فتح الباري
ابن حجر ج 9
[ 1 ]
الجزء التاسع من فتح الباري بشرح صحيح الامام ابى عبد الله محمد بن اسمعيل البخاري لشيخ الاسلام قاضى القضاة الحافظ أبي الفضل شهاب الدين احمد بن على بن محمد بن حجر العسقلاني الشافعي نزيل القاهرة رحمه الله التزام عبد الرحمن محمد بميدان الجامع الازهر بمصر سنة 1348 هجرية المطبعة البهية المصرية لصاحبها عبد الرحمن محم الطبعة الرابعة 1408 ه 1988 م دار احياء التراث العربي بيروت
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب فضائل القرآن) ثبتت البسملة وكتاب لابي ذر لغيره وفضائل القرآن حسب قوله كيف نزل الوحي وأو ما نزل كذا لابي ذر نزل بلفظ الفعل الماضي ولغيره كيف نزول الوحي بصيغة الجمع وقد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي في أول الصحيح وكذا أول نزوله في حديثها أو ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بدئ لان النزول يقتضي وجود من ينزل به وأول ذلك مجئ الملك له عيانا مبلغا عن الله بما شاء من الوحي وايحاء الوحي اعم من ان يكون بانزال أو بالهام سواء وقع ذلك في النوم أو في اليقظة وأما انتزاع ذلك من أحاديث الباب فسأذكره إن شاء الله تعالى عند شرح كل حديث منها قوله قال بن عباس المهيمن الامين القرآن أمين على كل كتاب قبله تقدم بيان هذا الاثر وذكره من وصله في تفسير سورة المائدة وهو يتعلق أصل الترجمة وهي فضائل القرآن وتوجيه كلام بن عباس أن القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله لان الاحكام التي فيه إما مقررة لما سبق وإما ناسخة وذلك يستدعي إثبات المنسوخ وإما مجددة وكل ذلك دال على تفضيل المجدد ثم ذكر المنصف في الباب ستة أحاديث الاول والثاني حديثا بن عباس وعائشة معا قوله عن شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن قوله لبث النبي صلى الله بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين كذا الكشميهني ولغيره وبالمدينة عشرا بإيها المعدود وهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم عاش ستين سنة إذا انضم إلى المشهور أنه بعث على رأس الاربعين لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية فإن كل من روى عنه أنه عاش ستين أو أكثر من ثلاث
[ 3 ]
وستين جاء عنه أنه عاش ثلاث وستين فالمعتد أنه عاش ثلاث وستين وما يخالف ذلك إما أن يحمل على إلغاء الكسر في السنين وإما على جبر الكسر في الشهور وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع بينه وبين المشهور بوجه آخر وهو أنه بعث على رأس الاربعين فكانت مدة وحي المنام ستة أشهر إلى أنزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة ثم فتر الوحي ثم تواتر ونتابع فكانت مدة تواتر وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة أو أنه على رأس الاربعين قرنبه ميكائيل أو اسرافيل فكان يلقى إليه الكلمة أو الشئ مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل ثم رن به جبريل فكان ينزل عليه بالقرآن مدة عشر سنين بمكة ويؤخذ من هذا الحديث مما يتعلق بالترجمة أنه نزل مفرقا ولم ينزل جملة واحدة ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن بن عباس وقال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة وقرأ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية وفي رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل فرق في السنين وفي أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا وضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح ووقع في المنهاج الحلمي أن جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهذا أورده بن الانباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اقرح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة تجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل تجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضا غريب والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب وقد تقدم في بدء الوحد في أول نزل جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان وسيأتي في هذا الكتاب أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في شهر رمضان وفي ذلك حكمتان إحداهما تعاهده والاخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفح ما نسخ فكان رمضان ظرفا لانزاله جملة وتفصيلا وعرضا وأحكاما وقد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والانجيل لثلاث عشرة خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لاربع وعشرين خلت من شهر رمضان وهذا كله مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الارض أول اقرأ باسم ربك ويستفاد من حديث الباب أن القرآن نزل كله بمكة والمدينة وخاص وهو كذلك لكن نزل كثير منه غفي غير الحرمين حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر حج أو عمرة أو غزاة ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وما نزل بعد الهجرة فهو مدني سواء نزل في البلد حال الاقامة أو غيرها حال السفر وسيأتي مزيد لذلك في باب تأليف القرآن الحديث الثالث قوله حدثنا معتمر هو ابن سليمان التميمي قوله قال انبئت ان جبريل فاعل قال هو أبو عثمان النهدي قوله أنبئت بضم أوله على البناء للمجهول وقد عينه في آخر الحديث ووقع عند مسلم في أوله زيادة حذفها البخاري عمدا لكنها موقوفة ولعدم تعلقها بالباب وهي عن أبي عثمان عن سلمان قال لا تكونن أن استطعت أول من يدخل السوق الحديث موقوف وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا قوله فقال لام سلمة من هذا فاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استفهم أمسلمة عن الذي كان يحدثه هل
[ 4 ]
فطنت لكونه ملكا أو لا قوله أو كما قال يريد أن الراوي شك في اللفظ مع بقاء المعنى في ذهنه وهذه الكلمة كثر استعمال المحدثين لها في مثل ذلك قال الداودي هذا السؤال إنما وقع بعد ذهاب جبريل وظاهر سياق الحديث يخالفه كذا قال ولم يظهر لي ما ادعاه من الظهور بل هو محتمل للامرين قوله قالت هذا دحية أي بن خليفة الكلبي الصحابي المشهور وقد تقدم ذكره في حديث أبي سفيان الطويل في قصة هرقل أول الكتاب وكان موصوفا بالجمال وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته قوله فلما قام أي النبي صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى المسجد وهذا يدل على أنه لم ينكر عليها ظنته من أنه دحية اكتفاء بما سيقع منه في الخطبة مما يوضح لها المقصود قوله ما حسبته إلا إياه هذا كلام أم سلمة وعند مسلم فقالت أم سلمة أيمن الله ما حسبته إلا إياه وأمين من حروف القسم وفيها لغات قد تقدم بيانها قوله حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بخبر جبريل أو كما قال في رواية مسلم يخبرنا خبرنا وهو تصحيف نبه عليه عياض قال النووي وهو الموجود في نسخ بلادنا قلت ولم أر هذا الحديث في شئ من المسانيد إلا من هذا الطريق فهو من غرائب الصحيح ولم أقف في شئ من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة فقد وقع في دلائل البيهقي وفي الغيلانيات من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو راكب فلما دخل قلت من هذا الذي كنت تكلمه قال بمن تشبهينه قلت بدحية بن خليفة قال ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة قوله قال أبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة والقائل هو معتمر بن سليمان وقوله فقلت لابي عثمان أي النهدي الذي حدثه بالحديث وقله ممن سمعت هذا ال من أسامة بن زيد فيه الاستفسار عن اسم من أبهم من الرواة ولو كان الذي أبهم ثقة معتمدا وفائدته احتمال أن لا يكون عند السامع كذلك ففي بيانه رفع لهذا الا احتمل قال عياض وغيره وفي هذا الحديث أن للملك أن يتصور على صورة الآدمي وأن له هو في ذاته صورة لا يستطيع الآدمي أن يراه فيها لضعف القوى البشرية إلا من يشاء الله أن يقويه على ذلك ولهذا كن غالب ما يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها إلا مرتين كما ثبت في الصحيحين ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب قالوا وفيه فضيلة لام سلمة ولدحية وفيه نظر لان أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الايمان والاسلام والاحسان ولان أنفقا الشبه لا يستلزم اثبات فضيلة معنويه وغايته أن يكون له مزية في حسن الصورة حسب وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه النسا به فقال أيضرني شبه قال لا الحديث الرابع (4696) الرب عز وجلقوله أبيه هو أبو سعيد المقبري كيسان وقد سمع سعيد المقبري الكشير من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة ووقع الامران في الصحيحين وهو دال على تثبت سعيد وتحريه قوله ما من الانبياء نبي إلا أعطى هذا دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه ولا يضره من أصر على المعاندة قوله من الآيات أي المعجزات الخوارق قوله ما مثله آمن عليه البشر ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لاعطى ومثله مبتدأ وآمن المعجزات الخوارق قوله ما مثله آمن عليه الشر ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لاعطى ومثله مبتدأ وآمن خبره والمثل يطلق ويراد به عين الشئ وما يساويه والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لاجلها وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة أي يؤمن بذلك مغلوبا
[ 5 ]
عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكن قد يجحد فيعاند كما قال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسه ظلما وقال الطيبي الراجح إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال أي مغلوبا عليه في التحدي والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل موقعه من قوله فأتوا بسورة مثله أي على صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة تنبيه قوله وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى أي أن معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن لما اشتمل عليه من الاعجاز الواضح وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه بل المراد أن المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره لان كل نبي أعطى معجمة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدي بها قومه وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنوا ولم يقع ذلك بيمينه لغيره وكذلك أحياء عيسى الموتى وإبراء الاكمه والابرص لكون الاطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه ولهذا لما كان العرب الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وقيل المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلوا عن مثل وقيل المراد أن كل نبي أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله فلهذا أردفه بقوله فأرجو كأن أكون أكثرهم تابعا وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخيل وإنما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما تخيل من التشبيه به بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر والنظر عرضة للخطأ فقد يخطئ الناظر فيظن تساويهما وقيل المراد أن معجزات الانبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزه القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الاعصار إلا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه وهذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده وقيل المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالابصار كناقة صالح وعصا موسى ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لاجلها أكثر لان الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الاول مستمرا قلت ويمكن نظم هذا الاقوال كلها في كلام واحد فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضا قوله فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعمون نفعه لاشتماله على الدعوة والحجة والاخبار بما سيكون فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد فحسن ترتيب الرجوي المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحققت فإنه أكثر الانبياء تبعا وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ووتعلق هذا الحديث بالترجمة من جهة أن القرآن إنما نزل بالوحي الذي يأتي به الملك لا بالمنام ولا بالالهام وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء أحدها حسن تأليفه والتئام كلمه مع الايجاز والبلاغة ثانيها صورة سياقه وأسلوبه المخالف لاساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظما ونثرا حتى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى التيان بشئ مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه ثالثها ما اشتمل عليه من الاخبار عما مضى من أحوال الامم السالفة والشرائع الدائة مما كان لا يعلم منه بعضه إلا النادر من أهل الكتاب رابعها الاخبار بما سيأتي من الكوائن التي وقع بعضها في العصر النبوي وبعضها بعده ومن غي هذه الاربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قاضيا أنهم لا يفعلونها فعجزوا
[ 6 ]
عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه كتمني اليهود الموت ومنها الروعة التي تحصل لسماعه ومنها أن قارئه لا يمل من ترداده وسماعه لا يمجه ولا يزداد بكثرة التكرار الموت إلا طراوة ولذاذة ومنها أنه آية باقية لا تعد ما بقيت الدنيا ومنها جمعه لعلوم ومغارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها اه ملخصا من كلام عياض وغيره الحديث الخامس قوله حدثنا عمرو بن محمد هو الناقد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وكذا أخرجه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد وغيره عن يعقوب بن إبراهيم ووقع في الاطراف لخلف حدثنا عمرو بن علي الفلاس ورأيت في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري حدثنا عمرو بن خالد وأظنه تصحيفا والاول هو المعتمد فإن الثلاثة وإن كانوا معروفين من شيوخ البخاري لكن الناقد أخص من غيره بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ورواية صالح بن كيسان عن بن شهاب من رواية الاقران بل صالح بن كيسان أكبر سنا من بن شهاب وأقدم سماعا وإبراهيم بن سعد قد سمع من بن شهاب كما سيأتي تصريحه بتحديثه له في الحديث الآتي بعد باب واحد قوله إن الله تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته كذا للاكثر وفي رواية أبي ذر أن الله تابع على رسوله الوحي قبل وفاته أي أكثر إنزاله قرب وفاته صلى الله عليه وسلم والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الاحكام فكثر النزول بسبب ذلك ووقع لي سبب تحديث أنس بذلك من رواية الدراوردي عن الامامي عن الزهري سألت أنس بن مالك هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أين يموت قال أكثر ما كان وأجمه أورده بن يونس في تاريخ مصر في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم (4697) قوله حتى توفاه أكثر ما كان الوحي أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من الازمنة قوله ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فيه إظهار ما تضمنته الغاية في قوله حتى توفاه الله وهذا الذي وقع أخيرا على خلاف ما وقع أولا فإن الوحي في أول البعثة فتر فترة ثم كشر وفي أثناء النزول بمكة لم ينزل من السور الطوال إلا القليل ثم بعد الهجرة نزلت السور الطوال المشتملة على غالب الاحكام إلا أنه كان الزمن الاخير من الحياة النبوية أكثر الازمنة نزولا بالسبب المتقدم وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للتجرمة لتضمنه الاشارة إلى كيفية النزول الحديث السادس (4698) قوله حدثنا سفيان هو الثوري وقد تقدم شرح الحديث قريبا في سورة والضحى ووجه إيراده في هذا الباب الاشارة إلى أن تأخير النزول أحيانا إنما كان يقع لحكمة تقتضي ذلك لا لقصد تركه أصلا فكان نزوله على أنحاء شتى تارة بتتابع وتارة يتارخى وفي إنزاله مفرقا وجوه من الحكمة منها تسهل حفظه لانه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه وأشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ردا على الكفار وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أنزلناه مفرقا لنئبت به فؤادك وبقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومنها ما يستلزمه من الشرف له والعناية به لكثرة تردد رسول ربه إليه يعلمه بأحكام ما يقع له وأجوبة ما يسأل عنه من الاحكام والحوادث ومنها أنه أنزل على سبعة أحرف فناسب أن ينزل مفرقا إذ لو نزل دفعة واحدة لشق بيانها عادة ومنها أن الله قدر أن ينسخ من أحكامه ما شاء فكان إنزاله مفرقا لينفصل الناسخ من المنسوخ أولى من إنزالهما معا وقد ضبط النقلة ترتيب نزول السور كما سيأتي
[ 7 ]
في باب تأليف القرآن ولم يضبطوا من ترتيب نزول الآيات إلا قليلا وقد تقدم في تفسير اقرأ باسم ربك أنها أول سورة نزلت ومع ذلك فنزل من أولها أولا خمس آيات ثم نزل باقيها بعد ذلك وكذلك سورة المدثر الت نزلت بعدها نزل أولها أولا ثم نزل سائرها بعد وأوضح من ذلك ما أخرجه أحصاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره من حديث بن عباس عن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا بلسان عربي مبين في رواية أبي ذر لقول الله تعالى قرآنا الخ وأما نزوله بلغة قريش فمذكر في الباب من قول عثمان وقد أخرج أبو داود من طريق كعب الانصاري أن عمر كتب إلى بن مسعود أن القرآن نزل بلسان قريش فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام على الخاص لان قريشا من العرب وأما ما ذكره من الآيتين فهو حجة لذلك وقد أخرج بن أبي داود في المصاحب من طريق أخرى ع عمر قال إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر اه ومضر هو بن نزار بن معد بن عدنان وإليه تنتهي أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني معنى قول عثمان نزل القرآن بلسان قريش أي معظمه وأنه لم تقم دلالة فاطمة على أن جمعيه بلسان قريش فإن ظاهر قوله تعالى إنا جعلناه قرآنا عربيا أنه نزل بجميع ألسنة العرب ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة أو هما دون اليمن أو قريشا دون غيرهم فعليه البيان لان اسم العرب يتناول الجميع تناولا واحدا ولو ساغت هذه الدعوى لساغ للآخر أن يقول نزل بلسان بني هاشم مثلا لانهم أقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من سائر قريش وقال أبو شامة يحتمل أن يكون قوله نزل بلسان قريش أي ابتداء نزوله ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم كما سيأتي تقديره في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف اه وتكملته أن يقال أنه نزل أولا بلسان قريش أحد الاحرف السبعة ثم نزل بالاحرف السبعة المأذون في قرامتها تسهيلا وتيسيرا كما سيأتي بيانه فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن ولا بلسانه أولى الاحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الاولية المذكورة وعليه يحمل كلام عمر لابن مسعود أيضا قوله وأخبرني في رواية أبي ذكر فأخبرني أنس بن مالك قال فأمر عثمان وهو معطوف على شئ محذوف يأتي بيانه في الباب الذي بعده فاقتصر المصنف من الحديث على موضع الحاجة منه وهو قول عثمان فاكتبوه بلسانهم أي قريش قوله أن ينسخوها في المصاحف كذا للاكثر والضمير للسور أو للآيات أو الصحف التي أحضرت من بيت حفصة والكشميهني أن ينسخوا ما في المصاحف أي نقلوا الذي فيها إلى مصاحف أخرى والاول هو المعتمد لانه كان في صحف لا مصاحف (4700) قوله وقال مسدد حدثنا يحيى في رواية أبي ذر يحيى بن سعيد وهو القطان وهذا الحديث وقع لنا موصلان في وراية مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في تعليق التعليق قوله أن يعلى هو بن أمية والد صفوان قوله كان يقول ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ هذا صورته مرسل لان
[ 8 ]
صفوان بن يعلى ما حضر القصة وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالاسناد الآخر المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية بن جريج وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بن حو اللفظ الذي ساقه المنف هنا وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفي في كتاب الحج وقد خفي وجه دخوله في هذا الباب على كثير من الائمة حتى قال بن كثير في تفسيره ذكر هذا الحديث في الترجمة التي قبل هذه أظهر وأبين فلعل ذلك وقع من بعض النساخ وقيل بل أشار المصنف بذلك إلى أن قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه لا يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بلسان قريش فقط لكونهم قومه بل أرسل بلسان جميع العرب لانه أرسل إليهم كلهم بدليل أنه خاطب الاعرابي الذي سأله بما يفهمه بعد أن نزل الوحي عليه بجواب مسألته فدل على أن الوحي كان ينزل عليه بما يفهمه السائل من العرب قرشيا كان أو غير قرشي والوحي أعم من أن يكون قرآنا يتلي أو لا يتلى قال بن بطال مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متولا كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لان اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم ولذا قال بن المنير كان إدخال هذا الحديث في الباب الذ قبله أليق لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد قوله باب جمع القرآن المراد بالجمع هنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقة في صحف ثم جمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور وسيأتي بعد ثلاثة أبواب باب تأليف القرآن والمراد به هناك تأليف الآيات في السور الواحدة أو ترتيب السور في المصحف (4701) 4 قوله عبيد بن السباق بفتح المهملة وتشديد الموحدة مدني يكنى أبا سعيد ذكره مسلم في الطبقة الاولى من التابعين لكن لم أر له رواية عن أقدم من سهل بن حنيف الذي مات في خلافة على وحديثه عنه عند أبي داود وغيره وليس له في البخاري سوى هذا الحديث لكنه كرره في التفسير والاحكام والتوحيد وغيرها مطولا ومختصرا قوله عن زيد بن ثابت هذا هو الصحيح عن الزهري أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت وقصة حذيفة مع عثمان عن أنس بن مالك وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الاحزاب في رواية عبيد بن السباق عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وقد رواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري فأدرج قصة آية سورة الاحزاب في رواية عبيد بن السباق وأغرب عمارة بن غزية فرواه علن الزهري فقال عن خارج بن زيد بن ثابت عن أبيه وساق القصص الثلاث بطولها قصة زيد مع أبي بكر وعمر ثم قصة حذيفة مع عثمان أيضا ثم قصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الاحزاب أخرجه
[ 9 ]
الطبري وبين الخطيب في المدرج أن ذلك وهم منه وأنه أدرج بعض الاسانيد على بعض قوله أرسل إلي أبي بكر الصديق لم أقف على اسم الرسول إليه بذلك ورينا في الجزء الاول من فوائد الديرعاقولي قال حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن بعيد عن زيد بن ثابت قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شئ قوله مقتل أهل اليمامة أي عقب تقل أهل اليمامة والمراد بأهل اليمامة هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب وكان من شأنها أن مسيلمة ادعى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من العرب فجهز غليه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد في دمع كثير من الصحابة فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله وقتل في غضون ذلك من الصحابة جماعة كثيرة قيل سبعمائة وقيل أكثر قوله قد استحر بسين مهملة ساكنة ومثناة مفتوحة بعدها حاء مهملة مفتوحة ثم راء ثقيلة أي اشتد وكثر وهو استنفعل من الحر لان المكروه غالبا يضاف إلى الحر كما أن المحبوب يضاف إلى البرد يقولون أسخن الله عينه وأقر عينه ووقع من تمسية الفراء الذين أراد عمر في رواية سفيان بن عيينة المذكور قتل سالم مولى أبي حذيفة ولفظه فلما قتل سالم مولى أبي حذيفة خشي عمر أن يذهب القرآن فجاء إلى أبي بكر وسيأتي أن سالما أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه قوله بالقراء بالمواطن أي في المواطن أي الاماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار ووقع في رواية شعيب عن الزهري في المواطن وفي رواية سفيان وأنا أخشى أن لا يلقى المسلمون زحفا آخر إلا استحر القتل بأهل القرآن قوله فيذهب كثير من القرآن في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه من الزيادة إلا أن يجمعوه وفي رواية شعيب قبل أن يقتل الباقون وهذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد فرد جمعه وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب من جمع القرآن إن شاء الله تعالى قوله قلت لعمر هو خطاب أبي بكر لعمر حكاه ثانيا لزيد بن ثابت لما أرسل إليه وهو كلام من يؤثر الاتباع وينفر من الابتداع قوله لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم من رواية سفيان بن عيينة تصريح زيد بن ثابت بذلك وفي رواية عمارة بن غزية فنفر منها أبو بكر وقال أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعد الصادق بضمان حفظه على هذه الامة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر ويؤيده ما أخرجه بن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمه الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله وأما ما أخجره مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لان الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كله كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع واحد ولا مرتب وأما ما أخرجه بن أبي داود في المصاحف من طريق بن سيرين قال قال علي لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه فإسناده ضعيف انقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده يجمعه حظفه في صدره قال والذي وقع في بعض طرقه حتى
[ 10 ]
جمعته بين اللوحين وهم من رواية قلت وما تقدم من رواية عبد خير عن علي أصح فهو المعتمد ووقع عند بن أبي داود أيضا بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب بذلك فأخرج من طريق الحسن أن عرم سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر يجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن كان محفوظا حمل على أن المراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار يجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك وقد تسول لبعض الروافض أنه يتوجه الاعتراض على أبي بكر بما فعله من جمع القرآن في المصحف فقال كيف جار أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والجواب أنه لم يفعل ذلك إلا بطريق الاجتهاد السائغ الناشئ عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابة ولائمة المسلمين وعامتهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوبا ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله ويتوه بعظيم منقبته لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فما جمع القرآن أحد بعده إلا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة وقد كان لابي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه أن يرد على بن الدغنة جواره ويرضى بجوار الله ورسوله وقد تقدمت القصة مبسوطة في فضائله وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله يتلو صحفا مطهرة الآية وكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد ثم كانت بعده محفوظة غلى أن أمر عثمان بالنسخ منها فنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلى الامصار كما سيأتي بيان ذلك قوله قال زيد أي بن ثابت قال أبو بكر أي قال لي إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون أوعى له وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه وكنونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة وقال بن بطال عن المهلب هذا يدل على أن العقل أصل الخصال المحمودة لانه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه كذا قال وفيه نظر وسيأي مزيد البحث فيه في كتاب الاحكام إن شاء الله تعالى ووقع في رواية سفيان بن عيينة فقال أبو بكر أما إذا عزمت على هذا فأرسل إلى زيد بن ثابت قادعه فإنه كان شابا حدثا نقيا يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فادعه حتى يجمعه معنا قال زيد بن ثابت فأرسل إلي فأتيتهما فقالا لي إنا نريد أن نجمع القرآن في شئ فاجمعه معنا وفي رواية عمارة بن غزية فقال إنا نريد أن نجمع القرآن في شئ فاجمعه معنا وفي رواية عمارة بن غزية فقال لي أبو بكر إن هذا دعاني إلى أمر وأنت كاتب الوحي فإن تك معه ابتعتكما وإن توافقني لا أفعل فاقتضى قول عمر فنفرت من ذلك فقال عمر كلمه وما عليكما لو فعلتما قال فنظرنا فقلنا لا شئ والله ما علينا قال بن بطال إنما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لانهما لم يجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول فلما نبههما عمر على فائدة ذلك وأنه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجود ولا تحريم انتهى وليس من الزيادة على احتياط الرسول بل هو مستعد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم قال بن الباقلاني كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن مع قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفي الصحف الاولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قال فكل أمر يرجع لاحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين
[ 11 ]
وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه لا دلالة فيه على المنع ورجع غليه أبو بكر لما رأى وجه الصابه في ذلك وأنه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه وما يترتب على ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك قوله فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما ما كان أنقل على مما أمرني به كأنه جمع أولا باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده بذلك ووقع في رواية شعيب عن الزهري لو كلفي بالافراد أيضا وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصي في إحصاء ما أمر يجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر قوله فتتبعت القرآن أجمعه أي من الاشياء التي عندي وعند غير قوله العسب بضم الهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوض ويكتبون في الطرف العريض وقيل العسيب طرف الجرلادية العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي نبت عليه الخوص هو السعف ووقع في رواية بن عيينة عن بن شهاب القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل ووقع في رواية شعيب من الرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد وفي رواية عمار بن غزية وقطع الاديم وفي رواية بن أبي داود من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد والصحف قوله وللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة ووقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد واللخف بضمتين وفي آخره فاء قال أبو داود الطيالسي في روايته هي الحجارة الرقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة والرقاق قال الاصمعي فيها عرض ودقة وسيأتي للمصنف ي الاحكام عن أبي ثابت أحد شيوخه أنه فسر بالخزف بفتح المعجمة والزاي ثم فاء وهي الآنية التي تصنع من الطين المشوي ووقع في رواية شعيب والاكتاف وفي رواية بن مجمع عن بن شهاب عند بن أبي داود والاضلاع وعنده من وجه آخر والاقتاب بقاف ومثناة وآخره موحدة جمع قتب فتحتين وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه وعند بن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منا لقرآن فليأتيه وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والالواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجر وجدانه مكتبوا حتى يشهد به من تلقاء سماعا مع كون زيد كان يحفظ وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند ابنابي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد من جاء كما يشاهد على شئ من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بهال القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ قوله وصدور الرجال أي حديث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد من خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت الانصاري
[ 12 ]
وكذا أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الاحزاب فالاول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزمية ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والارجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الاحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنتيه دون اسمه وقيل هو الحارث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهاديتن كما تقدم صريحا في سورة الاحزاب وأخرج بن أبي داود من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فأحلقوها في آخرها فهذا أن كان محفوظا احتمل أن يكون قول زيد بن ثابت وجدتها مع أبيه خزيمة لم أجدها مع غيره أي أول ما كتبت ثم جاء الحارث بن خزمية بعد ذفك أو أن أبا خزيمة هو الحارث بن خزيمة لا بن أوس وأما قول عمر لو كانت ثلاث آيات فظاهره أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الاخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف نعم ترتيب السور بعضها غثر بعض كان يقعل بعضه منهم بالاجتهاد كما سيأتي في باب تأليف القرآن قوله لم أجدها مع أحد غيره أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون ترا ترث عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسم وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ولعلهم لما وجدها زيد عنه أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عندما كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي هذا مما يخفى معناه ويهم أنه كان يكتفي في إثبات الآية يخبر الشخص الواحد وليس كذلك فقد اجتمع في هذه الآية زيد بن ثابت وأبو خزيمة وعمر وحكى بن التين عن الداودي قال لم يتفرد بها أبو خزيمة بل شاركه زيد بن ثابت فعلى هذا تثبت برجلين اه وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد وأحلق أن المراد بالنفي نفي وجودها مكتوبة لا نفي كونها محفوظة وقد وقع عند بن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال إني رأيت تركتم آيتين فلم تكتبوهما قالوا وما هما قال تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة فقال عثمان وأنا أشهد فكيف ترى أن تجعل ما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ومن طريق أبي العالية أنهم لما جمعوا القرآن في خلافه أبي بكر كان الذي يملي عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا من براءة إلى قوله لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما نزل منها فقال أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيتين بعدهن لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة قوله فكانت الصحف أي التي جمعها زيد بن ثابت قوله عند أبي بكر حتى توفاه الله في موطأ بن وهب عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبا حتى عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبي بكر القرآن في قراطيس وكن سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل وعند موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب قال لما أصيب المسلمين باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يهلك من القراء طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول مع جمع القرآن في الصحف وهذا كله أصح مما وقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال فأمرني أبو بكر فكتبت في قطع الاديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده وإنما كان في الاديم والعسب أولا
[ 13 ]
قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الاخبار الصحيحة المترادفة قوله ثم عند حفصة بنت عمر أي بعد عمر في خلافة عثمان إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف وإنما كان ذلك عند حفصة لانها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها حتى طلبه منها من له طلب ذلك (4702) ب
[ 14 ]
بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم خفيفة وآخره نون وحكى إن مكي كسر أوله وضبطها صاحب المطابع ونقله عن بن الاعرابي بسكون الذال وفتح الراء بلد كبير من نواحي جبال العراق غربي وهي الآن تبريز وقصباتها وهي تلي أرمينية من جهة غربيها واتفق غزوهما في سنة واحدة واجتمع في غزوة كل منهما أهل الشام وأهل العراق والذي ذكرته الاشهر في ضبطها وقد تمد الهمزة وقد تكسر وقد تحذف وقد تفتح الموحدة وقد يزداد بعدها ألف مع مد الاولى حكاء الهجري وأنكره الجواليقي ويؤكده أنهم نسبوا إليها آذري بالمد اقتصارا على الركن الاول كما قالوا في النسبة إلى بعلبك بعلي وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين فيا لسنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان وقد أخرج بن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال خطب عثمان فقال يا أيها الناس إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القراءة الحديث في جمع القرآن وكانت خلافة عثان بعد قتل عمر وكان قتل عمر في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة بعد وفاة النبي بثلاث عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر فإن كان قوله خمس عشرة سنة أي كاملة فيكون ذلك بعد مضي سنتي وثلاثة أشهر من خلافته لكن وقع في رواية أخرى له منذ ثلاث عشرة سنة فيجمع بينهما بإلغاء الكسر في هذه وجبره في الاولى فيكون ذلك بعد مضي سنة واحدة من خلافته فيكون ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن أرمينية فتحت فيه وذل في أول ولاية الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة من قبل عثمان وغفل بعض من أدركناه فزعم أن ذلك كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر لذلك مستندا قوله فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعيد عن أبيه فيتنازعون في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما ذعره وفى رواية يونس فتذكر والقرآ فختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة وفى رواية عمارة بن غزية أن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال وما ذاك قال غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبى بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا وأخرج بن أبى داود أضيى من طريق يزيد بن معاوية النخعي قال انى لفى المسجد زمن الولد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة فسمع رجل يقول قراءة عبد الله بن مسعود وسمع آخر يقول قراءة أبى موسى الاشعري فغضب ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال هكذا كان من قبلهم اختلفوا والله لاركبن إلى أمير المؤمنين ومن طريق أخرى عنه ان اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا وأتموا الحج والعمرة الله وقرأ هذا وأتموا الحج والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرت عيناه ومن طريق أبى الشعثاء قال قال حذيفة يقول أهل الكوفة قراءة بن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبى موسى والله لئن قسمت على أمير المؤمنين لآمرئه أن يجعلها قراءة واحد ومن طريق أخرى أن بن مسعود قال لحذيفة بلغني عنك كذا قال نعم كرهت أن يقال قراءة فلان وقراءة فلان فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب وهذه القصة لحذيفة بظهر لي أنها متدمة على القصة التي وقعت له في قراءة فكأنه لما رأى الاختلاف أيضا بين أهل الشام والعراق اشتد خوفه فركب إلى عثمان وصادف أن عثمان أيضا كان وقع له نحو ذلك فأخرج بن أبى داود أيضا في المصاحف من طريق أبى قلابة قال لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل والمعلم يعلم قراءة الرجل فجعل الغلبان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال أتم عندي يختلفون فمن نأى عنى من الآمصار أشد اختلافا فكأنه والله أعلم لما جاءه حذيفة
[ 15 ]
وأعلمه باختلاف أهل الامصار تحقق عنده ما ظنه من ذلك وفى رواية مصعب بن سعد فقال عثمان تمترون في القرآن تقولون قراءة أبى قراءة عبد لله ويقول الآخر والله ما تفهم قراءة تك ومن طريق محمد بن سيرين قال كان الرجل لصاحبه كفرت بما تقول فرفع ذلك إلى عثمان فتعاظم في نفسه وفنده بن أبى داود أيضا من رواية بكير بن الاشج ان ناسا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال الا انى أكفر بهذه ففشا ذلك في الناس فكلم عثمان في ذلك قوله فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف في رواية يونس بن يزيد فاستخرج الصحيفة التي كان أبو بكر أمر زيدا يجعلها فنسخ منها مصاحف فبعث بها إلى الآفاق والفرق بين الصحف والمصحف أن الصحف الاوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبى بكر وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة لكن لم يرتب بعضها اثر بعض فلما نسخت ورتب بعضها اثر بعض صارت مصحفا وقد جاء عن عثمان أنه إما فعل ذلك بعد أن ستشار الصحابة فأخرج بن أبى داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال قال على لا نقولوا في عثمان إلا خيرا أو الله ما فعل الدى في المصاحف إلا عن ملامنا قال ما تقولون في هذه القراءة لقد بلغني أن بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتك وهذا يكاد أن يكون كفرا قلنا فما ترى قال أرى ان يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا فنعما ما رأيت قوله فأمر زيد وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاصى وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وعند بن أبى داود من طريق محمد بن سيرين قال جمع عثمان اثنى عشر رجلا من قريش والانصار منهم أبى بن كعب وأرسل إلى الرقعة التي في بيت عمر قال فحدثني كثير بن أفلح وكان ممن يكتب قال فكانوا إذا اختلفوا في الشئ أخروه قال بن سيرين أظنه ليكتبوه على العرضة الاخيرة وفى رواية مصعب بن سعد فقال عثمان من أكتب الناس قالوا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت قال فأى الناس أعرب وفى رواية أفصح قالوا سعيد بن العاص قال عثمان فليمل سعيد وليكتب زيد ومن طريق سعيد بن عبد العزيز أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية لانه كان أشببههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه العاصى يوم بدر مشركا ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا قلت وقد أدرك سعيد بن العاص هذا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين قاله بن سعد وعدوه لذلك في الصحابة وحديثه عن عثمان وعائشة في صحيح مسلم واستعمله عثمان على الكوفة ومعاوية على المدينة وكان من أجواد قريش وحامائها وكان معاوية يقول لكل قوم كريم وكريمنا سعيد وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ووقع في رواية عمارة بن غزبة أبان بن سعيد بن العاص يدل سعيد قال الخطيب ووهم عمارة في ذلك لان أبان قتل بالشام في خلافة عمر ولا مدخل له في القصة والذي قامه عثمان في ذلك هو سعيد بن العاص بن المذكور أهل ووقع من تسمية من كتب أو أملى عند بن أبى داود مفرقا جماعة منهم مالك بن أبى عامر جد مالك بن أنس من روايته ومن رواية أبى قلابة عنه ومنهم كثير بت فلح كما تقدم ومنهم أبى بن كعب كما ذكرنا ومنهم أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وقع ذلك في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن بن شهاب في أصل حديث الباب فهولاء تسعة عرفنا تسميتهم من الاثنى عشر وقد أخرج بن أبى داود من طريق عبد الله بن مغفل وجابر بن سمرة قال قال عمر بن الخطاب لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف وليس في الذين سميناهم أحد من ثقيف بل كلهم إما قريشي أو أنصارى وكأن ابتداء الا كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ثم احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة
[ 16 ]
بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل إلى الآفاق فاضافرا إلى زيد من ذكر ثم استظهروا بأبي بن كعب في الاملاء وقد شق على بن مسعود صرفه عن كتابه المصحف حتى قال ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن بن شهاب من طريق عبد الرحمن بن مهدا عنه قال بن شهاب فأخبرني عبيد الله لن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن نسخ المصاحف وقال يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتبة المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وانه لفى صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت وأخرج بن أبى داود من طريق خمير بن مالك بالخاء مصغر سمعت بن مسعود يقول لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة كان زيد بن ثابت لصبى من الصبيان ومن طيق أبى وائل عن بن مسعود بضعا وسبعين سورة ومن طريق زر بن حبيش عنه مثله وزاد وان لزيد بن ثابت ذؤابتين والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر وأيضا فان عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبى بكر وان يجعلها مصحفا واحد وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبى بكر هو زيد بن ثابت كما تقدم لكونه كان كاتب الوحي فكانت له في ذلك اولية ليست لغيره وقد أخرج الترمذي في آخره الحديث المذكور عن بن شهاب قال بلغني أنه كره ذلك من مقالة عبد الله بن مسعود رجال من أفضل الصحابة قوله وقال عثمان المرهط القريشيين الثلاثة يعنى سعيد أو عبد الله وعبد الرحمن لان سعيدا اموى وعبد الله أسدى وعبد الرحمن المخزومي وكلها من بطون قريش قوله في شئ من القرآن في رواية شعيب في عربية من عربية القرآن وزاد الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن إبراهيم بن سعد في حديث الباب قال بن شهاب اختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال القرشيون التابوت وقال زيد التابوه فرفع اختلافهم إلى عثمان قال بن شهاب في حديث زيد بن ثابت قال الخطيب وإنما رواها بن شهاب مرسلة قوله حتى إذ نسخوا الصحف في المصاحب رد عثمان الصحف إلى حفصة زاد أبو عبيد وابن أبي داود من طريق شعيب عن بن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر قال كان مروان يرسل إلى حفصة يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية يسألها الصحف سالم بن عبد الله بن عمر قال كان مروان يرسل إلى حفصة يعني حين كان أمير المدنية من جهة معاوية يسألها الصحف التي كتب منها القرآن فنأبى أن نعطيه قال سالم فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه تلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت وقال إنما فعلت هذا لاني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب ووقع في رواية أبي عبدية فمزفت قال أبو عبيد لم يسمع أن مروان مزق الصحف إلا في هذه الرواية فقلت قد أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب نحوه وفيه فلما كن مروان أمير المدينة أرسل إلى حصة يسألها الصحف فمنعته إياها قال فحدثني سالم بن عبد الله قال لما توفيت حفصة فذكره وقال فيه فشققها وحرقها ووقعت هذه الزيادة في رواية عمارة بن عزية أيضا باختصار لكن أدرجها أيضا في حديث زيد بن ثابت وقال فيه فغسلها غسلا وعند بن أبي داود من رواية مالك عن بن شهاب عن سالم أو خارجة أن أبا بكر لما جمع القرآن سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فذكر الحديث مختصرا إلى أن قال فأرسل عثمان إلى حفصة فطلبها فأبت حتى عادها ليردنا إليها فنسخ منها ثم ردها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق ثم غسل ثم تحريق ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة فيكون مزقها ثم غسلها والله أعلم قوله فأرسل إلى كل
[ 17 ]
افق بمصحف مما نسخوا في رواية شعيب فأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف واختلفوا في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الافاق فالمشهور أنها خمسة وأخرج بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات قال أرسل عثمان أربعة مصاحف وبعث منها إلى الكوفة بمصحف فوقع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي عليه قال بن أبي داود سمعت أبا حاتم السجستاني يقول كتبت سبعة مصاحف إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا وأخرج بإسناد صحيح إلى إبراهيم لنخعي قال قال لي رجل من أهل الشام مصحفا ومصحف أهل البصرة أصبط من مصحف أهل الكوفة قلت لم قال لان عثمان بعث إلى الكوفة لما بلغه من اختلافهم بمصحف قبل أن يعرض وبقي مصحفنا ومصحف أهل البصرة حتى عرضا قوله وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق في رواية الاكثر أن يخرق بالخاء المعجمة والروزي بالمهملة ورواه الاصلي بالوجهين والمعجمة أنبت وفي رواية الاسماعيلي أن تمحي أو تحرق وقد وقع في رواية شعيب عند بن أبي داود والطبراني وغيرهما وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به قال فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار وفي رواية سويد بن غفلة عن علي قال لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيرا وفي رواية بكير بن الاشج فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم بث في الاجناد التي كتب ومن طريق مصعب بن سعد قال أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منه أحد وفي رواية أبي قلابة فلما فرغ عثمان من المصاحف كتب إلى أهل الامصار أني قد صنعت كذا وكذا ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم والمحو أعم من أن يكون بالغسل أن التحريق وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شئ من ذلك وقد جزم عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها قال بن بطال في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالاقدام وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاوس أنه كان يحرق الرسائل اليت فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال بن عطية الرواية بالحاء المهملة أصح وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل أولى لما دعت الحاجة إلى إزالته وقوله وأمر بما سواه أي بما سوى المصحف لذى استكتبه والمصاحف التي نقلت منه وسوى الصحف التي كانت عند حفصة وردها إليها ولهذا استدركه مروان الامر بعدها وأعدمها أيضا خشية أن يقع لاحد منها توهم أن فيما ما يخالف المصحف الذي استقر عليه الامر كما تقدم واستدل بتحريق عثمان الصحف على القائلين بقدم الحرف والاصوات لانه لا يلزم من كون كلام الله قديما أن تكون الاسطر المكتوبة في الورق قديمة ولو كانت هي عين كلام الله لم يستجر الصحابة إحراقها والله أعلم قوله قال بن شهاب وأخبرني خارجة الخ هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة إلى بن شهاب بالاسناد المذكرو كما تقدم بيانه وأضحا وقد تقدمت موصولة مفردة في الجهاد وفي تفسير سورة الاحزاب وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا أنه فقد آية الاحزاب من الصحف التي ان نسخها في خلافة أبي بكر حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن بن شهاب أن فقده إياها إنما كان في خلافة أبي بكر وهو وهم منه والصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآياتان من آخر براءة وأما التي في الاحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان وجزم بن كثير بما وقع في رواية بن مجمع وليس كذلك والله أعلم قال بن التين وغيره الفرق بين جمع أبي
[ 18 ]
بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شئ بذهاب حملته لانه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقهم الامر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره كما سيأتي في باب تأليف القرآن واقتصر منا سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الامر فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر عليها وسيأتي زيد بيان لذلك بعد باب واحد تنبيه قال بن معين لم يرو أحد حديث جمع القرآن أحسن من سياق إبراهيم بن سعد وقد روى مالك طرفا منه عن بن شهاب قوله باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم قال بن كثير ترجم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر سوى حديث زيد بن ثابت وهذا عجيب فكأنه لم يعق له على شرطه غير هذا ثم أشار إلى أنه استوفى بيان ذلك في السيرة النبوية قلت لم أقف في شئ من النسخ إلا بلفظ كاتب بالافراد وهو مطابق لحديث الباب نعم قد كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة غير زيد بن ثابت أما بمكة فلجميع ما نزل بها لان زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة وأما بالمدينة فأكثر ما كان يكتب زيد ولكثرة تعاطيه ذلك أطلق عليه الكاتب بلام العهد كما في حديث البراء بن عازب ثاني حديثي الباب ولهذا قال له أبو بكر إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زيد بن ثابت ربما غاب فكتب الوحي غيره وقد كتب له قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة وأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام يوم الفتح وممن كتب له في الجملة الخلفاء والاربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الاسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الارقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة في آخرين وروى أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وصححه بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذرات العدد فكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا الحديث ثم ذكر المصنف في الباب حديثني الاول حديث زيد بن ثابت في قصته مع أبي بكر في جمع القرن أورد منه رفا وغرضه منه قول أبي بكر لزيد إنك كنت تكتب الوحي وقد مضى البحث فيه مستوفي في الباب الذي قبله الثاني حديث البراء وهو بن عازب لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ادع لي زيدا وقد تقدم في تفسير سورة النساء
[ 19 ]
بلفظ ادع لي فلانا من رواية إسرائيل أيضا وفي رواية غيره ادع لي زيدا أيضا وتقدمت القصة هناك من حديث بن ثابت نفسه ووقع هنا فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فسبيل الله غير أولى الضرر هكذا وقع بتأخير لفظ (4704) غير أولي الضرر والذي في التلاوة غير أولى الضرر قبل والمجاهدون في سبيل الله وقد تقدم على الصواب من وجه آخر عن إسرائيل قوله باب أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل الراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة فإن قيل فإنها نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الاداء كما في المد والامالة ونحوهما وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات والسبعمائة في المئتين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه وذكر القرطبي عن بن حبان انه بلغ الاختلاف في معنى الاحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة وقال المنذري أكثرها غير مختار ولم أقف على كلام بن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من صحيحه وسأذكر ما انتهى إلى من أقوال العلماء في ذكل مع باين المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس (4705) قوله حدثنا سعيد بن عفير بالمهملة والهاء مصغر بن كثير بن عفير ينسب إلى جده وهو من حفاظ المصريين وثقاتهم قوله أن بن عباس رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا بما لم يصحر بن عباس بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه من أبي بن أبي كعب فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب نحوه والحديث مشهرو عن أبي أخرجه مسلم وغيره من حديثه كما سأذكره قوله أقرأني جبريل على حرف في أول حديث النسائي عن أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها يخالف قراءتي الحديث ولمسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمر هما فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما قال فسقط في نفسي ولا إذا كنت في الجاهلية فضرب في صدري فقضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلى أن أقرأ القرآن على حرف الحديث وعند الطبري في هذا الحديث فوجد في نفسي وسوسة الشيطان حتى أحمر وجهي فضرب في صدري وقال اللهم اخسأ عنه الشيطان وعند الطبري من وجه آخر عن أبي أن ذلك وقع بينه وبين بن مسعود وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن قال أبي فقلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري الحديث وبين مسلم من وجه آخر عن أبي ليلى عن أبي المكان الذي نزل فيه ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاف بني غفار فأتاه جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف الحديث وبين الطبري من هذه الطريق أن السورة المذكورة سورة النحل قوله فراجعته في رواية مسلم عن أبي فرددت إليه أن هون على أمتي وفي رواية له أن أمتي لا تطيق ذلك ولابي داود من وجه آخر عن أبي فقال لي الملك الذي معه قل على حرفين حتى بلغت سبعة أحرف وفي رواية للنسائي من طريق أنس عن أبي بن كعب أن جريل وميكائيل أتياني فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل اسزوده ولاحمد من حديث أبي بكرة نحوه قوله فلم أزل
[ 20 ]
أستزيده ويزيدني في حديث أبي ثم أتاه الثانية فقال على حرفين ثم أتاه الثالثة فقال على ثلاثة أحرف ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا وفي رواية للطبري على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة وفي أخرى له من قرأ حرفا منها فهو كما قرأوفي رواية أبي داود ثم قال ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سمعيا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة بعذاب وللترمذي من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال يا جريل إن بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط الحديث وفي حديث أبي بكر عند أحمد كلها كاف شاف كقولك هلم وتعال ما لم تختم الحديث وهذه الاحاديث تقوي أنا المراد بالاحرف اللغات أو القراءات أي أنزل القرآن على سبع لغات أو قراءات والاحرف جمع حرف مثل فلس وأفلس فعلى الاول يكون المعنى على سبعة أوجه من اللغات لان أحد معاني الحرف في اللغة الوجه كقوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف وعلى الثاني يكون المراد من إطلاق الحرف على الكلمة مجازا لكونه بعضها الحديث الثاني (4706) قوله أن المسور بن مخرمة أي بن نوفل الزهري كذا رواه عقيل ويونس وشعيب وابن أخي الزهري عن الزهري واقتصر مالك عنه على عروة فلم يذكر المسور في إسناده واقتصر عبد الاعلى عن معمر عن الزهري فيما أخبره فيما أخرجه النسائي عن المسور بن مخرمة فلم يذكر عبد الرحمن وذكره عبد الرزاق عن معمر أخرجه الترمذي وأخرجه مسلم من طريقة لكن أحال به قال كرواية يونس وكأنه أخرجه من طريق بن وهب عن يونس فذكرهما وذكره المصنف في المحاربة عن الليث عن يونس تعليقا قوله وعبد الرحمن بن عبد هو بالتنوين غير مضاف لشئ قوله القاري بتشيد الياء التحتانية نسبة إلى القرة بطن من خزيمة بن مدركة والقارة لقب واسمه أثيع بالمثلثة مصغر بن مليح بالتصغير وآخره مهملة بن الهون بضم ا لهاء بن خزيمة وقيل بل القارة هو الديش بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها معجمة من ذرية أثيع المذكور وليس هو منسوبا إلى القراءة وكانوا قد حالفوا بني زهرة وسكنوا معهم بالمدينة بعد الاسلام وكان عبد الرحمن من كبار التابعين وقد ذكر في الصحابة لكونه أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير أخرج ذلك البغوي في مسند الصحابة بإسناد لا بأس به ومات سنة ثمان وثمانين في قول الاكثر وقيل سنة ثمانين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في أشخاص وله عنده حديث آخر عن عمر في الصيام قوله سمعت هشام بن حكيم أي بن حزام الاسدي له ولابيه صحبة وكان إسلامهما يكوم الفتح وكان لهشام فضل ومات قبل أبيه وليس له في البخاري رواية وأخرج له مسلم حديثا واحدا مرفوعا من رواية عروة عنه وهذا يدل على أنه تأخر إلى خلافة عثمان وعلي ووهم من زعم أنه استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر وأخرج بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري كان هشام بن حكيم بأمر بالمعروف فكان عمر يقول إذا بلغه الشئ أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك قوله يقرأ سورة الفرقان كذا للجميع وكذا في سائر طرق الحديث في المسانيد والجوامع وذكر بعض الشراح أنه وقع عند الخطيب في المبهمات سورة الاحزاب بدل الفرقان وهو غلط من النسخة التي وقف عليها فإن الذي في كتاب الخطيب الفرقان كما في رواية غيره قوله فكدت أساوره بالسين المهملة أي آخذ برأسه قاله الجرجاني وقال غيره أواثبه وهو
[ 21 ]
أشبه قال النابغة فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع أي واثبتني وفي بانت سعاد إذا يساور قرنا لا يحل له أن يترك القرن إلا وهو مخذول ووقع عند الكشميهني والقابسي في رواية شعيب الآتية بعد أبواب أثاوره بالمثلثة عوض المهملة قال عياض والمعروف الاول قلت لكن معناها أيضا صحيح ووقع في كرواية مالك أن أعجل عليه قوله فتصبرت في رواية مالك ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة لقوله في هذه الرواية حتى سلم قوله فلبيته برادائه بفتح اللام وموحدتين الاولى مشددة والثانية ساكنة أي جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني وكان عمر شديدا في الامر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشاما خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله قوله كذبت فيه إطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لان أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ قوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها هذا قاله عمر استدلالا على ما ذهب غليه من تخطئة هشام وإنما ساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الاسلام وسابقته بخلاف هشام فاته كان قريب العهد بالاسلام فخشي عمر من ذلك أن لا يكون أتقن القراءة بخلاف نفسه نفسه فإنه كان قد أتقن ما سمع وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده ولان هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه على ما نزل أخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للانكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الوقعة قوله فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لما لببه بردائه صار يجره به فلهذا صار قائدا له ولوا ذلك لكان يسوقه ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا وصلا إليه أرسله قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف هذا أورده النبي صلى الله عليه وسلم تعليما لعمر لئلا بكر تضويب الشيئين المختلفين وقد وقع عند الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل أمل تقرئني يا رسول الله قال بلى قال فوقع في صدر عمر شئ عرفه النبي صلى الله وسلم في وجهه قال فضرب في صدره وقال أبعد شيطانا قالها ثلاث ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذاب رحمة ومن طريق بن عمر سمع عمر رجلا يقرأ فذكره نحوه ولم يذكر نحوه ولم يذكر فوقع في صدر عمر لكن قال في آخر أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ووقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام منها لابي بن كعب مع بن مسعود في سورة النحل كما تقدم ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرة بن العاص عن عمرو أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمر إنما هي كذا وكذا فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه إسناده حسن ولاحمد أيضا وأبي عبيد الواطبري من حديث أبي جهم بن الصمة أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حيث عمر بن العاص وللطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت
[ 22 ]
قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إلى جنبه فقال على ليقرأ كل إنسان منكم كما علم فإنه حسن جميل ولابن حبان والحاكم من حديث بن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسم سروة من آل حم فرحت إلى المسد فقلت لرجل أقرأها فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرؤها فقال أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا تغير وجه وقال إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى على شيئا فقال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه وأصل هذا سيأتي في آخر حديث في كتاب فضائل القرآن وقد اختلف العلماء في المراد بالاحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولا وقال المنذري أكثرها غير مختار قوله فقرؤوا ما تيسر منه أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه التيسير على القارئ وهذا يقوي قول من قال المراد بالاحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة لان لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما نبه على ذلك بن عبد البر ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالاحرف السبعة وذهب أبو عبيد وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات وهو اختيار بن عطية وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن بن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجثم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلي تميم يعني بني دارم وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن بن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك قال لان الدار واحدة يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليم لغتهم وقال أبو حاتم السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتم الرباب والازد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر واستنكره بن قتيبة واحتج بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فعلى هذا فتكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الاهوازي وقال أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة مضر خاصة لقو عمر نزل القرآن بلغة مضر وعن بعضهم فيما حكاه بن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الالفاظ والاعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق المعنى وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلك كلا منهم قلت وتتمة ذلك أن يقال إن الاباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم لكن ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولم لم مسموعا له ومن ثم أنكر عمر على ابن مسعود قراءته عني حين أي حتى حين وكتب إليه إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل وكان ذلك قبل أن يجمع عثمان الناس على قراءة واحدة قال بن عبد البر بعد أن أخرجه من طريق أبي داود بسنده يحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار فيما أنزل قال أبو شامة ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولها نزل بلسان قريش أن ذلك كان أوله نزوله ثم أن الله تعالى سهله على الناس فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين فأما من أراد قراءته
[ 23 ]
من غير العرب فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش لانه الاولى وعلى هذا يحمل ما كتب به عمر إلى بن مسعود لان جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير فإذا لابد من واحدة فلتكن بلغة النبي صلى الله عليه وسلم وأما العربي المجبول على لغته على لغته فلو كلف قراءته بلغة قريش لعثر عليه التحول مع إباحة الله له أن يقرأه بلغته ويشير إلى هذا قوله في حديث أبي كما تقدم هون على أميت وقوله أن أمتي لا تطيق ذلك وكأنه انتهى عند السبع لعلمه أنه لا تحتاج لفظة من ألفاظه إلى أكثر من ذلك العدد غالبا وليس المراد كما تقدم أن كل لفظة منه تقرأ على سبعة أوجه قال بن عبد البر وهذا مجمع عليه بل هو غير ممكن بلا لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا الشئ القليل مثل عبد الطاغوت وقد أنكر بن قتيبة أن يكون في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه ورد عليه بن الانباري يمثل عبد الطاغوت ولا تقل لهما أف وجبريل ويدل على ما قرره أنه أنزل أولا بلسان قريش ثم سهل على الامة أن يقرءوه بغير لسان قريش وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الاسلام فقد ثبت أن ورده التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما تقدم في حديث أبي بن كعب أن جبريل لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بني غفار فقال إن الله أخرجه مسلم وأذاة بني غفار هي بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخره تاء ثأنيث هو مستنقع الماء كالغدير وجمعه أضاكعصا وقيل بالمد والهمزة مثل إناء وهو مضوع بالمدينة النبيوبة ينسب إلى بني غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء لانهم نزلوا عنده وحاصل ما ذهب إليه هؤلاء أن معنى قوله أنزل القرآن على سبعة أحرف أي أنزل موسعا على القرئ أن يقرأه على سبعة أوجه أي يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه كأنه قال أنزل على هذا الشرط أو على هذه التوسعة وذلك لتسهيل قراءته إذ لو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم كما تقدم قال بن قتيبة في أول تفسير المشكل له كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم فالهذلي يقرأ عني حين يريد حتى حين والاسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز قال ولو أراد كل فريق منهم أن يزول عن لغته وما جرى عليه لسانه طفلا وناشئا وكهلا لشق عليه غاية المشقة فيسر عليهم ذلك بمنه ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه لقال مثلا أنزل سبعة أحرف وإنما المراد أن يأتي في الكلمة وجه أو وجهان أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة وقال بن عبد البر أنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى الاحرف اللغات لما تقدم من اختلاف هشام وعمر ولغتهما واحدة قالوا وإنما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالالفاظ المختلفة نحو أقبل ونعال وهلم ثم ساق الاحاديث الماضية الدالة على ذلك قلت ويمك الجمع بن القولين بأن يكون المراد بالاحرف تغيار الالفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى وهي ما نبه عليه أبو عمرو الداني أن الاحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن لكها ولا موجودة فيه في ختمة واحدة ف إذا قرأ القارئ برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الاحرف السبعة لا بكلها وهذا إنما يتأتى على القول بأن المراد بالاحرف اللغات وأما وقل من يقول بالقول الآخر فيتأتى ذلك في ختمة واحدة لا ريب بل يمكن على ذل القول أن تحصل الاوجه السبعة في بعض القرآن كما تقدم وقد حمل بن قتيبة وغيره العدد المذكور على الوجوه التي يقع بها التغير في سبعة أشياء الاول ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل ولا يضار كاتب ولا شهيد بنصب الراء ورفعها الثاني ما يتغير بتغير الفعل مثل بعد بين أسفارنا بصيغة الطلب والفعل الماضي الثالث ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشرها بالراء والزاي الرابع ما يتغير بإبدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل طلح منظود في قراءة على وطلع منضود الخامس ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاء سكرة الموت بالحق في قراءة أبي بكر الصديق وطلحة بن مصرف وزين العابدين وجاءت سكرة الحق بالموت السادس ما يتغير بزيادة أو نقصان كما تقدم في التفسير عن بن مسعود وأبي الدرداء والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى هذا في النقصان وأما في الزيادة فكما تقدم في تفسير تبت يدا أبي لهب في حديث بن
[ 24 ]
عباس وأنذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين السابع ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل العهن المنفوش في قراءة بن مسعود وسعدي بن جبير الكصوف المنفوش وهذا وجه حسن لكن استبعده قاسم بن ثابت في الدلائل لكون الرخصة في القراءات إنما وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها قال وأما ما وجد من الحروف المتباينة المخرج المتفقه الصورة مثل ننشرها وننشزها فإن السبب في ذلك تقارب معانيها واتفق تشابه صورتها في الخط قلت ولا يلزم من ذلك توهين ما ذهب غليه بن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وإما اطلع عليه بالاستقراء وفي ذلك من الحكمة البالغة ما لا يخفى وقال أبو الفضل الرازي الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف الاول اختلاف الاسماء من إفراد وتثنية وجمع أو تذكير وتأنيث الثاين اختلفا تصريف الافعال ما ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الاعراب الرابع النقص والزيادة الخامس التقديم والتأخير السادس الابدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والامالة والترقيق والتفخيم والادغام والاظهار ونحو ذلك قلت وقد أخذ كلام بن قتيبة ونقحه وذهب قوم إلى أن السبعة الاحرف سبعة أصناف من الكلام واحتجوا بحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الاول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا أخرجه أبو عبيد وغيره قال بن عبد البر هذا حديث لا يثبت لانه من روايات أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود ولم يلق بن مسعود وقد رده قوم من أهل النظر منهم أبو جعفر أحمد بن أبي عمران قلت وأطنب الطبري في مقدمة تفسيره في الرد على من قال به وحاصله أن يستحيل أن يجتمع في الحرف الواحد هذا الاوجه السبعة وقد صح الحديث المذكور بن حبان والحاكم وفي تصحيحه نظر لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود وقد أخرجه البيهقي من وجده آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرلا وقال هذا مرسل جيد ثم قال إن صح فمعنى قوله في هذا الحديث سبعة أحرف أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث وليس المراد الاحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الاحاديث الآخرى لان سياق تلك الاحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة الواحدة تقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة غلى سبعة تهوينا وتيسيرا والشئ الواحد لا يكون حراما وحلالا في حالة واحدة وقال أبو علي الاهوازي وأبو العلاء الهمداني قوله زاجر وآمر استذاف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الاحرف السبعة وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه زاجرا وآمرا لاخ بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الابواب السبعة وقال أبو شامة يحتلم أن يكون التفسير المذكور للابواب لا للاحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأن الله على هذه الاصناف لم يتقصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب قلت وما يوضح أن قوله زاجر وآمر الخ ليس تفسيرا للاحرف السبعة ما وقع في مسلم من طريق يونس عن بن شهاب عقب حديث بن عباس الاول من حديثي هذا الباب قال بن شهاب بلغني أن تلك الاحرف السبعة إنما هي في الامر الذي يكون وادا لا يختلف في حلال ولا حرام قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال بن الباقلاني إلى الاول وصحر الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج بن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال سألت بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الاحرف السبعة قال لا وإنما الاحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي بن وهب مثله والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه الاحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجري من تحتها الانهار في آخر براءة وفي غره بحذف من وكذا ما وقع من اختلفا مصاحف الامصار من عدة واوت
[ 25 ]
ثابتة في بعضها دون بعض وعدة ها آت وعدة لا مات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالامرين معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين أو أعلم بذلك شخصا واحدا وأمره بإثباتهما على الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به تسوعة على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي قال الطبري وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لان أمرهم بالقراءة على الاوجه المذكورة لم يكن على سبيل الايجاب بل على سبل الرخصة قلت ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه وقد قرر الطبري ذللا تقرير أطنب فيه ووهي من قال بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية وقال أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه ما وافق رسم المصحف فأما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت إن صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها ما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الامر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخة في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمروفع كسائر ما نسخ ووقع فليس لاحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم وقال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهي خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل وقال بن عمار أيضا لقد فعل مسبع هذه السبعة مالا ينبغي له وأشكل الامر على العامة بإبهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشجة ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل إمام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي أشهر وأصر وظهر وربما بالغ م لا يفهم فخطأ أو كفر وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة الجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والاعمش ونحوهم فإن هؤلاء مثلهم أو فقوهم وكذا قال غير واحد منهم مكي بن أبي طالب وأبو العلاء الهمداني وغيرهم ن أئمة القراء وقال أبو حيان ليس في كتاب بن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشرة راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب بن مجاهد على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس فكيف يقتصر على السوسي والدوري وليس لهما مزية على غيرهما لان الجميع مشتركون في الضبط والتقان والاشتراك في الاخذ قال ولا أعرف لهذا سببا إلا ما قضى من نقص العلم فاقتصر هؤلاء على السبعة ثم اقتصر من بعدهم من السبعة على النزر اليسير وقال أبو شامة لم يرد بن مجاهد ما نسب إليه بل أخطأ من نسب إليه ذلك وقد بالغ أبو طاهر بن أبي هاشم صاحبه في الرد على من نسب إليه أن مراده بالقراءات السبع الاحرف السبعة المذكورة في الحديث قال بن أبي هشام أن السبب ي اختلفا القارآت السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوه ما يخالف الخط امتثالا لامر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الامصار مع كونهم متمسكين بحرف واحد من السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة ثبت عن الائمة غيرهم ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآنا وهذا غلط عظمي فإن الذين صنفوا القراءات من الائمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم
[ 26 ]
بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء قلت اقتصر أبو عبدية في كتابه على خمس عشر رجلا من كل مصر ثلاثة أنفس فذكر من مكة بن كثير وابن محيصن وحمدا الاعرج ومن أهل المدينة أبا جعفر وشيبة ونافعا ومن أهل البصرة أبا عمرو وعيسى بن عمرو وعبد الله بنأبي إسحاق ومن أهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصما والاعمش ومن أهل الشام عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث قال وذهب عني اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا الكسائي بل قال إن جمهور أهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا إلى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه جماعتهم قال وأما الكسائي فكان يتخير القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضا وترك بعضا وقال بعد أن ساق أسماء من نقلت عنه القراءة من الصحابة والتابعين فهؤلاء هم الذي يحكى عنهم عظم القراءة وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث قال ثم قالم بعدهم بالقراءات قوم ليست لهم أسنانهم ولا تقدمهم غيره أنهم تجردوا للقراءة واشتدت عنايتهم بها وطلبهم لها حتى صاروا بذلك أئمة يقتدى الناس بهم فيها فذكرهم وذكر أبو حاتم زايدة على عشرين رجلا ولم يذكر فيهم بن عامر ولا حمزة ولا الكسائي وذكر الطبري في كتابه اثنين وعشرين رجلا قال مكي وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة بن عاصم وبمكة على قراءة بن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك لما كان على رأس الثلاثمائة أثبت بن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب قال والسبب في الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا وملهم أكثر من عددهم أن الرواة عن الائمة كانوا كثيرا جدا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والامانة وطول العمر في ملارمة القراءة والاتفاق على الاخذ عنه فانفردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الائمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبي جعفر وشيبة وغيرهم قال وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي أبو عبيد وأبو حاتم والمفضل وأبو جعفر الطبري وغرهم وذلك واضح في تصانيفهم في ذلك وقد صنف بن جبير المكي وكان قبل بن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وإنما اقتصر على لك لان المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الامصار ويقال إنه وجه بسبعه هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا وأراد بن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد فصادف ذلك موافقة المدد الذي ورد الخبر بها وهو أن القرن أنزل على سبعة أحرف فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة ولم يكن له قطنة فظن أن المراد بالقراءات أنزل على سبعة أحرف وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع بحرف بن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الامر كما ظنه والاصل المعتمد عليه عند الائمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ويوافق خط المصحف وربما زاد بعضهم الاتفاق عليه نعنى بالانفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراء المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأمسح القراءات سندا نافع وعاصم وأفصحها وعاصم قال وربما أرادوا الاتفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراءة المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفاق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأمسح القراءات سندا نافع وعاصم وأفحصها أبو عمرو والكسائي وقال بن السمعاني في الشافي التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر رأيهم أنه لا يجوز الزيادة على ذلك قال وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر لا شيئا كثيرا من الروايات عنهم غير ما في كتابه فلم يقل أحد إنه لا تجمز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف عنه وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الاغنياء أن أحرف الائمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وأن الائمة بعد بن مجاهد القراءة حروفا وجرد طريقا في القراءة
[ 27 ]
بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجا عن الاحرف السبعة وقال الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الامام فهو من السبعة المنصوصة فعلى هذا الاصل بني قبول القراءات عن سعب كانوا أو سبعة الألف ومتى فقد شرط من الثالثة فهو الشاذ قلت وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الاعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان وآخر من صحر بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين الاول ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه ليس بقرآن والثاني مالا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين أيضا الاول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالاول والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا فهذا لاوجه للمنع منه كقراءة يعقوب وأبي جعفر وغيرهما ثم نقل كلام البغوي وقال هو أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه فقيه محدث مقرئ ثم قال وهذا التفصيل بعيثه وأرد في الروايات عن السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا من الشواذ وهو الذي لم يأت إلا من طريق غربية وإن اشتهرت القراءة من ذلك المنفرد وكذا قال أبو شامة ونحن وان قلنا إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقات فلا يلزم أن جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة بل فيه الضعيف لخروجه عن الاركان الثلاثة ولهذا ترى كتب المصنفين مختلفه في ذلك فالاعتماد في غير ذلك عي الضبط المتفق عليه فصل لم أقف في شئ من طرق حديث عمر على تعيين الاحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد زعم بعضهم فيما حكاه بن التين أنه ليس عن هذه السورة عند القراء خلاف فيما ينقص من خط المصحف سوى قوله وجعل فيها سرابا وقرئ سرجا جمع سراج قال وباقى ما فيها من الخلاف لا يخالف خط المصنف قلت وقد تتبع أبو عمر بن عبد البر ما اختف فيه القراء من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فأوردته ملخصا وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك وفيه تعقب على ما حكاه بن التين في سعة مواضع أو أكثر قوله تبارك الذي نزل الفرقان قرأ أبو الجوزاء وأبو السوار أنزل بألف قوله على عبده قرأ عبد الله بن الزبير وعاصم الجحدري على عباده ومعاذ أبوحلمية وأبو نهيك على عبيد قوله وقالوا أساطير الاولين اكتتبها قرأ طلحة بن مصرف ورويت عن إبراهيم النخعي بضم المثناة الاولى وكسر الثانية مبنيا للمفعول وإذا ابتدأ ضم أوله قوله ملك فيكون قرأ عاصم الجحدري وأبو المتوكل ويحيى بن يعمر فيكون بضم النون قوله أو تكون له جنة قرأ الاعمش وأبو حصين يكون بالتحتانية قوله يأكل منها قرأ الكوفيون سوى عاصم نأكل بالنون ونقله في الكامل عن القاسم وابن سعد وابن مقسم قوله ويجعل لك قصورا قرأ بن كثير وابن عامر وحميد وتابعهم أبو بكر وشيبان عن عاصم وكذا محبوب عن أبي عمرو وورش يجعل برفع اللام والباقون بالجزم عطفا على محل جعل وقيل لادغامها وهذا يجري على طريقة أبي عمرو بن العلاء وقرأ بنصب اللام عمر بن ذر وابن أبي عجلة وطلحة بن سليمان وعبد الله بن موسى وذكرها الفراء جوازا على إضمار أن ولم ينقلها وضعفها بن جني قوله مكانا ضيقا قرأ بن كثير والاعمش وعلى بن نصر ومسلمة بن محارب بالتخفيف ونقلها عقبة بن ياسر عن أبي عمر أيضا وقله مقرنين قرأ عاصم الجحدري ومحمد بن السميفع مقرنون قوله ثبورا قرأ المذكوران بفتح المثلثة قوله ويم نحشرهم قرأ لابن كثير وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب والاعرج والجحدري وكذا الحسن وقتادة والاعمش على اختلاف عنهم بالتحتانية وقرأ الاعرج بكسر الشين قال بن جني وهي قوية في القايس متروكة في الاستعمال قوله وما يعبدون من دون الله قرأ ابن مسعود وأبو نهيك وعمر بن ذر وما يعبدون من دوننا قوله فيقول قرأ بن عامر وطلح بن مصرف وسلام وابن حسان وطلحة بن سليمان وعيسى بن عمر زكذا الحسن وقتادة على اختلاف عنهما ورويت عن عبد الوارث عرابى عمرو بالنون قوله ما كان ينبغي قرأ أبو عيسى الاسوارى وعاصم الجحدري
[ 28 ]
بضم الياء وفتح الغين قوله أن نتخذ قرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت والباقر وأخوه زيد وجعفر الصادق ونصر بن عقمة ومكحول وشيب وحفص بن حميد وأبو جعفر القارئ وأبو حاتم السجستاني والزعفراني وروى عن مجاهد وأبو رجاء والحسن بعضم أوله وفتح الخاء للفعول وأنكرها ألو عبيد وزعم الفراء أن أبا جعفر تفرد بها قوله فقد كذبوكم حكى القرطبي أنها قرئت بالتخفيف قوله بما تقولون قرأ بن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير والاعمش وحميد بن قيس وابن جريج وعمر بن ذر وأبوحوة ورويت عن قنبل بالتحتانية قوله فما يستطيعون قرأ حفص في الاكثر عنه عاصم بالفوقانية وكذا الاعمش وطلحة بن مصرف وأبو حيوة قوله ومن يظلم منكم نذقه قرئ يذقه بالتحتانية قوله إلا إنهم قرئ أنهم بفتح الهمزة والاصل لانهم فحذفت اللام نقل هذا والذي قبله من اعراب السمين قوله ويمشون قرأ على وابن مسعود وابنه عبد الرحمن وأبو عبد الرحمن السلمي بفتح الميم وتشدي الشين مبنيا للفاعل وللمفعول أيضا قوله حجرا محجورا قرأ الحسن والضحاك وقتادة وأبو رجاء والاعمش حجرا بضم أوله وهي لغة وحكى أبو البقاء الفتح عن بعض المصريين ولم أر من نقلها قراءة قوله ويوم تشقق قرأ الكوفيون وأبو عمرو والحسن في المشهور عنهما وعمرو بن ميمون ونعيم بن ميسرة بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ووافقهم عبد الوارث ومعاذ عن أبي عمرو وكذا محبوب وكذا الحمصي من الشاميين في نقل الهذلي قوله ونزل الملائكة قرأ الاكثر بضم النون وتشديد الزاي وفتح اللام الملائكة بالرفع وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو ورويت عن معاذ أبي حليمة بتخفيف الرأي وضم اللام والاصل تنزل الملائكة فحذفت تخفيفا وقرأ أبو رجاء ويحيى بن يعمر وعمر بن ذر ورويت عن بن مسعود ونقلها بن مقسم عن المكي واختارها الهذلي بفتح النون وتشديد الزاي وفتح اللام على البناء للفاعل الملائكة بالنصب وقرئ بالتشديد عن بن كثير أيضا وقرأ هارون عن أبي عمرو بمثناة أوله وفتح النون وكسر الزاي الثقيلة الملائكة بالرفع أي تنزل ما أمرت به وروى عن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي وقرأ أبو السمال وأبو الاشهب كالمشهور عن بن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي وقرأ أبو السمال وأبو الاشهب عن بن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب نزلت بفتح وتخفيف وزيادة مثناة في آخره وعنه مثله لكن بضم أوله مشددا وعنه تنزلت بمثناة في أوله وفي آخره بوزن تفعلت قوله يا ليتني اتخذت قرأ أبو عمرو بفتح الياء الاخيرة من ليتني قوله يا ويلتي قرأ الحسن بكسر المثناة بالاضافة ومنهم من أمال قوله إن قومي اتخذوا قرأ أبو عمرو وروح وأهل مكة إلا رواية بن مجاهد عن قنبل بفتح الياء من قويم قوله لنئبت قرأ بن مسعود بالتحتانية بدل النون وكذا روى عن حميد بن قيس وأبي حصين وأبي عمران الجوني قوله فدمرناهم قرأ علي ومسلمة بن محارب فدمرانهم بكسر الميم وفتح الراء وكسر النون الثقيلة بينهما ألف تثنية وعن علي بغير نون والخطاب لموسى وهارن قوله وعادا وثمود قرأ حمزة ويعقوب وحفص وثمود بغير صرف قوله أمطرت قرأ معاذ أبو حليمة وزيد بن علي وأبو نهيك مطرت بضم أوله وكسر الطاء مبنيا للمفعول وقرأ بن مسعود أمطروا وعنه أمطرناهم قوله مطر السوء قرأ أبو السمال وأبو العالية وعاصم الجحدري بضم السين وأبو السمال أيضا مثله بغير همز وقرأ على وحفيده زين العابدين وجعفر بن محمد بن زين العابدين بفتح السين وتشديد الواو بلا همز وكذا قرأ الضحاك لكن بالتخفيف قوله خزوا قرأ حمزة وإسماعيل بن جعفر والمفضل بإسكان الزاي وحفص بالضم بغير همز قوله أهذا الذي بعث الله قرأ بن مسعود وأبي بن كعب اختاره الله من بيننا قوله عن آلهتنا قرأ بن مسعود أبي عن عبادة آلهتنا قوله أرأيت من اتخذ إليه قرأ بن مسعود بمد الهمزة وكسر اللام والتنوين بصيغة الجمع وقرأ الاعرج بكسر أوله وفتح اللام بعد ألف وهاء تأنيث وهو اسم الشمس وعنه بضم أوله أيضا قوله أم تحسب قرأ الشامي بفتح السين قوله أو يعقلون قرأ بن مسعود أو يبصرون قوله وهو الذي أرسل قرأ بن مسعود جعل قوله الرياح قرأ بن كثير وابن محيصن والحسن الريح قوله نشرا قرأ بن عامر وقتادة وأبو
[ 29 ]
رجاء وعمرو بن بن ميمون بسكون الشين وتابعهم هارون الاعور وخارجة بن مصعب كلاهما عن أبي عمرو وقرأ الكوفيون سوى عاصم وطائفة بفتح أوله ثم سكون وكذا قرأ الحسن وجعفر بن محمد والعلاء بن شبابة وقرأ عاصم بموحدة بدل النون وتابعه عيسى الهمداني وأبان بن ثعلب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي في رواية وابن السميفع بضم الموحدة مقصور بوزن حبلى قوله لنحي به قرأ بن مسعود لننشر به قوله ميتا قرأ أبو جعفر بالتشديد قوله ونسقيه قرأ أبو عمرو وأبو حيوة وابن أبي عبلة بفتح النون وهي رواية عن أبي عمرو وعاصم والاعمش وقله وأناسي قرأ يحيى بن الحراث بتخفيف آخره وهي رواية عن الكسائي وعن أبي بكر بن عياش وعن قتيبة المايل وذكرها الفراء جوازا لا نقلا قوله ولقد صرفناه قرأ عكرمة بتخفيف الراء وقله ليذكروا قرأ الكوفيون سوى عاصم بسكون الدال مخففا قوله وهذا ملح قرأ أبو حصين وأبو الجوزاء وأبو المتوكل وأبو حيوة وعمر بن ذر ونقلها الهذلي عن طلحة بن مصرف ورويت عن الكسائي وقتيبة الميال بفتح الميم وكسر اللام واستنكرها أبو حاتم السجستاني وقال بن جني يجوز أن يكون أراد مالح فحذف الالف تخفيفا قال مع أن مالح ليست فصيحة قوله وحجرا تقدم قوله الرحمن فاسأل به قرأ زيد بن علي بجر النون نعتا للحي وابن معدان بالنصب قال علي المدح قوله فاسأل به قرأ الميمون والكسائي وخلف وأبان بن يزيد وإسماعيل بن جعفر ورويت عن أبي عمرو وعن نافع فسل به بغير همز قوله لما تأمرنا قرأ الكوفيون بالتحتانية لكن اختلف عن حفص وقرأ بن مسعود لما تأمرنا به قوله سراجا قرأ الكوفيون سوى عاصم سراجا بضمتين لكن سكن الراء الاعمش ويحيى بن وثاب وأبان بن ثعلب والشيرازي قوله وقمز قرأ الاعمش وأبو حصين والحسن ورويت عن عاصم بضم القاف وسكون الميم وعن الاعمش أيضا فتح أوله قوله أن يذكر قرأ حمزة بالتخفيف وأبي بن كعب يتذكر ورويت عن علي وابن مسعود وقرأها أيضا إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب والاعمش وطلحة بن مصرف وعيسى الهمداني والباقر وأبوه وعبد الله بن إدريس ونعيم بن ميسرة قوله وعباد الرحمن قرأ أبي بن كعب بضم العين وتشديد الموحدة والحسن بضمتين بغير ألف وأبو المتوكل وأبو نهيك وأبو الجوزاء بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة قوله يمشون قرأ علي ومعاذ القارئ وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو المتوكل وأبو نهيك وابن السميفع بالتشديد مبنيا للفاعل وعاصم الجحدري وعيسى بن عمر مبنيا للمفعول قوله سجدا قرأ إبراهيم النخعي سجودا قوله ومقاما قرأ أبو زيد بفتح الميم قوله ولم يقتروا قرأ بن عامر والمدنيون وهي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي وعن الحسن وأبي رجاء ونعيم بن ميسرة والمفضل والازرق والجعفي وهي رواية عن أبي بكر بضم أوله من الرباعي وأنكرها أبو حاتم وقرأ الكوفيون إلا من تقدم منهم وأبو عمرو في رواية بفتح أوله وضم التاء وقرأ عاصم الجحدري وأبو حيوة عيسى بن عمر وهي رواية عن أبي عمرو أيضا بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء والباقون بفتح أوله وكسر التاء قوله قواما قرأ حسان بن عبد الرحمن صاح عائشة بكسر القاف وأبو حصين وعيس بن عمر بتشديد الواو مع فتح القاف قوله يلق أثاما قرأ بن مسعود وأبو رجاء يلقى بإشباع القاف وقرأ عمر بن ذر بضم أوله وفتح اللام وتشديد القاف بغير إشابع قوله يضاعف قرأ أبو بكر عن عاصم برفع الفاء وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وشيبة ويعقوب يضعف بالتشديد وقرأ طلحة بن سليمان بالنون العذاب بالنصب قوله ويخلد قرأ ابن عامر والاعمش وأبو بكر عن عاصم بالرفع وقرأ أبو حيوة بضم أرسله وفتح الخاء وتشديد اللام ورويت عن الجعفي عن شعبة ورويت عن أبي عمرو لكن بتخفيف اللام وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ القارئ وابن المتولك وأبو نهيك وعاصم الجحدري بالمثناة مع الجزم على الخطاب قوله فيه مهانا قرأ بن كثير بإشابع الهاء من فيه حيث جاء وتابعه حفص عن عاصم هنا فقط قوله وذريتنا قرأ أبو عمرو والكوفيون سوى رواية عن عاصم بالافراد والباقون بالجمع قوله قرة أعين قرأ أبو الدرداء وابن مسعود وأبو هريرة وأبو المتولك وأبو نهيك وحميد بن قيس وعمر بن ذر قرأت بصيغة الجمع قوله يجزون الغرفة قرأ بن مسعود يجزون الجنة قوله ويلقون فيها قرأ الكوفيون سوى حفص وابن معدان بفتح أوله وسكون اللام وكذا قرأ النميري عن المفضل قوله فقد كذبتم قرأ بن عباس وابن مسعود وابن الزبير فقد كذب الكافرون وحكى الواقدي عن بعضهم تخفيف الذال قوله فسوف يكون قرأ أبو السمال وأبو المتوكل وعيسى بن عمر وأبان بن تغلب بالفوقانية قوله لزاما
[ 30 ]
قرأ أبو السمال بفتح اللام أسنده أبو حاتم السجستاني عن أبي زيد عنه ونقلها الهذلي عن أبان كبن تغلب قال أبو عمر بن عبد البر بعد أن أورد بعض ما أوردته هذا ما في سورة الفرقاني من الحروف التي بأيدي أهل العلم بالقرآن والله أعلم بما أنكر منها عمر على هشام وما قرأ به عمر فقد أن يكون هنالك حروف كأخرى لم تصل إلى وليس كل من قرأ بشئ نقل ذلك عنه ولكن إن فات من ذلك شئ فهو النزر اليسير كذا قال والذي ذكرناه يزيد على ما ذكره مثله أو أكثر ولكنا لا نتقلد عهدة ذلك ومع ذلك فنقول يحتلم أن تكون بقيت أشياء لم يطلع عليها على أني ذكرت أشياء مما يتعلق بصفة الاداء من الهمز والمد والروم والاشمام ونحو ذلك ثم بعد كتابتي هذا وإسماعه وقف على الكتاب الكبير المسمى بالجامع الاكبر والبحر الازخر تأليف شيخ شيوخنا أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي الذي ذكر أنه جمع فيه سبعة الألف رواية من طريق غير مالا يليق وهو في نحو ثلاثين مجلدة فالتقطت منه ما لم يتقدم ذكره من الاختلاف فقارب قدر ما كنت ذكرته أولا وقد أوردته على ترتيب السورة قوله ليكون للعالمين نذيرا قرأ أدهم السدوسي بالمثناة فوق قوله واتخذوا من دونه آلهة قرأ سعيد بن يوسف بكسر الهمزة وفتح اللام بعدها ألف قوله ويمشي قرأ العلاء بن شبابة وموسى بن إسحاق بضم أوله وفتح الميم وتشديد الشين المفتوحة ونقل عن الحجاج بضم أوله وسكون الميم وبالسين المهملة المكسورة وقالوا هو تصحيف قوله إن تتبعون قرأ بن أنعم بتحتانية أوله وكذا محمد بن جعفر بتفح المثناة الاولى وسكون الثانية قوله فلا يستطيعون قرأ زهير بن أحمد بمثناة من فوق قوله جنة يأكل منها قرأ سالم بن عامر جنات بصيغة الجمع قوله مكانا ضيقا مقرنين قرأ عبد الله بن سلام مقرنين بالتخفيف وقرأ سهل مقرنون بالتخفيف مع الواو قوله أم جنة الخلد قرأ أبو هشام أم جنات بصيغة الجمع قوله عبادي هؤلاء قرأها الوليد بن مسلم بتحريك الياء قوله نسوا الذكر قرأ أبو مالك بضم النون وتشديد السين قوله فما يستطيعون سرفا قرأ بن مسعود فما يستطيعون لكم وأبي بن كعب فما يستطيعون لك حكى ذلك أحمد بن يحيى بن مالك عن عبد الوهاب عن هارون الاعور وروى عن بن الاصبهاني عن أبي بكر بن عياش وعن يوسف بن سعيد عن خلف بن تميم عن زائدة كلاهما عن الاعمش بزيادة لكم أيضا قوله ومن يظلم منكم قرأ يحيى بن واضح ومن يكذب بدل يظلم ووزنها وقرأها أيضا هارون الاعور يكذب بالتشديد قوله عذابا كبيرا قرأ شعيب عن أبي حمزة بالمثلثة بدل الموحدة قوله لولا أنزل قرأ جعفر بن محمد بفتح الهمزة والزاي ونصب الملائكة قوله عتوا كبيرا قرئ عتيا بتحتانية بدل الواو وقرأ أبو إسحاق الكوفي كثيرا بالمثلثة بدل الموحدة قوله يوم يرون الملائكة قرأ عبد الرحمن بن عبد الله ترون بالمثناة من فوق قوله ويقولون قرأ هشيم عن يونس وتقولون بالمثناة من فوق أيضا قوله وقدمنا قرأ سعيد بن إسماعيل بفتح الدال قوله إلى ما عملوا من عمل قرأ الوكيعي من عمل صالح بزيادة صالح قوله هباء قرأ محارب بضم الهاء مع المد وقرأ نصر بن يوسف بالضم والقصر والتنوين وقرأ بن دينار كذلك لكن بفتح الهاء وقله مستقرا قرأ طلحة بن موسى بكسر القاف قوله ويوم تشقق قرأ أبو ضمام ويوم بالرفع والتنوين وأبو جرة بالرفع بلا تنوين وقرأ عصمة عن الاعمش يوم يرون السماء تشقق بحذف الواو وزيادة يرون قوله الملك يومئذ قرأ سليمان بن إبراهيم الملك بفتح الميم وكسر اللام قوله الحق قرأ أبو جعفر بن يزيد بنصب الحق قوله يا ليتني اتخذت قرأ عامر بن نصير تخذت قوله وقالوا لولا نزل عليه القرآن قرأ المعلى عن الجحدري بفتح النون والزي مخففا وقرأ زيد بن علي وعبدي الله بن خليد كذلك لكن مثقال قوله وقوم نوح قرأها الحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه بالرفع قوله وجعلناهم للناس آية قرأ حامد الرامهرمزي آيات بالجمع قوله ولقد أتوا على القرية قرأ سورة بن إبراهيم القريات بالجمع وقرأ بهرام القرية بالتصغير مثقلا قوله أفلم يكونوا يرونها قرأ أبو حمزة عن شعبة بالمثناة من فوق فيهما قوله وسوف يعلمون حين يرون قرأ عثمان بن المبارك بالمثناة من فوق فيهما قوله أم تحسب قرأ حمزة بن حمزة بضم التحتانية وفتح السين المهملة قوله سباتا قرأ يوسف بن أحمد بكسر المهملة أوله وقال معناه الراحة قوله جهادا كبيرا قرأ محمد بن الحنفية بالمثلثة قوله
[ 31 ]
مرج البحرين قرأ ابن عرفة مرج بتشديد الراء قوله هذا عذب قرأ الحسن بن محمد بن أبي سعدان بكسر الذال المعجمة قوله فجعله نسبا قرأ الحجاج بن يوسف سببا بمهلمة ثم موحدتين قوله أنسجد قرأ أبو المتوكل بالتاء المثناة من فوق قوله وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة قرأ الحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه خلفه بتفح الخاء وبالهاء ضمير يعود على الليل قوله على الارض هونا قرأ ابن السميفع بضم الهاء قوله قالوا سلاما قرأ حمزة بن عروة سلما بكسر السين وسكون اللام قوله بين ذلك قرأ جعفر بن إلياس بضم النون وقال هو اسم كان وقله لا يدعون قرأ جعفر بن محمد بتشديد الدال قوله ولا يقتلون قرأ ابن جامع بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء المكسورة وقرأها معاذ كذلك لكن بألف قبل المثناة قوله أثاما قرأ عبد الله بن صالح العجلي عن حمزة إثما بكسر أوله وسكون ثانية بغير ألف قبل الميم ورورى عن بن مسعود بصيغة الجمع آثاما وقله يبدل الله قرأ عبد الحميد عن أبي بكر وابن أبي عبلة وأبان وابن مجالد عن عاصم وأبو عمارة والبرهمي عن الاعمش بسكون الموحدة قوله لا يشهدون الزور قرأ أبو المظفر بنون بدل الراء قوله ذكروا بآيات ربهم قرأتميم بن زياد بفتح الذال والكاف قوله بآيات ربهم قرأ سليمان بن يزيد بآية بالافراد قوله قرة أعين قرأ معروف بن حكيم وقرة عين بالافراد وكذا أبو صالح من رواية الكلبي عنه لكن قال قرأت عين قوله واجعلنا للمتقين قرأ جعفر بن محمد واجعل لنا من المتقين إماما قوله يجزون قرأ أبي في رواية يجازون قوله الغرفة قرأ أبو حامد الغرفات قوله تحية قرأ بن عمير تحيات بالجمع قوله وسلاما قرأ الحارث وسلما في الموضعين قوله مسترا ومقاما قرأ عمير بن عمران ومقاما بفتح الميم قوله فقد كذبتم قرأ عبد ربه بن سعيد بتخفيف الذال فهذه ستة وخمسون موضعا ليس فيها من المشهور شئ فليضف إلى ما ذكرته أولا فتكون جملتها نحوا من مائة وثلاثين موضعا والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم فاقرءوا ما تيسر منه على جواز القراءة بكل ما ثبت من القرآن بالشروط المتقدمة وهي شروط لابد من اعتبارها فمتى اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة وقد قرر ذلك أبو شامة في الوجيز تقريرا بليغا وقال لا يقطع بالقراءة بأنها منزلة من عند الله إلا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الامام الذي قام بإمامة المصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك قال أما إذا اختلفت الطرق عنه فلا فلو اشتملت الآية الا حدة على قراءات مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت القراءة بها بشرط أن لا يختل المعنى ولا يتغير الاعراب وذكر أبو شامة في الوجيز أن فتوى وردت من العجم لدمشق سألوا عن قارئ يقرأ عشرا من القرآن فيخلط القراءات فأجاب بن الحاجب وابن الصلاح وغير واحد من أئمة ذلك العصر بالجواز بالشروط التي ذكرناها كمن يقرأ مثلا فتلقى آدم من ربه كلمات فلا يقرألابن كثير بنصب آدم ولابي عمرو بنصب كلمات وكمن يقرأ نغفر لكم بالنون خطاياتكم بالرفع قال أبو شامة لا شك في منع مثل هذا وما عداه فجائز والله أعلم وقد شاع في زماننا من طائفة من القراء إنكار ذلك حتى صرح بعضهم بتحريمه فظن كثير من الفقهاء أن لهم في ذلك معتمدا فتابعوهم وقال أهل كل فن أدري بفنهم وهذا ذهول ممن قاله فإن علم الحلال والحرام إنما يتلقى من الفقهاء والذي منع ذلك من القراء إنما هو محمول على ما إذا قرأ برواية خاصة فإنه متى خلطها كان كاذبا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته فمن أقرأ رواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى كما قاله الشيخ محي الدين وذلك من الاولوية لا علم الحتم أما المنع على الاطلاق فلا والله أعلم الله تعالى قوله باب تأليف القرآن أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف (4707) قوله أن بن جرير أخبرهم قال وأخبرني يوسف كذا عندهم وما عرفت ماذا عطف عليه ثم رأيت الواو ساقطة
[ 32 ]
في رواية النسقي وكذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث قوله إذ جاءها عراقي أي رجل من أهل العراق ولم أقف على اسمه قوله أي الكفن خير قال ويحك وما يضرك لعل هذا العراقي كان سمع حديث سمرة المرفوع البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطره وأطيب وهو عند الترمذي مصححا وأخرجه أيض عن بن عباس فلعل العراقي سمعه فأرد أن يستثبت عائشة في ذلك وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال فلهذا قالت له عائشة وما يضرك تعني أي كفن كفنت فيه أجزأ وقول بن عرم الذي سأله عن دم البعوض مشهور حيث قال انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أؤلف عليه القرآن فإنه يقرأ غير مؤلف قال بن كثير كأن قصة هذا العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصحف إلى الآفاق كذا قال وفيه نظر فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان أرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق فقد ذكر المزي أن روايته عن أبي بن كعب مرسلة وأبي عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة بن مسعود وكان بن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه كما سيأتي بيانه بعد الباب الذي يلي هذا فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور ويدل على ذلك أولها له وما يضرك أيه قرأت قبل ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث فأملت عليه أي السور أي آيات كل سورة كأن تقول له سورة كذا مثلا كذا كذا آية الاولى كذا الثانية الخ وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه والاول أظهر ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الامرين والله أعلم قال بن بطال لا نعلم أحدا قال بوجود ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثل وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء آل عمران وهو كذلك في مصحف أبي بن كعب وفيه حجة لمن يقول أن ترتيت السور اجتهاد وليس بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء واختاره القاضي الباقلاني قال وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة ثم ذكر نحو كلام بن بطال ثم قال ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الامة عن نبيها صلى الله عليه وسلم قوله إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفعل فيها ذكر الجنة والنار هذا ظاهره مغاير لما تقدم أن أول شئ نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار فلعل من مقدرة أي من أول ما نزل أو المراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ فإن الذي نزل أولا من اقرأ كما تقدم خمس آيات فقط قوله حتى إذا ثاب بالمثلثة ثم الموحدة أي رجع قوله نزل الحلال والحرام
[ 33 ]
أشارت إلى الحكمة الالهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاص بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الاحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبحت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف وسيأتي بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع قوله لقد نزل شئ من الاحكام على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه الاحكام وأشارت بقولها وأنا عنده أي بالمدينة لان دخولها عليه إنما كان بعد الهجرة اتفاقا وقد تقدم ذلك في مناقبها وفي الحديث رد على النحاس في زعمه أن سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة لكنها حجة واهية فلا يلزم من نزلوا آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية بل الارجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني وقد اعتنى بعض الائمة ببيان ما نزل من الآيات المدنية في السور المكية وقد أخرج بن الضريس في فضائل القرآن من طريق عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن بن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم الانفال ثم الاحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الانسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم التفح ثم براءة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن سورة الكوثر مدنية فهو المعتمد واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات والقدر وأرأيت والاخلاص والمعوذتين وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن وهذا بيان ما نزل بعد الهجرة من الآيات مما في المكي فمن ذلك الاعراف نزل بالمدينة منها واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إلى وإذ أخذ ربك يونس نزل منها بالمدينة فإن كنت في شك آيتان وقيل ومنهم من يؤمن به آية وقيل من أس أربعين إلى آخرها مدني هود ثلاث آيات ولعلك تارك أفمن كان على بينة من ربه وأقم الصلاة طرفي النهار النحل ثم إن ربك للذين هاجروا الآية وإن عاقبتم إلى آخر السورة الاسراء وإن كادوا ليستفزونك وقال ربي أدخلني وإذ قلنا لك إن ربك أحاد بالناس ويسألونك عن الروح قل آمنوا به أو لا تأمنوا الكهف مكية إلا أولها إلى جرزا وآخرها من إن الذين آمنوا مريم آية السجدة الحج من أولها إلى شديد ومن كان يظن وإن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله وأذن للذين يقاتلون وولولا دفع الله وليعلم الذين أوتو العلم والذين هاجروا وما بعدها وموضع السجدتين وهذان خصمان الفرقان والذين يدعون مع الله إلها آخر إلى رحيما الشعراء آخرها من والشعراء يتبعهم القصص الذين آتيناهم الكتاب إلى الجاهلين وإن الذي فرض عليك القرآن العنكبوت من أولها إلى ويعلم المنافقين لقمان ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام ألم تنزيل أفمن كان مؤمنا وقيل من تتجافى سبأ ويرى الذي أوتوا العلم الزمر قل يا عبادي إلى يشعرون المؤمن إن الذي يجادلون في آيات الله والتي تليها الشورى
[ 34 ]
أم يقولون افترى وهو الذي يقبل التوبة إلى شديد الجاثية قل للذين آمنوا يغفروا الاحقاف قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وقوله فصابر ق ولقد خلقانا السماوات إلى الصالحين الواقعة وتجعلوا رزقكم ن من إنا بلوناهم إلى يعلمون ومن فاصبر لحكم ربك إلى الصالحين المرسلات وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فهذا ما نزل بالمدينة ن آيات من سورة تقدم نزولها بمكة وقد بين ذلك حديث بن عباس عن عثمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا وأما عكس ذلك وهو نزول شئ من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادرا فقد اتفقوا على أن الانفال مدنية لكن قيل إن قوله تعالى وإذا يمكر بك الذين كفروا الآية نزلت بمكة ثم نزلت سورة الانفال بالمدينة وهذا غريب جدا نعم نزل من السور المدني التي تقدم ذكرها بمكة ثم نزلت سورة الانفال بعد الهجرة في العمرة والفتح والحج ومواضع متعددة في الغزوات كتبوك وغيرها أشياء كثيرة كلها تسمى المدني اصطلاحا والله أعلم الحديث الثاني حديث بن مسعود تقدم شرحه في تفسير سبحان وفي الانبياء والغرض منه هنا أن هذه السور نزلن بمكة وأنها مرتبة في مصحف بن مسعود كما هي في مصحف عثمان ومع تقديمهن في النزول فهن مؤخرات في ترتيب المصاحف والمراد بالعتاق وهو بكسر المهملة أنهن من قيم ما نزل الحديث الثالث حديث البراء تعلمت سورة سبح اسم ربك الاعلى قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث تقدم شرحه في أحاديث الهجرة والغرض منه أن هذه السورة متقدمة النزول وهي في أواخر المصحف مع ذلك الحديث الرابع حديث بن مسعود أيضا قوله شقيق هو بن سلمة وهو أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الاعمش سمعت أبا وائل أخرجه الترمذي قوله قال عبد الله سيأتي في باب الترتيل بلفظ غدونا على عبد الله وهو بن مسعود قوله لقد تعلمت النظائر تقدم شحره مستوفي في باب الجمع بين سورتين في الصلاة من أبواب صوفة الصلاة وفيه أسماء السور المذكورة وأن فيه دلالة على أن تأليف مصحف بن مسعود على غير تأليف العثماني وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول ويقال إن مصحف على كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم الدثر ثم ن والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم التكوين ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله أعلم وأما ترتيب المصحف على ما هو عليه الآن فقال القاضي أبو بكر الباقلاني يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بترتيبه هكذا ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة ثم رجح الاول بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض به جبريل في كل سنة فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب وبه جزم بن الانباري وفيه نظر بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول نعم ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفا وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم من حديث بن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى النفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المبين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحمين وضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات العدد فإذا نزل عليه الشئ يعني منها دعا بعض من كان يكتب
[ 35 ]
فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الانفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن وكان قصتها شبيهة بها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها اه فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفا ولما لم يفصح النبي صلى الله عليه وسلم بأمر براءة وأضافها عثمان إلى الانفال اجتهادا منه رضي الله تعالى عنه ونقل ابتداء السورة نزول بسم الله الرحمن الرحيم أول ما ينزل شئ منها كما أخرجه أبو داود وصححه بن حبان والحاكم من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثفي قال كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف فذكر الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرأ علي حزبي من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ثلاث سورة وخمس سور وسبع سورة وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى تختم قلت فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن لذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخالف ما عداه فيحتمل أن يكون كان فيه تقدمي وتأخير كما ثبت من حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ النساء بعده البقرة قبل آل عمران يستفاد من هذا الحديث حديث أوس أن الراجح في المفصل أنه أول المفصل من الحجرات وبه جزم جماعة من الائمة وقد نقلنا الختلاف في تحديه في باب الجهر بالقراءة في المغرب من أبواب صفة الصلاة والله أعلم قوله باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأ والمراد يستعرضه ما أقرأه إياه قوله وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة قالت أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن هذا طرف من حديث وصله بتمامه في علامات النبوة وتقدم شرحه في باب الوفاة النبوية من آخر المغازي وتقدم بيان فائدة المعارضة في الباب الذي قبله والمعارة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع قوله وإنه عارضني في رواية السرخس وإني عارضني (4711) قوله إبراهيم بن سعد عن الزهري تقدم في الصيام من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد قال أنبأنا الزهري وإبراهيم بن سعد سمع من الزهري ومن صالح بن كيسان عن الزهري وروايته على الصفتين تكررت في هذا الكتاب كثيرا وقد تقدمت فوائد حديث بن عباس هذا في بدء الوحي فنذكر هنا نكتا مما لم يتقدم قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس فيه احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في رمضان أن الاجودية خاصة منه برمضان فيه فأثبت له الاجودية المطلقة أولا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان قوله وأجود ما يكون في رمضان تقدم في بدء الوحي من وجه آخر عن الزهري بلف وكان أجود ما يكون في رمضان وتقدم أن المشهور في ضبط أجود أنه بالرفع وأن النصب موجه وهذه الرواية مما تؤيد الرفع قوله لان جبريل كان يلقاه فيه بيان سبب الاجودية
[ 36 ]
المذكورة وهي أبين من الرواية التي في بدء الوحي بلفظ وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل قوله في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ أي رمضان وهذا ظاهر في انه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن ولا يختض ذلك برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة لانه كان يسمى رمضان قبل أن يفرض صيامه قوله يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عكس ما وقع في الترجمة لان فيها أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل وتقدم في بدء الوحي بلفظ وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فيحمل على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر ويؤيده ما وقع في رواية أبي هريرة آخر أحاديث الباب كما سأوضحه وفي الحديث إطلاق القرآن على بعضه وعلى معظمه لان أول رمضان من بعد البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الاخير فكان قد نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الاول سنة إحدى عشرة ومما نزل في تلك المدة قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإنها نزلت يوم عرفة والنبي صلى الله عليه وسلم بها الاتفاق وقد تقدم في هذا الكتاب وكأن الذي نزل في تلك الايام لما كان قليلا بالنسبة لما تقدم اغتفر أمر معارضته فيستفاد من ذلك أن القرآن يطلق على البعض مجازا ومن ثم لا يحنث من حلف ليقر أن القرآن فقرأ بعضه إلا إن قصد الجميع واختلف في العرضة الاخيرة هل كانت بجيمع الاحرف المأذون في قراءتها أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع عليه عثمان جميع الناس أو غيره وقد روى أحمد وابن أبي داود والطبري من طريق عبيدة بن عمرو السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الاخيرة ومن طريق محمد بن سيرين قال كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الحديث نحو حديث بن عباس وزاد في آخره فيرون أن قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الاخيرة وعند الحاكم نحوه من حديث سمرة وإسناده حسن وقد صححه هو ولفظه عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضات ويقولون إن قراءتنا هذه هي العرضة الخيرة ومن طريق مجاهد عن بن عباس قال أي القراءتين ترون كان آخر القراءة قال قراءة زيد بن ثابت فقال لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كان في السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين وكانت قراءة بن مسعود آخرهما وهذا يغاير حديث سمرة ومن وافقه وعند مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن بن عباس سمع رجلا يقول الحرف الاوف فقال ما الحرف الاول قال ان عمر بعث بن مسعود إلى الكوفة معلما فأخذوا بقراءته فغير عثمان القراءة فهم يدعون قراءة بن مسعود الحرف الاول فقال بن عباس انه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل وأخرج النسائي من طريق أبي ظبيان قال قال لي بن عباس أي القراءتين تقرأ قلت للقراءة الاولى قراءة بن أم عبد يعني عبد الله بن مسعود قال بل هي الاخيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل الحديث وفي آخره فحضر ذلك بن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما يدل وإسناده صحيح ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الاحيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح إطلاق الآخرية على كل منهما قوله أجود بالخير من الريح المرسلة فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشببه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أوتر وصف الاجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لان الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لان الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر
[ 37 ]
مدة إرسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الاسناد الحقيقي والمجازي لان الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن الريح مجاز فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزل من جاد وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة وهي أنه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الاجودية إلا أنه تفوت فيه المبالغة لان المراد وصفه بزيادة الاجودية على الريح المرسلة مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق تعيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة وفيه أن مداموة التلاوة توجب زيادة الخير وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لان الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأكل ليلة جزءا في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يستغل به في لك ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الاخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما كان ينزل عليه في سائر السنة قال بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ فيدارسه القرآن فإن ظاهره إن كلا منهما كان يقرأ على الآخر وهي موافقة لقوله يعارضه فيستدعي ذلك زمان زائدا على ما لو قرأ الواحد ولا يعارض ذلك قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا إن لا نافية كما هو المشهور وقول الاكثر المعنى أنه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الاقراء مدارسة جبريل أو المراد أن المنفي بقوله فلا تنسى النسيان الذي لا ذكره بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر أنه نسي شيئا فإنه يذكره إياه في الحال وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب نسيان القرآن إن شاء الله تعالى وقد تقدمت بقية فوائد حديث بن عباس في بدء الوحي (4712) قوله حدثنا خالد بن يزيد هو الكاهلي وأبو بكر هو إن عياش بالتحتاينة والمعجمة وأبو حصين بفتح أوله عثمان بن عاصم وذكوان هو أبو صالح السمان قوله كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كذا لهم بضم أوله على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح أوله بحذف الفاعل فالمحذوف هو جبريل صرح به إسرائيل في روايته عن أبي حصين أخرجه الاسماعيل ولفظه كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان وإلى هذه الرواية أشار المصنف في الترجمة وقله القرآن كل عام مرة سقط لفظ القرآن لغير الكشميهني زاد إسرائيل عند الاسماعيلي فيصبح وهو أود بالخير من الريح المرسلة وهذه الزيادة غربية في حديث أبي هريرة وإنما هي محفوة من حديث بن عباس قوله فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه في رواية إسرائيل عرضتين وقد تقدم ذكر الحكمة في تكرارا العرض في السنة الاخيرة ويحتمل أيضا أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الاولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت المدارسة في السنة الاخيرة مرتني ليستوي عدد السنين والعرض
[ 38 ]
قوله وكان يعتكف في كل عام عترا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه ظاهره أنه اعتكف عشرين يوما من رمضان وهو مناسب لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة ويحتمل أن يكون السبب ما تقدم في الاعتكاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرا فسافر عاما فلم يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوما وهذا إنما يتأتي في سفر وقع في شهر رمضان وكان رمضان من سنة تسع دخل وهو صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهذا بخلاف القصة المتقدمة في كتاب الصيام أنه شرع في الاعتكاف في أول العشر الاخير فلما رأى ما صنع أزواجه من ضرب الاخبية تركه ثم اعتكف عشرا في شوال اتحاد القصة ويحتمل أيضا أن تكون القصة التي في حديث الباب هي التي أوردها مسلم وأصلها عند البخاري من حديث أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور الشعر التي في وسط الشهر فإذا استقبل إحدى وعشرين رجع فأقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر الوسط ثم بدا بل أن أجاور العشر الاواخر فجاور العشر الاخير الحديث فيكون المراد بالعشرين العشر الاوسط والشعر الاخير قوله باب القراء من أصحاب رسول الله عليه وسلم أي الذين اشتهروا بحف القرآن والتصدي لتعلميه وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضا لم تفقه في القرآن وذكره فيه ستة أحاديث الاول عن عمرو وهو بن مرة وقد نسبه المصنف في المناقب من هذا الوجه وذهل الكرماني فقال هو عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي وليس كما قال (4713) قوله مسروق جاء عن إبراهيم وهو النخعي فيه شيخ آخر أخرجه الحاكم من طريق أبي سعيد المؤدب عن الاعمش عن إبراهيم عن عبد الله وهو مقلوب فإن المحفوظ في هذا عن الاعمش عن أبي وائل عن مسروق كما تقدم في المناقب ويحتمل أن يكون إبراهيم حمله عن شيخين والاعمش حمله عن شيخين قوله خذوا القرآن من أربعة أي تعلموه منهم والاربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبدأ بهما واثنان من الانصار وسالم هو بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو بن جبل وقد تقدم هذا الحديث في مناقب سالم مولى أبي حذيفة من هذا الوجه وفي أوله ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال ذلك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة فبدأ به فذكر حديث الباب ويستفاد منه محبة من يكون ما هو في القرآن وأن البداءة بالجرل في الذكر على غيره في أمر اشترك فيه مع غيره يدل على تقدمه فيه وقتدم بقية شرحه هناك وقال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الاعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الاربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذي مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبي وابن مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم زمانا طويلا فالظاهر أنه أمر بالاخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد منهم جماعة من الصحابة وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القارئ وكانوا سبعين رجلا الحديث الثاني (4714) قوله حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي كذا للاكثر وحكى الجياني أنه وقع في رواية الاصيلي عن الجرجاني حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبي وهو خطأ مقلوب وليس لحفص بن عمر أب يروي عنه في الصحيح وإنما هو عمر بن حفص بن غياث بالغين المعجمة والتحتانية والمثلثة
[ 39 ]
وكان أبوه قاضي الكوفة وقد أخرج أبو نعيم الحديث المذكور في المستخرج من طريق سهل بن بحر بن عمر بن حفص ونسبه ثم قال أخرجه البخاري عن عمر بن حفص قوله حدثنا شقيق بن سلمة في رواية مسلم والنسائي جميعا عن إسحاق عن عبدة عن الاعمش عن أبي وائل وهو شقيق المذكور وجاء عن الاعمش فيه شيخ آخر أخرجه النسائي عن الحسن بن إسماعيل عن عبدة بن سليمان عنه عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن بن سمعود فإن كان محفوا احتمل أن يكون للاعمش فيه طريقان وإلا فإسحاق وهو بن راهويه أتقن من الحسن بن إسماعيل مع أن المحفوظ عن أبي إسحاق فيه ما أخرجه أحمد وابن أبي داود من طريق الثوري وإسرائيل وغيرهما عن أبي إسحاق عن خمير بالخاء المعجمة مصغر عن بن مسعود فحصل الشذوذ في رواية الحسن بن إسماعيل في موضعين قوله خطبنا عبد الله بن مسعود فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفي رواية النسائي وأبو عوانة وابن أبي داود من طريق بن شهاب عن الاعمش عنأبي وائل فإن خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وفي رواية خمير بن مالك المذكورة بيان السبب في قول بن مسعود هذا ولفظه لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن سمعود فقال من استطاع وقال في آخره أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له فقال إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل وعند الحاكم من طريق أبي ميسرة قال رحت فإذا أنا بالاشعري وحذيفة وابن مسعود فقال بن مسعود والله لا أدفعه يعني مصحفه أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قوله والله لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وقع في رواية عبدة وأبي شهاب جميعا عن الاعمش أني أعلمهم بكتاب الله من وزاد ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت غليه وهذا لا ينفي إثبات من فإنه نفي الاغلبية ولم ينف المساواة وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الرابع قوله وما أنا بخيرهم يستفاد منه أن الزيادة في صفة من صفات الفضل لا تقتضي الافضلية المطلقة فالاعلمية بكتاب الله لا تستلزم الاعلية المطلقة بل يحتلم أن يكون غيره أعلم منه بعلوم أخرى فلهذا قال وما أنا بخيرهم وسيأتي في هذا بحث في باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه إن شاء الله تعالى قوله قال شقيق بالاسناد المذكور فجلست في الحلق بفتح المهملة واللام فما سمعت رادا يقول غير ذلك يعين لم يسمع من يخالف بن مسعود يقول غير ذلك أو المراد من يرد قوله ذلك ووقع في رواية مسلم قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك ولا يعيبه وفي رواية أبي شهاب فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال وهذا يخصص عموم قوله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بمن كان منهم بالكوفة ولا يعارض ذلك ما أخرجه بن أبي داود من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود فذكر نحو حديث الباب وفيه قال الزهري فبلغني أن ذلك كرهه من قول بن مسعود رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه محمول على أن الذين كرهوا ذلك من غير الصحابة الذين
[ 40 ]
شاهدهم شقيق بالكوفة ويحتمل اختلاف الجهة فالذي نفى شقيق أن أحدا رده أو عابه وصف بن مسعود بأنه أعلمهم بالقرآن والذي أثبته الزهري ما يتعلق بأمره بغل المصاحف وكأن مراد بن مسعود بغل المصاحف كتمها وإخفاؤها لئلا تخرج فتعدم وكأن بن مسعود أي خلاف ما رأى عثمان ومن وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة وإلغاء ما عدا ذلك أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من الاختلاف بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها دون غيرها لما له منا لمزية في ذلك مما ليس لغيره كما يؤخذ ذلك من ظاهر كلامه فلما فاته ذلك ورأى أن الاقتصار على قراءة زيد ترجيح بغير مرجح عنده اختار استمرار القراءة على ما كانت عليه على أن بن أبي داود ترجم باب رضي الله مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به الحديث الثالث (4715) قوله كنا بحمص فقرأ بن مسعود سورة يوسف هذا ظاهر أن علقمة حضر القصة وكذا أخرجه الاسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق يوسف القاضي عن محمد بن كثير فقال فيه عن علقمة قال كان عبد الله بحمص وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن الاعمش ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال كنت بحمص فقرأت فذكر الحديث وهذا يقتضي أن علقمة لم يحضر القصة وإنما نقلها عن بن مسعود وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن الاعمش ولفظه كنت جالسا بحمص وعند أحمد عن أبي معاوية عن الاعمش قال عبد الله أنه قرأ سورة يوسف ورواية أبي معاوية عند مسلم لكن أحال بها قوله فقال رجل ما هكذا أنزلت لم أقف على اسمه وقد قيل إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له مع بن مسعود في القرآن قصة غير هذه لكن لم أر ذلك صريحا وفي رواية مسلم فقال لي بعض القوم اقرأ علينا فقرأت عليهم سورة يوسف فقال رجل من القوم ما هكذا أنزلت فإن كان السائل هو القائل وإلا ففيه مبهم آخر قوله ووجد منه ريح الخمر هي جملة حالية ووقع في رواية مسلم فبينما أنا أكلمه إذ وجد منه ريح الخمر قوله فضربه الحد في رواية مسلم فقلت لا ترح حتى أجلدك قال فجلدته قال النووي هذا محمول على أن بن مسعود كانت له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الامام إما عموما وإما خصوصا وعلى أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلا إذ لو كذب حقيقة لكفر فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر اه والاحتمال الاول جيد ويحتمل أيضا أن يكون قوله فضربه الحد أي رفعه إلى الامير فضربه فأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان مبينا فيه وقال القرطبي إنما أقام عليه الحد لانه جعل له ذلك من له الولاية أو لانه رأى أنه قام عن الامام بواجب أو لانه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة فإنه وإيها في زمن عمر وصدرا من خلافة عثمان انتهى والاحتمال الثاني موجه وفي الاخير غفلة عما في أول الخير أن ذلك كان بحمص ولم يلها بن مسعود وإنما دخلها غازيا وكان ذلك في خلافة عمر وأما الجواب الثاين عن الرائحة فيرده النقل عن بن مسعود أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة وقد وقع مثل ذلك لعثمان في قصة الوليد بن عقبة ووقع عند الاسماعيلي أثر هذا لاحديث النقل عن علي أنه أنكر على بن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يقر ولم يشهد عليه وقال القرطبي في الحديث حجة على من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنفية وقد
[ 41 ]
قال به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز قلت والمسألة خلافية شهيرة والمانع أن يقول إذا احتمل أن يكون أقر سقط الاستدلال بذلك ولما حكى الموفق في المغني الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويجود معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر وحكى بن المنذر عن بعض السلف أن الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة من يكون مشهورا بإدمان الخمر وقيل بنحوه هذا التفصيل فيمن شك وهو في الصلاة هل خرج منه ريح أولا فإن قارن ذلك وجود رائحة دل ذلك على وجود الحدث فيتوضأ وإن كان في الصلاة فلينصرف ويحمل ما ورد من ترك الوضوء مع الشك على ما إذا تجرد الطن عن القرينة وسيكون لنا عودة إلى هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وأما الجواب عن الثالث فجيد أيضا لكن يحتمل أن يكون بن مسعود كأن لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه من الكلام في حل سكره وقال القرطبي يحتمل أن يكون الرجل كذب بن مسعود ولم يكذب القرآن وهو الذي يظهر من قوله ما هكذا أنزلت فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفي الكيفية التي أوردها بن مسعود وقال الرجل ذلك إما جهلا منه أو قلة حفظ أو عدم تثبت بعثه عليه السكر وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى الحديث الرابع قوله ن حدثنا مسلم هو أبو الضحى الكوفي وقع كذلك في رواية أبي حمزة عن الاعمش عند الاسماعيلي وفي طبقة مسلم هذا رجلان من أهل الكوفة يقال لكل منهما مسلم أحدهما يال له الاعور والآخر يقال له البطين فالاول هو مسلم بن كيسان والثاني مسلم بن عمران ولم أر لواحد منهما رواية عن مسورق فإذا أطلق مسلم عن مسروق عرف أنه هو أبو الضحى ولو اشتركوا في أن الاعمش روى عن الثلاثة (4716) الرب عز وجلقوله عبد الله في رواية قطبة عن الاعمش عند مسلم عن عبد الله بن مسعود قوله والله في رواية جرير عن الاعمش عند بن أبي داود قال عبد الله لما صنع بالمصاحف ما صنع والله الخ قوله فيمن أنزلت في رواية الكشميهني فيما أنزلت ومثله في رواية قبطية وجرير قوله ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الابل في رواية الكشميهني تبلغنيه وهي رواية جرير قوله لركبت إليه تقدم في الحديث الثاني بلفظ لرحلت إليه ولابي عبيدة من طريق بن سيرين نبئت أن بن مسعود قال لو أعلم أحدا تبلغنيه الابل أحدث عهدا بالعرضة الآخيرة مني لاتيه أو قال لتكلفت أن آتيه وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الابل عمن لا يصل إليه على الرواحل إما لكونه كان لا يركب البحر فقيد بالبر أو لانه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء وفي الحديث جواز ذكر الانسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة ويحمل ما ورد من ذلك على من وقع ذلك منه فخرا أو إعجابا الحديث الخامس حديث أنس ذكره من وجهين (4717) صلى الله عليه وسلم قوله سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة كلهم من الانصار في رواية الطبري من طريق سعد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث فاتخر الحاين الاوس والخزرج فقال الاوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه
[ 42 ]
غيرهم فذكرهم قوله وأبو زيد تقدم في مناقب في اسم أبي زيد هناك وجوزت هناك أن لا يكون لقول أنس أربعة مفهوم لكن رواية سعيد التي ذكرتها الآن من عند الطبرني صيحة في الحصر وسعيد ثبت في قتادة ويحتلم مع ذلك أن مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الاوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين ثم في رواية سعيد أن ذلك من قول الخزرج ولم يفصح باسم قائل ذلك لكن لما أورده أنس ولم يتعقبه كان كأنه قائل به ولا سيما وهو من الخزرج وقد أجاب القاضي أبو الباقلاني وغيره عن حديث أنس هذا بأجوبة أحدهما أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعة ثانيها المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراآت التي نزل بها إلا أولئك ثالثها لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك وهو قريب من الثاني رابعها أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة خامسها أنهم تصدوا لاقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الامر في نفس الامر كذلك أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره سادسها المراد المراد بالجمع الكتابة فلا ينفى أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلب وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب سابعها المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لان أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية منه فلعل هذه الآية الاخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الاربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين ثامنها أن المراد يجمعه السمع والطاعة لم والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن ابني جمع القرآن فقال اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الاخير وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر وهو أن المراد اثبات ذلك للخزرج دون الاوس فلقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء بعدهم ويحتمل أن يقال إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم ولا يخفى بعده والذي يظهر من كثير من الاحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في المبعث أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة كما تقدم في الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشية وقد صحح مسلم حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وتقدمت الاشارة إليه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض فيدل على أنه كان أقرأهم وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقراء في شهر الحديث واصله في الصحيح وتقدم في الحديث الذي مضى ذكر بن مسعود وسالم مولى بن حذيفة وكل هؤلاء من المهاجرين وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قعد من المهاجرين الخفاء الاربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هررة وعبد الله بن السائب والعبادلة ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد بن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضا تميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الانصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن حارثة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وغيرهم وصحر بأن بعضهم إنما جمعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وممن جمعه أيضا أبو موسى الاشعري ذكره أبو عمرو الداني وعد بعض المتأخيرن من القراء عمرو بن العاص وسعد
[ 43 ]
بن عباد وأم ورقة قوله تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الاربعة ثانيهما ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب فأما الاول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الائمة المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقعي نفس الامر كذلك لان التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الاحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقوله أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الامر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل اللك ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الاربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الاسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيحان مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا قلت وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شطره وقد وافقه عليها ثمامة في إحدى الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شطره وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الاخرى لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته وقد وقع عم عبد الله بن المثنى وفيه مقال وإن كان عند البخاري مقبولا لكن لا تعادل روايته رواية قتادة ويرجع رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار بإخراجه إلى ذلك لتصريح عمر بترجيحه في القراءة على غيره ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكره مرة أبي بن كعب ومرة بدله أبا الدرداء وقد روى بن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الانصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الانصاري وإسناده حسن مع إرساله وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدارداء وإن خالفه في العدد والمعدود ومن طريق الشعبي قال جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت وهؤلاء الابعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى وإسناده صحيح مع إرساله فلله در البخاري ما أكثرا اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلا والله أعلم وقال الكرماني لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الاربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء ممن جمع فقال أنس ذلك ردا عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ولا يلزم منه النفي عن غيرهم بطريق الحقيقة والله أعلم (4718) قوله وأبو زيد قال ونحن ورثناه القائل ذلك هو أنس وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت قال قتادة قلت ومن أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم في غزوة بدر من وجه آخر عن قتادة عن أنس قال مات أبو زيد
[ 44 ]
وكان بدريا ولم يترك عقبا وقال أنس نحن ورثناه وقوله أحد عمومتي يرد قوله من سمى أبا زيد المذكور سعد بن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عوف لان أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك وقد قال أبو أحمد العسكري لم يجمعه من الاوس غيره وقال محمد بن حبيب في المحبر سعد بن عبيد ونسبه كان أحمد من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية الشعبي إليا المغايرة بين سعد بن عبيد وبين أبي زيد فإنه ذكرهما جميعا فدل على أنه غير المراد في حديث أنس وقد ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي وتقدم أنه يكنى أبا زيد وسعد بن المنذر بن أوس بن زهر وهو خزرجي أيضا لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد ثم وجدت عنه بن أبي داود ما يرفع الغشال من أصله فإنه روى بإسناده على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه قال بن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الانصاري قال هو قيس بن السكن من زعوراء من بني عدي بن النجار قال بن أبي داود مات قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا الحديث السادس كقوله (4719) يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله حبيب بن أبي ثابت عند الاسماعيلي حدثنا حبيب قوله أبي أقرؤنا كذا للاكثر وبه جزم المزي في الاطرفا فقال ليس في رواية صدقة ذكر علي قلت وقد ثبت في رواية النسفي عن البخاري فأول الحديث عنده على أقضانا وأبي أقرؤنا وقد ألحق الدمياطي في نسخته في حديث البا ذكر على وليس بجيد لانه ساقط من رواية الفربري التي عليها مدار روايته وقد تقدم في تفسير البقرة عن عمرو بن علي عن يحيى القطان بسنده هذا وفيه ذكر علي عند نفيع قوله من لحن أبي أي من قراءته ولحن القول فحواء ومعناه المراد به هنا القول وكان أبي بن كعب لا يرجع عما حفظه م القرآن الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أخبره غيره أن تلاوته نسخت لانه إذا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل عنده القطع فلا يزول عنه بأخبار غيره أن تلاوته نسخت وقد استدل عليه عمر بالآية الدالة على النسخ وهو من أوضح الاستدلال في ذلك وقد تقدم بقية شرحه في التفسير قوله باب فضل فاتح الكتاب ذكره فيه حديثين حديث أبي سعيد بن المعفى في أنها أعظم سورة في القرآن والمراد بالعظيم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها وإن كان غرها أطول منها وذلك لما اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك وقد تقدم شرح ذلك مبسوطا في أو التفسير ثانيهما حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتح الكتاب وقد تقدم شحره مستوفى في كتاب الاجارة وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة قال القرطبي اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاويه لجميع علومه لاحتوائها على الثاء على الله والاقرار بعبادته والاخلاص له وسؤال الهداية منه والاشارة غلى الاعتراف بالعجز عن القايم بنعمة وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى
[ 45 ]
غير ذلك مما يقتضي أنهما كلها موضع الرقية وذكر الروياني في البحر أن البسملة أفضل آيات القرآن وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح (4721) قوله وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث الخ أراد بهذا التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد فإنه في الاسناد الذي ساقه أولا بالعنعنة في الموضعين وقد وصله الاسماعيل من طريق محمد بن يحيى الذملي عن أبي معمر كذلك وذكر أبو علي الجياني أنه وقع عند القابسي عن أبي زيد السند إلى محمد بن سيرين وحدثني معبد بن سيرين بواو العطف قال والصواب حذفها قوله باب فضل سورة البقرة أورد فيه حديثين الاول (4722) قوله عن سليمان هو الاعمش ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة كذلك وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر أما الاول لان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه عن شعبة عن الاعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر قوله عن عبد الرحمن هو بن يزيد النخعي قوله عن بن مسعود في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في باب كم يقرأ من القرآن وأخرجه في باب من لم ير بأس أن يقول لسورة كذا من وجه آخر عن الاعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة وأبو مسعود هذا عقبة بن عمرو الانصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي ووقع في رواية عبدوس بدله بن مسعود وكذا عند الاصيلي عن أبي زيد المروزي وصوبه الاصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف قال أبو علي الجياني الصواب عن أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو قلت وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الاعمش فقال فيه عن عقبة بن عمرو قوله من قرأ بالآيتين كذا اقتصر البخاري من المتن
[ 46 ]
على هذا القدر ثم حول السند إلى طريق منصور عن إبراهيم السند المذكور واكمل المتن فقال من آخر السورة البقرة في ليلة كفتاه وقد أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه من سورة البقرة لم يقل آخر فلعل هذا هو السر في تحويل السند اليسوقه على لفظ منصور الذي ساقه البخاري لفظ منصور وليس بينه وبين لفظ الاعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم قوله من آخر سورة البقرة يعني من وقله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة وآخر الآية الاولى المصير ومن ثم إلى آخر السورة آية واحدة وأما ما اكتسبت فليست رأس آية باتفاق العادين وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في ثواب القرآن حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن ر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ من قراهما بعد العشاء الآخرة وأجزأنا آمن الرسول على آخر السورة ومن حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في آخره آمن الرسول وأصله عند الترمذي والنسائي وصححه بن حبان والحاكم ولابي عبيد في فضائل القرآن من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد فأقرءوهما وعلموهما أبناءكم ونساءكم فإنهما قرآن وصلاة ودعاء قوله كفتاه أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن وقبل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها وقيل كفتاه شر الشيطان وقيل دفعنا عنه شر الانس والجن وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شئ آخر وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الاجابة إلى مطلوبهم وذكر الكرماني عن النووي أنه قال كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي كذا نقل عنه جازما به ولم يقل ذلك النووي وإنما قال ما نصه قيل معناه كفتاه من قايم الليل وقيل من الشيطان وقيل الآفات ويحتمل من الجميع هذا آخر كلامه وكأنسه سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وى ية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ باب وصحفت فضل فصارت وثيل واقتصر النووي في الاذكار على الاول والثالث نقلا ثم قال قلت ويجوز أن يراد الاولان انتهى وعلى هذا فأقول يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم والوجه الاول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار فيقر بها الشيطان ثلاث ليال أخرجه الحاكم وصححه وفي حديث معاذ لما أمسك الجني وآية ذلك لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة أخرجه الحاكم أيضا الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم شرحه في الوكالة وقوله (4723) في آخره صدقك وهو كذوب هو من التتميم البليغ لانه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله صدق استدرك نفي الصدق عنه بصيفة مبالغة والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر وهو كقولهم قد يصدق الكذوب وقوله ذاك شيطان كذا للاكثر وتقدم في الوكالة أنه وقع هنا ذاك الشيطان واللام فيه للجنس أو العهد
[ 47 ]
الذهني من الوارد إن لكل آديم شيطانا وكل به أو اللام بدل من الضمير كأنه قال ذاك شيطانك أو المراد الشيطان المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث ولا يقربك شيطان وشحه الطيبي على هذا فقال هو أي قوله فلا يقربك شيطان مطلق شائع في جنسه والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال إن شيطانا تفلت على البارحة الحديث وفيه ولوا دعوة أخي سليمان لاصبح مربوطا بسارية وتقرير الاشكال أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام حيث قال وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي قال الله تعالى فسخرنا له الريح ثم قال والشياطين وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطني الذي يلزم من التمكن من التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم والمراد بالشيطان في حديث البا إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لانه يلزم من تمكنه منه ابتاع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم بربطه تبدي له فس صفته التي خلق عليها وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم وأما الذي تبدي لابي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدمين فلم يكن في إمساكه مضاهات لملك سليمان والعلم عند الله تعالى قوله باب فضل الكهف في رواية أبي الوقت فضل سورة الكهف وسقط لفظ باب في هذا والذي قبله والثلاثة بعده لغير أبي ذر قوله حدثنا زهير هو بن معاوية (4724) قوله البراء في رواية الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء قوله كان رجل قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاث أبواب لكن فيه أنه كان يرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد وقد وقع قريب من القصة التي لاسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضا وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره الباحرة تزهر بمصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة فسئل قال قرأت سورة البقرة ويحتمل أن يكون قرأ سورة البقرة وسورة الكهف جميعا أو من كل منهما قوله بشطنين جمع شطن بفتح المعجمة وهو الحبل وقيل بشرط طوله وكأنه كان شديد الصعوبة قوله وجعل فرسه ينفر بنون وفاء ومهملة وقد وقع في رواية لمسلم ينقز بقاف وزاي وخطأه عياض فإن كان من حديث الرواية فذاك وإلا فمعناها هنا واضح قوله تلك السكينة بمهملة وزن عظيمة وحكى بن قرقول والصغاني فيها كسر أولها والتشديد بلفظ المرادف للمدية وقد نسبه بن قرقول للجربي وأنه حكاه عن بعض أهل اللغة وتقرر لفظ السكينة في القرآن والحديث فروى الطبري وغيره عن علي قال هي ريح هفاقة لها وجه وجه الانسان وقيل لها رأسان وعن مجاهد لها رأس كرأس الهر وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وعن السدي السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الانبياء وعن أبي مالك قال هي التي ألقى فيها الرحمة وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري ويل هي الطمأنينة وقيل الوقار وقيل الملائكة ذكره الصغاني والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به والذي يليق بحديث
[ 48 ]
الباب هو الاول وليس قول وهب ببعيد وأما قوله فأنزل الله سكينته عليه وقوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحتمل الاول ويحتمل قول وهب والضحاك فقد أخرج المنصف حديث الباب في تفسير سورة الفتح كذلك وأما التي في قوله تعالى فيه سكنية من ربكم فيحتمل قول السدي وأبي مالك وقال النووي المختار أنها شئ من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة قوله تنزلت في رواية الكشميهني تنزل بضم اللام بغيرتا والاصل تنازل وفي رواية الترمذي نزلت مع القرآن أو على القرآن قوله باب فضل سورة الفتح في رواية غر أب ذر فضل سورة الفتح بغير باب (4725) قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره تقدم في غزوة الفتح وفي التفسير أن هذا السياق صورته الارسال وأن الاسماعيلي والبزار أخرجاه من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك بصريح الاتصال ولفظه عن أبيه عن عمر ثم وجدته في التفسير من جامع الترمذي من هذا الوجه فقال عن أبيه سمعت عمر ثم قال حديث حسن غريب وقد رواءه بعضهم عن مالك فأرسله فأشار إلى الطريق التي أخرجها البخاري وما وافقها وقد بينت في المقدمة أن في أثناء السياق ما يدل على أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه قال عمر فحركت بعيري الخ وتقدمت بقية شرحه في تفسير الفتح قوله باب فضل قل هو الله أحد فيه عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لاصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد الحديث وفي آخره أخبروه أن الله يحبه وسيأتي موصولا في أول كتاب التوحيد بتمامه وتقدم في صفة الصلاة من وجه آخر عن أنس وبينت هنالك الاختلاف في تسميته وذكرت فيه بعض فوائده وأحلت ببقية شرحه على كتاب التوحيد وذهل الكرماني فقال قوله فيه عمرة أي روت عن عائشة حديثا في فضل سورة الاخلاص ولما لم يكن على شرطه لم يذكره بنصه واكتفى بالاشارة إليه إجمالا كذا قال وغفل عما في كتاب التوحيد والله أعلم (4726) قوله عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هذا هو المحفوظ وكذا هو في الموطأ ورواه أبو صفوان الاموي عن مالك
[ 49 ]
فقال عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أخرجه الدارقطني وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن أبيه ومعن من طريق يحيى القطان ثلاثتهم عن مالك وقال بعده أن الصواب عبد الرحمن بن عبد الله كما في الاصل وكذا قال الدارقطني وأخرجه النسائي أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر عن مالك كذلك وقال بعده الصواب عبد الرحمن بن عبد الله وقد تقدم مثل هذا الاختلاف في حديث آخر عن مالك في كتاب الاذان قوله أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها القارئ هو قتادة بن النعمان أخرجه أحمد من طريق أبي الهيثم عن أبي سعيد قال بات قتادة بن النعمان يقرأ من الليل كله قل هو الله أحد لا يزيد عليها الحديث والذي سمعه لعله أبو سعيد روى الحديث لانه أخوه لامه وكانا متجاورين وبذلك جزم بن عبد البر فكأنه أبهم نفسه وأخاه وقد أخرج الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث بلفظ أن لي جارا يقوم باليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد قوله يقرأ قل هو الله أحد في رواية محمد بن جهضم يقرأ قل هو الله أحد كلها يرددها قوله وكان الرجل أي السائل قوله يتقالها بتشديد اللام واصله يتقال لها أي يعتقد أنها قليلة وفي رواية بن الطباع المذكورة كأنه يقللها وفي رواية يحيى القطان عن مالك فكأنه استقلها والمراد استقلال العمل لا التنقيص قوله وزاد أبو معمر قال الدمياطي هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري وخالفه المزي تبعا لابن عساكر فجزما بأنه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وهو الصواب وإن كان كل من المنقري والهذلي يكنى أبا معرم وكلاهما من شيوخ البخاري لكن هذا الحديث إنما يعرف بالهذلي بل قال نعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئا وقد وصله النسائي والاسماعيلي من طرق عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي قوله حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك هو من رواية الاقران قوله أخبرني أخي قتادة بن النعمان هو أخوه لامه أمهما أنيسة بنت عمرو بن قيس بن مالك من بني النجار قوله فلما أصبحنا أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه يعني نحو الحديث الذي قبله ولفظه عند الاسماعيلي فقال يا رسول الله إن فلانا قم الليلة يقرأ من السحر قل هو الله أحد فساق السورة يرددها لا يزيد عليها وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لتعدل ثلث القرآن (4727) قوله إبراهيم هو النخعي والضحاك المشرقي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بطن من همدان قيده العسكري وقال من فتح الميم فقد صحف كأنه يشير إلى قوله بن أبي حاتم مشرق موضع وقد ضبطه بفتح الميم وكسر الراء الدارقطني وابن ماكولا وتبعهما بن السمعاني في موضع ثم غفل فذكره بكسر الميم كما قال العسكري لكن جعل قافه فاء وتعقبه بن الاثير فأصاب والضحاك المذكور هو بن شراحيل ويقال شراحبيل وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الادب قرنه فيه بأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي سعيد الخدري وحكى الزار أن بعضهم
[ 50 ]
زعم أنه الضحاك بن مزاحم وهو غلط وقله أيعجز أحدكم بكسر الجيم قوله أن يقرأنك القرآن في ليلة لعل هذه قصة أخرى غير قصة قتادة بن النعمان وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث أبي مسعود الانصاري مثل حديث أبي سعيد بهذا قوله فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن عند الاسماعيلي من رواية أبي خالد الاحمر عن الاعمش فقال يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن فكأن رواية الباب بالمعنى وقد وقع في حديث أبي سمعود المذكور نظير ذلك ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها قوله قال الفربري سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله يقول قال أبو عبد الله عن إبراهيم مرسل وعن الضحاك المشرقي مسند ثبت هذا عند أبي ذر عن شيوخه والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة ورواية الضحاك عنه متصلة وأبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف وكأن الفربري ما سمع هذا الكلام منه فحمله عن أبي جعفر عنه وأبو جعفر كان يورق للبخاري أن ينسخ له وكان من الملازمين له والعارفين به والمكثرين عنه وقد ذكر الفربري عنه في الحج والمظالم والاعتصام وغيرها فوائد عن البخاري ويؤخذ من هذا الكلام أن البخاري كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل وعلى المتصل لفظ المسند والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يكون ظاهر الاسناد إليه الاتصال وهذا الثاني لا ينافي ما أطلقه المصنف قوله ثلث القرآن حمله بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن لان أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال جزأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن وقال القرطبي اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السورة وهما الاحد الصمد لانهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الاحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لانه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جمع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثناءا اه وقال غيره تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة لما يجب إثباته لله من الاحدية المنافية لمطلق الشركة والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص ونفى الولد والوالد المقرر لكمال المعنى ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي ولذلك عادلت ثلث القرآن لان القرآن خبر وإنشاء والانشاء أمر ونهي وإباحة والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه فأخلصت سورة الاخلاص الخبر عن الله وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف وهي دعوى بغير دليل ويؤيد الاطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الاخير وقال فيه قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احشدوا فسأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال ألا إنها تعدل ثلث القرآن ولابي عبيد من حديث أبي بن كعب من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لاي ثلث فرض منه فيه نظر ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاث كان كمن قرأ ختمة كاملة وقيل المراد من العمل
[ 51 ]
بما تضمنته من الاخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث القرآن يختص بصاحب الواقعة لانه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد قال القابسي ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل علمه فقال له الشارع ذلك تغريبا له في عمل الخير وإن قل وقال بن عبد البر من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي وفي الحديث إثبات فضل قل هو الله أحد وقد قال بعض العلماء أنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ومعنى النفي فيها أنه الخالق الرزاق المعبود لانه ليس فوقه من يمنعه كالوالد ولا من يساويه في ذلك كالكفء ولا من يعنيه على ذلك الولد وفيه إلغاء العالم المسائل على أصحابه واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم لان المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلث وقد ظهر أن ذلك غير مراد تنبيه أخرج الترمذي والحاكم وأبو الشيخ من حديث بن عباس رفعه إذا زلزلت تعدل نصف القرآن والكافرون تعدل ربع القرآن وأخرج الترمذي أيضا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ من طريق سلمة بن وردان عن أنس أن الكافرون والنصر تعدل كل منهما ربع القرآن وإذا زلزت تعدل ربع القرآن زادت بن أبي شيبة وأبو الشيخ وى ية الكرسي تعدل ربع القرآن وهو حديث ضعيف لضعف سلمة وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الاعمال وكذا صحح الحاكم حديث بن عباس وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم قوله باب فضل المعوذات أي الاخلاص والفلق والناس وقد كنت جوزت في باب الوفاة النبوة لمن كتاب المغازي أن الجمع فيه بناء على أن أقل الجمع اثنان ثم ظهر من حديث هذا الباب أنه على الظاهر وأن المراد بأنه كان يقرأ بالمعوذات أي السور الثلاث وذكر سورة الاخلاص معهما تغيبا لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس نعوذ بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن وفي لفظ اقرأ المعوذات دبر كل صلاة فذكرهن (4728) قوله كان إذا اشتكى يقر على نفسه بالمعوذات الحديث تقدم في الوفاة النبوية من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس عن بن شهاب وأحطت بشرحه على كتاب الطب ورواية عقيل عن بن شهاب في هذا الباب وإن اتحد سندها بالذي قبله من بن شهاب فصاعدا لكن فيها أنه كان يقرأ المعوذات عند النوم فهي مغايرة لحديث مالك المذكور فالذي يترجح أنها حديثان عند بن شهاب بسند واحد عند بعض الرواة عنه ما ليس عند بعض فإما مالك ومعمر ويونس وزياد بن سعد عند مسلم فلم تختلف الرواة منهم في أن ذلك كان عند الوجع ومنهم من قيده بمرض الموت ومنهم من زاد فيه عائشة ولم يفسر أحد منهم المعوذات وأما عقيل فلم تختلف الرواة عنه في ذلك عند النوم ووقع في رواية يونس من طريق سليمان بن بلال عنه أن فعل عائشة
[ 52 ]
كان بأمره صلى الله عليه وسلم وسيأتي في كتاب الطب وقد جعلهما أبو مسعود حديثا واحدا وتعقبه أبو العباس الطرقي وفرق بينهما خلف وتبعه المزي والله أعلم وسيأتي شرحه في كتاب الطب إن شاء الله تعالى قوله باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن كذا جمع بين السكنية والملائكة ولم يقع في حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة فلعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة لكن بن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائة كانت فيها ومعها السكينة قال بن بطال قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدا مع الملائكة وقد تقدم بيان الخلاف في السكينة ما هي وما قال النووي في ذلك (4730) قوله وقال الليث الخ وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالاسنادين جميعا قوله حدثني يزيد بن الهاد هو بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد قوله عن محمد بن إبراهيم هو التيمي وهو من صغار التابعين ولم يدرك أسيد بن حضير فروايته عنه منقطعه لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الاسناد الثاني قال الاسماعيلي محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل وعبد الله بن خباب عن أبي سعيد متصل ثم ساقه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن الهاد بالاسنادين جميعا وقال هذه الطريق على شرط البخاري قلت وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد عن بن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بالاسناد الثاني فقط وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد بالاسناد الثاني لكن وقع في روايته عن أبي سعيد عن أسيد بن حضير وفي لفظ عن أبي سعد أن أسيد بن حضير قال لكن في سياقه ما يدل على أن أبا سعيد إنما حمله عن أسيد فإنه قال في أثنائه قال أسيد فخشيت أن يطأ يحيى فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحديث من مسند أسيد بن حضير وليحيى بن كبير فيه عن الليث إسناد آخر أخرجه أبو عبيد أيضا من هذا لوجه فقال عن بن شهاب عن أبي بن كعب بن مالك عن أسيد بن حضير قوله بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة في رواية بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير بينا أنا أقرأ سورة فلما انتهيت إلى آخرها أخرجه أبو عبيد ويستفاد منه أنه ختم السورة التي ابتدأ بها ووقع في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة بينما هو يقرأ في مربده أي في المكان الذي في التمر وفي رواية أبي بن كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده وفي حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشي أن تطأه وهذا كله مخالف لكونه كان حينئذ على ظهر البيت إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان قوله إذ جالت الفرس فسكت فسكنت في رواية إبراهيم بن سعد أن ذلك تكرر ثلاث مرار وهو يقرأ وفي رواية بن أبي ليل سمعت رجة من خلفي حتى ظننت أن فرسي تنطلق قوله فلما اجتره بجيم وثمناه وراء ثقيلة والضمير لولده أي اجتر ولده من المكان الذي هو فيه حتى لا تطأه الفرس ووقع في رواية القابسي أخره بمعجمة ثقيلة وراء خيفة أي عن الموضع الذي كان به خشية عليه قوله رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها كذا فيه باختصار وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه وقع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى
[ 53 ]
يراها وفي رواية إبراهيم بن سعد فقمت إليها فإذا الظلة أن تسمر على قراءتك ولي أمرا له بالقراءة في حالة التحديث وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر عنده لما رأى ما رأى فكأنه يقول استمر على قراءتك لتستمر لك البكرة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذرة في قطع القراءة وهو قوله خفت أن تطأ يحيى أي خشيت إن استمريت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته لانه كان يمكنه أول ما جالت الفرس أن يرفع رأسه وكأنه كان بلغه حديث النهي عن رفع المصلى رأسه إلى السماء فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته فلهذا تمادى به الحال ثلاث مرات ووقع في رواية بن أبي ليلى المذكورة اقرأ أبا عتيك وهي كنية أسيد قوله دنت لصوتك في رواية إبراهيم بن سعد تستمع لك وفي رواية بن كعب المذكورة وكان أسيد حسن الصوت وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الاسماعيلي أيضا اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود وفي هذه الزايدة إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته قوله ولو قرأت في رواية بن أبي ليلى أما إنك لو مضيت قوله ما يتوارى منهم في رواية إبراهيم بن سعد ما تستر منهم وفي رواية بن أبي ليلى أرأيت الاعاجيب قال النووي في هذا الحديث جواز رؤية أحاد الامة للملائكة كذا أطلق وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلا والحسن الصوت قال وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة قلت الحكم المذكور أعم من الدليل فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر وإلا لو كان على الاطلاق لحصل ذلك لكل قارئ وقد أشار في آخر الحديث بقوله ما يتوارى منهم إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم وفيه منقبة لاسيد بن حضير وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل وفضل الخشوع في الصلاة وأن التشاغل بشئ من أمرو الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الامر المباح قوله باب من قال لم تترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين أي ما في المصحف وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين لان ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان وهذه الترجمة المرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته وهو شئ اختلفه الروافض لتصحيح دعواهم أن التصيص على إمامة على واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا في القرآن وأن الصحابة كتموه وهي دعوى باطلة لانهم لم يكتموا مثل أنت عندي بمنزلة هارون من موسى وغيرها من اواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقة وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم الذين يدعون إمامته وهو محمد بن الحنفية وهو بن علي بن أبي طالب فلو كان هناك شئ ما يتعلق بأبيه لكان هو أحق الناس بالاطلاع عليه وكذلك
[ 54 ]
بن عباس فإنه بن عم علي وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله (4731) قوله عن عبد العزيز بن رفيع في رواية علي بن المديني عن سفيان حدثنا عبد العزيز أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله دخلت أنا وشداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود حديثا غير هذا قوله اترك النبي صلى الله عليه وسلم من شئ في رواية الاسماعيلي شيئا سوة القرآن قوله إلا ما بين الدفتين بالفاء تثنية دقة بفتح أوله وهو اللوح ووقع في رواية الاسماعيلي بين اللوحين قوله قال ودخلنا القائل هو عبد العزيز ووقع عند الاسماعيلي لم يدع إلا ما في هذا المصحف أي لم يدع من القرآن ما يتلى إلا ما هو داخل المصحف الموجود ولا يرد على هذا ما تقدم في كتاب العلم عن علي أنه قال ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة لان عليا أراد الاحكام التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينف أن عنده أشياء أخر من الاحكام التي لم يكن كتبها وأما جواب بن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى أو أرادا مما يتعلق بالامامة أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الامامة إلا ما هو بأيدي الناس ويؤيده ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة قال فأنزل الله فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا وحديث أبي بن كعب كانت الاحزاب قدر البقرة وحديث حذيفة ما يقرءون ربعها يعني براءة وكلها أحاديث صحيحة وقد أخرج بن الضريس من حديث بن عمر أنه كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ويقول إن منه قرآنا قد رفع وليس في شئ من ذلك ما يعارض حديث الباب لان جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله باب فضل القرآن على سائر الكلام هذه الترجمة لفظ حديث أخرج الترمذي معناه من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب عزوجل من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ورجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف وأخرجه بن عيد من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا فضل القرآن على سار الكلام كفضل الله على خلقه وفي إسناده عمر بن سعيد الاشج وهو ضعيف وأخرجه بن الضريس من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وأخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب وفي إسناده صفوان بن أبي الصهباء مختلف فيه وأخرجه بن الضريس أيضا من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قال وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه وذلك أنه منه وحديث عثمان هذا سيأتي بعد أبواب بدون هذه الزيادة وقد بين العسكري أنها من قول أبي عبد الرحمن السلمي وقال المصنف في خلف أفعال العباد وقال أبو عبد الرحمن السلمي فذكره وأشار في خلق أفعال العباد إلا أنه لا يصح مرفوعا وأخرجه العسكري أيضا عن طاوس والحسن من قولهما ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما
[ 55 ]
حديث أبي موسى (4732) قوله مثل الذي يقرأ القرآن كالاترجة بضم الهمزة والراء بينهما مثناة ساكنة وآخره جيم ثقيلة وقد تخفف ويزاد قبلها نون ساكنة ويقال بحذف الالف مع الوجهين فتلك أربع لغات وتبلغ مع التخفيف إلى ثمانية قوله طعمها طيب وريحها طيب قيل خص صفة الايمان بالطعم وصفة التلاوة بالريح لان الايمان ألزم للمؤمن من القرآن إذ يمكن حصول الايمان بدون القراءة وكذلك العطم ألزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه ثم قيل الحكمة في تخصيص الاترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة لانه يتداوى بقشرها وهو مفرح الخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الاترج فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقر به الشياطين وغلاف حبه أبيض فيناسب قلب المؤمن وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة ودباغ معدة وجودة هضم ولها منافع أخرى مذكورة في المفردات ووقع في رواية شعبة عن قتادة كما سيأتي بعد أبواب المؤمن الذي يقرآ القرآن ويعمل به وهي زيادة مفسرة للمراد وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي لا مطلق التلاوة فإن قيل لو كان لكثرة التقسيم كأن يقال الذي يقرأ ويعمل وعكسه والذي يعمل ولا يقرأ وعكسه والاقاسم الاربعة ممكنة في غير المنافق وأما المنافق فليس له إلا قسمان فقط لانه لا اعتبار بعمله إذا كان نفاقه نفاق كفر وكأن الجواب عن ذلك أن الذي حذف من التمثيل قسمان الذي يقرأ ولا يعمل والذي لا يعمل ولا يقرأ وهم شبيهان بحال المنافق فيمكن تشبيه الاول بالريحانة والثاني الحنظلة فاكتفى بذكر المنافق والقسمان الآخران قد ذكرا قوله ولا ريح فيها في رواية شعبة لها قوله ومثل الفاجر الذي يقرأ في رواية شعبة ومثل المنافق في الموضعين قوله ولا ريح لها في رواية شعبة وريحها مر واستشكلت هذه الرواية من جهة أن المرارة من أوصاف الطعوم فكيف يوصف بها الريح وأجيب بأن ريحها لما كان كريها استعير له وصف المرارة وأطلق الزركشي هنا أن هذه الرواية وهم وأن الصواب ما في رواية هذا الباب ولا ريح لها ثم قال في كتاب الاطعمة لما جاء فيه ولا ريح لها هذا أصوب من رواية الترمذي طعمها مر وريحها مر ثم ذكر توجيهها وكأنه ما استحضر أنها في هذا الكتاب وتلكم عليها فلذلك نسبها للترمذي وفي الحديث فضيلة حاملي القرآن وضرب المثل للتقريب للفهم وأن المقصود من تلاوة القرآن العمل بما دل عليه الحديث الثاني حديث بن عمر إنما أجلكم في أجل من قبلكم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي في المواقيت من كتاب الصلاة ومطابقة الحديث الاول للترجمة من جهة ثبوت فضل قارئ القرآن على غيره فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الاترج على سائر الفواكه ومناسبة الحديث الثاني من جهة ثبوت فضل هذه الامة على غيرها من الامم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به قوله باب الوصاة
[ 56 ]
بكتاب الله في رواية الكشميهني الوصية وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الوصايا وتقدم فيه حديث الباب مشروحا وقوله فيه أوصى بكتاب الله بعد قوله لا حين قال له هل أوصى بشئ ظاهر هما التخالف وليس كذلك لانه نفي ما يتعلق بالامارة ونحو ذلك لا مطلق الوصية والمراد بالوصية بكتبا الله حفظه حسا ومعنى فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدو ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهية ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه ونحوه ذلك قوله باب من لم يتغن بالقرآن هذه الترجمة لفظ حديث أورده المصنف في الاحكام من طريق بن جريج عن بن شهاب بسند حديث البا بلفظ من لم يتغن بالقرآن فلبس منا وهو في السنن من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره قوله وقوله تعالى أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب عليم أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير بن عيينة يتغنى يستغني كما سيأتي في هذا الباب عنه وأخرجه أبو داود عن بن عيينة ووكيع جميعا وقد بين إسحاق بن راهويه عن بن عيينة أنه استغناء خاص وكذا قال أحمد عن وكيع يستغني به عن أخبار الامم الماضية وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزل أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم وقد خفي وجه مناسبة تلاوة هذه الآية هما على كثير من الناس كابن كثير فنفى أن يكون لذكرها وجه على أن بن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال قال أهل التأويل في هذه الآية فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرا قال فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الامم الماضية وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد قال واتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك وقال بن التين يفهم من الترجمة أن المراد بالتغني الاستغناء لكونه أتبعه الآية التي تضمن لانكار على من لم يستغن بالقرآن عن غيره فحمله على الاكتفاء به وعدم الاعتبار إلى غيره وحمله ضد الفقر من جملة ذلك (4735) قوله عن أبي هريرة في رواية شعيب عن بن شهاب حدثني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة أخرجه الاسماعيل قوله لم يأذن الله لنبي كذا لهم بنون وموحدة وعند الاسماعيلي لشئ بشير معجمه وكذا عند مسلم من جميع طرقه ووقع في رواية سفيان التي تلي هذه في الاصل كالجمهور وفي رواية الكشميهني كرواية عقيل قوله ما أذن نبي كذا لاكب وعند أبي ذر للنبي بزيادة اللام فإن كانت محفوظة فهي للجنس ووهم من ظنها للعهد ونوهم أن المراد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال ما أدن للنبي صلى الله عليه وسلم وشرحه على ذلك (4736) 2) قوله أن يتغنى كذا لهم وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه بدون أن وزعم بن الجوزي أن الصواب حذف أن وأن إثباتها وهم من بعض الرواة لانهم كانوا يروون بالمعنى فربما ظن بعضهم المساواة فوقع في الخطأ لان الحديث لو كان بلفظ أن لكان من الاذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى الاباحة والاطلاق وليس ذلك مرادا هنا وإنما هو من الاذن بفتحتين وهو الاستماع وقوله أذن أي استمع والحاصل أن لفظ أذن بفتحة ثم كسرة في الماضي وكذا في المضارع مشتكر بين الاطلاق والاستماع تقول أذنت آذن بالمد فإن أردت الاطلاق فالمصدر بكسرة ثم سكون وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين قال عدي بن زيد
[ 57 ]
أيها القلب تعلل بدن إن همي في سماع وأذن أي في سماع واستماع وقال الرطبي أصل أذن بتفحتين أن المستمع يميل بإذنه إلى جهة من يسمعه وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهره وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب والمراد به حق الله تعالى إكرام القارئ وإجزال ثوابه لان ذلك ثمرة الاصغاء ووقع عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث ما أذن لشئ كأنه بفتحتين ومثله عند بن أبي داود من طريق محمد بن أبي حفصة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة وعند أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه من حديث فضالة بن عبيد أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته قلت ومع ذلك كله فليس ما أنكره بن الجوزي بمنكر بل هو موجه وقد وقع عند مسلم في رواية أخرى كذلك ووجهها عياض بأن المراد الحث على ذلك والامر به وقله وقال صاحب له يجهر به الضمير في له لابي سلمة والصاحب المذكور هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بينه الزبيدي عن بن شهاب في هذا الحديث أخرجه بن أبي داود عن محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات من طريقه بلفظ ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن قال بن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجم به فكأنه هذا التفسير لم يسمعه بن شهاب من أبي سلمة وسمعه من عبد الحميد عنه فكان تارة يسميه وتارة يبهمه وقد أرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال الذهلي وهو غير محفوظ في حديث معمر وقد رواه عبد الاعلى عن معمر بدون هذه الزيادة قلت وهي ثابتة عن أبي سلمة من وجه آخر أخرجه مسلم من طريق الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ما أذن الله لشئ كأذنه لفي يتغنى بالقرآن يجهز به وكذا ثبت عنده من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة قوله عن سفيان هو بن عيينة قوله عن الزهري هو بن شهاب المذكور في الطريق الاولى ونقل بن أبي داود عن علي بن المديني شيخ البخاري فيه قال لم يقل لنا سفيان قط في هذا الحديث حدثنا بن شهاب قلت قد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال سمعت الزهري ومن طريقه أخرجه أبونعمي في المستخرج والحمدي من أعرف الناس بحديث سفيان وأكثرهم تثبتا عنه السماع من شويخهم قوله قال سفيان تفسيره يستغني به كذا فسره سفيان ويمكن أن يستأنس بما أخرجه أبو داود وابن الضريس وصححه أبو عوانة عن بن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك قال لقبني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال تجار كسبة سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقد ارتضى أبو عبيد تفسير يتغنى يستغني وقال إنه جاد في كلام العرب وأنشد الاعشى وكنت أمرءا زمنا بالعراق خفيف المناخ طويل التغني أي كثير الاستغناء وقال المغيرة بن حبناه كلانا غنى عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا قال فعلى هذا يكون المعنى من لم يستغن بالقرآن عن الاكثار من الدنيا فليس منا أي على طريقتنا واحتج أبو عبيد أيضا بقول بن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غنى ونحو ذلك وقال بن الجوزي اختلفوا في معنى قوله يتغنى على أربعة أقوال أحدا تحسين الصوت والثاني الاستغناء والثالث التحزن قاله الشافعي والرابع التشاغل به تقول العرب تغني بالمكان أقام به قفلت وفيه قول آخر حكاه بن الانباري في الزهري قال المراد التلذذ التسحلاء له كما يستلذ أهل
[ 58 ]
الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيا من حديث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء وهو كقول النابغة بكاء حمامة تدعو هديلا مفجعة هلى فنن تغني أطلق على صوتها غناء لانه يطرب كما يطرب الغناء وإن لم يكن غناء حقيقة وهو كقولهم العمائم تيجان العرب لكونه تقوم مقام التيجان وفيه قول آخر حسن وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء قال بن الاعرابي كان العرب إذا ركبت الابل تتغنى وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني ويؤيد القول الرابع بين الاعشى المتقدم فإنه أراد بوله طويل التغني طول الاقامة الاستغناء لانه أليق بوصف الول من الاستغناء يعني أنه كان ملازما لوطنه بين أهله كانوا يتمدحون بذلك كما قال حسان أولا جفنة حول قبر أبيهم قبر بن مارية الكريم المفضل أراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا يبرحون من أوطانهم فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وهو يئول من حديث المعنى إلى ما اختاره البخاري من تخصيص الاستغناء وأنه يستغني به عن غيره من الكتب وقيل المراد من لم يغنه القرآن وينفعه في إيمانه ويصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وليس المراد ما اختاره أبو عبيد أنه يحصل به الغنى دون الفقر لكن الذي اختاره أبو عبيد غير مدفوع إذا أريد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر لان ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة إلا إن كان ذلك بالخاصية وسياق الحديث يأبى الحمل على ذلك فإن فيه إشارة إلى الحث على تكلف ذلك وفي توجيهه تكلف كأنه قال ليس منا من لم يتطلب الغني بملازمة تلاوته وأما الذي نقله عن الشافعي فلم أره صريحا عنه ي تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا انتهى قال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين وقد روى بن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثي وأخرجه أبو عوانة عن الليث بن سعد قال يتغنى به يتحزمن به ويرقق به قلبه وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل بن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرضعه وقال لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن وإنما أراد تحسين الصوت قال بن بطال وبذلك فسره بن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل ويؤيده رواية عبد الاعلى عن معمر عن بن شهاب في حديث الباب بلفظ ما أذن لنبي في الترنم في القرآن أخرجه الطبري وعنده في رواية عبد الرزاق عن معمر ما اذن لنبي حسن الصوت وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وعند بن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة حسن الترنم بالقرآن قال الطبري والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرب به قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى وأخرج بن ماجة والكجي وصححه بن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا الله أشد أذنا أي استماعا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته والقينة المغنية وروى بن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه كذا وقع عنده المشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به والمعروف في كلام العرب أن التغني الترجيع بالصوت كما قال حسان تغن بالشعر إما أنت قائله إن الغناء بهذا الشعر مضمار قال ولا نعمل في كلام تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم وبيت الاعشى لا حجة فيه لانه أراد طول الاقامة ومنه قوله تعالى كأن لم يمغنوا فيها وقال بيت المغيرة أيضا لا حجة فيه لان التغاني تفاعل بين اثنين وليس هو بمعنى تغني قال وإنما
[ 59 ]
يأتي تغني من الغنى الذي هو ضد الفقر بمعنى تفعل أي يظهر خلاف ما عنده وهذا فاسد المعنى قلت ويمكن أن يكون بمعنى تكلمه أي تطلبه وحمل نفسه عليه ولو شق عليه كما تقدم قريبا ويؤيده حديث فإن لم تبكوا فتباكوا وهو في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي عوانة وأما إنكاره أن يكون تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب فمردود ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وقد تقدم في الجهاد في حديث الخيل ورجل ربطها تعففا وتغنيا وهذا من الاستغناء بلا ريب والمراد يطلب الغني بها عن الناس بقرينة قوله تعففا وممن أنكر تفسيره يتغنى بيستغني أيضا الاسماعيل فقال الاستغناء به لا يحتاج إلى استماع لآن الاستماع أمر خاص زائد على الاكتفاء به وأيضا فالاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة ثم ساق من وجه آخر عن بن عيينة قال يقولون إذا رفع صوته فقد تغنى قلت الذي نقل عنه أنه بمعنى يستغني أتقن لحديثه وقد نقل أبو داود عنه مثله ويمكن الجمع بينهما بأن تفسير يستغني من جهته ويرفع عن غيره وقال عمر بن شبة ذكرت لابي عاصم النبيل تفسير بن عيينة فقال لم يصنع شيئا حدثني بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير بن شبة ذكرت لابي عاصم النبيل تفسير بن عيينة فقال من يصنع شيئا حدثني بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال كان داود عليه السلام يتغنى يعني حين يقرأ ويبكي ويبكي وعن بن عباس أن داود كان يقرأ الزبور بسبعين لحنا ويقرأ قراءة يطرب منها لمحموم وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في بر ولا بحر لا أنصتت له واستمعت وبكت وسيأتي حديث أن أبا موسى أعطي مزمارا من مزامير داود في باب حسن الصوت بالقراءة وفي الجملة ما فسر به بن عيينة ليس بمدفوع وإن كانت ظواهر الاخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت ويؤيده قوله يجهر به فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقها وقد جزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانا يتغنى بكذا أي يجهر به وقال أبو عاصم أخذ بيدي بن جريج فأوقفني على أشعب فقال غن بن أخي ما بلغ من طمعك فذكر قصة فقوله غن أي أخبرني جهرا صريحا ومنه قول ذي الرمة أحب المكان الفقر من أجل أنني به أتغنى باسمها غير معجم أي أجهر ولا أنى والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الاخبار طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد وقد نظمت ذلك في بيتين تغن بالقرآن حسن به الصوت حزينا جاهرا رنم واستغن عن كتب الالي طالبا غنى يد والنفس ثم الزم وسيأتي ما يتعلق بحسن الصوت بالقرآن في ترجمة مفردة ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لان للتطريب تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالالحان أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره لا نزاع في ذلك فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالالحان وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم وحكى بن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهية واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة وحكى بن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية وقال الفوراني من الشافعية في الاباحة يجوز بل يستحب ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل شئ من الحروف عن مخرجه فلو تغير قال النووي في التبيان أجمعوا على تحرميه ولفظ أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة النمطيط فإن خرج حتى زاد حرفا أو أخفاه حرم قال وأما القراءة بالالحان فقد نص الشافعي في موضع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين فإن لم يخرج بالالحان على المنهج القويم جاز والا حرم وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالاحلان إذا انتهت إلى إخراج بعض الالفاظ عن مخارجها حرم وكذا حكى بن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية إن لم يفرط في التمطيط الذي بشوش النظم استحب وإلا فلا وأغرب الرافعي
[ 60 ]
فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقا وحكاه بن حمدان رواية عن الحنابلة وهذا شذوذ لا يعرج عليه والذي يتحصل من لا أدلة أن حسن الصوت مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال بن أبي مليكة أحد رواة الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغيره الحسن ربما اتجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الاداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يف تحسني الصوت بقبح الاداء ولعل هذا مستند من كره القراءة بالانغام لان الغالب على من راعى الانغام أن لا يراعى الاداء فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره لانه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت وجتلب الممنوع من حرمة الاداء والله أعلم قوله باب اغتباط صاحب القرآن تقدم في أوائل كتاب العلم باب الاغتباط في العلم والحكمة وذكرت هنالك تفسير الغبطة والفرق بينما وبين الحسد وأن الحسد في الحديث أطلق عليها مجازا وذكرت كثيرا من مباحث المتن هناك وقال الاسماعيلي هنا ترجمة الباب اغتباط صاحب القرآن وهذا فعل صاحب القرآن فهو الذي يغتبط وإذا كان يغتبط بفعل نفسه كان معناه أنه يسر ويرتاح بعمل نفسه وهذا ليس مطلقا قلت ويمكن الجواب بأن مراد البخاري بأن الحديث لما كان دالا على أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من المل بالقرآن فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى إذا سمع هذه الباشرة الواردة في حديث الصادق (4737) عز وجلقوله لا حسد أي لا رخصة في الحسد إلا في خصلتين أو لا يحسن الحسد إن حسن أو أطلق الحسد مبالغة في الحث على تحصيل الخصلتين كأنه قيل لو لم يحصلا إلا بالطريق المذموم لكان ما فيهما من الفضل حاملا على الاقسام على تحصيلهما به فكيف والطريق المحمود يمكن تحصيلهما به وهو من جنس قوله تعالى فاستبقوا الخيرات فإن حقيقة السبق أن يتقدم على غيره في المطلوب قوله إلا على اثنتين في حديث بن مسعود الماضي وكذا في حديث أبي هريرة المذكور تلو هذا إلا في اثنتين تقول حسدته على كذا أي على وجود ذلك له وأما حسدته في كذا فمعناه حسدته في شأن كذا وكأنها سبية قوله وقام به آناء الليل كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري وفي مستخرج أبي نعمي من طريق أبي بكر بن زنجويه عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه آناء الليل وآناء النهار وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق إسحاق بن يسار عن أبي اليمان وكذا هو عند مسلم من وجه آخر عن الزهري وقد تقم في العلم أن المراد بالقيام به العمل به تلاوة وطاعة وقوله (4738) حدثنا علي بن إبراهيم هو الواسطي في قول الاكثر واسم جده عبد المجيد اليكشري وهو ثقة متقن عاش بعد البخاري نحو عشرين سنة وقيل بن أشكاب وهو علي بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب نسب إلى جده وبهذا جزم بن عيد وقيل علي بن عبد الله بن إبراهيم نسب إلى جده وهو قول الدارقطني وأبي عبد الله بن منده وسيأتي في النكاح رواية الفربري عن علي بن عبد الله بن إبراهيم عن حجاج بن محمد وقال الحاكم قيل هو علي بن إبراهيم المروزي وهو مجهول وقيل الواسطي قوله روح هو بن عبادة وقد تابعه بشر بن منصور وابن أبي عدي والنضر بن شميل كلهم عن شعبة قال الاسماعيلي رفعه هؤلاء ووقفه غندر عن شعبة قوله سليمان هو الاعمش قال سمعت ذكوان هو أبو صالح
[ 61 ]
السمان قلت ولشعبة عن الاعمش فيه شيخ آخر أخرج أحمد عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الانماري قلت وقد أشرت إلى متن أبي كبشة في كتاب العلم وسياقه أتم من سياق أبي هريرة وأخرجه أبو عوانة في صحيه أيضا من طريق أبي زيد الهروي عن شعبة وأخرجه أيضا من طريق جرير عن الاعمش بالاسنادين معا وهو ظاهر في أنهما حديثان متغايران سندا ومتنا اجتمعا لشعبة وجرير معا عن الاعمش وأشار أبو عوانة إلى أن مسلما لم يخرج حديث أبي هريرة لهذه العلة وليس ذلك بواضح لانها ليست علة قادحة قوله فهو يهلكه في الحق فيه احتراس بليغ كأنه لما أوهم الانفاق في التبذير من جهة عموم الاهلاك قيده بالحق والله أعلم قوله باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا ترجم بلفظ المتن وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية بالواو (5863) قوله عن سعد بن عبيدة كذا يقول شعبة يدخل بين علقمة بن مرثد وأبي عبد الرحمن سعد بن عبيدة وخالفه سفيان الثوري فقال عن علقمة عن أبي عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه الهادي في القرآن في تخريج طرقه فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعا كثيرا وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول الشريعة له وأكثر من تخرج طرقه أيضا ورجح الحافظ رواية الثوري وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الاسانيد وقال الترمذي كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة وأما البخاري فأخرج الطريقين فكأنه ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان فيحمل على أن علمقة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة وهي قول أبي عبد الرحمن فذلك الذي أقعدني هذا المقعد كما سيأتي البحث فيه وقد شذت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا سفيان وشعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة به وقال النسائي أنبأنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان أن علقمة حدثهما عن سعد قال الترمذي قال محمد بن بشار أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعد بن عبيدة وهو الصحيح اه وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم وقال بن عدي جمع يحيى القطان بن شعبة وسفيان فالثوري لا يذكر في إسناده سعد بن عبيدة وهذا مما عد في خطأ يحيى القطان على الثوري وقال في موضع آخر حمل يحيى القطان رواية الثوري على رواية شعبة فساق الحدث عنهما وحمل إحدى الروايتين على الاخرى فساقه على لفظ شعبة والي ذلك أشار الدارقطني وتعقب بأنه فصل بين الفظيهما في رواية النسائي فقال قال شعبة خيركم وقال سفيان أفضلكم قلت وهو تعقب واه إذا لا يلزم من تفصيله للفظهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الاسناد قال بن عدي يقال أن يحيى القطان لم يخطئ قط إلا في هذا الحديث وذكر الدارقطني أن خالد بن يحيى تابع يحيى القطان عن الثوري على زيادة سعد بن عبدية وهي رواية شاذة وأخرج بن عدي من طريق يحيى بن آدم عن الثوري وقيس بن الربع وفي رواية عن يحيى بن آدم عن شعبة وقيس بن الربيع جميعا عن علقمة عن سعد بن عبيدة قال وكذا رواه سعيد بن السالم القداح عن الثوري ومحمد بن أبان كلاهما عن علقمة بزيادة سعد وزاد في إسناده رجلا آخر كما سأبينه وكل هذه الروايات وهم والصواب عن الثوري بدون ذكر سعد وعن شعبة بإثباته قوله عن عثمان في رواية شريك عن عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن بن مسعود أخرجه بن أبي داود بلفظ خيركم من قرأ القرآن وأقرأه وذكره الدارقطني وقال الصحيح عن أبي عبد الرحمن عن عصمان وفي رواية خلاد بن يحيى عن الثوري بسنده قال عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان قال الدارقطني هذا وهم فإن كان محفوظا احتمل
[ 62 ]
أن يكون السملي أخذه عن أبان بن عثمان عن عثمان ثم لقي عثمان فأخذه عنه وتعقب بأن أبا عبد الرحمن أكبر من أبان وأبان اختلف في سماعه من أبيه أشد مما اختلف في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان فبعد هذا الاحتمال وجاء من وجه آخر كذلك أخرجه بن أبي داود من طريق سعيد بن سلام عن محمد بن أبان سمعت علقمة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان فذكره وقال تفرد به سعيد بن سلام يعني عن محمد بن أبان قلت وسعيد ضعيف وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان وكذا نقله أبو عوانة في صحيحه عن شعبة ثم قال اختلف أهل التمييز في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان ونقل بن أبي داود عن يحيى بن معين مثل ما قال شعبة وذكر الحافظ أبو العلاء أم مسلما سكت عن إخراج هذا الحديث في صحيحه قلت قد وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لابي عبد الرحمن وذلك فيما أخرجه بن عيد في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم من طريق بن جريج عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن وحدثني عثمان وفي إسناده مقال لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة وهي أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه ولا سيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيرهم فكان هذا أولى من قول من قال إنه لم يسمع منه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا للاكثر والسرخسي أو علمه وهي للتنويع لا للشك وكذا لاحمد عن غندر عن شعبة وزاد في أوله إن وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو وكذا وقع عند أحمد عن بهز وعند أبي داود عن حفص بن عمر كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من حديث علي وهي أظهر من حيث المعنى لان التي بأو تقضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الامرين فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرا ممن عمل بما فيه مثلا وإن لم يتعلمه ولا يقال يلزم على رواية الواو أيضا أن من تعلمه وعلمه غيره أن يكون أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه ولم يعلمه غيره لانا نقول يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط بل من أشرف العمل تعليم الغير فمعمل غيره يستلزم أن يكون تعمله وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد ولا يقال لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من علم غيره علما ما في ذلك لانا نقول القرآن أشرف العلوم فيكون من نعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القر آن وإن علمه فيثبت المدعي ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل وهو من جملة من عني سبحانه وتعالى بقوله ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع وعكسه الكافر المانع لغيره من الاسلام كما قال تعلى فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا لا لان المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لانهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئا أو مقرا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه فإن قيل فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الاسلام بالمجاهدة والرابط والامر بالعروف والنهي عن المنكر مثل قلنا حرف المسألة يدور على نفع المعتدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فعل من مضرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الاخلاص في كل منف منهم ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك ان اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد مراعاة الحيثية لان القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره
[ 63 ]
النسبة إلى خيرية القرآن وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا (4739) قوله قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج أي حتى ولي الحجاج على العراق قلت بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبن عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وادناها والقائل وأقرأ الخ هو سعد بن عبيدة فانني لم أر هذه الزيادة الا من رواية شعبة عن علقمة وقائل وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا هو أبو عبد الرحمن وحكى الكرماني أنه وقع في بعض نسخ البخاري قال سعد بن عبيدة وأقرأني أبو عبد الرحمن قال وهي انسب لقوله وذاك الذي أقعدني الخ أي أن اقراءه اياي هو الذي حملني على أن قعدت هذا المقعد الجليل اه والذي في معظم النسخ وأقرأ بحذف المفعول وهو الصواب وكأن الكرماني ظن أن قائل وذاك الذي أقعدني هو سعد بن عبيدة وليس كذلك بل قائله أبو عبد الرحمن ولو كان كما ظن للزم أن تكون المدة الطويلة سيقت لبيان زمان أقراء أبي عبد الرحمن لسعد بن عبيدة وليس كذلك بل إنما سيقت لبيان طول مدته لاقراء الناس القرآن وأيضا فكان يلزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ على أبي عبد الرحمن من زمن عثمان وسعد لم يدرك زمان عثمان فإن أكبر شيخ له المغيرة بن شعبة وقد عاش بعد عثمان خمس عشرة سنة وكان يلزم أيضا أن تكون الاشارة بقوله وذلك إلى صنيع أبي عبد الرحمن وليس كذلك بل الاشارة بقوله ذلك إلى الحديث المرفوع أي أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة وقد وقع الذي حملنا كلامه عليه صريحا في رواية أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جمعا عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة قال قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني هذا المقعد وكذا أخرجه الترمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة وقال فيه مقعدي هذا قال وعلم أبو عبد الرحمن القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج وعند أبي عوانة من طريق بشر بن أبي عمرو وأبي غياث وأبي الوليد ثلاثتهم عن شعبة بلفظ قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن والاشارة بذلك إلى الحديث كما قررته وإسناده إليه إسناد مجازي ويحتمل أن تكون الاشارة به إلى عثمان وقد وقع في رواية أبي عوانة أيضا عن يوسف بن مسلم عن حجاج بن محمد بلفظ قال أبو عبد الرحمن وهو الذي اجلسني هذا المجلس وهو محتمل أيضا (4740) قوله حدثنا سفيان هو الثوري وعلقمة بن مرثد بمثلثة يوزن جعفر ومنهم من ضبطه بكسر المثلثة وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة الاعمش وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز من روايته عن سعد بن عبيدة أيضا وثالث في مناقب الصحابة وقد تقدما قوله إن أفضلكم من تعلم القرآن أو علمه كذا ثبت عندهم بلفظ أو وفي رواية الترمذي من طريق بشر بن السري عن سفيان خيركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه فاختلف في رواية سفيان أيضا في أن الرواية بأو أو بالواو وقد تقدم توجيهه وفي الحديث الحث على تعليم القرآن وقد سئل الثوري عن الجهاد واقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث أخرجه بن أبي داود وأخرج عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرئ القرآن خمس آيات خمس آيات وأسند من وجه آخر عن أبي العالية مثل ذلك وذكر أن جبريل كان ينزل به كذلك وهو مرسل وشاهد مما قدمته في تفسير
[ 64 ]
المدثر وفي تفسير سورة اقرأ ثم ذكر المصنف طرفا من حديث سهل بن سعد في العمة التي وهبت نفسها قال بن بطال وجه إدخاله في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم زوجه المرأة لحرمة القرآن وتعقبه بن التين بان السياق يدل على أنه زوجها له على أن يعلمها وسيأتي البحث فيه مع استيفاء شرحه في كتاب النكاح وقال غيره وجه دخوله أن فضل القرآن ظهر على صاحبه في العاجل بان قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى بلوغ الغرض وأما نفعه في الاجل فظاهر لا خفاء به (4741) قوله وهبت نفسها لله ولرسوله في رواية الحموي وللرسول قوله ما معك من القرآن قال كذا وكذا ووقع في الباب الذي يلي هذا سورة كذا وسورة كذا وسيأتي بيان ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى قوله باب القراءة عن ظهر القلب ذكر فيه حديث سهل في الواهبة مطولا وهو ظاهر فيما ترجم له لقوله فيه اتقرأهن عن ظهر قلبك قال نعم فدل على فضل القراءة عن ظهر القلب لانها أمكن في التوصل إلى التعليم وقال بن كثير أن كان البخاري أراد بهذا الحديث الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرا من المصحف ففيه نظر لانها قضية عين فيحتمل أن يكون الرجل كان لا يحسن الكتابة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا يدل ذلك على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل في حق من يحسن ومن لا يحسن وأيضا فإن سياق هذا الحديث إنما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمه لزوجته وليس المراد أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا لعدمه قلت ولا يرد على البخاري شئ مما ذكر لان المراد بقوله باب القراءة عن ظهر قلب مشروعيتها أو استحبابها والحديث مطابق لما ترجم به ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفعه قال فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كفضل الفريضة على النافلة وإسناده ضعيف ومن طريق بن مسعود موقوفا اديموا النظر في المصحف وإسناده
[ 65 ]
صحيح ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف اسلم من الغلط لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص وأخرج بن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي إمامة اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن وزعم بن بطال أن في (4742) قوله اتقرأهن عن ظهر قلب ردا لما تأوله الشافعي في انكاح الرجل على أن صداقها اجرة تعليمها كذا قال ولا دلالة فيه لما ذكر بل ظاهر سياقه أنه استثبته كما تقدم والله أعلم قوله باب استذكار القرآن أي طلب ذكره بضم الذال وتعاهده أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته وذكر في الباب ثلاثة أحاديث الاول (4743) قوله إنما مثل صاحب القرآن أي مع القرآن والمراد بالصاحب الذي ألفه قال عياض المؤالفة المصاحبة وهو كقوله أصحاب الجنة وقوله ألفه أي ألف تلاوته وهو أعم من أن يألفها نظرا من المصحف أو عن ظهر قلب فإن الذي يداوم على ذلك يذل له لسانه ويسهل عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه وقوله إنما يقتضي الحصر على الراجح لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك قوله كمثل صاحب الابل المعقلة أي مع الابل المعقلة والمعقلة بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف أي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير شبة درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ وخص الابل بالذكر لانها أشد الحيوان الانسي نفورا وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة قوله أن عاهد عليها أمسكها أي استمر امساكه لها وفي رواية أيوب عن نافع عند مسلم فإن عقلها حفظها قوله وأن أطلقها ذهبت أي انفلتت وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم أن تعاهدها صاحبها فعقلها أمسكها وأن أطلق عقلها ذهبت وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه الحديث الثاني (4744) قوله حدثنا محمد بن عرعرة بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مكررتين ومنصور هو بن المعتمر وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو بن مسعود وسيأتي في الرواية المعلقة التصريح بسماع شقيق له من بن مسعود قوله بئس ما لاحدهم أن يقول قال القرطبي بئس هي أخت نعم فالاولى للذم والاخرى للمدح وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرا أو مضمرا الا أنه إذا كان ظاهرا لم يكن في الامر العام الا بالالف واللام للجنس أو مضاف إلى ما هما فيه حتى يشتمل على الموصوف بأحدهما ولا بد من ذكره تعينا كقوله نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو فإن كان الفاعل مضمرا فلا بد من ذكر اسم نكرة بنصب على التفسير للضمير كقوله نعم رجلا زيد وقد يكون هذا التفسير ما على ما نص عليه سيبويه كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى فنعما هي وقال الطيبي وما نكرة موصوفة وأن يقول مخصوص بالذم أي بئس شيئا كان الرجل يقول قوله نسيت بفتح النون وتخفيف السين اتفاقا قوله آية كيت وكيت قال القرطبي كيت وكيت يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل ومثلهما ذيت وذيت وقال ثعلب كيت للافعال وذيت للاسماء وحكى بن التين عن الداودي أن هذه الكلمة مثل كذا الا أنها خاصة بالمؤنث وهذا من مفردات الداودي قوله بل هو نسي بضم النون وتشديد المهملة المكسورة قال القرطبي رواه بعض رواة مسلم مخففا قلت وكذا هو في مسند أبي يعلى وكذا أخرجه بن أبي داود في كتاب الشريعة من طرق متعددة مضبوطة بخط موثوق به على كل سين علامة
[ 66 ]
التخفيف وقال عياض كان الكناني يعني أبا الوليد الوقشي لا يجيز في هذا غير التخفيف قلت والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري وكذا في أكثر الروايات في غيره ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في الغريب بعد قوله كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي الاول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتثقيل السين قال القرطبي التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره قال ومعنى التخفيف أن الرجل ترك غير ملتفت إليه وهو كقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة واختلف في متعلق الذم من قوله بئس على أوجه الاول قيل هو على نسبة الانسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله فكان ينبغي أن يقول أنسيت أو نسيت بالتثقيل على البناء للمجهول فيهما أي أن الله هو الذي انساني كما قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون وبهذا الوجه جزم بن بطال فقال أراد أن يجري على السن العباد نسبة الافعال إلى خالقها لما في ذلك من الاقرار له بالعبودية والاستسلام لقدرته وذلك أولي من نسبة الافعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها إلى مكتسبها جائز بدليل الكتاب والسنة ثم ذكر الحديث الاتي في باب نسيان القرآن قال وقد أضاف موسى عليه السلام النسيان مرة إلى نفسه ومرة إلى الشيطان فقال إني نسيت الحوت وما انسانية الا الشيطان ولكل إضافة منها معنى صحيح فالاضافة إلى الله بمعنى أنه خالق الافعال كلها وإلى النفس لان الانسان هو المكتسب لها وإلى الشيطان بمعنى الوسوسة اه ووقع له ذهول فيما نسبه لموسى وإنما هو كلام فتاه وقال القرطبي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان إلى نفسه يعني كما سيأتي في باب نسيان القرآن وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال نسيت الحوت وموسى إلى نفسه حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت وقد سيق قول الصحابة ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا مساق المدح قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فالذي يظهر أن ذلك ليس متعلق الذم وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالاول لكن سبب الذم ما فيه من الاشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان الا بترك التعاهد وكثرة الغفلة فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره فإذا قال الانسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لانه الذي يورث النسيان الوجه الثالث قال الاسماعيلي يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت لا بمعنى السهو العارض كما قال تعالى نسوا الله فنسيهم وهذا اختيار أبي عبيد وطائفة الوجه الرابع قال الاسماعيلي أيضا يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا فإن الله هو الذي نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته وليس لي في ذلك صنع بل الله هو الذي ينسيني لما تنسخ تلاوته وهو كقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فإن المراد بالمنسى ما ينسخ تلاوته فينسى الله نبيه ما يريد نسخ تلاوته الوجه الخامس قال الخطابي يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من ضروب النسخ نسيان الشئ الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشئ فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته فيقول القائل نسيت آية كذا فنهوا عن ذلك لئلا يتوهم على محكم القرآن الضياع وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك إنما هو بإذن الله لما رآه من الحكمة والمصلحة الوجه السادس قال الاسماعيلي وفيه وجه آخر وهو أن النسيان الذي هو خلاف الذكر اضافته إلى صاحبه مجاز لانه عارض له لا عن قصد منه لانه لو قصد نسيان الشئ لكان ذاكرا له في حال قصده فهو كما قال ما مات فلان ولكن اميت قلت وهو قريب من الوجه الاول وأرجح الاوجه الوجه الثاني ويؤيده عطف الامر باستذكار القرآن عليه وقال عياض أولي ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه وقال النووي الكراهة فيه للتنزيه قوله واستذكروا القرآن أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به قال الطيبي
[ 67 ]
وهو عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لاحدكم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه وزاد بن أبي داود من طريق عاصم عن أبي وائل في هذا الموضع فإن هذا القرآن وحشي وكذا أخرجها من طريق المسيب بن رافع عن بن مسعود قوله فإنه أشد تفصيا بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا تقول تفصيت كذا أي احطت بتفاصيله والاسم الفصة ووقع في حديث عقبة بن عامر بلفظ تفلتا وكذا وقعت عند مسلم في حديث أبي موسى ثالث أحاديث الباب ونصب على التمييز وفي هذا الحديث زيادة على حديث بن عمر لان في حديث بن عمر تشبيه أحد الامرين بالاخر وفي هذا أن هذا أبلغ في النفور من الابل ولذا أفصح به في الحديث الثالث حيث قال لهو أشد تفصيا من الابل في عقلها لان من شأن الابل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن أن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك وقال بن بطال هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وقوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له ومن اعرض عنه تفلت منه (4745) قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو المذكور في الاسناد الذي قبله وهذه الطريق ثبتت عند الكشميهني وحده وثبتت أيضا في رواية النسفي وقوله مثله الضمير للحديث الذي قبله وهو يشعر بان سياق جرير مساو لسياق شعبة وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة مقرونا بإسحاق بن راهويه وزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير ولفظه مساو للفظ شعبة المذكور الا أنه قال استذكروا بغير واو وقال فلهو أشد بدل قوله فإنه وزاد بعد قوله من النعم بعقلها وقد أخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة بإثبات الواو وقال في آخره من عقله وهذه الزيادة ثابتة عنده في حديث شعبة أيضا من رواية غندر عنه بلفظ بئسما لاحدكم أو لاحدهم أن يقول إني نسيت آية كيت وكيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو نسي ويقول استذكروا القرآن الخ وكذا ثبتت عنده في رواية الاعمش عن شقيق بن سلمة عن بن مسعود قوله تابعه بشر عن بن المبارك عن شعبة يريد أن عبد الله بن المبارك تابع محمد بن عرعرة في رواية هذا الحديث عن شعبة وبشر هو بن محمد المروزي شيخ البخاري قد أخرج عنه في بدء الوحي وغيره ونسبه المتابعة إليه مجازية وقد يوهم أنه تفرد بذلك عن بن المبارك وليس كذلك فإن الاسماعيلي أخرج الحديث من طريق حبان بن موسى عن بن المبارك ويوهم أيضا أن بن عرعرة وابن المبارك انفردا بذلك عن شعبة وليس كذلك لما ذكر فيه من رواية غندر وقد أخرجها أحمد أيضا عنه وأخرجه عن حجاج بن محمد وأبي داود الطيالسي كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من رواية الطيالسي قوله وتابعه بن جريج عن عبدة عن شقيق سمعت عبد الله أما عبدة فهو بسكون الموحدة وهو بن أبي لبابة بضم اللام وموحدتين مخففا وشقيق هو أبو وائل وعبد الله هو بن مسعود وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريج قال حدثني عبدة بن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة سمعت عبد الله بن مسعود فذكر الحديث إلى قوله بل هو نسي ولم يذكر ما بعده وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن جحادة عن عبدة وكأن البخاري أراد بإيراد هذه المتابعة دفع تعليل من أعل الخبر برواية حماد بن زيد وأبي الاحوص له عن منصور موقوفة على بن مسعود قال الاسماعيلي روى حماد بن زيد عن منصور وعاصم الحديثين معا موقوفين وكذا رواهما أبو الأحوص عن منصور وأما بن عيينة فأسند الاول ووقف الثاني قال ورفعهما جميعا إبراهيم بن طهمان وعبيدة بن حميد عن منصور وهو ظاهر سياق سفيان الثوري قلت ورواية عبيدة أخرجها بن أبي داود ورواية سفيان ستأتي عند المصنف قريبا مرفوعا لكن اقتصر على الحديث الاول وأخرج بن أبي داود من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا الحديثين معا وفي
[ 68 ]
رواية عبدة بن أبي لبابة تصريح بن مسعود بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يقوي رواية من رفعه عن منصور والله أعلم الحديث الثالث قوله عن بريد بالموحدة هو بن عبد الله بن أبي بردة وشيخه أبو بردة هو جده المذكور وأبو موسى هو الاشعري قوله في عقلها بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله وهو الحبل ووقع في رواية الكشميهني من عقلها وذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ من عللها بلامين ولم اقف على هذه الرواية بل هي تصحيف ووقع في رواية الاسماعيلي بعقلها قال القرطبي من رواه من عقلها فهو على الاصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت وأما من رواه بالباء أو بالفاء فيحتمل أن يكون بمعنى من أو للمصاحبة أو الظرفية والحاصل تشبيه من يتفلت منه القرآن بالناقة التي تفلتت من عقالها وبقيت متعلقة به كذا قال والتحرير أن التشبيه وقع بين ثلاثة بثلاثة فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة والقرآن بالناقة والحفظ بالربط قال الطيبي ليس بين القرآن والناقة مناسبة لانه قديم وهي حادثه لكن وقع التشبيه في المعنى وفي هذه الاحاديث الحض على محافظة القرآن بدوام دراسته وتكرار تلاوته وضرب الامثال لايضاح المقاصد وفي الاخير القسم عند الخبر المقطوع بصدقة مبالغة في تثبيته في صدور سامعيه وحكى بن التين عن الداودي أن في حديث بن مسعود حجة لمن قال فيمن ادعى عليه بمال فأنكر وحلف ثم قامت عليه البينة فقال كنت نسيت أو ادعى بينة أو ابراء أو التمس يمين المدعى أن ذلك يكون له ويعذر في ذلك كذا قال قوله باب القراءة على الدابة أي لراكبها وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد نقله بن أبي داود عن بعض السلف وتقدم البحث في كتاب الطهارة في قراءة القرآن في الحمام وغيرها وقال بن بطال إنما أراد بهذه الترجمة أن في القراءة على الدابة سنة موجودة واصل هذه السنة قوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه الآية ثم ذكر المصنف حديث عبد الله بن مغفل مختصرا وقد تقدم بتمامه في تفسير سورة الفتح ويأتي بعد أبواب قوله باب تعليم الصبيان القرآن كأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد جاءت كراهية ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي واسنده بن أبي داود عنهما ولفظ إبراهيم كانوا يكرهون أن يعلموا الغلام القرآن حتى يعقل وكلام سعيد بن جبير يدل على أن كراهة ذلك من جهة حصول الملال له ولفظه عند بن أبي داود أيضا كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين وأخرج بإسناد صحيح عن الاشعث بن قيس أنه قدم غلاما صغيرا فعابوا عليه فقال ما قدمته ولكن قدمه القرآن وحجة من أجاز ذلك أنه ادعى إلى ثبوته ورسوخه عنده كما يقال التعلم في الصغر كالنقش في الحجر وكلام سعيد بن جبير يدل على أنه يستحب أن يترك الصبي أولا مرفها ثم يؤخذ الجد على التدريج والحق أن ذلك يختلف بالاشخاص والله وأعلم (4748) قوله عن سعيد بن جبير قال أن الذي تدعونه المفصل هو المحكم قال وقال بن عباس توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن عشر سنين وقد قرأت المحكم كذا فيه تفسير المفصل بالمحكم من كلام سعيد بن جبير وهو دال على أن الضمير في قوله في الرواية الاخرى فقلت له وما المحكم لسعيد بن جبير وفاعل قلت هو أبو بشر بخلاف ما يتبادر أن الضمير لابن عباس وفاعل قلت سعيد بن جبير ويحتمل أن يكون كل منهما سأل شيخه عن ذلك والمراد بالمحكم الذي ليس فيه منسوخ ويطلق المحكم على ضد المتشابه وهو اصطلاح أهل
[ 69 ]
الاصول والمراد بالمفصل السور التي كثرت فصلوها وهي من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح ولعل المصنف أشار في الترجمة إلى قول بن عباس سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير أخرجه بن سعيد وغيره بإسناد صحيح عنه وقد استشكل عياض قول بن عباس توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن عشر سنين بما تقدم في الصلاة من وجه آخر عن بن عباس أنه كان في حجة الوداع ناهز الاحتلام وسيأتي في الاستئذان من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنا ختين وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك وعنه أيضا أنه كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم بن خمس عشرة سنة وسبق إلى استشكال ذلك الاسماعيلي فقال حديث الزهري عن عبيد الله عن بن عباس يعني الذي مضى في الصلاة يخالف هذا وبالغ الداودي فقال حديث أبي بشر يعني الذي في هذا الباب وهم وأجاب عياض بأنه يحتمل أن يكون قوله وأنا بن عشر سنين راجع إلى حفظ القرآن لا إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون تقدير الكلام توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعت المحكم وأنا بن عشر سنين ففيه تقديم وتأخير وقد قال عمرو بن على الفلاس الصحيح عندنا أن بن عباس كان له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة قد استكملها ونحوه لابي عبيد وأسند البيهقي عن مصعب الزبيري أنه كان بن أربع عشرة وبه جزم الشافعي في الام ثم حكى أنه قيل ست عشرة وحكى قول ثلاث عشرة وهو المشهور وأورد البيهقي عن أبي العالية عن أبي عباس قرأت المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن ثنتي عشرة فهذه ستة أقوال ولو ورد إحدى عشرة لكانت سبعة لانها من عشر إلى ست عشرة قلت والاصل فيه قول الزبير بن بكار وغيره من أهل النسب أن ولادة بن عباس كانت قبل الهجر بثلاث سنين وبنو هاشم في الشعب وذلك قبل وفاة أبي طالب ونحوه لابي عبيد ويمكن الجمع بين مختلف الروايات الا ست عشرة وثنتي عشرة فإن كلا مهما لم يثبت سنده والاشهر بان يكون ناهز الاحتلام لما قارب ثلاث عشرة ثم بلغ لما استكملها ودخل في التي بعدها فاطلاق خمس عشرة بالنظر إلى جبر الكسرين وإطلاق العشر والثلاث عشرة بالنظر إلى الغاء الكسر وإطلاق أربع عشرة يجبر أحدهما وسيأتي مزيد لهذا في باب الختان بعد الكبر من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى واختلف في أول المفصل مع الاتفاق على أنه آخر جزء من القرآن على عشرة أقوال ذكرتها في باب الجهر بالقراءة في المغرب وذكرت قولا شاذا أنه جميع القرآن سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله قوله باب نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية كذا وكذا كأنه يريد أن النهي عن قول نسيت آية كذا وكذا ليس للزجر عن هذا اللفظ بل للزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ ويحتمل أن ينزل المنع والاباحة على حالتين فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر ديني كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك لان النسيان لم ينشأ عن إهمال ديني وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسبة النسيان إلى نفسه ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما أن كان محظورا أمتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان قوله وقول الله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله هو مصير منه إلى اختيار ما عليه الاكثر أن لا في قوله فلا تنسى نافية وأن الله أخبره أنه لا ينسى ما أقرأه إياه وقد قيل أن لا ناهية وإنما وقع الاشباع في السين لتناسب رؤوس الآي والاول أكثر واختلف في الاستثناء فقال الفراء هو للتبرك وليس هناك شئ استثنى وعن الحسن وقتادة الا ما شاء الله أي قضى أن ترفع تلاوته وعن بن عباس الا ما أراد الله أن ينسيكه لتسن وقيل لما جبلت عليه من الطباع البشرية لكن سنذكره بعد وقيل المعنى فلا تنسى أي لا تترك العمل به الا ما أراد الله أن ينسخه فتترك العمل به (4750) قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا
[ 70 ]
أي صوت رجل وقد تقدم بيان اسمه في كتاب الشهادات قوله لقد اذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا لم اقف على تعيين الآيات المذكورة وأغرب من زعم أن المراد بذلك إحدى وعشرون آية لان بن عبد الحكم قال فيمن أقر أن عليه كذا وكذا درهما أنه يلزمه أحد وعشرون درهما وقال الداودي يكون مقرا بدرهمين لانه أقل ما يقع عليه ذلك قال فإن قال له علي كذا درهما كان مقرا بدرهم واحد قوله في الطريق الثانية حدثنا عيسى هو بن يونس بن أبي إسحاق قوله عن هشام وقال اسقطتهن يعني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بالمتن المذكور وزاد فيه هذه الفظة وهي اسقطتهن وقد تقدم في الشهادات من هذا الوجه بلفظ فقال رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية اسقطتهن من سورة كذا وكذا قوله تابعه على بن مسهر وعبدة عن هشام كذا للاكثر ولابي ذر عن الكشميهني تابعه على بن مسهر عن عبدة وهو غلط فان عبدة رفيق على بن مسهر لا شيخه وقد أخرج المصنف طريق على بن مسهر في آخر الباب الذي يلي هذا بلفظ اسقطتها وأخرج طريق عبدة وهو بن سليمان في الدعوات ولفظه مثل لفظ علي بن مسهر سواء قوله في الرواية الثالثة (4751) كنت انسيتها هي مفسرة لقوله اسقطتها فكأنه قال أسقطتها نسيانا لا عمدا وفي رواية معمر عن هشام عند الاسماعيلي كنت نسيتها بفتح النون ليس قبلها همزة قال الاسماعيلي النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشئ من القرآن يكون على قسمين أحدهما نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود في السهو إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون والثاني أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله قال فأما القسم الاول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون وأما الثاني فداخل في قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة قلت وقد تقدم توجيه هذه القراءة وبيان من قرأ بها في تفسير البقرة وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما لبس طريقه البلاغ مطلقا وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين أحدهما أنه بعدما يقع منه تبليغه والآخر أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكرة أما بنفسه وأما بغيره وهل يشترط في هذا القول قولان فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلا وزعم بعض الاصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلا وإنما يقع منه صورته ليسن قال عياض لم يقل به من الاصوليين أحد الا أبا المظفر الاسفرايني وهو قول ضعيف وفي الحديث أيضا جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد والدعاء لمن حصل له من جهته خير وأن لم يقصد المحصول منه ذلك واختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه الا بذنب أحدثه لان الله يقول وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ونسيان القرآن من أعظم المصائب واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا عرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن اوتيها رجل ثم نسيها في إسناده ضعف وقد أخرج بن أبي داود من وجه آخر مرسل نحوه ولفظه أعظم من حامل القرآن وتاركه ومن طريق أبي العالية موقوفا كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه وإسناده جيد ومن طريق بن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ولابي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو اجذم وفي إسناده أيضا مقال وقد قال به من الشافعية أبو المكارم الروياني واحتج بان الاعراض
[ 71 ]
عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره وقال القرطبي من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها أن يعاقب على ذلك فان ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم وقال إسحاق بن راهويه يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود بئس ما لاحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت وقد تقدم شرحه قريبا وسفيان في السند هو الثوري واختلف في معنى اجذم فقيل مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل مقطوع السبب من الخير وقيل خالي اليد من الخير هي متقاربة وقيل يحشر مجذوما حقيقة ويزيده أن في رواية زائدة بن قدامة عند عبد بن حميد أتى الله يوم القيامة وهو مجذوم وفيه جواز قول المرء اسقطت آية كذا من سورة كذا إذا وقع ذلك منه وقد أخرج بن أبي داود من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال لا تقل اسقطت كذا بل قل أغفلت وهو أدب حسن وليس واجبا قوله باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا أشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك وقال لا يقال الا السورة التي يذكر فيها كذا وقد تقدم في الحج من طريق الاعمش أنه سمع الحجاج بن يوسف على المنبر يقول السورة التي يذكر فيه كذا وأنه رد عليه بحديث أبي مسعود قال عياض حديث أبي مسعود حجة في جواز قول سورة البقرة ونحوها وقد اختلف في هذا فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم وقال تقول السورة التي تذكر فيه البقرة قلت وقد تقدم في أبواب الرمي من كتاب الحج أن إبراهيم النخعي أنكر قول الحجاج لا تقولوا سورة البقرة وفي رواية مسلم أنها سنة وأورد حديث أبي مسعود وأقوى من هذا في الحجة ما أورده المصنف من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي في الاذكار يجوز أن يقول سورة البقرة إلى أن قال وسورة العنكبوت وكذلك الباقي ولا كراهة في ذلك وقال بعض السلف يكره ذلك والصواب الاول وهو قول الجماهير والاحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم قلت وقد جاء فيما يوافق ما ذهب إليه البعض المشار إليه حديث مرفوع عن أنس رفعه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله أخرجه أبو الحسين بن قانع في فوائده والطبراني في الاوسط وفي سنده عبيس بن ميمون العطار وهو ضعيف وأورده بن الجوزي في الموضوعات ونقل عن أحمد أنه قال هو حديث منكر قلت وقد تقدم في باب تأليف القرآن حديث يزيد الفارسي عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا قال بن كثير في تفسيره ولا شك أن ذلك احوط ولكن استقر الاجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير قلت وقد تمسك بالاحتياط المذكور جماعة من المفسرين منهم أبو محمد بن أبي حاتم ومن المتقدمين الكلبي وعبد الرزاق ونقله القرطبي في تفسيره عن الحكيم الترمذي أن من حرمة القرآن أن لا يقال سورة كذا كقوله سورة البقرة وسورة النحل وسورة النساء وإنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا وتعقبه القرطبي بأن حديث أبي مسعود يعارضه ويمكن أين يقال لا معارضة مع إمكان فيكون حديث أبي مسعود ومن وافقه دالا على الجواز وحديث أنس أن ثبت محمول على أنه خلاف الاولى والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث تشهد لما ترجم له أحدها حديث
[ 72 ]
أبي مسعود في الآيتين من آخر سورة البقرة وقد تقدم شرحه قريبا الثاني حديث عمر سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان وقد تقدم شرحه في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف الثالث حديث عائشة المذكور في الباب قبله وقد تقدم التنبيه عليه قوله باب الترتيل في القراءة أي تبيين حروفها والتأني في ادائها ليكون ادعى إلى فهم معانيها قوله وقوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا كأنه يشير إلى ما ورد عن السلف في تفسيرها فعند الطبري بسند صحيح عن مجاهد في قوله تعالى ورتل القران قال بعضه أثر بعض على تؤدة وعن قتادة قال بينه بيانا والامر بذلك أن لم يكن للوجوب يكون مستحبا قوله وقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث سيأتي توجيهه قوله وما يكره أن يهذ كهذ الشعر كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الاسراع وإنما الذي يكره الهذ وهو الاسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها وقد ذكر في الباب إنكار بن مسعود على من يهذ القراءة كهذ الشعر ودليل جواز الاسراع ما تقدم في أحاديث الانبياء من حديث أبي هريرة رفعه خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيفرغ من القرآن قبل أن تسرح قوله فيها يفرق يفصل هو تفسير أبي عبيدة قوله قال بن عباس فرقناه فصلناه وصله بن جريج من طريق على بن أبي طلحة عنه وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة فقط قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد فقال
[ 73 ]
