل أحدهما على الاخرى وقال بعضهم هذا الذي يتجه أن يقال ولو كان المراد الاول لقامت الساعة لاتصال إحدى الاصبعين بالاخرى قال بن التين اختلف في معنى قوله كهاتين فقيل كما بين السبابة والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه وبينها نبي وقال القرطبي في المفهم حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها قال وعلى
[ 301 ]
رواية النصب يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع وقع بالتفاوت وقال البيضاوي معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الاصبعين على الاخرى وقيل المراد استمرار دعوته لا تفترق إحداهما عن الاخرى كما أن الاصبعين لا تفترق إحداهما عن الاخرى ورجح الطيبي قول البيضاوي بزيادة المستورد فيه وقال القرطبي في التذكرة معنى هذا الحديث تقريب أمر الساعة ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر ما المسئول عنها بأعلم من السائل فإن المراد بحديث الباب انه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع أخرى ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن اشراطها متتابعة كما قال تعالى فقد جاء اشراطها قال الضحاك أول اشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والحكمة في تقدم الاشراط ايقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد وقال الكرماني قيل معناه الاشارة إلى قرب المجاورة وقيل إلى تفاوت ما بينهما طولا وعلى هذا فالنظر في القول الاول إلى العرض وقيل المراد ليس بينهما واسطة ولا معارضة بين هذا وبين قوله تعالى ان الله عنده علم الساعة ونحو ذلك لان علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها معينا وقيل معنى الحديث أنه ليس بيني وبين القيامة شئ هي التي تليني كما تلي السبابة الوسطى وعلى هذا فلا تنافي بين ما دل عليه الحديث وبين قوله تعالى عن الساعة لا يعلمها الا هو وقال عياض حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الاصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة واستند إلى أخبار لا تصح وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الامة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول قال وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه قلت وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلاثمائة سنة وقال بن العربي قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام الساعة قال وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول فالصواب الاعراض عن ذلك قلت السابق إلى ذلك أبو جعفر بن جرير الطبري فإنه أورد في مقدمة تاريخه عن بن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة وأورده من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه ويحيى هو أبو طالب القاص الانصاري قال البخاري منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة وفيه مقال ثم أورد الطبري عن كعب الاحبار قال الدنيا ستة آلاف سنة وعن وهب بن منبه مثله وزاد ان الذي مضى منها خمسة آلاف وستمائة سنة ثم زيفهما ورجح ما جاء عن بن عباس ثم أورد حديث بن عمر الذي في الصحيحين مرفوعا ما أجلكم في اجل من كان قبلكم الا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ومن طريق مغيرة بن حكيم عن بن عمر بلفظ ما بقي لامتي من الدنيا الا كمقدار إذا صليت العصر ومن طريق مجاهد عن بن عمر كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قيقعان مرتفعة بعد العصر فقال ما اعماركم في اعمار من مضى الا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه وهو عند أحمد أيضا بسند حسن ثم اورد حديث أنس خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وقد كادت الشمس تغيب فذكر نحو الحديث الاول عن بن عمر ومن حديث
[ 302 ]
أبي سعيد بمعناه قال عند غروب الشمس ان مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه وحديث أبي سعيد أخرجه أيضا وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وحديث أنس أخرجه أيضا وفيه موسى بن خلف ثم جمع بينهما بما حاصله أنه حمل قوله بعد صلاة العصر على ما إذا صليت في وسط من وقتها قلت وهو بعيد من لفظ أنس وأبو سعيد وحديث بن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان أحدهما ان المراد بالتشبيه التقريب ولا يراد حقيقة المقدار فبه يجتمع مع حديث أنس وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما والثاني ان يحمل على ظاهره فيقدم حديث بن عمر لصحته ويكون فيه دلالة على أن مدة هذه الامة قدر خمس النهار تقريبا ثم أيد الطبري كلامه بحديث الباب وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ولفظه والله لا تعجز هذه الامة من نصف يوم ورواته ثقات ولكن رجح البخاري وقفه وعند أبي داود أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ اني لارجو ان لا تعجز أمتي عند ربها ان يؤخرهم نصف يوم قيل لسعد كم نصف يوم قال خمسمائة سنة ورواته موثقون الا ان فيها انقطاعا قال الطبري ونصف اليوم خمسمائة سنة أخذا من قوله تعالى وان يوما عند ربك كألف سنة فإذا انضم إلى قول بن عباس ان الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الاخبار فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبا وقد أورد السهيلي كلام الطبري وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد وأكده بحديث زمل رفعه الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها قلت وهذا الحديث انما هو عن بن زمل وسنده ضعيف جدا أخرجه بن السكن في الصحابة وقال إسناده مجهول وليس بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث وذكره في الصحابة أيضا بن منده وغيره وسماه بعضهم عبد الله وبعضهم الضحاك وقد أورده بن الجوزي في الموضوعات وقال بن الاثير ألفاظه مصنوعة ثم بين السهيلي أنه ليس في حديث نصف يوم ما ينفي الزيادة على الخمسمائة قال وقد جاء بيان ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ ان أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك الف سنة وان أساءت فنصف يوم قال وليس في قوله بعثت انا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة التأويل الماضي بل قد قيل في تأويله انه ليس بينه وبين الساعة نبي مع التقريب لمجيئها ثم جوز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث بن زمل وذكر ان عدتها تسعمائة وثلاثة قلت وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة فإن السين عند المغاربة بثلاثمائة والصاد بستين وأما المشارقة فالسين عندهم ستون والصاد تسعون فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين وقد مضت وزيادة عليها مائة وخمس وأربعون سنة فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل وقد ثبت عن بن عباس الزجر عن عد أبي جاد والاشارة إلى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي وهو من مشايخ السهيلي في فوائد رحلته ما نصه ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا اعرف أحدا يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم الا اني أقول فذكر ما ملخصه أنه لولا ان العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلا عليهم ص
[ 303 ]
وحم فصلت وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم إلى عثرة وحرصهم على زلة فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه قلت وأما عد الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود كما حكاه بن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر بن اخطب وغيره انهم حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب واستقصروا المدة أول ما نزل الم والر فلما نزل بعد ذلك المص وطسم وغير ذلك قالوا ألبست علينا الامر وعلى تقدير أن يكون ذلك مرادا فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرر فإنه ما من حرف منها الا وله سر يخصه أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف فيها فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة وعدد حروف الجميع ثمانية وسبعون حرفا وهي الم ستة حم ستة آلر خمسة طسم ثنتان المص المر كهيعص حمعسق طه طس يس ص ق ن فإذا حذف ما كرر من السور وهي خمس من الم وخمس من حم وأربع من الر وواحدة من طسم بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا فإذا حسب عددها بالجمل المغربي بلغت الفين وستمائة وأربعة وعشرين واما بالجمل المشرقي فتبلغ الفا وسبعمائة وأربعة وخمسين ولم اذكر ذلك ليعتمد عليه الا لابين ان الذي جنح إليه السهيلي لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه وفي الجملة فأقوى ما يعتمد في ذلك عليه حديث بن عمر الذي أشرت إليه قبل وقد اخرج معمر في الجامع عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال معمر وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون الف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي الا الله تعالى وقد حمل بعض شراح المصابيح حديث لن تعجز هذه الامة ان يؤخرها نصف يوم على حال يوم القيامة وزيفه الطيبي فأصاب وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لانها لا تعرف الا من جهته وهو مشهور بوضع الحديث وقد كذبه الائمة مع أنه لم يسق سنده بذلك فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله والله المستعان قوله باب كذا للاكثر بغير ترجمة وللكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها وكذا هو في نسخة الصغاني وهو مناسب ولكن الاول انسب لانه يصير كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به أن طلوع الشمس من مغربها انما يقع عند اشراف قيام الساعة كما سأقرره قوله أبو الزناد عن عبد الرحمن هو الاعرج وصرح به الطبراني في مسند الشاميين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه قوله لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها الخ هذا بعض حديث ساقه المؤلف في أواخر كتاب الفتن بهذا الاسناد بتمامه وفي أوله لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان الحديث وذكر فيه نحو عشرة أشياء من هذا الجنس ثم ذكر ما في هذا الباب وسأذكر شرحه مستوفى هناك واقتصر هنا على ما يتعلق بطلوع الشمس لانه المناسب لما قبله وما بعده من قرب القيامة خاصة وعامة قال الطيبي الآيات امارات للساعة اما على قربها واما على حصولها فمن الاول الدجال ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج والخسف ومن الثاني الدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر الناس وحديث الباب يؤذن بذلك لانه جعل في طلوعها من المغرب غاية لعدم قيام الساعة فيقتضى انها إذا طلعت كذلك انتفى عدم القيام فثبت القيام قوله فإذا طلعت
[ 304 ]
فرآها الناس آمنوا اجمعون وقع في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة في التفسير فإذا رآها الناس آمن من عليها أي على الارض من الناس قوله فذاك في رواية الكشميهني فذلك وكذا هو في رواية أبي زرعة ووقع في رواية همام عن أبي هريرة في التفسير أيضا وذلك بالواو قوله حين لا ينفع نفسا ايمانها الآية كذا هنا وفي رواية أبي زرعة ايمانها لم تكن آمنت من قبل وفي رواية همام ايمانها ثم قرأ الآية قال الطبري معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع ايمان بعد الطلوع ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع لان حكم الايمان والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئا كما قال تعالى فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا وكما ثبت في الحديث الصحيح تقبل توبة العبد ما لم يبلغ الغرغرة وقال بن عطية في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من المغرب والى ذلك ذهب الجمهور وأسند الطبري عن بن مسعود ان المراد بالبعض إحدى ثلاث هذه أو خروج الدابة أو الدجال قال وفيه نظر لان نزول عيسى بن مريم يعقب خروج الدجال وعيسى لا يقبل الا الايمان فانتفى ان يكون بخروج الدجال لا يقبل الايمان ولا التوبة قلت ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رفعه ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الارض قيل فلعل حصول ذلك يكون متتابعا بحيث تبقى النسبة إلى الاول منها مجازية وهذا بعيد لان مدة لبث الدجال إلى أن يقتله عيسى ثم لبس عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب فالذي يترجح من مجموع الاخبار ان خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الاحوال العامة في معظم الارض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وان طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب وقد اخرج مسلم أيضا من طريق أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما خرجت قبل الاخرى فالاخرى منها قريب وفي الحديث قصة لمروان بن الحكم وأنه كان يقول أول الآيات خروج الدجال فأنكر عليه عبد الله بن عمرو قلت ولكلام مروان محمل يعرف مما ذكرته قال الحاكم أبو عبد الله الذي يظهر ان طلوع الشمس يسبق خروج الدابة ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه قلت والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلا للمقصود من اغلاق باب التوبة وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس كما تقدم في حديث أنس في بدء الخلق في مسائل عبد الله بن سلام ففيه وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وسيأتي فيه زيادة في باب كيف الحشر قال بن عطية وغيره ما حاصله معنى الآية ان الكافر لا ينفعه ايمانه بعد طلوع الشمس من المغرب وكذلك العاصي لا تنفعه توبته ومن لم يعمل صالحا من قبل ولو كان مؤمنا لا ينفعه العمل بعد طلوعها من المغرب وقال القاضي عياض المعنى لا تنفع توبة بعد ذلك بل يختم على عمل كل أحد
[ 305 ]
بالحالة التي هو عليها والحكمة في ذلك ان هذا أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي فإذا شوهد ذلك حصل الايمان الضروري بالمعاينة وارتفع الايمان بالغيب فهو كالايمان عند الغرغرة وهو لا ينفع فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله وقال القرطبي في التذكرة بعد أن ذكر هذا فعلى هذا فتوبة من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة فلو امتدت أيام الدنيا بعد ذلك إلى أن ينسى هذا الامر أو ينقطع تواتره ويصير الخبر عنه آحادا فمن اسلم حينئذ أو تاب قبل منه وأيد ذلك بأنه روى ان الشمس والقمر يكسيان الضوء بعد ذلك ويطلعان ويغربان من المشرق كما كانا قبل ذلك قال وذكر أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن عمران بن حصين قال انما لا يقبل الايمان والتوبة وقت الطلوع لانه يكون حينئذ صيحة فيهلك بها كثير من الناس فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت لم تقبل توبته ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته قال وذكر الميانشي عن عبد الله بن عمرو رفعه قال تبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة قلت رفع هذا لا يثبت وقد أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقد ورد عنه ما يعارضه فأخرج أحمد ونعيم بن حماد من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو رفعه الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضا واخرج الطبراني من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو رفعه إذا طلع الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي الهي مرني ان اسجد لمن شئت الحديث وأخرج نعيم نحوه عن أبي هريرة والحسن وقتادة بأسانيد مختلفة وعند بن عساكر من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رفعه بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقط منها واحدة توالت وعن أبي العالية بين أول الآيات وآخرها ستة اشهر يتتابعن كتتابع الخرزات في النظام ويمكن الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو بأن المدة ولو كانت كما قال عشرين ومائة سنة لكنها تمر مرورا سريعا كمقدار مرو عشرين ومائة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر الحديث وفيه واليوم كاحتراق السعفة وأما حديث عمران فلا أصل له وقد سبقه إلى هذا الاحتمال البيهقي في البعث والنشور فقال في باب خروج يأجوج ومأجوج فصل ذكر الحليمي ان أول الآيات الدجال ثم نزول عيسى لان طلوع الشمس من المغرب لو كان قبل نزول عيسى لم ينفع الكفار ايمانهم في زمانه ولكنه ينفعهم إذ لو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي وهو كلام صحيح لو لم يعارض الحديث الصحيح المذكور ان أول الآيات طلوع الشمس من المغرب وفي حديث عبد الله بن عمرو طلوع الشمس أو خروج الدابة وفي حديث أبي حازم عن أبي هريرة الجزم بهما وبالدجال في عدم نفع الايمان قال البيهقي ان كان في علم الله ان طلوع الشمس سابق احتمل ان يكون المراد نفى النفع عن أنفس القرن الذين شاهدوا ذلك فإذا انقرضوا وتطاول الزمان وعاد بعضهم إلى الكفر عاد تكليفه الايمان بالغيب وكذا في قصة الدجال لا ينفع ايمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه وان كان في علم الله طلوع الشمس بعد نزول عيسى احتمل أن يكون المراد بالآيات في حديث عبد الله بن عمرو آيات أخرى غير الدجال ونزول عيسى إذ ليس في الخبر نص على أنه يتقدم عيسى قلت وهذا الثاني هو المعتمد والاخبار الصحيحة تخالفه ففي صحيح مسلم من رواية محمد بن سيرين
[ 306 ]
عن أبي هريرة رفعه من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه فمفهومه ان من تاب بعد ذلك لم تقبل ولا بي داود والنسائي من حديث معاوية رفعه لا تزال تقبل التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وسنده جيد وللطبراني عن عبد الله بن سلام نحوه وأخرج أحمد والطبري والطبراني من طريق مالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها خاء معجمة وبكسر الميم وعن معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو رفعوه لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل وأخرج أحمد والدارمي وعبد بن حميد في تفسيره كلهم من طريق أبي هند عن معاوية رفعه لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها واخرج الطبري بسند جيد من طريق أبي الشعثاء عن بن مسعود موقوفا التوبة مفروضة ما لم تطلع الشمس من مغربها وفي حديث صفوان بن عسال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان وفي حديث بن عباس نحوه عند بن مردويه وفيه فإذا طلعت الشمس من مغربها رد المصراعان فيلتئم ما بينهما فإذا اغلق ذلك الباب لم تقبل بعد ذلك توبة ولا تنفع حسنة الا من كان يعمل الخير قبل ذلك فإنه يجري لهم ما كان قبل ذلك وفيه فقال أبي بن كعب فكيف بالشمس والناس بعد ذلك قال تكسي الشمس الضوء وتطلع كما كانت تطلع وتقبل الناس على الدنيا فلو نتج رجل مهرا لم يركبه حتى تقوم الساعة وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن وعبدا لرزاق في تفسيره عن وهب بن جابر الخيواني بالخاء المعجمة قال كنا عند عبد الله بن عمرو فذكر قصة قال ثم أنشأ يحدثنا قال ان الشمس إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت في الطلوع فيؤذن لها حتى إذا كان ذات ليلة فلا يؤذن لها وتحبس ما شاء الله تعالى ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق كذلك ومن طريق أخرى وزاد فيها قصة المتهجدين وأنهم هم الذين يستنكرون بطء طلوع الشمس واخرج أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال تأتي ليلة قدر ثلاث ليال لا يعرفها الا المتهجدون يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ ثم ينام ثم يقوم فعندها يموج الناس بعضهم في بعض حتى إذا صلوا الفجر وجلسوا فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا توسطت السماء رجعت وعند البيهقي في البعث والنشور من حديث بن مسعود نحوه فينادي الرجل جاره يا فلان ما شأن الليلة لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت وعند نعيم بن حماد من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو قال لا يلبثون بعد يأجوج ومأجوج الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها فيناديهم مناد يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم ويا أيها الذين كفروا قد اغلق عنكم باب التوبة وجفت الاقلام وطويت الصحف ومن طريق يزيد بن شريح وكثير بن مرة إذا طلعت الشمس من المغرب يطبع على القلوب بما فيها وترتفع الحفظة وتؤمر الملائكة ان لا يكتبوا عملا واخرج عبد بن حميد والطبري بسند صحيح من طريق عامر الشعبي عن عائشة إذا خرجت أول الآيات طرحت الاقلام وطويت الصحف وخلصت الحفظة وشهدت الاجساد على الاعمال وهو وان كان
[ 307 ]
موقوفا فحكمه الرفع ومن طريق العوفي عن بن عباس نحوه ومن طريق بن مسعود قالا الآية التي يختم بها الاعمال طلوع الشمس من مغر بها فهذه اثار يشد بعضها بعضا متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب اغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك وان ذلك لا يختص بيوم الطلوع بل يمتد إلى يوم القيامة ويؤخذ منها ان طلوع الشمس من مغربها أول الانذار بقيام الساعة وفي ذلك رد على أصحاب الهيئة ومن وافقهم ان الشمس وغيرها من الفلكيات بسيطة لا يختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها تغيير ما هي عليه قال الكرماني وقواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة وعلى تقدير تسليمها فلا امتناع من انطباق منطقة البروج التي هي معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وبالعكس واستدل صاحب الكشاف بهذه الآية للمعتزلة فقال قوله لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسا وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا عطف على آمنت والمعنى ان أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة للايمان ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع الايمان حينئذ من غير مقدمة ايمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة ايمانها من غير تقديم عمل صالح فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكتسب خيرا ليعلم ان قوله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع بين قرينتين لا ينبغي ان تنفك إحداهما عن الاخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد والا فالشقوة والهلاك قال الشهاب السمين قد أجاب الناس بأن المعنى في الآية أنه إذا اتى بعض الآيات لا ينفع نفسا كافرة ايمانها الذي اوقعته إذ ذاك ولا ينفع نفسا سبق ايمانها ولم تكسب فيه خيرا فقد علق نفي نفع الايمان بأحد وصفين اما نفي سبق الايمان فقط واما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه انه ينفع الايمان السابق وحده وكذا السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة ويكون فيه قلب دليل المعتزلة دليلا عليهم وأجاب بن المنير في الانتصاف فقال هذا الكلام من البلاغة يلقب اللف وأصله يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة قبل ايمانها بعد ولا نفسا لم تكسب خيرا قبل ما تكتسبه من الخير بعد فلف الكلامين فجعلهما كلاما واحدا ايجازا وبهذا التقرير يظهر انها لا تخالف مذهب أهل الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير ولو نفع الايمان المتقدم من الخلود فهي بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له وقال بن الحاجب في أماليه الايمان قبل مجئ الآية نافع ولو لم يكن عمل صالح غيره ومعنى الآية لا ينفع نفسا ايمانها ولاكسبها العمل الصالح لم يكن الايمان قبل الآية أو لم يكن العمل مع الايمان قبلها فاختصر للعلم ونقل الطيبي كلام الائمة في ذلك ثم قال المعتمد ما قال بن المنير وابن الحاجب وبسطه ان الله تعالى لما خاطب المعاندين بقوله تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه الآية علل الانزال بقوله ان تقولوا انما انزل الكتاب الخ إزالة العذر والزاما للحجة وعقبة بقوله فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة تبكيتا لهم وتقريرا لما سبق من طلب الاتباع ثم قال فمن أظلم ممن كذب الآية أي انه انزل هذا الكتاب المنير كاشفا لكل ريب وهاديا إلى الطريق المستقيم ورحمة من الله للخلق ليجعلوه زادا لمعادهم فيما يقدمونه من الايمان والعمل الصالح فجعلوا شكر النعمة ان كذبوا بها ومنعوا من الانتفاع بها ثم قال هل ينظرون الآية أي ما ينتظر هؤلاء المكذبون الا أن يأتيهم عذاب الدنيا بنزول الملائكة بالعقاب الذي يستأصل شأفتهم كما جرى لمن مضى من الامم
[ 308 ]
قبلهم أو يأتيهم عذاب الآخرة بوجود بعض قوارعها فحينئذ تفوت تلك الفرصة السابقة فلا ينفعهم شئ مما كان ينفعهم من قبل من الايمان وكذا العمل الصالح مع الايمان فكأنه قيل يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها ولا كسبها العمل الصالح في ايمانها حينئذ إذا لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا من قبل ففي الآية لف لكن حذفت إحدى القرينتين بإعانة النشر ونظيره قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا قال فهذا الذي عناه بن المنير بقوله ان هذا الكلام في البلاغة يقال له اللف والمعنى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة من قبل ذلك ايمانها من بعد ذلك ولا ينفع نفسا كانت مؤمنة لكن لم تعمل في ايمانها عملا صالحا قبل ذلك ما تعمله من العمل الصالح بعد ذلك قال وبهذا التقرير يظهر مذهب أهل السنة فلا ينفع بعد ظهور الآية اكتساب الخير أي لاغلاق باب التوبة ورفع الصحف والحفظة وان كان ما سبق قبل ظهور الآية من الايمان ينفع صاحبه في الجملة ثم قال الطيبي وقد ظفرت بفضل الله بعد هذا التقرير على آية أخرى تشبه هذه الآية وتناسب هذا التقرير معنى ولفظا من غير افراط ولا تفريط وهي قوله تعالى ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم الآية فإنه يظهر منه ان الايمان المجر قبل كشف قوارع الساعة نافع وان الايمان المقارن بالعمل الصالح انفع وأما بعد حصولها فلا ينفع شئ أصلا والله اعلم انتهى ملخصا قوله ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته بكسر اللام وسكون القاف بعدها مهملة هي ذات الدر من الن وقوله يليط حوضه بضم أوله ويقال الاط حوضه إذا مدره أي جمع حجارة فصيرها كالحوض ثم سد ما بينها من الفرج بالمدر ونحوه لينحبس الماء هذا أصله وقد يكون للحوض خروق فيسدها بالمدر قبل أن يملاه وفي كل ذلك إشارة إلى أن القيامة تقوم بغتة كما قال الله تعالى لا تأتيكم الا بغتة قوله باب من احب لقاء الله احب الله لقاءه هكذا ترجم بالشق الاول من الحديث الاول إشارة إلى بقيته على طريق الاكتفاء قال العلماء محبة الله لعبده ارادته الخير له وهدايته إليه وانعامه عليه وكراهته له على الضد من ذلك قوله حدثنا حجاج هو بن المنهال البصري وهو من كبار شيوخ البخاري وقد روى عن همام أيضا حجاج بن محمد المصيصي لكن لم يدركه البخاري قوله عن قتادة لهمام فيه إسناد آخر أخرجه أحمد عن عفان عن همام عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثني فلان بن فلان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله بمعناه وسنده قوي وإبهام الصحابي لا يضر وليس ذلك اختلافا على همام فقد أخرجه أحمد عن عفان عن همام عن قتادة قوله عن أنس في رواية شعبة عن قتادة سمعت أنسا وسيأتي بيانه في الرواية المعلقة قوله عن عبادة بن الصامت قد رواه حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أخرجه أحمد والنسائي والبزار من طريقه وذكر البزار انه تفرد به فان أراد مطلقا وردت عليه رواية قتادة وان أراد بقيد كونه جعله من مسند أنس سلم قوله من احب لقاء الله احب الله لقاءه قال الكرماني ليس الشرط سببا للجزاء بل الامر بالعكس ولكنه على تأويل الخبر أي من احب لقاء الله أخبره
[ 309 ]
بأن الله احب لقاءه وكذا الكراهة وقال غيره فيما نقله بن عبد البر وغيره من هنا خبرية وليست شرطية فليس معناه ان سبب حب الله لقاء العبد حب العبد لقاءه ولا الكراهة ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم عند ربهم والتقدير من احب لقاء الله فهو الذي احب الله لقاءه وكذا الكراهة قلت ولا حاجة إلى دعوى نفي الشرطية فسيأتي في التوحيد من حديث أبي هريرة رفعه قال الله عزوجل إذا احب عبدي لقائي أحببت لقاءه الحديث فيتعين أن من في حديث الباب شرطية وتأويلها ما سبق وفي قوله احب الله لقاءه العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيما وتعظيما ودفعا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى وأيضا فعود الضمير على المضاف إليه قليل وقرأت بخط بن الصائغ في شرح المشارق يحتمل أن يكون لقاء الله مضافا للمفعول فإقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول أو للفاعل الضمير أو للموصول لان الجواب إذا كان شرطا فالاولى ان يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديرا قوله ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال المازري من قضى الله بموته لا بد ان يموت وان كان كارها للقاء الله ولو كره الله موته لما مات فيحمل الحديث على كراهته سبحانه وتعالى الغفران له وإرادته لابعاده من رحمته قلت ولا اختصاص لهذا البحث بهذا الشق فإنه يأتي مثله في الشق الاول كأن قال مثلا من قضى الله بامتداد حياته لا يموت ولو كان محبا للموت الخ قوله قالت عائشة أو بعض أزواجه كذا في هذه الرواية بالشك وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردد وهذه الزيادة في هذا الحديث لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة والمعنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مراجعة عائشة أو من كلام أنس بأن يكون حضر ذلك فقد وقع في رواية حميد التي أشرت إليها بلفظ فقلنا يا رسول الله فيكون اسند القول إلى جماعة وان كان المباشر له واحدا وهي عائشة وكذا وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى التي أشرت إليها وفيها فأكب القوم يبكون وقالوا انا نكره الموت قال ليس ذلك ولابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث الباب وفيه قيل يا رسول الله ما منا من أحد الا وهو يكره الموت فقال إذا كان ذلك كشف له ويحتمل أيضا ان يكون من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة عنه عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة فيكون في رواية همام ادراج وهذا أرجح في نظري فقد أخرجه مسلم عن هداب بن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة الخ ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا تاما وكذا أخرجه هو وأحمد من رواية شعبة والنسائي من رواية سليمان التيمي كلاهما عن قتادة وكذا جاء عن أبي هريرة وغير واحد من الصحابة بدون المراجعة وقد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى جميعا عن هدبة بن خالد عن همام تاما كما أخرجه البخاري عن حجاج عن همام وهدبة هو هداب شيخ مسلم فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة وقد رمز البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره الخ وكذا أشار إلى رواية سعيد تعليقا وهذا من العلل الخفية جدا قوله انا لنكره الموت في رواية سعد بن هشام فقالت يا نبي الله اكراهة الموت فكلنا نكره الموت قوله بشر برضوان الله وكرامته في رواية
[ 310 ]
سعد بن هشام بشر برحمة الله ورضوانه وجنته وفي حديث حميد عن أنس ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شئ احب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولكنه إذا حضر فإما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك احب لقاء الله والله للقائه احب قوله فليس شئ احب إليه مما أمامه بفتح الهمزة أي ما يستقبله بعد الموت وقد وقعت هذه المراجعة من عائشة لبعض التابعين فأخرج مسلم والنسائي من طريق شريح بن هانئ‌قال سمعت أبا هريرة فذكر أصل الحديث قال فأتيت عائشة فقلت سمعت حديثا ان كان كذلك فقد هلكنا فذكره قال وليس منا أحد الا وهو يكره الموت فقالت ليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر بفتح الشين والخاء المعجمتين وآخره مهملة أي فتح المحتضر عينيه إلى فوق فلم يطرف وحشرج الصدر بحاء مهملة مفتوحة بعدها معجمة وآخره جيم أي ترددت الروح في الصدر واقشعر الجلد وتشجنت بالشين المعجمة والنون الثقيلة والجيم أي تقبضت وهذه الامور هي حالة المحتضر وكأن عائشة اخذته من معنى الخبر الذي رواه عنها سعد بن هشام مرفوعا وأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن شريح بن هانئ عن عائشة مثل روايته عن أبي هريرة وزاد في اخره والموت دون لقاء الله وهذه الزيادة من كلام عائشة فيما يظهر لي ذكرتها استنباطا مما تقدم وعند عبد بن حميد من وجه آخر عن عائشة مرفوعا إذا راد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام ملكا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعد له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه قال الخطابي تضمن حديث الباب من التفسير ما فيه غنية عن غيره واللقاء يقع على أوجه منها المعاينة ومنها البعث كقوله تعالى الذين كذبوا بلقاء الله ومنها الموت كقوله من كان يرجو لقاء الله فإن اجل الله لآت وقوله قل ان الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم وقال بن الاثير في النهاية المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لان كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها احب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لانه انما يصل إليه بالموت وقول عائشة والموت دون لقاء الله يبين ان الموت غير اللقاء ولكنه معترض دون الغرض المطلوب فيجب ان يصبر عليه ويحتمل مشاقه حتى يصل إلى الفوز باللقاء قال الطيبي يريد أن قول عائشة انا لنكره الموت يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لان لقاء الله غير الموت بدليل قوله في الرواية الاخرى والموت دون لقاء الله لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله وقد سبق بن الاثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الامام أبو عبيد القاسم بن سلام فقال ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته لان هذا لا يكاد يخلو عنه أحد ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية ان يصير إلى الله والدار الآخرة قال ومما يبين ذلك ان الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وقال الخطابي معنى محبة العبد للقاء الله ايثاره الآخرة على الدنيا فلا يحب استمرار الاقامة فيها بل يستعد للارتحال عنها والكراهة بضد ذلك وقال النووي معنى الحديث أن المحبة والكراهة
[ 311 ]
التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لاتقبل فيها التوبة حيث ينكشف الحال للمحتضر ويظهر له ما هو صائر إليه قوله بشر بعذاب الله وعقوبته في رواية سعد بن هشام بشر بعذاب الله وسخطه وفي رواية حميد عن أنس وان الكافر أو الفاجر إذا جاءه ما هو صائر إليه من السوء أو ما يلقى من الشر الخ وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ما مضى قوله اختصره أبو داود وعمرو عن شعبة يعني عن قتادة عن أنس عن عبادة ومعنى اختصاره انه اقتصر على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة الخ فأما رواية أبي داود وهو الطيالسي فوصلها الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود وكذا وقع لنا بعلو في مسند أبي داود الطيالسي وأما رواية عمرو وهو بن مرزوق فوصلها الطبراني في المعجم الكبير عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي كلاهما عن عمرو بن مرزوق وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة وهو عند مسلم من رواية محمد بن جعفر وهو غندر قوله وقال سعيد عن قتادة الخ وصله مسلم من طريق خالد بن الحارث ومحمد بن بكر كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة كما تقدم بيانه وكذا أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة من رواية سعيد بن أبي عروبة ووقع لنا بعلو في كتاب البعث لابن أبي داود وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم البداءة بأهل الخير في الذكر لشرفهم وان كان أهل الشر أكثر وفيه أن المجازاة من جنس العمل فإنه قابل المحبة بالمحبة والكراهة بالكراهة وفيه ان المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وفيه نظر فإن اللقاء أعم من الرؤية ويحتمل على بعد ان يكون في قوله لقاء الله حذف تقديره لقاء ثواب الله ونحو ذلك ووجه البعد فيه الاتيان بمقابله لان أحدا من العقلاء لا يكره لقاء ثواب الله بل كل من يكره الموت انما يكرهه خشية ان لا يلقى ثواب الله اما لابطائه عن دخول الجنة بالشغل بالتبعات واما لعدم دخولها أصلا كالكافر وفيه ان المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلا على أنه بشر بالخير وكذا بالعكس وفيه ان محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لانها ممكنة مع عدم تمني الموت كأن تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وان النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة وفيه ان في كراهة الموت في حال الصحة تفصيلا فمن كرهه ايثارا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة كان مذموما ومن كرهه خشية ان يفضي إلى المؤاخذة كأن يكون مقصرا في العمل لم يستعد له بالاهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب فهو معذور لكن ينبغي لمن وجد ذلك أن يبادر إلى أخذ الاهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى وفيه أن الله تعالى لا يراه في الدنيا أحد من الاحياء وانما يقع ذلك للمؤمنين بعد الموت اخذا من قوله والموت دون لقاء الله وقد تقدم ان اللقاء أعم من الرؤية فإذا انتفى اللقاء انتفت الرؤية وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي امامه مرفوعا في حديث طويل وفيه واعلموا انكم ان تروا ربكم حتى تموتوا الحديث الثاني حديث أبي موسى مثل حديث عبادة دون قوله فقالت عائشة الخ وكأنه أورده استظهارا لصحة الحديث وقد أخرجه مسلم أيضا وبريد بموحدة ثم مهملة هو بن عبد الله بن أبي بردة الحديث الثالث قوله أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم كذا في رواية عقيل ومضى في الوفاة النبوية من طريق
[ 312 ]
شعيب عن الزهري أخبرني عروة ولم يذكر معه أحدا ومن طريق يونس عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم ولم يذكر عروة وقد ذكرت في كتاب الدعوات تسمية بعض من ابهم في هذه الرواية من شيوخ الزهري وتقدم شرح الحديث مستوفي في الوفاة النبوية ومناسبته للترجمة من جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للقاء الله بعد أن خير بين الموت والحياة فاختار الموت فينبغي الاستنان به في ذلك وقد ذكر بعض الشراح ان إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت لما أتاه ليقبض روحه هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى إليه قل له هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله فقال يا ملك الموت الان فاقبض ووجدت في المبتدأ لابي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء بسند له عن بن عمر قال قال ملك الموت يا رب ان عبدك إبراهيم جزع من الموت فقال قل له الخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق إليه فبلغه فقال نعم يا رب قد اشتقت إلى لقائك فأعطاه ريحانة فشمها فقبض فيها قوله باب سكرات الموت بفتح المهملة والكاف جمع سكرة قال الراغب وغيره السكر حالة تعرض بين المرء وعقله وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر ويطلق في الغضب والعشق والالم والنعاس والغشي الناشئ عن الالم وهو المراد هنا وذكر فيه ستة أحاديث الاول قوله عن عمر بن سعيد أي بن أبي حسين المكي قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة بضم المهملة وسكون الام بعدها موحدة قوله شك عمر هو بن سعيد بن أبي حسين راويه وتقدم في الوفاة النبوية بلفظ يشك عمر وفي رواية الاسماعيلي شك بن أبي حسين قوله فجعل يدخل يده عند الكشميهني يديه بالتثنية وكذا تقدم لهم في الوفاة النبوية بهذا الاسناد في اثناء حديث أوله قصة السواك فاختصره المؤلف هنا قوله فيمسح بها في رواية الكشميهني بهما بالتثنية وكذا لهم في الوفاة قوله ان للموت سكرات وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ ثم يقول اللهم اعني على سكرات الموت وقد تقدم شرح الحديث مستوفي هناك وتقدم هناك أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عائشة مات النبي صلى الله عليه وسلم وانه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الترمذي عنها بلفظ ما اغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله العلبة من الخشب والركوة من الادم ثبت هذا في رواية المستملي وحده وهو المشهور في تفسيرهما ووقع في المحكم الركوة شبه تور من أدم قال المطرزي دلو صغير وقال غيره كالقصعة تتخذ من جلد ولها طوق خشب وأما العلبة فقال العسكري هي قدح الاعراب تتخذ من جلد وقال بن فارس قدح ضخم من خشب وقد يتخذ من جلد وقيل اسفله جلد وأعلاه خشب مدور وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن اما زيادة في حسناته واما تكفير لسيأته وبهذا التقرير تظهر مناسبة أحاديث الباب للترجمة الحديث الثاني قوله صدقة هو بن الفضل المروزي وعبدة هو بن سليمان وهشام هو بن عروة قوله كان رجال من الاعراب لم اقف على اسمائهم قوله جفاة في رواية الاكثر بالجيم وفي رواية بعضهم بالمهملة وانما وصفهم بذلك اما على رواية الجيم فلان سكان البوادي يغلب عليهم الشظف وخشونة العيش فتجفو اخلاقهم
[ 313 ]
غالبا واما على رواية الحاء فلقلة اعتنائهم بالملابس قوله متى الساعة في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام كان الاعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة وكان ذلك لما طرق اسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن فأرادوا أن يعرفوا تعيين وقتها قوله فينظر إلى اصغرهم في رواية مسلم فنظر لى أحدث انسان منهم فقال ورواية عبدة ظاهرها تكرير ذلك ويؤيد سياق مسلم حديث أنس عنده ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة ولم اقف على اسم هذا بعينه لكنه يحتمل ان يفسر بذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وسأل متى تقوم الساعة وقال اللهم ارحمني ومحمدا ولكن جوابه عن السؤال عن الساعة مغاير لجواب هذا قوله ان يعش هذا لا يدركه الهرم في حديث أنس عند مسلم وعنده غلام من الانصار يقال له محمد وله في رواية أخرى وعنده غلام من ازد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون ومد وبعد الواو همزة ثم هاء تأنيث وفي أخرى له غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني ولا مغايرة بينهما وطريق الجمع انه كان من ازد شنوءة وكان حليفا للانصار وكان يخدم المغيرة وقول أنس وكان من اقراني وفي رواية له من اترابي يريد في السن وكان سن أنس حينئذ نحو سبع عشرة سنة قوله حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام هو بن عروة راويه يعني موتهم وهو موصول بالسند المذكور وفي حديث أنس حتى تقوم الساعة قال عياض حديث عائشة هذا يفسر حديث أنس وان المراد ساعة المخاطبين وهو نظير قوله أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الارض ممن هو عليها الان أحد وقد تقدم بيانه في كتاب العلم وان المراد انقراض ذلك القرن وان من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت مائة سنة من وقت تلك المقالة لا يبقى منهم أحد ووقع الامر كذلك فان آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة وقيل كانت وفاته قبل ذلك فإن كان كذلك فيحتمل ان يكون تأخر بعد بعض من أدرك ذلك الزمان وان لم يثبت انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبه احتج جماعة من المحققين على كذب من ادعى الصحبة أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت وقال الراغب الساعة جزء من الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيها بذلك لسرعة الحساب قال الله تعالى وهو أسرع الحاسبين أو لما نبه عليه بقوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار واطلقت الساعة على ثلاثة أشياء الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة والوسطى وهي موت أهل القرن الواحد نحو ما روى انه رأى عبد الله بن أنيس فقال ان يطل عمر هذا الغلام لم يمت تى تقوم الساعة فقيل انه آخر من مات من الصحابة والصغرى موت الانسان فساعة كل انسان موته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح تخوفت الساعة يعني موته انتهى وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم اقف عليه ولا هو اخر من مات من الصحابة جزما قال الداودي هذا الجواب من معاريض الكلام فإنه لو قال لهم لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء وقبل تمكن الايمان في قلوبهم لارتابوا فعدل إلى اعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه ولو كان تمكن الايمان في قلوبهم لافصح لهم بالمراد وقال بن الجوزي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بأشياء على سبيل القياس وهو دليل معمول به فكأنه لما نزلت عليه الآيات في تقريب الساعة
[ 314 ]
كقوله تعالى اتى أمر الله فلا تستعجلوه وقوله تعالى وما أمر الساعة الا كلمح البصر حمل ذلك على انها لا تزيد على مضي قرن واحد ومن ثم قال في الدجال ان يخرج وانا فيكم فأنا حجيجه فجوز خروج الدجال في حياته قال وفيه وجه آخر فذكر نحو ما تقدم قلت والاحتمال الذي أبداه بعيد جدا والذي قبله هو المعتمد والفرق بين الخبر عن الساعة وعن الدجال تعيين المدة في الساعة دونه والله اعلم وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى حدث بها خواص اصحابه تدل على أن بين يدي الساعة أمورا عظاما كما سيأتي بعضها صريحا واشارة ومضى بعضها في علامات النبوة وقال الكرماني هذا الجواب من الاسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعملها الا الله واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لان معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لان أحدكم لا يدري من الذي يسبق الاخر الحديث الثالث قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وحلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الاولى ساكنة والثانية مفتوحة وقد صرح بسماعه من بن كعب في الرواية الثانية والسند كله مدنيون ولم تختلف الرواة في الموطأ عن مالك فيه قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضم الميم على البناء للمجهول ولم اقف على اسم المار ولا المرور بجنازته قوله عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في الموطآت للدارقطني من طريق إسحاق بن عيسى عن مالك بلفظ مر برسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة والباء على هذا بمعنى على وذكر الجنازة باعتبار الميت قوله قال مستريح كذا هنا ووقع في رواية فقال بزيادة الفاء في أوله وكذا في رواية المحاربي المذكورة وكذا للنسائي من رواية وهب بن كيسان عن معبد بن مالك وقال في روايته كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلعت جنازة مستريح ومستراح منه الواو فيه بمعنى أو وهي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم قوله قالوا أي الصحابة ولم اقف على اسم السائل منهم بعينه الا ان في رواية إبراهيم الحربي عند أبي نعيم قلنا فيدخل فيهم أبو قتادة فيحتمل أن يكون هو السائل قوله ما المستريح والمستراح منه في رواية الدارقطني وما المستراح منه بإعادة ما قوله من نصب الدنيا وأذاها زاد النسائي في رواية وهب بن كيسان من أو صاب الدنيا والاوصاب جمع وصب بفتح الواو والمهملة ثم موحدة وهو دوام الوجع ويطلق أيضا على فتور البدن والنصب بوزنه لكن أوله نون هو التعب وزنه ومعناه والاذى من عطف العام على الخاص قال بن التين يحتمل أن يريد بالمؤمن التقى خاصة ويحتمل كل مؤمن والفاجر يحتمل أن يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي وقال الداودي اما استراحة العباد فلما يأتي به من المنكر فإن أنكروا عليه آذاهم وان تركوه اثموا واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي فإن ذلك ما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل وتعقب الباجي أول كلامه بأن من ناله اذاه لا يأثم بتركهن لانه بعد أن ينكر بقلبه أو ينكر بوجهه لا يناله به أذى ويحتمل أن يكون المراد براحة العباد منه لما يقع لهم من ظلمه وراحة الارض منه لما يقع عليها من غصبها ومنعها من حقها وصرفه في غير وجهه وراحة الدواب مما لا يجوز من اتعابها والله اعلم قوله في الطريق الثانية يحيى هو القطان وعبد ربه بن سعيد كذا وقع هنا لابي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في رواية أبي زيد المروزي ووقع عند مسلم عن محمد بن المثنى عن يحيى عن عبد الله بن سعيد بن أبي
[ 315 ]
هند وكذا أخرجه أبو يعلى من طريق يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد لكن لم يذكر جده وكذا عنده وعند مسلم من طريق عبد الرزاق وعند الاسماعيلي أيضا من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال كل منهما حدثنا عبد الله بن سعيد وكذا أخرجه بن السكن من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربي عن مسدد شيخ البخاري فيه مثله سواء قال أبو علي الجياني هذا هو الصواب وكذا رواه بن السكن عن الفربري فقال في روايته عن عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند والحديث محفوظ له لا لعبد ربه قلت وجزم المزي في الاطراف ان البخاري أخرجه لعبد الله بن سعيد بن أبي هند بهذا السند وعطف عليه رواية مسلم ولكن التصريح بابن أبي هند لم يقع في شئ من نسخ البخاري قوله مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح كذا أورده بدون السؤال والجواب مقتصرا على بعضه وأورده الاسماعيلي من طريق بندار وأبي موسى عن يحيى القطان ومن طريق عبد الرزاق قال حدثنا عبد الله بن سعيد تاما ولفظه مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر مثل سياق مالك لكن قال فقيل يا رسول الله ما مستريح الخ تنبيه مناسبة دخول هذا الحديث في الترجمة ان الميت لا يعدو أحد القسمين اما مستريح واما مستراح منه وكل منهما يجوز ان يشدد عليه عند الموت وان يخفف والاول هو الذي يحصل له سكرات الموت ولا يتعلق ذلك بتقواه ولا بفجوره بل ان كان من أهل التقوى ازداد ثوابا وإلا فيكفر عنه بقدر ذلك ثم يستريح من أذى الدنيا الذي هذا خاتمته ويؤيد ذلك ما تقدم من كلام عائشة في الحديث الاول وقد قال عمر بن عبد العزيز ما احب ان يهون على سكرات الموت انه لآخر ما يكفر به عن المؤمن ومع ذلك فالذي يحصل للمؤمن من البشرى ومسرة الملائكة بلقائه ورفقهم به وفرحه بلقاء ربه يهون عليه كل ما يحصل له من الم الموت حتى يصير كأنه لا يحس بشئ من ذلك الحديث الرابع قوله سفيان هو بن عيينة وليس لشيخه عبد الله بن أبي بكر في الصحيح عن أنس الا هذا الحديث قوله يتبع الميت كذا للسرخسي والاكثر وفي رواية المستملي المرء وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني المؤمن والاول المعتمد فهو المحفوظ من حديث بن عيينة وهو كذلك عند مسلم قوله يتبعه أهله وماله وعمله هذا يقع في الاغلب ورب ميت لا يتبعه الا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابه على ما جرت به عادة العرب وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء اقاموا بعد الدفن أم لا ومعنى بقاء علمه انه يدخل معه القبر وقد وقع في حديث البراء بن عازب الطويل في صفة المسألة في القبر عند أحمد وغير ففيه ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فيقول انا عملك الصالح وقال في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه الحديث وفيه بالذي يسوءك وفيه عملك الخبيث قال الكرماني التبعية في حديث أنس بعضها حقيقة وبعضها مجاز فيستفاد منه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه قلت هو في الاصل حقيقة في الحس ويطرقه المجاز في البعض وكذا المال وأما العمل فعلى الحقيقة في الجميع وهو مجاز بالنسبة إلى التبعية في الحس الحديث الخامس قوله أبو النعمان هو محمد بن الفضل والسند إلى نافع بصريون قوله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده كذا للاكثر وفي رواية المستملي والسرخسي على مقعده وهذا العرض يقع على الروح حقيقة وعلى
[ 316 ]
ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب على ما تقدم تقريره وأبدى القرطبي في ذلك احتمالين هل هو على الروح فقط أو عليها وعلى جزء من البدن وحكى بن بطال عن بعض أهل بلدهم أن المراد بالعرض هنا الاخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم عند الله وأريد بالتكرير تذكارهم بذلك واحتج بأن الاجساد تفنى والعرض لا يقع على شئ فإن قال فبان أن العرض الذي يدوم إلى يوم القيامة انما هو على الارواح خاصة وتعقب بأن حمل العرض على الاخبار عدول عن الظاهر بغير مقتض لذلك ولا يجوز العدول الا بصارف يصرفه عن الظاهر قلت ويؤيد الحمل على الظاهر أن الخبر ورد على العموم في المؤمن والكافر فلو اختص بالروح لم يكن للشهيد في ذلك كبير فائدة لان روحه منعمة جزما كما في الاحاديث الصحيحة وكذا روح الكافر معذبة في النار جزما فإذا حمل على الروح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الشهيد وفي حق الكافر أيضا قوله غدوة وعشية أي أول النهار وآخره بالنسبة إلى أهل الدنيا قوله اما النار واما الجنة تقدم في الجنائز من رواية مالك بلفظ ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وتقدم توجيهه في أواخر كتاب الجنائز وتقدم هناك بحث القرطبي في المفهم ثم ان هذا العرض للمؤمن المتقي والكافر ظاهر وأما المؤمن المخلط فيحتمل أيضا أن يعرض عليه مقعده من الجنة التي سيصير إليها قلت والانفصال عن هذا الاشكال يظهر من الحديث الذي أخرجه بن أبي الدنيا والطبراني وصححه بن حبان من حديث أبي هريرة في قصة السؤال في القبر وفيه ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا الحديث وفيه في حق الكافر ثم يفتح له باب من أبواب النار وفيه فيزداد حسرة وثبورا في الموضعين وفيه لو اطعته واخرج الطبراني عن بن مسعود ما من نفس الا وتنظر في بيت في الجنة وبيت في النار فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال لو عملتم ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال لولا ان من الله عليكم ولاحمد عن عائشة ما يؤخذ منه أن رؤية ذلك للنجاة أو العذاب في الآخرة فعلى هذا يحتمل في المذنب الذي قدر عليه ان يعذب قبل أن يدخل الجنة أن يقال له مثلا بعد عرض مقعده من الجنة هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك نسأل الله العفو والعافية من كل بلية في الحياة وبعد الموت انه ذو الفضل العظيم قوله فيقال هذا مقعدك حتى تبعث إليه في رواية الكشميهني عليه وفي طريق مالك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وقد بينت الاشارة إليه بعد خمسة أبواب الحديث السادس حديث عائشة في النهى عن سب الاموات تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز قوله باب نفخ الصور تكرر ذكره في القرآن في الانعام والمؤمنين والنمل والزمر وق وغيرها وهو بضم المهملة وسكون الواو وثبت كذلك في القراءات المشهورة والاحاديث وذكر عن الحسن البصري أنه قرأها بفتح الواو جمع صورة وتأوله على أن المراد النفخ في الاجساد لتعاد إليها الارواح وقا أبو عبيدة في المجاز يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة كما يقال سور المدين جمع سورة قال الشاعر لما اتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة فيستوى معنى القراءتين وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد كالصوف جمع صوفة قالوا والمراد النف في الصور وهي الاجساد لتعاد فيها الاواح
[ 317 ]
كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي وتعقب قوله جمع بأن هذه أسماء اجناس لا جموع وبالغ النحاس وغيره في الرد على التأويل وقال الازهري انه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة قلت وقد اخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة من طريق وهب بن منبه من قوله قال خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة فذكر الحديث وفيه ثم تجمع الارواح كلها في الصور ثم يأمر الله إسرائيل فينفخ فيه فتدخل كل روح في جسدها فعلى هذا فالنفخ يقع في الصور أولا ليصل النفخ بالروح إلى الصور وهي الاجساد فاضافة النفخ إلى الصور الذي هو القرن حقيقة والى الصور التي هي الاجساد مجاز قوله قال مجاهد الصور كهيئة البوق وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى ونفخ في الصور قال كهيئة البوق وقال صاحب الصحاح البوق الذي يزمر به وهو معروف ويقال للباطل يعني يطلق ذلك عليه مجازا لكونه من جنس الباطل تنبيه لا يلزم من كون الشئ مذموما أن لا يشبه به الممدوح فقد وقع تشبيه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع النهي عن استصحاب الجرس كما تقدم تقريره في بدء الوحي والصور انما هو قرن كما جاء في الاحاديث المرفوعة وقد وقع في قصة بدء الاذان بلفظ البوق والقرن في الالة التي يستعملها اليهود للاذان ويقال ان الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر نحن نفخناهم غداة النقعين نطحا شديدا لا كنطح الصورين واخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه والترمذي أيضا وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا كيف انعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الاذن متى يؤمر بالنفخ وأخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة ولاحمد والبيهقي من حديث بن عباس وفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو صاحب الصور يعني اسرافيل وفي أسانيد كل منهما مقال وللحاكم بسند حسن عن يزيد بن الاصم عن أبي هريرة رفعه ان طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عيينة كوكبان دريان قوله زجرة صيحة هو من تفسير مجاهد أيضا وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون قال صيحة وفي قوله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة قال صيحة قلت وهي عبارة عن نفخ الصور النفخة الثانية كما عبر بها عن النفخة الاولى في قوله تعالى ما ينظرون الا صيحة واحدة تأخذهم الآية قوله قال بن عباس الناقور الصور وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور قال الصور ومعنى نقر نفخ قاله في الاساس واخرج البيهقي من طريق أخرى عن بن عباس في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف انعم وقد التقم صاحب القرن القرن الحديث تنبيه اشتهر أن صاحب الصور اسرافيل عليه السلام ونقل فيه الحليمي الاجماع ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه المذكور وفي حديث أبي سعيد عند
[ 318 ]
البيهقي وفي حديث أبي هريرة عند بن مردوية وكذا في حديث الصور الطويل الذي أخرجه عبد بن حميد والطبري وأبو يعلى في الكبير والطبراني في الطوالات وعلي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية والبيهقي في البعث من حديث أبي هريرة ومداره على إسماعيل بن رافع واضطرب في سنده مع ضعفه فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الانصار مبهم أيضا وأخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء أيضا في تفسيره عن محمد بن عجلان عن محمد بن كعب القرظي واعترض مغلطاي على عبد الحق في تضعيفه الحديث بإسماعيل بن رافع وخفي عليه أن الشامي أضعف منه ولعله سرقه منه فألصقه بابن عجلان وقد قال الدارقطني انه متروك يضع الحديث وقال الخليلي شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع عليه وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في حديث الصور جمعه إسماعيل بن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبي هريرة فساقه كله مساقا واحدا وقد صحح الحديث من طريق إسماعيل بن رافع القاضي أبو بكر بن العربي في سراجه وتبعه القرطبي في التذكرة وقول عبد الحق في تضعيفه أولى وضعفه قبله البيهقي فوقع في هذا الحديث عند علي بن معبد ان الله خلق الصور فأعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش الحديث وقد ذكرت ما جاء عن وهب بن منبه في ذلك فلعله أصله وجاء أن الذي ينفخ في الصور غيره ففي الطبراني الاوسط عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت يا كعب أخبرني عن اسرافيل فذكر الحديث وفيه وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الاخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره إلى اسرافيل وقد أمر إذا رأى اسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور فقالت عائشة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات الا على بن زيد بن جدعان ففيه ضعف فان ثبت حمل على انهما جميعا ينفخان ويؤيده ما أخرجه هناد بن السري في كتاب الزهد بسند صحيح لكنه موقوف على عبد الرحمن بن أبي عمرة قال ما من صباح الا وملكان موكلان بالصور ومن طريق عبد الله بن ضمرة مثله وزاد ينتظران متى ينفخان ونحوه عند أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب أو قال بالعكس ينتظران متى يؤمران ان ينفخا في الصور فينفخا ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك ولابن ماجة والبزار من حديث أبي سعيد رفعه ان صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران وعلى هذا فقوله في حديث عائشة انه إذا رأى اسرافيل ضم جناحيه نفخ انه ينفخ النفخة الاولى وهي نفخة الصعق ثم ينفخ اسرافيل النفخة الثانية وهي نفخة البعث قوله الراجفة النفخة الاولى والرادفة النفخة الثانية هو من تفسير بن عباس أيضا وصله الطبري أيضا وابن ابي حاتم بالسند المذكور وقد تقدم بيانه في تفسير سورة والنازعات وبه جزم الفراء وغيره في معاني القرآن وعن مجاهد قال الراجفة الزلزلة والرادفة الدكدكة أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما عنه ونحوه في حديث الصور الطويل قال في رواية علي بن معبد ثم ترتج الارض وهي الراجفة فتكون الارض كالسفينة في البحر تضربها الامواج ويمكن الجمع بان الزلزلة تنشأ عن نفخة الصعق ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة ان الناس يصعقون وقد تقدم شرحه في قصة موسى
[ 319 ]
عليه السلام من أحاديث الانبياء وذكرت فيه ما نقل عن بن حزم ان النفخ في الصور يقع أربع مرات وتعقب كلامه في ذلك ثم رأيت في كلام بن العربي انها ثلاث نفخة الفزع كما في النمل ونفخة الصعق كما في الزمر ونفخة البعث وهي المذكورة في الزمر أيضا قال القرطبي والصحيح انهما نفختان فقط لثبوت الاستثناء بقوله تعالى الا من شاء الله في كل من الايتين ولا يلزم من مغايرة الصعق للفزع ان لا يحصلا معا من النفخة الاولى ثم وجدت مستند بن العربي في حديث الصور الطويل فقال فيه ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين أخرجه الطبري هكذا مختصرا وقد ذكرت ان سنده ضعيف ومضطرب وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو انهما نفختان ولفظه في اثناء حديث مرفوع ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد الا اصغي ليتا ورفع ليتا ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فتنبت منه اجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون واخرج البيهقي بسند قوي عن بن مسعود موقوفا ثم يقوم ملك الصور بين السماء والارض فينفخ فيه والصور قرن فلا يبقى لله خلق في السماوات ولا في الارض الا مات الا من شاء ربك ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون وفي حديث أوس بن أوس الثقفي رفعه ان أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد تقدم في تفسير سورة الزمر من حديث أبي هريرة بين النفختين أربعون وفي كل ذلك دلالة على أنهما نفختان فقط وقد تقدم شرحه هناك وفيه شرح قول أبي هريرة لما قيل له أربعون سنة أبيت بالموحدة ومعناه امتنعت من تبيينه لاني لا أعلمه فلا اخوض فيه بالرأي وقال القرطبي في التذكرة يحتمل قوله امتنعت ان يكون عنده علم منه ولكنه لم يفسره لانه لم تدع الحاجة إلى بيانه ويحتمل أن يريد امتنعت أن أسأل عن تفسيره فعلى الثاني لا يكون عنده علم منه قال وقد جاء أن بين النفختين أربعين عاما قلت وقع كذلك في طريق ضعيف عن أبي هريرة في تفسير بن مردويه وأخرج بن المبارك في الرقائق من مرسل الحسن بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل حي والاخرى يحيى الله بها كل ميت ونحوه عند بن مردويه من حديث بن عباس وهو ضعيف أيضا وعنده أيضا ما يدل على أن أبا هريرة لم يكن عنده علم بالتعيين فاخرج عنه بسند جيد أنه لما قالوا أربعون ماذا قال هكذا سمعت واخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة فذكر حديث أبي هريرة منقطعا ثم قال قال اصحابه ما سألناه عن ذلك ولا زادنا عليه غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة وفي هذا تعقب على قول الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعين سنة قلت وجاء فيما يصنع بالموتى بين النفختين ما وقع في حديث الصور الطويل أن جميع الاحياء إذا ماتوا بعد النفخة الاولى ولم يبق الا الله قال سبحانه أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لله الواحد القهار وأخرج النحاس من طريق أبي وائل عن عبد الله ان ذلك يقع بعد الحشر ورجحه ورجح القرطبي الاول ويمكن الجمع بأن ذلك يقع مرتين وهو أولى واخرج البيهقي من طريق أبي الزعراء كنا عند عبد الله بن مسعود فذكر الدجال إلى أن قال ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون فليس في بني آدم خلق الا في الارض منه شئ قال فيرسل الله ماء من تحت العرش فتنبت جسمانهم ولحماتهم من
[ 320 ]
ذلك الماء كما تنبت الارض من الري ورواته ثقات الا انه موقوف تنبيه إذا تقرر أن النفخة للخروج من القبور فكيف تسمعها الموتى والجواب يجوز أن تكون نفخة البعث تطول إلى أن يتكامل احياؤهم شيئا بعد شئ وتقدم الالمام في قصة موسى بشئ مما ورد في تعيين من استثنى الله تعالى في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال الاول انهم الموتى كلهم لكونهم لا احساس لهم فلا يصعقون وإلى هذا جنح القرطبي في المفهم وفيه ما فيه ومستنده أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح وتعقبه صاحب القرطبي في التذكرة فقال قد صح فيه حديث أبي هريرة وفي الزهد لهناد بن السرى عن سعيد بن جبير موقوفا هم الشهداء وسنده إلى سعيد صحيح وسأذكر حديث أبي هريرة في الذي بعده وهذا هو قول الثاني الثالث الانبياء والى ذلك جنح البيهقي في تأويل الحديث في تجويزه أن يكون موسى من استثنى الله قال ووجهه عندي انهم احياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الاولى صعقوا ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه الا في ذهاب الاستشعار وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم ان يكون موسى ممن استثنى الله فان كان منهم فإنه لا يذهب استشعاره في تلك الحالة بسبب ما وقع له في صعقة الطور ثم ذكر اثر سعيد بن جبير في الشهداء وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سأل جبريل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله ان يصعقوا قال هم شهداء الله عزوجل صححه الحاكم ورواته ثقات ورجحه الطبري الرابع قال يحيى بن سلام في تفسيره بلغني أن اخر من يبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت مت فيموت قلت وجاء نحو هذا مسندا في حديث أنس أخرجه البيهقي وابن مردويه بلفظ فكان ممن استثنى الله ثلاثة جبريل وميكائيل وملك الموت الحديث وسنده ضعيف وله طريق أخرى عن أنس ضعيفه أيضا عند الطبري وابن مردويه وسياقه أتم واخرج الطبري بسند صحيح عن إسماعيل السدى ووصله إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عن بن عباس مثل يحيى بن سلام ونحوه عن سعيد بن المسيب أخرجه الطبري وزاد ليس فيهم حملة العرش لانهم فوق السماوات الخامس يمكن أن يؤخذ مما في الرابع السادس الاربعة المذكورون وحملة العرش وقع ذلك في حديث أبي هريرة الطويل المعروف بحديث الصور وقد تقدمت الاشارة إليه وأن سنده ضعيف مضطرب وعن كعب الاحبار نحوه وقال هم اثنا عشر أخرجه بن أبي حاتم وأخرجه البيهقي من طريق زيد بن أسلم مقطوعا ورجاله ثقات وجمع في حديث الصور بين هذا القول وبين القول أنهم الشهداء ففيه فقال أبو هريرة يا رسول الله فمن استثنى حين الفزع قال الشهداء ثم ذكر نفخة الصعق على ما تقدم السابع موسى وحده أخرجه الطبري بسند ضعيف عن أنس وعن قتادة وذكره الثعلبي عن جابر الثامن الولدان الذين في الجنة والحور العين التاسع هم وخزان الجنة والنار وما فيها من الحيات والعقارب حكاهما الثعلبي عن الضحاك بن مزاحم العاشر الملائكة كلهم جزم به أبو محمد بن حزم في الملل والنحل فقال الملائكة أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلا وأما ما وقع عند الطبري بسند صحيح عن قتادة قال قال الحسى ستثني الله وما يدع أحدا الا أذاقه الموت فيمكن أن يعد قولا آخر قال البيهقي استضعف بعض أهل النظر أكثر هذه
[ 321 ]
الاقوال لان الاستثناء وقع من سكان السماوات والارض وهؤلاء ليسوا من سكانها لان العرش فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافين حول العرش ولان الجنة فوق السماوات والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقتا للبقاء ويدل على أن المستثنى غير الملائكة ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وصححه الحاكم من حديث لقيط بن عامر مطولا وفيه يلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من أحد الا مات حتى الملائكة الذين مع ربك قوله في رواية أبي الزناد عن الاعرج فما أدري أكان فيمن صعق كذا أورده مختصرا وبقيته أم لا أورده الاسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن شيخ البخاري فيه قوله رواه أبو سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أصل الحديث وقد تقدم موصولا في كتاب الاشخاص وفي قصة موسى من أحاديث الانبياء وذكرت شرحه في قصة موسى أيضا قوله باب يقبض الله الارض يوم القيامة لما ذكر ترجمة نفخ الصور أشار إلى ما وقع في سورة الزمر قبل آية النفخ وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة الآية وفي قوله تعالى فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة ما قد يتمسك به أن قبض السماوات والارض يقع بعد النفخ في الصور أو معه وسيأتي قوله رواه نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم سقط هذا التعليق هنا في رواية بعض شيوخ أبي ذر وقد وصله في كتاب التوحيد ويأتي شرحه هناك ان شاء الله تعالى ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الاول رضي الله تعالى عنه قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله عن أبي سلمة كذا قال يونس وخالفه عبد الرحمن بن خالد فقال عن الزهري عن سعيد بن المسيب كما تقدم في تفسير سورة الزمر وهذا الاختلاف لم يتعرض له الدارقطني في العلل وقد أخرج بن خزيمة في كتاب التوحيد الطريقين وقال هما محفوظان عن الزهري وسأشبع القول فيه ان شاء الله تعالى في كتاب التوحيد مع شرح الحديث ان شاء الله تعالى واقتصر هنا على ما يتعلق بتبديل الارض لمناسبة الحال قوله يقبض الله الارض ويطوي السماء بيمينه زاد في رواية بن وهب عن يونس يوم القيامة قال عياض هذا الحديث جاء في الصحيح على ثلاثة ألفاظ القبض والطي والاخذ وكلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة والارض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك إلى معنى الرفع والازالة والتبديل فعاد ذلك إلى ضم بعضها إلى بعض وابادتها فهو تمثيل لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وتفرقها دلالة على المقبوض والمبسوط لا على البسط والقبض وقد يحتمل أن يكون إشارة إلى الاستيعاب انتهى وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب التوحيد ان انشاء الله تعالى وقد اختلف في قوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات هل المراد ذات الارض وصفتها أو تبديل صفتها فقط وسيأتي بيانه في شرح ثالث أحاديث هذا الباب ان شاء الله تعالى الحديث الثاني قوله عن خالد هو بن يزيد وفي رواية شعيب بن الليث عن أبيه حدثني خالد بن يزيد والسند كله بصريون إلى سعيد ومنه إلى منتهاه مدنيون قوله تكون الارض يوم القيامة يعني ارض الدنيا خبزة بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح الزاي قال الخطابي الخبزة الطلمة بضم المهملة وسكون اللام وهو عجين
[ 322 ]
يوضع في الحفرة بعد ايقاد النار فيها قال والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وانما الملة الحفرة نفسها قوله يتكفؤها الجبار فتح المثناة والكاف وتشديد الفاء المفتوحة بعدها همزة أي يميلها من كفأت الاناء إذا قلبته وفي رواية مسلم يكفؤها بسكون الكاف قوله كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر قال الخطابي يعني خبز الملة الذي يصنعه المسافر فانها لا تدحى كما تدحى الرقاقة وانما تقلب على الايدي حتى تستوي وهذا على أن السفر بفتح المهملة والفاء ورواه بعضهم بضم أوله جمع سفرة وهو الطعام الذي يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة قوله نزلا لاهل الجنة النزل بضم النون وبالزاي وقد تسكن ما يقدم للضيف وللعسكر يطلق على الرزق وعلى الفضل ويقال اصلح للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزلوا عليه من الغذاء وعلى ما يعجل للضيف قبل الطعام وهو اللائق هنا قال الداودي المراد أنه يأكل منها من سيصير إلى الجنة من أهل المحشر لا أنهم لا يأكلونها حتى يدخلوا الجنة قلت وظاهر الخبر يخالفه وكأنه بني على ما أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير قال تكون الارض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس نحوه وللبيهقي بسند ضعيف عن عكرمة تبدل الارض مثل الخبزة يأكل منها أهل الاسلام حتى يفرغوا من الحساب وعن أبي جعفر الباقر نحوه وسأذكر بقية ما يتعلق بذلك في الحديث الذي بعده ونقل الطيبي عن البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدا لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته على ما يشاء بل لعدم التوقيف على قلب جرم الارض من الطبع الذي عليه إلى طبع المطعوم والمأكول مع ما ثبت في الآثار أن هذه الارض تصير يوم القيامة نارا وتنضم إلى جهنم فلعل الوجه فيه أن معنى قوله خبزة واحدة أي كخبزة واحدة من نعتها كذا وكذا وهو نظير ما في حديث سهل يعني المذكور بعده كقرصة النقي فضرب المثل بها لاستدراتها وبياضها فضرب المثل في هذا الحديث بخبزة تشبه الارض في معنيين أحدهما بيان الهيئة التي تكون الارض عليها يومئذ والاخر بيان الخبزة التي يهيئها الله تعالى نزلا لاهل الجنة وبيان عظم مقدارها ابتداعا واختراعا قال الطيبي وانما دخل عليه الاشكال لانه رأى الحديثين في باب الحشر فظن انهما لشئ واحد وليس كذلك وانما هذا الحديث من باب وحديث سهل من باب وأيضا فالتشبيه لا يستلزم المشاركة بين المشبه والمشبه به في جميع الاوصاف بل يكفي حصوله في البعض وتقريره أنه شبه ارض الحشر بالخبزة في الاستواء والبياض وشبه أرض الجنة في كونها نزلا لاهلها ومهيأة لهم تكرمة بعجالة الراكب زاده يقنع به في سفره قلت آخر كلامه يقرر ما قال القاضي أن كون ارض الدنيا تصير نارا محمول على حقيقته وان كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز والاثار التي أوردتها عن سعيد بن جبير وغيره ترد عليه والاولى الحمل على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله تعالى صالحة لذلك بل اعتقاد كونه حقيقة ابلغ وكون أهل الدنيا ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله لهم بقدرته طبع الارض حتى يأكلوا منها من تحت اقدامهم ما شاء الله بغير علاج ولا كلفة ويكون معنى قوله نزلا لاهل الجنة أي الذين يصيرون إلى الجنة أعم من كون ذلك يقع بعد الدخول إليها أو قبله والله اعلم قوله فاتى رجل في رواية الكشميهني فأتاه قوله من اليهود لم اقف على اسمه
[ 323 ]
قوله فنظ النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك يريد أنه اعجبه أخبار اليهودي عن كتابهم بنظير ما أخبر به من جهة الوحي وكان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فكيف بموافقتهم فيما انزل عليه قوله حتى بدت نواجذه بالنون والجيم والذال المعجمة جمع ناجذ وهو آخر الاضراس ولكل انسان أربع نواجذ وتطلق النواجذ أيضا على الانياب والاضراس قوله ثم قال في رواية الكشميهني فقال قوله الا أخبرك في رواية مسلم الا أخبركم قوله بإدامهم أي ما يؤكل به الخبز قوله بالام بفتح الموحدة بغير همز وقوله ونون أي بلفظ أول السورة قوله قالوا أي الصحابة وفي رواية مسلم فقالوا قوله ما هذا في رواية الكشميهني وما هذا بزيادة واو قوله قال ثور ونون قال الخطابي هكذا رووه لنا وتأملت النسخ المسموعة من البخاري من طريق حماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل والفربري فإذا كلها على نحو واحد قلت وكذا عند مسلم وكذا أخرجه الاسماعيلي وغيره قال الخطابي فأما نون فهو الحوت على ما فسر في الحديث وأما بالام فدل التفسير من اليهودي على أنه اسم للثور وهو لفظ مبهم لم ينتظم ولا يصح أن يكون على التفرقة اسما لشئ فيشبه أن يكون اليهودي أراد ان يعمى الاسم فقطع الهجاء وقدم أحد الحرفين وانما هو في حق الهجاء لام ياء هجاء لاي بوزن لعلي وهو الثور الوحشي وجمعه آلاء بثلاث همزات وزن احبال فصحفوه فقالوا بالام بالموحدة وانما هو بالياء آخر الحروف وكتبوه بالهجاء فأشكل الامر هذا أقرب ما يقع لي فيه الا أن يكون انما عبر عنه بلسانه ويكون ذلك بلسانهم وأكثر العبرانية فيما يقوله أهل المعرفة مقلوب على لسان العرب بتقديم في الحروف وتأخير والله اعلم بصحته وقال عياض اورد الحميدي في اختصاره يعني الجمع بين الصحيحين هذا الحديث بلفظ باللاى بكسر الموحدة وألف وصل ولام ثقيلة بعدها همزة مفتوحة خفيفة بوزن الرحى واللاى الثور الوحشي قال ولم أر أحدا رواه كذلك فلعله من اصلاحه وإذا كان هكذا بقيت الميم زائدة الا أن يدعى انها حرفت عن الياء المقصورة قال وكل هذا غير مسلم لما فيه من التكلف والتعسف قال وأولى ما يقال في هذا أن تبقى الكلمة على ما وقع في الرواية ويحمل على انها عبرانية ولذلك سأل الصحابة اليهودي عن تفسيرها ولو كان للاى لعرفوها لانها من لسانهم وجزم النووي بهذا فقال هي لفظة عبرانية معناها ثور قوله يأكل من زائدة كبدهما سبعون الفا قال عياض زيادة الكبد وزائدتها هي القطعة المنفردة المتعلقة بها وهي اطيبه ولهذا خص بأكلها السبعون الفا ولعلهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب فضلوا بأطيب النزل ويحتمل أن يكون عبر بالسبعين عن العدد الكثير ولم يرد الحصر فيها وقد تقدم في أبواب الهجرة قبيل المغازي في مسائل عبد الله بن سلام أن أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت وان عند مسلم في حديث ثوبان تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون وفيه غذاؤهم على أثرها ان ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وفيه وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا وأخرج بن المبارك في الزهد بسند حسن عن كعب الاحبار ان الله تعالى يقول لاهل الجنة إذا دخولها ان لكل ضيف جزورا واني اجزركم اليوم حوتا وثورا فيجزر لاهل الجنة الحديث الثالث الله تعالى قوله محمد بن جعفر أي بن أبي كثير وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله يحشر الناس بضم أوله قوله ارض عفراء قال الخطابي
[ 324 ]
العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا ومنه سمى عفر الارض وهو وجهها وقال بن فارس معنى عفراء خالصة البياض وقال الداودي شديدة البياض كذا قال والاول هو المعتمد قوله كقرصة النقى بفتح النون وكسر القاف أي الدقيق النقي من الغش والنخال قاله الخطابي قوله قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لاحد هو موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر وأو للشك والغير المبهم لم اقف على تسميته ووقع هذا الكلام الاخير لمسلم من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر مدرجا بالحديث ولفظه ليس فيها علم لاحد ومثله لسعيد بن منصور عن بن أبي حازم عن أبيه والعلم والمعلم بمعنى واحد قال الخطابي يريد أنها مستوية والمعلم بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة هو الشئ الذي يستدل به على الطريق وقال عياض المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا اثر ولا شئ من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة وفه تعريض بأرض الدنيا وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها وقال الداودي المراد أنه لا يحوز أحد منها شيئا الا ما أدرك منها وقال أبو محمد بن أبي جمرة فيه دليل على عظيم القدرة والاعلام بجزئيات يوم القيامة ليكون السامع على بصيرة فيخلص نفسه من ذلك الهول لان في معرفة جزئيات الشئ قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها بخلاف مجئ الامر بغتة وفيه إشارة إلى أن ارض الموقف أكبر من هذه الارض الموجودة جدا والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على ارض تليق بعظمته ولان الحكم فيه انما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصا له وحده انتهى ملخصا وفيه إشارة إلى أن ارض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن ارض الموقف تجددت وقد وقع للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات هل معنى تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها أو تغيير صفاتها فقط وحديث الباب يؤيد الاول وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض الآية قال تبدل الارض ارضا كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وقال الموقوف أص وأخرجه الطبري والحاكم من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن بن مسعود بلفظ أرض بيضا كأنها سبيكة فضة ورجاله موثقون أيضا ولاحمد من حديث أبي أيوب ارض كالفضة البيضاء قيل فأين الخلق يومئذ قال هم أضياف الله لن يعجزهم ما لديه وللطبري من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعا يبدلها الله بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا وعن علي موقوفا نحوه ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ارض كأنها فضة والسماوات كذلك وعن علي والسماوات من ذهب وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال بلغنا أن هذه الارض يعني ارض الدنيا تطوى والى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها وفي حديث الصور الطويل تبدل الارض غير الارض والسماوات فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الاديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في هذه الارض المبدلة في مثل مواضعهم من الاولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان على ظهرها
[ 325 ]
كان عليها انتهى وهذا يؤخذ منه أن ذلك يقع عقب نفخة الصعق بعد الحشر الاول ويؤيده قوله تعالى وإذا الارض مدت والقت ما فيها وتخلت وأما من ذهب إلى أن التغيير انما يقع في صفات الارض دون ذاتها فمستنده ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الارض مد الاديم وحشر الخلائق ومن حديث جابر رفعه تمد الارض مد الاديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ورجاله ثقات الا أنه اختلف على الزهري في صحابيه ووقع في تفسير الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس في قوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض قال يزاد فيها وينقص منها ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الاديم العكاظي وعزاه الثعلبي في تفسيره لرواية أبي هريرة وحكاه البيهقي عن أبي منصور الازهري وهذا وان كان ظاهره يخالف القول الاول فيمكن الجمع بأن ذلك كله يقع لارض الدنيا لكن ارض الموقف غيرها ويؤيده ما وقع في الحديث الذي قبله أن ارض الدنيا تصير خبزة والحكمة في ذلك ما تقدم انها تعد لاكل المؤمنين منها في زمان الموقف ثم تصير نزلا لاهل الجنة وأما ما أخرجه الطبري من طريق المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال الارض كلها تأتي يوم القيامة فالذي قبله عن بن مسعود أصح سندا ولعل المراد بالارض في هذه الرواية ارض البحر فقد اخرج الطبري أيضا من طريق كعب الاحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب تصير السماوات جفانا ويصير مكان البحر نارا وأخرج البيهقي في البعث من هذا الوجه في قوله تعالى وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحة قال يصيران غبرة في وجوه الكفار قلت ويمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يوم تبدل الارض غير الارض أين يكون الناس حينئذ قال على الصراط وفي رواية الترمذي على جسر جهنم ولاحمد من طريق بن عباس عن عائشة على متن جهنم واخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا يكونون في الظلمة دون الجسر فقد جمع بينها البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط كما سيأتي بيانه في ترجمة مستقلة وأن في قوله على الصراط مجازا لكونهم يجاوزونه لان في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف ويشير إلى ذلك قوله تعالى كلا إذا دكت الارض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم واختلف في السماوات أيضا فتقدم قول من قال انها تصير جفافا وقيل انها إذا طويت تكور شمسها وقمرها وسائر نجومها وتصير تارة كالمهل وتارة كالدهان وأخرج البيهقي في البعث من طريق السدى عن مرة عن بن مسعود قال السماء تكون الوانا كالمهل وكالدهان وواهية وتشقق فتكون حالا بعد حال وجمع بعضهم بأنها تنشق أولا فتصير كالوردة وكالدهان وواهية وكالمهل وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم ثم تطوى السماوات وتضاف إلى الجنان ونقل القرطبي في التذكرة عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب الافصاح أنه جمع بين هذه الاخبار بان تبديل السماوات والارض يقع مرتين إحداهما تبدل صفاتهما فقط وذلك عند النفخة الاولى فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرؤوس وتسير الجبال وتموج الارض وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء
[ 326 ]
والارض وتبدل السماء والارض إلى آخر كلامه في ذلك والعلم عند الله تعالى قوله باب الحشر قال القرطبي الحشر الجمع وهو أربعة حشران في الدنيا وحشران في الآخرة فالذي في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر والثاني الحشر المذكور في أشراط الساعة الذي أخرجه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رفعه ان الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكره وفي حديث بن عمر عند أحمد وأبي يعلى مرفوعا تخرج نار قبل يوم القيامة من حضرموت فتسوق الناس الحديث وفيه فما تأمرنا قال عليكم بالشام وفي لفظ آخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس إلى المحشر قلت وفي حديث أنس في مسائل عبد الله بن سلام لما أسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وقد قدمت الاشارة إليه في باب طلوع الشمس من مغربها وأنه مذكور في بدء الخلق وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم رفعه تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف تسوقهم سوق الجمل الكسير وقد أشكل الجمع بين هذه الاخبار وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الارض كلها والمراد بقوله تحشر الناس من المشرق إلى المغرب إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب أو انها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق كما سيأتي تقريره في كتاب الفتن وأما جعل الغاية إلى المغرب فلان الشام بالنسبة إلى المشرق مغرب ويحتمل أن تكون النار في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام ومصر وهما من جهة المغرب كما شوهد ذلك مرارا من المغل من عهد جنكزخان ومن بعده والنار التي في الحديث الاخر على حقيقتها والله اعلم والحشر الثالث حشر الاموات من قبورهم وغيرها بعد البعث جميعا إلى الموقف قال الله عزوجل وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا والرابع حشرهم إلى الجنة أو النار انتهى ملخصا بزيادات قلت الاول ليس حشرا مستقلا فان المراد حشر كل موجود يومئذ والاول انما وقع لفرقة مخصوصة وقد وقع نظيره مرارا تخرج طائفة من بلدها بغير اختيارها إلى جهة الشام كما وقع لبنى أمية أول ما تولى بن الزبير الخلافة فأخرجهم من المدينة إلى جهة الشام ولم يعد ذلك أحد حشرا وذكر المصنف فيه ستة أحاديث الحديث الاول قوله وهيب بالتصغير هو بن خالد وابن طاوس هو عبد الله وصرح به في رواية مسلم قوله على ثلاث طرائق في رواية مسلم ثلاثة والطرائق جمع طريق وهي تذكر وتؤنث قوله راغبين وراهبين في رواية مسلم راهبين بغير واو وعلى الروايتين فهي الطريقة الاولى قوله واثنان على بعير ثلاثة على بعير أربعة على بعير عشرة على بعير كذا فيه بالواو في الاول فقط وفي رواية مسلم والاسماعيلي بالواو في الجميع وعلى الروايتين فهي الطريقة الثانية قوله وتحشر بقيتهم النار هذه هي النار المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة وعند مسلم في حديث فيه ذكر الآيات الكائنة قبل قيام الساعة
[ 327 ]
كطلوع الشمس من مغربها ففيه وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية له تطرد الناس إلى حشرهم قوله تقيل معهم حيث قالوا الخ فيه إشارة إلى ملازمة النار لهم إلى أن يصلوا إلى مكان الحشر وهذه الطريقة الثالثة قال الخطابي هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة تحشر الناس احياء إلى الشام وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الابل والتعاقب عليها وإنما هو على ما ورد في حديث بن عباس في الباب حفاة عراة مشاة قال وقوله واثنان على بعير وثلاثة على بعير الخ يريد أنهم يعتقبون البعير الواحد يركب بعض ويمشي بعض قلت وإنما لم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة ايجازا واكتفاء بما ذكر من الاعداد مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به ولا مانع ان يجعل الله في البعير ما يقوى به على حمل العشرة ومال الحليمي إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور وجزم به الغزالي وقال الاسماعيلي ظاهر حديث أبي هريرة يخالف حديث بن عباس المذكور بعد أنهم يحشرون حفاة عراة مشاة قال ويجمع بينهما بأن الحشر يعبر به عن النشر لاتصاله به وهو إخراج الخلق من القبور حفاة عراة فيساقون ويجمعون إلى الموقف للحساب فحينئذ يحشر المتقون ركبانا على الابل وجمع غيره بأنهم يخرجون من القبور بالوصف الذي في حديث بن عباس ثم يفترق حالهم من ثم إلى الموقف على ما في حديث أبي هريرة ويؤيده ما أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي من حديث أبي ذر حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة افواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم الحديث وصوب عياض ما ذهب إليه الخطابي وقواه بحديث حذيفة بن أسيد وبقوله في آخر حديث الباب تقيل معهم وتبيت وتصبح وتمسي فان هذه الاوصاف مختصة بالدنيا وقال بعض شراح المصابيح حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه أحدها أن الحشر إذا اطلق في عرف الشرع انما يراد به الحشر من القبور ما لم يخصه دليل ثانيها أن هذا التقسيم المذكور في الخبر لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام لان المهاجر لا بد أن يكون رغبا أو راهبا أو جامعا بين الصفتين فإما أن يكون راغبا راهبا فقط وتكون هذه طريقة واحدة لا ثاني لها من جنسها فلا ثالثها حشر البقية على ما ذكر وإلجاء النار لهم إلى تلك الجهة وملازمتها حتى لا تفارقهم قول لم يرد به التوقيف وليس لنا أن نحكم بتسليط النار في الدنيا على أهل الشنوة من غير توقيف رابعها أن الحديث يفسر بعضه بعضا وقد وقع في الحسان من حديث أبي هريرة وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن علي بن زيد عن أوس بن بي أوس عن أبي هريرة بلفظ ثلاثا على الدواب وثلاثا ينسلون على أقدامهم وثلاثا على وجوههم قال ونرى أن هذا التقسيم الذي وقع في هذا الحديث نظير التقسيم الذي وقع في تفسير الواقعة في قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة الآيات فقوله في الحديث راغبين راهبين يريد به عوام المؤمنين وهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بأيمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة وقوله واثنان على بعير الخ السابقين وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانا وقوله وتحشر بقيتهم النار يريد به أصحاب المشأمة وركوب السابقين في الحديث يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيها على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من
[ 328 ]
البعران ويحتمل أن يراد به التعاقب قال الخطابي وإنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة كالانبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما وقع في المراتب انتهى ملخصا وتعقبه الطيبي ورجح ما ذهب إليه الخطابي وأجاب عن الاول بأن الدليل ثابت فقد ورد في عدة أحاديث وقوع الحشر في الدنيا إلى جهة الشام وذكر حديث حذيفة بن أسيد الذي نبهت عليه قبل وحديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه انكم محشورون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم أخرجه الترمذي والنسائي وسنده قوي وحديث ستكون هجرة بعد هجرة وتنحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الارض الاشرار ما تلفظهم ارضهوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا أخرجه أحمد وسنده لا بأس به واخرج عبد الرزاق عن النعمان بن المنذر عن وهب بن منبه قال قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس لاضعن عليك عرشي ولاحشرن عليك خلقي وفي تفسير بن عيينة عن بن عباس من شك ان المحشر ههنا يعني الشام فليقرأ أول سورة الحشر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ اخرجوا قالوا إلى أين قال إلى ارض المحشر وحديث ستخرج نار من حضرموت تحشر الناس قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال عليكم بالشام ثم حكى خلافا هل المراد بالنار نار على الحقيقة أو هو كناية عن الفتنة الشديدة كما يقال نار الحرب لشدة ما يقع في الحرب قال تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وعلى كل حال فليس المراد بالنار في هذه الاحاديث نار الآخرة ولو أريد المعنى الذي زعمه المعترض لقيل تحشر بقيتهم إلى لنار وقد أضاف الحشر إلى النار لكونها هي لاتي تحشرهم وتختطف من تخلف منهم كما ورد في حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد عند أحمد وغيره وعلى تقدير أن تكون النار كناية عن الفتنة فنسبة الحشر إليها سببية كأنها تفشو في كل جهة وتكون في جهة الشام اخف منها في غيرها فكل من عرف ازديادها في الجهة التي هو فيها احب التحول منها إلى المكان الذي ليست فيه شديدة فتتوفر الدواعي على الرحيل إلى الشام ولا يمتنع اجتماع الامرين وإطلاق النار على الحقيقة التي تخرج من قعر عدن وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما ويؤيد الحمل على الحقيقة ظاهر الحديث الاخير والجواب عن الاعتراض الثاني أن التقسيم المذكور في آيات سورة الواقعة لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث فإن الذي في الحديث ورد على القصد من الخلاص من الفتنة فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر ويسرة في الزاد راغبا فيما يستقبله راهبا فيما يستدبره وهؤلاء هم الصنف الاول في الحديث ومن توانى حتى قل الظهر وضاق عن أن يسعهم لركوبهم اشتركوا وركبوا عقبة فيحصل اشتراك الاثنين في البعير الواحد وكذا الثلاثة ويمكنهم كل من الامرين وأما الاربعة في الواحد فالظاهر من حالهم التعاقب وقد يمكنهم إذا كانوا خفاقا أو اطفالا وأما الشعرة فبالتعاقب وسكت عما فوقها إشارة إلى أنها المنتهى في ذلك وعما بينها وبين الاربعة ايجازا واختصارا وهؤلاء هم الصنف الثاني في الحديث وأما الصنف الثالث فعبر عنه بقوله تحشر بقيتهم النار إشارة إلى أنهم عجزوا عن تحصيل ما يركبونه ولم يقع في الحديث بيان حالهم بل يحتمل أنهم يمشون أو يسحبون فرارا من النار التي تحشرهم ويؤيد ذلك ما وقع في آخر حديث أبي ذر الذي تقدمت الاشارة إليه في كلام المعترض
[ 329 ]
وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال يلقى الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى ان الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسن لاجل كونها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده وهذا لائق بأحوال الدنيا ومؤكد لما ذهب إليه الخطابي ويتنزل على وفق حديث الباب يعني من المصابيح وهو أن قوله فوج طاعمين كاسين راكبين موافق لقوله راغبين راهبين وقوله وفوج يمشون موافق للصنف الذين يتعاقبون على البعير فإن صفة المشي لازمة لهم وأما الصنف الذين تحشرهم النار فهم الذين تسحبهم الملائكة والجواب عن الاعتراض الثالث أنه تبين من شواهد الحديث أنه ليس المراد بالنار نار الآخرة وانما هي نار تخرج في الدنيا أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها وذكر كيفية ما تفعل في الاحاديث المذكورة والجواب عن الاعتراض الرابع ان حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد مع ضعفه لا يخالف حديث الباب لانه موافق لحديث أبي ذر في لفظه وقد تبين من حديث أبي ذر ما دل على أنه في الدنيا لا بعد البعث في الحشر إلى الموقف إذ لا حديقة هناك ولا آفة تلقى على الظهر حتى يعز ويقل ووقع في حديث علي بن زيد المذكور عند أحمد أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك وقد سبق أن أرض الموقف ارض مستوية لا عوج فيها ولا أكمة ولا حدب ولا شوك وأشار الطيبي إلى أن الاولى أن يحمل الحديث الذي من رواية علي بن زيد على من يحشر من الموقف إلى مكان الاستقرار من الجنة أو النار ويكون المراد بالركبان السابقين المتقين وهم المراد بقوله تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا أي ركبانا كما تقدم في تفسير سورة مريم واخرج الطبري عن علي في تفسير هذه الآية فقال اما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقا ولكن يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة والمراد سوق ركائبهم اسراعا بهم إلى دار الكرامة كما يفعل في العادة بمن يشرف ويكرم من الوافدين على الملوك قال ويستبعد أن يقال يجئ وفد الله عشر على بعير جميعا أو متعاقبين وعلى هذا فقد روى أبو هريرة حال المحشورين عند انقراض الدنيا إلى جهة ارض المحشر وهم ثلاثة أصناف وحال المحشورين في الاخرى إلى محل الاستقرار انتهى كلام الطيبي عن جواب المعترض ملخصا موضحا بزيادات فيه لكن تقدم مما قررته أن حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد ليس في المحشورين من الموقف إلى محل الاستقرار ثم ختم كلامه بأن قال هذا ما سنح لي على سبيل الاجتهاد ثم رأيت في صحيح البخاري في باب المحشر يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق فعلمت من ذلك ان الذي ذهب إليه الامام التوربشتي هو الحق الذي لا محيد عنه قلت ولم اقف في شئ من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ يوم القيامة لافي صحيحه ولا في غيره وكذا هو عند مسلم والاسماعيلي وغيرهما ليس فيه يوم القيامة نعم ثبت لفظ يوم القيامة في حديث أبي ذر المنبه عليه قبل وهو مؤول بأن المراد بذلك ان يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة وأن الرجل يشتري الشارف الواحد بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد المبعث وقد أبدى البيهقي في حديث الباب احتمالين فقال قوله راغبين يحتمل أن يكون إشارة إلى الابرار وقوله
[ 330 ]
راهبين إشارة إلى المخلطين الذين هم بين الخوف والرجاء والذين تحشرهم النار هم الكفار وتعقب بأنه حذف ذكر قوله واثنان على بعير الخ وأجي بأن الرغبة والرهبة صفتان للصنفين الابرار والمخلطين وكلاهما يحشر اثنان على بعير الخ قال ويحتمل ان يكون ذلك في وقت حشرهم إلى الجنة بعد الفراغ ثم قال بعد إيراد حديث أبي ذر يحتمل أن يكون المراد بالفوج الاول الابرار وبالفوج الثاني الذين خلطوا فيكونون مشاة والابرار ركبانا وقد يكون بعض الكفار اعيا من بعض فأولئك يسحبون على وجوههم ومن دونهم يمشون ويسعون مع من شاء الله من الفساق وقت حشرهم إلى الموقف وأما الظهر فلعل المراد به ما يحييه الله بعد الموت من الدواب فيركبها الابرار ومن شاء الله ويلقى الله الآفة على بقيتها حتى يبقى جماعة من المخلطين بلا ظهر قلت ولا يخفى ضعف هذا التأويل مع قوله في بقية الحديث حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ومن أين يكون للذين يبعثون بعد الموت عراة حفاة حدائق حتى يدفعوها في الشوارف فالراجح ما تقدم وكذا يبعد غاية البعد أن يحتاج من يساق من الموقف إلى الجنة إلى التعاقب على الابعرة فرجح أن ذلك انما يكون قبل المبعث والله اعلم الحديث الثاني قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ويونس هو المؤدب وشيبان هو بن عبد الرحمن قوله ان رجلا لم اقف على اسمه قوله قال يا نبي الله يحشر الكافر على وجه كأنه استفهام حذف أداته ووقع في عدة نسخ كيف يحشر وكذا هو عند مسلم وغيره والكافر اسم جنس يشمل الجميع ويؤيده قوله تعالى الذين يحشرون على وجوهمم إلى جهنم الآية وقوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا الآية وقد تقدم في التفسير ان الحاكم أخرجه من وجه آخر عن أنس بلفظ كيف يحشر أهل النار على وجوههم قوله أليس الذي أمشاه الخ ظاهر في أن المراد بالمشي حقيقته فلذلك استغربوه حتى سألوا عن كيفيته وزعم بعض المفسرين أنه مثل وأنه كقوله أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا قال مجاهد هذا مثل المؤمن والكافر قلت ولا يلزم من تفسير مجاهد لهذه الآية بهذا ان يفسر به الآية الاخرى فالجواب الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في تقرير المشي على حقيقته قوله قال قتادة بلى وعزة ربنا هو موصول بالسند المذكور والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه عوقب على عدم السجود لله في الدنيا بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهارا لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات الحديث ذكره من طريقين عن سعيد بن جبير قوله على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة قوله قال عمرو القائل هو سفيان وحاكي ذلك عنه هو علي وكان سفيان كثيرا ما يحذف الصيغة فيقتصر على اسم الراوي ووقع في رواية صدقة التي بعدها عن عمرو وكذا لمسلم عن قتيبة وغيره عن سفيان وعمرو هو بن دينار قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد قتيبة في روايته يخطب على المنبر ولعل هذا هو السر في إيراده لرواية قتيبة بعد رواية علي بن المديني قوله انكم ملاقو الله أي في الموقف بعد البعث قوله حفاة بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل وقوله مشاة لم أر في رواية قتيبة هنا مشاة وثبت في رواية مسلم عنه وعن غيره وليس عنده عنهم قوله على المنبر قوله في آخر رواية على بن المديني قال سفيان الخ هو موصول كالذي قبله ولم يصب من قال انه معلق عن سفيان قوله هذا مما وعد أن بن عباس سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم
[ 331 ]
يريد أن بن عباس من صغار الصحابة وهو من المكثرين لكنه كان كثرا ما يرسل ما يسمعه من أكابر الصحابة ولا يذكر الواسطة وتارة يذكره باسمه وتارة مبهما كقوله في أوقات الكراهة حدثني رجال مرضيون أرضاهم عندي عمر فأما ما صرح بسماعه له فقليل ولهذا كانوا يعتنون بعده فجاء عن محمد بن جعفر غندر أن هذه الاحاديث التي صرح بن عباس بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم عشرة وعن يحيى بن معين وأبي داود صاحب السنن تسعة وأغرب الغزالي في المستصفى وقلده جماعة ممن تأخروا عنه فقال لم يسمع بن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم الا أربعة أحاديث وقال بعض شيوخ شيوخنا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم دون العشرين من وجوه صحاح قلت وقد اعتنيت بجمعها فزاد على الاربعين ما بين صحيح وحسن خارجا عن الضعيف وزائدا أيضا على ما هو في حكم السماع كحكايته حضور شئ فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الغزالي التبس عليه ما قالوا أن أبا العالية سمعه من بن عباس وقيل خمسة وقيل أربعة ا " قوله في الطريق الثانية قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقع لمسلم بدل قوله يخطب بموعظة أخرجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ومحمد بن المثنى قال واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر بسنده المذكور هنا وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر قوله فقال انكم زاد بن المثنى يا أيها الناس انكم قوله تحشرون في رواية الكشميهني محشورون وهي رواية بن المثنى قوله حفاة لم يقع فيه أيضا مشاة قوله عراة قال البيهقي وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه بن حبان انه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ويجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الانبياء فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكنى إبراهيم وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء لانهم الذين أمر ان يزملوا في ثيابهم ويدفنوا فيها فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم وممن حمله على عمومه معاذ بن جبل فأخرج بن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الاسود قال دفنا أم معاذ بن جبل فأمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها قال وحمله بعض أهل العلم على العمل وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير وقوله تعالى وثيابك فطهر على أحد الاقوا وهو قول قتادة قال معناه وعملك فاخلصه ويؤكد ذلك حديث جابر رفعه يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم وحديث فضالة بن عبيد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة الحديث أخرجه أحمد ورجح القرطبي الحمل على ظاهر الخبر ويتأيد بقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله تعالى كما بدأكم تعودون والى ذلك الاشارة في حديث الباب بذكر قوله تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده عقب قوله حفاة عراة قال فيحمل ما دل عليه حديث أبي سعيد على الشهداء لانهم يدفنون بثيابهم فيبعثون فيها تمييزا لهم عن غيرهم وقد نقله بن عبد البر عن أكثر العلماء ومن حيث النظر ان الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة مما كان في الدنيا ولان الذي بقي النفس مما تكره
[ 332 ]
في الآخرة ثواب بحسن عملها أو رحمة مبتدأة من الله وأما ملابس الدنيا فلا تغني عنها شيئا قاله الحليمي وذهب الغزالي إلى ظاهر حديث أبي سعيد وأورده بزيادة لم أجد لها أصلا وهي فإن أمتي تحشر في أكفانها وسائر الامم عراة قال القرطبي ان ثبت حمل على الشهداء من أمته حتى لا تتناقض الاخبار قوله غرلا بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الاقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر قال أبو هلال العسكري لا تلتقي اللام الراء في كلمة الا في أربع أرل اسم جبل وورل اسم حيوان معروف وحرل ضرب من الحجارة والغرلة واستدرك عليه كلمتان هرل ولد الزوجة وبرل الديك الذي يستدير بعنقه والستة حوشية الا الغرلة قال بن عبد البر يحشر الآدمي عاريا ولكل من الاعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شئ يرد حتى الاقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل حشفة الاقلف موقاة بالقلفة فتكون ارق فلما ازالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله قوله كما بدأنا أول خلق نعيده الآية ساق بن المثنى الآية كلها إلى قوله فاعلين ومثله كما بدأكم تعودون ومنه ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ووقع في حديث أم سلمة عند بن أبي الدنيا يحشر الناس حفاة عراة كما بدؤا قوله وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل تقدم بعض الكلام عليه في أحاديث الانبياء قال القرطبي في شرح مسلم يجوز ان يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وتعقبه تلميذه القرطبي أيضا في التذكرة فقال هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي يعني الذي أخرجه بن المبارك في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن علي قال أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش قلت كذا أورده مختصرا موقوفا وأخرجه أبو يعلى مطولا مرفوعا واخرج البيهقي من طريق بن عباس نحو حديث الباب وزاد وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتي بي فأكسي حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش وهو عن يمين العرش وفي مرسل عبيد بن عمير عند جعفر الفريابي يحشر الناس حفاة عراة فيقول الله تعالى الا أرى خليلي عريانا فيكسى إبراهيم ثوبا أبيض فهو أول من يكسى قيل الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى انه جرد حين ألقي في النار وقيل لانه أول من استن التستر السراويل وقيل انه لم يكن في الارض اخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه وهذا اختيار الحليم والاول اختيار القرطبي قلت وقد اخرج بن منده من حديث حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية رفعه قال أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم قلت وقد تقدم شئ من هذا في ترجمة إبراهيم من بدء الخلق وأنه لا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى ان يكون أفضل من نبينا عليه الصلاة والسلام مطلقا وقد ظهر لي الان انه يحتمل أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام خرج من قبره في ثيابه التي مات فيها والحلة التي يكساها حينئذ من حلل الجنة خلعة الكرامة بقرينة إجلاسه على الكرسي عند ساق العرش فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق
[ 333 ]
وأجاب الحليمي بأنه يكسى اولا ثم يكسى نبينا صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر لكن حلة نبينا صلى الله عليه وسلم أعلى وأكمل فتجبر نفاستها ما فات من الاولية والله اعلم قوله وانه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال أي إلى جهة النار ووقع ذلك صريحا في حديث أبي هريرة في آخر باب صفة النار من طريق عطاء بن يسار عنه ولفظه فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت إلى أين قال إلى النار الحديث وبين في حديث أنس الموضع ولفظه ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني الحديث وفي حديث سهل ليردن علي أقوام اعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم وفي حديث أبي هريرة عند مسلم ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم الا هلم قوله فأقول يا رب أصحابي في رواية أحمد فلاقولن وفي رواية أحاديث الانبياء اصيحابي بالتصغير وكذا هو في حديث أنس وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء قوله فيقول الله انك لا تدري ما أحدثوا بعدك في حديث أبي هريرة المذكور انهم ارتدوا على أدبارهم القهقري وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أيضا فيقول انك لا علم لك بما احدثوا بعدك فيقال انهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا أي بعدا بعدا والتأكيد للمبالغة وفي حديث أبي سعيد في باب صفة النار أيضا فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وزاد في رواية عطاء بن يسار فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ولاحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني وسنده حسن وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد فقلت يا رسول الله ادع الله ان لا يجعلني منهم قال لست منهم وسنده حسن قوله فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا إلى قوله الحكيم كذا لابي ذر وفي رواية غيره زيادة ما دمت فيهم والباقي سواء قوله قال فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم وقع في رواية الكشميهني لن يزالوا ووقع في ترجمة مريم من أحاديث الانبياء قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر وقد وصله الاسماعيلي من وجه اخر عن قبيصة وقال الخطابي لم يرتد من الصحابة أحد وانما ارتد قوم من جفاة الاعراب ممن لانصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين ويدل قوله اصيحابي بالتصغير على قلة عددهم وقال غيره قيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي امة الدعوة لا امة الاجابة ورجح بقوله في حديث أبي هريرة فأقول بعدا لهم وسحقا ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم ولو كانوا من امة الاجابة لعرف حالهم يكون اعمالهم تعرض عليه وهذا يرده قوله في حديث أنس حتى إذا عرفتهم وكذا في حديث أبي هريرة وقال بن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبي الكبائر وقيل هم قوم من جفاة الاعراب دخلوا في الاسلام رغبة ورهبة وقال الداودي لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك وقال النووي قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز ان يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الامة فيناديهم من اجل السيما التي عليهم فيقال انهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فرقتهم عليه قال عياض وغيره وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم لما كان يعرف من اسلامهم وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الاسلام وعلى هذا
[ 334 ]
فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض اولا عقوبة لهم ثم يرحموا ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا فزمنه أو بعده ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر أنهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما لانها كرامة يظهر بها عمل المسلم والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين وسيأتي في حديث الشفاعة وتبقى هذه الامة فيها منافقوها فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله أصحابي وأصحاب البدع انما حدثوا بعده وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الاعم واستبعد أيضا انه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا سحقا وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضى عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لامر الله مع بقاء الرجاء وكذا القول في أصحاب الكبائر وقال البيضاوي ليس قوله مرتدين نصا في كونهم ارتدوا عن الاسلام بل يحتمل ذلك ويحتمل ان يراد انهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الاعمال الصالحة بالسيئة انتهى وقد اخرج أبو يعلى بسند حسن عن أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فقال يا أيها الناس اني فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال رجل يا رسول الله انا فلان بن فلان وقال آخر أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولعلكم احدثتم بعدي وارتددتم ولاحمد والبزار نحوه من حديث جابر وسأذكر في آخر باب صفة النار ما يحتاج إلى شرحه من ألفاظ الاحاديث التي أشرت إليها ان شاء الله تعالى الحديث الرابع قوله حدثنا حاتم بن أبي صغيرة هو القشيري يكنى أبا يونس وأبوه بصاد مهملة مفتوحة وغين معجمة مكسورة وزن كبيرة وضدها واسمه مسلم قوله تحشرون حفاة عراة كذا فيه أيضا ليس فيه مشاة ووقع في حديث عبد الله بن أنيس عند أحمد والحاكم بلفظ يحشر الله العباد وأومأ بيده نحو الشام عراة حفاة غرلا بهما بضم الموحدة وسكون الهاء قلنا وما بهما قال ليس معهم شئ ووقع عند بن ماجة زيادة في أول حديث عائشة من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الاحمر واسمه سليمان بن حبان عن حاتم بسنده المذكور عن عائشة قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة قال حفاة عراة وقد اخرج مسلم سنده عن أبي بكر بن أبي شيبة ولم يسق المتن قوله فقلت يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض فيه أن النساء يدخلن في الضمير المذكر الاتي بالواو وكأنه بالتغليب كما في قولها بعضهم ووقع في رواية أبي بكر بن أبي شيبة المذكورة بعد قوله حفاة عراة قلت والنساء قال والنساء قوله قال الامر أشد من أن يهمهم ذلك بضم أوله وكسر الهاء من الرباعي يقال أهمه الامر وجوز بن التين فتح أوله وضم ثانيه من همه الشئ إذا آذاه والاول أولى ووقع في رواية يحيى بن سعيد عن حاتم عند مسلم قال يا عائش الامر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قلت يا رسول الله فما نستحي قال يا عائشة الامر أهم من ان ينظر بعضهم إلى بعض وللنسائي والحاكم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قلت يا رسول الله فكيف بالعورات قال لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وللترمذي والحاكم من
[ 335 ]
طرق عثمان بن عبد الرحمن القرظي قرأت عائشة ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة فقالت واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال لكل امرئ الآية وزاد لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض ولابن أبي الدنيا من حديث أنس قال سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت واسوأتاه قال قد نزلت على آية لا يضرك كان عليك ثياب اولا لكل امرئ الآية وفي حديث سودة عند البيهقي والطبراني نحوه أخرجاه من طريق أبي أويس عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عنها وأخرجه بن أبي الدنيا والطبراني في الاوسط من رواية عبد الجبار بن سليمان عن محمد بهذا الاسناد فقال عن أم سلمة بدل سودة الحديث الخامس قوله حدثنا غندر هو محمد بن جعفر وقع كذلك في رواية مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار شيخ البخاري فيه كلاهما عنه قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي عن عمرو بن ميمون صرح يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بسماعه من عمرو بن ميمون وسيأتي في الايمان والنذور قوله عن عبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية يوسف المذكورة حدثني عبد الله بن مسعود قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم عن محمد بن المثنى نحوا من أربعين رجلا وفي رواية يوسف المذكورة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف ظهره إلى قبة من أدم يماني ولمسلم من رواية مالك بن مغول عن أبي إسحاق خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ظهره إلى قبة من أدم وللاسماعيلي من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بمنى إلى قبة من أدم قوله أترضون في رواية يوسف إذ قال لاصحابه الا ترضون وفي رواية إسرائيل أليس ترضون وفي رواية مالك بن مغول اتحبون قال بن التين ذكره بلفظ الاستفهام لارادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم قوله قلنا نعم في رواية يوسف قالوا بلى ولمسلم من طريق أبي الاحوص عن أبي إسحاق فكبرنا في الموضعين ومثله في حديث أبي سعيد الاتي في الباب الذي يليه وزاد فحمدنا وفي حديث بن عباس ففرحوا وفي ذلك كله دلالة على أنهم استبشروا بما بشرهم به فحمدوا الله على نعمته العظمى وكبروه استعظاما لنعمته بعد استعظامهم لنقمته قوله اني لارجو ان تكونوا شطر أهل الجنة في رواية أبي الاحوص وإسرائيل فقال والذي نفس محمد بيده وقال نصف بدل شطر وفي حديث أبي سعيد اني لاطمع بدل لارجو ووقع لهذا الحديث سبب يأتي التنبيه عليه عند شرح حديث أبي سعيد وزاد الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس في نحو حديث أبي سعيد واني لارجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ولا تصح هذه الزيادة لان الكلبي واه ولكن اخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الاولين وقليل من الآخرين شق ذلك على الصحابة فنزلت ثلة من الاولين وثلة من الآخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لارجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة واخرج الخطيب
[ 336 ]
في المبهمات من مرسل مجاهد نحو حديث الكلبي وفيه مع إرساله أبو حذيفة إسحاق بن بشر أحد المتروكين واخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا وله شاهد من حديث بن مسعود بنحوه وأتم منه أخرجه الطبراني وهذا يوافق رواية الكلبي فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رحمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاه ما ارتجاه وزاده وهو نحو قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قوله وذلك أن الجنة في رواية أبي الاحوص وسأخبركم عن ذلك وفي رواية إسرائيل وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة وفي رواية مالك بن مغول ما أنتم فيما سواكم من الامم قوله كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الاحمر كذا للاكثر وكذا لمسلم وكذا في رواية إسرائيل لكن قدم السوداء على البيضاء ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الابيض بدل الاحمر وفي حديث أبي سعيد ان مثلكم في الامم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود أو كالرقمة في ذراع الحمار قال بن التين اطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لانه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه والرقمة قطعة بيضاء تكون في باطن عضو الحمار والفرس وتكون في قوائم الشاة وقال الداودي الرقمة شئ مستدير لاشعر فيه سمعت به لانه كالرقم الحديث السادس قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال وثبت كذلك في رواية إسماعيل بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أويس عند البيهقي في البعث وثور هو بن زيد الديلي وأبو الغيث هو سالم والكل مدنيون ورواية إسماعيل عن أخيه من رواية الاقران وكذا سليمان عن ثور ولكن إسماعيل أصغر من أخيه وسليمان أصغر من ثور وسيأتي قوله أول من يدعى يوم القيامة آدم الخ يأتي شرحه في الباب الذي بعده ان شاء الله تعالى قوله باب ان زلزلة الساعة شئ عظيم أشار بهذه الترجمة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الاول انه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند ذكر الحديث والزلزلة الاضطراب وأصله من الزلل وفي تكرير الزاي فيه تنبيه على ذلك والساعة في الاصل جزء من الزمان واستعيرت ليوم القيامة كما تقدم في باب سكرات الموت وقال الزجاج معنى الساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة إشارة إلى أنها ساعة خفيفة يقع فيها أمر عظيم وقيل سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لطولها أو لسرعة الحساب فيها أو لانها عند الله خفيفة مع طولها على الناس قوله أزفت الآزفة اقتربت الساعة هو من الازف بفتح الزاي وهو القرب يقال ازف كذا أي قرب وسميت الساعة آزفة لقربها أو لضيق وقتها واتفق المفسرون على أن معنى ازفت اقتربت أو دنت عزوجل قوله جرير هو بن عبد الحميد قوله عن الاعمش عن أبي صالح في رواية أبي أسامة في بدء الخلق وحفص بن غياث في تفسير سورة الحج كلاهما عن الاعمش حدثنا أبو صالح وهو ذكوان وأبو سعيد هو الخدري قوله يقول الله كذا وقع للاكثر غير مرفوع وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وفي رواية كريمة بإثبات قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا وقع لمسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسند البخاري فيه ونحوه في رواية أبي أسامة وحفص وقد ظهر من حديث أبي هريرة الذي قبله أن خطاب آدم بذلك أول شئ يقع يوم القيامة ولفظه أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه السلام فتراأى ذريته بمثناة
[ 337 ]
واحدة ومد ثم همزة مفتوحة ممالة وأصله فتتراأي فحذفت إحدى التاءين وتراأى الشخصان تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الاخر ووقع في رواية الاسماعيلي من طريق الدراوردي عن ثور فتتراأي له ذريته على الاصل وفي حديث أبي هريرة فيقال هذا ابوكم وفي رواية الدراوردي فيقولون هذا أبوكم قوله فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك في الاقتصار على الخير نوع تعطيف ورعاية للادب والا فالشر أيضا بتقدير الله كالخير قوله اخرج بعث النار في حديث أبي هريرة بعث جهنم من ذريتك وفي رواية أحمد نصيب بدل بعث والبعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الامير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا ميز أهل النار من غيرهم وانما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث كما تقدم في حديث الاسراء وقد أخرج بن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال يقول الله لآدم يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك قم فانظر ما يرفع إليك من اعمالهم قوله قال وما بعث النار الواو عاطفة على شئ محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار وفي حديث أبي هريرة فيقول يا رب كم اخرج قوله من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين في حديث أبي هريرة من كل مائة تسعة وتسعين قال الاسماعيلي في حديث أبي سعيد من كل الف واحد وكذا في حديث غيره ويشبة أن يكون حديث ثور يعني راويه عن أبي الغيث عن أبي هريرة وهما قلت ولعله يريد بقوله غيره ما أخرجه الترمذي من وجهين عن الحسن البصري عن عمران بن حصين نحوه وفي أوله زيادة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم إلى شديد فحث اصحابه المطي فقال هل تدرون أي يوم ذاك قالوا الله ورسوله اعلم قال ذاك يوم ينادي الله آدم فذكر نحو حديث أبي سعيد وصححه وكذا الحاكم وهذا سياق قتادة عن الحسن من رواية هشام الدستوائي عنه ورواه معمر عن قتادة فقال عن أنس أخرجه الحاكم أيضا ونقل عن الذهلي أن الرواية الاولى هي المحفوظة وأخرجه البزار والحاكم أيضا من طريق هلال بن خباب بمعجمة وموحدتين الاولى ثقيلة عن عكرمة عن بن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال هل تدرون فذكر نحوه وكذا وقع في حديث عبد الله بن عمر وعند مسلم رفعه يخرج الدجال إلى أن قال ثم ينفخ في الصور أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال اخرجوا بعث النار وفيه فيقال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وكذا رأيت هذا الحديث في مسند أبي الدرداء بمثل العدد المذكور رويناه في فوائد طلحة بن الصقر وأخرجه بن مردويه من حديث أبي موسى نحوه فاتفق هؤلاء على هذا العدد ولم يستحضر الاسماعيلي لحديث أبي هريرة متابعا وقد ظفرت به في مسند أحمد فإنه اخرج من طريق أبي إسحاق الهجري وفيه مقال عن أبي الاحوص عن عبد الله بن مسعود نحوه وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين قلت ومقتضى كلامه الاول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل لعلي زيادة
[ 338 ]
فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل الف واحد وحديث أبي هريرة يدل على عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الاخير أن لا ينظر إلى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة اخر وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل الف واحد وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل الف عشرة ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ويحتمل أن يكون الاول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الامة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة إذا اخذ منا لكن في حديث بن عباس وانما أمتي جزء من الف جزء ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الامم قبل هذه الامة فيكون من كل الف واحد ومرة من هذه الامة فقط فيكون من كل الف عشرة ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل الف ستعمائة وتسعة وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا والعلم عند الله تعالى قوله فذاك حين يشيب الصغير وتضع وساق إلى قوله قوله شديد ظاهره ان ذلك يقع في الموقف وقد استشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب ومن ثم قال بعض المفسرين ان ذلك قبل يوم القيامة لكن الحديث يرد عليه وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل وسبق إلى ذلك النووي فقال فيه وجهان للعلماء فذكرهما وقال التقدير ان الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الوليد وأقول يحتمل أن يحمل على حقيقته فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملا والمرضع مرضعة والطفل طفلا فإذا وقعت زلزلة الساعة وقيل ذلك لآدم ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل ويشيب له الطفل وتذهل به المرضعة ويحتمل أن يكون ذلك بعد النفخة الاولى وقبل النفخة الثانية ويكون خاصا بالموجودين حينئذ وتكون الاشارة بقوله فذاك إلى يوم القيامة وهو صريح في الآية ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين قيام الساعة واستقرار الناس في الموقف ونداء آدم لتمييز أهل الموقف لانه قد ثبت ان ذلك يقع متقاربا كما قال الله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة يعني ارض الموقف وقال تعالى يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به والحاصل ان يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث من اهوال وزلزلة وغير ذلك إلى اخر الاستقرار في الجنة أو النار وقريب منه ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في أشراط الساعة إلى أن ذكر النفخ في الصور إلى أن قال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال اخرجوا بعث النار فذكره قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا ووقع في حديث الصور الطويل عند علي بن معبد وغيره ما يؤيد الاحتمال الثاني وقد تقدم بيانه في باب النفخ في الصور وفيه بعد قوله وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين فبينما هم كذلك إذ تصدعت الارض فيأخذهم لذلك الكرب والهول ثم تلا الايتين من أول الحج الحديث قال القرطبي في التذكرة هذا الحديث صححه بن العربي فقال يوم الزلزلة يكون عند النفخة الاولى وفيه ما يكون فيه من الاهوال العظيمة ومن جملتها ما يقال لآدم ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلا بالنفخة الاولى بل له محملان أحدهما أن يكون آخر
[ 339 ]
الكلام منوطا بأوله والتقدير يقال لآدم ذلك في اثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان وغير ذلك وثانيهما أن يكون شيب الولدان عند النفخة الاولى حقيقة والقول لآدم يكون وصفه بذلك اخبارا عن شدته وان لم يوجد عين ذلك الشئ وقال القرطبي يحتمل أن يكون المعنى ان ذلك حين يقع لا يهم كل أحد الا نفسه حتى أن الحامل تسقط من مثله والمرضعة الخ ونقل عن الحسن البصري في هذه الآية المعنى أن لو كان هناك مرضعة لذهلت وذكر الحليمي واستحسنه القرطبي انه يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه ونفخت فيه الروح فتذهل الام حينئذ عنه لانها لا تقدر على ارضاعه إذ لا غذاء هناك ولا لبن وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط لم يحى لان ذلك يوم الاعادة فمن لم يمت في الدنيا لم يحى في الآخرة قوله فاشتد ذلك عليهم في حديث بن عباس فشق ذلك على القوم ووقعت عليهم الكآبة والحزن وفي حديث عمران عند الترمذي من رواية بن جدعان عن الحسن فأنشأ المؤمنون يبكون ومن رواية قتادة عن الحسن فنبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكه ونبس بضم النون وكسر الموحدة بعدها مهملة معناه تكلم فأسرع وأكثر ما يستعمل في النفي وفي رواية شيبان عن قتادة عند بن مردويه أبلسوا وكذا له نحوه من رواية ثابت عن الحسن قوله وأينا ذلك الرجل قال الطيبي يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان أو من يتصف بالصفة الفلانية ويحتمل أن يكون استعظاما لذلك الامر واستشعارا للخوف منه فلذلك وقع الجواب بقوله أبشروا ووقع في حديث أبي هريرة فقالوا يا رسول الله إذا اخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى وفي حديث أبي الدرداء فبكى اصحابه قوله فقال أبشروا في حديث بن عباس اعملوا وأبشروا وفي حديث عمران مثله وللترمذي من طريق بن جدعان قاربوا وسددوا ونحوه في حديث أنس قوله فإن من يأجوج ومأجوج الف ومنكم رجل ظاهره زيادة واحد عما ذكر من تفصيل الالف فيحتمل ان يكون من جبر الكسر والمراد أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين أو الفا الا واحدا وأما قوله ومنكم رجل تقديره والمخرج منكم أو ومنكم رجل مخرج ووقع في بعض الشروح أن لبعض الرواة فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الفا بالنصب فيهما على المفعول بإخراج المذكور في أول الحديث أي فإنه يخرج كذا وروى بالرفع على خبر إن واسمها مضمر قبل المجرور أي فان المخرج منكم رجل قلت والنصب أيضا على اسم إن صريحا في الاول وبتقدير في الثاني وهو أولى من الذي قاله فان فيه تكلفا ووقع في رواية الاصيلي بالرفع في ألف وحده وبالنصب في رجلا ولابي ذر بالعكس وفي رواية مسلم بالرفع فيهما قال النووي هكذا في جميع الروايات والتقدير فإنه فحذف الهاء وهي ضمير الشأن وذلك مستعمل كثيرا ووقع في حديث بن عباس وانما أمتي جزء من الف جزء قال الطيبي فيه إشارة إلى أن يأجوج ومأجوج داخلون في العدد المذكور والوعيد كما يدل قوله ربع أهل الجنة على أن في غير هذه الامة أيضا من أهل الجنة وقال القرطبي قوله من يأجوج ومأجوج الف أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم وقوله ومنكم رجل يعني من اصحابه ومن كان مؤمنا مثلهم قلت وحاصله أن الاشارة بقوله منكم إلى المسلمين من جميع الامم وقد أشار إلى ذلك في حديث بن مسعود بقوله ان الجنة لا يدخلها الا نفس مسلمة قوله ثم قال والذي نفسي بيده اني لاطمع
[ 340 ]
أن تكونوا ثلث أهل الجنة تقدم في الباب قبله من حديث بن مسعود اترضون ان تكونوا ربع أهل الجنة وكذا في حديث بن عباس وهو محمول على تعدد القصة فقد تقدم أن القصة التي في حديث بن مسعود وقعت وهو صلى الله عليه وسلم في قبته بمنى والقصة التي في حديث أبي سعيد وقعت وهو صلى الله عليه وسلم سائرا على راحلته ووقع في رواية بن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطفى ومثله في مرسل مجاهد عند الخطيب في المبهمات كما سيأتي التنبيه عليه في باب من دخل الجنة بغير حساب ثم ظهر لي أن القصة واحدة وأن بعض الروات حفظ فيه ما لم يحفظ الآخرة إلا أن قول من قال كان ذلك في غزة بني المصطفى واه والصحيح ما في حديث بن مسعود وأن ذلك كان بمنى وأما ما وقع في حديثه انه قال ذلك وهو في قبته فيجمع بينه وبين حديث عمران بأن تلاوته الآية وجوابه عنها اتفق انه كان وهو سائر ثم قوله اني لاطمع الخ وقع بعد أن نزل وقعد بالقبة وأما زيادة الربع قبل الثلث فحفظها أبو سعيد وبعضهم لم يحفظ الربع وقد تقدمت سائر مباحثه في الحديث الخامس من الباب الذي قبله قوله باب قول الله تعالى الا يظن أولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين كأنه أشار بهذه الآية إلى ما أخرجه هناد بن السري في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عمرو قال قال له رجل ان أهل المدينة ليوفون الكيل فقال وما يمنعهم وقد قال الله تعالى ويل للمطففين إلى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين قال ان العرق ليبلغ انصاف اذانهم من هول يوم القيامة وهذا لما لم يكن على شرطه أشار إليه وأورد حديث بن عمر المرفوع في معناه وأصل البعث اثارة الشئ عن جفاء وتحريكه عن سكون والمراد به هنا احياء الاموات وخروجهم من قبورهم ونحوها إلى حكم يوم القيامة قوله قال بن عباس وتقطعت بهم الاسباب قال الوصلات في الدنيا بضم الواو والصاد المهملة وقال بن التين ضبطناه بفتح الصاد وبضمها وبسكونها وقال أبو عبيدة الاسباب هي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا واحدتها وصلة وهذا الاثر لم اظفر به عن بن عباس بهذا اللفظ وقد وصله عبد بن حميد والطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن بن عباس قال المودة وهو بالمعنى وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وللطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال تقطعت بهم المنازل ومن طريق الربيع بن أنس مثله وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال يعني أسباب الندامة وللطبري من طريق بن جريج عن بن عباس قال الاسباب الارحام وهذا منقطع ولابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال تقطعت بهم الارحام وتفرقت بهم المنازل في النار وورد بلفظ التواصل والمواصلة أخرجه الثلاثة المذكورون أيضا من طريق عبيد المكتب عن مجاهد قال تواصلهم في الدنيا وللطبري من طريق جريج عن مجاهد قال تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا وله من طريق سعيد ولعبد من طريق شيبان كلاهما عن قتادة قال الاسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة وللطبري من طريق معمر عن قتادة قال هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا ولعبد من طريق السدي عن أبي صالح قال الاعمال وهو عند
[ 341 ]
الطبري عن السدى من قوله قال الطبري الاسباب جمع سبب وهو كل ما يتسبب به إلى طلبه وحاجة فقال للحبل سبب لانه يتوصل به إلى الحاجة التي يتعلق به إليها وللطريق سبب للتسبب بركوبه إلى مالا يدرك الا بقطعه وللمصاهرة سبب للحرمة وللوسيلة سبب للوصول بها إلى الحاجة وقال الراغب السبب الحبل وسمي كل ما يتوصل به إلى شئ سببا ومنه لعلي ابلغ الاسباب أسباب السماوات أي أصل إلى الاسباب الحادثة في السماء فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى ويسمى العمامة والخمار والثوب الطويل سببا تشبيها بالحبل وكذا منهج الطريق لشبهه بالحبل وبالثوب الممدود أيضا وذكر فيه حديثين أحدهما عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم يقوم الناس لرب العالمين قال يقوم أحدهم في رشحه إلى انصاف اذنيه في رواية صالح بن كيسان عن نافع عند مسلم حتى يغيب أحدهم وكذا تقدم في تفسير ويل للمطففين من طريق مالك عن نافع والرشح بفتح الراء وسكون الشين المعجمة بعدهما مهملة هو العرق شبه برشح الاناء لكونه يخرج من البدن شيئا فشيئا وهذا ظاهر في أن العرق يحصل لكل شخص من نفسه وفيه تعقب على من جوز أن يكون من عرقه فقط أو من عرقه وعرق غيره وقال عياض يحتمل أن يريد عرق الانسان نفسه بقدر خوفه مما يشاهده من الاهوال ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره فيشدد على بعض ويخفف على بعض وهذا كله بتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض حتى صار العرق يجري سائحا في وجه الارض كالماء في الوادي بعد أن شربت منه الارض وغاص فيها سبعين ذراعا قلت واستشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة كانت تغطية الماء لهم على السواء لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا فكيف يكون الكل إلى الاذن والجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة والاولى ان تكون الاشارة بمن يصل الماء إلى اذنيه إلى غاية ما يصل الماء ولا ينفى ان يصل الماء لبعضهم إلى دون ذلك فقد اخرج الحاكم من حديث عقبة بن عامر رفعه تدنو الشمس من الارض يوم القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبته ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ منكبه ومنهم من يبلغ فاه وأشار بيده فألجمها فاه ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده على رأسه وله شاهد عند مسلم من حديث المقداد بن الاسود وليس بتمامه وفيه تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فتكون الناس على مقدار اعمالهم في العرق الحديث فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم ويتفاوتون في حصوله فيهم وأخرج أبو يعلى وصححه بن حبان عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم الناس لرب العالمين قال مقدار نصف يوم من خمسين الف سنة فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب وأخرجه أحمد وابن حبان نحوه من حديث أبي سعيد والبيهقي في البعث من طريق عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة يحشر الناس قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب الحديث الثاني قوله حدثني سليمان هو بن بلال والسند كله مدنيون قوله يعرق الناس بفتح الراء وهي مكسورة في الماضي قوله يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الارض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم في رواية الاسماعيلي من طريق بن وهب عن سليمان بن بلان سبعين باعا وفي رواية مسلم من طريق الدراوردي عن
[ 342 ]
ثور وانه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم شك ثور وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان الذي يجلمه العرق الكافر أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام وبسند قوي عن أبي موسى قال الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم وأخرج بن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة فالمصنف واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الارض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل زاد بن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة قال القرطبي المراد من يكون كامل الايمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره انهم يتفاوتون في ذلك بحسب اعمالهم وفي حديث بن مسعود عند الطبراني والبيهقي ان الرجل ليفيض عرقا حتى يسيح في الارض قامة ثم يرتفع حتى يبلغ انفه وفي رواية عنه عند أبي يعلى وصححها بن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب ارحني ولو إلى النار وللحاكم والبزار من حديث جابر نحوه وهو كالصريح في أن ذلك كله في الموقف وقد ورد ان التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد يقع مثله لمن يدخل النار فأخرج مسلم أيضا من حديث سمرة رفعه ان منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته وفي رواية إلى حقويه ومنهم من تأخذه إلى عنقه وهذا يحتمل أن يكون النار فيه مجازا عن شدة الكرب الناشئ عن العرق فيتحد الموردان ويمكن ان يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب اعمالهم وأما الكفار فإنهم في الغمرات قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الاحاديث الاخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الاكثر ويستثنى الانبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار كما تقدم تقريره في حديث بعث النار قال والظاهر ان المراد بالذراع في الحديث المتعارف وقيل هو الذراع الملكي ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك ان النار تحف بأرض الموقف وتدني الشمس من الرؤوس قدر ميل فكيف تكون حرارة تلك الارض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا مع ان كل واحد لا يجد الا قدر موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه ان هذا لما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة ويقتضى الايمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيه مجال ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولاعادة وانما يؤخذ بالقبول ويدخل تحت الايمان بالغيب ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه وفائدة الاخبار بذلك ان يتنبه السامع فيأخذ في الاسباب التي تخلصه من تلك الاهوال ويبادر إلى التوبة من التبعات ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وادخاله دار الكرامة بمنه وكرمه قوله باب القصاص يوم القيامة القصاص بكسر القاف بمهملتين مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الاثر وهو تتبعه لان المقتص يتتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها يقال اقتص من غريمة واقتص الحاكم لفلان من فلان قوله وهي الحاقة الضمير للقيامة قوله لان فيها الثواب وحواق الامور الحقة والحاقة واحد هذا
[ 343 ]
اخذه من كلام الفراء قال في معاني القرآن الحاقة القيامة سميت بذلك لان فيها الثواب وحواق الامور ثم قال والحقة والحاقة كلاهما بمعنى واحد قال الطبري سميت الحاقة لان الامور تحق فيها وهو كقولهم ليل قائم وقال غيره سميت الحاقة لانها احقت لقوم الجنة ولقوم النار وقيل لانها تحاقق الكفار الذين خالفوا الانبياء يقال حاققته فحققته أي خاصمته فخصمته وقيل لانها حق لا شك فيه قوله والقارعة هو معطوف على الحاقة والمراد أنها من أسماء يوم القيامة وسميت بذلك لانها تقرع القلوب بأهوالها قوله والغاشية سميت بذلك لانها تغشى الناس بافزاعها أي تعمهم بذلك قوله والصاخة قال الطبري أظنه من صخ فلان فلانا إذا اصمه وسميت بذلك لان صيحة القيامة مسمعة لامور الآخرة ومصمة عن أمور الدنيا وتطلق الصاخة أيضا على الداهية قوله التغابن غبن أهل الجنة أهل النار غبن بفتح المعجمة والموحدة بعدها نون والسبب في ذلك ان أهل الجنة ينزلون منازل الاشقياء التي كانت اعدت لهم لو كانوا سعداء فعلى هذا فالتغابن من طرف واحد ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة وقد اقتصر المصنف من أسماء يوم القيامة على هذا القدر وجمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو الثمانين اسما فمنها يوم الجمع ويوم الفزع الاكبر ويوم التناد ويوم الوعيد ويوم الحسرة ويوم التلاق ويوم المآب ويوم الفصل ويوم العرض على الله ويوم الخروج ويوم الخلود ومنها يوم عظيم ويوم عسير ويوم مشهود ويوم عبوس قمطرير ومنها يوم تبلى السرائر ومنها يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ويوم يدعون إلى نار جهنم ويوم تشخص فيه الابصار ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ويوم لا ينطقون ويوم لا ينفع مال ولا بنون ويوم لا يكتمون الله حديثا ويوم لا مرد له من الله ويوم لا بيع فيه ولا خلال ويوم لا ريب فيه فإذا ضمت هذه إلى ما ذكر في الاصل كانت أكثر من ثلاثين اسما معظمها ورد في القرآن بلفظه وسائر الاسماء المشار إليها أخذت بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصا كيوم الصدر من قوله يومئذ يصدر الناس اشتاتا ويوم الجدال من قوله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ولو تتبع مثل هذا من القرآن زاد على ما ذكر والله اعلم وذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن مسعود والسند إليه كوفيون وشقيق هو بن سلمة أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه قوله أول ما يقضي بين الناس بالدماء في رواية الكشميهني الدماء وسيأتي كالاول في الديات من وجه اخر عن الاعمش ولمسلم والاسماعيلي من طريق أخرى عن الاعمش بين الناس يوم القيامة في الدماء أي التي وقعت بين الناس في الدنيا والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير أول ما يقضي فيه الامر الكائن في الدماء ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رفعه ان أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته الحديث أخرجه أصحاب السنن لان الاول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق وقد جمع النسائي في روايته في حديث بن مسعود بين الخبرين ولفظه أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في الدماء وتقدم في تفسير سورة الحج ذكر هذه الاولية بأخص مما في حديث الباب وهو عن علي قال أنا أول من يجثو للخصومة يوم القيامة يعني هو ورفيقاه حمزة وعبيدة وخصومهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة الذين بارزوا يوم بدر قال أبو ذر فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية وتقدم شرحه هناك وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه أول ما يقضي بين
[ 344 ]
الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول يا رب سل هذا فيم قتلني الحديث وفي حديث نافع بن جبير عن بن عباس رفعه يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه ملببا قاتله بيده الاخرى تشخب اوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله الحديث ونحوه عند بن المبارك عن عبد الله بن مسعود موقوفا وأما كيفية القصاص فيما عدا ذلك فيعلم من الحديث الثاني وأخرج بن ماجة عن بن عباس رفعه نحن اخر الامم وأول من يحاسب يوم القيامة وفي الحديث عظم أمر الدم فإن البداءة انما تكون بالاهم والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة واعدام البنية الانسانية غاية في ذلك وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وآثار شهيرة يأتي بعضها في أول الديات الحديث الثاني قوله مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري في رواية بن وهب عن مالك حدثني سعيد بن أبي سعيد قوله من كانت عنده مظلمة لاخيه في رواية الكشميهني من أخيه قوله ليس ثم دينار ولا درهم في حديث بن عمر رفعه من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته أخرجه بن ماجة وقد مضى شرحه في كتاب المظالم والمراد بالحسنات الثواب عليها وبالسيات العقاب عليها وقد استشكل إعطاء الثواب وهو لا يتناهى في مقابلة العقاب وهو متناه وأجيب بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من أصل الثواب ما يوازي العقوبة عن السيئة وأما ما زاد على ذلك بفضل الله فإنه يبقى لصاحبه قال البيهقي سيئات المؤمن على أصول أهل السنة متناهية الجزاء وحسناته غير متناهية الجزاء لان من ثوابها الخلود في الجنة فوجه الحديث عندي والله اعلم انه يعطى خصماء المؤمن المسئ من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب ان لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا يعطي خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته يعني من المضاعفة لان ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا والله اعلم قال الحميدي في كتاب الموازنة الناس ثلاثة من رجحت حسناته على سيئاته أو بالعكس أو من تساوت حسناته وسيآته فالاول فائز بنص القرآن والثاني يقتضي منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته والقسم الثالث أصحاب الاعراف وتعقبه أبو طالب عقيل بن عطية في كتابه الذي رد عليه فيه بأن حق العبارة فيه أن يقيد بمن شاء الله أن يعذبه منهم والا فالمكلف في المشيئة وصوب الثالث على أحد الاقوال في أهل الاعراف قال وهو أرجح الاقوال فيهم قلت قد قال الحميدي أيضا والحق أن من رجحت سيئاته على حسناته على قسمين من يعذب ثم يخرج من النار بالشفاعة ومن يعفى عنه فلا يعذب أصلا وعند أبي نعيم من حديث بن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادى مناد هذا فلان بن فلان فمن كان له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين اوتيهم فيقول للملائكة خذوا من اعماله الصالحة فأعطوا كل انسان بقدر طلبته فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة وعند بن أبي الدنيا عن حذيفة قال صاحب الميزان يوم القيامة جبريل يرد بعضهم على بعض ولا ذهب يومئذ ولا فضة فيؤخذ من حسنات الظالم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم
[ 345 ]
اخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه لا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولاحد من أهل النار عنده مظلمة حتى اقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله كيف وانما نحشر حفاة عراة قال بالسيآت والحسنات وعلق البخاري طرفا منه في التوحيد كما سيأتي وفي حديث أبي امامة في نحو حديث أبي سعيد ان الله يقول لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم وفيه دلالة على موازنة الاعمال يوم القيامة وقد صنف فيه الحميدي صاحب الجمع كتابا لطيفا وتعقب أبو طالب عقيل بن عطية أكثره في كتاب سماه تحرير المقال في موازنة الاعمال وفي حديث الباب وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري عن أبيه رفعه يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى فقد ضعفه البيهقي وقال تفرد به شداد أبو طلحة والكافر لا يعاقب بذنب غيره لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد اخرج أصل الحديث مسلم من وجه آخر عن أبي بردة بلفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار قال البيهقي ومع ذلك فضعفه البخاري وقال الحديث في الشفاعة أصح قال البيهقي ويحتمل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كفرت عنهم في حياتهم وحديث الشفاعة في قوم لم تكفر ذنوبهم ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في الفداء بعد خروجهم من النار بالشفاعة وقال غيره يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة الآتي في أواخر باب صفة الجنة والنار قريبا بلفظ لا يدخل الجنة أحد الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا الحديث وفيه في مقابله ليكون عليه حسرة فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له وانزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين ويكون قوله ويضعها أي يضع مثلها لانه لما اسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل اثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الاثم الباقي وهو اثمهم ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية لكون الكافر لا يغفر له فيكون الوضع كناية عن ابقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السئ ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة وهذا الثاني أقوى والله اعلم الحديث الثالث قوله حدثنا الصلت بن محمد بفتح الصاد المهملة وسكون الام بعده تاء مثناة من فوق وهو الخاركي بخاء معجمة وكاف قوله حدثنا يزيد بن زريع ونزعنا ما في صدورهم من غل قال حدثنا سعيد أي قرأ يزيد هذه الآية وفسرها بالحديث المذكور وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع بهذا السند إلى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ونزعنا ما في صدروهم من غل اخوانا على سرر متقابلين قال يخلص المؤمنون الحديث وظاهره ان تلاوة الآية مرفوع
[ 346 ]
فإن كان محفوظا احتمل ان يكون كل من رواته تلا الآية عند إيراد الحديث فاختصر ذلك في رواية الصلت ممن فوق يزيد بن زريع وقد أخرجه الطبري من رواية عفان عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية فذكرها قال حدثنا قتادة فذكره وكذا أخرجه بن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواه عبد الوهاب بن عطاء وروح بن عبادة عن سعيد فلم يذكر الآية أخرجه بن مردويه وأبو المتوكل الناجي بالنون اسمه علي بن داود ورجال السند كلهم بصريون وصرح قتادة بالتحديث في هذا الحديث في رواية مضت في المظالم وكذا الرواية المعلقة ليونس بن محمد عن شيبان عن قتادة ووصلها بن منده وكذا أخرجها عبد بن حميد في تفسيره عن يونس بن محمد وكذا في رواية شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواية بشر بن خالد وعفان عن يزيد بن زريع قوله إذا خلص المؤمنون من النار أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط ووقع في رواية هشام عن قتادة عند المصنف في المظالم إذا خلص المؤمنون من جسر جهنم وسيأتي في حديث الشفاعة كيفية مرورهم على الصراط قال القرطبي هؤلاء المؤمنون هم الذين علم الله ان القصاص لا يستنفد حسناتهم قلت ولعل أصحاب الاعراف منهم على القول المرجح آنفا وخرج من هذا صنفان من المؤمنين من دخل الجنة بغير حساب ومن أوبقه عمله قوله فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار سيأتي ان الصراط جسر موضوع على متن جهنم وأن الجنة وراء ذلك فيمر عليه الناس بحسب اعمالهم فمنهم الناجي وهو من زادت حسناته على سيئاته أو استويا أو تجاوز الله عنه ومنهم الساقط وهو من رجحت سيئاته على حسناته الا من تجاوز الله عنه فالساقط من الموحدين يعذب ما شاء الله ثم يخرج بالشفاعة وغيرها والناجي قد يكون عليه تبعات وله حسنات توازيها أو تزيد عليها فيؤخذ من حسناته ما يعدل تبعاته فيخلص منها واختلف في القنطرة المذكورة فقيل هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل انهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي وسيأتي صفة الصراط في الكلام على الحديث الذي في باب الصراط جسر جهنم في اواخر كتاب الرقاق قوله فيقتص لبعضهم من بعض بضم أوله على البناء للمجهول للاكثر وفي رواية الكشميهني بفتح أوله فتكون اللام على هذه الرواية زائدة أو الفاعل محذوف وهو الله أو من اقامه في ذلك وفي رواية شيبان فيقتص بعضهم من بعض قوله حتى إذا هذبوا ونقوا بضم الهاء وبضم النون وهما بمعنى التمييز والتخليص من التبعات قوله اذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده هذا ظاهره انه مرفوع كله وكذا في سائر الروايات الا في رواية عفان عند الطبري فإنه جعل هذا من كلام قتادة فقال بعد قوله في دخول الجنة قال وقال قتادة والذي نفسي بيده لاحدهم أهدى الخ وفي رواية شعيب بن إسحاق بعد قوله في دخول الجنة قال فوالذي نفسي بيده الخ فأبهم القائل فعلى رواية عفان يكون هو قتادة وعلى رواية غيره يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم وزاد محمد بن المنهال عند الاسماعيلي قال قتادة كان يقال ما يشبه بهم الا أهل الجمعة إذا انصرفوا من جمعتهم وهكذا عند عبد الوهاب وروح وفي رواية بشر بن خالد وعفان جميعا عند الطبري قال وقال بعضهم فذكره وكذا في رواية شعيب بن إسحاق ويونس بن محمد والقائل وقال بعضهم هو قتادة ولم اقف على تسمية القائل قوله لاحدهم أهدى بمنزلة في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا قال الطيبي أهدى لا يتعدى بالباء