الذي قرأ البقرة فقط أفضل ثم تلا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومن طريق أبي حمزة قلت لابن عباس إني سريع القراءة وإني لاقرأ القرآن في ثلاث فقال لان أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها خير من أن أقرأ كما تقول وعند بن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة قلت لابن عباس إني رجل سريع القراءة إني لاقرأ القرآن في ليلة فقال بن عباس لان اقرأ سورة أحب إلى أن كنت لا بد فاعلا فأقرئ قراءة تسمعها اذنيك ويوعها قلبك والتحقيق أن لكل من الاسراع والترتيل جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشئ من الحروف والحركات والسكون الواجبات فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحد وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الاخريات وقد يكون بالعكس ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن مسعود (4756) قوله حدثنا واصل هو بن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة الاحدب الكوفي ووقع صريحا عند الاسماعيلي وزعم خلف في الاطراف أنه واصل مولى أبي عيينة بن المهلب وغلطوه في ذلك فإن مولى أبي عيينة بصري وروايته عن البصريين وليست له رواية عن الكوفيين وأبو وائل شيخ واصل هذا كوفي قوله عن أبي وائل عن عبد الله قال غدونا على عبد الله أي بن مسعود فقال رجل قرأت المفصل كذ أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فزاد في أوله غدونا على عبد الله بن مسعود يوما بعد ما صلينا الغداة فسلمنا بالباب فأذن لنا فمكثنا بالباب هنيهة فخرجت الجارية فقالت الا تدخلون فدخلنا فإذا هو جالس يسبح فقال ما منعكم أن تدخلوا وقد إذن لكم قلنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال ظننتم بآل أم عبد غفلة فقال رجل من القوم قرأت المفصل البارحة كله فقال عبد الله هذا كهذ الشعر ولاحمد من طريق الاسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود أن رجلا أتاه فقال قرأت المفصل في ركعة فقال بل هذذت كهذ الشعر وكنثر الدقل وهذا الرجل هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث وقوله هذا بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة قال الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر واصل الهذ سرعة الدفع وعند سعيد بن منصور من طريق يسار عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال في هذه القصة إنما فصل لتفصلوه قوله ثماني عشرة تقدم في باب تأليف القرآن من طريق الاعمش عن شقيق فقال فيه عشرين سورة من أول المفصل والجمع بينهما أن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها وإطلاق المفصل على الجميع تغليبا وإلا فالدخان ليست من المفصل على المرجح لكن يحتمل أن يكون تأليف بن مسعود على خلاف تأليف غيره فإن في آخر رواية الاعمش على تأليف بن مسعود اخرهن حم الدخان وعم فعلى هذا لا تغليب قوله من آل حاميم أي السورة التي أولها حم
[ 74 ]
وقيل يريد حم نفسها كما في حديث أبي موسى أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود يعني داود نفسه قال الخطابي قوله آل داود يريد به داود نفسه وهو كقوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وتعقبه بن التين بأن دليله يخالف تأويله قال وإنما يتم مراده لو كان الذي يدخل أشد العذاب فرعون وحده وقال الكرماني لولا أن هذا الحرف ورد في الكتابة منفصلا يعني آل وحدها وحم وحدها لجاز أن تكون الالف واللام التي لتعريف الجنس والتقدير وسورتين من الحواميم قلت لكن الرواية أيضا ليست فيها واو نعم في رواية الاعمش المذكورة آخرهن من الحواميم وهو يؤيد الاحتمال المذكور الله أعلم وأغرب الداودي فقال قوله من آل حاميم من كلام أبي وائل وإلا فإن أول المفصل عند بن مسعود من أول الجاثية اه وهذا إنما يره لو كان ترتيب مصحف بن مسعود كترتيب المصحف العثماني والامر بخلاف ذلك فإن ترتيب السور في مصحف بن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني فلعل هذا منها ويكون أول المفصل عنده أول الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية لا مانع من ذلك وقد أجاب النووي على طريق التنزل بان المراد بقوله عشرين من أول المفصل أي معظم العشرين الحديث الثاني حديث بن عباس في نزول قوله تعالى (4757) لا تحرك به لسانك لتعجل به وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير القيامة وجرير المذكور في إسناده هو بن عبد الحميد بخلاف الذي في الباب بعده وقوله فيه وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه كذا للاكثر وتقدم توجيهه في بدء الوحي ووقع عند المستملي هنا وكان ممن يحرك ويتعين أن يكون من فيه للتبعيض ومن موصولة والله أعلم وشاهد الترجمة منه النهي عن تعجيله بالتلاوة فإنه يقتضي استحباب التأني فيه وهو المناسب للترتيل وفي الباب حديث حفصة أم المؤمنين أخرجه مسلم في اثناء حديث وفيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقد تقدم في أواخر المغازي حديث علقمة أنه قرأ على بن مسعود فقال رتل فداك أبي أمي فإنه زينة القرآن وأن هذه الزيادة وقعت عند أبي نعيم في المستخرج وأخرجها بن أبي داود أيضا والله أعلم قوله باب مد القراءة المد عند القراءة على ضربين أصلي وهو اشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء وغير أصلي وهو ما إذا اعقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل فالمتصل ما كان من نفس الكلمة والمنفصل ما كان بكلمة أخرى فالاول يؤتى فيه بالالف والواو والياء ممكنات من غير زيادة والثاني يزاد في تمكين الالف والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها الا به من غير إسراف والمذهب الاعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولا وقد يزاد على ذلك قليلا وما فرط فهو غير محمود والمراد من الترجمة الضرب الاول قوله في الرواية الثانية حدثنا عمرو بن عاصم وقع في بعض النسخ عمرو بن حفص وهو غلط ظاهر قوله سئل أنس ظهر من الرواية الاولى أن قتادة الراوي هو السائل وقوله في الرواية الاولى كان يمد مدا بين في الرواية الثانية المراد بقوله بمد بسم الله الخ بمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء من الرحيم وقوله في الرواية الاولى كانت مدا أي كانت ذات مد ووقع عند أبي نعيم من طريق أبي النعمان عن جرير بن حازم في هذه الرواية كان يمد صوته مدا وكذا أخرجه الاسماعيلي من ثلاثة طرق أخرى عن جرير بن حازم
[ 75 ]
وكذا أخرجه بن أبي داود من وجه آخر عن جرير وفي رواية له كان يمد قراءته وأفاد أنه لم يرو هذا الحديث عن قتادة الا جرير بن حازم وهمام بن يحيى وقوله في الثانية يمد ببسم الله كذا وقع بموحدة قبل الموحدة التي في بسم الله كأنه حكى لفظ بسم الله كما حكى لفظ الرحمن في قوله ويمد بالرحمن أو جعله كالكلمة الواحدة علما لذلك ووقع عند أبي نعيم من طريق الحسن الحلواني عن عمرو بن عاصم شيخ البخاري فيه ويمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم من غير موحدة في الثلاثة وأخرجه بن أبي داود عن يعقوب بن إسحاق عن عمرو بن عاصم عن همام وجرير جميعا عن قتادة بلفظ يمد ببسم الله الرحمن الرحيم بإثبات الموحدة في أوله أيضا وزاد في الاسناد جريرا مع همام في رواية عمرو بن عاصم وأخرج بن أبي داود من طريق قطبة بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر ق فمر بهذا الحرف لها طلع نضيد فمد نضيد وهو شاهد جيد لحديث أنس وأصله عند مسلم والترمذي والنسائي من حديث قطبة نفسه تنبيه استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقرءها في الصلاة وفي الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر وقد اوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة ولانه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة والعلم عند الله تعالى قوله باب الترجيع هو تقارب ضروب الحركات في القراءة وأصله الترديد وترجيع الصوت ترديده في الخلق وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله أبهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى ثم قالوا يحتمل أمرين أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن أي النغم وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل فعند بن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال بت مع عبد الله بن مسعود في داره فنام ثم قام فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ويرتل ولا يرجع وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء لان القراءة ترجيع الغناء تنافى الخشوع الذي هو مقصود التلاوة قال وفي الحديث ملازمته صلى الله عليه وسلم للعبادة لانه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الاسرار وهو عند التعليم وايقاظ الغافل ونحو ذلك قوله باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن كذا لابي ذر وسقط قوله للقرآن لغيره وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن نقل الاجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن وأخرج بن أبي داود من طريق بن أبي مسجعة قال كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم (4761) قوله حدثنا محمد بن خلف أبو بكر هو الحدادي بالمهملات وفتح أوله والتثقيل بغدادي مقرئ من صغار شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري خمس سنين وأبو يحيى الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد
[ 76 ]
بن عبد الرحمن الكوفي وهو والد يحيى بن عبد الحميد الكوفي الحافظ صاحب المسند وليس لمحمد بن خلف ولا لشيخه أبي يحيى في البخاري الا هذا الموضع وقد أدرك البخاري أبا يحيى بالسن لكنه لم يلقه قوله حدثني بريد في رواية الكشميهني سمعت بريد بن عبد الله قوله يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود كذا وقع عنده مختصرا عن طريق بريد وأخرجه مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ لو رأيتني وأنا استمع قراءتك البارحة الحديث وأخرجه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرا بأبي موسى وهو يقرأ في بيته فقاما يستمعان لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا موسى مررت بك فذكر الحديث فقال أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا ولابن سعد من حديث أنس بإسناد على شرط مسلم أن أبا موسى قام ليلة يصلي فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته وكان حلو الصوت فقمن يستمعن فلما أصبح قيل له فقال لو علمت لحبرته لهن تحبيرا وللروياني من طريق مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه نحو سياق سعيد بن أبي بردة وقال فيه لو علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءتي لحبرتها تحبيرا وأصلها عند أحمد وعند الدارمي من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لابي موسى وكان حسن الصوت بالقرآن لقد أوتي هذا من مزامير آل داود فكأن المصنف أشار إلى هذه الطريق في الترجمة وأصل هذا الحديث عند النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري موصولا بذكر أبي هريرة فيه ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال لقد أوتي من مزامير آل داود وقد اختلف فيه على الزهري فقال معمر وسفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي وقال الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب مرسلا ولابي يعلى من طريق عبد الرحمن بن عوسجه عن البراء سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى فقال كأن صوت هذا من مزامير آل داود وأخرج بن أبي داود من طريق أبي عثمان النهدي قال دخلت دار أبي موسى الاشعري فما سمعت صوت صنج ولا يربط ولا ناي أحسن من صوته سنده صحيح وهو في الحلية لابي نعيم والصنج بفتح المهملة وسكون النون بعدها جيم هو آله تتخذ من نحاس كالطبقين يضرب أحدهما بالاخر واليربط بالموحدتين بينهما راء ساكنة ثم طاء مهملة بوزن جعفر هو آله تشبه العود فارسي معرب والناي بنون بغير همز هو المزمار قال الخطابي قوله آل داود يريد داود نفسه لانه لم ينقل أن أحدا من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطى من حسن الصوت ما أعطى قلت ويؤيده ما أورده من الطريق الاخرى وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن ما نقل عن السلف في صفة صوت داود والمراد بالمزمار الصوت الحسن وأصله الالة أطلق اسمه على الصوت للمشابهة وفي الحديث دلالة بينة على أن القراءة غير المقروء وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره في رواية الكشميهني القراءة ذكر فيه حديث بن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ على القرآن أورده مختصرا ثم أورده مطولا في الباب الذي بعده باب قول المقرئ للقارئ حسبك والمراد بالقرآن بعض القرآن
[ 77 ]
والذي في معظم الروايات اقرأ علي ليس فيه لفظ القرآن بل أطلق فيصدق بالبعض قال بن بطال يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه اخلي وأنشط لذلك من القارئ لاشتغال بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب كما تقدم في المناقب وغيرها فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك ويأتي شرح الحديث بعد أبواب في باب البكاء عند قراءة القرآن قوله باب في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى فاقرؤوا ما تيسر منه كأنه أشار إلى الرد على من قال أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءا من القرآن وهو منقول عن إسحاق بن راهويه والحنابلة لان عموم قوله فاقرؤوا ما تيسر منه يشمل أقل من ذلك فمن ادعى التحديد فعليه البيان وقد أخرج أبو داود من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو في كم يقرأ القرآن قال في أربعين يوما ثم قال في شهر الحديث ولا دلالة فيه على المدعي (4764) قوله حدثنا على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وابن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة ولم يخرج له البخاري الا في موضع واحد يأتي في الادب شاهدا وأخرج من كلامه غير ذلك قوله كم يكفي الرجل من القرآن أي في الصلاة قوله قال علي هو بن المديني وهو موصول من تتمة الخبر المذكور ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وقد تقدم نقل الاختلاف في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد وعن علقمة في باب فضل سورة البقرة وتدم بيان المراد بقوله كفتاه وما استدل به بن عيينة إنما يجئ على أحد ما قيل في تأويل كفتاه أي في القيام في الصلاة بالليل وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على بن كثير والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدل به بن عيينة من حديث أبي مسعود والجامع بينهما أن كلا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال بن شبرمة (4765) قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي ومغيرة هو بن مقسم قوله انكحني أبي أي زوجني وهو محمول على أنه كان المشير عليه بذلك وإلا فعبد الله بن عمرو حينئذ كان رجلا كاملا ويحتمل أن يكون قام عنه بالصداق ونحو ذلك قوله امرأة ذات حسب في رواية أحمد عن هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد في هذا الحديث امرأة من قريش أخرجه النسائي من هذا الوجه وهي أم محمد بنت محمية بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية مفتوحة خفيفة بن جزء الزبيدي حليف قريش ذكرها الزبير وغيره قوله كنته بفتح الكاف وتشديد النون هي زوج الولد قوله نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا قال بن مالك يستفاد منه وقوع التمييز بعد فاعل نعم الظاهر وقد منعه سيبويه وأجازه المبرد وقال الكرماني يحتمل أن يكون التقدير نعم الرجل من الرجال قال وقد تفيد
[ 78 ]
النكرة في الاثبات التعميم كما في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت قال ويحتمل أن يكون من التجريد كأنه جرد من رجل موصوف بكذا وكذا رجلا فقال نعم الرجل المجرد من كذا رجل صفته كذا قوله لم يطأ لنا فراشا أي لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا قوله ولم يفتش لنا كنفا كذا للاكثر بفاء ومثناة ثقيلة وشين معجمة وفي رواية أحمد والنسائي والكشميهني ولم يغش بغين معجمة ساكنة بعدها شين معجمة وكنفا بفتح الكاف النون بعدها فاء هو الستر والجانب وارادت بذلك الكناية عن عدم جماعه لها لان عادة الرجل أن يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها وقال الكرماني يحتمل أن يكون المراد بالكنف الكنيف وارادت أنه لم يطعم عندها حتى يحتاج إلى أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة كذا قال والاول أولي وزاد في رواية هشيم فأقبل على يلومني فقال انكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني قوله فلما طال ذلك أي على عمرو ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وكأنه تأني في شكواه رجاء أن يتدارك فلما تمادى على حاله خشي أن يلحقه إثم بتضييع حق الزوجة فشكاه قوله فقال ألقني أي قال لعبد الله بن عمرو وفي رواية هشيم فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أرسل إليه أولا ثم لقيه اتفاقا فقال له اجتمع بي قوله فقال كيف تصوم قلت أصوم كل يوم تقدم ما يتعلق بالصوم في كتاب الصوم مشروحا وقوله في هذه الرواية صم ثلاثة أيام في الجمعة قلت اطيق أكثر من ذلك قال صم يوما وأفطر يومين قلت اطيق أكثر من ذلك قال الداودي هذا وهم من الراوي لان ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم وهو إنما يدرجه من الصيام القليل إلى الصيام الكثير قلت وهو اعتراض متجه فلعله وقع من الراوي فيه تقديم وتأخير وقد سلمت رواية هشيم من ذلك فإن لفظه صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى أكثر من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما قوله وأقرأ في كل سبع ليال مرة أي اختم في كل سبع فليتني قبلت كذا وقع في هذه الرواية اختصارا وفي غيرها مراجعات كثيرة في ذلك كما سأبينه قوله فكان يقرأ هو كلام مجاهد يصف صنيع عبد الله بن عمرو لما كبر وقد وقع مصرحا به في رواية هشيم قوله على بعض أهله أي على من تيسر منهم وإنما كان يصنع ذلك بالنهار ليتذكر ما يقرأ به في قيام الليل خشية أن يكون خفي عليه شئ منه بالنسيان قوله وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما الخ يؤخذ منه أن الافضل لمن أراد أن يصوم صوم داود أن يصوم يوما ويفطر يوما دائما ويؤخذ من صنيع عبد الله بن عمرو أن من أفطر من ذلك وصام قدر ما أفطر أنه يجزئ عنه صيام يوم وافطار يوم قوله وقال بعضهم في ثلاث أو في سبع كذا لابي ذر ولغيره في ثلاث وفي خمس وسقط ذلك للنسفي وكأن المصنف أشار بذلك إلى رواية شعبة عن مغيرة بهذا الاسناد فقال اقرأ القرآن في كل شهر قال إني اطيق أكثر من ذلك فما زال
[ 79 ]
حتى قال في ثلاث فإن الخمس تؤخذ منه بطريق التضمن وقد تقدم للمصنف في كتاب الصيام ثم وجدت في مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم اختم القرآن قال اختمه في شهر قلت إني اطيق قال اختمه في خمسة وعشرين قلت إني اطيق قال اختمه في عشرين قلت إني اطيق قال اختمه في خمس عشرة قلت إني اطيق قال اختمه في خمس قلت إني اطيق قال لا وأبو فروة هذا هو الجهني واسمه عروة بن الحارث وهو كوفي ثقة ووقع في رواية هشيم المذكورة قال فاقرأه في كل شهر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما أما حصين وأما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث وعند أبي داود والترمذي مصححا من طريق يزيد بن عبد الله بن عن عبد الله بن عمرو مرفوعا لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن بن مسعود أقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث ولابي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم وثبت عن كثير من السلف إنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك قال النووي والاختيار أن ذلك يختلف بالاشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ومن لم يكن كذلك فالاولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله أعلم قوله وأكثرهم أي أكثر الرواة عن عبد الله بن عمرو قوله على سبع كأنه يشير إلى رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو الموصولة عقب هذا فإن في آخره ولا يزد على ذلك أي لا يغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلى أي لا يقرؤه في أقل من سبع ولابي داود والترمذي والنسائي من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن قال في أربعين يوما ثم قال في شهر ثم قال في عشرين ثم قال في خمس عشرة ثم قال في عشر ثم قال في سبع ثم لم ينزل عن سبع وهذا أن كان محفوظا احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة تعدد القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيدا ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الامر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي ارشد إليها السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل وأغرب بعض الظاهرية فقال يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وقال النووي أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلي هذا يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص والله أعلم (4766) قوله عن يحيى هو بن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن وقع في الاسناد الثاني أنه مولى زهرة وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فقد ذكر بن حبان في الثقات أنه مولى الاخنس بن شريق الثقفي وكان الاخنس ينسب زهريا لانه كان من حلفائهم وجزم جماعة بأن بن ثوبان عامري فلعله كان ينسب عامريا بالاصالة زهريا بالحلف ونحو ذلك والله اعلم تنبيه هذا التعليق وهو قوله وقال بعضهم الخ ذهلت عن تخريجه في تعليق التعليق وقد يسر الله تعالى بتحريره هنا ولله الحمد قوله في كم تقرأ القرآن كذا اقتصر البخاري في الاسناد العالي على بعض المتن ثم حوله إلى الاسناد الآخر وإسحاق شيخه فيه هو بن منصور وعبيد الله
[ 80 ]
هو بن موسى وهو من شيوخ البخاري الا أنه ربما حدث عنه بواسطة كما هنا (4767) رضي الله تعالى عنها قوله عن أبي سلمة قال واحسبني قال سمعت أنا من أبي سلمة قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير قال الاسماعيلي خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا الاسناد عن يحيى بن أبي كثير ثم ساقه من وجهين عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وزاد في سياقه بعد قوله اقرأه في شهر قال إني أجد قوة قال في عشرين قال إني أجد قوة قال في عشر قال إني أجد قوة قال في سبع ولا تزد على ذلك قال الاسماعيلي ورواه عكرمة بن عمار عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة بغير واسطة وساقه من طريقة قلت كأن يحيى بن أبي كثير كان يتوقف في تحديث أبي سلمة له ثم تذكر أنه حدثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثة ثم توقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لان شيبان أحفظ من أبان أو كان عند يحيى عنهما ويؤيدة اختلاف سياقهما وقد تقدم في الصيام من طريق الاوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالسماع بغير توقف لكن لبعض الحديث في قصة الصيام حسب قال الاسماعيلي قصة الصيام لم تختلف على يحيى في روايته إياها عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بغير واسطة تنبيه المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يرد على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله لانا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الاطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرا إلى ما نزل أولا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الاشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه والله أعلم الله تبارك وتعالى قوله باب البكاء عند قراءة القرآن قال النووي البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى ويخرون للاذقان يبكون خروا سجدا وبكيا والاحاديث فيه كثيرة قال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة وعندها وطريق تحصيله أن يحصر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم المصائب ثم ذكر المصنف في الباب حديث بن مسعود المذكور في تفسير سورة النساء وساق المتن هناك على لفظ شيخه صدقة بن الفضل المروزي وساقه هنا على لفظ شيخه مسدد كلاهما عن يحيى القطان وعرف من هنا المراد بقوله بعض الحديث عن عمرو بن مرة وحاصله أن الاعمش سمع الحديث المذكور من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم وقد أوضحت ذلك في تفسير سورة النساء
[ 81 ]
أيضا ويظهر لي أن القدر الذي عند الاعمش عن عمرو بن مرة من هذا الحديث من قوله فقرأت النساء إلى آخر الحديث وأما ما قبله إلى (4768) قوله أن أسمعه من غيري فهو عند الاعمش عن إبراهيم كما هو في الطريق الثانية في هذا الباب وكذا أخرجه المصنف من وجه آخر عن الاعمش قبل ببابين وتقدم قبل بباب واحد عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري مقتصرا على طريق الاعمش عن إبراهيم من غير تبيين التفصيل الذي في رواية يحيى القطان عن الثوري وهو يقتضي أن في رواية الفريابي إدراجا وقوله في هذه الرواية عن أبيه هو معطوف على قوله عن سليمان وهو الاعمش وحاصله أن سفيان الثوري روى هذا الحديث عن الاعمش ورواه أيضا عن أبيه وهو سعيد بن مسروق الثوري عن أبي الضحى ورواية إبراهيم عن عبيدة بن عمرة عن بن مسعود موصولة ورواية أبي الضحى عن عبد الله بن مسعود منقطعة ووقع في رواية أبي الاحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود فذكره وهذا أشد انقطاعا أخرجه سعيد بن منصور وقوله أقرأ علي وقع في رواية علي بن مسهر عن الاعمش بلفظ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر اقرأ علي ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أن ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر أخرجه بن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه بن مسعود وناس من أصحابه فأمر قارئا فقرأ فآتي على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه فقال يا رب هذا على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره وأخرج بن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال ليس من يوم الا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع الاشكال الذي تضمنه حديث بن فضالة والله أعلم قال بن بطال إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية لانه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لامته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لاهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى والذي يظهر أنه بكى رحمة لامته لانه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضى إلى تعذيبهم والله أعلم قوله باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به كذا للاكثر
[ 82 ]
وفي رواية رايا بتحتانية بدل الهمزة وتأكل أي طلب الاكل وقوله أو فجر به للاكثر بالجيم وحكى بن التين أن في رواية بالخاء المعجمة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث على في ذكر الخوارج وقد تقدم في علامات النبوة وأغرب الداودي فزعم أنه وقع هنا عن سويد بن غفلة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال واختلف في صحبه سويد والصحيح ما هنا أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال معتمدا على الغلط الذي نشأ له عن السقط والذي في جميع نسخ صحيح البخاري عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال سمعت وكذا في جميع المسانيد وهو حديث مشهور لسويد بن غفلة عن علي ولم يسمع سويد من النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح وقد قيل أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح والذي يصح أنه قدم المدينة حين نفضت الايدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح سماعه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وصح أنه أدى صدقة ماله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد سنة إحدى وقال عمرو بن علي سنة اثنتين وبلغ مائة وثلاثين سنة وهو جعفي يكنى أبا أمية نزل الكوفة ومات بها وسيأتي البحث في قتال الخوارج في كتاب المحاربين وقوله الاحلام أي العقول وقوله (4770) يقولون من خير قول البرية هو من المقلوب والمراد من قول خير البرية أي من قول الله وهو المناسب للترجمة وقوله (4771) لا يجاوز حناجرهم قال الداودي يريد إنهم تعلقوا بشئ منه قلت أن كان مراده بالتعلق الحفظ فقط دون العلم بمدلوله فعسى أن يتم له مراده وإلا فالذي فهمه الائمة من السياق أن المراد أن الايمان لم يرسخ في قلوبهم لان ما وقف عند الحلقوم فلم يتجاوزه لا يصل إلى القلب وقد وقع في حديث حذيفة نحو حديث أبي سعيد من الزيارة لا يجاوز تراقيهم ولا تعيه قلوبهم الحديث الثاني حديث أبي سلمة عن أبي سعيد في ذكر الخوارج أيضا وسيأتي شرحه أيضا في استتابة المرتدين وتقدم من وجه آخر في علامات النبوة ومناسبة هذين الحديثين للترجمة أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به ونحو ذلك فالاحاديث الثلاثة دالة لاركان الترجمة لان منهم من رايا به واليه الاشارة في حديث أبي موسى ومنهم من تأكل به وهو مخرج من حديثه أيضا ومنهم من فجر به وهو مخرج من حديث على وأبي سعيد وقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من وجه آخر عن أبي سعيد وصححه الحاكم رفعه تعلموا القرآن واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر رجل يباهي به ورجل يستأكل به ورجل يقرأه لله وعند بن أبي شيبة من حديث بن عباس موقوفا لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن شبل رفعه أقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تحفوا عنه ولا تأكلوا به الحديث وسنده قوي وأخرج أبو عبيد عن عبد الله بن مسعود سيجئ زمان يسأل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم الحديث الثالث حديث أبي موسى الذي تقدم مشروحا في باب فضل القرآن على سائر الكلام وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع هنا عند الاسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بسنده قال شعبة وحدثني شبل يعني بن
[ 83 ]
عزرة أنه سمع أنس بن مالك بهذا قلت وهو حديث آخر أخرجه أبو داود في مثل الجليس الصالح والجليس السوء قوله باب أقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم أي اجتمعت (4773) قوله فإذا اختلفتم أي في فهم معانيه فقوموا عنه أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر قال عياض يحتمل أن يكون النهي خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسوؤهم كما في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم ويحتمل أن يكون المعنى أقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة تقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للالفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة وهو كقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم ويحتمل أنه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الاداء بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته ومثله ما تقدم عن بن مسعود لما ورقع بينه وبين الصحابيين الآخرين الاختلاف في الاداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلكم محسن وبهذه النكتة تظهر الحكمة في ذكر حديث بن مسعود عقيب حديث جندب (4774) قوله تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبي عمران أي في رفع الحديث فأما متابعة الحارث وهو بن قدامة الايادي فوصلها الدارمي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه ولفظه مثل رواية حماد بن زيد وأما متابعة سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فوصلها الحسن بن سفيان في مسنده من طريق أبي هشام المخزومي عنه قال سمعت أبا عمران قال حدثنا جندب فذكر الحديث مرفوعا وفي آخره فإذا اختلفتم فيه فقوموا قوله ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان يعني بن يزيد العطار أما رواية حماد بن سلمة فلم تقع لي موصولة وأما رواية أبان فوقعت في صحيح مسلم من طريق حبان بن هلال عنه ولفظه قال لنا جندب ونحن غلمان فذكره لكن مرفوعا أيضا فلعله وقع للمصنف من وجه آخر عنه موقوفا قوله وقال غندر عن شعبة عن أبي عمران سمعت جندبا قوله وصله الاسماعيلي من طريق بندار عن غندر قوله وقال بن عون عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله بن عون هو عبد الله البصري الامام المشهور وهو من أقران أبي عمران وروايته هذه وصلها أبو عبيد عن معاذ بن معاذ عنه وأخرجها النسائي من وجه آخر عنه قوله وجندب أصح وأكثر أي أصح إسنادا وأكثر طرقا وهو كما قال فإن الجم الغفير رووه عن أبي عمران عن جندب الا إنهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم وأما رواية بن عون فشاذة لم يتابع عليها قال أبو بكر بن أبي داود لم يخطئ بن عون قط الا في هذا والصواب عن جندب انتهى ويحتمل أن يكون بن عون حفظه ويكون لابي عمران فيه شيخ آخر وإنما توارد الرواة على طريق جندب لعلوها والتصريح يرفعها وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن أبي عمران هذا حديثا آخر في المعنى أخرجه من طريق حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن عمر قال هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف الغضب في وجهه فقال إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف في الكتاب وهذا مما يقوي أن يكون لطريق بن عون أصل والله أعلم (4775) قوله النزال بفتح النون وتشديد الزاي وآخره لام بن سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي تابعي كبير وقد قيل أنه له صحبة وذهل المزي فجزم في الاطراف بان له صحبة وجزم في التهذيب بأن له رواية عن أبي بكر الصديق مرسلة قوله أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها هذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب فقد أخرج الطبري من حديث أبي بن كعب
[ 84 ]
أنه سمع بن مسعود يقرأ آية قرأ خلافها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن الحديث وقد تقدم في باب انزل القرآن على سبعة أحرف بيان عدة ألفاظ لهذا الحديث قوله فاقرآ بصيغة الامر للاثنين قوله أكبر على هذا الشك من شعبة وقد أخرجه أبو عبيد عن حجاج بن محمد عن شعبة قال أكبر علي إني سمعته وحدثني عنه مسعود فذكره قوله فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم في رواية المستملي فاهلكوا بضم أوله وعند بن حبان والحاكم من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود في هذه القصة إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف وقد تقدم القول في معنى الاختلاف في حديث جندب الذي قبله وفي رواية زر المذكورة من الفائدة أن السورة التي اختلف فيها أبي وابن مسعود كانت من آل حم وفي المبهمات للخطيب أنها الاحقاف ووقع عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في هذا الحديث أن اختلافهم كان في عددها هل هي خمس وثلاثون آية أو ست وثلاثون الحديث وفي هذا الحديث والذي قبله الحض على الجماعة والالفة والتحذير من الفرقة والاختلاف والنهي عن المراء في القرآن بغير حق ومن شر ذلك أن تظهر دلالة الآية على شئ يخالف الرأي فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في ذلك والمناضلة عليه خاتمة اشتمل كتاب فضائل القرآن من الاحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا والباقي موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والباقي خالص وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس فيمن جمع القرآن وحديث قتادة بن النعمان في فضل قل هو الله أحد وحديث أبي سعيد في ذلك وحديثه أيضا أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن وحديث عائشة في قراءة المعوذات عند النوم وحديث بن عباس في قراءته المفصل وحديثه لم يترك الا ما بين الدفتين وحديث أبي هريرة لا حسد الا في اثنتين وحديث عثمان أن خيركم من تعلم القرآن وحديث أنس كانت قراءته مدا وحديث عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقرأ آية وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح كذا للنسفي وعن رواية الفربري تأخير البسملة والنكاح في اللغة الضم والتداخل وتجوز من قال أنه الضم وقال الفراء النكح بضم ثم سكون اسم الفرج ويجوز كسر أوله وكثر استعماله في الوطئ وسمي به العقد لكونه سببه قال أبو القاسم الزجاجي هو حقيقة فيهما وقال الفارس إذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد وإذا قالوا نكح زوجته فالمراد الوطئ وقال آخرون أصله لزوم شئ لشئ مستعليا عليه ويكون في المحسوسات وفي المعاني قالوا نكح المطر الارض ونكح النعاس عينه ونكحت القمح في الارض إذا حرثتها وبذرته فيها ونكحت الحصاة أخفاف الابل وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطئ على الصحيح والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل أنه لم يرد في القرآن الا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجا غيره لان شرط الوطئ في التحليل إنما ثبت بالسنة وإلا فالعقد لا بد منه لان قوله حتى تنكح معناه حتى تتزوج أي بعقد عليها ومفهومه أن ذلك كاف بمجرده لكن بينت السنة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة نعم أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يرد في القرآن الا للتزويج إلا في قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم والله أعلم وفي وجه للشافعية كقول الحنفية أنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري وأن كان أكثر ما يستعمل في العقد ورجح بعضهم الاول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح ذكره فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه فدل على أنه في الاصل للعقد
[ 85 ]
وهذا يتوقف على تسليم المدعي أنها كلها كنايات وقد جمع اسم النكاح بن القطاع فزادت على الالف قوله باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء زاد الاصيلي وأبو الوقت الآية ووجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقال القرطبي لا دلالة فيه لان الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء ويحتمل أن يكون البخاري انتزع ذلك من الامر بنكاح الطيب مع ورود النهى عن ترك الطيب ونسبه فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا وقد اختلف في النكاح فقال الشافعية ليس عبادة ولهذا لو نذره لم ينعقد وقال الحنفية هو عبادة والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها النكاح كما سيأتي بيانه تستلزم أن يكون حينئذ عبادة فمن نفي نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين الاول حديث أنس وهو من المتفق عليه لكن من طريقين إلى أنس (4776) قوله جاء ثلاثة رهط كذا في رواية حميد وفي رواية ثابت عند مسلم أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة والنفر من ثلاثة إلى تسعة وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن مظعون وعند بن مردويه من طريق الحسن العدني كان على في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فنزلت الآية في المائدة ووقع في أسباب الواحدي بغير إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناس وخوفهم فاجتمع عشرة من الصحابة وهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم فإن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ويؤيد إنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه قدم المدينة فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ويجاهد الروم حتى يموت فلقى ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها يعني بسبب ذلك لكن في عد عبد الله بن عمرو معهم نظر لان عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب قوله يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم عن علقمة في السر قوله كأنهم تقالوها بتشديد اللام المضمومة أي استقلوها وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة قوله فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له في رواية الحموي والكشميهني وقد غفر له بضم أوله والمعنى أن من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل بخلاف من حصل له لكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس بلازم فأشار إلى هذا بأنه أشدهم خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية وأشار في حديث عائشة والمغيرة كما تقدم في صلاة الليل إلى معنى آخر بقوله أفلا أكون عبدا شكورا قوله فقال أحدهم أما أنا فأنا أصلي الليل ابدا هو قيد لليل
[ 86 ]
لا لاصلي وقوله فلا أتزوج أبدا أكد المصلي ومعتزل النساء بالتأبيد ولم يؤكد الصيام لانه لا بد له من فطر الليالي وكذا أيام العيد ووقع في رواية مسلم فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على الفراش وظاهره مما يؤكد زيادة عدد القائلين لان ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش ويمكن التوفيق بضروب من التجوز قوله فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم في رواية مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا ويجمع بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا لهم قوله أما والله بتخفيف الميم حرف تنبيه بخلاف قوله في أول الخبر أما أنا فإنها بتشديد الميم للتقسيم قوله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله واتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لان المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وتقدم في كتاب العلم شئ منه قوله لكني استدراك من شئ محذوف دل عليه السياق أي أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء لكن أنا اعمل كذا قوله فمن رغب عن سنتي فليس مني المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض والرغبة عن الشئ الاعراض عنه إلى غيره والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التمزموه وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة واعفاف النفس وتكثير النسل وقوله فليس من أن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وأن كان اعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد ارجحية عمله فمعنى فليس مني ليس على ملتي لان اعتقاد ذلك نوع من الكفر وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه وفيه تتبع أحوال الاكابر للتاسي بافعالهم وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى اظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند الفاء مسائل العلم وبيان الاحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب وقال الطبري فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الاطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل قال عياض هذا مم اختلف فيه السلف فمنهم من نجا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق أن هذه الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالامرين قلت لا يدل ذلك لاحد الفريقين أن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لان من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الاخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لاصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الامور الوسط وفي قوله إني لاخشاكم لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك
[ 87 ]
وفيه أيضا إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم الحديث الثاني (4777) قوله حدثنا على سمع حسان بن إبراهيم لم أر عليا هذا منسوبا في شئ من الروايات ولا نبه عليه أبو علي الغساني ولا نسبة أبو نعيم كعادته لكن جزم المزي تبعا لابي مسعود بأنه علي بن المديني وكأن الحامل على ذلك شهرة علي بن المديني في شيوخ البخاري فإذا أطلق اسمه كان الحمل عليه أولي من غيره وإلا فقد روى عن حسان ممن يسمى عليا على بن حجر وهو من شيوخ البخاري أيضا وكان حسان المذكور قاضي كرمان ووثقه بن معين وغيره ولكن له افراد قال بن عدي هو من أهل الصدق الا أنه ربما غلط قلت ولم أر له في البخاري شيئا انفرد به وقد أدركه بالسن الا أنه لم يلقه لانه مات سنة ست ومائتين قبل أن يرتحل البخاري وقد تقدم شرح الحديث المذكور فيه مستوفى في تفسير سورة النساء قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وقع في رواية السرخسي لانه والاول أولي لانه بقية لفظ الحديث وأن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ منكم وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص وهو كذلك اتفاقا وإنما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ثم رأيته في الصيام اخرجة من وجه آخر عن الاعمش بلفظ من استطاع الباءة كما ترجم به ليس فية منكم قوله وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح كأنه يشير إلى ما وقع بين بن مسعود وعثمان فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث فاحتمل أن يكون أرب فيه له فلم يوافقه واحتمل أن يكون وافقه وأن لم ينقل ذلك ولعله رمز إلى ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا وسأذكر ذلك بعد (4778) 9 ك قوله حدثني إبراهيم هو النخعي وهذا الاسناد مما ذكر أنه أصح الاسانيد وهي ترجمة الاعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن بن مسعود وللاعمش في هذا الحديث إسناد آخر ذكره المصنف في الباب الذي يليه بإسناده بعينه إلى الاعمش قوله كنت مع عبد الله يعني بن مسعود قوله فلقيه عثمان بمنى كذا وقع في أكثر الروايات وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عن الاعمش عند بن حبان بالمدينة وهي شاذة قوله فقال يا أبا عبد الرحمن هي كنية بن مسعود وظن بن المنير أن المخاطب بذلك بن عمر لانها كنيته المشهورة وأكد ذلك عنده أنه وقع في نسخته من شرح بن بطال عقب الترجمة فيه بن عمر لقيه عثمان بمنى وقص الحديث فكتب بن المنير في حاشيته هذا يدل على أن بن عمر شدد على نفسه في زمن الشباب لانه كان في زمن عثمان شابا كذا قال ولا مدخل لابن عمر في هذه القصة أصلا بل القصة والحديث لابن مسعود مع أن دعوى أن بن عمر كان شابا إذ ذاك فيه نظر لما سأبينه قريبا فإنه كان إذ ذاك جاوز الثلاثين قوله فخليا كذا للاكثر وفي رواية الاصيلي فخلوا قال بن التين وهي الصواب لانه
[ 88 ]
واوى يعني من الخلوى مثل دعوا قال الله تعالى فلما اثقلت دعوا الله انتهى ووقع في رواية جرير عن الاعمش عند مسلم إذ لقيه عثمان فقال هلم يا أبا عبد الرحمن فاستخلاه قوله فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه ووقع في رواية بن معاوية عند أحمد ومسلم ولعلها أن تذكرك ما مضى من زمانك وفي رواية جرير عن الاعمش عند مسلم لعلك يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عند بن حبان لعلها أن تذكرك ما فاتك ويؤخذ منه أن معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها فبالعكس قوله فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لغد هكذا عند الاكثر أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه لعلقمة ووقع في رواية جرير عند مسلم وزيد بن أبي أنيسة عند بن حبان بالعكس ولفظ جرير بعد قوله فاتسخلاه فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة قال لي تعال يا علقمة قال فجئت فقال له عثمان الا نزوجك وفي رواية زيد فلقي عثمان فأخذ بيده فقاما وتنحيت عنهما فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة يسرها قال ادن يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول الا نزوجك ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على بن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كانا فيه قوله لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب في رواية زيد لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابا فقال لنا وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد في الباب الذي يليه دخلت مع علقمة والاسود على عبد الله فقال عبد الله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا فقال لنا يا معشر الشباب وفي رواية جرير عن الاعمش عند مسلم في هذه الطريق قال عبد الرحمن وأنا يومئذ شاب فحدث بحديث رأيت أنه حدث به من أجلي وفي رواية وكيع عن الاعمش وأنا أحدث القوم قوله يا معشر الشباب المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب ويجمع أيضا على شببه وشبان بضم أوله والتثقيل وذكر الازهري أنه لم يجمع فاعل على فعال غيره وأصله الحركة والنشاط وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ستة عشرة نسة ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ثم كهل وكذا ذكر الزمخشري في الشباب أنه من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين وقال بن شاس الملاكي في الجواهر إلى أربعين وقال النووي الاصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الاربعين ثم هو شيخ وقال الروياني وطائفة من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد بن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الاسفرايني عن الاصحاب المرجع في ذلك إلى اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الامزجة قوله من استطاع منكم الباءة خص الشباب بالخطاب لان الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ وأن كان المعنى معتبرا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضا قوله الباءة بالهمز وتاء تأنيث ممدود وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد يهمز ويمد بلا هاء ويقال لها أيضا الباهة كالاول لكن بهاء بدل الهمزة وقيل بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطئ قال الخطابي المراد بالباءة النكاح وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوى إليه وقال المازري اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لان من شأن من يتزوج المرأة أن يبوءها منزلا وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته
[ 89 ]
على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وانفصل القائلون بالاول عن ذلك بالتقدير المذكور انتهى والتعليل المذكور للبازري وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله ومن لم يستطع أي من لم يقدر على التزويج قلت وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفي فيحتمل أن يكون المراد ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزويج وقد وقع كل منهما صريحا فعند الترمذي في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوري عن الاعمش ومن لم يستطع منكم الباءة وعند الاسماعيلي من هذا الوجه من طريق أبي عوانة عن الاعمش ومن استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج ويؤيده ما وقع في رواية للنسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا طول فلينكح ومثله لابن ماجة من حديث عائشة وللبزار من حديث أنس وأما تعليل المازري فيعكر عليه قوله في الرواية الاخرى التي في الباب الذي يليه بلفظ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ولا مانع من الحمل على المعنى الاعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطئ ومؤن التزويج والجواب عما استشكله المازري أنه يجوز أن يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء أو عدم شهوة أو عنه مثلا إلى ما يهئ له استمرار تلك الحالة لان الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور فيكون قسم الشباب إلى قسمين قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور بخلاف الآخرين فندبهم إلى أمر تستمر به حالتهم لان ذلك أرفق بهم للعلة التي ذكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد وهي إنهم كانوا لا يجدون شيئا ويستفاد منه أن الذي لا يجد اهبة النكاح وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعا للمحذور قوله فليتزوج زاد في كتاب الصيام من طريق أبي حمزة عن الاعمش هنا فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وكذا ثبتت هذه الزيادة عند جميع من أخرج الحديث المذكور من طريق الاعمش بهذا الاسناد وكذا ثبت بإسناده الآخر في الباب الذي يليه ويغلب على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ شيخ البخاري وإنما آثر البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الاعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة وقوله أغض أي أشد غضا وأحصن أي أشد احصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث بن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب وقال بن دقيق العيد يحتمل أن تكون أفعل على بابها فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج وفي معارضتها الشهوية الداعية وبعد حصول التزويج يضعف هذا العارض فيكون
[ 90 ]
أغض وأحصن مما لم يكن لان وقوع الفعل مع ضعف الداعي اندر من وقوعه مع وجود الداعي ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل أخبار عن الواقع فقط قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم في رواية مغيرة عن إبراهيم عند الطبراني ومن لم يقدر على ذلك فعليه بالصوم قال المازري فيه اغراء بالغائب ومن أصول النحويين أن لا يغرى الغائب وقد جاء شاذا قول بعضهم عليه رجلا ليسني على جهة الاغراء وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة والزجاجي ولكن فيه غلط من أوجه أما أولا فمن التعبير بقوله لا اغراء بالغائب والصواب فيه اغراء الغائب فأما الاغراء بالغائب لجائز ونص سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدا ولا يجوز عليه زيدا عند إرادة غير المخاطب وإنما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال بخلاف الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد وأما ثانيا فإن المثال ما فيه حقيقة الاغراء وأن كانت صورته فلم يرد القائل تبليغ الغائب وإنما أراد الاخبار عن نفسه بأنه قليل المبالاة بالغائب ومثله قولهم إليك عني أي اجعل شغلك بنفسك ولم يرد أن يغريه به وإنما مراده دعني وكن كمن شغل عني وأما ثالثا فليس في الحديث اغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله من استطاع منكم فالهاء في قوله فعليه ليست للغائب وإنما هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف ونظير هذا قوله كتب عليكم القصاص في القتلى إلى أن قال فمن عفى له من أخيه شئ ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من المخاطبين لا للغائب أه ملخصا ملخصا وقد استحسنه القرطبي وهو حسن بالغ وقد تفطن له الطيبي فقال قال أبو عبيد قوله فعليه بالصوم اغراء غائب ولا تكاد العرب تغرى الا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا الا في هذا الحديث قال وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعا إلى لفظه من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله يا معشر الشباب وبيان لقوله منكم جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب وقد أجاب بعضهم بأن إيراد هذا اللفظ في مثال اغراء الغائب هو باعتبار اللفظ وجواب عياض باعتبار المعنى أكثر كلام العرب اعتبار اللفظ كذا قال والحق مع عياض فإن الالفاظ توابع للمعاني ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردا هنا قوله بالصوم عدل عن قوله فعليه بالجوع وقلة ما يثير الشهوة ويستدعي طغيان الماء من الطعام والشراب إلى ذكر الصوم إذ ما جاء لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة وفيه إشارة إلى أن المطلوب من الصوم في الاصل كسر الشهوة قوله فإنه أي الصوم قوله له وجاء بكسر الواو والمد أصله الغمز ومنه وجأه في عنقه إذا غمزه دافعا له ووجأه بالسيف إذا طعنه به ووجأ انثييه غمزهما حتى رضهما ووقع في رواية بن حبان المذكورة فإنه له وجاء وهو الاخصاء وهي زيادة مدرجة في الخبر لم تقع الا في طريق زيد بن أبي أنيسة هذه وتفسير الوجاء بالاخصاء فيه نظر فإن الوجاء رض الانثيين والاخصاء سلهما وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة وقال أبو عبيد قال بعضهم وجا بفتح الواو مقصور والاول أكثر وقال أبو زيد لا يقال وجاء الا فيما لم يبرأ وكان قريب العهد بذلك واستدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لانه ارشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه وأطلق بعضهم أنه يكره في حقه وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام الاول التائق إليه القادر على مؤنه الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصيصي في شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه ورد عليهم عياض ومن تبعه بوجهين أحدهما أن الآية التي احتجوا بها خيرت بين النكاح والتسري يعني قوله تعالى فواحدة أو ما ملكت ايمانكم قالوا والتسري ليس واجبا اتفاقا فيكون التزويج غير واجب إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب وهذا الرد متعقب فإن الذين قالوا بوجوبه قيدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسري فإذا لم يندفع تعين التزويج وقد صرح بذلك بن حزم فقال وفرض على كل قادر على الوطئ أن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل
[ 91 ]
أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من السلف الوجه الثاني أن الواجب عندهم العقد لا الوطئ والعقد بمجرده لا يدفع مشقة التوقان قال فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه كذا قال وقد صرح أكثر المخالفين بوجوب الوطئ فاندفع الايراد وقال بن بطال احتج من لم يوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يستطع فعليه بالصوم قال فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله وتعقب بان الامر بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا فإن لم تستطع فاندبك إلى كذا والمشهور عن أحمد أنه لا يجب القادر للتائق الا إذا خشي العنت وعلى هذه الرواية اقتصر بن هبيرة وقال المازري الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حتى من لا ينكف عن الزنا الا به وقال القرطبي المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه عن العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه ونبه بن على سورة يحب فيها وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبا وقال بن دقيق العيد قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الاحكام الخمسة وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر التسري وكذا حكاه القرطبي عن بعض علمائهم وهو المازري قال فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا الا به كما تقدم قال والتحريم في حق من يخل بالزوجة في الوطئ والانفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه والكراهة في حق مثل هذا حيث لا اضرار بالزوجة فإن انقطع بذلك عن شئ من أفعال الطاعة من عبادة أو اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة وقيل الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من كثر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والاباحة فيما انتفت الدواعي والموانع ومنهم ممن استمر بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه قال عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطئ شهوة لقوله صلى الله عليه وسلم فإني مكاثر بكم ولظواهر الحض على النكاح والامر به وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطئ فأما من لا نسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت وقد يقال أنه مندوب أيضا لعموم قوله لا رهبانية في الاسلام وقال الغزالي في الاحياء من اجتمعت له فوائد النكاح وانتفت عنه آفاته فالمستحب في حقه التزويج ومن لا فالترك له أفضل ومن تعارض الامر في حقه فليجتهد ويعمل بالراجح قلت الاحاديث الواردة في ذلك كثيرة فأما حديث فإني مكاثر بكم فصح من حديث أنس بلفظ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة أخرجه بن حبان وذكره الشافعي بلاغا عن بن عمر بلفظ تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الامم وللبيهقي من حديث أبي إمامة تزوجوا فإني مكاثر بكم الامم ولا تكونوا كرهبانية النصارى وورد فإني مكاثر بكم أيضا من حديث الصنابحي وابن الاعسر ومعقل بن يسار وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان وعائشة وعياض بن غنم ومعاوية بن حيدة وغيرهم وأما حديث لا رهبانية في الاسلام فلم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني أن الله ابدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة وعن بن عباس رفعه لا صرورة في الاسلام أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم وفي الباب حديث النهي عن التبتل وسيأتي في باب مفرد وحديث من كان موسرا فلم ينكح فليس منا أخرجه الدارمي والبيهقي من حديث بن أبي نجيح وجزم بأنه مرسل وقد أورده البغوي في معجم الصحابة وحديث طاوس قال عمر بن الخطاب لابي الزوائد إنما يمنعك من التزويج عجز أو فجور أخرجه بن أبي شيبة وغيره وقد تقدم في الباب الاول الاشارة إلى حديث عائشة النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني وأخرج الحاكم من حديث أنس رفعه من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني وهذه الاحاديث وأن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل كما تقدم والله أعلم وفي الحديث أيضا إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم لان شهوة النكاح تابعة لشهوة الاكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه واستدل به الخطابي على جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالادوية وحكاه
[ 92 ]
البغوي في شرح السنة وينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها اصالة لانه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه وقد صرح الشافعية أنه لا يكسرها بالكافور ونحوه والحجة فيه إنهم اتفقوا على منع الجب والخصاء فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلا واستدل به الخطابي أيضا على أن المقصود من النكاح الوطئ ولهذا شرع الخيار في العنة وفيه الحث على غض البصر وتحصين الفرج بكل ممكن وعدم التكليف بغير المستطاع ويؤخذ منه أن حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل هي دائرة معها واستنبط القرافي من قوله فإنه له وجاء أن التشريك في العبادة لا يقدح فيها بخلاف الرياء لانه أمر بالصوم الذي هو قربه وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم اه فإن أراد تشريك عبادة بعبادة أخرى فهو كذلك وليس محل النزاع وأن أراد تشريك العبادة بأمر مباح فليس في الحديث ما يساعده واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الارشاد إليه أسهل وتعقب دعوى كونه أسهل لان الترك أسهل من الفعل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعد الحنفية لاجل تسكين الشهوة وفي قول عثمان لابن مسعود الا نزوجك شابة استحباب نكاح الشابة ولا سيما أن كانت بكرا وسيأتي بسط القول فيه بعد أبواب قوله باب من لم يستطع الباءة فليصم أورد فيه حديث بن مسعود المذكور في الباب قبله وهذا اللفظ ورد في رواية الثوري عن الاعمش في حديث الباب فعند الترمذي عنه بلفظ فمن لم يستطع الباءة فعليه بالصوم وعند النسائي عنه بلفظ ومن لا فليصم وقد تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله قوله باب كثرة النساء يعني لمن قدر على العدل بينهن ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الاول حديث عطاء قال حضرنا مع بن عباس جنازة ميمونة زاد مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريح زوج النبي صلى الله عليه وسلم (3780) قوله بسرف بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء مكان معروف بظاهر مكة تقدم بيانه في الحج وأخرج بن سعد بإسناد صحيح عن يزيد بن الاصم قال دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بني بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وجه آخر عن يزيد بن الاصم قال صلى عليها بن عباس ونزل في قبرها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قلت وهي خالة أبيه وعبيد الله الخولاني قلت وكان في حجرها ويزيد بن الاصم قلت وهي خالته كما هي خالة بن عباس قوله فإذا رفعتم نعشها بعين مهملة وشين معجمة السرير الذي يوضع عليه الميت قوله فلا تزعزعوها بزاءين معجمتين وعينين مهملتين والزعزعة تحريك الشئ الذي يرفع وقوله ولا تزلزلوها الزلزلة الاضطراب قوله وارفقوا إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه بن حبان قوله فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة أي عند موته وهن سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة زينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة هذا ترتيب تزويجه إياهن رضي آله عنهن ومات وهن في عصمته واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت قبله أو لا قوله كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة زاد مسلم في روايته قال عطاء التي لا يقسم لها
[ 93 ]
صفية بنت حيي بن أخطب قال عياض قال الطحاوي هذا وهم وصوابه سودة كما تقدم أنها وهبت يومها لعائشة وإنما غلط فيه بن جريج راوية عن عطاء كذا قال قال عياض قد ذكروا في قوله تعالى ترجى من تشاء منهن أنه آوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان يستوفى لهن القسم وأرجأ سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء قال فيحتمل أن تكون رواية بن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره حيث آوى الجميع فكان يقسم لجميعهن الا لصفية قلت قد أخرج بن سعد من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه لكن في الاسانيد الثلاثة الواقدي وليس بحجة وقد تعصب مغلطاي للواقدي فقل كلام من قواه ووثقه وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه وهم أكثر عددا وأشد اتقانا وأقوى معرفة به من الاولين ومن جملة ما قواه به أن الشافعي روى عنه وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه ولا يقال فكيف روى عنه لانا نقول رواية العدل ليست بمجردها توثيقا فقد روى أبو حنيفة عن جابر الجعفي وثبت عنه أنه قال ما رأيت أكذب منه فيترجح أن مراد بن عباس بالتي لا يقسم لها سودة كما قاله الطحاوي لحديث عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وسيأتي في باب مفرد وهو قبل كتاب الطلاق بأربعة وعشرين بابا ويأتي بسط القصة هناك إن شاء الله تعالى لكن يحتمل أن يقال لا يلزم من أنه كان لا يبيت عند سودة أن لا يقسم لها بل كان يقسم لها لكن يبيت عند عائشة لما وقع من تلك الهبة نعم يجوز نفي القسم عنها مجازا والراجح عندي ما ثبت في الصحيح ولعل البخاري حذف هذه الزيادة عمدا وقد وقع عند مسلم أيضا فيه زيادة أخرى من رواية عبد الرزاق عن بن جريج قال عطاء كانت اخرهن موتا ماتت بالمدينة كذا قال فأما كونها اخرهن موتا فقد وافق عليه بن سعد وغيره قالوا وكانت وفاتها سنة إحدى وستين وخالفهم آخرون فقالوا ماتت سنة ست وخمسين ويعكر عليه أن أم سلمة عاشت إلى قتل الحسين بن على وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وقيل بل ماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين والاول أرجح ويحتمل أن تكونا ماتتا في سنة واحدة لكن تأخرت ميمونة وقد قيل أيضا أنها ماتت سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين وعلى هذا لا ترديد في آخريتها في ذلك وأما قوله وماتت بالمدينة فقد تكلم عليه عياض فقال ظاهره أنه أراد ميمونة وكيف يلتئم مع قوله في أول الحديث أنها ماتت بسرف وسرف من مكة بلا خلاف فيكون قوله بالمدينة وهما قلت يحتمل أن يريد بالمدينة البلد وهي مكة والذي في أول الحديث إنهم حضروا جنازتها بسرف ولا يلزم من ذلك أنها ماتت بسرف فيحتمل أن تكون ماتت داخل مكة وأوصت أن تدفن بالمكان الذي دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فنفذ بن عباس وصيتها ويؤيد ذلك أن بن سعد لما ذكر حديث بن جريج هذا قال بعده وقال غير بن جريج في هذا الحديث توفيت بمكة لحملها بن عباس حتى دفنها بسرف الحديث الثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة بغسل واحد وله تسع نسوة وتقدم شرحه في كتاب الغسل وهو ظاهر فيما ترجم له وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن اختلفوا هل للزيادة انتهاء أو لا وفيه دلالة على أن القسم لم يكن واجبا عليه وسيأتي البحث فيه في بابه وقوله (4781) وقال لي خليفة الخ قصد به بيان تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك الحديث الثالث (4782) قوله حدثنا على بن الحكم الانصاري وهو المروزي مات سنة ست وعشرين قوله عن رقبة بفتح القاف والموحدة هو بن مصقلة بصاد مهملة ساكنة ثم قاف ويقال بالسين المهملة بدل الصاد وطلحة هو بن مصرف اليامي بتحتانية مخففا قوله قال لي بن عباس هل تزوجت قلت لا زاد فيه
[ 94 ]
أحمد بن منيع في مسنده من طريق أخرى عن سعيد بن جبير قال لي بن عباس وذلك قبل أن يخرج وجهي أي قبل أن يلتحي هل تزوجت قلت لا وما أريد ذلك يومي هذا وفي رواية سعيد بن منصور من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال لي بن عباس هل تزوجت قلت ما ذاك في الحديث قوله فإن خير هذه الامة أكثرها نساء قيد بهذه الامة ليخرج مثل سليمان عليه السلام فإنه كان أكثر نساء كما تقدم في ترجمته وكذلك أبوه داود ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل والذي يظهر أن مراد بن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالامة اخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره وكان مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الاحكام التي لا يطلع عليها الرجال ولاظهار المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يشبع به من القوت غالبا وأن وجد كان يؤثر بأكثره ويصوم كثيرا ويواصل ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ولا يطاق ذلك الا مع قوة البدن وقوة البدن كما تقدم في أول أحاديث الباب تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من مأكول ومشروب وهي عنده نادرة أو معدومة ووقع في الشفاء أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدلالته على الرجولية إلى أن قال ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن عليه فلا يتطلعن إلى غيره بخلاف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع البشري إلى التزويج وذلك هو الوصف اللائق بهن والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الاشارة إلى بعضها أحدها أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عندما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك ثانيها لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم ثالثها للزيادة في تألفهم لذلك رابعها للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ خامسها لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه سادسها نقل الاحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال لان أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله سابعها الاطلاع على محاسن اخلاقه الباطنة فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن ثامنها ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم تاسعها وعاشرها ما تقدم نقله عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن والله أعلم ووقع عند أحمد بن منيع من الزيادة في آخره أما أنه يستخرج بن صلبك من كان مستودعا وفي الحديث الحض على التزويج وترك الرهبانية قوله باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى ذكر فيه حديث عمر بلفظ العمل بالنية وإنما لامرئ ما نوى وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث ومن عمل الخير مستنبط لان الهجرة من جملة أعمال الخير فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ فهجرته إلى ما هاجر إليه فكذلك شق الطلب يشمل أعمال
[ 95 ]
الخير هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والاجري في كتاب الشريعة بغير إسناد ويدخل في قوله أو عمل خيرا ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج بأبي طلحة حتى يسلم وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن اتزوجك فإن تسلم فذاك مهري فأسلم فكان ذلك مهرها الحديث ووجه دخوله أن أم سليم رغبت في تزويج أبي طلحة ومنعها من ذلك كفره فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت بالخيرين وقد استكشله بعضهم بان تحريم المسلمات على الكفار إنما وقع في زمن الحديبية وهو بعد قصة تزوج أبي طلحة بأم سليم بمدة ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان سابقا على الآية والذي دلت عليه الآية الاستمرار فلذلك وقع التفريق بعد أن لم يكن ولا يحفظ بعد الهجرة أن مسلمة ابتدأت بتزوج كافر والله أعلم قوله باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والاسلام فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها وما ترجم به مأخوذ من قوله التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا ومع ذلك زوجه قال الكرماني لم يسق حديث سهل منا لانه ساقه قبل وبعد اكتفاء بذكره أو لان شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة اه والثاني بعيد جدا فلم أجد من قال أن البخاري يتقيد في تراجم كتابه بما يترجم به مشايخه بل الذي صرح به الجمهور أن غالب ترجمه من تصرفه فلا وجه لهذا الاحتمال وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشئ ثم ذكر طرفا من حديث بن مسعود كنا نغزو وليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله نستخصي فنهانا عن ذلك وقد تلطف المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء وهم مع ذلك لا شئ لهم كما صرح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تاما بعد باب واحد وكان كل منهم لا بد وأن يكون حفظ شيئا من القرآن يتعين التزويج بما معهم من القرآن فحكمة الترجمة من حديث سهل بالتنصيص ومن حديث بن مسعود بالاستدلال وقد أغرب المهلب فقال في قوله تزويج المعسر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوج الرجل على أن يعلم المرأة القرآن إذ لو كان كذلك ما سماه معسرا قال وكذلك قوله والاسلام لان الواهبة كانت مسلمة اه والذي يظهر أن مراد البخاري المعسر من المال بدليل قول بن مسعود وليس لنا شئ والله أعلم قوله باب قول الرجل لاخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع قوله رواه عبد الرحمن بن عوف وصله في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد أي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمن بن عوف وأورده في فضائل الانصار عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم وقال في روايته انظر اعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وهو معنى ما ساقه
[ 96 ]
موصولا في الباب عن أنس بلفظ فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ويأتي في الوليمة من حديث أنس بلفظ اقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي وسيأتي بقية شرح الحديث المذكور في أبواب الوليمة وفيه ما كانوا عليه من الايثار حتى بالنفس والاهل وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها وجواز المواعدة بطلاق المرأة وسقوط الغيرة في مثل ذلك وتنزه الرجل عما يبذل له من مثل ذلك وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة وفيه مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل وغيره وقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من حديث أم سلمة قالت خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما منع أبا بكر حبه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حبه لقرب أبي بكر عن ذلك لمحبتهم في التجارة هذا أو معناه وبقية الحديث في قصة سويبط بن حرملة والنعمان وأصلها عند بن ماجة وقد تقدم بيان البحث في أفضل الكسب بما يغنى عن اعادته والله أعلم قوله باب ما يكره من التبتل المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة وأما المأمور به في قوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا فقد فسره مجاهد فقال اخلص له اخلاصا وهو تفسير معنى وإلا فأصل التبتل الانقطاع والمعنى انقطع إليه انقطاعا لكن ما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله إنما تقع بإخلاص العبادة له فسرها بذلك ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن الملك ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة وقيل لفاطمة البتول أما لانقطاعها عن الازواج غير علي أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف قوله والخصاء هو الشق على الانثيين وانتزاعهما وإنما قال ما يكره من التبتل والخصاء للاشارة إلى أن الذي يكره من التبتل هو الذي يفضي الت التنطع وتحريم ما أحل الله وليس التبتل من أصله مكروها وعطف الخصاء عليه لان بعضه يجوز في الحيوان المأكول ثم أورد المصنف ثلاثة أحاديث أحدها حديث سعد بن أبي وقاص في قصة عثمان بن مظعون أورده من طريقين إلى بن شهاب الزهري وقد أورده مسلم من طريق عقيل عن بن شهاب بلفظ أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أن معنى (4786) قوله رد على عثمان أي لم يأذن له بل نهاه وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال يا رسول الله إني رجل يشق علي العزوية فأذن لي في الخصاء قال لا ولكن عليك بالصيام الحديث ومن طريق سعيد بن العاص أن عثمان قال يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء فقال أن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقة فعبر عنه الراوي بالتبتل لانه ينشأ عنه فلذلك قال ولو إذن له لاختصينا ويحتمل عكسه وهو أن المراد بقول سعد ولو إذن له لاختصينا لفعلنا فعل من يختصي وهو الانقطاع عن النساء قال الطبري التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب وكل ما يلتذ به فلهذا انزل في حقه يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقد تقدم في الباب الاول من كتاب النكاح تسمية من أراد ذلك مع عثمان بن مظعون ومن وافقه وكان عثمان من السابقين إلى الاسلام وقد تقدمت قصته مع لبيد بن ربيعة في كتاب المبعث وتقدمت قصة وفاته في كتاب الجنائز وكانت في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة وهو أول من دفن بالبقيع وقال الطيبي قوله ولو إذن له لاختصينا كان الظاهر أن يقول ولو إذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لارادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الامر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لانه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
[ 97 ]
كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبل لان وجود الالة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألما عظيما في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الاجل فهو كقطع الاصبع إذا وقعت في اليد الاكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب لانه هو الذي يحصل المقصود والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار وإلا لو إذن في ذلك لاوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية الحديث الثاني (4787) قوله جرير هو بن عبد الحميد وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود وقد تقدم قبل بباب من وجه آخر عن إسماعيل بلفظ عن بن مسعود ووقع عند الاسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ سمعت عبد الله وكذا لمسلم من وجه آخر عن إسماعيل قوله الا نستخصي أي الا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا وقوله فنهانا عن ذلك هو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم وفيه أيضا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لان خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال قال القرطبي الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان الا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه وقال النووي يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقا وأما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره وما أظنه يدفع ما ذكره القرطبي من إباحة ذلك في الحيوان الكبير عند إزالة الضرر قوله ثم رخص لنا في الرواية السابقة في تفسير المائدة ثم رخص لنا بعد ذلك قوله أن ننكح المرأة بالثوب أي إلى أجل في نكاح المتعة قوله ثم قرأ في رواية مسلم ثم قرأ علينا عبد الله وكذا وقع عند الاسماعيلي في تفسير المائدة قوله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم الآية ساق الاسماعيلي إلى قوله المعتدين وظاهر استشهاد بن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة فقال القرطبي لعله لم يكن حينئذ بلغة الناسخ ثم بلغه فرجع بعد قلت يؤيده ما ذكره الاسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ففعله ثم ترك ذلك قال وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل ثم جاء تحريمها بعد وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ وسيأتي مزيد البحث في حكم المتعة بعد أربعة وعشرين بابا الحديث الثالث (4788) قوله وقال اصبغ كذا في جميع الروايات التي وقفت عليها وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال فيه حديثا وقد وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر والجوزقي في الجمع بن الصحيحين والاسماعيلي من طرق عن أصبغ وأخرجه أبو نعيم من طريق حرملة عن بن وهب وذكر مغلطاي أنه وقع عند الطبري رواه البخاري عن أصبغ بن محمد وهو غلط هو اصبغ بن الفرج ليس في آبائه محمد قوله أنى رجل شاب وأنا أخاف في رواية الكشميهني وإني أخاف وكذا في رواية حرملة قوله العنت بفتح المهملة والنون ثم مثناة هو الزنا هنا ويطلق على الاثم والفجور
[ 98 ]
والامر الشاق والمكروه وقال بن الانباري أصل العنت الشدة قوله ولا أجد ما أتزوج النساء فسكت عني كذا وقع وفي رواية حرملة ولا أجد ما أتزوج النساء فأذن لي اختصي وبهذا يرتفع الاشكال عن مطابقة الجواب للسؤال قوله جف القلم بما أنت لاق أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لامداد فيه لفراغ ما كتب به قال عياض كتابة الله ولوحه وقلمه من غيب علمه الذي نؤمن به ونكل علمه إليه قوله فاختص على ذلك أو ذر في رواية الطبري وحكاها الحميدي في الجمع ووقعت في المصابيح فاقتصر على ذلك أو ذر قال الطيبي معناه اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكرت من الخصاء اه وأما اللفظ الذي وقع في الاصل فمعناه فافعل ما ذكرت أو اتركه واتبع ما أمرتك به وعلى الروايتين فليس الامر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد وهو كقوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والمعنى أن فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر وليس فيه تعرض لحكم الخصاء ومحصل الجواب أن جميع الامور بتقدير الله في الازل فالخصاء وتركه سواء فإن الذي قدر لا بد أن يقع وقوله على ذلك هي متعلقة بمقدر أي اختص حال استعلائك على العلم بان كل شئ بقضاء الله وقدره وليس أذنا في الخصاء بل فيه إشارة إلى النهي عن ذلك كأنه قال إذا علمت أن كل شئ بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة وأخرج الطبراني من حديث بن عباس قال شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة فقال الا اختصي قال ليس منا من خصي أو اختصى وفي الحديث ذم الاختصاء وقد تقدم ما فيه وأن القدر إذا نفذ لا تنفع الحيل وفيه مشروعية شكوى الشخص ما يقع له للكبير ولو كان مما يستهجن ويستقبح وفيه إشارة إلى أن من لم يجد الصداق لا يتعرض للتزويج وفيه جواز تكرار الشكوى إلى ثلاث والجواب لمن لا يقنع بالسكوت وجواز السكوت عن الجواب لمن يظن به أنه يفهم المراد من مجرد السكوت وفيه استحباب أن يقدم طالب الحاجة بين يدي حاجته عذره في السؤال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ويؤخذ منه أن مهما أمكن المكلف فعل شئ من الاسباب المشروعة لا يتوكل الا بعد عملها لئلا يخالف الحكمة فإذا لم يقدر عليه وطن نفسه على الرضا بما قدره عليه مولاه ولا يتكلف من الاسباب ما لا طاقة به له وفيه أن الاسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدي فإن قبل لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كا أمر غيره فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام لان كان من أهل الصفة قلت ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج الحديث لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود وكانوا في حال الغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوى على القتال فاداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيه لغيره لانه ذكر أنه لا يجد شيئا ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره فكيف يستمتع والتي يستمتع بها لا بد لها من شئ قوله باب نكاح الابكار جمع بكر وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الاولى قوله وقال بن أبي مليكة قال بن عباس لعائشة لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك هذا طرف من حديث وصله المصنف في تفسير سورة النور وقد تقدم الكلام عليه هناك (4789) قوله حدثني أخي هو عبد الحميد وسليمان هو بن بلال قوله فيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا
[ 99 ]
لم يؤكل منها كذا لابي ذر ولغيره ووجدت شجرة وذكره الحميدي بلفظ فيه شجرة قد أكل منها وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج بصيغة الجمع وهو أصوب لقوله بعد في أيها أي في أي الشجر ولو أراد الموضعين لقال في أيهما قوله ترتع بضم أوله ارتع بسيره إذا تركه يرعى ما شاء ورتع البعير في المرعى إذا أكل ما شاء ورتعه الله أي أنبت له ما يرعاه على سعة قوله قال في التي لم يرتع منها في رواية أبي نعيم قال في الشجرة التي وهو أوضح وقوله يعني الخ زاد أبو نعيم قبل هذا قالت فأنا هيه بكسر الهاء وفتح التحتانية وسكون الهاء وهي للسكت وفي هذا الحديث مشروعية ضرب المثل وتشبيه شئ موصوف بصفة بمثله مسلوب الصفة وفيه بلاغة عائشة وحسن تأتيها في الامور ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في التي لم يرتع منها أي أوثر ذلك في الاختيار على غيره فلا يرد على ذلك كون الواقع منه أن الذي تزوج من الثيبات أكثر ويحتمل أن تكون عائشة كنت بذلك عن المحبة بل عن أدق من ذلك ثم ذكر المصنف حديث عائشة أيضا أريتك في المنام وسيأتي شرحه بعد ستة وعشرين بابا ووقع في رواية الترمذي أن الملك الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها جبريل قوله باب تزويج الثيبات جمع ثيبة بمثلثة ثم تحتانية ثقيلة مكسورة ثم موحدة ضد البكر قوله وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد عشرة أبواب واستنبط المصنف الترجمة من قوله بناتكن لانه خاطب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من غيره فيستلزم انهن ثيبات كما هو الاكثر الغالب ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بعيره وقد تقدم شرحه في الشروط فيما يتعلق بذلك (4791) قوله ما يعجلك بضم أوله أي ما سبب اسراعك قوله كنت حديث عهد بعرس أي قريب عهد بالدخول على الزوجة وفي رواية عطاء عن جابر في الوكالة فلما دنونا من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والاكرام أخذت أرتحل قال أين تريد قلت تزوجت وفي رواية أبي عقيل عن أبي المتوكل عن جابر من أحب أن يتعجل إلى أهله فليتعجل أخرجه مسلم قوله قال أبكرا أم ثيبا قلت ثيبا هو منصوب بفعل محذوف تقديره أتزوجت وتزوجت وكذا وقع في ثاني حديث الباب فقلت تزوجت ثيبا في رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان عن جابر قال أتزوجت قلت نعم قال بكرا أم ثيبا قلت ثيبا وفي المغازي عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بلفظ هل نكحت يا جابر قلت نعم قال ماذا أبكرا أم ثيبا قلت لا بل ثيبا ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث قلت ثيب وهو خير مبتدأ محذوف تقديره التي تزوجتها ثيب وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء عن جابر قوله فهلا جارية في رواية وهب بن كيسان أفلا جارية وهما بالنصب أي فهلا تزوجت وفي رواية يعقوب الدورقي عن هشام بإسناد حديث الباب هلا بكرا وسيأتي قبيل أبواب الطلاق وكذا لمسلم من طريق عطاء عن جابر وهو معني رواية محارب المذكورة في الباب بلفظ العذارى وهو جمع عذراء بالمد قوله تلاعبها وتلاعبك زاد في رواية النفقات وتضاحكها وتضاحكك وهو مما يؤيد أنه من اللعب ووقع
[ 100 ]
عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل فذكر نحو حديث جابر وقال فيه وتعضها وتعضك ووقع في رواية لابي عبيدة تداعبها وتداعبك بالدال المعجمة بدل اللام وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر ثاني حديث الباب بلفظ مالك وللعذاري ولعابها فقد ضبطه الاكثر بكسر اللام وهو مصدر من الملاعبة أيضا يقال لاعب لعابا وملاعبة مثل قاتل قتالا ومقاتلة ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل وليس هو ببعيد كما قال القرطبي ويؤيد أنه بمعنى آخر غير المعنى الاول قول شعبة في الباب أنه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال اللفظ الموافق للجماعة وفي رواية مسلم التلويح بانكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ ولفظه إنما قال جابر تلاعبها وتلاعبك فلو كانت الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك لانه كان ممن يجيز الرواية بالمعنى ووقع في رواية وهب بن كيسان من الزيادة قلت كن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن أي في غير ذلك من مصالحن وهو من العام بعد الخاص وفي رواية عمرو عن جابر الآتية في النفقات هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك أو قال خيرا وفي رواية سفيان عن عمرو في المغازي وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت وفي رواية بن جريج عن عطاء وغيره عن جابر فأردت أن انكح امرأة قد جربت خلا منها قال فذلك وقد تقدم التوفيق بين مختلف الروايات في عدد أخوات جابر في المغازي ولم اقف على تسميتهن وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الانصارية الاوسية ذكره بن سعد قوله فلما ذهبنا لندخل قال امهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء كذا هنا ويعارضه الحديث الآخر الاتي قبل أبواب الطلاق لا يطرق أحدكم أهله ليلا وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضا ويجمع بينهما أن الذي في الباب لمن علم خبر مجيئة والعلم بوصوله والاتي لمن قدم بغته ويؤيده قوله في الطريق الاخرى يتخونهم بذلك وسيأتي مزيد بحث فيه هناك وفي الحديث الحث على نكاح البكر وقد ورد بأصرح من ذلك عند بن ماجة من طريق عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده بلفظ عليكم بالابكار فإنهن أعذب افواها وانتق ارحاما أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناه الحركة ويقال أيضا للرمي فلعله يريد أنها كثيرة الاولاد وأخرج الطبراني من حديث بن مسعود نحوه وزاد وأرضى باليسير ولا يعارضه الحديث السابق عليكم بالولود من جهة أن كونها بكرا لا يعرف به كونها كثيرة الولادة فإن الجواب عن ذلك أن البكر مظنة فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة أو بالمظنة وأما من جربت فظهرت عقيما وكذا الايسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما وفيه فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وايثاره مصلحتهن على حظ نفسه ويوخذ منه أنه إذا تزاحمت مصلحتان قدم اهمهما لان النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل جابر ودعا له لاجل ذلك ويؤخذ منه الدعاء لمن فعل خيرا وأن لم يتعلق بالداعي وفيه سؤال الامام أصحابه عن أمورهم وتفقده أحوالهم وارشاده إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة ولو كان في باب النكاح وفيما يستحيا من ذكره وفيه مشروعية خدمة المرأة زوجها ومن كان منه بسبيل من ولد وأخ وعائلة وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته وأن كان ذلك لا يجب عليها لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك فلذلك لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الرواية المتقدمة خرقاء بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها قاف هي التي لا تعمل بيدها شيئا وهي تأنيث الاخرق وهو الجاهل بمصحلة نفسه وغيره قوله تمشيط الشعثة بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة أطلق عليها ذلك لان التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزن قوله تستحد بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة
[ 101 ]
بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالاستحداد لانه الغالب استعماله في إزالة الشعر وليس في ذلك منع إزالته بغير الموسى والله أعلم قوله في الرواية الثانية تزوجت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تزوجت هذا ظاهره أن السؤال وقع عقب تزوجه وليس كذلك لما دل عليه سياق الحديث الذي قبله وقد تقدم في الكلام على حديث جمل جابر في كتاب الشروط في آخره أن بين تزوجه والسؤال الذي دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك مدة طويلة قوله باب تزويج الصغار من الكبار أي في السن (4793) قوله عن يزيد هو بن أبي حبيب وعراك بكسر المهملة وتخفيف الراء ثم كاف هو بن مالك تابعي شهير وعروة هو بن الزبير قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة قال الاسماعيلي ليس في الرواية ما ترجم به الباب وصغر عائشة عن كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر ثم الخبر الذي أورده مرسل فإن كان يدخل مثل هذا الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل قلت الجواب عن الاول يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر إنما أنا أخوك فإن الغالب في بنت الاخ أن تكون أصغر من عمها وأيضا فيكفي ما ذكر في مطابقة الحديث للترجمة ولو كان معلوما من خارج وعن الثاني أنه وأن كان صورة سياقه الارسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لامه أبي بكر فالظاهر أنه حمل ذلك عن خالته عائشة أو عن أمة أسماء بنت أبي بكر وقد قال بن عبد البر إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة تدل على ذلك ومن أمثلة ذلك رواية مالك عن بن شهاب عن عروة في قصة سالم مولى أبي حذيفة قال بن عبد البر هذا يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة زوج أبي حذيفة أيضا وأما الالزام فالجواب عنه أن القصة المذكورة لا تشتمل على حكم متأصل فوقع فيها التساهل في صريح الاتصال فلا يلزم من ذلك إيراد جميع المراسيل في الكتاب للصحيح نعم الجمهور على أن السياق المذكور مرسل وقد صرح بذلك الدارقطني وأبو مسعود وأبو نعيم والحميدي وقال بن بطال يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطئ فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لانه أمر مجمع عليه قال ويؤخذ من الحديث أن الاب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها قلت كأنه أخذ ذلك من عدم ذكره وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الامر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة وقول أبي بكر إنما أنا أخوك حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الاخ وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب أنت أخي في دين الله وكتابه إشارة إلى قوله تعالى إنما المؤمنون اخوة ونحو ذلك وقوله وهي لي حلال معناه وهي مع كونها بنت أخي يحل لي نكاحها لان الاخوة المانعة من ذلك إخوة النسب والرضاع لا إخوة الدين وقال مغلطاي في صحة هذا الحديث نظر لان الخلة لابي بكر إنما كانت بالمدينة وخطبه عائشة كانت بمكة فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه بن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة فقال لها أبو بكر وهل تصلح له إنما هي بنت أخيه فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ارجعي فقولي له أنت أخي في الاسلام وابنتك تصلح لي فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال ادعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فانكحه قلت اعتراضه الثاني الاعتراض الاول من وجهين إذ المذكور
[ 102 ]
في الحديث الاخوة وهي إخوة الدين والذي اعترض به الخلة وهي أخص من الاخوة ثم الذي وقع بالمدينة إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا الحديث الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات الخلة الا بالقوة لا بالفعل الوجه الثاني أن في الثاني اثبات ما نفاه في الاول والجواب عن اعتراضه بالمباشرة إمكان الجمع بأنه خاطب بذلك بعد أن راسله قوله باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام وتناول الاول والثاني من حديث الباب واضح وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لان نساءهن خير النساء وهو الحكم الثاني وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم لان من ثبت انهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للاولاد وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال ويقوى أحد الاسنادين بالاخر (4794) قوله خير نساء ركبن الابل تقدم في أواخر أحاديث الانبياء في ذكر مريم عليها السلام قول أبي هريرة في آخره ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل لانها لم تركب بعيرا قط فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها ولا يشك أن لمريم فضلا وأنها أفضل من جميع نساء قريش أن ثبت أنها نبيه أو من اكثرهن أن لم تكن ببية وقد تقدم بيان ذلك في المناقب في حديث خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة وأن معناها أن كل واحدة منهما خير نساء الارض في عصرها ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله ركبن الابل لان تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد منها فإن قوله ركبن الابل إشارة إلى العرب لانهم الذين يكثر منهم ركوب الابل وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا ويمكن أن يقال أيضا أن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن قوله صالح نساء قريش كذا للاكثر بالافراد وفي رواية غير الكشميهني صلح بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع وسيأتي في أواخر النفقات من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ نساء قريش والمطلق محمول على المقيد فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش لا على العموم والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك قوله احناه بسكون المهملة بعدها نون أكثره شفقة والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية قاله الهروي وجاء الضمير مذكرا وكان القياس احناهن وكأنه ذكر باعتبار اللفظ والجنس أو الشخص أو الانسان وجاء نحو ذلك في حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا بالافراد في الثاني وحديث بن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالافراد في الثاني أيضا قال أبو حاتم السجستاني لا يكادون يتكلمون به الا مفردا قوله على ولده في رواية الكشميهني على ولد بلا ضمير وهو أوجه ووقع في رواية لمسلم على يتيم وفي أخرى على طفل والتقييد باليتم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض افراد العموم لان صفة الحنو على الولد ثابتة لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك قوله وأرعاه على زوج أي أحفظ وأصون لما له بالامانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الانفاق قوله في ذات يده أي في ماله المضاف إليه ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد أي قليل المال وفي الحديث الحث على نكاح الاشراف خصوصا
[ 103 ]
القرشيات ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب يؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب وأن غير القرشيات ليس كفأ لهن وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الاولاد وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه ويؤخذ منه مشروعية انفاق الزوج على زوجته وسيأتي في أواخر النفقات بيان سبب هذا الحديث قوله باب اتخاذ السراري جمع سرية بضم السين وكسر الراء الثقيلة ثم تحتانية ثقيلة وقد تكسر السين أيضا سميت بذلك لانها معتقة من التسرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع ويقال له الاستسرار أيضا أو أطلق عليها ذلك لانها في الغالب يكتم أمرها عن الزوجة والمراد بالاتخاذ الاقتناء وقد ورد الامر بذلك صريحا في حديث أبي الدرداء مرفوعا عليكم بالسراري فإنهن مباركات الارحام أخرجه الطبراني وإسناده واه ولاحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا أنكحوا أمهات الاولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة وإسناده أصلح من الاول لكنه ليس بصريح في التسري قوله ومن أعتق جارية ثم تزوجها عطف هذا الحكم على الاقتناء لانه قد يقع بعد التسري وقبله وأول أحاديث الباب منطبق على هذا الشق الثاني ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الاول حديث أبي موسى وقد تقدم شرحه في كتاب العلم وقوله في هذه الطريق أيما رجل كانت عنده وليدة أي أمة واصلها ما ولد من الاماء في ملك الرجل ثم أطلق ذلك على كل أمة (4795) قوله فله اجران ذكر ممن يحصل لهم تضعيف الاجر مرتين ثلاثة أصناف متزوج الامة بعد عتقها ومؤمن أهل الكتاب وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم والمملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه وقد تقدم في العتق ووقع في حديث أبي إمامة رفعه عند الطبراني أربعة يؤتون أجرهم مرتين فذكر الثلاثة كالذي هنا وزاد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في التفسير حديث الماهر بالقرآن والذي يقرأ وهو عليه شاق وحديث زينب امرأة بن مسعود في التي تتصدق على قريبها لها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة وقد تقدم في ا لزكاة وحديث عمرو بن العاص في الحاكم إذا أصاب له أجران وسيأتي في الاحكام وحديث جرير من سن سنة حسنة وحديث أبي هريرة من دعا إلى هدى وحديث أبي مسعود من دل على خير والثلاثة بمعنى وهن في الصحيحين ومن ذلك حديث أبي سعيد في الذي تيمم ثم وجد الماء فأعاد الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لك الاجر مرتين أخرجه أبو داود وقد يحصل بمزيد التتبع أكثر من ذلك وكل هذا دال على أن لا مفهوم للعدد المذكور في حديث أبي موسى وفيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها سواء أعتقها ابتداء لله أو لسبب وقد بالغ قوم فكرهوه فكأنهم لم يبلغهم الخبر فمن ذلك ما وقع في رواية هشيم عن صالح بن صالح الراوي المذكور وفيه قال رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال أن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي فذكر هذا الحديث وأخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن بن مسعود أنه كان يقول ذلك وأخرج سعيد بن منصور عن بن عمر مثله وعند بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أنس أنه سئل عنه فقال إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها ومن طريق سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي إنهما كرها ذلك وأخرج أيضا من طريق عطاء والحسن إنهما كانا لا يريان بذلك بأسا
[ 104 ]
قوله وقال أبو بكر هو بن عياش بتحتانية وآخره معجمة وأبو حصين هو عثمان بن عاصم عن أبي بردة هو بن أبي موسى وهذا الاسناد مسلسل بالكوفيين وبالكنى قوله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها ثم اصدقها كأنه أشار بهذه الرواية إلى أن المراد بالتزويج في الرواية الاخرى أن يقع بمهر جديد سوى العتق لا كما وقع في قصة صفية كما سيأتي في الباب الذي بعده فأفادت هذه الطريق ثبوت الصداق فإنه لم يقع التصريح به في الطريق الاولى بل ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر وقد وصل طريق أبي بكر بن عياش هذه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه فقال حدثنا أبو بكر الخياط فذكره بإسناده بلفظ إذا أعتق الرجل أمته ثم امهرها مهرا جديدا كان له أجران وكأن أبا بكر كان يتعانى الخياطة في وقت وهو أحد الحفاظ المشهورين في الحديث والقراء المذكورين في القراءة وأحد الرواة عن عاصم وله اختيار وقد احتج به البخاري ووصله من طريقه أيضا الحسن بن سفيان وأبو بكر البزار في مسنديهما عنه وأخرجه الاسماعيلي عن الحسن ولفظه عنده ثم تزوجها بمهر جديد وكذا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي بكر بهذا اللفظ ولم يقع لابن حزم الا من رواية الحماني فضعف هذه الزيادة به ولم يصب وذكر أبو نعيم أن أبا بكر تفرد بها عن أبي حصين وذكر الاسماعيلي أن فيه اضطرابا على أبي بكر بن عياش كأنه عني في سياق المتن لا في الاسناد وليس ذلك الاختلاف اضطرابا لانه يرجع إلى معنى واحد وهو ذكر المهر واستدل به على أن عتق الامة لا يكون نفس الصداق ولا دلالة فيه بل هو شرط لما يترتب عليه الاجران المذكوران وليس قيدا في الجواز تنبيه وقع في رواية أبي زيد المروزي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى والصواب ما عند الجماعة عن أبيه أبي موسى بحذف عن التي قبل أبي موسى الحديث الثاني (4796) قوله حدثنا سعيد بن تليد بفتح المثناة وكسر اللام الخفيفة وسكون التحتانية بعدها مهملة مصري مشهور وكذا شيخه وبقية الاسناد إلى أبي هريرة من أهل البصرة ومحمد هو بن سيرين وقوله في الرواية الثانية عن أيوب عن محمد كذا لاكثر ووقع لابي ذر بدله عن مجاهد وهو خطأ وقد تقدم في أحاديث الانبياء عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد على الصواب لكنه ساقه هناك موقوفا واختلف هنا الرواة فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفا أيضا ولغيرهما مرفوعا وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه موقوفا وكذا ذكر أبو نعيم أنه وقع هنا البخاري موقوفا وبذلك جزم الحميدي وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب وأن ذلك هو السر في إيراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة ولكن الحديث في الاصل ثابت الرفع لكن بن سيرين كان يقف كثيرا من حديثه تخفيفا وأغرب المزي فعزا رواية حماد هذه هنا إلى رواية بن رميح عن الفربري وغفل عن ثبوتها في رواية أبي ذر والاصيلي وغيرهما من الرواة من طريق الفربري حتى في رواية أبي الوقت وهي ثابتة أيضا في رواية النسفي فما أدري ما وجه تخصيص ذلك برواية بن رميح قوله لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات الحديث ساقه مختصرا هنا وقد تقدم شرحه مستوفى في ترجمة إبراهيم من أحاديث الانبياء قال بن المنير مطابقة حديث هاجر للترجمة أنها كانت مملوكة وقد صح أن إبراهيم اولدها بعد ان ملكها فهي سرية قلت أن أراد أن ذلك وقع صريحا في الصحيح فليس بصحيح وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم اولدها إسماعيل وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته الا بملك مأخوذ من خارج الحديث غير الذي في الصحيح وقد ساقه
[ 105 ]
أبو يعلى في مسنده من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له ووقع في حديث حارثة بن مضرب عن علي عند الفاكهي أن إبراهيم استوهب هاجر من سارة فوهبتها له وشرطت عليه أن لا يسرها فالتزم ذلك ثم غارت منها فكان ذلك السبب في تحويلها مع ابنها إلى مكة وقد تقدم شئ من ذلك في أحاديث الانبياء الحديث الثالث حديث أنس قال (4797) أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا الحديث وفيه فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم فقال الناس لا تدري اتزوجها أم اتخذها أم ولد وشاهد الترجمة منه تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية فيطابق أحد ركني الترجمة قال بعض الشراح دل تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية على أن عتقها لم يكن نفس الصداق كذا قال وهو متعقب بان التردد إنما كان في أول الحال ثم ظهر بعد ذلك أنها زوجة وليس فيه دلالة لما ذكر واستدل به على صحة النكاح بغير شهود لانه لو حضر في تزويج صفية شهود لما خفي عن الصحابة حتى يترددوا ولا دلالة فيه أيضا لاحتمال أن الذين حضروا التزويج غير الذين ترددوا وعلي تسليم أن يكون الجميع ترددوا فذلك مذكور من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يتزوج بلا ولي ولا شهود كما وقع في قصة زينب بنت جحش وقد سبق شرح أول الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي ما يتعلق بالعتق في الذي بعده قوله باب من جعل عتق الامة صداقها كذا أورده غير جازم بالحكم وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم وطاوس والزهري ومن فقهاء الامصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب سمعت أنسا قال سبي النبي صلى الله عليه وسلم صفية فاعتقها وتزوجها فقال ثابت لانس ما أصدقها قال نفسها فأعتقها هكذا أخرجه المصنف في المغازي وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها قال امهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدا في أن المجمول مهرا هو نفس العتق فالتأويل الاول لا بأس به فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية وقال آخرون بل جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي وقال آخرون قوله أعتقها وتزوجها معناه أعتقها ثم تزوجها فما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال اصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف أصل الصداق ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما أنه قول أنس قاله ظنا من قبل نفسه
[ 106 ]
ولم يرفعه وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال أمة الله بنت رزينة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه وقد خالف هذا الحديث أيضا ما عليه كافة أهل السير أن صفية من سبي خيبر ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وقيل يحتمل أنه أعتقها بغير عرض وتزوجها بغير مهر في الحال ولا في المآل قال بن الصلاح معناه أن العتق يحل محل الصداق وأن لم يكن صداقا قال وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له قال وهذا الوجه أصح الاوجه واقربها إلى لفظ الحديث وتبعه النووي في الروضة ومن المستغربات قول الترمذي بعد أن أخرج الحديث وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قال وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق والقول الاول أصح وكذا نقل بن حزم عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الاول ولا سيما نص الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به لكن يلزمها له قيمتها لانه لم يرض بعتقبا مجانا فصار كسائر الشروط الفاسدة فإن رضيت وتزوجته على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى وعليه له قيمتها فإن اتحدا تقاصا وممن قال بقول أحمد من الشافعية بن حبان صرح بذلك في صحيحه قال بن دقيق العيد الظاهر مع أحمد ومن وافقه والقياس مع الآخرين فيتردد الحال بين ظن نشأ عن قياس وبين ظن نشأ عن ظاهر الخبر مع ما تحتمله الواقعة من الخصوصية وهي وأن كانت على خلاف الاصل لكن يتقوى ذلك بكثرة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وخصوصا خصوصيته بتزويج الواهبة من قوله تعالى وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي الآية ومن جزم بأن ذلك كان من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقي قال وكذا نقله المزني عن الشافعي قال وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقا وتزوجها بغير مهر ولا ولى ولا شهود وهذا بخلاف غيره وقد أخرج عبد الرزاق جواز ذلك عن علي وجماعة من التابعين ومن طريق إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يعتق أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها وقال القرطبي منع من ذلك مالك وأبو حنيفة لاستحالته وتقرر استحالته بوجهين أحدهما أن عقدها على نفسها ما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق فإن الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده وأما بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق فيجوز أن لا ترضى وحينئذ لا تنكح الا برضاها الوجه الثاني أنا إذا جعلنا العتق صداقا فأما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما أو حالة الحرية فيلزم اسبقيته على العقد فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال لان الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج أما نصا وأما حكما حتى تملك الزوجة طلبه فإن اعتلوا بنكاح التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكما فإنها وأن لم يتعين لها حالة العقد شئ لكنها تملك المطالبة فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شئ تطالب به الزوج ولا يتأنى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقا وتعقب ما ادعاء من الاستحالة بجواز تعليق الصداق على شرط إذا وجد استحقته المرأة كأن يقول تزوجتك على ما سيستحق لي عند فلان وهو كذا فإذا حل المال الذي وقع العقد عليه استحقته وقد أخرج الطحاوي من طريق نافع عن بن عمر في قصة جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها وهو مما يتأيد به حديث أنس لكن أخرج أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصة جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما جاءت تستعين به في كتابتها هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوجك قالت قد فعلت وقد استشكله بن حزم بأنه يلزم منه أن كان أدى عنها كتابتها أن يصير ولاؤها لمكاتبها وأجيب بأنه ليس في الحديث التصريح بذلك لان معنى قولها قد فعلت رضيت فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عوض ثابت بن قيس عنها فصارت له فأعتقها وتزوجها كما صنع في قصة صفية أو يكون ثابت لما بلغته رغبة النبي صلى الله عليه وسلم
[ 107 ]
وهبها له وفي الحديث للسيد تزويج أمته إذا أعتقها من نفسه ولا يحتاج إلى ولي ولا حاكم وفيه اختلاف يأتي في باب إذا كان الولي هو الخاطب بعد نيف وعشرين بابا قال بن الجوزي فإن قيل ثواب العتق عظيم فكيف قوته حيث جعله مهرا وكان يمكن جعل المهر غيره فالجواب أن صفية بنت ملك ومثلها لا يقنع الا بالمهر الكثير ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إذا ذاك ما يرضيها ولم ير أن يقتصر فجعل صداقها نفسها وذلك عندها أشرف من المال الكثير قوله باب تزويج المعسر تقدم في أوائل كتاب النكاح باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والاسلام وهذه الترجمة أخص من تلك وعلق هناك حديث سهل الذي أورده في هذا الباب مبسوطا وسيأتي شرحه بعد ثلاثين بابا قوله لقوله تعالى أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله هو تعليل لحكم الترجمة ومحصله أن الفقر في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل والله أعلم قوله باب الاكفاء في الدين جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة المثل والنظير واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلا قوله وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا الآية قال الفراء النسب من لا يحل نكاحه والصهر من يحل نكاحه فكأن المصنف لما رأى الحصر وقع بالقسمين صلح التمسك بالعموم لوجود الصلاحية الا ما دل الدليل على اعتباره وهو استثناء الكافر وقد جزم بان اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن بن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفأ لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفأ للعرب وهو وجه للشافعية والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ
[ 108 ]
النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الاكفاء حراما فأرد به النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والاولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الا واحدا فله فسخه وذكر أن المعنى في اشتراط الولاية في النكاح كيلا تضيع المرأة نفسها في غير كفء انتهى ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث وائلة مرفوعا أن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر لكن ضم بعضهم إليه حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل بن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي وهو خلاف مشهور ونقل الابزي عن الربيع أن رجلا سأل الشافعي عنه فقال أنا عربي لا تسألني عن هذا ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الحديث الاول حديث عائشة (4800) قوله أن أبا حذيفة اسمه مهشم على المشهور وقيل هاشم وقيل غير ذلك وهو خال معاوية بن أبي سفيان قوله تبنى بفتح المثناة والموحدة وتشديد النون بعدها ألف أي اتخذه ولدا وسالم هو بن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل كان من حلفائه كما وقع في رواية لمسلم وكان استشهاد أبي حذيفة وسالم جميعا يوم اليمامة في خلافة أبي بكر قوله وأنكحه أي زوجه هندا كذا في هذه الرواية ووقع عند مالك فاطمة فلعل لها اسمين والوليد بن عتبة أحد من قتل ببدر كافرا وقوله بنت أخيه فتح الهمزة وكسر المعجمة ثم تحتانية هو الصحيح وحكى بن التين أن في بعض الروايات بضم الهمزة وسكون الخاء ثم مثناة وهو غلط قوله وهو مولى امرأة من الانصار تقدم بيان اسمها في غزوة بدر قوله كما تبنى النبي صلى الله عليه وسم زيدا أي بن حارثة وقد تقدم خبره بذلك في تفسير سورة الاحزاب قوله فمن لم يعلم له أب بضم أول يعلم وفتح اللام على البناء للمجهول قوله كان مولى وأخا في الدين لعل في هذا إشارة إلى قولهم مولى أبي حذيفة وأن سالما لما نزلت ادعوهم لآبائهم كان ممن لا يعلم له أب فقيل له مولى أبي حذيفة قوله أنا كما ترى بفتح النون أي نعتقد قوله سالما ولدا زاد البرقاني من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو داود من رواية يونس عن الزهري فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد فيراني فضلا وفضلا بضم الفاء والمعجمة أي متبذلة في ثياب المهنة يقال تفضلت المرأة إذا فعلت ذلك هذا قوله الخطابي وتبعه بن الاثير وزاد وكانت في ثوب واحد وقال بن عبد البر قال الخليل رجل فضل متوشح في ثوب واحد يخالف بين طرفيه قال فعلي هذا فمعنى الحديث أنه كان يدخل عليها وهي منكشف بعضها وعن بن وهب فضل مكشوفة الرأس والصدر وقيل الفضل الذي عليه ثوب واحد ولا إزار تحته وقال صاحب الصحاح تفضلت المرأة في بيتها إذا كانت في ثوب واحد كقميص لا كمين له قوله وقد انزل الله فيه ما قد علمت أي الآية التي ساقها قبل وهي ادعوهم لآبائهم وقوله وما جعل ادعياءكم ابناءكم قوله فذكر الحديث ساق بقيته البرقاني وأبو داود فكيف ترى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارضعيه فأرضعته
[ 109 ]
خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة تأمر بنات اخوتها وبنات اخواتها أن يرضعن من احبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وأن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهم بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس ووقع عند الاسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن أبي اليمان فيه مع عروة أبو عائذ الله بن ربيعة ومع عائشة أم سلمة وقال في آخره لم يذكرهما البخاري في إسناده قلت وقد أخرجه النسائي عن عمران بن بكار عن أبي اليمان مختصرا كرواية البخاري أخرجه البخاري في غزوة بدر من طريق عقيل عن الزهري كذلك واختصر المتن أيضا وأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن الزهري فقال عن عروة وابن عبد الله بن أبي ربيعة كلاهما عن عائشة وأم سلمة وأخرجه أبو داود من طريق يونس كما ترى وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والنسائي من طريق جعفر بن ربيعة والذهلي من طريق بن أخي الزهري كلهم عن الزهري كما قال عقيل وكذا أخرجه مالك وابن إسحاق عن الزهري لكنه عند أكثر الرواة عن مالك مرسل وخالف الجميع عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري فقال عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة أخرجه الطبراني قال الذهلي في الزهريات هذه الروايات كلها عندنا محفوظة الا رواية بن مسافر فإنها غير محفوظة أي ذكر عمرة في إسناده قال والرجل المذكور مع عروة لا أعرفه الا انني اتوهم أنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة فإن أمه أم كلثوم بنت أبي بكر فهو بن أخت عائشة كما أن عروة بن أختها وقد روى عنه الزهري حديثين غير هذا قال وهو برواية يحيى بن سعيد أشبه حيث قال بن عبد الله بن أبي ربيعة فنسبه لجده وأما قول شعيب أبو عائذ الله فهو مجهول قلت لعلها كنية إبراهيم المذكور وقد نقل المزي في التهذيب قول الذهلي هذا وأقره وخالف في الاطراف فقال أظنه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يعني عم إبراهيم المذكور والذي أظن أن قول الذهلي أشبه بالصواب ثم ظهر لي أنه أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فإن هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريقه من وجه آخر فهذا هو المعتمد وكأن ما عداه تصحيف والله أعلم وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن طريق زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة فله أصل من حديثهما ففي رواية للقاسم عنده جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو فقالت يا رسول الله أن في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال ارضعيه فقالت وكيف ارضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير وفي لفظ فقالت أن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وأنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة شيئا من ذلك فقال ارضعيه تحرمي عليه فرجعت إليه فقالت إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة وفي بعض طرق حديث زينب قالت أم سلمة لعائشة أنه يدخل عليك الغلام الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة أن امرأة أبي حذيفة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية الغلام الذي قد استغنى عن الرضاعة وفيها فقال ارضعيه قالت أنه ذو لحية فقال ارضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة قالت فوالله ما عرفته في وجه أبي حذيفة وفي لفظ عن أم سلمة أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة والله ما نرى هذا الا رخصة لسالم فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا قلت وهذا العموم مخصوص بغير حفصة كما سيأتي في أبواب الرضاع وتذكر هناك حكم هذه المسألة أعني ارضاع الكبير إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث عائشة في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم في الاشتراط في الحج وقد تقدم البحث فيه في أبواب المحصر من كتاب الحج وقوله (4801) في هذا الحديث ما أجدني أي ما أجد نفسي واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشئ واحد من خصائص افعال القلوب وفي الحديث جواز اليمين في درج الكلام بغير قصد وفيه أن المرأة لا يجب عليها أن تستأمر زوجها في حج الغرض كذا قيل ولا يلزم من كونه لا يجوز
[ 110 ]
له منعها أن يسقط عنها استئذانه قوله في آخره وكانت تحت المقداد بن الاسود ظاهر سياقه أنه من كلام عائشة ويحتمل أنه من كلام عروة وهذا القدر هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب فإن المقداد وهو بن عمرو الكندي نسب إلى الاسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش وتزوج ضباعة وهي هاشمية فلولا أن الكفاءة لا تعتبر بالنسب لما جاز له أن يتزوجها لانها فوقه في النسب والذي يعتبر الكفاءة في النسب إن يجيب بأنها رضيت هي واولياؤها فسقط حقهم من الكفاءة وهو جواب صحيح أن ثبت أصل اعتبار الكفاءة في النسب الحديث الثالث حديث أبي هريرة (4802) قوله تنكح المرأة لاربع أي لاجل أربع قوله لمالها ولحسبها بفتح المهملتين ثم موحدة أي شرفها والحسب في الاصل الشرف بالآباء وبالاقارب مأخوذ من الحساب لانهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر ابائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود لذكر المال قبله وذكره معطوفا عليه وقد وقع في مرسل يحيى بن جعدة عند سعيد بن منصور على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها وذكر النسب على هذا تأكيد ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبه الا أن تعارض نسيبه غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات وأما قول بعض الشافعية يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندا إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه أن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فيحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه الحسب المال والكرم التقوى أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم وبهذا الحديث تمسك من اعتبر الكفاءة بالمال وسيأتي في الباب الذي بعده أو أن من شأن أهل الدنيا رفعه من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعه من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجد مشاهد فعلى الاحتمال الاول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال كما سيأتي البحث فيه لا على الثاني لكونه سبق في الانكار على من يفعل ذلك وقد أخرج مسلم الحديث من طريق عطاء عن جابر وليس فيه ذكر الحسب اقتصر على الدين والمال والجمال قوله وجمالها يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة الا أن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولي ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق قوله فاظفر بذات الدين في حديث جابر فعليك بذات الدين والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شئ لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند بن ماجة رفعه لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن أي يهلكهن ولا تزوجوهن لاموالهن فعسى اموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامة سوداء ذات دين أفضل قوله تربت يداك أي لصفتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خير بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه وحكى بن العربي أن معناه استغنت ورد بان المعروف اترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ووجه بأن الغني الناشئ عن المال تراب لان جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده وقيل معناه ضعف عقلك
[ 111 ]
وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه بن العربي وقيل معنى افتقرت خابت وصحفه بعضهم فقال له بالثاء المثلثة ووجهه بأن معنى تربت تفرقت وهو مثل حديث نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالاثارب وهو جمع ثروب واثرب مثل فلوس وأفلس وهي جمع ثرب بفتح أوله وسكون الراء وهو الشحم الرقيق المتفرق الذي يغشى الكرش وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الادب قال القرطبي معنى الحديث أن هذه الخصال الاربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الامر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولي قال ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الاربع تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وقال المهلب في هذا الحديث دليل على أن للزوج الاستمتاع بمال الزوجة فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلا فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق وتعقب بان هذا التفصيل ليس في الحديث ولم ينحصر قصد نكاح المرأة لاجل مالها في استمتاع الزوج بل قد يقصد تزويج ذات الغني لما عساه يحصل له منها من ولد فيعود إليه ذلك المال بطريق الارث إن وقع أو لكونها استغنى بمالها عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه النساء ونحو ذلك وأعجب منه استدلال بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على امرأته في مالها قال لانه إنما تزوج لاجل المال فليس لها تقويته عليه ولا يخفى وجه الرد عليه والله أعلم الحديث الرابع حديث سهل وهو بن سعد (4803) قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز قوله مر رجل لم اقف على اسمه قوله حرى يفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية أي حقيق وجدير قوله يشفع بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة أي تقبل شفاعته قوله فمر رجل من فقراء المسلمين لم اقف على اسمه وفي مسند الروياني وفتوح مصر لابن عبد الحكم ومسند الصحابة الذين دخلوا مصر من طريق أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر أنه جميل بن سراقة قوله فمر رجل في رواية الرقاق قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل قوله فقال وقع في طريق أخرى تأتي في الرقاق بلفظ فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا وكأنه جمع هنا باعتبار أن الجالسين عنده كانوا جماعة لكن المجيب واحد وقد سمي من المجيبين أبو ذر فيما أخرجه بن حبان من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عنه قوله أن لا يسمع زاد في رواية الرقاق أن لا يسمع لقوله قوله هذا أي الفقير خير من ملء الارض مثل هذا أي الغني وملء بالهمز ويجوز في مثل النصب والجر قال الكرماني أن كان الاول كافرا فوجهه ظاهر وإلا فيكون ذلك معلوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي قلت يعرف المراد من الطريق الاخرى التي ستأتي في كتاب الرقاق بلفظ قال رجل من اشراف الناس هذا والله حرى الخ فحاصل الجواب أنه أطلق تفضيل الفقير المذكور على الغني المذكور ولا يلزم من ذلك تفضيل كل غني على كل فقير وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الرقاق فضل المقر ويأتي البحث في هذه المسألة هناك إن شاء الله تعالى قوله باب الاكفاء في المال وتزويج المقل المثرية أما اعتبار الكفاءة بالمال فمختلف فيه عند من يشترط الكفاءة والاشهر عند الشافعية أنه لا يعتبر ونقل صاحب الافصاح عن الشافعي أنه قال
[ 112 ]
الكفاءة في الدين والمال والنسب وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة واعتبره الماوردي في أهل الامصار وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال وأما المثرية فبضم الميم وسكون المثلثة وكسر الراء وفتح التحتانية هي التي لها ثراء بفتح أوله والمد وهو الغني ويؤخذ ذلك من حديث عائشة الذي في الباب من عموم التقسيم فيه لاشتماله على المثري والمقل من الرجال والمثرية والمقلة من النساء فدل على جواز ذلك ولكنه لا يرد على من يشترطه لاحتمال إضمار رضا المرأة ورضا الاولياء وقد تقدم شرح الحديث في تفسير سورة النساء ومضى من وجه آخر في أوائل النكاح واستدل به على أن للولي أن يزوج محجورته من نفسه وسيأتي البحث فيه قريبا وفيه أن للولي حقا في التزويج لان الله خاطب الاولياء بذلك والله أعلم (0) قوله باب ما يتقي من شؤم المرأة الشؤم بضم المعجمة بعدها واو ساكنة وقد تهمز وهو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا قوله وقوله تعالى أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم كأنه يشير إلى اختصاص الشؤم ببعض النساء دون بعض مما دلت عليه الآية من التبعيض وذكر في الباب حديث بن عمر من وجهين وحديث سهل من وجه آخر وقد تقدم شرحهما مبسوطا في كتاب الجهاد وقد جاء في بعض الاحاديث ما لعله يفسر ذلك وهو ما أخرجه أحمد وصححه بن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعا من سعادة بن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاوة بن ادم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان المركب الهني والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وأن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق وللطبراني من حديث أسماء أن من شقاء المرء في ا لدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق
[ 113 ]
ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها (4808) قوله عن أسامة بن زيد زاد مسلم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه مع أسامة سعيد بن زيد وقد قال الترمذي لا نعلم أحدا قال فيه عن سعيد بن زيد غير معتمر بن سليمان ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال الشيخ تقي الدين السبكي في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي بن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكبها أو أن لها تأثيرا في ذلك وهو شئ لا يقول به أحد من العلماء ومن قال أنها سبب في ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها قلت وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الجهاد وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن ويشهد له قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء فجعلهن من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الانواع إشارة إلى انهن الاصل في ذلك ويقع في المشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها ومن أمثلة ذلك قصة النعمن بن بشير في الهبة وقد قال بعض الحكماء النساء شر كلهن واشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في اثناء حديث واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء قوله باب الحرة تحت العبد أي جواز تزويج العبد الحرة أن رضيت به وأورد فيه طرقا من قصة بريرة حيث خيرت حين عتقت وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الطلاق وهو مصير من المصنف إلى أن زوج بريرة حين عتقت كان عبدا وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى قوله باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله تعالى مثنى وثلاث ورباع أما حكم الترجمة فبالاجماع الا قول من لا يعتد بخلافه من رافضي ونحوه وأما انتزاعه من الآية فلان الظاهر منها التخيير بين الاعداد المذكورة بدليل قوله تعالى في الآية نفسها فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ولان من قال جاء القوم مثنى وثلاث ورباع أراد إنهم جاءوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد تبيين حقيقة مجيئهم وإنهم لم يجيئوا جملة ولا فرادى وعلى هذا فمعنى الآية أنكحوا اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد الجميع لا المجموع ولو أريد مجموع العدد المذكور لكان قوله مثلا تسعا أرشق وأبلغ وأيضا فإن لفظ مثنى معدول عن اثنين اثنين كما تقدم تقريره في تفسير سورة النساء فدل إيراده ان المراد التخيير بين الاعداد المذكورة واحتجاجهم بان الواو للجمع لا يفيد مع وجود القرينة الدالة على عدم الجمع وبكونه صلى الله عليه وسلم جمع بن تسع معارض بأمره صلى الله عليه وسلم من أسلم على أكثر من أربع بمفارقة
[ 114 ]
من زاد على الاربع وقد وقع ذلك لغيلان بن سلمة وغيره كما خرج في كتب السنن فدل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك وقوله أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع تقدم الكلام عليه في تفسير فاطر وهو ظاهر في أن المراد به تنويع الاعداد لا أن لكل واحد من الملائكة مجموع العدد المذكورة قوله وقال علي بن الحسين أي بن علي بن أبي طالب يعني مثنى أو ثلاث أو رباع أراد أن الواو بمعنى أو فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل والتقدير فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وانكحوا ما طاب من النساء ثلاث الخ وهذا من أحسن الادلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من ائمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم ثم ساق المصنف طرفا من حديث عائشة في تفسير قوله تعالى (4810) وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وقد سبق قبل هذا بباب أتم سياقا من الذي هنا وبالله التوفيق قوله باب وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلق بأحكام الرضاعة ووقع هنا في بعض الشروح كتاب الرضاع ولم أره في شئ من الاصول وأشار بقوله ويحرم الخ أن الذي في الآية بيان بعض من يحرم بالرضاعة وقد بينت ذلك السنة ووقع في رواية الكشميهني ويحرم من الرضاعة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الاول حديث عائشة (4811) قوله عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري وقد رواه هشام بن عروة عنه وهو من أقرانه لكنه اختصره فاقتصر على المتن دون القصة أخرجه مسلم قوله وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة أي بنت عمر أم المؤمنين ولم اقف على اسم هذا الرجل قوله أراه أي أظنه قوله فلانا لعم حفصة اللام بمعنى عن أي قال ذلك عن عم حفصة ولم اقف على اسمه أيضا قوله قالت عائشة فيه التفات وكان السياق يقتضي أن يقول قلت قوله لو كان فلان حيا لم اقف على اسمه أيضا ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لان أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كا سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأذن له بعد أن امتنعت وقولها هنا لو كان حيا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون أخا لهما أخر ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن وقال بن التين سئل الشيخ أبو الحسن عن قول عائشة لو كان فلان حيا أين هو من الحديث الآخر الذي فيه فأبيت أن أذن له فالاول ذكرت أنه ميت والثاني ذكرت أنه حي فقال هما عمان من الرضاعة أحدهما رضع مع أبي بكر الصديق وهو الذي قالت فيه لو كان حيا والآخر أخو أبيها من الرضاعة قلت الثاني ظاهر من الحديث والاول حسن محتمل وقد ارتضاه عياض الا أنه يحتاج إلى نقل لكونه جزم به قال وقال
[ 115 ]
بن أبي حازم أرى أن المرأة التي أرضعت عائشة امرأة أخي الذي استأذن عليها قلت وهذا بين في الحديث الثاني لا يحتاج إلى ظن ولا هو مشكل إنما المشكل كونها سألت عن الاول ثم توقفت في الثاني وقد أجاب عنه القرطبي قال هما سؤالان وقعا مرتين في زمنين عن رجلين وتكرر منها ذلك أما لانها نسيت القصة الاولى وأما لانها جوزت تغير الحكم فاعادت السؤال اه وتمامه أن يقال السؤال الاول كان قبل الوقوع والثاني بعد الوقوع فلا استبعاد في تحويز ما ذكر من نسيان أو تجويز النسخ ويؤخذ من كلام عياض جواب آخر وهو أن أحد العمين كان أعلى والآخر أدنى أو أحدهما كان شقيقا والآخر لاب فقط أو لام فقط أو ارضعتها زوجة أخيه بعد موته والآخر في حياته وقال بن المرابط حديث عم حفصة قبل حديث عم عائشة وهما متعارضان في الظاهر لا في المعنى لان عم حفصة أرضعته المرأة مع عمر فالرضاعة فيهما من قبل المرأة وعم عائشة إنما هو من قبل الفحل كانت امرأة أبي القعيس أرضعته فجاء أخوه يستأذن عليها فأبت فأخبرها الشاعر أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل المرأة اه فكأنه جوز أن يكون عم عائشة الذي سألت عنه في قصة عم حفصة كان نظير عم حفصة في ذلك فلذلك سألت ثانيا في قصة أبي القعيس وهذا أن كان وجده منقولا فلا محيد عنه ولا فهو حمل حسن والله أعلم قوله الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة أي وتبيح ما تبيح وهو بالاجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الاقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الامومة من التوارث ووجوب الانفاق والعتق بالملك والشهادة والعقل واسقاط القصاص قال القرطبي ووقع في رواية ما تحرم الولادة وفي رواية ما يحرم من النسب وهو دال على جواز نقل الرواية بالمعنى قال ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال اللفظين في وقتين قلت الثاني هو المعتمد فإن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي وإنما يأتي ما قال إذا اتحد ذلك وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن عائشة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من خال أو عم أو أخ قال القرطبي في الحديث دلالة على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها يعني الذي وقع الارضاع بين ولده منها أو السيد فتحرم على الصبي لانها تصير أمة وأمها لانها جدته فصاعدا وأختها لانها خالته وبنتها لانها أخته وبنت بنتها فنازلا لانها بنت أخته وبنت صاحب اللبن لانها أخته وبنت بنته فنازلا لانها بنت أخته وأمه فصاعدا لانها جدته وأخته لانها عمته ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أخا لاخيه ولا بنتا لابيه إذ لا رضاع بينهم والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من اجزائهما فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع لانه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب والله أعلم الحديث الثاني حديث بن عباس (4812) قوله عن جابر بن زيد هو أبو الشعثاء البصري مشهور بكنيته وأما جابر بن يزيد الكوفي فأول اسم أبيه تحتانية وليس له في الصحيح شئ قوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم القائل له ذلك هو علي بن أبي طالب كما أخرجه مسلم من حديثه قال قلت يا رسول الله مالك تنوق في قريش وتدعنا قال وعندكم شئ قلت نعم ابنة حمزة الحديث وقوله تنوق ضبط بفتح المثناة والنون وتشديد الواو بعدها قاف أي تختار مشتق من النيقة بكسر النون وسكون التحتانية بعدها قاف وهي الخيار من الشئ يقال تنوق تنوقا أي بالغ في اختيار الشئ وانتقائه وعند بعض رواة مسلم تتوق بمثناة مضمومة بدل النون وسكون الواو من التوق أي تميل وتشتهي ووقع عند سعيد بن مصنور من طريق سعيد بن المسيب قال علي يا رسول الله الا تتزوج بنت عملك حمزة فإنها من أحسن فتاة في قريش وكأن عليا لم يعلم
[ 116 ]
بان حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أو جوز الخصوصية أو كان ذلك قبل تقرير الحكم قال القرطبي وبعيد أن يقال عن علي لم يعلم بتحريم ذلك قوله أنها ابنة أخي من الرضاعة زاد همام عن قتادة محرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وقد تقدم من طريقه في كتاب الشهادات وكذا عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة وهو المطابق للفظ الترجمة قال العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقا وفي الرضاع قد لا يحرمن الاولى أم الاخ في النسب حرام لانها أما أم وأما زوج أب وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الاخ فلا تحرم على أخيه الثانية أم الحفيد حرام في النسب لانها أما بنت أو زوج بن وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على جده الثالثة جدة الولد في النسب حرام لانها أما اما أم أو أم زوجة وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها الرابعة أخت الولد حرام في النسب لانها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الوالد وهذه الصور الاربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثن الجمهور شيئا من ذلك وفي التحقيق لا يستثنى شئ من ذلك لانهن لم يحرمن من جهة النسب وإنما حرمن من جهة المصاهرة واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه والله أعلم قال مصعب الزبيري كان ثويبة يعني الاتي ذكرها في الحديث الذي بعده أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أرضعت حمزة ثم أرضعت أبا سلمة قلت وبنت حمزة تقدم ذكرها وتسميتها في كتاب المغازي في شرح حديث البراء بن عازب في قوله فتبعتهم بنت حمزة تنادي يا عم الحديث وجملة ما تحصل لنا من الخلاف في اسمها سبعة أقوال إمامة وعمارة وسلمى وعائشة وفاطمة وامة الله ويعلى وحكى المزي في اسمائها أم الفضل لكن صرح بن بشكوال بأنها كنية الحديث الثالث حديث أم حبيبة وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (4813) قوله انكح أختي أي تزوج قوله بنت أبي سفيان في رواية يزيد بن أبي حبيب عن بن شهاب عند مسلم والنسائي في هذا الحديث انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ولابن ماجة من هذا الوجه انكح أختي عزة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث عند الطبراني أنها قالت يا رسول الله هل لك في حمنة بنت أبي سفيان قال أصنع ماذا قالت تنكحها وقد أخرجه المصنف بعد أبواب من رواية هشام لكن لم يسم بنت أبي سفيان ولفظه فقال فأفعل ماذا وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل على ما الاستفهامية خلافا لمن أنكره من النحاة وعند أبي موسى في الذيل درة بنت أبي سفيان وهذا وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن هشام أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريق الحميدي وقالا أخرجه البخاري عن الحميدي وهو كما قالا قد أخرجه عنه لكن حذف هذا الاسم وكأنه عمدا وكذا وقع في هذه الرواية زينب بنت أم سلمة وحذفه البخاري أيضا منها ثم نبه على أن الصواب درة وسيأتي بعد أربعة أبواب جزم المنذري بان اسمها حمنه كما في الطبري وقال عياض لا نعلم لعزة ذكرا في بنات أبي سفيان الا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الاشهر فيها عزة قوله أو تحبين ذلك هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيره قوله لست لك بمخلية بضم الميم وسكون المعجمه وكسر اللام اسم فاعل من اخلي يخلي أي لست بمنفرده بك ولا خاليه من ضره وقال بعضهم هو بوزن فاعل الاخلاء
[ 117 ]
متعديا ولازما من اخليت بمعنى خلوت من الضرة أي لست بمتفرغه ولا خاليه من ضره وفي بعض الروايات بفتح اللام بلفظ المفعول حكاها الكرماني وقال عياض مخلية أي منفرده يقال أخل أمرك وأخل به أي انفرد به وقال صاحب النهايه معناه لم أجدك خاليا من الزوجات وليس هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الازواج قوله وأحب من شاركني مرفوع بالابتداء أي إلى وفي رواية هشام الآتية قريبا من شركني بغير ألف وكذا في الباب الذي بعده وكذا عند مسلم قوله في خير كذا للاكثر بالتنكير أي أي خير كان وفي رواية هشام في الخير قيل المراد به صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العاده بين الزوجات لكن في رواية هشام المذكورة وأحب من شركني فيك اخى فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم قوله فأنا نحدث بضم أوله وفتح الحاء على الباء للمجهول وفي رواية هشام المذكورة قلت بلغني وفي رواية عقيل في الباب الذي بعدها قلت يا رسول الله فوالله أنا لنتحدث وفي رواية وهب عن هشام عند أبى داود فوالله لقد أخبرت قوله انك تريد أن تنكح في رواية هشام الآتية بلغني انك تخطب ولم اقف على اسم من أخير بذلك ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخير لا أصل له وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل قوله بنت أبي سلمة في رواية عقيل الآتية وكذا أخرجه الطبراني من طريق بن أخي الزهري عن الزهري ومن طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه ومن طريق عراك عن زينب بنت أم سلمة درة بنت أبي سلمة وهي بضم المهملة وتشديد الراء وفي رواية حكاها عياض وخطاها بفتح المعجمه وعند أبي داود من طريق هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة دره أو ذره على الشك شك زهير راويه عن هشام ووقع عند البيهقي من رواية الحميدي عن سفيان عن هشام بلغني انك تخطب زينب بنت أبي سلمة وقد تقدم التنبيه على خطئه ووقع عند أبي موسى في ذيل المعرفة حمنة بنت أبي سلمة وهو خطأ وقوله بنت أم سلمة هو استفهام استثبات لرفع الاشكال أو استفهام إنكار والمعنى أنها أن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه وأن كانت من غيرها فمن وجه واحد وكأن أم حبيبه لم تطلع على تحريم ذلك أما لان ذلك كان قبل نزول آية التحريم وأما بعد ذلك وظنت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال الكرماني ولاحتمال الثاني هو المعتمد والاول يدفعه سياق الحديث وكأن أم حبيبه استدلت على جواز الجمع بين الاختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الآولى لآن الربيبة حرمت على التأييد والاخت حرمت في صورة الجمع فقط فأجابها صلى الله عليه وسلم بان ذلك لا يحل وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحق وإنها تحرم عليه من جهتين قوله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي قال القرطبي فيه تعليل الحكم بعلتين فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من الرضاعة كذا قال والذي يظهر أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها العان فليس من التعليل بعلتين في شئ لان كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو انفرد فأما أن يعاقبا فيضاف الحكم إلى الاول منهما كما في السببين إذا اجتمعا ومثاله لو أحدث ثم أحدث بغير تخلل ظهار فالحدث الثاني لم يعمل شيئا أو يضاف الحكم إلى الثاني كما في اجتماع السبب والمباشرة وقد يضاف إلى اشبههما وانسبهما سواء كان الاول أم الثاني فعلى كل تقدير لا يضاف إليهما جميعا وأن قدر أنه يوجد فالاضافة إلى المجموع ويكون كل منهما جزء علة لا علة مستقلة فلا تجتمع علتان على معلول واحد هذا الذي يظهر والمسألة مشهورة في الاصول وفيها خلاف قال القرطبي والصحيح جوازه لهذا الحديث وغيره وفي الحديث إشارة إلى أن التحريم بالربيبة أشد من التحريم بالرضاعة وقوله
[ 118 ]
ربيبتي أي بنت زوجتي مشتقة من الرب وهو الاصلاح لانه يقوم بأمرها وقيل من التربية وهو غلط من جهة الاشتقاق وقوله في حجري راعي فيه لفظ الآية وإلا فلا مفهوم له كذا عند الجمهور وأنه خرج مخرج الغالب وسيأتي البحث فيه في باب مفرد وفي رواية عراك عن زينب بنت أم سلمة عند الطبراني لو إني لم انكح أم سلمة ما حلت لي أن أباها أخي من الرضاعة ووقع في رواية بن عيينة عن هشام والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي فذكر بن حزم أن منهم من احتج به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا وهو ضعيف لان القصة واحدة والذين زادوا فيها لفظ في حجري حفاظ اثبات قوله أرضعتني وأبا سلمة أي وأرضعت أبا سلمة وهو من تقديم المفعول على الفاعل قوله ثويبة بمثلثة وموحدة مصغر كانت مولاة لابي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث قوله فلا تعرضن بفتح أوله وسكون العين وكسر الراء بعدها معجمة ساكنة ثم نون على الخطاب لجماعة النساء وبكسر المعجمة وتشديد النون خطاب لام حبيبة وحدها والاول أوجه وقال بن التين ضبط بضم الضاد في بعض الامهات ولا أعلم له وجها لانه أن كان الخطاب لجماعة النساء وهو الابين فهو بسكون الضاد لانه فعل مستقبل مبني على أصله ولو أدخلت عليه التأكيد فشددت النون لكان تعرضنان لانه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينهن بألف وأن كان الخطاب لام حبيبة خاصة فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وأن كانت القصة لاثنين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعا وزجرا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك وهذا كما لو رأى رجل امرأة تكلم رجلا فقال لها أتكلمين الرجال فإنه مستعمل شائع وكان لام سلمة من الاخوات قريبة زوج زمعة بن الاسود وقريبة الصغرى زوج عمر ثم معاوية وعزة بنت أبي أمية زوج منبه بن الحجاج ولها من البنات زينب راوية الخبر ودرة التي قيل أنها مخطوبة وكان لام حبيبة من الاخوات هند زوج الحارث بن نوفل وجويرية زوج السائب بن أبي حبيش وأميمة زوج صفوان بن أمية وأم الحكم زوج عبد الله بن عثمان وصخرة زوج سعيد بن الاخنس وميمونة زوج عروة بن مسعود لها من البنات حبيبة وقد روت عنه الحديث ولها صحبة وكان لغيرهما من أمهات المؤمنين من الاخوات أم كلثوم وأم حبيبة ابنتا زمعة أختا سودة وأسماء أخت عائشة وزينب بنت عمر أخت حفصة وغيرهن والله أعلم قوله قال عروة هو بالاسناد المذكور وقد علق المصنف طرفا منه في آخر النفقات فقال قال شعيب عن الزهري قال عروة فذكره أخرجه الاسماعيل من طريق الذهلي عن أبي اليمان بإسناده قوله وثويبة مولاة لابي لهب قلت ذكرها بن منده في الصحابة وقال اختلف في اسلامها وقال أبو نعيم لا نعلم أحدا ذكر اسلامها غيره والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة وكان يرسل إليها الصلة من المدينة إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح قوله وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ظاهره أن عتقه لها كان قبل ارضاعها والذي في السير يخالفه وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الارضاع بدهر طويل وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الارضاع وسأذكر كلامه قوله اريه بضم الهمزة وكسر الراء وفتح التحتانية على البناء للمجهول قوله بعض أهله بالرفع على أنه النائب عن الفاعل وذكر السهيلي أن العباس قال لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال ما لقيت بعدكم راحة الا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين قال وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها قوله بشر حيبة بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة أي سوء حال وقال بن فارس أصلها الحوبة وهي المسكنة والحاجة فالياء في حيبة منقلبة عن واو الانكسار ما قبلها ووقع في شرح السنة للبغوي بفتح الحاء ووقع عند المستملي بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وقال بن الجوزي هو تصحيف وقال القرطبي يروي بالمعجمة ووجدته في نسخة معتمدة
[ 119 ]
بكسر المهملة وهو المعروف وحكى في المشارق عن رواية المستملي بالجيم ولا أظنه الا تصحيفا وهو تصحيف كما قال قوله ماذا لقيت أي بعد الموت قوله لم الق بعدكم غير أني كذا في الاصول بحذف المفعول وفي رواية الاسماعيلي لم الق بعدكم رخاء وعند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم الق بعدكم راحة قال بن بطال سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام الا به قوله غير إني سقيت في هذه كذا في الاصول بالحذف أيضا ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه وفي رواية الاسماعيلي المذكورة وأشار إلى النقرة التي بين الابهام والتي تليها من الاصابع وللبيهقي في الدلائل من طريق كذا مثله بلفظ يعني النقرة الخ وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقى من الماء قوله بعتاقتي بفتح العين في رواية عبد الرزاق بعتقي وهو أوجه والوجه الاولى أن يقول باعتاقي لان المراد التخليص من الرق وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن قال الله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وأجيب أولا بان الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به وثانيا على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح وقال البيهقي ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه انهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات وأما عياض فقال انعقد الاجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وأن كان بعضهم أشد عذابا من بعض قلت وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه وقال القرطبي هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه وقال بن المنير في الحاشية هنا قضيتان إحداهما محال وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره لان شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر الثانية اثابة الكافر على بعض الاعمال تفضلا من الله تعالى وهذا لا يحيله العقل فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب والمتبع في ذلك التوقيف نفيا واثباتا قلت وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور اكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك والله أعلم -) قوله باب من قال لارضاع بعد حولين لقوله عزوجل حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة أشار بهذا إلى قول الحنفية أن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا وحجتهم قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال وهذا تأويل غريب والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يقول أن أقصى الحمل سنتان ونصف وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام لان العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في أيام قليلات فللايام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة قيل يغتفر نصف سنة وقيل شهران وقيل شهر ونحوه وقيل أيام يسيرة وقيل شهر وقيل لا يزاد على الحولين وهي رواية بن وهب عن مالك وبه قال الجمهور ومن حجتهم حديث بن عباس رفعه لا رضاع إلا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني وقال لم يسنده عن بن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ أخرجه بن عدي وقال غير الهيثم يوقفه على بن عباس وهو المحفوظ وعندهم متى وقع الرضاع بعد الحولين ولو بلحظة لم يترتب عليه حكم وعند الشافعية لو ابتدأ الوضع في اثناء الشهر جبر المنكسر من
[ 120 ]
شهر آخر ثلاثين يوما وقال زفر يستمر إلى ثلاث سنين إذا أن يجتزئ باللبن ولا يجتزئ بالطعام وحكى بن عبد البر عنه أنه يشترط مع ذلك أن يكون يجتزئ باللبن وحكى عن الاوزاعي مثله لكن قال بشرط أن لا يفطم فمتى فطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعا قوله وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره هذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الاخبار مثل حديث الباب وغيره وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والاوزاعي والليث وهو المشهور عند أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ وعن حفصة كذلك وجاء عن عائشة أيضا سبع رضعات أخرجه بن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها وعبد الرزاق من طريق عروة كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات وجاء عن عائشة أيضا خمس رضعات فعند مسلم عنها كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عنها قالت لا يحرم دون خمس رضعات معلومات وإلى هذا ذهب الشافعي وهي رواية عن أحمد وقال به بن حزم وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه الا بن حزم إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة والرضعتان فإن مفهومة أن الثلاث تحرم وأغرب القرطبي فقال لم يقل به الا داود ويخرج مما أخرجه البيهقي عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح أنه يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث وأن الاربع هي التي تحرم والثابت من الاحاديث حديث عائشة في الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة والرضعتان فلعله مثال لما دون الخمس وإلا فالتحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من الحديث بالمفهوم وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر المخرج عند مسلم وهو الخمس فمفهوم لا تحرم المصة ولا المصتان أن الثلاث تحرم ومفهوم خمس رضعات أن الذي دون الاربع لا يحرم فتعارضا فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة وحديث المصتان جاء أيضا من طرق صحيحة لكن قد قال بعضهم أنه مضطرب لانه اختلف فيه هل هو عن عائشة أو عن الزبير أو عن بن الزبير أو عن أم الفضل لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس أن رجلا من بني عامر قال يا رسول الله هل تحرم الرضعة الواحدة قال لا وفي رواية له عنها لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان قال القرطبي هو أنص ما في الباب الا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع وقوى مذهب الجمهور بان الاخبار اختلفت في العدد وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني والله أعلم وأيضا فقول عائشة عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الاصح من قولي الاصوليين لان القرآن لا يثبت الا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم قوله عن الاشعث هو بن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الاسود المحاربي الكوفي قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل لم اقف على اسمه وأظنه بن الابي القعيس وغلط من قال هو عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لان عبد الله هذا تابعي باتفاق الائمة وكأن أمة التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة قوله فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك كذا فيه ووقع في رواية مسلم من طريق أبي الاحوص عن أشعث وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة فشق ذلك عليه وتغير وجه وتقدم من رواية سفيان الماضية
[ 121 ]
في الشهادات فقال يا عائشة من هذا قوله فقالت أنه أخي في رواية غندر عن شعبة أنه أخي من الرضاعة أخرجه الاسماعيلي وقد أخرجه أحمد عن غندر بدونها وتقدم في الشهادات من طريق سفيان الثوري عن أشعث فذكرها وكذا ذكرها أبو داود في روايته من طريق شعبة وسفيان جميعا عن الاشعث قوله انظرن ما إخوانكن في رواية الكشميهني من إخوانكن وهي أوجه والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط قال المهلب معناه انظن ما سبب هذه الاخوة فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع قوله فإنما الرضاعة من المجاعة فيه تعليل الباعث على امعان النظر والفكر لان الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما وقوله من المجاعة أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلا لسد اللبن جوعته لان معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها فكأنه قال لا رضاعة معتبرة الا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة كقوله تعالى اطعمهم من جوع ومن شواهده حديث بن مسعود لا رضاع الا ما شد العظم وانبت اللحم أخرجه أبو داود مرفوعا وموقوفا وحديث أم سلمة لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء أخرجه الترمذي وصححه ويمكن أن يستدل به على أن الرضعة الواحدة لا تحرم لانها لا تغني من جوع وإذا كان يحتاج إلى تقدير فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس رضعات واستدل به على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذل بالشرط المذكور من العدد لان ذلك يطرد الجوع وهو موجود في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور لكن استثنى الحنفية الحقنة وخالف في ذلك الليث وأهل الظاهر فقالوا أن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه وأورد على بن حزم أنه يلزم على قولهم أشكال في التقام سالم ثدي سهلة وهي أجنبية منه فإن عياضا أجاب عن الاشكال باحتمال أنها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها قال النووي وهو احتمال حسن لكنه لا يفيد بن حزم لانه لا يكتفى في الرضاع الا بالتقام الثدي لكن أجاب النووي بأنه عفي عن ذلك للحاجة وأما بن حزم فاستدل بقصة سالم على جواز مس الاجنبي ثدي الاجنبية والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا واستدل به على أن الرضاعة إنما تعتبر في حال الصغر لانها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف حال الكبر وضابط ذلك تمام الحولين كما تقدم في الترجمة وعليه دل حديث بن عباس المذكور وحديث أم سلمة لا رضاع الا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام وصححه الترمذي وابن حبان قال القرطبي في قوله فإنما الرضاعة من المجاعة تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن ويعتضد بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعا فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعا إذ لا حكم للنادر وفي اعتبار ارضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الاجنبي منها لاطلاعه على عورتها ولو بالتقامه ثديها قلت وهذا الاخير على الغالب وعلى مذهب من يشترط إلتقام الثدي وقد تقدم قبل خمسة أبواب أن عائشة كانت لا تفرق في حكم الرضاع بين حال الصغر والكبر وقد استشكل ذلك مع كون هذا الحديث من روايتها واحتجت هي بقصة سالم مولى أبي حذيفة فلعلها فهمت من قوله إنما الرضاعة من المجاعة اعتبار مقدار ما يسد الجوعة من لبن المرضعة لمن يرتضع منها وذلك أعم من أن يكون المرتضع صغيرا أو كبيرا فلا يكون الحديث نصا في منع اعتبار رضاع الكبير وحديث بن عباس مع تقدير ثبوته ليس نصا في ذلك ولا حديث أم سلمة لجواز أن يكون المراد أن الرضاع بعد الفطام ممنوع
[ 122 ]
ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم فما في الاحاديث المذكورة ما يدفع هذا الاحتمال لهذا عملت عائشة بذلك وحكاه النووي تبعا لابن الصباغ وغيره عن داود وفيه نظر وكذا نقل القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه ومال إلى هذا القول بن المواز من المالكية وفي نسبة ذلك لداود نظر فإن بن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور وكذا نقل غيره من أهل الظاهر وهم أخبر بمذهب صاحبهم وإنما الذي نصر مذهب عائشة هذا وبالغ في ذلك هو بن حزم ونقله عن علي وهو من رواية الحارث الاعور عنه ولذلك ضعفه بن عبد البر وقال عبد الرزاق عن بن جريج قال رجل لعطاء أن امرأة سقتني من لبنها بعدما كبرت فأنكحها قال لا قال بن جريج فقلت له هذا رأيك قال نعم كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن سعد وقال بن عبد البر لم يختلف عنه في ذلك قلت وذكر الطبري في تهذيب الآثار في مسند على هذه المسألة وساق بإسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة وهو مما يخص به عموم قول أم سلمة أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا أخرجه مسلم وغيره ونقله الطبري أيضا عن عبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة في آخرين وفيه تعقب على القرطبي حيث خص الجواز بعد عائشة بداود وذهب الجمهور إلى اعتبار الصغر في الرضاع المحرم وقد تقدم ضبطه وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة منها أنه حكم منسوخ وبه جزم المحب الطبري في احكامه وقرره بعضهم بان قصة سالم كانت في أوائل الهجرة والاحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة فدل على تؤخرها وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدما وأيضا ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ارضعيه قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير وفي رواية لمسلم قالت أنه ذو لحية قال ارضعيه وهذا يعشر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة والاصل فيه قول أم سلمة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى هذا الا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة وقرره بن الصباغ وغيره بان أصل قصة سالم ما كان وقع من التبني الذين أدى إلى اختلاط سالم بسهلة فلما نزل الاحتجاب ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع الترخيص لها في ذلك لرفع ما حصل لها من المشقة وهذا فيه نظر لانه يقتضي الحاق من يساوي سهلة في المشقة والاحتجاج بها فتنفي الخصوصية ويثبت مذهب المخالف لكن يفيد الاحتجاج وقرره آخرون بان الاصل أن الرضاع لا يحرم فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الاصل له وبقي ما عداه على الاصل وقصة سالم واقعة عين بطرقها احتمال الخصوصية فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الاندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وأن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الاجانب بتلك الرضاعة قال تاج الدين ظاهر الاحاديث ترد عليه وليس عندي فيه قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب كذا قال وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة فكانت عائشة تأمر بنات اخوتها وبنات اخواتها أن يرضعن من احبت أن يدخل عليها ويراها وأن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وإسناده صحيح وهو صريح فأي ظن غالب وراء هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وفي الحديث أيضا جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها وأنه يصير أخا لها وقبول قولها فيمن اعترفت به وأن الزوج يسأل زوجته عن سبب إدخال الرجال بيته والاحتياط في ذلك والنظر فيه وفي قصة سالم جواز الارشاد إلى الحيل وقال بن الرفعة يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحل في المستقبل وأن كان ليس حلالا في الحال قوله باب لبن الفحل بفتح الفاء وسكون المهملة أي الرجل ونسبه اللبن إليه مجازيه لكونه السبب فيه (4815) قوله عن بن
[ 123 ]
شهاب لمالك فيه شيخ آخر وهو هشام بن عروة وسياقه للحديث عن عروة أتم وسيأتي قبيل كتاب الطلاق قوله أن أفلح أخا أبي القعيس بقاف وعين وسين مهملتين مصغر وتقدم في الشهادات من طريق الحكم عن عروة استأذن على أفلح فلم أذن له وفي رواية مسلم من هذا الوجه أفلح بن قعيس والمحفوظ أفلح أخو أبي القعيس ويحتمل أن يكون اسم أبيه قعيسا أو اسم جده فنسب إليه فتكون كنية أبي القعيس وافقت اسم أبيه أو اسم جده ويؤيد ما وقع في الادب من طريق عقيل عن الزهري بلفظ فإن أخا بني القعيس وكذا وقع عند النسائي عن طريق وهب بن كيسان عن عروة وقد مضى في تفسير الاحزاب من طريق شعيب عن بن شهاب بلفظ أن أفلح أخا أبي القعيس وكذا المسلم من طريق يونس ومعمر عن الزهري وهو المحفوظ عن أصحاب الزهري لكن وقع عند مسلم من رواية بن عيينة عن الزهري أفلح بن أبي القعيس وكذا لآبي داود من طريق الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه ولمسلم من طريق بن جريج عن عطاء أخبرني عروة أن عائشة قالت استأذن على عمي من الرضاعة أبو الجعد قال فقال لي هشام إنما هو أبوالقعيس وكذا وقع عند مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام استأذن عليها أبوالقعيس وسائر للرواة عن هشام قالوا أفلح آخر أبي القعيس كما هو المشهور وكذا قال سائر أصحاب عروة ووقع عند سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد أن أب القعيس أتى عائشة يستأذن عليها وأخرجه الطبراني في الاوسط من طريق القاسم عن أبي قعيس والمحفوظ أن الذي استأذن هو افلح وأبو القعيس هو أخوه قال القرطبي كل ما جاء من الروايات وهم الا من قال أفلح أخو أبي القعيس أو قال أبو الجعد لانها كنية أفلح قلت وإذا تدبرت ما حررت عرفت أن كثيرا من الروايات لا وهم فيه ولم يخطئ عطاء في قوله أبو الجعد فإنه يحتمل أن يكون حفظ كنية أفلح وأما اسم أبي القعيس فلم اقف عليه الا في كلام الدارقطني فقال هو وائل بن أفلح الاشعري وحكى هذا بن عبد البر ثم حكى أيضا أن اسمه الجعد فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه ويحتمل أن يكون أبوالقعيس نسب لجده ويكون اسمه وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس وأخوه أفلح بن قعيس بن أفلح أبو الجعد قال بن عبد البر في الاستيعاب لا أعلم لابي القعيس ذكرا الا في هذا الحديث قوله وهو عمها من الرضاعة فيه التفات وكان السياق بقتضي أن يقول وهو عمي وكذا وقع عند النسائي من طريق معن عن مالك وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم وكان أبوالقعيس أخا عائشة من الرضاعة قوله فأبيت أن إذن له في رواية عراك الماضية في الشهادات فقال اتحتجبين مني وأنا عمك وفي رواية شعيب عن الزهري كما مضى في تفسير سورة الاحزاب فقلت لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخاه أبا القعيس ليس هو ارضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس وفي رواية معمر عن الزهري عند مسلم وكان أبوالقعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة قوله فأمرني أن إذن له في رواية شعيب ائذني له فإنه عمك تربت يمينك وفي رواية سفيان يداك أو يمينك وقد تقدم شرح هذه اللفظة في باب الاكفاء في الدين وفي رواية مالك عن هشام بن عروة أنه عمك فليج عليك وفي رواية الحكم صدق أفلح ائذني له ووقع في رواية سفيان الثوري عن هشام عند أبي داود دخل على أفلح فاستترت عنه فقال اتستترين مني وأنا عملك قلت من أين قال أرضعتك امرأة أخي قلت إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل الحديث ويجمع بأنه دخل عليها أولا فاستترت ودار بينهما الكلام ثم جاء يستأذن ظنا منه أنها قبلت قوله فلم تأذن له حتى تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية شعيب في آخره من الزيادة قال عروة فبذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب ووقع في رواية سفيان بن عيينة ما تحرمون من النسب وهذا ظاهره
[ 124 ]
الوقف وقد أخرجه مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة في هذه القصة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وقد تقدمت هذه الزيادة عن عائشة أيضا مرفوعة من وجه آخر في أول أبواب الرضاع وفي الحديث أن لبن الفحل يحرم فتنتشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه فلا تحل له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلا وفيه خلاف قديم حكى عن بن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم ونقله بن بطال عن عائشة وفيه نظر ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية أخرجها بن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وعن بن سيرين نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه وأغرب عياض ومن تبعه في تخصيصهم ذلك بداود وإبراهيم مع وجود الرواية عمن ذكرنا بذلك وحجتهم في ذلك قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب واجيبوا بان تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا سيما وقد جاءت الاحاديث الصحيحة واحتج بعضهم من حيث النظر بان اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه وأيضا فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معا فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده وإلى هذا أشار بن عباس بقويه في هذه المسألة اللقاح واحد أخرجه بن أبي شيبة وأيضا فإن الوطئ يدر اللبن فللفحل فيه نصيب وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار كالاوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح والزم الشافعي المالكية في هذه المسألة برد أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة ولو خالف الحديث الصحيح إذا كان من الاحاء لما رواه عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة من أن لبن الفحل لا يحرم قال عبد العزيز بن محمد وهذا رأي فقهائنا الا الزهري فقال الشافعي لا نعلم شيئا من علم الخاصة أولي بان يكون عاما ظاهرا من هذا وقد تركوه للخير الوارد فيلزمهم على هذا أما أن يردوا هذا الخبر وهم ولم يردوه أو يردوا ما خالف الخبر وعلى كل حال هو المطلوب قال القاضي عبد الوهاب يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان ترضع إحداهما صبيا والاخرى صبية فالجمهور قالوا يحرم على الصبي تزويج الصبية وقال من خالفهم يجوز واستدل به على أن من ادعى الرضاع وصدقه الرضيع يثبت حكم الرضاع بينهما ولا يحتاج إلى بينة لان أفلح ادعى وصدقته عائشة وأذن الشارع بمجرد ذلك وتعقب باحتمال أن يكون الشارع اطلع على ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة واستدل به على أن قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيرة لعدم الاستفصال فيه ولا حجة فيه لان عدم الذكر لا يدل على العدم المحض وفيه أن من شك في حكم يتوقف عن العمل حتى يسأل العلماء عنه وأن من اشتبه عليه الشئ طالب المدعى ببيانه ليرجع إليه أحدهما وأن العالم إذا سئل يصدق من قال الصواب فيها وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الاجانب ومشروعة استئذان المحرم على محرمه وأن المرأة لا تأذن في بيت الرجل الا بإذنه وفيه جواز التسمية بأفلح ويؤخذ منه أن المستفتي إذا بادر بالتعليل قبل سماع الفتوى أنكر عليه لقوله لها تربت يمينك فإن فيه إشارة إلى أنه كان من حقها أن تسأل عن الحكم فقط ولا تعلل والزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين أن الصحابي إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وصح عنه ثم صح عنه العمل بخلافه أن العمل بما رأى لا بما روى لان عائشة صح عنها أن لا اعتبار بلبن الفحل ذكره مالك في الموطأ وسعيد بن منصور في السنن وأبو عبيد في كتاب النكاح بإسناد حسن وأخذ الجمهور ومنهم الحنفية بخلاف ذلك وعملوا بروايتها في قصة أخي أبي القعيس وحرموه بلبن الفحل فكان يلزمهم على
[ 125 ]
قاعدتهم أن يتبعوا عمل عائشة ويعرضوا عن روايتها ولو كان روى هذا الحكم غير عائشة لكان لهم معذرة لكنه لم يروه غيرها وهو الزام قوي قوله باب شهادة المرضعة أي وحدها وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الشهادات وأغرب بن بطال هنا فنقل الاجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا تجوز في الرضاع وشبهه وهو عجيب منه فإنه قول جماعة من السلف حتى أن عند المالكية رواية أنها تقبل وحدها لكن بشرط فشو ذلك في الجيران (4816) قوله على بن عبد الله هو بن المديني وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية وعبيد بن أبي مريم مكي ماله في الصحيح سوى هذا الحديث ولا أعرف من حاله شيئا الا أن بن حبان ذكره في ثقات التابعين وقد أوضحت في الشهادات بيان الاختلاف في إسناده على بن أبي مليكة وأن العمدة فيه على سماع بن أبي مليكة له من عقبة بن الحارث نفسه وتقدم تسمية المرأة المعبر عنها هنا بفلانة بنت فلان وتسمية أبيها وأما المرضعة السوداء فما عرفت اسمها بعد قوله فأعرض عني في رواية المستملي فأعرض عنه وفيه التفات قوله دعها عنك وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى يحكي أيوب يعني يحكي إشارة أيوب والقائل على والحاكي إسماعيل والمراد حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار بيده وقال بلسانه دعها عنك فحكى ذلك كل راو لمن دونه واستدل به على أن الرضاعة لا يشترط فيها عدد الرضعات وفيه نظر لانه لا يلزم من عدم ذكرها عدم الاشتراط لاحتمال أن يكون ذلك قبل تقرير حكم اشتراط العدد أو بعد اشتهاره فلم يحتج لذكره في كل واقعة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك ويؤخذ من الحديث عند من يقول أن الامر بفراقها لم يكن لتحريمها عليه بقول المرضعة بل للاحتياط أن يحتاط من يريد أن يتزوج أو يزوج ثم اطلع على أمر فيه خلاف بين العلماء كمن زنى بها أو باشرها بشهوة أو زنى بها أصله أو فرعه أو خلقت من زناه بامها أو شك في تحريمها عليه بصهر أو قرابة ونحو ذلك والله أعلم الاخ ز قوله باب ما يحل من النساء وما يحرم وقوله تعالى حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم الآية إلى عليما حكيما كذا لابي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله وبنات الاخت ثم قال إلى قوله عليما حكيما وذلك يشتمل الآيتين فإن الاولى إلى قوله غفورا رحيما قوله وقال أنس والمحصنات من النساء ذوات الازواج الحرائر حرام الا ما ملكت أيمانكم لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته وفي رواية الكشميهني جارية من عبدة وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى والمحصنات ذوات الازواج الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم فإذا هو لا يرى بما
[ 126 ]
ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبدة فيطأها وأخرجه بن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول بيعها طلاقها والاكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الازواج يعني انهن حرام وأن المراد بالاستثناء في قوله الا ما ملكت ايمانكم المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن قوله وقال أي قال الله عزوجل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن أشار بهذا إلى التنبيه على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول بن العباس الذي بعده لا مفهوم له وإنما أراد حصر ما في الآيتين قوله وقال بن عباس ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم لا يحل له ان يتزوج فوق أربع نسوة فما زاد منهن فهن عليه حرام والباقي مثله وأخرجه البيهقي قوله وقال لنا أحمد بن حنبل هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الامام أحمد في المذاكرة أو الاجازة والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه والذي هنا من الشق الاول وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد الا في هذا الموضع وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم يكثر عنه لانه في رحلته القديمة لقي كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم وفي رحلته الاخيرة كان أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث الا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد وسفيان المذكور في هذا الاسناد هو الثوري وحبيب هو بن أبي ثابت قوله حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع في رواية بن مهدي عن سفيان عند الاسماعيلي حرم عليكم وفي لفظ حرمت عليكم قوله ثم قرأ حرمت عليكم امهاتكم الآية في رواية يزيد بن هارون عن سفيان عند الاسماعيلي قرأ الآيتين وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة إلى عليما حكيما فإنها آخر الآيتين ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى بن عباس عن بن عباس في آخر الحديث ثم قرأ حرمت عليكم امهاتكم حتى بلغ وبنات الاخ وبنات الاخت ثم قال هذا النسب ثم قرأ وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم حتى بلغ وأن تجمعوا بين الاختين وقرأ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقال هذا الصهر انتهى فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة امرأة وفي تسمية ما هو بالرضاع صهرا تجوز وكذلك امرأة الغير وجميعهن على التأييد الا الجمع بين الاختين وامرأة الغير ويلتحق بمن ذكر موطوءة الجد وأن علا وأم الام ولو علت وكذا أم الاب وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الاخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الاخ وبنت بن الاخ والاخت وعمة الاب ولو علت وكذا عمة الام وخالة الام ولو علت وكذا خالة الاب وجدة الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة بن الابن وابن البنت والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وسيأتي في باب مفرد ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتقدم في باب مفرد وبيان ما قيل أنه يستثنى من ذلك قوله وجمع عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب بين بنت على وامرأة علي كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة في منع الجمع بين الاختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها والاثر المذكور وصله البغوي في الجعديات من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر
[ 127 ]
فقال ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت علي لفاطمة فكانتا امرأتيه وقوله لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لانه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع ذلك مبينا عند بن سعد قوله وقال بن سيرين لا بأس به وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح وأخرجه بن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها قال أيوب فسئل عن ذلك بن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها وأخرج الدارقطني من طريق أيوب أيضا عن بن سيرين أن رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة فذكره قوله وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به وصله الدارقطني في اخر الاثر الذي قبله بلفظ وكان الحسن يكرهه وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال إني لجالس عند الحسن إذا سأله رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه فقال له بعضهم يا أبا سعيد هل ترى به بأسا فنظر ساعة ثم قال ما أرى به بأسا وأخرج بن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي إنهم قالوا لا بأس به قوله وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة وصله عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو بن دينار بهذا وزاد في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن قوله وكرهه جابر بن زيد للقطيعة وصله أبو عبيد من طريقه وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام قوله وليس فيه تحريم لقوله تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم هذا من تفقه المصنف وقد صرح به قتادة قبله كما ترى وقد قال بن المنذر لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله للقطيعة أي لاجل وقوع القطيعة بينهما لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة وسيأتي التصريح بهذه العلة في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان إنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن وقد نقل العمل بذلك عن بن أبي ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الاجماع على خلافة وقاله بن عبد البر وابن حزم وغيرهما قوله وقال عكرمة عن بن عباس إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته هذا مصير من بن عباس إلى أن المراد بالنهي عن الجمع بين الاختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الاثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس في رجل زنى باخت امرأته قال تخطى حرمة إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته قال بن جريج وبلغني عن عكرمة مثله أخرجه بن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن بن عباس قال جاوز حرمتين إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته وهذا قول الجمهور وخالفت فيه طائفة كما سيجئ قوله ويروي عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي أن أدخله فيه فلا يتزوجن أمة في رواية أبي ذر عن المستملي وابن جعفر بدل قوله وأبي جعفر والاول هو المعتمد وكذا وقع في رواية بن نصر بن مهدي عن المستملي كالجماعة وهكذا وصله وكيع في مصنفه
[ 128 ]
عن سفيان الثوري عن يحيى قوله ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه انتهى وهو بن قيس وروى أيضا عن شريح روى عنه الثوري وأبو عوانة وشريك فقول المصنف غير معروف أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره بن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان الثوري والاوزاعي وبه قال أحمد وزاد وكذا لو تلوط بأبي امرأتة أو باخيها أو بشخص ثم ولد للشخص بنت من كلا منهن تحرم على الواطئ لكونها بنت أو أخت من نكحه وخالف ذلك الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها وهو ظاهر القرآن لقوله وأمهات نسائكم وأن تجمعوا بين الاختين والذكر ليس من النساء ولا أختا وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هل تحرم عليه بنتها أم لا وجهان والله أعلم قوله وقال عكرمة عن بن عباس إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشي أم امرأته قال تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته وإسناده صحيح وفي الباب حديث مرفوع أخرجه الدارقطني والطبراني من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها قال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال وفي اسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك وقد أخرج بن ماجة طرفا منه من حديث بن عمر لا يحرم الحرام الحلال وإسناده أصلح من الاول قوله ويذكر عن أبي نصر عن بن عباس أنه حرمه وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه أن رجلا قال أنه أصاب أم امرأته فقال له بن عباس حرمت عليك امرأتك وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهم بلغ مبالغ الرجال قوله وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعة من بن عباس كذا للاكثر وفي رواية بن المهدي عن المستملي لا يعرف سماعه وهي أوجه وأبو نصر هذا بصري اسدي وثقة أبو زرعة وفي الباب حديث ضعيف أخرجه بن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها وإسناده مجهول قاله البيهقي قوله ويروي عن عمران بن حصين والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه أما قول عمران فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا ولا بأس بإسناده وأخرجه بن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله بن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما قال حرمت عليه امرأته قال قتادة لا تحرم غير أنه لا يغشى امرأته حتى تنقضي عدة التي زنى بها وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال يحيى بن يعمر للشعبي والله ما حرم حرام قط حلالا قط فقال الشعبي بلى لو صببت خمرا على ما حرم شرب ذلك الماء قال قتادة وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي وأما قوله وقال بعض أهل العراق فلعله عنى به الثوري فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق وقد أخرج بن أبي شيبة من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن بن مسعود قال لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال حرمتا عليه كلتاهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وبه قال من غير أهل العراق عطاء والاوزاعي وأحمد وإسحاق وهي رواية عن مالك وأبي ذلك الجمهور وحجتهم أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على
[ 129 ]
مجرد الوطئ وأيضا فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث قال بن عبد البر وقد أجمع أهل الفتوى من الامصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها فنكاح أمها وابنتها اجوز قوله وقال أبو هريرة لا تحرم عليه حتى يلزق بالارض يعني حتى يجامع قال بن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو أوجه وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا والزقه بغيره وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فإنهم قالوا تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة أنها لا تحرم الا أن وقع الجماع فيكون في المسألة ثلاثة آراء فمذهب الجمهور لا تحرم الا بالجماع مع العقد والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة بشهوة بالجماع لكونه استمتاع ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته قوله وجوزه سعيد بن المسيب وعروة والزهري أي اجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بامها أو أختها سواء فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك اجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك وقد روى عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له أمها فقالا لا يحرم الحرام الحلال وعن معمر عن الزهري مثله وعند البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها فقال قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام قوله وقال الزهري قال علي لا يحرم وهذا مرسل أما قول الزهري فوصله البيهقي من طرق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته فقال قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال وأما قوله وهذا مرسل في رواية الكشميهني وهو مرسل أي منقطع فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن والخطب فيه سهل والله أعلم قوله باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل قيل لها ذلك لانها مربوبة وغلط من قال هو من التربية وأما الدخول ففيه قولا أحدهما أن المراد به الجماع وهو أصح قولي الشافعي والقول الآخر وهو قول الائمة الثلاثة المراد به الخلوة قوله وقال بن عباس الدخول والمسيس واللماس هو الجماع تقدم ذكر من وصله عنه في تفسير المائدة وفيه زيادة وروى عبد الرزاق عن طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال بن عباس الدخول والتغشي والافضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع الا أن الله حي كريم يكنى بما شاء عما شاء قوله ومن قال بنات ولدها هن من بناتها في التحريم سقط من هنا إلى آخر الترجمة من رواية أبي ذر عن السرخسي وقد تقدم حكم ذلك في الباب الذي قبله قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم لام حبيبة الخ وقد وصله في الباب ووجه الدلالة من عموم قوله بناتكن لان بنت الابن بنت قوله وكذلك حلائل ولد الابناء هن حلائل الابناء أي مثلهن في التحريم وهذا بالاتفاق فكذلك بنات الابناء وبنات البنات قوله وهل تسمى الربيبة وأن لم تكن في حجره أشار بهذا إلى أن التقييد بقوله في حجوركم هل هو للغالب أو يعتبر فيه مفهوم المخالفة وقد ذهب الجمهور إلى الاول وفيه خلاف قديم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال كانت
[ 130 ]
عندي امرأة قد ولدت لي فماتت فوجدت عليها فلقيت علي بن أبي طالب قال لي مالك فأخبرته فقال إلها ابنة يعني من غيرك قلت نعم قال كانت في حجرك قلت لا هي في الطائف قال فأنكحها قلت فأين قوله تعالى وربائبكم قال أنها لم تكن في حجرك وقد دفع بعض المتأخرين هذا الاثر وادعى نفى نبوعه بان إبراهيم بن عبيد لا يعرف وهو عجيب فإن الاثر المذكور عند بن أبي حاتم في تفسيره من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة وإبراهيم ثقة تابعي معروف وأبوه وجده صحابيان والاثر صحيح عن علي وكذا صح عن عمر أنه أفتي من سأله إذ تزوج بنت رجل كانت تحته جدتها ولم تكن البنت في حجره أخرجه أبو عبيد وهذا وأن كان الجمهور على خلافه فقد احتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم فلا تعرضن علي بناتكن قال نعم ولم يقيد بالحجر وهذا فيه نظر لان المطلق محمول على المقيد ولولى الاجماع الحادث في المسألة وندرة المخالف لكان الاخذ به أولي لان التحريم جاء مشروطا بأمرين أن تكون في الحجر وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالام فلا تحرم بوجود أحد الشرطين واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي وهذا وقع في بعض طرق الحديث كما تقدم وفي أكثر طرقه لو لم تكن ربيبتي في حجري فقيد بالحجر كما قيد به القرآن فقوي اعتباره والله أعلم قوله ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها هذا طرف من حديث وصله البزار والحاكم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الاشجعي عن أبيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة وقال إنما أنت ظئري قال فذهب بها ثم جاء فقال ما فعلت الجويرية قال عند أمها يعني من الرضاعة وجئت لتعلمني فذكر حديثا فيما يقرأ عند النوم وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة بدون القصة واصل قصة زينب بنت أم سلمة عند أحمد وصححه بن حبان من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته أنها لما قدمت المدينة فذكرت القصة في هجرتها ثم موت أبي سلمة قالت فلما وضعت زينب جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني الحديث وفيه فجعل يأتينا فيقول أين زناب حتى جاء عمار هو بن ياسر فاختلجها وقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وكانت ترضعها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب فقالت قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة وافقتها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني اتيكم الليلة وفي رواية لاحمد فجاء عمار وكان أخاها لامها يعني أم سلمة فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال دعي هذه المقبوحة الحديث قوله وسمي النبي صلى الله عليه وسلم بن ابنته ابنا هذا طرف من حديث تقدم موصولا في المناقب من حديث أبي بكرة وفيه أن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وأشار المصنف بهذا إلى تقوية ما تقدم ذكره في الترجمة أن بنت بن الزوجة في حكم بنت الزوجة ثم ساق حديث أم حبيبة قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان وقد تقدم شرحه مستوفى قبل هذا وقوله (4817) أرضعتني وأباها ثويبة هو بفتح الهمزة والموحدة الخفيفة وثويبة بالرفع الفاعل والضمير لبنت أم سلمة والمعنى أرضعتني ثويبة وارضعت والد درة بنت أبي سلمة وقد تقدم في الباب الماضي التصريح بذلك فقال أرضعتني وأبا سلمة وإنما نبهت على ذلك لان صاحب المشارق نقل أن بعض الرواة عن أبي ذر رواها بكسر الهمزة وتشديد التحتانية فصحف ويكفى في الرد عليه قوله الرواية في الاخرى أنها ابنة أخي من الرضاعة ووقع في رواية لمسلم أرضعتني وأباها أبا سلمة قوله وقال
[ 131 ]
الليث حدثنا هشام درة بنت أم سلمة يعني أن الليث رواه عن هشام بن عروة بالاسناد المذكور فسمى بنت أم سلمة درة وكأنه رمز بذلك إلى غلط من سماها زينب وقد قدمت أنها في رواية الحميدي عن سفيان وأن المصنف أخرجه عن الحميدي فلم يسمها وقد ذكر المصنف الحديث أيضا في الباب الذي بعده من طريق الليث أيضا عن بن شهاب عن عروة فسماها أيضا درة قوله باب وأن تجمعوا بين الاختين اورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن والجمع بين الاختين في التزويج حرام بالاجماع سواء كانتا شقيقتين أم من أب أم من أم وسواء النسب والرضاع واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين فأجازه بعض السلف وهو رواية عن أحمد والجمهور وفقهاء الامصار على امنع ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وحكاه الثوري عن الشيعة قوله باب لا تنكح المرأة على عمتها أي ولا على خالتها وهذا اللفظ رواية أبي بكر أبي شيبة عن عبد الله بن المبارك بإسناد حديث الباب وكذا هو عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة (4819) قوله عاصم هو بن سليمان البصري الاحول قوله الشعبي سمع جابرا كذا قال عاصم وحده قوله وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة أما رواية داود هو بن أبي هند فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه قال حدثنا عامر هو الشعبي أنبأنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو المرأة على خالتها أو العمة على بنت أخيها أو الخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى لفظ الدارمي والترمذي نحوه ولفظ أبي داود لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فكان لداود فيه شيخين وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه وأما رواية بن عون وهو عبد الله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها وقع لنا في فوائد أبي محمد بن أبي شريح من وجه آخر عن بن عون بلفظ نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها والذي يظهر أن الطريقين محفوظان وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة لكن نقل البيهقي عن الشافعي أن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث الا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها هل العلم بالحديث قال البيهقي هو كما قال قد جاء من حديث
[ 132 ]
علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شئ على شرط الصحيح وإنما اتفقا على اثبات حديث أبي هريرة وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الاختلاف على الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية بن عون وداود بن أبي هند اه وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لان الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق بن جريج عن أبي الزبير عن جابر والحديث محفوظ أيضا من أوجه عن أبي هريرة فلكل من الطريقين ما يعضده وقول من نقل البيهقي عنه تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة قال بن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر بن مسعود ولا بن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا إمامة وسمرة ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حدث زينب امرأة بن مسعود فصار عدة من رواه غير الاولين ثلاثة عشر نفسا واحاديثهم موجودة عند بن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولولا خشية التطويل لاوردتها مفصلة لكن في لفظ حديث بن عباس عند بن أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين وفي روايته عند بن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال انكن إذا فعلتن ذلك قطعتن ارحامكن قال الشافعي تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك وقال الترمذي بعد تخريجه العمل على هذا عند عامه أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها وقال بن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه وكذا نقل الاجماع بن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى بن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل ابصرة وهو بفتح الموحدة وتشديد المثاة واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه أختار الخوارج الجمع بين الاختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم لانهم مرقوا من الدين أه وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الاختين غلط بين فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يردون الاحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها وتحريم الجمع بين الاختين بنصوص القرآن ونقل بن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف (4820) قوله لا يجمع ولا ينكح كله في الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهي قاله القرطبي (4821) قوله على عمتها ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الاخرى ويؤخذ منه منع تزويجهما معا فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني قوله في الرواية الاخيرة فنرى بضم النون أي تظن وبفتحها أي نعتقد قوله خالة أبيها بتلك المنزلة أي من التحريم قوله لان عروة حدثني الخ في أخذ هذا الحكم من هذا الحديث نظر وكأنه أراد الحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب كما يحرم بالرضاع
[ 133 ]
ما يحرم بالنسب ولما كانت خالة الاب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة الاب لا يجمع بينها وبين بنت بن أخيها وقد تقدم شرح حديث عائشة المذكور قال النووي احتج الجمهور بهذه الاحاديث وخصوا بها عموم القرآن في قوله تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الاحاد وانفصل صاحب الهداية من الحنفية عن ذلك بان هذا من الاحاديث المشهورة التي تجوز الزيادة على الكتاب بمثلها والله أعلم (0) قوله باب الشغار بمعجمتين مكسور الاول (4822) قوله نهى عن الشغار في رواية بن وهب عن مالك نهى عن نكاح الشغار ذكره بن عبد البر وهو مراد من حذفه قوله والشغار أن يزوج الرجل ابنته الخ قال بن عبد البر ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك عنه قلت ولا يرد على إطلاقه أن أبا داود أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير وكذا أخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى لانهما اختصرا ذلك في تصنيفهما وإلا فقد أخرجه النسائي من طريق معن بالتفسير وكذا أخرجه الخطيب في المدرج من طريق القعنبي نعم اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالاكثر لم ينسبوه لاحد ولهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في المعرفة لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بن عمر أو عن نافع أو عن مالك ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع وقد بين ذلك بن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون ثم ساقه كذلك عنهم ورواية محرز بن عون عند الاسماعيلي والدارقطني في الموطآت وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل الخ وهذا دال على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله ووقع عند المصنف كما سيأتي في كتاب ترك الحيل من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع ما الشغار فذكره فلعل مالكا أيضا نقله عن نافع وقال أبو الوليد الباجي الظاهر أنه من جملة الحديث وعليه يحمل حتى يتبين أنه من قول الراوي وهو نافع قلت قد تبين ذلك ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الامر مرفوعا فقد ثبت ذلك من غير رواته فعند مسلم من رواية أبي أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن عمر أيضا عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة مثله سواء قال وزاد بن نمير والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وزوجني اختك وازوجك أختي وهذا يحتمل أن يكون من كلام عبيد الله بن عمر فيرجع إلى نافع ويحتمل أن يكون تلقاه عن أبي الزناد ويؤيد الاحتمال الثاني وروده في حديث أنس وجابر وغيرهما أيضا فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته وروى البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا نهى عن الشغر والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر قال القرطبي تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وأن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لانه أعلم بالمقال واقعد بالحال اه وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره فإن فيه وصفين أحدهما تزويج كل من الوليين وليته للاخر بشرط أن يزوجه وليته والثاني خلو بضع كل منهما من الصداق فمنهم من اعتبرهما معا حتى لا يمنع مثلا إذا زوج كل منهما الآخر بغير شرط وأن لم يذكر الصداق أو زوج كل منهما الآخر بالشرط وذكر الصداق وذهب أكثر الشافعية إلى أن علة النهي الاشتراك في
[ 134 ]
البضع لان بضع كل منهما يصير مورد العقد وجعل البضع صداقا مخالف لا يراد عقد النكاح وليس المقتضى للبطلان ترك ذكر الصداق لان النكاح يصح بدون تسمية الصداق واختلفوا فيما إذا لم يصرحا بذكر البضع فالاصح عندهم الصحة ولكن وجد نص الشافعي على خلافه ولفظه إذا زوج الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت لاخر على أن صداق كل واحدة بضع الاخرى أو على أن ينكحه الاخرى ولم يسم أحد منهما لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منسوخ هكذا ساقه البيهقي بإسناده الصحيح عن الشافعي قال وهو الموافق للتفسير المنقول في الحديث واختلف نص الشافعي فيما إذا سمي مع ذلك مهرا فنص في الاملاء على البطلان وظاهر نصه في المختصر الصحة وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل الخلاف من أهل المذاهب وقال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك وقال الخطابي كان بن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا من أعضائها وهو مما لا خلاف في فساده وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثنى بضمها حيث يجعله صداقا للاخرى وقال الغزالي في الوسيط صورته الكاملة أن يقول زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك قال شيخنا في شرح الترمذي ينبغي أن يزاد ولا يكون مع البضع شئ آخر ليكون متفقا على تحريمه في المذهب ونقل الخرقي أن أحمد نص على أن علة البطلان ترك ذكر المهر ورجح بن تيمية في المحرر أن العلة التشريك في البضع وقال بن دقيق العيد ما نص عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث لقوله فيه ولا صداق بينهما فإنه يشعر بان جهة الفساد ذلك وأن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته لجهة الفساد ثم قال وعلى الجملة ففيه شعور بان عدم الصداق له مدخل في النهي ويؤيده حديث أبي ريحانة الذي تقدم ذكره وقال بن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه بن المنذر عن الاوزاعي وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي أن النساء محرمات الا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم تنبيه ذكر البنت في تفسير الشغار مثال وقد تقدم في رواية أخرى ذكر الاخت قال النووي اجمعوا على أن غير البنات من الاخوات وبنات الاخ وغيرهن كالبنات في ذلك والله أعلم قوله باب هل للمرأة أن تهب نفسها لاحد أي فيحل له نكاحها بذلك وهذا يتناول صورتين إحداهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر والثاني العقد بلفظ الهبة فالصورة الاولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح وأجازه الحنفية والاوزاعي ولكن قالوا يجب مهر المثل وقال الاوزاعي أن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح وحجة الجمهور قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فعدلوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المال وأجاب المجيزون عن ذلك بان المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح الا بلفظ النكاح أو التزويج لانهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث وذهب الاكثر إلى أنه يصح بالكنايات واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد (4823) قوله حدثنا هشام هو بن عروة عن أبيه قال كانت خوله هذا مرسل لان عروة لم يدرك زمن القصة لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة
[ 135 ]
تعليقا وقد تقدم في تفسير الاحزاب من طريق أبي أسامة عن هشام كذلك موصولا قوله بنت حكيم أي بن أمية بن الاوقص السلمية وكانت زوج عثمان بن مظعون وهي من السابقات إلى الاسلام وأمها من بني أمية قوله من اللائي وهبن وكذا وقع في رواية أبي أسامة المذكورة قالت كنت أغار من اللائي وهبن انفسهن وهذا يشعر بتعدد الواهبات وقد تقدم تفسيرهن في تفسير سورة الاحزاب ووقع في رواية أبي سعيد المؤدب الاتي ذكرها في المعلقات عن عروة عن عائشة قالت التي وهبت نفسها النبي صلى الله عليه وسلم خوله بنت حكيم وهذا محمول على تأويل أنها السابقة إلى ذلك أو نحو ذلك من الوجوه التي لا تقتضي الحصر المطلق قوله فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن انفسهن قوله أن تهب نفسها زاد في رواية محمد بن بشر بغير صداق قوله فلما نزلت ترجئ من تشاء في رواية عبدة بن سليمان فانزل الله ترجئ وهذا أظهر أن نزول الآية بهذا السبب قال القرطبي حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له رقهن لكان قليلا قوله ما أرى ربك الا يسارع في هواك في رواية محمد بن بشر إني لارى ربك يسارع لك في هواك أي في رضاك قال القرطبي هذا قول ابرزه الدلال والغيرة وهو من نوع قولها ما أحمد كما ولا أحمد الا الله وإلا فاضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره لانه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ولكن الغيرة يغتفر لاجلها إطلاق مثله ذلك قوله رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض أما رواية أبي سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح فوصلها بن مردوية في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا كما نبهت عليه قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم حسب وأما رواية محمد بن بشر فوصلها الامام أحمد عنه بتمام الحديث وقد بينت ما فيه من زيادة وفائدة وأما رواية عبدة وهو بن سليمان فوصلها مسلم وابن ماجة من طريقه وهي نحو رواية محمد بن بشر 3 قوله باب نكاح المحرم كأنه يحتج إلى الجواز لانه لم يذكر في الباب شيئا غير حديث بن عباس في ذلك ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه (4824) قوله أخبرنا عمرو هو بن دينار وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء قوله تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم تقدم في أواخر الحج من طريق الاوزاعي عن عطاء عن بن عباس بلفظ تزوج ميمونة وهو محرم وفي رواية عطاء المذكورة عن بن عباس عند النسائي تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه وتقدم في عمره القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الاوزاعي وزاد وبنا بها وهي حلال وماتت بسرف قال الاثرم قلت لاحمد أن أبا ثور يقول بأي شئ يدفع حديث بن عباس أي مع صحته قال فقال الله المستعان بن المسيب يقول وهم بن عباس وميمونة تقول تزوجني وهو حلال اه وقد عارض حديث بن عباس حديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح أخرجه مسلم ويجمع بينه وبين حديث بن عباس يحمل حديث بن عباس على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن عبد البر اختلفت الآثار في هذا الحكم لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال جاءت من طرق شتى وحديث بن عباس صحيح الاسناد لكن الوهم إلى الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة فأقل أحوال الخبرين أن
[ 136 ]
يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد أه وقد تقدم في أواخر كتاب الحج البحث في ذلك ملخصا وأن منهم من حمل حديث عثمان على الوطئ وتعقب بأنه ثبت فيه لا ينكح بفتحا أوله ولا ينكح بضم أوله ولا يخطب ووقع في صحيح بن حبان زيادة ولا يخطب عليه ويترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة وحديث بن عباس واقعة عين تحتمل انواعا من الاحتمالات فمنها أن بن عباس كان يرى أن من قلد الهدى يصير محرما كما تقدم تقرير ذلك عنه في كتاب الحج والنبي صلى الله عليه وسلم كان قلد الهدى في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة فيكون إطلاقه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أي عقد عليها بعد أن قلد الهدى وأن لم يكن تلبس بالاحرام وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما قال الترمذي لا نعلم أحدا اسنده غير حماد بن زيد عن مطر ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا ومنها أن قول بن عباس تزوج ميمونة وهو محرم أي داخل الحرام أو في الشهر الحرام قال الاعشى قتلوا كسرى بليل محرما أي في الشهر الحرام وقال آخر قتلوا بن عفان الخليفة محرما أي في البلد الحرام وإلى هذا التأويل جنح بن حبان فجزم به في صحيحه وعارض حديث بن عباس أيضا حديث يزيد بن الاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال أخرجه مسلم من طريق الزهري قال وكانت خاله كما كانت خالته بن عباس وأخرج مسلم من وجه آخر عن يزيد بن الاصم قال حدثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة بن عباس وأما أثر بن المسيب الذي أشار إليه أحمد فأخرجه أبو داود وأخرج البيهقي من طريق الاوزاعي عن عطاء عن بن عباس الحديث قال وقال سعيد بن المسيب ذهل بن عباس وأن كانت خالته ما تزوجها الا بعد ما أحل قال الطبري الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لصحة حديث عثمان وأما قصة ميمونة فتعارضت الاخبار فيها ثم ساق من طريق أيوب قال أنبئت أن الاختلاف في زواج ميمونة إنما وقع لان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إلى العباس لينكحها إياه فأنكحه فقال بعضهم انكحها قبل أن يحرم النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بعد ما أحرم وقد ثبت أن عمر وعليا وغيرهما من الصحابة فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته ولا يكون هذا الا عن ثبت تنبيه قدمت في الحج أن حديث بن عباس جاء مثله صحيحا عن عائشة وأبي هريرة فأما حديث عائشة فأخرجه النسائي من طريق أبي سلمة عنه وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق مسروق عنها وصححه بن حبان وأكثر ما أعلى بالارسال وليس ذلك قادح فيه وقال النسائي أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا أبو عاصم عن عثمان بن الاسود عن بن أبي مليكة عن عائشة مثله قال عمرو بن علي قلت لابي عاصم أنت امليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة فقال دع عائشة حتى انظر فيه وهذا إسناد صحيح لولا هذه القصة لكن هو شاهد قوي أيضا وأما حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني وفي إسناده كامل أبو العلاء وفيه ضعف لكنه يعتضد بحديثي بن عباس وعائشة وفيه رد على قول بن عبد البر أن بن عباس تفرد من بين الصحابة بان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم وجاء عن الشعبي ومجاهد مرسلا مثله أخرجهما بن أبي شيبة وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال سألت أنسا عن نكاح المحرم فقال لا بأس به وهل هو الا كالبيع وإسناده قوي لكنه قياس في مقابل النص فلا عبرة به وكان أنسا لم يبلغه حديث عثمان الله تعالى قوله باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة وقوله في الترجمة أخيرا يفهم منه أنه كان مباحا وأن النهي عنه وقع في آخر الامر وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك لكن قال في آخر الباب أن عليا بين أنه منسوخ وقد وردت عدة
[ 137 ]
أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الاذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا وهو بن معبد بعد هذا الحديث الاول (4825) قوله أخبرني الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب وأبوه محمد هو الذي يعرف بابن الحنفية وأخوه عبد الله بن محمد أما الحسن فأخرج له البخاري غير هذا منها ما تقدم له في الغسل من روايته عن جابر ويأتي له في هذا الباب آخر عن جابر وسلمة بن الاكوع وأما أخوه عبد الله بن محمد فكنيته أبو هاشم وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ووثقه بن سعد والنسائي والعجلي وقد تقدمت له طريق أخرى في غزوة خيبر من كتاب المغازي وتأتي أخرى في كتاب الذبائح وأخرى في ترك الحيل وقرنه في المواضع الثلاثة بأخيه الحسن وذكر في التاريخ عن بن عيينة عن الزهري أخبرنا الحسن وعبد الله ابنا محمد بن علي وكان الحسن أوثقهما ولاحمد عن سفيان وكان الحسن ارضاهما إلى أنفسنا وكان عبد الله يتبع السبئية اه والسبيئة بمهملة ثم موحدة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وهو من رؤساء الروافض وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه ولما غلب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين فقتلهم احبته الشيعة ثم فارقه أكثرهم لما ظهر منه من الاكاذيب وكان من رأي السبئية موالاة محمد بن علي بن أبي طالب وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان ومنهم من أقر بموته وزعم أن الامر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين قوله عن أبيهما في رواية الدارقطني في الموطآت من طريق يحيى بن سعيد الانصاري عن مالك عن الزهري أن عبد الله والحسن ابني محمد أخبراه أن أباهما محمد بن علي بن أبي طالب أخبرهما قوله أن عليا قال لابن عباس سيأتي بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ أن عليا قيل له أن بن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا وفي رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني أن عليا سمع بن عباس وهو يفتي في متعة النساء فقال أما علمت وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن الزهري بدون ذكر مالك ولفظه أن عليا مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها ولمسلم من طريق جويرية عن مالك بسنده أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه وفي رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضا تكلم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له على انك امرؤ تائه ولمسلم من وجه آخر أنه سمع بن عباس يلين في متعة النساء فقال له مهلا يا بن عباس ولاحمد من طريق معمر رخص في متعة النساء قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة في رواية أحمد عن سفيان نهى عن نكاح المتعة قوله وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر هكذا لجميع الرواة عن الزهري خيبر بالمعجمة أوله والراء آخره الا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال حنين بمهملة أوله ونونين أخرجه النسائي والدارقطني ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال خيبر على الصواب وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهو خطأ أيضا قوله زمن خيبر الظاهر أنه ظرف للامرين وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول قوله يوم خيبر يتعلق بالحمر الاهلية لا بالمتعة قال البيهقي وما قاله محتمل يعني في روايته هذه وأما غيره فصرح ان الظرف يتعلق بالمتعة وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن
[ 138 ]
متعة النساء وعن لحوم الحمر الاهلية وهكذا أخرجه مسلم من رواية بن عيينة أيضا وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقة فقال مهلا يا بن عباس ولاحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن بن عباس رخص في متعة النساء فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الاهلية وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك والدارقطني من طريق بن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك وذكر السهيلي أن بن عيينة رواه عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الاهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم اه وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية بن عيينة فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن بن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه لكن منهم من زاد لفظ نكاح كما بينته وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب جميعا عن بن عيينة بمثل لفظ مالك وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة لكن قال زمن بدل يوم قال السهيلي ويتصل بهذا الحديث تنبيه على اشكال لان فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر وهذا شئ لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الاثر قال فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن بن عيينة فذكر بن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن بن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الاهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر ثم راجعت مسند الحميدي من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السلمي عنه فقال بعد سياق الحديث قال بن عيينة يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر ولا يعني نكاح المتعة قال بن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال البيهقي يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها فلا يتم احتجاج على الا إذا وقع النهي أخيرا لتقوم به الحجة على بن عباس وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح اه والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي لكن يمكن الانفصال عن ذلك بان عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه ويؤيد ظاهر حديث على ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله أن رجلا سأل بن عمر عن المتعة فقال حرام فقال أن فلانا يقول فيها فقال والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين قال السهيلي وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فاغرب ما روى في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح اه فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن خيبر ثم عمرة القضاء ثم الفتح ثم أوطاس ثم تبوك ثم حجة الوداع وبقي عليه حنين لانها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل فأما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع وأي مصابيح وسمع نساء يبكين فقال ما هذا فقالوا يا رسول الله نساء كانوا تمتعوا منهن فقال هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برجالنا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له قال فغضب وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ فسميت ثنية الوداع وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد ما كانت قبلها ولا بعدها وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد وهو ساقط الحديث وقد أخرجه
[ 139 ]
سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة وأما غزوة الفتح فثبتت في صحيح مسلم كما قال وأما أوطاس فثبتت في مسلم أيضا من حديث سلمة بن الاكوع وأما حجة الوداع فوقع عند أبي داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وأما قوله لا مخالفة بين أوطاس والفتح ففيه نظر لان الفتح كان في رمضان ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال وفي سياق مسلم إنهم لم يخرجوا من مكة حتى حرمت ولفظه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأذن لنا في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي فذكر قصة المرأة إلى أن قال ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها وفي لفظ له رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول بمثل حديث بن نمير وكان تقدم في حديث بن نمير أنه قال يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة وفي رواية أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها وفي رواية له أمر أصحابه بالتمتع من النساء فذكر القصة قال فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن وفي لفظ فقال أنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة فأما أوطاس فلفظ مسلم رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وظاهر الحديثين المغايرة لكن يحتمل أن يكون أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما ولو وقع في سياقه إنهم تمتعوا من النساء في غزوة أوطاس لما حسن هذا الجمع نعم ويبعد أن يقع الاذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في غزوة الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة وإذا تقرر ذلك فلا يصح من الروايات شئ بغير علة الا غزوة الفتح وأما غزوة خيبر وأن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم وأما عمرة القضاء فلا يصح الاثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لانه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لانهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح واوطاس سواء وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي أو كان النهي وقع قديما فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك على أن في حديث أي هريرة مقالا فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير هو متروك وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كا حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم وزاد بن القيم في الهدى أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر أو لم يقع هناك نكاح متعة لكن يمكن أن يجاب بان يهود خيبر كانوا يصاهرون الاوس والخزرج قبل الاسلام فيجوز أن يكون هناك من نسائهم من وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال قال الماوردي في الحاوي في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان أحدهما أن التحريم تكرر ليكون أظهر وانشر حتى يعمله من لم يكن علمه لانه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر في غيرها والثاني أنها ابيحت مرارا ولهذا قال في المرة الاخيرة إلى يوم القيامة إشارة إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بان الاباحة تعقبه بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا وهذا الثاني هو المعتمد ويرد الاول التصريح بالاذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر ثم الفتح وقال النووي الصواب أن تحريمها واباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم ابيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا قال ولا مانع من تكرير الاباحة ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين وقد تقدم في أوائل النكاح حديث بن مسعود في سبب الاذن في نكاح المتعة وإنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة فأذن لهم في الاستمتاع فلعل النهي كان يتكرر في كل موطن بعد الاذن فلما وقع في المرة الاخيرة أنها حرمت إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك إذن والله أعلم والحكمة في جمع على بين النهي عن الحمر والمتعة أن بن عباس كان يرخص في الامرين معا وسيأتي النقل عنه في الرخصة في الحمر الاهلية في أوائل كتاب الاطعمة فرد
[ 140 ]
عليه على في الامرين معا وأن ذلك يوم خيبر فأما أن يكون على ظاهره وأن النهي عنهما وقع في زمن واحد وأما أن يكون الاذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليا لقصر مدة الاذن وهو ثلاثة أيام كما تقدم والحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر لانه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر مع أنه كان سفرا بعيدا والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في توبة كعب وكان علة الاباحة وهي الحاجة الشديدة انتهت من بعد فتح خيبر وما بعدها والله أعلم والجواب عن قول السهيلي أنه لم يكن في خيبر نساء يستمتع بهن ظاهر مما بينته من الجواب عن قول بن القيم لم تكن الصحابة يتمتعون باليهوديات وأيضا فيقال كما تقدم لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر وإنما فيه مجرد النهي فيؤخذ منه أن التمتع من النساء كان حلالا وسبب تحليله ما تقدم في حديث بن مسعود حيث قال كنا نغزو وليس لنا شئ ثم قال فرخص لنا أن تنكح المرأة بالثوب فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشئ وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه بن عبد البر بلفظ إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الاباحة وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعه بعد الضيق أو كانت الاباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة وخيبر بخلاف ذلك لانها بقرب المدينة فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة إذن لهم في المتعة لكن مقيدا بثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الاذن وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردا أن ثبت الخبر في ذلك لان الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة وإلا فمخرج حديث سبرة راوية هو من طريق ابنه الربيع عنه وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح والطريق التي أخرجها مسلم مصرحه بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم الحديث الثاني (4826) قوله عن أبي جمرة هو الضبعي بالجيم والراء ورأيته بخط بعض من شرح هذا الكتاب بالمهملة والزاي وهو تصحيف قوله سمعت بن عباس يسأل بضم أوله قوله فرخص أي فيها وثبتت في رواية الاسماعيلي قوله فقال له مولى له لم اقف على اسمه صريحا وأظنه عكرمة قوله إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه في رواية الاسماعيلي إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل قوله فقال بن عباس نعم في رواية الاسماعيلي صدق وعند مسلم من طريق الزهري عن خالد بن المهاجر أو بن أبي عمرة الانصاري قال رجل يعني لابن عباس وصرح به البيهقي في روايته إنما كانت يعني المتعة رخصة في أول الاسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ويؤيده ما أخرجه الخطابي والفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيه الشعراء يعني في المتعة فقال والله ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا لمضطر أخرجه البيهقي من وجه آخر عن سعيد بن جبير وزاد في آخره الا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير وأخرجه محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الاخبار بإسناد أحسن منه عن سعيد بن جبير بالقصة لكن ليس في آخره قول بن عباس المذكور وفي حديث سهل بن سعد الذي أشرت إليه قريبا نحوه فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر وهو يوافق حديث بن مسعود الماضي في أوائل النكاح واخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وأما ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن كعب عن بن عباس قال انما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يقيم فتحفظ له متاعه فإسناده ضعيف وهو شاذ مخالف
[ 141 ]
لما تقدم من علة إباحتها الحديث الثالث (4827) قوله قال عمرو هو بن دينار في رواية الاسماعيلي من طريق بن أبي الوزير عن سفيان عن عمرو بن دينار وهو غريب من حديث بن عيينة قل من رواه من أصحابه عنه وإنما أخرجه البخاري مع كونه معنعنا لوروده عن عمر بن دينار من غير طريق سفيان نبه على ذلك الاسماعيلي وهو كما قال قد أخرجه مسلم من طريق شعبة وروح بن القاسم وأخرجه عبد الرزاق عن بن جريج كلهم عن عمرو قوله عن الحسن بن محمد أي علي بن أبي طالب ووقع في رواية بن جريج الحسن بن محمد بن علي وهو الماضي ذكره في الحديث الاول وفي رواية شعبة المذكورة عن عمرو سمعت الحسن بن محمد قوله عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع في رواية روح بن القاسم تقديم سلمة علي جابر وقد أدركهما الحسن بن محمد جميعا لكن روايته عن جابر أشهر قوله كنا في جيش لم اقف على تعيينه لكن عند مسلم من طريق أبي العميس عن إياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها تنبيه ضبط جيش في جميع الروايات بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة وحكى الكرماني أن في بعض الروايات حنين بالمهملة ونونين باسم مكان الوقعة المشهورة ولم اقف عليه قوله فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم اقف على اسمه لكن في رواية شعبة خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشبه أن يكون هو بلال قوله أنه قد إذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا زاد شعبة في روايته يعني متعة النساء وضبط فاستمتعوا بفتح المثناة وكسرها بلفظ الامر وبلفظ الفعل الماضي وقد أخرج مسلم حديث جابر من طرق أخرى منها عن أبي نضرة عن جابر أنه سئل عن المتعة فقال فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق عطاء عن جابر استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأخرج عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا نحوه وزاد حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث وقصة عمر بن حريث أخرجها عبد الرزاق في مصنفه بهذا الاسناد عن جابر قال قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو حبلى فسأله فاعترف قال فذلك حين نهى عنها عمر قال البيهقي في رواية سلمة بن الاكوع التي حكيناها عن تخريج مسلم ثم نهى عنها ضبطناه نهى بفتح النون ورأيته في رواية معتمدة نهى بالالف قال فإن قيل بل هي بضم النون والمراد بالناهي في حديث سلمة عمر كما في حديث جابر قلنا هو محتمل لكن ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في حديث الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه بعد الاذن فيه ولم تجد عنه الاذن فيه بعد النهي عنه فنهى عمر موافق لنهية صلى الله عليه وسلم قلت وتماته أن يقال لعل جابرا ومن نقل عنه استمرارهم على ذلك بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن نهى عنها عمر لم يبلغهم النهي ومما يستفاد أيضا أن عمر لم ينه عنها اجتهادا وإنما نهى عنها مستندا إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع التصريح عنه بذلك فيما أخرجه بن ماجة من طريق أبي بكر بن حفص عن بن عمر قال لما ولي عمر خطب فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها وأخرج بن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه في صحيح بن حبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي الحديث الرابع تقدمت له طريق في الذي قبله قوله وقال بن أبي ذئب الخ وصله الطبراني والاسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن بن أبي ذئب قوله أيما رجل وامرأة
[ 142 ]
توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال وقع في رواية المستملي بعشرة بالموحدة المكسورة بدل الفاء المفتوحة وبالفاء أصح وهي رواية الاسماعيلي وغيره والمعنى أن إطلاق الاجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن قوله فإن أحبا أي بعد انقضاء الثلاث أن يتزايدا أي في المدة يعني تزايدا ووقع في رواية الاسماعيلي التصريح بذلك وكذا في قوله أن يتتاركا أي يتفارقا تتاركا وفي رواية أبي نعيم أن يتناقضا تناقضا والمراد به التفارق قوله فما أدري أشئ كان لنا خاصة أم للناس عامة ووقع في حديث أبي ذر التصريح بالاختصاص أخرجه البيهقي عنه قال إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد بينه على عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ يريد بذلك تصريح على عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها بعد الاذن فيها وقد بسطناه في الحديث الاول وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن علي قال نسخ رمضان كل صوم ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث وقد اختلف السلف في نكاح المتعة قال بن المنذر جاء عن الاوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها الا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله وقال عياض ثم وقع الاجماع من جميع العلماء على تحريمها الا الروافض وأما بن عباس فروى عنه أنه اباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك قال بن بطال روى أهل مكة واليمن عن بن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة واجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال واجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده الا قول زفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وسلم فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها قلت وهو في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه عند مسلم وقال الخطابي تحريم المتعة كالاجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى على وآل بيته فقد صح عن على أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه قال الخطابي ويحكى عن بن جريج جوازها اه وقد نقل أبو عوانة في صحيحه عن بن جريج أنه رجع عنها بعد أن روى بالبصرة في إباحتها ثمانية عشر حديثا وقال بن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى ابطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لو علق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لانه توقيت للحل فيكون في بعد مدة صح نكاحه الا الاوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعزر على قولين مأخذهما أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدم وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة من الائمة بتفرد بن عباس باباحتها فهي من المسألة المشهورة وهي ندرة المخالف ولكن قال بن عبد البر أصحاب بن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الامصار على تحريمها وقال بن حزم ثبت على إباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة قلت وفي جميع ما أطلقه نظر أما بن مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح وقد بينت فيه ما نقله الاسماعيلي من الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم وقد اخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد وفي آخره ففعلنا ثم ترك ذلك وأما معاوية فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن أمية أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف وإسناده صحيح لكن في رواية أبي الزبير عن جابر عند عبد الرزاق أيضا أن ذلك كان قديما ولفظه استمتع معاوية
[ 143 ]
مقدمة الطائف بمولاة لبني الحضرمي يقال لها معانة قال جابر ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية فكان يرسل إليها بجائزة كل عام وقد كان معاوية متبعا لعمر مقتديا به فلا يشك أنه عمل بقوله بعد النهي ومن ثم قال الطحاوي خطب عمر فنهى عن المتعة ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ذلك منكر وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه وأما أبو سعيد فأخرج عبد الرزاق عن بن جريج أن عطاء قال أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا وهذا مع كونه ضعيفا للجهل بأحد رواته ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما بن عباس فتقدم النقل عنه والاختلاف هل رجع أو لا وأما سلمة ومعبد فقصتهما واحدة اختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال لم يرع عمر الا أم أراكة قد خرجت حبلى فسألها عمر فقالت استمتع بي سلمة بن أمية وأخرج من طريق أبي الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية وأما جابر فمستنده قوله فعلناها وقد بينته قبل ووقع في رواية أبي نصرة عن جابر عند مسلم فنهانا عمر فلم نفعله بعد فإن كان قوله فعلنا يعم جميع الصحابة فقوله ثم لم نعد يعم جميع الصحابة فيكون إجماعا وقد ظهر أن مستنده الاحاديث الصحيحة التي بيناها وأما عمرو بن حريث وكذا قوله رواه جابر عن جميع الصحابة فعجيب وإنما قال جابر فعلناها وذلك لا يقتضي تعميم جميع الصحابة بل يصدق على فعل نفسه وحده وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة وقد ثبت عن جابر عند مسلم فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها فهذا يرد عدة جابرا فيمن ثبت على تحليلها وقد اعترف بن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أنها حرام إلى يوم القيامة قال فأمنا بهذا القول نسخ التحريم والله أعلم قوله باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح قال بن المنير في الحاشية من لطائف البخاري أنه لما علم الخصوصية في قصة الواهبة استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحة فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه (4828) قوله حدثنا مرحوم زاد أبو ذر بن عبد العزيز بن مهران وهو بصري مولى آل أبي سفيان ثقة مات سنة سبع وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أورده عنه في كتاب الادب أيضا وذكر البزار أنه تفرد به عن ثابت قوله وعنده ابنة له لم اقف على اسمها واظنها أمينة بالتصغير قوله جاءت امرأة لم اقف على تعينها وأشبه من رأيت بقصتها ممن تقدم ذكر اسمهن في الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم ويظهر لي أن صاحبة هذه القصة غير التي في حديث سهل قوله واسواتاه أصل السوءة وهي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها
[ 144 ]
همزة الفعلة القبيحة وتطلق على الفرج والمراد هنا الاول والالف للندبة والهاء للسكت ثم ذكر المصنف حديث سهل أبي سعد في قصة الواهبة مطولا وسيأتي شرحه بعد ستة عشر بابا وفي الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه أن لا غضاضة عليها في ذلك وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت وقال المهلب فيه أن على الرجل أن لا ينكحها الا إذا وجد في نفسه رغبة فيها ولذلك صعد النظر فيها وصوبه انتهى وليس في القصة دلالة لما ذكره قال وفيه جواز سكوت العالم ومن سئل حاجة إذا لم يرد الاسعاف وأن ذلك ألين في صرف السائل وأدب من الرد بالقول 33 قوله باب عرض الانسان ابنته أو أخته على أهل الخير أورد عرض البنت في الحديث الاول وعرض الاخت في الحديث الثاني (4830) قوله حين تأيمت بهمزة مفتوحة وتحتانية ثقيلة أي صارت أيما وهي التي يموت زوجها أو تبين منه وتنقضي عدتها وأكثر ما تطلق على من مات زوجها وقال بن بطال العرب تطلق على كل امرأة لا زوج لها وكل رجل لا امرأة له أيما زاد في المشارق وأن كان بكرا وسيأتي مزيدا لهذا في باب لا ينكح الاب وغيره البكر ولا الثيب الا برضاها قوله من خنيس بخاء معجمة ونون وسين مهملة مصغر قوله بن حذافة عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب وهي رواية يونس عن الزهري بن حذافة أو حذيفة والصواب حذافة وهو أخو عبد الله بن حذافة الذي تقدم ذكره في المغازي ومن الرواة من فتح أول خنيس وكسر ثانية والاول هو المشهور بالتصغير وعند معمر كالاول لكن بحاء مهملة وموحدة وشين معجمة وقال الدارقطني اختلف على عبد الرزاق فروى عنه على الصواب وروى عنه بالشك قوله وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية معمر كما سيأتي بعد أبواب من أهل بدر قوله فتوفي بالمدينة قالوا مات بعد غزوة أحد من جراحة أصابته بها وقيل بل بعد بدر ولعله أولي فإنهم قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد خمسة وعشرين شهرا من الهجرة وفي رواية بعد ثلاثين شهرا وفي رواية بعد عشرين شهرا وكانت أحد بعد بدر بأكثر من ثلاثين شهرا ولكنه يصح على قول من قال بعد ثلاثين على الغاء الكسر وجزم بن سعد بأنه مات عقب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وبه جزم بن سيد الناس وهو قول بن عبد البر أنه شهد أحدا ومات من جراحة بها وكانت حفصة أسن من أخيها عبد الله فإنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين وعبد الله ولد بعد البعثة بثلاث أو أربع قوله فقال عمر بن الخطاب أعاد ذلك لوقوع الفصل وإلا فقوله أولا أن عمر بن الخطاب لا بد له من تقدير قال ووقع في رواية معمر عند النسائي وأحمد عن بن عمر عن عمر قال تأيمت حفصة قوله أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري إلى أن قال قد بدا لي أن لا أتزوج هذا هو الصحيح ووقع في رواية ربعي بن حراش عن عثمان عند الطبري وصححه هو والحاكم أن عثمان خطب إلى عمر بنته فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما راح إليه عمر قال يا عمر الا أدلك على ختن خير من عثمان وادل عثمان على ختن خير منك قال نعم يا نبي الله قال تزوجني بنتك وازوج عثمان بنتي قال الحافظ الضياء إسناده لا بأس به لكن في الصحيح أن عمر عرض على عثمان حفصة فرد عليه قد بدا لي أن لا أتزوج قلت أخرج بن سعد من مرسل الحسن نحو حديث ربعي ومن مرسل سعيد بن المسيب أتم منه وزاده في آخره فخار الله لهما
[ 145 ]
جميعا ويحتمل في الجمع بينهما أن يكون عثمان خطب أولا إلى عمر فرده كما في رواية ربعي وسبب رده يحتمل أن يكون من جهتها وهي أنها لم ترغب في التزوج عن قرب من وفاة زوجها ويحتمل غير ذلك من الاسباب التي لا غضاضة فيها على عثمان في رد عمر له ثم لما ارتفع السبب بادر عمر فعرضها على عثمان رعاية لخاطره كما في حديث الباب ولعل عثمان بلغه ما بلغ أبا بكر من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها فصنع كما صنع من ترك افشاء ذلك ورد على عمر بجميل ووقع في رواية بن سعد فقال عثمان مالي في النساء من حاجة وذكر بن سعد عن الواقدي بسند له أن عمر عرض حفصة على عثمان حين توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان يومئذ يريد أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم قلت وهذا مما يؤيد أن موت خنيس كان بعد بدر فإن رقية ماتت ليالي بدر وتخلف عثمان عن بدر لتمريضها وقد أخرج إسحاق في مسنده وابن سعد من مرسل سعيد بن المسيب قال تأيمت حفصة من زوجها وتأيم عثمان من رقية فمر عمر بعثمان وهو حزين فقال هل لك في حفصة فقد انقضت عدتها من فلان واستشكل أيضا بأنه لو كان مات بعد أحد للزم أن لا تنقضي عدتها الا في سنة أربع وأجيب باحتمال أن تكون وضعت عقب وفاته ولو سقطا فحلت قوله سأنظر في أمري أي أتفكر ويستعمل النظر أيضا بمعنى الرأفة لكن تعديته باللام وبمعنى الرؤية وهو الاصل ويعدى بالى وقد يأبي بغير صلة وهو بمعنى الانتظار قوله قال عمر فلقيت أبا بكر هذا يشعر بأنه عقب رد عثمان له بعرضها على أبي بكر قوله فصمت أبو بكر أي سكت وزنا ومعنى وقوله بعد ذلك فلم يرجع إلى شيئا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أن يظن أنه صمت زمانا ثم تكلم وهو بفتح الياء من يرجع قوله وكنت اوجد عليه أي أشد موجدة أي غضبا على أبي بكر من غضبي على عثمان وذلك لامرين أحدهما ما كان بينهما من أكيد المودة ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما وأما عثمان فلعله كان تقدم من عمر رده فلم يعتب عليه حديث لم يجبه لما سبق منه في حقه والثاني لكون عثمان اجابه أولا ثم اعتذر له ثانيا ولكون أبي بكر لم يعد عليه جوابا ووقع في رواية بن سعد فغضب علي أبي بكر وقال فيها كنت أشد غضبا حين سكت مني على عثمان قوله لقد وجدت على في رواية الكشميهني لعلك وجدت وهي أوجه قول فلم أرجع بكسر الجيم أي أعد عليك الجواب قوله الا إني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها في رواية بن سعد فقال أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ذكر منها شيئا وكان سرا قوله فلم أكن لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن سعد وكرهت أن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها في رواية معمر المذكورة نكحتها وفيه أنه لولا هذا العذر لقبلها فيستفاد منه عذره في كونه لم يقل كما قال عثمان قد بدا لي أن لا أتزوج وفيه فضل كتمان السر فإذا اظهره صاحبه ارتفع الحرج عمن سمعه
[ 146 ]
وفيه عتاب الرجل لاخيه وعتبه عليه واعتذاره إليه وقد جبلت الطباع البشرية على ذلك ويحتمل أن يكون سبب كتمان أبي بكر ذلك أنه خشي أن يبدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوجها فيقع في قلب عمر انكسار ولعل اطلاع أبي بكر على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد خطبة حفصة كان بأخباره له صلى الله عليه وسلم أما على سبيل الاستشارة واما لانه كان لا يكتم عنه شيئا مما يريده حتى ولا ما في العادة عليه غضاضة وهو كون ابنته عائشة عنده ولم يمنعه ذلك من اطلاعه على ما يريد لوثوقه بايثاره إياه على نفسه ولهذا اطلع أبو بكر على ذلك قبل اطلاع عمر الذي يقع الكلام معه في الخطبة ويؤخذ منه أن الصغير لا ينبغي له أن يخطب امرأة أراد الكبير أن يتزوجها ولو لم تقع الخطبة فضلا عن الركون وفيه الرخصة في تزويج من عرض النبي صلى الله عليه وسلم بخطبتها أو أراد أن يتزوجها لقول الصديق لو تركها لقبلتها وفيه عرض الانسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجا لان أبا بكر كان حينئذ متزوجا وفيه أن من حلف لا يفشى سر فلان فأفشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث لان صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الافشاء من قبل الحالف وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشئ واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به فاظهر التعجب وقال ما ظننت أنه حدث بذلك غيري فإن هذا يحنث لان تحليفه وقع على أنه يكتم أنه حدثه وقد أفشاه وفيه أن الاب يخطب إليه بنته الثيب كما يخطب إليه البكر ولا تخطب إلى نفسها كذا قال بن بطال وقوله لا تخطب إلى نفسها ليس في الخبر ما يدل عليه قال وفيه أنه يزوج بنته الثيب من غير أن يستأمرها إذا علم أنها لا تكره ذلك وكان الخاطب كفؤا لها وليس في الحديث تصريح بالنفي المذكور الا أنه يؤخذ من غيره وقد ترجم له النسائي انكاح الرجل بنته الكبيرة فإن أراد بالرضا لم يخالف القواعد وأن أراد بالاجبار فقد يمنع والله أعلم ثم ذكر المصنف طرفا من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة وقد تقدم شرحه قريبا ولم يذكر فيه هنا مقصود الترجمة استغناء بالاشارة إليه وهو قولها انكح أختي بنت أبي سفيان والله أعلم قوله باب قول الله عزوجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله الآية إلى قوله غفور حليم كذا للاكثر وحذف ما بعد اكننتم من رواية أبي ذر ووقع في شرح بن بطال سياق الآية والتي بعدها إلى قوله أجلة الآية قال بن التين تضمنت الآية أربعة أحكام اثنان مباحان التعريض والاكنان واثنان ممنوعان النكاح في العدة والمواعدة فيها قوله اضمرتم في أنفسكم وكل شئ صنته واضمرته فهو مكنون كذا للجميع وعند أبي ذر بعده إلى آخر الآية والتفسير المذكور لابي عبيدة قوله وقال لي طلق هو بن غنام بفتح المعجمة وتشديد النون قوله عن بن عباس فيما عرضتم أي أنه قال في تفسير هذه الآية قوله يقول إني أريد التزويج الخ وهو تفسير للتعريض المذكور في الآية قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شئ لم يذكره وتعقب بان هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شئ مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شئ آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجئ للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصوده والتقاضي عرض أي اميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع اقسامها والحاصل إنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لاسلم عليك كناية وتعريض ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل اذيتني فستعرف خطابا لغير المؤذي تعريض
[ 147 ]
بتهديد المؤذي لا كناية انتهى ملخصا وهو تحقيق بالغ قوله ولوددت أنه ييسر بضم التحتانية وفتح أخرى مثلها بعدها وفتح المهملة وفي رواية الكشميهني بسر بتحتانية واحدة وكسر المهملة وهكذا اقتصر المصنف في هذا الباب على حديث بن عباس الموقوف وفي الباب حديث صحيح مرفوع وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذا حللت فآذنيني وهو عند مسلم وفي لفظ لا تفوتينا بنفسك أخرجه أبو داود واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لاحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح للاولى حرام في الاخيرة مختلف فيه في البائن قوله وقال القاسم يعني بن محمد انك علي كريمة أي يقول ذلك وهو تفسير آخر للتعريض وكلها أمثلة ولهذا قال في آخره أو نحو هذا وهذا الاثر وصله مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عزوجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها انك إلى آخره وقوله في الامثلة إني فيك لراغب يدل على أن تصريحه بالرغبة فيها لا يمتنع ولا يكون صريحا في خطبتها حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول إني في نكاحك لراغب وقد نص الشافعي على أن ذلك من صور التعريض أعني ما ذكره القاسم وأما ما مثلت به فحكى الروياني فيه وجها وعبر النووي في الروضة بقوله رب راغب فيك فأوهم أنه لا يصرح بالرغبة مطلقا وليس كذلك وأخرج البيهقي من طريق مجاهد من صور التصريح لا تسبقيني بنفسك فإني ناكحك ولو لم يقل فإني ناكحك فهو من صور التعريض لحديث فاطمة بنت قيس كما بينته قريبا وقد ذكر الرافعي من صور التصريح لا تفوتي على نفسك وتعقبوه وروى الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عمته سكينة قالت استأذن علي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي وموضعي في العرب فقلت غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ عنك تخطبني في عدتي قال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي قوله وقال عطاء يعرض ولا يبوح أي لا يصرح يقول أن لي حاجة وأبشري قوله نافقة بنون وفاء وقاف أي رائجة بالتحتانية والجيم قوله ولا تعد شيئا بكسر المهملة وتخفيف الدال وأثر عطاء هذا وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه مفرقا وأخرجه الطبري من طريق بن المبارك عن بن جريج قال قلت لعطاء كيف يقول الخاطب قال يعرض تعريضا ولا يبوح بشئ فذكر مثله إلى قوله ولا تعد شيئا قوله وأن واعدت رجلا في عدتها ثم نكحها أي تزوجها بعد أي عند انقضاء العدة لم يفرق بينهما أي لم يقدح ذلك في صحة النكاح وأن وقع الاثم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عقب اثر عطاء قال وبلغني عن بن عباس قال خير لك أن تفارقها واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل بها أو لم يدخل وقال الشافعي صح العقد وأن أرتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى الموافقة في العدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق اه وتعقب بان هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا إن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد اختلفوا لو وقع العقد في العدة ودخل فاتفقوا على أنه يفرق بينهما وقال مالك والليث والاوزاعي لا يحل له نكاحها بعد وقال الباقون
[ 148 ]
بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء قوله وقال الحسن لا تواعدوهن سرا الزنا وصله عبد بن حميد من طريق عمران بن حدير عنه بلفظه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال هو الفاحشة قال قتادة قوله سرا أي لا تأخذ عهدها في عدتها أن لا تتزوج غيره أخرجه إسماعيل القاضي في الاحكام وقال هذا أحسن من قول من فسره بالزنا لان ما قبل الكلام وما بعده لا يدل عليه ويجوز في اللغة أن يسمى الجماع سرا فلذلك يجوز إطلاقه على العقد ولا شك أن المواعدة على ذلك تزيد على التعريض المأذون فيه واستدل بالآية على أن التعريض في القذف لا يوجب الحد لان خطبة المعتدة حرام وفرق فيها بين التصريح والتعريض فمنع التصريح واجيز التعريض مع أن المقصود مفهوم منهما فكذلك يفرق في إيجاب حد القذف بين التصريح والتعريض واعترض بن بطال فقال يلزم الشافعية على هذا أن يقولوا بإباحة التعريض بالقذف وهذا ليس بلازم لان المراد أن التعريض دون التصريح في الافهام فلا يلتحق به في إيجاب الحد لان للذي يعرض أن يقول لم أرد القذف بخلاف المصرح قوله ويذكر عن بن عباس حتى يبلغ الكتاب أجلة انقضاء العدة وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن بن عباس في قوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجلة يقول حتى تنقضي العدة قوله باب النظر إلى المرأة قبل التزويج استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه وقد ورد ذلك في أحاديث اصحها حديث أبي هريرة قال رجل أنه تزوج امرأة من الانصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظرت إليها قال لا قال فاذهب فأنظر إليها فإن في أعين الانصار شيئا أخرجه مسلم والنسائي وفي لفظ له صحيح أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فذكره قال الغزالي في الاحياء اختلف في المراد بقوله شيئا فقيل عمش وقيل صغر قلت الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وهذا الرجل يحتمل أن يكون المغيرة فقد اخرج الترمذي والنسائي من حديثه أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما وصححه بن حبان وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعا إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل وسنده حسن وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة وصححه بن حبان والحاكم وأخرجه أحمد وابن ماجة ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار ثم ذكر المصنف فيه حديثين الاول حدث عائشة (4832) قوله اريتك بضم الهمزة في المنام زاد في رواية أبي أسامة في أوائل النكاح مرتين قوله يجئ بك الملك وقع في رواية أبي أسامة إذا رجل يحملك فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلا ووقع في رواية بن حبان من طريق أخرى عن عائشة جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله لعيه وسلم قوله في سرقة من حرير السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة ووقع في رواية بن حبان في خرقة حرير وقال الداودي السرقة الثوب فإن أراد تفسيره هنا فصحيح وإلا فالسرقة أعم وأغرب المهلب فقال السرقة كالكلة أو كالبرقع وعند الاجري من وجه آخر عن عائشة لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني ويجمع بين هذا وبين ما قبله بان المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر نزل مرتين قوله فكشفت عن وجهك الثوب في رواية أبي أسامة فاكشفها فعبر بلفظ المضارع استحضارا لصورة الحال قال بن المنير يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه ويكون الضمير في اكشفها للسرقة أي اكشفها عن الوجه وكأنه حملة على ذلك أن رؤيا الانبياء وحي وأن
[ 149 ]
عصمتهم في المنام كاليقظة وسيأتي في اللباس في الكلام على تحريم التصوير ما يتعلق بشئ من هذا وقال أيضا في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر لان عائشة كانت إذ ذاك في سن الطفولية فلا عورة فيها البتة ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة ترجع إلى العقد قوله فإذا أنت هي في رواية الكشميهني فإذا هي أنت وكذا تقدم من رواية أبي أسامة قوله يمضه بضم أوله قال عياض يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا اشكال فيه وأن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات أحدها التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط ثانيها أنه لفظ شك لايراد به ظاهره وهو أبلغ في التحقق ويسمى في البلاغة مزج الشك باليقين ثالثها وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها أو هي رؤيا وحي لها تعبير وكلا الامرين جائز في حق الانبياء قلت الاخير هو المعتمد وبه جزم السهيلي عن بن العربي ثم قال وتفسيره باحتمال غيرها لا أرضاه والاول يرده أن السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت فإن ظاهر قوله فإذا هي أنت مشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك والواقع أنها ولدت بعد البعثة ويرد طول الاحتمالات الثلاث رواية بن حبان في آخر حديث الباب هي زوجتك في الدنيا والآخرة والثاني بعيد والله اعلم الحديث الثاني حديث سهل في قصة الواهبة والشاهد منه للترجمة (4833) قوله فيه فصعد النظر إليها وصوبه وسيأتي شرحه في باب التزويج على القرآن وبغير صداق قوله ثم طأطأ رأسه وذكر الحديث كله كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي وساق الباقون الحديث بطوله قال الجمهور لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قالوا ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها وقال الاوزاعي يجتهد وينظر إلى ما يريد منها الا العورة وقال بن حزم ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر منها وعن أحمد ثلاث روايات الاولى كالجمهور والثانية ينظر إلى ما يظهر غالبا والثالثة ينظر إليها متجردة وقال الجمهور أيضا يجوز ان ينظر أيها إذا أراد ذلك بغير أذنها وعن مالك رواية يشترط أذنها ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال لانها حينئذ أجنبية ورد عليهم بالاحاديث المذكورة قوله باب من قال لا نكاح الا بولي استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والاحاديث التي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة على غير شرطه والمشهور فيه حديث أبي موسى مرفوعا بلفظه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم لكن قال الترمذي بعد أن
[ 150 ]
ذكر الاختلاف فيه وأن من جملة من وصله إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه ومن جملة من أرسله شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أي بردة ليس فيه أبو موسى رواية ومن رواه موصولا أصح لانهم سمعوه في أوقات مختلفة وشعبة وسفيان وأن كانا أحفظ وأثبت من جميع من رواه عن أبي إسحاق لكنهما سمعاه في وقت واحد ثم ساق من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي قال نعم قال وإسرائيل ثبت في أبي إسحاق ثم ساق من طريق بن مهدي قال ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الا لما اتكلت به على إسرائيل لانه كان يأتي به أتم وأخرج بن عدي عن عبد الرحمن بن مهدي قال إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة وسفيان وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم إنهم صححوا حديث إسرائيل ومن تأمل ما ذكرته عرف أن الذين صححوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل الذي وصله على غيره وسأشير إلى بقية طرق هذا الحديث بعد ثلاثة أبواب على أن في الاستدلال بهذه الصيغة في منع النكاح بغير ولي نظرا لانها تحتاج إلى تقدير فمن قدره نفي الصحة استقام له ومن قدره نفي الكمال عكر عليه فيحتاج إلى تأييد الاحتمال الاول بالادلة المذكورة في الباب وما بعده قوله لقول الله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أي لا تمنعوهن وسيأتي في حديث معقل آخر أحاديث الباب بيان سبب نزول هذه الآية ووجه الاحتجاج منها للترجمة قوله فدخل فيه الثيب وكذلك البكر ثبت هذا في رواية الكشميهني وعليه شرح بن بطال وهو ظاهر لعموم لفظ النساء قوله وقال ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنه تعالى خاطب بانكاح الرجال ولم يخاطب به النساء فكأنه قال لا تنكحوا أيها الاولياء مولياتكم للمشركين قوله وقال وانكحوا الايامى منكم والايامى جمع ايم وسيأتي القول فيه بعد ثلاثة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الاول حديث عائشة ذكره من طريق بن وهب ومن طريق عنبسة بن خالد جميعا عن يونس بن يزيد عن بن شهاب الزهري وقوله (4834) وقال يحيى بن سليمان هو الجعفي من شيوخ البخاري وقد ساقه المصنف على لفظ عنبسة وأما لفظ بن وهب فلم أره من رواية يحيى من سليمان إلى الآن لكن أخرجه الدارقطني من طريق أصبغ وأبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب والاسماعيلي والجوزقي من طريق عثمان بن صالح ثلاثتهم عن بن وهب قوله على أربعة انحاء جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قوله أربعة قال الداودي وغيره بقي عليها انحاء لم تذكرها الاول نكاح الخدن وهو في قوله تعالى ولا متخذات اخدان كانوا يقولون ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم الثاني نكاح المتعة وقد تقدم بيانة الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وازيدك ولكن إسناده ضعيف جدا قلت والاول لا يرد لانها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من إذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لان الممنوع منه كونه مقدرا بوقت
[ 151 ]
لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع قوله وليته أو ابنته هو للتنويع لا للشك قوله فيصدقها بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها قوله ونكاح الآخر وكذا لابي ذر بالاضافة أي ونكاح الصنف الآخر وهو من إضافة الشئ لنفسه على رأى الكوفيين ووقع في رواية الباقين ونكاح آخر بالتنوين بغير لام وهو الاشهر في الاستعمال قوله إذا طهرت من طمثها بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه قوله فاستبضعي منه بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع ووقع في رواية أصبغ عند الدارقطني استرضعي براء بدل الموحدة قال راوية محمد بن إسحاق الصغاني الاول هو الصواب يعني بالموحدة والمعنى اطلبي منه الجماع لتحملي منه والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج قوله وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد أي اكتسابا من ماء الفحل لانهم كانوا يطلبون ذلك من اكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك قوله فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع بالنسب والتقدير يسمى وبالرفع أي هو قوله ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة تقدم تفسير الرهط في أوائل الكتاب ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد كان لا بد من ضبط العدد الزائد لئلا ينتشر قوله كلهم يصيبها أي يطؤها والظاهر أن ذلك إنما يكون عن رضا منها وتواطؤ بينهم وبينها قوله ومر ليال كذا لابي ذر وفي رواية غيره ومر عليها ليال قوله قد عرفتم كذا للاكثر بصيغة الجمع وفي رواية الكشميهني عرفت على خطاب الواحد قوله وقد ولدت بالضم لانه كلامها قوله فهو ابنك أي أن كان ذكرا فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك لكن يحتمل أن يكون لا تفعل ذلك الا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل بنته التي يتحقق انها بنت فضلا عمن تجئ بهذه الصفة قوله فيلحق به ولدها كذا لابي ذر ولغيره فيلتحق يزيادة مثناه قوله لا يستطيع أن يمتنع به في رواية الكشميهني منه قوله ونكاح الرابع تقدم توجيهه قوله لا تمنع من جاءها وللاكثر لا تمتنع ممن جاءها قوله وهن البغايا كن ينصب على ابوابهن رايات تكون علما بفتح اللام أي علامة وأخرج الفاكهي من طريق بن أبي مليكة قال تبرز عمر بأجياد فدعا بماء فاتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن الله جعل الماء طهورا ومن طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة كانت يقال لها أم مهزول تسافح في الجاهلية فأراد بعض الصحابة أن يتزوجها فنزلت الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة ومن طريق مجاهد في هذه الآية قال هن بغايا كن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة بن
[ 152 ]
الزبير مثله وزاد كرايات البيطار وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامي صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات تركت ذكرهن اختيارا قوله لمن ارادهن في رواية الكشميهني فمن ارادهن قوله القافة جمع قائف بقاف ثم فاء وهو الذي يعرف شبة الولد بالوالد بالآثار الخفية قوله فالتأته في رواية الكشميهني فالتاط بغير مثناة أي استلحقته به وأصل اللوط بفتح اللام اللصوق قوله هدم نكاح الجاهلية في رواية الدارقطني نكاح أهل الجاهلية قوله كله دخل فيه ما ذكرت وما استدرك عليها قوله الا نكاح الناس اليوم أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل فيزوجه احتج بهذا على اشتراط الولي وتعقب بان عائشة وهي التي روت هذا الحديث كانت تجيز النكاح بغير ولي كما روى مالك أنها زوجت بنت عبد الرحمن أخيها وهو غائب فلما قدم قال مثلي يقتات عليه في بناته وأجيب بأنه لم يرد في الخبر التصريح بأنها باشرت العقد فقد يحتمل أن تكون البنت المذكورة ثيبا ودعت إلى كفء وابوها غائب فانتقلت الولاية إلى الولي الابعد أو إلى السلطان وقد صح عن عائشة أنها أنكحت رجلا من بني أخيها فضربت بينهم بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق الا العقد أمرت رجلا فانكح ثم قالت ليس إلى النساء نكاح أخرجه عبد الرزاق الحديث الثاني (4835) قوله حدثنا يحيى هو بن موسى أو بن جعفر كما بينته في المقدمة وساق الحديث عن عائشة مختصرا وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير الحديث الثالث حديث بن عمر تأيمت حفصة تقدم شرحه قريبا ووجه الدلالة منه اعتبار الولي في الجملة الحديث الرابع حديث معقل بن يسار (4837) قوله حدثنا أحمد بن أبي عمر وهو النيسابوري قاضيها يكنى أبا علي واسم أبي عمر حفص بن عبد الله بن راشد قوله حدثني إبراهيم هو بن طهمان ويونس هو بن عبيد والحسن هو البصري قوله فلا تعضلوهن أي في تفسير هذه الآية ووقع في تفسير الطبري من حديث بن عباس أنها نزلت في ولي النكاح أن يضار وليته فيمنعها من النكاح قوله حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه هذا صريح في رفع هذا الحديث ووصله وقد تقدم في تفسير البقرة معلقا لابراهيم بن طهمان وموصولا أيضا لعباد بن راشد عن الحسن وبصورة الارسال من طريق عبد الوارث بن سعيد
[ 153 ]
عن يونس وقويت رواية إبراهيم بن طهمان بوصله بمتابعة عباد بن راشد على تصريح الحسن بقوله حدثني معقل بن يسار قوله زوجت أختا لي اسمها جميل بالجيم مصغر بنت يسار وقع في تفسير الطبري من طريق بن جريج وبه جزم بن ماكولا وسماها بن فتحون كذلك لكن بغير تصغير وسيأتي مستنده وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه البدري وقيل فاطمة وقع ذلك عند بن إسحاق ويحتمل التعدد بان يكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم قوله من رجل قيل هو أبو البداح بن عاصم الانصاري هكذا وقع في أحكام القرآن لاسماعيل القاضي من طريق بن جريج أخبرني عبد الله بن معقل أن جميل بنت يسار أخت معقل كانت تحت أبي البداح بن عاصم فطلقها فانقضت عدتها فخطبها وذكر ذلك أبو موسى في ذيل الصحابة وذكره أيضا الثعلبي ولفظه نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل وكانت تحت أبي البداح بن عاصم بن عدي بن العجلان واستشكله الذهلي بان البداح تابعي على الصواب فيحتمل أن يكون صحابيا آخر وجزم بعض المتأخرين بأنه البداح بن عاصم وكنيته أبو عمرو فإن كان محفوظا فهو أخو البداح التابعي ووقع لنا في كتاب المجاز للشيخ عز الدين بن عبد السلام أن اسم زوجها عبد الله بن رواحة ووقع في رواية عباد بن راشد عن الحسن عند البزار والدارقطني فأتاني بن عم لي فخطبها مع الخطاب وفي هذا نظر لان معقل بن يسار مزني وأبو البداح أنصاري فيحتمل أنه بن عمه لامه أو من الرضاعة قوله حتى إذا نقضت عدتها في رواية عباد بن راشد فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعه ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها قوله فجاء يخطبها أي من وليها وهو أخوها كما قال أولا زوجت أختا لي من رجل قوله وافرشتك أي جعلتها لك فراشا وفي رواية الثعلبي وافرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي وهذا مما يبعد أنه بن عمه قوله لا والله لا تعود إليك ابدا في رواية عباد بن راشد لا ازوجك أبدا زاد الثعلبي وحمزة آنفا وهو بفتح الهمزة والنون والفاء قوله وكان رجلا لا بأس به في رواية الثعلبي وكا رجل صدق قال بن التين أي كان جيدا وهذا مما غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه كذا قال ووقع في رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عند أبي مسلم الكجي قال الحسن علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى زوجها فانزل الله هذه الآية قوله فانزل الله هذه الآية فلا تعضلوهن هذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للازواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله في بقيتها أن ينكحن ازواجهن ظاهر في أن العضل يتعلق بالاولياء وقد تقدم في التفسير بيان العضل الذي يتعلق بالاولياء في قوله تعالى لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن فيستدل في كل مكان بما يليق به قوله فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه أي أعادها إليه بعقد جديد وفي رواية أبي نعيم في المستخرج فقلت الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي مسلم الكجي من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن فسمع ذلك معقل بن يسار فقال سمعا لربي وطاعة فدعا زوجها فزوجها إياه ومن رواية الثعلبي فإني أو من بالله فأنكحها إياه وكفر عن يمينه وفي رواية عباد بن راشد فكفرت عن يميني وانكحتها إياه قال الثعلبي ثم هذا قول أكثر المفسرين وعن السدي نزلت في جابر بن عبد الله زوج بنت عمه فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها ثم أراد تزويجها وكانت المرأة تريده فأبى جابر فنزلت قال بن بطال اختلفوا في الولي فقال الجمهور ومنهم مالك والثوري والليث والشافعي وغيرهم الاولياء في النكاح هم العصبة وليس للخال ولا والد الام ولا الاخوة من الام ونحو هؤلاء ولاية وعن الحنفية هم من
[ 154 ]
الاولياء واحتج الابهري بان الذي يرث الولاء هم العصبة دون ذوي الارحام قال فذلك عقدة النكاح واختلفوا فيما إذا مات الاب فأوصى رجلا على أولاده هل يكون أولي من الولي القريب في عقدة النكاح أو مثله أو لا ولاية له فقال ربيعة وأبو حنيفة ومالك الوصي أولي واحتج لهم بان الاب لو جعل ذلك لرجل بعينه في حياته لم يكن لاحد من الاولياء أن يعترض عليه فكذلك بعد موته وتعقب بان الولاية انتقلت بالموت فلا يقاس بحال الحياة وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فذهب الجمهور إلى ذلك وقالوا لا تزوج المرأة نفسها أصلا واحتجوا بالاحاديث المذكورة ومن اقواها هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولانها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يقال أن غيره منعه منه وذكر بن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وعن مالك رواية أنها أن كانت غير شريفة زوجت نفسها وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا ويجوز أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤا واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به وحمل الاحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها وهو عمل سائغ في الاصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليه العار باختيار الكفء وانفصل بعضهم عن هذا الايراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف ذلك على إجازة الولي كما قالوا في البيع وهو مذهب الاوزاعي وقال أبو ثور نحوه لكن قال يشترط إذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بان إذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لان الحق لها ولو إذن لها في انكاح نفسها صارت كمن إذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان الا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل فإن أجاب فذاك وأن اصر زوج عليه الحاكم والله أعلم قوله باب إذا كان الولي أي في النكاح هو الخاطب أي هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى ولي آخر قال بن المنير ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معا لكل الامر في ذلك إلى نظر المجتهد كذا قال وكأنه أخذه من تركه الجزم بالحكم لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز فإن الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه وقد أورد في الترجمة أثر عطاء الدال على الجواز وأن كان الاولى عنده أن لا يتولى أحد طرفي العقد وقد اختلف السلف في ذلك فقال الاوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث يزوج الولي نفسه ووافقهم أبو ثور وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أو ممن أختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج وقال الشافعي يزوجهما السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم أن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه قوله وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولي الناس بها فأمر رجلا فزوجه هذا الاثر وصله وكيع في مصنفه والبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة وهو وليها فجعل أمرها ألي رجل المغيرة أولي منه فزوجه وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه أخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لافعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه انتهى والمغيرة هو بن شعبة بن مسعود بن معتب من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه لحا وعبد الله بن أبي عقيل هو بن عمهما معا أيضا لان جده هو مسعود المذكور وأما عثمان بن أبي العاص فهو وأن كان ثقفيا أيضا لكنه لا يجتمع معهم الا في جدهم الاعلى ثقيف لانه من ولد جشم بن ثقيف فوضح المراد بقوله
[ 155 ]
هو أولي الناس وعرف اسم الرجل المبهم في الاثر المعلق قوله وقال عبد الرحمن بن عوف لام حكيم بنت قارظ اتجعلين أمرك إلى قالت نعم فقال فقد تزوجتك وصله بن سعد من طريق بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلى فقالت نعم قال قد تزوجتك قال بن أبي ذئب فجاز نكاحه وقد ذكر بن سعد أم حكيم في النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عيه وسلم وروين عن أزواجه ولم يزد في التعريف بها على ما في هذا الخبر وذكرها في تسمية أزواج عبدا الرحمن بن عوف في ترجمته فنسبها فقال أم حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة قوله وقال عطاء ليشهد إني قد نكحتك أو ليأمر رجلا من عشيرتها وصله عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء امرأة خطبها بن عم لها لا رجل لها غيره قال فلتشهد أن فلانا خطبها وإني اشهدكم إني قد نكحته أو لتأمر رجلا من عشيرتها قوله وقال سهل قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم اهب لك نفسي فقال رجل يا رسول الله أن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها هذا طرف من حديث الواهبة وقد تقدم موصولا في باب تزويج المعسر وفي باب النظر إلى المرأة قبل التزويج وغيرهما ووصله في الباب بلفظ آخر وأقربها إلى لفظ هذا التعليق رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم بلفظ أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لاهب لك نفسي وفيه فقام رجل من أصحابه فقال أي رسول الله مثله ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قوله تعالى (4838) ويستفتونك في النساء أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفي في التفسير ووجه الدلالة منه أن قوله فرغب عنها أن يتزوجها أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره فيزوجه وبه احتج محمد بن الحسن على الجواز لان الله لما عاتب الاولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون سنتها من الصداق وغاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه ودل ذلك أيضا على أنه يتزوجها ولو كانت صغيرة لانه أمر أن يقسط لها في الصداق ولو كانت بالغا لما منع أن يتزوجها بما تراضيا عليه فعلم أن المراد من لا أمر لها في نفسها وقد أجيب باحتمال أن يكون المراد بذلك السفيهة فلا أثر لرضاها بدون مهر مثلها كالبكر ثم ذكر المصنف حديث سهل
[ 156 ]
بن سعد في الواهبة وسيأتي شرحه قريبا ووجه الاخذ منه الاطلاق أيضا لكن لتحصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يزوج نفسه وبغير ولي ولا شهود ولا استئذان وبلفظ كما يأتي تقريره وقوله فيه فلم يردها بسكون الدال من الارادة وحكى بعض الشراح تشديد الدال وفتح أوله وهو محتمل قوله باب انكاح الرجل ولده الصغار ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح وبفتحهما على أنه اسم جنس وهو أعم من الذكور والاناث قوله لقول الله تعالى واللائي لم يحضن فجعل عدتها ثلاثة اشهر قبل البلوغ أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز وهو استنباط حسن لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر ويمكن أن يقال الاصل في الابضاع التحريم الا ما دل عليه الدليل وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداه على الاصل ولهذا السر أورد حديث عائشة قال المهلب اجمعوا أنه يجوز للاب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن بن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى بن حزم عن بن شبرمة مطلقا أن الاب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه ومقابله تجوير الحسن والنخعي للاب اجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا تنبيه وقع في حديث عائشة من هذا الوجه ادراج يظهر من الطريق التي في الباب الذي بعده قوله باب تزويج الاب ابنته من الامام في هذه الترجمة إشارة إلى أن الولي الخاص يقدم على الولي العام وقد اختلف فيه عن المالكية قولة وقال عمر الخ هو طرف من حديثه الذي تقدم موصولا قريبا ثم ذكر حديث عائشة وقوله فيه قال هشام يعني بن عروة وهو موصول بالاسناد المذكور وقوله وأنبئت الخ لم يسم من أنبأه بذلك ويشبه أن يكون حمله عن امرأتة فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء قال بن بطال دل حديث الباب على أن الاب أولي في تزويج ابنته من الامام وأن السلطان ولي من لا ولي لها وأن الولي من شروط النكاح قلت ولا دلالة في الحديثين على اشتراط شئ من ذلك وإنما فيهما وقوع ذلك ولا يلزم منه منع ما عداه وإنما يؤخذ ذلك من أدلة أخرى وقال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأذن مخصوص بالبالغ حتى يتصور منها الاذن وأما الصغيرة فلا إذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد قوله باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها بما معك من القرآن ثم ساق حديث سهل بن سعد في الواهبة
[ 157 ]
من طريق مالك بلفظ زوجتكها بالافراد وقد وقع في رواية أبي ذر من هذا الوجه بلفظ زوجناكها بنون التعظيم وقد ورد التصريح بان السلطان ولي في حديث عائشة المرفوع أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث وفيه والسلطان ولي من لا ولي لها أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم لكنه لما لم يكن على شرطه استنبطه من قصة الواهبة وعند الطبراني من حديث بن عباس رفعه لا نكاح الا بولي والسلطان ولي من لا ولي له وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وفيه مقال وأخرجه سفيان في جامعه ومن طريقه الطبراني في الاوسط بإسناد آخر حسن عن بن عباس بلفظ لا نكاح الا بولي مرشد أو سلطان قوله باب لا ينكح الاب وغيره البكر والثيب الا برضاهما في هذه الترجمة أربع صور تزويج الاب البكر وتزويج الاب الثيب وتزويج غير الاب البكر وتزويج غير الاب الثيب وإذا اعتبرت الكبر والصغر زادت الصور فالثيب البالغ لا يزوجها الاب ولا غيره الا برضاها اتفاقا الا من شذ كما تقدم والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا الا من شذ كما تقدم والثيب غير البالغ اختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة يزوجها أبوها كما يزوج البكر وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطئ لا بغيره والعلة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الاولياء واختلف في استثمارها والحديث دال على أنه لا اجبار للاب عليها إذا امتنعت وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وسأذكر مزيد بحث فيه وقد الحق الشافعي الجد بالاب وقال أبو حنيفة والاوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولي فإذا بلغت ثبت الخيار وقال أحمد إذا بلغت تسما جاز للاولياء غير الاب نكاحها وكأنه أقام المظنة مقام المثنة وعن مالك يلتحق بالاب في ذلك وصي الاب دون بقية الاولياء لانه أقامه مقامه كما تقدمت الاشارة إليه ثم أن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لانها لا عبارة لها (4843) قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة في رواية مسلم من طريق خالد بن الحارث عن هشام عن يحيى حدثنا أبو سلمة قوله لا تنكح بكسر الحاء للنهي وبرفعها للخبر وهو أبلغ في المنع وتقدم تفسير الايم في باب عرض الانسان ابنته وظاهر هذا الحديث أن الايم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر وهذا هو الاصل في الايم ومنه قولهم الغزو مأيمة أي يقتل الرجال فتصير النساء أيامي وقد تطلق على من لا زوج لها أصلا ونقله عياض عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما أنه يطلق على كل من لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا وحكى المارودي القولين لاهل اللغة وقد وقع في رواية الاوزاعي عن يحيى في هذا الحديث عند بن المنذر والدارمي والدارقطني لا تنكح الثيب ووقع عند بن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث الثيب تشاور قوله حتى تستأمر أصل الاستثمار طلب الامر فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الامر منها ويؤخذ من قوله تستأمر أنه لا يعقد الا بعد أن كأمر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها بل فيه اشعار باشتراطه قوله ولا تنكح البكر حتى تستأذن كذا وقع في هذه الرواية التفرقة بين الثيب والبكر فعبر للثيب بالاستثمار وللبكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستثمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الامر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه أمتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والاذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الامر فإنه صريح في القول وإنما جعل السكوت أذنا في
[ 158 ]
حق البكر لانها قد تستحي أن تفصح قوله قالوا يا رسول الله في رواية عمر بن أبي سلمة قلنا وحديث عائشة صريح في أنها هي السائلة عن ذلك قوله وكيف اذنها في حديث عائشة قلت أن البكر تستحي وستأتي ألفاظه الحديث الثاني (4844) قوله حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أي بن قرة الهلالي أبو حفص المصري وأصله كوفي سمع من مالك والليث ويحيى بن أيوب وغيرهم روى عنه القدماء مثل يحيى بن معين وإسحاق الكوسج وأبي عبيد وإبراهيم بن هانئ وهو من قدماء شيوخ البخاري ولم أر له عنه في الجامع الا هذا الحديث وقد وثقه العجلي والدارقطني ومات سنة تسع عشرة ومائتين قوله حدثنا الليث في رواية الكشميهني أنبأنا قوله عن أبي عمرو مولى عائشة في رواية بن جريج عن بن أبي مليكة عن ذكوان وسيأتي في ترك الحيل ويأتي في الاكراه من هذا الوجه بلفظ عن أبي عمرو هو ذكوان قوله أنها قالت يا رسول الله أن البكر تستحي هكذا أورده من طريق الليث مختصرا وقع في رواية بن جريج في ترك الحيل قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر تستأذن قلت فذكر مثله وفي الاكراه بلفظ قلت يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال نعم قلت فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت وفي رواية مسلم من هذا الوجه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال نعم تستأمر قلت فإنها تستحي قوله قال رضاها صمتها في رواية بن جريج قال سكاتها أذنها وفي لفظ له قال أذنها صماتها وفي رواية مسلم من طريق بن جريج أيضا قال فذلك أذنها إذا هي سكتت ودلت رواية البخاري على أن المراد بالجارية في رواية مسلم البكر دون الثيب وعند مسلم أيضا من حديث بن عباس والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها وفي لفظ له والبكر يستأذنها أبوها في نفسها قال بن المنذر يستحب أعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال بن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثا أن رضيت فاسكتي وأن كرهت فانطقي وقال بعضهم يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء فعند المالكية أن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج وعند الشافعية لا أثر لشئ من ذلك في المنع الا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه وفرق بعضهم بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وأن كان باردا دل على الرضا قال وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الاذن ومن يستوي سكوتها وسخطها ونقل بن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الاب والجد دون غيرهما لانها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار بالنسبة لجميع الاولياء واختلفوا في الاب يزوج البكر البالغ بغير أذنها فقال الاوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح وقال الآخرون يجوز للاب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استذان وهو قول بن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لانه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدل على أن ولي البكر أحق بها منها واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو أذنها قال فقيد ذلك باليتيمة فيحمل المطلق عليه وفيه نظر لحديث بن عباس الذي ذكرته بلفظ يستأذنها أبوها فنص على ذكر
[ 159 ]
الاب وأجاب الشافعي بان المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس ويؤيده حديث بن عمر رفعه وامروا النساء في بناتهن أخرجه أبو داود قال الشافعي لا خلاف أنه ليس للام أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الاب في حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها بن عيينة في حديثه وكان بن عمر والقاسم وسالم يزوجون الابكار لا يستأمرونهن قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة قلت وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الاب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله يدخل فيه الاب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستثمار هل هو شرط في صحة العقد أو مستحب على معنى اسطابة النفس كما قال الشافعي كل من الامرين محتمل وسيأتي مزيد بحث فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى واستدل به على أن الصغيرة الثيب لا اجبار عليها لعموم كونها أحق بنفسها من وليها وعلى أن من زالت بكارتها بوطئ ولو كان زنا لا اجبار عليها لاب ولا غيره لعموم قوله الثيب أحق بنفسها وقال أبو حنيفة هي كالبكر وخالفه حتى صاحباه واحتج له بان علة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء وهو باق في هذه لان المسألة مفروضة فيمن زالت بكارتها بوطئ لا فيمن اتخذت الزنا ديدنا وعادة وأجيب بان الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا بدليل أنه لو أوصى بعتق كل ثيب في ملكه دخلت إجماعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع لانها تستحي من ذكر وقوع الفجور منها وأما ثبوت الحياء من أصل النكاح فليست فيه كالبكر التي لم تجربه قط والله أعلم واستدل به لمن قال أن للثيب أن تتزوج بغير ولي ولكنها لا تزوج نفسها بل تجعل أمرها إلى رجل فيزوجها حكاه بن حزم عن داود وتعقبه بحديث عائشة أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وهو حديث صحيح كما تقدم وهو يبين أن معنى قوله أحق بنفسها من وليها أنه لا ينفذ عليها أمره بغير أذنها ولا يجبرها فإذا أرادت أن تتزوج لم يجر لها الا بإذن وليها واستدل به على أن البكر إذا أعلنت بالمنع لم يجز النكاح وإلى هذا أشار المصنف في الترجمة وأن أعلنت بالرضا فيجوز بطرق الاولى وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجوز أيضا وقوفا عند ظاهر قوله وأذنها أن تسكت قوله باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود هكذا أطلق فشمل البكر والثيب لكن حديث الباب مصرح فيه بالثيوبة فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه ورد النكاح إذا كانت ثيبا فزوجت بغير رضاها إجماع الا ما نقل عن الحسن أنه أجاز اجبار الاب للثيب ولو كرهت كما تقدم وعن النخعي أن كانت في عياله جاز وإلا رد واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها فقالت الحنفية أن إجازته جاز وعن المالكية أن اجازته عن قرب جاز ولا فلا ورده الباقون مطلقا (4845) قوله ومجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة قوله ابني يزيد بن جارية بالجيم أي بن عامر بن العطاف الانصاري الاوسي من بني عمرو بن عوف وهو بن أخي مجمع بن جارية الصحابي الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج له أصحاب السنن وقد وهم من زعم إنهما واحد ومنه قيل أن لمجمع بن يزيد صحبة وليس كذلك وإنما الصحبة لعمه مجمع بن جارية وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد وعبد الرحمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جزم به العسكري وغيره وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لامه قال بن سعد ولي القضاء لعمر بن عبد
[ 160 ]
العزيز يعني لما كان أمير المدينة ومات سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة ثمان ووثقه جماعة وما له في البخاري أيضا سوى هذا الحديث وقد وافق مالكا على إسناد هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم وأن اختلف الرواة عنهما في وصل هذا الحديث عن خنساء وفي إرساله حيث قال بعضهم عن عبد الرحمن ومجمع أن خنساء زوجت وكذا اختلفوا عنهما في نسب عبد الرحمن ومجمع فمنهم من اسقط يزيد وقال ابني جارية والصواب وصله وإثبات يزيد في نسبهما وقد أخرج طريق بن عيينة المصنف في ترك الحيل بصورة الارسال كما سيأتي وأخرجها أحمد عنه كذلك واوردها الطبراني من طريقه موصولة وأخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق معلى بن منصور عن مالك بصورة الارسال أيضا والاكثر وصلوه عنه وخالفهما معا سفيان الثوري في راو من السند فقال عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني من طريق بن المبارك عنه وهي رواية شاذة لكن يبعد أن يكون لعبد الرحمن بن القاسم فيه شيخان وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا لم أر من ترجم له ولم يذكر البخاري ولا بن أبي حاتم ولا بن حبان الا عبد الله بن وديعة بن خدام الذي روى عن سلمان الفارسي في غسل الجمعة وعنه المقبري وهو تابعي غير مشهور الا في هذا الحديث ووثقه الدارقطني وابن حبان وقد ذكره بن منده في الصحابة وخطأه أبو نعيم في ذلك وأظن شيخ عبد الرحمن بن القاسم بن أخيه وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا ممن اغفله المزي ومن تبعه فلم يذكروه في رجال الكتب الستة قوله عن خنساء بنت خدام بمعجمة ثم نون ثم مهملة وزن حمراء وابوها بكسر المعجمة وتخفيف المهملة قيل اسم أبيه وديعة والصحيح أن اسم أبيه خالد ووديعة اسم جده فيما أحسب وقع ذلك في رواية لاحمد من طريق محمد بن إسحاق عن الحجاج بن السائب مرسلا في هذه القصة ولكن قال في تسميتها خناس بتخفيف النون وزن فلان ووقع في رواية الدارقطني والطبراني وابن السكن خنساء ووصل الحديث عنها فقال عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عن جدته خنساء وخناس مشتق من خنساء كما يقال في زينب زناب وكنية خدام والد خنساء أبو وديعة كناه أبو نعيم وقد وقع ذلك عند عبد الرزاق من حديث بن عباس أن خداما أبا وديعة انكح ابنته رجلا الحديث ووقع عند المستغفري من طريق ربيعة بن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أن وديعة بن خدام زوج ابنته وهو وهم في اسمه ولعله كان أن خداما أبا وديعة فانقلب وقد ذكرت في كتاب الصحابة ما يدل على أن لوديعة بن خدام أيضا صحبة وله قصة مع عمر في ميراث سالم مولى أبي حذيفة ذكرها البخاري في تاريخه وقد اطلت في هذا الموضع لكن جر الكلام بعضه بعضا ولا يخلو من فائدة قوله أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ووقع في رواية الثوري المذكورة قالت انكحي أبي وأنا كارهه وأنا بكر والاول أرجح فقد ذكر الحديث الاسماعيلي من طريق شعبة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقال في روايته وأنا أريد أن أتزوج عم ولدي وكذا أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد أن رجلا من الانصار تزوج خنساء بنت خدام فقتل عنها يوم أحد فأنكحها أبوها رجلا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن أبي انكحني وأن عم ولدي أحب إلي فهذا يدل على أنها كانت ولدت من زوجها الاول واستفدنا من هذه الرواية نسبة زوجها الاول واسمه أنيس بن قتادة سماه الواقدي في روايته من وجه آخر عن خنساء ووقع في المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه استشهد ببدر ولم يذكر له مستندا وأما الثاني الذي كرهته فلم اقف على اسمه الا أن الواقدي ذكر بإسناد له أنه من بني مزينة ووقع في رواية بن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عنها
[ 161 ]
أنه من بني عمرو بن عوف وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء الخراساني عن بن عباس أن خداما أبا وديعة انكح ابنته رجلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تكرهوهن فنكحت بعد ذلك أبا لبابة وكانت ثيبا وروى الطبراني بإسناد آخر عن بن عباس فذكر نحو القصة قال فيه فنزعها من زوجها وكانت ثيبا فنكحت بعده أبا لبابة وروى عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال تأيمت خنسا فزوجها أبوها الحديث نحوه وفيه فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة وهذه أسانيد يقوي بعضها ببعض وكلها دالة على أنها كانت ثيبا نعم أخرج النسائي من طريق الاوزاعي عن عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وهذا سند ظاهره الصحة ولكن له علة أخرجه النسائي من وجه آخر عن الاوزاعي فأدخل بينه وبين عطاء إبراهيم بن مرة وفيه مقال وأرسله فلم يذكر في إسناده جابرا وأخرج النسائي أيضا وابن ماجة من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها ورجاله ثقات لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة أنه خطأ وأن الصواب إرساله وقد أخرجه الطبراني والدارقطني من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن بن عباس بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب انكحهما أبوهما وهما كارهتان قال الدارقطني تفرد به عبد الملك الدماري وفيه ضعف والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة مرسل وقال البيهقي أن ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء والله أعلم قلت وهذا الجواب هو المعتمد فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميما وأما الطعن في الحديث فلا معنى له فإن طرقه يقوي بعضها ببعض ولقصة خنساء بنت خدام طريق أخرى أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ولم يقل فيه بكرا ولا ثيبا قال الدارقطني رواه أبو عوانة عن عمر مرسلا لم يذكر أبا هريرة قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه ويزيد هو بن هارون ويحيى هو بن سعيد الانصاري قوله أن رجلا يدعي خداما أنكح ابنة له نحوه ساق أحمد لفظه عن يزيد بن هارون بهذا الاسناد أن رجلا منهم يدعي خداما انكح ابنته فكرهت نكاح أبيها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد عنها نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا وهذا يوافق ما تقدم وكذا أخرجه بن ماجة عن أبي بكر بن شيبة عن يزيد بن هارون وأخرجه الاسماعيلي من طرق عن يزيد كذلك وأخرجه الطبراني والاسماعيلي من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد نحوه وأخرجه الطبراني من طريق عيسى بن يونس عن يحيى كذلك وأخرجه أحمد عن أبي معاوية عن يحيى كذلك لكن اقتصر على ذكر مجمع بن يزيد والذي بلغ يحيى ذلك يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن القاسم فسيأتي في ترك الحيل من طريق بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة فأرسلت إلى شيخين من الانصار عبد الرحمن ومجمع ابني جارية قالا فلا تخشين فإن خنساء بنت خدام انكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال سفيان وأما عبد الرحمن بن القاسم فسمعته يقول عن أبيه خنساء انتهى وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن عن أبيه عن خنساء موصولا والمرأة التي من ولد جعفر هي أم جعفر بنت القاسم بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ووليها هو عم أبيها معاوية بن عبد الله بن جعفر أخرجه المستغفري من طريق يزيد بن الهاد عن ربيعة بإسناده أنها تأيمت من زوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير فأرسلت إلى القاسم بن محمد وإلى عبد الرحمن بن يزيد فقالت إني لا آمن معاوية أن
[ 162 ]
يضعني حيث لا يوافقني فقال لها عبد الرحمن ليس له ذلك ولو صنع ذلك لم يجز فذكر الحديث الا أنه لم يضبط اسم والد خنساء ولا سمي بنته كما قدمته وكنت ذكرت في المقدمة في تسمية المرأة من ولد جعفر ومن ذكر معها غير الذي هنا والمذكور هنا هو المعتمد وقد حصل من تحرير ذلك ما لا أظن أنه يزاد عليه فلله الحمد على جميع مننه قوله باب تزويج اليتمية لقول الله تعالى وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة وقد تقدم شرحه في التفسير وفه دلالة على تزويج الولي غير الاب التي دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا لان حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ ولا أب لها وقد إذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوي وقد احتج بعض الشافعية بحديث لا تنكح اليتمية حتى تستأمر قال فإن قيل الصغيرة لا تستأمر قلنا فيه إشارة إلى تأخير تزويجها حتى تبلغ فتصير أهلا للاستئمار فإن قيل لا تكون بعد البلوغ يتيمة قلنا التقدير لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر جمعا بين الادلة قوله وإذا قال للولي زوجني فلانة فمكث ساعة أو قال ما معك فقال معي كذا وكذا أو لبثا ثم قال زوجتكها فهو جائز فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث الواهبة وقد تقدم مرارا ويأتي شرحه قريبا ومراده منه أن التفريق بين الايجاب والقبول إذا كان في المجلس لا يضر ولا تخلل بينهما كلام آخر وفي أخذه من هذا الحديث نظر لانها واقعة عين بطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الايجاب (4846) قوله حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري وقال الليث حدثني عقيل عن بن شهاب تقدم طريق الليث موصولا في باب الاكفاء في المال وساق المتن هناك على لفظه وهنا على لفظ شعيب وقد أفرده بالذكر في كتاب الوصايا كما تقدم والله أعلم قوله باب إذا قال الخاطب زوجني فلانة فقال قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح وأن لم يقل للزوج ارضيت أو قبلت في رواية الكشميهني إذا قال الخاطب للولي وبه يتم الكلام وهو الفاعل في قوله وأن لم
[ 163 ]
يقل وأورد المصنف فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة أيضا وهذه الترجمة معقودة لمسألة هل يقوم الالتماس مقام القبول فيصير كما لو تقدم القبول على الايجاب كأن يقول تزوجت فلانة على كذا فيقول الولي زوجتكها بذلك أو لابد من إعادة القبول فباستنبط المصنف من قصة الواهبة أنه لم ينقل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم زوجتكها بم معك من القرآن أن الرجل قال قد قبلت لكن اعترضه المهلب فقال بساط الكلام في هذه القصة أغنى عن توقيف الخاطب على القبول لما تقدم من المراوضة والطلب والمعاودة في ذلك فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى وغايته أن يسلم الاستدلال لكن يخصه بخاطب دون خاطب وقد قدمت في الذي قبله وجه الخدش في أصل الاستدلال قوله في هذه الرواية فقال ما لي اليوم في النساء من حاجة فيه اشكال من جهة أن في حديث فصعد النظر إليها وصوبه فهذا دال على أنه كان يريد التزويج لو أعجبته فكان معنى الحديث ما لي في النساء إذا كن بهذه الصفة من حاجة ويحتمل أن يكون جواز النظر مطلقا من خصائصه وأن لم يرد التزويج وتكون فائدته احتمال أنها تعجبه فيتزوجها مع استغنائه حينئذ عن زيادة على من عنده من النساء صلى الله عليه وسلم قوله باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع كذا أورده بلفظ أو يدع وذكره في الباب عن أبي هريرة بلفظ أو يترك وأخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر بلفظ حتى يذر وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عبد الوارث عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ حتى ينكح أو يدع وإسناده صحيح (4848) قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض تقدم شرحه في البيوع والبحث في اختصاص ذلك بالمسلم وهذا اللفظ لا يعارض ذلك من جهة أن المخاطبين هم المسلمون قوله ولا يخطب بالجزم على النهي أي وقال لا يخطب ويجوز الرفع على أنه نفي وسياق ذلك بصيغة الخبر أبلغ في المنع ويجوز النصب عطفا على قوله يبيع على أن لا في قوله ولا يخطب زائدة ويؤيد الرفع قوله في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب برفع العين من يبيع والباء من يخطب وإثبات التحتانية في يبيع قوله أو يأذن له الخاطب أي حتى يأذن الاول للثاني قوله في حديث أبي هريرة (4849) الليث عن جعفر بن ربيعة لليث فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من طريقه عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر في قصة الخطبة فقط وسأذكر لفظه قوله قال قال أبو هريرة أثر بفتح أوله وضم المثلثة تقول أثرت الحديث أثره بالمد أثرا بفتح أوله ثم سكون إذا ذكرته عن غيرك ووقع عند النسائي من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره مختصرا قوله إياكم والظن الخ يأتي من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الادب مع شرحه وقد أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن
[ 164 ]
ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فزاد في المتن زيادات ذكرها البخاري مفرقة لكن من غير هذا الوجه قال الجمهور هذا النهي للتحريم وقال الخطابي هذا النهي للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء كذا قال ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالاجماع ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية والحنابلة محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون أذنها معتبرا بالاجابة فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة لان الاصل الاباحة وعند الحنابلة في ذلك روايتان وأن وقعت الاجابة بالتعريض كقولها لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية الاصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضا وإذا لم ترد ولم تقبل فيجوز والحجة فيه قول فاطمة خطبني معاوية وأبو جهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما بل خطبها لاسامة وأشار النووي وغيره إلى أنه لا حجة فيه لاحتمال أن يكونا خطبا معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الاول والنبي صلى الله عليه وسلم أشار باسامة ولم يخطب وعلى تقدير أن يكون خطب فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية وأبي جهم ظهر منها الرغبة عنهما فخطبها لاسامة وحكى الترمذي عن الشافعي أن معنى حديث الباب إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لاحد أن يخطب على خطبته فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها فلا بأس أن يخطبها والحجة فيه قصة فاطمة بنت قيس فإنها لم تخبره برضاها بواحد منهما ولو أخبرته بذلك لم يشر عليها بغير من اختارت فلو لم توجد منها إجابة ولا رد فقطع بعض الشافعية بالجواز ومنهم من أجرة القولين ونص الشافعي في البكر على أن سكوتها رضا بالخاطب وعن بعض المالكية لا تمنع الخطبة الا على خطبة من وقع بينهما التراضي على الصداق وإذا وجدت شروط التحريم ووقع العقد للثاني فقال الجمهور يصح مع ارتكاب التحريم وقال داود يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده وعند المالكية خلاف كالقولين وقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة والخطبة ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة وحكى الطبري أن بعض العلماء قال أن هذا النهي منسوخ بقصة فاطمة بنت قيس ثم رده وغلطه بأنها جاءت مستشيرة فأشير عليها بما هو الاولى ولم يكن هناك خطبة على خطبة كما تقدم ثم أن دعوى النسخ في مثل هذا غلط لان الشارع أشار إلى علة النهي في حديث عقبة بن عامر بالاخوة وهي صفة لازمة وعلة مطلوبة للدوام فلا يصح أن يلحقها النسخ والله أعلم واستدل به على أن الخاطب الاول إذا إذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له أو يتعدى لغيره لان مجرد الاذن الصادر من الخاطب الاول دال على اعراضه عن تزويج تلك المرأة وباعراضه يجوز لغيره أن يخطبها الظاهر الثاني فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالالحاق ويؤيده قوله في الحديث الثاني من الباب أو يترك وصرح الروياني من الشافعية بان محل التحريم إذا كانت الخطبة من الاول جائزة فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح لان الاول لم يثبت له بذلك حق واستدل بقوله على خطبة أخيه أن محل التحريم إذا كان الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا وهو قول الاوزاعي ووافقه من الشافعية بن المنذر وابن جويرية والخطابي ويؤيده قوله في أول حديث عقبة بن عامر عند مسلم المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر وقال الخطابي قطع الله الاخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهي بالمسلم وقال بن المنذر الاصل في هذا الاباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الاباحة وذهب الجمهور إلى الحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له وهو كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم وكقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم ونحو ذلك وبناه بعضهم على أن هذا المنهي عنه هل هو من حقوق العقد واحترامه أو من حقوق المتعاقدين فعلى الاول فالراجح ما قال الخطابي وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره وقريب من هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له ومن جعلها من حقوق
[ 165 ]
المالك منع وقريب من هذا البحث ما نقل عن بن القاسم صاحب مالك أن الخاطب الاول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته ورجحه بن العربي منهم وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كلا خطبة ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول وقد أطلق بعضهم الاجماع على خلاف هذا القول ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الاول أهلا في العادة لخطبة تلك المرأة كما لو خطب سوقي بنت ملك وهذا يرجع إلى التكافؤ واستدل به على تحريم خطبة المرأة على خطبة امرأة أخرى الحاقا لحكم النساء بحكم الرجال وصورته أن ترغب أمرة في رجل وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها كما تقدم فتجئ امرأة أخرى فتدعوه وترغبه في نفسها وتزهده في التي قبلها وقد صرحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال ولا يخفى أن محل هذا إذا كان المخطوب عزم أن لا يتزوج الا بواحدة فأما إذا جمع بينهما فلا تحريم وسيأتي بعد ستة أبواب في باب الشروط التي لا تحل في النكاح مزيد بحث في هذا قوله حتى ينكح أي حتى يتزوج الخاطب الاول فيحصل اليأس المحض وقوله أو يترك أي الخاطب الاول التزويج فيجوز حينئذ للثاني الخطبة فالغايتان مختلفتان الاولى ترجع إلى اليأس والثانية ترجع إلى الرجاء ونظير الاولى قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط قوله باب تفسير ترك الخطبة ذكر فيه طرفا من حديث عمر حين تأيمت حفصة وفي آخره قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولو تركها لقبلتها وقد تقدم شرحه مستوفي قبل أبواب قال بن بطال ما ملخصه تقدم في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحا في قوله حتى ينكحا ويترك وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لان عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة قال ولكنه قصد معنى دقيقا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على أما أنعم الله عليه به من ذلك فقام علم أبي بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكأنه يقول كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لاحد أن يخطب على خطبته وقال بن المنير الذي يظهر لي أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقا لان أبا بكر أمتنع ولم يكن انبرم الامر بين الخاطب والولي فكيف لو انبرم وتراكنا فكأنه استدلال منه بالاولى قلت وما ابداه بن بطال أدق واولى والله أعلم (4850) قوله تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري أي بإسناده أما متابعة يونس وهو بن يزيد فوصلها الدارقطني في العلل من طريق أصبغ عن بن وهب عنه وأما متابعة الآخرين فوصلها الذهلي في الزهريات من طريق سليمان بن بلال عنهما وقد تقدم لم نصنف هذا الحديث من رواية معمر من رواية صالح بن كيسان أيضا عن الزهري أيضا قوله باب الخطبة بضم أوله أي عند العقد ذكر فيه حديث بن عمر جاء رجلان من المشرق فخطبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن من البيان لسحرا وفي رواية الكشميهني سحرا بغير لام وهو
[ 166 ]
طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه قال بن التين ادخل هذا الحديث في كتاب النكاح وليس هو موضعه قال والبيان نوعان الاول ما يبين به المراد والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين والثاني هو الذي يشبه بالسحر والمذموم منه ما يقصد به الباطل وشبهه بالسحر لان السحر صرف الشئ عن حقيقته قلت فمن هنا تؤخذ المناسبة ويعرف أنه ذكره في موضعه وكأنه أشار إلى أن الخطبة وأن كانت مشروعه في النكاح فينبغي أن تكون مقتصدة ولا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام والعرب تطلق لفظ السحر على الصرف تقول ما سحرك عن كذا أي ما صرفك عنه أخرجه أبو داود من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رفعه أن من البيان سحرا قال فقال صعصعة بن صوحان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس ببيانة فيذهب بالحق وقال المهلب وجه إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة أن الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وإنما كان كذلك لان النفوس طبعت على الانفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن التوصل لرفع تلك الانفة وجها من وجوه السحر الذي يصرف الشئ إلى غيره وورد في تفسير خطبة النكاح أحاديث من اشهرها ما أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان عن بن مسعود مرفوعا أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره الحديث ز قال الترمذي حسن رواه الاعمش عن أبي إسحاق عن أبي الاحوص عن بن مسعود وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال فكلا الحديثي صحيح لان إسرائيل رواه عن أبي إسحاق فجمعهما قال وقد قال أهل العلم أن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم اه وقد شرطه في النكاح بعض أهل الظاهر وهو شاذ قوله باب ضرب الدف في النكاح والوليمة يجوز في الدف ضم الدال وفتحها وقوله والوليمة معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك والاول أشبه وكأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرقه على ما سأبينه (4852) صلى الله عليه وسلم قوله حدثنا خالد بن ذكوان هو المدني يكنى أبا الحسن وهو من صغار التابعين قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على في رواية الكشميهني فدخل علي ووقع عند بن ماجة في أوله قصة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الحسين واسمه خالد المدني قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين فدخلنا على الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل علي الحديث هكذا أخرجه من طريق يزيد بن هارون عنه أخرجه الطبراني من طريق عن حماد بن سلمة فقال عن أبي جعفر الخطمي بدل أبي الحسين قوله حين بني علي في رواية حماد بن سلمة صبيحة عرسي والبناء الدخول بالزوجة وبين بن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي وإنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة قوله كمجلسك بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر للحاجة أو عند الامن من الفتنة اه والاخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالادلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالاجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجيه وجوز الكرماني أن تكون الرواية مجلسك بفتح اللام أي جلوسك ولا اشكال فيها قوله فجعلت جويريات لنا لم اقف على اسمهن ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ جاريتان
[ 167 ]
تغنيان فيحتمل أن تكون الثنتان هما المغنيتان ومعهما من يتبعهما أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء وسيأتي في باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها زيادة في هذا قوله يوندبن من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها قوله من قتل من ابائي يوم بدر تقدم بيان ذلك في المغازي وأن الذي قتل من ابائها إنما قتل بأحد واباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف واحدهم أبوها والاخران عماها أطلقت الابوة عليهما تغليبا قوله فقال دعي هذه أي اركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الاطراء المنهي عنه زاد في رواية حماد بن سلمة لا يعلم ما في غد الا الله فأشار إلى علة المنع قوله وقولي بالذي كنت تقولين فيه إشارة إلى جواز سماع المدح والمرئية مما ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو وأخرج الطبراني في الاوسط بإسناد حسن من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الانصار في عرس لهن وهن يغنين وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد وزوجك في البادي وتعلم ما في غد قال لا يعلم ما في غد الا الله قال المهلب في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفيه إقبال الامام إلى العرس وأن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وفيه جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه وأغرب بن التين فقال إنما نهاها لان مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو فلما أدخلت الجد في اللهو منعها كذا قال وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه وسياق القصة يشعر بأنهما لو استمرتا على المرائي لم ينههما وغالب حسن المرائي جد لا لهو وإنما أنكر عليها ما ذكر من الاطراء حيث أطلق علم الغيب له وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال تعالى قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله وقوله لنبيه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضر إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إياه لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وسيأتي مزيد بحث في مسألة الغناء في العرس بعد اثني عشر بابا قوله باب قول الله تعالى واتو النساء صدقاتهن نحلة وكثرة المهر وادنى ما يجوز من الصداق وقوله تعالى واتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا وقوله جل ذكره أو تفرضوا لهن فريضة هذه الترجمة معقودة لان المهر لا يتقدر أقله والمخالف في ذلك المالكية والحنفية ووجه الاستدلال مما ذكره الاطلاق من قوله صدقاتهن ومن قوله فريضة وقوله في حديث سهل ولو خاتما من حديد وأما قوله وكثرة المهر فهو بالجر عطف على قول الله في الآية التي تلاها وهو قوله واتيتم إحداهن قنطارا فيه إشارة إلى جواز كثرة المهر وقد استدلت بذلك المرأة التي نازعت عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك وهو ما أخرجه عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال قال عمر لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر أن الله يقول واتيتم إحداهن قنطارا من ذهب قال وكذلك هي في قراءة بن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر فذكره متصلا مطولا وأصل قول عمر لا تغالوا في صدقات النساء عند أصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم لكن ليس فيه قصة المرأة ومحصل الاختلاف أنه أقل ما يتمول وقيل أقله ما يجب فيه القطع وقيل أربعون وقيل خمسون وأقل ما يجب فيه القطع مختلف فيه فقيل ثلاثة دراهم وقيل خمسة وقيل عشرة قوله وقال سهل قال النبي
[ 168 ]
صلى الله عليه وسلم ولو خاتما من حديد هذا طرف من حديث الواهبة وسيأتي شرحه مستوفى بعد هذا ويأتي مزيد في هذه المسألة بعد قليل أيضا ثم ذكر حديث أنس في قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف وفيه (4853) قوله تزوجت امرأه على وزن هو نواة وسيأتي شرحه مستوفي في باب الوليمة ولو بشاة بعد بضعة عشر بابا قوله وعن قتادة عن أنس هو معطوف على قوله عن عبد العزيز بن صهيب وهو من رواية شعبة عنهما فبين أن عبد العزيز بن صهيب أطلق عن أنس النواة وقتادة زاد انها من ذهب ويحتمل أن يكون قوله وعن قتادة معلقا وقد أخرج الاسماعيلي الحديث عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب بطريق عبد العزيز فقط وأخرج طريق قتادة من رواية علي بن الجعد وعاصم بن علي كلاهما عن شعبة وكذا صنع أبو نعيم أخرج من رواية سليمان طريق عبد العزيز وحده وأخرج طريق قتادة من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة والله أعلم قوله باب التزويج على القرآن وبغير صداق أي على تعليم القرآن وبغير صداق مالي عيني ويحتمل غير ذلك كما سيأتي البحث فيه قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وقد ذكره المصنف من رواية سفيان الثوري بعد هذا لكن باختصار وأخرجه بن ماجة من روايته أتم منه والاسماعيلي أتم من بن ماجة والطبراني مقرونا برواية معمر وأخرج رواية بن عيينة أيضا مسلم والنسائي وهذا الحديث مداره على أبي حازم سلمة بن دينار المدني وهو من صغار التابعين حدث به كبار الائمة عنه مثل مالك وقد تقدمت روايته في الوكالة وقبل أبواب هنا ويأتي في التوحيد وأخرجه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي والثوري كما ذكرته وحماد بن زيد وروايته في فضائل القرآن وتقدمت قبل أبواب هنا أيضا وأخرجها مسلم وفضيل بن سليمان ومحمد بن مطرف أبي غسان وقد تقدمت روايتهما قريبا في النكاح لم يخرجهما مسلم ويعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني وعبد العزيز بن أبي حازم وروايتهما في النكاح أيضا ويعقوب أيضا في فضائل القرآن وعبد العزيز يأتي في اللباس وأخرجها مسلم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وزائدة بن قدامة وروايتهما عند مسلم ومعمر وروايته عند أحمد والطبراني وهشام بن سعد وروايته في صحيح أبي عوانة والطبراني ومبشر بن مبشر وروايته عند الطبراني وعبد الملك بن جريج وروايته عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وقد روى طرفا منه سعيد بن المسيب عن سهل بن سعد أخرجه الطبراني وجاءت القصة أيضا من حديث أبي هريرة عند أبي داود باختصار والنسائي مطولا وابن مسعود عند الدارقطني ومن حديث بن عباس عند أبي عمر بن حيوة في فوائده وضميره جد حسين بن عبد الله عند الطبراني وجاءت مختصرة من حديث أنس كما تقدم قبل أبواب وعند الترمذي طرف منه آخر ومن حديث أبي إمامة عند تمام في فوائده ومن حديث جابر وابن عباس عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وسأذكر ما في هذه الروايات من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى (4854) قوله عن سهل بن سعد في رواية بن جريج حدثني أبو حازم أن سهل بن سعد أخبره قوله أني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة في رواية فضيل بن سليمان كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا فجاءته امرأة
[ 169 ]
وفي رواية هشام بن سعد بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأة وكذا في معظم الروايات أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن رد رواية سفيان إليها بأن يكون معنى قوله قامت وقفت والمراد أنها جاءت إلى أن وقفت عندهم لا أنها كانت جالسة في المجلس فقامت وفي رواية سفيان الثوري عند الاسماعيلي جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه القصة وهذه المرأة لم اقف على اسمها ووقع في الاحكام لابن القصاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وقد تقدم بيان اسمها في تفسير الاحزاب وما يدل على تعدد الواهبة قوله فقالت يا رسول الله أنها قد وهبت نفسها لك كذا فيه على طريق الالتفات وكذا في رواية حماد بن زيد لكن قال أنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله وكان السياق يقتضي أن تقول إني قد وهبت نفسي لك وبهذا اللفظ وقع في رواية مالك وكذا في رواية زائدة عند الطبراني وفي رواية يعقوب وكذا الثوري عند الاسماعيلي فقالت يا رسول الله جئت اهب نفسي لك وفي رواية فضيل بن سليمان فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه وفي كل هذه الرويات حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلا فالحقيقة غير مرادة لان رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت اتزوجك من غير عوض قوله فر فيها رأيك كذا للاكثر براء واحدة مفتوحة بعدها فاء التعقيب وهي فعل أمر من الرأي ولبعضهم بهمزة ساكنة بعد الراء وكل صواب ووقع بإثبات الهمزة في حديث بن مسعود أيضا قوله فلم يجبها شيئا في رواية معمر والثوري وزائدة فصمت وفي رواية يعقوب وابن أبي حازم وهشام بن سعد فنظر إليها فصعد النظر إليها وصوبه وهو بتشديد العين من صعد والواو من صوب والمراد أنه نظر أعلاها واسفلها والتشديد أما للمبالغة في التأمل وأما للتكرير وبالثاني جزم القرطبي في المفهم قال أي نظر أعلاها وأسفلها مرارا ووقع في رواية فضيل بن سليمان فخفض فيها البصر ورفعه وهما بالتشديد أيضا ووقع في رواية الكشميهني من هذا الوجه النظر بدل البصر وقال في هذه الرواية ثم طأطأ رأسه وهو بمعنى قوله نصمت وقال في رواية فضيل بن سليمان فلم يردها وقد قدمت ضبط هذه اللفظة في باب إذا كان الولي هو الخاطب قوله ثم قامت فقالت وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني وسياق لفظها كالاول وعندهما أيضا ثم قامت الثالثة وسياقها كذلك وفي رواية معمر والثوري معا عند الطبراني فصمت ثم عرضت نفسها عليه فصمت فلقد رأيتها قائمة مليا تعرض نفسها عليه وهو صامت وفي رواية مالك فقامت طويلا ومثله الثوري عنه وهو نعت مصدر محذوف أي قياما طويلا أو لظرف محذوف أي زمانا طويلا وفي رواية مبشر فقامت حتى رأينا لها من طول القيام زاد في رواية يعقوب وابن أي حازم فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ووقع في رواية حماد بن زيد أنها وهبت نفسها لله ولرسوله فقال ما لي في النساء حاجة ويجمع بينها وبين ما تقدم أنه قال ذلك في آخر الحال فكأنه صمت أولا لتفهم أنه لم يردها فلما اعادت الطلب أفصح لها بالواقع ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه فقال لها اجلسي فجلست ساعة ثم قامت فقال اجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك فيؤخذ منه وقور أدب المرأة مع شدة رغبتها لانها لم تبالغ في الالحاح في الطلب وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج وسكوته صلى الله عليه وسلم أما حياء من مواجهتها بالرد وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء جدا كما تقدم في صفته أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها وأما انتظارا للوحي وأما تفكرا في جواب يناسب المقام قوله فقام رجل في رواية فضيل بن سليمان من أصحابه ولم اقف على اسمه لكن وقع في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه من الانصار وفي رواية زائدة عنده فقال رجل من الانصار ووقع في حديث بن مسعود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
[ 170 ]
ينكح هذه فقام رجل قوله فقال يا رسول الله انكحنيها في رواية مالك زوجنيها أن لم يكن لك بها حاجة ونحوه ليعقوب وابن أبي حازم ومعمر والثوري وزائدة ولا يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد لا حاجة لي لجواز أن تتجدد الرغبة فيها بعد أن لم تكن قوله قال هل عندك من شئ زاد في رواية مالك تصدقها وفي حديث بن مسعود الك مال ق وله قال لا في رواية يعقوب وابن أبي حازم قال لا والله يا رسول الله زاد في رواية هشام بن سعد قال فلا بد لها من شئ وفي رواية الثوري عند الاسماعيلي عندك شئ قال لا قال أنه لا يصلح ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي بعد قوله لا حاجة لي ولكن تملكيني أمرك قالت نعم فنظر في وجوه القوم فدعا رجلا فقال إني أريد أن ازوجك هذا أن رضيت قالت ما رضيت لي فقد رضيت وهذا أن كانت القصة متحدة يحتمل أن يكون وقع نظره في وجوه القوم بعد أن سأله الرجل أن يزوجها له فاسترضاها أولا ثم تكلم معه في الصداق وأن كانت القصة متعددة فلا اشكال ووقع في حديث بن عباس في فوائد أبي عمر بن حيوة أن رجلا قال أن هذه امرأة رضيت بي فزوجها مني قال فما مهرها قال ما عندي شئ قال امهرها ما قل أو كثر قال والذي بعثك بالحق ما أملك شيئا وهذه الاظهر فيها التعدد قوله قال أذهب فاطلب ولو خاتما من حديد في رواية يعقوب وابن أبي حازم وابن جريج أذهب إلى أهلك فأنظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد وكذا وقع في رواية مالك ثم ذهب يطلب مرتين لكن باختصار وفي رواية هشام بن سعد فذهب فالتمس فلم يجد شيئا فرجع فقال لم أجد شيئا فقال له أذهب فالتمس وقال فيه فقال ولا خاتم من حديد لم أجده ثم جلس ووقع في خاتم النصب على المفعولية لالتمس والرفع على تقدير ما حصل لي ولا خاتم ولو في قوله ولو خاتما تقليلية قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في حديث أبي هريرة قال قم إلى النساء فقام إليهن فلم يجد عندهن شيئا والمراد بالنساء أهل الرجل كما دلت عليه رواية يعقوب قوله قال هل معك من القرآن شئ كذا وقع في رواية سفيان بن عيينة باختصار ذكر الازار وثبت ذكره في رواية مالك وجماعة منهم من قدم ذكره على الامر بالتماس الشئ أو الخاتم ومنهم من آخره ففي رواية مالك قال هل عندك من شئ تصدقها إياه قال ما عندي الا إزاري هذا فقال إزارك أن أعطيتها جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ويجوز في قوله إزارك الرفع على الابتداء والجملة الشرطية الخبر والمعفول الثاني محذوف تقديره إياه وثبت كذلك في رواية ويجوز النصب على أنه مفعول ثان لاعطيتها والازار يذكر ويؤنث وقد جاء هنا مذكرا ووقع في رواية يعقوب وابن أبي حازم بعد قوله أذهب إلى أهلك إلى أن قال ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل أي بن سعد الراوي ما له رداء فلها نصفه قال ما تصنع بازارك أن لبسته الحديث ووقع للقرطبي في هذه الرواية وهم فإنه ظن أن قوله فلها نصفه من كلام سهل بن سعد فشرحه بما نصه وقول سهل ما له رداء فلها نصفه ظاهره لو كان له رداء لشركها النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهذا بعيد إذ ليس في كلام النبي ولا الرجل ما يدل على شئ من ذلك قال ويمكن أن يقال أن مراد سهل أنه لو كان عليه رداء مضاف إلى الازار لكان للمرأة نصف ما عليه الذي هو أما الرداء وأما الازار لتعليله المنع بقوله أن لبسته لم يكن عليك منه شئ فكأنه قال لو كان عليك ثوب تنفرد أنت بلبسه وثوب آخر تأخذه هي تنفرد بلبسه لكان لها أخذه فأما إذا لم يكن ذلك فلا انتهى وقد أخذ كلامه هذا بعض المتأخرين فذكره ملخصا وهو كلام صحيح لكنه مبني على الفهم الذي دخله الوهم والذي قال فلها نصفه هو الرجل صاحب القصة وكلام سهل أنما هو قوله ما له رداء فقط وهي جملة معترضة وتقدير الكلام ولكن هذا إزاري
[ 171 ]
فلها نصفه وقد جاء ذلك صريحا في رواية أبي غسان محمد بن مطرف ولفظه ولكن هذا إزاري ولها نصفه قال سهل وما له رداء ووقع في رواية الثوري عند الاسماعيلي فقام رجل عليه إزار وليس عليه رداء ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أن لبسته الخ أي أن لبسته كاملا وإلا فمن المعلوم من ضيق حالهم وقلة الثياب عندهم أنها لو لبسته بعد أن تشقه لم يسترها ويحتمل أن يكون المراد بالنفي نفي الكمال لان العرب قد تنفي جملة الشئ إذا انتفى كماله والمعنى لو شققته بينكما نصفي لم يحصل كمال سترك بالنصف إذا لبسته ولا هي وفي رواية معمر عند الطبراني ما وجدت والله شيئا غير ثوبي هذا اشقه بيني وبينها قال ما في ثوبك فضل عنك وفي رواية فضيل بن سليمان ولكني أشق بردتي هذه فأعطيها النصف وأخذ النصف وفي رواية الدراوردي قال ما أملك الا إزاري هذا قال أرأيت أن لبسته فأي شئ تلبس وفي رواية مبشر هذه الشملة التي علي ليس عندي غيرها وفي رواية هشام بن سعد ما عليه الا ثوب واحد عاقد طرفيه على عنقه وفي حديث بن عباس وجابر والله ما لي ثوب الا هذا الذي علي وكل هذا مما يرجح الاحتمال الاول والله أعلم ووقع في رواية حماد بن زيد فقال أعطها ثوبا قال لا أجد قال أعطها ولو خاتما من حديد فاعتل له ومعنى قوله فاعتل له أي اعتذر بعدم وجدانه كما دلت عليه رواية غيره ووقع في رواية أبي غسان قبل قوله هل معك من القرآن شئ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعي له وفي رواية الثوري عند الاسماعيلي فقام طويلا ثم ولي فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب مثله لكن قال فرآه النبي صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعا له فلما جاء قال ماذا معك من القرآن ويحتمل أن يكون هذا بعد قوله كما في رواية مالك هل معك من القرآن شئ فاستفهمه حينئذ عن كميته ووقع الامران في رواية معمر قال فهل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم قال ماذا قال سورة كذا وعرف بهذا المراد بالمعية وأن معناها الحفظ عن ظهر قلبه وقد تقدم تقرير ذلك في فضائل القرآن وبيان من زاد فيه اتقرؤهن عن ظهر قلبك وكذا وقع في رواية الثوري عند الاسماعيلي قال معي سورة كذا ومعي سورة كذا قال عن ظهر قلبك قال نعم قوله سورة كذا وسورة كذا زاد مالك تسميتها وفي رواية يعقوب وابن أبي حازم عدهن وفي رواية أبي غسان لسور يعددها وفي رواية سعيد بن المسيب عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة على سورتين من القرآن يعلمها اياهما ووقع في حديث أبي هريرة قال ما تحفظ من القرآن قال سورة البقرة أو التي تليها كذا في كتابي أبي داود والنسائي بلفظ أو وزعم بعض من لقيناه أنه عند أبي داود بالواو وعند النسائي بلفظ أو ووقع في حديث بن مسعود قال نعم سورة البقرة وسورة المفصل وفي حديث ضميرة أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شئ وفي حديث أبي أمامة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرها وأدخلها عليه وقال علمها وفي حديث أبي هريرة المذكور فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وفي حديث بن عباس ازوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب الله وفي مرسل أبي النعمان الازدي عند سعيد بن منصور زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وفي حديث بن عباس وجابر هل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم أنا أعطيناك الكوثر قال اصدقها إياها ويجمع بين هذه الالفاظ بان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة قوله أذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن في رواية زائدة مثله لكن قال في آخره فعلمها من القرآن وفي رواية مالك قال له قد زوجتكها بما معك من القرآ ومثله في رواية الدراوردي عند إسحاق بن راهويه وكذا في رواية فضيل بن سليمان ومبشر وفي رواية الثوري عند بن ماجة قد زوجتكها على ما معك من القرآن ومثله في رواية هشام بن سعد وفي رواية الثوري عند الاسماعيل أنكحتكها بما معك من القرآن وفي رواية الثوري ومعمر عند الطبراني قد ملكتكها بما معك من القرآن وكذا في رواية يعقوب وابن أبي حازم وابن جريج وحماد بن زيد في إحدى الروايتين عنه وفي رواية معمر عند أحمد قد املكتكها والباقي
[ 172 ]
مثله وقال في أخرى فرأيته يمضي وهي تتبعه وفي رواية أبي غسان امكناكها والباقي مثله وفي حديث أبي مسعود قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضتها فتزوجها الرجل على ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد أشياء غير ما ترجم به الخباري في كتاب الوكالة وفضائل القرآن وعدة تراجم في كتاب النكاح وقد بينت في كل واحد توجيه الترجمة ومطابقتها للحديث ووجه الاستنباط منها وترجم عليه أيضا في كتاب اللباس والتوحيد كما سيأتي تقريره وفيه أيضا أن لا حد لاقل المهر قال بن المنذر فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم وكذا من قال ربع دينار قال لان خاتما من حديد لا يساوي ذلك وقال المازري تعلق به من أجاز النكاح بأقل من ربع دينار لانه خرج مخرج التعليل ولكن مالك قاسه على القطع في السرقة قال عياض تفرد بهذا مالك عن الحجازيين لكن مستنده الالتفات إلى قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم وبقوله ومن لم يستطع منكم طولا فإنه يدل على أن المراد ماله بال من المال واقله ما استبيح به قطع العضو المحترم قال وأجازه الكافة بما تراضي عليه الزوجان أو من العقد إليه بما فيه منفعة كالسوط والنعل أن كانت قيمته أقل من درهم وبه قال يحيى بن سعيد الانصاري وأبو الزناد وربيعة وابن أبي ذئب وغيرهم من أهل المدينة غير مالك ومن تبعه وابن جريج ومسلم بن خالد وغيرهما من أهل مكة والاوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر والثوري وابن أبي ليلى وغيرهما من العراقيين غير أبي حنيفة ومن تبعه والشافعي وداود وفقهاء أصحاب الحديث وابن وهب من المالكية وقال أبو حنيفة أقله عشرة وابن شبرمة أقله خمسة ومالك أقله ثلاثة أو ربع دينار بناء على اختلافهم في مقدار ما يجب فيه القطع وقد قال الدراوردي لمالك لما سمعه يذكر هذه المسألة تعرفت يا أبا عبد الله أي سلكت سبيل أهل العراق في قياسهم مقدار الصداق على مقدار نصاب السرقة وقال القرطبي استدل من قاسه بنصاب السرقة بأنه عضو ادمي محترم فلا يستباح بأقل من كذا قياسا على يد السارق وتعقبه الجمهور بأنه قياس في مقابل النص فلا يصح وبأن اليد تقطع وتبين ولا كذلك الفرج وبأن القدر المسروق يجب على السارق رده مع القطع ولا كذلك الصداق وقد ضعف جماعة من المالكية أيضا هذا القياس فقال أبو الحسن اللخمي قياس قدر الصداق بنصاب السرقة ليس بالبين لان اليد إنما قطعت في ربع دينار نكالا للمعصية والنكاح مستباح بوجه جائز ونحوه لابي عبد الله بن الفخار منهم نعم قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا يدل على أن صداق الحرة لا بد وأن يكون ما ينطلق عليه اسم مال له قدر ليحصل الفرق بينه وبين مهر الامة وأما قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم فإنه يدل على اشتراط ما يسمى مالا في الجملة قل أو كثر وقد حده بعض المالكية بما تجب فيه الزكاة وهو أقوى من قياسه على نصاب السرقة وأقوى من ذلك رده إلى المتعارف وقال بن العربي وزن الخاتم من الحديد لا يساوي ربع دينار وهو مما لا جواب عنه ولا عذر فيه لكن المحققين من أصحابنا نظروا إلى قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا فمنع الله القادر على الطول من نكاح الامة فلو كان الطول درهما ما تعذر على أحد ثم تعقبه بأن ثلاثة دراهم كذلك يعني فلا حجة فيه للتحديد ولا سيما مع الاختلاف في المراد بالطول وفيه أن الهبة في النكاح خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لقول الرجل زوجنيها ولم يقل هبها لي ولقولها هي وهبت نفسي لك وسكت صلى الله عليه وسلم على ذلك فدل على جوازه له خاصة مع قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين وفيه جواز انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة دون غيره من الامة على أحد الوجهين للشافعية والآخر لا بد من لفظ النكاح أو التزويج وسيأتي البحث فيه وفيه أن الامام يزوج من ليس لها ولي خاص لمن يراه كفؤا لها ولكن لا بد من رضاها بذلك وقال الداودي ليس في الخبر أنه استأذنها ولا أنها وكلته وإنما هو من قوله تعالى النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم يعني فيكون خاصا به صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء من النساء بغير استئذانها لمن شاء وبنحوه قال بن أبي زيد وأجاب بن بطال بأنها لما قالت له وهبت نفسي لك كان كالاذن منها في تزويجها لمن أراد لانها لا تملك حقيقة فيصير المعني جعلت لك أن تتصرف في تزويجي اه ولو راجعا حديث أبي هريرة لما احتاجا إلى هذا التكلف فإن فيه كما قدمته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمرأة إني أريد أن ازوجك هذا أن رضيت فقالت ما رضيت
[ 173 ]
لي فقد رضيت وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لارادة تزويجها وأن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها لانه صلى الله عليه وسلم صعد فيها النظر وصوبه وفي الصيغة ما يدل على المبالغة في ذلك ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة ثم قال لا حاجة لي في النساء ولو لم يقصد انه إذا رأى منها ما يعجبه أنه يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الاجنبيات بخلاف غيره وسلك بن العربي في الجواب مسلكا آخر فقال يحتمل أن ذلك قبل الحجاب أو بعده لكنها كانت متلففة وسياق الحديث يبعد ما قال وفيه أن الهبة لا تتم الا بالقبول لانها لما قالت وهبت نفسي لك ولم يقل قبلت لم يتم مقصودها ولو قبلها لصارت زوجا له ولذلك لم ينكر على القائل زوجنيها وفيه جواز الخطبة على خطبة من خطب إذا لم يقع بينهما كون ولا سيما إذا لاحت مخايل الرد قاله أبو الوليد الباجي وتعقبه عياض وغيره بأنه لم يتقدم عليها خطبة لاحد ولا ميل بل هي إرادت أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها مجانا مبالغة منها في تحصيل مقصودها فلم يقبل ولما قال ليس لي حاجة في النساء عرف الرجل أنه لم يقبلها فقال زوجنيها ثم بالغ في الاحتراز فقال أن لم يكن لك بها حاجة وإنما قال ذلك بعد تصريحه بنفي الحاجة لاحتمال أن يبدو له بعد ذلك ما يدعوه إلى اجابتها فكان ذلك دالا على وفور فطنة الصحابي المذكور وحسن أدبه ويحتمل أن يكون الباجي أشار إلى أن الحكم الذي ذكره يستنبط من هذه القصة لان الصحابي لو فهم أن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها رغبة لم يطلبها فكذلك من فهم أن له رغبة في تزويج امرأة لا يصلح لغيره أن يزاحمه فيها حتى يظهر عدم رغبته فيها أما بالتصريح أو ما في حكمه وفيه أن النكاح لا بد فيه من الصداق لقوله هل عندك من شئ تصدقها وقد اجمعوا على أنه لا يجوز لاحد أن يطأ فرجا وهب له دون الرقبة بغير ذكر صداق وفيه أن الاولى أن يذكر الصداق في العقد لانه أقطع للزارع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح ووجب لها مهر المثل بالدخول على الصحيح وقيل بالعقد ووجه كونه انفع لها أنه يثبت لها نصف المسمى أن لو طلقت قبل الدخول وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر وفيه جواز الحلف بغير استحلاف للتأكيد لكنه يكره لغير ضرورة وفي قوله أعندك شئ فقال لا دليل على تخصيص العموم بالقرينة لان لفظ شئ يشمل الخطير والتافه وهو كان لا يعدم شيئا تافها كالنواة ونحوها لكنه فهم أن المراد ما له فيمة في الجملة فلذلك نفى أن يكون عنده ونقل عياض الاجماع على أن مثل الشئ الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الاجماع أبو محمد بن حزم فقال يجوز بكل ما يسمى شيئا ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد لانه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فرقه ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير ومساق الخبر يدل على أنه لا شئ دونه يستحل به البضع وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شئ منها عند بن أبي شيبة من طريق أبي لبيبة رفعه من أستحل بدرهم في النكاح فقد أستحل ومنها عند أبي داود عن جابر رفعه من أعطى في صداق امرأة سويقا أو تمرا فقد أستحل وعند الترمذي من حديث عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين وعند الدارقطني من حديث أبي سعيد في اثناء حديث المهر ولو على سواك من أراك وأقوى شئ ورد في ذلك حديث جابر عند مسلم كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهى عنها عمر قال البيهقي إنما نهى عمر عن النكاح إلى أجل لا عن قدر الصداق وهو كما قال وفيه دليل للجمهور لجواز النكاح بالخاتم الحديد وما هو نظير قيمته قال بن العربي من المالكية كما تقدم لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار وهذا لا جواب عنه لاحد ولا عذر فيه وانفصل بعض المالكية عن هذا الايراد مع قوته بأجوبه منها أن قوله ولو خاتما من حديد خرج مخرج المبالغة في طلب التيسير عليه ولم يرد عين الخاتم الحديد ولا قدر قيمته حقيقة لانه لما قال لا أجد شيئا عرف أنه فهم أن المراد بالشئ ما له قيمة فقيل له ولو أقل ما له قيمة كخاتم الحديد ومثله تصدقوا ولو بظلف محرق ولو بفرسن شاة مع أن الظلف والفرسن لا ينتفع به ولا يتصدق به ومنها احتمال أنه طلب منه ما يعدل نقده قبل الدخول لا أن ذلك جميع الصداق وهذا جواب بن القصار وهذا يلزم منه الرد
[ 174 ]
عليهم حيث استحبوا تقديم ربع دينار أو قيمته قبل الدخول لا أقل ومنها دعوى اختصاص الرجل المذكور بهذا القدر دون غيره وهذا جواب الابهري وتعقب بأن الخصوصية تحتاج إلى دليل خاص ومنها احتمال أن تكون قيمته إذ ذاك ثلاثة دراهم أو ربع دينار وقد وقع عند الحاكم والطبراني من طريق الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة واستدل به على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وسيأتي البحث فيه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وعلى وجوب تعجيل الصداق قبل الدخول إذ لو ساغ تأخيره لسأله هل يقدر على تحصيل ما يمهرها بعد أن يدخل عليها ويتقرر ذلك في ذمته ويمكن الانفصال عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أشار بالاولى والحامل على هذا التأويل ثبوت جواز نكاح المفوضة وثبوت جواز النكاح على مسمى في الذمة والله أعلم وفيه أن اصداق ما يتمول يخرجه عن يد مالكه حتى أن من أصدق جارية مثلا يحرم عليه وطؤها وكذا استخدامها بغير إذن من اصدقها وأن صحة المبيع تتوقف على صحة تسليمه فلا يصح ما تعذر اما حسا كالطير في الهواء وأما شرعا كالمرهون وكذا الذي لو زال إزاره لانكشفت عورته كذا قال عياض وفيه نظر واستدل به على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كان تعليم القرآن قال المازري هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينار وهذا هو الظاهر وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكريمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم اه وانفصل الابهري وقبله الطحاوي ومن تبعهما كأبي محمد بن أبي زيد عن ذلك بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له أن ينكحها لمن شاء بغير صداق ونحوه لداودي وقال انكاحها إياه بغير صداق لانه أولي بالمؤمنين من أنفسهم وقواه بعضهم بأنه لما قال له ملكتكها لم يشاورها ولا استأذنها وهذا ضعيف لانها هي أولا فوضت أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في رواية الباب فر في رأيك وغير ذلك من ألفاظ الخبر التي ذكرناها فلذلك لم يحتج إلى مراجعتها في تقدير المهر وصارت كمن قالت لوليها زوجني بما ترى من قليل الصداق وكثيره واحتج لهذا القول بما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الازدي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون لاحد بعدك مهرا وهذا مع إرساله فيه من لا يعرف وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال ليس هذا لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه وقال عياض يحتمل قوله بما معك من القرآن وجهين اظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة فعلمها من القرآن كما تقدم وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لاجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر لاجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم وذلك فيما أخرجه النسائي وصححه من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن اتزوجك فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الاسلام فذكر القصة وقال في آخره فكان ذلك صداق ما بينهما ترجم عليه النسائي التزويج على الاسلام ثم ترجم على حديث سهل التزويج على سورة من القرآن فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني ويؤيد أن الباء لتعويض لا للسببية ما أخرجه بن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد الحديث واستدل الطحاوي للقول الثاني من طريق النظر بأن النكاح إذا وقع على مجهول كان كما لم يسم فيحتاج إلى الرجوع إلى المعلوم قال والاصل المجمع عليه لو أن رجلا استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن بدرهم لم يصح لان الاجارة لا تصح الا على عمل معين كغسل الثوب أو وقت معين والتعليم قد لا يعلم مقدار وقته فقد يتعلم في زمان
[ 175 ]
يسير وقد يحتاج إلى زمان طويل ولهذا لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يصح قال فإذا كان التعليم لا تملك به الاعيان لا تملك به المنافع والجواب عما ذكره أن المشروط تعليمه معين كما تقدم في بعض طرقه وأما الاحتجاج بالجهل بمدة التعليم فيحتمل أن يقال اغتفر ذلك في باب الزوجين لان الاصل استمرار عشرتهما ولان مقدار تعليم عشرين آية لا تختلف فيه افهام النساء غالبا خصوصا مع كونها عربية من أهل لسان الذي يتزوجها كما تقدم وانفصل بعضهم بأنه زوجها إياه لاجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا لها في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض وأن ثبت حديث بن عباس المتقدم حيث قال فيه فإذا رزقك الله فعوضها كان فيه تقوية لهذا القول لكنه غير ثابت وقال بعضهم يحتمل أن يكون زوجه لاجل ما حفظه من القرآن أصدق عنه كما كفر عن الذي وقع على امرأته في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه وتنويها بفضل أهله قالوا ومما يدل على أنه لم يجعل التعليم صداقا أنه لم يقع معرفة الزوج بفهم المرأة وهل فيها قابلية التعليم بسرعة أو ببطء ونحو ذلك مما تتفاوت فيه الاغراض والجواب عن ذلك قد تقدم في بحث الطحاوي ويؤيد قول الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم أولا هل معك شئ تصدقها ولو قصد استكشاف فضله لسأله عن نسبه وطريقته ونحو ذلك فإن قيل كيف يصح جعل تعليمها القرآن مهرا وقد لا تتعلم أجيب كما يصح جعل تعليمها للكتابة مهرا وقد لا تتعلم وإنما وقع الاختلاف عند من أجاز جعل المنفعة مهرا هل يشترط أن يعلم حذق المتعلم أولا كما تقدم وفيه جواز كون الاجارة صداقا ولو كانت المصدوقة المستأجرة فتقوم المنفعة من الاجارة مقام الصداق وهو قول الشافعي إسحاق والحسن بن صالح وعند المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد الا في الاجارة في تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الاجرة على تعليم القرآن لا يجوز وقد نقل عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة الا الحنفية وقال بن العربي من العلماء من قال زوجه على أن يعلمها من القرآن فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة وقال بن القاسم يفسخ قبل الدخول يثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم وقد روى يحيى بن مضر عن مالك في هذه القصة أن ذلك اجرة على تعلميها وبذلك جاز أخذ الاجرة على تعليم القرآن وبالوجهين قال الشافعي وإسحاق وإذا جاز أن يؤخذ عنه العوض جاز أن يكون عروضا وقد إجازة مالك من إحدى الجهتين فيلزم أن يجيزه من الجهة الاخرى وقال القرطبي قوله علمها نص في الامر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لاجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال أن ذلك كان اكراما للرجل فإن الحديث يصرح بخلافه وقولهم أن الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغة ولا مساقا واستدل به على أن من قال زوجني فلانة فقال زوجنكها بكذا كفى ذلك ولا يحتاج إلى قول الزوج قبلت قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وذكره الرافعي من الشافعية وقد استشكل من جهة طول الفصل بين الاستيجاب والايجاب وفراق الرجل المجلس لالتماس ما يصدقها إياه وأجاب المهلب بأن بساط القصة أغنى عن ذلك وكذا كل راغب في التزويج إذا استوجب فأجيب بشئ معين وسكت كفى إذا ظهر قرينة القبول وإلا فيشترط معرفة رضاه بالقدر المذكور واستدل به على جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج وخالف ذلك الشافعي ومن المالكية بن دينار وغيره والمشهور عن المالكية جوازه بكل لفظ دل على معناه إذا قرن بذكر الصداق أو قصد النكاح كالتمليك والهبة والصدقة والبيع ولا يصح عندهم بلفظ الاجارة ولا العارية ولا الوصية واختلف عندهم في الاحلال والاباحة وأجازه الحنفية بكل لفظ يقتضي التأييد مع القصد وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله صلى الله عليه وسلم ملكتكها لكن ورد أيضا بلفظ زوجتكها قال بن دقيق العيد هذه لفظة واحدة في قصة واحدة واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث فالظاهر أن الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم أحد الالفاظ المذكورة فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح وقد نقل عن الدارقطني أن الصواب رواية من روى زوجتكها وإنهم أكثر وأحفظ قال وقال بعض المتأخرين يحتمل صحة اللفظين ويكون قال لفظ التزويج أولا ثم قال أذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق قال بن دقيق العيد وهذا بعيد لان سياق الحديث يقتضي تعيين
[ 176 ]
لفظه قبلت لا تعددها وأنا هي التي انعقد بها النكاح وما ذكره يقتضي وقوع أمر آخر انعقد به النكاح والذي قاله بعيد جدا وأيضا فلخصمه أن يعكس ويدعى أن العقد وقع بلفظ التمليك ثم قال زوجتكها التمليك السابق قال ثم أنه لم يتعرض لرواية امكناكها مع ثبوتها وكل هذا يقتضي تعين المصير إلى الترجيح اه وأشار بالمتأخر إلى النووي فإنه كذلك قال في شرح مسلم وقد قال بن التين لا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عقد بلفظ التمليك والتزويج معا في وقت واحد فليس أحد اللفظين باولى من الآخر فسقط الاحتجاج به هذا على تقدير تساوي الروايتين فكيف مع الترجيح قال ومن زعم أن معمرا وهم فيه ورد عليه أن البخاري أخرجه في غير موضع من رواية غير معمر مثل معمر اه وزعم بن الجوزي في التحقيق أن رواية أبي غسان أنكحتكها ورواية الباقين زوجتكها إلا ثلاثة أنفس وهم معمر ويعقوب وابن أبي حازم قال ومعمر كثير الغلط والآخران لم يكونا حافظين اه وقد غلط في رواية أبي غسان فإنها بلفظ امكناكها في جميع نسخ البخاري نعم وقعت بلفظ زوجتكها عند الاسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن أبي غسان والبخاري أخرجه عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان بلفظ امكناكها وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن عثمان بن صالح عن سعيد شيخ البخاري فيه بلفظ أنكحتكها فهذه ثلاثة ألفاظ عن أبي غسان ورواية أنكحتكها في البخاري لابن عيينة كما حررته وما ذكره من الطعن في الثلاثة مردود ولا سيما عبد العزيز فإن روايته تترجح بكون الحديث عن أبيه وآل المرء أعرف بحديثه من غيرهم نعم الذي تحرر مما قدمته أن الذين رووه بلفظ التزويج أكثر عددا ممن رواه بغير لفظ الترويج ولا سيما وفيهم من الحفاظ مثل مالك ورواية سفيان بن عيينة أنكحتكها مساوية لروايتهم ومثلها رواية زائدة وعد بن الجوزي فيمن رواه بلفظ التزويج حماد بن زيد وروايته بهذا اللفظ في فضائل القرآن وأما في النكاح فبلفظ ملكتكها وقد تبع الحافظ صلاح الدين العلائي بن الجوزي فقال في ترجيح رواية التزويج ولا سيما وفيهم مالك وحماد بن زيد أه وقد تحرر انه اختلف على حماد فيها كما اختلف على الثوري فظهر أن رواية التمليك وقعت في إحدى الروايتين عن الثوري وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وحماد بن زيد وفي رواية معمر ملكتكها وهي بمعناها وانفرد أبو غسان برواية امكناكها واخلق بها أن تكون تصحيفا من ملكناكها فرواية التزويج أو الانكاح أرجح وعلى تقدير أن تساوي الروايات يقف الاستدلال بها لكل من الفريقين وقد قال البغوي في شرح السنة لا حجة في هذا الحديث لمن أجاز انعقاد النكاح بلفظ التمليك لان العقد كان واحدا فلم يكن اللفظ الا واحدا واختلف الرواة في اللفظ الواقع والذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب زوجنيها إذ هو الغالب في أمر العقود إذ قلما يختلف فيه لفظ المتعاقدين ومن روى بلفظ غير لفظا التزويج لم يقصد مراعاة اللفظ الذي انعقد به العقد وإنما أراد الخبر عن جريان العقد على تعليم القرآن وقيل أن بعضهم رواه بلفظ الامكان وقد اتفقوا على أن هذا العقد بهذا اللفظ لا يصح كذا قال وما ذكر كاف في دفع احتجاج المخالف بانعقاد النكاح بالتمليك ونحوه وقال العلائي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الالفاظ كلها تلك الساعة فلم يبق الا أن يكون قال لفظه منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك ثم احتج بمجيئه في هذا الحديث إذا عورض ببقية الالفاظ لم ينتهض احتجاجه فإن جزم بأنه هو الذي تلفظ به النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال غيره ذكره بالمعنى قلبه عليه مخالفة وادعى ضد دعواه فلم يبق الا الترجيح بأمر خارجي ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج اميل لكونها رواية الاكثرين ولقرينة قول الرجل الخاطب زوجنيها يا رسول الله قلت وقد تقدم النقل عن الدارقطني أنه رجح رواية من قال زوجتكها وبالغ بن التين فقال أجمع أهل الحديث على أن الصحيح رواية زوجتكها وأن رواية ملكتكها وهم وتعلق بعض المتأخرين بان الذين اختلفوا في هذه اللفظة أئمة فلولا أن هذه الالفاظ عندهم مترادفة ما عبروا بها فدل على أن كل لفظ منها يقوم مقام الآخر عند ذلك الامام وهذا لا يكفي في الاحتجاج بجواز انعقاد النكاح بكل لفظة منها الا أن ذلك لا يدفع مطالبتهم بدليل الحصر في اللفظين مع الاتفاق
[ 177 ]
على إيقاع الطلاق بالكنايات بشرطها ولا حصر في الصريح وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه وهو قول الحنفية والمالكية وإحدى الروايتين عن أحمد واختلف الترجيح في مذهبه فأكثر نصوصه تدل على موافقة الجمهور واختار بن حامد واتباعه الرواية الاخرى الموافقة للشافعية واستدل بن عقيل منهم لصحة الرواية الاولى بحديث أعتق صفية وجعل عتقها صداقها فإن أحمد نص على أن من قال عتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أنه ينعقد نكاحها بذلك واشترط من ذهب إلى الرواية الاخرى بأنه لا بد أن يقول في مثل هذه الصورة تزوجتها وهي زيادة على ما في الخبر وعلى نص أحمد وأصوله تشهد بان العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول أو فعل وفيه أن من رغب في تزويج من هو أعلى قدرا منه لا لوم عليه لانه بصدد أن يجاب إلا أن كان مما تقطع العادة برده كالسوقي يخطب من السلطان بنته أو أخته وأن من رغبت في تزويج من هو أعلى منها لا عار عليها أصلا ولا سيما أن كان هناك غرض صحيح أو قصد صالح أما لفضل ديني في المخطوب أو لهوى فيه يخشى من السكوت عنه الوقوع في محذور واستدل به على صحة قول من جعل عتق الامة عوضا عن بضعها كذا ذكره الخطابي ولفظه أن من أعتق أمة كان له أن يتزوجها ويجعل عتقها عوضا عن بضعها وفي أخذه من هذا الحديث بعد وقد تقدم البحث فيه مفصلا قبل هذا وفيه أن سكوت من عقد عليها وهي ساكتة لازم إذا لم يمنع من كلامها خوف أو حياء أو غيرهما وفيه جواز نكاح المرأة دون أن تسأل هل لها ولي خاص أو لا ودون أن تسأل هل هي في عصمة رجل أو في عدته قال الخطابي ذهب إلى ذلك جماعة حملا على ظاهر الحال ولكن الحكام يحتاطون في ذلك ويسألونها قلت وفي أخذ هذا الحكم من هذه القصة نظر لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على جلية أمرها أو أخبره بذلك من حضر مجلسه ممن يعرفها ومع هذا الاحتمال لا ينتهض الاستدلال به وقد نص الشافعي على أنه ليس للحاكم أن يزوج امرأة حتى يشهد عدلان أنها ليس لها ولي خاص ولا أنها في عصمة رجل ولا في عدته لكن اختلف أصحابه هل هذا على سبيل الاشتراط أو الاحتياط والثاني المصحح عندهم وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذ لم يقع في شئ من طرق هذا الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة وخالف في ذلك الظاهرية فجعلوها واجبة ووافقهم من الشافعية أبو عوانة فترجم في صحيحه باب وجوب الخطبة عند العقد وفيه أن الكفاءة في الحرية وفي الدين وفي النسب لا في المال لان الرجل كان لا شئ له وقد رضيت به كذا قاله بن بطال وما أدري من أين له أن المرأة كانت ذات مال وفيه أن طالب الحاجة لا ينبغي له أن يلح في طلبها بل يطلبها برفق وتأن ويدخل في ذلك طالب الدنيا والدين من مستفت وسائل وباحث عن علم وفيه أن الفقير يجوز له نكاح من علمت بحاله ورضيت به إذا كان واجدا للمهر وكان عاجزا عن غيره من الحقوق لان المراجعة وقعت في وجدان المهر وفقده لا في قدر زائد قاله الباحي وتعقب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع من حال الرجل على أنه يقدر على اكتساب قوته وقوت إمرأتة ولا سيما مع ما كان عليه أهل ذلك العصر من قلة الشئ والقناعة اليسير واستدل به على صحة النكاح بغير شهود ورد بأن ذلك وقع بحضرة جماعة من الصحابة كما تقدم ظاهرا في أول الحديث وقال بن حبيب هو منسوخ بحديث لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل وتعقب واستدل به على صحة النكاح بغير ولي وتعقب باحتمال أنه لم يكن لها ولي خاص والامام ولي من لا ولي له واستدل به على جواز استمتاع الرجل لثورة امرأته وما يشتري بصداقها لقوله أن لبسته مع أن النصف لها ولم يمنعه مع ذلك من الاستمتاع بنصفه الذي وجب لها بل جوز له لبسه كله وإنما وقع المنع لكونه لم يكن له ثوب آخر قاله أبو محمد بن أبي زيد وتعقبه عياض وغيره بان السياق يرشد إلى أن المراد تعذر الاكتفاء بنصف الازار لا في إباحة لبسه كله وما المانع أن يكون المراد أن كلا منهما يلبسه مهيأة لثبوت حقه فيه لكن لما لم يكن للرجل ما يستتر به إذا جاءت نوبتها في لبسه قال له أن لبسته جلست ولا إزار لك وفيه نظر الامام في مصالح رعيته وارشاده إلى ما يصلحهم وفي الحديث أيضا المراوضة في الصداق وخطبة المرء لنفسه وأنه لا يجب اعفاف المسلم بالنكاح كوجوب اطعامه الطعام والشراب قال