[ 347 ]
بل باللام أو إلى فكأنه ضمن معنى اللصوق بمنزله هاديا إليه ونحوه قوله تعالى يهديهم ربهم بإيمانهم الآية فان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة فأقام تجري من تحتهم إلى آخرها بيانا وتفسيرا لان التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها قلت ولاصل الحديث شاهد من مرسل الحسن أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عنه قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل قال القرطبي وقع في حديث عبد الله بن سلام ان الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينا وشمالا وهو محمول على من لم يحبس بالقنطرة أو على الجميع والمراد أن الملائكة تقول ذلك لهم قبل دخول الجنة فمن دخل كانت معرفته بمنزلة فيها كمعرفته بمنزله في الدنيا قلت ويحتمل أن يكون القول بعد الدخول مبالغة في التبشير والتكريم وحديث عبد الله بن سلام المذكور أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد وصححه الحاكم قوله باب من نوقش الحساب عذب هو من النقش وهو استخراج الشوكة وتقدم بيانه في الجهاد والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة يقال انتقشت منه حقي أي استقصيته وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الاول قوله عن بن أبي مليكة عن عائشة قال الدارقطني رواه حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله بن أبي مليكة فقال حدثني القاسم بن محمد حدثتني عائشة وقوله أصح لانه زاد وهو حافظ متقن وتعقبه النووي وغيره بأنه محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة فحدث به على الوجهين قلت وهذا مجرد احتمال وقد وقع التصريح بسماع بن أبي مليكة له عن عائشة في بعض طرقه كما في السند الثاني من هذا الباب فانتفى التعليل بأقساط رجل من السند وتعين الحمل على أنه سمع من القاسم عن عائشة ثم سمعه من عائشة بغير واسطة أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطة وان كان مؤداهما واحدا وهذا هو المعتمد بحمد الله قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد بن حميد عن عبد الله بن موسى شيخ البخاري فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قوله قالت قلت أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب في رواية عبد قلت يا رسول الله ان الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله حسابا يسيرا ولاحمد من وجه آخر عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسى قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه ان من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك قوله في السند الثاني مثله تقدم في تفسير سورة انشقت بهذا السند ولم يسق لفظه أيضا وأورده الاسماعيلي من رواية أبي بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد فقال مثل حديث عبيد الله بن موسى سواء قوله تابعه بن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن بن أبي مليكة عن عائشة قلت متابعة بن جريج ومحمد بن سليم وصلهما أبو عوانة في صحيحه من طريق أبي عاصم عن بن جريج وعثمان بن الاسود ومحمد بن سليم كلهم عن بن أبي مليكة عن عائشة به تنبيهان أحدهما اختلف على بن جريج في سند هذا الحديث فأخرجه بن مردويه من طريق أخرى عن بن جريج عن عطاء عن عائشة مختصرا ولفظه من حوسب يوم القيامة عذب ثانيهما محمد بن سليم هذا جزم أبو علي الجياني بأنه أبو عثمان المكي وقال استشهد
[ 348 ]
به البخاري في الرقاق وفرق بينه وبين محمد بن سليم البصري وهو أبو هلال الراسبي استشهد به البخاري في التعبير وأما المزي فلم يذكر أبا عثمان في التهذيب بل اقتصر على ذكر أبي هلال وعلم علامة التعليق على اسمه في ترجمة بن أبي مليكة وهو الذي هنا وعلى محمد بن سيرين وهو الذي في التعبير والذي يظهر تصويب أبي علي ومحمد بن سليم أبو عثمان المذكور ذكره البخاري في التاريخ فقال يروي عن بن أبي مليكة وروى عنه وكيع وقال بن أبي حاتم روى عنه أبو عاصم ونقل عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال هو ثقة وقال أبو حاتم صالح وذكره بن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات وأما متابعة أيوب فوصلها المؤلف في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاري فيه ولفظه من حوسب عذب قالت عائشة فقلت يا رسول الله فأين قول الله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذاك العرض ولكنه من نوقش الحساب عذب وأخرجه من طريق همام عن أيوب بلفظ من نوقش عذب فقالت كأنها تخاصمه فذكر نحوه وزاد في آخره قالها ثلاث مرات وأخرجه بن مردويه من وجه آخر عن حماد بلفظ ذاكم العرض بزيادة ميم الجماعة وأما متابعة صالح بن رستم بضم الراء وسكون المهملة وضم المثناة وهو أبو عامر الخزاز بمعجمات مشهور بكنيته أكثر من اسمه فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز ووقعت لنا بعلو في المحامليات وفي لفظه زيادة قال عن عائشة قالت قلت إني لاعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وما هي قلت من يعمل سوءا يجز به فقال ان المؤمن يجازى بأسوإ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب يعذبه قالت قلت أليس قال الله تعالى فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق وأخرجه الطبري وأبو عوانة وابن مردويه من عدة طرق عن أبي عامر الخزاز نحوه قوله حاتم بن أبي صغيرة بفتح المهملة وكسر الغين المعجمة وكنية حاتم أبو يونس واسم أبي صغيرة مسلم وقد قيل أنه زوج أم أبي يونس وقيل جده لامه قوله ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك ثم قال أخيرا وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة الا عذب وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد لان المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك وقال القرطبي في المفهم قوله حوسب أي حساب استقصاء وقوله عذب أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه وقوله هلك أي بالعذاب في النار قال وتمسكت عائشة بظاهر لفظ الحساب لانه يتناول القليل والكثير قوله يناقش الحساب بالنصب على نزع الخافض والتقدير يناقش في الحساب قوله أليس قد قال الله تعالى تقدم في تفسير سورة انشقت من رواية يحيى القطان عن أبي يونس بلفظ فقلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله تعالى قوله انما ذلك العرض في رواية القطان قال ذاك العرض تعرضون ومن نوقش الحساب هلك وأخرج الترمذي لهذا الحديث شاهدا من رواية همام عن قتادة عن أنس رفعه من حوسب عذب وقال غريب قلت والراوي له عن همام علي بن أبي بكر صدوق وربما أخطأ قال القرطبي معنى قوله انما ذلك العرض ان الحساب المذكور في الآية انما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة كما في حديث بن عمر في النجوى
[ 349 ]
قال عياض قوله عب له معنيان أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد الا من عند الله لاقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولان الخالص لوجهه قليل ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الاخرى هلك وقال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لان التقصير غالب على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك وقال غيره وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الآية العرض وهو ابراز الاعمال واظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه ويؤيده ما وقع عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير سمعت عائشة تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحساب اليسير قال الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها وفي حديث أبي ذر عند مسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه الحديث وفي حديث جابر عند بن أبي حاتم والحاكم من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسانه فذاك الذي اوبق نفسه وانما الشفاعة في مثله ويدخل في هذا حديث بن عمر في النجوى وقد أخرجه المصنف في كتاب المظالم وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد وفيه يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول أعملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول اني سترت عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم وجاء في كيفية العرض ما أخرجه الترمذي من رواية علي بن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي هريرة رفعه تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وعند ذلك تطير الصحف في الايدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله قال الترمذي لا يصح لان الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن علي بن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى انتهى وهو عند بن ماجة وأحمد من هذا الوجه مرفوعا وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود وقوفا قال الترمذي الحكيم الجدال للكفار يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا والمعاذير اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على اعدائه والثالثة للمؤمنين وهو العرض الاكبر تنبيه وقع في رواية لابن مردوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم القيامة الا دخل الجنة وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لان الموحد وان قضى عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة الحديث الثاني حديث أنس يجاء بالكاف ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة وساقه بلفظ سعيد وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والاسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام عن أبيه بلفظ يقال للكافر والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال وسيأتي بعد باب في باب صفة الجنة والنار من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك ولفظه يقول الله عزوجل لاهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الارض من شئ أكنت تفتدي به فيقول نعم ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس وظاهر سياقه أن ذلك يقع
[ 350 ]
للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا بن آدم كيف وجدت مضجعك فيقول شر مضجع فيقال له هل تفتدي بقراب الارض ذهبا فيقول نعم يا رب فيقال له كذبت ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الاخرى قوله فيقال له زاد مسلم في رواية سعيد كذبت قوله قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك في رواية أبي عمران فيقول أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت الا أن تشرك بي وفي رواية ثابت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار قال عياض يشير بذلك إلى قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ اخرجتك إلى الدنيا الا الشرك ويحتمل أن يكون المراد بالارادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل لانه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه الا ما يريد واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد والجواب أن ذلك ليس بممتنع ولا مستحيل وقال المازري مذهب أهل السنة أن الله تعالى أراد ايمان المؤمن وكفر الكافر ولو أراد من الكافر الايمان لآمن يعني لو قدره عليه لوقع وقال أهل الاعتزال بل أراد من الجميع الايمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر فحملوا الغائب على الشاهد لانهم رأوا أن مريد الشر شرير والكفر شر فلا يصح أن يريده البارئ وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء وانما كانت إرادة الشر شرا لنهى الله عنه والبارئ سبحانه ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس ارادته على إرادة المخلوقين وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والبارئ تعالى لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الايمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف تعالى الله عن ذلك وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته والجواب عنه ما تقدم واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الايمان فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو الانس والجن وقال آخرون الارادة غير الرضا ومعنى قوله ولا يرضى أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه فعلى هذا فهي صفة فعل وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم وقيل الرضا صفة وراء الارادة وقيل الارادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا والثانية أخص من الاولى والله اعلم وقيل الرضا من الله إرادة الخير كما ان السخط إرادة الشر وقال النووي قوله فيقال له كذبت معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لانك سئلت أيسر من ذلك فأبيت ويكون من معنى قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى لو أن لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به قال وفي الحديث من الفوائد جواز قول الانسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك وقال انما يجوز قال الله تعالى وهو قول شاذ مخالف لاقوال العلماء من السلف والخلف وقد تظاهرت به الاحاديث وقال الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل الحديث الثالث قوله حدثني خيثمة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها مثلثة هو بن عبد الرحمن الجعفي قوله عن عدي بن حاتم هو الطائي قوله ما منكم من أحد ظاهر الخطاب للصحابة ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك
[ 351 ]
بن أبي جمرة قوله الا سيكلمه الله في رواية وكيع عن الاعمش عند بن ماجة سيكلمه ربه قوله ليس بينه وبينه ترجمان لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم اوتك مالا فيقول بلى الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في شرح قصة هرقل قوله ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه بضم القاف وتشديد الدال أي امامه ووقع في رواية عيسى بن يونس عن الاعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر اشأم منه فلا يرى الا ما قدم وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ فلا يرى شيئا الا شيئا قدمه وفي رواية محل بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى الا النار وينظر عن شماله فلا يرى الا النار وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك وقوله أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال قال بن هبيرة نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لان الانسان من شأنه إذا دهمه أمر ان يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث قلت ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى الا ما يفضى به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة قوله ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار في رواية عيسى وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه وفي رواية أبي معاوية ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار قال بن هبيرة والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط قوله فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة زاد وكيع في روايته فليفعل وفي رواية أبي معاوية أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل وفي رواية عيسى فاتقوا النار ولو بشق تمرة أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشئ يسير قوله قال الاعمش هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية معاوية عن الاعمش كذلك وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة للاعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره فمن لم يجد فبكلمة طيبة وقد مضى الحديث بأتم سياقا من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة قوله حدثني عمرو هو بن مرة وصرح به في رواية عيسى بن يونس قوله اتقوا النار ثم اعرض وأشاح بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر منها وقال الجليلي أشاح بوجهه عن الشئ نحاه عنه وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الامر والمقبل في خطابه فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية باتقائها أو اقبل على اصحابه في خطابه بعد أن اعرض عن النار لما ذكرها وحكى بن التين أن معنى اشاح صد وانكمش وقيل صرف وجهه كالخائف ان تناله قلت والاول أوجه لانه قد حصل من قوله اعرض ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار قوله ثلاث في رواية أبي معاوية ثم قال اتقوا النار واعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها وكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية جرير عن الاعمش قال بن هبيرة وابن أبي جمرة في حديث ان الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة بغير واسطة وفيه الحث على الصدقة قال بن أبي جمرة وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت وقد قيدت في الحديث الكسب الطيب وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها
[ 352 ]
وفيه حجة لاهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من ان نظر المذكور عن يمينه وعن شماله فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر أمامه استقبلته النار وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف وقد اخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم وقوله جثى بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث والكوم بفتح الكاف والواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه امة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال وفيه ان احتجاب الله عن عباده ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا وقال بن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا يدل على هدى أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا والله سبحانه وتعالى اعلم قوله باب يدخل الجنة سبعون الفا بغير حساب فيه إشارة إلى أن وراء التقسيم الذي تضمنته الآية المشار إليها في الباب الذي قبله أمرا آخر وان من المكلفين من لا يحاسب أصلا ومنهم من يحاسب حسابا يسيرا ومنهم من يناقش الحساب وذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الاول قوله حدثنا أبو الفضيل هو محمد وحصين هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله وحدثني اسيد فتح الهمزة وكسر المهملة هو بن زيد الجمال بالجيم كوفي حدث ببغداد قال أبو حاتم كانوا يتكلمون فيه وضعفه جماعة وأفحش بن معين فيه القول وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع وقد قرنه فيه بغيره ولعله كان عنده ثقة قاله أبو مسعود ويحتمل أن لا يكون خبر أمره كما ينبغي وانما سمع منه هذا الحديث الواحد وقد وافقه عليه جماعة منهم شريح بن النعمان عند أحمد وسعيد بن منصور عند مسلم وغيرهما وانما احتاج إليه فرارا من تكرير الاسناد بعينه فإنه أخرج السند الاول في الطب في باب من اكتوى ثم اعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم وتقدم له في الطب أيضا في باب من لم يرق من طريق حصين بن بهز عن حصين بن عبد الرحمن وتقدم باختصار قريبا من طريق شعبة عن حصين بن عبد الرحمن قوله كنت عند سعيد بن جبير فقال حدثني بن عباس زاد بن فضيل في رواية عن حصين عن عامر وهو الشعبي عن عمران بن حصين لا رقية الا من عين الحديث وقد بينت الاختلاف في رفع حديث عمران هذا والاختلاف في سنده أيضا في كتاب الطب وان في رواية هشيم زيادة قصة وقعت لحصين بن عبد الرحمن مع سعيد بن جبير فيما يتعلق بالرقية وذكرت حكم الرقية هناك قوله عرضت بضم أوله على البناء للمجهول قوله علي بالتشديد الامم بالرفع وقد بين عبثر بن القاسم بموحدة ثم مثلثة وزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرحمن عند الترمذي والنسائي أن ذلك كان ليلة الاسراء ولفظه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي ومعه الواحد الحديث فإن كان ذلك محفوظا كانت فيه قوة لمن ذهب إلى تعدد الاسراء وأنه وقع بالمدينة أيضا غير الذي وقع بمكة فقد وقع عند أحمد والبزار بسند صحيح قال أكربنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عدنا إليه فقال عرضت على الانبياء الليلة بأممها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة فذكر الحديث وفي حديث جابر عند البزار أبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العشاء حتى نام بعض من كان في المسجد
[ 353 ]
الحديث والذي يتحرر من هذه المسألة ان الاسراء الذي وقع بالمدينة ليس فيه ما وقع بمكة من استفتاح أبواب السماوات بابا بابا ولا من التقاء الانبياء كواحد في سماء ولا المراجعة معهم ولا المراجعة مع موسى فيما يتعلق بفرض الصلوات ولا في طلب تخفيفها وسائر ما يتعلق بذلك وانما تكررت قضايا كثيرة سوى ذلك رآها النبي صلى الله عليه وسلم فمنها بمكة البعض ومنها بالمدينة بعد الهجرة البعض ومعظمها في المنام والله اعلم قوله فأجد بكسر الجيم بلفظ المتكلم بالفعل المضارع وفيه مبالغة لتحقق صورة الحال وفي رواية الكشميهني فأخذ بفتح الخاء والذال المعجمتين بلفظ الفعل الماضي قوله النبي بالنصب وفي رواية الكشميهني بالرفع على أنه الفاعل قوله يمر معه الامة أي العدد الكثير قوله والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشر بفتح المهملة وسكون المعجمة وفي رواية المستملي بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء ووقع في رواية بن فضيل فجعل النبي والنبيان يمرون ومعهم الرهط زاد عبثر في روايته والشئ وفي رواية حصين بن نمير نحوه لكن بتقديم وتأخير وفي رواية سعيد بن منصور التي أشرت إليها آنفا فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الخمسة والرهط تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان في قصة هرقل أول الكتاب وفي حديث بن مسعود فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة والنبي يمر وليس معه أحد والحاصل من هذه الروايات أن الانبياء يتفاوتون في عدد أتباعهم قوله فنظرت فإذا سواد كثير في رواية حصين بن نمير فرأيت سوادا كثيرا سد الافق والسواد ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ووصفه بالكثير إشارة إلى أن المراد بلفظ الجنس لا الواحد ووقع في رواية بن فضيل ملا الافق الافق الناحية والمراد به هنا ناحية السماء قوله قلت يا جبريل هؤلاء أمتي قال لا في رواية حصين بن نمير فرجوت ان تكون أمتي فقيل هذا موسى في قومه وفي حديث بن مسعود عند أحمد حتى مر على موسى في كبكبة من بني إسرائيل فأعجبني فقلت من هؤلاء فقيل هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل والكبكبة بفتح الكاف ويجوز ضمها بعدها موحدة هي الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم إلى بعض قوله ولكن انظر إلى الافق فنظرت فإذا سواد كثير في رواية سعيد بن منصور عظيم وزاد فقيل لي انظر إلى الافق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الافق الاخر مثله وفي رواية بن فضيل فإذا سواد قد ملا الافق فقيل لي انظر ههنا وههنا في آفاق السماء وفي حديث بن مسعود فإذا الافق قد سد بوجوه الرجال وفي لفظ لاحمد فرأيت أمتي قد ملؤا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم وهيئتهم فقيل أرضيت يا محمد قلت نعم أي رب وقد استشكل الاسماعيلي كونه صلى الله عليه وسلم لم يعرف أمته حتى ظن انهم امة موسى وقد ثبت من حديث أبي هريرة كما تقدم في الطهارة كيف تعرف من لم تر من أمتك فقال انهم غر محجلون من أثر الوضوء وفي لفظ سيما ليست لاحد غيرهم وأجاب بأن الاشخاص التي رآها في الافق لا يدرك منها الا الكثرة من غير تمييز لاعيانهم وأما ما في حديث أبي هريرة فمحمول على ما إذا قربوا منه وهذا كما يرى الشخص شخصا على بعد فيكلمه ولا يعرف أنه أخوه فإذا صار بحيث يتميز عن غيره عرفه ويؤيده أن ذلك يقع عند ورودهم عليه الحوض قوله هؤلاء أمتك وهؤلاء سبعون الفا قدامهم لاحساب عليهم ولا عذاب في رواية سعيد
[ 354 ]
بن منصور معهم بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير ومع هؤلاء وكذا في حديث بن مسعود والمراد بالمعية المعنوية فإن السبعين الفا المذكورين من جملة أمته لكن لم يكونوا في الذين عرضوا إذ ذاك فأريد الزيادة في تكثير أمته بإضافة السبعين الفا إليهم وقد وقع في رواية بن فضيل ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون الفا بغير حساب وفي رواية عبثر بن القاسم هؤلاء أمتك ومن هؤلاء من أمتك سبعون الفا والاشارة بهؤلاء إلى الامة لا إلى خصوص من عرض ويحتمل أن تكون مع بمعنى من فتأتلف الروايات قوله قلت ولم بكسر اللام وفتح الميم ويجوز اسكانها يستفهم بها عن السبب وقع في رواية سعيد بن منصور وشريح عن هشيم ثم نهض أي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل منزله فحاص الناس في أولئك فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الاسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هم الذين وفي رواية عبثر فدخل ولم يسألوه ولم يفسر لهم والباقي نحوه وفي رواية بن فضيل فأفاض القوم فقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا الرسول فنحن هم أو اولادنا الذين ولدوا في الاسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال وفي رواية حصين بن نمير فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله وبرسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا وفي حديث جابر وقال بعضنا هم الشهداء وفي رواية له من رق قلبه للاسلام قوله كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون اتفق على ذكر هذه الاربع معظم الروايات في حديث بن عباس وان كان عند البعض تقديم وتأخير وكذا في حديث عمران بن حصين عند مسلم وفي لفظ له سقط ولا يتطيرون هكذا في حديث بن مسعود وفي حديث جابر اللذين أشرت إليهما بنحو الاربع ووقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم ولا يرقون بدل ولا يكتوون وقد انكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية وزعم انها غلط من راويها واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك وأيضا فقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ورقى النبي اصحابه واذن لهم في الرقى وقال من استطاع ان ينفع اخاه فليفعل والنفع مطلوب قال واما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه وتمام التوكل ينافي ذلك قال وانما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شئ وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايته هذه وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي لانه اعتل بان الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذا يقال له والذي يفعل غيره به ذلك ينبغي ان لا يمكنه منه لاجل تمام التوكل وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى ولا في فعل النبي صلى الله عليه وسلم له أيضا دلالة لانه في مقام التشريع وتبيين الاحكام ويمكن أن يقال انما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة لان فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وانما منع منها ما كان شركا أو احتمله ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم اعرضوا علي رقاكم ولا بأس بالرقى ما لم يكن شرك ففيه إشارة إلى علة النهى كما تقدم تقرير ذلك واضحا في كتاب الطب وقد نقل القرطبي عن غيره ان استعمال الرقى والكي قادح في التوكل
[ 355 ]
بخلاف سائر أنواع الطب وفرق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة كالاكل والشرب فلا يقدح قال القرطبي وهذا فاسد من وجهين أحدهما أن أكثر أبواب الطب موهوم والثاني أن الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه فلو كان ذلك قادحا في التوكل لقدح الدعاء إذ لا فرق بين الذكر والدعاء وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقى وفعله السلف والخلف فلو كان مانعا من اللحاق بالسبعين أو قادحا في التوكل لم يقع من هؤلاء وفيهم من هو اعلم وافضل ممن عداهم وتعقب بأنه بنى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقا وليس كذلك لما سأبينه وجوز أبو طالب بن عطية في موازنة الاعمال أن السبعين المذكورين هم المراد بقوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم فان أراد انهم من جملة السابقين فمسلم والا فلا وقد اخرج أحمد وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث رفاعة الجهني قال اقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وفيه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا بغير حساب واني لارجو أن لا يدخولها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة فهذا يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم انهم أفضل من غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته وعرف مقامه من الجنة يشفع في غيره من هو أفضل منهم وسأذكر بعد قليل من حديث أم قيس بنت محصن أن السبعين الفا ممن يحشر من مقبرة البقيع بالمدينة وهي خصوصية أخرى قوله ولا يتطيرون تقدم بيان الطيرة في كتاب الطب والمراد أنهم لا يتشاءمون كما كانوا يفعلون في الجاهلية قوله وعلى ربهم يتوكلون يحتمل أن تكون هذه الجملة مفسرة لما تقدم من ترك الاسترقاء والاكتواء والطيرة ويحتمل أن تكون من العام بعد الخاص لان صفة كل واحدة منها صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك وقد مضى القول في التوكل في باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه قريبا وقال القرطبي وغيره قالت طائفة من الصوفية لا يستحق اسم التوكل الا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى حتى لو هجم عليه الاسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب الرزق لكون الله ضمنه له وأبى هذا الجمهور وقالوا يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لا بد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو باعداد السلاح واغلاق الباب ونحو ذلك ومع ذلك فلا يطمئن إلى الاسباب بقلبه بل يعتقد انها لا تجلب بذاتها نفعا ولا تدفع ضرا بل السبب والمسبب فعل الله تعالى والكل بمشيئته فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله وهم مع ذلك فيه على قسمين واصل وسالك فالاول صفة الواصل وهو الذي لا يلتفت إلى الاسباب ولو تعاطاها وأما السالك فيقع له الالتفات إلى السبب أحيانا الا انه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية والاذواق الحالية إلى ان يرتقى إلى مقام الواصل وقال أبو القاسم القشيري التوكل محله الطب وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه إذا تحقق العبد أن الكل من قبل الله فان تيسر شئ فبتيسيره وان تعسر فبتقديره ومن الادلة على مشروعية الاكتساب ما تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة رفعه أفضل ما أكل الرجل من كسبه وكان داود يأكل من كسبه فقد قال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من
[ 356 ]
بأسكم وقال تعالى وخذوا حذركم وأما قول القائل كيف تطلب مالا تعرف مكانه فجوابه أنه يفعل السببب المأمور به ويتوكل على الله فيما يخرج عن قدرته فيشق الارض مثلا ويلقى الحب ويتوكل على الله في انباته وانزال الغيث له ويحصل السلعة مثلا وينقلها ويتوكل على الله في القاء الرغبة في قلب من يطلبها منه بل ربما كان التكسب واجبا كقادر على الكسب يحتاج عياله للنفقة فمتى ترك ذلك كان عاصيا وسلك الكرماني في الصفات المذكورة مسلك التأويل فقال قوله لا يكتوون معناه الا عند الضرورة مع اعتقاد أن الشفاء من الله لا من مجرد الكي وقوله ويسترقون معناه بالرقى التي ليست في القرآن والحديث الصحيح كرقى الجاهلية وما لا يؤمن ان يكون فيه شرك وقوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بشئ فكأن المراد أنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية في عقائدهم قال فان قيل ان المتصف بهذا أكثر من العدد المذكور فما وجه الحصر فية وأجاب باحتمال ان يكون المراد به التكثير لا خصوص العدد قلت الظاهر أن العدد المذكور على ظاهره فقد وقع في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وصفهم بأنهم تضئ وجوهم اضاءة القمر ليلة البدر ومضى في بدء الخلق من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة رفعه أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء اضاءة وأخرجه مسلم من طرق عن أبي هريرة منها رواية أبي يونس وهمام عن أبي هريرة على صورة القمر وله من حديث جابر فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر سبعون الفا لا يحاسبون وقد وقع في أحاديث أخرى أن مع السبعين الفا زيادة عليهم ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في البعث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي فذكر الحديث نحو سياق حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وزاد فاستزدت ربي فزادني مع كل الف سبعين الفا وسنده جيد وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند البزار وعن ثوبان عند بن أبي عاصم فهذه طرق يقوى بعضها بعضا وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك فأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث أبي امامة رفعه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا مع كل الف سبعين الفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي وفي صحيح بن حبان أيضا والطبراني بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ ثم يشفع كل الف في سبعين الفا ثم يحثى ربي ثلاث حثيات بكفيه وفيه فكبر عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان السبعين الفا يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم واني لارجو ان يكون أدنى أمتي الحثيات وأخرجه الحافظ الضياء وقال لا اعلم له علة قلت علته الاختلاف في سنده فان الطبراني أخرجه من رواية أبي سلام حدثني عامر بن زيد انه سمع عتبة ثم أخرجه من طريق أبي سلام أيضا فقال حدثني عبد الله بن عامر ان قيس بن الحارث حدثه ان أبا سعيد الانماري حدثه فذكره وزاد قال قيس فقلت لابي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يستوعب مهاجري أمتي ويوفى الله بقيتهم من اعرابنا وفي رواية لابن أبي عاصم قال أبو سعيد فحسبنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعة آلاف الف وتسعمائة الف يعني من عدا
[ 357 ]
الحثيات وقد وقع عند أحمد والطبراني من حديث أبي أيوب نحو حديث عتبة بن عبد وزاد والخبيئة بمعجمة ثم موحدة وهمزة وزن عظيمة عند ربي وورد من وجه آخر ما يزيد على العدد الذي حسبه أبو سعيد الانماري فعند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه بلفظ أعطاني مع كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا وفي سنده راويان أحدهما ضعيف الحفظ والاخر لم يسم واخرج البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم مثله وفيه راو ضعيف أيضا واختلف في سنده وفي سياق متنه وعند البزار من حديث أنس بسند ضعيف نحوه وعند الكلاباذي في معاني الاخبار بسند واه من حديث عائشة فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال رأيت الانوار قلت نعم قال ان آتيا أتاني من ربي فبشرني ان الله يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني فبشرني ان الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني فبشرني ان الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين الفا المضاعفة سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب فقلت يا رب لا يبلغ هذا أمتي قال اكملهم لك من الاعراب ممن لا يصوم ولا يصلي قال الكلاباذي المراد بالامة أولا امة الاجابة وبقوله آخرا أمتي امة الاتباع فان أمته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام أحدها أخص من الاخر أمة الاتباع ثم أمة الاجابة ثم أمة الدعوة فالاولى أهل العمل الصالح والثانية مطلق المسلمين والثالثة من عداهم ممن بعث إليهم ويمكن الجمع بأن القدر الزائد على الذي قبله هو مقدار الحثيات فقد وقع عند أحمد من رواية قتادة عن النضر بن أنس أو غيره عن أنس رفعه ان الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة الف فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله فقال هكذا وجمع كفيه فقال زدنا فقال وهكذا فقال عمر حسبك ان الله ان شاء ادخل خلقه الجنة بكف واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وسنده جيد لكن اختلف على قتادة في سنده اختلافا كثيرا قوله فقام إليه عكاشة بضم المهملة وتشديد الكاف ويجوز تخفيفها يقال عكش الشعر ويعكش إذا التوى حكاه القرطبي وحكى السهيلي أنه من عكش القوم إذا حمل عليهم وقيل العكاشة بالتخفيف العنكبوت ويقال أيضا لبيت النمل ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون آخره هو بن حرثان بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة من بني أسد بن خزيمة ومن حلفاء بني أمية كان عكاشة من السابقين إلى الاسلام وكان من أجمل الرجال وكنيته أبو محصن وهاجر وشهد بدرا وقاتل فيها قال بن إسحاق بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير فارس في العرب عكاشة وقال أيضا قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى انقطع سيفه في يده فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب فقال قاتل بهذا فقاتل به فصار في يده سيفا طويلا شديد المتن أبيض فقاتل به حتى فتح الله فكان ذلك السيف عنده حتى استشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة قوله فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب مثله وعند البيهقي من طريق محمد بن زياد عنه وساق مسلم سنده قال فدعا ووقع في رواية حصين بن نمير ومحمد بن فضيل قال امنهم انا يا رسول الله قال له نعم ويجمع بأنه سأل الدعاء اولا فدعا له ثم استفهم قيل اجبت قوله ثم قام إليه رجل آخر وقع فيه من
[ 358 ]
الاختلاف هل قال ادع لي أو قال امنهم أنا كما وقع في الذي قبله ووقع في حديث أبي هريرة الذي بعده رجل من الانصار وجاء من طريق واهية أنه سعد بن عبادة أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء من طريقين له عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزاة بني المصطلق فساق قصة طويلة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون صفا منها أمتي وأربعون صفا سائر الامم ولى مع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب قيل من هم فذكر الحديث وفيه فقال اللهم اجعل عكاشة منهم قال فاستشهد بعد ذلك ثم قام سعد بن عبادة الانصاري فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم الحديث وهذا مع ضعفه وارساله يستبعد من جهة جلالة سعد بن عبادة فإن كان محفوظا فلعله آخر باسم سيد الخزرج واسم أبيه ونسبته فان في الصحابة كذلك آخر له في مسند بقي بن مخلد حديث وفي الصحابة سعد بن عمارة الانصاري فلعل اسم أبيه تحرف قوله سبقك بها عكاشة اتفق جمهور الرواة على ذلك الا ما وقع عند بن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى من حديث أبي سعيد فزاد فقام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم وقال في آخره سبقك بها عكاشة وصاحبه أما لو قلتم لقلت ولو قلت لوجبت وفي سنده عطية وهو ضعيف وقد اختلفت أجوبة العلماء في الحكمة في قوله سبقك بها عكاشة فأخرج بن الجوزي في كشف المشكل من طريق أبي عمر الزاهد أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب عن ذلك فقال كان منافقا وكذا نقله الدارقطني عن القاضي أبي العباس البرتي بكسر الموحدة وسكون الراء بعدها مثناة فقال كان الثاني منافقا وكان صلى الله عليه وسلم لا يسأل في شئ الا أعطاه فأجابه بذلك ونقل بن عبد البر عن بعض أهل العلم نحو قول ثعلب وقال بن ناصر قول ثعلب أولى من رواية مجاهد لان سندها واه واستبعد السهيلي قول ثعلب بما وقع في مسند البزار من وجه اخر عن أبي هريرة فقام رجل من خيار المهاجرين وسنده ضعيف جدا مع كونه مخالفا لرواية الصحيح أنه من الانصار وقال بن بطال معنى قوله سبقك أي إلى احراز هذه الصفات وهي التوكل وعدم التطير وما ذكر معه عدل عن قوله لست منهم أو لست على اخلاقهم تلطفا بأصحابه صلى الله عليه وسلم وحسن أدبه معهم وقال بن الجوزي يظهر لي أن الاول سأل عن صدق قلب فأجيب وأما الثاني فيحتمل أن يكون أريد به حسم المادة فلو قال للثاني نعم لاوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك وقال القرطبي لم يكن عند الثاني من تلك الاحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب إذ لو اجابه لجاز أن يطلب ذلك كل من كان حاضرا فيتسلسل فسد الباب بقوله ذلك وهذا أولى من قول من قال كان منافقا لوجهين أحدهما ان الاصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك الا بنقل صحيح والثاني أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال الا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول وكيف يصدر ذلك من منافق والى هذا جنح بن تيمية وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الاخر وقال السهيلي الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم واتفق ان الرجل قال بعد ما انقضت ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد ثم جلسوا ساعة يتحدثون وفي رواية بن إسحاق بعد قوله سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة أي انقضى وقتها قلت
[ 359 ]
فتحصل لنا من كلام هؤلاء الائمة على خمسة أجوبة والعلم عند الله تعالى ثم وجدت لقول ثعلب ومن وافقه مستندا وهو ما أخرجه الطبراني ومحمد بن سنجر في مسنده وعمر بن شيبة في أخبار المدينة من طريق نافع مولى حمنة عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة انها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال يحشر من هذه المقبرة سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر فقام رجل فقال يا رسول الله وأنا قال وأنت فقام آخر فقال أنا قال سبقك بها عكاشة قال قلت لها لم لم يقل للآخر فقالت أراه كان منافقا فان كان هذا أصل ما جزم به من قال كان منافقا فلا يدفع تأويل غيره إذ ليس فيه الا الظن الحديث الثاني قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد الايلي وقد أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن وهب عن يونس لكن معاذ بن أسد شيخ البخاري فيه معروف بالرواية عن بن المبارك لا عن بن وهب وقد أخرجه مسلم من وجهين آخرين عن أبي هريرة قوله يدخل الجنة من أمتي زمرة بضم الزاي وسكون الميم هي الجماعة إذا كان بعضهم اثر بعض قوله سبعون الفا تقدم شرحه مستوفي في الذي قبله وعرف من مجموع الطرق التي ذكرتها أن أول من يدخل الجنة من هذه الامة هؤلاء السبعون الذين بالصفة المذكورة ومعنى المعية في قوله في الروايات الماضية مع كل الف سبعون الفا أو مع كل واحد منهم سبعون الفا يحتمل أن يدخلوا بدخولهم تبعا لهم وان لم يكن لهم مثل اعمالهم كما مضى حديث المرء مع من احب ويحتمل أن يراد بالمعية مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وان دخولها في الزمرة الثانية أو ما بعدها وهذه أولى وقد اخرج الحاكم والبيهقي في البعث من طريق جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جابر رفعه من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب وفي التقييد بقوله أمتي إخراج غير الامة المحمدية من العدد المذكور وليس فيه نفي دخول أحد من غير هذه الامة على الصفة المذكورة من شبه القمر ومن الاولية وغير ذلك كالانبياء ومن شاء الله من الشهداء والصديقين والصالحين وان ثبت حديث أم قيس ففيه تخصيص اخر بمن يدفن في البقيع من هذه الامة وهي مزية عظيمة لاهل المدينة والله اعلم قوله تضئ وجوهم اضاءة القمر ليلة البدر في رواية لمسلم على صورة القمر قال القرطبي المراد بالصورة الصفة يعني انهم في اشراق وجوهم على صفة القمر ليلة تمامه وهي ليلة أربعة عشر ويؤخذ منه أن أنوار أهل الجنة تتفاوت بحسب درجاتهم قلت وكذا صفاتهم في الجمال ونحوه قوله يرفع نمرة عليه بفتح النون وكسر الميم هي كساء من صوف كالشملة مخططة بسواد وبياض يلبسها الاعراب الحديث الثالث قوله أبو غسان بغين معجمة ثم مهملة ثقيلة أبو حازم هو سلمة بن دينار قوله ليدخلن الجنة من أمتي سبعون الفا أو سبعمائة الف شك في أحدهما في رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما قال قوله متماسكين بالنصب على الحال وفي رواية مسلم متماسكون بالرفع على الصفة قال النووي كذا في معظم النسخ وفي بعضها بالنصب وكلاهما صحيح قوله آخذ بعضهم ببعض في رواية مسلم بعضهم بعضا قوله حتى يدخل أولهم وآخرهم هو غاية للتماسك المذكور والاخذ بالايدي وفي رواية فضيل بن سليمان
[ 360 ]
الماضية في بدء الخلق لا يدخل اولهم حتى يدخل اخرهم وهذا ظاهره يستلزم الدور وليس كذلك بل المراد أنهم يدخلون صفا واحدا فيدخل الجميع دفعة واحدة ووصفهم بالاولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها على الصراط وفي ذلك إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه الجنة قال عياض يحتمل أن يكون معنى كونهم متماسكين انهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضا بل يكون دخولهم جميعا وقال النووي معناه أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض تنبيه هذه الاحاديث تخص عموم الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي برزة الاسلمي رفعه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم انفقه وله شاهد عن بن مسعود عند الترمذي وعن معاذ بن جبل عند الطبراني قال القرطبي عموم الحديث واضح لانه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة على ما دل عليه قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم الآية قلت وفي سياق حديث أبي برزة إشارة إلى الخصوص وذلك أنه ليس كل أحد عنده علم يسأل عنه وكذا المال فهو مخصوص بمن له علم وبمن له مال دون من لا مال له ومن لا علم له واما السؤال عن الجسد والعمر فعام ويخص من المسئولين من ذكر والله اعلم الحديث الرابع قوله يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد وصالح هو بن كيسان قوله يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار في رواية محمد بن زيد عن بن عمر في الباب الذي بعده إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار اتى بالموت ووقع مثله في طريق أخرى عن أبي هريرة ولفظه عند الترمذي من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بعد ذكر الجواز على الصراط فإذا ادخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار اتى بالموت ملببا وهو بموحدتين قوله ثم يقوم مؤذن بينهم في رواية محمد بن زيد قبل هذا قصة ذبح الموت ولفظه ثم جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى مناد لم اقف على اسم هذا المنادي قوله يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت خلود أما قوله لا موت فهو بفتح المثناة فيهما وأما قوله في آخره خلود فهكذا وقع في رواية علي بن عبد الله عن يعقوب وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وغير واحد عن يعقوب بتقديم نداء أهل الجنة ولم يقل لا موت فيهما بل قال كل خالد فيما هو فيه وكذا هو عند الاسماعيلي من طريق إسحاق بن منصور عن يعقوب وضبط خلود في البخاري بالرفع والتنوين أي هذا الحال مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي أنتم خالدون في الجنة الحديث الخامس حديث أبي هريرة قوله يقال لاهل الجنة يا أهل الجنة سقط لغير الكشميهني قوله يا أهل الجنة وثبت للجميع في مقابله يا أهل النار قوله لا موت زاد الاسماعيلي في روايته لا موت فيه وسيأتي في ثالث أحاديث الباب الذي يليه ان ذلك يقال للفريقين عند ذبح الموت وثبت ذلك عند الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة تنبيه مناسبة هذا الحديث والذي قبله لترجمة دخول الجنة بغير حساب الاشارة إلى أن كل من يدخل الجنة يخلد فيها فيكون للسابق إلى الدخول مزية على غيره والله اعلم قوله باب صفة الجنة والنار تقدم هذا في بدء الخلق في ترجمتين ووقع في كل منهما وانها مخلوقة وأورد فيهما أحاديث في تثبيت كونهما موجودتين وأحاديث في صفتهما أعاد بعضها في هذا الباب
[ 361 ]
كما سأنبه عليه قوله وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت في رواية أبي ذر كبد الحوت وقد تقدم هذا الحديث مطولا في باب يقبض الله الارض يوم القيامة وهو مذكور هنا بالمعنى وتقدم بلفظه في بدء الخلق لكن من حديث أنس في سؤال عبد الله بن سلام قوله عدن خلد عدنت بأرض اقمت تقدم هذا في تفسير براءة وانه من كلام أبي عبيدة وقال الراغب معنى قوله جنات عدن أي الاستقرار وعدن بمكان كذا إذا استقر به ومنه المعدن لكونه مستقر الجواهر قوله في مقعد صدق في منبت صدق كذا لابي ذر ولغيره في معدن بدل مقعد وهو الصواب وكأن سبب الوهم أنه لما رأى ان الكلام في صفة الجنة وان من أو صافها مقعد صدق كما في آخر صورة القمر ظنه هنا كذلك وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ معدن صدق وأنشد للاعشى قوله فان يستضيفوا إلى حلمه يضافوا إلى راجح قد عدن أي أقام واستقر نعم قوله مقعد صدق معناه مكان القعود وهو يرجع إلى معنى المعدن ولمح المصنف هنا بأسماء الجنة وهي عشرة أو تزيد الفردوس وهو اعلاها ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة وجنة المأوى والنعيم والمقام الامين وعدن ومقعد صدق والحسنى وكلها في القرآن وقال تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان فعد بعضهم في أسماء الجنة دار الحيوان وفيه نظر وذكر في الباب مع ذلك ثلاثة وعشرين حديثا الحديث الاول قوله عن أبي رجاء هو العطاردي وعمران هو بن حصين والسند كله بصريون وقد قدم الحديث بهذا السند في آخر باب كفران العشير في أواخر كتاب النكاح وتقدم في باب فضل الفقر بيان الاختلاف على أيوب عن أبي رجاء في صحابيه وتقدم بحث بن بطال فيما يتعلق به من فضل الفقر وقوله اطلعت بتشديد الطاء أي اشرفت وفي حديث أسامة بن زيد الذي بعده قمت على باب الجنة وظاهره أنه رأى ذلك ليلة الاسراء أو مناما وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف ووهم من وحدهما وقال الداودي رأى ذلك ليلة الاسراء أو حين خسفت الشمس كذا قال قوله فرأيت أكثر أهلها الفقراء في حديث أسامة فإذا عامة من دخلها المساكين وكل منهما يطلق على الاخر وقوله فإذا أكثر في حديث أسامة فإذا عامة من دخلها قوله بكفرهن أي بسبب كفرهن تقدم شرحه مستوفي في باب كفران العشير قال القرطبي انما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والاعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن الحديث الثاني قوله إسماعيل هو المعروف بابن علية وأبو عثمان هو النهدي وأسامة هو بن زيد بن حارثة الصحابي بن الصحابي قوله أصحاب الجد بفتح الجيم أي الغنى قوله محبوسون أي ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء من اجل المحاسبة على المال وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصون فيها بعد الجواز على الصراط تنبيه سقط هذا الحديث والذي قبله من كثير من النسخ ومن مستخرجي الاسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الاطراف طريق عثمان بن الهيثم ولا الطريق مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة الحديث الثالث قوله عبد الله هو بن المبارك وعمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار في رواية بن وهب عن عمران بن محمد عند مسلم وصار أهل النار إلى النار
[ 362 ]
قوله جئ بالموت تقدم في تفسير سورة مريم من حديث أبي سعيد يؤتى بالموت كهيئة كبش املح وذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما في قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة قال خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد الا مات وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شئ الا حيي قال القرطبي الحكمة في الاتيان بالموت هكذا الاشارة إلى انهم حصل لهم الفداء له كما فدى ولد إبراهيم بالكبش وفي الاملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار لان الاملح ما فيه بياض وسواد وقوله حتى يجعل بين الجنة والنار وقع للترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار قوله ثم يذبح لم يسم من ذبحه ونقل القرطبي عن بعض الصوفية ان الذي يذبحه يحيى بن زكريا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف انه جبريل قلت هو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل فقال فيه فيحيى الله تعالى ملك الموت وجبريل وميكائيل واسرافيل ويجعل الموت في صورة كبش املح فيذبح جبريل الكبش وهو الموت قوله ثم ينادي مناد لم اقف على تسميته وتقدم في الباب الذي قبله من وجه آخر عن بن عمر بلفظ ثم يقوم مؤذن بينهم وفي حديث أبي سعيد بعد قوله أملح فينادي مناد وظاهره ان الذبح يقع بعد النداء والذي هنا يقتضي أن النداء بعد الذبح ولا منافاة بينهما فان النداء الذي قبل الذبح للتنبيه على رؤية الكبش والذي بعد الذبح لتنبيه على اعدامه وأنه لا يعود قوله يا أهل الجنة لا موت زاد في الباب الماضي خلود ووقع في حديث أبي سعيد فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون ويظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم وكلهم قد رآه وعرفه وذكر في أهل النار مثله قال فيذبح ثم يقول أي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت الحديث وفي آخره ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة إلى اخر الآية وعند الترمذي في اخر حديث أبي سعيد فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار وقوله فيشرئبون بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح الراء بعدها تحتانية مهموزة ثم موحدة ثقيلة أي يمدون اعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر ووقع عند بن ماجة وفي صحيح بن حبان من وجه اخر عن أبي هريرة فيوقف على الصراط فيقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ان يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين ان يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه وفي آخره ثم يقال للفريقين كلاهما خلود فيما تجدون لا موت فيه ابدا وفي رواية الترمذي فيقال لاهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا فيقولون قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور قال القاضي أبو بكر بن العربي استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لان الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فانكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لانه الذي تولى قبض أرواحهم قلت وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله هو الموت الذي وكل بنا على أن المراد به ملك الموت لانه هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال تعالى في سورة الم السجدة واستشهد له من حيث المعنى بأملك الموت لو استمر حيا لنغص عيش أهل الجنة وأيده بقوله في حديث الباب فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها البتة وما وقع في رواية بن
[ 363 ]
حبان انهم يطلعون خائفين انما هو توهم لا يستقر ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن بل التعبير بالزيادة إشارة إل أن الفرح لم يزل كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح الا مجرد التوهم الذي لم يستقر وقد تقدم في باب نفخ الصور عند نقل الخلاف في المراد بالمستثنى في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله قول من زعم ان ملك الموت منهم ووقع عند علي بن معبد من حديث أنس ثم يأتي ملك الموت فيقول رب بقيت أنت الحي القيوم الذي لا يموت وبقيت انا فيقول أنت خلق من خلقي فمت ثم لا تحيا فيموت واخرج بن أبي الدنيا من طريق محمد بن كعب القرظي قال بلغني ان آخر من يموت من الخلائق ملك الموت فيقال له يا ملك الموت مت موتا لا تحيا بعده ابدا فهذا لو كان ثابتا لكان حجة في الرد على من زعم انه الذي يذبح لكونه مات قبل ذلك موتا لا حياة بعده لكنه لم يثبت وقال المازري الموت عندنا عرض من الاعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لان الموت لا يطرأ على أهل الجنة وقال القرطبي في التذكرة الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وانما يخلق الله اشخاصا من ثواب الاعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين وقال غيره لا مانع ان ينشئ الله من الاعراض اجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في صحيح مسلم في حديث ان البقرة آل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الاحاديث قال القرطبي وفي هذه الاحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية امد واقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وقال تعالى كلما أرادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها قال فمن زعم انهم يخرجون منها وانها تبقى خالية أو انها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول واجمع عليه أهل السنة قلت جمع بعض المتأخرين في هذه المسألة سبعة أقوال أحدها هذا الذي نقل فيه الاجماع والثاني يعذبون فيها إلى ان تنقلب طبيعتهم فتصير نارية حتى يتلذذوا بها لموافقة طبعهم وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من الزنادقة والثالث يدخلها قوم ويخلفهم آخرون كما ثبت في الصحيح عن اليهود وقد اكذبهم الله تعالى بقوله وما هم بخارجين من النار والرابع يخرجون منها وتستمر هي على حالها الخامس تفنى لانها حادثة وكل حادث يفني وهو قول الجهمية والسادس تفنى حركاتهم البتة وهو قول أبي الهذيل العلاف من المعتزلة والسابع يزول عذابها ويخرج أهلها منها جاء ذلك عن بعض الصحابة أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر قوله وهو منقطع ولفظه لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه وعن بن مسعود ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد قال عبيد الله بن معاذ راويه كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين قلت وهذا الاثر عن عمر لو ثبت حمل علي الموحدين وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره بعدة أوجه من جهة النظر وهو مذهب ردئ مردود على قائله وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد الحديث الرابع قوله عبد الله هو بن المبارك قوله عن زيد بن أسلم كذا في جميع الروايات عن مالك بالعنعنة قوله ان الله تبارك وتعالى يقول لاهل الجنة يا أهل الجنة في رواية
[ 364 ]
الحبيبي عند مالك عن الاسماعيلي يطلع الله على أهل الجنة فيقول قوله فيقولون في رواية أبي ذر عن السمتملي يقولون بحذف الفاء قوله وسعديك زاد سعيد بن داود وعبد العزيز بن يحيى كلاهما عن مالك عند الدارقطني في الغرائب والخير في يديك قوله فيقول هل رضيتم في حديث جابر عند البزار وصححه بن حبان هل تشتهون شيئا قوله ومالنا لا نرضى وقد اعطيتنا في حديث جابر وهل شئ أفضل مما اعطيتنا قوله أنا اعطيكم أفضل من ذلك في رواية بن وهب عن مالك كما سيأتي في التوحيد الا اعطيكم قوله أحل بضم أوله وكسر المهملة أي انزل قوله رضواني بكسر أوله وضمه وفي حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى ورضوان من الله أكبر لان رضاه سبب كل فوز وسعادة وكل من علم ان سيده راض عنه كان أقر لعينه واطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث ان النعيم الذي حصل لاهل الجنة لا مزيد عليه تنبيهان الاول حديث أبي سعيد هذا كأنه مختصر من الحديث الطويل الماضي في تفسير سورة النساء من طريق حفص بن ميسرة والاتي في التوحيد من طريق سعيد بن أبي هلال كلاهما عن زيد بن اسلم بهذا السند في صفة الجواز على الصراط وفيه قصة الذين يخرجون من النار وفي آخره أنه يقال لهم نحو هذا الكلام لكن إذا ثبت ان ذلك يقال لهؤلاء لكونهم من أهل الجنة فهو للسابقين بطريق الاولى الثاني هذا الخطاب غير الخطاب الذي لاهل الجنة كلهم وهو فيما أخرجه مسلم وأحمد من حديث صهيب رفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة ان لكم موعدا عند الله يريد أن ينجزكموه الحديث وفيه فيكشف الحجاب فينظرون إليه وفيه فوالله ما اعطاهم الله شيئا احب إليهم من النظر إليه وله شاهد عند بن المبارك في الزهد من حديث أبي موسى من قوله وأخرجه بن أبي حاتم من حديثه مرفوعا باختصار الحديث الخامس قوله عبد الله بن محمد هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الازدي يعرف بابن الكرماني وهو من شيوخ البخاري وقد اخرج عنه بغير واسطة كما في كتاب الجمعة وبواسطة كالذي هنا وقد تقدم بسنده ومننه في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اصيب حارثة بمهملة ومثلثة هو بن سراقة بن الحارث الانصاري له ولابويه صحبة وأمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس وقد ذكرت الاختلاف في اسمها في باب من أتاه سهم غرب من كتاب الجهاد وذكرت شرح الحديث في غزوة بدر وقولها هنا وان تكن الاخرى تر ما اصنع كذا للكشميهني بالجزم جواب الشرط ولغيره ترى بالاشباع أو بحذف شئ تقديره سوف كما في الرواية الآتية في آخر هذا الباب والا سوف ترى والمعنى وان لم يكن في الجنة صنعت شيئا من صنيع أهل الحزن مشهورا يراه كل أحد قوله وانه لفي جنة الفردوس كذا للاكثر وحذف الكشميهني في روايته اللام وقع في الرواية الآتية الفردوس الاعلى قال أبو إسحاق الزجاج الفردوس من الاودية ما ينبت ضروبا من النبات وقال بن الانباري وغيره بستان فيه كروم وثمرة وغيرها ويذكر ويؤنث وقال الفراء هو عربي مشتق من الفردسة وهي السعة وقيل رومي نقلته العرب وقال غيره سرياني والمراد به هنا مكان من الجنة من أفضلها الحديث السادس قوله الفضل بن موسى هو السيناني بكسر المهملة وسكون التحتانية ونونين المروزي قوله أخبرنا الفضيل بالتصغير كذا للاكثر غير منسوب ونسبه بن السكن في روايته فقال الفضيل بن غزوان وهو المعتمد ونسبه أبو الحسن القابس في روايته عن أبي
[ 365 ]
زيد المروزي فقال الفضيل بن عياض ورده أبو علي الجياني فقال لا رواية للفضيل بن عياض في البخاري الا في موضعين من كتاب التوحيد ولا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه وهو كما قال وقد اخرج مسلم هذا الحديث من رواية محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بسنده ولكن لم يرفعه وهو عند الاسماعيلي من هذا الوجه وقال رفعه وهو يؤيد مقالة أبي علي الجياني قوله منكبي الكافر بكسر الكاف تثنية منكب وهو مجتمع العضد والكتف قوله مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع في رواية يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسند البخاري فيه خمسة أيام أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عنه وفي حديث بن عمر عند أحمد من رواية مجاهد عنه مرفوعا يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة اذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وللبيهقي في البعث من وجه اخر عن مجاهد عن بن عباس مسيرة سبعين خريفا ولابن المبارك في الزهد عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعظمون لتمتلئ منهم وليذوقوا العذاب وسنده صحيح ولم يصرح برفعه لكن له حكم الرفع لانه لا مجال للرأي فيه وقد اخرج أوله مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوع وزاد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وأخرجه البزار من وجه ثالث عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار وأخرجه البيهقي وقال أراد بذلك التهويل يعني بلفظ الجيار قال ويحتمل ان يريد جبارا من الجبابرة إشارة إلى عزم الذراع وجزم بن حبان لما أخرجه في صحيحه بأن الجبار ملك كان باليمن وفي مرسل عبيد بن عمير عند بن المبارك في الزهد بسند صحيح وكثافة جلده سبعون ذراعا وهذا يؤيد الاحتمال الاول لان السبعين تطلق للمبالغة وللبيهقي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة وفخذه مثل ورقان ومقعده مثل ما بين المدينة والربذة وأخرجه الترمذي ولفظه بين مكة والمدينة وورقان بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف جبل معروف بالحجاز والربذة تقدم ضبطها قريبا في حديث أبي ذر وكأن اختلاف هذه المقادير محمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار وقال القرطبي في المفهم انما عظم خلق الكافر في النار ليعظم عذابه ويضاعف ألمه ثم قال وهذا انما هو في حق البعض بدليل الحديث الاخر ان المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس قال ولا شك في أن الكفار متفاوتون في العذاب كما علم من الكتاب والسنة ولانه نعلم على القطع ان عذاب من قتل الانبياء وفتك في المسلمين وأفسد في الارض ليس مساويا لعذاب من كفر فقط واحسن معاملة المسلمين مثلا قلت اما الحديث المذكور فأخرجه الترمذي والنسائي بسند جيد عن عمرو بن شعيب على أبيه عن جده ولا حجة فيه لمدعاه لان ذلك انما هو في أول الامر عند الحشر وأما الاحاديث الاخرى فمحمولة على ما بعد الاستقرار في النار وأما ما أخرجه الترمذي من حديث بن عمر رفعه ان الكافر ليسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس فسنده ضعيف وأما تفاوت الكفار في العذاب فلا شك فيه ويدل عليه قوله تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار وتقدم قريبا الحديث في أهون أهل النار عذابا الحديث السابع قوله وقال إسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه كذا في جميع النسخ وأطلق المزي تبعا لابي مسعود أن البخاري ومسلما أخرجاه جميعا عن إسحاق بن راهويه مع ان لفظ مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم
[ 366 ]
الحنظلي وهو بن راهويه وليس من رأى المزي التسوية بين حدثنا وقال بل ولا قال لي وقال لنا بل يعلم على مثل ذلك كله علامة التعليق بخلاف حدثنا قوله أنبأنا المغيرة بن سلمة في رواية مسلم أنبأنا المخزومي قلت وهو المغيرة المذكور وكنيته أبو هشام وهو مشهور بكنيته وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن بشار وقال حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي قوله عن أبي حازم هو سلمة بن دينار بخلاف المذكور في الحديث الذي قبله فهو سلمان الاشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان قوله لا يقطعها أي لا تنتهي إلى اخر ما يميل من اغصانها قوله قال أبو حازم هو موصول بالسند المذكور والنعمان بن أبي عياش بتحتانية ثم معجمة هو الزرقي ووقع منسوبا في رواية مسلم وهو أيضا مدني تابعي ثقة يكنى أبا سلمة وهو أكبر من الراوي عنه قوله أخبرني أبو سعيد في رواية مسلم حدثن قوله الجواد بفتح الجيم وتخفيف الواو هو الفرس يقال جاد الفرس إذا صار فائقا والجمع جياد وأجواد وسيجئ في صفة المرور على الصراط اجاويد الخيل وهو جمع الجمع قوله أو المضمر بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم تقدم تفسيره في كتاب الجهاد وقوله السريع أي في جريه وقع في رواية بن وهب من وجه آخر عند الاسماعيلي الجواد السريع ولم يشك وفي رواية مسلم الجواد المضمر السريع بحذف أو والجواد في روايتنا بالرفع وكذا ما بعده على ان الثلاثة صفة للراكب وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية وقد تقدم هذا المتن في بدء الخلق من حديث أبي هريرة ومن حديث أنس بلفظ يسير الراكب وزاد في آخر حديث أبي هريرة واقرؤوا ان شئتم وظل ممدود والمراد بالظل الراحة والنعيم والجهة كما يقال عز ظليل وأنا في ظلك أي كنفك وقال الراغب الظل أعم من الفئ فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ولكل موضع لا تصل إليه الشمس ولا يقال الفئ الا لما زالت عنه الشمس قال ويعبر بالظل عن العز والمنعة والرفاهية والحراسة ويقال عن غضارة العيش ظل ظليل قلت وقع التعبير في هذا الحديث بلفظ الفئ في حديث أسماء بنت يزيد عند الترمذي ولفظها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر سدرة المنتهى يسير الراكب في ظل الفئ منها مائة سنة أو يستظل بظلها الراكب مائة سنة ويستفاد منه تعيين الشجرة المذكورة في حديث الباب وأخرج أحمد وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد رفعه شجرة طوبى مائة سنة وفي حديث عقبة بن عبد السلمي في عظم أصل شجرة طوبى لو ارتحلت جذعة ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما أخرجه بن حبان في صحيحه والترقوة بفتح المثناة وسكون الراء بعدها قاف مضومة واو مفتوحة هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق والجمع تراق ولكل شخص ترقوتان وقد تقدم بعض هذا في صفة الجنة من بدء الخلق الحديث الثمن الحديث التاسع قوله عبد الله بن مسلمة هو القعنبي وعبد العزيز هو بن أبي حازم المذكور قبل وسهل هو بن سعد قوله عبد العزيز هو بن أبي حازم قوله عن أبي حازم هو أبوه واسمه سلمة بن دينار المذكور قبل ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق محمد بن أبي يعقوب حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وتقدم شرح المتن مستوفي في الباب الذي قبله قوله الغرف بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة بضم أوله وبفتحه جاء في صفتها من حديث أبي مالك الاشعري مرفوعا ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها أخرجه الترمذي وابن حبان
[ 367 ]
وللطبراني وصححه الحاكم من حديث بن عمر نحوه وتقدم في صفة الجنة من بدء الخلق الاشارة إلى مثله من حديث علي وعند البيهقي نحوه من حديث جابر وزاد من أصناف الجوهر كله قوله الكوكب زاد في رواية الاسماعيلي الدري قوله قال أبي القائل هو عبد العزيز قوله أشهد لسمعت اللام جواب قسم محذوف وأبو سعيد هو الخدري قوله يحدث في رواية الكشميهني يحدثه أي يحدث الحديث يقال حدثت كذا وحدثت بكذا قوله الغارب في رواية الكشميهني الغابر بتقديم الموحدة على الراء وضبطه بعضهم بتحتانية مهموزة قبل الراء قال الطيبي شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضئ النائي في جانب المشرق والمغرب في الاستضاءة مع البعد ومن رواه الغائر من الغور لم يصح لان الاشراق يفوت الا ان قدر المشرف على الغور والمعنى إذا كان طالعا في الافق من المشرق وغائرا في المغرب وفائدة ذكر المشرق والمغرب بيان الرفعة وشدة البعد وقد تقدم حديث الباب بأتم من هذا السياق في بدء الخلق من حديث أبي سعيد وتقدم شرحه هناك ووقع في رواية أيوب بن سويد عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد فيه شئ مدرج بينته هناك وحكم الدارقطني عليه بالوهم وأما بن حبان فاغتر بثقة أيوب عنده فأخرجه في صحيحه وهو معلول بما نبه عليه الدارقطني واستدل به على تفوات درجات أهل الجنة وقد قسموا في سورة الواقعة إلى السابقين وأصحاب اليمين فالقسم الاول هم من ذكر في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية ومن عداهم أصحاب اليمين وكل من الصنفين متفاوتون في الدرجات وفيه تعقب على من خص المقربين بالانبياء والشهداء لقوله في آخر الحديث رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الحديث العاشر حديث أنس يقال لاهل النار الحديث الماضي في باب من نوقش الحساب وقد تقدم مشروحا الحديث الحادي عشر قوله أبو النعمان هو محمد بن الفضل وحماد هو بن زيد وعمرو هو بن دينار وجابر هو بن عبد الله الانصاري قوله يخرج من النار بالشفاعة كذا للاكثر من رواة البخاري بحذف الفاعل وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي عن الفريري يخرج قوم وكذا للبيهقي في البعث من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه وكذا لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد ولفظه ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة وله من رواية سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر مثله لكن قال ناس من النار فيدخلهم الجنة وعند سعيد بن منصور وابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو فيه سند آخر أخرجاه من رواية عمرو عن عبيد بن عمير فذكره مرسلا وزاد فقال له رجل يعني لعبيد بن عمير وكان الرجل يتهم برأي الخوارج ويقال له هارون أبو موسى يا أبا عاصم ما هذا الذي تحدثه به فقال إليك عني لو لم أسمعه من ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم أحدث به قلت وقد جاء بيان هذه القصة من وجه آخر أخرجه مسلم من طريق يزيد الفقير بفاء ثم قاف وزن عظيم ولقب بذلك لانه كان يشكو فقار ظهره لا انه ضد الغنى قال خرجنا في عصابة تريد أن تحج ثم نخرج على الناس فمررنا بالمدينة فإذا رجل يحدث وإذا هو قد ذكر الجهنميين فقلت له ما هذا الذي تحدثون به والله يقول انك من تدخل النار فقد اخزيته وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها قال أتقرأ القرآن قلت نعم قال أسمعت بمقام محمد الذي يبعثه الله قلت نعم قال فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار بعد أن يكونوا فيها ثم نعت وضع الصراط
[ 368 ]
ومد الناس عليه قال فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما خرج منا غير رجل واحد وحاصله أن الخوارج الطائفة المشهورة المبتدعة كانوا ينكرون الشفاعة وكان الصحابة ينكرون انكارهم ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل انكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا فغضب وذكر له ما معناه ان الحديث يفسر القرآن وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها وأخرج البيهقي في البعث من طريق يوسف بن مهران عن بن عباس خطب عمر فقال انه سيكون في هذه الامة قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال قال أنس يخرج قوم من النار ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج قال بن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وغير ذلك من الآيات وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار وجاءت الاحاديث في اثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا والجمهور على ان قال المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الاجماع ولكنه أشار إلى ما جاء على مجاهد وزيفه وقال الطبري قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف ثم اخرج عدة أحاديث في بعضها التصريح بذلك وفي بعضها مطلق الشفاعة فمنها حديث سلمان قال فيشفعه الله في أمته فهو المقام المحمود ومن طريق رشدين بن كريب عن أبيه عن بن عباس المقام المحمود الشفاعة ومن طريق داود بن يزيد الاودي عن أبيه عن أبي هريرة في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال هي الشفاعة ومن حديث كعب بن مالك رفعه اكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ومن طريق يزيد بن زريع عن قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أول شافع وكان أهل العلم يقولون انه المقام المحمود ومن حديث أبي مسعود رفعه اني لاقوم يوم القيامة المقام المحمود إذا جئ بكم حفاة عراة وفيه ثم يكسوني ربي حلة فالبسها فأقوم عن يمين العرش مقاما لا يقومه أحد يغبطني به الاولون والاخرون ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد المقام المحمود الشفاعة ومن طريق الحسن البصري مثله قال الطبري وقال ليث عن مجاهد في قوله تعالى مقاما محمودا يجلسه معه على عرشه ثم أسنده وقال الاول أولى على أن الثاني ليس بمدفوع لا من جهة النقل ولا من جهة النظر وقال بن عطية هو كذلك إذا حمل على ما يليق به وبالغ الواحدي في رد هذا القول وأما النقاش فنقل عن أبي داود صاحب السنن أنه قال من أنكر هذا فهو متهم وقد جاء عن بن مسعود عند الثعلبي وعن بن عباس عند أبي الشيخ وعن عبد الله بن سلام قال ان محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب أخرجه الطبري قلت فيحتمل أن تكون الاضافة إضافة تشريف وعلى ذلك يحمل ما جاء عن مجاهد وغيره والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة لكن الشافعة التي
[ 369 ]
وردت في الاحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان الاول العامة في فصل القضاء والثاني الشفاعة في إخراج المذنبين من النار وحديث سلمان الذي ذكره الطبري أخرجه بن أبي شيبة أيضا وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وحديث كعب أخرجه بن حبان والحاكم وأصله في مسلم وحديث بن مسعود أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وجاء فيه أيضا عن أنس كما سيأتي في التوحيد وعن بن عمر كما مضى في الزكاة عن جابر عند الحاكم من رواية الزهري عن علي بن الحسين عنه واختلف فيه على الزهري فالمشهور عنه أنه من مرسل على علي بن الحسين كذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي عن رجال من أهل العلم أخرجه بن أبي حاتم وحديث جابر في ذلك عند مسلم من وجه اخر عنه وفيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بن مردويه وعنده أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص ولفظه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال هو الشفاعة وعن أبي سعيد عند الترمذي وابن ماجة وقال الماوردي في تفسيره اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال فذكر القولين الشفاعة والاجلاس والثالث اعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة قال القرطبي هذا لا يغاير القول الاول واثبت غيره رابعا وهو ما أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد صغار التابعين انه بلغه ان المقام المحمود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع قلت وخامسا هو ما اقتضاه حديث حذيفة وهو ثناؤه على ربه وسيأتي سياقه في شرح الحديث السابع عشر ولكنه لا يغاير الاول أيضا وحكى القرطبي سادسا وهو ما اقتضاه حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد والنسائي والحاكم قال يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه الحديث وهذا الحديث لم يصرح برفعه وقد ضعفه البخاري وقال المشهور قوله صلى الله عليه وسلم انا أول شافع قلت وعلى تقدير ثبوته فليس في شئ من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود مع أنه لا يغاير حديث الشفاعة في المذنبين وجوز المحب الطبري سابعا وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك الماضي ذكره فقال بعد أن أورده هذا يشعر بأن المقام المحمود غير الشفاعة ثم قال ويجوز أن تكون الاشارة بقوله فأقول إلى المراجعة في الشفاعة قلت وهذا هو الذي يتجه ويمكن رد الاقوال كلها إلى الشفاعة العامة فان اعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه وكلامه بين يديه وجلوسه على كرسيه وقيامه أقرب من جبريل كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك واختلف في فاعل الحمد من قوله مقاما محمودا فالاكثر على أن المراد به أهل الموقف وقيل النبي صلى الله عليه وسلم أي انه هو يحمد عاقبة ذلك المقام بتهجده في الليل والاول أرجح لما ثبت من حديث بن عمر الماضي في الزكاة بلفظ مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات واستحسن هذا أبو حيان وايده بأنه نكرة فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا قال بن بطال سلم بعض المعتزلة وقوع الشفاعة لكن خصها بصاحب الكبيرة الذي تاب منها
[ 370 ]
وبصاحب الصغيرة الذي مات مصرا عليها وتعقب بأن من قاعدتهم أن التائب من الذنب لا يعذب وان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر فيلزم قائله ان يخالف أصله وأجيب بأنه لا مغايرة بين القولين إذ لا مانع من أن حصول ذلك للفريقين انما حصل بالشفاعة لكن يحتاج من قصرها على ذلك إلى دليل التخصيص وقد تقدم في أول الدعوات الاشارة إلى حديث شفاعتي لاهل الكبائر من أمتي ولم يخص بذلك من تاب وقال عياض اثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الاراحة من كرب الموقف وهي الخاصة بنبينا والشفاعة في رفع الدرجات وأنكرت ما عداهما قلت وفي تسليم المعتزلة الثانية نظر وقال النووي تبعا لعياض الشفاعة خمس في الاراحة من هول الموقف وفي إدخال قوم الجنة بغير حساب وفي إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب ان لا يعذبوا وفي إخراج من ادخل النار من العصاة وفي رفع الدرجات ودليل الاولى سيأتي التنبيه عليه في شرح الحديث السابع عشر ودليل الثانية قوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم كذا قيل ويظهر لي أن دليله سؤاله صلى الله عليه وسلم الزيادة عي السبعين الفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في الباب الذي قبله ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم ونبيكم على الصراط يقول رب سلم وله شواهد سأذكرها في شرح الحديث السابع عشر ودليل الرابعة ذكرته فيه أيضا مبسوطا ودليل الخامسة قوله في حديث أنس عند مسلم أنا أول شفيع في الجنة كذا قاله بعض من لقيناه وقال وجه الدلالة منه انه جعل الجنة ظرفا لشفاعته قلت وفيه نظر لاني سأبين انها ظرف في شفاعته الاولى المختصة به والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يبلغ عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته وأشار النووي في الروضة إلى أن هذه الشفاعة من خصائصه مع أنه لم يذكر مستندها وأشار عياض إلى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب في العذاب كما سيأتي بيانه في شرح الحديث الرابع عشر وزاد بعضهم شفاعة سابعة وهي الشفاعة لاهل المدينة لحديث سعد رفعه لا يثبت على لاوائلها أحد الا كنت له شهيدا أو شفيعا أخرجه مسلم ولحديث أبي هريرة رفعه من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فاني اشفع لمن مات بها أخرجه الترمذي قلت وهذه غير واردة لان متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الاول ولو عد مثل ذلك لعد حديث عبد الملك بن عباد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول من أشفع له أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف أخرجه البزار والطبراني واخرج الطبراني من حديث بن عمر رفعه أول من اشفع له أهل بيتي ثم الاقرب فالاقرب ثم سائر العرب ثم الاعاجم وذكر القزويني في العروة الوثقى شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم ولم يذكر مستندها ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة وزاد القرطبي انه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس وهذه أفردها النقاش بالذكر وهي واردة ودليلها يأتي في حديث الشفاعة الطويل وزاد النقاش أيضا شفاعته في أهل الكبائر من أمته وليست واردة لانها تدخل في الثالثة أو الرابعة وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيآته ان يدخل الجنة ومستندها ما أخرجه الطبراني عن بن عباس قال السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يرحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الاعراف يدخلونها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم قريبا
[ 371 ]
أن أرجح الاقوال في أصحاب الاعراف انهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وشفاعة أخرى وهي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه ولا يمنع من عدها قول الله تعالى له ليس ذلك إليك لان النفي يتعلق بمباشرة الاخراج والا فنفس الشفاعة منه قد صدرت وقبولها قد وقع وترتب عليها اثرها فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي القبرين وغير ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا قوله كأنهم الثعارير يمثلثة مفتوحة ثم مهملة واحدها ثعرور كعصفور قوله قلت وما الثعارير سقطت الواو لغير الكشميهني قوله قال الضغابيس بمعجمتين ثم موحدة بعدها مهملة اما الثعارير فقال بن الاعرابي هي قثاء صغار وقال أبو عبيدة مثله وزاد ويقال بالشين المعجمة بدل المثلثة وكأن هذا هو السبب في قول الراوي وكان عمرو ذهب فمه أي سقطت اسنانه فنطق بها ثاء مثلثة وهي شين معجمة وقيل هو نبت في أصول الثمام كالقطن ينبت في الرمل ينبسط عليه ولا يطول ووقع تشبيههم بالطراثيث في حديث حذيفة وهي بالمهملة ثم المثلثة هي الثمام بضم المثلثة وتخفيف الميم وقيل الثعرور الاقط الرطب وأغرب القابسي فقال هو الصدف الذي يخرج من البحر فيه الجوهر وكأنه اخذه من قوله في الرواية الاخرى كأنهم اللؤلؤ ولا حجة فيه لان ألفاظ التشبيه تختلف والمقصود الوصف بالبياض والدقة وأما الضغابيس فقال الاصمعي شئ ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الاذحر يخرج قدر شبر في دقة الاصابع لا ورق له وفيه حموضة وفي غريب الحديث للحربي الضغبوس من شجرة على طول الاصبع وشبه به الرجل الضعيف وأغرب الداودي فقال هي طيور صغار فوق الذباب ولا مستند له فيما قال تنبيه هذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فانهم يكونون كالفحم كما سيأتي في الحديث الذي بعده ووقع في حديث يزيد الفقير عن جابر عند مسلم فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا فيغتسلن فيخرجون كأنهم القراطيس البيض والمراد بعيدان السماسم ما ينبت فيه السمسم فإنه إذا جمع ورميت العيدان تصير سواد دقاقا وزعم بعضهم ان اللفظة محرفة وان الصواب الساسم بميم واحدة وهو خشب اسود والثابت في جميع طرق الحديث بإثبات الميمين وتوجيهه واضح قوله فقلت لعمرو القائل حماد قوله أبا محمد بحذف أداة النداء وثبت بلفظ يا أبا محمد في رواية الكشميهني وعمرو هو بن دينار وأراد الاستثبات في سماعه له من جابر وسماع جابر له ولعل سبب ذلك رواية عمرو له عن عبيد بن عمير مرسلا وقد حدث سفيان بن عيينة بالطريقين كمنبهت عليه الحديث الثاني عشر قوله عن أنس سيأتي في التوحيد نحو هذا في الحديث الطويل في الشفاعة بلفظ حدثنا أنس وقوله سفع فتح المهملة وسكون الفاء ثم عين مهملة أي سواد فيه زرقة أو صفرة يقال سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون بشرته وقد وقع في حديث أبي سعيد في الباب الذي يليه بلفظ قد امتحشوا ويأتي ضبطه وفي حديثه عند مسلم انهم يصيرون فحما وفي حديث جابر حمما ومعانيها متقاربة قوله فيسميهم أهل الجنة الجهنميين سيأتي في الثامن عشر من هذا الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين وثبتت هذه الزيادة في رواية
[ 372 ]
حميد عن أنس عند المصنف في التوحيد وزاد جابر في حديثه فيكتب في رقابهم عتقاء الله فيسمون فيها الجهنميين أخرجه بن حبان والبيهقي وأصله في مسلم وللنسائي من رواية عمرو بن أبي عرمو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء الله وأخرجه مسلم من وجه اخر عن أبي سعيد وزاد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم وفي حديث حذيفة عند البيهقي في البعث من وراية حماد بن أبي سليمان عن ربعى عنه يقال لهم الجهنميون فذكر لي أنهم استعفوا الله من ذلك الاسم فاعفاهم وزعم بعض الشراح ان هذه التسمية ليست تنقيصا لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرا كذا قال وسؤالهم اذهاب ذلك الاسم عنهم يخدش في ذلك الحديث الثالث عشر قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل ووهيب هو بن خالد وعمرو هو بن يحيى المازني وأبوه يحيى هو بن عمارة بن أبي حسن المازني قوله إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله تعالى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان فاخرجوه هكذا روى يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري اخر الحديث ولم يذكر أوله ورواه عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا وأوله الرؤية وكشف الساق والعرض ونصب الصراط والمرور عليه وسقوط من يسقط وشفاعة المؤمنين في اخوانهم وقول الله اخرجوا من عرفتم صورته وفيه من في قلبه مثقال دينار وغير ذلك وفيه قول الله تعالى شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد صاروا حمما وقد ساق المصنف أكثره في تفسير سورة النساء وساقه بتمامه في كتاب التوحيد وسأذكر فوائده في شرح حديث الباب الذي يلي هذا مع الاشارة إلى ما تضمنته هذه الطريق ان شاء الله تعالى وتقدمت لهذه الرواية طريق أخرى في كتاب الايمان في باب تفاضل أهل الايمان في الاعمال وتقدم ما يتعلق بذلك هناك واستدل الغزالي بقوله من كان في قلبه على نجاة من أيقن بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت وقال في حق من قدر على ذلك فأخر فمات يحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار ويحتمل غير ذلك ورجح غيره الثاني فيحتاج إلى تأويل قوله في قلبه فيقدر فيه محذوف تقديره منضما إلى النطق به مع القدرة عليه الحديث الرابع عشر حديث النعمان بن بشير أورده من وجهين أحدهما أعلى من الاخر لكن في العالي عنعنة أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وفي النازل تصريحه بالسماع فانجبر ما فاته من العلو الحسي بالعلو المعنوي وإسرائيل في الطريقين هو بن يونس بن أبي إسحاق المذكور والنعمان هو بن بشير بن سعد الانصاري ووقع مصرحا به في رواية مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار جميعا عن غندر ووقع في رواية يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق سمعت النعمان بن بشير الانصاري يقول فذكر الحديث قوله أهون أهل النار عذابا قال بن التين يحتمل أن يراد به أبو طالب قلت وقد بينت في قصة أبي طالب من المبعث النبوي انه وقع في حديث بن عباس عند مسلم التصريح بذلك ولفظه اهون أهل النار عذابا أبو طالب قوله اخمص بخاء معجمة وصاد مهملة وزن احمر مالا يصل إلى الارض من باطن القدم عند المشي قوله جمرة في رواية مسلم جمرتان وكذا في رواية إسرائيل على اخمص قدمه جمرتان قال بن التين يحتمل ان يكون الاقتصار على الجمرة للدلالة على لاخرى لعلم السامع بأن لكل أحد قدمين ووقع في رواية
[ 373 ]
الاعمش عن أبي إسحاق عند مسلم بلفظ من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه وفي حديث أبي سعيد عنده نحوه وقال يغلى دماغه من حرارة نعله قوله منها دماغه في رواية إسرائيل منهما بالتثنية وكذا في حديث بن عباس قوله كما يغلى المرجل بالقمقم زاد في رواية الاعمش لا يرى ان أحدا أشد عذابا منه وانه لاهونهم عذابا والمرجل بكسر الميم وبسكون الراء وفتح الجيم بعدها لام قدر من نحاس ويقال أيضا لكل اناء يغلى فيه الماء من أي صنف كان والقمقم معروف من آنية العطار ويقال هو اناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء يكون من نحاس وغيره فارسي ويقال رومي وهو معرب وقد يؤنث فيقال قمقمة قال بن التين في هذا التركيب نظر وقال عياض الصواب كما يغلى المرجل والقمقم بواو العطف لا بالباء وجوز غيره ان تكون الباء بمعنى مع ووقع في رواية الاسماعيلي كما يغلى المرجل أو القمقم بالشك وتقدم شئ من هذا في قصة أبي طالب الحديث الخامس عشر حديث عدي بن حاتم تقدم شرحه قريبا في آخر باب من نوقش الحساب الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في ذكر أبي طالب تقدم في قصة أبي طالب من طريق الليث حدثني بن الهاد وعطف عليه السند المذكور هنا واختصر المتن ويزيد المذكور هنا هو بن الهاد المذكور هناك واسم كل من بن أبي حازم والدراوردي عبد العزيز وهما مدنيان مشهوران وكذا سائر رواة هذا السند قوله لعله تنفعه شفاعتي ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجي واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم تنقعه شفاعتي بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وأجيب بأنه خص ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معنى المنفعة في الآية بخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد بها في الآية الاخراج من النار وفي الحديث المنفعة بالتخفيف وبهذا الجواب جزم القرطبي وقال البيهقي في البعث صحة الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للانكار من حيث صحة الرواية ووجهه عندي ان الشفاعة في الكفار انما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه قال وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لان حسناته صارت بموته على الكفر هباء واخرج مسلم عن أنس وأما الكافر فيعطي حسناته في الدنيا حتى إذا افضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة وقال القرطبي في المفهم اختلف في هذه الشفاعة هل هي بلسان قولي أو بلسان حالي والاول يشكل بالآية وجوابه جواز التخصيص والثاني يكون معناه ان أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه جوزي على ذلك بالتخفيف فأطلق على ذلك شفاعة لكونها بسببه قال ويجاب عنه أيضا ان المخفف عنه لما لم يجد اثر التخفف فكأنه لم ينتفع بذلك ويؤيد ذلك ما تقدم انه يعتقد ان ليس في النار أشد عذابا منه وذلك ان القليل من عذاب جهنم لا تطيقه الجبال فالمعذب لاشتغاله بما هو فيه يصدق عليه انه لم يحصل له انتفاع بالتخفيف قلت وقد يساعد ما سبق ما تقدم في النكاح من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة ارضعتني واياها ثويبة قال عروة ان أبا لهب رؤى في المنام فقال لم ار بعدكم خيرا غير اني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة وقد تقدم الكلام عليه هناك وجوز القرطبي في التذكرة ان الكافر إذا عرض على الميزان
[ 374 ]
ورجحت كفة سيئاته بالكفر اضمحلت حسناته فدخل النار لكنهم يتفاوتون في ذلك فمن كانت له منهم حسنات من عتق ومواساة مسلم ليس كمن ليس له شئ من ذلك فيحتمل ان يجازى بتخفيف العذاب عنه بمقدار ما عمل لقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا قلت لكن هذا البحث النظري معارض بقوله تعالى ولا يخفف عنهم من عذابها وحديث أنس الذي أشرت إليه وأما ما أخرجه بن مردويه والبيهقي من حديث بن مسعود رفعه ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر الا اثابه الله قلنا يا رسول الله ما اثابة الكافر قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك قلنا وما اثابتة في الآخرة قال عذابا دون العذاب ثم قرأ ادخلوا آل فرعون أشد العذاب فالجواب عنه أن سنده ضعيف وعلى تقدير ثبوته فيحتمل أن يكون التخفيف فيم يتعلق بعذاب معاصيه بخلاف عذاب الكفر الحديث السابع عشر حديث أنس الطويل في الشفاعة أورده هنا من طريق أبي عوانة ومضى في تفسير البقرة من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد بن أبي عروبة ويأتي في التوحيد من طريق همام اربعتهم عن قتادة وأخرجه أيضا أحمد من رواية شيبان عن قتادة ويأتي في التوحيد من طريق معبد بن هلال عن أنس وفيه زيادة للحسن عن أنس ومن طريق حميد عن أنس باختصار وأخرجه أحمد من طريق النضر بن أنس عن أنس وأخرجه أيضا من حديث بن عباس وأخرجه بن خزيمة من طريق معتمر عن حميد عن أنس وعند الحاكم من حديث بن مسعود والطبراني من حديث عبادة بن الصامت ولابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي وجاء من حديث أبي هريرة كما مضى في التفسير من رواية أبي زرعة عنه وأخرجه الترمذي من رواية العلاء بن يعقوب عنه ومن حديث أبي سعيد كما سيأتي في التوحيد وله طرق عن أبي سعيد مختصرة وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة معا وأبو عوانة من رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق ومضى في الزكاة في تفسير سبحان من حديث بن عمر باختصار وعند كل منهم بما ليس عند الاخر وسأذكر ما عند كل منهم من فائدة مستوعبا ان شاء الله تعالى قوله يجمع الله الناس يوم القيامة في رواية المستملي جمع بصيغة الفعل الماضي والاول المعتمد ووقع في رواية معبد بن هلال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض وأول حديث أبي هريرة انا سيد الناس يوم القيامة يجمع الله الناس الاولين والاخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون وزاد في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة فيه وتدنو الشمس من رؤوسهم فيشتد عليهم حرها ويشق عليهم دنوها فينطلقون من الضجر والجزع مما هم فيه وهذه الطريق عند مسلم عن أبي خيثمة عن جرير لكن لم يسق لفظها وأول حديث أبي بكر عرض على ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة يجمع الله الاولين والاخرين في صعيد واحد فيفظع الناس لذلك والعرق كاد يلجمهم وفي رواية معتمر يلبثون ما شاء الله من الحبس وقد تقدم في باب الا يظن أولئك انهم مبعوثون ما خرجه مسلم من حدث المقداد ان الشمس تدنو حتى تصير من الناس قدر ميل وسائر ما ورد في ذلك وبيان تقاوتهم في العرق بقدر اعمالهم وفي حديث سلمان تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنو من جماجم الناس فيعقون حتى يرشح العرق في الارض قامة ثم يرتفع الرجل حتى يقول عق عق
[ 375 ]
وفي رواية النضر بن أنس لم ما هم فيه والخلق ملجمون بالعرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما الكافر فيغشاه الموت وفي حديث عبادة بن الصامت رفعه اني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر وما من الناس الا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج وان معي لواء الحمد ووقع في رواية هشام وسعيد وهمام يجتمع المؤمنون فيقولون وتبين من وراية النضر بن أنس ان التعبير بالناس أرجح لكن الذي يطلب الشفاعة هم المؤمنون قوله فيقولون لو استشفعنا في رواية مسلم فيلهمون ذلك وفي لفظ فيهتمون بذلك وفي رواية همام حتى يهتموا بذلك قوله على ربنا في رواية هشام وسعيد إلى ربنا وتوجه بأنه ضمن معنى استشفعنا سعى لان الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الادنى إلى الاعلى ليستعين به على ما يرومه وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا يجمع الله الناس يوم القيامة فيقوم المؤمنون حتى تنزلف لهم الجنة فيأتون آدم وحتى غاية لقيامهم المذكور ويؤخذ منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تنزلف لهم الجنة ووقع في أول حديث أبي نضرة عن أبي سعيد في مسلم رفعه انا أول من تنشق عنه الارض الحديث وفيه فيفزع لناس ثلاث فزعات فيأتون آدم الحديث قال القرطبي كأن ذلك يقع إذا جئ بجهنم فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم قوله حتى يريحنا في رواية مسلم فيريحنا وفي حديث بن مسعود عند بن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار وفي رواية ثابت عن أنس يطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا وفي حديث سلمان فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم لبعض ائتوا أباكم آدم قوله حتى يريحنا من مكاننا هذا في رواية ثابت فليقض بيننا وفي رواية حذيفة وأبي هريرة فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة قوله فيأتون آدم في رواية شيبان فينطلقون حتى يأتوا آدم فيقولون أنت الذي في رواية مسلم يا آدم أنت أبو البشر وفي رواية همام وشيبان أنت أبو البشر وفي حديث أبي هريرة نحو رواية مسلم وفي حديث حذيفة فيقولون يا أبانا قوله خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه زاد في رواية همام وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شئ وفي حديث أبي هريرة وأمر الملائكة فسجدوا لك وفي حديث أبي بكر أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله قوله فاشفع لنا عند ربنا في رواية مسلم عند ربك وكذا لشيبان في حديث أبي بكر وأبى هريرة اشفع لنا إلى ربك وزاد أبو هريرة الا ترى ما نحن فيه الا ترى ما بلغنا قوله لست هناكم قال عياض قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا واكبارا لما يسألونه قال وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري قلت وقد وقع في رواية معبد بن هلال فيقول لست لها وكذا في بقية المواضع وفي رواية حذيفة لست بصاحب ذاك وهو يؤيد الاشارة المذكورة قوله ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب والراجع إلى الموصول محذوف تقديره اصابها زاد همام في روايته اكله من الشجرة وقد نهى عنها وهو بنصب اكله بدل من قوله خطيئته وفي رواية هشام فيذكر ذنبه فيستحي وفي رواية بن عباس اني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد واني اذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الارض وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا هل اخرجكم من الجنة الا خطيئة أبيكم آدم وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور ان أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم حسبي وفي
[ 376 ]
حديث أبي هريرة ان ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وانه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري قوله ائتوا نوحا فيأتونه في رواية مسلم ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الارض فيأتون نوحا وفي رواية هشام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الارض وفي حديث أبي بكر انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح ائتوا عبدا شاكرا وفي حديث أبي هريرة اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الارض وقد سماك الله عبدا شكورا وفي حديث أبي بكر فينطلقون إلى نوح فيقولون يا نوح اشفع لنا إلى ربك فإن الله اصطفاك واستجاب لك في دعائك ولم يدع على الارض من الكافرين ديارا ويجمع بينهما بأن آدم سبق إلى وصفه بأنه أول رسول فخاطبه أهل الموقف بذلك وقد استشكلت هذه الاولية بأن ادم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث جابر أعطيت خمسا في كتاب التيمم وفيه وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة الحديث ومحصل الاجوبة عن الاشكال المذكور ان الاولية مقيدة بقوله أهل الارض لان ادم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الارض ويشكل عليه حديث جابر ويجاب بأن بعثته إلى أهل الارض باعتبار الواقع لصدق انهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقومه ولغير قومه أو الاولية مقيدة بكونة أهلك قومه أو ان الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلا والى هذا جنح بن بطال في حق ادم وتعقبه عياض بما صححه بن حبان من حديث أبي ذر فإنه كالصريح في انه كان مرسلا وفيه التصريح بإنزال الصحف على شيث وهو من علامات الارسال واما إدريس فذهبت طائفة إلى انه كان في بني إسرائيل وهو الياس وقد ذكر ذلك في أحاديث الانبياء ومن الاجوبة ان رسالة ادم كانت إلى بنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد قوله فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها في رواية هشام ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم وفي رواية شيبان سؤال الله وفي رواية معبد بن هلال مثل جواب ادم لكن قال وانه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي وفي حديث بن عباس فيقول ليس ذاكم عندي وفي حديث أبي هريرة اني دعوت بدعوة اغرقت أهل الارض ويجمع بينه وبين الاول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما نهى الله تعالى له ان يسأل ما ليس له به علم فخشي ان تكون شفاعته لاهل الموقف من ذلك ثانيهما ان له دعوة واحدة محققة الاجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الارض فخشي ان يطلب فلا يجاب وقال بعض الشراح كان الله وعد نوحا ان ينجيه وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده فقيل له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحا فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم تنبيهان الاول سقط من حديث أبي حذيفة المقرون بأبي هريرة ذكر نوح فقال في قصة آدم اذهبوا إلى ابني إبراهيم وكذا سقط من حديث بن عمر والعمدة على من حفظ الثاني ذكر أبو حامد الغزالي في كشف علوم الآخرة أن بين اتيان أهل الموقف ادم واتيانهم نوحا الف سنة وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم اقف لذلك على أصل ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصول لها فلا يغتر بشئ منها قوله ائتوا إبراهيم في رواية مسلم ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الله
[ 377 ]
قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون إبراهيم زاد أبو هريرة في حديثه فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الارض قم اشفع لنا إلى ربك وذكر مثل ما لآدم قولا وجوابا الا انه قال قد كنت كذبت ثلاث كذبات وذكرهن قوله فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب فيستحيي ربه منها وفي حديث أبي بكر ليس ذاكم عندي وفي رواية همام اني كنت كذبت ثلاث كذبات زاد شيبان في روايته قوله اني سقيم وقوله فعله كبيرهم هذا وقوله لامرأته اخبريه اني أخوك وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد فيقول اني كذبت ثلاث كذبات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة الا ما حل بها عن دين الله وما حل بمهملة بمعنى جادل وزنه ومعناه ووقع في رواية حذيفة المقرونة لست بصاحب ذاك انما كنت خليلا من وراء وراء وضبط بفتح الهمزة وبضمها واختلف الترجيح فيهما قال النووي اشهرهما الفتح بلا تنوين ويجوز بناؤهما على الضم وصوبه أبو البقاء والكندي وصوب بن دحية الفتح على ان الكلمة مركبة مثل شذر مذر وان ورد منصوبا منونا جاز ومعناه لم أكن في التقريب والادلال بمنزلة الحبيب قال صاحب التحرير كلمة تقال على سبيل التواضع أي لست في تلك الدرجة قال وقد وقع لي فيه معنى مليح وهو أن الفضل الذي اعطيته كان بسفارة جبريل ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة وكرر وراء إشارة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لانه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة فكأنه قال انا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد قال البيضاوي الحق ان الكلمات الثلاث انما كانت من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب اشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها لان من كان اعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفا وقوله ائتوا موسى الذي كلمه الله في رواية مسلم ولكن ائتوا موسى وزاد وأعطاه التوراة وكذا في رواية هشام وغيره وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله وفي رواية الاسماعيلي عبدا أعطاه الله التوراة وكلمه تكليما زاد همام في روايته وقربه نجيا وفي رواية حذيفة المقرونة اعمدوا إلى موسى قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون موسى فيقول وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وكلامه على الناس اشفع لنا فذكر مثل آدم قولا وجوابا لكنه قال اني قتلت نفسا لم اومر بقتلها قوله فيقول لست هناكم زاد مسلم فيذكر خطيئته التي أصاب قتل النفس وللاسماعيلي فيستحي ربه منها وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي وفي حديث أبي هريرة اني قتلت نفسا لم أومر بقتلها وذكر مثل ما في ادم قوله ائتوا عيسى زاد مسلم روح الله وكلمته وفي رواية هشام عبد الله ورسول وكلمته وروحه وفي حديث أبي بكر فإنه كان يبرئ الاكمه والابرص ويحيى الموتى قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون عيسى فيقول لست هناكم وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك الا ترى إلى ما نحن فيه مثل آدم قولا وجوابا لكن قال ولم يذكر ذنبا لكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد اني عبدت من دون الله وفي رواية أحمد والنسائي من حديث بن عباس اني اتخذت الها من دون الله وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وان يغفر لي اليوم حسبي قوله ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له
[ 378 ]
ما تقدم من ذنبه وما تأخر في رواية مسلم عبد غفر له الخ زاد ثابت من ذنبه وفي رواية هشام غفر الله له وفي رواية معتمر انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب وفي رواية ثابت أيضا خاتم النبيين قد حضر اليوم أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم وعند سعيد بن منصور من هذا الوجه فيرجعون إلى آدم فيقول أرأيتم الخ وفي حديث أبي بكر ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الارض قال عياض اختلفوا في تأويل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل المتقدم ما قبل النبوة والمتأخر العصمة وقيل ما وقع عن سهو أو تأويل وقيل المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته وقيل المعنى انه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع وقيل غير ذلك قلت واللائق بهذا المقام القول الرابع واما الثالث فلا يتأتى هنا ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى فيما تقدم اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي مع ان الله قد غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شئ ومن لم يقع شئ أصلا فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع اشفاقه من المؤاخذة بذلك ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لانه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى ان الله أخبر انه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد قوله فيأتوني في رواية النضر بن أنس عن أبيه حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال اني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد هذا الانبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله ان يفرق جمع الامم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وان هذا الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار كما سيأتي بيانه قريبا وان عيسى عليه السلام هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وان الانبياء جميعا يسألونه في ذلك وقد اخرج الترمذي وغيره من حدث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف وفيه وأخرت الثالثة ليوم يرغب الي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ووقع في رواية معبد بن هلال فيأتوني فأقول انا لها انا لها زاد عقبة بن عامر عند بن المبارك في الزهد فيأذن الله لي فأقوم فيثور من مجلس اطيب ريح شمها أحد وفي حديث سلمان عند أبي بكر بن أبي شيبة يأتون محمدا فيقولون يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم وغفر لك ما تقدم وما تأخر وجئت في هذا اليوم امنا وترى ما نحن فيه فقم فاشفع لنا إلى ربنا فيقول انا صاحبكم فيجوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة وفي رواية معتمر فيقول انا صاحبها قوله فأستأذن في رواية هشام فأنطلق حتى استأذن قوله على ربي زاد همام في داره فيؤذن لي قال عياض أي في الشفاعة وتعقب بأن ظاهر ما تقدم ان استئذانه الاول والاذن له انما هو في دخول الدار وهي الجنة وأضيفت إلى الله تعالى إضافة تشريف ومنه والله يدعو إلى دار السلام على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم العظيم وهو من أسماء الله تعالى قيل الحكمة في انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه إلى دار السلام ان ارض الموقف لما كانت مقام عرض وحساب كانت مكان مخافة واشفاق ومقام الشافع يناسب ان يكون في مكان اكرام ومن ثم يستحب ان يتحرى للدعاء المكان الشريف لان الدعاء
[ 379 ]
فيه أقرب للاجابة قلت وتقدم في بعض طرقه ان من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب الجنة وقد ثبت في صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند الترمذي فآخذ حلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمد فيفتحون لي ويرحبون فأخر ساجدا وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم فيقول الخازن من فأقول محمد فيقول بك أمرت ان لا افتح لاحد قبلك وله من رواية المختار بن فلفل عن أنس رفعه انا أول من يقرع باب الجنة وفي رواية قتادة عن أنس اتى باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فأقول محمد فيقال مرحبا بمحمد وفي حديث سلمان فيأخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمد فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له وفي حديث أبي بكر الصديق فيأتي جبريل ربه فيقول ائذن له قوله فإذا رأيته وقعت له ساجدا في رواية أبي بكر فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي وفي رواية لابن حبان من طريق ثوبان عن أنس فيتجلى له الرب ولا يتجلى لشئ قبله وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى رفعه يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني ثم امتدحه بمدحه يرضى بها عني قوله فيدعني ما شاء الله زاد مسلم ان يدعني وكذا في رواية هشام وفي حديث عبادة بن الصامت فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا شاكرا له وفي رواية معبد بن هلال فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا اقدر عليها الان فأحمده بتلك المحامد ثم اخر له ساجدا وفي حديث أبي بكر الصديق فينطلق إليه جبريل فيخر ساجدا قدر جمعة قوله ثم يقال لي ارفع رأسك في رواية مسلم فيقال يا محمد وكذا في أكثر الروايات وفي رواية النضر بن أنس فأوحى الله إلى جبريل ان اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك فعلى هذا فالمعنى يقول لي على لسان جبريل قوله وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع في رواية مسلم بغير واو وسقط من أكثر الروايات وقل يسمع ووقع في حديث أبي بكر فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدا قدر جمعة وفي حديث سلمان فينادي يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب قوله فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني وفي رواية هشام يعلمنيه وفي رواية ثابت بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي وفي حديث سلمان فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لاحد من الخلائق وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد قبل سجوده وبعده وفيه ويكون في كل مكان ما يليق به وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك لا جميعه ففي النسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبراني من حديث حذيفة رفعه قال يجمع الناس في صعيد واحد فيقال يا محمد فأقول لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك تباركت وتعاليت سبحانك لا ملجا ولا منجا منك الا إليك زاد عبد الرزاق سبحانك رب البيت فذلك قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال بن منده في كتاب الايمان هذا حديث مجمع على صحة إسناده وثقة رواته قوله ثم اشفع في رواية معبد بن هلال فأقول رب أمتي أمتي أمتي وفي حديث أبي هريرة نحوه قوله فيحد لي حدا يبين لي في كل طور من اطوار الشفاعة حدا اقف عنده فلا اتعداه مثل أن يقول شفعتك فيمن اخل بالجماعة ثم فيمن اخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الاسلوب كذا حكاه الطيبي والذي يدل عليه سياق الاخبار ان المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الاعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن
[ 380 ]
أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه وسأنبه عليه في آخره وكما تقدم في رواية هشام عن قتادة عن أنس في كتاب الايمان بلفظ يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة وفي رواية ثابت عند أحمد فأقول أي رب أمتي أمتي فيقول اخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم ذكر نحو ما تقدم وقال مثقال ذرة ثم قال مثقال حبة من خردل ولم يذكر بقية الحديث ووقع في طريق النضر بن أنس قال فشفعت في أمتي أن اخرج من كل تسعة وتسعين انسانا واحدا فما زلت اتردد على ربي لا اقوم منه مقاما الا شفعت وفي حديث سلمان فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود وقد تقدمت الاشارة إلى شئ من هذا في شرح الحديث الثالث عشر ويأتي مبسوطا في شرح حديث الباب الذي يليه قوله ثم اخرجهم من النار قال الداودي كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الاراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الاخراج من النار يعني وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار ثم يقع بعذ ذلك الشفاعة في الاخراج وهو اشكال قوي وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له أي في الشفاعة وترسل الامانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر اولكم كالبرق الحديث قال عياض فبهذا يتصل الكلام لن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الاراحة من كرب الموقف ثم تجئ الشفاعة في الاخراج وقد وقع في حديث أبي هريرة يعني الاتي في الباب الذي يليه بعد ذكر الجمع في الموقف الامر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تمييز المنافقين من المؤمنين ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه فكان الامر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف قال وبهذا تجتمع متون الاحاديث وتترتب معانيها قلت فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ لاخر وسيأتي بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه حتى يجئ الرجل فلا يستطيع السير الا زحفا وفي جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوش في النار فظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضي بين الخلق وان الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك وقد وقع ذلك صريحا في حديث بن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه أنس وأبو هريرة مطولا وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ ان الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيؤمئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى ثم امتدحه بمدحة يرضى بها عني ثم يؤذن لي في الكلام ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون وفي حديث بن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد فيقول عزوجل يا محمد ما تريد ان اصنع في أمتك فأقول يا رب عجل حسابهم وفي رواية عن بن عباس عند أحمد وأبي يعلى فأقول انا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله ان يفرغ من خلقه نادى مناد أين محمد وأمته الحديث وسيأتي بيان ما يقع في الموقف قبل نصب الصراط في شرح حديث الباب الذي يليه وتعرض
[ 381 ]
الطيبي للجواب عن الاشكال بطريق اخر فقال يجوز ان يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رؤوسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق وان يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها قلت وهو احتمال بعيد الا أن يقال انه يقع اخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص من كرب الموقف والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والاذن في المرور عليه ويقع الاخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا وقد أشرت إلى الاحتمال المذكور في شرح حديث العرق في باب قوله تعالى الا يظن أولئك انهم مبعوثون والعلم عند الله تعالى وأجاب القرطبي عن أصل الاشكال بأن في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال ادخل من أمتك من الباب الايمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب قال في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب فإنه لما اذن له في إدخال من لاحساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب ووقع في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة قلت وفيه اشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن ثم ينادي لمنادي ليتبع كل امة من كانت تعبد فيسقط الكفار في النار ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم ثم يدخلون الجنة وسيأتي تفصيل ذلك واضحا في شرح حديث الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى ثم وقفت في تفسير يحيى بن سلام البصري نزيل مصر ثم افريقية وهو في طبقة يزيد بن هارون وقد ضعفه الدارقطني وقال أبو حاتم الرازي صدوق وقال أبو زرعة ربما وهم وقال بن عدي يكتب حديثه مع ضعفه فنقل فيه عن الكلبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقيت زمرة من آخر زمر الجنة إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم وقد بلغت النار منهم كل مبلغ اما نحن فقد اخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب فما نفعكم أنتم توحيدكم قال فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم فيسمعهم أهل الجنة فيأتون آدم فذكر الحديث في اتيانهم الانبياء المذكورين قبل واحدا واحدا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فينطلق فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره ان يرفع رأسه ثم يسأله ما تريد وهو أعلم به فيقول رب اناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت اعلم بهم فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول وعزتي لاخرجنهم فيخرجهم قد احترقوا فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا ثم يدخلون الجنة فيسمون الجهنميين فيغبطه عند ذلك الاولون والآخرون فذلك قوله عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا قلت فهذا لو ثبت لرفع الاشكال لكن الكلبي ضعيف ومع ذلك لم يسنده ثم هو مخالف لصريح الاحاديث الصحيحة ان سؤال المؤمنين الانبياء واحدا بعد واحد انما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله اعلم وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة
[ 382 ]
بالاحتمال المذكور في دعواه ان أحدا من الموحدين لا يدخل النار أصلا وانما المراد بما جاء من ان النار تسفعهم أو تلفحهم وما جاء في الاخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف وهو تمسك باطل وأقوى ما يرد به عليه ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة واللفظ لمسلم ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر اوفر ما كانت تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله اما إلى الجنة واما إلى النار الحديث بطوله وفيه ذكر الذهب والفضة والبقر والغنم وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب الموقف وورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار ما تقدم أن الكفار يقولون لهم ما اغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا فيغضب الله لهم فيخرجهم وهو مما يرد به على المبتدعة المذكورين وسأذكره في شرح حديث الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى قوله ثم اعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة في رواية هشام فأحد لهم حدا فأدخلهم الجنة ثم ارجع ثانيا فأستأذن إلى ان قال ثم أحد لهم حدا ثالثا فأدخلهم الجنة ثم ارجع هكذا في أكثر الروايات ووقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثم اعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي الا من حبسه القرآن ولم يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة ووقع في رواية معبد بن هلال عن أنس ان الحسن حدث معبدا بعد ذلك بقوله فأقوم الرابعة وفيه قول الله له ليس ذلك لك وان الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وان لم يعمل خيرا قط فعلى هذا فقوله حبسه القرآن يتناول الكفار وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد ثم يخرج العصاة في القبضة وتبقى الكفار ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم قوله حتى ما يبقى ما بقى وفي رواية هشام بعد الثالثة حتى ارجع فأقول قوله الا من حبسه القرآن وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود في رواية همام الا من حبسه القرى أي وجب عليه الخلود كذا ابهم قائل أي وجب وتبين من رواية أبي عوانة أنه قتادة أحد رواته ووقع في رواية هشام وسعيد فأقول ما بقي في النار الا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود وسقط من رواية سعيد عند مسلم ووجب عليه الخلود وعنده من رواية هشام مثل ما ذكرت من رواية همام فتعين ان قوله ووجب عليه الخلود وفي رواية هشام مدرج في المرفوع لما تبين من رواية أبي عوانة أنها من قول قتادة فسر به قوله من حبسه القرآن من حبسه القرآن أي من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار ووقع في رواية همام بعد قوله أي وجب عليه الخلود وهو المقام المحمود الذي وعده الله وفي رواية شيبان الا من حبسه القرآن يقول وجب عليه الخلود وقال عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا وفي رواية سعيد عند أحمد بعد قوله الا من حبسه القرآن قال فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة الحديث وهو الذي فصله هشام من الحديث وسبق سياقه في كتاب الايمان مفردا ووقع في رواية معبد بن هلال بعد روايته عن أنس من روايته عن الحسن البصري عن أنس قال ثم اقوم الرابعة فأقول أي رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول لي ليس ذلك لك فذكر بقية الحديث في اخراجهم وقد تمسك به بعض المبتدعة في دعواهم ان من دخل النار من العصاة لا يخرج منها لقوله تعالى ومن
[ 383 ]
يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار وعلى تسليم انها في أعم من ذلك فقد ثبت تخصيص الموحدين بالاخراج ولعل التأييد في حق من يتأخر بعد شفاعة الشافعين حتى يخرجوا بقبضة ارحم الراحمين كما سيأتي بيانه في شرح حديث الباب الذي يليه فيكون التأييد مؤقتا وقال عياض استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الانبياء كقول كل من ذكر فيه ما ذكر وأجاب عن أصل المسألة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد النبوة وكذا قبلها على الصحيح وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور ويلتحق بها ما يزري بفاعله من الصغائر وكذا القول في كل ما يقدح في الابلاغ من جهة القول واختلفوا في الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان وأجاز الجمهور السهو لكن لا يحصل التمادي واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا وأولوا الاحاديث والايات الواردة في ذلك بضروب من التأويل ومن جملة ذلك ان الصادر عنهم اما ان يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن لكن خشوا ان لا يكون ذلك موافقا لمقامهم فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة قال وهذا أرجح المقالات وليس هو مذهب المعتزلة وان قالوا بعصمتهم مطلقا لان منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقا ولا يجوز على النبي الكفر ومنزعنا ان امة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله فلو جاز منه وقوع المعصية للزم الامر بالشئ الواحد والنهي عنه في حالة واحدة وهو باطل ثم قال عياض وجميع ما ذكر في حديث الباب لا يخرج عما قلناه لان أكل آدم من الشجرة كان عن سهو وطلب نوح نجاة ولده كان عن تأويل ومقالات إبراهيم كانت معاريض وأراد بها الخير وقتيل موسى كان كافرا كما تقدم بسط ذلك والله اعلم وفيه جواز إطلاق الغضب على الله والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يشاهده أهل الموقف من الاهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون كذا قرره النووي وقال غيره المراد بالغضب لازمه وهو إرادة إيصال السوء للبعض وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق ان يشفع لها لان المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ويحتمل ان يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لان الرسل والانبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي ولو لم يكن في ذلك الا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا وفيه تفضيل الانبياء المذكورين فيه على من لم يذكر فيه لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم وقد قيل انما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل فآدم لكونه والد الجميع ونوح لكونه الاب الثاني وإبراهيم للامر باتباع ملته وموسى لانه أكثر الانبياء تبعا وعيسى لانه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح ويحتمل ان يكونوا اختصوا بذلك لانهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر اولا ومن بعده وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر ان من طلب من كبير أمرا مهما ان يقدم بين يدي سؤاله وصف المسئول بأحسن صفاته وأشر مزاياه ليكون ذلك ادعى لاجابته لسؤاله وفيه أن المسؤل إذا لم يقدر على تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه ويدل على من يظن انه يكمل في القيام بذلك فالدال على الخير كفاعله وانه يثنى على المدلول عليه باوصافه المقتضية لاهليته ويكون ادعى لقبول عذره في
[ 384 ]
الامتناع وفيه استعمال ظرف المكان في الزمان لقوله لست هناكم لان هنا ظرف مكان فاستعملت في ظرف الزمان لان المعنى لست في ذلك المقام كذا قاله بعض الائمة وفيه نظر وانما هو ظرف مكان على بابه لكنه المعنوي لا الحسي مع انه يمكن حمله على الحسي لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخول الجنة وعلى قول من يفسر المقام المحمود بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضا وفيه العمل بالعام قبل البحث عن المخصص اخذا من قصة نوح في طلبه نجاة ابنه وقد يتمسك به من يرى بعكسه وفيه ان الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بانبيائهم والباعث على ذلك الالهام كما تقدم في صدر الحديث وفيه أنهم يستشير بعضهم بعضا ويجمعون على الشئ المطلوب وأنهم يغطى عنهم بعض ما علموه في الدنيا لان في السائلين من سمع هذا الحديث ومع ذلك فلا يستحضر أحدا منهم أن ذلك المقام يختص به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ لو استحضروا ذلك لسألوه من أول وهلة ولما احتاجوا إلى التردد من نبي إلى نبي ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من إظهار فضل نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره الحديث الثامن عشر حديث عمران بن حصين قوله يحيى هو بن سعيد القطان والحسن بن ذكوان هو أبو سلمة البصري تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال ومع ذلك فهو متابعة وفي طبقته الحسين بن ذكوان وهو بضم الحاء وفتح السين وآخره نون بصرى أيضا بعرف بالمعلم وبالمكتب وهو أوثق من أبي سلمة وتقدم شرح حديث الباب في الحادي عشر الحديث التاسع عشر حديث أنس في قصة أم حارثة تقدم في الخامس من وجه اخر عن حميد عنه وفيه ولقاب قوس أحدكم وتقدم شرحه وفيه ولو ان امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الارض الله تبارك وتعالى قوله لاضاءت ما بينهما وقع في حديث سعيد بن عامر الجمحي عند البزار بلفظ تشرف على الارض لذهب ضوء الشمس والقمر قوله ولملات ما بينهما ريحا أي طيبة وفي حديث سعيد بن عامر المذكور لملات الارض ريح مسك وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وصححه بن حبان وان أدنى لؤلؤة عليها لتضئ ما بين المشرق والمغرب قوله لنصفيها بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ثم فاء فسر في الحديث بالخمار بكسر المعجمة وتخفيف الميم وهذا التفسير من قتيبة فقد أخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه وقال الازهري النصيف الخمار ويقال أيضا للخادم قلت والمراد هنا الاول جزما وقد قع في رواية الطبراني ولتاجها على رأسها وحكى أبو عبيد الهروي ان النصيف المعجر بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم وهو ما تلويه المرأة على رأسها وقال الازهري هو كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه ورد طرفها على وجهه وشيئا منها تحت ذقنه وقيل المعجر ثوب تلبسه المرأة أصغر من الرداء ووقع في حديث بن عباس عند بن اب الدنيا ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة من الشمس لا ضوء لها ولو اطلعت وجهها لاضاء حصنها ما بين السماء والارض ولو أخرجت كفها لافتتن الخلائق بحسنها الحديث العشرون حديث أبي هريرة من طريق الاعرج عنه قوله لا يدخل أحد الجنة الا أرى مقعده من النار وقع عند بن ماجة بسند صحيح من طريق اخر عن أبي هريرة ان ذلك يقع عند
[ 385 ]
المسألة في القبر وفيه فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها فيقال له انظر إلى ما وقاك الله وفي حديث أنس الماضي في أواخر الجنائز فيقال انظر إلى مقعدك من النار زاد أبو داود في روايته هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك وفي حديث أبي سعيد كان هذا منزلك لو كفرت بربك قوله لو أساء ليزداد شكرا أي لو كان عمل عملا سيئا وهو الكفر فصار من أهل النار وقوله ليزداد شكرا أي فرحا ورضا فعبر عنه بلازمه لان الراضي بالشئ يشكر من فعل له ذلك قوله ولا يدخل النار أحد قدم في رواية الكشميهني الفاعل على المفعول وقوله الا أرى بضم الهمزة وكسر الراء قوله لو أحسن أي لو عمل عملا حسنا وهو الاسلام قوله ليكون عليه حسرة أي للزيادة في تعذيبه ووقع عند بن ماجة أيضا وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ ما منكم من أحد الا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون وقال جمهور المفسرين في قوله تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض الاية المراد ارض الجنة التي كانت لاهل النار لو دخلوا الجنة وهو موافق لهذا الحديث وقيل المراد ارض الدنيا لانها صارت خبزة فأكلوها كما تقدم وقال القرطبي يحتمل ان يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث اختصاصهم بذلك دون غيرهم فهو ارث بطريق الاستعارة والله اعلم الحديث الحادي والعشرون قوله عن عمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب وقد وقع لنا هذا الحديث في نسخة إسماعيل بن جعفر حدثنا عمرو بن أبي عمرو وأخرجه أبو نعيم من طريق علي بن حجر عن إسماعيل وكذا تقدم في العلم من رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو وقد تقدم ان اسم أبي عمرو والد عمرو ميسرة قوله من اسعد الناس بشفاعتك لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بقوله وأريد ان اختبئ دعوتي شفاعة لامتي في الآخرة وقد تقدم سياقه وبيان ألفاظه في أول كتاب الدعوات ومن طرقه شفاعتي لاهل الكبائر من أمتي وتقدم شرح حديث الباب في باب الحرص على الحديث من كتاب العلم وقوله من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه بكسر القاف وفتح الموحدة أي قال ذلك باختياره ووقع في رواية أحمد وصححه بن حبان من طريق أخرى عن أبي هريرة نحو هذا الحديث وفيه لقد ظننت انك أول من يسألني عن ذلك من أمتي وشفاعتي لمن شهد ان لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه والمراد بهذه الشفاعة المسئول عنها هنا بعض أنواع الشفاعة وهي التي يقول صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي فيقال له اخرج من النار من في قلبه وزن كذا من الايمان فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون ايمانه أكمل ممن دونه وأما الشفاعة العظمى في الاراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من يسبق إلى الجنة وهم الذين يدخلونها بغير حساب تم الذين يلونهم وهو من يدخلها بغير عذاب بعد ان يحاسب ويستحق العذاب ثم من يصيبه لفح من النار ولا يسقط والحاصل ان في قوله اسعد إشارة إلى اختلاف مراتبهم في السبق إلى الدخول باختلاف مراتبهم في الاخلاص ولذلك اكده بقوله من قلبه مع ان الاخلاص محله القلب لكن إسناد الفعل إلى الجارحة ابلغ في التأكيد وبهذا التقرير يظهر موقع قوله اسعد وأنها على بابها من التفضيل ولا حاجة إلى قول بعض الشراح الاسعد هنا بمعنى السعيد لكون الكل يشتركون في شرطية الاخلاص لانا نقول يشتركون فيه لكن
[ 386 ]
مراتبهم فيه متفاوتة وقال البيضاوي يحتمل ان يكون المراد من ليس له عمل يستحق به الرحمة والخلاص لان احتياجه إلى الشفاعة أكثر وانتفاعه بها أوفى والله اعلم الحديث الثاني والعشرون رحمه اللهقوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وابرهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وهذا السند كله كوفيون قوله اني لاعلم اخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا فيها قال عياض جاء نحو هذا في آخر من يجوز على الصراط يعني كما يأتي في آخر الباب الذي يليه قال فيحتمل أنهما اثنان اما شخصان واما نوعان أو جنسان وعبر فيه بالواحد عن الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك ويحتمل ان يكون الخروج هنا بمعنى الورود وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى اما في شخص واحد أو أكثر قلت وقع عند مسلم من رواية أنس عن بن مسعود ما يقوى الاحتمال الثاني ولفظه اخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك وعند الحاكم من طريق مسروق عن بن مسعود ما يقتضي الجمع قوله حبوا بمهملة وموحدة أي زحفا وزنه ومعناه ووقع بلفظ زحفا في رواية الاعمش عن إبراهيم عند مسلم قوله فان لك مثل الدنيا وعشرة امثالها أو ان لك مثل عشرة أمثال الدنيا وفي رواية الاعمش فيقال له اتذكر الزمان الذي كنت فيه أي الدنيا فيقول نعم فيقال له تمن فيتمنى قوله اتسخر مني أو تضحك مني وفي رواية الاعمش اتسخر بي ولم يشك وكذا لمسلم من رواية منصور وله من رواية أنس عن بن مسعود اتستهزئ بي وأنت رب العالمين قال المازري هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتى هنا ولكن لما كانت عادة المستهزئ ان يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه وأما نسبة السخرية إلى الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وان لم يذكره في الجانب الاخر لفظا لكنه لما ذكر انه عاهد مرارا وغدر حل فعله محل المستهزئ وظن ان في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه انها ملاى نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية ونقل عياض عن بعضهم ان الف اتسخر مني الف النفي كهي في قوله تعالى اتهلكنا بما فعل السفهاء منا على أحد الاقوال قال وهو كلام متدلل علم مكانه من ربه وبسطه له بالاعطاء وجوز عياض ان الرجل قال ذلك وهو غير ضابط لما قال إذ وله عقله من السرور بما لم يخطر بباله ويؤيده انه قال في بعض طرقه عند مسلم لما خلص من النار لقد أعطاني الله شيئا ما عطاه أحدا من الاولين والاخرين وقال القرطبي في المفهم أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه انه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك وقيل قال ذلك لكونه خاف ان يجازى على ما كان منه في الدنيا من التساهل في الطاعات وارتكاب المعاصي كفعل الساخرين فكأنه قال اتجازيني على ما كان مني فهو كقوله سخر الله منهم وقوله الله يستهزئ بهم أي ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم وسيأتي بيان الاختلاف في اسم هذا الرجل في آخر شرح حديث الباب الذي يليه قوله ضحك حتى بدت نواجذه بنون وجيم وذال معجة جمع ناجذ تقدم ضبطه في كتاب الصيام وفي رواية بن مسعود فضحك بن مسعود فقالوا مم تضحك فقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك رب العاملين حين قال الرجل اتستهزئ مني قال لا استهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر قال البيضاوي نسبة الضحك إلى الله تعالى مجاز بمعنى الرضا وضحك النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته وضحك بن مسعود على سبيل
[ 387 ]
التأسي قوله وكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة قال الكرماني ليس هذا من تتمة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو عن غيرهم من أهل العلم قلت قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار إليه وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار وساق القصة وفي رواية له من حديث المغيرة ان موسى عليه السلام سأل ربه عن ذلك ولمسلم أيضا من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أدنى مقعد أحدكم من الجنة ان يقال له تمن فيتمنى ويتمنى فيقال ان لك ما تمنيت ومثله معه الحديث الثالث والعشرون قوله عبد الملك هو بن عمير ونوف جد عبد الله بن الحارث هو بن الحارث بن عبد المطلب والعباس هو بن عبد المطلب وهو عم جد عبد الله بن الحارث الراوي عنه وللحارث بن نوفل ولابيه صحبة ويقال ان لعبد الله رؤية وهو الذي كان يلقب ببه بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة ثم هاء تأنيث قوله هل نفعت أبا طالب بشئ هكذا ثبت في جميع النسخ بحذف الجواب وهو اختصار من المصنف وقد رواه مسدد في مسنده بتمامه وقد تقدم في كتاب الادب عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة بالسند المذكور هنا بلفظ فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا انا لكان في الدرك الاسفل من النار ووقع في رواية المقدمي عن أبي عوانة عند الاسماعيلي الدركة بزيادة هاء وقد تقدم شرح ما يتعلق بذلك في شرح الحديث الرابع عشر ومضى أيضا في قصة أبي طالب في المبعث النبوي لمسدد فيه سند اخر إلى عبد الملك بن عمير المذكور والله اعلم قوله باب الصراط جسر جهنم أي الجسر المنصوب على جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة وهو بفتح الجيم ويجوز كسره وقد وقع في حديث الباب لفظ الجسر وفي رواية شعيب الماضية في باب فضل السجود بلفظ ثم يضرب الصراط فكأنه أشار في الترجمة إلى ذلك رضي الله تعالى عنهما - قوله عن الزهري قال سعيد وعطاء بن يزيد ان أبا هريرة اخبرهما في رواية شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي قوله وحدثني محمود هو بن غيلان وساقه هنا على لفظ معمر وليس في سنده ذكر سعيد وكذا يأتي في التوحيد من رواية إبراهيم بن سعيد عن الزهري ليس فيه ذكر سعيد ووقع في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى يوم ندعو كل اناس بامامهم عن عطاء بن يزيد فذكر الحديث قوله قال اناس يا رسول الله في رواية شعيب ان الناس قالوا ويأتي في التوحيد بلفظ قلنا قوله هل نرى ربنا يوم القيامة في التقيد بيوم القيامة إشارة إلى ان السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد اخرج مسلم من حديث أبي امامة واعلموا انكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسيأتي الكلام على الرؤية في كتاب التوحيد لانه محل البحث فيه وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عند الترمذي أن هذا لسؤال وقع على سبب وذلك انه ذكر الحشر والقول لتتبع كل امة ما كانت تعبد وقول المسلمين هذا مكاننا حتى نرى ربنا قالوا وهل نراه فذكره ومضى في الصلاة وغيرها ويأتي في التوحيد من رواية جرير قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال انكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر الحديث مختصر ويحتمل أن يكون الكلام وقع عند سؤالهم المذكور قوله هل تضارون بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة
[ 388 ]
المفاعلة من الضرر وأصله تضارون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحدا ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضا فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره وقيل المعنى لا تضايقون أي لا تزاحمون كما جاء فالرواية الاخرى لا تضامون بتشديد الميم مع فتح أوله وقيل المعنى لا يحجب بعضكم بعضا عن الرؤية فيضربه وحكى الجوهري خبرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا قال بن الاثير فالمراد المضارة بازدحام وقال النووي أوله مضموم مثقلا ومخففا قال وروى تضامون بالتشديد مع فتح أوله وهو بحذف إحدى التاءين وهو من الضم وبالتخفيف مع ضم أوله من الضيم والمراد المشقة والتعب قال وقال عياض قال بعضهم في الذي بالراء وبالميم بفتح أوله والتشديد وأشار بذلك إلى أن الرواية بضم أوله مخففا ومثقلا وكله صحيح ظاهر المعنى ووقع في رواية البخاري لا تضامون أو تضاهون بالشك كما مضى في فضل صلاة الفجر ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا ومعنى الضيم الغلبة على الحق والاستبداد به أي لا يظلم بعضكم بعضا وتقدم في باب فضل السجود من رواية شعيب هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهو الشك وجاء بفتح أوله وفتح الراء على حذف إحدى التاءين وفي رواية للبيهقي تتماوون باثباتهما قوله ترونه كذلك المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك ورفع المشقة والاختلاف وقال البيهقي سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول تضامون بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض فإنه لا يرى في جهة ومعناه بفتح أوله لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فانكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة قال والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى وقال الزين بن المنير انما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية واعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال وقال بن الاثير قد يتخيل بعض الناس ان الكاف كاف التشبيه للمرئي وهو غلط وانما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه انه رؤية مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل فاستدل به الخليل على اثبات الوحدانية واستدل به الحبيب على اثبات الرؤية فاستدل كل منهما بمقتضى حاله لان الخلة تصح بمجرد الوجود والمحبة لا تقع غالبا الا بالرؤية وفي عطف الشمس على القمر مع ان تحصيل الرؤية بذكره كاف لان القمر لا يدرك وصفه الاعمى حسا بل تقليدا والشمس يدركها الاعمى حسا بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها قال والتمثيل واقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لان الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك قلت وليس في عطف الشمس على القمر ابطال لقول من قال في شرح حديث جرير الحكمة في التمثيل بالقمر انه تتيسر رؤيته للرائي بغير تكلف ولا تحديق يضر بالبصر بخلاف الشمس فانها حكمة الاقتصار عليه ولا يمنع ذلك ورود ذكر الشمس بعده في وقت اخر فان ثبت ان المجلس واحد خدش
[ 389 ]
في ذلك ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن لا تمارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى قال النووي مذهب أهل السنة ان رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج وهو جهل منهم فقد تضافرت الادلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الامة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين وأجاب الائمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة ولا يشترط في الرؤية تقابل الاشعة ولا مقابلة المرئي وان جرت العادة بذلك فيما بين المخلوقين والله اعلم واعترض بن العربي على رواية العلاء وأنكر هذه الزيادة وزعم ان المراجعة الواقعة في حديث الباب تكون بين الناس وبين الواسطة لانه لا يكلم الكفار ولا يرونه البتة وأما المؤمنون فلا يرونه الا بعد دخول الجنة بالاجماع قوله يجمع الله الناس في رواية شعيب يحشر وهو بمعنى الجمع وقوله في رواية شعيب في مكان زاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ يجمع الله يوم القيامة الاولين والاخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وقد تقدمت الاشارة إليه في شرح الحديث الطويل في الباب قبله قال النووي الصعيد الارض الواسعة المستوي وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم قال أبو عبيدة معناه ينقذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم وقال غيره المراد بصر الناظين وهو أولى وقال القرطبي المعنى انهم يجمعون في مكان واحد بحيث لا يخفى منهم أحد لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لادركهم قال ويحتمل ان يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم إلى العرض والحساب لقوله يوم يدع الداع وقد تقدم بيان حال الموقف في باب الحشر وزاد العلاء بن عبد الرحمن في روايته فيطلع عليهم رب العالمية قال بن العربي لم يزل الله مطلعا على خلقه وانما المراد اعلامه باطلاعه عليهم حينئذ ووقع في حديث بن مسعود عند البيهقي في البعث وأصله في النسائي إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم والشمس على رؤوسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد انه يخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة وسنده حسن ولابي يعلى عن أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب إلى ان تغرب وللطبراني من حديث عبد الله بن عمر ويكون ذلك اليوم اقصر على المؤمن من ساعة من نهار قوله فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ومن كان يعبد القمر القمر قال بن أبي جمرة في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما وقع في حديث بن مسعود ثم ينادي مناد من السماء أيها الناس أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره ان يولى كل عبد منكم ما كان تولى قال فيقولون بلى ثم يقول لتنطلق كل امة إلى من كانت تعبد وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن الا ليتبع كل انسان ما كان يعبد ووقع في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة في مسند الحميدي وصحيح بن خزيمة وأصله في مسلم بعد قوله الا كما تضارون في رؤيته فيلقى العبد فيقول ألم اكرمك وأزوجك وأسخر لك فقول بلى فيقول اظننت انك ملاقي فيقول لا فيقول اني انساك كما نسيتني الحديث وفيه ويلقى الثالث فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت فيقول الا نبعث عليك شاهدا فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق
[ 390 ]
ثم ينادي مناد الا لتتبع كل امة ما كانت تعبد قوله ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا وقد تقدمت الاشارة إلى شئ من ذلك في تفسير سورة النساء وقال الطبري الصواب عندي انه كان طاغ طغى على الله يعبد من دونه اما بقهر منه لمن عبد واما بطاعة ممن عبد انسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا قال فاتباعهم لهم حيئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم ويحتمل ان يتبعوهم بأن يساقوا إلى النار قهرا ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب كل الاوثان مع اوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم وفيه إشارة إلى ان كل من كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان داخلون في ذلك وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا لكن وقع في حديث بن مسعود فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره فأفادت هذه الزيادة تعميم من كان يعبد غير الله الا من سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص من عموم ذلك بدليله الاتي ذكره وأما التعبير بالتمثيل فقال بن العربي يحتمل أن يكون التمثيل تلبيسا عليهم ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قوله وتبقى هذه الامة قال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون المراد بالامة امة محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان يحمل على أعم من ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن ويدل عليه ما في بقية الحديث انه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر قلت ويؤخذ أيضا من قوله في بقية الحديث فأكون أول من يجيز فإن فيه إشارة إلى ان الانبياء بعده يجيزون أممهم قوله فيها منافقوها كذا للاكثر وفي رواية إبراهيم بن سعد فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم والاول المعتمد وزاد في حديث أبي سعيد حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة وفي رواية مسلم وغبر وكلاهما جمع غابر أو الغبرات جمع وغبر جمع غابر ويجمع أيضا على اغبار وغبر الشئ بقيته وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا من كان يوحد الله منهم وصحفه بعضهم في مسلم بالتحتانية بلفظ التي بالاستثناء وجزم عياض وغيره بأنه وهم قال بن أبي جمرة لم يذكر في الخبر مآل المذكورين لكن لما كان من المعلوم ان استقرار الطواغيت في النار علم بذلك انهم معهم في النار كما قال تعالى فأوردهم النار قلت وقد وقع في رواية سهيل التي أشرت إليها قريبا فتتبع الشياطين والصليب اولياؤهم إلى جهنم ووقع في حديث أبي سعيد من الزيادة ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب بمهملة ثم موحدة فيقال اليهود ما كنتم تعبدون الحديث وفيه ذكر النصارى وفيه فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن اسلم عند بن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة الا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطرح منهم فيها فوج ويقال هل امتلات فتقول هل من مزيد الحديث وكان اليهود وكذا النصارى ممن كان لا يعبد الصلبان لما كانوا يدعون انهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين فلما حققوا على عبادة من ذكر من الانبياء الحقوا بأصحاب الاوثان ويؤيده قوله تعالى ان الذين كفروا من أهل الكتاب
[ 391 ]
والمشركين في نار جهنم خالدين فيها الآية فأما من كان متمسكا بدينه الاصلي فخرج بمفهوم قوله الذين كفروا وعلى ما ذكر من حديث أبي سعيد يبقى أيضا من كان يظهر الايمان من مخلص ومنافق قوله فتدعى اليهود قدموا بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى قوله فيقال لهم لم اقف على تسمية قائل ذلك لهم والظاهر انه الملك الموكل بذلك قوله كنا نعبد عزيرا بن الله هذا فيه اشكال لان المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك ويمكن ان يجاب بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به كما وقع في النصارى فإن منهم من أجاب بالمسيح بن الله مع ان فيهم من كان بزعمه يعبد الله وحده وهم الاتحادية الذين قالوا ان الله هو المسيح بن مريم قوله فيقال لهم كذبتم قال الكرماني التصديق والتكذيب لا يرجعان إلى الحكم الذي أشار إليه فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن كذبه انكر مجيئه بذلك الشئ لا انه بن عمرو وهنا لم ينكر عليهم انهم عبدوا وانما انكر عليهم ان المسيح بن الله قال والجواب عن هذا ان فيه نفي اللازم وهو كونه بن الله ليلزم نفي المازوم وهو عبادة بن الله قال ويجوز ان يكون الاول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام تقتضي الرجوع إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط قال بن بطال في هذا الحديث ان المنافقين يتأخرون مع المؤمنين رجاء ان ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا فظنوا ان ذلك يستمر لهم فميز الله تعالى المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة للمنافق ولا تحجيل قلت قد ثبت ان الغرة والتحجيل خاص بالامة المحمدية فالتحقيق انهم في هذا المقام يتميزون بعدم السجود وبإطفاء نورهم بعد ان حصل لهم ويحتمل ان يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند اطفاء النور وقال القرطبي ظن المنافقون ان تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهم في الدنيا جهلا منهم ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من الاسلام فاستمر ذلك حتى ميزهم الله تعالى منهم قال ويحتمل انهم لما سمعوا لتتبع كل امة من كانت تعبد والمنافق لم يكن يعبد شيئا بقي حائرا حتى ميز قلت هذا ضعيف لانه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئا وأكثر المنافقين كانوا يعبدون غير الله من وثن وغيره قوله فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون في حديث أبي سعيد الاتي في التوحيد في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة وفي رواية هشام بن سعد ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة ويأتي في حديث أبي سعيد من الزيادة فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وانا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون واننا ننتظر ربنا ووقع في رواية مسلم هنا فارقنا الناس في الدنيا افقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ورجح عياض رواية البخاري وقال غيره الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا أي انا محتاجون إليه وقال عياض بل أحوج على بابها لانهم كانوا محتاجين إليه في الدنيا فهم في الآخرة أحوج إليه وقال النووي إنكاره لرواية مسلم معترض بل معناه التضرع إلى الله في كشف الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عن طاعته من اقاربهم مع حاجتهم إليهم في معاشهم ومصالح دنياهم كما جرى لمؤمني الصحابة حين قاطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه وأما نسبة الاتيان