[ 178 ]
بن التين بعد أن ذكر فوائد الحديث فهذه إحدى وعشرون فائدة بوب البخاري على أكثرها قلت وقد فصلت ما ترجم به البخاري من غيره ومن تأمل ما جمعته هنا علم أنه يزيد على ما ذكره مقدار ما ذكر أو أكثر ووقع التنصيص على أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بخاتم من حديد وهذا هو النكتة في ذكر الخاتم دون غيره من العروض أخرجه البغوي في معجم الصحابة من طريق القعنبي عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن آية عن جده أن رجلا قال يا رسول الله انكحني فلانة قال ما تصدقها قال ما معي شئ قال لمن هذا الخاتم قال لي قال فأعطها إياه فانكحه وهذا وأن كان ضعيف السند لكنه يدخل في مثل هذه الامهات قوله باب المهر بالعروض وخاتم من حديد العروض بضم العين والراء المهملتين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانية والضاد معجمة ما يقابل النقد وقوله بعده وخاتم من حديد هو من إخلاص بعد العام فإن الخاتم من حديد من جملة العروض والترجمة مأخوذة من حديث الباب للخاتم بالتنصيص والعروض بالالحاق وتقدم في أوائل النكاح حديث بن مسعود فأرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب وتقدم في الباب قبله عدة أحاديث في ذلك (4855) قوله حدثنا يحيى هو بن موسى كما صرح به بن السكن وسفيان هو الثوري قوله قال لرجل تزوج ولو بخاتم من حديد هذا مختصر من الحديث الطويل الذي قبله وقد ذكرت من ساقه عن الثوري مطولا وهو عبد الرزاق لكنه قرنه في روايته بمعمر وأخرجه بن ماجة من رواية سفيان الثوري أتم مما هنا وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة في الحديث الذي قبله وتقدم من الكلام فيه ما يغني عن اعادته والله أعلم قوله باب الشروط في النكاح أي التي تحل وتعتبر وقد ترجم في كتاب الشروط الشروط في المهر عند عقدة النكاح وأورد الاثر المعلق والحديث الموصول المذكور هنا قوله وقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط وصله سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله وهو بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لامري أو لشأني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها شرطها فقال الرجل هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها الا طلقت فقال عمر المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم وتقدم في الشروط من وجه آخر عن بن أبي المهاجر نحوه وقال في آخره فقال عمر أن مقاطع الحقوق عند الشروط ولها ما اشترطت قوله وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له فأثنى عليه تقدم موصولا في المناقب في ذكر أبي العاص بن الربيع وهو الصهر المذكور وبينت هناك نسبه والمراد بقوله حدثني فصدقني وسيأتي شرحه مستوفي في أبواب الغيرة في أواخر كتاب النكاح والغرض منه هنا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه لاجل وفائه بما شرط له (4856) قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله عن يزيد بن أبي حبيب تقدم في الشروط عن عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب قوله عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة هو بن عامر الجهني قوله أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به في رواية عبد الله بن يوسف أحق الشروط أن توفوا به وفي رواية مسلم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب أنه أحق الشروط أن يوفى به قوله ما استحللتم به الفروج أي أحق الشروط بالوفاء شروط
[ 179 ]
النكاح لان أمره احوط وبابه اضيق وقال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها وسيأتي حكمة في الباب الذي يليه ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه فمنه ما يتعلق بحق الزوج وسيأتي بيانه ومنه ما يشترطه العاقد لنفسه خارجا عن الصداق وبعضهم يسميه الحلوان فقيل هو للمرأة مطلقا وهو قول عطاء وجماعة من التابعين وبه قال الثوري وأبو عبيد وقيل هو لمن شرطه قاله مسروق وعلى بن الحسين وقيل يختص ذلك بالاب دون غيره من الاولياء وقال الشافعي أن وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها وأن وقع خارجا عنه لم يجب وقال مالك أن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجا عنه فهو لمن وهب له وجاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه النسائي من طريق بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حياء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه واحق ما أكرم به الرجل ابنته أو أخته وأخرجه البيهقي من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة نحوه وقال الترمذي بعد تخريجه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة منهم عمر قال إذا تزوج الرجل المرأة وشرط أن لا يخرجها لزم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق كذا قال والنقل في هذا عن الشافعي غريب بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والانفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شئ من حقها من قسمة ونحوها وكشرطه عليها الا تخرج الا بإذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه الا برضاه ونحو ذلك وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كألا يقسم لها أو لا يتسرى عليها أو لا ينفق أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل أن وقع في صلب العقد كفى وصح النكاح بمهر المثل وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط وفي قول الشافعي يبطل النكاح وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا وقد استشكل بن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح قال تلك الامور لا تؤثر الشروط في ايجابها فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك لان لفظ أحق الشروط يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها وبعضها أشد اقتضاء والشروط هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها قال الترمذي وقال على سبق شرط الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة والمراد في الحديث الشروط الجائزة لا المنهي عنها اه وقد اختلف عن عمر فروى بن وهب بإسناد جيد عن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيد تضادت الروايات عن عمر في هذا وقد قال بالقول الاول عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الاوزاعي وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله اخراجها ولا يلزمه الا المسمى وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصته له من الصداق وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل وقال أبو عبيد والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك قال وقد اجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما سيأتي في حديث عائشة في قصة بريرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والوطئ والاسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط شئ منها كان شرطا ليس في كتاب الله فيبطل وقد تقدم في البيوع الاشارة إلى حديث المسلمون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وحديث المسلمون عند شرطهم ما وفق الحق وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا لا يصلح وقد ترجم المحب الطبري على هذا الحديث استحباب تقدمة شئ من المهر قبل الدخول وفي انتزاعه من الحديث
[ 180 ]
المذكور غموض والله أعلم قوله باب الشروط التي لا تحل في النكاح في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص الحديث الماضي في عموم الحث على الوفاء بالشرط بما يباح لا بما نهى عنه لان الشروط الفاسدة لا يحل الوفاء بها فلا يناسب الحث عليها قوله وقال بن مسعود لا تشترط المرأة طلاق أختها كذا أورده معلقا عن بن مسعود وسأبين أن هذا اللفظ بعينه وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي هريرة ولعله لما لم يقع له اللفظ مرفوعا أشار إليه في المعلق ايذانا بأن المعنى واحد (4857) قوله لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها هكذا أورده البخاري بهذا اللفظ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق بن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه بلفظ لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ اناءها وكذلك أخرجه البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن عبيد الله بن موسى لكن قال لا ينبغي بدل لا يصلح وقال لتكفئ أخرجه الاسماعيلي من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه بلفظ بن الجنيد لكن قال لنكفئ فهذا هو المحفوظ من هذا الوجه من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وأخرج البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن الاعرج عن أبي هريرة في حديث طويل أوله إياكم والظن وفيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء صاحبتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وهذا قريب من اللفظ الذي أورده البخاري هنا وقد أخرج البخاري من أول الحديث إلى قوله حتى ينكح أو يترك ونبهت على ذلك فيما تقدم قريبا في باب لا يخطب على خطبة أخيه فأما أن يكون عبيد الله بن موسى حدث به على اللفظين أو انتقل الذهن من متن إلى متن وسيأتي في كتاب القدر من رواية أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وتقدم في البيوع من رواية الزهري عن بن المسيب عن أبي هريرة في حديث أوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وفي آخره ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في انائها قوله لا يحل ظاهر في تحريم ذلك وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو لزوج منها أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الاجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة وقال بن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه بن بطال بان نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق أخرى ولترض بما قسم الله لها قوله أختها قال النووي معنى هذا الحديث نهى المرأة الاجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله تكتفي ما في صحفتها قال والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين ويلحق بذلك الكفارة في الحكم وأن لم تكن أختا في الدين أما لان المراد الغالب أو أنها أختها في الجنس الآدمي وحمل بن عبد البر الاخت هنا على الضرة فقال فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الاجنبية ويؤيده قوله فيها ولتنكح أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق الي قبلها وعلى هذا فالمراد هنا بالاخت الاخت في الدين ويؤيده زيادة بن حبان في آخره من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن المسلمة أخت المسلمة وقد تقدم في باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه نقل الخلاف عن الاوزاعي
[ 181 ]
وبعض الشافعية أن ذلك مخصوص بالمسلمة وبه جزم أبو الشيخ في كتاب النكاح ويأتي مثله هنا ويجئ على رأي بن القاسم أن يستثني ما إذا كان المسئول طلاقها فاسقة وعند الجمهور لا فرق قوله لتستفرغ صحفتها يفسر المراد بقوله تكتفئ وهو بالهمز افتعال من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه وكذا يكفأ وهو بفتح أوله وسكون الكاف وبالهمز وجاء أكفأت الاناء إذا ملته وهو في رواية بن المسيب لتكفئ بضم أوله من اكفأت وهي بمعنى أملته ويقال بمعنى اكببته أيضا والمراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدم من كلام النووي وقال صاحب النهاي الصحفة إناء كالقصمة المبسوطة قال وهذا مثل يريد الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه وقال الطيبي هذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الاطعمة اللذيذة وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الاطعمة ثم ادخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به قوله ولتنكح بكسر واللام وباسكانها وبسكون الحاء على الامر ويحتمل النصب عطفا على قوله لتكتفئ فيكون تعليلا لسؤال طلاقها ويتعين على هذا كسر اللام ثم يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لاخراج الضرة من عصمته بل تكل الامر في ذلك إلى ما يقدره الله ولهذا ختم بقوله فإنما لها ما قدر لها إشارة إلى أنها وأن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك الا ما قدره الله فينبغي أن لا تتعرض هي لهذا المحذور الذي لا يقع منه شئ بمجرد إرادتها وهذا مما يؤيد أن الاخت من النسب أو الرضاع لا تدخل في هذا ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره وتعرض عن هذا الرجل أو المراد ما يشمل الامرين والمعنى ولتنكح من تيسر لها فإن كانت التي قبلها أجنبية فلتنكح الرجل المذكور وأن كانت أختها فلتنكح غيره والله أعلم قوله باب الصفرة للمتزوج كذا قيده بالمتزوج إشارة إلى الجمع بين حديث الباب وحديث النهي عن التزعفر للرجال وسيأتي البحث فيه بعد أبواب قوله رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الذي تقدم موصولا في أول البيوع قال لما قدمنا المدينة فذكر الحديث بطوله وفيه جاء عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة فقال تزوجت قال نعم وأورد المصنف هذه القصة في هذا الباب من طريق مالك عن حميد مختصرة وسيأتي شرحها في باب الوليمة ولو بشاة مستوفى إن شاء الله تعالى قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وسقط لفظ باب من رواية النسفي وكذا من شرح بن بطال ثم استشكله بأن الحديث المذكور لا يتعلق بترجمة الصفرة للمتزوج وأجيب بما ثبت في أكثر الروايات من لفظ باب والسؤال باق فإن الاتيان بلفظ باب وأن كان بغير ترجمة لكنه كالفصل من الباب الذي
[ 182 ]
قبله كما تقرر غير مرة والحديث المذكور هنا حديث أنس أولم النبي صلى الله عليه وسلم بزينب يعني بنت جحش أورده مختصرا وقد تقدم مطولا في تفسير سورة الاحزاب مع شرحه ومناسبته للترجمة من جهة أنه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت جحش ذكر للصفرة فكأنه يقول الصفرة للمتزوج من الجائز لا من المشروط لكل متزوج قوله باب كيف يدعي للمتزوج ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه قال بارك الله لك قال بن بطال إنما أراد بهذا الباب والله أعلم رد قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين فكأنه أشار إلى تضعيفه ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل أنه شهد أملاك رجل من الانصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الانصاري وقال على الالفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق الحديث أخرجه الطبراني في الكبير بسند ضعيف وأخرجه في الاوسط بسند أضعف منه وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الاهلين من حديث أنس وزاد فيه والرفاء البنين وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانا قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وقوله رفأ بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء الاسلام علمنا نبينا قال قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم وبارك عليهم ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ودل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورا عندهم غالبا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفئة واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لانه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله وقيل لما فيه من الاشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وأما الرفاء فمعناه الالتئام من رفأت الثوب وروفوته رفوا ورفاء وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه وقال بن المنير الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لانهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلا أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدا ذكرا ونحو ذلك وأما ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال شهدت شريحا وأتاه رجل من أهل الشام فقال إني تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين الحديث وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطاة قال حدثت شريحا إني تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين فهو محمول على أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرا أو ثيبا قال له بارك الله لك والاحاديث في ذلك معروفة قوله باب الدعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وللعروس في رواية الكشميهني للنساء بدل النسوة وأورد فيه حديث عائشة تزوجني النبي
[ 183 ]
صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الانصار فقلن على الخير والبركة وهو مختصر من حديث مطول تقدم بتمامه بهذا السند بعينه في باب تزويج عائشة قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة وظاهر هذا الحديث مخالف للترجمة فإن فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن وقد استشكله بن التين فقال لم يذكر في الباب الدعاء للنسوة ولعله أراد كيف صفة دعائهن للعروس لكن اللفظ لا يساعد على ذلك وقال الكرماني الام هي الهادية للعروس المجهزة فهن دعون لها ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير جئتن أو قدمتن على الخير قال ويحتمل أن تكون اللام في النسوة للاختصاص أي الدعاء المختص بالنسوة اللاتي يهدين ولكن يلزم منه المخالفة بين اللام التي للعروس لانها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لانها الداعية وفي جواز مثله خلاف انتهى والجواب الاول أحسن ما توجه به الترجمة وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن احضر العروس ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن تأتي العروس ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي المختص بالنسوة ويحتمل أن الالف واللام بدل من المضاف إليه والتقدير دعاء النسوة الداعيات للنسوة المهديات ويحتمل أن تكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة وعند أبي الشيخ في كتاب النكاح من طريق يزيد بن حفصة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوار بناحية بني جدرة وهن يقلن فحيونا نحييكم فقال قلن حيانا الله وحياكم فهذا فيه دعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وقوله يهدين بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية ولما كانت العروس تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه أو أطلقت عليها أنها هدية فالضبط بالوجهين على هذين المعنيين وأما قوله وللعروس فهو اسم لزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فإن ذلك يشمل المرأة وزوجها ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة كما نبهت عليه هناك وفيه أن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم وقوله في حديث الباب فإذا نسوة من الانصار سمي منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الانصارية فقد أخرج جعفر المستغفري من طريق يحيى بن أبي كثير عن كلاب بن تلاد عن تلاد عن أسماء مقينة عائشة قالت لما اقعدنا عائشة لنجليها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فقرب إلينا تمرا ولبنا الحديث واخرج أحمد والطبراني هذه القصة من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن ووقع في رواية للطبراني أسماء بنت عميس ولا يصح لانها حينئذ كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة والمقينة بقاف ونون التي تزين العروس عند دخولها على زوجها قوله باب من أحب البناء أي بزوجته التي لم يدخل بها قبل الغزو أي إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعا ذكر فيه حديث أبي هريرة الماضي في كتاب الجهاد ثم في فرض الخمس وقد شرحته فيه وبينت الاختلاف في اسم النبي الذي غزا هل هو يوشع أو داود قال بن المنير يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج بل الاولى أن يتعفف ثم يحج قوله باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في مناقبها قوله باب البناء أي بالمرأة في السفر ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية بنت حيي وقد تقدم في أول النكاح وقوله ثلاثا يبني عليه
[ 184 ]
بصفية أي تجلى عليه وفيه إشارة إلى أن سنة الاقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها ويؤخذ منه جواز تأخير اشغال العامة لشغل الخاص إذا كان لا يفوت به غرض والاهتمام بوليمة العرس وإقامة سنة النكاح بإعلامه وغير ذلك مما تقدم ويأتي إن شاء الله تعالى قوله باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران ذكر فيه طرقا من حديث عائشة في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها وأشار بقوله بالنهار إلى أن الدخول على الزوجة لا يختص بالليل وبقوله وبغير مركب ولا نيران إلى ما أخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عروة بن رويم أن عبد الله بن قرظ الثمالي وكان عامل عمر على حمص مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم ثم خطب فقال أن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم قوله باب الانماط ونحوه للنساء أي من الكلل والاستار والفرش وما في معناه والانماط جمع نمط بفتح النون والميم تقدم بيانه في علامات النبوة وقوله ونحوه أعاد الضمير مفردا على مفرد الانماط وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا الحديث ولعل المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه منه حتى هتكه فقال أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين قال فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي فيؤخذ منه أن الانماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل ما يصنع بها وسيأتي البحث في ستر الجدر في باب هل يرجع إذا رأى منكرا من أبواب الوليمة قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن المشورة للمرأة دون الرجل لقول جابر لامرأه أخرى عني أنماطك كذا قال ولا دلالة في ذلك لانها كانت لامرأة جابر حقيقة فلذلك اضافها لها وإلا ففي نفس الحديث أنه ستكون لكم انماط فأضافها إلى أعم من ذلك وهو الذي استدلت به امرأة جابر على الجواز قال وفيه أن مشورة النساء للبيوت من الامر القديم المتعارف كذا قال ويعكر عليه حديث عائشة وسيأتي البحث فيه قوله باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها في رواية الكشميهني اللاتي بصيغة الجمع وهو أولى قوله ودعائهن بالبركة ثبتت هذه الزيادة في رواية أبي ذر وحده وسقطت لغيره ولم يذكر هنا الاسماعيلي ولا أبو نعيم ولا وقع في حديث عائشة الذي ذكره المصنف في الباب ما يتعلق بها
[ 185 ]
لكن إن كانت محفوظة فلعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة وذلك فيما أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق بهية عن عائشة أنها زوجت يتيمة كانت في حجرها رجلا من الانصار قالت وكنت فيمن اهداها إلى زوجها فلما رجعنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم يا عائشة قالت قلت سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا (4867) قوله أنها زفت امرأة إلى رجل من الانصار لم اقف على اسمها صريحا وقد تقدم أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة وكذا للطبراني في الاوسط من طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ووقع عند بن ماجة من حديث بن عباس أنكحت عائشة قرابة لها ولابي الشيخ من حديث جابر أن عائشة زوجت بنت أخيها أو ذات قرابة منها وفي امالي المحاملي من وجه آخر عن جابر نكح بعض أهل الانصار بعض أهل عائشة فأهدتها إلى قباء وكنت ذكرت في المقدمة تبعا لابن الاثير في أسد الغابة فإنه قال أن اسم هذه اليتيمة المذكورة في حديث عائشة الفارعة بنت أسعد بن زرارة وأن اسم زوجها نبيط بن جابر الانصاري وقال في ترجمة الفارعة أن أباها أسعد بن زرارة أوصي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيط بن جابر ثم ساق من طريق المعافى بن عمران الموصلي حديث عائشة الذي ذكرته أولا من طريق بهية عنها ثم قال هذه اليتيمة هي الفارعة المذكورة كذا قال وهو محتمل لكن منع من تفسيرها بها ما وقع من الزيادة أنها كانت قرابة عائشة فيجوز التعدد ولا يبعد تفسير المبهمة في حديث الباب بالفارعة إذ ليس فيه تقييد بكونها قرابة عائشة قوله ما كان معكم لهو في رواية شريك فقال فهل بعثتم معها جارية تضرب الدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ولولا الذهب الاحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم وفي حديث جابر بعضه وفي حديث بن عباس أوله إلى قوله وحياكم قوله فإن الانصار يعجبهم اللهو في حديث بن عباس وجابر قوم فيهم غزل وفي حديث جابر عند المحاملي ادركيها يا زينب امرأة كانت تغني بالمدينة ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره بن أبي الدنيا في كتاب العيدين له بإسناد حسن وإني لم اقف على اسم الاخرى وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الانصاريين قال أنه رخص لنا في اللهو عند العرس الحديث وصححه الحاكم وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له اترخص في هذا قال نعم أنه نكاح لا سفاح اشيدوا النكاح وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه بن حبان والحاكم أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة واضربوا عليه بالدف وسنده ضعيف ولاحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والاحاديث القوية فيها الاذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن قوله باب الهدية للعروس أي صبيحة بنائه بأهله (4868) قوله وقال إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال مر بنا في مسجد بني رفاعة يعني بالبصرة قال فسمعته يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم كذا فيه والجنبات بفتح الجيم والنون ثم موحدة
[ 186 ]
جمع جنبة وهي الناحية قوله دخل عليها فسلم عليها هذا القدر من هذا الحديث مما تفرد به إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان في هذا الحديث وشاركه في بقيته جعفر بن سليمان ومعمر بن راشد كلاهما عن أبي عثمان أخرجه مسلم من حديثهما ولم يقع لي موصولا من حديث إبراهيم بن طهمان الا أن بعض من لقيناه من الشراح زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد عن أبيه عنه ولم اقف على ذلك بعد قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب يعني بنت جحش وقد تقدم بيان آيته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام واضحا في علامات النبوة وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب بنت جحش كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم وأن المشهور من الروايات أنه أو لم عليها بالخبز واللحم ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وإنما فيه أشبع المسلمين خبزا ولحما وذكر في حديث الباب أن أنسا قال فقال لي أدع رجالا سماهم وادع من لقيت وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتى تصدعوا كلهم عنها يعني تفرقوا قال عياض هذا وهم من راوية وتركيب قصة على أخرى وتعقبه القرطبي بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين والاولى أن يقال لا وهم في ذلك فلعل الذين دعوا إلى الخبز واللحم فأكلوا حتى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا ولما بقي النفر الذين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة فأمر بأن يدعو ناسا آخرين ومن لقي فدخلوا فأكلوا أيضا حتى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون وهو جمع لا بأس به واولى منه أن يقال أن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من كل ذلك وعجبت من إنكار عياض وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع أن أنسا يقول أنه أولم عليها بشاة كما سيأتي قريبا ويقول أنه أشبع المسلمين خبزا ولحما وما الذي يكون قدر الشاة حتى يشبع المسلمين جميعا وهم يومئذ نحو الالف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام وقوله فيه وبقي نفر يتحدثون تقدم بيان عدتهم في تفسير سورة الاحزاب وقوله وجعلت اغتم هو من الغم وسببه ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم من حيائه من أن يأمرهم بالقيام ومن غفلتهم بالتحدث عن العمل عما يليق من التخفيف حينئذ وقوله في آخره قال أبو عثمان قال أنس أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين تقدم بيانه قبل قليل وسيأتي الالمام به أيضا في كتاب الادب إن شاء الله تعالى قوله باب استعارة الثياب للعروس وغيرها أي وغير الثياب ذكر فيه حديث عائشة أنها استعارت من أسماء
[ 187 ]
قلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم وجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها كان لي منهن أي من الدروع القطني درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة أي تتزين الا أرسلت إلى تستعيره وترجم عليه الاستعارة للعرس عند البناء وينبغي استحضار هذه الترجمة وحديثها هنا قوله باب ما يقول الرجل إذا أتي أهله أي جامع (4870) قوله عن شيبان هو بن عبد الرحمن النحوي منصور وهو بن المعتمر وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو أولهم قوله أما لو أن أحدهم كذا للكشميهني هنا ولغيره بحذف أن وتقدم في بدء الخلق من رواية همام عن منصور بحذف لو ولفظه أما أن أحدكم إذا أتى أهله وفي رواية جرير عن منصور عند أبي داود وغيره لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات دالة على أن القول قبل الشروع قوله حين يأتي أهله في رواية إسرائيل عن منصور عند الاسماعيلي أما أن أحدكم لو يقول حين يجامع أهله وهو ظاهر في أن القول يكون مع الفعل لكن يمكن حمله على المجاز وعنده في رواية روح بن القاسم عن منصور لو أن أحدهم إذا جامع امرأته ذكر الله قوله بسم الله اللهم جنبني في رواية روح ذكر الله ثم قال اللهم جنبني وفي رواية شعبة عن منصور في بدء الخلق جنبني بالافراد أيضا وفي رواية همام جنبنا قوله الشيطان في حديث أبي إمامة عند الطبراني جنبني وجنب ما رزقتني من الشيطان الرجيم قوله ثم قدر بينهما ولد أو قضى ولد كذا بالشك وزاد في رواية الكشميهني ثم قدر بينهما في ذلك أي الحال ولد وفي رواية سفيان بن عيينة عن منصور فإن قضى الله بينهما ولدا ومثله في رواية إسرائيل وفي رواية شعبة فإن كان بينهما ولد من طريقه فإنه أن يقدر بينهما ولد في ذلك وفي رواية جرير ثم قدر أن يكون والباقي مثله ونحوه في رواية روح بن القاسم وفي رواية همام فرزقا ولدا قوله لم يضره شيطان ابدا كذا بالتنكير ومثله في رواية جرير وفي رواية شعبة عند مسلم وأحمد لم يسلط عليه الشيطان أو لم يضره الشيطان وتقدم في بدء الخلق من رواية همام وكذا في رواية سفيان بن عيينة وإسرائيل وروح بن القاسم بلفظ الشيطان واللام للعهد المذكور في لفظ الدعاء ولاحمد عن عبد العزيز العمي عن منصور لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدا وفي مرسل الحسن عن عبد الرزاق إذا أتى الرجل أهله فليقل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا فكان يرجى أن حملت أن يكون ولدا صالحا واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر وأن كان ظاهرا في الحمل على عموم الاحوال من صيغة النفي مع التأييد وكان سبب ذلك ما تقدم في بدء الخلق أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن في هذا
[ 188 ]
الطعن نوع ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم أن عبادي ليس لك عليهم سلطان ويؤيده مرسل الحسن المذكور وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته ظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه وقال بن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن بعده انتفاء العصمة وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وأن لم يكن ذلك واجبا له وقال الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على احليله فيجامع معه ولعل هذا أقرب الاجوبة ويتأيد الحمل على الاول بان الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل فإذا كان ذلك نادرا لم يبعد وفي الحديث من الفوائد أيضا استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الطهارة وتقدم ما فيه وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الاسواء وفيه الاستشعار بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه الا إذا ذكر الله وفيه رد على منع المحدث أن يذكر الله ويخدش فيه الرواية المتقدمة إذا أراد أن يأتي وهو نظير ما وقع من القول عند الخلاء وقد ذكر المصنف ذلك وأشار إلى الرواية التي فيها إذا أراد أن يدخل وتقدم البحث فيه في كتاب الطهارة بما يغني عن اعادته قوله باب الوليمة حق هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه الوليمة حق والثانية معروف والثالثة فخر ولمسلم من طريق الزهري عن الاعرج وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال شر الطعام طعام الوليمة يدعي الغني ويترك المسكين وهي حق الحديث ولابي الشيخ والطبراني في الاوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة رفعه الوليمة حق وسنة فمن دعي فلم يجب فقد عصى الحديث وسأذكر حديث زهير بن عثمان في ذلك وشواهده بعد ثلاثة أبواب وروى أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا بد للعروس من وليمة وسنده لا بأس به قال بن بطال قوله الوليمة حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس المراد بالحق الوجوب ثم قال ولا أعلم أحدا أوجبها كذا قال وغفل عن رواية في مذهبه بوجوبها نقلها القرطبي وقال أن مشهور المذهب أنها مندوبة وابن التين عن أحمد لكن الذي في المغني أنها سنة بل وافق بن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك قال وقال بعض الشافعية هي واجبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان الاجابة إليها واجبة فكانت واجبة وأجاب بأنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الاطعمة والامر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه ولكونه أمره بشاة وهي غير واجبة اتفاقا وأما البناء فلا أصل له قلت وسأذكر مزيدا في باب إجابة الداعي قريبا والبعض الذي أشار إليه من الشافعية هو وجه معروف عندهم وقد جزم به سليم الرازي وقال أنه ظاهر نص الام ونقله عن النص أيضا الشيخ أبو إسحاق في المهذب وهو قول أهل الظاهر كما صرح به بن حزم وأما سائر الدعوات غيرها فسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب قوله وقال عبد الرحمن بن عوف قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة هذا طرف من حديث طويل وصله المصنف في أول البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه ومن حديث أنس أيضا وسأذكر شرحه مستوفي إن شاء الله تعالى في الباب
[ 189 ]
الذي يليه والمراد منه ورود صيغة الامر بالوليمة وأنه لو رخص في تركها لما وقع الامر باستدراكها بعد انقضاء الدخول وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي اختلفوا فحكى عياض أن الاصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول وعن جماعة منهم أنه عند العقد عند بن حبيب عند العقد وبعد الدخول وقال في موضع آخر يجوز قبل الدخول وبعده وذكر بن السبكي أن أباه قال لم أر في كلام الاصحاب تعيين وقتها وإنها ستنبط من قول البغوي ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد قريبا منه ان وقتها موسع من حين العقد قال والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول كأنه يشير إلى قصة زينب بنت جحش وقد ترجم عليه البيهقي في وقت الوليمة اه وما نفاه من تصريح الاصحاب متعقب بأن الماوردي صرح بأنها عند الدخول وحديث أنس في هذا الباب صريح في أنها بعد الدخول لقوله فيه أصبح عروسا بزينب فدعا القوم واستحب بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقبها وعليه عمل الناس اليوم ويؤيد كونه للدخول لا للاملاك أن الصحابة بعد الوليمة ترددوا هل هي زوجة أو سرية فلو كانت الوليمة عند الاملاك لعرفوا أنها زوجة لان السرية لا وليمة لها فدل على أنها عند الدخول أو بعده (4871) قوله في حديث أنس مقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالنصب على الظرف أي زمان قدومه وسيأتي في الاشربة من طريق شعيب عن الزهري عن أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن عشر سنين ومات وأنا بن عشرين وتقدم قبل بابين في الحديث المعلق عن أبي عثمان عن أنس أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ويأتي في كتاب الادب من طريق سلام بن مسكين عن ثابت عن أنس قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط الحديث ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في حديث آخره قال أنس والله لقد خدمته تسع سنين ولا منافاة بين الروايتين فإن مدة خدمته كانت تسع سنين وبعض أشهر فألغى الزيادة تارة وجبر الكسر أخرى قوله فكن أمهاتي يعني أمه وخالته ومن في معناهما وأن ثبت كون مليكة جدته فهي مرادة هنا لا محالة قوله يواظبنني كذا للاكثر بظاء مشالة وموحدة ثم نونين من المواظبة وللكشميهني بطاء مهملة بعدها تحتانية مهموزة بدل الموحدة من المواطأة وهي الموافقة وفي رواية الاسماعيلي يوطنني بتشديد الطاء المهملة ونونين الاولى مشددة بغير ألف بعد الواو ولا حرف آخر بعد الطاء من التوطين وفي لفظ له مثله لكن بهمزة ساكنة بعدها النونان من التوطئة تقول وطأته على كذا أي حرضته عليه قوله وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب تقدم البحث فيه وبسط شرحه في تفسير سورة الاحزاب قوله باب الوليمة ولو بشاة أي لمن كان موسرا كما سيأتي البحث فيه وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث كلها عن أنس الاول والثاني قصة عبد الرحمن
[ 190 ]
بن عوف قطعها قطعتين (4872) قوله حدثنا علي هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وقد صرح بتحديث حميد له وسماع حميد عن أنس فأمن تدليسهما لكنه فرقه حديثين فذكر في الاول سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن قدر الصداق وفي الثاني أول القصة قال لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الانصار وعبر في هذا بقوله وعن حميد قال سمعت أنسا وفي رواية الكشميهني أنه سمع أنسا كما قال في الذي قبله وهذا معطوف فيما جزم به المزي وغيره على الاول ويحتمل أن يكون معلقا والاول هو المعتمد وقد أخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد عن سفيان حدثنا حميد سمعت أنسا وساق الحديثين معا وأخرجه الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج عن سفيان بالحديث كله مفرقا وقال في كل منهما حدثنا حميد أنه سمع أنسا وقد أخرجه بن أبي عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الاسماعيلي فقال عن حميد عن أنس وساق الجميع حديثا واحدا وقدم القصة الثانية على الاولى كما في رواية غير سفيان فقد تقدم في أوائل النكاح من طريق الثوري وفي باب الصفرة للمتزوج من رواية مالك وفي فضل الانصار من طريق إسماعيل بن جعفر وفي أول البيوع من رواية زهير بن معاوية ويأتي في الادب من رواية يحيى القطان كلهم عن حميد أخرجه محمد بن سعد في الطبقات عن محمد بن عبد الله الانصاري عن حميد وتقدم في باب ما يدعني للمتزوج من رواية ثابت وفي باب وآتوا النساء صدقاتهن من رواية عبد العزيز بن صهيب وقتادة كلهم عن أنس وأورده في أول كتاب البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة وتقدم في البيوع في الكلام على حديث أنس بيان من زاد في روايته فجلعه من حديث أنس عن عبد الرحمن بن عوف وأكثر الطرق تجعله من مسند أنس والذي يظهر من مجموع الطرق أنه حضر القصة وإنما نقل عن عبد الرحمن منها ما لم يقع له عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لما قدموا المدينة أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي رواية بن سعد لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة قوله نزل المهاجرون على الانصار تقدم بيان ذلك في أول الهجرة قوله فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع في رواية زهير لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الانصاري وفي رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن فآخى ونحوه في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه وفي رواية يحيى بن سعيد الانصاري عن حميد عند النسائي والطبراني آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والانصار فآخى بين سعد وعبد الرحمن وفي رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى زاد زهير في روايته وكان سعد ذا غنا وفي رواية إسماعيل بن جعفر لقد علمت الانصار إني من أكثرها مالا وكان كثير المال وفي حديث عبد الرحمن إني أكثر الانصار مالا وقد تقدمت ترجمة سعد بن الربيع في فضائل الانصار وقصة موته في غزوة أحد ووقع عند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخي بين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فقال عثمان لعبد الرحمن أن لي حائطين الحديث وهو وهم من راوية عمارة بن زاذان قوله قال اقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي في رواية بن سعد فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا وقال لي امرأتان وأنت أخي لا امرأة لك فأنزل عن إحداهما فتتزوجها قال لا والله قال هلم إلي حديقتي اشاطركها قال فقال لا وفي رواية الثوري فعرض عليه أن يقاسمه أهله وماله وفي رواية إسماعيل بن جعفر ولي امرأتان فأنظر اعجبهما إليك فأطلقها فإذا حلت تزوجها وفي حديث عبد الرحمن بن عوف فاقسم لك نصف مالي وأنظر أي زوجتي هويت فأنزل
[ 191 ]
لك عنها فإذا حلت تزوجتها ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفي لفظ فأنظر اعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد فقال له سعد أي آخي أنا أكثر أهل المدينة ما لا فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب إليك حتى اطلقها ولم اقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع الا أن بن سعد ذكر أنه كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه خارجة فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد وأخرج الطبراني في التفسير قصة مجئ امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت أن عمهما أخذ ميراثهما فنزلت آية المواريث وسماها إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند له مرسل عمرة بنت حزم قوله بارك الله في أهلك ومالك في حديث عبد الرحمن لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة قال سوق بني قينقاع وقد تقدم ضبط قينقاع في أول البيوع وكذا في رواية زهير دلوني على السوق زاد في رواية حماد فدلوه قوله فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئا من اقط وسمن في رواية حماد فاشترى وباع فربح فجاء بشئ من سمن وأقط وفي رواية الثوري دلني على السوق فربح شيئا من اقط وسمن وفيه حذف بينته الرواية الاخرى وفي رواية زهير فما رجع حتى استفضل اقطا وسمنا فأتى به أهل منزله ونحوه ليحيى بن سعيد وكذا لاحمد عن بن علية عن حميد قوله فتزوج زاد في حديث عبد الرحمن بن عوف ثم تابع الغدو يعني إلى السوق في رواية زهير فمكثنا ما شاء الله ثم جاء وعليه وضر صفرة ونحوه لابن علية وفي رواية الثوري والانصاري فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم زاد بن سعد في سكة من سكك المدينة وعليه وضر من صفرة وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر وفي رواية حماد بن سلمة وعليه درع زعفران وفي رواية معمر عن نابت عند أحمد وعليه وضر من خلوق وأول حديث مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة ونحوه في رواية عبد الرحمن نفسه وفي رواية عبد العزيز بن صهيب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بشاشة العرس والوضر بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء هو في الاصل الاثر والردع بمهملات مفتوح الاول ساكن الثاني هو أثر الزعفران والمراد بالصفرة صفرة الخلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره قوله في أول الرواية الاولى سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الانصار هذه الجملة حالية أي سأله حين تزوج وهذه المرأة جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أنها بنت أبي الحيس أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وفي ترجمة عبد الرحمن بن عوف من طبقات بن سعد انها بنت أبي الحشاش وساق نسبه واظنهما ثنتين فإن في رواية الزبير قال ولدت لعبد الرحمن القاسم وعبد الله وفي رواية بن سعد ولدت له إسماعيل وعبد الله وذكر بن القداح في نسب الاوس أنها أم إياس بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن رافع الاوسي وفي رواية مالك فسأله فأخبره أنه تزوج امرأة من الانصار وفي رواية زهير وابن علية وابن سعد وغيرهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مهيم ومعناه ما شأنك أو ما هذا وهي كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أو مركبة قولان لاهل اللغة وقال بن مالك هي اسم فعل بمعنى أخبر ووقع في رواية للطبراني في الاوسط فقال له مهيم وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشئ ووقع في رواية بن السكن مهين بنون آخره بدل الميم والاول هو المعروف ووقع في رواية حماد بن زيد عن ثابت عند المصنف وكذا في رواية عبد العزيز بن صهيب عند أبي عوانة قال ما هذا قال في جوابه تزوجت امرأة من الانصار وللطبراني في الاوسط من حديث أبي هريرة بسند فيه ضعف أن عبد الرحمن بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة فقال ما هذا الخضاب اعرست قال نعم الحديث قوله كم اصدقتها كذا في رواية حماد بن سلمة ومعمر عن ثابت وفي رواية الطبراني على كم وفي رواية الثوري وزهير ما سقت إليها وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه وفي رواية مالك كم سقت إليها قوله وزن نواة بنصب النون على تقدير فعل أي اصدقتها ويجوز الرفع على تقدير
[ 192 ]
مبتدأ أي الذي أصدقتها هو قوله من ذهب كذا وقع الجزم به في رواية بن عيينة والثوري وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وفي رواية زهير وابن عليه نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه بالشك وفي رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب على وزن نواة وعن قتادة على وزن نواة من ذهب ومثل الاخير في رواية حماد بن زيد عن ثابت وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة ولمسلم من رواية شعبة عن أبي حمزة عن أنس على وزن نواة قال فقال رجل من ولد عبد الرحمن من ذهب ورجح الداوردي رواية من قال على نواة من ذهب واستنكر رواية من روى وزن نواة واستنكاره هو المنكر لان الذي جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لانها أن كانت نواة تمر أو غيره أو كان للنواة قدر معلوم صلح أن يقال في كل ذلك وزن نواة واختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الازهري ونقله عياض عن أكثر العلماء ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه بن قتيبة وجزم به بن فارس وجعله البيضاوي الظاهر واستبعد لانه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفا ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي قومت ثلاثة دراهم وثلثا وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف وقيل ثلاثة وربع وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الاوسط في آخر حديث قال أنس جاء وزنها ربع دينار وقد قال الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والاوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الاربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون قوله في آخر الرواية الثانية فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي التي للتقليل وزاد في رواية حماد بن زيد فقال بارك الله لك قبل قوله أولم وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وزاد في أخر الحديث قال عبد الرحمن فقلد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا أو فضة فكأنه قال ذلك إشارة الي إجابة الدعوة النبوية بان يبارك الله له ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله اعرست قال نعم قال اولمت قال لا فرمى إليه رسول الله صلى الله عيه وسلم بنواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة وهذا لو صح كان فيه أن الشاة من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع للموسر ولكن الاسناد ضعيف كما تقدم وفي رواية معمر عن ثابت قال أنس فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف قلت مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف وهذا بالنسبة لتركه الزبير التي تقدم شرحها في فرض الخمس قليل جدا فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم لان كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جدا واستدل به على توكيد أمر الوليمة وقد تقدم البحث فيه وعلي أنها تكون بعد الدخول ولا دلالة فيه وإنما فيه أنها تستدرك إذا فاتت بعد الدخول وعلي أن الشاة أقل ما تجزئ عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه كما سيأتي بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها وأيضا فيعكر على الاستدلال أنه خطاب واحد وفيه اختلاف هل يستلزم العموم أو لا وقد أشار إلى ذلك الشافعي فيما نقله البيهقي عنه قال لا أعلمه أمر بذلك غير عبد الرحمن ولا أعلمه أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة فجعل ذلك مستندا في كون الوليمة ليست بحتم ويستفاد من السياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر قال عياض واجمعوا على أن لا حد لاكثرها وأم أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال
[ 193 ]
الزوج وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها وسيأتي البحث في تكرارها في الايام بعد قليل وفي الحديث أيضا منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه بما ذكر ولعبد الرحمن بن عوف في تنزهه عن شئ يستلزم الحياء والمروءة اجتنابه ولو كان محتاجا إليه وفيه استحباب المؤاخاة وحسن الايثار من الغني للفقير حتى بإحدى زوجتيه واستحباب رد مثل ذلك على من آثر به لما يغلب في العادة من تكلف مثل ذلك فلو تحقق أنه لم يتكلف جاز وفيه أن من ترك ذلك بقصد صحيح عوضه الله خيرا منه وفيه استحباب التكسب وأن لا نقص على من يتعاطى من ذلك ما يليق بمروءة مثله وكراهة قبول ما يتوقع منه الذل من هبة وغيرها وأن العيش من عمل المرء بتجارة أو حرفة أولي لنزاهة الاخلاق من العيش بالهبة ونحوها وفيه استحباب الدعاء للمتزوج وسؤال الامام والكبير أصحابه وأتباعه عن أحوالهم ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد وجواز خروج العروس وعليه أثر العرس من خلوق وغيره واستدل به على جواز التزعفر للعروس وخص به عموم النهي عن التزعفر للرجال كما سيأتي بيانه في كتاب اللباس وتعقب بإحتمال أن تكون تلك الصفرة كانت في ثيابه دون جسده وهذا الجواب للمالكية على طريقتهم في جوازه في الثوب دون البدن وقد نقل ذلك مالك عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى رفعه لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شئ من خلوق أخرجه أبو داود فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعي ومن تبعهما في الثوب أيضا وتمسكوا بالاحاديث في ذلك وهي صحيحة وفيها ما هو صريح في المدعى كما سيأتي بيانه وعلى هذا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة أحدها أن ذلك كان قبل النهي وهذا يحتاج إلى تاريخ ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة وأكثر من روى النهي ممن تأخرت هجرته ثانيها أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له ورجحه النووي وعزاه للمحققين وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين ابداهما في قوله مهيم فقال معناه ما السبب في الذي أراه عليك فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام إنكار لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق فأجاب بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم اقصد إليه ثالثها أنه كان قد أحتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعا بين الدليلين وقد ورد الامر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقي أثر ذلك عليه رابعها كان يسيرا ولم يبق الا أثره فلذلك لم ينكر خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز سادسها ان النهي عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا ذكر ذلك أبو عبيد قال وكانوا يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه قال وقيل كان في أول الاسلام من تزوج لبس ثوبا مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه قال وهذا غير معروف قلت وفي استفهام النبي صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة علي أنه لا يختص بالتزويج لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى علي بشاشة العرس فقال أتزوجت قلت تزوجت امرأة من الانصار فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى ولكن القصة واحدة وفي أكثر الروايات أنه قال له مهيم أو ما هذا فهو المعتمد وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية ولم يقل هل اصدقتها أولا ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لاطلاق لفظ كم الموضوعة للتقدير كذا قال بعض المالكية وفيه نظر لاحتما أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة أو القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل اقره واستدل به على استحباب تقليل الصدق لان عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وقد اقره النبي صلى الله عليه وسلم على اصداقه وزن نواة من ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الامر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الاغاثة
[ 194 ]
في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كما تقدم واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها زوجها وأوفت العدة لقول سعد بن الربيع انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى اطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها ووقع تقرير ذلك ويعكر على هذا أنه لم ينقل ان المرأة علمت بذلك ولا سيما ولم يقع تعيينها لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضي إنهما علمتا معا لان ذلك كان قبل نزول آية الحجاب فكانوا يجتمعون ولولا وثوق سعد بن الربيع من كل منهما بالرضا ما جزم بذلك وقال بن المنير لا يستلزم المواعدة بين الرجلين وقوع المواعدة بين الاجنبي والمرأة لانها إذا منع وهي في العدة من خطبتها تصريحا ففي هذا يكون بطريق الاولى لانها إذا طلقت دخلت العدة قطعا قال ولكنها وأن اطلعت على ذلك فهي بعد انقضاء عدتها بالخيار والنهي إنما وقع عن المواعدة بين الاجنبي والمرأة أو وليها لا مع أجنبي آخر وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوجها تنبيه حقه أن يذكر في مكانه من كتاب الادب لكن تعجلته هنا لتكميل فوائد الحديث وذلك أن البخاري ترجم في كتاب الادب باب الاخاء والحلف ثم ساق حديث الباب من طريق يحيى بن سعيد القطان عن حميد واختصره فاقتصر منه على (4873) قوله عن أنس قال لما قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة فرأى ذلك المحب الطبري فظن أنه حديث مستقل فترجم في أبواب الوليمة ذكر الوليمة للاخاء ثم ساق هذا الحديث بهذا اللفظ وقال أخرجه البخاري وكون هذا طرفا من حديث الباب لا يخفى على من له أدنى ممارسة بهذا الفن والبخاري يصنع ذلك كثيرا والامر لعبد الرحمن بن عوف بالوليمة إنما كان لاجل الزواج لا لاجل الاخاء وقد تعرض المحب لشئ من ذلك لكنه ابداه احتمالا ولا يحتمل جريان هذا لاحتمال منم يكون محدثا فالله أعلم بالصواب الحديث الثالث حديث ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب هي بنت جحش كما في الباب الذي بعده وحماد المذكور في إسناده هو بن زيد وهذا الذي ذكره بحسب الاتفاق لا التحديد كما سأبينه في الباب الذي بعده وقد يؤخذ من عبارة صاحب النبيه من الشافعية أن الشاة حد لاكثر الوليمة لانه قال واكملها شاة لكن نقل عياض الاجماع على أنه لا حد لاكثرها وقال بن أبي عصرون اقلها للموسر شاة وهذا موافق لحديث عبد الرحمن بن عوف الماضي وقد تقدم ما فيه الحديث الرابع (4874) قوله حدثنا عبد الوارث في رواية الكشميهني عن عبد الوارث وشعيب هو بن الحبحاب وقد تقدم شرح الحديث في باب من جعل عتق الامة صداقها وقوله في آخره وأولم عليها بحيس تقدم في باب اتخاذ السراري من طريق حميد عن أنس أنه أمر بالانطاع فألقى فيها من التمر والاقط والسمن فكانت وليمته ولا مخالفة بينهما لان هذه من أجزاء الحيس قال أهل اللغة الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط بالاقط أو الدقيق أو السويق اه ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيسا الحديث الخامس (4875) قوله زهير هو بن معاوية الجعفي قوله عن بيان هو بن بشر الاحمسي ووقع في رواية بن خزيمة عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن مالك بن إسماعيل شيخ البخاري فيه عن زهير حدثنا بيان قوله بامرأة يغلب على الظن أنها زينب بنت جحش لما تقدم قريبا في رواية أبي عثمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه يدعو رجالا إلى الطعام ثم تبين ذلك واضحا من رواية الترمذي لهذا الحديث تاما من طريق أخرى عن بيان بن بشر فزاد بعد قوله إلى الطعام فما أكلوا وخرجوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلين جالسين فذكر قصة نزول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
[ 195 ]
بيوت النبي الآية وهذا في قصة زينب بنت جحش لا محالة كما قدم سياقه مطولا وشرحه في تفسير الاحزاب قوله باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض ذكر في حديث أنس في زينب بنت جحش أولم عليها بشاة وهو ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه وأشار بن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصد التفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما أنفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لا ولم بها لانه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وجوز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي قلت ونفى أنس أن يكون لم يولم على غير زينب بأكثر مم أولم عليها محمول على ما انتهى إليه علمه أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبرا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه لما أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحالة لان ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين منذ فتحها عليهم وقال بن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض بالاتحاف والالطاف والهدايا قلت وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الهبة قوله باب من أولم بأقل من شاة هذه الترجمة وإن كان حكمها مستفادا من التي قبلها لكن الذي وقع في هذه بالتنصيص (4877) قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي كما جزم به الاسماعيلي وأبو نعيم في متسخرجهما ومن تبعهما وسفيان هو الثوري لما سيأتي من كلام أهل النقد وجوز الكرماني أن يكون سفيان هو بن عيينة ومحمد بن يوسف هو البيكندي وايد ذلك بأن السفيانين رويا عن منصور بن عبد الرحمن والمجزوم به عندنا أنه الفريابي عن الثوري قال البرقاني روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي وروح بن عبادة عن الثوري فجعلوه من رواية صفية بنت شيبة ورواه أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقالوا فيه عن صفية بنت شيبة عن عائشة قال والاول أصح وصفية ليست بصحابية وحديثها مرسل قال وقد نصر النسائي قول من لم يقل عن عائشة وأورده عن بندار عن بن مهدي وقال أنه مرسل اه ورواية وكيع أخرجها بن أبي شيبة في مصنف عنه وأصلح في بعض النسخ بذكر عائشة وهو وهم من فاعله وأخرجه الاسماعيلي من رواية يزيد بن أبي حكيم العدني وأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن كثير العبدي كلاهما عن الثوري كما قال الفريابي وأخرجه الاسماعيلي أيضا من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري بذكر عائشة فيه وزعم بن المواق أن النسائي أخرجه من رواية يحيى بن آدم عن الثوري وقال ليس هو بدون الفريابي كذا قال ولم يخرجه النسائي الا من رواية يحيى بن اليمان وهو ضعيف وكذلك مؤمل بن إسماعيل في حديثه عن الثوري ضعف وأقوى من زاد فيه عائشة أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه ويحيى بن أبي زائدة والذين لم يذكروا فيه عائشة أكثر عددا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من المزيد في متصل الاسانيد وذكر الاسماعيلي أن عمر بن محمد بن الحسن بن التل رواه عن أبيه عن الثوري فقال فيه عن منصور بن صفية عن صفية بنت حيي قال وهو غلط لا شك فيه ويحتمل أن يكون مراد بعض من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لان صفية بنت شيبة ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لانها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد وتزويج المرأة كان بالمدينة كما سيأتي بيانه وأما جزم البرقاني بأنه إذا كان بدون ذكر عائشة يكون مرسلا فسبقه إلى ذلك النسائي ثم الدارقطني فقال هذا من الاحاديث التي تعد فيما أخرج البخاري من المراسيل وكذا جزم بن
[ 196 ]
سعد وابن حبان بأن صفية بنت شيبة تابعية لكن ذكر المزي في الاطراف أن البخاري أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة قال وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله قال ووصله بن ماجة من هذا الوجه قلت وكذا وصله البخاري في التاريخ ثم قال المزي لو صح هذا لكان صريحا في صحبتها لكن أبان بن صالح ضعيف كذا أطلق هنا ولم ينقل في ترجمة أبان بن صالح في التهذيب تضعيفه عن أحد بل نقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبي حاتم وأي زرعة وغيرهم وقال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف أبان بن صالح وكأنه لم يقف على قول بن عبد البر في التمهيد لما ذكر حديث جابر في استقبال قاضي الحاجة القبلة من رواية أبان بن صالح المذكور هذا ليس صحيحا لان أبان بن صالح ضعيف كذا قال وكأنه التبس عليه بأبان بن أبي عياش البصري صاحب أنس فإنه ضعيف باتفاق وهو أشهر وأكثر حديثا ورواه من أبان بن صالح ولهذا لما ذكر بن حزم الحديث المذكور عن جابر قال أبان بن صالح ليس بالمشهور قلت ولكن يكفي توثيقي بن معين ومن ذكر له وقد روى عنه أيضا بن جريج وأسامة بن زيد الليثي وغيرهما وأشهر من روى عنه محمد بن إسحاق وقد ذكر المزي أيضا حديث صفية بنت شيبة قال طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا انظر إليه أخرجه أبو داود وابن ماجة قال المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن قلت وإذا ثبتت رؤيتها له صلى الله عليه وسلم وضبطت ذلك فما المانع أن تسمع خطبته ولو كانت صغيرة قوله عن منصور بن صفية هي أمه واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري الحجي قتل جده الاعلى الحارث يوم أحد كافرا وكذا أبوه طلحة بن أبي طلحة ولجده الادنى طلحة بن الحارث رؤية وقد أغفل ذكره من صنف في الصحابة وهو وارد عليهم ووقع في رجال البخاري للكلاباذي أنه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبد الرحمن التيمي ووهم في ذلك كما نبه عليه الرضي الشاطبي فيما قرأت بخطه قوله أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه لم اقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بسند له إلى أم سلمة قالت لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة تزويجه بها فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شئ من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرية وأخذت شيئا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج بن سعد أيضا وأحمد بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته فذكر قصة خطبتها وتزويجها وفيه قالت فأخذت تعالى وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحما فعصدته له ثم بات ثم أصبح الحديث أخرجه النسائي أيضا لكن لم يذكر المقصود هنا وأصله في مسلم من وجه آخر بدونه وأما ما أخرجه الطبراني في الاوسط من طريق شريك عن حميد عن أنس قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن فهو وهم من شريك لانه كان سئ الحفظ أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلما والبزار ضعفاه وقواه أبو حاتم الرازي والبستي وإنما هو المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية كذلك أخرجه النسائي من رواية سليمان بن بلال وغيره عن حميد عن أنس مختصرا وقد تقدم مطولا في أوائل النكاح للبخاري من وجه آخر عن حميد عن أنس وأخرج أصحاب السنن من رواية الزهري عن أنس نحوه ففي قصة صفية ويحتمل أن يكون المراد بنسائه ما هو أعم من أزواجه أي من ينسب إليه من النساء في الجملة فقد أخرج الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت لقد أولم على بفاطمة فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي بشطر شعير ولا شك أن المدين نصف الصاع فكأنه قال شطر صاع
[ 197 ]
فينطبق على القصة التي في الباب وتكون نسبة الوليمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجازية أما لكونه الذي وفى اليهودي ثمن شعيره أو لغير ذلك قوله بمدين من شعير كذا وقع في رواية كل من رواه عن الثوري فيما وقفت عليه ممن قدمت ذكره إلا عبد الرحمن بن مهدي فوقع في روايته بصاعين من شعير أخرجه النسائي والاسماعيلي من روايته وهو وأن كان أحفظ من رواه عن الثوري لكن العدد الكثير أولى بالضبط من الواحد كما قال الشافعي في غير هذا والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله باب حق إجابة الوليمة والدعوة كذا عطف الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطف الدعوة عليها من العام بعد الخاص وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته وأم اختصاص اسم الوليمة به فهو قول أهل اللغة فيما نقله عنهم بن عبد البر وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به الجوهري وابن الاثير وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والاملاك وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره وقال عياض في المشارق الوليمة طعام النكاح وقيل الاملاك وقيل طعام العرس خاصة وقال الشافعي وأصحابه تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان وغيرهما لكن الاشهر استعمالها عند الاطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال وليمة الختان ونحو ذلك وقال الازهري الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنا ومعنى لان الزوجين يجتمعان وقال بن الاعرابي أصلها من تتميم الشئ واجتماعه وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس الا بقرينة وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي قال ودعوة النسب بكسر الدال وعكس ذلك بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام اه وما نسبه لبني تيم الرباب نسبه صاحبا الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب فالله أعلم وذكر النووي تبعا لعياض أن الولائم ثمانية الاعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان والعقيقة للولادة والخرس بضم المعجمة وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة والعقيقة تختص بيوم السابع والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار والوكيرة للسكن المتجدد مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى والاعذار يقال فيه أيضا العذرة بضم ثم سكون والخرس يقال فيه أيضا بالصاد المهملة بدل السين وقد تزاد في آخرها تاء فيقال خرسة وخرصة وقيل انها لسلامة المرأة من الطلق وأما التي للولادة بمعنى الفرح بالمولود فهي العقيقة واختلف في النقيعة هل التي يصنعها القادم من السفر أو تصنع له قولان وقيل النقيعة التي يصنعها القادم والتي تصنع له تسمى التحفة وقيل أن الوليمة خاص بطعام الدخول وأما طعام الاملاك فيسمى الشندخ بضم المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وقد تضم وآخره خاء معجمة مأخوذ من قوله فرس شندخ أي يتقدم غيره سمي طعام الاملاك بذلك لانه يتقدم الدخول وأغرب شيخنا في التدريب فقال الولائم سبع وهو وليمة الاملاك وهو التزوج ويقال لها النقيعة بنون وقاف ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما انتهى وموضع اغرابه تسمية وليمة الاملاك نقيعة ثم رأيته تبع في ذلك المنذري في حواشيه وقد شذ بذلك وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الدال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره بن الصباغ في الشامل وقال بن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده ويحتمل ختم قدر مقصود منه ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة وذكر المحاملي في الرونق في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الاضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم وسيأتي حكمها في أواخر كتاب العقيقة وإلا فلتذكر في الاضحية وأما المأدبة ففيها تفصيل لانها إن كانت لقوم مخصوصين فهي النقري بفتح النون والقاف مقصور وأن كانت عامة فهي الجفلى بجيم وفاء بوزن الاول قال الشاعر
[ 198 ]
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الادب منا ينتقر وصف قومه بالجود وإنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عموما لا خصوصا وخص الشتاء لانها مظنة قلة الشئ وكثرة احتياج من يدعي والادب بوزن اسم الفاعل من المأدبة وينتقر مشتق من النقري وقد وقع في آخر حديث أبي هريرة الذي أوله الوليمة حق وسنة كما أشرت إليه في باب الوليمة حق قال والخرس والاعذار والتوكير أنت فيه بالخيار وفيه تفسير ذلك وظاهر سياقه الرفع ويحتمل الوقف وفي مسند أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص في وليمة الختان لم يكن يدعي لها وأما قول المصنف حق إجابة فيشير إلى وجوب الاجابة وقد نقل بن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الاجابة لوليمة العرس وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وكلام صاحب الهداية يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنة فكأنه أراد أنها وجبت بالسنة وليست فرضا كما عرف من قاعدتهم وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية وحكى بن دقيق العيد في شرح الالمام أن محل ذلك إذا عمت الدعوة أما لو خص كل واحد بالدعوة فإن الاجابة تتعين وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكانا حرا رشيدا وأن لا يخص الاغنياء دون الفقراء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الاصح وأن يختص باليوم الاول على المشهور وسيأتي البحث فيه وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الاجابة له دون الثاني وأن جاءا معا قدم الاقرب رحما على الاقرب جوارا على الاصح فإن استويا أقرع وأن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره من منكر وغيره كما سيأتي البحث فيه بعد أربعة أبواب وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص به في ترك الجماعة هذا كله في وليمة العرس فأما الدعوة في غير العرس فسيأتي البحث فيها بعد بابين قوله ومن أولم سبعة أيام ونحوه يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الانصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وأثنى أخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة وقال فيه ثمانية أيام واليه أشار المصنف بقوله ونحوه لان القصة واحدة وهذا وأن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لاطلاق الامر بإجابة الدعوة بغير تقييد كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره وقد نبه على ذلك بن المنير قوله ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين أي لم يجعل للوليمة وقتا معينا يختص به الايجاب أو الاستحباب وأخذ ذلك من الاطلاق
[ 199 ]
وقد أفصح بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه أن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة قال البخاري لا يصح إسناده ولا يصح له صحبة يعني لزهير قال وقال بن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح قال وقال بن سيرين عن أبيه أنه لما بني بأهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه اه وقد خالف يونس بن عبيد قتادة في إسناده فرواه عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو معضلا لم يذكر عبد الله بن عثمان ولا زهيرا أخرجه النسائي ورجحه على الموصول وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه ثم أخرج النسائي عقبه حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى اعرس بها فأشار إلى تضعيفه أو إلى تخصيصه وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن عن أنس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام الحديث وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد منها عن أبي هريرة مثله أخرجه بن ماجة وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدا وله طريق أخرى عن أبي هريرة أشرت إليها في باب الوليمة حق وعن أنس مثله أخرجه بن عدي والبيهقي وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وله طريق أخرى ذكر بن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه مروان بن معاوية عن عوف عن الحسن عن أنس نحوه فقال إنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن بن مسعود أخرجه الترمذي بلفظ طعام أول يوم حق وطعام يوم الثاني سنة وطعام يوم الثالث سمعت ومن سمع سمع الله به وقال لا نعرفه الا من حديث زياد بن عبد الله البكائي وهو كثير الغرائب والمناكير قلت وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته وعن بن عباس رفعه طعام في العرس يوم سنة وطعام يومين فضل وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة أخرجه الطبراني بسند ضعيف وهذه الاحاديث وأن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلا وقد وقع في رواية أبي داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان قال قتادة بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم وأجاب ودعى ثاني يوم فأجاب ودعى ثالث يوم فلم يجب وقال أهل رياء وسمعة فكأنه بلغه الحديث فعمل بظاهره أن ثبت ذلك عنه وقد عمل به الشافعية والحنابلة قال النووي إذا أولم ثلاثا فالاجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الاول وقد حكى صاحب التعجيز في وجوبها في اليوم الثاني وجهين وقال في شرحه أصحهما الوجوب وبه قطع الجرجاني لوصفه بأنه معروف أو سنة واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الاول وأما الثاني فقالوا سنة تمسكا بظاهر لفظ حديث بن مسعود وفيه بحث وأما الكراهة في اليوم الثالث فاطلقه بعضهم لظاهر الخبر وقال العمراني إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الاول وكذا صوره الروياني واستبعده بعض المتأخرين وليس ببعيد لان إطلاق كونه رياء وسمعه يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة وإذا كثر الناس فدعا في كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبا وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية قال عياض استحب أصحابنا لاهل السعة كونها أسبوعا قال وقال بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني وإذا حملنا الامر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الامن من ذلك وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث بن عمر أورده من طريق مالك عن نافع بلفظ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وسيأتي البحث فيه بعد بابين وقوله فليأتها أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعي إلى مكان وليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثا ثانيها حديث أبي موسى أورده لقوله فيه واجيبوا الداعي وقد تقدم في الجهاد قال بن التين قوله وأجيبوا الداعي يريد إلى وليمة العرس كما دل عليه حديث بن عمر الذي قبله يعني في تخصيص الامر بالاتيان بالدعاء إلى الوليمة وقال الكرماني قوله الداعي عام وقد قال الجمهور تجب في وليمة النكاح وتستحب في غيرها فيلزم استعمال اللفظ في الايجاب والندب وهو ممتنع قال والجواب
[ 200 ]
أن الشافعي إجازة وحمله غيره على عموم المجاز اه ويحتمل أن يكون هذا اللفظ وأن كان عاما فالمراد به خاص وأما استحباب إجابة طعام غير العرس فمن دليل آخر ثالثها حديث البراء بن عازب أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا وفي آخره إجابة الداعي أورده من طريق أبي الاحوص عن الاشعث وهو بن أبي الشعثاء سليم المحاربي ثم قال بعده تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في افشاء السلام فأما متابعة أبي عوانة فوصلها المؤلف في الاشربة عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن أشعث بن سليم به وأما متابعة الشيباني وهو أبو إسحاق فوصلها المؤلف في كتاب الاستئذان عن قتيبة عن جرير عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء به وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر كتاب الادب إن شاء الله تعالى وقد أخرجه في مواضع أخرى من غير رواية هؤلاء الثلاثة فذكره بلفظ رد السلام بدل افشاء السلام فهذه نكتة الاقتصار رابعه حديث سهل بن سعد (4881) قوله حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه في رواية المستملي عن أبي حازم وذكر الكرماني أنه وقع في رواية عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل وهو سهو إذ لا بد من واسطة بينهما أما أبوه أو غيره قلت لعل الرواية عن عبد العزيز عن أبي حازم فتصحفت عن فصارت بن وسيأتي شرح الحديث بعد خمسة أبواب قوله باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله أورد فيه حديث بن شهاب عن الاعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الاغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ووقع في رواية الاسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك المساكين بدل الفقراء وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه ذكر ذلك بن بطال قال ومثله حديث أبي الشعثاء أن أبا هريرة أبصر رجلا خارجا من المسجد بعد الاذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم قال ومثل هذا لا يكون رأيا ولهذا أدخله الائمة في مسانيدهم انتهى وذكر بن عبد البر أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك كما قال مالك ومن رواية أبي الزناد عن الاعرج كذلك والاعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال سألت الزهري فقال حدثني عبد الرحمن الاعرج أنه سمع أبا هريرة فذكره ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم أيضا من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول سمعت ثابتا الاعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا صريحا وأخرج له شاهدا من حديث بن عمر كذلك والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد وقوله (4882) يدعى لها الاغنياء أي أنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة ولهذا قال بن مسعود إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب قال قال بن بطال وإذا ميز الداعي بين الاغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة لم يكن به بأس وقد فعله بن عمر وقال البيضاوي من مقدره كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم وإنما سماه شرا لما ذكر عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الاغنياء ويتركوا الفقراء وقوله يدعى الخ استئناف وبيان لكونها شر الطعام وقوله ومن ترك الخ حال والعامل يدعى أي يدعى الاغنياء والحال أن الاجابة واجبة فيكون دعاؤه سببا لاكل المدعو شر
[ 201 ]
الطعام ويشهد له ما ذكره بن بطال أن بن حبيب روى عن أي هريرة انه كان يقول أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتي يعني بالاول الاغنياء وبالثاني الفقراء قوله شر الطعام في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك بئس الطعام والاول رواية الاكثر وكذا في بقية الطرق قوله يدعى لها الاغنياء في رواية ثابت الاعرج يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها والجملة في موضوع الحال لطعام الوليمة فلو دعا الداعي عاما لم يكن طعامه شر الطعام ووقع في رواية الطبراني من حديث بن عباس بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان قوله ومن ترك الدعوة أي ترك إجابة الدعوة وفي رواية بن عمر المذكورة ومن دعي فلم يجب وهو تفسير للرواية الاخرى قوله فقد عصى الله ورسوله هذا دليل وجوب الاجابة لان العصيان لا يطلق الا على ترك الواجب ووقع في رواية لابن عمر عند أبي عوانة من دعي إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله قوله باب من أجاب إلى كراع بضم الكاف وتخفيف الراء وآخره عين مهملة هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب وقال بن فارس كراع كل شئ طرفه (4883) قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان وأبو حمزة بالمهملة والزاي هو اليشكري قوله عن أبي حازم تقدم في الهبة من رواية شعبة عن الاعمش وهو لا يروي عن مشايخه الا ما ظهر له سمامعهم فيه وأبو حازم هذا هو سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح المهملة وتشديد الزاي ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبا فإنهما وأن كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من بن دينار قوله ولو أهدى إلى كراع لقبلت كذا للاكثر من أصحاب الاعمش وتقدم في الهبة من طريق شعبة عن الاعمش بلفظ ذراع وكراع بالتغيير والذراع أفضل من الكراع وفي المثل أنفق العبد كراعا وطلب ذراعا وقد زعم بعض الشراح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم بفتح المعجمة هو موضع بين مكة والمدينة تقدم ذكره في المغازي وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الاجابة ولو بعد المكان لكن المبالغة في الاجابة مع حقارة الشئ أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة وقد تقدم توجيه ذلك في أوائل الهبة في حديث يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وأغرب الغزالي في الاحياء فذكر الحديث بلفظ ولو دعيت إلى كرع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه مرفوعا لو أهدى إلى كراع لقبلت ولو دعيت لمثله لاجب وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم بنت وادع أنها قالت يا رسول الله أتكره الهدية فقال ما أقبح رد الهدية فذكر الحديث ويستفاد سببه من هذه الرواية وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الذي يدعوه إليه شئ قليل قال المهلب لا يبعث على الدعوة إلى الطعام الا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الذمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الاجابة ولو نزر المدعو إليه وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر وقبول الهدية كذلك قوله باب إجابة الداعي في العرس وغيره ذكر فيه حديث بن عمر أجيبوا هذه الدعوة وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد والمراد وليمة العرس ويؤيده رواية بن عمر الاخرى إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وقد تقرر أن
[ 202 ]
الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك ويحتمل أن تكون اللام الغموم وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره (4884) قوله حدثنا على بن عبد الله بن إبراهيم هو البغدادي أخرج عنه البخاري هنا فقط وقد تقدم في فضائل القرآن روايته عن علي بن إبراهيم عن روح بن عبادة فقيل هو هذا نسبه إلى جده وقيل غيره كما تقدم بيانه وذكر أبو عمرو والمستلمي أن البخاري لما حدث عن علي بن عبد الله بن إبراهيم هذا سئل عنه فقال متقن قوله عن نافع في رواية فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة حدثني نافع أخرجه الاسماعيلي قوله قال كان عبد الله القائل هو نافع وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق أيوب عن نافع بلفظ إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه ولمسلم من طريق الزبيدي عن نافع بلفظ من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب وهذا يؤيد ما فهمه بن عمر وأن الامر بالاجابة لا يختص بطعام العرس وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الاجابة إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه ونقله بن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم بن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين ويعكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه دعا بالطعام فقال رجل من القوم اعفني فقال بن عمر أنه لا عافية لك من هذا فقم وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن بن عباس أن بن صفوان دعاه فقال إني مشغول وأن لم تعفني جئته وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الاجماع ولفظ الشافعي آتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليهم رجل وليمة فلا أرخص لاحد في تركها ولو تركها لم يتبين لي أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس قوله في العرس وغير العرس وهو صائم في رواية مسلم عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد ويأتيها وهو صائم ولابي عوانة من وجه آخر عن نافع وكان بن عمر يجيب صائما ومفطرا ووقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع فإن كان مفطرا فليطعم وأن كان صائما فليدع ولمسلم من حديث أبي هريرة فإن كان صائما فليصل ووقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء وهو من تفسير هشام راويه يؤيده الرواية الاخرى وحمله بعض الشراح على ظاهره فقال أن كان صائما فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لاهل المنزل والحاضرين بركتها وفيه نظر لعموم قوله لا صلاة بحضرة طعام لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم وقد تقدم في باب حق إجابة الوليمة أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع كان بن عمر إذا دعي أجاب فان كان مفطرا أكل وأن كان صائما دعا لهم وبرك ثم انصرف وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو التجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر وفي الاخلال بالاجابة تفويت ذلك ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش وعرف من قوله فليدع لهم حصول المقصود من الاجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الاكل وهل يستحب له أن يفطر أن كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة أن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالافضل الفطر وإلا فالصوم وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع
[ 203 ]
وجود الخلاف ولا سيما أن كان وقت الافطار قد قرب ويؤخذ من فعل بن عمر أن الصوم ليس عذرا في ترك الاجابة ولا سيما مع ورود الامر للصائم بالحضور والدعاء نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر ووقع في حديث جابر عند مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر لا يجب عليه الاكل وهو أصح الوجهين عند الشافعية وقال بن الحاجب في مختصره ووجوب أكل المفطر محتمل وصرح الحنابلة بعدم الوجوب واختار النووي الوجوب وبه قال أهل الظاهر والحجة لهم قوله في إحدى روايات بن عمر عند مسلم فإن كان مفطرا فليطعم قال النووي وتحمل رواية جابر على من كان صائما ويؤيده رواية بن ماجة فيه بلفظ من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك ويتعين حمله على من كان صائما نفلا ويكون فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك ويؤيده ما أخرجه الطيالسي والطبراني في الاوسط عن أبي سعيد قال دعا رجل إلى طعام فقال رجل إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعاكم أخاكم وتكلف لكم أفطر وصم يوما مكانه أن شئت في إسناده راو ضعيف لكنه توبع والله أعلم قوله باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس كأنه ترجم بهذا لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك فأراد أنه مشروع بغير كراهة (4885) قوله حدثنا عبد الرحمن بن المبارك هو العيشي بالتحتانية والشين وليس هو أخا عبد الله بن المبارك المشهور وعبد الوارث هو بن سعيد والاسناد كله بصريون قوله فقام ممتنا بضم الميم بعدها ميم ساكنة ومثناة مفتوحة ونون ثقيلة بعدها ألف أي قام قياما قويا مأخوذ من المنة بضم الميم وهي القوة أي قام إليهم مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم وقال أبو مروان بن سراج ورجحه القرطبي أنه من الامتنان لان من قام له النبي صلى الله عليه واكرمه بذلك فقد أمتن عليه بشئ لا أعظم منه قال ويؤيده قوله بعد ذلك أنتم أحب الناس إلى ونقل بن بطال عن القابسي قال قوله ممتنا يعني متفضلا عليهم بذلك فكأنه قال يمتن عليهم بمحبته ووقع في رواية أخرى متينا بوزن عظيم أي قام قياما مستويا منتصبا طويلا ووقع في رواية بن السكن فقام يمشي قال عياض وهو تصحيف قلت ويؤيد التأويل الاول ما تقدم في فضائل الانصار عن أبي معمر عن عبد الوارث بسند حديث الباب بلفظ فقام ممثلا بضم أوله وسكون الميم الثانية بعدها مثلثة مكسورة وقد تفتج وضبط أيضا بفتح الميم الثانية تشديد المثلثة والمعنى منتصبا قائما قال بن التين كذا وقع في البخاري والذي في اللغة مثل بفتح أوله وضم المثلثة وبفتحها قائما بمثل بضم المثلثة مثولا فهو مائل إذا انتصب قائما قال عياض وجاء هنا ممثلا يعني بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك اه ووقع في رواية الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الوارث فقام النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثيلا بوزن عظيم وهو فعيل من مائل وعن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن الحجاج مثله وزاد يعني مائلا قوله اللهم أنتم من أحب الناس إلي زاد في رواية أبي معمر قالها ثلاث مرات وتقديم لفظ اللهم يقع للتبرك أو للاستشهاد بالله في صدقه ووقع في رواية مسلم من طريق بن علية عن عبد العزيز اللهم إنهم والباقي مثله وأعادها ثلاث مرات وقد اتفقا كما تقدم في فضائل القرآن على رواية هشام بن زيد عن أنس جاءت امرأة من الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها وقال والذي نفسي بيده إنكم لاحب الناس إلى مرتين وفي رواية تأتي في كتاب النذور ثلاث مرات ومن في هذه الرواية مقدرة بدليل رواية حديث الباب قوله باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة هكذا اورد الترجمة بصورة الاستفهام ولم يبت الحكم لما فيها من
[ 204 ]
الاحتمال كما سأبينه إن شاء الله تعالى قوله ورأى بن مسعود صورة في البيت فرجع كذا في رواية المستملي والاصيلي والقابسي وعبدوس وفي رواية الباقين أبو مسعود والاول تصحيف فيما أظن فأنني لم أر الاثر المعلق الا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن رجلا صنع طعاما فدعاه فقال أفي البيت صورة قال نعم فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة وسنده صحيح وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الانصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم اقف عليه قوله ودعا بن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال بن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال اعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال يا عبد الله اتسترون الجدر فقال أبي واستحيا غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن تغلبه النساء فذكره ووقع لنا من وجه آخر من طريق الليث عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن سالم بمعناه وفيه فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الاول فالاول حتى أقبل أبو أيوب وفيه فقال عبد الله أقسمت عليك لترجعن فقال وأنا اهزم على نفسي أن لا ادخل يومي هذا ثم انصرف وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد فأنكره وازال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب فروينا في كتاب الزهد لاحمد من طريق عبد الله بن عتبة قال دخل بن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال بن عمر يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليهتك كل رجل ما يليه وأخرج بن وهب ومن طريقه البيهقي أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر دعي لعرس فرأى البيت قد ستر فرجع فسئل فذكر قصة أبي أيوب ثم ذكر المصنف حديث عائشة في الصور وسيأتي شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس وموضع الترجمة منه قولها قام على الباب فلم يدخل قال بن بطال فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها ونقل مذاهب القدماء في ذلك وحاصله أن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس وأن لم يقدر فليرجع وأن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة بن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره ولو كان حراما ما قعد الذين قعدوا ولا فعله بن عمر فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعا بين الفعلين ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الاباحة وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا أن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور والاولى الترك وأن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لاجله فليحضر وأن لم يكن كذلك ففيه للشافعية
[ 205 ]
وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وأن كان الاولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم تلزمه الاجابة والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لانه كالرضا بالمنكر وصححه المراوزة فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الاجابة أن لا يكون هناك منكر وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا حكاه بن بطال وغيره عن مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين أخرجه الطبراني في الاوسط ويؤيده مع وجود الامر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر وإسناده جيد وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر وأبو داود من حديث بن عمر بسند فيه انقطاع وأحمد من حديث عمر وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم وجزم جمهور الشافعية بالكراهة وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه أخرجه مسلم قال البيهقي هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار وأن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم وأنا فيه نفي الامر لذلك ونفى الامر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه وجاء النهي عن ستر الجدر صريحا منها في حديث بن عباس عند أبي داود وغيره ولا سترتوا الجدر بالثياب وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه بن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال امحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم قال لا أدخله حتى يهتك وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كيف بكم إذا سترتم بيوتكم الحديث وأصله في النسائي (0) قوله باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس أي بنفسها ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة عرس أبي أسيد وترجم عليه في الذي بعده النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس وتقدم قبل أبواب في إجابة الدعوة (4887) قوله عن سهل في الرواية التي بعدها سمعت سهل بن سعد قوله لما عرس كذا وقع بتشديد الراء وقد أنكره الجوهري فقال اعرس ولا تقل عرس قوله أبو أسيد في الرواية الماضية دعا أبو أسيد النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه وزاد في هذه الرواية وأصحابه ولم يقع ذلك في الروايتين الاخريين قوله فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم الا امرأته أم اسيد بضم الهمزة وهي ممن وافقت كنيتها كنية زوجها واسمها سلامة بنت وهيب قوله بلت تمرات بموحدة ثم لام ثقيلة أي انقعت كما في الرواية الت بعدها وإنما ضبطته لاني رأيته في شرح بن التين ثلاث بلفظ العدد وهو تصحيف وزاد في الرواية التي بعدها فقالت أو قال كذا بالشك لغير الكشميهني وله فقالت أو ما تدرون بالجزم وتقدم في الرواية الماضية قال سهل وهي المعتمدة فالحديث من رواية سهل وليس لام أسيد فيه رواية وعلى هذا فقوله أتدرون ما انقعت يكون بفتح العين وسكون التاء في الموضعين وعلى رواية الكشميهني يكون بسكون العين وضم التاء قوله في تور بالمثناة إناء يكون من
[ 206 ]
نحاس وغيره وقد بين هنا أنه كان من حجارة قوله اماثته بمثلثة ثم مثناة قال بن التين كذا وقع رباعيا وأهل اللغة يقولونه ثلاثيا ماثته بغير ألف أي مرسته بيدها يقال ماثه يموثه ويميثه بالواو وبالياء وقال الخليل مثت الملح في الماء ميثا اذبته وقد انماث هو اه وقد أثبت الهروي اللغتين ماثه وأماثه ثلاثيا ورباعيا قوله تحفة بذلك كذا للمستملي والسرخسي تحفة بوزن لقمة وللاصيلي مثله وعنه بوزن تخصه وهو كذلك لابن السكن بالخاء والصاد الثقيلة وكذا هو لمسلم وفي رواية الكشميهني اتحفته بذلك وفي رواية النسفي تتحفه بذلك وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك وشرب ما لا يسكر في الوليمة وفيه جواز إيثار كبير القوم في الوليمة بشئ دون من معه قوله باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس تقدم في الذي قبله وقوله الذي لا يسكر استنبطه من قرب العهد بالنقع لقوله انقعته من الليل لانه في مثل هذه المدة من اثناء الليل إلى اثناء النهار لا يتخمر وإذا لم يتخمر لم يسكر قوله باب المداراة هو بغير همز بمعنى المجاملة والملاينة وأما بالهمز فمعناه المدافعة وليس مرادا هنا وقوله مع النساء وقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما المرأة كالضلع أورده في الباب عن أبي هريرة بلفظ المرأة كالضلع وقد أخرجه الاسماعيلي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ إنما في أوله وذلك أن البخاري قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله وهو الاويسي قال حدثني مالك أخرجه الاسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد ومن طريق إسحاق بن إبراهيم بن سويد عن الاويسي كلاهما عن مالك وأوله إنما وكذا أخرجه الدارقطني من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن الاويسي وأخرجه من طريق خالد بن مخلد وأوله أن المرأة وكذا أخرجه مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ أن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة (4889) قوله عن أبي الزناد عن الاعرج في رواية سعيد بن داود عند الدارقطني في الغرائب عن مالك أخبرني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز وهو الاعرج أخبره أنه سمع أبا هريرة وساق المتن بنحو لفظ سفيان لكن قال على خليقة واحدة إنما هي كالضلع الحديث ووقع لنا بلفظ المداراة من حديث سمة رفعه خلقت المرأة من ضلع فإن تقمها تكسرها فدارها تعش بها أخرجه بن حبان والحاكم والطبراني في الاوسط وقوله وفيها عوج بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم للاكثر وبالفتح لبعضهم وقال أهل اللغة الموج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين ونقل بن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئي وقال القرطبي بالفتح في الاجسام وبالكسر في المعاني وهو نحو الذي قبله وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح قوله باب الوصاة بالنساء بفتح الواو والصاد المهملة مقصور وهي لغة في الوصية كما تقدم وفي بعض الروايات الوصاية (4890) قوله عن ميسرة هو بن عمار الاشجعي وقد تقدم ذكره في بدء الخلق وأبو حازم هو الاشجعي
[ 207 ]
سلمان مولى عزة بمهملة مفتوحة ثم زاي ثقيلة قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا الحديث هما حديثان يأتي شرح الاول منهما في كتاب الادب وقد اخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي الجعفي شيخ شيخ البخاري فيه فلم يذكر الحديث الاول وذكر بدله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد امرؤ فليتكلم بخير أو ليسكت والذي يظهر أنها أحاديث كانت عند حسين الجعفي عن زائدة بهذا الاسناد فربما جمع وربما أفرد وربما استوعب وربما اقتصر وقد تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن حسين بن علي مقتصرا على الثاني وكذا أخرجه النسائي عن القاسم بن زكريا عن حسين بن علي أخرجه الاسماعيلي عن بن يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل عن حسين بن علي بالاحاديث الثلاثة وزاد ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قرى ضيفه الحديث قوله فإنهن خلقن من ضلع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد تسكن وكأن فيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق في المبتدأ عن بن عباس أن حواء خلقت من ضلع آدم الاقصر الايسر وهو نائم وكذا أخرجه بن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو بعضهم فكان المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شئ معوج وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وإنها عوجاء مثله لكون أصلها منه وقد تقدم شئ من ذلك في كتاب بدء الخلق قوله وأن اعوج شئ في الضلع أعلاه ذكر ذلك تأكيدا لمعنى الكسر لان الاقامة أمرها أظهر في الجهة العليا أو إشارة إلى أنها خلقت من اعوج أجزاء الضلع مبالغة في اثبات هذه الصفة لهن ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلا لاعلى المرأة لان أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الاذى واستعمل اعوج وأن كان من العيوب لانه أفعل للصفة وأنه شاذ وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء قوله فإن ذهبت تقيمه كسرته الضمير للضلع لا لاعلى الضلع وفي الرواية التي قبله أن أقمتها كسرتها والضمير أيضا للضلع وهو يذكر ويؤنث ويحتمل أن يكون للمرأة ويؤيده قوله بعده وأن استمتعت بها ويحتمل أن يكون المراد بكسره الطلاق وقد وقع ذلك صريحا في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم وأن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها قوله وأن تركته لم يزل اعوج أي وأن لم تقمه وقوله فاستوصوا أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها قاله البيضاوي والحامل على هذا التقدير أن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد وقد تقدم له توجيهات أخر في بدء الخلق قوله بالنساء خيرا كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه وإلى هذا أشار المؤلف باتباعه بالترجمة التي بعده باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الامور المباحة وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستماله النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للانسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم الا بالصبر عليها (4891) قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن عبد الله بن دينار قوله كنا نتقي أي نتجنب وقد بين سبب ذلك بقوله هيبة أن ينزل فينا
[ 208 ]
شئ أي من القرآن ووقع صريحا في رواية بن مهدي عن الثوري عند بن ماجة وقوله فلما توفي يشعر بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح لكن الذي يدخل تحت البراءة الاصلية فكانوا يخافون أن ينزل في ذلك منع أو تحريم وبعد الوفاة النبوية آمنوا ذلك ففعلوه تمسكا بالبراءة الاصلية رضي الله تعالى عنه قوله باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا تقدم تفسيرها في تفسير سورة التحريم وأورد فيه حديث بن عمر كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ومطابقته ظاهرة لان أهل المرء ونفسه من جملة رعيته وهو مسئول عنهم لانه أمر أن يحرص على وقايتهم من النار وامتثال أوامر الله واجتناب مناهيه وسيأتي شرح الحديث في أول كتاب الاحكام مستوفي إن شاء الله تعالى قوله باب حسن المعاشرة مع الاهل قال بن المنير نبه بهذه الترجمة على أن إيراد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحكاية يعني حديث أم زرع ليس خليا عن فائدة شرعية وهي الاحسان في معاشرة الاهل قلت وليس فيما ساقه البخاري التصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم أورد الحكاية وسيأتي بيان الاختلاف في رفعه ووقفه وليست الفائدة من الحديث محصورة فيما ذكر بل سيأتي له فوائد أخرى منها ما ترجم عليه النسائي والترمذي وقد شرح حديث أم زرع إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري روينا ذلك في جزء إبراهيم بن ديزيل الحافظ من روايته عنه وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث وذكر أنه نقل عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم وتعقب عليه فيه مواضع أبو سعيد الضرير النيسابوري وأبو محمد بن قتيبة كل منهما في تأليف مفرد والخطابي في شرح البخاري وثابت بن قاسم وشرحه أيضا الزبير بن بكار ثم أحمد بن عبيد بن ناصح ثم أبو بكر بن الانباري ثم إسحاق الكاذي في جزء مفرد وذكر أنه جمعه عن يعقوب بن السكيت وعن أبي عبيدة وعن غيرهما ثم أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان المصري ثم الزمخشري في الفائق ثم القاضي عياض وهو أجمعها وأوسعها وأخذ منه غالب الشراح بعده وقد لخصت جميع ما ذكروه (4893) قوله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن في رواية أبي ذر حدثني وهو المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي وعلى بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم وعيسى بن يونس أي بن أبي إسحاق السبيعي ووقع منسوبا كذلك عن الاسماعيلي قوله حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة في رواية مسلم وأبي يعلى عن أحمد بن جناب بجيم ونون خفيفة عن عيسى بن يونس عن هشام أخبرني أخي عبد الله بن عروة وهذا من نوادر ما وقع لهشام بن عروة في حديثه عن أبيه حيث ادخل بينهما أخا له واسطة ومثله ما سيأتي في اللباس من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان عن عروة ومضت له في رواية بواسطة اثنين بينه وبين أبيه ولم يختلف علي عيسى بن يونس في إسناده وسياقه لكن حكى عياض عن أحمد بن داود الحراني أنه رواه عن عيسى فقال في أوله عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وساقه بطوله مرفوعا كله وكذا حكاه أبو عبيد أنه بلغه عن عيسى بن يونس وتابع عيسى بن يونس على رواية مفصلا فيما حكاه الخطيب سويد بن عبد العزيز وكذا سعيد بن سلمة عن أبي الحسام كلاهما عن هشام وستأتي روايته تعليقا وأذكر من وصلها عند الفراغ من شرح الحديث وخالفهم الهيثم بن عدي فيما أخرجه الدارقطني في الجزء الثاني من الافراد فرواه عن هشام بن عروة عن أخيه يحيى بن عروة عن أبيه وخطأه الدارقطني في العلل وصوب أنه عبد الله بن عروة وقال عقبة بن خالد وعباد بن منصور
[ 209 ]
وروايتهما عند النسائي والدراوردي وعبد الله بن مصعب وروايتهما عند الزبير بن بكار وأبو أويس فيما أخرجه ابنه عنه وعبد الرحمن بن أبي الزناد وروايته عند الطبراني وأبو معاوية وروايته عند أبي عوانة في صحيحه كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه بغير واسطة وأدخل بينهما واسطة أيضا عقبة بن خالد أيضا فرواه عن هشام بن عروة عن يزيد بن رومان عن عروة لكن اقتصر على المرفوع وبين ذلك البزار قال الدارقطني وليس ذلك بمدفوع فقد رواه أبو أويس أيضا وإبراهيم بن أبي يحيى عن يزيد بن رومان اه ورواه عن عروة أيضا حفيده عمر بن عبد الله بن عروة وأبو الزناد وأبو الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الا أنه كان يقتصر على المرفوع منه وينكر على هشام بن عروة سياقه بطوله ويقول إنما كان عروة يحدثنا بذلك في السفر بقطعة منه ذكره أبو عبيد الآجري في اسئلته عن أبي داود قلت ولعل هذا هو السبب في ترك أحمد تخريجه في مسنده مع كبره وقد حدث به الطبراني عن عبد الله بن أحمد لكن عن غير أبيه وقال العقيلي قال أبو الأسود لم يرفعه الا هشام بن عروة قلت المرفوع منه في الصحيحين كنت لك كأبي زرع لام زرع وباقيه من قول عائشة وجاء خارج الصحيح مرفوعا كله من رواية عباد بن منصور عند النسائي وساقه بسياق لا يقبل التأويل ولفظه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع لام زرع قالت عائشة بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع قال اجتمع نساء فساق الحديث كله وجاء مرفوعا أيضا من رواية عبد الله بن مصعب والدراوردي عند الزبير بن بكار وكذا رواه أبو معشر عن هشام وغيره من أهل المدينة عن عروة وهي رواية الهيثم بن عدي أيضا وكذا أخرجه النسائي من رواية القاسم بن عبد الواحد عن عمر بن عبد الله بن عروة وقد قدمت ذكر رواية أحمد بن داود عن عيسى بن يونس كذلك قال عياض وكذا ظاهر رواية حنبل بن إسحاق عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة بسنده المتقدم فإن أوله عنده قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع لام زرع ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع قال عياض يحتمل أن يكون فاعل أنشأ هو عروة فلا يكون مرفوعا وأخذ القرطبي هذا الاحتمال فجزم به وزعم أن ما عداه وهم وسبقه إلى ذلك بن الجوزي لكن يعكر عليه أن في بعض طرقه الصحيحة ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث وذلك في رواية القاسم بن عبد الواحد التي أشرت إليها ولفظه كنت لك كأبي زرع لام زرع ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فانتفي الاحتمال ويقوى رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع القصة وعرفها فأقرها فيكون كله مرفوعا من هذه الحيثية ويكون المراد بقول الدارقطني والخطيب وغيرهما من النقاد أن المرفوع منه ما ثبت في الصحيحين والباقي موقوف من قول عائشة هو أن الذي تلفظ به النبي صلى الله وسلم لما سمع القصة من عائشة هو التشبيه فقط ولم يريدوا أنه ليس بمرفوع حكما ويكون من عكس ذلك فنسب قص القصة من ابتدائها إلى انتهائها إلي النبي صلى الله عليه وسلم واهما كما سيأتي بيانه قوله جلس إحدى عشرة قال بن التين التقدير جلس جماعة إحدى عشرة وهو مثل وقال نسوة في المدينة وفي رواية أبي عوانة جلست وفي رواية أبي على الطبري في مسلم جلسن بالنون وفي رواية للنسائي اجتمع وفي رواية أبي عبيد اجتمعت وفي رواية أبي يعلى اجتمعن قال القرطبي زيادة النون على لغة اكلوني البراغيث وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية واستشهدوا لها بقوله تعالى واسروا النجوى الذين ظلموا وقوله تعالى فعموا وصموا كثير منهم وحديث يتعاقبون فيكم ملائكة وقول الشاعر بحوران يعصرون السليط أقاربه وقوله يلومونني في اشتراء النخيل قومي فكلهم يعذل وقد تكلف بعض النحاة رد هذه اللغة إلى اللغة المشهورة وهي أن لا يلحق علامة الجمع ولا التثنية ولا التأنيث في الفعل إذا تقدم على الاسماء وخرج لها وجوها وتقديرات في غالبها نظر ولا يحتاج إلى ذلك بعد ثبوتها نقلا وصحتها استعمالا والله أعلم وقال عياض الاشهر ما وقع في الصحيحين وهو توحيد الفعل مع الجمع قال سيبويه حذف اكتفاء بما ظهر تقول
[ 210 ]
مثلا قام قومك فلو تقدم الاسم لم يحذف فتقول قومك قام بل قاموا ومما يوجه ما وقع هنا أن يكون إحدى عشرة بدلا من الضمير في اجتمعن والنون على هذا ضمير لا حرف علامة أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل من هن فقيل إحدى عشرة أو بإضمار أعني وذكر عياض أن في بعض الروايات إحدى عشرة نسوة قال فإن كان بالنصب أحتاج إلى إضمار أعني أو بالرفع فهو بدل من إحدى عشرة ومنه قوله تعالى وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا قال الفارسي هو بدل من قطعناهم وليس بتمييز اه وقد جوز غيره أن يكون تمييزا بتأويل يطول شرحه ووقع لهذا الحديث سبب عند انسائي من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لام زرع ووقع له سبب آخر فيما أخرجه أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان بسند له مرسل من طريق سعيد بن عفير عن القاسم بن الحسن عن عمرو بن الحارث عن الاسود بن جبر المغاري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي أن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع فقالت يا رسول الله حدثنا عنهما فقال كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفا فقلن تعالين نتذاكر ازواجنا بما فيهم ولا نكذب ووقع في رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عند أبي عوانة في صحيحه بلفظ كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع فتقول أحسن لي أبو زرع وأعطاني أبو زرع واكرمني أبو زرع وفعل بي أبو زرع ووقع في رواية الزبير بن بكار دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك يا عائشة أنا لك كأبي زرع لام زرع قلت يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع قال أن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهن إحدى عشرة امرأة وإنهن خرجن إلى مجلس فقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فيستفاد من هذه الرواية معرفة جهة قبيلتهن وبلادهن لكن وقع في رواية الهيثم انهن كن بمكة وأفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض انه نكن من خثعم وهو يوافق رواية الزبير انهن من أهل اليمن ووقع في رواية بن أبي أويس عن أبيه انهن كن في الجاهلية وكذا عند النسائي في رواية عقبة بن خالد عن هشام وحكى عياض ثم النووي قول الخطيب في المبهمات لا أعلم أحدا سمي النسوة المذكورات في حديث أم زرع الا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدا ثم ساقه من طريق الزبير بن بكار قلت وقد ساقه أيضا أبو القاسم عبد الحكيم المذكور من الطريق المرسلة التي قدمت ذكرها فإنه ساقه من طريق الزبير بن بكار بسنده ثم ساقه من الطريق المرسلة وقال فذكر الحديث نحوه وسمي بن دريد في الوشاح أم زرع عاتكة ثم قال النووي وفيه يعني سياق الزبير بن بكار أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حبى بضم المهملة وتشديد الموحدة مقصور بنت كعب والرابعة مهدد بنت أبي هزومة والخامسة كبشة والسادسة هند والسابعة حبى بنت علقمة والثامنة بنت أوس بن عبد والعاشرة كبشة بنت الارقم اه ولم يسم الاولى ولا التاسعة ولا أزواجهن ولا ابنة أبي زرع ولا أمه ولا الجارية ولا المرأة التي تزوجها أبو زرع ولا الرجل الذي تزوجته أم زرع وقد تبعه جماعة من الشراح بعده وكلامهم يوهم أن ترتيبهن في رواية الزبير كترتيب رواية الصحيحين وليس كذلك فإن الاولى عند الزبير وهي التي لم يسمها هي الرابعة هنا والثانية في رواية الزبير هي الثامنة هنا والثالثة عند الزبير هي العاشرة هنا والرابعة عند الزبير هي الاولى هنا والخامسة عنده هي التاسعة هنا والسادسة عنده هي السابعة هنا والسابعة عنده هي الخامسة هنا والثامنة عنده هي السادسة هنا والتاسعة عنده هي الثانية هنا والعاشرة عنده هي الثالثة هنا وقد اختلف كثير من رواة الحديث في ترتيبهن ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير فيه إذ لم يقع تسميتهن نعم في رواية سعيد بن سلمة مناسبة وهي سياق الخمسة اللاتي ذممن أزواجهن على حدة والخمسة اللاتي مدحن أزواجهن على حدة وسأشير إلى ترتيبهن في الكلام على قول السادسة هنا وقد أشار إلى ذلك في قول عروة عند ذكر الخامسة فهؤلاء خمس يشكون وإنما نبهت على رواية الزبير بخصوصها لما فيها من التسمية مع المخالفة في سياق الاعداد فيظن من لم يقف على حقيقة ذلك أن الثانية التي سميت عمرة بنت عمرو
[ 211 ]
هي التي قالت زوجي لا أبث خبره وليس كذلك بل هي التي قالت زوجي المس مس ارنب وهكذا الخ فللتنبيه عليه فائدة من هذه الحيثية قوله فتعاهدن وتعاقدن أي الزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا قوله أن لا يكتمن في رواية بن أبي أويس وعقبة أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أن ينعتن أزواجهن ويصدقن وفي رواية الزبير فتبايعن على ذلك قوله قالت الاولى زوجي لحم جمل غث بفتح المعجمة وتشديد المثلثة ويجوز جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم قال بن الجوزي المشهور في الرواية الخفض وقال بن ناصر الجيد الرفع ونقله عن التبريزي وغيره والغث الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره مأخوذ من قولهم غث الجرح غثا وغثيثا إذا سأل منه القيح واستغثه صاحبه ومنه اغث الحديث ومنه غث فلان في خلقه وكثر استعماله في مقابلة السمين فيقال للحديث المختلط فيه الغث والسمين قوله على رأس جبل في رواية أبي عبيد والترمذي وعر وفي رواية الزبير بن بكار وعث وهي اوفق للسجع والاول ظاهر أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه والوعث بالمثلثة الصعب المرتقي بحيث توحل فيه الاقدام فلا يتخلص منه ويشق فيه المشي ومنه وعثاء السفر قوله لا سهل بالفتح بلا تنوين وكذا ولا سمين ويجوز فيهما الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي لا هو سهل ولا سمين ويجوز الجر على إنهما صفة جمل وجبل ووقع في رواية عقبة بن خالد عن هشام عند النسائي بالنصب منونا فيهما لا سهلا ولا سمينا وفي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عنده لا بالسمين ولا بالسهل قال عياض أحسن الاوجه عندي الرفع في الكلمتين من جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقويم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه شيئين بشيئين شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر ثم فسرت ما اجملت فكأنها قالت لا الجبل سهلا فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا لان الشئ المزهود فيه أن يؤخذ إذا وجد بغير نصب ثم قالت ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لاجل تحصيله قوله فيرتقي أي فيصعد فيه وهو وصف للجبل وفي رواية للطبراني لا سهل فيرتقي إليه قوله ولا سمين فينتقل في رواية أبي عبيد فينتقي وهذا وصف اللحم والاول من الانتقال أي أنه لهزاله لا يرغب أحد فيه فينتقل إليه يقال انتقلت الشئ أي نقلته ومعنى ينتقي ليس له نقي يستخرج والنقى المخ يقال نقوت العظم ونقيته وأنتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار الجيد من الردئ قال عياض أرادت أنه ليس له نقي فطلب لاجل ما فيه من النقي وليس المراد أنه فيه نقي يطلب استخراجه قالوا آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين وإذا نفدا لم يبق فيه خير قالوا وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه من النقي وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحدا في طلبه لينقله إليه مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشئ المبذول مجانا وقال النووي فسره الجمهور بأنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن مثلا ومنها أنه مع ذلك مهزول ردئ ويؤيده قول أبي سعيد الضرير ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لانه يجمع خبث الطعم وخبث الريح ومنه أنه صعب التناول لا يوصل إليه الا بمشقة شديدة وذهب الخطابي إلى أن تشبيهها بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقة وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها في فيجمع البخل وسوء الخلق وقال عياض شبهت وعورة خلقه بالجبل وبعد خيره ببعد اللحم على رأس الجبل والزهد فيما يرجى منه مع قلته وتعذره بالزهد في لحم الجمل الهزيل فأعطت التشبيه حقه ووفته قسطه قوله قالت الثانية زوجي لا أبث خبره بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية حكاها عياض انث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه وعلى رواية النون فمرادها حديثه الذي لا خير فيه لان