[ 392 ]
إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لان العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته الا بالمجئ إليه فعبر عن الرؤية بالاتيان مجازا وقى الاتيان فعل من افعال الله تعالى يجب الايمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله ورجحه عياض قال ولعل هذا الملك جاءهم في صورة انكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك لانه مخلوق قال ويحتمل وجها رابعا وهو ان المعنى يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الاله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا الملك انا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعملون به انه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك انتهى وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها فيطلع عليهم رب العاملين وهو يقوي الاحتمال الاول قال وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها وانما عرفوه بالصفة وان لم تكن تقدمت لهم رؤيته لنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين وقد علوا انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعملون انه ربهم فيقولون أنت ربنا وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة قال وأما قوله نعوذ بالله منك فقال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال القاضي عياض وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه انتهى ورجحه القرطبي في التذكرة وقال انه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك فقد جاء في حديث أبي سعيد حتى ان بعضهم ليكاد ينقلب وقال بن العربي انما استعاذوا منه أولا لنهم اعتقدوا ان ذلك الكلام استدراج لان الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الامر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال بن الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا اتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي عبر عنها بقوله يكشف عن ساق أي عن شدة وقال القرطبي هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك انه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين انهم منهم ظانين ان ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن اتاهم بصورة هائلة قالت للجميع انا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا حتى ان بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين قال وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة قال ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه علامة قلت وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه آية تعرفونها فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيصير ظهره طبقا واحدا أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له في السجود أي سهل له وهون عليه ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء الا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد ان يسجد خر لقفاه وفي حديث بن مسعود نحوه
[ 393 ]
لكن قال فيقولون ان اعترف لنا عرفناه قال فيكشف عن ساق فيقعون سجودا وتبقى اصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر وفي رواية أبي الزعراء عنه عند الحاكم وتبقى ظهور المنافقين طبقا واحدا كأنما فيها السفافيد وهي بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يدخل في الشاة إذا أريد ان تشوى ووقع في رواية الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند بن منده فيوضع الصراط ويتمثل لهم ربهم فذكر نحو ما تقدم وفيه إذا تعرف لنا عرفناه وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ثم يطلع عزوجل عليهم فيعرفهم نفسه ثم يقول انا ربكم فاتبعوني فيتبعه المسلمون وقوله في هذه الرواية فيعرفهم نفسه أي يلقى في قلوبهم علما قطعيا يعرفون به انه ربهم سبحانه وتعالى وقال الكلاباذي في معاني الاخبار عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم ووقع في رواية هشام بن سعد ثم نرفع رؤوسنا وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول انا ربكم فنقول نعم أنت ربنا وهذا فيه اشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله وقال الخطابي هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة اكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الاكرام كما فسرت به الحسنى وزيادة قال ولا اشكال في حصول الامتحان في الموقف لن اثار التكاليف لا تنقطع الا بعد الاستقرار في الجنة أو النار قال ويشبه ان يقال انما حجب عنهم تحقق رؤيته اولا لما كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته فلما تميزوا رفع الحجاب فقال المؤمنون حينئذ أنت ربنا قلت وإذا لوحظ ما تقدم من قوله إذا تعرف لنا عرفناه وما ذكرت من تأويله ارتفع الاشكال وقال الطيبي لا يلزم بأن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منها ما يخص بالاخرى فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره والتحقيق ان التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر وفي الموقف هي اثار ذلك ووقع في حديث بن مسعود من الزيادة ثم يقال للمسلمين ارفعوا رءوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم وفي لفظ فيعطون نورهم على قدر اعمالهم فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون اخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه ووقع في رواية مسلم عن جابر ويعطى كل انسان منهم نورا إلى ان قال ثم يطفئ نور المنافق وفي حديث بن عباس عند بن مردويه فيعطى كل انسان منهم نورا ثم يوجهون إلى الصراط فما كان من منافق طفئ نوره وفي لفظ فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم الآية وفي حديث أبي امامة عند بن أبي حاتم وانكم يوم القيامة في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم ينتقلون إلى منزل اخر فتغشى الناس الظلمة فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه شيئا فيقول المنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم الآية فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فيضرب بينهم بسور قوله فيتبعونه قال عياض أي فيتبعون أمره أو ملائكته الذين وكلوا بذلك قوله ويضرب جسر جهنم في رواية شعيب بعد قوله أنت ربنا فيدعوهم فيضرب جسر جهنم تنبيه حذف من هذا السياق ما تقدم من حديث أنس في ذكر الشفاعة لفصل القضاء كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الامور التي تقع في الموقف فينتظم من الحديثين انهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار
[ 394 ]
في النار ويبقى من عداهم في كرب الموقف فيستشفعون فيقع الاذن بنصب الصراط فيقع الامتحان بالسجود ليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط ووقع في حديث أبي سعيد هنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز في رواية شعيب يجوز بأمته وفي رواية إبراهيم بن سعد يجيزها والضمير لجهنم قال الاصمعي جاز الوادي مشى فيه وأجازه قطعه وقال غيره جاز وأجاز بمعنى واحد وقال النووي المعنى اكون انا وامتي أول من يمضي على الصراط ويقطعه يقول جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه وقال القرطبي يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية لانه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز فإذا جاز هو وأمته فكأنه أجاز بقية الناس انتهى ووقع في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم ثم ينادي مناد أين محمد وأمته فيقوم فتتبعه أمته برها وفاجرها فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار اعدائه فيتهافتون من يمين وشمال وينجو النبي والصالحون وفي حديث بن عباس يرفعه نحن آخر الامم وأول من يحاسب وفيه فتفرج لنا المم عن طريقنا فنمر غرا محجلين من آثار الطهور فتقول الامم كادت هذه الامة ان يكونوا أنبياء قوله ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم في رواية شعيب ولا يتكلم يومئذ أحد الا الرسل وفي رواية إبراهيم بن سعد ولا يكلمه الا الانبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ووقع في رواية العلاء وقولهم اللهم سلم سلم وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم والضمير في الاول للرسل ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين ان ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمى ذلك شعارا لهم فبهذا تجتمع الاخبار ويؤيده قوله في رواية سهيل فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم وفي حديث أبي سعيد من الزيادة فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا فيمر اولهم كمر البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم اعمالهم وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وفي حديث بن مسعود ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم كالسحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم كشد الرحل حتى يمر الرجل الذي أعطى نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص وعند بن أبي حاتم في التفسير من طريق أبي الزعراء عن بن مسعود كمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم أجود الابل ثم كعدو الرجل حتى ان آخرهم رجل نوره على موضع ابهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط وعند هناد بن السرى عن بن مسعود بعد الريح ثم كأسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيا ثم مشيا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فقول يا رب لم أبطأت بي فيقول أبطأ بك عملك ولابن المبارك من مرسل عبد الله بن شقيق فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد المضمر ويجوز الرجل يعدو عدوا ويمشي مشيا حتى يكون اخر من ينجو يحبو قوله وبه كلاليب الضمير للصراط وفي رواية شعيب وفي جهنم كلاليب وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به وفي رواية سهيل وعليه كلاليب النار
[ 395 ]
وكلاليب جمع كلوب بالتشديد وتقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب الجنائز قال القاضي أبو بكر بن العربي هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في الحديث الماضي حفت النار بالشهوات قال فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لانها خطاطيفها وفي حديث حذيفة وترسل الامانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا أي يقفان في ناحيتي الصراط وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون والمعنى ان الامانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للامين والخائن والمواصل والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل قال الطيبي ويمكن ان يكون المراد بالامانة ما في قوله تعالى انا عرضنا الامانة على السماوات والارض الآية وصلة الرحم ما في قوله تعالى واتقوا الله الي تساءلون به والارحام فيدخل فيه معنى التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله فكأنهما اكتنفتا جنبتي الاسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطرتي الايمان والدين القويم قوله مثل شوك السعدان بالسين والعين المهملتين بلفظ التثنية والسعدان جمع سعدانة وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاة قالوا مرعى ولا كالسعدان قوله اما رأيتم شوك السعدان هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة قوله غير انها لا يعلم قدر عظمها الا الله أي الشوكة والهاء ضمير الشأن ووقع في رواية الكشميهني غير أنه وقع في رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها الا الله قال القرطبي فيدناه أي لفظ قدر عن بعض مشايخنا بضم الراء على أنه يكون استفهاما وقدر مبتدأ وبنصبها على ان تكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم قوله فتخطف الناس بأعمالهم بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب في الفصيح خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع وحكى القزاز عكسه والكسر في المضارع أفصح قال الزين بن المنير تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصون تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما وفي رواية السهدي وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس ووقع في حديث أبي سعيد قلنا وما الجسر قال مدحضة مزلة أي زلق تزلق فيه الاقدام ويأتي ضبط ذلك في كتاب التوحيد ووقع عند مسلم قال أبو سعيد بلغني ان الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة ووقع في رواية بن منده من هذا الوجه قال سعيد بن أبي هلال بلغني ووصله البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به وفي سنده لين ولابن المبارك عن مرسل عبيد بن عمير ان الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب انه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر وأخرجه بن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه والملائكة على جنبتيه يقولون رب سلم سلم وجاء عن الفضيل بن عياض قال بلغنا ان الصراط مسيرة خمسة عشر الف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى ادق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم لا يجوز عيه الا ضامر مهزول من خشية الله أخرجه بن عساكر في ترجمته وهذا معضل لا يثبت وعن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا ان الصراط ادق من الشعر على بعض الناس ولبعض الناس مثل الوادي الواسع أخرجه بن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل واخرج الطبري من طريق غنيم بن قيس أحد التابعين قال تمثل النار للناس ثم يناديها مناد امسكي أصحابك ودعي
[ 396 ]
أصحابي فتخسف بكل ولى لها فيه اعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم ورجاله ثقات مع كونه مقطوعا قوله منهم الموبق بعمله في رواية شعيب من يوبق وهما بالموحدة بمعنى الهلاك ولبعض رواة مسلم الموثق بالمثلثة من الوثاق ووقع عند أبي ذر رواية إبراهيم بن سعدد الآتية في التوحيد الشك وفي رواية الاصيلي ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون بقي بعمله بالتحتانية وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله وفي لفظ بعض رواة مسلم يعني بعين مهملة ساكنة ثم نون مكسورة بدل بقي وهو تصحيف قوله ومنهم المخردل بالخاء المعجمة في رواية شعيب ومنهم من يخردل ووقع في رواية الاصيلي هنا بالجيم وكذا لابي أحمد الجرجاني في رواية شعيب ووهاه عياض والدال مهملة للجميع وحكى أبو عبيد فيه اعجام الذال ورجح بن قرقول الخاء المعجمة والدال المهملة وقال الهروي المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوى في النار قال كعب بن زهير في بانت سعاد قصيدته المشهورة يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما لحم من القوم معفور خراديل فقوله معفور بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب وخراديل أي هو قطع ويحتمل أن يكون من الخردل أي جعلت اعضاؤه كالخردل وقيل معناه انها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا وقيل المخردل المصروع ورجه بن التين فقال هو انسب لسياق الخبر ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر فمنهم المخردل أو المجازي أو نحوه ولمسلم عنه المجازي بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء قوله ثم ينجو في رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي يتبين ويحتمل ان يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا قال بن أبي جمرة يؤخذ منه ان المارين على الصراط ثلاثة أصناف ناج بلا خدوش وهالك من أول وهلة ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو وكل قسم منها ينقسم اقساما تعرف بقوله بقدر اعمالهم واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية مسلم بالمهملة ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض وقيل مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها والمراد انه ينكفأ في قعرها وعند بن ماجة من وجه آخر عن أبي سعيد رفعه يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها قوله حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده كذا لمعمر هنا ووقع لغيره بعد هذا وقال في رواية شعيب حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار قال الزين بن المنير الفراغ إذا اضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وادخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار وحاصله ان المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وان لم يذكر لفظها وقال بن أبي جمرة معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله انه يرحمهم وقد سبق في حديث عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي قبله ان الاخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في حديث حذيفة يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول اخرجوا وفي حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم ان قائل ذلك آدم وفي حديث أبي سعيد فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد يتبين لكم من
[ 397 ]
المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا انهم قد نجوا في اخوانهم المؤمنين يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا الحديث هكذا في رواية الليث الآتية في التوحيد وقع فيه عند مسلم من رواية حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك ان شاء الله تعالى ويحمل على ان الجميع شفعوا وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني بسند حسن رفعه يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا الله واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة فأثنى على الله ساجدا كما اثنى عليه قائما فيقال لي ارفع رأسك الحديث ويؤيده ان في حديث أبي سعيد تشفع الانبياء والملائكة والمؤمنون ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب اخر لاخراج الموحدين من النار ولفظه وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار ما اغنى عنكم انكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا فيقول الجبار فبعزتي لاعتقنهم من النار فيرسل إليهم فيخرجون وفي حديث أبي موسى عند بن أبي عاصم والبزار رفعه وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار الم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم اسلامكم وقد صرتم معنا في النار فقالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا فقال الكفار يا ليتنا كنا مسلمين وفي الباب عن جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله وعن أبي سعيد الخدري عند بن مردويه ووقع في حديث أبي بكر الصديق ثم يقال ادعوا الانبياء فيشفعون ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون وفي حديث أبي بكرة عند بن أبي عاصم والبيهقي مرفوعا يحمل الناس على الصراط فينجي الله من شاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون ويخرجون قوله ممن كان يشهد ان لا إله إلا الله قال القرطبي لم يذكر الرسالة اما لانهما لما تلازما في النطق غالبا وشرطا اكتفى بذكر الاولى أو لان الكلام في حق جميع المؤمنين هذه الامة وغيرها ولو ذكرت الرسالة لكثر تعداد الرسل قلت الاول أولى ويعكر على الثاني انه يكتفي بلفظ جامع كأن يقول مثلا ونؤمن برسله وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة ممن زعم ان من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه وهو قول باطل فان من جحد الرسالة كذب الله ومن كذب الله لم يوحده قوله أمر الملائكة ان يخرجوهم في حديث أبي سعيد اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه وتقدم في حديث أنس في الشفاعة في الباب قبله فيحد لي حدا فأخرجهم ويجمع بأن الملائكة يؤمرون على ألسنة الرسل بذلك فالذين يباشرون الاخراج هم الملائكة ووقع الحديث الثالث عشر من الباب الذي قبله تفصيل ذلك ووقع في حديث أبي سعيد أيضا بعد قوله ذرة فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وفيه فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي حديث معبد عن الحسن البصري عن أنس فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لاخرجن من قال لا إله إلا الله وسيأتي بطوله في التوحيد وفي حديث جابر عند مسلم ثم يقول الله انا اخرج بعلمي وبرحمتي وفي حديث أبي بكر انا ارحم
[ 398 ]
الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الايمان الذي يعبر به عن التصديق والاقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الايمان وهو على وجهين أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لان تضافر الادلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه والثاني ان يراد العمل وان الايمان يزيد وينقص بالعمل وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد لم يعملوا خيرا قط قال البيضاوي وقوله ليس ذلك لك أي انا افعل ذلك تعظيما لاسمي واجلا لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الاتي اسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا قال ويحتمل ان يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام اخر قال الطيبي إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الايمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع قلت ويحتمل وجها آخر وهو ان المراد بقوله ليس ذلك لك مباشرة الاخراج لا أصل الشفاعة وتكون هذه الشفاعة الاخيرة وقعت في إخراج المذكورين فأجيب إلى أصل الاخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث اسعد الناس لكونه ابتداء بطلب ذلك والعلم عند الله تعالى وقد مضى شرح حديث اسعد الناس بشفاعتي في أواخر الباب الذي قبله مستوفي قوله فيعرفونهم بعلامة اثار السجود في رواية إبراهيم بن سعد فيعرفونهم في النار بأثر السجود قال الزين بن المنير تعرف صفة هذا الاثر مما ورد في قوله سبحانه وتعالى سيماهم في وجوههم من اثر السجود لان وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية وقال غيره بل يعرفونهم بالغرة وفيه نظر لانها مختصة بهذه الامة والذين يخرجون أعم من ذلك قوله وحرم الله على النار ان تأكل من بن آدم اثر السجود هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون اثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم فاماتهم الله اماتة حتى إذا كانوا فحما اذن الله بالشفاعة فإذا صاروا فحما كيف يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف اثره وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الاعضاء التي دل عليها من هذا الخبر وان الله منع النار ان تحرق اثر السجود من المؤمن وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي يسجد أو المراد من سجد فيه نظر والثاني أظهر قال القاضي عياض فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار وانها لا تأتي على جميع اعضائهم اما اكراما لموضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى أو لكرامة تلك الصورة التي خلق آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلق قلت الاول منصوص والثاني محتمل لكن يشكل عليه أن الصورة لا تختص بالمؤمنين فلو كان الاكرام لاجلها لشاركهم الكفار وليس كذلك قال النووي وظاهر الحديث أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان وبهذا جزم بعض العلماء وقال عياض ذكر الصورة ودارات الوجوه يدل على ان المراد بأثر السجود الوجه خاصة خلافا لمن قال يشمل الاعضاء السبعة ويؤيد اختصاص الوجه ان في بقية الحديث ان منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه وفي حديث سمرة عند مسلم والى ركبتيه وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد والى حقوه قال النووي وما أنكره هو المختار ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الاخر في مسلم ان قوما يخرجون من النار يحترقون فيها الا دارات وجوهم فإنه يحمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار فيكون
[ 399 ]
الحديث خاصا بهم وغيره عاما فيحمل على عمومه الا ما خص منه قلت ان أراد أن هؤلاء يخصون بأن النار لا تأكل وجوههم كلها وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة وهو الجبهة سلم من الاعتراض والا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع الا هؤلاء وان كانت علامتهم الغرة كما تقدم النقل عمن قاله وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الامة فيضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء فيكون اشمل مما قاله النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الاعضاء مع الانغمار لان تلك الاحوال الاخروية خارجة على قياس أحوال أهل الدنيا ودل التنصيص على دارات الوجوه ان الوجه كله لا تؤثر فيه النار اكراما لمحل السجود ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها وقد استنبط بن أبي جمرة من هذا ان من كان مسلما ولكنه كان لا يصلى لا يخرج إذ لا علامة له لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعملوا خيرا قط وهو مذكور في حديث أبي سعيد الاتي في التوحيد وهل المراد بمن يسلم من الاحراق من كان يسجد أو أعم من ان يكون بالفعل أو القوة الثاني أظهر ليدخل فيه من أسلم مثلا وأخلص فبغته الموت قبل أن يسجد ووجدت بخط أبي رحمة الله تعالى ولم اسمعه منه من نظمه ما يوافق مختار النووي وهو قوله يا رب أعضاء السجود عتقتها من عبدك الجاني وأنت الواقي والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى فامنن على الفاني بعتق الباقي قوله فيخرجونهم قد امتحشوا هكذا وقع هنا وكذا وقع في حديث أبي سعيد في التوحيد عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده ووقع عند أبي نعيم من رواية أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير فيخرجون من عرفوا ليس فيه قد امتحشوا وانما ذكرها بعد قوله فيقبض قبضة وكذا أخرجه البيهقي وابن منده من رواية روح بن الفرج ويحيى بن أبي أيوب العلاف كلاهما عن يحيى بن بكير به قال عياض ولا يبعد ان الامتحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار ان تأكل صورة الخارجين اولا قبلهم ممن عمل الخير على التفصيل السابق والعلم عند الله تعالى وتقدم ضبط امتحشوا وأنه بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة أي احترقوا وزنه ومعناه والمحش احتراق الجلد وظهور العظم قال عياض ضبطناه عن متقني شيوخنا وهو وجه الكلام وعند بعضهم بضم المثناة وكسر الحاء ولا يعرف في اللغة امتحشه متعديا وانما سمع لازما مطاوع محشته يقال محشته وامحشته وأنكر يعقوب بن السكيت الثلاثي وقال غيره امحشته فامتحش وامحشه الحر احرقه والنار احرقته وامتحش هو غضبا وقال أبو نصر الفارابي والامتحاش الاحتراق قوله فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة في حديث أبي سعيد فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة والافواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الاوائل وتقدم في الايمان من طريق يحيى بن عمارة عن أبي سعيد في نهر الحياة أو الحياء بالشك وفي رواية أبي نضرة عند مسلم على نهر يقال له الحيوان أو الحياة وفي أخرى له فيلقيهم في نهر في أقواه الجنة يقال له نهر الحياة وفي تسمية ذلك النهر به إشارة إلى انهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك قوله فينبتون نبات الحبة بكسر المهملة وتشديد الموحدة تقدم في كتاب الايمان انها بزور الصحراء والجمع حبب بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها
[ 400 ]
مثلها وأما الحبة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حبوب بضمتين ووقع في حديث أبي سعيد فينبتون في حافتيه وفي رواية لمسلم كما تنبت الغثاءة بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد الالف همزة ثم هاء تأنيث هو في الاصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبزور وغيرها والمراد به هنا ما حمله من البزور خاصة قوله في حميل السيل بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة أي ما يحمله السيل وفي رواية يحيى بن عمارة المشار إليها إلى جانب السيل والمراد ان الغثاء الذي يجئ به السيل يكون فيه الحبة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة ووقع في رواية لمسلم في حمئة السيل بعد الميم همزة ثم هاء وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة وهو ما تغير لونه من الطين وخص بالذكر لانه يقع فيه النبت غالبا قال بن أبي جمرة فيه إشارة إلى سرعة نباتهم لان الحبة أسرع في النبات من غيرها وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه قال ويستفاد منه انه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بجميع أمور الدنيا بتعليم الله تعالى له وان لم يباشر ذلك وقال القرطبي اقتصر المازري على أن موقع التشبيه السرعة وبقي عليه نوع اخر دل عليه قوله في الطريق الاخرى الا ترونها تكون إلى الحجر ما يكون منها إلى الشمس اصفر واخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض وفيه تنبيه على أن ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه فيبقى اصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوى الحسن والنور ونضارة النعمة عليهم قال ويحتمل أن يشير بذلك إلى ان الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع نصوعه وان غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه والله اعلم قوله ويبقى رجل زاد في رواية الكشميهني منهم مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة تقدم القول في اخر أهل النار خروجا منها في شرح الحديث الثاني والعشرين من الباب الذي قبله ووقع في وصف هذا الرجل انه كان نباشا وذلك في حديث حذيفة كما تقدم في أخبار بني إسرائيل ان رجلا كان يسئ الظن بعمله فقال لاهله احرقوني الحديث وفي آخره كان نباشا ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وفيه ثم يقول الله انظروا هل بقى في النار أحد عمل خيرا قط فيجدون رجلا فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير اني كنت اسامح الناس في البيع الحديث وفيه ثم يخرجون من النار رجلا اخر فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير اني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني الحديث وجاء من وجه اخر انه كان يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول ادخلني الجنة أخرجه الحسين المروزي في زيادات الزهد لابن المبارك من حديث عوف الاشجعي رفعه قد علمت اخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل كان يسأل الله ان يجيره من النار ولا يقول ادخلني الجنة فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقي بين ذلك فيقول يا رب قربني من باب الجنة انظر إليها وأجد من ريحها فيقربه فيرى شجرة الحديث وهو عند بن أبي شيبة أيضا وهذا يقوى التعدد لكن الاسناد ضعيف وقد ذكرت عن عياض في شرح الحديث السابع عشر أن اخر من يخرج من النار هل هو آخر من يبقى على الصراط أو هو غيره وان اشترك كل منهما في أنه اخر من يدخل الجنة ووقع في نوادر الاصول للترمذي الحكيم من حديث أبي هريرة ان أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة وسند هذا الحديث
[ 401 ]
واه والله اعلم وأشار بن أبي جمرة إلى المغايرة بين اخر من يخرج من النار وهو المذكور في الباب الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وبين اخر من يخرج ممن يبقى مارا على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لانه اصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من دخلها وقد وقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن بن عمر رفعه ان اخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى السهيلي انه جاء ان اسمه هناد وجوز غيره ان يكون أحد الاسمين لاحد المذكورين والاخر للآخر قوله فيقول يا رب في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد أي رب قوله قد قشبني ريحها بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وحكى التشديد ثم موحدة قال الخطابي قشبه الدخان إذا ملا خياشيمه وأخذ يكظمه وأصل القشب خلط السم بالطعام يقال قشبه إذا سمه ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته وقال النووي معنى قشبني سمني وآذاني وأهلكني هكذا قاله جماهير أهل اللغة وقال الداودي معناه غير جلدي وصورتي قلت ولا يخفى حسن قول الخطابي واما الداودي فكثيرا ما يفسر الالفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها وقال بن أبي جمرة إذا فسرنا القشب بالنتن والمستقذر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة وهو من أعظم نعيمها وعكسها النار في جميع ذلك وقال بن القطاع قشب الشئ خلطه بما يفسده من سم أو غيره وقشب الانسان لطخه بسوء كاغتابه وعابه وأصله السم فاستعمل بمعنى اصابه المكروه إذا اهلكه أو افسده أو غيره أو ازال عقله أو تقذره هو والله اعلم قوله وأحرقني ذكاؤها كذا للاصيلي وكريمة هنا بالمد وكذا في رواية إبراهيم بن سعد وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الاشهر في اللغة وقال بن القطاع يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها واما ذكا الغلام ذكاء بالمد فمعناه اسرعت فطنته قال النووي المد والقصر لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في الشارحين لدواوين العرب حكاية المد الا عن أبي حنيفة الدينوري في كتاب النبات في مواضع منها ضرب العرب المثل بجمر الغضا لذكائه قال وتعقبه علي بن حمزة الاصبهاني فقال ذكا النار مقصور ويكتب بالالف لانه واوى يقال ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء النار وذكو النار بمعنى وهو التهابها والمصدر ذكاء وذكو وذكو بالتخفيف والتثقيل فاما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار وإنما جاء في الفهم وقال قرقول في المطالع وعليه يعتمد الشيخ وقع في مسلم فقد احرقني ذكاؤها بالمد والمعروف في شدة حر النار القصر الا ان الدينوري ذكر فيه المد وخطأه علي بن حمزة فقال ذكت النار ذكا وذكوا ومنه طيب ذكي منتشر الريح واما الذكاء بالمد فمعناه تمام الشئ ومنه ذكاء القلب وقال صاحب الافعال ذكا الغلام والعقل أسرع في الفطنة وذكا الرجل ذكاء من حدة فكره وذكت النار ذكا بالقصر توقدت قوله فاصرف وجهي عن النار قد استشكل كون وجهه إلى جهة النار والحال انه ممن يمر على الصراط طالبا إلى الجنة فوجهه إلى الجنة لكن وقع في حديث أبي امامة المشار إليه قبل انه يتقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف ان وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها
[ 402 ]
باختياره فسأل ربه في ذلك قوله فيصرف وجهه عن النار بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية شعيب فيصرف الله ووقع في رواية أنس عن بن مسعود عند مسلم وفي حديث أبي سعيد عند أحمد والبزار نحوه أنه يرفع له شجرة فيقول رب ادنني من هذه الشجرة فلاستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله لعلي ان اعطيتك تسألني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأل غيرها وربه يعذره لانه يرى مالا صبر له عليه وفيه أنه يدنو منها وأنه يرفع له شجرة أخرى أحسن من الاولى عند باب الجنة ويقول في الثالثة ائذن لي في دخول الجنة وكذا وقع في حديث أنس الآتي في التوحيد من طريق حميد عنه رفعه آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة ونحوه لمسلم من طريق النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بلفظ ان أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثلت له شجرة ويجمع بأنه سقط من حديث أبي هريرة هنا ذكر الشجرات كما سقط من حديث بن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة قوله ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة في رواية شعيب قال يا رب قدمني قوله فيقول أليس قد زعمت في رواية شعيب فيقول الله أليس قد أعطيت العهد والميثاق قوله لعلي ان اعطيتك ذلك في رواية التوحيد فهل عسيت ان فعلت بك ذلك ان تسألني غيره اما عسيت ففي سينها الوجهان الفتح والكسر وجملة ان تسألني هي خبر عسى والمعنى هل يتوقع منك سؤال شئ غير ذلك وهو استفهام تقرير لان ذلك عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب وهو من باب ارخاء العنان إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكر في أمره والانصاف من نفسه قوله فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق يحتمل ان يكون فاعل شاء الرجل المذكور أو الله قال بن أبي جمرة انما بادر الحلف من غير استخلاف لما وقع له من قوة الفرح بقضاء حاجته فوطن نفسه على أن لا يطلب مزيدا وأكده بالحلف قوله فإذا رأى ما فيها سكت فرواية شعيب فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة وفي رواية إبراهيم بن سعد من الحبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة ولمسلم الخير بمعجمة وتحتانية بلا هاء والمراد انه يرى ما فيها من خارجها اما لان جدارها شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف وأما ان المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له أذى لفح النار وهو خارجها قوله ثم قال في رواية إبراهيم بن سعد ثم يقول قوله ويلك في رواية شعيب ويحك قوله يا رب لا تجعلني اشقر خلقك المراد بالخلق هنا من دخل الجنة فهو لفظ عام أريد به خاص ومراده انه يصير إذا استمر خارجا عن الجنة اشقاهم وكونه اشقاهم ظاهر لو استمر خارج الجنة وهم من داخلها قال الطيبي معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق ولكن تفكرت في كرمك ورحمتك فسألت ووقع في الرواية التي في كتاب الصلاة لا أكون اشقى خلقك وللقابسي لاكونن قال بن التين المعنى لئن ابقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لاكونن والالف في الرواية الاولى زائدة وقال الكرماني معناه لا اكون كافرا قلت هذا أقرب مما قال بن التين ولو استحضر هذه الرواية التي هنا ما احتاج إلى التكلف الذي ابداه فان قوله لا أكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب ودل عليه قوله لا تجعلني ووجه كونه اشقى ان الذي يشاهد ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهد وقوله خلقك مخصوص بمن ليس من أهل
[ 403 ]
النار قوله فإذا ضحك منه تقدم معنى الضحك في شرح الحديث الماضي قريبا قوله ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى في رواية أبي سعيد عند أحمد فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا وفي رواية التوحيد حتى ان الله ليذكره من كذا وفي حديث أبي سعيد ويلقنه الله ما لاعلم له به قوله قال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور قوله وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا سقط هذا من وراية شعيب وثبت في رواية إبراهيم بن سعد هنا ووقع ذلك في رواية مسلم مرتين إحداهما هنا والاخرى في أوله عند قوله ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار قوله قال عطاء وأبو سعيد أي الخدري والقائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري قوله لا يغير عليه شيئا في رواية إبراهيم بن سعد لا يرد عليه قوله هذا لك ومثله معه قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية إبراهيم بن سعد قال أبو سعيد وعشرة أمثاله يا أبا هريرة فقال فذكره وفيه قال أبو سعيد الخدري اشهد اني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في حديث أنس عند بن مسعود يرضيك ان اعطيك الدنيا ومثلها معها ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر انظر إلى ملك أعظم ملك فان لك مثله وعشرة أمثاله فيقول اتسخر بي وأنت الملك ووقع عند أحمد من وجه اخر عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا في هذا الحديث فقال أبو سعيد ومثله معه فقال أبو هريرة وعشرة أمثاله فقال أحدهما لصاحبه حدث بما سمعت واحدث بما سمعت وهذا مقلوب فإن الذي في الصحيح هو المعتمد وقد وقع عند البزار من الوجه الذي أخرجه منه أحمد على وفق ما في الصحيح نعم وقع في حديث أبي سعيد الطويل المذكور في التوحيد من طريق أخرى عنه بعد ذكر من يخرج من عصاة الموحدين فقال في آخره فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه فهذا موافق لحديث أبي هريرة في الاقتصار على المثل ويمكن ان يجمع ان يكون عشرة الامثال انما سمعه أبو سعيد في حق اخر أهل الجنة دخولا والمذكور هنا في حق جميع من يخرج بالقبضة وجمع عياض بين حديثي أبي سعيد وأبي هريرة باحتمال ان يكون أبو هريرة سمع اولا قوله ومثله معه فحدث به ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة فسمعه أبو سعيد وعلى هذا فيقال سمعه أبو سعيد وأبو هريرة معا اولا ثم سمع أبو سعيد الزيادة بعد وقد وقع في حديث أبي سعيد أشياء كثيرة زائدة على حديث أبي هريرة نبهت على أكثرها فيما تقدم قريبا وظاهر قوله هذا لك وعشرة أمثاله ان العشرة زائدة على الاصل ووقع في رواية أنس عن بن مسعود لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا وحمل على أنه تمنى أن يكون له مثل الدنيا فيطابق حديث أبي سعيد ووقع في رواية لمسلم عن بن مسعود لك مثل الدنيا وعشرة امثالها والله اعلم وقال الكلاباذي امساكه اولا عن السؤال حياء من ربه والله يحب ان يسأل لانه يحب صوت عبده المؤمن فيباسطه بقوله اولا لعلك ان أعطيت هذا تسأل غيره وهذه حالة المقصر فكيف حال المطيع وليس نقض هذا للعبد عهده وتركه ما اقسم عليه جهلا منه ولا قلة مبالاة بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به لان سؤاله ربه أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم وقد قال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر على يمينه وليأت الذي هو خير فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة قال بن أبي جمرة رحمه الله تعالى في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة
[ 404 ]
الشخص بما لا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه وان الامور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا الا في الاسماء والاصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري وان الكلام إذا كان محتملا لامرين يأتي المتكلم بشئ يتخصص به مراده عند السامع وان التكليف لا ينقطع الا بالاستقرار في الجنة أو النار وان امتثال الامر في الموقف يقع بالاضطرار وفيه فضيلة الايمان لانه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى ان وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك وان الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ ادم إلى قيام الساعة وفيه ان النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت بإحراقه والادمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة وفيه فضل الدعاء وقو الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل الكريم واسع وفي قوله في اخره في بعض طرقه ما اغدرك إشارة إلى ان الشخص لا يوصف بالفعل الذميم الا بعد ان يتكرر ذلك منه وفيه إطلاق اليوم على جزء منه لان يوم القيامة في الاصل يوم واحد وقد اطلق اسم اليوم على كثير من اجزائه وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافا لمن منع محتجا بأنها لا تكون الا لمذنب قال عياض وفات هذا القائل انها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب وغير ذلك كما تقدم بيانه مع ان كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره وكذا كل عامل يخشى ان لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله قال ويلزم هذا القائل ان لا يدعو بالغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في ادعيتهم وفي الحديث أيضا تكليف ما لا يطاق لان المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه كذا قيل وفيه نظر لان الامر حينئذ للتعجيز والتبكيت وفيه اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة قال الطيبي وقول من اثبت الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق وكذا قول من فسر الاتيان بالتجلي هو الحق لان ذلك قد تقدمه قوله هل تضارون في رؤية الشمس والقمر وزيد في تقرير ذلك وتأكيده وكل ذلك يدفع المجاز عنه والله اعلم واستدل به بعض السالمية ونحوهم على ان المنافقين وبعض أهل الكتب يرون الله مع المؤمنين وهو غلط لان في سياق حديث أبي سعيد ان المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رؤوسهم من السجود وحينئذ يقولون أنت ربنا ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم واما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل فقد تقدم انه صورة الملك وغيره قلت ولا مدخل أيضا لبعض أهل الكتاب في ذلك لن في بقية الحديث انهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الايمان ويقال لهم ما كنتم تعبدون وانهم يتساقطون في النار وكل ذلك قبل الامر بالسجود وفيه ان جماعة من مذنبي هذه الامة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافا لمن نفى ذلك عن هذه الامة وتأول ما ورد بضورب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وان تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من اخذ النار بعضهم إلى ساقه وانها لا تأكل اثر السجود وانهم يموتون فيكون عذابهم احراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على ان بعض أهل العلم أول ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله
[ 405 ]
يموتون فيها اماتة بأنه ليس المراد ان يحصل لهم الموت حقيقة وانما هو كناية عن غيبة احساسهم وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة ووقع في حديث أبي هريرة انهم إذا دخلوا النار ماتوا فإذا أراد الله اخراجهم امسهم ألم العذاب تلك الساعة قال وفيه ما طبع عليه الادمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب اولا ان يبعد من النار ليحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة ثم طلب الدنو منهم وقد وقع في بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى ان طلب الدخول ويؤخذ منه ان صفات الادمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما انتهى ملخصا مع زيادات في غضون كلامه والله المستعان - قوله باب في الحوض أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم وجمع الحوض حياض وأحواض وهو مجمع الماء وايراد البخاري لاحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى ان الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه وقد اخرج أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يشفع لي فقال انا فاعل فقلت أين اطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك قال انا عند الميزان قلت فإن لم ألقك قال انا عند الحوض وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما سيأتي في بعض أحاديث هذه الباب ان جماعة يدفعون عن الحوض بعد ان يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار ووجه الاشكال ان الذي يمر على الصراط إلى ان يصل الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها ويمكن ان يحمل على انهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل ان يخلصوا من بقية الصراط وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة ذهب صاحب القوت وغيره إلى ان الحوض يكون بعد الصراط وذهب اخرون إلى العكس والصحيح ان للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والاخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا قلت وفيه نظر لان الكوثر نهر داخل الجنة كما تقدم ويأتي ماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه فغاية ما يؤخذ من كلام القرطبي ان الحوض يكون قبل الصراط فإن الناس يردون الموقف عطاشى فيرد المؤمنون الحوض وتتساقط الكفار في النار بعد ان يقولوا ربنا عطشنا فترفع لهم جهنم كأنها سراب فيقال ألا الا تردون فيظنونها ماء فيتساقطون فيها وقد اخرج مسلم من حديث أبي ذر ان الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة وله شاهد من حديث ثوبان وهو حجة على القرطبي لا له لانه قد تقدم ان الصراط جسر جهنم وأنه بين الموقف والجنة وأن المؤمنين يمرون عليه لدخول الجنة فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض وظاهر الحديث ان الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وفي حديث بن مسعود عند أحمد ويفتح نهر الكوثر إلى الحوض وقد قال القاضي عياض ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحوض من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا يدل على أن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار لان ظاهر حال من لا يظمأ ان لا يعذب بالنار ولكن يحتمل ان من قدر عليه التعذيب منهم ان لا يعذب فيها بالظمأ بل بغيره قلت ويدفع هذا الاحتمال انه وقع في حديث أبي بن كعب عند بن أبي عاصم في ذكر الحوض ومن لم يشرب منه
[ 406 ]
لم يرو ابدا وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في الحديث الطويل عن لقيط بن عامر انه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ونهيك بن عاصم قال فقدمنا المدينة عند انسلاخ رجب فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة الحديث بطوله في صفة الجنة والبعث وفيه تعرضون عليه بادية له صفاحكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ غرفة من ماء فينضح بها قبلكم فلعمر الهك ما يخطئ وجه أحدكم قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطمه مثل الخطام الاسود ثم ينصرف نبيكم وينصرف على اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أوانه الا فيطلعون على حوض الرسول على إظماء والله ناهلة رأيتها ابدا ما يبسط أحد منكم يده الا وقع على قدح الحديث وأخرجه بن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم وهو صريح في ان الحوض قبل الصراط قوله وقول الله تعالى انا اعطيناك الكوثر أشار إلى ان المراد بالكوثر النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في سابع أحاديث الباب ومضى في تفسير سورة الكوثر من حديث عائشة نحوه مع زيادة بيان فيه وتقدم الكلام على حديث بن عباس ان الكوثر هو الخير الكثير وجاء إطلاق الكوثر على الحوض في حديث المختار بن فلفل عن أنس في ذكر الكوثر هو حوض ترد عليه أمتي وقد اشتهر اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بالحوض لكن اخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه ان لكل نبي حوضا وأشار إلى انه اختلف في وصله وارساله وان المرسل أصح قلت والمرسل أخرجه بن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته الا انهم يتباهون أيهم أكثر تبعا إني لارجو ان اكون أكثرهم تبعا وأخرجه الطبراني من وجه اخر عن سمرة موصولا مرفوعا مثله وفي سنده لين واخرج بن أبي الدنيا أيضا من حديث أبي سعيد رفعه وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه الواحد ومنهم من يأتيه الاثنان ومنهم من لا يأتيه أحد واني لاكثر الانبياء تبعا يوم القيامة وفي إسناده لين وان ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائة في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض في غالبه مما يجب على كل مكلف ان يعله ويصدق به ان الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الاحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي إذ روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم اضعاف اضعافهم وهلم جرا واجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف وانكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهرة وحقيقته ولا حاجة تدعو إلى تأويله فخرق من حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف قلت أنكره الخوارج وبعض المعتزلة وممن كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد امراء العراق لمعاوية وولده فعند أبي داود من طريق
[ 407 ]
عبد السلام بن أبي حازم قال شهدت أبا برزة الاسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان وكان في السماط فذكر قصة فيها ان بن زياد ذكر الحوض فقال هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا فقال أبوبرزة نعم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذب به فلا سقاه الله منه وأخرج البيهقي في البعث من طريق أبي حمزة عن أبي برزة نحوه ومن طريق يزيد بن حبان التيمي شهدت زيد بن أرقم وبعث إليه بن زياد فقال ما احديث تبلغني انك تزعم ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا في الجنة قال حدثنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد من طريق عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهذلي قال قال عبيد الله بن زياد ما اصدق بالحوض وذلك بعد ان حدثه أبوبرزة والبراء وعائذ بن عمرو فقال له أبو سبرة بعثني أبوك في مال إلى معاوية فلقيني عبد الله بن عمرو فحدثني وكتبته بيدي من فيه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موعدكم حوضي الحديث فقال بن زياد حينئذ اشهد أن الحوض حق وعند أبي يعلى من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس دخلت على بن زياد وهم يذكرون الحوض فقال هذا أنس فقلت لقد كانت عجائز بالمدينة كثيرا ما يسألن ربهن ان يسقيهن من حوض نبيهن وسنده صحيح وروينا في فوائد العيسوى وهو في البعث للبيهقي من طريقه بسند صحيح عن حميد عن أنس نحوه وفيه ما حسبت ان اعيش حتى أرى مثلكم ينكر الحوض وأخرج البيهقي أيضا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس في صفة الحوض وسيأتيه قوم ذابلة شفاههم لا يطعمون منه قطرة من كذب به اليوم لم يصب الشرب منه يومئذ ويزيد ضعيف لكن يقويه ما مضى ويشبه ان يكون الكلام الاخير من قول أنس قال عياض اخرج مسلم أحاديث الحوض عن بن عمر وأبي سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو وعائشة وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة قال ورواه غير مسلم عن أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي امامة وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب وقال النووي بعد حكاية كلامه مستدركا عليه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر وعائذ بن عمرو وآخرين وجمع ذلك كله البيهقي في البعث بأسانيده وطرقه المتكاثرة قلت أخرجه البخاري في هذا الباب عن الصحابة الذين نسب عياض لمسلم تخريجه عنهم الا أم سلمة وثوبان وجابر بن سمرة وأبا ذر وأخرجه أيضا عن عبد الله بن زيد وأسماء بنت أبي بكر وأخرجه مسلم عنهما أيضا واغفلهما عياض وأخرجاه أيضا عن اسيد بن حضير واغفل عياض أيضا نسبة الاحاديث وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وحديث زيد بن أرقم عند البيهقي وغيره وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني وحديث أبي امامة عند بن حبان وغيره واما حديث سويد بن جبلة فأخرجه أبو زرعة الدمشقي في مسند الشاميين وكذا ذكره بن منده في الصحابة وجزم بن أبي حاتم بأن حديثه مرسل وأما حديث عبد الله الصنابحي فغلط عياض في اسمه وانما هو الصنابح بن الاعسر وحديثه عند أحمد وابن ماجة بسند صحيح ولفظه اني فرطكم على الحوض واني مكاثر بكم الحديث فان كان كما ظننت وكان ضبط اسم الصحابي وأنه عبد الله فتزى العدة واحدا لكن ما عرفت من خرجه من حديث عبد الله الصنابحي وهو
[ 408 ]
صحابي آخر غير عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي التابعي المشهور وقول النووي ان البيهقي استوعب طرقه يوهم انه اخرج زيادة على الاسماء التي ذكرها حيث قال وآخرين وليس كذلك فإنه لم يخرج حديث أبي بكر الصديق ولا سويد ولا الصنابحي ولا خولة ولا البراء وانما ذكره عن عمر وعن عائذ بن عمرو وعن أبي برزة ولم ار عنده زيادة الا من مرسل يزيد بن رومان في نزول قوله تعالى انا اعطيناك الكوثر وقد جاء فيه عمن لم يذكروه جميعا من حديث بن عباس كما تقدم في تفسير سورة الكوثر ومن حديث كعب بن عجرة عند الترمذي والنسائي وصححه الحاكم ومن حديث جابر بن عبد الله عند أحمد والبزار بسند صحيح وعن بريدة عند أبي يعلى ومن حديث أخي زيد بن أرقم ويقال ان اسمه ثابت عند أحمد ومن حديث أبي الدرداء عند بن أبي عاصم في السنة وعند البيهقي في الدلائل ومن حديث أبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن اسيد وحمزة بن عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وحديثه عند أبي يعلى أيضا وأبي بكرة وخولة بنت حكيم كلها عند بن أبي عاصم ومن حديث العرباض بن سارية عند بن حبان في صحيحه وعن أبي مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة بن عبد وزيد بن أوفى وكلها في الطبراني ومن حديث خباب بن الارت عند الحاكم ومن حديث النواس بن سمعان عند بن أبي الدنيا ومن حديث ميمونة أم المؤمنين في الاوسط للطبراني ولفظه يرد علي الحوض اطولكن يدا الحديث ومن حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد بن منيع في مسنده وذكره بن منده في مستخرجه عن عبد الرحمن بن عوف وذكره بن كثير في نهايته عن عثمان بن مظعون وذكره بن القيم في الحاوي عن معاذ بن جبل ولقيط بن صبرة وأظنه عن لقيط بن عامر الذي تقدم ذكره فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسا وزاد عليه النووي ثلاثة وزدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه سواء فزادت العدة على الخمسين ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد كأبي هريرة وأنس وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض وفي صفته بعضها وفيمن يرد عليه بعضها وفيمن يدفع عنه بعضها وكذلك في الاحاديث التي أوردها المصنف في هذا الباب وجملة طرقها تسعة عشر طريقا وبلغني ان بعض المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيا الاول قوله وقال عبد الله بن يزيد هو بن عاصم المازني قوله اصبروا حتى تلقوني على الحوض هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في غزوة حنين وفيه كلام الانصار لما قسمت غنائم حنين في غيرهم وفيه انكم سترون بعدي اثرة فاصبروا الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي هناك الحديث الثاني والثالث عن بن مسعود موصولا وعن حذيفة معلقا قوله عن سليمان هو الاعمش وشقيق هو أبو وائل المذكور في الطريق الثانية ووقع صريحا عند الاسماعيلي فيهما وعند مسلم في الاول وعبد الله هو بن مسعود والمغيرة في الطريق الثانية هو بن مقسم الضبي الكوفي قوله وليرفعن بضم أوله وفتح الفاء والعين أي يظهرهم الله لي حتى اراهم قوله ثم ليختلجن بفتح اللام وضم التحتانية وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة واللام وضم الجيم بعدها نون ثقيلة أي ينزعون أو يجذبون مني يقال اختلجه منه إذا نزعه منه أو جذبه بغير ارادته وسيأتي زيادة في إيضاحه في شرح الحديث التاسع وما بعده والتاسع عشر قوله تابعه عاصم هو بن أبي النجود قارئ الكوفة والضمير للاعمش أي ان
[ 409 ]
عاصما رواه كما رواه الاعمش عن أبي وائل فقال عن عبد الله بن مسعود وقد وصلها الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق سفيان الثوري عن عاصم قوله وقال حصين أي بن عبد الرحمن الواسطي قوله عن أبي وائل عن حذيفة أي انه خالف الاعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن حذيفة وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق حصين وصنيعه يقتضي انه عند أبي وائل عن بن مسعود وعن حذيفة معا وصنيع البخاري يقتضي ترجيح قول من قال ن أبي وائل عن عبد الله لكونه ساقها موصولة وعلق الاخرى الحديث الرابع قوله يحيى هو بن سعيد القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله امامكم بفتح الهمزة أي قداكم حوض في رواية السرخسي حوضي بزيادة ياء الاضافة الاول هو الذي عند كل من اخرج الحديث كمسلم قوله كما بين جرباء وأذرح اما جرباء فهي بفتح الجيم وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ تأنيث اجرب قال عياض جاءت في البخاري ممدودة وقال االنووي في شرح مسلم الصواب انها مقصورة وكذا ذكرها الحازمي والجمهور قال والمد خطأ وأثبت صاحب التحرير المد وجوز القصر ويؤيد المد قول أبي عبيد البكري هي تأنيث اجرب وأما اذرح فبفتح الهمزة وسكون المعجمة وضم الراء بعدها مهملة قال عياض كذا للجمهور ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم قلت وسأذكر الخلاف في تعيين مكاني هذين الموضعين في آخر الكلام على الحديث السادس ان شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث بن عباس تقدم شرحه في تفسير سورة الكوثر وقوله ثنا هشيم أخبرنا أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة مكسورة ثم تحتانية ثقيلة ثم هاء تأنيث واسم أبي وحشية إياس قوله وعطاء بن السائب هو المحدث المشهور كوفي من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره وسماع هشيم منه بعد اختلاطه ولذلك اخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر وماله عنده الا هذا الموضع وقد مضى في تفسير الكوثر من جهة هشيم عن أبي بشر وحده ولعطاء بن السائب في ذكر الكوثر سند آخر عن شيخ آخر أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بسند صحيح من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن بن عمر فذكر الحديث المشار إليه في تفسير الكوثر وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة عن عطاء قال قال لي محارب بن دثار ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر قلت كال يحدث عن بن عباس قال هو الخير الكثير فقال محارب حدثنا بن عمر فذكر الحديث وأخرجه البيهقي في البعث من طريق حماد بن زيد عن عطاء بن السائب وزاد فقال محارب سبحان الله ما أقل ما يسقط لابن عباس فذكر حديث بن عباس ثم قال هذا والله هو الخير الكثير الحديث السادس قوله نافع هو بن عمر الجمحي المكي قوله قال عبد الله بن عمرو في رواية مسلم من وجه اخر عن نافع بن عمر بسنده عن عبد الله بن عمرو وقد خالف نافع بن عمر في صحابيه عبد الله بن عثمان بن خثيم فقال عن بن أبي مليكة عن عائشة أخرجه أحمد والطبراني ونافع بن عمر احفظ من بن خثيم قوله حوضي مسيرة شهر زاد مسلم والاسماعيلي وابن حبان في روايتهم من هذا الوجه وزواياه سواء وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف الاحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا فوقع في حديث أنس الذي بعده كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وأيلة مدينة كانت عامرة
[ 410 ]
وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غزة وغيرها فتكون امامهم ويجلبون إليها الميرة من الكرك والشوبك وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهابا وايابا واليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر بسير الاثقال ان اقتصروا كل يوم على مرحلة والا فدون ذلك وهي من مصر على أكثر من النصف من ذلك ولم يصب من قال من المتقدمين انها على النصف مما بين مصر ومكة بل هي دون الثلث فإنها أقرب إلى مصر ونقل عياض عن بعض أهل العلم ان أيلة شعب من جبل رضوى الذي في ينبع وتعقب بأنه اسم وافق اسما والمراد بأيلة في الخبر هي المدينة الموصوفة انفا وقد ثبت ذكرها في صحيح مسلم في قصة غزوة تبوك وفيه ان صاحب أيلة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحه وتقدم لها ذكر أيضا في كتاب الجمعة وأما صنعاء فإنما قيدت في هذه الرواية باليمن احترازا من صنعاء التي بالشام والاصل فيها صنعاء اليمن لما هاجر أهل اليمن في زمن عمر عند فتوح الشام نزل أهل صنعاء في مكان من دمشق فسمى باسم بلدهم فعلى هذا فمن في قوله في هذه الرواية من اليمن ان كانت ابتدائية فيكون هذا اللفظ مرفوعا وان كانت بيانية فيكون مدرجا من قول بعض الرواة والظاهر انه الزهري ووقع في حديث جابر بن سمرة أيضا كما بين صنعاء وأيلة وفي حديث حذيفة مثله لكن قال عدن بدل صنعاء وفي حديث أبي هريرة ابعد من أيلة إلى عدن وعدن بفتحتين بلد مشهور على ساحل البحر في اواخر سواحل اليمن واوائل سواحل الهند وهي تسامت صنعاء وصنعاء في جهة الجبال وفي حديث أبي ذر ما بين عمان إلى أيلة وعمان بضم المهملة وتخفيف النون بلد على ساحل البحر من جهة البحرين وفي حديث أبي بردة عند بن حبان ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة وصنعاء مسيرة شهر وهذه الروايات متقاربة لانها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك فوقع في حديث عقبة بن عامر عند أحمد كما بين أيلة إلى الجحفة وفي حديث جابر كما بين صنعاء إلى المدينة وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء ونحوه لابن حبان عن أبي امامة وعمان هذه بفتح المهملة وتشديد الميم للاكثر وحكى تخفيفها وتنسب إلى البلقاء لقربها منها والبلقاء بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان مابين بصرى إلى صنعاء أو ما بين أيلة إلى مكة وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة بلد معروف بطرف الشام من جهة الحجاز تقدم ضبطها في بدء الوحي وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد بعد ما بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث حذيفة بن اسيد ما بين صنعاء إلى بصرى ومثله لابن حبان في حديث عتبة بن عبد وفي رواية الحسن عن أنس عند أحمد كما بين مكة إلى أيلة أو بين صنعاء ومكة وفي حديث أبي سعيد عند بن أبي شيبة وابن ماجة ما بين الكعبة إلى بيت المقدس وفي حديث عتبة بن عبد عند الطبراني كما بين البيضاء إلى بصرى والبيضاء بالقرب من الربذة البلد المعروف بين مكة والمدينة وهذه المسافات متقاربة وكلها ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلا أو تنقص وأقل ما ورد في ذلك ما وقع في رواية لمسلم في حديث بن عمر من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر بسنده كما تقدم وزاد قال قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ونحوه له في رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر لكن قال ثلاث ليال وقد
[ 411 ]
جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض هذا من اختلاف التقدير لان ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة وانما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منها مثلا لبعد اقطار الحوض وسعته بما يسنح له من العبارة ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المحققة قال فبهذا يجمع بين الالفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى ملخصا وفيه نظر من جهة ان ضرب المثل والتقدير انما يكون فيما يتقارب واما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا قال القرطبي ظن بعض القاصرين ان الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك ثم نقل كلام عياض وزاد وليس اختلافا بل كلها تفيد انه كبير متسع متباعد الجوانب ثم قال ولعل ذكره للجهات المختلفة بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهة فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها وأجاب النووي بأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة فالاكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة وحاصله انه يشير إلى انه أخبر اولا بالمسافة اليسيرة ثم اعلم بالمسافة الطويلة فأخبره بها كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شئ فيكون الاعتماد على ما يدل على اطولها مسافة وتقدم قول من جمع الاختلاف بتفاوت الطول والعرض ورده بما في حديث عبد الله بن عمرو زواياه سواء ووقع أيضا في حديث النواس بن سمعان وجابر وأبي برزة وأبي ذر طوله وعرضه سواء وجمع غيره بين الاختلافين الاولين باختلاف السير البطئ وهو سير الاثقال والسير السريع وهو سير الراكب المخف ويحمل رواية اقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر في ثلاثة أيام ولو كان نادرا جدا وفي هذا الجواب عن المسافة الاخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو أولى ما يجمع به وأما مسافة الثلاث فإن الحافظ ضياء الدين المقدسي ذكر في الجزء الذي جمعه في الحوض أن في سياق لفظها غلطا وذلك الاختصار وقع في سياقه من بعض رواته ثم ساقه من حديث أبي هريرة وأخرجه من فوائد عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي بسند حسن إلى أبي هريرة مرفوعا في ذكر الحوض فقال فيه عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح قال الضياء فظهر بهذا انه وقع في حديث بن عمر حذف تقديره كما بين مقامي وبين جرباء وأذرح فسقط مقامي وبين وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بعد ان حكى قول بن الاثير في النهاية هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ثم غلطه في ذلك وقال ليس كما قال بل بينهما غلوة سهم وهما معروفتان بين القدس والكرك قال وقد ثبت القدر المحذوف عند الدارقطني وغيره بلفظ ما بين المدينة وجرباء وأذرح قلت وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند بن ماجة كما بين الكعبة وبيت المقدس وقد وقع ذكر جرباء وأذرح في حديث اخر عند مسلم وفيه وافى أهل جرباء وأذرح بحرسهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره في غزوة تبوك وهو يؤيد قول العلائي انهما متقاربتان وإذا تقرر ذلك رجع جميع المختلف إلى انه لاختلاف السير البطئ والسير السريع وسأحكي كلام بن التين في تقدير المسافة بين جرباء وأذرح في شرح الحديث السادس عشر والله العم قوله ماؤه أبيض من اللبن قال المازري مقتضى كلام النحاة ان يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا ومنهم من إجازة في الشعر ومنهم من إجازة بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره قلت ويحتمل ان يكون
[ 412 ]
ذلك من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن وكذا لابن مسعود عند أحمد وكذا لابي امامة عند بن أبي عاصم قوله وريحه اطيب من المسك في حديث بن عمر عند الترمذي اطيب ريحا من المسك ومثله في حديث أبي امامة عند بن حبان رائحة وزاد بن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة وألين من الزبد وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل ومثله لاحمد عن أبي بن كعب وله عن أبي امامة وأحلى مذاقا من العسل وزاد أحمد في حديث بن عمر ومن حديث بن مسعود وأبرد من الثلج وكذا في حديث أبي برزة وعند البزار من رواية عدي بن ثابت عن أنس ولابي يعلى من وجه اخر عن أنس وعند الترمذي في حديث بن عمر وماؤه أشد بردا من الثلج قوله وكيزانه كنجوم السماء في حديث أنس الذي بعده وفيه من الاباريق كعدة نجوم أسماء ولاحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم السماء وفي حديث المستورد في أواخر الباب فيه الآنية مثل الكواكب ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر فيه اباريق كنجوم السماء قوله من شرب منها أي من الكيزان وفي رواية الكشميهني من شرب منه أي من الحوض فلا يظمأ ابدا في حديث سهل بن سعد الاتي قريبا من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا وفي رواية موسى بن عقبة من ورده فشرب لم يظمأ بعدها ابدا وهذا يفسر المراد بقوله من مر بة شرب أي من مر بة فمكن من شربه فشرب لا يظمأ أو من مكن من المرور به شرب وفي حديث أبي امامة ولم يسود وجه ابدا وزاد بن أبي عاصم في حديث أبي بن كعب من صرف عنه لم يرو ابدا ووقع في حديث النواس بن سمعان عند بن أبي الدنيا أول من يرد عليه من يسقى كل عطشان الحديث السابع قوله يونس هو بن يزيد قوله حدثني أنس هذا يدفع تعليل من اعله بأن بن شهاب لم يسمعه من أنس لان أبا أويس رواه عن بن شهاب عن أخيه عبد الله بن مسلم عن أنس أخرجه بن أبي عاصم وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم بن أخي الزهري عن أبيه به والذي يظهر انه كان عند بن شهاب عن أخيه عن أنس ثم سمعه عن أنس فإن بين السياقين اختلافا وقد ذكر بن أبي عاصم أسماء من رواه عن بن شهاب عن أنس بلا واسطة فزادوا على عشرة الحديث الثامن حديث أنس من رواية قتادة عنه قوله بينا انا اسير في الجنة تقدم تفسير سورة الكوثر ان ذلك كان ليلة أسري به وفي اواخر الكلام على حديث الاسراء في أوائل الترجمة النبوية وظن الداودي ان المراد ان ذلك يكون يوم القيامة فقال ان كان هذا محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير النهر الذي في الجنة أو يكون يراهم وهو داخل الجنة وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه وهو تكلف عجيب يغني عنه ان الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا اشكال أصلا وقوله في آخره طيبة أو طينه شك هدبة هل هو بموحدة من الطيب أو بنون من الطين وأراد بذلك ان أبا الوليد لم يشك في روايته انه بالنون وهو المعتمد وتقدم في تفسير سورة الكوثر من طريق شيبان عن قتادة فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا اذفر واخرج البيهقي في البعث من طريق عبد الله بن مسلم عن أنس بلفظ ترابه مسك الحديث التاسع حديث أنس أيضا من رواية عبد العزيز وهو بن صهيب عنه قوله اصيحابي بالتصغير وفي رواية الكشميهني أصحابي بغير تصغير قوله فقول في رواية الكشميهني فيقال وقد ذكر شرح ما تضمنه في شرح حديث
[ 413 ]
بن عباس الحديث العاشر والحادي عشر حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري من رواية أبي حازم عن سهل وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد قوله فأقول سحقا سحقا بسكون الحاء المهملة فيهما ويجوز ضمها ومعناه بعدا بعدا ونصب بتقدير ألزمهم الله ذلك قوله وقال بن عباس سحقا بعدا وصله بن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظه قوله يقال سحيق بعيد هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى أو تهوى به الريح في مكان سحيق السحيق البعيد والنخلة السحوق الطويلة قوله سحقه وأسحقه أبعده ثبت هذا في رواية الكشميهني وهو من كلام أبي عبيدة أيضا قال يقال سحقه الله وأسحقه أي ابعده ويقال بعد وسحق إذا دعوا عليه وسحقته الريح أي طردته وقال الاسماعيلي يقال سحقه إذا اعتمد عليه بشئ ففتنه وأسحقه ابعده وقد تقدم شرح حديث بن عباس في هذا في باب كيف الحشر الحديث الثاني عشر قوله وقال أحمد بن شبيب الخ وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا حدثنا أحمد بن شبيب به ويونس هو بن يزيد نسبه أبو عوانة في روايته هذه وكذا أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن أحمد بن شبيب قوله فيجلون بضم أوله وسكون الجيم وفتح اللام أي يصرفون وفي رواية الكشميهني بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة قبل الواو وكذا للاكثر ومعناه يطردون وحكى بن التين ان بعضهم ذكره بغير همزة قال وهو في الاصل مهموز فكأنه سهل الهمزة قوله انهم ارتدوا هذا يوافق تفسير قبيصة الماضي في باب كيف الحشر قوله على اعقابهم في رواية الاسماعيلي على ادبارهم قوله وقال شعيب هو بن أبي حمزة عن الزهري يعني بسنده وصله الذهلي في الزهريات وهو بسكون الجيم أيضا وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لام ثقيلة واو ساكنة وهو تصحيف قوله وقال عقيل هو بن خالد يعني عن بن شهاب بسنده يحلؤن يعني بالحاء المهملة والهمزة قوله وقال الزبيدي هو محمد بن الوليد ومحمد بن علي شيخ الزهري فيه هو أبو جعفر الباقر وشيخه عبيد الله هو بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الجياني انه وقع في رواية القابسي والاصيلي عن المروزي عبد الله بن أبي رافع بسكون الموحدة وهو خطأ وفي السند ثلاثة من التابعين مدنيون في نسق فالزهري والباقر قرينان وعبيد الله أكبر منهما وطريق الزبيدي المشار إليها وصلها الدارقطني في الافراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك ثم ساق المصنف الحديث من طريق بن وهب عن يونس مثل رواية شبيب عن يونس لكن لم يسم أبا هريرة بل قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحاصل الاختلاف ان بن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ثم اختلفا فقال بن سعيد عن أبي هريرة وقال بن وهب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يضر لان في رواية بن وهب زيادة على ما يقتضيه رواية بن سعيد وأما رواية عقيل وشعيب فإنما تخالفتا في بعض اللفظ وخالف الجميع الزبيدي في السند فيحمل على انه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث ودلت رواية الزبيدي على ان شبيب بن سعيد حفظ فيه أبا هريرة وقد اعرض مسلم عن هذه الطرق كلها واخرج من طريق محمد بن
[ 414 ]
زياد عن أبي هريرة رفعه اني لاذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الابل وأخرجه من وجه آخر عن أبي هريرة في اثناء حديث وهذا المعنى لم يخرجه البخاري مع كثرة ما أخرج من الاحاديث في ذكر الحوض والحكمة في الذود المذكور انه صلى الله عليه وسلم يريد ان يرشد كل أحد إلى حوض نبيه على ما تقدم ان لكل نبي حوضا وانهم يتباهون بكثرة من يتبعهم فيكون ذلك من جملة انصافه ورعاية إخوانه من النبيين لا انه يطردهم بخلا عليهم بالماء ويحتمل انه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض والعلم عند الله تعالى الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة أيضا أخرجه من رواية فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عنه ورجال سنده كلهم مدنيون وقد ضاق مخرجه على الاسماعيلي وأبي نعيم وسائر من استخرج على الصحيح فأخرجوه من عدة طرق عن البخاري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه قوله بينا انا نائم كذا بالنون للاكثر وللكشميهني قائم بالقاف وهو أوجه والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة وتوجه الاولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة قوله ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم المراد بالرجل الملك الموكل بذلك ولم اقف على اسمه قوله انهم ارتدوا القهقرى أي رجعوا إلى خلف ومعنى قولهم رجع القهقرى رجع الرجوع المسمى بهذا الاسم وهو رجوع مخصوص وقيل معناه العدو الشديد قوله فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه والهمل بفتحتين الابل بلا راع وقال لخطاب يالهمل ما لا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال والمعنى انه لا يرده منهم الا القليل لان الهمل في الابل قليل بالنسبة لغيره الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة أيضا ما بين بيتي ومنبري وفيه ومنبري على حوضي تقدم شرحه في اواخر الحج والمراد بتسمية ذلك الموضع روضة ان تلك البقعة تنقل إلى الجنة فتكون روضة من رياضها أو انه على المجاز لكون العبادة فيه تئول إلى دخول العابد روضة الجنة وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخبر مسوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها وقيل فيه تشبيه محذوف الاداة أي هو كروضة لان من يقعد فيها من الملائكة ومؤمني الانس والجن يكثرون الذكر وسائر أنواع العبادة وقال الخطابي المراد من هذا الحديث الترغيب في سكنى المدينة وان من لازم ذكر الله في مسجدها آل به إلى روضة الجنة وسقى يوم القيامة من الحوض الحديث الخامس عشر حديث جندب وعبد الملك راوية عنه هو بن عمير الكوفي والفرط بفتح الفاء والراء السابق الحديث السادس عشر قوله يزيد هو بن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة بن عامر هو الجهني وقد مر شرحه في كتاب الجنائز فيما يتعلق بالصلاة على الشهداء وفي علامات النبوة فيما يتعلق بذلك وقد تقدم الكلام على المنافسة في شرح حديث أبي سعيد في أوائل كتاب الرقاق هذا قوله والله اني لانظر إلى حوضي الان يحتمل انه كشف له عنه لما خطب وهذا هو الظاهر ويحتمل ان يريد رؤية القلب وقال بن التين النكتة في ذكره عقب التحذير الذي قبله انه يشير إلى تحذيرهم من فعل ما يقتضي ابعادهم عن الحوض وفي الحديث عدة اعلام من اعلام النبوة كما سبق الحديث السابع عشر قوله معبد بن خالد هو الجدلي بفتح الجيم والمهملة من ثقات الكوفيين ولهم معبد بن خالد
[ 415 ]
اثنان غيره أحدهما أكبر منه وهو صحابي جهني والاخر أصغر منه وهو أنصاري مجهول قوله حارثة بن وهب هو الخزاعي صحابي نزل الكوفة له أحاديث وكان أخا عبيد الله بالتصغير بن عمر بن الخطاب لامه قوله كما بين المدينة وصنعاء قال بن التين يريد صنعاء الشام قلت ولا بعد في حمله على المتبادر هو صنعاء اليمن لما تقدم توجيهه وقد تقدم في الحديث الخامس التقييد بصنعاء اليمن فليحمل المطلق عليه ثم قال يحتمل ان يكون ما بين المدينة وصنعاء الشام قدر ما بينها وصنعاء اليمن وقدر ما بينها وبين أيلة وقدر ما بين جرباء وأذرح انتهى وهو احتمال مردود فإنها متفاوتة الا ما بين المدينة وصنعاء وبينها وصنعاء الاخرى والله اعلم الحديث الثامن عشر قوله وزاد بن أبي عدى هو محمد بن إبراهيم وأبو عدي جده لا يعرف اسمه ويقال بل هي كنية أبيه إبراهيم وهو بصري ثقة كثير الحديث وقد وصله مسلم والاسماعيلي من طريقه قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال حوضه كذا لهم وفيه الثقات ووقع في رواية مسلم حوضي قوله فقال له المستورد بضم الميم وسكون المهملة وفتح المثناة بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة ثم مهملة هو بن شداد بن عمرو بن حسل بكسر أوله وسكون ثانية واهمالهما ثم لام القرشي الفهري صحابي بن صحابي شهد فتح مصر وسكن الكوفة ويقال مات سنة خمس وأربعين وليس له في البخاري الا هذا الموضع وحديثه مرفوع وان لم يصرح به وقد تقدم البحث فيما زاده من ذكر الاواني في شرح الحديث السادس عشر الحديث التاسع عشر قوله عن أسماء بنت أبي بكر جمع مسلم بين حديث بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو وحديثه عن أسماء فقدم ذكر حديث عبد الله بن عمرو في صفة الحوض ثم قال بعد قوله لم يظمأ بعدها أبدا قال وقالت أسماء بنت أبي بكر فذكره قوله وسيؤخذ ناس دوني هو مبين لقوله في حديث بن مسعود في أوائل الباب ثم ليختلجن دوني وأن المراد طائفة منهم قوله فأقول يا رب مني ومن أمتي فيه دفع لقول من حملهم على غير هذه الامة قوله هل شعرت ما عملوا بعدك فيه إشارة إلى انه لم يعرف اشخاصهم بأعيانها وان كان قد عرف انهم من هذه الامة بالعلامة قوله ما برحوا يرجعون على اعقابهم أي يرتدون كما في حديث الآخرين قوله قال بن أبي مليكة هو موصول بالسند المذكور فقد أخرجه مسلم بلفظ قال فكان بن أبي مليكة يقول قوله ان نرجع على اعقابنا أو نفتن عن ديننا أشار بذلك إلى ان الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الامر الذي تكون الفتنة سببه فاستعاذ منهما جميعا قوله على اعقابكم تنكصون ترجعون على العقب هو تفسير أبي عبيدة للآية وزاد نكص رجع على عقبيه تنبيه اخرج مسلم والاسماعيلي هذا الحديث عقب حديث عبد الله بن عمرو وهو الخامس وكأن البخاري اخر حديث أسماء إلى اخر الباب لما في اخره من الاشارة الآخرية الدالة على الفراغ كما جرى بالاستقراء من عادته انه يختم كل كتاب بالحديث الذي تكون فيه الاشارة إلى ذلك بأي لفظ اتفق والله اعلم خاتمة اشتمل كتاب الرقاق من الاحاديث المرفوعة على مائة وثلاثة وتسعين حديثا المعلق منها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأربعة وثلاثون والخالص تسعة وخمسون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب وحديث بن مسعود في الخالط وكذا حديث أنس فيه وحديث أبي بن
[ 416 ]
كعب في نزول الهاكم التكاثر وحديث بن مسعود أيكم مال وارثه احب إليه وحديث أبى هريرة اعذر الله إلى امرئ وحديثه الجنة أقرب إلى أحدكم وحديثه ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه وحديث عبد الله بن الزبير لو كان لابن ادم واد من ذهب وحديث سهل بن سعد من يضمن لي وحديث أنس انكم لتعملون اعمالا وحديث أبي هريرة من عادى لي وليا وحديثه بعثت انا والساعة كهاتين وحديثه في بعث النار وحديث عمران في الجهنميين وحديث أبي هريرة لا يدخل أحد الجنة الا اري مقعده وحديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة فيمن يدفع عن الحوض فإن فيه زيادات ليست عند مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر اثرا والله سبحانه وتعالى اعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب القدر زاد أبو ذر عن المستملي باب في القدر وكذا للاكثر دون قوله كتاب القدر والقدر بفتح القاف والمهملة قال الله تعالى انا كل شئ خلقنا بقدر قال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم ويتضمن الارادة عقلا والقول نقلا وحاصله وجود شئ في وقت وعلى حال بوفق العلم والارادة والقول وقدر الله الشئ بالتشديد قضاه ويجوز بالتخفيف وقال بن القطاع قدر الله الشئ جعله بقدر والرزق صنعه وعلى الشئ ملكه ومضى في باب التعوذ من جهد البلاء في كتاب الدعوات ما قال بن بطال في التفرقة بين القضاء والقدر وقال الكرماني المراد بالقدر حكم الله وقالوا أي العلماء القضاء هو الحكم الكلي الاجمالي في الازل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله وقال أبو المظفر بن السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة لم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب لان القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الاستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقيل ان سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها انتهى وقد اخرج الطبراني بسند حسن من حديث بن مسعود رفعه إذا ذكر القدر فامسكوا واخرج مسلم من طريق طاوس أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شئ بقدر وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شئ بقدر حتى العجز والكيس قلت والكيس بفتح الكاف ضد العجز ومعناه الحذق في الامور ويتناول أمور الدنيا والآخرة ومعناه ان كل شئ لا يقع في الوجود الا وقد سبق به علم الله ومشيئته وانما جعلهما في الحديث غاية لذلك للاشارة إلى ان افعالنا وان كانت معلومة لنا ومرادة منا فلا تقع مع ذلك منا الا بمشيئة الله وهذا الذي ذكره طاوس مرفوعا وموقوفا مطابق لقوله تعالى انا كل شئ خلقناه بقدر فإن هذه الآية نص في ان الله خالق كل شئ ومقدره وهو انص من قوله تعالى خالق كل شئ وقوله تعالى والله خلقكم وما تعملون واشتهر على ألسنة السلف والخلف ان هذه الآية نزلت في القدرية واخرج مسلم من حديث أبي هريرة جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت وقد تقدم في الكلام على سؤال جبريل في كتاب الايمان
[ 417 ]
شئ من هذا وان الايمان بالقدر من أركان الايمان وذكر هناك بيان مقالة القدرية بما اغنى عن اعادته ومذهب السلف قاطبة ان الامور كلها بتقدير الله تعالى كما قال تعالى وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقد ذكر في هذا الباب حديثين الاول قوله أبو الوليد هو الطيالسي قوله أنباني سليمان الاعمش سيأتي في التوحيد من رواية ادم عن شعبة بلفظ حدثنا الاعمش ويؤخذ منه ان التحديث والانباء عند شعبة بمعنى واحد ويظهر به غلط من نقل عن شعبة انه يستعمل الانباء في الاجازة لكونه صرح بالتحديث ولثبوت النقل عنه انه لا يعتبر الاجازة ولا يروى بها قوله عن عبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية آدم سمعت عبد الله بن مسعود قوله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال الطيبي يحتمل أن تكون الجملة حالية ويحتمل ان تكون اعتراضية وهو أولى لتعم الاحوال كلها وان ذلك من دأبه وعادته والصادق معناه المخبر بالقول الحق ويطلق على الفعل يقال صدق القتال وهو صادق فيه والمصدوق معناه الذي يصدق له في القول يقال صدقته الحديث إذا أخبرته به اخبارا جازما أو معناه الذي صدقه الله تعالى وعده وقال الكرماني لما كان مضمون الخبر أمرا مخالفا لما عليه الاطباء أشار بذلك إلى بطلان ما ادعوه ويحتمل انه قال ذلك تلذذا به وتبركا وافتخارا ويؤيده وقوع هذا اللفظ بعينه في حديث أنس ليس فيه إشارة إلى بطلان شئ يخالف ما ذكر وهو ما أخرجه أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقول لا تنزع الرحمة الا من شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يدي اغيلمة من قريش وهذا الحديث اشتهر عن الاعمش بالسند المذكور هنا قال علي بن المديني في كتاب العلل كنا نظن ان الاعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قلت وروايته عند أحمد والنسائي ورواه حبيب بن حسان عن زيد بن وهب أيضا وقع لنا في الحلية ولم ينفرد به زيد عن بن مسعود بل رواه عنه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عند أحمد وعلقمة عند أبي يعلى وأبو وائل في فوائد تمام ومخارق بن سليم وأبو عبد الرحمن السلمي كلاهما عند الفريابي في كتاب القدر وأخرجه أيضا من رواية طارق ومن رواية أبي الاحوص الجشمي كلاهما عن عبد الله مختصرا وكذا لابي الطفيل عند مسلم وناجية بن كعب في فوائد العيسوي وخيثمة بن عبد الرحمن عند الخطابي وابن أبي حاتم ولم يرفعه بعض هؤلاء عن بن مسعود ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع بن مسعود جماعة من الصحابة مطولا ومختصرا منهم أنس وقد ذكر عقب هذا وحذيفة بن اسيد عند مسلم وعبد الله بن عمر في القدر لابن وهب وفي افراد الدارقطني وفي مسند البزار من وجه اخر ضعيف والفريابي بسند قوي وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب وأبو هريرة عند مسلم وعائشة عند أحمد بسند صحيح وأبو ذر عند الفريابي ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب والطبراني ورباح اللخمي عند بن مردويه في التفسير وابن عباس في فوائد المخلص من وجه ضعيف وعلي في الاوسط للطبراني من وجه ضعيف و عبد الله بن عمرو في الكبير بسند حسن والعرس بن عميرة عند البزار بسند جيد وأكثم بن أبي الجون عند الطبراني وابن منده بسند حسن وجابر عند الفريابي وقد أشار الترمذي في الترجمة إلى أبي هريرة وأنس فقط وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن بضع وعشرين نفسا من أصحاب الاعمش منهم من أقرانه سليمان التيمي وجرير بن حازم وخالد الحداء
[ 418 ]
ومن طبقة شعبة الثوري وزائدة وعمار بن زريق وأبو خيثمة ومما لم يقع لابي عوانة رواية شريك عن الاعمش وقد أخرجها النسائي في التفسير ورواية ورقاء بن عمر ويزيد بن عطاء وداود بن عيسى أخرجها تمام وكنت خرجته في جزء من طرق نحو الاربعين نفسا عن الاعمش فغاب عني الان ولو امعنت التتبع لزادوا على ذلك قوله ان أحدكم قال أبو البقاء في اعراب المسند لا يجوز في أن الا الفتح لانه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن قوله حدثنا وجزم النووي في شرح مسلم بأنه بالكسر على الحكاية وجوز الفتح وحجة أبي البقاء ان الكسر على خلاف الظاهر ولا يجوز العدول عنه الا لمانع ولو جاز من غير ان يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى أيعدكم انكم إذا متم وقد اتفق القراء على انها بالفتح وتعقبه الخوبي بأن الرواية جاءت بالفتح وبالكسر فلا معنى للرد قلت وقد جزم بن الجوزي بأنه في الرواية بالكسر فقط قال الخوبي ولو لم تجئ به الرواية لما امتنع جوازا على طريق الرواية بالمعنى وأجاب عن الآية بأن الوعد مضمون الجملة وليس بخصوص لفظها فلذلك اتفقوا على الفتح فإما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه قوله يجمع في بطن أمه كذا لابي ذر عن شيخيه وله عن الكشميهني ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه وهي رواية آدم في التوحيد وكذا للاكثر عن الاعمش وفي رواية أبي الاحوص عنه ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وكذا لابي معاوية ووكيع وابن نمير وفي رواية بن فضيل محمد بن عبيد عند بن ماجة انه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه وفي رواية شريك مثل آدم لكن قال بن آدم بدل أحدكم والمراد بالجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار وفي قوله خلق تعبير بالمصدر عن الجثة وحمل على انه بمعنى المفعول كقولهم هذا درهم ضرب الامير أي مضروبه أو على حذف مضاف أي ما يقوم به خلق أحدكم أو اطلق مبالغة كقوله وانما هي إقبال وادبار جعلها نفس الاقبال والادبار لكثرة وقوع ذلك منها قال القرطبي في المفهم المراد ان المنى يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم قوله أربعين يوما زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة وكذا لاكثر الرواة عن شعبة بالشك وفي رواية يحيى القطان ووكيع وجرير وعيسى بن يونس أربعين يوما بغير شك وفي رواية سلمة بن كهيل أربعين ليلة بغير شك ويجمع بأن المراد يوم بليلته أو ليلة بيومها ووقع عند أبي عوانة من رواية وهب بن جرير عن شعبة مثل رواية آدم لكن زاد نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين ان الذي يجمع هو النطفة والمراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي القليل والاصل في ذلك ان ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله ان يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك لان في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسا ومع كون المنى ثقيلا بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاح يصير مني الرجل كالانفحة للبن وقيل في كل منهما قوة فعل وانفعال لكن الاول في الرجل أكثر وبالعكس في المرأة وزعم كثير من أهل التشريح ان مني الرجل لا اثر له في الولد الا في عقده وانه انما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك وما ذكر اولا أقرب إلى موافقة الحديث والله اعلم قال بن الاثير في النهاية يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكس النطفة أربعين يوما تخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلق بعد
[ 419 ]
ذلك وقيل ان بن مسعود فسره بأن النطفة إذا وقعت في الرحيم فأراد الله ان يخلق منها بشرا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يوما ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قلت هذا التفسير ذكره الخطابي وأخرجه بن أبي حاتم في التفسير من رواية الاعمش أيضا عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود وقوله فذلك جمعها كلام الخطابي أو تفسير بعض رواة حديث الباب وأظنه الاعمش فظن بن الاثير انه تتمة كلام بن مسعود فأدرجه فيه ولم يتقدم عن بن مسعود في رواية خيثمة ذكر الجمع حتى يفسره وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال الصحابي اعلم بتفسير ما سمع واحق بتأويله واولى بقبول ما يتحدث به وأكثر احتياطا في ذلك من غيره فليس لمن بعده ان يتعقب كلامه قلت وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف التفسير المذكور ولفظه إذا أراد الله خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم احضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبه وفي لفظ ثم تلا في أي صورة ما شاء ركبك وله شاهد من حديث رباح اللخمي لكن ليس فيه ذكر يوم السابع وحاصله أن في هذا زيادة تدل على ان الشبه يحصل في اليوم السابع وأن فيه ابتداء جمع المني وظاهر الروايات الاخرى ان اتبداء جمعه من ابتداء الاربعين وقد وقع في رواية عبد الله بن ربيعة عن بن مسعود ان النطفة التي تقضى منها النفس إذا وقعت في الرحم كانت في الجسد أربعين يوما ثم تحادرت دما فكانت علقة وفي حديث جابر ان النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين يوما أو ليلة اذن الله في خلقها ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث حذيفة بن اسيد من رواية عكرمة بن خالد عن أبي الطفيل عنه أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وكذا في رواية يوسف المكي عن أبي الطفيل عند الفريابي وعنده وعند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة وفي رواية بن جريج عن أبي الزبير عند أبي عوانة ثنتان وأربعون وهي عند مسلم لكن لم يسق لفظها قال مثل عمرو بن الحارث وفي رواية ربيعة بن كلثوم عن أبي الطفيل عند مسلم أيضا إذا أراد الله ان يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي الطفيل يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين وهكذا رواه بن عيينة عن عمرو عند مسلم ورواه الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو فقال خمسة وأربعين ليلة فجزم بذلك فحاصل الاختلاف ان حديث بن مسعود لم يختلف في ذكر الاربعين وكذا في كثير من الاحاديث وغالبها كحديث أنس ثاني حديثي الباب لا تحديد فيه وحديث حذيفة بن اسيد اختلفت ألفاظ نقلته فبعضهم جزم بالاربعين كما في حديث بن مسعود وبعضهم زاد ثنتين أو ثلاثا أو خمسا أو بضعا ثم منهم من جزم ومنهم من تردد وقد جمع بينها القاضي عياض بأنه ليس في رواية بن مسعود بأن ذلك يقع عند انتهاء الاربعين الاولى وابتداء الاربعين الثانية بل اطلق الاربعين فاحتمل ان يريد ان ذلك يقع في أوائل الاربعين الثانية ويحتمل ان يجمع الاختلاف في العدد الزائد على انه بحسب اختلاف الاجنة وهو جيد لو كانت مخارج الحديث مختلفة لكنها متحدة وراجعة إلى أبي الطفيل عن حذيفة بن اسيد فدل على أنه لم يضبط القدر الزائد على الاربعين والخطب فيه سهل وكل ذلك لا يدفع الزيادة التي في حديث مالك بن
[ 420 ]
الحويرث في إحضار الشبه في اليوم السابع وان فيه يبتدئ الجمع بعد الانتشار وقد قال بن منده انه حديث متصل على شرط الترمذي والنسائي واختلاف الالفاظ بكونه في البطن وبكونه في الرحم لا تأثير له لانه في الرحم حقيقة والرحم في البطن وقد فسروا قوله تعالى في ظلمات ثلاث بأن المراد ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن فالمشمية في الرحم والرحم في البطن قوله ثم علقة مثل ذلك في رواية آدم ثم تكون علقة مثل ذلك وفي رواية مسلم ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك وتكون هنا بمعنى تصير ومعناه انها تكون بتلك الصفة مدة الاربعين ثم تنقلب إلى الصفة التي تليها ويحتمل ان يكون المراد تصيرها شيئا فشيئا فيخالط الدم النطفة في الاربعين الاولى بعد انعقادها وامتدادها وتجري في اجزائها شيئا فشيئا حتى تتكامل علقة في اثناء الاربعين ثم يخالطها اللحم شيئا فشيئا إلى ان تشتد فتصير مضغة ولا تسمى علقة قبل ذلك ما دامت نطفة وكذا ما بعد ذلك من زمان العلقة والمضغة وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال قال عبد الله رفعه ان النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير ففي سنده ضعف وانقطاع فان كان ثابتا حمل نفي التغير على تمامه أي لا تنتقل إلى وصف العلقة الا بعد تمام الاربعين ولا ينفي ان المني يستحيل في الاربعين الاولى دما إلى ان يصير علقة انتهى وقد نقل الفاضل علي بن المهذب الحموي الطبيب اتفاق الاطباء على ان خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الاربعين وفيها تتميز أعضاء الذكر دون الانثى لحرارة مزاجه وقواه واعبد إلى قوام المنى الذي تتكون اعضاؤه منه ونضجه فيكون اقبل للشكل والتصوير ثم يكون علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد قالوا وتكون حركة الجنين في ضعف المدة التي يخلق فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي الاربعون الثالثة فتحرك قال واتفق العلماء على ان نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة اشهر وذكر الشيخ شمس الدين بن القيم ان داخل الرحم خشن كالسفنج وجعل فيه قبولا للمنى كطلب الارض العطشى للماء فجعله طالبا مشتاقا إليه بالطبع فلذلك يمسكه ويشتمل عليه ولا يزلقه بل ينضم عليه لئلا يفسده الهواء فيأذن الله لملك الرحم في عقده وطبخه أربعين يوما وفي تلك الاربعين يجمع خلقه قالوا ان المنى إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه اشتد إلى تمام ستة أيام فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع القلب والدماغ والكبد ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة إلى تمام ثلاثة أيام ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر فتتميز الاعضاء الثلاثة ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يوما ثم ينفصل الرأس عن المنكبين والاطراف عن الضلوع والبطن عن الجنين في تسعة أيام ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس في أربعة أيام فيكمل أربعين يوما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يجمع خلقه في أربعين يوما وفيه تفصيل ما أجمل فيه ولا ينافي ذلك قوله ثم تكون علقة مثل ذلك فان العلقة وان كانت قطعة دم لكنها في هذه الاربعين الثانية تنتقل عن صورة المني ويظهر التخطيط فيها ظهروا خفيا على التدريج ثم يتصلب في الاربعين يوما بتزايد ذلك التخليق شيئا فشيئا حتى يصير مضغة مخلقة ويظهر للحس ظهورا لا خفاء به وعند تمام الاربعين الثالثة والطعن في الاربعين الرابعة ينفخ فيه الروح كما وقع في هذا الحديث الصحيح وهو ما لا سبيل إلى معرفته الا بالوحي حتى قال كثير من فضلاء الاطباء وحذاق الفلاسفة انما يعرف ذلك بالتوهم والظن البعيد واختلفوا في النقطة الاولى أيها اسبق والاكثر
[ 421 ]
نقط القلب وقال قوم أول ما يخلق منه السرة لان حاجته من الغذاء أشد من حاجته إلى آلات قواه فإن من السرة ينبعث الغذاء والحجب التي على الجنين في السرة كأنها مربوط بعضها ببعض والسرة في وسطها ومنها يتنفس الجنين ويتربى وينجذب غذاؤه منها قوله ثم يكون مضغة مثل ذلك في رواية آدم مثله وفي رواية مسلم كما قال في العلقة والمراد مثل مدة الزمان المذكور في الاستحالة والعلقة الدم الجامد الغليظ سمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه بما مر به والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لانها قدر ما يمضغ الماضغ قوله ثم يبعث الله ملكا في رواية الكشميهني ثم يبعث إليه ملك وفي رواية آدم كالكشميهني لكن قال الملك ومثله لمسلم بلفظ ثم يرسل الله واللام فيه للعهد والمراد به عهد مخصوص وهو جنس الملائكة الموكلين بالارحام كما ثبت في رواية حذيفة بن اسيد من رواية ربيعة بن كلثوم ان ملكا موكلا بالرحم ومن رواية عكرمة بن خالد ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها وهو بتشديد اللام وفي رواية أبي الزبير عند الفريابي اتى ملك الارحام وأصله عند مسلم لكن بلفظ بعث الله ملكا وفي حديث بن عمر إذا أراد الله ان يخلق النطفة قال ملك الارحام وفي ثاني حديثي الباب عن أنس وكل الله بالرحم ملكا وقال الكرماني إذا ثبت ان المراد بالملك من جعل إليه أمر تلك الرحم فكيف يبعث أو يرسل وأجاب بأن المراد ان الذي يبعث بالكلمات غير الملك الموكل بالرحم الذي يقول يا رب نطفة الخ ثم قال ويحتمل ان يكون المراد بالبعث انه يؤمر بذلك قلت وهو الذي ينبغي ان يعول عليه وبه جزم القاضي عياض وغيره وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الاعمش إذا استقرت النطفة في الرحم اخذها الملك بكفه فقال أي رب اذكر أو أنثى الحديث وفيه فيقال انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد ذلك فينبغي ان يفسر الارسال المذكور بذلك واختلف في أول ما يتشكل من أعضاء الجنين فقيل قلبه لانه الاساس وهو معدن الحركة الغريزية وقيل الدماغ لانه مجمع الحواس ومنه ينبعث وقيل الكبد لان فيه النمو والاغتذاء الذي هو قوام البدن ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لان النمو هو المطلوب اولا ولا حاجة له حينئذ إلى حس ولا حركة ارادية لانه حينئذ بمنزلة النبات وانما يكون له قوة الحس والارادة عند تعلق النفس به فيقدم الكبد ثم القلب ثم الدماغ قوله فيؤمر بأربعة في رواية الكشميهني بأربع والمعدود إذا ابهم جاز تذكيره وتأنيثه والمعنى انه يؤمر بكتب أربعة أشياء من أحوال الجنين وفي رواية آدم فيؤمر بأربع كلمات وكذا للاكثر والمراد بالكلمات القضايا المقدرة وكل قضية تسمى كلمة قوله برزقه وأجله وشقي أو سعيد كذا وقع في هذه الرواية ونقص منها ذكر العمل وبه تتم الاربع وثبت قوله وعمله في رواية آدم وفي رواية أبي الاحوص عن الاعمش فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب فذكر الاربع وكذا لمسلم والاكثر وفي رواية لمسلم أيضا فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه الخ وضبط بكتب بوجهين أحدهما بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة ومثناة ساكنة ثم موحدة على البدل والاخر بتحتانية مفتوحة بصيغة الفعل المضارع وهو أوجه لانه وقع في رواية آدم فيؤذن بأربع كلمات فيكتب وكذا في رواية أبي داود وغيره وقوله شقي أو سعيد بالرفع خبر مبتدأ محذوف وتكلف الخوبي في قوله أنه يؤمر بأربع كلمات فيكتب منها ثلاثا والحق ان ذلك من تصرف الرواة والمراد انه يكتب لكل أحد اما السعادة واما الشقاء ولا يكتبهما لواحد
[ 422 ]
معا وان أمكن وجودهما منه لان الحكم إذا اجتمعا للاغلب وإذا ترتبا فللخاتمة فلذلك اقتصر على أربع والا لقال خمس والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حراما أو حلالا وبالاجل هل هو طويل أو قصير وبالعمل هو صالح أو فاسد ووقع لابي داود من رواية شعبة والثوري جميعا عن الاعمش ثم يكتب شقيا أو سعيدا ومعنى قوله شقي أو سعيد ان الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلا اجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار ما يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دل عليه بقية الخبر وكان ظاهر السياق ان يقول ويكتب شقاوته وسعادته لكن عدل عن ذلك لان الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما أشار إلى ذلك الطيبي ووقع في حديث أنس ثاني حديثي الباب ان الله وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب اذكر أو اثنى وفي حديث عبد الله بن عمرو إذا مكثت النطفة في الرحم أربعين ليلة جاءها ملك فقال اخلق يا أحسن الخالقين فيقضي الله ما شاء ثم يدفع إلى الملك فيقول يا رب اسقط أم تام فيبين له ثم يقول أواحد أم توأم فيبين له فيقول اذكر أم أنثى فيبين له ثم يقول اناقص الاجل أم تام الاجل فيبين له ثم يقول اشقي أم سعيد فيبين له ثم يقطع له رزقه مع خلقه فيهبط بهما ووقع في غير هذه الرواية أيضا زيادة على الاربع ففي رواية عبد الله بن ربيعة عن بن مسعود فيقول اكتب رزقه واثره وخلقه وشقي أو سعيد وفي رواية خصيف عن أبي الزبير عن جابر من الزيادة أي رب مصيبته فيقول كذا وكذا وفي حديث أبي الدرداء عند أحمد والفريابي فرغ الله إلى كل عبد من خمس من عمله واجله ورزقه واثره ومضجعه واما صفة الكتابة فظاهر الحديث انها الكتابة المعهودة في صحيفته ووقع ذلك صريحا في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن اسيد ثم تطو الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص وفي رواية الفريابي ثم نطوى تلك الصحيفة إلى يوم القيامة ووقع في حديث أبي ذر فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه وتلا أبو ذر خمس آيات من فاتحة سورة التغابن ونحوه في حديث بن عمر في صحيح بن حبان دون تلاوة الآية وزاد حتى النكبة ينكبها وأخرجه أبو داود في كتاب القدر المفرد قال بن أبي جمرة في الحديث في رواية أبي الاحوص يحتمل ان يكون المأمور بكتابته الاربع المأمور بها ويحتمل غيرها والاول أظهر لما بينته بقية الروايات وحديث بن مسعود بجميع طرقه يدل على ان الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوما في ثلاثة اطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح وقد ذكر الله تعالى هذه الاطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في عدة سور منها في الحج وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في كتاب الحيض في باب مخلقة وغير مخلقة ودلت الآية المذكورة على ان التخليق يكون للمضغة وبين الحديث أن ذلك يكون فيها إذا تكاملت الاربعين وهي المدة التي إذا انتهت سميت مضغة وذكر الله النطفة ثم العلقة ثم المضغة في سور أخرى وزاد في سورة قد افلح بعد المضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما الآية ويؤخذ منها ومن حديث الباب ان تصير المضغة عظاما بعد نفخ الروح ووقع في آخر رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها قريبا بعد ذكر المضغة ثم تكون عظاما أربعين ليلة ثم يكسو الله العظام لحما وقد رتب الاطوار في الآية بالفاء لان المراد انه لا يتخلل بين الطورين طور اخر ورتبها في الحديث بثم إشارة إلى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور وانما اتى بثم بين النطفة والعلقة لان النطفة قد لا تتكون انسانا واتى بثم في أخو الآية عند قوله
[ 423 ]
ثم انشأناه خلقا اخر ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه وأما الاتيان بثم في أول القصة بين السلالة والنطفة فللاشارة إلى ما تخلل بين خلق آدم وخلق ولده ووقع في حديث حذيفة بن اسيد عند مسلم ما ظاهره يخالف حديث بن مسعود ولفظه إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال أي رب اذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله الحديث هذه رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اسيد في مسلم ونسبها عياض في ثلاثة مواضع من شرح هذا الحديث إلى رواية بن مسعود وهو وهم وانما لابن مسعود في أول الرواية ذكر في قوله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره فقط وبقية الحديث انما هو لحذيفة بن اسيد وقد أخرجه جعفر الفريابي من طريق يوسف المكي عن أبي الطفيل عنه بلفظ إذا وقعت النطفة في الرحم ثم استقرت أربعين ليلية قال فيجئ ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره ثم يقول أي رب اذكر أو أنثى الحديث قال القاضي عياض وحمل هذا على ظاهره لا يصح لان التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول الاربعين الثانية غير موجود ولا معهود وانما يقع التصوير في آخر الاربعين الثالثة كما قال تعالى ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما الآية قال فيكون معنى قوله فصورها الخ أي كتب ذلك ثم يفعله بعد ذلك بدليل قوله بعد اذكر أو أنثى قال وخلقه جميع الاعضاء والذكورية والانثوية يقع في وقت متفق وهو مشاهد فيما يوجد من اجنة الحيوان وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة ثم يكون للملك فيه تصور آخر وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة اشهر كما اتفق عليه العلماء ان نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة اشهر انتهى ملخصا وقد بسطه بن الصلاح في فتاويه فقال ما ملخصه اعرض البخاري عن حديث حذيفة بن اسيد اما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه واما لكونه لم يره ملتئما مع حديث بن مسعود وحديث بن مسعود لا شك في صحته وأما مسلم فأخرجهما معا فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما بان يحمل إرسال الملك على التعدد فمرة في ابتداء الاربعين الثانية وأخرى في انتهاء الاربعين الثالثة لنفخ الروح واما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الاربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث بن مسعود ان التصوير انما يقع بعد ان تصير مضغة فيحمل الاول على ان المراد انه يصورها لفظا وكتبا لا فعلا أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها بدليل ان جعلها ذكرا أو أنثى انما يكون عند المضغة قلت وقد نوزع في ان التصوير حقيقة انما يقع في الاربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الاجنة التصوير في الاربعين الثانية وتمييز الذكر على الانثى فعلى هذا فيحتمل ان يقال أول ما يبتدي به الملك تصوير ذلك لفظا وكتبا ثم يشرع فيه فعلا عند استكمال العلقة ففي بعض الاجنة يتقد ذلك وفي بعضها يتأخر ولكن بقي في حديث حذيفة بن اسيد انه ذكر العظم واللحم وذلك لا يكون الا بعد أربعين العلقة فيقوى ما قال عياض ومن تبعه قلت وقال بعضهم يحتمل ان يكون الملك عند انتهاء الاربعين الاولى يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء بحسب الاعضاء أو يقسم بعضها إلى جلد وبعضها إلى لحم وبعضها إلى عظم فيقدر ذلك كله قبل وجوده ثم يتهيأ ذلك في آخر الاربعين الثانية ويتكامل في الاربعين
[ 424 ]
الثالثة وقال بعضهم معنى حديث بن مسعود ان النطفة يغلب عليها وصف المنى في الاربعين الاولى ووصف العلقة في الاربعين الثانية ووصف المضغة في الاربعين الثالثة ولا ينافي ذلك ان يتقدم تصويره والراجح ان التصوير انما يقع في الاربعين الثالثة وقد اخرج الطبري من طريق السدى في قوله تعالى هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء قال عن مرة الهمداني عن بن مسعود وذكر أسانيد أخرى قالوا إذا وقعت النطفة في الرحم طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا أراد الله ان يخلقها بعث ملكا فصورها كما يؤمر ويؤيده حديث أنس ثاني حديثي الباب حيث قال بعد ذكر النطفة ثم العلقة ثم المضغة فإذا أراد الله ان يقضي خلقها قال أي رب اذكر أم أنثى الحديث ومال بعض الشراح المتأخرون إلى الاخذ بما دل عليه حديث حذيفة بن اسيد من ان التصوير والتخليق يقع في اواخر الاربعين الثانية حقيقة قال وليس في حديث بن مسعود ما يدفعه واستند إلى قول بعض الاطباء ان المنى إذا حصل في الرحم حصل له زبدية ورغوة في ستة أيام أو سبعة من غير استمداد من الرحم ثم يستمد من الرحم ويبتدئ فيه الخطوط بعد ثلاثة أيام أو نحوها ثم في الخامس عشر ينفذ الدم إلى الجميع فيصير علقة ثم تتميز الاعضاء وتمتد رطوبة النخاع وينفصل الرأس عن المنكبين والاطراف عن الاصابع تمييزا يظهر في بعض ويخفى في بعض وينتهي ذلك إلى ثلاثين يوما في الاقل وخمسة وأربعين في الاكثر لكن لا يوجد سقط ذكر قبل ثلاثين ولا أنثى قبل خمسة وأربعين قال فيكون قوله فيكتب معطوفا على قوله يجمع وأما قوله ثم يكون علقة مثل ذلك فهو من تمام الكلام الاول وليس المراد ان الكتابة لا تقع الا عند انتهاء الاطوار الثلاثة فيحمل على انه من ترتيب الاخبار لا من ترتيب المخبر بة ويحتمل ان يكون ذلك من تصرف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه كذا قال والحمل على ظاهر الاخبار أولى وغالب ما نقل عن هؤلاء دعاوى لا دلالة لعليها قال بن العربي الحكمة في كون الملك يكتب ذلك كونه قابلا للنسخ والمحو والاثبات بخلاف ما كتبه الله تعالى فإنه لا يتغير قوله ثم ينفخ فيه الروح كذا ثبت في رواية آدم عن شعبة في التوحيد وسقط في هذه الرواية ووق في رواية مسلم من طريق أبي معاوية وغيره ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات وظاهره قبل الكتابة ويجمع بأن رواية آدم صريحة في تأخير النفخ للتعبير بقوله ثم والرواية الاخرى محتملة فترد إلى الصريحة لان الواو لا ترتب فيجوز ان تكون معطوفة على الجملة التي تليها وأن تكون معطوفة على جملة الكلام المتقدم أي يجمع خلقه في هذه الاطوار ويؤمر الملك بالكتب وتوسط قوله ينفخ فيه الروح بين الجمل فيكون من ترتيب الخبر على الخبر لا من ترتيب الافعال المخبر عنها ونقل بن الزملكاني عن بن الحاجب في الجواب عن ذلك ان العرب إذا عبرت عن أمر بعده أمور متعددة ولبعضها تعلق بالاول حسن تقديمه لفظا على البقية وان كان بعضها متقدما عليه وجودا وحسن هنا لان القصد ترتيب الخلق الذي سيق الكلام لاجله وقال عياض اختلفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع ولم يختلف ان نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما وذلك تمام أربعة اشهر ودخوله في الخامس وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الاحكام في الاستلحاق عند التنازع وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف وقد قيل انه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة اشهر وعشر
[ 425 ]
وهو الدخول في الخامس وزيادة حذيفة بن اسيد مشعرة بأن الملك لا يأتي لرأس الاربعين بل بعدها فيكون مجموع ذلك أربعة اشهر وعشرا وهو مصرح به في حديث بن عباس إذا وقعت النطفة في الرحم مكثت أربعة اشهر وعشرا ثم ينفخ فيها الروح وما أشار إليه من عدة الوفاة جاء صريحا عن سعيد بن المسيب فأخرج الطبري عنه انه سئل عن عدة الوفاة فقيل له ما بال العشرة بعد الاربعة اشهر فقال ينفخ فيها الروح وقد تمسك به من قال كالاوزاعي وإسحاق ان عدة أم الولد مثل عدة الحرة وهو قوي لان الغرض استبراء الرحم فلا فرق فيه بين الحرة والامة فيكون معنى قوله ثم يرسل إليه الملك أي لتصويره وتخليقه وكتابة ما يتعلق به فينفخ فيه الروح اثر ذلك كما دلت عليه رواية البخاري وغيره ووقع في حديث علي بن عبد الله عند بن أبي حاتم إذا تمت للنطفة أربعة اشهر بعث الله إليها ملكا فينفخ فيها الروح فذلك قوله ثم انشأناه خلقا اخر وسنده منقطع وهذا لا ينافي التقييد بالعشر الزائدة ومعنى إسناد النفخ للملك انه يفعله بأمر الله والنفخ في الاصل إخراج ريح من جوف النافح ليدخل في المنفوخ فيه والمراد بإسناده إلى الله تعالى أن يقول له كن فيكون وجمع بعضهم بان الكتابة تقع مرتين فالكتابة الاولى في السماء والثانية في بطن المرأة ويحتمل ان تكون إحداهما في صحيفة والاخرى على جبين المولود وقيل يختلف باختلاف الاجنة فبعضها كذا وبعضها كذا والاول أولى قوله فوالله ان أحدكم في رواية آدم فان أحدكم ومثله لابي داود عن شعبة وسفيان جميعا وفي رواية أبي الاحوص فان الرجل منكم ليعمل ومثله في رواية حفص دون قوله منكم وفي رواية بن ماجة فوالذي نفسي بيده وفي رواية مسلم والترمذي وغيرهما فوالله الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل لكن وقع عند أبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما من طريق يحيى القطان عن الاعمش قال فوالذي لا اله غيره وهذه محتملة لان يكون القائل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الخبر كله مرفوعا ويحتمل ان يكون بعض رواته ووقع في رواية وهب بن جرير عن شعبة بلفظ حتى ان أحدكم ليعمل ووقع في رواية زيد بن وهب ما يقتضي انه مدرج في الخبر من كلام بن مسعود لكن الادراج لا يثبت بالاحتمال وأكثر الروايات يقتضي الرفع الا رواية وهب بن جرير فبعيدة من الادراج فأخرج أحمد والنسائي من طريق سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن بن مسعود نحو حديث الباب وقال بعد قوله اكتبه شقيا أو سعيدا ثم قال والذي نفس عبد الله بيده ان الرجل ليعمل كذا وقع مفصلا في رواية جماعة عن الاعمش منهم المسعودي وزائدة وزهير بن معاوية وعبد الله بن إدريس وآخرون فيما ذكره الخطيب وقد روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أصل الحديث بدون هذه الزيادة وكذا أبو وائل وعلقمة وغيرهما عن بن مسعود وكذا اقتصر حبيب بن حسان عن زيد بن وهب وكذا وقع في معظم الاحاديث الواردة عن الصحابة كأنس في ثاني حديثي الباب وحذيفة بن اسيد وابن عمر وكذا اقتصر عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن الاعمش على هذا القدر نعم وقعت هذه الزيادة مرفوعة في حديث سهل بن سعد الاتي بعد أبواب وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وفي حديث عائشة عند أحمد وفي حديث بن عمر والعرس بن عميرة في البزار وفي حديث عمرو بن العاص واكثم بن أبي الجون في الطبراني لكن وقعت في حديث أنس من وجه اخر قوي مفردة من رواية حميد عن الحسن البصري عنه ومن الرواة من حذف الحسن بين حميد وأنس فكأنه كان تاما عند
[ 426 ]
أنس فحدث به مفرقا فحفظ بعض اصحابه ما لم يحفظ الاخر عنه فيقوى على هذا ان الجميع مرفوع وبذلك جزم المحب الطبري وحينئذ تحم رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب على ان عبد الله بن مسعود لتحقق الخبر في نفسه اقسم عليه ويكون الادراج في القسم لا في المقسم عليه وهذا غاية التحقيق في هذا الموضع ويؤيد الرفع أيضا انه مما لا مجال الرأي فيه فيكون له حكم الرفع وقد اشتملت هذه الجملة على أنواع من التأكيد بالقسم ووصف المقسم به وبأن وباللام والاصل في التأكيد انه يكون لمخاطبة المنكر أو المستبعد أو من يتوهم فيه شئ من ذلك وهنا لما كان الحكم مستبعدا وهو دخول من عمل الطاعة طول عمره النار وبالعكس حسن المبالغة في تأكيد الخبر بذلك والله اعلم قوله أحدكم أو الرجل ليعمل وقع في رواية آدم فان أحدكم بغير شك وقدم ذكر الجنة على النار وكذا وقع للاكثر وهو كذا عند مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة وفي رواية حفص فان الرجل واخر ذكر النار وعكس أبو الأحوص ولفظه فان الرجل منكم قوله بعمل أهل النار الباء زائدة والاصل يعمل عمل أهل النار لان قوله عمل اما مفعول مطلق واما مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فكان زيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار وظاهره انه يعمل بذلك حقيقة ويختم له بعكسه وسيأتي في حديث سهل بلفظ ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو محمول على المنافق والمرائي بخلاف حديث الباب فإنه يتعلق بسوء الخاتمة قوله غير ذراع أو باع في رواية الكشميهني غير باع أو ذراع وفي رواية أبي الاحوص الا ذراع ولم يشك وقد علقها المصنف لآدم في آخر هذا الحديث ووصل الحديث كله في التوحيد عنه ومثله في رواية أبي الاحوص والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت فيحال من بينه وبين المكان المقصود بمقدار ذراع أو باع من المسافة وضابط ذلك الحسى الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفا وأهل الشر صرفا إلى الموت ولا ذكر للذي خلطوا وماتوا على الاسلام لانه لم يقصد في الحديث تعميم أحوال المكلفين وانما سيق لبيان ان الاعتبار بالخاتمة قوله بعمل أهل الجنة يعني من الطاعات الاعتقادية والقولية والفعلية ثم يحتمل أن الحفظة تكتب ذلك ويقبل بعضها ويرد بعضها ويحتمل ان تقع الكتابة ثم تمحى واما القبول فيتوقف على الخاتمة قوله حتى ما يكون قال الطيبي حتى هنا الناصبة وما نافية ولم تكف يكون عن العمل فهي منصوبة بحتى وأجاز غيره ان تكون حتى ابتدائية فتكون على هذا بالرفع وهو مستقيم أيضا قوله فيسبق عليه الكتاب في رواية الي الاحوص كتابه والفاء في قوله فيسبق إشارة إلى تعقيب ذلك بلا مهلة وضمن يسبق معنى يغلب قاله الطيبي وقوله عليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعا عليه وفي رواية سلمة بن كهيل ثم يدركه الشقاء وقال ثم تدركه السعادة والمراد يسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب والمعنى انه يتعارض عمله في اقتضاء السعادة والمكتوب في اقتضاء الشقاوة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبر عن ذلك بالسبق لان السابق يحصل مراده دون المسبوق ولانه لو تمثل العمل والكتاب شخصين ساعيين لظفر شخص الكتاب وغلب شخص العمل ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم وان الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة زاد أحمد من وجه اخر عن أبي هريرة سبعين سنة وفي حديث أنس عند أحمد
[ 427 ]
وصححه بن حبان لا عليكم ان لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له فان العامل يعمل زمانا من عمره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا الحديث وفي حديث عائشة عند أحمد مرفوعا ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وهو مكتوب في الكتاب الاول من أهل النار فإذا كان قبل موته تحول فعمل عمل أهل النار فمات فدخلها الحديث ولاحمد والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان الحديث وفيه هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال اصحابه ففيم العمل فقال سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل الحديث وفي حديث علي عند الطبراني نحوه وزاد صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاوة حتى يقال ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم السعادة فتستنقذهم الحديث ونحوه للبزار من حديث بن عمر وسيأتي حديث سهل بن سعد بعد أبواب وفي اخره انما الاعمال بالخواتيم ومثله في حديث عائشة عند بن حبان ومن حديث معاوية نحوه وفي اخر حديث علي المشار إليه قبل الاعمال بخواتيمها وفي الحديث ان خلق السمع والبصر يقع والجنين داخل بطن أمه وقد زعم بعضهم انه يعطى ذلك بعد خروجه من بطن أمه لقوله تعالى والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة وتعقب بأن الواو لا ترتب والتحقيق ان خلق السمع والبصر وهو في بطن أمه محمول جزما على الاعضاء ثم القوة الباصرة والسامعة لانها مودعة فيها وأما الادراك بالفعل فهو موضع النزاع والذي يترجح انه يتوقف على زوال الحجاب المانع وفيه ان الاعمال حسنها وسيئها امارات وليست بموجبات وان مصير الامور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء قاله الخطابي وفيه القسم على الخبر الصدق تأكيدا في نفس السامع وفيه إشارة إلى علم المبدأ والمعاد وما يتعلق ببدن الانسان وحاله في الشقاء والسعادة وفيه عدة احكام تتعلق بالاصول والفروع والحكمة وغير ذلك وفيه ان السعيد قد يشقى وان الشقي قد يسعد لكن بالنسبة إلى الاعمال الظاهرة واما ما في علم الله تعالى فلا يتغير وفيه ان الاعتبار بالخاتمة قال بن أبي جمرة نفع الله به هذه التي قطعت اعناق الرجال مع ما هم فيه من حسن الحال لانهم لا يدرون بماذا يختم لهم وفيه ان عموم مثل قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم الآية مخصوص بمن مات على ذلك وان من عمل السعادة وختم له بالشقاء فهو في طول عمره عند الله شقي وبالعكس وما ورد مما يخالفه يؤول إلى ان يؤول إلى هذا وقد اشتهر الخلاف في ذلك بين الاشعرية والحنفية وتمسك الاشاعرة بمثل هذا الحديث وتمسك الحنفية بمثل قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وأكثر كل من الفريقين الاحتجاج لقوله والحق ان النزاع لفظي وان الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل وان الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعد ان يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالادمي فيقع فيه المحو والاثبات كالزيادة في العمر والنقص وأما ما في علم الله فلا محو فيه ولا اثبات والعلم عند الله وفي التنبيه على صدق البعث بعد الموت لان من قدر على خلق الشخص من ماء مهين ثم نقله إلى العلقة
[ 428 ]
ثم إلى المضغة ثم ينفخ الروح فيه قادر على نفخ الروح بعد ان يصير ترابا ويجمع اجزاءه بعد ان يفرقها ولقد كان قادرا على ان يخلقه دفعة واحدة ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الاطوار رفقا بالام لاكنا لم تكن معتادة فكانت المشقة تعظم عليها فهيأة في بطنها بالتدريج إلى ان تكامل ومن تأمل أصل خلقه من نطفة وتنقله في تلك الاطوار إلى ان صار انسانا جميل الصورة مفضلا بالعقل والفهم والنطق كان حقا عليه ان يشكر من أنشأه وهيأه ويعبده حق عبادته ويطيعه ولا يعصيه وفيه ان في تقدير الاعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين في بطن أمه كما وقع في الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ وأما ما وقع في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة فهو محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ على وفق ما في علم الله سبحانه وتعالى واستدل به على ان السقط بعد الاربعة اشهر يصلي عليه لانه وقت نفخ الروح فيه وهو منقول عن القديم للشافعي والمشهور عن أحمد وإسحاق وعن أحمد إذا بلغ أربعة اشهر وعشرا ففي تلك العشر ينفخ فيه الروح ويصلي عليه والراجح عند الشافعية انه لا بد من وجود الروح وهو الجديد وقد قالوا فإذا بكى أو اختلج أو تنفس ثم بطل ذلك صلى عليه والا فلا والاصل في ذلك ما أخرجه النسائي وصححه بن حبان والحاكم عن جابر رفعه إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه وقد ضعفه النووي في شرح المهذب والصواب انه صحيح الاسناد لكن المرجح عند الحفاظ وقفه وعلى طريق الفقهاء لا اثر للتعليل بذلك لان الحكم للرفع لزيادته قالوا وإذا بلغ مائة وعشرين يوما غسل وكفن ودفن بغير صلاة وما قبل ذلك لا يشرع له غسل ولا غيره واستدل به على ان التخليق لا يكون الا في الاربعين الثالثة فأقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما وهي ابتداء الاربعين الثالثة وقد لا يتبين الا في آخرها ويترتب على ذلك انه لا تنقضي العدة بالوضع الا ببلوغها وفيه خلاف ولا يثبت للامة أمية الولد الا بعد دخول الاربعين الثالثة وهذا قول الشافعية والحنابلة وتوسع المالكية في ذلك فأداروا الحكم في ذلك على كل سقط ومنهم من قيده بالتخطيط ولو كان خفيا وفي ذلك رواية عن أحمد وحجتهم ما تقدم في بعض طرقه ان النطفة إذا لم يقدر تخليقه لا تصير علقة وإذا قدر انها تتخلق تصير علقة ثم مضغة الخ فمتى وضعت علقة عرف ان النطفة خرجت عن كونها نطفة واستحالت إلى أول أحوال الولد وفيه ان كلا من السعادة والشقاء قد يقع بلا عمل ولا عمر وعليه ينطبق قوله صلى الله عليه وسلم الله اعلم بما كانوا عاملين وسيأتي الالمام بشئ من ذلك بعد أبواب وفيه الحث القوي على القناعة والزجر الشديد عن الحرص لان الرزق إذا كان قد سبق تقديره لم يغن التعني في طلبه وانما شرع الاكتساب لانه من جملة الاسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا وفيه ان الاعمال سبب دخول الجنة أو النار ولا يعارض ذلك حديث لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله لما تقدم من الجمع بينهما في شرحه في باب القصد والمداومة على الحمل من كتاب الرقاق وفيه ان من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا وكذا عكسه واحتج من اثبت ذلك بما سيأتي قريبا من حديث على اما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهل السعادة الحديث والتحقيق ان يقال ان أريد انه لا يعلم أصلا ورأسا فمردود وان أريد انه يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب فنعم ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان
[ 429 ]
صدق بالخير والصلاح ومات على ذلك لقوله في الحديث الصحيح الماضي في الجنائز أنتم شهداء الله في الارض وان أريد انه يعلم قطعا لمن شاء الله ان يطلعه على ذلك فهو من جملة الغيب الذي استأثر الله بعلمه واطلع من شاء ممن ارتضى من رسله عليه وفيه الحث على الاستعاذة بالله تعالى من سوء الخاتمة وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف وأما ما قال عبد الحق في كتاب العاقبة أن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره وانما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والمجزئ على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة فقد يكون ذلك سببا لسوء الخاتمة نسأل الله السلامة فهو محمول على الاكثر الاغلب وفيه ان قدرة الله تعالى لا يوجبها شئ من الاسباب الا بمشيئته فإنه لم يجعل الجماع علة للولد لان الجماع قد يحصل ولا يكون الولد حتى يشاء الله ذلك وفيه ان الشئ الكثيف يحتاج إلى طول الزمان بخلاف اللطيف ولذلك طالت المدة في اطوار الجنين حتى حصل تخليقه بخلاف نفخ الروح ولذلك لما خلق الله الارض اولا عمد إلى السماء فسواها وترك الارض لكثافتها بغير فتق ثم فتقتا معا ولما خلق آدم فصوره من الماء والطين تركه مدة ثم نفخ فيه الروح واستدل الداودي بقوله فتدخل النار على ان الخبر خاص بالكفار واحتج بأن الايمان لا يحبطه إلا الكفر وتعقب بأنه ليس في الحديث تعرض للاحباط وحمله على المعنى الاعم أولى فيتناول المؤمن حتى يختم له بعمل الكافر مثلا فيرتد فيموت على ذلك فنستعيذ بالله من ذلك ويتناول المطيع حتى يختم له بعمل العاصي فيموت على ذلك ولا يلزم من إطلاق دخول النار انه يخلد فيهما ابدا بل مجرد الدخول صادق على الطائفتين واستدل له على انه لا يجب على الله رعاية الاصلح خلافا لمن قال به من المعتزلة لان فيه ان بعض الناس يذهب جميع عمره في طاعة الله ثم يختم له بالكفر والعياذ بالله فيموت على ذلك فيدخل النار فلو كان يجب عليه رعاية الاصلح لم يحبط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر التي مات عليها ولا سيما ان طال عمره وقرب موته من كفره واستدل به بعض المعتزلة على ان من عمل عمل أهل النار وجب ان يدخلها لترتب دخولها في الخبر على العمل وترتب الحكم على الشئ يشعر بعليته وأجيب بأنه علامة لا علة والعلامة قد تتخلف سلمنا انه علة لكنه في حق الكفار واما العصاة فخرجوا بدليل ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فمن لم يشرك فهو داخل في بالمشيئة واستدل به الاشعر في تجويزه تكليف مالا يطاق لانه دل على ان الله كلف العباد كلهم بالايمان مع انه قدر على بعضهم انه يموت على الكفر وقد قيل ان هذه المسألة لم يثبت وقوعها الا في الايمان خاصة وما عداه لا توجد دلالة قطعية على وقوعه واما مطلق الجواز فحاصل وفيه ان الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال الشخص مفصلة وفيه انه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى انه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها ويرضاها وفيه ان جميع الخير والشر بتقدير الله تعالى وايجاده وخالف في ذلك القدرية والجبرية فذهبت القدرية إلى ان فعل العبد من قبل نفسه ومنهم من فرق بين الخير والشر فنسب إلى الله الخير ونفى عنه خلق الشر وقيل انه لا يعرف قائله وان كان قد اشتهر ذلك وانما هذا رأي المجوس وذهبت الجبرية إلى ان الكل فعل الله وليس للمخلوق فيه تأثير أصلا وتوسط أهل السنة فمنهم من قال أصل الفعل خلقه الله وللعبد قدرة غير مؤشره في المقدور واثبت بعضهم ان لها تأثيرا لكنه
[ 430 ]
يسمى كسبا وبسط ادلتهم يطول وقد اخرج أحمد وأبو يعلى من طريق أيوب بن زياد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت حدثني أبي قال دخلت على عبادة وهو مريض فقلت اوصني فقال إنك لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره وهو وان تعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك الحديث وفيه وان مت ولست على ذلك دخلت النار وأخرجه الطبراني من وجه اخر بسند حسن عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء مرفوعا مقتصرا على قوله ان العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه وسيأتي الالمام بشئ منه في كتاب التوحيد في الكلام على خلق افعال العباد ان شاء الله تعالى وفي الحديث ان الاقدار غالبة والعاقبة غائبة فلا ينبغي لاحد ان يغتر بظاهر الحال ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة وسيأتي في حديث علي الاتي بعد بابين سؤال الصحابة عن فائدة العمل مع تقدم التقدير والجواب عنه اعملوا فكل ميسر لما خلق له وظاهره قد يعارض حديث بن مسعود المذكور في هذا الباب والجمع بينهما حمل حديث علي على الاكثر الاغلب وحمل حديث الباب على الاقل ولكنه لما كان جائزا تعين طلب الثبات وحكى بن التين ان عمر بن عبد العزيز لما سمع هذا الحديث أنكره وقال كيف يصح ان يعمل العبد عمره الطاعة ثم لا يدخل الجنة انتهى وتوقف شيخنا بن الملقن في صحة ذلك عن عمر وظهر لي انه ان ثبت عنه حمل على ان راويه حذف منه قوله في آخره فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها أو أكمل الراوي لكن استبعد عمر وقوعه وان كان جائزا ويكون إيراده على سبيل التخويف من سوء الخاتمة الحديث الثاني حديث أنس قوله حماد هو بن زيد وعبيد الله بن أبي بكر أي بن أنس بن مالك قوله وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة الخ أي يقول كل كلمة من ذلك في الوقت الذي تصير فيه كذلك كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله وقد مضى شرحه مستوفي فيه وتقدم شئ منه في كتاب الحيض ويجوز في قوله نطفة النصب على إضمار فعل والرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وفائدة ذلك انه يستهفم هل يتكون منها اولا وقوله ان يقضي خلقها أي يأذن فيه قوله باب بالتنوين جف القلم أي فرغت الكتابة إشارة إن أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه فهو كناية عن الفراغ من الكتابة لان الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم فإذا انتهت الكتابة جفت الكتابة والقلم وقال الطيبي هو من إطلاق اللازم على الملزوم لان الفراغ من الكتابة يستلزم جفاف القلم عند مداده قلت وفيه إشارة إلى ان كتابة ذلك انقضت من امد بعيد وقال عياض معنى جف القلم أي لم يكتب بعد ذلك شيئا وكتاب الله ولوحه وقلمه من غيبه ومن علمه الذي يلزمنا الايمان به ولا يلزمنا معرفة صفته وانما خوطبنا بما عهدنا فيما فرغنا من كتابته ان القلم يصير جاف للاستغناء عنه قوله على علم الله أي على حكمه لان معلومه لا بد ان يقع فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه وهذا لفظ حديث أخرجه أحمد وصححه بن حبان من طريق عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله عزوجل خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن اصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن اخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله وأخرجه أحمد وابن حبان من طريق أخرى عن أبي الديلمي نحوه
[ 431 ]
وفي اخره ان القائل فلذلك أقول هو عبد الله بن عمرو ولفظه قلت لعبد الله بن عمرو بلغني انك تقول ان القلم قد جف فذكر الحديث وقال في اخره فلذلك أقول جف القلم بما هو كائن ويقال ان عبد الله بن طاهر أمير خراسان للمأمون سأل الحسين بن الفضل عن قوله تعالى كل يوم هو في شان مع هذا الحديث فأجاب هي شؤون يبديها لا شؤون يبتديها فقام إليه وقبل رأسه قوله وقال أبو هريرة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم جف القلم بما أنت لاق هو طرف من حديث ذكر أصله المصنف من طريق بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله اني رجل شاب واني أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني الحديث وفيه يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر أخرجه في أوائل النكاح فقال قال اصبغ يعني بن الفرج أخبرني بن وهب عن يونس عن بن شهاب ووصله الاسماعيلي والجوزقي والفريابي في كتاب القدر كلهم من طريق اصبغ به وقالوا كلهم بعد قوله العنت فأذن لي ان اختصى ووقع لفظ جف القلم أيضا في حديث جابر عند مسلم قال سراقة يا رسول الله فيم العمل افيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير الحديث وفي اخر حديث بن عباس الذي فيه احفظ الله يحفظك ففي بعض طرقه جفت الاقلام وطويت الصحف وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني في حديث واعلم ان القلم قد جف بما هو كائن وفي حديث الحسن بن علي عند الفريابي رفع الكتاب وجف القلم قوله وقال بن عباس لها سابقون سبقت لهم السعادة وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون قال سبقت لهم السعادة والمعنى انهم سارعوا إلى الخيرات بما سبق لهم من السعادة بتقدير الله ونقل عن الحسن ان اللام في لها بمعنى الباء فقال معناه سابقون بها فقال الطبراني وتأولها بعضهم أي اللام بأنها بمعنى إلى وبعضهم ان المعنى وهم من اجلها ونقل عبد الرحمن بن زيد ان الضمير للخيرات وأجاز غيره ان للسعادة والذي يجمع بين تفسير بن عباس وظاهر الآية ان السعادة سابقة وان أهلها سبقوا إليها لا انهم سبقوها قوله حدثنا يزيد الرشك بكسر الراء وسكون المعجمة بعدها كاف كنيته أبو الأزهر وحكى الكلاباذي ان اسم والده سنان بكسر المهملة ونونين وهو بصري تابعي ثقة قيل كان كبير اللحية فلقب الرشك وهو بالفارسية كما زعم أبو علي الغساني وجزم به بن الجوزي الكبير اللحية وقال أبو حاتم الرازي كان غيورا فقيل له ارشك بالفراسية فمضى عليه الرشك وقال الكرماني بل الرشك بالفراسية القمل الصغير الملتصق بأصول شعر اللحية وذكر الكلاباذي ان الرشك القسام قلت بل كان يزيد يتعاني مساحة الارض فقيل له القسام وكان يلقب الرشك لا ان مدلول الرشك القسام بل هما لقب ونسبة إلى صنعة والمعتمد في أمره ما قال أبو حاتم وما ليزيد في البخاري الا هذا الحديث أورده هنا وفي كتاب الاعتصام قوله قال رجل هو عمران بن حصين راوي الخبر بينه عبد الوارث بن سعيد عن يزيد الرشك عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله فذكره وسيأتي موصولا في اواخر كتاب التوحيد وسأل عن ذلك اخرون وسيأتي مزيد بسط فيه في شر حديث علي قريبا قوله أيعرف أهل الجنة من أهل النار في رواية حماد بن زيد عن يزيد عند مسلم بلفظ اعلم بضم العين والمراد بالسؤال معرفة الملائكة أو من اطلعه الله على ذلك واما معرفة العامل أو من
[ 432 ]
شاهده فإنما يعرف بالعمل قوله فلم يعمل العاملون في رواية حماد ففيم وهو استفهام والمعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل الى العمل لانه سيصير إلى ما قدر له قوله قال كل يعمل لما خلق له أو لما ييسر له وفي رواي الكشميهني يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة وفي رواية حماد المشار إليها قال كل ميسر لما خلق له وقد جاء هذا الكلام الاخير عن جماعة من الصحابة بهذا اللفظ يزيدون على العشرة سأشير إليها في اخر الباب الذي بلى الذي يليه منها حديث أبي الدرداء عند أحمد بسند حسن بلفظ كل امرئ مهيأ لما خلق له وفي الحديث إشارة إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه ان يجتهد في عمل ما أمر به فإن علمه امارة إلى ما يؤل إليه امره غالبا وان كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك كما ثبت في حديث بن مسعود وغيره لكن لا اطلاع له على ذلك فعليه ان يبذل جهده ويجاهد نفسه في عمل الطاعة لا يترك وكولا إلى ما يؤل إليه امره فيلام على ترك المأمور ويستحق العقوبة وقد ترجم بن حبان بحديث الباب ما يجب على المرء من التشمير في الطاعات وان جرى قبلها ما يكره الله من المحظورات ولمسلم من طريق أبي الاسود عن عمران انه قال له أرأيت ما يعمل الناس اليوم اشئ قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال لا بل شئ قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها وفيه قصة لابي الاسود الدؤلي مع عمران وفيه قوله له ايكون ذلك ظلما فقال لا كل شئ خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل قال عياض اورد عمران على أبي الاسود شبهة القدرية من تحكمهم على الله ودخولهم بأرائهم في حكمه فلما اجابه بما دل على ثباته في الدين قواه بذكر الآية وهي حد لاهل السنة وقوله كل شئ خلق الله وملكه يشير إلى ان المالك الاعلى الخالق الآمر لا يعترض عليه إذا تصرف في ملكه بما يشاء وانما يعترض على المخلوق المأمور قوله باب الله اعلم بما كانوا عاملين الضمير لاولاد المشركين كما صرح به في السؤال وذكره من حديث بن عباس مختصرا ومن حديث أبي هريرة كذلك وتقدم في اواخر الجنائز باب ما قيل في أولاد المسلمين وبعده باب ما قيل في أولاد المشركين وذكر في الثاني الحديثين المذكورين هنا من مخرجيهما وذكر الثالث أيضا من وجه اخر عن أبي هريرة وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في الباب المذكور قوله في الرواية الثانية عن بن شهاب قال وأخبرني عطاء بن يزيد الواو عاطفة على شئ محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشئ ثم حدث بحديث عطاء ووقع في رواية مسلم من طريق بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد وعند أبي عوانة في صحيحه من طريق شعيب عن الزهري حدثني عطاء بن يزيد الليثي عز وجل قوله في أول الحديث الثالث أخبرنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه كما بينته في المقدمة قوله باب وكان أمر الله قدرا مقدورا أي حكما مقطوعا بوقوعه والمراد بالامر واحد الامور المقدرة ويحتمل ان يكون واحد الاوامر لان الكل موجود بكن ذكر فيه خمسة أحاديث الاول حديث أبي هريرة لا تسأل المرأة طلاق أختها إلى قوله في اخره فإن لها ما قدر لها وقد مضى شرحه في باب الشروط التي لا تحل في النكاح من كتاب النكاح قال بن العربي في هذا الحديث من أصول الدين السلوك في مجاري القدر وذلك لا يناقض العمل في الطاعات ولا يمن التحرف في ا لاكتساب والنظر لقوت
[ 433 ]
غد وان كان لا يتحقق انه يبلغه وقال بن عبد البر هذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم لما دل عليه من ان الزوج لو اجابها وطلق من تظن انها تزاحمها في رزقها فإنه لا يحصل لها من ذلك الا ما كتب الله لها سواء اجابها أو لم يجبها وهو كقول الله تعالى في الآية الاخرى قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا الحديث الثاني حديث أسامة وهو بن زيد قوله عاصم هو الاحول وأبو عثمان هو النهدي قوله وعنده سعد هو بن عبادة ومعاذ هو بن جبل وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الجنائز وما قيل في تسمية الابن المذكور وبيان الجمع بين هذه الرواية والرواية التي فيها ان ابنتها الحديث الثالث حديث أبي سعيد قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله جاء رجل من الانصار تقدم في غزوة المريسيع وفي عشرة النساء من كتاب النكاح عن أبي سعيد قال سألنا وأخرجه النسائي من طريق بن محيريز ان أبا سعيد وأبا صرمة اخبراه انهم اصابوا سبايا قال فتراجعنا في العزل فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل أبا سعيد باشر السؤال وان كان الذين تراجعوا في ذلك جماعة وقد وقع عند البخاري في تاريخه وابن السكن وغيره في الصحابة من حديث مجدي الضمري قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة المريسيع فأصبنا سبيا فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل الحديث وأبو صرمة مختلف في صحبته وقد وقع في صحيح مسلم من طريق بن محيريز دخلت انا وأبو صرمة على أبي سعيد قال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل الحديث والثابت ان أبا صرمة وهو بكسر المهملة وسكون الراء انما سأل أبا سعيد وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في النكاح والغرض منه هنا قوله في آخره وليست نسمة كتب الله ان تخرج الا هي كائنة الحديث الرابع قوله حدثنا موسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وسفيان هو الثوري قوله لقد خطبنا في رواية جرير عن الاعمش عند مسلم قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما قوله الا ذكره في رواية جرير الا حدث به قوله علمه من علمه وجهله من جهله في رواية جرير حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وزاد قد علمه أصحابي هؤلاء أي علموا وقوع ذلك المقام وما وقع منه من الكلام وقد سميت في أول بدء الخلق من روى نحو حديث حذيفة هذا من الصحابة كعمر وأبي زيد بن اخطب وأبي سعيد قال وغيرهم فلعل حذيفة أشار إليهم أو إلى بعضهم وقد اخرج مسلم من طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة والله اني لاعلم كل فتنة كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم اسر الي شيئا لم يكن يحدث به غيري وقال في اخره فذهب أولئك الرهط غيري وهذا لا يناقض الاول بل يجمع بأن يحمل على مجلسين أو المراد بالاول أعم من المراد بالثاني قوله ان كنت لارى الشئ قد نسيت كذا للاكثر بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني بإثباته ولفظه نسيته قوله فأعرفه كما في يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه في رواية محمد بن يوسف عن سفيان عند الاسماعيلي كما يعرف الرجل بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الرجل وجه الرجل غاب عنه ثم رآه فعرفه قال عياض في هذا الكلام تلفيق وكذا في رواية جرير وانه ليكون منه الشئ قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه قال والصواب كما ينسى الرجل وجه الرجل أو كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه
[ 434 ]
عرفه قلت والذي يظهر لي ان الرواية في الاصلين مستقيمة وتقدير ما في حديث سفيان انه يرى الشئ الذي كان نسيه فإذا رآه عرفه وقوله كما يعرف الرجل الرجل غاب عنه أي الذي كان غاب عنه فنسي صورته ثم إذا رآه عرفه وأخرجه الاسماعيلي من رواية بن المبارك عن سفيان بلفظ اني لارى الشئ نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الخ تنبيه اخرج هذا الحديث القاضي عياض في الشفاء من طريق أبي داود بسنده إلى قوله ثم إذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما أدري انسي أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى ان تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة الا قد سماه لنا قلت ولم ار هذه الزيادة في كتاب أبي داود وانما أخرجه أبو داود بسند اخر مستقل من وجه اخر عن حذيفة الحديث الخامس حديث علي قوله عن أبي حمزة بمهملة وزاي هو محمد بن ميمون السكري قوله عن سعد بن عبيدة بضم العين هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث ووقع في تفسير والليل إذا يغشى من طريق شعبة عن الاعمش سمعت سعد بن عبيدة وأبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب وهو من كبار التابعين ووقع مسمى في رواية معتمر بن سليمان عن منصور عن سعد بن عبيدة عند الفريابي قوله عن علي في رواية مسلم البطين عن أبي عبد الرحمن السلمي اخذ بيدي علي فانطلقنا نمشي حتى جلسنا على شاطئ الفرات فقال علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا قوله كنا جلوسا في رواية عبد الواحد عن الاعمش كنا قعودا وزاد في رواية سفيان الثوري عن الاعمش كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد فتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة في جنازة فظاهره انهم كانوا جميعا شهدوا الجنازة لكن أخرجه في الجنائز من طريق منصور عن سعد بن عبيدة فبين انهم سبقوا بالجنازة واتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولفظه كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله قوله ومعه عود ينكت به في الارض في رواية شعبة وبيده عود فجعل ينكت به في الارض وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لانها تحمل تحت الخصر غالبا للاتكاء عليها وفي اللغة اختصر الرجل إذا امسك المخصرة قوله فنكس بتشديد الكاف أي اطرق قوله فقال ما منكم من أحد زاد في رواية منصور ما من نفس منفوسة أي مصنوعة مخلوقة واقتصر في رواية أبي حمزة والثوري على الاول قوله الا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى الواو ولفظه الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وكأنه يشير إلى ما تقدم من حديث بن عمر الدال على ان لكل أحد مقعدين وفي رواية منصور الا كتب مكانها من الجنة والنار وزاد فيها والا وقد كتبت شقية أو سعيدة واعادة الا يحتمل ان يكون ما من نفس بدل ما منكم والا الثانية بدلا من الاولى وان يكون من باب اللف والنشر فيكون فيه تعميم بعد تخصيص والثاني في كل منهما أعم من الاول أشار إليه الكرماني قوله فقال رجل من القوم في رواية سفيان وشعبة فقالوا يا رسول الله وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم انه سراقة بن مالك بن جعشم ولفظه جاء سراقة فقال يا رسول الله انعمل اليوم فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير أو فيما
[ 435 ]
يستقبل قال بل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير فقال ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأخرجه الطبراني وابن مردويه نحوه وزاد وقرأ فأما من أعطى إلى قوله العسرى وأخرجه بن ماجة من حديث سراقة نفسه لكن دون تلاوة الآية ووقع هذا السؤال وجوابه سوى تلاوة الآية لشريح بن عامر الكلابي أخرجه أحمد والطبراني ولفظه قال ففيم العمل إذا قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له واخرج الترمذي من حديث بن عمر قال قال عمر يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع أو أمر قد فرغ منه قال فيما قد فرغ منه فذكر نحوه واخرج البزار والفريابي من حديث أبي هريرة ان عمر قال يا رسول الله فذكره وأخرجه أحمد والبزار والطبراني من حديث أبي بكر الصديق قلت يا رسول الله نعمل على ما فرغ منه الحديث نحوه ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص فقال رجل من الانصار والجمع بينها تعدد السائلين عن ذلك فقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو ان السائل عن ذلك جماعة ولفظه فقال اصحابه ففيم العمل ان كان قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل الحديث أخرجه الفريابي قوله الا نتكل يا رسول الله في رواية سفيان أفلا والفاء معقبة لشئ محذوف تقديره فإذا كان كذلك أفلا نتكل وزاد في رواية منصور وكذا في رواية شعبة أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا وزاد في رواية منصور فمن كان منا من أهل السعادة فيصير إلى عمل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة مثله قوله اعملوا فكل ميسر زاد شعبة لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل السعادة الحديث وفي رواية منصور قال اما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة الحديث وحاصل السؤال الا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لان كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله قال الطيبي الجواب من الاسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الامور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط قوله ثم قرأ فأما من أعطى واتقى الآية وساق في رواية سفيان ووكيع الآيات إلى قوله العسرى ووقع في حديث بن عباس عند الطبراني نحو حديث عمر وفي اخره قال اعمل فكل ميسر وفي اخره عند البزار فقال القوم بعضهم لبعض فالجد إذا وأخرجه الطبراني في اخر حديث سراقة ولفظه فقال يا رسول الله ففيم العمل قال كل ميسر لعمله قال الان الجد الان الجد وفي اخر حديث عمر عند الفريابي فقال عمر ففيم العمل إذا قال كل لا ينال الا بالعمل قال عمر إذا نجتهد واخرج الفريابي بسند صحيح إلى بشير بن كعب أحد كبار التابعين قال سأل غلامان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم العمل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير أم شئ نستأنفه قال بل فيما جفت به الاقلام قالا ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما هو عامل قالا فالجد الان وفي الحديث جواز القعود عند القبور والتحدث عندها بالعلم والموعظة وقال المهلب نكته الارض بالمخصرة أصل في تحريك الاصبع في التشهد نقله بن بطال وهو بعيد وانما هي عادة لمن يتفكر في شئ يستحضر معانيه فيحتمل ان يكون ذلك تفكرا منه صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة بقرينة حضور الجنازة ويحتمل ان يكون فيما ابداه بعد ذلك لاصحابه من الحكم المذكورة ومناسبته للقصة ان
[ 436 ]
فيه إشارة إلى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله وهذا الحديث أصل لاهل السنة في ان السعادة والشقاء بتقدير الله القديم وفيه رد على الجبرية لان التيسير ضد الجبر لان الجبر لا يكون الا عن كره ولا يأتي الانسان الشئ بطريق التيسير الا وهو غير كاره له واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه لان العمل امارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر ورد بما تقدم في حديث بن مسعود وان هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قدر والحق ان العمل علامة وامارة فيحكم بظاهر الامر وأمر الباطن إلى الله تعالى قال الخطابي لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر ان يتخذه حجة في ترك العمل فأعلمهم ان هنا امرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن وهو العلة الموجبة في حكم الربوبية وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وانما هي أمارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة فبين لهم ان كلا ميسر لما خلق له وان عمله في العاجل دليل على مصيره في الاجل ولذلك مثل بالآيات ونظير ذلك الرزق مع الامر بالكسب والاجل مع الاذن في المعالجة وقال في موضع اخر هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر وذلك ان القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والاسئلة الا وقد طالب به وسأل عنه فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القياس في هذا الباب متروك والمطالبة ساقطة وانه لا يشبه الامور التي عقلت معانيها وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها بل طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما اخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى حين قيامها انتهى وقد تقدم كلام بن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر وقال غيره وجه الانفصال عن شبهة القدرية ان الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام الحجة ونصب الاعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لان القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه الا هو فإذا ادخل أهل الجن الجنة كشف لهم عنه حينئذ وفي أحاديث هذا الباب ان افعال العباد وان صدرت عنهم لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان قول القدرية صريحا والله اعلم قوله باب العمل بالخواتيم لما كان ظاهر حديث على يقتضي اعتبار العمل الظاهر اردفه بهذه الترجمة الدالة على ان الاعتبار بالخاتمة وذكر فيه قصة الذي نحر نفسه في القتال من حديث أبي هريرة ومن حديث سهل بن سعد وقد تقدم شرحهما في غزوة خيبر من كتاب المغازي وذكرت هناك الاختلاف في اسم المذكور وهل القصتان متغايرتان في موطنين لرجلين أو هما قصة واحدة وقوله في اخر حديث أبي هريرة وانما الاعمال بالخواتيم وقع في حديث أنس عند الترمذي وصححه إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف
[ 437 ]
يستعمله قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه وأخرجه أحمد من هذا الوجه مطولا وأوله لا تعجبوا لعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له فذكر نحو حديث بن مسعود وأخرجه الطبراني من حديث أبي امامة مختصرا واخرج البزار من حديث بن عمر حديثا فيه ذكر الكتابين وفي اخره العمل بخواتيمه العمل بخواتيمه قوله باب القاء العبد النذر إلى القدر في رواية الكشميهني القاء النذر العبد وفي الاولى النذر بالرفع وهو الفاعل والالقاء مضاف إلى المفعول وهو العبد وفي الثانية العبد بالنصب وهو المفعول والالقاء مضاف إلى الفاعل وهو النذر وسيأتي في باب الوفاء بالنذر من وجه اخر عن أبي هريرة على وفق رواية الكشميهني وذكر فيه حديث بن عمر وأبي هريرة في ذلك وسيأتيان في باب الوفاء بالنذر من كتاب الايمان والنذور مع شرحهما فأما حديث أبي هريرة فهو صريح في الترجمة لكن لفظه ولكن يلقيه القدر كذا للاكثر وللكشميهني يلقيه النذر بنون ثم ذال معجمة وقد اعترض بعض شيوخنا على البخاري فقال ليس في واحد من اللفظين المرويين عنه في الترجمة مطابقة للحديث والمطابق ان يقول القاء القدر العبد إلى النذر بتقديم القدر بالقاف على النذر بالنون لان لفظ الخبر يلقيه القدر بالقاف كذا قال وكأنه لم يشعر برواية الكشميهني في متن الحديث ثم ادعى ان الترجمة مع عدم مطابقتها للخبر ليس المعنى فيها صحيحا انتهى وما نفاه مردود بل المعنى بين لمن له أدنى تأمل وكأنه استبعد نسبة الالقاء إلى النذر وجوابه ان النسبة مجازية وسوغ ذلك كونه سببا إلى الالقاء فنسب الالقاء إليه وأيضا فهما متلازمان قال الكرماني الظاهر ان الترجمة مقلوبة إذ القدر هو الذي يلقى إلى النذر لقوله في الخبر يلقيه القدر والجواب انهما صادقان إذ الذي يلقى في الحقيقة هو القدر وهو الموصل وبالظاهر هو النذر قال وكان الاولى ان يقول يلقيه القدر إلى النذر ليطابق الحديث الا ان يقال انهما متلازمان وكأنه أيضا ما نظر إلى رواية الكشميهني وأيضا فقد جرت عادة البخاري انه يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وان لم يسق ذلك اللفظ بعينه ليبعث ذلك الناظر في كتابه على تتبع الطرق وليقدح الفكر في التطبيق ولغير ذلك من المقاصد التي فاق بها غيره من المصنفين كما تقرر غير مرة واما حديث بن عمر فهو بلفظ انه أي النذر لا يرد شيئا وهو يعطي معنى الرواية الاخرى وقوله هنا منصور هو بن المعتمر عن عبد الله بن مرة يأتي في الباب المذكور بلفظ أخبرنا عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم الخارقي بمعجمة وراء مكسورة ثم فاء تابعي كبير ولهم كوفي شيخ اخر في طبقته يقال له عبد الله بن مرة الزوفي بزاي واو ساكنة ثم فاء مصري ويقال له عبد الله بن أبي مرة وهو بها اشهر قوله باب بالتنوين لا حول ولا قوة الا بالله ترجم في اواخر الدعوات باب قول لا حول بالاضافة واقتصر هنا على لفظ الخبر واستغنى به لظهوره في أبواب القدر لان معنى لا حول لا تحويل للعبد عن معصية الله الا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله الا بتوفيق الله وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي هي كلمة استلام وتفويض وان العبد لا يملك من امره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير الا بإرادة الله تعالى وذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم في الدعوات بهذا الاسناد بعينه لكن فيه سليمان التيمي بدل خالد الحذاء المذكور هنا وهو محمول على ان لعبد الله وهو بن المبارك فيه شيخين وقد أخرجه النسائي من رواية سويد بن نصر عن بن المبارك عن خالد
[ 438 ]
الحذاء قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تقدم في غزوة خيبر من كتاب المغازي بيان انها غزوة خيبر قوله الا رفعنا اصواتنا بالتكبير في رواية سليمان التيمي المذكورة فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إله إلا الله والله أكبر لم اقف على اسم هذا الرجل ويجمع بأن الكل كبروا وزاد هذا عليهم بالتهليل وتقدم في رواية عبد الواحد ما يدل على ان المراد بالتكبير قول لا إله إلا الله والله أكبر قوله أربعون بفتح الموحدة أي ارفقوا وقد تقدم بيانه في أوائل الدعاء قال يعقوب بن السكيت ربع الرجل يربع إذا رفق وكف وكذا بقية ألفاظه قال بن بطال كان عليه السلام معلما لامته فلا يراهم على حالة من الخير الا احب لهم الزيادة فأحب الذين رفعوا أصواتهم بكلمة الاخلاص والتكبير ان يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والايمان بالقدر وقد جاء في الحديث إذا قال العبد لا حول ولا قوة الا بالله قال الله اسلم عبدي واستسلم قلت أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بسند قوي وفي رواية له قال لي يا أبا هريرة الا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولا قوة الا بالله فيقول الله اسلم عبدي واستسلم وزاد في رواية له ولا منجا ولا ملجأ من الله الا إليه قوله من كنوز الجنة تقدم القول فيه وحاصله ان المراد انها من دخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة قال النووي المعنى ان قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة واخرج أحمد والترمذي وصححه بن حبان عن أبي أيوب ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال يا محمد مر أمتك ان يكثروا من غراس الجنة قال وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة الا بالله قوله لا تدعون كذا اطلق على التكبير ونحوه دعاء من جهة انه بمعنى النداء لكون الذاكر يريد اسماع من ذكره والشهادة له قوله باب بالتنوين المعصوم من عصم الله أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في الهلاك أو ما يجر إليه يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه واعتصمت بالله لجأت إليه وعصمة الانبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام حفظهم من النقائص وتخصيصهم بالكمالات النفيسة والنصرة والثبات في الامور وانزال السكينة والفرق بينهم وبين غيرهم ان العصمة في حقهم بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز قوله عاصم مانع يريد تفسير قوله تعالى في قصة نوح وابنه قال سآوى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم وبذلك فسره عكرمة فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم بن أبان عنه وقال الراغب المعنى بقوله لا عاصم اليوم أي لا شئ يعصم منه وفسره بعضهم بمعصوم ولم يرد ان العاصم بمعنى المعصوم وانما نبه على انهما متلازمان فأيهما حصل حصل الاخر قوله قال مجاهد سدا عن الحق يترددون في الضلالة كذا للاكثر سدا بتشديد الدال بعدها الف وصله بن أبي حاتم من طريق ورقاء عن بن نجيح عنه في قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا قال عن الحق ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله سدا قال عن الحق وقد يترددون ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال مقصوره وعليها شرح الكرماني فزعم انه وقع هنا ايحسب الانسان ان يترك سدى أي مهملا مترددا في الضلالة ولم ار في شئ من نسخ البخاري الا اللفظ الذي اوردته قال مجاهد سدا الخ ولم ار في شئ من التفاسير
[ 439 ]
التي تساق بالاسانيد لمجاهد في قوله ايحسب الانسان ان يترك سدى كلاما ولم ار قوله في الضلالة في شئ من المنقول بالسند عن مجاهد ووقع في رواية النسفي لضلالة بدل قوله في الضلالة قوله دساها اغواها قال الفريابي حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وقد خاب من دساها قال من اغواها وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله دساها قال قال أحدهما اغواها وقال الاخر اضلها وقال أبو عبيدة دساها أصله دسست لكن العرب تقلب الحرف المضاعف إلى الياء مثل تظننت من الظن فتقول تظنيت بالتحتانية بعد النون ومناسبة هذا التفسير للترجمة تؤخذ من المراد بفاعل دساها فقال قوم هو الله أي قد افلح صاحب النفس التي زكاها الله وخاب صاحب النفس التي اغواها الله وقال اخرون هو صاحب النفس إذا فعل الطاعات فقد زكاها وإذا فعل المعاصي فقد اغواها والاول هو المناسب للترجمة وقال الكرماني مناسبة التفسيرين للترجمة ان من لم يعصمه الله كان سدى وكان مغوى ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد الخدري ما استخلف من خليفة الا وله بطانتان الحديث وفيه والمعصوم من عصم الله وسيأتي شرحه في كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى والبطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والجماعة والمراد من يطلع على باطن حال الكبير من اتباعه قوله باب وحرام على قرية اهلكناها كذا لابي ذر وفي رواية غيره وحرام بفتح أوله وزيادة الالف وزادوا بقية الآية والقراءتان مشهورتان قرأ أهل الكوفة بكسر أوله وسكون ثانيه وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام بفتحتين وألف وهما بمعنى كالحلال والحل وجاء في الشواذ عن بن عباس قراءات أخرى بفتح أوله وتثليث الراء وبالضم اشهر وبضم أوله وتشديد الراء المكسورة قال الراغب في قوله تعالى وحرمنا عليه المراضع هو تحريم تخسير وحمل بعضهم عليه قوله وحرام على قرية قوله لن يؤمن من قومك الا من قد آمن ولا يلدوا الا فاجرا كفارا كذا جمع بين بعض كل من الايتين وهما من سورتين إشارة إلى ما ورد في تفسير ذلك وقد اخرج الطبري من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروية عن قتادة قال ما قال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا إلى قوله كفارا الا بعد ان نزل عليه وأوحى إلى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن قلت ودخول ذلك في أبواب القدر ظاهر فإنه يقتضي سبق علم الله بما يقع من عبيده قوله وقال منصور بن النعمان هو اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصرى سكن مرو ثم بخارى وماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد زعم بعض المتأخرين ان الصواب منصور بن المعتمر والعلم عند الله قوله عن عكرمة عن بن عباس وحرم بالحبشية وجب لم اقف على هذا التعليق موصولا وقرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن وغيره فقالوا أخرجه أبو جعفر عن بن قهزاد عن أبي عوانة عنه قلت ولم اقف على ذلك في تفسير أبي جعفر الطبري وانما فيه وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم جميعا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها قال وجب ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال حرم عزم ومن طريق عطاء عن عكرمة وحرم وجب بالحبشية وبالسند الاول قال وقوله انهم لا يرجعون أي لا يتوب منهم تائب قال الطبري معناه انهم اهلكوا بالطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون عن الكفر وقيل معناه يمتنع على الكفرة
[ 440 ]
الهالكين انهم لا يرجعون إلى عذاب الله وقيل فيه أقوال اخر ليس هذا موضع استيعابها والاول أقوى وهو مراد المصنف بالترجمة والمطابق لما ذكر معه من الآثار والحديث قوله معمر عن بن طاوس هو عبد الله قوله عن بن عباس ما رأيت شيئا اشبه باللمم مما قال أبو هريرة فذكر الحديث ثم قال وقال شبابة حدثنا ورقاء هو بن عمر عن بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكأن طاوسا سمع القصة من بن عباس عن أبي هريرة وكان سمع الحديث المرفوع من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة بعد ان سمعه من بن عباس وقد أشرت إلى ذلك في أوائل كتاب الاستئذان وبينت الاختلاف في رفع الحديث ووقفه ولم اقف على رواية شبابة هذه موصولة وكنت قرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن ان الطبراني وصلها في المعجم الاوسط عن عمرو بن عثمان عن بن المنادى عنه وقلدتهما في ذلك في تعليق التعليق ثم راجعت المعجم الاوسط فلم اجدها قوله باللمم بفتح الكلام والميم هو ما يلم به الشخص من شهوات النفس وقيل هو مقارفة الذنوب الصغار وقال الراغب اللمم مقارفة المعصية ويعبر به عن الصغيرة ومحصل كلام بن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل ان يكون أراد ان ذلك من جملة اللمم أو في حكم اللمم قوله ان الله كتب على بن ادم أي قدر ذلك عليه أو أمر الملك بكتابته كما تقدم بيانه في شرح حديث بن مسعود الماضي قريبا قوله أدرك ذلك لا محالة بفتح الميم أي لا بد له من عمل ما قدر عليه انه يعمله وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة قال بن بطال كل ما كتبه الله على الادمي فهو قد سبق في علم الله والا فلا بد ان يدركه المكتوب عليه وان الانسان لا يستطيع ان يدفع ذلك عن نفسه الا انه يلام إذا واقع ما نهى عنه بحجب ذلك عنه وتمكينه من التمسك بالطاعة فبذلك يندفع قول القدرية والمجبرة ويؤيده قوله والنفس تمنى وتشتهي لان المشتهى بخلاف الملجأ قوله حظه من الزنا إطلاق الزنا على اللمس والنظر وغيرهما بطريق المجاز لان كل ذلك من مقدماته قوله فزنا العين النظر أي إلى ما لا يحل للناظر وزنا اللسان المنطق في رواية الكشميهني النطق بضم النون بغير ميم في أوله قوله والنفس تمنى بفتح أوله على حذف إحدى التاءين والاصل تتمنى قوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه يشير إلى ان التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب عكسه فكان الفرج هو الموقع أو الواقع فيكون تشبيها ويحتمل ان يريد ان الايقاع يستلزم الحكم بها عادة فيكون كناية قال الخطابي المراد باللمم ما ذكره الله في قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم وهو المعفو عنه وقال في الآية الاخرى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم فيؤخذ من الايتين ان اللمم من الصغائر وانه يكفر باجتناب الكبائر وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث من هم بحسنة ومن هم بسيئة في وسط كتاب الرقاق وقال بن بطال تفضل الله على عباده بغفران اللمم إذا لم يكن للفرد تصديق بها فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة ونقل الفراء ان بعضهم زعم ان الا في قوله الا اللمم بمعنى الواو وأنكره وقال الا صغائر الذنوب فإنها تكفر باجتناب كبارها وانما اطلق عليها زنا لانها من دواعيه فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب مجازا وفي قوله والنفس تشتهي والفرج يصدق أو يكذب ما يستدل به على ان العبد لا يخلق فعل نفسه لانه قد يريد الزنا مثلا ويشتهيه فلا يطاوعه العضو الذي يريد ان يزني به ويعجزه الحيلة فيه ولا يدري
[ 441 ]
لذلك سببا ولو كان خالقا لفعله لما عجز عن فعل ما يريده مع وجود الطواعية واستحكام الشهوة فدل على ان ذلك فعل مقدر يقدرها إذا شاء ويعطلها إذا شاء قوله باب وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس ذكر فيه حديث بن عباس وقد تقدم في تفسير سورة سبحان مستوفي ووجه دخوله في أبواب القدر من ذكر الفتنة وان الله سبحانه وتعالى هو الذي جعلها وقد قال موسى عليه السلام ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وأصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار إلى المكروه ثم اتسعملت في المكروه فتارة في الكفر كقوله والفتنة أشد من القتل وتارة في الاثم كقوله الا في الفتنة سقطوا وتارة في الاحراق كقوله ان الذين فتنوا المؤمنين وتارة في الازالة عن الشئ كقوله وان كادوا ليفتنونك وتارة في غير ذلك والمراد بها في هذا الموضع الختبار على بابها الاصلي والله اعلم قال بن التين وجه دخول هذا الحديث في كتاب القدر الاشارة إلى ان الله قدر على المشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق فكان ذلك زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يسير إلى بيت المقدس في ليلة واحدة ثم يرجع فيها وكذلك جعل الشجرة الملعونة زيادة في طغيانهم حيث قالوا في النار شجرة والنار تحرق الشجر وفيه خلق الله الكفر ودواعي الكفر من الفتنة وسيأتي زيادة في تقرير ذلك في الكلام على خلق افعال العباد في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى والجواب عن شبهتهم ان الله خلق الشجرة المذكورة من جوهر لا تأكله النار ومنها سلاسل أهل النار واغلالهم وخزنة النار من الملائكة وحياتها وعقاربها وليس ذلك من جنس ما في الدنيا وأكثر ما وقع الغلط لمن قاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا والله تعالى الموفق قوله باب تحاج آدم وموسى عند الله أما تحاج فهو بفتح أوله وتشديد اخره وأصله تحاجج بجيمين ولفظ قوله عند الله فزعم بعض شيوخنا انه أراد ان ذلك يقع منهما يوم القيامة ثم رده بما وقع في بعض طرقه وذلك فيما أخرجه أبو داود من حديث عمر قال قال موسى يا رب أرنا ادم الذي اخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله ادم فقال أنت أبونا الحديث قال وهذا ظاهره انه وقع في الدنيا انتهى وفيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لاعندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني وقد بينت في كتاب الصيام انه بهذا اللفظ في مسند أحمد بسند في صحيح مسلم لكن لم يسق لفظ المتن والذي ظهر لي ان البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طرق الحديث وهو ما خرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج آدم وموسى عند ربهما الحديث قوله سفيان هو بن عيينة قوله حفظناه من عمرو يعني بن دينار ووقع في مسند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وأخرجه أبو نعيم في المتسخرج من طريق الحميدي قوله عن طاوس في رواية أحمد عن سفيان عن عمرو سمع طاوسا وعند الاسماعيلي من طريق محمد بن منصور الخراز عن سفيان عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا قوله في آخره وقال سفيان حدثنا أبو الزناد هو موصول عطفا على قوله حفظناه من عمرو ووقع في رواية الحميدي قال وحدثنا أبو الزناد بإثبات الواو وهي أظهر في المراد وأخطأ من زعم ان هذه الطريق
[ 442 ]
مغلقة وقد أخرجها الاسماعيلي منفردة بعد ان ساق طريق طاوس عن جماعة عن سفيان فقال أخبرنيه القاسم يعني بن زكريا حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف حدثنا سفيان عن عمرو مثله سواء وزاد قال وحدثني سفيان عن أبي الزناد به قال بن عبد البر هذا الحديث ثابت بالاتفاق رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى من رواية الائمة الثقات الاثبات قلت وقع لنا من طريق عشرة عن أبي هريرة منهم طاوس في الصحيحين والاعرج كما ذكرته وهو عند مسلم من رواية الحارث بن أبي الذباب وعند النسائي عن عمرو بن أبي عمرو كلاهما عن الاعرج وأبو صالح السمان عند الترمذي والنسائي وابن خزيمة كلهم من طريق الاعمش عنه والنسائي أيضا من طريق القعقاع بن حكيم عنه ومنهم أبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وأبي عوانة من رواية الزهري عنه وقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب وقيل عنه عن حميد بن عبد الرحمن ومن رواية أيوب بن النجار عن أبي سلمة في الصحيحين أيضا وقد تقدم في تفسير سورة طه ومن رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عند بن خزيمة وأبي عوانة وجعفر الفريابي في القدر ومن رواية يحيى بن أبي كثير عنه عند أبي عوانة ومنهم حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة كما تقدم في قصة موسى من أحاديث الانبياء ويأتي في التوحيد وأخرجه مسلم ومنهم محمد بن سيرين كما مضى في تفسير طه وأخرجه مسلم ومنهم الشعبي أخرجه أبو عوانة والنسائي ومنهم همام بن منبه أخرجه مسلم ومنهم عمار بن أبي عمار أخرجه أحمد ومن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر عند أبي داود وأبي عوانة وجندب بن عبد الله عند النسائي وأبو سعيد عند البزار وأخرجه بن أبي شيبة وعبد الرزاق والحارث من وجه اخر عنه وقد أشار إلى هذه الثلاثة الترمذي قوله احتج ادم وموسى في رواية همام ومالك تحاج كما في الترجمة وهي أوضح وفي رواية أيوب بن النجار ويحيى بن كثير حج آدم وموسى وعليها شرح الطيبي فقال معنى قوله حج آدم وموسى غلبه بالحجة وقوله بعد ذلك قال موسى أنت آدم الخ توضيح لذلك وتفسير لما أجمل وقوله في آخره فحج آدم موسى تقرير لما سبق وتأكيد له وفي رواية يزيد بن هرمز كما تقدمت الاشارة إليه عند ربهما وفي رواية محمد بن سيرين التقى آدم وموسى وفي رواية عمار والشعبي لقى آدم موسى وفي حديث عمر لقي موسى آدم كذا عند أبي عوانة واما أبو داود فلفظه كما تقدم قال موسى يا رب ارني آدم وقد اختلف العلماء في وقت هذا اللفظ فقيل يحتمل انه في زمان موسى فأحيا الله له آدم معجزة له فكلمة أو كشف له عن قبره فتحدثا أو أراه الله روحه كما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج أرواح الانبياء أو أراه الله له في المنام ورؤيا الانبياء وحي ولو كان يقع في بعضها ما يقبل التعبير كما في قصة الذبيح أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت ارواحها في السماء وبذلك جزم بن عبد البر والقابسي وقد وقع في حديث عمر لما قال موسى أنت آدم قال له من أنت قال انا موسى وان ذلك لم يقع بعد وانما يقع في الآخرة والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي لتحقق وقوعه وذكر بن الجوزي احتمال التقائهما في البرزخ واحتمال ان يكون ذلك ضرب مثل والمعنى لو اجتمعا لقالا ذلك وخص موسى بالذكر لكونه أول نبي بعث بالتكاليف الشديدة قال وهذا وان احتمل لكن الاول أولى قال وهذا مما يجب الايمان به لثبوته عن خبر الصادق وان لم يطلع على كيفية الحال وليس هو بأول ما يجب علينا الايمان به وان لم نقف على حقيقة معناه
[ 443 ]
كعذاب القبر ونعيمه ومتى ضاقت الحيل في كشف المشكلات لم يبق الا التسليم وقال بن عبد البر مثل هذا عندي يجب فيه التسليم ولا يوقف فيه على التحقيق لانا لم نؤت من جنس هذا العلم الا قليلا قوله أنت أبونا في رواية يحيى بن أبي كثير أنت الناس وكذا في حديث عمر وفي رواية الشعبي أنت ادم أبو البشر قوله خيبتنا واخرجتنا من الجنة في رواية حميد بن عبد الرحمن أنت آدم الذي اخرجتك خطيئتك من الجنة هكذا في أحاديث الانبياء عنه وفي التوحيد أخرجت ذريتك وفي رواية مالك أنت الذي اغويت الناس واخرجتهم من الجنة ومثله في رواية همام وكذا في رواية أبي صالح وفي رواية محمد بن سيرين اشقيت بدل اغويت ومعنى اغويت كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الاكل من الشجرة لم يقع الاخراج من الجنة ولو لم يقع الاخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الاغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ويطلق أيضا على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به وفي تفسير طه من رواية أبي سلمة أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وعند أحمد من طريقه أنت الذي أدخلت ذريتك النار والقول فيه كالقول في اغويت وزاد همام إلى الارض وكذا في رواية يزيد بن هرمز فأهبطت الناس بخطيئتك إلى الارض وأوله عنده أنت الذي خلقك الله بيده واسجد لك ملائكته ومثله في رواية أبي صالح لكن قال ونفخ فيك من روحه ولم يقل واسجد لك ملائكته ومثله في رواية محمد بن عمرو وزاد واسكنك جنته ومثله في رواية محمد بن سيرين وزاد ثم صنعت ما صنعت وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الاعرج يا آدم خلقك الله بيده ثم نفخ فيك من روحه ثم قال لك كن فكنت ثم أمر الملائكة فسجدوا لك ثم قال لك اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فنهاك عن شجرة واحدة فعصيت وزاد الفريابي وأكلت منها وفي رواية عكرمة بن عمار عن أبي سلمة أنت ادم الذي خلقك الله بيده فأعاد الضمير في قوله خلقك إلى قوله أنت والاكثر عودة إلى الموصول فكأنه يقول خلقه الله ونحو ذلك ما وقع في رواية الاكثر أنت الذي اخرجتك خطيئتك وفي حديث عمر بعد قوله أنت ادم قال نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الاسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك قال نعم قال فلم اخرجتنا ونفسك من الجنة وفي لفظ لابي عوانة فوالله لولا ما فعلت ما دخل أحد من ذريتك النار ووقع في حديث أبي سعيد عند بن أبي شيبة فأهلكتنا وأغويتنا وذكر ما شاء الله ان يذكر من هذا وهذا يشعر بأن جميع ما ذكر في هذه الروايات محفوظ وان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر وقوله أنت آدم استفهام تقرير واضافة الله خلق آدم إلى يده في الآية إضافة تشريف وكذا إضافة روحه إلى الله ومن في قوله من روحه زائدة على رأي والنفخ بمعنى الخلق أي خلق فيك الروح ومعنى قوله اخرجتنا كنت سبببا لاخراجنا كما تقدم تقريره وقوله اغويتنا وأهلكتنا من إطلاق الكل على البعض بخلاف اخرجتنا فهو على عمومه ومعنى قوله أخطأت وعصيت ونحوهما فعلت خلاف ما أمرت به واما قوله خيبتنا بالخاء المعجمة ثم الموحدة من الخيبة فالمراد به الحرمان وقيل هي كأغويتنا من إطلاق الكل على البعض والمراد من يجوز منه وقوع المعصية ولا مانع من حمله على عمومه والمعنى انه لو استمر على ترك الاكل من الشجرة لم يخرج منها ولو استمر فيها لولد له فيها وكان ولده سكان الجنة على الدوام فلما وقع الاخراج فات أهل الطاعة من
[ 444 ]
ولد استمرار الدوام في الجنة وان كانوا إليها ينتقلون وفات أهل المعصية تأخر الكون في الجنة مدة الدنيا وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة اما مؤقتا في حق الموحدين واما مستمرا في حق الكفار فهو حرمان نسبي قوله فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده في رواية الاعرج أنت موسى الذي اعطاك الله علم كل شئ واصطفاك على الناس برسالته وفي رواية همام نحوه لكن بلفظ اصطفاه وأعطاه وزاد في رواية يزيد بن هرمز وقربك نجيا واعطاك الالواح فيها بيان كل شئ وفي رواية بن سيرين اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وانزل عليك التوراة وفي رواية أبي سلمة اصطفاك الله برسالته وكلامه ووقع في رواية الشعبي فقال نعم وفي حديث عمر قال انا موسى قال نبي بني إسرائيل قال نعم قال أنت الذي كلمك الله من وراء حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم قوله اتلومني على أمر قدر الله على كذا للسرخسي والمتسملي بحذف المفعول وللباقين قدره الله علي قوله قبل ان يخلقني بأربعين سنة في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فكيف تلومني على أمر كتبه الله أو قدره الله علي ولم يذكر المدة وثبت ذكرها في رواية طاوس وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة ولفظه فكم تجد في التوراة انه كتب على العمل الذي عملته قبل ان اخلق قال بأربعين سنة قال فكيف تلومني عليه وفي رواية يزيد بن هرمز نحوه وزاد فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم وكلام بن عبد البر قد يوهم تفرد بن عيينة عن أبي الزناد بزيادتها لكنه بالنسبة لابي الزناد والا فقد ذكر التقييد بالاربعين غير بن عيينة كما ترى وفي رواية الزهري عن أبي سلمة عند أحمد فهل وجدت فيها يعني الالواح أو التوراة اني اهبط وفي رواية الشعبي أفليس تجد فيما انزل الله عليك انه سيخرجني منها قبل ان يدخلينها قال بلى وفي رواية عمار بن أبي عمار انا اقدم أم الذكر قال بل الذكر وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الاعرج ألم تعلم ان الله قدر هذا علي قبل ان يخلقني وفي رواية بن سيرين فوجدته كتب على قبل ان يخلقني قال نعم وفي رواية أبي صلاح فتلومني في شئ كتبه الله علي قبل خلقي وفي حديث عمر قال فلم تلومني على شئ سبق من الله تعالى فيه القضاء ووقع في حديث أبي سعيد الخدري أتلومني على أمر قدره الله علي قبل ان يخلق السماوات والارض والجمع بينه وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الاخرى على ما يتعلق بالعلم وقال بن التين يحتمل ان يكون المراد بالاربعين سنة ما بين قوله تعالى اني جاعل في الارض خليفة إلى نفخ الروح في آدم وأجاب غيره ان ابتداء المدة وقت الكتابة في الالواح وآخرها ابتداء خلق ادم وقال بن الجوزي المعلومات كلها قد احاط بها علم الله القديم قبل وجود المخلوقات كلها ولكن كتابتها وقعت في أوقات متفاوتة وقد ثبت في الصحيح يعني صحيح مسلم ان الله قدر المقادير قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة فيجوز ان تكون قصة آدم بخصوصها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة ويجوز ان يكون ذلك القدر مدة لبثه طينا إلى ان نفخت فيه الروح فقد ثبت في صحيح مسلم ان بين تصويره طينا ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سنة ولا يخالف ذلك كتابة المقادير عموما قبل خلق السماوات والارض بخمسين الف سنة وقال المازري الاظهر ان المراد انه كتبه قبل خلق آدم بأربعين عاما ويحتمل ان يكون المراد اظهره للملائكة أو فعل فعلا ما أضاف إليه هذا التاريخ والا فمشيئة الله وتقديره قديم والاشبه انه أراد بقوله قدره الله علي
[ 445 ]
قبل ان اخلق أي كتبه في التوراة لقوله في الرواية المشار إليها قبل فكم وجدته كتب في التوراة قبل ان اخلق وقال النووي المراد بتقديرها كتبه في اللوح المحفوظ أو في التوراة أو في الالواح ولا يجوز ان يراد أصل القدر لانه ازلي ولم يزل الله سبحانه وتعالى مريدا لما يقع من خلقه وكان بعض شيوخنا يزعم ان المراد إظهار ذلك عند تصوير ادم طينا فإن ادم أقام في طينته أربعين سنة والمراد على هذا بخلقه نفخ الروح فيه قلت وقد يعكر على هذا رواية الاعمش عن أبي صالح كتبه الله علي قبل ان يخلق السماوات والارض لكنه يحمل قوله فيه كتبه الله علي قدره أو على تعدد الكتابة لتعدد المكتوب والعلم عند الله تعالى قوله فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا كذا في هذه الطرق ولم يكرر في أكثر الطرق عن أبي هريرة ففي رواية أيوب بن النجار كالذي هنا لكن بدون قوله ثلاثا وكذا لمسلم من رواية بن سيرين كذا في حديث جندب عند أبي عوانة وثبت في حديث عمر بلفظ فاحتجا إلى الله فحج ادم موسى قالها ثلاث مرات وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الاعرج لقد حج ادم موسى لقد حج ادم موسى لقد حج آدم موسى وفي حديث أبي سعيد عند الحارث فحج آدم موسى ثلاثا وفي رواية الشعبي عند النسائي فخصم ادم موسى فخصم ادم موسى واتفق الرواة والنقلة والشراح على ان ادم بالرفع وهو الفاعل وشذ بعض الناس فقرأه بالنصب على انه المفعول وموسى في محل الرفع على انه الفاعل نقله الحافظ أبو بكر بن الخاصية عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ قال سمعته يقرأ فحج آدم بالنصب قال وكان قدريا قلت هو محجوج بالانفاق قبله على أن ادم بالرفع على انه الفاعل وقد أخرجه أحمد من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ فحجة آدم وهذا يرفع الاشكال فإن رواته أئمة حفاظ والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ فروايته هي المعتمدة في ذلك ومعنى حجة غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال بن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لاهل الحق في اثبات القدر وان الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله قال وليس فيه حجة للجبرية وان كان في بادئ الرأي يساعدهم وقال الخطابي في معالم السنن يحسب كثير من الناس ان معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وفهر العبد ويتوهم ان غلبة ادم كانت من هذا الوجه وليس كذلك وانما معناه الاخبار عن اثبات علم الله بما يكون من افعال العباد وصدورها عن تقدير سابق منه فإن القدر اسم لما صدر عن فعل القادر وإذا كان كذلك فقد نفى عنهم من وراء علم الله افعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الامور عن قصد وتعمد واختيار فالحجة انما نلزمهم بها واللائمة انما تتوجه عليها وجماع القول في ذلك انهما امران لا يبدل أحدهما عن الاخر أحدهما بمنزلة الاساس والاخر بمنزلة البناء ونقضه وانما جهة حجة ادم ان الله علم منه انه يتناول من الشجرة فكيف يمكنه ان يرد علم الله فيه وانما خلق للارض وانه لا يترك في الجنة بل ينقل منها إلى الارض فكان تناوله من الشجرة سببا لاهباطه واستخلافه في الارض كما قال تعالى قبل خلقه اني جاعل في الارض خليفة قال فلما لامه موسى عن نفسه قال له اتلومني على أمر قدره الله علي فاللوم عليه من قبلك ساقط عني إذ ليس لاحد ان يعير أحدا بذنب كان منه لان الخلق كلهم تحت العبودية سواء وانما يتجه اللوم من قبل الله سبحانه وتعالى إذ كان نهاه فباشر ما نهاه عنه قال وقول موسى وان كان في النفس منه شبهة وفي ظاهره تعلق لاحتجاجه بالسبب لكن
[ 446 ]
تعلق آدم بالقدر أرجح فلهذا غلبه والغلبة تقع مع المعارضة كما تقع مع البرهان انتهى ملخصا وقال في أعلام الحديث نحوه ملخصا وزاد ومعنى قوله فحج آدم موسى دفع حجته التي الزمه اللوم بها قال ولم يقع من آدم إنكار لما صدر منه بل عارضه بأمر دفع به عنه اللوم قلت ولم يتلخص من كلامه مع تطويله في الموضعين دفع للشبهة الا في دعواه انه ليس للآدمي ان يلوم اخر مثله على ما فعل ما قدره الله عليه وانما يكون ذلك لله تعالى لانه هو الذي امره ونهاه وللمعترض ان يقول وما المانع إذا كان ذلك لله ان يباشره من تلقي عن الله من رسوله ومن تلقى عن رسله ممن أمر بالتبليغ عنهم وقال القرطبي انما غلبه بالحجة لانه علم من التوراة ان الله تاب عليه فكان لومه له على ذلك نوع جفاء كما يقال ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء ولان اثر المخالفة بعد الصفح ينمحي حتى كأنه لم يكن فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلا انتهى وهو محصل ما أجاب به المازري وغيره من المحققين وهو المعتمد وقد انكر القدرية هذا الحديث لانه صريح في اثبات القدر السابق وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لادم على الاحتجاج به وشهادته بأنه غلب موسى فقالوا لا يصح لان موسى لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه وقد قتل هو نفسا لم يؤمر بقتلها ثم قال رب اغفر لي فغفر له فكيف يلوم آدم على أمر قد غفر له ثانيها لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر الذي فرغ من كتابته على العبد لا يصح هذا لكان من عوتب على معصية قد ارتكبها فيحتج بالقدر السابق ولو ساغ ذلك لانسد باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش وهذا يفضي إلى لوازم قطعية فدل ذلك على ان هذا الحديث لا أصل له والجواب من أوجه أحدها ان آدم انما احتج بالقدر على المعصية لا المخالفة فإن محصل لوم موسى انما هو على الاخراج فكأنه قال انا لم اخرجكم وانما اخرجكم الذي رتب الاخراج على الاكل من الشجرة والذي رتب ذلك قدره قبل ان اخلق فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة الا الاكل من الشجرة والاخراج المرتب عليها ليس من فعلي قلت وهذا الجواب لا يدفع شبهة الجبرية ثانيها انما حكم النبي صلى الله عليه وسلم لآدم بالحجة في معنى خاص وذلك لانه لو كانت في المعنى العام لما تقدم من الله تعالى لومه بقوله ألم انهكما عن تلكما الشجرة ولا واخذه بذلك حتى أخرجه من الجنة واهبطه إلى الارض ولكن لما اخذ موسى في لومه وقدم قوله له انت الذي خلقك الله بيده وأنت وأنت لم فعلت كذا عارضه آدم بقوله أنت الذي اصطفاك الله وأنت وأنت وحاصل جوابه إذا كنت بهذه المنزلة كيف يخفي عليك انه لا محيد من القدر وانما وقعت الغلبة لآدم من وجهين أحدهما انه ليس لملخوق ان يلوم مخلوقا في وقوع ما قدر عليه الا بإذن من الله تعالى فيكون الشارع هو اللائم فلما اخذ موسى في لومه من غير ان يؤذن له في ذلك عارضه بالقدر فأسكته والثاني ان الذي فعله ادم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو اثر الكسب وقد كان الله تاب عليه فلم يبق الا القدر والقدر لا يتوجه عليه لوم لانه فعل الله ولا يسأل عما يفعل ثالثها قال بن عبد البر هذا عندي مخصوص بآدم لان المناظرة بينهما وقعت بعد ان تاب الله على ادم قطعا كما قال تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فحسن منه ان ينكر على موسى لومه على الاكل من الشجرة لانه كان قد تيب عليه من ذلك والا فلا يجوز لاحد ان يقول لمن لامه على ارتكاب معصية كما لو قتل أو زنى أو سرق هذا سبق في علم الله وقدره علي قبل ان يخلقني فليس لك
[ 447 ]
ان تلومني عليهن فإن الامة اجمعت على جواز لوم من وقع منه ذلك بل على استحباب ذلك كما اجمعوا على استحباب محمدة من واظب على الطاعة قال وقد حكى بن وهب في كتاب القدر عن مالك عن يحيى بن سعيد ان ذلك كان من آدم بعد ان تيب عليه رابعها انما توجهت الحجة لادم لان موسى لامه بعد ان مات واللوم انما يتوجه على المكلف ما دام في دار التكليف فإن الاحكام حينئذ جارية عليهم فيلام العاصي ويقام عليه الحد والقصاص وغير ذلك وأما بعد ان يموت فقد ثبت النهي عن سب الاموات ولا تذكروا موتاكم الا بخير لان مرجع أمرهم إلى الله وقد ثبت ان لا يثنى العقوبة على من اقيم عليه الحد بل ورد النهي عن التثريب على الامة إذا زنت واقيم عليها الحد وإذا كان كذلك فلوم موسى لآدم انما وقع بعد انتقاله عن دار التكليف وثبت ان الله تاب عليه فسقط عنه اللوم فلذلك عدل إلى الاحتجاج بالقدر السابق وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غلب موسى بالحجة قال المازري لما تاب الله على آدم صار ذكر ما صدر منه انما هو كالبحث عن السبب الذي دعاه إلى ذلك فأخبر هو ان الاصل في ذلك القضاء السابق فلذلك غلب بالحجة قال الداودي فيما نقله بن التين انما قامت حجة آدم لان الله خلقه ليجعله في الارض خليفة فلم يحتج آدم في أكله من الشجرة بسابق العلم لانه كان عن اختيار منه وانما احتج بالقدر لخروجه لانه لم يكن بد من ذلك وقيل ان آدم اب موسى بن وليس للابن ان يلوم أباه حكاه القرطبي وغيره ومنهم من عبر عنه بأن ادم أكبر منه وتعقبه بأنه بعيد من معنى الحديث ثم هو ليس على عمومه بل يجوز للابن ان يلوم أباه في عدة مواطن وقيل انما غلبه لانهما شريعيتن متغايرتين وتعقب بأنها دعوى لا دليل عليها ومن أين يعلم انه كان في شريعة آدم ان المخالف يحتج بسابق القدر وفي شريعة موسى انه لا يحتج أو انه يتوجه له اللوم على المخالف وفي الجملة فأصح الاجوبة الثاني والثالث ولا تنافي بينهما فيمكن ان يمتزج منهما جواب واحد وهو ان التائب لا يلام على ما تيب عليه منه ولا سيما إذا انتقل عن دار التكليف وقد سلك النووي هذا المسلك فقال معنى كلام ادم انك يا موسى تعلم ان هذا كتب علي قبل ان اخلق فلا بد من وقوعه ولو حرصت انا والخلق اجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر فلا تلمني فإن اللوم على المخالفة شرعي لا عقلي وإذا تاب الله علي وغفر لي زال اللوم فمن لامني كان محجوجا بالشرع فإن قيل فالعاصي اليوم لو قال هذه المعصية قدرت على فينبغي ان يسقط عني اللوم قلنا الفرق ان هذا العاصي باق في دار التكليف جارية عليه الاحكام من العقوبة واللوم وفي ذلك له ولغيره زجر وعظة فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف مستغن عن الزجر فلم يكن للومه فائدة بل فيه ايذاء وتخجيل فلذلك كان الغلبة له وقال التوربشتي ليس معنى قوله كتبه الله علي ألزمني به وانما معناه أثبته في أم الكتاب قبل ان يخلق آدم وحكم ان ذلك كائن ثم ان هذه المحاججة انما وقعت في العالم العلوي عند ملتقى الاوراح ولم تقع في عالم الاسباب والفرق بينهما ان عالم الاسباب لا يجوز قطع النظر فيه عن الوسائط والاكتساب بخلاف العالم العلوي بعد انقطاع موجب الكسب وارتفاع الاحكام التكليفية فلذلك احتج ادم بالقدر السابق قلت وهو محصل بعض الاجوبة المتقدم ذكرها وفيه استعمال التعريض بصيغة المدح يؤخذ ذلك من قول آدم لموسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته إلى اخر ما خاطبه به وذلك انه أشار بذلك إلى انه اطلع على عذره وعرفه بالوحي فلو استحضر ذلك ما لامه مع وضوح عذره وأيضا
[ 448 ]
ففيه إشارة إلى شئ اخر أعم من ذلك وان كان لموسى فيه اختصاص فكأنه قال لو لم يقع اخراجي الذي رتب على اكلي من الشجرة ما حصلت لك هذه المناقب لاني لو بقيت في الجنة واستمر نسلي فيها ما وجد من تجاهر بالكفر الشنيع بما جاهر به فرعون حتى أرسلت أنت إليه واعطيت ما أعطيت فإذا كنت انا السبب في حصول هذه الفضائل لك فكيف يسوغ لك ان تلومني قال الطيبي مذهب الجبرية اثبات القدرة لله ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما من الافراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد فلما كان سياق كلام موسى يؤول إلى الثاني بأن صدر الجملة بحرف الانكار والتعجب وصرح باسم آدم ووصفه بالصفات التي كل واحدة منها مستقلة في علية عدم ارتكابه المخالفة ثم اسند الاهباط إليه ونفس الاهباط منزلة دون فكأنه قال ما ابعد هذا الانحطاط من تلك المناصب العالية فأجاب آدم بما يقابلها بل ابلغ فصدر الجملة بهمزة الانكار أيضا وصرح باسم موسى ووصفه بصفات كل واحدة مستقلة في علية عدم الانكار عليه ثم رتب العلم الازلي على ذلك ثم اتى بهمزة الانكار بدل كلمة الاستبعاد فكأنه قال تجد في التوراة هذا ثم تلومني قال وفي هذا التقرير تنبيه على تحري قصد الامور قال وختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله فحج آدم موسى تنبيها على أن بعض أمته كالمعزلة ينكرون القدر فاهتم لذلك وبالغ في الارشاد قلت ويقرب من هذا ما تقدم في كتاب الايمان في الرد على المرجئة بحديث بن مسعود رفعه سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فلما كان المقام مقام الرد على المرجئة اكتفى به معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في مكانه فكذلك هنا لما كان المراد به الرد على القدرية الذين ينكرون سبق القدر اكتفى به معرضا عما يوهمه ظاهره من تقوية مذهب الجبيرية لما تقرر من دفعه في مكانه والله اعلم وفي هذا الحديث عدة من الفوائد غير ما تقدم قال القاضي عياض ففيه حجة لاهل السنة في ان الجنة التي اخرج منها آدم هي جنة الخلد التي وعد المتقون ويدخلونها في الآخرة خلافا لمن قال من المعتزلة وغيرهم انها جنة أخرى ومنهم من زاد على ذلك فزعم انها كانت في الارض وقد سبق الكلام على ذلك في أواخر كتاب الرقاق وفيه إطلاق العموم وإرادة الخصوص في قوله اعطاك علم كل شئ والمراد به كتابه المنزل عليه وكل شئ يتعلق به وليس المراد عمومه لانه قد أقر الخضر على قوله واني على علم من علم الله لا تعمله أنت وقد مضى واضحا في تفسير سورة الكهف وفيه مشروعية الحجج في المناظرة لاظهار طلب الحق وإباحة التوبيخ والتعريض في اثناء الحجاج ليتوصل إلى ظهرو الحجة وان اللوم على من ايقن وعلم أشد من اللوم على من لم يحصل له ذلك وفيه مناظرة العالم من هو أكبر منه والابن أباه ومحل مشروعية ذلك إذا كان لاظهار الحق أو الازدياد من العلم والوقوف على حقائق الامور وفيه حجة لاهل السنة في اثبات القدر وخلق افعال العباد وفيه انه يغتفر للشخص في بعض الاحوال مالا يغتفر في بعض كحالة الغضب والاسف وخصوصا ممن طبع على حدة الخلق وشدة الغضب فإن موسى عليه السلام لما غلبت عليه حالة الانكار في المناظرة خاطب آدم مع كونه والده باسمه مجردا وخاطبه بأشياء لم يكن ليخاطب بها في غير تلك الحالة ومع ذلك فأقره على ذلك وعدل إلى معارضته فيما ابداه من الحجة في دفع شبهته
[ 449 ]
قوله باب لا مانع لما أعطى الله هذا اللفظ منتزع من معنى الحديث الذي أورده واما لفظه فهو طرف من حديث معاوية أخرجه مالك ولمح المصنف بذلك إلى انه بعض حديث الباب كما قدمته عند شرحه في آخر صفة الصلاة وان معاوية استثبت المغيرة في ذلك وقد تقدم شرح الحديث مستوفي هناك وقوله ولا معطي لما منعت زاد فيه مسعر عن عبد الملك بن عمير عن وراد ولا راد لما قضيت أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه وذكرت لهذه الزيادة طريقا أخرى هناك وكذا رويناها في فوائد أبي سعد الكنجرودي قوله وقال بن جريج وصله أحمد ومسلم من طريق بن جريج والغرض التصريح بأن ورادا أخبر به عبدة لانه وقع في الرواية الاولى بالعنعنة قوله باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء تقدم شرح ذلك في أوائل الدعوات قوله وقوله تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق يشير بذكر الآية إلى الرد على من زعم ان العبد يخلق فعل نفسه لانه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة بالله منه مخترعا لفاعله لما كان للاستعاذة بالله منه معنى لانه لا يصح التعوذ الا بمن قدر على إزالة ما استيعذ به منه والحديث يتضمن ان الله تعالى فاعل جميع ما ذكر والمراد بسوء القضاء سوء المقضي كما تقدم تقريره مع شرح الحديث مستوفي في أوائل الدعوات قوله باب يحول بين المرء وقلبه كأنه أشار إلى تفسير الحيلولة التي في الآية بالتقلب الذي في الخبر أشار إلى ذلك الراغب وقال المراد انه يلقى في قلب الانسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك وورد في تفسير الآية ما أخرجه بن مردويه بسند ضعيف عن بن عباس مرفوعا يحول بين المؤمن وبين الكفر ويحول بين الكافر وبين الهدى والحديث الاول في الباب سيأتي شرحه في كتاب الايمان والنذور قريبا وقوله في السند عن سالم هو المحفوظ وكذا قال سفيان الثوري عن موسى بن عقبة وشذ النفيلي فقال عن بن المبارك عن موسى عن نافع بدل سالم أخرجه أبو داود من رواية بن داسة والحديث الثاني مضى في اواخر الجنائز ويأتي مستوعبا في الفتن وقوله عبد الله في حديثي الباب هو بن المبارك وقد ذكرت ترجمة علي بن حفص في أوائل كتاب الجهاد وقوله وان يكنه بهاء ضمير للاكثر وكذا في ان لم يكنه ووقع فيهما للكشميهني بلفظ ان لم يكن هو بالفصل وهو المختار عند أهل العربية وبالغ بعضهم فمنع الاول قال بن بطال ما حاصله مناسبة حديث بن عمر للترجمة ان الآية نص في ان الله خلق الكفر والايمان وانه يحول بين قلب الكافر وبين الايمان الذي امره به فلا يكسبه ان لم يقدره عليه بل اقدره على ضده وهو الكفر وكذا في المؤمن بعكسه فتضمنت الآية انه خالق جميع افعال العباد خيرها وشرها وهو معنى قوله مقلب القلوب لان معناه تقليب قلب عبده عن إيثار الايمان إلى إيثار الكفر وعكسه قال وكل فعل الله عدل فيمن أصله وخذله لانه لم يمنعهم حقا وجب لهم عليه قال ومناسبة الثاني للترجمة قوله ان يكن هو فلا تطيقه يريد انه ان كان سبق في علم الله انه يخرج ويفعل فإنه لا يقدرك على قتل من سبق في علمه انه سيجئ إلى ان يفعل ما يفعل إذ لو اقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه والله سبحانه منزه عن ذلك قوله باب قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا قضى فسر كتب بقضى وهو أحد معانيها وبه جزم
[ 450 ]
الطبري في تفسيرها وقال الراغب ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضي كقوله لولا كتاب من الله سبق أي فيما قدره ومنه كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا يعني ما قدره وقضاه قال وعبر بقوله لنا ولم يعبر بقوله علينا تنبيها على ان الذي يصيبنا نعده نعمة لا نقمة قلت ويؤيد هذا الآية التي تليها حيث قال قل هل تربصون بنا الا إحدى الحسنيين وقد تقدم في تفسيره ان المراد الفتح أو الشهادة وكل منهما نعمة قال بن بطال وقد قيل ان هذه الآية وردت فيما أصاب العباد من افعال الله التي اختص بها دون خلقه ولم يقدرهم على كسبها دون ما اصابوه مكتسبين له مختارين قلت والصواب التعميم وان ما يصيبهم باكتسابهم واختيارهم هو مقدور لله تعالى وعن ارادته وقع والله اعلم قوله قال مجاهد بفاتنين بمضلين الا من كتب الله انه يصلى الجحيم وصله عبد بن حميد بمعناه من طريق إسرائيل عن منصور في قوله تعالى ما أنتم عليه بفاتنين الا من هو صال الجحيم قال لا يفتنون الا من كتب علية الضلالة ووصله أيضا من طريق شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه وأخرجه الطبري من تفسير بن عباس من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظ لا تضلون أنتم ولا اضل منكم الا من قضيت عيه انه صال الجحيم ومن طريق حميد سألت الحسن فقالك ما أنتم عليه بمضلين الا مكان في علم الله انه سيصلى الجحيم ومن طريق عمر بن عبد العزيز قال في تفسير هذه الآية انكم والالهة التي تعبدونها لستم بالذي تفتنون عليها الا من قضيت انه سيصلى الجحيم قوله قدر فهدى قدر الشقاء والسعادة وهدى الانعام لمراتعها وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى والذي قدر فهدى قدر للانسان الشقوة والسعادة وهدى الانعام لمراتعها وتفسير مجاهد هذا للمعنى لا للفظ وهو كقوله تعالى ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى قال الراغب هداية الله للخلق على أربعة اضرب الاول العامة لكل أحد بحسب احتماله وإليها أشار بقوله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى والثاني الدعاء على ألسنة الانبياء واليها أشار بقوله وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا والثالث التوفيق الذي يختص به من اهتدى واليها أشار بقوله ومن يؤمن بالله يهد قلبه وقوله والذين اهتدوا زادهم هدى والرابع الهدايات في الآخرة إلى الجنة واليها أشار بقوله وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله قال وهذه الهدايات الاربع مرتبة فإنه من لا يحصل له الاولى لا تحصل له الثانية ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ولا تحصل الرابعة الا لمن حصلت له الثالثة ولا تحصل الثالثة الا لمن حصلت له اللتان قبلها وقد تحصل الاولى دون الثانية والثانية دون الثالثة والانسان لا يهدى أحدا الا بالدعاء وتعريف الطرق دون بقية الانواع المذكورة والى ذلك أشار بقوله تعالى وانك لتهدي إلى صراط مستقيم والى بقية الهدايات أشار بقوله انك لا تهدي من أحببت ثم ذكر حديث عائشة في الطاعون وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطب والغرض منه قوله فيه يعلم انه لا يصيبه الا ما كتب الله له تنبيه سند حديث عائشة هذا من ابتدائه إلى يحيى بن يعمر مراوزة وقد سكن يحيى المذكور مرو مدة فلم يبق من رجال السند من ليس مروزيا الا طرفاه البخاري وعائشة قوله باب وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لو ان الله هداني لكنت من المتقين كذا ذكر بعض كل من الآيتين والهداية المذكورة اولا هي الرابعة على ما ذكر الراغب والمذكورة ثانيا هي الثالثة ثم ذكر حديث البراء في قوله والله لولا الله ما اهتدينا
[ 451 ]
الابيات وقد تقدم شرحها في غزوة الخندق وقوله هنا ولا صمنا ولا صلينا كذا وقع مزحوفا وتقدم هناك من طريق شعبة عن أبي إسحاق بلفظ ولا تصدقنا بدل ولا صمنا وبه يحصل الوزن وهو المحفوظ والله اعلم خاتمة اشتمل كتاب القدر من الاحاديث المرفوعة على تسعة وعشرين حديثا المعلق منها ثلاثة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي سعيد ما استخلف من خليفة وحديث بن عمر لا ومقلب القلوب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله كتاب الايمان والنذور الايمان بفتح الهمزة جمع يمين وأصل اليمين في اللغة اليد واطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا تحالفوا اخذ كل بيمين صاحبه وقيل لان اليد اليمنى من شأنها حفظ الشئ فسمى الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ويجمع اليمين أيضا على ايمن كرغيف وارغف وعرفت شرعا بأنها توكيد الشئ بذكر اسم أو صفة لله وهذا اخصر التعاريف واقربها والنذور جمع نذر وأصله الانذار بمعنى التخويف وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر قوله قول الله تعالى كذا للجميع بغير لفظ باب وهو مقدر وثبت لبعضهم كالاسماعيلي قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الآية وفي نسخة بدل الآية إلى قوله تشكرون وساق في رواية كريمة الآية كلها والاول أولى فإن المذكور من الآية هنا إلى قوله بما عقدتم الايمان واما بقية الآية فقد ترجم به في أول كفارات الايمان فقال لقوله فكفارته اطعام عشرة مساكين نعم يحتمل ان يكون ساق الآية كلها اولا ثم ساق بعضها حيث احتاج إليه قوله باللغو قال الراغب هو في الاصل ما لا يعتد به من الكلام والمراد به في الايمان ما يرود عن غير روية فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير وقد سبق الكلام عليه في باب مفرد في تفسير المائدة قوله عقدتم قرئ بتشديد القاف وتخفيفها وأصله العقد وهو الجمع بين أطراف الشئ ويستعمل في الاجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع والمعاهدة قال عطاء معنى قوله عقدتم الايمان اكدتم ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث الاول قوله عبد الله هو بن المبارك قوله ان أبا بكر الصديق في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بسنده عن أبي بكر الصديق انه كان أخرجه أبو نعيم وهذا يقتضي انه من رواية عائشة عن أبيها وقد تقدم في تفسير المائدة ذكر من رواه مرفوعا وقد ذكره الترمذي في العلل المفرد وقال سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال هذا خطأ والصحيح كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن هشام بن عروة قوله لم يكن يحنث في يمين قط حتى انزل الله كفارة اليمين الخ قيل ان قول أبي بكر ذلك وقع منه عند حلفه ان لا يصل مسطحا بشئ فنزلت ولا يأتل اولو الفضل منكم والسعة الآية فعاد إلى مسطح ما كان ينفعه به وقد تقدم بيان ذلك في شرح حديث الافك في تفسير النور ولم اقف على النقل المذكور مسندا ثم وجدته في تفسير الثعلبي نقلا عن بن جريج قال حدثت انها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف ان لا ينفق على مسطح لخوضه في الافك قوله الا أتيت الذي هو خير وكفرت وافقه وكيع وقال بن نمير في روايته الا كفرت عن يميني وأتيت ووافقه سفيان وسيأتي البحث في ذلك في باب الكفارة قبل
[ 452 ]
الحنث من كتاب كفارات الايمان الحديث الثاني قوله الحسن هو بن أبي الحسن البصري وعبد الرحمن بن سمرة يعني بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف وقيل بين حبيب وعبد شمس ربيعة وكنية عبد الرحمن أبو سعيد وهو من مسلمة الفتح وقيل كان اسمه قبل الاسلام عبد كلال بضم أوله والتخفيف وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه أرسله عبد الله بن عامر أمير البصرة لعثمان على السرية ففتحها وفتح غيرها وقال بن سعد مات سنة خمسين وقيل بعدها بسنة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة بكسر الهمزة أي الولاية وسيأتي شرح ذلك مستوفي في كتاب الاحكام قوله وإذا حلفت على يمين يأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث الحديث الثالث قوله غيلان بغين معجمة ثم تحتانية ساكنة هو بن جرير الازدي الكوفي من صغار التابعين وأبو بردة هو بن أبي موسى الاشعري وسيأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث الحديث الرابع قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقد روى البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر عن عبد الرزاق عدة أحاديث قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لان يلج هكذا في رواية الكشميهني ولغيره فقال بالفاء والاول أوجه وقوله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة طرف من حديث تقدم بتمامه في أول كتاب الجمعة لكن من وجه آخر عن أبي هريرة وقد كرر البخاري منه هذا القدر في بعض الاحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه والسبب فيه ان حديث نحن الاخرون هو أول حديث في النسخة وكان همام يعطف عليه بقية الاحاديث بقوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك في ذلك البخاري ومسلم مسلكين أحدهما هذا والثاني مسلك مسلم فإنه بعد قول همام هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكر عدة أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استمر على ذلك في جميع ما أخرجه من هذه النسخة وهو مسلك واضح واما البخاري فلم يطرد له في ذلك عمل فإنه اخرج من هذه النسخة في الطهارة وفي البيوع وفي النفقات وفي الشهادات وفي الصلح وقصة موسى والتفسير وخلق آدم والاستئذان وفي الجهاد في مواضع وفي الطب واللباس وغيرها فلم يصدر شيئا من الاحاديث المذكورة بقوله نحن الاخرون السابقون وانما ذكر ذلك في بعض دون بعض وكأنه أراد ان يبين جواز كل من الامرين ويحتمل ان يكون ذلك من صنيع شيخ البخاري وقال بن بطال يحتمل ان يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما ويحتمل ان يكون الرواي فعل ذلك لانه سمع من أبي هريرة أحاديث في اوائلهما ذكرها على الترتيب الذي سمعه قلت ويعكر عليه ما تقدم في اواخر الوضوء وفي أوائل الجمعة وغيرها قوله والله لان يلج بفتح اللام وهي اللام المؤكدة للقسم ويلج بكسر اللام ويجوز فتحها بعدها جيم من اللجاج وهو ان يتمادى في الامر ولو تبين له خطؤه وأصل اللجاج في اللغة هو الاصرار على الشئ مطلقا ويقال لججت ألج بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع ويجوز العكس قوله أحدكم بيمينه في أهله سقط قوله في أهله من رواية محمد بن حميد
[ 453 ]
المعمري عن معمر عند بن ماجة قوله آثم بالمد أي أشد اثما قوله من ان يعطى كفارته التي افترض الله عليه في رواية أحمد عن عبد الرزاق من ان يعطي كفارته التي فرض الله قال النووي معنى الحديث ان من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي ان يحنث فيفعل ذلك الشئ ويكفر عن يمينه فإن قال لا احنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الاثم فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره على عدم الحنث وإقامة الضرر لاهله أكثر اثما من الحنث ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث لا معصية فيه وأما قوله آثم بصيغة افعل التفضيل فهو لقصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف أو توهمه فإنه يتوهم ان عليه اثما في الحنث مع انه لا اثم عليه فيقال له الاثم في اللجاج أكثر من الاثم في الحنث وقال البيضاوي المراد ان الرجل إذا حلف على شئ يتعلق بأهله وأصر عليه كان ادخل في الوزر وافضى إلى الاثم من الحنث لانه جعل الله عرضة ليمينه وقد نهى عن ذلك قال وآثم اسم تفضيل وأصله ان يطلق لللاج في الاثم فأطلق لمن يلج في موجب الاثم اتساعا قال وقيل معناه انه كان يتحرج من الحنث خشية الاثم ويرى ذلك فاللجاج أيضا اثم على زعمه وحسبانه وقال الطيبي لا يبعد ان تخرج افعل عن بابها كقولهم الصيف احر من الشتاء ويصير المعنى ان الاثم في اللجاج في بابه ابلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه قال وفائدة ذكر أهل في هذا المقام للمبالغة وهي مزيد الشفاعة لاستهجان اللجاج فيما يتعلق بالاهل لانه إذا كان في غيرهم مستهجنا ففي حقهم أشد وقال القاضي عياض في الحديث ان الكفارة على الحانث فرض قال ومعنى يلج ان يقيم على ترك الكفارة كذا قال والصواب على ترك الحنث لانه بذلك يقع التمادي على حكم اليمين وبه يقع الضرر على المحلوف عليه قوله في الطريق الاخرى حدثنا إسحاق جزم أبو علي الغساني بأنه بن منصور وصنيع أبي نعيم في المستخرج يقتضي انه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله ويحيى بن صالح هو الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة بعد الالف ظاء مشالة معجمة وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في الحج وشيخه معاوية هو بن سلام بتشديد اللام ويحيى هو بن أبي كثير وعكرمة هو مولى بن عباس قوله عن أبي هريرة كذا اسنده معاوية بن سلام وخالفه معمر فرواه عن يحيى بن أبي كثير فأرسله ولم يذكر فيه أبا هريرة أخرجه الاسماعيلي من طريق بن المبارك عن معمر لكنه ساقه بلفظ رواية همام عن أبي هريرة وهو خطأ من معمر وإذا كان لم يضبط المتن فلا يتعجب من كونه لم يضبط الاسناد قوله من استلج استفعل من اللجاج وذكر بن الاثير انه وقع في رواية استلجج بإظهار الادغام وهي لغة قريش قوله فهو أعظم اثما ليبر يعني الكفارة وكذا وقع في رواية بن السكن وكذا لابي ذر عن الكشميهني بلام مكسورة بعدها تحتانية مفتوحة ثم راء مشددة واللام لام الامر بلفظ أمر الغائب من البر أو الابرار ويعني بفتح التحتانية وسكون المهملة وكسر النون تفسير البر والتقدير ليترك اللجاج ويبر ثم فسر البر بالكفارة والمراد انه يترك اللجاج فيما حلف ويفعل المحلوف عليه ويحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه إذا حنث ومعنى قوله في أهله ما تقدم في الطريق التي قبلها من تصويره بأن يحلف ان يضر أهله مثلا فيلج في ذلك اليمين ويقصد إيقاع الاضرار بهم لتنحل يمينه فكأنه قيل له دع اللجاج في ذلك واحنث في هذا اليمين واترك اضرارهم ويحصل لك البر فإنك ان اصررت على الاضرار بهم كان ذلك أعظم اثما من حنثك في اليمين ووقع في رواية النسفي
[ 454 ]
والاصيلي ليس تغني الكفارة فتح اللام وسكون التحتانية بعدها سين مهملة وتغني بضم المثناة الفوقانية وسكون الغين المعجمة وكسر النون والكفارة بالرفع والمعنى ان الكفارة لا تغني عن ذلك وهو خلاف المراد والرواية الاولى أوضح ومنهم من وجه الثانية بأن المفضل عليه محذوف والمعنى ان الاستيلاج أعظم اثما من الحنث والجملة استئناف والمراد ان ذلك الاثم لا تغني عنه كفارة وقال بن الاثير في النهاية وفيه إذا استيلج أحدكم بيمينه فإنه آثم له عند الله من الكفارة وهو استفعل من اللجاج ومعناه ان من حلف على شئ ويرى ان غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث فيكفر فذلك آثم له وقيل هو ان يرى انه صادق فيها مصيب فيلج ولا يكفرها انتهى وانتزع ذلك كله من كلام الخطابي وقد قيد في رواية الصحيح بالاهل ولذلك قال النووي ما تقدم في الطريق الاولى وهو منتزع أيضا من كلام عياض وذكر القرطبي في مختصر البخاري انه ضبط في بعض الامهات تغني بالتاء المضمومة والغين المعجمة وليس بشئ وفي الاصل المعتمد عليه بالتاء الفوقانية المفتوحة والعين المهملة وعليه علامة الاصيلي وفيه بعد ووجدناه بالياء المثناة من تحت وهو أقرب وعند بن السكن يعني ليس الكفارة وهو عندي اشبهها إذا كانت ليس استثناء بمعنى الا أي إذا لج في يمينه كان أعظم اثما الا ان يكفر قلت وهذا أحسن لو ساعدته الرواية انما الذي في النسخ كلها بتقديم ليس على يعني وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن صالح بحذف الجملة الاخيرة وآخر الحديث عنده فهو أعظم اثما وقال بن حزم لا جائز ان يحمل على اليمين الغموس لان الحالف بها لا يسمى مستلجا في أهله بل صورته ان يحلف ان يحسن إلى أهله ولا يضرهم ثم يريد ان يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم ومعنى قوله لا تغني الكفارة ان الكفارة لا تحط عنه اثم اساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه وانما هي متعلقة باليمين التي حلفها وقال بن الجوزي قوله ليس تغني الكفارة كأنه أشار إلى ان اثمه في قصده ان لا يبر ولا يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد وبعضهم ضبطه بفتح نون يغني وهو بمعنى يترك أي ان الكفارة لا ينبغي ان تترك وقال بن التين قوله ليس تغني الكفارة بالمعجمة يعني مع تعمد الكذب في الايمان قال وهذا على رواية أبي ذر كذا قال وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي ليس يعني الكفارة بالعين المهملة قال وهذا موافق لتاويل الخطابي انه يستديم على لجاجة ويمتنع من الكفارة إذا كانت خيرا من التمادي وفي الحديث ان الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادي واجب والحنث معصية وعكسه بالعكس وان حلف على فعل نفل فيمينه أيضا طاعة والتمادي مستحب والحنث مكروه وان حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله وان حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف وقال بن الضباغ وصوبه المتأخرون ان ذلك يختلف باختلاف الاحوال وان كان مستوى الطرفين فالاحح ان التمادي أولى والله اعلم ويستنبط من معنى الحديث ان ذكر أهل خرج مخرج الغالب والا فالحكم يتناول غير الاهل إذا وجدت العلة والله اعلم وإذا تقرر هذا وعرف معنى الحديث فمطابقته بعد تمهيد تقسيم أحوال الحالف انه ان لم يقصد به اليمين كأن
[ 455 ]
لا يقصدها أو يقصدها لكن ينسى أو غير ذلك كما تقدم بيانه في لغو اليمين فلا كفارة عليه ولا اثم وان قصدها وانعقدت ثم رأى ان الحلوف عليه أولى من الاستمرار على اليمين فليحنث وتجب عليه الكفارة فإن تخيل ان الكفارة لا ترفع عنه اثم الحنث فهو تخيل مردود سلمنا لكن الحنث أكثر اثما من اللجاج في ترك فعل ذلك الخير كما تقدم فللآية المذكورة التفات إلى التي قبلها فإنها تضمنت المراد من هذا الحديث حيث جاء فيها ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا والمراد لا تجعل اليمين الذي حلفت ان لا تفعل خيرا سواء كان ذلك من عمل أو ترك سببا يعتذر به عن الرجوع عما حلفت عليه خشية من الاثم المرتب على الحنث لانه لو كان اثما حقيقة لكان عمل ذلك الخير رافعا له بالكفارة المشروعة ثم يبقى ثواب البر زائدا على ذلك وحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي قبله يؤكد ذلك لورود الامر فيه بفعل الخير وكذا الكفارة قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم وايم الله بكسر الهمزة وبفتحها والميم مضمومة وحكى الاخفش كسرها مع كسر الهمزة وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج وهمزته همزة وصل عند الاكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لانه عندهم جمع يمين وعند سيبويه ومن وافقه انه اسم مفرد واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه قال بن مالك فلو كان جمعا لم تحذف همزته واحتج بقول عروة بن الزبير لما اصيب بولده ورجله ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت قال فلو كان جمعا لم يتصرف منه بحذف بعضه قال وفيه اثنتا عشرة لغة جمعتها في بيتين وهما همز ايم وايمن فافتح واكسر أو أم قل أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا وايمن اختم به والله كلا اضف إليه في قسم تستوف ما نقلا قال بن أبي الفتح تلميذ بن مالك فإنه أم بفتح الهمزة وهيم بالهاء بدل الهمزة وقد حكاها القاسم بن أحمد المعلم الاندلسي في شرح المفصل وقد قدمت في أوائل هذا الشرح في آخر التيمم لغات في هذا فبلغت عشرين وإذا حصر ما ذكر هنا زادت على ذلك وقال غيره أصله يمين الله ويجمع ايمنا فيقال وايمن الله حكاه أبو عبيدة وانشده لزهير بن أبي سلمى فتجمع ايمن منا ومنكم بمقسمة تمور بها الدماء وقالوا عند القسم وايمن الله ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا لم يك ثم حذفوا الياء فقالوا أم الله ثم حذفوا الالف فاقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة وقالوا أيضا من الله بكسر الميم وضمها واجازوا في ايمن فتح الميم وضمها وكذا في ايم ومنهم من وصل الالف وجعل الهمزة زائدة أو مهملة وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين وقال الجوهري قالوا ايم الله وربما حذفوا الياء فقالوا أم الله وربما ابقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م الله وربما كسروها لانها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء قالوا وألفها الف وصل عند أكثر النحويين ولم يجئ الف وصل مفتوحة غيرها وقد تدخل اللام للتأكيد فيقال ليمن الله قال الشاعر فقال فريق القوم لما نشدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري وذهب بن كيسان وابن درستويه إلى ان الفها الف قطع وانما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال وحكى بن التين عن الداودي قال ايم الله معناه اسم الله ابدل السين ياء وهو غلط فاحش لان السين لا تبدل ياء وذهب المبرد إلى انها عوض من واو القسم وان
[ 456 ]
معنى الله عز وجل قوله وايم الله والله لافعلن ونقل عن بن عباس ان يمين الله من أسماء الله ومنه قول امرئ القيس فقلت يمين الله ابرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومن ثم قال المالكية والحنفية انه يمين وعند الشافعية ان نوى اليمين انعقدت وان نوى غير اليمين لم ينعقد يمينا وان اطلق فوجهان أصحهما لا ينعقد الا ان نوى وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد وحكى الغزالي في معناه وجهين أحدهما انه كقوله تالله والثاني كقوله احلف بالله وهو الراجح ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا بخلاف ايم الله واحتج بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ويمين الله من صفاته وصفاته قديمة وجزم النووي في التهذيب ان قول وايم الله كقوله وحق الله وقال انه تنعقد به اليمين عند الاطلاق وقد استغربوه ووقع في الباب الذي بعده ما يقويه وهو قوله في حديث أبي هريرة في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وايم الذي نفس محمد بيده لو قال ان شاء الله لجاهدوا والله اعلم واستدل من قال بالانعقاد مطلقا بهذا الحديث ولا حجة فيه الا على التقدير المتقدم وان معناه وحق الله ثم ذكر حديث بن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه مستوفي في آخر المغازي وفي المناقب وضبط قوله فيه وأيم الله بالهمز وتركه والله اعلم قوله باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أي التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر وجملة ما ذكر في الباب أربعة ألفاظ أحدها والذي نفسي بيده وكذا نفس محمد بيده فبعضها مصدر بلفظ لا وبعضها بلفظ اما وبعضها بلفظ ايم ثانيها لا ومقلب القلوب ثالثها والله رابعها ورب الكعبة اما قوله لاها الله إذا فيؤخذ منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والاول أكثرها ورودا وفي سياق الثاني اشعار بكثرته أيضا وقد وقع في حديث رفاعة بن عرابة عند بن ماجة والطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال والذي نفسي بيده ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخ عن أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نفس أبي القاسم بيده ولابن ماجة من وجه اخر في هذا الحديث كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها اشهد عند الله والذي نفسي بيده ودل ما سوى الثالث من الاربعة على ان النهي عن الحلف بغير الله لا يراد به اختصاص لفظ الجلالة بذلك بل يتناول كل اسم وصفته تختص به سبحانه وتعالى وقد جزم بن حزم وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع الاسماء الواردة في القرآن والسنة الصحيحة وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب لمخالفته الكفارة وهو وجه غريب عند الشافعية وعندهم وجه أغرب منه انه ليس في شئ من ذلك صريح الا لفظ الجلالة وأحاديث الباب ترده والمشهور عندهم وعند الحنابلة انها ثلاثة أقسام أحدها ما يختص به كالرحمن ورب العالمين وخالق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء قصد الله أو اطلق ثانيها ما يطلق عليه وقد يقال بغيره لكن بقيد كالرب والحق فتنعقد به اليمين الا ان قصد به غير الله ثالثها ما يطلق على السواء كالحي والموجود والمؤمن فإن نوى غير الله أو اطلق فليس بيمين وان نوى به الله انعقد على الصحيح وإذا تقرر هذا فمثل والذي نفسي بيده ينصرف عند إطلاق لله جزما فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا لم يخرج عن الصراحة
[ 457 ]
على الصحيح وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم ويلتحق به والذي فلق الحبة ومقلب القلوب واما مثل والذي اعبده أو اسجد له أو أصلي له فصريح جزما وجمل الاحاديث المذكورة في هذا الباب عشرون حديثا الحديث الاول قوله وقال سعد هو بن أبي وقاص وقد مضى الحديث المشار إليه في مناقب عمر في حديث أوله استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة الحديث وفيه أيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك وفد مضى شرحه مستوفى هناك الحديث الثاني قوله وقال أبو قتادة قال أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم لاها الله إذا وهو طرف من حديث موصول في غزوة حنين وقد بسطت الكلام على هذه الكلمة هناك قوله يقال والله وبالله وتالله يعني ان هذه الثلاثة حروف القسم ففي القرآن القسم بالواو وبالموحدة في عدة أشياء وبالمثناة في قوله تالله لقد آثرك الله علينا وتالله لاكيدن اصنامكم وغير ذلك وهذا قول الجمهور وهو المشهور عن الشافعي ونقل قول عن الشافعي ان القسم بالمثناة ليس صريحا لان أكثر الناس لا يعرفون معناها والايمان مختصة بالعرف وتأول ذلك اصحابه وأجابوا عنه بأجوبة نعم تفترق الثلاثة بأن الاولين يدخلان على اسم الله وغيره من أسمائه ولا تدخل المثناة الا على الله وحده وكأن المصنف أشار بإيراد هذا الكلام هنا عقب حديث أبي قتادة إلى ان أصل لاها الله لا والله فالهاء عوض عن الواو وقد صرح بذلك جمع من أهل اللغة قيل الهاء نفسها أيضا حرف قسم بالاصالة ونقل الماوردي ان أصل أحرف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة ونقل بن الصباغ عن أهل اللغة ان الموحدة هي الاصل وان الواو بدل منها وان المثناة بدل من الواو وقواه بن الرفعة واستدل بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو الحديث الثالث قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وقد اخرج البخاري عن محمد بن يوسف وهو البيكندي عن سفيان وهو بن عيينة وليس هو المراد هنا وقد اخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق محمد بن يوسف الفريابي حدثنا سفيان وهو الثوري وأخرجه الاسماعيلي وابن ماجة من رواية وكيع والنسائي من رواية محمد بن بشر كلاهما عن سفيان الثوري أيضا قوله كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم زاد الاسماعيلي من رواية وكيع التي يحلف عليها وفي أخرى له يحلف بها قوله لا ومقلب القلوب تقدم في اواخر كتاب القدر من رواية بن المبارك عن موسى بن عقبة بلفظ كثيرا ما كان ويأتي في التوحيد من طريقه بلفظ أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف فذكره وأخرجه بن ماجة من وجه اخر عن الزهري بلفظ كان أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومصرف القلوب وقوله لا نفى للكلام السابق ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب اعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب وفي الحديث دلالة على ان أعمال القلب من الارادات والدواعي وسائر الاعراض بخلق الله تعالى وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله فحنث ولا نزاع في أصل ذلك انما اخلاف في أي صفة تنعقد بها اليمين والتحقيق انها مختصة بالتي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب قال القاضي أبو بكر بن العربي في الحديث جواز الحلف بأفعال الله إذا وصف بها ولم يذكر اسمه قال وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا ان حلف بقدرة
[ 458 ]
الله انعقدت يمينه وان حلف بعلم الله لم تنعقد لان العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا والجواب انه هنا مجاز ان سلم ان المراد به المعلوم والكلام انما هو في الحقيقة قال الراغب تقليب الله القلوب والابصار صرفها عن رأي إلى رأي والتقلب التصرف قال تعالى أو يأخذهم في تقلبهم قال وسمى قلب الانسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي يختص بها من الروح والعلم والشجاعة ومنه قوله وبلغت القلوب الحناجر أي الارواح وقوله لمن كان له قلب أي علم وفهم وقوله ولتطمئن به قلوبكم أي نثبت به شجاعتكم وقال القاضي أبو بكر بن العربي القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للانسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل بها ملكا يأمر بالخير وشيطانا يأمر بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب ينقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة واللمة من الملك تارة ومن الشيطان أخرى والمحفوظ من حفظه الله تعالى الحديث الرابع والخامس حديث جابر بن سمرة وأبي هريرة إذا هلك كسرى وقد تقدم شرحهما في اواخر علامات النبوة والغرض منهما قوله والذي نفسي بيده الحديث السادس حديث عائشة وهو طرف من حديث طويل تقدم في صلاة الكسوف واقتصر هنا على آخره لقوله والله لو تعملون ومحمد في أول هذا السند هو بن سلام وعبدة هو بن سليمان وفي قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية وقلبية وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته لكن بطريق الاجمال وأما تفاصيلها فاختص بها النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الالهية على وجه لم يجتمع لغيره ويشير إلى ذلك قوله في الحديث الماضي في كتاب الايمان من حديث عائشة ان اتقاكم واعلمكم بالله لانا الحديث السابع حديث عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان التيمي من رهط الصديق قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب تقدم هذا القدر من هذا الحديث بهذا السند في آخر مناقب عمر فذكرت هناك نسب عبد الله بن هشام وبعض حاله وتقدم له ذكر في الشركة والدعوات قوله فقال له عمر يا رسول الله لانت احب الي من كل شئ الا نفسي اللام لتأكيد القسم المقدر كأنه قال والله لانت الخ قوله لا والذي نفسي بيده حتى اكون احب إليك من نفسك أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر وعن بعض الزهاد تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وان كان فيه الهلاك وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الايمان قوله فقال له عمر فإنه الان يا رسول الله لانت احب الي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الان يا عمر قال الداودي وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه انما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا فلما قال ما قال تقرر في نفسه انه احب إليه من نفسه فحلف كذا قال وقال الخطابي حب الانسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الاسباب وانما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت فعلى هذا فجواب عمر اولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال ان النبي صلى الله عليه وسلم احب إليه من نفسه لكونه