[ 212 ]
النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر ووقع في رواية للطبراني لا أنم بنون وميم من النميمة قوله إني أخاف أن لا أذره أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته أن بدأته لم أقدر على تكميله فاكتفت بالاشار إلى معيابه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها ووقع في رواية عباد بن منصور عند النسائي أخشى أن لا أذره من سوء وهذا تفسير بن السكيت ويؤيده أن في رواية عقبة بن خالد أني أخاف أن لا أذره أذكره وأذكر عجره وبجره وقال غيره الضمير لزوجها وعليه يعود ضمير عجره وبجره بلا شك كأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها فكأنها قالت أخاف أن لا أقدر على تركه لعلاقتي به وأولادي منه وأذره بمعنى أفارقه فاكتفت بالاشارة إلى أنه له معايب وفاء بما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به ووقع في رواية الزبير زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره والاول أليق بالسجع قوله عجره وبجره بضم أوله وفتح الجيم فيهما الاول بعين مهملة والثاني بموحدة جمع عجرة وبجرة بضم ثم سكون فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة والبجر مثلها الا أنها مختصة بالتي تكون في البطن قاله الاصمعي وغيره وقال بن الاعرابي العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة وقال بن أبي أويس العجر العقد التي تكون في البطن واللسان والبجر العيوب وقيل العجر في الجنب والبطن والبجر في السرة هذا أصلهما ثم استعملا في الهموم والاحزان ومنه قول علي يوم الجمل اشكو إلى الله عجري وبجري وقال الاصمعي استعملا في المعايب وبه جزم بن حبيب وأبو عبيد الهروي وقال أبو عبيد بن سلام ثم بن السكيت استعملا فيما يكتمه المر ويخفيه عن غيره وبه جزم المبرد قال الخطاب أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة قال ولعله كان مستور الظاهر ردئ الباطن وقال أبو سعيد الضرير عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم وقال الاخفش العجر العقد تكون في سائر البدن والبجر تكون في القلب وقال بن فارس يقال في المثل افضيت إليه بعجري وبجري أي بأمري كله قوله قالت الثالثة زوجي العشنق بفتح المهملة ثم المعجمة وتشديد النون المفتوحة وآخره قاف قال أبو عبيد وجماعة هو الطويل زاد الثعالبي المذموم الطول وقال الخليل هو الطويل العنق وقال بن أبي أويس الصقر من الرجال المقدام الجرئ وحكى بن الانباري عن بن قتيبة انه قال هو القصير ثم قال كأنه عنده من الاضداد قال ولم أره لغيره انتهى والذي يظهر أنه تصحف عليه بما قال بن أبي أويس قاله عياض وقد قال بن حبيب هو المقدام على ما يريد الشرس في أموره وقيل السئ الخلق وقال الاصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع وقال غيره هو المستكره الطول وقيل ذمته بالطول لان الطول في الغالب دليل السفه وعلل ببعد الدماغ عن القلب وأغرب من قال مدحته بالطول لان العرب تتمدح بذلك وتعقب بأن سياقها يقتضي أنها ذمته وأجاب عنه بن الانباري باحتمال أن تكون أرادت مدح خلقه وذم خلقه فكأنها قالت له منظر بلا مخبر وهو محتمل وقال أبو سعيد الضرير الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابه أن تنطق بحضرته فهي تسكت على مضض قال الزمخشري وهي من الشكاية البليغة انتهى ويؤيده ما وقع في رواية يعقوب بن السكيت من الزيادة في آخره وهو على حد السنان المذلق بفتح المعجمة وتشديد اللام أي المجرد بوزنه ومعناه تشير إلى أنها منه على حذر ويحتمل أن تكون أرادت بهذا أنه أهوج لا يستقر على حال كالسنان الشديدة الحدة قوله ان أنطق أطلق وأن اسكت اعلق أي أن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني وأن سكت عنها فأنا عنده معلقة لا ذات زوج ولا أيم كما وقع في تفسير قوله تعالى فتذروها كالمعلقة فكأنها قالت أنا عنده لا ذات بعل فانتفع به ولا مطلقة فاتفرغ لغيره فهمي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعا لابي عبيد وفي الشق الثاني عندي نظر لانه لو كان ذلك مرادها
[ 213 ]
لانطلقت ليطلقها فتستريح والذي يظهر لي أيضا أنها أرادت وصف سوء حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها أن شكت له حالها وإنها تعلم أنهى متى ذكرت له شيئا من ذلك بادر إلى طلاقها وهي لا تؤثر تطليقه لمحبتها فيه ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها أن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة التي لا ذات زوج ولا ايم ويحتمل أن يكون قولها اعلق مشتقا من علاقة الحب أو من علاقة الوصلة أي أن نطقت طلقني وأن سكت استمر لي زوجة وأنا لا أوثر تطليقه لي فلذلك اسكت قال عياض أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل أن اسكت اعلق وأن أنطق أطلق أي أنها أن حادت عن السنان سقطت فهلكت وأن استمرت عليه أهلكها قوله قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة بالفتح بغير تنوين مبنية مع لا على الفتح وجاء الرفع مع التنوين فيها وهي رواية أبي عبيد قال أبو البقاء وكأنه أشبع بالمعنى أي ليس في حر فهو اسم ليس وخبرها محذوف قال ويقويه ما وقع من التكرير كذا قال وقد وقع في القراءات المشهورة البناء على الفتح في الجميع والرفع مع التوين وفتح البعض ورفع البعض وذلك في مثل قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ومثل فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي ولا برد بدل ولا قر زاد في رواية الهيثم ولا خامة بالخاء المعجمة أي لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك وأنه لين الجانب خفيف الوطأة على الصاحب ويحتمل أن يكون ذلك من بقية صفة الليل وفي رواية الزبير بن بكار والغيث غيث غمامة قال أبو عبيد أرادت أنه لا شر فيه يخاف وقال بن الانباري أرادت بقولها ولا مخافة أي أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت وصف زوجها بأنه حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود وقال غيره قد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب لانها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنا فيطيب الليل لاهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن فكأنها قالت لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي أو ليس بسئ الخلق فأسأم من عشرته فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل قوله قالت الخامسة زوجي أن دخل فهد وأن خرج أسد ولا يسأل عما عهد قال أبو عبيد فهد بفتح الفاء وكسر الهاء مشتق من الفهد وصفته بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له وقال بن حبيب شبهته في لينه وغفلته بالفهد لانه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم وقوله أسد بفتح الالف وكسر السين مشتق من الاسد أي يصير بين الناس مثل الاسد وقال بن السكيت تصفه بالنشاط في الغزو وقال بن أبي أويس معناه أن دخل البيت وثب علي وثوب الفهد وأن خرج كان في الاقدام مثل الاسد فعلى هذا يحتمل قوله وثب على المدح والذم فالاول تشير إلى كثرة جماعة لها إذا دخل فينطوي تحت ذلك تمدحها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصير عنها إذا رآها والذم أما من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة بل يثبت وثوبا كالوحش أو من جهة أنه كان سئ الخلق يبطش بها ويضربها وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والاقدام والمهابة كالاسد قال عياض فيه مطابقة بين خرج ودخل لفظية وبين فهد وأسد معنوية ويسمى أيضا المقابلة وقولها ولا يسأل عما عهد يحتمل المدح والذم أيضا فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشئ لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي ويحتمل الذم بمعنى أنه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة وغاب ثم جاء لا يسأل عن شئ من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته بل أن عرضت له بشئ من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب وأكثر الشراح شرحوه على المدح فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب وبالاسد من جهة الشجاعة وبعدم
[ 214 ]
السؤال من جهة المسامحة وقال عياض حمله الاكثر على الاشتقاق من خلق الفهد أما من جهة قوة وثوبه وأما من كثرة نومه ولهذا ضربوا المثل به فقالوا انوم من فهد قال ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لانهم قالوا في المثل أيضا اكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتي فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لاهله كما يجئ الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم لما كان في وصفها له بخلق الفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم رفعت اللبس بوصفها له بخلق الاسد فأفصحت أن الاول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وجور في الطبع قال عياض وقد قلب الوصف بعض الرواة يعني كما وقع في رواية الزبير بن بكار فقال إذا دخل أسد وإذا خرج فهد فإن كان محفوظا فمعناه أنه إذا خرج إلى مجلسه كان على غاية الرزانة والوقار وحسن السمت أو على الغاية من تحصيل الكسب وإذا دخل منزله كان متفضلا مواسيا لان الاسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضا وترك الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها وزاد في رواية الزبير بن بكار في آخره ولا يرفع اليوم لغد يعني لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد فكنت بذلك عن غاية جوده ويحتمل أن يكون المراد أنه يأخذ بالحزم في جميع أموره فلا يؤخر ما يجب عمله اليوم إلى غده قوله قالت السادسة زوجي أن أكل لف وأن شرب اشتف وأن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي إذا أكل اقتف وفيه وإذا نام بدل اضجع وزاد وإذا ذبح اغتث أي تحرى الغث وهو الهزيل كما تقدم في شرح كلام الاولى وفي رواية الطبراني ولا يدخل بدل يولج وإذا رقد بدل اضطجع وفي رواية الترمذي والطبراني فيعلم بالفاء بدل اللام في رواية غيره والمراد باللف الاكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئا وقال أبو عبيد الاكثار مع التخليط يقال لف الكتيبة بالاخرى إذا خلطها في الحرب ومنه اللفيف من الناس فأرادت أنه يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقى منه شيئا وحكى عياض رواية من رواه رف بالراء بدل اللام قال وهي بمعناها ورواية من رواه اقتف بالقاف قال ومعناه التجميع قال الخليل قفاف كل شئ جماعة واستيعابه ومنه سميت القفة لجمعها ما وضع فيها والاشتفاف في الشرب استقصاؤه مأخوذ من الشفافة بالضم والتخفيف وهي البقية تبقى في الاناء فإذا شربها الذي شرب الاناء قيل اشتفها ومنهم من رواها بالمهملة وهي بمعناها وقوله التف أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله اعراضا فهي كئيبة حزينة لذلك ولذلك قالت ولا يولج الكف ليعلم البث أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل والمراد بالبث الحزن ويقال شدة الحزن ويطلق البث أيضا على الشكوى وعلى المرض وعلى الامر الذي لا يصبر عليه فأرادت أنه لا يسأل عن الامر الذي يقع اهتمامها به فوصفته بقلة الشفقة عليها وأنه أن لو رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الاجانب فضلا عن الازواج أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع كما سيأتي وقد اختلفوا في هذا فقال أبو عبيد كان في جسدها عيب فكان لا يدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك العيب لئلا يشق عليها فمدحته بذلك وقد تعقبه كل من جاء بعده الا النادر وقالوا إنما شكت منه وذمته واستقصرت حظها منه ودل على ذلك قولها قبل وإذا اضطجع التف كأنها قالت أنه يتجنبها ولا يدنيها منه ولا يدخل يده في جنبها فيلمسها ولا يباشرها ولا يكون منه ما يكون من الرجال فيعلم بذلك محبتها له وحزنها لقلة حظها منه وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل والهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله فإن العرب تذم بكثرة الاكل والشرب وتتمدح بقلتهما وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية وانتصر بن الانباري لابي عبيد فقال لا مانع من أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه لانهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم شيئا فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره ومنهن من وصفته بضد ذلك ومنهن من جمعت وارتضى القرطبي هذا الانتصار واستدل عياض للجمهور بما وقع في رواية سعيد بن سلمة عن أبي الحسام ان عروة ذكر هذه في الخمس اللاتي يشكون أزواجهن فإنه ذكر في روايته الثلاث
[ 215 ]
المذكورات هنا أولا على الولاء ثم السابعة المذكورة عقب هذا ثم السادسة هذه فهي خامسة عنده والسابعة رابعة قال ويؤيد أيضا قول الجمهور كثرة استعمال العرب لهذه الكناية عن ترك الجماع والملاعبة وقد سبق في فضائل القرآن في قصة عمرو بن العاص مع زوج ابنه عبد الله بن عمرو حيث سألها عن حالها مع زوجها فقال هو كخير الرجال من رجل لم يفتش لنا كنفا وسبق أيضا في حديث الافك قول صفوان بن المعطل ما كشفت كنف أنثى قط فعبر عن الاشتغال بالنساء بكشف الكتف وهو الغطاء ويحتمل أن يكون معنى قوله ولا يولج الكف كناية عن ترك تفقده أمورها وما تهتم به من مصالحها وهو كقولهم لم يدخل يده في الامر أي لم يشتغل به ولم يتفقده وهذا الذي ذكره احتمالا جزم بمعناه بن أبي أويس فإنه قال معناه لا ينظر في أمر أهله ولا يبالي أن يجوعوا وقال أحمد بن عبيد بن ناصح معناه لا يتفقد اموري ليعلم ما أكرهه فيزيله يقال ما أدخل يده في الامر أي لم يتفقده قوله قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء كذلك في الصحيحين بفتح المعجمة بعدها تحتانية خفيفة ثم أخرى بعد الالف الاولى والتي بعدها بمهملة وهو شك من راوي الخبر عيسى بن يونس وقد صرح بذلك أبو يعلى في روايته عن أحمد بن خباب عنه ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي غياياء بمعجمة بغير شك والغياياء الطباقاء الاحمق الذي ينطبق عليه أمره وقال أبو عبيد العياياء بالمهلمة الذي لا يضرب ولا يلقح من الابل وبالمعجمة ليس بشئ والطباقاء الاحمق الفدم وقال بن فارس الطباقاء الذي لا يحسن الضراب فعلى هذا يكون تأكيدا لاختلاف اللفظ كقولهم بعدا وسحقا وقال الداودي قوله غياياء بالمعجمة مأخوذ من الغي بفتح المعجمة وبالمهملة مأخوذ من العي بكسر المهملة وقال أبو عبيد العياياء بالمهملة العي الذي تعيبه مباضعة النساء وأراه مبالغة من العي في ذلك وقال بن السكيت هو العي الذي لا يهتدي وقال عياض وغيره الغياياء بالمعجمة يحتمل أن يكون مشتقا من الغياية وهو كل شئ اظل الشخص فوق رأسه فكأنه مغطى عليه من جهله وهذا الذي ذكره احتمالا جزم به الزمخشري في الفائق وقال النووي قال عياض وغيره غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما اظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى مسلك أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا أشراق فيه أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون غياياء من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة قال تعالى فسوف يلقون غيا وقال بن الاعرابي الطباقاء المطبق عليه حمقا وقال بن دريد الذي تنطبق عليه أموره وعن الجاحظ الثقيل الصدر عند الجماع ينطبق صدره على صدر المرأة فيرتفع سفله عنها وقد ذمت امرأة أمرا القيس فقالت له ثقيل الصدر خفيف العجر سريع الاراقة بطئ الافاقة قال عياض ولا منافاة بين وصفها له بالعجز عند الجماع وبين وصفها بثقل الصدر فيه لاحتمال تنزيله على حالتين كل منهما مذموم أو يكون أطباق صدره من جملة عيبة وعجزه وتعاطيه ما لا قدرة له عليه لكن كل ذلك يرد على من فسر عياياء بأنه العنين وقولها كل داء له داء أي كل شئ تفرق في الناس من المعايب موجود فيه وقال الزمخشري يحتمل أن يكون قولها له داء خبرا لكل أي أن كل داء تفرق في الناس فهو فيه ويحتمل أن يكون له صفة لداء وداء خير لكل أي كل داء فيه في غاية التناهي كما يقال أن زيدا لزيد وأن هذا الفرس لفرس قال عياض وفيه من لطيف الوحي والاشارة الغاية لانه انطوى تحت هذه الكلمة كلام كثير وقولها شجك بمعجمة أوله وجيم ثقيله أي جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجاجا وقولها أو فلك بفاء ثم لام ثقيلة أي جرح جسدك ومنه قول الشاعر بهن فلول أي ثلم جمع ثلمة ويحتمل أن يكون المراد نزع منك كل ما عندك أو كسرك بسلاطه لسانه وشدة خصومته زاد بن السكيت في روايته أو بجك بموحدة ثم جيم أي طعنك في جراحتك فشقتها والبج شق القرحة وقيل هو الطعنة وقولها أو جمع كلالك وقع في رواية الزبير أن حدثته سبك وأن مازحته فلك وإلا جمع كلا لك وهي توضح أن أو في رواية الاصيلي للتقسيم لا للتخيير وقال الزمخشري يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء فإذا ضرب إما أن يكسر عظما أو يشج رأسها أو يجمعهما ويحتمل أن يريد بالفل الطرد والابعاد وبالشج
[ 216 ]
الكسر عند الضرب وأن كان الشج إنما يستعمل فر جراحة الرأس قال عياض وصفته بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائص بان يعجز عن قضاء وطرها مع الاذى فإذا حدثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا اغضبته كسر عضوا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال قوله قالت الثامنة زوجي المس مس ارنب والريح ريح زرنب زاد الزبير في روايته وأنا اغلبه والناس يغلب وكذا في رواية عقبة عند النسائي وفي رواية عمر عنده وكذا الطبراني لكن بلفظ وتغلبه بنون الجمع والارنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا والزرنب بوزن الارنب لكن أوله زاي وهو نبت طيب الريح وقيل هو شجرة عظيمة بالشام بجبل لبنان لا تثمر لها ورق بين الخضرة والصفرة كذا ذكره عياض واستنكره بن البيطار وغيره من أصحاب المفردات وقيل هو حشيشة دقيقة طيبة الرائحة وليست ببلاد العرب وأن كانوا ذكروها قال الشاعر بأبي أنت وفوك الاشنب كأنما ذر عليه الزرنب وقيل هو الزعفران وليس بشئ واللام في المس والريح نائبة عن الضمير أي مسه وريحه أو فيهما حذف تقديره الريح منه والمس منه كقولهم السمن منوان بدرهم وصفته بأنه لين الجسد ناعمه ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته بأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب تظرفا ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن طيب حديثه أو طيب الثناء عليه لجميل معاشرته وأما قولها وأنا اغلبه والناس يغلب فوصفته مع جميل عشرته لها وصبره عليها بالشجاعة وهو كما قال معاوية يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام قال عياض هذا من التشبيه بغير أداة وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع وأما قولها والناس يغلب ففيه نوع من البديع يسمى التنميم لانها لو اقتصرت على قولها وأنا اغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت والناس يغلب دل على أن غلبها إياه إنما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن اوصافه قوله قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد زاد الزبير بن بكار في روايته لا يشبع ليله يضاف ولا ينام ليلة يخاف وصفته بطول البيت وعلوه فإن بيوت الاشراف كذلك يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم الطارقون والوافدون فطول بيوتهم أما لزيادة شرفهم أو لطول قاماتهم وبيوت غيرهم قصار وقد لهج الشعراء بمدح الاول وذم الثاني كقوله قصار البيوت لا ترى صهواتها وقال آخر إذا دخلوا بيوتهم اكبوا على الركبات من قصر العماد ومن لازم طول البيت أن يكون متسعا فيدل على كثرة الحاشية والغاشية وقيل كنت بذلك عن شرفه ورفعه قدره والنجاد بكسر النون وجيم خفيفة حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته وكانت العرب تتمادح بالطول وتذم بالقصر وقولها عظيم الرماد تعني أن نار قراه للاضياف لا تطفأ لنهتدي الضيفان إليها فيصير رماد النار كثيرا لذلك وقولها قريب البيت من الناد وقفت عليها بالسكون لمؤاخاة السجع والنادي والندى مجلس القوم وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا واتشوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريبا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره أو أنه وضع بيته في وسط الناس ليسهل لقاؤه ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى قال زهير بسط البيوت لكي يكون مظنة من حيث توضع جفنة المسترفد ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه لكونه لا يحتجب عنهم ولا يتباعد منهم بل يقرب ويتلقاهم ويبادر لاكرامهم وضد من يتوارى بأطراف الحلل وأغوار المنازل ويبعد عن سمت الضيف لئلا يهتدوا إلى مكانه
[ 217 ]
فإذا استبعدوا موضعه صدوا عنه ومالوا إلى غيره ومحصل كلامها أنه وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة قوله قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر ايقن انهن هوالك وقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي والزبير المبارح بدل المبارك وفي رواية أبي يعلى المزاهر بصيغة الجمع وعند الزبير الضيف بدل المزهر والمبارك بفتحتين جمع مبرك وهو موضع نزول الابل والمسارح جمع مسرح وهو الموضع الذي تطلق لترعى فيه والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء آلة من الات اللهو وقيل هي العود وقيل دف مربع وأنكر أبو سعيد الضرير تفسير المزهر بالعود فقال ما كانت العرب تعرف العود الا من خالط الحضر منهم وإنما هو بضم الميم وكسر الهاء وهو الذي يوقد النار فيزهرها للضيف فإذا سمعت الابل صوته ومعمعان النار عرفت أن ضيفا طرق فتيقنت الهلاك وتعقبه عياض بان الناس كلهم رووه بكسر الميم وفتح الهاء ثم قال ومن الذي أخبره أن مالكا المذكور لم يخالط الحضر ولا سيما مع ما جاء في بعض طرق هذا الحديث انهن كن من قرية من قرى اليمن وفي الاخرى انهن من أهل مكة وقد كثر ذكر المزهر في اشعار العرب جاهليتها واسلامها ببدويها وحضريها اه ويرد عليه أيضا وروده بصيغة الجمع فإنه بعينه للآلة ووقع في رواية يعقوب بن السكيت وابن الانباري من الزيادة وهو إمام القوم في المهالك فجمعت في وصفها له بين الثروة والكرم وكثرة القرى والاستعداد له والمبالغة في صفاته ووصفته أيضا مع ذلك بالشجاعة لان المراد بالمهالك الحروب وهو لثقته بشجاعته يتقدم رفقته وقيل أرادت أنه هاد في السبل الخفية عالم بالطرق في البيداء فالمراد على هذا بالمهالك المفاوز والاول أليق والله أعلم وما في قولها وما مالك استفهامية يقال للتعظيم والتعجب والمعنى وأي شئ هو مالك ما اعظمه واكرمه وتكرير الاسم ادخل في باب التعظيم وقولها مالك خير من ذلك زيادة في الاعظام وتفسير لبعض الابهام وأنه خير مما اشير إليه من ثناء وطيب ذكر وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر وهو أجل ممن اصفه لشهرة فضله وهذا بناء على أن الاشارة بقولها ذلك إلى ما تعتقده فيه من صفات المدح ويحتمل أن يكون المراد مالك خير من كل مالك والتعميم يستفاد من المقام كما قيل تمرة خير من جرادة أي كل تمرة خير من كل جرادة وهذا إشارة إلى ما في ذهن المخاطب أي مالك خير مما في ذهنك من مالك الاموال وهو خير مما سأصفه به ويحتمل أن تكون الاشارة إلى ما تقدم من الثناء على الذين قبله وأن مالكا جمع من الذين قبله لخصال السيادة والفضل ومعنى قولها قليلات المسارح أنه لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منهن إلى المسارح الا قليلا ويترك سائرهن بفنائه فإن فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها ومنه قول الشاعر حبسنا ولم نسرح لكي لا يلومنا على حكمه صبرا معودة الحبس ويحتمل أن تريد بقولها قليلات المسارح الاشارة إلى كثرة طروق الضيفان فاليوم الذي يطرقه الضيف فيه لا تسرح حتى يأخذ منها حاجته للضيفان واليوم الذي لا يطرقه فيه أحد أو يكون هو فيه غائبا تسرح كلها فأيام الطروق أكثر من أيام عدمه فهي لذلك قليلات المسارح وبهذا يندفع اعتراض من قال لو كانت قليلات المسارح لكانت في غاية الهزال وقيل المراد بكثرة المبارك أنها كثيرا ما تثار فتحلب ثم تترك فتكثر مباركها لذلك وقال بن السكيت أن المراد أن مباركها على العطايا والحمالات وأداء الحقوق وقرى الاضياف كثيرة وإنما يسرح منها ما فضل عن ذلك فالحاصل أنها في الاصل كثيرة ولذلك كانت مباركها كثيرة ثم إذا سرحت صارت قليلة لاجل ما ذهب منها وأما رواية من روى عظيمات المبارك فيحتمل أن يكون المعنى أنها من سمنها وعظم جثتها تعظم مباركها وقيل المراد أنها إذا بركت كانت كثيرة لكثر من ينضم إليها ممن يلتمس القرى وإذا سرحت سرحت وحدها فكانت قليلة بالنسبة لذلك ويحتمل أن يكون المراد
[ 218 ]
بقلة مسارحها قلة الامكنة التي ترعى فيها من الارض وإنها لا تمكن من الرعي الا بقرب المنازل لئلا يشق طلبها إذا احتيج إليها ويكون ما قرب من المنزل كثير الخصب لئلا تهزل ووقع في رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أبو مالك وما أبو مالك ذو إبل كثيرة المسالك قليلة المبارك قال عياض أن لم تكن هذه الرواية وهما فالمعنى أنها كثيرة في حال رعيها إذا ذهبت قليلة في حال مباركها إذا قامت لكثرة ما ينحر منها وما يسلك منها فيه من مسالك الجود من رفد ومعونة وحمل وحمالة ونحو ذلك وأما قولها ايقن انهن هوالك فالمعنى أنه كثرت عادته بنحر الابل لقرى الضيفان ومن عادته أن يسقيهم ويلهيهم أو يتلقاهم بالغناء مبالغة في الفرح بهم صارت الابل إذا سمعت صوت الغناء عرفت أنها تنحر ويحتمل أنها لم ترد فهم الابل لهلاكها ولكن لما كان ذلك يعرفه من يعقل اضيف إلى الابل والاول أولي قوله قالت الحادية عشرة قال النووي وفي بعض النسخ الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر والصحيح الاول وفي رواية الزبير وهي أم زرع بنت اكيمل بن ساعدة قوله زوجي أبو زرع في رواية النسائي نكحت أبا زرع قوله فما أبو زرع في رواية أبي ذر وما أبو زرع وهو المحفوظ للاكثر زاد الطبراني في رواية صاحب نعم وزرع قوله أناس بفتح الهمزة وتخفيف النون وبعد الالف مهملة أي حرك قوله من حلى بضم المهملة وكسر اللام أذني بالتثنية والمراد أنه ملا أذنيها بما جرت عادة النساء من التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك وقال بن السكيت أناس أي اثقل حتى تدلى واضطرب والنوس حركة كل شئ متدل وقد تقدم حديث بن عمر أنه دخل على حفصة وساتها تنطف مع شرح المراد به في المغازي ووقع في رواية بن السكيت أذني وفرعي بالتثنية قال عياض يحتمل أن تريد بالفرعين اليدين لانهما كالفرعين من الجسد تعني أنه حلى اذنيها ومعصميها أو أرادت العنق واليدين وأقامت اليدين مقام فرع واحد أو أرادت اليدين والرجلين كذلك أو الغديرتين وقرني الرأس فقد جرت عادة المترفات بتنظيم غدائرهن وتحلية نواصيهن وقرونهن ووقع في رواية بن أبي أويس فرعى بالافراد أي حلى رأسي فصار يتدلى من كثرته وثقله والعرب تسمى شعر الرأس فرعا قال امرؤ القيس وفرع يغشى المتن اسود فاحم قوله وملا من شحم عضدي قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله لان العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد وخصت العضد لانه أقرب ما يلي بصر الانسان من جسده قوله وبجحنى بموحدة ثم جيم خفيفة وفي رواية النسائي ثقيلة ثم مهملة قوله فبجحت بسكون المثناة وفي رواية لمسلم فتبجحت إلي بالتشديد نفسي هذا هو المشهور في الروايات وفي رواية النسائي وبجح نفسي فبجحت إلي وفي أخرى له ولابي عبيد فبجحت بضم التاء وإلى بالتخفيف والمعنى أنه فرحها ففرحت وقال بن الانباري المعنى عظمني فعظمت إلى نفسي وقال بن السكيت المعنى فخرني ففخرت وقال بن أبي أويس معناه وسع علي وترفني قوله وجدني في أهل غنيمة بالمعجمة والنون مصغر قوله بشق بكسر المعجمة قال الخطابي هكذا الرواية والصواب بفتح الشين وهو موضع بعينه وكذا قال أبو عبيد وصوبه الهروي وقال بن الانباري هو بالفتح والكسر موضع وقال بن أبي أويس وابن حبيب هو بالكسر والمراد شق جبل كانوا فيه لقلتهم وسعهم سكنى شق الجبل أي ناحيته وعلى رواية الفتح فالمراد شق في الجبل كالغار ونحوه وقال بن قتيبة وصوبه نفطويه المعنى بالشق بالكسر إنهم كانوا في شظف من العيش يقال هو بشق من العيش أي بشظف وجهد ومنه لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس وبهذا جزم الزمخشري وضعف غيره قوله فجعلني في أهل صهيل أي خيل وأطيط أي إبل زاد في رواية النسائي وجامل وهو جمع جمل والمراد اسم فاعل لمالك الجمال كقوله لابن وتأمر واصل الاطيط صوت أعواد المحامل والرجال على الجمال فأرادت إنهم أصحاب محامل تشير بذلك إلى رفاهيتهم ويطلق الاطيط على كل صوت نشأ عن ضغط كما في حديث باب
[ 219 ]
الجنة ليأتين عليه زمان وله اطيط ويقال المراد بالاطيط صوت الجوف من الجوع قوله ودائس اسم فاعل من الدوس وفي رواية للنسائي ودياس قال بن السكيت الدائس الذي يدوس الطعام وقال أبو عبيد تأوله بعضهم من دياس الطعام وهو دراسه وأهل العراق يقولون الدياس وأهل الشام الدراس فكأنها أرادت إنهم أصحاب زرع وقال أبو سعيد المراد أن عندهم طعاما منتقى وهم في دياس شئ آخر فخيرهم متصل قوله ومنق بكسر النون وتشديد القاف قال أبو عبيد لا أدرى معناه وأظنه بالفتح من تنقى الطعام وقال بن أبي أويس المنق بالكسر نقيق أصوات المواشي تصف كثرة ماله وقال أبو سعيد الضرير هو بالكسر من نقيقة الدجاج يقال انق الرجل إذا كان له دجاج قال القرطبي لا يقال لشئ من أصوات المواشي نق وإنما يقال نق الضفدع والعقرب والدجاج ويقال في الهر بقلة وأما قول أبي سعيد فبعيد لان العرب لا تتمدح بالدجاج ولا تذكرها في الاموال وهذا الذي أنكره القرطبي لم يرده أبو سعيد وإنما أراد ما فهمه الزمخشري فقال كأنها أرادت من يطرد الدجاج عن الحب فينق وحكى الهروي أن المنق بالفتح الغربال وعن بعض المغاربة يجوز أن يكون بسكون النون وتخفيف القاف أي له أنعام ذات نقي أي سمان والحاصل أنها ذكرت أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والابل والزرع وغير ذلك ومن أمثالهم أن كنت كاذبا فحلبت قاعدا أي صار مالك غنما يحلبها القاعد وبالضد أهل الابل والخيل قوله فعنده أقول في رواية للنسائي أنطق وفي رواية الزبير أتكلم قوله فلا أقبح أي فلا يقال لي قبحك الله أو لا يقبح قولي ولا يرد علي أي لكثرة إكرامه لها وتدللها عليه لا يرد لها قولا ولا يقبح عليها ما تأتي به ووقع في رواية الزبير فبينما أنا عنده أنام الخ قوله وأرقد فاتصبح أي أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا اوقظ إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها قوله واشرب فاتقنح كذا وقع بالقاف والنون الثقيلة ثم المهملة قال عياض لم يقع في الصحيحين الا بالنون ورواه الاكثر في غيرهما بالميم قلت وسيأتي بيان ذلك في آخر الكلام على هذا الحديث حيث نقل البخاري أن بعضهم رواه بالميم قال أبو عبيد اتقمح أي أروى حتى لا أحب الشرب مأخوذ من الناقة القامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريا وأما بالنون فلا أعرفه انتهى وأثبت بعضهم أن معنى اتقنح بمعنى اتقمح لان النون والميم يتعاقبان مثل امتقع لونه وانتقع وحكى شمر عن أبي زيد التقنح الشرب بعد الري وقال بن حبيب الري بعد الري وقال أبو سعيد هو الشرب على مهل لكثرة اللبن لانها كانت آمنة من قلته فلا تبادر إليه مخافة عجزه وقال أبو حنيفة الدينوري قنحت من الشراب تكارهت عليه بعد الري وحكى القالي قنحت الابل تقنح بفتح النون في الماضي والمستقبل قنحا بسكون النون وبفتحها أيضا إذا تكارهت الشرب بعد الري وقال أبو زيد وابن السكيت أكثر كلامهم تقنحت تقنحا بالتشديد وقال بن السكيت معنى قولها فأتقنح أي لا يقطع على شربي فتوارد هؤلاء كلهم على أن المعنى أنها تشرب حتى لا تجد مساغا أو أنها لا يقلل مشروبها ولا يقطع عليها حتى تتم شهوتها منه وأغرب أبو عبيد فقال لا أراها قالت ذلك الا لعزة الماء عندهم أي فلذلك فخرت بالري من الماء وتعقبوه بان السياق ليس فيه التقييد بالماء فيحتمل أن تريد أنواع الاشربة من لبن وخمر ونبيذ وسويق وغير ذلك ووقع في رواية الاسماعيلي عن البغوي فانفتح بالفاء والمثناة قال عياض أن لم يكن وهما فمعناه التكبر والزهو يقال في فلان فتحه إذا تاه وتكبر ويكون ذلك تحصل لها من نشأة الشراب أو يكون راجعا إلى جميع ما تقدم أشارت به إلى عزتها عنده وكثرة الخير لديها فهي تزهو لذلك أو معنى اتقنح كناية عن سمن جسمها ووقع في رواية الهيثم وآكل فاتمنح أي أطعم غيري يقال منحه يمنحه إذا أعطاه واتت بالالفاظ كلها بوزن اتفعل إشارة إلى تكرار الفعل وملازمته ومطالبة نفسها أو غيرها بذلك فإن ثبتت هذه الرواية وإلا ففي الاقتصار على ذكر الشرب إشارة إلى أن المراد به اللبن لانه هو الذي يقوم مقام الشراب والطعام قوله أم أبي زرع فما أم أبي زرع عكومها
[ 220 ]
رداح وبيتها فساح في رواية أبي عبيد فياح بتحتانية خفيفة من فاح يفيح إذا اتسع ووقع في رواية أبي العباس العذري فيما حكاه عياض أم زرع وما أم زرع بحذف أداة الكنية قال عياض وعلى هذا فتكون كنت بذلك عن نفسها قلت والاول هو الذي تضافرت به الروايات وهو المعتمد وأما قوله فما أم أبي زرع فتقدم بيانه في قول العاشرة والعكوم بضم المهملة جمع عكم بكسرها وسكون الكاف هي الاعدال والاحمال التي تجمع فيها الامتعة وقيل هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها حكاه الزمخشري ورداح بكسر الراء وبفتحها وآخره مهملة أي عظام كثيرة الحشو قاله أبو عبيد وقال الهروي معناه ثقيلة يقال للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة السير لكثرة من فيها ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك رداح وقال بن حبيب إنما هو رداح أي ملاى قال عياض رأيته مضبوطا وذكر أنه سمعه من بن أبي أويس كذلك قال وليس كما قاله شراح العراقيين قال عياض وما أدري ما أنكره بن حبيب مع أنه فسره بما فسره به أبو عبيد مع مساعدة سائر الرواة له قال ويحتمل أن يكون مراده أن يضبطها بكسر الراء لا بفتحها جمع رادح كقائم وقيام ويصح أن يكون رداح خبر عكوم فيخبر عن الجمع بالجمع ويصح أن يكون خبر المبتدأ محذوف أي عكومها كلها رداح على أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين وقد سمع الخبر عن الجمع بالواحد مثل ادرع دلاص فيحتمل أن يكون هذا منه ومنه أولياؤهم الطاغوت أشار إلى ذلك عياض قال ويحتمل أن يكون مصدرا مثل طلاق وكمال أو على حذف المضاف أي عكومها ذات رداح قال الزمخشري لو جاءت الرواية في عكوم بفتح العين لكان الوجه على أن يكون المراد بها الجفنة التي لا تزول عن مكانها أما لعظمها وأما لان القرى متصل دائم من قولهم ورد ولم يعكم أي لم يقف أو التي كثر طعامها وتراكم كما يقال اعتكم الشئ وارتكم قال والرداح حينئذ تكون واقعة في مصابها من كون الجفنة موصوفة بها وفساح بفتح الفاء والمهملة أي واسع يقال بيت فسيح وفساح وفياح بمعناه ومنهم من شدد الياء مبالغة والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والاثاث والقماش واسعة المال كبيرة البيت أما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة وأما كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم لانهم يقولون فلان رحب المنزل أي يكرم من ينزل عليه وأشارت بوصف والدة زوجها إلى أن زوجها كثير البر لامه وأنه لم يطعن في السن لان ذلك هو الغالب ممن يكون له والدة توصف بمثل ذلك قوله بن أبي زرع فما بن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة زاد في رواية لابن الانباري وترويه فيقة اليعرة ويميس في حلق النترة فأما مسل الشطبة فقال أبو عبيد أصل الشطبة ما شطب من الجريد وهو سعفه فيشق منه قضبان رقاق تنسج منه الحصر وقال بن السكيت الشطبة من سدى الحصير وقال بن حبيب هي العود المحدد كالمسلة وقال بن الاعرابي أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من غمده فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة أما على ما قال الاولون فعلى قدر ما يسل من الحصير فيبقى مكانه فارغا وأما على قول بن الاعرابي فيكون كغمد السيف وقال أبو سعيد الضرير شبهته بسيف مسلول ذي شطب وسيوف اليمن كلها ذات شطب وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف أما لخشونة الجانب وشدة المهابة واما لجمال الرونق وكمال اللالاء وأما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها وقال الزمخشري المسل مصدر بمعنى السل يقام مقام المسلول والمعنى كمسلول الشطبة وأما الجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء فهي الانثى من ولد المعز إذا كان بن أربعة أشهر وفصل عن أمة وأخذ في الرعي قاله أبو عبيد وغيره وقال بن الانباري وابن دريد ويقال لولد الضأن أيضا إذا كان ثنيا وقال الخليل الجفر من أولاد الشاة ما استجفر أي صار له بطن والفيقة بكسر الفاء وسكون التحتانية بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين والفواق بضم الفاء الزمان الذي بين الحلبتين واليعرة بفتح التحتانية وسكون المهملة بعدها راء العناق ويميس بالمهملة أي يتبختر والمراد يحلق النترة وهي بالنون المفتوحة ثم المثناة الساكنة
[ 221 ]
الدرع اللطيفة أو القصيرة وقيل اللينة الملمس وقيل الواسعة والحاصل أنها وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جاف قليل الاكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال وكل ذلك مما تتمادح به العرب ويظهر لي أنها وصفته بأنه خفيف الوطأة عليها لان زوج الاب غالبا يستثقل ولده من غيرها فكان هذا يخفف عنها فإذا دخل بيتها فانفق أنه قال فيه مثلا لم يضطجع الا قدر ما يسل السيف من غمده ثم يستيقظ مبالغة في التخفيف عنها وكذا قولها يشبعه ذراع الجفرة أنه لا يحتاج ما عندها بالاكل فضلا عن الاخذ بل لو طعم عندها لاقتنع باليسير الذي يسد الرمق من المأكول والمشروب قوله بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع في رواية مسلم وما بالواو بدل الفاء قوله طوع أبيها وطوع أمها أي انها بارة بهما زاد في رواية الزبير وزين أهلها ونسائها أي يتجملون بها وفي رواية للنسائي زين أمها وزين أبيها بدل طوع في الموضعين وفي رواية للطبراني وقرة عين لامها وأبيها وزين لاهلها وزاد الكاذي في روايته عن بن السكيت وصفر ردائها وزاد في رواية قباء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عكناء فعماء تجلاء دعجاء رجاء فنواء مؤنقة مفنقة قوله وملء كسائها كناية عن كمال شخصها ونعمة جسمها قوله وغيظ جارتها في رواية سعيد بن سلمة عند مسلم وعقر جارتها بفتح المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها وفي رواية للنسائي والطبراني وحير جارتها بالمهملة ثم التحتانية من الحيرة وفي أخرى له وحين جارتها بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها نون أي هلاكها وفي رواية الهيثم بن عدي وعبر جارتها بضم المهملة وسكون الموحدة وهو من العبرة بالفتح أي تبكي حسدا لما تراه منها أو بالكسر أي تعتبر بذلك وفي رواية سعيد بن سلمة وحبر نسائها واختلف في ضبطه فقيل بالمهملة والموحدة من التحبير وقيل بالمعجمة والتحتانية من الخيرية والمراد بجارتها ضرتها أو هو على حقيقته لان الجارات من شأنهن ذلك ويؤيد الاول أن في رواية حنبل وغير جارتها بالغين المعجمة وسكون التحتانية من الغيرة وسيأتي قريبا قول عمر لحفصة لا يغرنك أن كانت جارتك اضوأ منك يعني عائشة وقولها صفر بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء أي خال فارغ والمعنى أن رداءها كالفارغ الخالي لانه لا يمس من جسمها شيئا لان ردفها وكتفيها يمنع مسه من خلفها شيئا من جسمها ونهدها يمنع مسه شيئا من مقدمها وفي كلام بن أبي أويس وغيره معنى قولها صفر ردائها تصفها بأنها خفيفة موضع التردية وهو أعلى بدنها ومعنى قوله ملء كسائها أي ممتلئة موضع الازرة وهو أسفل بدنها والصفر الشئ الفارغ قال عياض والاولى أنه أراد أن امتلاء منكبيها وقيام نهديها يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فهو لا يمسه فيصير كالفارغ منها بخلاف اسفلها ومنه قول الشاعر أبت الروادف والنهود لقمصها من ان تمس بطونها وظهورها وقولها قباء بفتح القاف وبتشديد الموحدة أي ضامرة البطن وهضيمة الحسا هو بمعنى الذي قبله وجائلة الوشاح أي يدور وشاحها لضمور بطنها وعكناء أي ذات اعكان وفعماء بالمهملة أي ممتلئة الجسم ونجلاء بنون وجين أي واسعة العين ودعجاء أي شديدة سواد العين ورجاء بتشديد الجيم أي كبيرة الكفل ترتج من عظمة أن كانت الرواية بالراء فإن كانت بالزاي فالمراد في حاجبيها تقويس ومونقة بنون ثقيلة وقاف ومفنقة بوزنه أي مغذية بالعيش الناعم وكلها أوصاف حسان وفي رواية بن الانباري برود الظل أي أنها حسنة العشرة كريمة الجوار وفي الالي بتشديد التحتانية والالى بكسر الهمزة أي العهد أو القرابة كريم الخل بكسر المعجمة أي الصاحب زوجا كان أو غيره وإنما ذكرت هذه الاوصاف مع أن الموصوف مؤنث لانها ذهبت به مذهب التشبيه أي هي كرجل في هذه الاوصاف أو حملته على المعنى كشخص أو شئ ومنه قول عروة بن حرام
[ 222 ]
وعفراء عني الممرض المتواني قال الزمخشري ويحتمل أن يكون بعض الرواة نقل هذه الصفة من الابن إلى البنت وفي أكثر هذه الاوصاف رد على الزجاجي في إنكاره مثل قولهم مررت برجل حسن وجهه وزعم أن سيبويه انفرد باجازة مثل ذلك وهو ممتنع لانه أضاف الشئ إلى نفسه قال القرطبي أخطأ الزجاجي في مواضع في منعه وتعليله وتخطئته ودعواه الشذوذ وقد نقل بن خروف أن القائلين به لا يحصى عددهم وكيف يخطئ من تمسك بالسماع الصحيح كما جاء في هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته وكما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم شئن أصابعه تنبيه سقط من رواية الزبير ذكر بن أبي زرع ووصف بنت أبي زرع فجعل وصف بن أبي زرع لبنت أبي زرع ورواية الجماعة أولي وأتم قوله جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع في رواية الطبراني خادم أي زرع وفي رواية الزبير وليد أبي زرع والوليد الخادم يطلق على الذكر والانثى قوله لا تبث حديثنا تبثيثا بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية بالنون بدل الموحدة وهما بمعنى بث الحديث ونث الحديث اظهره ويقال بالنون في الشر خاصة كما تقدم في كلام الاولى وقال بن الاعرابي النثاث المغتاب ووقع في رواية الزبير ولا تخرج قوله ولا تنفث بتشديد القاف بعدها مثلثة أي تسرع فيه بالخيانة تذهبه بالسرقة كذا في البخاري وضبطه عياض في مسلم بفتح أوله وسكون النون وضم القاف قال وجاء تنقيثا مصدرا على غير الاصل وهو جائز كما في قوله تعالى فتقبلها ربها بقول حسن وأنبتها نباتا حسنا ووقع عند مسلم في الطريق التي بعد هذه وهي رواية سعيد بن سلمة ولا تنقث بالتشديد كما في رواية البخاري انتهى وضبطه الزمخشري بالفاء الثقيلة بدل القاف وقال في شرحه النفث والتفل بمعنى وأرادت المبالغة في براءتها من الخيانة فيحتمل أن كان محفوظا أن تكون إحدى الروايتين في مسلم بالقاف كما في رواية البخاري والاخرى بالفاء والميرة بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها راء الزاد وأصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله وقال أبو سعيد التنقيث إخراج ما في منزل أهلها إلى غيرهم وقال بن حبيب معناه لا تفسده ويؤيده أن رواية الزبير ولا تفسد وذكر مسلم أن في رواية سعيد بن سلمة بالفاء في الموضعين وفي رواية أبي عبيد ولا تنقل وكذا للزبير عن عمه مصعب ولابي عوانة ولا تنتقل وفي رواية عن بن الانباري ولا تغث بمعجمة ومثلثة أي تفسد وأصله من الغثة بالضم وهي الوسوسة وفي رواية للنسائي ولا تفتش ميرتنا تفشيشا بفاء ومعجمتين من الافشاش طلب الاكل من هنا وهنا ويقال فش ما على الخوان إذا أكله أجمع ووقع عند الخطابي ولا تفسد ميرتنا تغشيشا بمعجمات وقال مأخوذ من غشيش الخبر إذا فسد تريد أنها تحسن مراعاة الطعام وتتعاهده بأن تطعم منه أولا طريا ولا تغفله فيفسد وقال القرطبي فسره الخطابي بأنها لا تفسد الطعام المخبوز بل تتعهده بأن تطعمهم منه أولا فأولا وتبعه المازري وهذا إنما يتمشى على الرواية التي وقعت للخطابي وأما على رواية الصحيح ولا تملا فلا يستقيم وإنما معناه أنها تتعهده بالتنظيف والحاصل أن الرواية في الاولى كما في الاصل ولا تنقث ميرتنا تنقيثا وعند الخطابي ولا تفسد ميرتنا تغشيشا بالغين المعجمة واتفقتا في الثانية على ولا تملا بيتنا تعشيشا وهي بالعين المهملة وعلى رواية الخطابي هي أقعد بالسجع أعني تعشيشا من تنقيثا والله أعلم قوله ولا تملا بيتنا تعشيشا بالمهملة ثم معجمتين أي أنها مصلحة للبيت مهتمة بتنظيفه وإلقاء كناسته وابعادها منه وإنها لا تكتفي بقم كناسته وتركها في جوانبه كأنها الاعشاش وفي رواية الطبراني ولا تعش بدل ولا تملا ووقع في رواية سعيد بن سلمة التي علقها البخاري بعد بالغين المعجمة بدل المهملة وهو من الغش ضد الخالص أي لا تملؤه بالخيانة بل هي ملازمة للنصيحة فيما هي فيه وقال بعضهم هو كناية عن عفة فرجها والمراد أنها لا تملا البيت وسخا بأطفالها من الزنا وقال بعضهم كناية عن وصفها بأنها لا تأتيهم بشر ولا تهمة وقال الزمخشري في تعشيشا بالعين المهملة يحتمل أن يكون من عششت النخلة إذا قل سعفها أي لا تملؤه اختزالا وتقليلا لما فيه ووقع في رواية الهيثم ولا تنجث اخبارنا تنجيثا بنون وجيم ومثلثة أي
[ 223 ]
تستخرجها وأصل التنجثة ما يخرج من البئر من تراب ويقال أيضا بالموحدة بدل الجيم زاد الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن جعفر الوكاني عن عيسى بن يونس قالت عائشة حتى ذكرت كلب أبي زرع وكذا ذكره الاسماعيلي عن البغوي عن الوركاني وزاد الهيثم بن عدي في روايته ضيف أبي زرع فما ضيف أبي زرع في شبع ورى ورتع طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع لا تفتر ولا تعدى تقدح قدرا وتنصب أخرى فتلحق الآخرة بالاولى مال أبي زرع فما مال أبي زرع على الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس وقوله ري ورتع بفتح الراء وبالمثناة أي تنعم ومسرة والطهاة بضم المهملة الطباخون وقوله لا تفتر بالفاء الساكنة ثم المثناة المضمومة أي لا تسكن ولا تضعف وقوله ولا تعدى بمهملة أي تصرف وتقدح بالقاف والحاء المهملة أي تفرق وتنصب أي ترفع على النار والجمم بالجيم جمع جمة هم القوم يسألون في الدية ومعكوس أي مردود والعفاة السائلون ومحبوس أي موقوف عليهم قوله قالت خرج أبو زرع في رواية النسائي خرج من عندي وفي رواية الحارث بن أبي أسامة ثم خرج من عندي قوله والاوطاب تمخض الاوطاب جمع وطب بفتح أوله وهو وعاء اللبن وذكر أبو سعيد أن جمعه على أو طاب على خلاف قياس العربية لان فعلا لا يجمع على افعال بل على فعال وتعقب بأنه قال الخليل جمع الوطب وطاب وأوطاب وقد جمع فرد على افراد فبطل الحصر الذي ادعاه نعم القياس في فعل أفعل في القلة وفعال أو فعول في الكثرة قال عياض ورأيت في رواية حمزة عن النسائي والاوطاب بغير واو فإن كان مضبوطا فهو على إبدال الواو همزة كما قالوا اكاف ووكاف قال يعقوب بن السكيت أرادت أنه يبكر بخروجه من منزلها غدوة وقت قيام الخدم والعبيد لاشغالهم وانطوى في خبرها كثرة خير داره وغزر لبنه وأن عندهم ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده ويحتمل أن يكون أنها أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع قلت وكأن سبب ذكر ذلك توطئة للباعث على رؤية أبي زرع للمرأة على الحالة التي رآها عليها أي أنها من مخض اللبن تعبت فاستلقت تستريح فرآها أبو زرع على ذلك قوله فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين في رواية الطبراني فأبصر امرأة لها ابنان كالفهدين وفي رواية بن الانباري كالصقرين وفي رواية الكاذي كالشبلين ووقع في رواية إسماعيل بن أبي أويس سارين حسنين نفيسين وفائدة وصفها لهما التنبيه على أسباب تزويج أبي زرع لها لانهم كانوا يرغبون في أن تكون أولادهم من النساء المنجبات فلذلك حرص أبو زرع عليها لما رآها وفي رواية للنسائي فإذا هو بأم غلامين ووصفها لهما بذلك للاشارة إلى صغر سنهما واشداد خلقهما وتواردت الروايات على إنهما ابناها الا ما رواه أبو معاوية عن هشام فإنه قال فمر على جارية معها اخواها قال عياض يتأول بأن المراد إنهما ولداها ولكنهما جعلا اخويها في حسن الصورة وكمال الخلقة فإن حمل على ظاهره كان أدل على صغر سنها ويؤيده قوله في رواية غندر فمر بجارية شابة كذا قال وليس لغندر في هذا الحديث رواية وإنما هذه رواية الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن جعفر وهو الوركاني ولم يدرك الحارث محمد بن جعفر غندرا ويؤيد أنه الوركاني أن غندرا ما له رواية عن عيسى بن يونس وقد أخرجه الاسماعيلي عن البغوي عن محمد بن جعفر الوركاني ولكن لم يسق لفظه ثم أن كونهما اخويها يدل على صغر سنها فيه نظر لاحتمال أن يكونا من أبيها وولدا له بعد أن طعن في السن وهي بكر أولاده فلا تكون شابة ويمكن الجمع بين كونهما اخويها وولديها بأن تكون لما وضعت ولديها كانت أمها ترضع فأرضعتهما قوله يلعبان من تحت خصرها برمانتين في رواية الحارث من تحت درعها وفي رواية الهيثم من تحت صدرها قال أبو عبيد يريد أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت ارتفع كفلها بها من الارض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمانة قال وذهب بعض الناس إلى الثديين وليس هذا موضعه اه وأشار بذلك إلى ما جزم به إسماعيل بن أبي أويس ويؤيد قول أبي عبيد ما وقع في رواية أبي معاوية وهي مستلقية على قفاها ومعهما رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر
[ 224 ]
من عظم اليتيها لكن رجح عياض تأويل الرمانتين بالنهدين من جهة أن سياق أبي معاوية هذا لا يشبه كلام أم زرع قال فلعله من كلام بعض رواته أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر وإلا لم تجر العادة بلعب الصبيان ورميهم الرمان تحت أصلاب أمهاتهم وما الحامل لها على الاستلقاء حتى يصفان ذلك ويرى الرجال منها ذلك بل الاشبه أن يكون قولها يلعبان من تحت خصرها أو صدرها أي أن ذلك مكان الولدين منها وأنهما كانا في حضنيها أو جنبيها وفي تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها وإنها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى اه وما رده ليس ببعيد أما نفي العادة فمسلم لكن من أين له أن ذلك لم يقع اتفاقا بأن تكون لما استلقت وولداها معها شغلتهما عنها بالرمانة يلعبان بها ليتركاها تستريح فاتفق إنهما لعبا بالهيئة التي حكيت وأما الحامل لها على الاستلقاء فقد قدمت احتمال أن يكون من التعب الذي حصل لها من المخض وقد يقع ذلك للشخص فيستلقي في غير موضع الاستلقاء والاصل عدم الادراج الذي تخيله وأن كان ما اختاره من أن المراد بالرمانة ثديها أولي لانه ادخل في وصف المرأة بصغر سنها والله أعلم قوله فطلقني ونكحها في رواية الحارث فأعجبته فطلقني وفي رواية أبي معاوية فخطبها أبو زرع فتزوجها فلم تزل به حتى طلق أم زرع فأفاد السبب في رغبة أبي زرع فيها ثم في تطليقه أم زرع قوله فنكحت بعده رجلا في رواية النسائي فاستبدلت وكل بدل أعور وهو مثل معناه أن البدل من الشئ غالبا لا يقوم مقام المبدل منه بل هو دونه وأنزل منه والمراد بالاعور المعيب قال ثعلب الاعور الردئ من كل شئ كما يقال كلمة عوراء أي قبيحة وهذا إنما هو على الغالب وبالنسبة فأخبرت أم زرع أن الزوج الثاني لم يسد مسد أبي زرع قوله سريا بمهملة ثم راء ثم تحتانية ثقيلة أي من سراة الناس وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة والسري من كل شئ خياره وفسره الحربي بالسخى ووقع في رواية الزبير شابا سريا قوله ركب شريا بمعجمة ثم راء ثم تحتانية ثقيلة قال بن السكيت تعني فرسا خيارا فائقا وفي رواية الحارث ركب فرسا عربيا وفي رواية الزبير اعوجيا وهو منسوب إلى اعوج فرس مشهور تنسب إليه العرب جياد الخيل كان لبني كندة ثم لبني سليم ثم لبني هلال وقيل لبني غنى وقيل لبني كلاب وكل هذه القبائل بعد كندة من قيس قال بن خالويه كان لبعض ملوك كندة فغزا قوما من قيس فقتلوه وأخذوا فرسه وقيل أنه ركب صغيرا رطبا قبل أن يشتد فاعوج وكبر على ذلك والشرى الذي يستشرى في سيره أي يمضي فيه بلا فتور وشري الرجل في الامر إذا لج فيه وتمادى وشري البرق إذا كثر لمعانه قوله وأخذ خطيا بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة نسبة إلى الخط صفة موصوف وهو الرمح ووقع في رواية الحارث وأخذ رمحا خطيا والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح ويقال أصلها من الهند تحمل في البحر إلى الخط المكان المذكور وقيل أن سفينة في أول الزمان كانت مملوءة رماحا قذفها البحر إلى الخط فخرجت رماحها فيها فنسبت إليها وقيل أن الرماح إذا كانت على جانب البحر تصير كالخط بين البر والبحر فقيل لها الخطية لذلك وقيل الخط منبت الرماح قال عياض ولا يصح وقيل الخط الساحل وكل ساحل خط قوله الرواح بمهملتين من الرواح ومعناه أتى بها إلى المراح وهو موضع مبيت الماشية قال بن أبي أويس معناه أنه غزا فغنم فأتى بالنعم الكثيرة قوله علي بالتشديد وفي رواية الطبراني وأراح على بيتي قوله نعما بفتحتين وهو جمع لا واحد له من لفظه وهو الابل خاصة ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها إبل وفي رواية حكاها عياض نعما بكسر أوله جمع نعمة والاشهر الاول قوله ثريا بمثلثة أي كثيرة والثرى المال الكثير من الابل وغيرها يقال اثرى فلان فلانا إذا كثره فكان في شئ من الاشياء أكثر منه وذكر ثريا وأن كان وصف مؤنث لمراعاة السجع ولان كل ما ليس تأنيثه حقيقيا يجوز فيه التذكير والتأنيث قوله وأعطاني من كل رائحة براء وتحتانية ومهملة في رواية لمسلم ذابحة بمعجمة ثم موحدة ثم مهملة أي
[ 225 ]
مذبوحة مثل عيشة راضية أي مرضية فالمعنى أعطاني من كل شئ يذبح زوجا وفي رواية الطبراني من كل سائمة والسائمة الراعية والرائحة الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار قوله زوجا أي اثنين من كل شئ من الحيوان الذي يرعى والزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد أيضا وأرادت بذلك كثرة ما أعطاها وأنه لم يقتصر على الفرد من ذلك قوله وقال كلي أم زرع وميرى أهلك أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة بكسر الميم وهي الطعام والحاصل أنها وصفته بالسؤدد في ذاته والشجاعة والفضل والجود بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي منه ما شاءت لاهلها مبالغة في اكرامها ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لابي زرع وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول ازواجها فسكنت محبته في قلبها كما قيل ما الحب الا للحبيب الاول زاد أبي معاوية في روايته فتزوجها رجل آخر فأكرمها أيضا فكانت تقول أكرمني وفعل لي وتقول في آخر ذلك لو جمع ذلك كله قوله قالت فلو جمعت في رواية الهيثم فجمعت ذلك كله وفي رواية الطبراني فقلت لو كان هذا أجمع في أصغر قوله كل شئ في رواية للنسائي كل الذي قوله أعطانيه في رواية مسلم أعطاني بلا هاء قوله ما بلغ أصغر آنية أبي زرع في رواية بن أبي أويس ما ملا إناء من آنية أبي زرع وفي رواية للنسائي ما بلغت إناء وفي رواية الطبراني فلو جمعت كل شئ أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملاه لان الاناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النعم ويظهر لي حمله على معنى غير مستحيل وهي أنها أرادت أن الذي أعطاها جملة أراد أنها توزعه على المدة إلى أن يجئ أوان الغزو فلو وزعته لكان حظ كل يوم مثلا لا يملا أصغر آنية أبي زرع التي كان يطبخ فيها في كل يوم على الدوام والاستمرار بغير نقص ولا قطع قوله قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الكاذي في روايته يا عائش وفي رواية بن أبي أويس يا عائشة قوله قلت لك في رواية للنسائي فكنت لك وفي رواية الزبير أنا لك وهي تفسير المراد برواية كنت كما جاء في تفسير قوله تعالى كنتم خير أمة أي أنتم ومنه من كان في المهد أي من هو في المهد ويحتمل أن تكون كان هنا على بابها والمراد بها الاتصال كما في قوله تعالى وكان الله غفورا رحيما إذ المراد بيان زمان ماض في الجملة أي كنت لك في سابق علم الله قوله كأبي زرع لام زرع زاد في رواية الهيثم بن عدي في الالفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء وزاد الزبير في آخره الا أنه طلقها وإني لا اطلقك ومثله في رواية للطبراني وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع وفي أول رواية للزبير بأبي وأمي لانت خير لي من أبي زرع لام زرع وكأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تطييبا لها وطمأنينة لقلبها ودفعا لايهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك وقد وقع الافصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها تنبيه وقع عند أبي يعلى عن سويد بن سعيد عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور عن عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عروة عن عائشة أنها حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع في أم زرع كذا فيه ولم يسق لفظه ولم اقف في شئ من طرقه على هذا الشعر وأخرجه أبو عوانة من طريق عبد الله بن عمران والطبراني من طريق بن أبي عمر كلاهما عن بن عيينة بإسناده ولم يسق لفظه أيضا قوله قال سعيد بن سلمة هو بن أبي الحسام وهو مدني صدوق ما له في البخاري الا هذا الموضع قوله قال هشام هو بن عروة يعني بهذا الاسناد وقد وصله مسلم عن الحسن بن علي عن موسى بن إسماعيل عنه ولم يسق لفظه بتمامه بل ذكر أن عنده عيانا ولم يشك وأنه قال وصفر ردائها وخير نسائها وعقر جارتها وقال ولا تنقث ميرتنا تنقيثا وقال وأعطاني من كل رائحة وقد بينت ذلك كله وهذا الذي نبه عليه البخاري من قوله ولا تعشش بيتنا تعشيشا اختلف في ضبطه فقيل بالغين المعجمة وقيل بالمهملة وقد تقدم
[ 226 ]
بيانه وقد وصله أبو عوانة في صحيحه والطبراني بطوله وإسناده موافق لعيسى بن يونس وأشرت إلى ما في روايته من المخالفة فيما تقدم مفصلا وذكر الجياني أنه وقع عند أبي زيد المروزي بلفظ قال سعيد بن سلمة عن أبي سلمة وعشش بيتنا تعشيشا وهو خطأ في السند والمتن والصواب ولا تعشش وقال موسى حدثنا سعيد عن هشام قوله قال أبو عبد الله وقال بعضهم فانقمح بالميم وهذا أصح أبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف وهو يوضح أن الذي وقع في أصل روايته انقنح بالنون وقد رواه انقمح بالميم من طريق عيسى بن يونس أيضا النسائي وأبو يعلى وابن حبان والجوزقي وغيرهم وكذا وقع في رواية سعيد بن سلمة المذكورة وفي رواية أبي عبيد أيضا وقد تقدم بيان الاختلاف في ضبطها ومعناها وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالامور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع وفيه المزح أحيانا وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهله واعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه واعراضها عنه وفيه منع الفخر بالمال وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين وأخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لا سيما عند وجود ما طبعن عليه من كفر الاحسان وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور وقد تقدم في أبواب الهبة جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف إذا استوفى للاخرى حقها وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها وفيه الحديث عن الامم الخالية وضرب الامثال بهم اعتبارا وجواز الانبساط بذكر طرف الاخبار ومستطابات النوادر تنشيطا للنفوس وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم ووصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء وجواز المبالغة في الاوصاف ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنا لانه يفضي إلى خرم المروءة وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر أما بالسؤال عنه وأما ابتداء من تلقاء نفسه وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة أشار إلى ذلك الخطابي وتعقبه أبو عبد الله التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها واما الحكاية عمن ليس بحاضر فليس كذلك وإنما هو نظير من قال في الناس شخص يسئ ولعل هذا هو الذي أراده الخطابي فلا تعقب عليه وقال المازري قال بعضهم ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم قال المازري وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن فأقرهن على ذلك فأما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة مجرمة على من يقوله ويسمعه الا أن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لانه لا يتأذى الا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه ثم أن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلا عن أسمائهم ولم يثبت النسوة إسلام حتى يجري عليهم حكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته ومع ذلك فحقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الاول وفيه أن الحب يستر الاساءة لان أبا زرع مع اساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الافراط والغلو وقد وقع في بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعرا ففي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل لكن محله إذا كن مجهولات والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله صلى الله عليه وسلم
[ 227 ]
كنت لك كأبي زرع والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم في الالفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن والخادم وغير ذلك وما لم يذكر من أمور الدين كلها وفه أن كناية الطلاق لا توقعه الا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله عليه وسلم تشبه بأبي زرع وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه وفيه جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة لان أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال المهلب واعترضه عياض فأجاد وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسى به بل فيه أنه أخبر انحاله معها مثل حال أم زرع نعم ما استنبطه صحيح باعتبار أن الخبر إذا سيق وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له جاز التأسي به ونحو مما قاله المهلب قول آخر أن فيه قبول خبر الواحد لان أم زرع أخبرت بحال أبي زرع فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم وتعقبه عياض أيضا فأجاد نعم يؤخذ منه القبول بطريق أن النبي صلى الله عليه وسلم اقره ولم ينكره وفيه جواز قول بأبي وأمي ومعناه فداك أبي وأمي وسيأتي تقريره في كتاب الادب إن شاء الله تعالى وفيه مدح الرجل في وجهه إذا علم أن ذلك لا يفسده وفه جواز القول للمتزوج بالرفاء والبنين أن ثبتت اللفظة الزائدة أخيرا وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب وفيه أن من شأن النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالبا الا في الرجال وهذا بخلاف الرجال فإن غالب حديثهم إنما هو فيما يتعلق بأمور المعاش وفيه جواز الكلام بالالفاظ الغريبة واستعمال السجع في الكلام إذا لم يكن مكلفا قال عياض ما ملخصه في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الالفاظ وبلاغة العبارة والبديع ما لا مزيد عليه ولا سيما كلام أم زرع فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات واضح السمات نير النسمات قد قدرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه وفي كلامهن ولا سيما الاولى والعاشرة أيضا من فنون التشبيه والاستعارة والكناية والاشارة والموازنة والترصيع والمناسبة والتوسيع والمبالغة والتسجيع والتوليد وضرب المثل وأنواع المجانسة والزام ما لا يلزم والايغال والمقابلة والمطابقة والاحتراس وحسن التفسير والترديد وغرابة التقسيم وغير ذلك أشياء ظاهرة لمن تأملها وقد اشرنا إلى بعضها فيما تقدم وكمل ذلك أن غالب ذلك افرغ في قالب الانسجام وأتى به الخاطر بغير تكلف وجاء لفظه تابعا لمعناه منقادا له غير مستكره ولا منافر والله يمن على من يشاء بما شاء لا إله إلا هو (4894) قوله حدثنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله قدر الجارية الحديثة السن أي القريبة العهد بالصغر وقد بينت في شرح المتن في العيدين أنها كانت يومئذ بنت خمس عشرة سنة أو أزيد ووقع عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري الجارية العربة وهي بفتح المهملة وكسر الراء بعدها موحدة وتقدم تفسيره في صفة الجنة من بدء الخلق قوله باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها أي لاجل زوجها (4895) قوله عن بن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر في رواية عبيد بن حنين الماضية في تفسير التحريم عن بن عباس مكثت سنة أريد أو أسأل عمر قوله عن المرأتين في رواية عبيد عن آية قوله اللتين كذا في جميع النسخ ووقع عند بن التين التي بالافراد وخطأها فقال الصواب اللتين التثنية قلت ولو كانت محفوظة لامكن توجيهها قوله حتى حج وحججت معه في رواية عبيد فما أستطيع أن أسأله هيبة
[ 228 ]
له حتى خرج حاجا وفي رواية يزيد بن رومان عند بن مردويه عن بن عباس أردت أن أسأل عمر فكنت إهابه حتى حججنا معه فلما قضينا حجنا قال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك قوله وعدل أي عن الطريق الحاجة المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبا ليقضي حاجته ووقع في رواية عبيد فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الاراك لحاجة له وبين مسلم في رواية عبيد بن حنين من طريق حماد بن سلمة وابن عيينة أن المكان المذكور هو مر الظهران وقد تقدم ضبطه في المغازي قوله وعدلت معه بأداوة فتبرز أي قضى حاجته وتقدم ضبط الاداوة وتفسيرها في كتاب الطهارة وأصل تبرز من البراز وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت ثم أطلق على نفس الفعل وفي رواية حماد بن سلمة المذكورة عند الطيالسي فدخل عمر الاراك فقضى حاجته وقعدت له حتى خرج فيؤخذ منه أن المسافر إذا لم يجد الفضاء لقضاء حاجته استتر بما يمكنه الستر به من شجر البادية قوله فسكبت على يديه منها فتوضأ في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فسكبت من الاداوة قوله فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان في رواية الطيالسي فقلت يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن حديث منذ سنة فتمنعني هيبتك أن أسألك وتقدم في التفسير من رواية عبيد بن حنين فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه قال تلك حفصة وعائشة فقلت والله أن كنت لاريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبرتك به وفي رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال ما تسأل عنه أحدا أعلم بذلك مني قوله اللتان كذا في الاصول وحكى بن التين أنه وقع عنده التي بالافراد قال والصواب اللتان بالتثنية وقوله قال الله تعالى أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي قال الله تعالى لهما أن تتوبا من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله بعد وأن تظاهرا عليه أي تتعاونا كما تقدم تفسيره في تفسير السورة ومعنى تظاهرهما إنهما تعاونتا حتى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ما حرم كما سيأتي بيانه وقوله قلوبكما كثر استعمالهم في موضع التثنية بلفظ الجمع كقولهم وضعا رحالهما أي رحلي راحلتيهما قوله واعجبا لك يا بن عباس تقدم شرحه في العلم وأن عمر تعجب من بن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقدمه في العلم على غيره كما تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة النصر ومع ما كان بن عباس مشهورا به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه أو تعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم ووقع في الكشاف كأنه كره ما سأله عنه قلت وقد جزم بذلك الزهري في هذه القصة بعينها فيما أخرجه مسلم من طريق معمر عنه قال بعد قوله قال عمر واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه واستبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه قلت ويجوز في عجبا التنوين وعدمه قال بن مالك وا في قوله واعجبا أن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب ومثله واما روى وقوله بعده عجبا جئ بها تعجبا توكيدا وأن كان بغير تنوين فالاصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفا كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال وا في منادي غير مندوب وهو مذهب المبرد وهو مذهب صحيح اه ووقع في رواية معمر واعجبي لك قوله عائشة وحفصة كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية حماد بن سلمة وحده عنه حفصة وأم سلمة كذا حكاه عنه مسلم وقد أخرجه الطيالسي في مسنده عنه فقال عائشة وحفصة مثل الجماعة تنبيه هذا هو المعتمد أن بن عباس هو المبتدئ بسؤال عمر عن ذلك ووقع عند بن مردويه من وجه آخر ضعيف عن عمران بن الحكم السلمي حدثني بن عباس قال كنا نسير فلحقنا عمر ونحن نتحدث في شأن حفصة وعائشة
[ 229 ]
فسكتنا حين لحقنا فعزم علينا أن نخبره فقلنا تذاكرنا شأن عائشة وحفصة وسودة فذكر طرفا من هذا الحديث وليس بتمامه ويمكن الجمع بأن هذه القصة كانت سابقة ولم يتمكن بن عباس من سؤال عمر عن شرح القصة على وجهها الا في الحال الثاني قوله ثم استقبل عمر الحديث يسوقه أي القصة التي كانت سبب نزول الآية المسئول عنها قوله كنت أنا وجار لي من الانصار تقدم بيانه في العلم ومضى في المظالم بلفظ إني كنت وجار لي بالرفع ويجوز فيه النصب عطفا على الضمير المنصوب في قوله إني قوله في بني أمية بن زيد أي بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الاوس قوله وهم من عوالي المدينة أي السكان ووقع في رواية عقيل وهي أي القرية والعوالي جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق وكانت منازل الاوس واسم الجار المذكور أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الانصاري سماه بن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا وفيه وكان عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا الا حدثه ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه فهذا هو المعتمد وأما ما تقدم في العلم عمن قال أنه عتبان بن مالك فهو من تركيب بن بشكوال فإنه جوز أن يكون الجار المذكور عتبان لان النبي صلى الله عليه وسلم أخي بينه وبين عمر لكن لا يلزم من الاخاء أن يتجاورا والاخذ بالنص مقدم على الاخذ بالاستنباط وقد صرحت الرواية المذكورة عن بن سعد أن عمر كان مؤاخيا لاوس فهذا بمعنى الصداقة لا بمعنى الاخاء الذي كانوا يتوارثون به ثم نسخ وقد صرح به بن سعد بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخي بين أوس بن خولي وشجاع بن وهب كما صرح به بأنه أخي بين عمر وعتبان بن مالك فتبين أن معنى قوله كان مؤاخيا أي مصادقا ويؤيد ذلك أن في رواية عبيد بن حنين وكان لي صاحب من الانصار قوله فإذا نزلت الظاهر أن إذا شرطية ويجوز أن تكون ظرفية قوله جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره أي من الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن سعد المذكورة لا يسمع شيئا الا حدثه به ولا يسمع عمر شيئا الا حدثه به وسيأتي في خبر الواحد في رواية عبيد بن حنين بلفظ إذا غاب وشهدت أتيته بما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الطيالسي يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غبت واحضره إذا غاب ويخبرني وأخبره قوله وكنا معشر قريش نغلب النساء أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الانصار فكانوا بالعكس من ذلك وفي رواية يزيد بن رومان كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته الا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته وفي رواية عبيد بن حنين ما نعد للنساء أمرا وفي رواية الطيالسي كنا لا نعتد بالنساء ولا ندخلهن في امورنا قوله فطفق بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل أو أخذ والمعنى انهن اخذن في تعلم ذلك قوله من أدب نساء الانصار أي من سيرتهن وطريقتهن وفي الرواية التي في المظالم من أرب بالراء وهو العقل وفي رواية معمر عند مسلم يتعلمن من نسائهم وفي رواية يزيد بن رومان فلما قدمنا المدينة تزوجنا من نساء الانصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا قوله فسخبت بسين مهملة ثم خاء معجمة ثم موحدة وفي رواية الكشميهني بالصاد المهملة بدل السين وهما بمعنى والصخب والسخب الزجر من الغضب ووقع في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فصحت بحاء مهملة من الصياح وهو رفع الصوت ووقع في رواية عبيد بن حنين
[ 230 ]
فبينما أنا في أمر أتأمره أي أتفكر فيه وأقدره فقالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا قوله فأنكرت أن تراجعني أي تراددني في القول وتناظرني فيه ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت لها وما تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبا لك يا بن الخطاب ما تريد أن تراجع وسيأتي في اللباس من هذا الوجه بلفظ فلما جاء الاسلام وذكرهن الله رأين لهن بذلك حقا علينا من غير أن ندخلهن في شئ من امورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي وفي رواية يزيد بن رومان فقمت إليها بقضيب فضربتها به فقال يا عجبا لك يا بن الخطاب قوله ولم بكسر اللام وفتح الميم قوله تنكر أن أراجعك فوالله أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وأن أحداهن لتهجره اليوم حتى الليل في رواية عبيد بن حنين وأن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان ووقع في المظالم بلفظ غضبانا وفيه نظر وفي روايته التي في اللباس قالت تقول لي هذا وابنتك تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الطيالسي فقلت متى كنت تدخلين في امورنا فقالت يا بن الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وابنتك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل غضبان قوله لتهجره اليوم حتى الليل النصب فيهما وبالجر في الليل أيضا أي من أول النهار إلى أن يدخل الليل ويحتمل أن يكون المراد حتى أنها لتهجره الليل مضافا إلى اليوم قوله فقلت لها قد خاب كذا للاكثر خاب بخاء معجمة ثم موحدة وفي رواية عقيل فقلت قد جاءت من فعلت ذلك منهن بعظيم بالجيم ثم مثناة فعل ماض من المجئ وهذا هو الصواب في هذه الرواية التي فيها بعظيم وأما سائر الروايات ففيها خابت وخسرت فخابت بالخاء المعجمة لعطف وخسرت عليها وقد أغفل من جزم أن الصواب بالجيم والمثناة مطلقا قوله من فعل ذلك وفي رواية أخرى من فعلت فالتذكير بالنظر إلى اللفظ والتأنيث بالنظر إلى المعنى قوله ثم جمعت علي ثيابي أي لبستها جميعها فيه إيماء إلى أن العادة أن الشخص يضع في البيت بعض ثيابه فإذا خرج إلى الناس لبسها قوله فدخلت على حفصة يعني ابنته وبدأ بها لمنزلتها منه قوله قالت نعم في رواية عبيد بن حنين وأنا لنراجعه وفي رواية حماد بن سلمة فقلت الا تتقين الله قوله افتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي كذا هو بالنصب للاكثر ووقع في رواية عقيل فتهلكين وهو على تقدير محذوف وتقدم في باب المعرفة من كتاب المظالم أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين قال أبو علي الصدفي الصواب أفتأمنين وفي آخره فتهلكي كذا قال وليس بخطأ لامكان توجيهه وفي رواية عبيد بن حنين فتهلكن بسكون الكاف على خطاب جماعة النساء وعنده فقلت تعلمين وهو بتشديد اللام إني احذرك عقوبة الله وغضب رسوله قوله لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم أي لا تطلبي منه الكثير وفي رواية يزيد بن رومان لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله ليس عنده دنانير ولا دراهم فما كان لك من حاجة حتى دهنة فسليني قوله ولا تراجعيه في شئ أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله قوله ولا تهجريه أي ولو هجرك قوله ما بدا لك أي ظهر لك قوله ولا يغرنك أن بفتح الالف وبكسرها أيضا قوله جارتك أي ضرتك أو هو على حقيقته لانها كانت
[ 231 ]
مجاورة لها والاولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وأن لم يكن حسيا وقد تقدم شئ من هذا في أواخر شرح حديث أم زرع ووقع في حديث حمل بن مالك كنت بين جاريتين يعني ضرتين فإنه فسره في الرواية الاخرى فقال امرأتين وكان بن سيرين يكره تسميتها ضرة ويقول أنها لا تضر ولا تنفع ولا تذهب من رزق الاخرى بشئ وإنما هي جارة والعرب تسمى صاحب الرجل وخليطه جارا وتسمى الزوجة أيضا جارة لمخالطتها الرجل وقال الرقطي أختار عمر تسميتها جارة أدبا منه أن يضاف لفظ الضرر إلى أحد من أمهات المؤمنين قوله أوضأ من الوضاءة ووقع في رواية معمر أوسم بالمهملة من الوسامة وهي العلامة والمراد أجمل كأن الجمال رسمه أي أعلمه بعلامة قوله وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنه تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الا دلال مثل الذي لها ووقع في رواية عبيد بن حنين أبين من هذا ولفظه ولا يغرنك هذه التي اعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم اعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بواو العطف وهي أبين وفي رواية الطيالسي لا تغتري بحسن عائشة وحب رسول الله إياها وعند بن سعد في رواية أخرى أنه ليس لك مثل حظوة عائشة ولا حسن زينب يعني بنت جحش والذي وقع في رواية سليمان بن بلال والطيالسي يؤيد ما حكاه السهيلي عن بعض المشايخ أنه جعله من باب حذف حرف العطف واستحسنه من سمعه وكتبوه حاشية قال السهيلي وليس كما قال بل هو مرفوع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام وهو هذه من قوله لا يغرنك هذه فهذه فاعل والتي نعت وحب بدل اشتمال كما تقول اعجبني يوم الجمعة صوم فيه وسرني زيد حب الناس له اه وثبوت الواو يرد على رده وقد قال عياض يجوز في حب الرفع على أنه عطف بيان أو بدل اشتمال أو على حذف حرف العطف قال وضبطه بعضهم بالنصب على نزع الخافض وقال بن التين حب فاعل وحسنها بالنصب مفعول من أجله والتقدير اعجبها حب رسول الله إياها من أجل حسنها قال والضمير الذي يلي اعجبها منصوب فلا يصح بدل الحسن منه ولا الحب وزاد عبيد في هذه الرواية ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها يعني لان أم عمر كانت مخزومية مثل أم سلمة وهي أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ووالدة عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة فهي بنت عم أمه وفي رواية يزيد بن رومان ودخلت على أم سلمة وكانت خالتي وكأنه أطلق عليها خالة لكونها في درجة أمه وهي بنت عمها ويحتمل أن تكون ارتضعت معها أو أختها من أمها قوله دخلت في كل شئ يعني من أمور الناس وأرادت الغالب بدليل قولها حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فإن ذلك قد دخل في عموم قولها كل شئ لكنها لم ترده قوله فأخذتني والله أخذا أي منعتني من الذي كنت أريده تقول أخذ فلان على يد فلان أي منعه عما يريد أن يفعله قوله كسرتني عن بعض ما كنت أجد أي اخذتني بلسانها أخذا دفعني عن مقصدي وكلامي وفي رواية لابن سعد فقالت أم سلمة أي والله أنا لنكلمه فإن تحمل ذلك فهو أولي به وأن نهانا عنه كان اطوع عندنا منك قال عمر فندمت على كلامي لهن وفي رواية يزيد بن رومان ما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم وكان الحامل لعمر على ما وقع منه شدة شفقته وعظم نصيحته فكان يبسط على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أفعل كذا ولا تفعل كذا كقوله احجب نساءك وقوله لا تصل على عبد الله بن أبي وغير ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل ذلك لعلمه بصحة نصيحته وقوته في الاسلام وقد أخرج المصنف في تفسير سورة البقرة من حديث أنس عن
[ 232 ]
عمر قال وافقت الله في ثلاث الحديث وفيه وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليه فقلت لئن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن حتى أتيت إحدى نسائه فقالت يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت وهذه المرأة هي زينب بنت جحش كما أخرج الخطيب في المبهمات وجوز بعضهم أنها أم سلمة لكلامها المذكور في رواية بن عباس عن عمر هنا لكن التعدد أولي فإن في بعض طرق هذا الحديث عند أحمد وابن مردويه وبلغني ما كان من أمهات المؤمنين فاستقريتهن أقول لتكفن الحديث ويؤيد التعدد اختلاف الالفاظ في جوابي أم سلمة وزينب والله أعلم قوله وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل في المظالم بلفظ تنعل النعال أي تستعمل النعال وهي نعال الخيل ويحتمل أن يكون بالموحدة ثم المعجمة ويؤيده لفظ الخيل في هذه الرواية وتنعل في الموضعين بفتح أوله وأنكر الجوهري ذلك في الدابة فقال انعلت الدابة ولا تقل نعلت فيكون على هذا بضم أوله وحكى عياض في تنعل الخيل الوجهين وغفل بعض المتأخرين فرد عليه وقال الموجود في البخاري تنعل النعال فاعتمد على الرواية التي في المظالم ولم يستحضر التي هنا وهي التي تكلم عليها عياض قوله لتغزونا وقع في رواية عبيد بن حنين ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلات صدورنا منه وفي روايته التي في اللباس وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فد استقام له فلم يبق الا ملك غسان بالشام كنا نخاف أن يأتينا وفي رواية الطيالسي ولم يكن أحد أخوف عندنا من أن يغزونا ملك من ملوك غسان قوله فنزل صاحبي الانصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بأبي ضربا شديد وقال أثم هو أي في البيت وذلك لبطء اجابتهم له فظن أنه خرج من البيت وفي رواية عقيل أنائم هو وهي أولى قوله ففزعت أي خفت من شدة ضرب الباب بخلاف العادة قوله فخرجت إليه فقال قد حدث اليوم أخر عظيم قلت ما هو اجاء غسان في رواية معمر أجاءت وفي رواية عبيد بن حنين أجاء الغساني وقد تقدمت تسميته في كتاب العلم قوله لا بل أعظم من ذلك وأهول هو بالنسبة إلى عمر لكون حفصة بنته منهن قوله طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه كذا وقع في جميع الطرق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور طلق بالجزم ووقع في رواية عمرة عن عائشة عند بن سعد فقال الانصاري أمر عظيم فقال عمر لعل الحارث بن أبي شمر سار إلينا فقال الانصاري أعظم من ذلك قال ما هو قال ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا قد طلق نساءه وأخرج نحوه من رواية الزهري عن عروة عن عائشة وسمي الانصاري أوس بن خولي كما تقدم ووقع قوله طلق مقرونا بالظن قوله وقال عبيد بن حنين سمع بن عباس عن عمر يعني بهذا الحديث فقال يعني الانصاري اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه لم يذكر البخاري هنا من رواية عبيد بن حنين الا هذا القدر وأما ما بعده وهو قوله فقلت خابت حفصة وخسرت فهو بقية رواية بن أبي ثور لان هذا التعليق قد وصله المؤلف في تفسير سورة التحريم بلفظ فقلت جاء الغساني فقال بل أشد من ذلك اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت رغم انف حفصة وعائشة وظن بعض الناس أن من قوله اعتزل إلى آخر الحديث من سياق الطريق المعلق وليس كذلك لما بينته والموقع في ذلك إيراد البخاري بهذه اللفظة المعلقة عن عبيد بن حنين في اثناء المتن المساق من رواية بن أبي ثور فصار الظاهر أنه تحول إلى سياق عبيد بن حنين وقد سلم من هذا الاشكال النسفي فلم يسق المتن ولا القدر المعلق بل قال فذكر الحديث واجتزأ بما وقع من طريق بن أبي ثور في المظالم ومن طريق عبيد بن حنين في تفسير التحريم ووقع في مستخرج أبي نعيم ذكر القدر المعلق عن عبيد بن حنين في آخر الحديث ولا اشكال فيه وكأن البخاري أراد أن يبين أن هذا اللفظ وهو طلق نساءه لم تتفق الروايات عليه فلعل بعضهم رواها بالمعنى نعم وقع عند مسلم من طريق سماك بن زميل عن بن عباس
[ 233 ]
أن عمر قال فدخلت المسجد فإذا الناس يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وعند بن مردويه من طريق سلمة بن كهيل عن بن عباس أن عمر قال لقيني عبد الله بن عمر ببعض طرق المدينة فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وهذا أن كان محفوظا حمل على أن بن عمر لاقى أباه وهو جاء من منزله فأخبره بمثل ما أخبره به الانصاري ولعل الجزم وقع من اشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس وأصله ما وقع من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن ولذلك لم يعاتب عمر الانصاري على ما جزم له به من وقوع ذلك وقد وقع في حديث سماك بن الوليد عند مسلم في آخره ونزلت هذه الآية وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف اذاعوا به إلى قوله يستنبطونه منهم قال فكنت أنا استنبط ذلك الامر والمعنى لو ردوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو المخبر به أو إلى أولي الامر كأكابر الصحابة لعلموه لفهم المراد منه باستخراجهم بالفهم والتلطف ما يخفي عن غيرهم وعلى هذا فالمراد بالاذاعة قولهم واشاعتهم أنه طلق نساءه بغير تحقق ولا تثبت حتى شفي عمر في الاطلاع على حقيقة ذلك وفي المراد بالمذاع وفي الآية أقوال أخرى ليس هذا موضع بسطها قوله خابت حفصة وخسرت إنما خصها بالذكر لمكانتها منه لكونها بنته ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من وقوع ذلك ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت رغم انف حفصة وعائشة وكأنه خصهما بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك كما سيأتي بيانه قوله قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون بكسر الشين من يوشك أي يقرب وذلك ما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة قوله فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رواية سماك دخلت المسجد فإذا الناس ينكشون الحصى ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب كذا في هذه الرواية وهو غلط بين فإن نزول الحجاب كان في أول زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش كما تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الاحزاب وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير وكانت زينب بنت جحش فيمن خير وقد تقدم ذكر عمر لها في قوله ولا حسن زينب بنت جحش وسيأتي بعد ثمانية أبواب من طريق أبي الضحى عن بن عباس قال أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين فخرجت إلى المسجد فجاء عمر فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له فذكر هذه القصة مختصرا فحضور بن عباس ومشاهدته لذلك يقتضي تأخر هذه القصة عن الحجاب فإن بين الحجاب وانتقال بن عباس إلى المدينة مع أبويه نحو أربع سنين لانهم قدموا بعد فتح مكة فآية التخيير على هذا نزلت سنة تسع لان الفتح كان سنة ثمان والحجاب كان سنة أربع أو خمس وهذا من رواية عكرمة بن عمار بالاسناد الذي أخرج به مسلم أيضا قول أبي سفيان عندي أجمل العرب أم حبيبة ازوجكها قال نعم وأنكره الائمة وبالغ بن حزم في إنكاره وأجابوا بتأويلات بعيدة ولم يتعرض لهذا الموضع وهو نظير ذلك الموضع والله الموفق وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمر أنه دخل على عائشة ظن أن ذلك كان قبل الحجاب فجزم به لكن جوابه أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب كما لا يلزم من وهم الراوي في لفظه من الحديث أن يطرح حديثه كله وقد وقع في هذه الرواية موضع آخر مشكل وهو قوله في آخر الحديث بعد قوله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله ونزلت اتشبث بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الارض ما يمسه بيده فقلت يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعا وعشرين فإن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عقب ما خاطبه عمر فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعا وعشرين يوما وسياق غيره ظاهر في أنه تكلم معه في ذلك اليوم وكيف يمهل عمر تسعا وعشرين يوما لا يتكلم في ذلك وهو مصرح بأنه لم يصبر ساعة في المسجد حتى يقوم ويرجع إلى الغرفة ويستأذن ولكن تأويل هذا سهل وهو أن يحمل قوله فنزل أي بعد أن مضت المدة ويستفاد منه أنه كان يتردد إلي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك
[ 234 ]
المدة التي حلف عليها فاتفق أنه كان عنده عند إرادته النزول فنزل معه ثم خشي أن يكون نسي فذكره كما ذكرته عائشة كما سيأتي ومما يؤيد تأخر قصة التخيير ما تقدم من قول عمر في رواية عبيد بن حنين التي قدمت الاشارة إليها في المظالم وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له الا ملك غسان بالشام فإن الاستقامة التي أشار إليها إنما وقعت بعد فتح مكة وقد مضى في غزوة الفتح من حديث عمرو بن سلمة الجرمي وكانت العرب تقوم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم اه والفتح كان في رمضان سنة ثمان ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في أواخر ذي القعدة منها فلهذا كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود لكثرة من وفد عليه من العرب فظهر أن استقامة من حوله صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعد الفتح فاقتضى ذلك أن التخيير كان في أول سنة تسع كما قدمته وممن جزم بأن آية التخيير كانت سنة تسع الدمياطي وأتباعه وهو المعتمد قوله ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي في رواية سماك أنه دخل أولا على عائشة فقال يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما لي ولك يا بن الخطاب عليك بعيبتك وهي بعين مهملة مفتوحة وتحتانية ساكنة بعدها موحدة ثم مثناة أي عليك بخاصتك وموضع سرك واصل العيبة الوعاء الذي تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع فأطلقت عائشة على حفصة أنها عيبة عمر بطريق التشبيه ومرادها عليك بوعظ ابنتك قوله ألم أكن حذرتك زاد في رواية سماك لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلقك فبكت أشد البكاء لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها وقد قال لها فيما أخرجه بن مردويه والله أن كان طلقك لا اكلمك أبدا وأخرج بن سعد والدارمي والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ولابن سعد مثله من حديث بن عباس عن عمر وإسناده حسن ومن طريق قيس بن زيد مثله وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاني فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة وقيس مختلف في صحبته ونحوه عنده من مرسل محمد بن سيرين قوله ما هو ذا معتزل في المشربة في رواية سماك فقلت لها أين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هو في خزانته في المشربة وقد تقدم ضبط المشربة وتفسيرها في كتاب المظالم وإنها بضم الراء وبفتحها وجمعها مشارب ومشربات قوله فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم لم اقف على تسميتهم وفي رواية سماك بن الوليد دخلت المسجد فإذا الناس ينكثون بالحصا أي يضربون به الارض كفعل المهموم المفكر قوله ثم غلبني ما أجد أي من شغل قلبه بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وأن ذلك لا يكون الا عن غضب منه ولاحتمال صحة ما أشيع من تطليق نساءه ومن جملتهن حفصة بنت عمر فتنقطع الوصلة بينهما وفي ذلك من المشقة عليه ما لا يخفى قوله فقلت لغلام له اسود في رواية عبيد بن حنين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربه يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس العجلة واسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك في روايته ولفظه فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر وعرف بهذا تفسير العجلة المذكورة في رواية غيره وسيأتي في حديث أبي الضحى الذي أشرت إليه بحث في ذلك والاسكفة في روايته بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ثم فاء مشددة هي عتبة الباب السفلى وقوله على نقير بنون ثم قاف بوزن عظيم أي منقور ووقع في بعض روايات مسلم بفاء بدل النون وهو الذي جعلت فيه فقر كالدرج قوله استأذن لعمر في رواية عبيد بن حنين فقلت له قل هذا عمر بن الخطاب قوله فصمت بفتح الميم
[ 235 ]
أي سكت وفي رواية سماك فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا واتفقت الروايتان على أنه أعاد الذهاب والمجئ ثلاث مرات لكن ليس ذلك صريحا في رواية سماك بل ظاهر روايته أنه أعاد الاستئذان فقط ولم يقع شئ من ذلك في رواية عبيد بن حنين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين الاوليين كان نائما أو ظن أن عمر جاء يستعطفه على أزواجه لكون حفصة ابنته منهن قوله فنكست منصرفا أي رجعت إلى ورائي فإذا الغلام يدعوني وفي رواية معمر فوليت مدبرا وفي رواية سماك ثم رفعت صوتي فقلت يا رباح استأذن لي فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن إني جئت من أجل حفصة والله لئن أمرني بضرب عنقها لاضربن عنقها وهذا يقوي الاحتمال الثاني لانه لما صرح في حق ابنته بما قال كان أبعد أن يستعطفه لضرائرها قوله فإذا هو مضطجع على رمال بكسر الراء وقد تضم وفي رواية معمر على رمل بسكون الميم والمراد به النسج تقول رملت الحصير وارملته إذا نسجته وحصير مرمول أي منسوج والمراد هنا أن سريره كان مرمولا بما يرمل به الحصير ووقع في رواية أخرى على رمال سرير ووقع في رواية سماك على حصير وقد أثر الحصير في جنبه وكأنه أطلق عليه حصيرا تغليبا وقال الخطابي رمال الحصير ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب فكأنه عنده اسم جمع وقوله ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه يؤيد ما قدمته أنه أطلق على نسج السرير حصيرا قوله فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك فرفع إلى بصره فقال لا فقلت الله أكبر قال الكرماني لما ظن الانصاري أن الاعتزال طلاق أو ناشئ عن طلاق أخبر عمر بوقوع الطلاق جازما به فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له حقيقة كبر تعجبا من ذلك اه ويحتمل أن يكون كبر الله حامدا له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق وفي حديث أم سلمة عند بن سعد فكبر عمر تكبيرة سمعناها ونحن في بيوتنا فعلمنا أن عمر سأله أطلقت نساءك فقال لا فكبر حتى جاءنا الخبر بعد ووقع في رواية سماك فقلت يا رسول الله اطلقتهن قال لا قلت إني دخلت المسجد والمسلمون ينكثون الحصى يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم انك لم تطلقهن قال نعم أن شئت وفيه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه قوله ثم قلت وأنا قائم استأنس يا رسول الله لو رأيتني يحتمل أن يكون قوله استفهاما بطريق الاستئذان ويحتمل أن يكون حالا من القول المذكور بعده وهو ظاهر سياق هذه الرواية وجزم القرطبي بأنه للاستفهام فيكون أصله بهمزتين تسهل إحداهما وقد
[ 236 ]
تحذف تخفيفا ومعناه انبسط في الحديث واستأذن في ذلك لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك فخشى أن يلحقه هو شئ من المعتبة فبقي كالمنقبض عن الابتداء بالحديث حتى استأذن فيه قوله يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فساق ما تقدم وكذا في رواية عقيل ووقع في رواية معمر أن قوله استأنس بعد سياق القصة ولفظه فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش فساق القصة فقلت استأنس يا رسول الله قال نعم وهذا يعين الاحتمال الاول وهو أنه استأذن في الاستئناس فلما إذن له فيه جلس قوله ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة إلى قوله فتبسم تبسمة أخرى الجملة حالية أي حال دخولي عليها وفي رواية عبيد بن حنين فذكرت له الذي قلت لحفصة وأم سلمة فضحك وفي رواية سماك فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا صلى الله عليه وسلم وقوله تحسر بمهملتين أي تكشف وزنا ومعنى وقوله كشر بفتح الكاف والمعجمة أي ابدى أسنانه ضاحكا قال بن السكيت كشر وتبسم وابتسم وافتر بمعنى فإذا زاد قيل قهقه وكركر وقد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم كان ضحكه تبسما قوله فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمه بتشديد السين وللكشميهني تبسيمة قوله فرفعت بصري في بيته أي نظرت فيه قوله غير اهبة ثلاثة في رواية الكشميهني ثلاث الاهبة بفتح الهمزة والهاء وبضمها أيضا بمعنى الاهب والهاء فيه للمبالغة وهو جمع إهاب على غير قياس وهو الجلد قبل الدباغ وقيل هو الجلد مطلقا دبغ أو لم يدبغ والذي يظهر أن المراد به هنا جلد شرع في دبغه ولم يكمل لقوله في رواية سماك بن الوليد فإذا أفيق معلق والافيق بوزن عظيم الجلد الذي لم يتم دباغه يقال آدم وأديم وافق وأفيق واهاب وأهب وعماد وعمود وعمد ولم يجئ فعيل وفعول على فعل بفتحتين في الجمع الا هذه الاحرف والاكثر أن يجئ فعل بضمتين وزاد في رواية عبيد بن حنين وأن عند رجليه قرظا بقاف وظاء معجمة مصبوبا بموحدتين وفي رواية أبي ذر مصبورا براء قال النووي ووقع في بعض الاصول مضبورا بضاد معجمة وهي لغة والمراد بالمصبور بالمهملة والمعجمة المجموع ولا ينافي كونه مصبوبا بل المراد أنه غير منتثر وأن كان في غير وعاء بل هو مصبوب مجتمع وفي رواية سماك فنظرت في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة قوله أدع الله فليوسع على أمتك في رواية عبيد بن حنين فبكيت فقال وما يبكيك فقلت يا رسول الله أن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله وفي رواية سماك فابتدرت عيناي فقال ما يبكيك يا بن الخطاب فقلت وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها الا ما أرى وذاك قيصر وكسرى في الانهار والثمار وأنت رسول الله وصفوته قوله فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال أو في هذا أنت يا بن الخطاب في رواية معمر عند مسلم أو في شك أنت يا بن الخطاب وكذا في رواية عقيل الماضية في كتاب المظالم والمعنى أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا وهذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه بكى من جهة الامر الذي كان فيه وهو غضب النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه حتى اعتزلهن فلما ذكر له أمر الدنيا اجابه بما اجابه قوله أن أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وفي رواية عبيد بن حنين الا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة وفي رواية له لهما بالتثنية على إرادة
[ 237 ]
كسرى وقيصر لتخصيصهما بالذكر والاخرى بارادتهما ومن تبعهما أو كان على مثل حالهما زاد في رواية سماك فقلت بلى قوله فقلت يا رسول الله استغفر لي أي عن جراءتي بهذا القول بحضرتك أو عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها أو عن ارادتي ما فيه مشابهة الكفار في ملابسهم ومعايشهم قوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث الذي افشته حفصة إلى عائشة كذا في هذه الطريق لم يفسر الحديث المذكور الذي افشته حفصة وفيه أيضا وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله وهذا أيضا مبهم ولم أره مفسرا وكان اعتزاله في المشربة كما في حديث بن عباس عن عمر فافاد محمد بن الحسن المخزومي في كتابه أخبار المدينة بسند له مرسل أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيت في المشربة ويقيل عند أراكة على خلوة بئر كانت هناك وليس في شئ من الطرق عن الزهري بإسناد حديث الباب الا ما رواه بن إسحاق كما أشرت إليه في تفسير سورة التحريم والمراد بالمعاتبة قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآيات وقد اختلف في الذي حرم على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على أقوال فالذي في الصحيحين أنه العسل كما مضى في سورة التحريم مختصرا من طريق عبيد بن عمير عن عائشة وسيأتي بأبسط منه في كتاب الطلاق وذكرت في التفسير قولا آخر أنه في تحريم جاريته مارية وذكرت هناك كثيرا من طرقه ووقع في رواية يزيد بن رومان عن عائشة عند بن مردويه ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقال إذ ادخل عليكن فقلن إنا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل والله لا أطعمه أبدا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فادخلها بيت حفصة قالت حفصة فرجعت فوجدت الباب مغلقا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي فعاتبته فقال أشهدك أنها على حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك امانة فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقال الا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته فنزلت وعند بن سعد من طريق شعبة مولى بن عباس عنه خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله بجاريته القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له أما إني قد رأيت ما صنعت قال فاكتمي علي وهي حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة أما يومي فتعرس فيه بالقبطية ويسلم لنسائك سائر ايامهن فنزلت الآية وجاء في ذلك ذكر قول ثالث أخرجه بن مردويه من طريق الضحاك عن بن عباس قال دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة أن أباك يلي هذا الامر بعد أبي بكر إذا أنا مت فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه أن يحرم مارية فحرمها ثم جاء إلى حفصة فقال أمرتك الا تخبري عائشة فأخبرتها فعاتبها على ذلك ولم يعاتبها على أمر الخلافة فلهذا قال الله تعالى عرف بعضه واعرض عن بعض وأخرج الطبراني في الاوسط وفي عشرة النساء عن أبي هريرة نحوه بتمامه وفي كل منهما ضعف وجاء في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهم شهرا قصة أخرى فأخرج بن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزاده امرة أخرى فلم ترض فقالت عائشة لقد اقمأت وجهك ترد عليك الهدية فقال لانتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرا الحديث ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة نحوه وفيه ذبح ذبحا فقسمه بين أزواجه فأرسل إلى زينب بنصيبها فردته فقال زيدوها ثلاثا كل ذلك ترده فذكر نحوه وفيه قول آخر أخرجه مسلم من حديث جابر قال جاء أبو بكر والناس جلوس بباب النبي
[ 238 ]
صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لاحد منهم فأذن لابي بكر فدخل ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحوله نساؤه فذكر الحديث وفيه هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة ثم اعتزلهن شهرا فذكر نزول آية التخيير ويحتمل إني كون مجموع هذه الاشياء كان سببا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم اخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحه وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن وقصر بن الجوزي فنسب قصة الذبح لابن حبيب بغير إسناد وهي مسندة عند أبن سعد وأبهم قصة النفقة وهي في صحيح مسلم والراجح من الاقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن كما سيأتي ويحتمل أن تكون الاسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى اهمها ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلا في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر والله أعلم قوله فاعتزل النبي نساءه من أجل ذلك الحديث الذي افشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة العدد متعلق بقوله فاعتزل نساءه قوله وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا في رواية حماد بن سلمة عند مسلم في طريق عبيد بن حنين وكان آلى منهن شهرا أي حلف أو أقسم وليس المراد به الايلاء الذي في عرف الفقهاء اتفاقا وسيأتي بعد سبعة أبواب من حديث أنس قال آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وهذا موافق للفظ رواية حماد بن سلمة هنا وأن كان أكثر الرواة في حديث عمر لم يعبروا بلفظ الايلاء قوله من شدة موجدته عليهن أي غضبه قوله دخل على عائشة فيه أن من غاب عن أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ ولا أن يقرع كذا قيل ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها قوله فقالت له عائشة يا رسول الله انك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا تقدم أن في رواية سماك بن الوليد أن عمر ذكره صلى الله عليه وسلم بذلك ولا منافاة بينهما لان في سياق حديق عمر أنه ذكره بذلك عند نزوله من الغرفة وعائشة ذكرته بذلك حين دخل عليها فكأنهما تواردا على ذلك وقد أخرج مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال فقلنا فظاهر هذا السياق يوهم أنه من تتمة حديث عمر فيكون عمر حضر ذلك من عائشة وهو محتمل عندي لكن يقوي أن يكون هذا من تعاليق الزهري في هذه الطريق فإن هذا القدر عنده عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم من رواية معمر عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أنه لا يدخل على نسائه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت فذكره قوله وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة في رواية عقيل لتسع باللام وفي رواية السرخسي فيها بتسع بالموحدة وهي متقاربة قال الاسماعيلي من هنا إلى آخر الحديث وقع مدرجا في رواية شعيب عن الزهري ووقع مفصلا في رواية معمر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قلت ونسبه الادراج إلى شعيب فيه نظر فقد تقدم في المظالم من رواية عقيل عن الزهري كذلك وأخرج مسلم طريق معمر كما قال الاسماعيلي مفصلة والله أعلم وقد تقدم في تفسير الاحزاب أن البخاري حكى الاختلاف على الزهري في قصة التخيير هل هي عن عروة عن عائشة أو عن أبي سلمة عن عائشة قوله فقال الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة في هذا إشارة إلى تأويل الكلام الذي قبله وأنه لا يراد به الحصر أو أن اللام
[ 239 ]
في قوله أشهر للعهد من الشهر المحلوف عليه ولا يلزم من ذلك أن تكون الشهور كلها كذلك وقد أنكرت عائشة على بن عمر روايته المطلقة أن الشهر تسع وعشرون فأخرج أحمد من طريق يحيى بن عبد الرحمن عن بن عمر رفعه الشهر تسع وعشرون قال فذكروا ذلك لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن إنما قال الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الاخير الذي جزمت به عائشة وبينته قبل هذا عند الكلام على ما وقع في رواية سماك بن الوليد من الاشكال قوله قالت عائشة ثم انزل الله آية التخيير في رواية عقيل فأنزلت وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى وفي الحديث سؤال العالم عن بعض أمور أهله وأن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ قاله المهلب قال وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل ويؤخذ من ذلك مراعاة المروءة وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الانصار في نسائهم وترك سيرة قومه وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لاجل اصلاحها لزوجها وفيه سياق القصة على وجهها وأن لم يسأل السائل عن ذلك إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان وخصوصا إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك وفيه مهابة الطالب للعالم وتواضع العالم له وصبره على مساءلته أوان كان عليه في شئ من ذلك غضاضة وفيه جواز ضرب الباب ودقه إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك ودخول الآباء على البنات ولو كان بغير إذن الزوج والتنقيب عن احوالهن لا سيما ما يتعلق بالمتزوجات وفيه حسن تلطف بن عباس وشدة حرصه على الاطلاع على فنون التفسير وفيه طلب علو الاسناد لان بن عباس أقام مدة طويلة ينتظر خلوة عمر ليأخذ عنه وكان يمكنه أخذ ذلك بواسطة عنه ممن لا يهاب سؤاله كما كان يهاب عمر وفيه حرص الصحابة على طلب العلم والضبط بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه أن طالب العلم يجعل لنفسه وقتا يتفرغ فيه لامر معاشه وحال أهله وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي وفيه إيثار الاستجمار في الاسفار وابقاء الماء للوضوء وفيه ذكر العالم ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وأن كان في ذلك حكاية ما يستهجن وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه وبيان ذكر وقت التحمل وفيه الصبر على الزوجات والاغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من زلل في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا بمنع من يدخل إليه بغير إذنه ويكون قول أنس الماضي في كتاب الجنائز في المرأة التي وعظها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه ثم جاءت إليه فلم تجد له بوابين محمولا على الاوقات التي يجلس فيها للناس قال المهلب وفيه أن للامام أن يحتجب عن بطانته وخاصته عند الامر بطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو منبسط إليهم فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر عظيم المنزلة عنده وفيه الرفق بالاصهار والحياء منهم إذا وقع للرجل من أهله ما يقتضي معاتبتهم وفه أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام وأفضل في بعض الاحايين لانه عليه الصلاة والسلام لو أمر غلامه برد عمر لم يجز لعمر العود إلى الاستئذان مرة بعد أخرى فلما سكت فهم عمر من ذلك أنه لم يؤثر رده مطلقا أشار إلى ذلك المهلب وفيه أن الحاجب إذا علم منع الاذن بسكوت المحجوب لم يأذن وفيه مشروعية الاستئذان على الانسان وأن كان وحده لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها وفيه جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له إذا رجا حصول الاذن وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي إيضاحه في كتاب الاستئذان في قصة أبي موسى مع عمر والاستدراك على عمر من هذه القصة لان الذي وقع من الاذن له في المرة الثالثة وقع اتفاقا ولو لم يؤذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الاستئذان لانه صرح كما سيأتي بأنه لم يبلغه ذلك الحكم وفيه أن كل
[ 240 ]
لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهو استعجال له من نعيم الآخرة وأنه لو ترك ذلك لادخر له في الآخرة أشار إلى ذلك الطبري واستنبط منه بعضهم إيثار الفقر على الغني وخصه الطبري بمن لم يصرفه في وجوهه ويفرقه في سبله التي أمر الله بوضعه فيها قال وأما من فعل ذلك فهو من منازل الامتحان والصبر على المحن مع الشكر أفضل من الصبر على الضراء وحده انتهى قال عياض هذه القصة مما يحتج به من يفضل الفقير على الغني لما في مفهوم قوله أن من تنعم في الدنيا يفوته في الآخرة بمقداره قال وحاوله الآخرون بأن المراد من الآية أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا إذ لا حظ لهم في الآخرة انتهى وفي الجواب نظر وهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف وهي طويلة الذيل سيكون لنا بها إلمام إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموما استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه لقول عمر لاقولن شيئا يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك كما فعل عمر وفيه جواز الاستعانة في الوضوء بالصب على المتوضئ وخدمة الصغير الكبير وأن كان الصغير أشرف نسبا من الكبير وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الاكابر وفيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه أما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك لان عائشة خشيت أن يكون صلى الله عليه وسلم نسي مقدار ما حلف عليه وهو شهر والشهر ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت أنه ذهل عن القدر أو أن الشهر لم يهل فأعلمها أن الشهر استهل فإن الذي كان الحلف وقع فيه جاء تسعا وعشرين يوما وفيه تقوية لقول من قال أن يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين وإلا فلو اتفق ذلك في اثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر الا بثلاثين وذهبت طائفة في الاكتفاء بتسعة وعشرين أخذا بأقل ما ينطلق عليه الاسم قال بن بطال يؤخذ منه أن من حلف على فعل شئ يبر بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم والقصة محمولة عند الشافعين ومالك على أنه دخل أول الهلال وخرج به فلو دخل في اثناء الشهر لم يبر الا بثلاثين وفيه سكنى الغرفة ذات الدرج واتخاذ الخزانة للاثاث البيت والامتعة وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي وفيه قبول خبر الواحد ولو كان الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولا ورواية الكبير عن الصغير وأن الاخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها أن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق فإن جزم الانصاري في رواية بوقوع التطليق وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على إنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن فشاع ذلك فتحدث الناس به واخلق بهذا الذي ابتدأ بإشاعة ذلك أن يكون من المنافقين كما تقدم وفيه الاكتفاء بمعرفة الحكم بأخذه عن القرين مع إمكان أخذه عاليا عمن أخذه عنه القرين وأن الرغبة في العلو حيث لا يعوق عنه عائق شرعي ويمكن أن يكون المراد بذلك أن يستفيد منه أصول ما يقع في غيبته ثم يسأل عنه بعد ذلك مشافهة هذا أحد فوائد كتابة أطراف الحديث وفيه ما كان الصحابة عليه من محبة الاطلاع على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم جلت أو قلت واهتمامهم بما يهتم له لاطلاق الانصاري اعتزاله نساءه الذي أشعر عنده بأنه طلقهن المقتضى وقوع غمه صلى الله عليه وسلم بذلك أعظم من طروق ملك الشام الغساني بجيوشه المدينة لغزو من بها وكان ذلك بالنظر إلى أن الانصاري كان يتحقق أن عدوهم ولو طرقهم مغلوب ومهزوم واحتمال خلاف ذلك ضعيف بخلاف الذي وقع بما توهمه من التطليق الذي يتحقق معه حصول الغم وكانوا في الطرف الاقصى من رعاية خاطره صلى الله عليه وسلم أن يحصل له تشويش ولو قل والقلق لما يقلقه والغضب لما يغضبه والهم لما يهمه رضي الله عنهم وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه لقول عمر ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات وفيه شدة الفزع والجزع للامور المهمة وجواز نظر الانسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم أنه لا يكره ذلك وبهذا يجمع بين ما وقع لعمر وبين ما ورد من النهى عن فضول النظر أشار إلى ذلك النووي ويحتمل أن يكون نظر عمر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع أولا اتفاقا فرأى الشعير والقرظ مثلا فاستقله فرفع رأسه لينظر هل هناك شئ أنفس منه فلم ير الا الاهب
[ 241 ]
فقال ما قال ويكون النهى محمولا على من تعمد النظر في ذلك والتفتيش ابتداء وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلا والاستغفار من وقوع ذلك وطلب الاستغفار من أهل الفضل وايثار القناعة وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية وفيه المعاقبة على افشاء السر بما يليق بمن أفشاه قوله باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا هذا الاصل لم يذكره البخاري في كتاب الصيام وذكره أبو مسعود في افراد البخاري من حديث أبي هريرة وليس كذلك فان مسلما ذكره في اثناء حديث في كتاب الزكاة ووقع للمزي في الاطراف فيه وهم بينته فيما كتبته عليه (4896) قوله لا تصوم كذا للاكثر وهو بلفظ الخبر والمراد به النهي وأغرب بن التين والقرطبي فخطأ رواية الرفع ووقع في رواية المستملي لا تصومن بزيادة نون التوكيد ولمسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر بلفظ لا تصم وسيأتي شرحه مستوفى بعد باب واحد قوله باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها أي بغير سبب لم يجز لها ذلك (4897) قوله حدثنا محمد بن بشار هو بندار وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في بعض النسخ عن أبي زيد المروزي بن سنان بمهملة ثم نونين وهو غلط قوله عن سليمان هو الاعمش وأبو حازم هو سلمان الاشجعي وقوله في الرواية الثانية عن زرارة هو بن أبي أوفى قاضي البصرة يكنى أبا حاجب له عن أبي هريرة في الصحيحين حديثان فقط هذا وآخر مضى في العتق وله في البخاري عن عمران بن حصين حديث آخر يأتي في الديات وتقدم له في تفسير عبس حديث من روايته عن سعد بن هشام عن عائشة وهذا جميع ما له في الصحيح وكلها من رواية قتادة عنه قوله إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه قال بن أبي جمرة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش والكناية عن الاشياء التي يستحي منها كثيرة في القرآن والسنة قال وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار وانما خص الليل بالذكر لانه المظنة لذلك اه وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه الا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى فهذه الاطلاقات تتناول الليل والنهار قوله فأبت أن تجئ زاد أبو عوانة عن الاعمش كما تقدم في بدء الخلق فبات غضبان عليها وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن لانها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون أما لانه عذرها وأما لانه ترك حقه من ذلك وأما قوله في رواية زرارة إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها فليس هو على طاهره في لفظ المفاعلة بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه عليها اللوم الا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة إذا باتت المرأة هاجرة بلفظ اسم الفاعل قوله لعنتها الملائكة حتى تصبح في رواية زرارة حتى
[ 242 ]
ترجع وهي أكثر فائدة والاولى محمولة على الغالب كما تقدم وللطبراني من حديث بن عمر رفعه اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة غضب زوجها حتى ترجع وصححه الحاكم قال المهلب هذا الحديث يوجب أن منع الحقوق في الابدان كانت أو في الاموال مما يوجب سخط الله الا أن يتغمدها بعفوه وفيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الارهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية قلت ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر والحق أن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو الابعاد من الرحمة وهذا لا يليق إني يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي إجازة أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب ولا يخفي أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر وأما حديث الباب فليس فيه الا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الاطلاق وفيه أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها وذلك يدل على إنهم يدعون لاهل الطاعة ما داموا فيها كذا قال المهلب وفيه نظر أيضا قال بن أبي جمرة وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الامرين قلت يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلي التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء أن كان المراد به سكانها قال وفيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر لكونه صلى الله عليه وسلم خوف بذلك وفيه الارشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة قال وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك اه أو السبب فيه الحض على التناسل ويرشد إليه الاحاديث الواردة في الترغيب في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح قال وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته جزاء على مراعاته لعبده حيث لم يترك شيئا من حقوقه الا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن من اغضب عبده بمنع شهوة من شهواته فعلى العبد أن يوفى حقوق ربه التي طلبها منه وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الاحسان اه ملخصا من كلام بن أبي جمرة رحمه الله قوله باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لاحد الا بإذنه المراد ببيت زوجها سكنة سواء كان ملكه أولا (4899) قوله عن الاعرج كذا يقول شعيب عن أبي الزناد وقال بن عيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة وقد بينه المصنف بعد قوله لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها يلتحق به السيد بالنسبة لامته التي يحل له وطؤها ووقع في رواية همام وبعلها وهي أفيد لان بن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فان ثبت وإلا الحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى قوله شاهد أي حاضر قوله الا بأذنه يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت وقد خصه المصنف في الترجمة الماضية قبل باب بالتطوع وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فإن فيها لا تصوم المرأة غير رمضان وأخرج الطبراني من حديث بن عباس مرفوعا في اثناء حديث ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت لم يقبل منها وقد قدمت اختلاف الروايات في لفظ ولا تصوم ودلت رواية الباب على تحريم الصوم المذكور عليها