[ 459 ]
السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والاخرى بأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الان يا عمر أي الان عرفت فنطقت بما يجب واما تقرير بعض الشراح الان صار ايمانك معتدا به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الاصلي فلا ينبغي التشديد في الانكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالاشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو ما أنكره الحديث الثامن والتاسع حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وسيأتي شرحه مستوفي في الحدود والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم اما والذي نفسي بيده لاقضين وسقطت اما وهي بتخفيف الميم للافتتاح من بعض الروايات الحديث العاشر قوله عبد الله بن محمد هو الجعفي وفي شيوخ البخاري عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة لكنه لم يسم أباه في شئ من الاحاديث التي أخرجها اما يكنيه ويكنى أباه أو يسميه ويكني أباه بخلاف الجعفي فإنه ينسبه تارة وأخرى لا ينسبه كهذا الموضع ووهب هو بن جرير بن حازم ومحمد بن أبي يعقوب نسبه إلى جده وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي وأبو بكرة هو الثقفي والاسناد من وهب فصاعدا بصريون قوله أرأيتم ان كان اسلم أي اخبروني والمراد بأسلم ومن ذكر معها قبائل مشهورة وقد تقدم شرح الحديث المذكور في أوائل المبعث النبوي والمراد منه قوله فيه فقال والذي نفسي بيده أنتم خير منهم والمراد خيرية المجموع على المجموع وان جاز ان يكون في المفضولين فرد أفضل من فرد من الافضلين الحديث الحادي عشر قوله استعمل عاملا هو بن اللتبية بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة ثم ياء النسب واسمه عبد الله كما تقدمت الاشارة إليه في كتاب الزكاة وشئ من شرحه في الهبة ويأتي شرحه مستوفي في كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى قوله في آخره قال أبو حميد وقد سمع معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فسلوه قد فتشت مسند زيد بن ثابت فلم أجد لهذه القصة فيه ذكرا الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة لو تعملون ما اعلم الحديث
[ 460 ]
مختصرا وقد تقدمت الاشارة إليه في الحديث السادس الحديث الثالث عشر حديث أبي ذر أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في الرقاق وساق بهذا السند في كتاب الزكاة المتن بتمامه الحديث الرابع عشر قوله قال سليمان أي بن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم منسوبا في أوائل الجهاد وتقدم شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الانبياء ويأتي ما يتعلق بقوله ان شاء الله تعالى في باب الاستثناء في الايمان من كتباب كفارة الايمان وأورده هنا لقوله فيه وايم الذي نفس محمد بيده لو قال ان شاء الله الحديث هكذا وقع في هذه الرواية وفي سائر الطرق كما تقدم في ترجمة سليمان بغير يمين واستدل بما وقع في هذا الموضع على جواز إضافة ايم إلى غير لفظ الجلالة وأجيب بأنه نادر ومنه قول عروة بن الزبير في قصته المتقدمة ليمنك لئن ابتليت فقد عافيت فأضافها إلى الضمير الحديث الخامس عشر حديث البراء بن عازب في ذكر مناديل سعد تقدم شرحه في المناقب وفي اللباس قوله في آخره لم يقل شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق والذي نفسي بيده يعني انهما روياه عن أبي إسحاق عن البراء كما رواه أبو الأحوص وان أبا الاحوص انفرد عنهما بهذه الزيادة وقد تقدم حديث شعبة في المناقب وحديث إسرائيل في اللباس موصولا قال الاسماعيلي وكذا رواه الحسين بن واقد عن أبي إسحاق وكذا قال أبو عاصم أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو ثم المهملة عن أبي الاحوص أخرجه الاسماعيلي من طريقه وقال هو من المتخصصين بأبي الاحوص قلت وشيخ البخاري الذي زادها عن أبي الاحوص هو محمد بن سلام وقد وافقه هناد بن السرى عن أبي الاحوص أخرجه بن ماجة الحديث السادس عشر قوله يونس هو بن يزيد قوله ما كان مما على ظهر الارض أهل اخباء أو خباء كذا فيه بالشك هل هو بصيغة الجمع أو الافراد وبين ان الشك من يحيى وهو بن عبد الله بن بكير شيخ البخاري فيه وقد تقدم في النفقات من رواية بن المبارك عن يونس بن يزيد بلفظ أهل خباء بالافراد ولم يشك وكذا للاسماعيلي من طريق عنبسه عن يونس وتقدم شرح ا لحديث في اواخر المناقب وقوله ان أبا سفيان هو بن حرب والد معاوية وقوله رجل مسيك بكسر الميم وتشديد السين وفتح الميم وتخفيف السين وتقدم ذلك واضحا في كتاب النفقات وقوله لا بالمعروف الباء متعلقة بالانفاق لا بالنفي وقد مضى في المناقب بلفظ فقال لا الا بالعروف وهي أوضح والله اعلم الحديث السابع عشر قوله حدثنا أحمد بن عثمان هو الاودي وشريح
[ 461 ]
بالشين المعجمة والحاء المهملة إبراهيم بن يوسف أي بن إسحاق بن أبي سحق السبيعي فأبو إسحاق جد يوسف والسند كله كوفيون ومضى شرح الحديث مستوفي في كتاب الرقاق الحديث الثامن عشر حديث أبي سعيد في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن تقدم مشروحا في فضائل القرآن الحديث التاسع عشر قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة وتقدم شرح الحديث المذكور في صفة الصلاة الحديث العشرون قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه أيضا قوله ان امرأة من الانصار لم اقف على اسمها ولا على أسماء أولادها قوله معها أولادها في رواية الكشميهني أولاد لها قوله انكم لاحب الناس الي تقدم الكلام عليه في مناقب الانصار وفي هذه الاحاديث جواز الحلف بالله تعالى وقال قوم يكره لقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ولانه ربما عجز عن الوفاء بها ويحمل ما ورد من ذلك على ما إذا كان في طاعة أو دعت إليها حاجة كتأكيد أمر أو تعظيم من يستحق التعظيم أو كان في دعوى عند الحاكم وكان صادقا قوله باب بالتنوين لا تحلفوا بآبائكم هذه الترجمة لفظ رواية بن دينار عن بن عمر في الباب لكنها مختصرة على ما سأبينه وقد اخرج النسائي وأبو داود في رواية بن داسة عنه من حديث أبي هريرة مثله بزيادة ولفظه لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالانداد ولا تحلفوا الا بالله الحديث قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير هذا السياق يقتضي ان الخبر من مسند بن عمر وكذا وقع في رواية عبد الله بن دينار عن بن عمر ولم ار عن نافع في ذلك اختلافا الا ما حكى يعقوب بن شيبة ان عبد الله بن عمر العمري الضعيف المكبر رواه عن نافع فقال عن بن عمر عن عمر قال ورواه عبيد الله بن عمر العمري المصغر الثقة عن نافع فلم يقل فيه عن عمر وهكذا رواه الثقات عن نافع لكن وقع في رواية أيوب عن نافع ان عمر لم يقل فيه عن بن عمر قلت قد أخرجه مسلم من طريق أيوب فذكره وأخرجه أيضا عن جماعة من أصحاب نافع بموافقة مالك ووقع للمزي في الاطراف انه وقع في رواية عبد الكريم عن نافع عن بن عمر في مسند عمر وهو معترض فان مسلما ساق أسانيده فيه إلى سبعة أنفس من أصحاب نافع منهم عبد الكريم ثم قال سبعتهم عن نافع عن بن عمر بمثل هذه القصة وقد اورد المزي طرق الستة الآخرين في مسند بن عمر على الصواب ووقع الاختلاف في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه كما أشار المصنف إليه كما سأذكره قوله في ركب في مسند يعقوب بن شيبة من طريق بن عباس عن عمر بينا انا راكب اسير في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله يحلف بأبيه في رواية سفيان بن عيينة عن بن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه وهو يقول وأبي وأبي وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن بن عمر من الزيادة وكانت قريش تحلف بآبائها قوله فقال الا ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم في رواية الليث عن نافع فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في مصنف بن أبي شيبة من طريق عكرمة قال قال عمر حدثت قوما حديثا فقلت لا وأبي فقال رجل من خلفي لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو ان أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم وهذا مرسل يتقوى بشواهده وقد أخرج الترمذي من وجه آخر عن بن عمر انه سمع رجلا يقول لا والكعبة فقال لا تحلف بغير الله
[ 462 ]
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك قال الترمذي حسن وصححه الحاكم والتعبير بقوله فقد كفر أو اشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك قوله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله ان الحلف بالشئ يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة انما هي لله وحده وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على ان اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية كذا قال بن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وقال بن عبد البر لا يجوز الحلف بغير الله بالاجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع آخر اجمع العلماء على ان اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لاحد الحلف بها والخلاف موجود عند الشافعية من اجل قول الشافعي اخشى ان يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد وجمهور اصحابه على انه للتنزيه وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فان اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه قال الماوردي لا يجوز لاحد ان يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحدا بشئ من ذلك وجب عزله لجهله قوله عن يونس هو بن يزيد الايلي في رواية مسلم عن حرملة عن بن وهب أخبرني يونس قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينهاكم في رواية معمر عن بن شهاب بهذا السند عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا احلف بأبي فقال ان الله فذكر الحديث أخرجه أحمد عنه هكذا قوله فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم في روايته ينهى عنها قوله ذاكرا أي عامدا قوله ولا آثرا بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن بن شهاب عند مسلم ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفا وأجيب باحتمال ان يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها اثرا عن غيري أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت ويقويه رواية عقيل وجوز شيخنا في شرح الترمذي لقوله أثرا معنى اخر أي مختارا يقال أثر الشئ إذا اختاره فكأنه قال ولا حلفت بها مؤثرا لها على غيرها قال شيخنا ويحتمل ان يرجع قوله آثرا إلى معنى التفاخر بالآباء في الاكرام لهم ومنه قولهم مأثرة ومآثر وهو ما يروى من المفاخر فكأنه قال ما حلفت بآبائي ذاكرا لمآثرهم وجوز في قوله ذاكرا ان يكون من الذكر بضم المعجمة كأنه احترز عن ان يكون ينطق بها ناسيا وهو يناسب تفسير اثرا بالاختيار كأنه قال لا عامدا ولا مختارا وجزم بن التين في شرحه بأنه من الذكر بالكسر لا بالضم قال وانما هو لم أقله من قبل نفسي ولا حدثت به عن غيري انه حلف به قال وقال
[ 463 ]
الداودي يريد ما حلفت بها ولا ذكرت حلف غيري بها كقوله ان فلانا قال وحق أبي مثلا واستشكل أيضا ان كلام عمر المذكور يقضتي انه تورع عن النطق بذلك مطلقا فكيف نطق به في هذه القصة وأجيب بأنه اغتفر ذلك لضرورة التبليغ قوله قال مجاهد أو اثارة من علم يأثر علما كذا في جميع النسخ يأثر بضم المثلثة وهذا الاثر وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ائتوني بكتاب من قبل هذا أو اثارة من علم قال أحد يأثر علما فكأنه سقط أحد من أصل البخاري وقد تقدم في تفسير الاحقاف النقل عن أبي عبيدة وغيره في بيان هذه اللفظة الاختلاف في قرائتها ومعناها وذكر الصغاني وغيره انه قرئ أيضا اثار بكسر أوله وأثرة بفتحتين وسكون ثانيه مع فتح أوله ومع كسره وحديث بن عباس المذكور هناك أخرجه أحمد وشك في رفعه وأخرجه الحاكم موقوفا وهو الراجح وفي رواية جودة الخط وقال الراغب في قوله سبحانه وتعالى أو اثارة من علم وقرئ أو اثرة يعني بفتحتين وهو ما يروي أي يكتب فيبقى له اثر تقول اثرت العلم رويته آثره أثرا وأثارة وأثرة والاصل في اثر الشئ حصول ما يدل على وجوده ومحصل ما ذكروه ثلاثة أقوال أحدها البقية وأصله اثرت الشئ اثيره اثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الاثر وهو الرواية الثالث من الاثر وهو العلامة قوله تابعه عقيل والزبيدي وإسحاق الكلبي عن الزهري اما متابعة عقيل فوصلها مسلم من طريق الليث بن سعد عنه وقد بينت ما فيها ولليث فيه سند آخر رواه عن نافع عن بن عمر فجعله من مسنده وقد مضى في الادب وأما متابعة الزبيدي فوصلها النسائي مختصرة من طريق محمد بن حرب عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه انه أخبره عن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم قال عمر فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا وأما متابعة إسحاق الكلبي وهو بن يحيى الحمصي فوقعت لنا موصولة في نسخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن عبد القدوس بن موسى الحمصي عن سليم بن عبد الحميد عن يحيى بن صالح الوحاظي عن إسحاق ولفظه عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه انه أخبرني ان عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثل رواية يونس عند مسسلم لكن قال بعد قوله ينهى عنها ولا تكلمت بها ذاكرا ولا آثر فجمع بين لفظ يونس ولفظ عقيل وقد صرح مسلم بأن عقيلا لم يقل في روايته ذاكرا وآثرا قوله وقال بن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر اما رواية بن عيينة فوصلها الحميدي في مسنده عنه بهذا السياق وكذا قال أبو بكر بن أبي شيبة وجمهور أصحاب بن عيينة عنه منهم الامام أحمد وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي بهذا السند عن بن عمر عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ذلك الاسماعيلي فقال اختلف فيه على سفيان بن عيينة وعلى معمر ثم ساقه من طريق بن أبي عمر عن سفيان فقال في روايته عن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يحلف بأبيه قال وقال عمرو الناقد وغير واحد عن سفيان بسنده إلى بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر واما رواية معمر
[ 464 ]
فوصلها الامام أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجها أبو داود عن أحمد قلت وصنيع مسلم يقتضي ان رواية معمر كذلك فإنه صدر برواية يونس ثم ساقه إلى عقيل ثم قال بعدها وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ثم قال كلاهما عن الزهري بهذا الاسناد أي الاسناد الذي ساقه ليونس مثله أي مثل المتن الذي ساقه له قال غير ان في حديث عقيل ولا تكلمت بها لكن حكى الاسماعيلي ان إسحاق بن إبراهيم رواه عن عبد الرزاق كرواية أحمد عنه وأخرجه الاسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن عبد الرزاق فقال في روايته عن عمر سمعني النبي صلى الله عليه وسلم احلف وهكذا قال محمد بن أبي السرى عن عبد الرزاق وذكر الاسماعيلي ان عبد الاعلى رواه عن معمر فلم يقل في السند عن عمر كرواية أحمد قلت وكذا أخرجه أحمد في مسنده من رواية عبد الاعلى قال يعقوب بن شيبة رواه إسحاق بن يحيى عن سالم عن أبيه ولم يقل عن عمر قلت فكان الاختلاف فيه على الزهري رواه إسحاق بن يحيى وهو متقن صاحب حديث ويشبه ان يكون بن عمر سمع المتن من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة التي وقعت لعمر منه فحدث به على الوجهين وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله وانما خص في حديث عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبا عليه لقوله في الرواية الاخرى وكانت قريش تحلف بآبائها ويدل على التعميم قوله من كان حالفا فلا يحلف الا بالله واما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان أحدهما ان فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه والثاني ان ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته اقسم به وليس لغيره ذلك واما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي افلح وأبيه ان صدق فقد تقدم في أوائل هذا الشرح في باب الزكاة من الاسلام في كتاب الايمان الجواب عن ذلك وان فيهم من طعن في صحة هذه اللفظة قال بن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها وهو إسماعيل بن جعفر بلفظ افلح والله ان صدق قال وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ افلح وأبيه لانها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح ولم تقع في رواية مالك أصلا وزعم بعضهم ان بعض الرواة عنه صحف قوله وأبيه من قوله والله وهو محتمل ولكن مثل ذلك لا يثبت بالاحتمال وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره قال السهيلي وقد ورد نحوه في حديث اخر مرفوع قال للذي سأل أي الصدقة أفضل فقال وأبيك لتنبأن أخرجه مسلم فإذا ثبت ذلك فيجاب بأجوبة الاول ان هذا اللفظ كان يجري على السنتهم من غير ان يقصدوا به القسم والنهي انما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف والى هذا جنح البيهقي وقال النووي انه الجواب المرضي الثاني انه كان يقع في كلامهم على وجهين أحدهما للتعظيم والاخر للتأكيد والنهي اما وقع عن الاول فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر لعمر أبي الواشين اني احبها وقول الاخر فان تك ليلى استودعتني امانة فلا وأبي اعدائها لا اذيعها فلا يظن ان قائل ذلك قصد تعظيم والد اعدائها كما لم يقصد الاخر تعظيم والد من وشى به فدل على ان القصد بذلك تأكيد الكلام لا التعظيم وقال البيضاوي هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام
[ 465 ]
لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء وقد تعقب الجواب بان ظاهر سياق حديث عمر يدل على انه كان يحلفه لان في بعض طرقه انه كان يقول لا وأبي لا وأبي فقيل له لا تحلفوا فلولا انه اتى بصيغة الحلف ما صادف النهي محلا ومن ثم قال بعضهم وهو الجواب الثالث ان هذا كان جائزا ثم نسخ قاله الماوردي وحكاه البيهقي وقال السبكي أكثر الشراح عليه حتى قال بن العربي وروى انه صلى الله عليه وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك قال وترجمة أبي داود تدل على ذلك يعني قوله باب الحلف بالآباء ثم اورد الحديث المرفوع الذي فيه افلح وأبيه ان صدق قال السهيلي ولا يصح لانه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر تالله ان ذلك لبعيد من شيمته وقال المنذري دعوى النسخ ضعيفة لا مكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ والجواب الرابع ان في الجواب حذفا تقديره افلح ورب أبيه قاله البيهقي وقد تقدم الخامس انه للتعجب قاله السهيلي قال ويدل عليه انه لم يرد بلفظ أبي وانما ورد بلفظ وأبيه أو وأبيك بالاضافة إلى ضمير المخاطب حاضرا أو غائبا السادس ان ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وفيه ان من حلف بغير الله مطلقا لم تنعقد يمينه سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالانبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والاباء والكعبة أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والاذلال كالشياطين والاصنام وسائر من عبد من دون الله واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث فاعتل بكونه أحد ركني الشهادة التي لا تتم الا به وأطلق بن العربي نسبته لمذهب أحمد وتعقبه بأن الايمان عند أحمد لا يتم الا بفعل الصلاة فيلزمه ان من حلف بالصلاة ان تنعقد يمينه ويلزمه الكفارة إذا حنث ويمكن الجواب عن إيراده والانفصال عما الزمهم به وفيه الرد على من قال ان فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر انه ينعقد يمينا ومتى فعل تجب عليه الكفارة وقد نقل ذلك عن الحنفية والحنابلة ووجه الدلالة من الخير انه لم يحلف بالله ولا بما يقوم مقام ذلك وسيأتي مزيد لذلك بعد وفيه ان من قال اقسمت لافعلن كذا لا يكون يمينا وعند الحنفية يكون يمينا وكذا قال مالك وأحمد لكن بشرط ان ينوي بذلك الحلف بالله وهو متجه وقد قال بعض الشافعية ان قال علي امانة الله لافعلن كذا وأراد اليمين انه يمين والا فلا وقال بن المنذر اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله فقالت طائفة هو خاص بالايمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيما لغير الله تعالى كاللات والعزى والاباء فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها واما ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله وحق النبي والاسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلا في النهي وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه واحتجوا بما جاء عن الصحابة من ايجابهم على الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور فدل على ان ذلك عندهم ليس على عمومه إذ لو كان عاما لنهوا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئا انتهى وتعقبه بن عبد البر بأن ذكر هذه الاشياء وان كانت بصورة الحلف فليست يمينا في الحقيقة وانما خرج على الاتساع ولا يمين في الحقيقة الا بالله وقال المهلب كانت العرب تحلف بآبائها وآلهتها فأراد الله
[ 466 ]
نسخ ذلك من قلوبهم لينسيهم ذكر كل شئ سواه ويبقى ذكره لانه الحق المعبود فلا يكون اليمين الا به والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء وقال الطبري في حديث عمر يعني حديث الباب ان اليمين لا تنعقد الا بالله وان من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لاقدامه على مانهي عنه ولا كفارة في ذلك واما ما وقع في القرآن من القسم بشئ من المخلوقات فقال الشعبي الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم الا بالخالق قال ولان اقسم بالله فأحنث احب الي من ان اقسم بغيره فأبر وجاء مثله عن بن عباس وابن مسعود وابن عمر ثم اسند عن مطرف عن عبد الله انه قال انما اقسم الله بهذه الاشياء ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها وقد اجمع العلماء على من وجبت له يمين على آخر في حق عليه انه لا يحلف له الا بالله فلو حلف له بغيره وقال نويت رب المحلوف به لم يكن ذلك يمينا وقال بن هبيرة في كتاب الاجماع اجمعوا على ان اليمين منعقدة بالله وبجميع أسمائه الحسنى وبجميع صفات ذاته كعزته وجلاله وعلمه وقوته وقدرته واستثنى أبو حنيفة علم الله فلم يره يمينا وكذا حق الله واتفقوا على انه لا يحلف بمعظم غير الله كالنبي وانفرد أحمد في رواية فقال تنعقد وقال عياض لا خلاف بين فقهاء الامصار ان الحلف بأسماء الله وصفاته لازم الا ما جاء عن الشافعي من اشتراط نية اليمين في الحلف بالصفات وإلا فلا كفارة وتعقب إطلاقه ذلك عن الشافعي وانما يحتاج إلى النية عنده ما يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى وعلى غيره واما ما لا يطلق في معرض التعظيم شرعا الا عليه تنعقد اليمين به وتجب الكفارة إذا حنث كمقلب القلوب وخالق الخلق ورازق كل حي ورب العالمين وفالق الحب وبارئ النسمة وهذا في حكم الصريح كقوله والله وفي وجه لبعض الشافعية ان الصريح الله فقط ويظهر اثر الخلاف فيما لو قال قصدت غير الله هل ينفعه في عدم الحنث وسيأتي زيادة تفصيل فيما يتعلق بالصفات في باب الحلف بعزة الله وصفاته والمشهور عن المالكية التعميم وعن أشهب التفصيل في مثل وعزة الله أن أراد التي جعلها بين عباده فليست بيمين وقياسه ان يطرد في كل ما يصح إطلاقه عليه وعلى غيره وقال به بن سحنون منهم في عزة الله وفي العتبية ان من حلف بالمصحف لا تنعقد واستنكره بعضهم ثم أولها على ان المراد إذا أراد جسم المصحف والتعميم عند الحنابلة حتى لو أراد بالعلم والقدرة المعلوم والمقدور انعقدت والله اعلم تنبيه وقع في رواية محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر في آخر هذا الحديث زيادة أخرجها بن ماجة من طريقه بلفظ سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله وسنده حسن ثم ذكر حديث أبي موسى في قصة الذي حلف ان لا يأكل الدجاج وفيه قصة أبي موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم لما استحمل النبي صلى الله عليه وسلم للاشعريين وفيه لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا كفرت الحديث وقد تقدم شرح ما يتعلق بالدجاج مهما وقع في صدر الحديث من قصة الرجل الجرمي وتسميته في كتاب الذبائح ويأتي شرح قصته في كفارات الايمان وقوله في السند عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني والقاسم التيمي هو بن عاصم بصرى تابعي وهو من صغار شيوخ أيوب قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا حديث أبي موسى لكن يمكن ان يقال
[ 467 ]
ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ايمانه انها تقتضي الكفارة الذي يشرع تكفيره ما كان الحلف فيه بالله تعالى فدل على انه لم يكن يحلف الا بالله تعالى قوله باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت اما الحلف باللات والعزى فذكر في حديث الباب وقد تقدم تفسيره في تفسير سورة النجم وأما الطواغيت فوقع في حديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم وفي رواية مسلم وابن ماجة بالطواغي وهو جمع طاغية والمراد الصنم ومنه الحديث الآخر طاغية دوس أي صنمهم سمي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لكونه السبب في طغيانهم وكل من جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى ومنه قوله تعالى إنا لما طغى الماء وأما الطواغيت فهو جمع طاغوت وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النساء ويجوز ان يكون الطواغي مرخما من الطواغيت بدون حرف النداء على أحد الآراء ويدل عليه مجئ أحد اللفظين موضع الاخر في حديث واحد ولذلك اقتصر المصنف على لفظ الطواغيت لكونه الاصل وعطفه على اللات والعزى لاشتراك الكل في المعنى وانما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه تعاطى صورة تعظيم الصنم حيث حلف به قال جمهور العلماء من حلف باللات والعزى أو غيرهما من الاصنام أو قال ان فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برئ من الاسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه ان يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحب ان يقول لا إله إلا الله وعن الحنفية تجب الكفارة الا في مثل قوله انا مبتدع أو برئ من النبي صلى الله عليه وسلم واحتج بايجاب الكفارة على المظاهر مع ان الظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى والحلف بهذه الاشياء منكر وتعقب بهذا الخبر لانه لم يذكر فيه الا الامر بلا اله الا الله ولم يذكر فيه كفارة والاصل عدمها حتى يقام الدليل واما القياس على الظهار فلا يصح لانهم لم يوجبوا فيه كفارة الظهار واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة أصلا مع انه منكر من القول وقال النووي في الاذكار الحلف بما ذكر حرام تجب التوبة منه وسبقه إلى ذلك الماوردي وغيره ولم يتعرضوا لوجوب قول لا إله إلا الله وهو ظاهر الخبر وبه جزم بن درياس في شرح المهذب وقال البغوي في شرح السنة تبعا للخطابي في هذا الحديث دليل على ان لا كفارة على من حلف بغير الاسلام وان اثم به لكن تلزمه التوبة لانه صلى الله عليه وسلم امره بكلمة التوحيد فأشار إلى ان عقوبته تختص بذنبه ولم يوجب عليه في ماله شيئا وانما امره بالتوحيد لان الحلف باللات والعزى يضاهي الكفارة فأمره ان يتدارك بالتوحيد وقال الطيبي الحكمة في ذكر القمار بعد الحلف باللات ان من حلف باللات وافق الكفار في حلفهم فأمر بالتوحيد ومن دعا إلى المقامرة وافقهم في لعبهم فأمر بكفاة ذلك بالتصد قال وفي الحديث ان من دعا إلى اللعب فكفارته ان يتصدق ويتأكد ذلك في حق من لعب بطريق الاولى وقال النووي فيه ان من عزم على المعصية حتى استقر ذلك في قلبه أو تكلم بلسانه انه تكتبه عليه الحفظة كذا قال وفي اخذ هذا الحكم من هذا الدليل وقفة قوله باب من حلف على الشئ وان لم يحلف بضم أوله وتشديد اللام تقدم قريبا في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة لذلك وهي ظاهرة في ذلك وأورد هنا حديث بن عمر في لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب وفيه فرمى به ثم قال
[ 468 ]
والله لا ألبسه ابدا وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر كتاب اللباس وقد اطلق بعض الشافعية ان اليمين بغير استحلاف تكره فيما لم يكن طاعة والاولى ان يعبر بما فيه مصلحة قال بن المنير مقصود الترجمة ان يخرج مثل هذا من قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم يعني على أحد التأويلات فيها لئلا يتخيل ان الحالف قبل ان يستحلف يرتكب النهي فأشار إلى ان النهي يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم كالذي ورد في حديث الباب من منع لبس خاتم الذهب قوله باب من حلف بملة سوى الاسلام الملة بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الاوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم ولم يجزم المصنف بالحكم هل يكفر الحالف بذلك أو لا لكن تصرفه يقتضي ان لا يكفر بذلك لانه علق حديث من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم ينسبه إلى الكفر وتمام الاحتجاج ان يقول لكونه اقتصر على الامر بقول لا إله إلا الله ولو كان ذلك يقتضي الكفر لامره بتمام الشهادتين والتحقيق في المسألة التفصيل الاتي وقد وصل الحديث المذكور في الباب الذي قبله وأورده في كتاب الادب في باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا وقدمت الكلام عليه هناك قال بن المنذر اختلف فيمن قال اكفر بالله ونحو ذلك ان فعلت ثم فعل فقال بن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الامصار لا كفارة عليه ولا يكون كافرا الا ان اضمر ذلك بقلبه وقال الاوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين وعليه الكفارة قال بن المنذر والاول أصح لقوله من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره ولذا قال من حلف بملة غير الاسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه ونقل أبو الحسن بن القصار من المالكية عن الحنفية انهم احتجوا لايجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للاسلام وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال وحق الاسلام إذا حنث لا تجب عليه كفارة فأسقطوا الكفارة إذا صرح بتعظيم الاسلام واثبتوها إذا لم يصرح قوله حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب تقدم في باب من اكفر اخاه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب كالذي هنا وقيل ذلك في باب ما ينهى من السباب واللعن من كتاب الادب أيضا من طريق علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير بسنده بزيادة وليس على بن آدم نذر فيما لا يملك وسياقه أتم من سياق غيره فان مداره في الكتب الستة وغيرها على أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك ورواه عن أبي قلابة خالد الحذاء ويحيى بن أبي كثير وأيوب فأخرجه المصنف في الجنائز من رواية يزيد بن زريع عن خالد الحداء فاقتصر على خصلتين الاولى من قتل نفسه بحديدة وأخرجه مسلم من طريق الثوري عن خالد ومن طريق شعبة عن أيوب كذلك وأشرت إلى رواية علي بن المبارك عن يحيى وانه ذكر فيه خمس خصال الاربع المذكورات في الباب والخامسة التي أشرت إليها وأخرجه مسلم من طريق هشام الدستوائي عن يحيى فذكر خصلة النذر ولعن المؤمن كقتله ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة ولم يذكر الخصلتين الباقيتين وزاد بدلهما ومن حلف على يمين صبر فاجرة ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله الا قلة فإذا ضم بعض هذه الخصال إلى بعض اجتمع منها تسعة
[ 469 ]
وتقدم الكلام على قوله ولعن المؤمن كقتله هناك والكلام على قوله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله في باب من اكفر اخاه ووقع في رواية علي بن المبارك ومن قذف بدل رمى وهو بمعناه واما قوله ومن حلف بغير ملة الاسلام فوقع في رواية علي بن المبارك من حلف على ملة غير الاسلام وفي رواية مسلم من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال قال بن دقيق العيد الحلف بالشئ حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن وقد يطلق على التعليق بالشئ يمين كقولهم من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحث والمنع وإذا تقرر ذلك فيحتمل ان يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا متعمدا والكذب يدخل القضية الاخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى وهذا بخلاف قولنا والله وما اشبهه فليس الاخبار بها عن أمر خارجي بل هي لانشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين أحدهما ان يتعلق بالمستقبل كقوله ان فعل كذا فهو يهودي والثاني يتعلق بالماضي كقوله ان كان فعل كذا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال قال بن دقيق العيد ولا يكفر في صورة الماضي الا ان قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه يتخير معنى فصار كما لو قال هو يهودي ومنهم من قال ان كان لا يعلم انه يمين لم يكفر وان كان يعلم انه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضى بالكفر حين اقدم على الفعل وقال بعض الشافعية ظاهر الحديث انه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا والتحقيق التفصيل فان اعتقد تعظيم ما ذكر كفر وان قصد حقيقة التعليق فينظر فان كان أراد ان يكون متصفا بذلك كفر لان إرادة الكفر كفر وان أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها الثاني هو المشهور وقوله كاذبا متعمدا قال عياض تفرد بزيادتها سفيان الثوري وهي زايدة حسنة يستفاد منها ان الحالف المتعمد ان كان مطمئن القلب بالايمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر وان قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر وان قالها لمجرد التعظيم لها احتمل قلت وينقدح بأن يقال ان أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا ودعواه ان سفيان تفرد بها ان أراد بالنسبة لرواية مسلم فعسى فإنه أخرجه من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبي قلابة وبين ان لفظ متعمدا لسفيان ولم ينفرد بها سفيان فقد تقدم في كتاب الجنائز من طريق يزيد بن زريع عن خالد وكذا أخرجها النسائي من طريق محمد بن أبي عدي عن خالد ولهذه الخصلة في حديث ثابت بن الضحاك شاهد من حديث بريدة أخرجه النسائي وصححه من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه من قال اني برئ من الاسلام فان كان كاذبا فهو كما قال وان كان صادقا لم يعد إلى الاسلام سالما يعني إذا حلف بذلك وهو يؤيد التفصيل الماضي ويخصص بهذا عموم الحديث الماضي ويحتمل ان يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وكأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة من كفر وقال بن المنذر قوله فهو كما قال ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد انه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة قوله ومن قتل نفسه بشئ عذب به في نار جهنم في رواية علي بن المبارك ومن قتل نفسه بشئ في الدنيا عذب به يوم القيامة وقوله بشئ أعم مما وقع في رواية مسلم
[ 470 ]
بحديدة ولمسلم من حديث أبي هريرة ومن تحسى سما قال بن دقيق العيد هذا من باب مجانسة العقوبات الاخروية للجنايات الدنيوية ويؤخذ منه ان جناية الانسان على نفسه كجنايته على غيره في الاثم لان نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها الا بما اذن له فيه قيل وفيه حجة لمن أوجب المماثلة في القصاص خلافا لمن خصصه بالمحدد ورده بن دقيق العيد بأن احكام الله لا تقاس بأفعاله فليس كل ما ذكر انه يفعله في الآخرة يشرع لعباده في الدنيا كالتحريق بالنار مثلا وسقي الحميم الذي يقطع به الامعاء وحاصله انه يستدل للمسائلة في القصاص بغير هذا الحديث وقد استدلوا بقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ويأتي بيان ذلك في كتاب القصاص والديات ان شاء الله تعالى قوله باب لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول انا بالله ثم بك هكذا بت الحكم في الصورة الاولى وتوقف في الصورة الثانية وسببه انها وان كانت وقعت في حديث الباب الذي أورده مختصرا وساقه مطولا فيما مضى لكن انما وقع ذلك من كلام الملك على سبيل الامتحان للمقول له فتطرق إليه الاحتمال قوله وقال عمرو بن عاصم الخ وصله في ذكر بني إسرائيل فقال حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم وساقه بطوله وقد يتمسك به من يقول أنه قد يطلق قال لبعض شيوخه فيما لم يسمعه منه ويكون بينهما واسطة وكأنه أشار بالصورة الاولى إلى ما أخرجه النسائي في كتاب الايمان والنذور وصححه من طريق عبد الله بن يسار بتحتانية ومهملة عن قتيلة بقاف ومثناة فوقانية والتصغير امرأة من جهينة ان يهوديا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا ان يحلفوا ان يقولوا ورب الكعبة وان يقولوا ما شاء الله ثم شئت واخرج النسائي وابن ماجة أيضا وأحمد من رواية يزيد بن الاصم عن بن عباس رفعه إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت وفي أول حديث النسائي قصة وهي عند أحمد ولفظه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال له اجعلتني والله عدلا لا بل ما شاء الله وحده واخرج أحمد والنسائي وابن ماجة أيضا عن حذيفة ان رجلا من المسلمين رأى رجلا من أهل الكتاب في المنام فقال نعم القوم أنتم لولا انكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد وفي رواية النسائي ان الراوي لذلك هو حذيفة الراوي هذه رواية بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي عن الطفيل بن سخيرة أخي عائشة بنحوه أخرجه بن ماجة أيضا وهكذا قال حماد بن سلمة عند أحمد وشعبة وعبد الله بن إدريس عن عبد الملك وهو الذي رجحه الحفاظ وقالوا ان بن عيينة وهم في قوله عن حذيفة والله اعلم وحكى بن التين عن أبي جعفر الداودي قال ليس في الحديث الذي ذكره نهى عن القول المذكور في الترجمة وقد قال الله تعالى وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله وقال تعالى وإذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه وغير ذلك وتعقبه بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر لان قوله ما شاء الله وشئت تشريك في مشيئة الله تعالى وأما الآية فانما أخبر الله تعالى انه اغناهم وان رسوله اغناهم وهو من الله حقيقة لانه الذي قدر ذلك ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل وكذا الانعام انعم الله على زيد بالاسلام وانعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فانها
[ 471 ]
منصرفة لله تعالى في الحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز وقال المهلب انما أراد البخاري ان قوله ما شاء الله ثم شئت جائز مستدلا بقوله انا بالله ثم بك وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما جاز بدخول ثم لان مشيئة الله سابقة على مشيئة خلقه ولما لم يكن الحديث المذكور على شرطه استنبط من الحديث الصحيح الذي على شرطه ما يوافقه واخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي انه كان لا يرى بأسا ان يقول ما شاء الله ثم شئت وكان يكره أعوذ بالله وبك ويجيز أعوذ بالله ثم بك وهو مطابق لحديث بن عباس وغيره مما أشرت إليه تنبيه مناسبة إدخال هذه الترجمة في كتاب الايمان من جهة ذكر الحلف في بعض اطرق حديث بن عباس كما ذكرت ومن جهة انه قد يتخيل جواز اليمين بالله ثم بغيره على وزان ما وقع في قوله انا بالله ثم بك فأشار إلى ان النهي ثبت عن التشريك وورد بصورة الترتيب على لسان الملك وذلك فيما عدا الايمان اما اليمين بغير ذلك فثبت النهي عنها صريحا فلا يلحق بها ما ورد في غيرها والله اعلم قوله باب قول الله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم قال الراغب وغيره القسم بفتحتين الحلف وأصله من القسامة وهي الايمان التي على أولياء المقتول ثم استعمل في كل حلف قال الراغب ومعنى جهد ايمانهم انهم اجتهدوا في حلفهم فأتوا به على ابلغ ما في وسعهم انتهى وهذا يدفع ما فهمه المهلب فيما حكاه بن بطال عنه من هذه الآية انها تدل على ان الحلف بالله أكبر الايمان لان الجهد أكبر المشقة ففهم من قول جهد ايمانهم ان اليمين بالله غاية الجهد والذي قاله الراغب أظهر وقد قال أهل اللغة ان القسامة مأخوذة من القسمة لان الايمان تقسم على أولياء القتيل وسيأتي مزيد لذلك في موضعه ان شاء الله تعالى قوله وقال بن عباس قال أبو بكر فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في الرؤيا قال لا تقسم هذا طرف مختصر من الحديث الطويل الاتي في كتاب التعبير من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف من السمن والعسل الحديث وفيه تعبير أبي بكر لها وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت قال أصبت بعضا أو أخطأت بعضا قال فوالله الخ فقوله هنا في الرؤيا من كلام المصنف إشارة إلى ما اختصره من الحديث وتقديره في قصة الرؤيا التي رآها الرجل وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فعبرها أبو بكر الخ وسيأتي شرحه هناك والغرض منه هنا قوله لا تقسم موضع قوله لا تحلف فأشار إلى الرد على من قال ان من قال اقسمت انعقدت يمينا ولانه لو قال بدل اقسمت حلفت لم تنعقد اتفاقا الا ان نوى اليمين أو قصد الاخبار بأنه سبق منه حلف وأيضا فقد أمر صلى الله عليه وسلم بابرار القسم فلو كان اقسمت يمينا لابر أبا بكر حين قالها ومن ثم اورد حديث البراء عقبة ولهذا اورد حديث حارثة اخر الباب لو اقسم على الله لابره إشارة إلى انها لو كانت يمينا لكان أبو بكر أحق بأن يبر قسمه لانه رأس أهل الجنة من هذه الامة واما حديث أسامة في قصة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر انها اقسمت حقيقة فقد تقدم في الجنائز بلفظ تقسم عليه ليأتينها والله اعلم قال بن المنذر اختلف فيمن قال اقسمت بالله أو اقسمت مجردة فقال قوم هي يمين وان لم يقصد وممن روى ذلك عنه بن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والثوري والكوفيون وقال الاكثرن لا تكون يمينا الا ان ينوي وقال مالك اقسمت بالله يمين واقسمت مجردة لا تكون
[ 472 ]
يمينا الا ان نوى وقال الامام الشافعي المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى واقسمت بالله ان نوى تكون يمينا وقال إسحاق لا تكون يمينا أصلا وعن أحمد كالاول وعنه كالثاني وعنه ان قال قسما بالله فيمين جزما لان التقدير اقسمت بالله قسما وكذا لو قال الية بالله قال بن المنير في الحاشية مقصود البخاري الرد على من لم يجعل القسم بصيغة اقسمت يمينا قال فذكر الآية وقد قرن فيها القسم بالله ثم بين ان هذا الاقتران ليس شرط بالاحاديث فان فيها ان هذه الصيغة بمجردها تكون يمينا تتصف بالبر وبالندب إلى ابرارها من غير الحالف ثم ذكر من فروع هذه المسألة لو قال اقسم بالله عليك لتفعلن فقال نعم هل يلزمه يمين بقوله نعم وتجب الكفارة ان لم يفعل انتهى وفيما قال نظر والذي يظهر ان مراد البخاري ان يقيد ما اطلق في الاحاديث بما قيد به في الآية والعلم عند الله تعالى ثم ذكر بعد هذا الحديث المعلق أربعة أحاديث أحدها حديث البراء قوله بإبرار المقسم أي بفعل ما اراده الحالف ليصير بذلك بارا وهذا أيضا طرف من حديث أورده المصنف مطولا ومختصرا في مواضع بينتها وذكرت كيفية ما أخرجها في كتاب اللباس وفي أول كتاب الاستئذان واختلف في ضبط السين فالمشهور انها بالكسر وضم أوله على انه اسم فاعل وقيل بفتحها أي الاقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل ادخلته مدخلا بمعنى الادخال وكذا اخرجته وأشعث المذكور في السند هو بن أبي الشعثاء وسفيان في الطريق الاولى هو الثوري ثانيها حديث أسامة وهو بن زيد بن حارثة الصحابي بن الصحابي مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو عثمان الراوي عنه هو عبد الرحمن بن مل النهدي قوله ان ابنه في رواية الكشميهني ان بنتا وقد تقدم اسمها في كتاب الجنائز قوله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فيه تجريد لان الظاهر ان يقول وانا معه وقد تقدم في الطب بلفظ أرسلت إليه وهو معه قوله وسعد هو معطوف على أسامة ومضى في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن عبادة قوله وأبي أو أبي قال الكرماني أحدهما بلفظ المضاف إلى المتكلم والاخر بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد الياء يريد بن كعب قال ويحتمل ان يكون بلفظ المضاف مكررا كأنه قال ومعه سعد وأبي أو أبي فقط قلت والاول هو المعتمد والثاني وان احتل لكنه خلاف الواقع فقد تقدم في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال والذي تحرر لي ان الشك في هذا من شعبة فإنه لم يقع في رواية غيره ممن رواه عن عاصم قوله تقعقع أي تضطرب وتتحرك وقيل معناه كلما صار إلى حال لم يلبث ان يصير إلى غيرها وتلك حالة المحتضر قوله ما هذا قيل هو استفهام عن الحكم لا للانكار وقد تقدمت سائر مباحث هذا الحديث في كتاب الجنائز الحديث الثالث حديث أبي هريرة الا تحلة القسم بفتح التاء وكسر المهملة وتشديد اللام أي تحليلها والمعنى ان النار لا تمس من مات له ثلاثة من الولد فصبر الا بقدر الورود قال بن التين وغيره والاشارة بذلك إلى قوله تعالى وان منكم الا واردها وقد قيل ان القسم فيه مقدر وقيل بل هو مذكور عطفا على ما بعد قوله تعالى فوربك وقد تقدم شرح الحديث أيضا مستوفى في كتاب الجنائز الحديث الرابع حديث حارثة بن وهب وهو بالحاء المهملة وبالمثلثة رضي الله تعالى عنه قوله ألا ادلكم على أهل الجنة الخ قال الداودي المراد ان كلا من الصنفين في محله المذكور لا ان كلا من الدارين لا يدخلها الا من كان من الصنفين فكأنه قيل كل ضعيف في الجنة وكل جواظ في النار
[ 473 ]
ولا يلزم ان لا يدخلها غيرهما قوله كل ضعيف قال أبو البقاء كل بالرفع لا غير والتقدير هم كل ضعيف الخ والمراد بالضعيف الفقير والمستضعف بفتح العين المهملة وغلط من كسرها لان المراد ان الناس يستضعفونه ويقهرونه ويحقرونه وذكر الحاكم في علوم الحديثان الحديث أن بن خزيمة سأل من المراد بالضعيف هنا فقال هو الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة وقال الكرماني يجوز الكسر ويراد به المتواضع المتذلل وقد تقدم شرح هذا الحديث في تفسير سورة ن ونقل بن التين عن الداودي ان الجواظ هو الكثير اللحم الغليظ الرقبة وقوله لو اقسم على الله لابره أي لو حلف يمينا على شئ ان يقع طمعا في كرم الله بابراره لابره وأوقعه لاجله وقيل هو كناية عن إجابة دعائه قوله باب إذا قال اشهد بالله أو شهدت بالله أي هل يكون حالفا وقد اختلف في ذلك فقال الحنفية والحنابلة نعم وهو قول النخعي والثوري والراجح عند الحنابلة ولو لم يقل بالله انه يمين وهو قول ربيعة والاوزاعي وعند الشافعية لا يكون يمينا الا ان أضاف إليه بالله ومع ذلك فالراجح انه كناية فيحتاج إلى القصد وهو نص الشافعي في المختصر لانها تحتمل اشهد بأمر الله أو بوحدانية الله وهذا قول الجمهور وعن مالك كالروايات الثلاث واحتج من اطلق بأنه ثبت في العرف والشرع في الايمان قال الله تعالى إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله ثم قال اتخذوا ايمانهم جنة فدل على انهم استعملوا ذلك في اليمين وكذا ثبت في اللعان والجواب ان هذا خاص باللعان فلا يقاس عليه والاول ليس صريحا لاحتمال ان يكون حلفوا مع ذلك واحتج بعضهم بما أخرجه بن ماجة من حديث رفاعة بن عوانة كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها اشهد عند الله والذي نفسي بيده وأجيب بأن في سنده ضعيفا وهو عبد الملك بن محمد الصنعاني وعلى تقدير ثبوته فسياقه يقتضي ان مجموع ذلك يمين لا يمينان والله اعلم وقال أبو عبيد الشاهد يمين الحالف فمن قال اشهد فليس بيمين ومن قال اشهد بالله فهو يمين وقد قرأ الضحاك اتخذوا إيمانهم بكسر الهمزة وهي تدفع قول من حمل الشهادة على اليمين إلى ذلك أشار البخاري حيث اورد حديث الباب تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته فإنه ظاهر في المغايرة بين الشهادة والحلف وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الشهادات وشيبان في السند هو بن عبد الرحمن ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وعبد الله هو بن مسعود قوله تسبق شهادة أحدهم يمينه قال الطحاوي أي يكثرون الايمان في كل شئ حتى يصير لهم عادة فيحلف أحدهم حيث لا يراد منه اليمين ومن قبل ان يستحلف وقال غيره المراد يحلف على تصديق شهادته قبل ادائها أو بعده وهذا إذا صدر من الشاهد قبل الحكم سقطت شهادته وقيل المراد التسرع إلى الشهادة واليمين والحرص على ذلك حتى لا يدري بأيهما يبدأ لقلة مبالاته قوله قال إبراهيم هو النخعي وهو موصول بالسند المتقدم قوله وكان أصحابنا يعني مشايخه ومن يصلح منه اتباع قوله وتقدم في الشهادات بلفظ يضربوننا بدل ينهونا قوله ان تحلف بالشهادة والعهد أي ان يقول أحدنا اشهد بالله أو علي عهد الله قاله بن عبد البر وتقدم البحث فيه في كتاب الشهادات قوله باب عهد الله عزوجل أي قول القائل علي عهد الله لافعلن كذا قال الراغب العهد حظ الشئ ومراعاته ومن ثم قيل للوثيقة عهدة ويطلق عهد الله
[ 474 ]
على ما فطر عليه عباده من الايمان به عند اخذ الميثاق ويراد به أيضا ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدا وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر قلت وللعهد معان أخرى غير هذه كالامان والوفاء والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللقاء عن قرب والزمان والذمة وبعضها قد يتداخل والله اعلم وقال بن المنذر من حلف بالعهد فحنث لزمه الكفارة سواء نوى أم لا عند مالك والاوزاعي والكوفيين وبه قال الحسن والشعبي وطاوس وغيرهم قلت وبه قال أحمد وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد لا تكون يمينا الا ان نوى وقد تقدم في أوائل كتاب الايمان النقل عن الشافعي فيمن قال امانة الله مثله وأغرب امام الحرمين فادعى اتفاق العلماء على ذلك ولعله أراد من الشافعية ومع ذلك فالخلاف ثابت عندهم كما حكاه الماوردي وغيره عن أبي إسحاق المروزي واحتج للمذهب بأن عهد الله يستعمل في وصيته لعباده باتباع اوامره وغير ذلك كما ذكر فلا يحمل على اليمين الا بالقصد وقال الشافعي إذا قال علي عهد الله احتمل ان يريد معهوده وهو وصيته فيصير كقوله علي فرض الله أي مفروضه فلا يكون يمينا لان اليمين لا تنعقد بمحدث فان نوى بقوله عهد الله اليمين انعقدت وقال بن المنذر قد قال الله تعالى الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان فمن قال علي عهد الله صدق لان الله أخبر انه اخذ علينا العهد فلا يكون ذلك يعينا الا ان نواه واحتج الاولون بأن العر ف قد صار جاريا به فحمل على اليمين وقال بن التين هذا لفظ يستعمل على خمسة أوجه الاول على عهد الله والثاني وعهد الله الثالث عهد الله الرابع اعاهد الله الخامس على العهد وقد طرد بعضهم ذلك في الجميع وفصل بعضهم فقال لا شئ في ذلك الا ان قال على عهد الله ونحوها والا فليست بيمين نوى أو لم ينو ثم ذكر حديث عبد الله وهو بن مسعود والاشعث بن قيس في نزول قوله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا وسليمان في السند هو الاعمش ومنصور هو بن المعتمر وسيأت شرحه مستوفي بعد خمسة أبواب والله اعلم قوله باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه كذا لابي ذر ولغيره وكلماته وفي هذه الترجمة عطف العام على الخاص والخاص على العام لان الصفات أعم من العزة والكلام وقد تقدمت الاشارة إليه في آخر باب لا تحلفوا بآبائكم إلى ان الايمان تنقسم إلى صريح وكناية ومتردد بينهما وهو الصفات وانه اختلف هل يلتحق بالصريح فلا يحتاج إلى قصد اولا فيحتاج والراجح ان صفات الذات منها يلتحق بالصريح فلا تنفع معها التورية إذا تعلق به حق آدمي وصفات الفعل تلتحق بالكناية فعزة الله من صفات الذات وكذا جلاله وعظمته قال الشافعي فيما أخرجه البيهقي في المعرفة من قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدره الله يريد اليمين اولا يريده فهي يمين انتهى وقال غيره والقدرة تحتمل صفة الذات فتكون اليمين صريحة وتحتمل إرادة المقدور فتكون كناية كقول من يتعجب من الشئ انظر إلى قدرة الله وكذا العلم كقوله اللهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك قوله وقال بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أعوذ بعزتك هذا طرف من حديث وصله المؤلف في التوحيد من طريق يحيى بن يعمر عن بن عباس وسيأتي شرحه هناك ووجه الاستدلال به على الحلف بعزة الله انه وان كان بلفظ الدعاء لكنه لا يستعاذ الا بالله أو بصفة من صفات ذاته وخفي هذا على بن التين فقال ليس فيه جواز الحلف بالصفة كما بوب عليه ثم وجدت في حاشية بن المنير ما نصه قوله أعوذ بعزتك دعاء وليس بقسم ولكنه لما كان
[ 475 ]
المقرر انه لا يستعاذ الا بالقديم ثبت بهذا ان العزة من الصفات القديمة لا من صفة الفعل فتنعقد اليمين بها قوله وقال أبو هريرة الخ وفيه وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله وهو مختصر من الحديث الطويل في صفة الحشر وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر الرقاق والغرض منها قول الرجل لا وعزتك لا أسألك غيرها فان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مقررا له فيكون حجة في ذلك قوله وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى لي عن بركتك كذا للاكثر ووقع لابي ذر عن غير الكشميهني لا غناء بفتح أوله والمد الاول أولى فان معنى الغناء بالمد الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي لا يغتنى به وهو أيضا طرف من حديث تقدم في كتاب الطهارة من رواية أبي هريرة وأوله ان أيوب كان يغتسل فخر عليه جراد من ذهب الحديث ووجه الدلالة منه ان أيوب عليه السلام لا يحلف الا بالله وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عنه وأقره قوله شيبان هو بن عبد الرحمن قوله فتقول قط قط وعزتك تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة ق والقول فيه ما تقدم وحكى الداودي عن بعض المفسرين انه قال في قول جهنم هل من مزيد معناه ليس في مزيد قال بن التين وحديث الباب يرد عليه قوله رواه شعبة عن قتادة وصل روايته في تفسير ق وأشار بذلك إلى ان الرواية الموصولة عن أنس بالعنعنة لكن شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه الذين ذكر عنهم التدليس الا ما صرحوا فيه بالتحديث تنبيه لمح المصنف بهذه الترجمة إلى رد مجاء عن بن مسعود من الزجر عن الحلف بعزة الله ففي ترجمة عون بن عبد الله بن عتبة من الحلية لابي نعيم من طريق عبد الله بن رجاء عن المسعودي عن عون قال قال عبد الله لا تحلفوا بحلف الشيطان ان يقول أحدكم وعزة الله ولكن قولوا كما قال الله تعالى رب العزة انتهى وفي المسعودي ضعف وعون عن عبد الله منقطع وسيأتي الكلام على العزة في باب مفرد من كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى قوله باب قول الرجل لعمر الله أي هل يكون يمينا وهو مبني على تفسير لعمر ولذلك ذكر اثر بن عباس وقد تقدم في تفسير سورة الحجر وان بن أبي حاتم وصله واخرج أيضا عن أبي الجوزاء عن بن عباس في قوله تعالى لعمرك أي حياتك قال الراغب العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص الحلف بالثاني قال الشاعر عمرك الله كيف يلتقيان أي سألت الله ان يطيل عمرك وقال أبو القاسم الزجاج العمر الحياة فمن قال عمر الله كأنه حلف ببقاء الله واللام للتوكيد والخبر محذوف أي ما اقسم به ومن ثم قال المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لان بقاء الله من صفة ذاته وعن مالك لا يعجبني الحلف بذلك وقد اخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري وقال اشافعي وإسحاق لا تكون يمينا الا بالنية لانه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم وبالحق ما اوجبه الله وعن أحمد كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي وأجابوا عن الآية بأن لله ان يقسم من خلقه بما شاء وليس ذلك لهم لثبوت النهي عن الحلف بغير الله وقد عد الائمة ذلك في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فان اللام ليست من ادوات القسم لانها محصورة في الواو والباء والتاء كما تقدم بيانه في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر طرفا من حديث الافك والغرض منه قول اسيد بن حضير لسعد بن عبادة لعمر الله لنقتلنه وقد مضى شرح الحديث مستوفى في تفسير
[ 476 ]
النور وتقدم في اواخر الرقاق في الحديث الطويل من رواية لقيط بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إلاهك وكررها وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وعند غيره قوله باب لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الآية كذا لابي ذر ولغيره بدل قوله الآية ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ويستفاد منه ان المراد في هذه الترجمة آية البقرة فان آية المائدة ذكرها في أول كتاب الايمان كما تقدم ومضى هناك تفسير اللغو وتمسك الشافعي فيه بحديث عائشة المذكور في الباب لكونها شهدت التنزيل فهي اعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في رحمه الله قوله لا والله بلى والله ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق الحسن البصري مرفوعا في قصة الرماة وكان أحدهم إذا رمى حلف انه أصاب فيظهر انه أخطأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ايمان الرماة لغو لا كفارة لها ولا عقوبة وهذا لا يثبت لانهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن لانه كان يأخذ عن كل أحد وعن أبي حنيفة وأصحابه وجماعة لغو اليمين ان يحلف على الشئ يظنه ثم يظهر خلافه فيختص بالماضي وقيل يدخل أيضا في المستقبل بان يحلف على شئ ظنا منه ثم يظهر بخلاف ما حلف وبه قال ربيعة ومالك ومكحول والاوزاعي والليث وعن أحمد روايتان ونقل بن المنذر وغيره عن بن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وعن القاسم وعطاء والشعبي وطاوس والحسن نحو ما دل عليه حديث عائشة وعن أبي قلابة لا والله وبلى والله لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام ونقل إسماعيل القاضي عن طاوس لغو اليمين ان يحلف وهو غضبان وذكر اقوالا أخرى عن بعض التابعين وجملة ما يتحصل من ذلك ثمانية أقوال من جملتها قول إبراهيم النخعي انه يحلف على الشئ لا يفعله ثم ينسى فيفعله أخرجه الطبري وأخرجه عبد الرزاق عن الحسن مثله وعنه هو كقول الرجل والله انه لكذا وهو يظن انه صادق ولا يكون كذلك واخرج الطبري من طريق طاوس عن بن عباس ان يحلف وهو غضبان ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس ان يحرم ما أحل الله له وهذا يعارضه الخبر الثابت عن بن عباس كما تقدم في موضعه انه تجب فيه كفارة يمين وقيل هو ان يدعو على نفسه ان فعل كذا ثم يفعله وهذا هو يمين المعصية وسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب قال بن العربي القول بأن لغو اليمين هو المعصية باطل لان الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه ويقال له لا تفعل وكفر عن يمينك فان خالف واقدم على الفعل اثم وبر في يمينه قلت الذي قال ذلك قال انها في الثانية لا تنعقد أصلا فلذلك قال انها لغو قال بن العربي ومن قال انها يمين الغضب يرده ما ثبت في الاحاديث يعني مما ذكر في الباب وغيرها ومن قال دعاء الانسان على نفسه ان فعل كذا أو لم يفعل فاللغو انما هو في طريق الكفارة وهي تنعقد وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الانسان على نفسه ومن قال انها اليمين التي تكفر فلا يتعلق به فان الله رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقا فلا اثم فيه ولا كفارة فكيف يفسر اللغو بما فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة حتى ان من وجب عليه الكفارة فخالف عوقب قوله يحيى هو القطان قال بن عبد البر تفرد يحيى القطان عن هشام بذكر السبب في نزول الآية قلت قد صرح بعضهم برفعه عن عائشة أخرجه أبو داود من رواية إبراهيم الصائغ عن عطاء عنها ان رسول الله لي الله عليه وسلم قال لغو اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا
[ 477 ]
والله وبلى والله وأشار أبو داود إلى انه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه وقد أخرج بن أبي عاصم من طريق الزبيدي وابن وهب في جامعة عن يونس وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة لغو اليمين ما كان في المراء والهزل والمراجعة في الحديث الذي كان يعقد عليه القلب وهذا موقوف ورواية يونس تقارب الزبيدي ولفظ معمر انه القوم يتدارؤن يقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله ولا يقصد الحلف وليس مخالفا للاول وهو المعتمد واخرج بن وهب عن الثقة عن الزهري بهذا السند هو الذي يحلف على الشئ لا يريد به الا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من اجل هذا المبهم شاذ لمخالفة من هو أوثق منه وأكثر عددا صلى الله عليه وسلم قوله باب إذا حنث ناسيا في الايمان أي هل تجب عليه الكفارة أو لا قوله وقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به كذا لابي ذر ولغيره وليس بثبوت الواو في أوله وقد تمسك بهذه الآية من قال بعدم حنث من لم يتعمد وفعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها ووجه بأنه لا ينسب فعله إليه شرعا لرفع حكمه عنه بهذه الآية فكأنه لم يفعله قوله لا تؤاخذني بما نسيت قال المهلب حاول البخاري في اثبات العذر بالجهل والنسيان ليسقط الكفارة والذي يلائم مقصدوه من أحاديث الباب الاول وحديث من أكل ناسيا وحديث نسيان التشهد الاول وقصة موسى فان الخضر عذره بالنسيان وهو عبد من عباد الله فالله أحق بالمسامحة قال وأما بقية الاحاديث ففي مساعدتها على مراده نظر قلت ويساعده أيضا حديث عبد الله بن عمرو وحديث بن عباس في تقديم بعض النسك على بعض فإنه لم يأمر فيه بالاعادة بل عذر فاعله بجهل الحكم وقال غيره بل اورد البخاري أحاديث الباب على اختلاف إشارة إلى أنها أصول أوله الفريقين ليستنبط كل أحد منها ما يوافق مذهبه كما صنع في حديث جابر في قصة جمله فإنه اورد الطرق على اختلافها وان كان قد بين في الآخر ان إسناد الاشتراط أصح وكذا قول الشعبي في قدر الثمن وبهذا جزم بن المنير في الحاشية فقال اورد الاحاديث المتجاذبة ليفيد الناظر مظان النظر ومن ثم لم يذكر الحكم في الترجمة بل افاد مراد الحكم والاصول التي تصلح ان يقاس عليها وهو أكثر افادة من قول المجتهد في المسألة قولان وان كان لذلك فائدة أيضا انتهى ملخصا والذي يظهر لي ان البخاري يقول بعدم الكفارة مطلقا وتوجيه الدلالة من الاحاديث التي ساقها ممكن وأما ما يخالف ظاهر ذلك فالجواب عنه ممكن فمنها الدية في قتل الخطأ ولولا ان حذيفة اسقطها لكانت له المطالبة بها والجواب انها من خطاب الوضع وليس الكلام فيه ومنها ابدال الاضحية التي ذبحت قبل الوقت والجواب انها من جنس الذي قبله ومنها حديث المسئ صلاته فإنه لو لم يعذره بالجهل لما اقره على إتمام الصلاة المختلة لكنه لما رجا انه يتفطن لما عابه عليه امره بالاعادة فلما علم انه فعل ذلك عن جهل بالحكم علمه وليس في ذلك متمسك لمن قال بوجوب الكفارة في صورة النسيان وأيضا فالصلاة انما تتقوم بالاركان فكل ركن اختل منها اختلت به ما لم يتدارك وانما الذي يناسب ما لو فعل ما يبطل الصلاة بعده أو تكلم به فانها لا تبطل عند الجمهور كما دل عليه حديث أبي هريرة في الباب من أكل أو شرب ناسيا قال بن التين أجرى البخاري قوله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به في كل شئ وقال غيره هي في قصة مخصوصة وهي ما إذا قال الرجل يا بني وليس هو ابنه
[ 478 ]
وقيل إذا اتى امرأته حائضا وهو لا يعلم قال والدليل على عدم التعميم ان الرجل إذا قتل خطأ تلزمه الدية وإذ اتلف مال غيره خطأ فإنه يلزمه انتهى وانفصل غيره بأن المتلفات من خطاب الوضع والذي يتعلق بالآية ما يدخل في خطاب التكليف ولو سلم ان الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع ذلك من الاستدلال بعمومها وقد اجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الاثم وقد اختلف السلف في ذلك على مذاهب ثالثها التفرقة بين الطلاق والعتاق فتجب فيه الكفارة مع الجهل والنسيان بخلاف غيرهما من الايمان فلا تجب وهذا قول عن الامام الشافعي ورواية عن أحمد والراجح عند الشافعية التسوية بين الجميع في عدم الوجوب وعن الحنابلة عكسه وهو قول المالكية والحنفية وقال بن المنذر كان أحمد يوقع الحنث في النسيان في الطلاق حسب ويقف عما سوى ذلك والمذكور في الباب اثنا عشر حديثا الحديث الاول قوله زرارة بن أبي أوفى هو قاضي البصرة مات وهو ساجد أورده الترمذي وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين قوله عن أبي هريرة يرفعه سبق في العتق من رواية سفيان عن مسعر بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بدل قوله هنا يرفعه وكذا لمسلم من طريق وكيع وللنسائي والاسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس كلاهما عن مسعر بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكرماني انما قال يرفعه ليكون أعم من ان يكون سمعه منه اومن صحابي اخر سمعه منه قلت ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة بل مثله في قوله قال وعن وانما يرتفع الاحتمال إذا قال سمعت ونحوها وذكر الاسماعيلي ان وكيعا رواه عن مسعر فلم يرفعه قال والذي رفعه ثقة فيجب المصير إليه قوله عن أبي هريرة لم اقف على التصريح بسماع زرارة لهذا الحديث من أبي هريرة لكنه لم يوصف بالتدليس فيحمل على السماع وذكر الاسماعيلي ان الفرات بن خالد ادخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الاسناد رجلا من بني عامر وهو خطأ فان زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه عن زرارة رجل من بني عامر فظنه آخر أيهم وليس كذلك قوله لامتي في رواية هشام عن قتادة تجاوز عن أمتي قوله عما وسوست أو حدثت به انفسها في رواية هشام ما حدثت به انفسها ولم يتردد وكذا في رواية سعيد وأبي عوانة عند مسلم وفي رواية بن عيينة ما رسوست بها صدورها ولم يتردد أيضا وضبط انفسها بالنصب للاكثر ولبعضهم بالرفع وقال الطحاوي بالثاني وبه جزم أهل اللغة يريدون بغير اختيارها كقوله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه قوله ما لم تعمل به أو تكلم في رواية عبد الله بن إدريس أو تتكلم به قال الاسماعيلي ليس في هذا الحديث ذكر النسيان وانما فيه ذكر ما خطر على قلب الانسان قلت مراد البخاري الحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز لان النسيان من متعلقات عمل القلب وقال الكرماني قاس الخطأ والنسيان على الوسوسة فكما انها لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذا الناسي والمخطئ لا توطين لهما وقد وقع في رواية هشام بن عمار عن بن عيينة عن مسعر في هذا الحديث بعد قوله أو تكلم به وما استكرهوا عليه وهذه الزيادة منكرة من هذا الوجه وانما تعرف من رواية الاوزاعي عن عطاء عن بن عباس بلفظ ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقد أخرجه بن ماجة عقب حديث أبي هريرة من رواية الوليد بن مسلم عن الاوزاعي والحديث عند هشام بن عمار عن الولى فلعله دخل له بعض حديث في حديث وقد رواه عن بن عيينة الحميدي وهو اعرف أصحاب بن عيينة بحديثه وتقدم
[ 479 ]
في العتق عنه بدون هذه الزيادة وكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية زياد بن أيوب وابن المقرى وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلهم عن سفيان بدون هذه الزيادة قال الكرماني فيه ان الوجود الذهني لا اثر له وانما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات وقد احتج به من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس ولو عزم عليه وانفصل من قال يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من العمل يعني عمل القلب قلت وظاهر الحديث ان المراد بالعمل عمل الجوارح لان المفهوم من لفظ ما لم يعمل يشعر بأن كل شئ في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن به أم لم يتوطن وقد تقدم البحث في ذلك في أواخر الرقاق في الكلام على حديث من هم بسيئة لا تكتب عليه وفي الحديث إشارة إلى عظيم قدر الامة المحمدية لاجل نبيها صلى الله عليه وسلم لقوله تجاوز لي وفيه اشعار باختصاصها بذلك بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الاثم وان ذلك من الاصر الذي كان على من قبلنا ويؤيده ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على الصحابة فذكر الحديث في شكواهم ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لهم تريدون ان تقولوا مثل ما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا فقالوها فنزلت آمن الرسول إلى آخر السورة وفيه في قوله لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا قال نعم وأخرجه من حديث بن عباس بنحوه وفيه قال قد فعلت الحديث الثاني قوله حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه وقع مثل هذا في باب الذريرة في اواخر كتاب اللباس وتقدم الكلام عليه هناك وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن عثمان بن الهيثم به قوله كنت احسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا في رواية الاسماعيلي اني كنت احسب ان كذا قبل كذا قوله لهؤلاء الثلاث قد كنت اظن ذلك خاصا بهذه الرواية وأن البخاري أشار بذلك إلى ما في الحديث الذي يليه فإنه فيه الحلق والنحر والرمي لكن وجدته في رواية الاسماعيلي بالايهام كما أشرت إليه وكذا أخرجه مسلم من رواية عيسى بن يونس ومحمد بن بكر كلاهما عن بن جريج مثل رواية عثمان بن الهيثم سواء الا ان بن بكر لم يقل لهؤلاء الثلاث ومن رواية يحيى بن سعيد الاموي عن بن جريج بلفظ حلقت قبل ان انحر ونحرت قبل ان ارمي فالظاهر ان الاشارة المذكورة من بن جريج وقد أخرجه الشيخان من رواية مالك عن بن شهاب شيخ بن جريج فيه مفسرا كما تقدم في كتاب الخ مع شرحه الحديث الثالث حديث بن عباس في ذلك وقد تقدم بسنده ومتنه مشروحا في كتاب الحج الحديث الرابع حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة قوله حدثني إسحاق بن منصور حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله بن عمر هو العمري وسعيد هو المقبري وقد تقدم في كتاب الاستئذان بهذا السند سواء لكن فيه عبد الله بن نمير بدل أبي أسامة وفي بعض سياقهما اختلاف بينته هناك فكأن لاسحاق بن منصور فيه شيخين وقد أخرجه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن عبد الله بن نمير وحده وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير جميعا وله طرق عن هذين عند مسلم وغيره
[ 480 ]
الحديث الخامس حديث حذيفة في قصة قتل أبيه اليمان يوم أحد وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر المناقب وفي غزوة أحد وقوله في آخره بقية خير بالاضافة للاكثر أي استمر الخير فيه ووقع في رواية الكشميهني بقية بالتنوين وسقط عند لفظ خير وعليها شرح الكرماني فقال أي بقية حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه وهو وهم سبقه غيره إليه والصواب ان المراد انه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ عفا الله عنكم واستمر ذلك الخير فيه إلى ان مات الحديث السادس حديث أبي هريرة من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه الحديث وقد تقدم شرحه في باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا من كتاب الصيام وعوف في السند هو الاعرابي وخلاس بكسر المعجمة وتخفيف اللام بعدها مهملة وهو بن عمرو ومحمد هو بن سيرين والبخاري لا يخرج لخلاس الا مقرونا ومما ينبه عليه هنا ان المزي في الاطراف ذكر هذا الحديث في ترجمة خلاس عن أبي هريرة فقال خلاس في الصيام عن يوسف بن موسى فوهم في ذلك وانما هو في الايمان والنذور ولم يورده في الصيام من طريق خلاس أصلا وقال بن المنير في الحاشية أوجب مالك الحنث على الناسي ولم يخالف ذلك في ظاهر الامر الا في مسألة واحدة وهي من حلف بالطلاق ليصومن غدا فأكل ناسيا بعد ان بيت الصيام من الليل فقال مالك لا شئ عليه فاختلف عنه فقيل لا قضاء عليه وقيل لا حنث ولا قضاء وهو الراجح اما عدم القضاء فلانه لم يتعمد ابطال العبادة وأما عدم الحنث فهو على تقدير صحة الصوم لانه المحلوف عليه وقد صحح الشارع صومه فإذا صح صومه لم يقع عليه حنث الحديث السابع حديث عبد الله بن بحينة في سجود السهو قبل السلام لترك التشهد الاول وقد تقدم في أبواب سجود السهو من اواخر كتاب الصلاة مع شرحه الحديث الثامن حديث بن مسعود في سجود السهو بعد السلام لزيادة ركعة في الصلاة وقد تقدم شرحه أيضا هناك عقب حديث بن بحينة وقوله هنا حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من مسنده وقوله سمع عبد العزيز أي انه سمع ولفظه انه يسقطونها في الخط أحيانا وعبد العزيز المذكور هو العمى بفتح المهملة والتثقيل ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو بن قيس وقوله فيه فزاد أو نقص قال منصور لا أدري إبراهيم وهم أم علقمة كذا اطلق وهم موضع شك وتوجيهه ان الشك ينشأ عن النسيان إذ لو كان ذكرا لاحد الامرين لما وقع له التردد يقال وهم في كذا إذا غلط فيه ووهم إلى كذا إذا ذهب وهمه إليه وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية جرير عن منصور قال قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص فجزم بأن إبراهيم هو الذي تردد وهذا يدل على ان منصورا حين حدث عبد العزيز كان مترددا هل علقمة قال ذلك أم إبراهيم وحين حدث جريرا كان جازما بإبراهيم وقال الكرماني لفظ اقصرت صريح في أنه نقص ولكنه وهم من الراوي والصواب ما تقدم في الصلاة بلفظ أحدث في الصلاة شئ وقد تقدمت مباحث هذا الحديث هناك أيضا ولله الحمد الحديث التاسع ذكر فيه طرفا يسيرا من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر وقوله قلت لابن
[ 481 ]
عباس فقال حدثنا أبي بن كعب هكذا حذف مقول سعيد بن جبير وقد ذكره في تفسير الكهف بلفظ قلت لابن عباس ان نوفا البكالي فذكر قصة فقال بن عباس رادا عليه حدثنا أبي بن كعب الخ فحذفها البخاري هنا كما حذف أكثر الحديث إلى ان قال لا تؤاخذني قوله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال لا تؤاخذني بما نسيت فيه حذف تقديره يقول في تفسير قوله تعالى قال لا تؤاخذني الخ قوله كانت الاولى من موسى نسيانا يعني انه كان عند إنكاره خرق السفينة كان ناسيا لما شرط عليه الخضر في قوله فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا فإن قيل ترك مؤاخذته بالنسيان متجه وكيف واخذه قلنا عملا بعموم شرطه الذي التزمه فلما اعتذر له بالنسيان علم انه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة فان قيل فالقصة الثانية لم تكن الا عمدا فما الحامل له على خلف الشرط قلنا لانه في الاولى كان يتوقع هلاك أهل السفينة فبادر للانكار فكان ما كان واعتذر بالنسيان وقدر الله سلامتهم وفي الثانية كان قتل الغلام فيها محققا فلم يصبر على الانكار فأنكر ذاكرا للشرط عامدا لا خلافه تقديما لحكم الشرع ولذلك لم يعتذر بالنسيان وانما أراد ان يجرب نفسه في الثالثة لانها الحد المبين غالبا لما يخفي من الامور فان قيل فهل كانت الثالثة عمدا أو نسيانا قلنا يظهر انها كانت نسيانا وانما واخذه صاحبه بشرطه الذي شرطه على نفسه من المفارقة في الثالثة وبذلك جزم بن التين وانما لم يقل انها كانت عمدا استبعادا لان يقع من موسى عليه السلام إنكار أمر مشروع وهو الاحسان لمن أساء والله اعلم الحديث العاشر والحادي عشر حديث البراء وحديث أنس في تقديم صلاة العيد على الذبح وقد سبق شرحهما مستوفى في كتاب الاضاحي قوله كتب إلى محمد بن بشار لم تقع هذه الصيغة للبخاري في صحيحه عن أحد من مشايخه الا في هذا الموضع وقد اخرج بصيغة المكاتبة فيه أشياء كثيرة لكن من رواية التابعي عن الصحابي أو من رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك ومحمد بن بشار هذا هو المعروف ببندار وقد أكثر عنه البخاري وكأنه لم يسمع منه هذا الحديث فرواه عنه بالمكاتبة وقد اخرج أصل الحديث من عدة طرق أخرى موصولة كما تقدم في العيدين وغيره وقد أخرجه الاسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سنان قال قرأت على بندار فذكره وأخرجه أبو نعيم من رواية حسين بن محمد بن حماد قال حدثنا محمد بن بشار بندار قوله قال قال البراء بن عازب وكان عندهم ضيف في رواية الاسماعيلي كان عندهم ضيف بغير واو وظاهر السياق ان القصة وقعت للبراء لكن المشهور انها وقعت لخاله أبي بردة بن نيار كما تقدم في كتاب الاضاحي من طريق زبيد عن الشعبي عن البراء فذكر الحديث وفيه فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال ان عندي جذعة الحديث ومن طريق مطرف عن الشعبي عن البراء قال ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة قوله قبل ان يرجع في رواية السرخسي والمستملي قبل أن يرجعهم والمراد قبل ان يرجع إليهم قوله فأمره ان يعيد الذبح قال بن التين رويناه بكسر الذال وهو ما يذبح وبالفتح وهو مصدر ذبحت قوله فقال يا رسول الله في رواية الاسماعيلي قال البراء يا رسول الله وهذا صريح في ان القصة وقعت للبراء فلولا إتحاد المخرج لامكن التعدد لكن القصة متحدة والسند متحد من رواية الشعبي عن البراء والاختلاف من الرواة عن الشعبي فكأنه وقع في هذه الرواية
[ 482 ]
اختصار وحذف ويحتمل ان يكون البراء شارك خاله في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن القصة فنسبت كلها إليه تجوزا قال الكرماني كان البراء وخاله أبو بردة أهل بيت واحد فنسبت القصة تارة لخاله وتارة لنفسه انتهى والمتكلم في القصة الواحدة أحدهما فتكون نسبة القول للآخر مجازية والله اعلم قوله خير من شأتي لحم تقدم البحث فيه هناك أيضا قوله وكان بن عون هو عبد الله راوي الحديث عن الشعبي وهو موصول بالسند المذكور قوله يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي أي يترك تكملته قوله ويحدث عن محمد بن سيرين أي عن أنس