[ 243 ]
وهو قول الجمهور قال النووي في شرح المهذب وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الاول قال فلو صامت بغير إذنه صح واثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله قاله العمراني قال النووي ومقتضي المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لانه يدل على تأكد الامر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم قال النووي في شرح مسلم وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا واجب على التراخي وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لان العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالافساد ولا شك أن الاولى له خلاف ذلك أن لم يثبت دليل كراهته نعم لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا فلو صامت وقدم في اثناء الصيام فله افساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه اه وهو خلاف الظاهر وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لان حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع قوله ولا تأذن في بيته زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وهو شاهد الا بإذنه وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الاباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الاحاديث الواردة في النهى عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها ويحتمل أن يكون له مفهوم وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استذانه لتعذره ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالاول وقال النووي في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالاذن في بيته الا بإذنه وهو محمول على ما لا نعلم رضا الزوج به أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا فلا يفتقر ادخالهم إلى إذن خاص لذلك وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلا أو إجمالا قوله الا بإذنه أي الصريح وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا فيه نظر قوله وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره أي نصفه والمراد نصف الاجر كما جاء واضحا في رواية همام عن أبي هريرة في البيوع ويأتي في النفقات بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره في رواية أبي داود فلها نصف أجره وأغرب الخطابي فحمل قوله يؤدي إليه شطره على المال المنفق وأنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة على الواجب لها أن تغرم القدر الزائد وأن هذا هو المراد بالشطر في الخبر لان الشطر يطلق على النصف وعلى الجزء قال ونفقتها معارضة فتقدر بما يوازيها من الفرض وترد الفضل عن مقدار الواجب وإنما جاز لها في قدر الواجب لقصة هند خذي من ماله بالمعروف اه وما ذكرناه من الرواية الاخرى يرد عليه وقد استشعر الايراد فحمل الحديث الآخر على معنى آخر وجعلهما حديثين مختلفي الدلالة والحق إنهما حديث واحد رويا بألفاظ مختلفة وأما تقييده بقوله عن غير أمره فقال النووي من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ولا ينفي ذلك وجود إذن سابق عام يتناول هذا القدر وغيره أما بالصريح وأما بالعرف قال ويتعين هذا التأويل لجعل الاجر بينهما نصفين ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير إذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف لا يكون لها أجرا بل عليها وزر فيتعين تأويله قال وأعلم هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به عرفا فإن زاد على ذلك لم يجز ويؤيده قوله يعني كما مر في حديث عائشة في كتاب الزكاة والبيوع إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة قال ونبه بالطعام أيضا على ذلك لانه مما يسمح به عادة بخلاف
[ 244 ]
النقدين في حق كثير من الناس وكثير من الاحوال قلت وقد تقدمت في شرح حديث عائشة في الزكاة مباحث لطيفة واجوبة في هذا ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الاجر بينهما للرجل لكونه الاصل في اكتسابه ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والاجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها الا بإذنه قال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عقبة هذا يضعف حديث همام اه ومراده أنه يضعف حمله على التعميم أما الجمع بينهما بما دل عليه هذا الثاني فلا وأما ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة من حديث سعد قال قالت امرأة يا نبي الله أنا كل على آبائنا وازواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي إمامة رفعه لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها الا بإذنه قيل ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا وظاهرهما التعارض ويمكن الجمع بان المراد بالرطب ما يتسارع إليه الفساد فأذن فيه بخلاف غيره ولو كان طعاما والله أعلم قوله ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم يشير إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الاعرج اشتملت على ثلاثة أحكام وأن لابي الزناد في أحد الثلاثة وهو صيام المرأة إسنادا آخر وموسى المذكور هو بن أبي عثمان وأبوه أبو عثمان يقال له التبان بمثناة ثم موحدة ثقيلة واسمه سعد ويقال عمران وهو مولى المغيرة بن شعبة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصل حديثه المذكور أحمد والنسائي والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم فقط والدارمي أيضا وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الاعرج به قال أبو عوانة في رواية على بن المديني حدثنا به سفيان بعد ذلك عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان فراجعته فيه فثبت على موسى ورجع عن الاعرج ورويناه عاليا في جزء إسماعيل بن نجيد من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الاب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم وأن بين الحديثين عموما وخصوصا وجهيا فيحتاج إلى مرجح ويمكن أن يقال صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل والمتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة الا بأذن الزوج فكما لاهلها أن لا تصلهم بماله الا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك (0) قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وأورد فيه حديث أسامة لقوله فيه وقفت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء وسقط للنسفي لفظ باب فصار الحديث الذي فيه من جملة الباب الذي قبله ومناسبته له من جهة الاشارة إلى أن النساء غالبا يرتكبن النهي المذكور ومن ثم كن أكثر من دخل النار والله أعلم قوله باب كفران العشير وهو الزوج والعشير هو الخليط من المعاشرة أي أن لفظ العشير يطلق بإزاء شيئين فالمراد به هنا الزوج والمراد به في الآية وهي قوله
[ 245 ]
تعالى ولبئس العشير المخالط وهذا تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى لبئس المولى ولبئس العشير المولى هنا بن العم والعشير المخالط المعاشر وقد تقدم شئ من هذا في كتاب الايمان ثم ذكر فيه حديث بن عباس في خسوف الشمس بطوله وقد تقدم شرحه مستوفى في آخر أبواب الكسوف وقوله (4901) فيه لو أحسنت إلى إحداهن الدهر فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب لانها بذلك كالمصرة على كفر النعمة والاصرار على المعصية من أسباب العذاب أشار إلى ذلك المهلب وذكر بعده حديث عمران بن حصين بمعنى حديث أسامة الماضي في الباب قبله وقوله (4902) تابعه أيوب وسلم بن زرير يعني إنهما تابعا عوفا عن أبي رجاء وهو العطاردي في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين وسيأتي في باب فضل الفقر من الرقاق أن حماد بن نجيح وصخر بن جويرية خالفا في ذلك عن أبي رجاء فقالا عنه عن بن عباس ومتابعة أيوب وصلها النسائي واختلف فيه على أيوب فقال عبد الوارث عنه هكذا وقال الثقفي وابن عليه وغيرهما عن أيوب عن أبي رجاء عن بن عباس وأما متابعة سلم بن زرير فوصلها المصنف في صفة الجنة من بدء الخلق وفي باب فضل الفقر من الرقاق ويأتي شرح الحديث مع حديث أسامة في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله باب لزوجك عليك حق قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو اطرف من حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء وقد مضى موصولا
[ 246 ]
مشروحا في كتاب الصيام ثم ذكر بعده حديث عبد الله بن عمرو في ذلك وقد تقدم شرحه أيضا قال بن بطال لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه وأنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك أن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع ليلة وعن بعضهم في كل طهر مرة قوله باب المرأة راعية في بيت زوجها ذكر فيه حديث بن عمر وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الاحكام إن شاء الله تعالى قوله باب قول الله تعالى الرجال قوامون على النساء إلى هنا عند أبي ذر زاد غيره بما فضل الله بعضهم على بعض إلى قوله عليا كبيرا وبسياق الآية تظهر مطابقة الترجمة لان المراد منها قوله تعالى فعظوهن واهجروهن في المضاجع فهو الذي يطابق (4905) قوله آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا لان مقتضاه أنه هجرهن وخفي ذلك على الاسماعيلي فقال لم يتضح لي دخول هذا الحديث في هذا الباب ولا تفسير الآية التي ذكرها وقد تقدم شرح حديث أنس المذكور قريبا في اخر حديث عمر الطويل وقوله فيه انك آليت شهرا في رواية المستملي والكشميهني آليت على شهر وقوله فقيل يا رسول الله قائل ذلك كعائشة كما تقدم واضحا في آخر حديث عمر المذكور وتقدم فيه أن عمر وغيره أيضا سألوه عن ذلك قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن كأنه يشير إلى أن قوله واهجروهن في المضاجع لا مفهوم له وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لازواجه في المشربة وللعلماء في ذلك اختلاف أذكره بعد قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية صحابي مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية قوله رفعه ولا تهجر الا في البيت في رواية الكشميهني غير أن لا تهجر الا في البيت وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في مكارم الاخلاق وابن منده في غرائب شعبة كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه وفيه ما حق المرأة على الزوج قال يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر الا في البيت قوله والاول أصح يعني حديث أنس أصح من حديث معاوية بن حيدة وهو كذلك ولكن يمكن الجمع بينهما كما سأذكره واقتضى صنيعه أن هذه الطريق تصلح للاحتجاج بها وأن كانت دون غيرها في الصحة وإنما صدرها بصيغة التمريض إشارة إلى انحطاط رتبتها ووقع في شرح الكرماني قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه ولا تهجر الا في البيت أي ويذكر
[ 247 ]
عن معاوية ولا تهجر الا في البيت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والاول أي الهجرة في غير البيوت أصح إسنادا وفي بعضها أي بعض النسخ من البخاري غير أن لا تهجر الا في البيت قال فحينئذ ففاعل يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن أي ويذكر عن معاوية رفعه غير أن لا تهجر أي رويت قصة الهجرة عنه مرفوعة الا أنه قال لا تهجر الا في البيت وهذا الذي تلمحه غلط محض فإن معاوية بن حيدة ما ر وى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شئ من المسانيد ولا الاجزاء وليس مراد البخاري ما ذكره وإنما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة فإن في بعض طرقه ولا يقبح ولا يضرب الوجه غير أن لا يهجر الا في البيت فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف البخاري وليس كذلك بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث والله أعلم قال المهلب هذا الذي أشار إليه البخاري كأنه أراد أن يستن الناس بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الهجر في غير البيوت رفقا بالنساء لان هجرانهن مع الاقامة معهن في البيوت آلم لانفسهن وأوجع لقلوبهن بما يقع من الاعراض في تلك الحال ولما في الغيبة من الاعين من التسلية عن الرجال قال وليس ذلك بواجب لان الله قد أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت وتعقبه بن المنير بأن البخاري لم يرد ما فهمه وإنما أراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وفي غير البيوت وأن الحصر المذكور في حديث معاوية بن حيدة غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم اه والحق أن ذلك يختلف باختلاف الاحوال فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها وبالعكس بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم النفوس وخصوصا النساء لضعف نفوسهن واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والاقامة عندهن على ظاهر الآية وهو من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يمتنع من جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها وقيل اهجروهن مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح أي اغلظوا لهن في القول وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به البعير يقال هجر البعير أي ربطه فالمعنى اوثقوهن في البيوت واضربوهن قاله الطبري وقواه واستدل له ووهاه بن العربي فأجاد ثم ذكر في الباب حديثين الاول حديث أم سلمة (4906) قوله عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أي بن هشام بن المغيرة وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه في الصيام عن أبي عاصم وحده به وقوله في هذه الطريق لا يدخل على بعض نسائه كذا في هذه الرواية وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس المتقدم في أوائل الصيام فاستمر مقيما في المشربة ذلك الشهر كله وهو يؤيد أن سبب القسم ما تقدم في مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها الا صاحبة العسل وأن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة والغيرة فإنهن اجتمعن فيها الحديث الثاني (4907) قوله أبو يعفور بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء وسكون الواو وآخره راء هو الاصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد كوفي ثقة ليس له في البخاري الا هذا الحديث وأخر تقدم في آخر ليلة القدر حدث به أيضا عن أبي الضحى قوله تذاكرنا عند
[ 248 ]
أبي الضحى فقال حدثنا بن عباس لم يذكر ما تذاكروا به وقد أخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الحكم عن مروان بن معاوية بالاسناد الذي أخرجه البخاري فأوضحه ولفظه تذاكرنا الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعا وعشرين فقال أبو الضحى بن عباس وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن مروان بن معاوية وقال فيه تذاكرنا الشهر عند أبي الضحى قوله فدخلت المسجد فإذا هو ملآن من الناس هذا ظاهر في حضور بن عباس هذه القصة وحديثه الطويل بل الذي مضى قريبا يشعر بأنه ما عرف القصة الا من عمر لكن يحتمل أن يكون عرفها مجملة ففصلها عمر له لما سأله عن المتظاهرتين قوله في غرفة في رواية النسائي في علية بمهملة مضمومة وقد تكسر وبلام ثم تحتانية ثقيلتين هي المكان العالي وهي الغرفة وتقدم أنها كانت مشربة وفسرت فيما مضى وزاد الاسماعيلي من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن أبي يعفور في غرفة ليس عنده فيها الا بلال قوله فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم كذا في جميع الاصول التي وقفت عليها من البخاري بحذف فاعل فناداه فإن الضمير لعمر وهو الذي دخل وقد وقع ذلك مبينا في رواية أبي نعيم ولفظه بعد قوله فسلم فلم يجبه أحد فانصرف فناداه بلال فدخل ومثله للنسائي لكن قال فنادى بلال بحذف المفعول وهو الضمير في رواية غيره وعند الاسماعيلي فسلم فلم يحبه أحد فانحط فدعاه بلال فسلم ثم دخل وقد تقدم في الحديث الطويل أن في رواية سماك بن الوليد عن بن عباس عن عمر عند مسلم أن اسم الغلام الذي إذن له رباح فلولا قوله في هذه الرواية ليس عنده فيها الا بلال لجوزت أن يكونا جميعا كانا عنده لكن يجوز أن يكون الحصر للعناية الداخلة ويكون رباح كان على أسكفه الباب كما تقدم وعند الاذن ناداه بلال فأسمعه رباح فيجتمع الخبران قوله فقال لا ولكن آليت منهن شهرا أي حلفت أن لا أدخل عليهن شهرا كما تقدم بيانه واضحا في شرح حديث عمر المطول قوله باب ما يكره من ضرب النساء فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقا بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم على ما سنفصله قوله وقول الله تعالى واضربوهن أي ضربا غير مبرح هذا التفسير منتزع من المفهوم من حديث الباب من قوله ضرب العبد كما سأوضحه وقد جاء ذلك صريحا في حديث عمرو بن الاحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي واللفظ له وفي حديث جابر الطويل عند مسلم فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح قلت وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهي عن ضرب
[ 249 ]
الوجه (4908) قوله سفيان هو الثوري وهشام هو بن عروة وعبد الله بن زمعة تقدم بيان نسبه في تفسير سورة والشمس قوله لا يجلد أحدكم كذا في نسخ البخاري بصيغة النهي وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية أحمد بن سفيان النسائي عن الفريابي وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بصيغة الخبر وليس في أوله صيغة النهي وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن الفريابي وكذا توارد عليه أصحاب هشام بن عروة وتقدم في التفسير من رواية وهيب ويأتي في الادب من رواية بن عيينة وكذا أخرجه أحمد عن بن عيينة وعن وكيع وعن أبي معاوية وعن بن نمير أخرجه مسلم وابن ماجة من رواية بن نمير والترمذي والنسائي من رواية عبدة بن سليمان ففي رواية أبي معاوية وعبدة الام يجلد وفي رواية وكيع وابن نمير علام يجلد وفي رواية بن عيينة وعظهم في النساء فقال يضرب أحدكم امرأته وهو موافق لرواية أحمد بن سفيان وليس عند واحد منهم صيغة النهي قوله جلد العبد أي مثل جلد العبد وفي إحدى روايتي بن نمير عند مسلم ضرب الامة وللنسائي من طريق بن عيينة كما يضرب العبد والامة وفي رواية أحمد بن سفيان جلد البعير أو العبد وسيأتي في الادب من رواية بن عيينة ضرب الفحل أو العبد والمراد بالفحل البعير وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود ولا تضرب ظئينتك ضربك أمتك قوله ثم يجامعها في رواية أبي معاوية ولعله أن يضاجعها وهي رواية الاكثر وفي رواية لابن عيينة في الادب ثم لعله يعانقها وقوله في آخر اليوم في رواية بن عيينة عند أحمد من آخر الليل وله عند النسائي آخر النهار وفي رواية بن نمير والاكثر في آخر يومه وفي رواية وكيع آخر الليل أو من آخر الليل وكلها متقاربة وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد والايماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك وإليه أشار المصنف بقوله غير مبرح وفي سياقه استبعاد وقوع الامرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة والمجلود غالبا ينفر ممن جلده فوقعت الاشارة إلى ذم ذلك وأنه أن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه الفور التام فلا يفرط في الضرب لا يفرط في التأديب قال المهلب بين صلى الله عليه وسلم بقوله جلد العبد أن ضرب الرقيق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهما ولان ضرب المرأة إنما ابيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها اه وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقا فعند أحمد وأبي داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الاولى خفيفة لا تضربوا إماء الله فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على ازواجهن فأذن لهم فضربوهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير فقال لقد اطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم وله شاهد من حديث بن عباس في صحيح بن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي وقوله ذئر بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أي نشز بنون ومعجمة وزاي وقيل معناه غضب واستب قال الشافعي يحتمل أن يكون النهي على الاختيار والاذن فيه على الاباحة ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم إذن بعد نزولها فيه وفي قوله أن يضرب خياركم دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالايهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية الا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط ولا ضرب بيده شيئا قط الا في سبيل الله صلى الله عليه وسلم
[ 250 ]
أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الادب إن شاء الله تعالى قوله باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية الله لما كان الذي قبله يشعر بندب المرأة إلى طاعة زوجها في كل ما يرومه خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية الله فلو دعاها الزوج إلى معصية فعليها أن تمتنع فإن أدبها على ذلك كان الاثم عليه ثم ذكر فيه طرفا من حديث التي طلبت أن تصل شعر ابنتها وسيأتي شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (4909) قوله أنه قد لعن الموصلات كذا بالبناء للمجهول والموصلات بتشديد الصاد المكسورة ويجوز فتحها وفي رواية الكشميهني الموصولات وهو يؤيد رواية الفتح قوله باب وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا ليس في رواية أبي ذر أو اعراضا وقد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء وسياقه هنا أتم وذكرت هناك سبب نزولها وفيمن نزلت واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها أن ترجع في ذلك فقال الثوري والشافعي وأحمد وأخرجه البيهقي عن علي وحكاه بن المنذر عن عبيدة بن عمرو وإبراهيم ومجاهد وغيرهم أن رجعت فعليه أن يقسم لها وأن شاء فارقها وعن الحسن ليس لها أن تنقض وهو قياس قول مالك في الانظار والعارية والله أعلم قوله باب العزل أي النزع بعد الايلاج لينزل خارج الفرج والمراد هنا بيان حكمة وذكر فيه حديثين (4911) الاول حديث جابر قوله يحيى بن سعيد هو القطان وله عن بن جريج عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد عن يحيى بن سعيد الاموي عن بن جريج عن عطاء أنه سمع جابرا سئل عن العزل فقال كنا نصنعه قوله حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان هو بن عيينة قال قال عمرو هو بن دينار أخبرني عطاء أنه سمع جابرا يقول هذا مما نزل فيه عمرو بن دينار فإنه سمع الكثير من جابر نفسه ثم ادخل في هذا بينهما واسطة وقد تواردت الروايات من أصحاب سفيان على ذلك الا ما وقع في مسند أحمد في النسخ المتأخرة فإنه ليس في الاسناد عطاء لكنه أخرجه أبو نعيم من طريق المسند بإثباته وهو المعتمد قوله كنا نعزل والقرآن ينزل
[ 251 ]
وعن عمرو عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وقع في رواية الكشميهني كان يعزل بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمجهول وكأن بن عيينة حدث به مرتين فمرة ذكر فيها الاخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة ذكره بالعنعنة فذكرها وقد أخرجه الاسماعيلي من طرق عن سفيان صرح فيها بالتحديث قال حدثنا عمرو بن دينار وزاد بن أبي عمر في روايته عن سفيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث أي لو كان حراما لنزل فيه وقد اخرج مسلم هذه الزيادة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان فساقه بلفظ كنا نعزل والقرآن ينزل قال سفيان لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن فهذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطا واوهم كلام صاحب العمدة ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فادرجها وليس الامر كذلك فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة وشرحه بن دقيق العيد على ما وقع في العمدة فقال استدلال جابر بالتقرير من الله غريب ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك انتهى ويكفي في علمه به قول الصحابي أنه فعله في عهده والمسألة مشهورة في الاصول وفي علم الحديث وهي أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الاكثر لان الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الاحكام وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند قوم وهذا من الاول فإن جابرا صرح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يقرأ أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول فعلناه في زمن التشريع ولو كان حراما لم نقر عليه وإلى ذلك يشير قول بن عمر كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شئ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا أخرجه البخاري وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال اعزل عنها أن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه فقال أن الجارية قد حبلت قال قد أخبرتك ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد له آخر إلى جابر وفي آخره فقال أنا عبد الله ورسوله وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط فإن في إحداها التصريح باطلاعه صلى الله عليه وسلم وفي الاخرى إذنه في ذلك وأن كان السياق يشعر بأنه خلاف الاولى كما سأذكر البحث فيه الحديث الثاني حديث أبي سعيد (4912) (. قوله جويرية هو بن أسماء الضبعي يشارك مالكا في الرواية عن نافع وتفرد عنه بهذا الحديث وبغيره وهو من الثقات الاثبات قال الدارقطني بعد أن أخرجه من طريقه صحيح غريب تفرد به جويرية عن مالك قلت ولم أره الا من رواية بن أخيه عبد الله بن محمد بن أسماء عنه قوله عن الزهري لمالك فيه إسناد آخر أخرجه المصنف في العتق وأبو داود وابن حبان من طريق عنه عن ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز وكذا هو في الموطأ قوله عن بن محيريز بحاء مهملة ثم راء ثم زاي مصغرا اسمه عبد الله ووقع كذلك في رواية يونس كما سيأتي في القدر عن الزهري أخبرني عبد الله بن محيريز الجمحي وهو مدني سكن الشام ومحيريز أبوه هو بن جنادة بن وهب وهو من رهط أبي محذورة المؤذن وكان يتيما في حجره ووافق مالكا على هذا السند شعيب كما مضى في البيوع ويونس كما سيأتي في القدر وعقيل والزبيدي كلاهما عند
[ 252 ]
النسائي وخالفهم معمر فقال عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي وخالف الجميع إبراهيم بن سعد فقال عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد أخرجه النسائي أيضا قال النسائي رواية مالك ومن وافقه أولي بالصواب قوله عن أبي سعيد في رواية يونس أن أبا سعيد الخدري أخبره وفي رواية ربيعة في المغازي عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل كذا عند البخاري ووقع عند مسلم من هذا الوجه دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل وأبو صرمة بكسر المهملة وسكون الراء اسمه مالك وقيل قيس صحابي مشهور من الانصار وقد وقع في رواية للنسائي من طريق الضحاك بن عثمان عن محمد بن يحيى عن بن محيريز عن أبي سعيد وأبي صرمة قالا أصبنا سبايا والمحفوظ الاول قوله أصبنا سبيا في رواية شعيب في البيوع ويونس المذكورة أنه بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم زاد يونس جاء رجل من الانصار وفي رواية ربيعة المذكورة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهرنا لا نسأله فسألناه قوله فكنا نعزل في رواية يونس وشعيب فقال أنا نصيب سبيا ونحب المال فكيف ترى في العزل ووقع عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد قال ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذلكم قالوا الرجل تكون له المرأة ترضع له فيصيب منها ويكره أن تحمل منه والرجل تكون له الامة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ففي هذه الرواية إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما كراهة مجئ الولد من الامة وهو أما انفة من ذلك وأما لئلا يتعذر بيع الامة إذا صارت أم ولد وأما لغير ذلك كما سأذكره بعد والثاني كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع قوله أو إنكم لتفعلون هذا الاستفهام يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك ففيه تعقب على من قال أن قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوع معتلا بأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ففي هذا الخبر إنهم فعلوا العزل ولم يعلم به حتى سألوه عنه نعم للقائل أن يقول كانت دواعيهم متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا فعلوا الشئ وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى سؤاله عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية ووقع في رواية ربيعة لا عليكم أن لا تفعلوا ووقع في رواية مسلم من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك قال بن سيرين قوله لا عليكم أقرب إلى النهي وله من طريق بن عون عن محمد بن سيرين نحوه دون قول محمد قال بن عون فحدثت به الحسن فقال والله لكأن هذا زجر قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألوه عنه فكأن عندهم بعد لا حذفا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم الخ تأكيدا للنهي وتعقب بأن الاصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا وقال غيره قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أن ادعى أن لا زائدة فيقال الاصل عدم ذلك ووقع في رواية مجاهد الآتية في التوحيد تعليقا ووصلها مسلم وغيره ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل لا يفعل ذلك فأشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي وإنما أشار أن الاولى ترك ذلك لان العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك لان الله أن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله والفرار من حصول الولد يكون لاسباب منه اخشية علوق الزوجة الامة لئلا يصير الولد رقيقا أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع
[ 253 ]
إذا كانت الموطوءة ترضعه أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب وكل ذلك لا يغني شيئا وقد أخرج أحمد والبزار وصححه بن حبان من حديث أنس أن رجلا سأل عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد اهرقته على صخرة لاخرج الله منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن بن عباس وفي الاوسط له عن بن مسعود وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة من عند مسلم في طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد وهي خشية أن يضر الحمل بالولد المرضع لانه مما جرب فضر غالبا لكن وقع في بقية الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار ووقع عند مسلم في حديث أسامة بن زيد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني اعزل عن امرأتي شفقة على ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان كذلك فلا ما ضر ذلك فارس ولا الروم وفي العزل أيضا إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها وقد اختلف السلف في حكم العزل قال بن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لان الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل ووافقه في نقل هذا الاجماع بن هبيرة وتعقب بان المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير أذنها قال الغزالي وغيره يجوز وهو المصحح عند المتأخرين واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجة بلفظ نهى عن العزل عن الحرة الا بأذنها وفي إسناده بن لهيعة والوجه الآخر للشافعية الجزم بالمنع إذا امتنعت وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز وهذا كله في الحرة وأما الامة فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة أن جاز فيها ففي الامة أولي وأن أمتنع فوجهان أصحهما الجواز تحرزا من ارقاق الولد وأن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب بن حزم وأن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا لانها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الامة المزوجة هذا واتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها الا بأذنها وأن الامة يعزل عنها بغير أذنها واختلفوا في المزوجة فعند المالكية يحتاج إلى إذن سيدها وهو قول أبي حنيفة والراجح عن محمد وقال أبو يوسف وأحمد الاذن لها وهي رواية عن أحمد وعنه بأذنها وعنه يباح العزل مطلقا وعنه المنع مطلقا والذي احتج به من جنح إلى التفصيل لا يصح الا عند عبد الرزاق عنه بسند صحيح عن بن عباس قال تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الامة السرية فإن كانت أمة تحت حر فعليه أن يستأمرها وهذا نص في المسألة فلو كان مرفوعا لم يجز العدول عنه وقد استنكر بن العربي القول بمنع العزل عمن يقول بأن المرأة لا حق لها في الوطئ ونقل عن مالك أن لها حق المطالبة به إذا قصد بتركه اضرارها وعن الشافعي وأبي حنيفة لا حق لها فيه الا في وطئه واحدة يستقر بها المهر قال فإذا كان الامر كذلك فكيف يكون لها حق في العزل فإن خصوه بالوطئة الاولى فيمكن وإلا فلا يسوغ فيما بعد ذلك الا على مذهب مالك بالشرط المذكور اه وما نقله عن الشافعي غريب والمعروف عند أصحابه أنه لا حق لها أصلا نعم جزم بن حزم بوجوب الوطئ وبتحريم العزل واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي أخرجه مسلم وهذا معارض بحديثين أحدهما أخرجه الترمذي والنسائي وصححه من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود أن تلك الموءودة الصغرى فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم تستطع رده وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن بن مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد نحوه ومن طريق أبي عامر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه ومن طريق سليمان الاحول أنه سمع عمرو بن دينار يسأل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل فقال زعم أبو سعيد فذكر نحوه قال فسألت أبا سلمة أسمعته من أبي سعيد قال لا ولكن أخبرني رجل عنه والحديث الثاني في النسائي من وجه آخر عن
[ 254 ]
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذه طرق يقوي بعضها ببعض وجمع بينها وبين حديث جذامة يحمل حديث جذامة على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته وهذا دفع للاحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من ادعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه وتعقبه بن رشد ثم بن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابلة بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب ورد بأن الاختلاف إنما يقدح حيث لا يقوي بعض الوجوه فمتى قوي بعضها عمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح بن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها توافق أصل الاباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى أنه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يعزل من حصول الحمل لكن فيه تضييع الحمل لان المني يغذوه فقد يؤدي العزل إلى موته أو إلى ضعفه المفضي إلى موته فيكون وأدا خفيا وجمعوا أيضا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى وبين اثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضي أنه وأد ظاهر لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا فلا يعارض قوله أن العزل وأد خفي فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا فلا يترتب عليه حكم وإنما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة وقال بعضهم قوله الوأد الخفي ورد على طريق التشبيه لانه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئه قال بن القيم الذي كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لان الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا فهذه عدة أجوبة يقف معها الاستدلال بحديث جذامة على المنع وقد جنح إلى المنع من الشافعية بن حبان فقال في صحيحة ذكر الخبر الدال على أن هذا الفعل مزجور عنه لا يباح استعماله ثم ساق حديث أبي ذر رفعه ضعه في حلاله وجنبه حرامه واقرره فإن شاء الله أحياه وأن شاء أماته ولك أجرا اه ولا دلالة فيما ساقه على ما ادعاه من التحريم بل هو أمر إرشاد لما دلت عليه بقية الاخبار والله أعلم ومن عند عبد الرزاق وجه آخر عن بن عباس أنه أنكر أن يكون العزل وأدا وقال المني يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسى لحما قال والعزل قبل ذلك كله وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن عدي بن الخيار عن على نحوه في قصة حرب عند عمر وسنده جيد واختلفوا في علة النهي عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر وهذا الثاني هو الذي يقتضيه معظم الاخبار الواردة في ذلك والاول مبني على صحة الخبر المفرق بين الحرة والامة وقال إمام الحرمين موضع المنع أنه ينزع بقصد الانزال خارج الفرج خشية العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع وكأنه راعي سبب المنع فإذا فقد بقي أصل الاباحة فله أن ينزع متى شاء حتى لو نزع فانزل خارج الفرج اتفاقا لم يتعلق به النهي والله أعلم وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولي ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا ويمكن أن يفرق بأنه أشد لان العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله وقد أفتي بعض متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقا والله أعلم واستدل بقوله في حديث أبي سعيد وأصبنا كرائم العرب وطالت علينا العزبة وأردنا أن نستمتع واحببنا الفداء لمن أجاز استرقاق العرب وقد تقدم بيانه في
[ 255 ]
باب من ملك من العرب رقيقا في كتاب العتق ولمن أجاز وطئ المشركات بملك اليمن وأن لم يكن من أهل الكتاب لان بني المصطلق كانوا أهل أوثان وقد انفصل عنه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب وهو باطل وباحتمال أن يكون ذلك في أول الامر ثم نسخ وفيه نظر إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال وباحتمال أن تكون المسبيات اسلمن قبل الوطئ وهذا لا يتم مع قوله في الحديث واحببنا الفداء فإن المسلمة لا تعاد للمشرك نعم يمكن حمل الفداء على معنى أخص وهو انهن يفدين انفسهن فيعتقن من الرق ولا يلزم منه اعادتهن للمشركين وحمله بعضهم على ارادة الثمن لان الفداء المتخوف من فوته هو الثمن ويؤيد هذا الحمل قوله في الرواية الاخرى فقال يا رسول الله أنا أصبنا سبيا ونحب الاثمان فكيف ترى في العزل وهذا أقوى من جميع ما تقدم والله أعلم قوله باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا تقدم في حديث الافك في التفسير مثل ذلك من حديث عائشة أيضا وساق المصنف في الباب قصة أخرى ولعلها كانت أيضا في تلك السفرة ولكن بينت في شرح حديث الافك في التفسير أنه لم يكن معه في غزوة المريسيع الا عائشة وقد تقدم في الهبة والشهادات مثل ذلك في أول حديث آخر عن عائشة أيضا (4913) قوله بن أبي مليكة عن القاسم هو بن أبي بكر وابن أبي مليكة يروي عن عائشة تارة بالواسطة وتارة بغيرها قوله إذا أراد سفرا مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها وتجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة الا أن يرضين بشئ فيجوز بلا قرعة قوله أقرع بين نسائه زاد بن سعد من وجه آخر عن القاسم عن عائشة فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية واستدل به على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة قال عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لانه من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية اجازتها اه وقد قالوا به في مسألة الباب واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا نفع بها في السفر لاضر بحال الرجل وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الاخرى وقال القرطبي ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت احوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح اه وفيه مراعاة للمذهب مع الامن من رد الحديث أصلا لحمله على التخصيص فكأنه خصص العموم بالمعنى قوله فطارت القرعة لعائشة وحفصة أي في سفرة من السفرات والمراد بقولها طارت أي حصلت وطير كل إنسان نصيبه وقد تقدم في الجنائز قول أم العلاء لما اقتسم الانصار المهاجرين قالت وطار لنا عثمان بن مظعون أي حصل في نصيبنا من المهاجرين قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث استدل به المهلب على أن القسم لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه لان عماد القسم الليل في الحضر وأما في السفر فعماد القسم فيه النزول وأما حالة السير فليست منه لا ليلا ولا نهارا وقد أخرج أبو داود والبيهقي واللفظ له من طريق بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قل يوم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيقبل ويلمس ما دون الوقاع فإذا جاء إلى التي هو يومها بات عندها قوله فقالت حفصة أي لعائشة قوله الا تركبين الليلة بعيري الخ كأن عائشة اجابت إلى ذلك لما شوقتها إليه من النظر إلى ما لم تكن هي تنظر وهذا مشعر بأنهما لم يكونا حال السير متقاربتين بل كانت كل واحدة منهما من جهة كما جرت العادة من السير قطارين إلا فلو كانتا معا لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره
[ 256 ]
الاخرى ويحتمل أن تريد بالنظر وطأة البعير وجودة سيره قوله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه في رواية حكاها الكرماني وعليها وكأنه على إرادة الناقة قوله فسلم عليها لم يذكر في الخبر أنه تحدث معها فيحتمل أن يكون الهم ما وقع ويحتمل أن يكون وقع ذلك اتفاقا ويحتمل أن يكون تحدث ولم ينقل قوله واقتقدته عائشة أي حالة المسايرة لان قطع المألوف صعب قوله فلما نزلوا جعلت رجليها بين الاذخر كأنها لما عرفت أنها الجانية فيما اجابت إليه حفصة عاتبت نفسها على تلك الجناية والاذخر نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية قوله وتقول رب سلط في رواية المستلمي يا رب سلط بإثبات حرف النداء وهي رواية مسلم قوله تلذغني بالغين المعجمة قوله ولا أستطيع أن أقول له شيئا قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة ويحتمل أن يكون كلام عائشة ولم يظهر لي هذا الظاهر بل هو كلام عائشة وقد وقع في رواية مسلم في جميع ما وقفت عليه من طرقه الا ما سأذكره بعد قوله تلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا ورسولك بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رسولك ويجوز النصب على تقدير فعل وإنما لم تتعرض لحفصة لانها هي التي اجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم ووقع عند الاسماعيلي من وجهين عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بعد قوله تلدغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ولا أستطيع أن أقول له شيئا وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد بالقول في قولها أن أقول أي احكي له الواقعة لانه ما كان يعذرني في ذلك وظاهر رواية غيره تفهم أن مرادها بالقول أنها لا تستطيع أن تقول في حقه شيئا كما تقدم قال الداودي يحتمل أن تكون المسايرة ف ليلة عائشة ولذلك غلبت عليها الغيرة فدعت على نفسها بالموت وتعقب بأنه يلزم منه أنه يوجب القسم في المسايرة وليس كذلك إذ لو كان لما كان يخص عائشة بالمسايرة دون حفصة حتى تحتاج حفصة تتحيل على عائشة ولا يتجه القسم في حالة السير الا إذا كانت الخلوة لا تحصل الا فيه بأن يركب معها في الهودج وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة فيكون حينئذ عماد القسم السير وأما المسايرة فلا وهذا كله مبني على أن القسم كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدل عليه معظم الاخبار ويؤيد القول بالقرعة إنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة بل يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل فلو سافر بمن شاء بغير قرعة فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلفت حقها وقد نقل بن المنذر الاجماع على أن ذلك لا يجب فظهر أن للقرعة فائدة وهي أن لا يؤثر بعضهن بالتشهي لما يترتب على ذلك من ترك العدل بينهن وقد قال الشافعي في القديم لو كان المسافر يقسم لمن خلف لما كان للقرعة معنى بل معناها أن تصير هذه الايام لمن حرج سهمها خالصة انتهى ولا يخفى أن محل الاطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام اسم السفر موجودا فلو سافر إلى بلدة فأقام بها زمانا طويلا ثم سافر راجعا فعليه قضاء مدة الاقامة وفي مدة الرجوع خلاف عند الشافعية والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت وفازت بالصحبة لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمقيمة عكسها في الامرين معا قوله باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها من يتعلق بيومها لا يهب أي يومها الذي بختص بها قوله وكيف يقسم ذلك قال العلماء إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها فإن كان تاليا ليومها فذاك وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقي وقالوا إذا وهبت المرأة يومها لضرتها فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع وأن لم يقبل لم يكره على ذلك وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة أن كان عنده أكثر من اثنتين أو يوزعه بين من بقي وللواهبة في جميع الاحوال الرجوع عن ذلك متى احبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى وأطلق بن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الذي وهبته لعائشة (4914) قوله حدثنا مالك بن
[ 257 ]
إسماعيل هو أبو غسان النهدي وزهير هو بن معاوية قوله أن سودة بنت زمعة هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة وكانت أول امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما دخوله عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق وقد نبهه على ذلك بن الجوزي قوله وهبت يومها لعائشة تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام لما ان كبرت سودة وهبت وله نحوه من رواية جرير عن هشام وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بالسند المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم الحديث وفيه ولقد قالت سودة بنت زمعة حين اسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية وتابعه بن سعد عن الواقدي عن بن أبي الزناد في وصله ورواه سعيد بن منصور عن بن أبي الزناد مرسلا لم يذكر فيه عن عائشة وعند الترمذي من حديث بن عباس موصولا نحوه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت وأخرج بن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ولكن أحب أن ابعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة في رواية جرير عن هشام عند مسلم فكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة وقد بينت كلامهم في كيفية هذا القسم أول الباب قوله باب العدل بين النساء ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة وبالحديث إلى ان المرادب بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن فإذا وفي لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والايواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة وقد روى الاربعة وصححه بن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم قال الترمذي رواه غير واحد عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا وهو أصح من رواية حماد بن سلمة وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولن تستطيعوا الآية قال في الحب والجماع وعن عبيدة بن عمرو السماني مثله قوله بشر هو بن المفضل وخالد هو بن مهران الحذاء (4915) قوله ولو شئت أن أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قال السنة في رواية مسلم وأبي داود من طريق هشيم عن خالد في آخر الحديث قال خالد لو شئت أن أقول رفعه لصدقت ولكنه قال السنة فبين أنه قول خالد وهو بن مهران الحذاء راوية عن أبي قلابة وقد اختلف على سفيان الثوري في تعيين قائل ذلك هل هو خالد أو شيخه أبو قلابة ويأتي بيان ذلك
[ 258 ]
في الباب الذي يليه مع شرح الحديث قوله باب إذا تزوج الثيب على البكر أي أو عكس كيف يصنع (4916) قوله حدثنا يوسف بن راشد هو يوسف بن موسى بن راشد نسب لجده قوله حدثنا أبو أسامة عن سفيان في رواية نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة حدثنا سفيان قوله حدثنا أيوب هو السختياني وخالد هو الحذاء قوله عن أبي قلابة أي إنهما جميعا روياه عن أبي قلابة لكن الذي يظهر أنه ساقه على لفظ خالد قوله قال من السنة أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي يتبادر للفهم من قول الصحابي وقد مضى في الحد قول سلام بن عبد الله بن عمر لما سأله الزهري عن قول بن عمر للحجاج أن كنت تريد السنة هل تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل يعنون بذلك الا سنته قوله إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أي يكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرا كما سيأتي البحث عنه قوله أقام عندها سبعا وقسم ثم قال أقام عندها ثلاثا ثم قسم كذا في البخاري بالواو في الاولى وبلفظ ثم في الثانية ووقع عند الاسماعيلي وأبي نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة بلفظ ثم في الموضعين قوله قال أبو قلابة ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى وقال بن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا والثاني أن يكون رأى أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لانه في حكم المرفوع قال والاول أقرب لان قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتلم وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل انتهى وهو بحث متجه ولم يصب من رده بأن الاكثر على أن قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع لاتجاه الفرق بين ما هو مرفوع وما هو في حكم المرفوع لكن باب الرواية بالمعنى متسع وقد وافق هذه الرواية بن علية عن خالد في نسبة هذا القول إلى أبي قلابة أخرجه الاسماعيلي ونسبه بشر بن المفضل وهشيم إلى خالد ولا منافاة بينهما كما تقدم لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد يعني بهذا الاسناد والمتن قوله قال خالد ولو شئت لقلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن البخاري أراد أن يبين أن الرواية عن سفيان الثوري أختلفت في نسبة هذا القول هل هو قول أبي قلابة أو قول خالد ويظهر لي أن هذه الزيادة في رواية خالد عن أبي قلابة دون رواية أيوب ويؤيده أنه أخرجه في الباب الذي قبله من وجه آخر عن خالد وذكر الزيادة في صدر الحديث وقد وصل طريق عبد الرزاق المذكورة مسلم فقال حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق ولفظه من السنة أن يقيم عند البكر سبعا قال خالد الي آخره وقد رواه أبو داود الجفري والقاسم بن يزيد الجرمي عن الثوري عنهما أخرجه الاسماعيلي ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان كذلك أخرجه البيهقي وشذ أبو قلابة الرقاشي فرواه عن أبي عاصم عن سفيان عن خالد وأيوب جميعا وقال فيه قال صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وقال حدثناه الصغاني عن أبي قلابة وقال هو غريب لا أعلم من قاله غير أبي قلابة انتهى وقد أخرج الاسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن
[ 259 ]
أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه وهو يؤيد ما ذكرته أن السياق في رواية سفيان لخالد ورواية أيوب هذه أن كانت محفوظة احتمل أن يكون أبو قلابة لما حدث به أيوب جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه بن خزيمة في صحيحه وأخرجه بن حبان أيضا عنه عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بن عيينة عن أيوب وصرح برفعه وأخرجه الدارمي والدارقطني من طريق محمد بن إسحاق عن أيوب مثله فبينت أن رواية خالد هي التي قال فيها من السنة وأن رواية أيوب قال فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به على أن هذا العدل يختص بمن له زوجة قبل الجديدة وقال بن عبد البر جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عنده زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب وهذا يوافق كلام أكثر الاصحاب واختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ولكن يشهد للاول قوله في حديث الباب إذا تزوج البكر على الثيب ويمكن أن يتمسك للآخر بسياق بشر عن خالد الذي في الباب قبله فإنه قال إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا الحديث ولم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد بل ثبت في رواية خالد التقييد فعند مسلم من طريق هشيم عن خالد إذا تزوج البكر على الثيب الحديث يؤيده أيضا قوله في حديث الباب ثم قسم لان القسم إنما يكون لمن عنده زوجة أخرى وفيه حجة على الكوفيين في قولهم أن البكر والثيب سواء في الثلاث وعلى الاوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا وخص من عموم حديث الباب ما لو أرادت الثيب ان يكمل لها السبع فإنه إذا اجابها سقط حقها من الثلاث وقضى السبع لغيرها لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال أنه ليس بك على أهلك هوان أن شئت سبعت لك وأن سبعت لك سبعت لنسائي وفي رواية له أن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث وحكى الشيخ أبو إسحاق في المهذب وجهين في أنه يقضي السبع أو الاربع المزيدة والذي قطع به الاكثر أن اختارت السبع قضاها كلها وأن اقامها بغير اختيارها قضى الاربع المزيدة تنبيه يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن صلاة الجماعة وسائر أعمال البر التي كان يفعلها نص عليه الشافعي وقال الرافعي هذا في النهار أما في الليل فلا لان المندوب لا يترك له الواجب وقد قال الاصحاب يسوى بين الزوجات في الخروج إلى الجماعة وفي سائر أعمال البر فيخرج في ليالي الكل أو لا يخرج أصلا فإن خصص حرم عليه وعدوا هذا من الاعذار في ترك الجماعة وقال بن دقيق العيد أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية ورواه بن القاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه الشافعية فعلى الاصح يتعارض عنده الواجبان فقدم حق الادمي هذا توجيهه فليس بشنيع وأن كان مرجوحا وتجب الموالاة في السبع وفي الثلاث فلو فرق لم يحسب على الراجح لان الحشمة لا تزول به ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والامة وقيل هي على النصف من الحرة ويجبر الكسر قوله باب من طاف على نسائه في غسل واحد ذكر فيه حديث أنس في ذلك وقد تقدم سندا ومتنا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلاف على قتادة في كونهن تسعا أو إحدى عشرة وبيان الجمع بين الحديثين وتعلق به من قال أن القسم لم يكن واجبا عليه وتقدم أن بن العربي نقلا أنه كانت له ساعة من النهار لا يجب عليه فيها القسم وهي بعد العصر وقلت أن لم أجد لذلك دليلا ثم وجدت حديث عائشة الذي في الباب بعد هذا بلفظ كان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن الحديث وليس فيه بقية ما ذكر من أن تلك الساعة هي التي لم يكن القسم واجبا عليه فيها وأنه ترك إتيان نسائه كلهن في ساعة واحدة على تلك الساعة ويرد
[ 260 ]
عليه (4917) قوله في حديث أنس كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وقد تقدمت له توجيهات غير هذه هناك وذكر عياض في الشفا أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن وكأنه أراد به عدم تشوقهن للازواج إذ الاحصان له معان منها الاسلام والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك إنما كان لارادة العدل بينهن في ذلك وأن لم يكن واجبا كما تقدم شئ من ذلك في باب كثرة النساء وفي التعليل الذي ذكره نظر لانهن حرم عليهن التزويج بعده وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك قوله باب دخول الرجل على نسائه في اليوم ذكر فيه طرفا من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه الحديث وسيأتي بأتم من هذا في باب لم تحرم ما أحل الله لك من كتاب الطلاق وقوله (4918) فيدنو من إحداهن زاد فيه بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بغير وقاع وقد بينته في باب القرعة بين النساء وهو مما يؤكد الرد على بن العربي فيما ادعاه قوله باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في اخر المغازي والغرض منه هنا أن القسم لهن يسقط باذنهن في ذلك فكأنهن وهبن أيامهن تلك التي هو في بيتها وقد تقدم في بعض طرقه التصريح بذلك قوله باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض ذكر فيه طرفا من حديث بن عباس عن عمر الذي تقدم في باب موعظة الرجل ابنته وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم شرحه هناك قوله باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال (4921) قوله المتشبع أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها وكذلك هذا في الرجال قال وأما قوله كلابس ثوبي زور فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه قال وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب الانفس كقولهم فلان نقي الثوب إذا كان بريئا من الدنس وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصا عليه في دينه وقال الخطابي الثوب مثل ومعناه أنه صاحب زور وكذب كما يقال لمن وصف بالبراءة من الادناس طاهر
[ 261 ]
الثوب والمراد به نفس الرجل وقال أبو سعيد الضرير المراد به أن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة اه وهذا نقله الخطابي عن نعيم بن حماد قال كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل فشهد فقبل لنبل هيئته وحسن ثوبيه فيقال امضاها بثوبيه يعني الشهادة فأضيف الزور إليهما فقيل كلابس ثوبي زور وأما حكم التثنية في قوله ثوبي زور فللاشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى لانه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه وقال الداودي في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك وقيل أن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قاله بن المنير قلت ونحو ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الاطواق والمعنى الاول أليق وقال بن التين هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس إنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه وقال الزمخشري في الفائق المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لانهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما وانزر بالآخر كما قيل إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فالاشارة بالازار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل وقال المطرزي هو الذي يرى أنه شبعان وليس كذلك قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير ويحيى في الرواية الثانية هو بن سعيد القطان وأفاد تصريح هشام بتحديث فاطمة وهي بنت المنذر بن الزبير وهي بنت عمه وزوجته وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق جدتهما معا وقد اتفق الاكثر من أصحاب هشام على هذا الاسناد وانفرد معمر والمبارك بن فضالة بروايته عن هشام بن عروة فقالا عن أبيه عن عائشة وأخرجه النسائي من طريق معمر وقال أنه أخطأ والصواب حديث أسماء وذكر الدارقطني في التتبع أن مسلما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان ووكيع كلاهما عن هشام بن عروة مثل رواية معمر قال وهذا لا يصح واحتاج أن انظر في كتاب مسلم فإني وجدته في رقعة والصواب عن عبدة ووكيع عن فاطمة عن أسماء لا عن عروة عن عائشة وكذا قال سائر أصحاب هشام قلت هو ثابت في النسخ الصحيحة من مسلم في كتاب اللباس أورده عن بن نمير عن عبدة ووكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة ثم أورده عن بن نمير عن عبدة وحده عن هشام عن فاطمة عن أسماء فاقتضى أنه عند عبدة على الوجهين وعند وكيع بطريق عائشة فقط ثم أورده مسلم من طريق أبي معاوية ومن طريق أبي أسامة كلاهما عن هشام عن فاطمة وكذا أورده النسائي عن محمد بن آدم وأبو عوانة في صحيحه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة عن هشام وكذا هو في مسند بن أبي شيبة وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق أبي ضمرة ومن طريق علي بن مسهر وأخرجه بن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبو نعيم في المستخرج من طريق مرجي بن رجاء كلهم عن هشام عن فاطمة فالظاهر أن المحفوظ عن عبدة عن هشام عن فاطمة وأما وكيع فقد أخرج روايته الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم الطوسي عنه مثل ما وقع عند مسلم فليضم إلى معمر ومبارك بن فضالة ويستدرك على الدارقطني قوله أن امرأة قالت لم اقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها قوله أن لي ضرة في رواية الاسماعيلي أن لي جارة وهي الضرة كما تقدم قوله أن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني في رواية مسلم من حديث عائشة أن امرأة قالت
[ 262 ]
يا رسول الله أقول أن زوجي أعطاني ما لم يعطني قوله المشتبع بما لم يعطه في رواية معمر بما لم يعطه قوله باب الغيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء قال عياض وغيره هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين هذا في حق الآدمي وأما في حق الله فقال الخطابي أحسن ما يفسر به ما فسر به في حديث أبي هريرة يعني الآتي في هذا الباب وهو قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه قال عياض ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الاشارة إلى تغير حال فاعل ذلك وقيل الغيرة في الاصل الحمية والانفة وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا وقال بن العربي التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك اه وقد تقدم في كتاب الكسوف شئ من هذا ينبغي استحضاره هنا ثم قال ومن أشرف وجوه غيرته تعالى اختصاصه قوما بعصمته يعني فمن ادعى شيئا من ذلك لنفسه عاقبة قال وأشد الادميين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه كان يغار لله ولدينه ولهذا كان لا ينتقم لنفسه اه وأورد المصنف في الباب تسعة أحاديث الحديث الاول قوله وقال وراد بفتح الواو وتشديد الراء هو كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه وحديثه هذا المعلق عن المغيرة سيأتي موصلا في كتاب الحدود من طريق عبد الملك بن عمير عنه بلفظه لكن فيه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم واختصرها هنا ويأتي أيضا في كتاب التوحيد من هذا الوجه أتم سياقا واغفل المزي التنبيه على هذا التعليق في النكاح قوله قال سعد بن عبادة هو سيد الخزرج واحد نقبائهم قوله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته عند مسلم من حديث أبي هريرة ولفظه قال سعد يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا أمهله حتى أتي بأربعة شهداء قال نعم وزاد في رواية من هذا الوجه قال كلا والذي بعثك بالحق أن كنت لاعاجله بالسيف قبل ذلك وفي حديث بن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية والذين يرمون المحصنات الآية قال سعد بن عبادة أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع متفخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا اهيجه حتى أتي بأربعة شهداء فوالله لا أتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الانصار الا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط الا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد والله إني لاعلم يا رسول الله أنها لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت قوله غير مصفح قال عياض هو بكسر الفاء وسكون الصاد المهملة قال ورويناه أيضا بفتح الفاء فمن فتح جعله وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعله وصفا للضارب وحالا منه اه وزعم بن التين أنه وقع في سائر الامهات بتشديد الفاء وهو من صفح السيف أي عرضه وحده ويقال له غرار بالغين المعجمة وللسيف صفحان وحدان وأراد أنه يضربه بحده لا بعرضه والذي يضرب بالحد يقصد إلى القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنه يقصد التأديب ووقع عند مسلم من رواية أبي عوانة غير مصفح عنه وهذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا على البناء للمجهول وقد أنكرها بن الجوزي وقال ظن الراوي أنه من الصفح الذي هو بمعنى العفو وليس كذلك إنما هو من صفح السيف قلت ويمكن توجيهها على المعنى الاول والصفح والصفحة بمعنى وقد أورده مسلم من طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير وبين أنه ليس في روايته لفظة عنه وكذا سائر من رواه عن أبي فوانة في البخاري وغيره لم يذكروها قوله أتعجبون من غيرة سعد تمسك بهذا التقرير من أجاز فعل ما قال سعد وقال أن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا نقل ذلك عن بن المواز من المالكية
[ 263 ]
وسيأتي بسط ذلك وبيانه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى الحديث الثاني (4922) قوله شقيق هو أبو وائل الاسدي وعبد الله هو بن مسعود قوله ما من أحد أغير من الله من زائدة بدليل الحديث الذي بعده ويجوز في أغير الرفع والنصب على اللغتين الحجازية والتميمية في ما ويجوز في النصب أن يكون أغير في موضع خفض على النعت لاحد وفي الرفع أن يكون صفة لاحد والخبر محذوف في الحالين تقديره موجود ونحوه والكلام على غيرة الله ذكر في الذي قبله وبقية شرح الحديث يأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى تنبيه وقع عند الاسماعيلي قبل حديث أبي مسعود ترجمة صورتها في الغيرة والمدح وما رأيت ذلك في شئ من نسخ البخاري الحديث الثالث حديث عائشة (4923) قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته تزني كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن سلمة وهو القعنبي عن مالك ووقع في سائر الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله وقد تقدم في كتاب الكسوف عن عبد الله بن مسلمة هذا بهذا الاسناد كالجماعة فيظهر أنه من سبق القلم هنا ولعل لفظة تزني سقطت غلطا من الاصل ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها وهذا القدر الذي أورده المصنف من هذا الحديث هو طرف من الخطبة المذكورة في كتاب الكسوف وقد تقدم شرحه مستوفي هناك بحمد الله تعالى الحديث الرابع (4924) قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن قوله أن عروة في رواية حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عند مسلم حدثني عروة ورواية أبي سلمة عن عروة من رواية القرين عن القرين لانهما متقاربان في السن واللقاء وأن كان عروة أسن من أبي سلمة قليلا قوله عن أمه أسماء هي بنت أبي بكر ووقع في رواية مسلم المذكورة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثته قوله لا شئ أغير من الله في رواية حجاج المذكورة ليس شئ أغير من الله وهما بمعنى الحديث الخامس قوله وعن يحيى أن أبا سلمة حدثه أن أبا هريرة حدثه هكذا أورده وهو معطوف على السند الذي قبله فهو موصول ولم يسق البخاري المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر أن لفظهما واحد وقد وقع في رواية حجاج بن أبي عثمان عند مسلم بتقديم حديث أبي سلمة عن عروة على حديثه عن أبي هريرة عكس ما وقع في رواية همام عند البخاري وأورده مسلم أيضا من رواية حرب بن شداد عن يحيى بحديث أبي هريرة فقط مثل ما أورده البخاري من رواية شيبان عن يحيى ثم أورده مسلم من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بحديث أسماء فقط فكأن يحيى كان يجمعهما تارة ويفرد أخرى وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية الاوزاعي عن يحيى بحديث أسماء فقط وزاد في أوله على المنبر (4925) قوله أن الله يغار زاد في رواية حجاج عند مسلم وأن المومن يغار قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله كذا للاكثر وكذا هو عند مسلم لكن بلفظ ما حرم
[ 264 ]
عليه على البناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن ووقع في رواية أبي ذر وغيره الله أن لا يأتي بزيادة لا وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفي وافرط الصغاني فقال كذا للجميع والصواب حذف لا كذا قال وما أدرى ما أراد بالجميع بل أكثر رواه البخاري على حذفها وفاقا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما وقد وجهها الكرماني وغيره بما حاصله أن غيرة الله ليست هي الاتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير مثل لان لا يأتي أي غيرة الله على النهي عن الاتيان أو نحو ذلك وقال الطيبي التقدير غيرة الله ثابتة لاجل أن لا يأتي قال الكرماني وعلى تقدير أن لا يستقيم المعني بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرا مثل قوله ما منعك أن لا تسجد لئلا يعلم أهل الكتاب وغير ذلك الحديث السادس (4926) قوله حدثني محمود هو بن غيلان المروزي قوله أخبرني أبي عن أسماء هي أمه المقدم ذكرها قبل قوله تزوجني الزبير أي بن العوام وما له في الارض من مال ولا مملوك ولا شئ غير ناضح وغير فرسه اما عطف المملوك على المال فعلى أن المراد بالمال الابل أو الاراضي التي تزرع وهو استعمال معروف للعرب يطلقون المال على كل من ذلك والمراد بالمملوك على هذا الرقيق من العبيد والاماء وقولها بعد ذلك ولا شئ من عطف العام على الخاص يشمل كل ما يتملك أو يتمول لكن الظاهر أنها لم ترد إدخال مالا بد له منه من مسكن وملبس ومطعم ورأس مال تجارة ودل سياقها على أن الارض التي يأتي ذكرها لم تكن مملوكة للزبير وانما كانت اقطاعا فهو يملك منفعتها لا رقبتها ولذلك لم تستثنها كما استثنت الفرس والناضح وفي استثنائها الناضح والفرس نظر استشكله الداودي لان تزويجها كان بمكة قبل الهجرة وهاجرت وهي حامل بعبد الله بن الزبير كما تقدم ذلك صريحا في كتاب الهجرة والناضح وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء إنما حصل له بسبب الارض التي اقطعها قال الداودي ولم يكن له بمكة فرس ولا ناضح والجواب منع هذا النفي وأنه لا مانع أن يكون الفرس والجمل كانا له بمكة قبل أن يهاجر فقد ثبت أنه كان في يوم بدر على فرس ولم يكن قبل بدر غزوة حصلت لهم منها غنيمة والجمل يحتمل أن يكون كان له بمكة ولما قدم به المدينة واقطع الارض المذكورة أعده لسقيها وكان ينتفع به قبل ذلك في غير السقي فلا اشكال قوله فكنت اعلف فرسه زاد مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأكفيه مؤنته وأسوسه وادق النوى لناضحه واعلفه ولمسلم أيضا من طريق بن أبي مليكة عن أسماء كنت أخدم الزبير خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شئ أشد علي من سياسة الفرس كنت احش له وأقوم عليه قوله واستسقى الماء كذا للاكثر وللسرخسي وأسقى بغير مثناه وهو على حذف المفعول أي وأسقي الفرس أو الناضح الماء والاول اشمل معنى وأكثر فائدة قوله واخرز بخاء معجمة ثم راء ثم زاي غربه بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هو الدلو قوله واعجن أي الدقيق وهو يؤيد ما حملنا عليه الماء إذ لو كان المراد نفى أنواع المال لا نتفى الدقيق الذي يعجن لكن ليس ذلك مرادها وقد تقدم في حديث الهجرة أن الزبير لاقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر راجعا من الشام بتجارة وأنه كساهما ثيابا قوله ولم أكن أحسن اخبز فكان يخبز جارات لي في رواية مسلم فكان يخبز لي وهذا محمول على أن في كلامها شيئا محذوفا تقديره تزوجني الزبير بمكة وهو بالصفة المذكورة واستمر على ذلك حتى قدمنا المدينة وكنت أصنع كذا الخ لان النسوة من الانصار إنما جاورنها بعد قدومها المدينة قطعا وكذلك ما سيأتي من حكاية نقلها النوى من أرض الزبير قوله وكن نسوة صدق اضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن
[ 265 ]
العشرة والوفاء بالعهد قوله وكنت انقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم في كتاب فرض الخمس بيان حال الارض المذكورة وإنها كانت مما فاء الله على رسوله من أموال بني النضير وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة كما تقدم بيان ذلك هناك قوله وهي مني أي من مكان سكناها قوله فدعاني ثم قال إخ إخ بكسر الهمزة وسكون الخاء كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه قوله ليحملني خلفه كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك قوله فاستحييت أن أسير مع الرجال هذا بنته على ما فهمته من الارتداف وإلا فعلى الاحتمال الآخر ما تتعين المرافقة قوله وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس هو بالنسبة إلي من علمته أي أرادت تفضيله على أبناء جنسه في ذلك أو من مرادة ثم رأيتها ثابتة في رواية الاسماعيلي ولفظه وكان من أغير الناس قوله والله لحملك النوى على رأسك كان أشد علي من ركوبك معه كذا للاكثر وفي رواية السرخسي كان أشد عليك وسقطت هذه اللفظة من رواية مسلم ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة لانها أخت امرأته فهي في تلك الحالة لا يحل له تزويجها ان لو كانت خلية من الزوج وجواز أن يقع لها ما وقع لزينب بنت جحش بعيد جدا لانه يزيد عليه لزوم فراقه لاختها فما بقي الا احتما أن يقع لها عن بعض الرجال مزاحمة بغير قصد وأن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه ونحو ذلك وهذا كله أخف مما تحقق من تبذلها بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد لانه قد يتوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة ولكن كان السبب الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويقيمهم فيه وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم فانحصر الامر في نسائهم فكن يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الاسلام مع ما ينضم إلى ذلك من العادة المانعة من تسمية ذلك عارا محضا قوله حتى أرسل إلي أبو بكر بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني في رواية مسلم فكفتني وهي أوجه لان الاولى تقتضي أنه أرسلها لذلك خاصة بخلاف رواية مسلم وقد وقع عنده في رواية بن أبي مليكة جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادما قالت كفتني سياسة الفرس فألقت عني مؤنته ويجمع بين الروايتين بان السبي لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما يرسله إلى ابنته أسماء
[ 266 ]
فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطي ولكن وصل ذلك إليها بواسطة ووقع عنده في هذه الرواية أنها باعتها بعد ذلك وتصدقت بثمنها وهو محمول على أنها استغنت عنه بغيرها واستدل بهذه القصة على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة واليه ذهب أبو ثور وحمله الباقون على أنها تطوعت بذلك ولم يكن لازما أشار إليه المهلب وغيره والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت في حال ضرورة كما تقدم فلا يطرد الحكم في غيرها ممن لم يكن في مثل حالهم وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين شكت ما تلقى يداها من الرحى وسألت أباها خادما فدلها على خير من ذلك وهو ذكر الله تعالى والذي يترجح حمل الامر في ذلك على عوائد للبلاد فانها مختلفة في هذا الباب قال المهلب وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوعت بخدمة زوجها بشئ لا يلزمها لم ينكر عليها ذلك أب ولا سلطان وتعقب بأنه بناه على ما أصله من أن ذلك كان تطوعا ولخصمه أن يعكس فيقول لو لم يكن لازما ما سكت أبوها مثلا على ذلك مع ما فيه من المشقة عليه وعليها ولا أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع عظمة الصديق عنده قال وفيه جواز ارتداف المرأة خلف الرجل في موكب الرجال قال وليس في الحديث أنها استترت ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك فيؤخذ منه أن الحجاب إنما هو في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة اه والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته وقد قالت عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور لما نزلت وليضربن بخمرهن على جيوبهن اخذن ازرهن من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الاجانب والذي ذكر عياض أن الذي اختص به أمهات المؤمنين ستر شخوصهن زيادة على ستر اجسامهن وقد ذكرت البحث معه في ذلك في غير هذا الموضع قال المهلب وفيه غيرة الرجل عند ابتذال أهله فيما يشق من الخدمة وانفة نفسه من ذلك لا سيما إذا كانت ذات حسب انتهى وفيه منقبة لاسماء وللزبير ولابي بكر ولنساء الانصار الحديث السابع (4927) قوله حدثنا علي هو بن المديني وابن علية اسمه إسماعيل وقوله عن أنس تقدم في المظالم بيان من صرح عن حميد بسماعه له من أنس وكذا تسمية المرأتين المذكورتين وأن التي كانت في بيتها هي عائشة وأن التي هي أرسلت الطعام زينب بنت جحش وقيل غير ذلك قوله غارت أمكم الخطاب لمن حضر والمراد بالام هي التي كسرت الصحفة وهي من أمهات المؤمنين كما تقدم بيانه وأغرب الداودي فقال المراد بقوله امكم سارة وكأن معنى الكلام عنده لا تتعجبوا مما وقع من هذه من الغيرة فقد غارت قبل ذلك امكم حتى أخرج إبراهيم ولده إسماعيل وهو طفل مع أمه إلى واد غير ذي زرع وهذا وأن كان له بعض توجيه لكن المراد خلافه وأن المراد كاسرة الصحفة وعلى هذا حمله جميع من شرح هذا الحديث وقالوا فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما لانها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي اثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه قاله في قصة وعن بن مسعود رفعه أن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد أخرجه البزار وأشار إلى صحته ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم وفي إطلاق الداودي على سارة أنها أم المخاطبين نظر أيضا فإنهم أن كانوا من بني إسماعيل فأمهم هاجر لا سارة ويبعد أن يكونوا من بني إسرائيل حتى يصح أن أمهم سارة الحديث الثامن (4928) قوله معتمر هو بن سليمان التيمي وعبيد
[ 267 ]
الله هو بن عمر العمري وقد تقدم الحديث عن جابر مطولا في مناقب عمر مع شرحه الحديث التاسع (4929) قوله بينما أنا نائم رأيتني في الجنة هذا يعين أحد الاحتمالين في الحديث الذي قبله حيث قال فيه دخلت الجنة أو أتيت الجنة وأنه يحتمل أن ذلك كان في اليقظة أو في النوم فبين هذا الحديث أن ذلك كان في النوم قوله فإذا امرأة تتوضأ تقدم النقل عن الخطابي في زعمه أن هذه اللفظة تصحيف وأن القرطبي عزا هذا الكلام لابن قتيبة وهو كذلك أورده في غريب الحديث من طريق أخرى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وتلقاه عنه الخطابي فذكره في شرح البخاري وارتضاه بن بطال فقال يشبه أن تكون هذه الرواية الصواب وتتوضأ تصحيف لان الحور طاهرات لا وضوء عليهن وكذا كل من دخل الجنة لا تلزمه طهارة وقد قدمت البحث مع الخطابي في هذا في مناقب عمر بما أغنى عن اعادته وقد استدل الداودي بهذا الحديث على أن الحور في الجنة يتوضأن ويصلين قلت ولا يلزم من كون الجنة لا تكليف فيها بالعبادة أن لا يصدر من أحد من العباد باختياره ما شاء من أنواع العبادة ثم قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن من علم من صاحبه خلقا لا ينبغي أن يتعرض لما ينافره اه وفيه أن من نسب إلى من اتصف بصفة صلاح ما يغير ذلك ينكر عليه وفيه أن الجنة موجودة وكذلك الحور وقد تقدم تقرير ذلك في بدء الخلق وسائر فوائده تقدمت في مناقب عمر قوله باب غيرة الناس ووجدهن هذه الترجمة أخص من التي قبلها والوجد بفتح الواو الغضب ولم يبت المصنف حكم الترجمة لان ذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام وضابط ذلك ما ورد في الحديث الآخر عن جابر بن عتيك الانصاري رفعه ان من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فاما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض فالغيرة في غير ريبة وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجال لضرورة امتناع اجتماع زوجين للمرأة بطريق الحل وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم إما بالزنا مثلا وإما بنقص حقها وجوره عليها لضرتها وإيثارها عليها فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه فهي غير مشروعة فلو وقع ذلك بمجرد التوهم عن غير دليل فهي الغيرة في غيرة ريبة وأما إذا كان الزوج مقسطا عادلا وأدى لكل من الضرتين حقها فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك ثم ذكر المصنف في الباب حديثين عن عائشة أحدهما (4930) قوله حدثنا عبيد في رواية أبي ذر حدثني بالافراد قوله إني لاعلم إذا كنت عني راضية الخ يؤخذ
[ 268 ]
منه استقراء الجرل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه والحكم بما تقتضيه القرائين في ذلك لانه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب ويحتمل أن يكون انضم إلى ذلك شئ آخر أصرح منه لكن لم ينقل وقول عائشة أجل يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك قال الطيبي هذا الحصر لطيف جدا لانها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة فهو كما قيل إني لامنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لاميل وقال بن المنير مرادها أنها كانت تترك التسمية اللفظية ولا يترك قلبها التعليق بذاته الكريمة مودة ومحبة اه وفي اختيار عائشة ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الانبياء دلالة على مزيد فطنتها لان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما نص عليه القرآن فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعليق في الجملة وقال المهلب يستدل بقول عائشة على أن الاسم غير المسمى إذا لو كان الاسم عين المسمى لكانت بهجره تهجر ذاته وليس كذلك ثم أطال في تقرير هذه المسألة ومحل البحث فيها كتاب التوحيد حيث ذكرها المصنف أعان الله تعالى على الوصول إلى ذلك بحوله وقوته ثانيهما (4931) قوله حدثنا أحمد بن أبي رجاء هو أبو الوليد الهروي واسم أبي رجاء عبد الله بن أيوب قوله ما غرت على امرأة بينت سبب ذلك وأنه كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهي وإن لم تكن موجودة وقد أمنت مشاركتها لها فيه لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده فهو الذي هيج الغضب الذي يثير الغيرة بحيث قالت ما تقدم في مناقب خديجة أبدلك الله خيرا منها فقال ما أبدلني الله خيرا منها ومع ذلك فلم ينقل أنه وأخذ عائشة لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء وقد تقدمت مباحث الحديث في كتاب المناقب مستوفاة قوله باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والانصاف أي في دفع الغيرة عنها وطلب الانصاف لها (4932) قوله عن بن أبي مليكة عن المسور كذا رواه الليث وتابعه عمرو بن دينار وغير واحد وخالفهم أيوب فقال عن بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي وقال حسن وذكر الاختلاف فيه ثم قال يحتمل أن يكون بن أبي مليكة حمله عنهما جميعا اه والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية بن أبي مليكة فقد تقدم في فرض الخمس وفي المناقب من طريق الزهري عن على بن الحسين بن علي عن المسور وزاد فيه في الخمس قصة سيف النبي صلى الله عليه وسلم وذلك سبب تحديث المسور لعلي بن الحسين بهذا الحديث وقد ذكرت ما يتعلق بقصة السيف عنه هناك ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتى قال أنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحدا منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه بن فاطمة محتجا بحديث الباب ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض من جده علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من الانكار ما وقع بل أتعجب من المسور تعجبا آخر أبلغ من ذلك وهو أن يبذل نفسه
[ 269 ]
دون السيف رعاية الخاطر ولد بن فاطمة وما بذل نفسه دون بن فاطمة نفسه أعني الحسين والد علي الذي وقعت له معه القصة حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة لكن يحتمل أن يكون عذره أن الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور وغيره من أهل الحجاز يظنون أن أمره يئول إلى ما آل إليه والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس وجه المناسبة بين قصة السيف وقصة الخطبة بما يغني عن اعادته قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور الماضية في فرض الخمس يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم قال بن سيد الناس هذا غلط والصواب ما وقع عند الاسماعيلي بلفظ كالمحتلم أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى على بن الحسين قال والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لانه ولد بعد بن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين قلت كذا جزم به وفيه نظر فإن الصحيح أن بن الزبير ولد في السنة الاولى فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين فيجوز أن يكون احتلم في أول سني الامكان أو يحمل قوله محتلم على المبالغة والمراد التشبيه فتلتئم الروايتان وإلا فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ولا كالمحتلم الا أن يريد بالتشبيه أنه كان كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ والله أعلم قوله أن بني هشام بن المغيرة وقع في رواية مسلم هاشم بن المغيرة والصواب هشام لانه جد المخطوبة قوله استأذنوا في رواية الكشميهني استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب هكذا في رواية بن أبي مليكة أن سبب الخطبة استئذان بني هشام بن المغيرة وفي رواية الزهري عن علي بن الحسين بسبب آخر ولفظه أن عليا خطب بنت أبي جهل على فاطمة فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن قومك يتحدثون كذا في رواية شعيب وفي رواية عبد الله بن أبي زياد عنه في صحيح بن حبان فبلغ ذلك فاطمة فقالت أن الناس يزعمون انك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل هكذا أطلقت عليه اسم فاعل مجازا لكونه أراد ذلك وصمم عليه فنزلته منزلة من فعله ووقع في رواية عبيد الله بن أبي زياد خطب ولا اشكال فيها قال المسور فقام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن عليا خطب بنت أبي جهل فقال له أهلها لا نزوجك على فاطمة قلت فكأن ذلك كان سبب استئذانهم وجاء أيضا أن عليا استأذن بنفسه فأخرج الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة وهو أحد المخضرمين ممن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه قال خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن اتأمرني بها قال لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب الا أنها تحزن أو تجزع فقال علي لا آتي شيئا تكرهه ولعل هذا الاستئذان وقع بعد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بما خطب ولم يحضر علي الخطبة المذكورة فاستشار فلما قال له لا لم يتعرض بعد ذلك لطلبها ولهذا جاء آخر حديث شعيب عن الزهري فترك علي الخطبة وهي بكسر الخاء المعجمة ووقع عند بن أبي داود من طريق معمر عن الزهري عن عروة فسكت علي عن ذلك النكاح قوله فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن كرر ذلك تأكيدا وفيه إشارة إلى تأييد مدة منع الاذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدا وفيه إشارة إلى ما في حديث الزهري من أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا وبنو هشام هم اعمام بنت أبي جهل لانه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم اخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما ويؤيد ذلك جوابهما المتقدم لعلي وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد اسلم أيضا وحسن إسلامه واسم المخطوبة تقدم بيانه في باب ذكر اصهار النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وأنه تزوجها عتاب بن أسيد بن أبي العيص لما تركها على
[ 270 ]
وتقدم هناك زيادة في رواية الزهري في ذكر أبي العاص بن الربيع والكلام على قوله صلى الله عليه وسلم حدثني فصدقني ووعدني ووفى لي وتوجيه ما وقع من علي في هذه القصة أغنى عن اعادته قوله الا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم هذا محمول على أن بعض من يبغض عليا وشى به أنه مصمم على ذلك وإلا فلا يظن به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه وسياق سويد بن غفلة يدل على أن ذلك وقع قبل أن تعلم به فاطمة فكأنه لما قيل لها ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلمه على أنه ترك أنكر عليه ذلك وزاد في رواية الزهري وإني لست أحرم حلالا ولا احلل حراما ولكن والله لا تجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا وفي رواية مسلم مكانا واحدا ابدا وفي رواية شعيب عند رجل واحدا أبدا قال بن التين أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل لانه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالاتفاق ومعنى قوله لا أحرم حلالا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به فلا وزعم غيره أن السياق يشعر بأن ذلك مباح لعلي لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة وقبل هو ذلك امتثالا لامر النبي صلى الله عليه وسلم والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة عليها السلام قوله فإنما هي بضعة مني بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة ووقع في حديث سويد بن غفلة كما تقدم مضغة بضم الميم وبغين معجمة والسبب فيه ما تقدم في المناقب أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الامر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة قوله يريبني ما ارا بها كذا هنا من أراب رباعيا وفي رواية مسلم ما رابها من راب ثلاثيا وزاد في رواية الزهري وأنا أتخوف أن تفتن في دينها يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين وفي رواية شعيب وأنا أكره أن يسوءها أي تزويج غيرها عليها وفي رواته مسلم من هذا الوجه أن يفتنوها وهي بمعنى أن تفتن قوله ويؤذيني ما آذاها في رواية أبي حنظلة فمن آذاها فقد آذاني وفي حديث عبد الله بن الزبير يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها وهو بنون ومهملة وموحدة من النصب بفتحتين وهو التعب وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن المسور يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها أخرجها الحاكم ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يمنع علي من التزويج بها أو بغيرها وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لان أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقا قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في إدخال الاذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وفيه حجة لمن يقول بسد الذريعة لان تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الاربع ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم لقوله بنت عدو الله فإن فيه أشعارا بأن للوصف تأثيرا في المنع مع أنها هي كانت مسلمة حسنة الاسلام وقد احتج به من منع كفاءة من مس أباه الرق ثم أعتق بمن لم يمس أباها الرق ومن مسه الرق بمن لم يمسها هي بل مس أباها فقط وفيه أن الغيراء إذا خشي عليها أن تفتن في دينها كان لوليها أن يسعى في إزالة ذلك كما في حكم الناشز كذا قيل وفيه نظر ويمكن أن يزاد فيه شرط أن لا يكون عندها من تتسلى به ويخفف عنه الحملة كما تقدم ومن هنا يؤخذ جواب من استشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى خشية الافتتان في الدين ومع ذلك فكان صلى الله عليه وسلم يستكثر من الزوجات
[ 271 ]
وتوجد منهن الغيرة كما في هذه الاحاديث ومع ذلك ما راعي ذلك صلى الله عليه وسلم في حقهن كما راعاه في حق فاطمة ومحصل الجواب أن فاطمة كانت إذ ذاك كما تقدم فاقدة من تركن إليه من يؤنسها ويزيل وحشتها من أم أو أخت بخلاف أمهات المؤمنين فإن كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من يحصل لها معه ذلك وزيادة عليه وهو زوجهن صلى الله عليه وسلم لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بحيث أن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه وجميل خلقه بجميع ما يصدر منه بحيث لو وجد ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب وقيل فيه حجة لمن منع الجمع بين الحرة والامة ويؤخذ من الحديث إكرام من ينتسب إلى الخير أو الشرف أو الديانة قوله باب يقل الرجال وكثر النساء أي في آخر الزمان قوله وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون نسوة في رواية الكشميهني امرأة والاول على حذف الموصوف وقوله يلذن به قبل لكونهن نساءه وسراريه أو لكونهن قراباته أو من الجميع وروى على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث حذيفة قال إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني وقد تقدم حديث أبي موسى موصولا في باب الصدقة قبل الرد من كتاب الزكاة في حديث أوله ليأتين علي الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة الحديث (4933) قوله حدثنا هشام هو الدستوائي كذا للاكثر ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني همام والاول أولي وهمام وهشام كلاهما من شيوخ حفص بن عمر المذكور وهو الحوضي وسيأتي في الاشربة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام قوله أن من أشراط الساعة الحديث تقدم في كتاب العلم من رواية شعبة عن قتادة كذلك قوله حتى يكون لخمسين امرأة هذا لا ينافي الذي قبله لان الاربعين داخلة في الخمسين ولعل العدد بعينه غير مراد بل أريد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة للرجال ويحتمل أن يجمع بينهما بأن الاربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعه وهو أعم من انهن يلذن به فلا منافاة قوله القيم الواحد أي الذي يقوم بأمورهن ويحتمل أن يكنى به عن اتباعهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما وفي الحديث الاخبار بما سيقع فوقع كما أخبر والصحيح من ذلك ما ورد مطلقا وأما ما ورد مقدرا بوقت معين فقال أحمد لا يصح منه شئ وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم قوله باب لا يخلون رجل بامرأة الا ذو محرم والدخول على المغيبة يجوز في لام الدخول الخفض والرفع واحد ركني الترجمة أورده المصنف صريحا في الباب والثاني يؤخذ بطريق الاستنباط من أحاديث الباب وقد ورد في حديث مرفوع صريحا أخرجه الترمذي من حديث جابر رفعه لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم ورجاله موثقون لكن مجالد بن سعيد مختلف فيه ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا لا يدخل رجل على مغيبة الا ومعه رجل أو اثنان ذكره في اثناء حديث والمغيبة بضم الميم ثم غين معجمة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة من غاب عنها زوجها يقال اغابت المرأة إذا غاب زوجها ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما (4934) قوله عن يزيد بن أبي حبيب في رواية مسلم من
[ 272 ]
طريق بن وهب عن الليث وعمرو بن الحارث وحيوه وغيرهم أن يزيد بن أبي حبيب حدثهم قوله عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني قوله عقبة بن عامر في رواية بن وهب عند أبي نعيم في المستخرج سمعت عقبة بن عامر قوله إياكم والدخول بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل أياك والاسد وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم ووقع في رواية بن وهب بلفظ لا تدخلوا على النساء وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الاولى قوله فقال رجل من الانصار لم اقف على تسميته قوله فرأيت الحمو زاد بن وهب في روايته عند مسلم سمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبهه من اقارب الزوج بن العم ونحوه ووقع عند الترمذي بعد تخريج الحديث قال الترمذي يقال هو أخو الزوج كره له أن يخلو بها قال ومعنى الحديث على نحو ما روى لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان اه وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة وقال النووي اتفق أهل العلم باللغة على أن الاحماء اقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الاختان اقارب زوجة الرجل وأن الاصهار تقع على النوعين اه وقد اقتصر أبو عبيد وتبعه بن فارس والداودي على أن الحمو أبو الزوجة زاد بن فارس وأبو الزوج يعني أن والد الزوج حمو المرأة ووالد الزوجة حمو الرجل وهذا الذي عليه عرف الناس اليوم وقال الاصمعي وتبعه الطبري والخطابي ما نقله النووي وكذا نقل عن الخليل ويؤيده قول عائشة ما كان بيني وبين علي الا ما كان بين المرأة واحمائها وقد قال النووي المراد في الحديث اقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لانهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت قال وإنما المراد الاخ وابن الاخ والعم وأن العم وابن الاخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الاخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولي بالمنع من الاجنبي اه وقد جزم الترمذي وغيره كما تقدم وتبعه المازري بأن الحمو أبو الزوج وأشار المازري إلى أنه ذكر للنبيه على منع غيره بطريق الاولى وتبعه بن الاثير في النهاية ورده النووي فقلا هذا كلام فاسد مردود لا يجوز حمل الحديث عليه اه وسيظهر في كلام الائمة في تفسير المراد يقوله الحمو الموت ما تبين منه أن كلام المازري ليس بفاسد واختلف في ضبط الحمو فصرح القرطبي بأن الذي وقع في هذا الحديث حمء بالهمز وأما الخطابي فضبطه بواو بغير همز لانه قال وزن دلو وهو الذي اقتصر عليه أبو عبيد الهروي وابن الاثير وغيرهما وهو الذي ثبت عندنا في روايات البخاري وفيه لغتان اخريان إحداهما حم بوزن أخ والاخرى حمى بوزن عصا ويخرج من ضبط المهموز بتحريك الميم لغة أخرى خامسة حكاها صاحب المحكم قوله الحمو الموت قبل المراد أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين أن وقعت المعصية أو إلى الموت أن وقعت المعصية ووجب الرجم أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها أشار إلى ذلك كله القرطبي وقال الطبري المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه أو بن أخيه تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشئ المكروه بالموت قال بن الاعرابي هي كلمة تقولها العرب مثلا كما تقول الاسد الموت أي لقاؤه فيه الموت والمعنى احذروه كما تحذرون الموت وقال صاحب مجمع الغرائب يحتمل أن يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الافة ولا يؤمن عليها أحد فليكن حموها الموت أي لا يجوز لاحد أن يخلو بها الا الموت كما قيل نعم الصهر القبر وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية وقال أبو عبيد معنى قوله الحمو الموت أي فليمت ولا يفعل هذا وتعقبه النووي فقال هذا كلام فاسد وإنما المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره والشر يتوقع منه أكثر من غيره والفتنة به أمكن لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الاجنبي وقال عياض معناه أن الخلوة بالاحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت
[ 273 ]
وأورد الكلام مورد التغليظ وقال القرطبي في المفهم المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عنه وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة لالفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة فخرج هذا مخرج قول العرب الاسد الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضي إلى الموت وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى الرجم أن وقعت الفاحشة وقال بن الاثير في النهاية المعنى أن خلوة المحرم بها أشد من خلوة غيره من الاجانب لانه ربما حسن لها أشياء وحملها على أمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس في وسعه فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك ولان الزوج قد لا يؤثر أن يطلع والد زوجته أو أخوها على باطن حاله ولا على ما اشتمل عليه اه فكأنه قال الحمو الموت أي لا بد منه ولا يمكن حجبه عنها كما أنه لا بد من الموت وأشار إلى هذا الاخير الشيخ تقي الدين في شرح العمدة تنبيه محرم المرأة من حرم عليه نكاحها على التأييد الا أم الموطوءة بشبهة والملاعنة فإنهما حرامان على التأييد ولا محرمية هناك وكذا أمهات المؤمنين واخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح لا لحرمتها وخرج بقيد التأييد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد على الام ولم يدخل بها الحديث الثاني (4935) قوله سفيان هو بن عيينة وقوله حدثنا عمرو هو بن دينار وقد وقع في الجهاد بعض هذا الحديث عن أبي نعيم عن سفيان عن بن جريج عن عمرو بن دينار وسفيان المذكور هو الثوري لا بن عيينة وقد تقدمت مباحث الحديث المذكور مستوفاة في أواخر كتاب الحج وسياقه هناك أتم والله أعلم الله تعالى قوله باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس أي لا يخلو بها بحيث تحتجب اشخاصهما عنهم بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشئ الذين تستحي المرأة من ذكره بين الناس وأخذ المصنف قوله في الترجمة عند الناس من قوله في بعض طرق الحديث فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا (4936) قوله عن هشام هو بن زيد بن أنس وقد تقدم في فضائل الانصار من طريق بهز بن أسد عن شعبة أخبرني هشام بن زيد وكذا وقع في رواية مسلم قوله جاءت امرأة من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية بهز بن أسد ومعها صبي لها فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في بعض الطرق قال المهلب لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لانه لم يسمعه اه ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن امرأة كان في عقلها شئ قالت يا رسول الله أن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك وأخرج أبو داود نحو هذا السياق من طريق حميد عن أنس لكن ليس فيه أنه كان في عقلها شئ قوله فقال والله إنكم لاحب الناس إلي زاد في رواية بهز مرتين وأخرجه في الايمان والنذور من طريق وهب بن جرير عن شعبة بلفظ ثلاث مرات وفي الحديث منقبة للانصار وقد تقدم في فضائل الانصار توجيه قوله أنت أحب الناس إلي وقد تقدم فيه حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس مثل هذا اللفظ أيضا في حديث آخر وفيه سعة حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير وفيه أن
[ 274 ]
مفاوضة المرأة الاجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة ولكن الامر كما قالت عائشة وأيكم يملك اربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك اربه قوله أبي ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة أي بغير إذن زوجها وحيث تكون مسافرة مثلا (4937) قوله حدثنا عبدة هو بن سليمان عن هشام هو بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة في رواية سفيان عن هشام في غزوة الطائف عن أمها أم سلمة هكذا قال أكثر أصحاب هشام بن عروة وهو المحفوظ وسيأتي في اللباس من طريق زهير بن معاوية عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمرو بن أبي سلمة وقال معمر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه معمر أيضا عن الزهري عن عروة وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحدا أخرجها النسائي ورواية معمر عن الزهري عند مسلم وأبي داود أيضا قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت أي التي هي فيه قوله مخنث تقدم في غزوة الطائف أن اسمه هيت وأن بن عيينة ذكره عن بن جريج بغير إسناد وذكر بن حبيب في الواضحة عن حبيب كاتب مالك قال قلت لمالك أن سفيان بن عيينة زاد في حديث بنت غيلان أن المخنث هيت وليس في كتابك هيت فقال صدق هو كذلك وأخرج الجوزجاني في تاريخه من طريق الزهري عن علي بن الحسين بن علي قال كان مخنث يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال له هيت وأخرج أبو يعلى وأبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن هيتا كان يدخل الحديث وروى المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء قال لعبد الرحمن بن أبي بكر إذا افتتحتم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فذكر نحو حديث الباب وزاد أشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء وروى بن أبي شيبة والدورقي وأبو يعلى والبزار من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن اسم المخنث هيت أيضا لكن ذكر فيه قصة أخرى وذكر بن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب مانع وهو مثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته فاخته بنت عمرو بن عائد مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشئ من أمر النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له أربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد يا خالد أن افتتحتم الطائف فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منه لا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه لا تدخلن هذا عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى أبو موسى المديني في كون ماتع لقب هيت أو بالعكس أو إنهما اثنان خلافا وجزم الواقدي بالتعدد فإنه قال كان هيت مولى عبد الله بن أبي أمية وكان ماتع مولى فاخته وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاهما معا إلى الحمى وذكر الباوردي في الصحابة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنه يفتح الهمزة وتشديد النون الا تدلنا على على امرأة تخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر قال بلى فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أنة أخرج من المدينة إلى حمراء الاسد وليكن بها منزلك والراجح أن اسم المذكور في حديث الباب هيت ولا يمتنع أن يتواردوا في الوصف المذكور وقد تقدم في غزوة الطائف ضبط هيت ووقع في أول رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الاربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة الحديث وعرف من حديث الباب تسمية المرأة وإنها أم سلمة والمخنث بكسر النون وبفتحها من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وأن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم ويطلق عليه اسم مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل قال بن حبيب المخنث
[ 275 ]
هو المؤنث من الرجال وأن لم تعرف منه الفاحشة مأخوذ من التكسر في المشي وغيره وسيأتي في كتاب الادب لعن من فعل ذلك وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقيل يا رسول الله أن هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى النقيع فقيل الا تقتله فقال إني نهيت عن قتل المصلين قوله فقال لاخي أم سلمة تقدم شرح حاله في غزوة الطائف ووقع في مرسل بن المنكدر أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر فيحمل على تعدد القول منه لكل منهما لاخي عائشة ولاخى أم سلمة والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما لان الطائف لم تفتح حينئذ وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار ولما أسلم غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف فقدر أنها استحيضت عنده وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة وتزوج عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي وقصته معها مشهورة وقد وقع حديث في سعد بن أبي وقاص أنه خطب امرأة بمكة فقال من يخبرني عنها فقال مخنث يقال له هيت أنا اصفها لك فهذه قصص وقعت لهيت قوله أن فتح الله لكم الطائف غدا وقع في رواية أبي أسامة عن هشام في أوله وهو محاصر الطائف يومئذ وقد تقدم ذلك في غزوة الطائف واضحا قوله فعليك هو اغراء معناه احرص على تحصيلها وألزمها قوله غيلان في رواية حماد بن سلمة لو قد فتحت لكم الطائف لقد أريتك بادية بنت غيلان واختلف في ضبط بادية فالاكثر بموحدة ثم تحتانية وقيل بنون بدل التحتانية حكاه أبو نعيم ولبادية ذكر في المغازي ذكر بن إسحاق أن خولة بنت حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أن فتح الله عليك الطائف اعطني حلى بادية بنت غيلان وكانت من أحلى نساء ثقيف وغيلان هو بن سلمة بن معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة بن مالك الثقفي وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر رضي الله عنه قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان قال بن حبيب عن مالك معناه أن اعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ طرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع ولارادة العكن ذكر الاربع والثمان فلو أراد الاطراف لقال بثمانية ثم رأيت في باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت عقب هذا الحديث من وجه آخر عن هشام بن عروة في غير رواية أبي ذر قال أبو عبد الله تقبل بأربع يعني بأربع عكن ببطنها فهي تقبل بهن وقوله وتدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الاربع لانها محيطة بالجنب حين يتجعد ثم قال وإنما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الاطراف مذكر لانه لم يقل ثمانية أطراف اه وحاصله أن لقوله ثمان بدون الهاء توجيهين أما لكونه لم يصرح بلفظ الاطراف وأما لانه أراد العكن وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور قال الخطابي يريد أن لها في بطنها أربع عكن فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسرا بعضها على بعض وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الاربع عند منقطع جنبيها ثمانية وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون الا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة وعلى هذا فقوله في حديث سعد أن أقبلت قلت تمشي بست وأن أدبرت قلت تمشي بأربع كأنه يعني يديها ورجليها وطرفي ذاك منها مقبلة ورد فيها مدبرة وإنما نقص إذا أدبرت لان الثديين يحتجبان حينئذ وذكر بن الكلبي في الصفة المذكور زيادة بعد قوله وتدبر بثمان بثغر كالاقحوان أن قعدت تثنت وأن تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الاناء
[ 276 ]
المكفوء مع شعر آخر وزاد المديني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة اسفلها كثيب وأعلاها عسيب قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هذا عليكم في رواية الكميهني عليكن وهي رواية مسلم وزاد في آخر رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخل عليكن قالت فحجبوه وزاد أبو يعلى في ورايته من طريق يونس عن الزهري في آخره وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم وزاد بن الكلبي في حديثه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى ووقع في حديث سعد الذي أشرت إليه أنه خطب أمرأة بمكة فقالت هيت أنا أنعتها لك إذا أقبلت قلت تمشي بست وإذا أدبرت قلت تمشي بأربع وكان يدخل على سودة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أراه إلا منكرا فمنعه ولما قدم المدينة نفاه وفي رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك قاتلك الله إن كنت لاحسبك من غير أولى الاربة من الرجال وسيره إلى خاخ بمعجمتين وقد ضبطت في حديث علي في قصة المرأة التي حملت كتبا حاطب إلى قريش قال المهلب إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال فمنعه لئلا يصف الازواج للناس فيسقط معنى الحجاب اه وفي سياق الحديث ما يشعر بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله لا أرى هذا يعرف ما ههنا ولقوله وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة فلما ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولي الاربة فنفاه لذلك ويستفاد منه حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن وهذا الحديث أصل في بعاد من يستراب به في أمر من الامور قال المهلب وفيه حجة لمن أجاز بيع العين الموصوفة بدون الرؤية لقيام الصفة مقام الرؤية في هذا الحديث وتعقبه بن المنير بأن من اقتصر في بيع جارية على ما وقع في الحديث من الصفة لم يكف في صحة البيع اتفاقا فلا دلالة فيه ق قلت إنما أراد المهلب أن يستفاد من أن الوصف يقوم مقام الرؤية فإذا استوعب الوصف حتى قام مقام الرؤية المعتبرة أجزأ هذا مراده وانتزاعه من الحديث ظاهر وفي الحديث أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالاخارج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه وظاهر الامر وجوب ذلك وتشبه النساء بالرجال والرجال من قاصد مختار حرام اتفاقا وسيأتي لعن من فعل ذلك في كتاب اللباس قوله باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الاجنبي بخلاف عكسه وهو مسألة شهيرة واختلف الترجيح فيها عند الشافعية وحديث الباب يساعد من أجاز وقد تقدم أبواب العيد جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب وقواه بقوله في هذه الرواية فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن لكن تقدم ما يعكر عليه وأن في بعض طرقه أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة فكانت بالغة وكان ذلك بعد الحجاب وحجة من منع حديث أم سلمة الحديث المشهور افعمياوان إنما وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته والجمع بين الحديثين احتمال تقدم الواقعة أو أن يكون في قصة الحديث الذي ذكره نبهان شئ يمنع النساء من رؤيته لكون بن أم مكتوم كان أعمى فلعله كان منه شئ ينكشف ولا يشعر به ويقوى الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والاسواق والاسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم
[ 277 ]
بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي على الجواز فقال لسنا نقول أن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الامرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وأن لم تكن فتنة فلا إذ لم تزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لامر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج اه وتقدمت سائر مباحث حديث الباب في أبواب العيدين قوله باب خروج النساء لحوائجهن قال الداودي في صيغة هذا الجمع نظر لان جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج ولا يقال حوائج وتعقبه بن التين فأجاد وقال الحوائج جمع حاجة أيضا ودعوى أن الحاج جمع الجمع ليس بصحيح وذكر المصنف في الباب حديث عائشة خرجت سودة لحاجتها وقد تقدم شرحه وتوجيه الجمع بينه وبين حديثها الآخر في نزول الحجاب في تفسير سورة الاحزاب وذكرت هناك التعقب على عياض في زعمه أن أمهات المؤمنين كان يحرم عليهن ابراز اشخاصهن ولو كن منتقبات متلففات والحاصل في رد قوله كثرة الاخبار الواردة انهن كن يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده قوله باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره قال بن التين ترجم بالخروج إلى المسجد وغيره واقتصر في الباب على حديث المسجد وأجاب الكرماني بأنه قاسه عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن الفتنة وقد تقدمت مباحث حديث بن عمر في ذلك في كتاب الصلاة قوله باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع ذكر فيه حديث عائشة قالت جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي وقد تقدمت مباحثه مستوفاه في أوائل النكاح وهو أصل في أن للرضاع حكم النسب من إباحة الدخول على النساء وغير ذلك من الاحكام قوله باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كذا استعمل لفظ الحديث في الترجمة بغير زيادة وذكر الحديث من وجهين منصور عن أبي وائل عن عبد الله
[ 278 ]
بن مسعود والاعمش حدثني شقيق سمعت عبد الله وهو بن مسعود وشقيق هو أبو وائل (4942) قوله لا تباشر المرأة المرأة زاد النسائي في روايته في الثوب الواحد قوله فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها قال القابسي هذا أصل لمالك في سد الذرائع فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة ووقع في رواية النسائي من طريق مسروق عن بن مسعود بلفظ لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل وهذه الزيادة ثبتت في حديث بن عباس عنده وعند مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد بأبسط من هذا ولفظه لا ينظر الرجلا إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال النووي فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا مما لا خلاف فيه وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالاجماع ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الاولى ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه الا أن في السوأة اختلافا والاصح الجواز لكن يكره حيث لا سبب وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة ومن الجواز حيث لا شهوة وفي الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل الا عند ضرورة ويستثنى المصافحة ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق قال النووي ومما تعم به البلوي ويتساهل فيه كثير من الناس الاجتماع في الحمام فيجب على من فيه أن يصون نظره ويده وغيرهما عن عورة غيره وأن يصون عورته عن بصر غيره ويجب الانكار على من فعل ذلك لمن قدر عليه ولا يسقط الانكار بظن عدم القبول الا أن خاف على نفسه أو غيره فتنة وقد تقدم كثير من مسائل هذا الباب في كتاب الطهارة قوله باب قول الرجل لاطوفن الليلة على نسائي تقدم في كتاب الطهارة باب من دار على نسائه في غسل واحد وهو قريب من معنى هذه الترجمة والحكم في الشريعة المحمدية ان ذلك لا يجوز في الزوجات الا أن ابتدأ الرجل القسم بأن تزوج دفعة واحدة أو يقدم من سفر وكذا يجوز إذ إذن له ورضين بذلك (4944) قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقد رواه عن عبد الرزاق شيخه عبد بن حميد عند مسلم وعباس العنبري عند النسائي فقالا تسعين امرأة وتقدم في ترجمة سليمان بن داود عليهما السلام من أحاديث الانبياء بيان الاختلاف في ذلك مستوفى وكيفية الجمع بين المختلف مع شرح بقية الحديث قال بن التين قوله في هذه الرواية لم يحنث أي لم يتخلف مراده لان الحنث لا يكون الا عن يمين قال ويحتمل أن يكون سليمان حلف على ذلك قلت أو نزل التأكيد المستفاد من قوله لاطوفن منزلة اليمين واستدل به على جواز الاستثناء بعد تخلل الكلام اليسير وفيه نظر سيأتي إيضاحه في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى وقال بن الرفعة يستفاد منه أن اتصال الاستثناء بالحلف يؤثر فيه وأن لم يقصده قبل فراغ اليمين قوله باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخوفهم أو يلتمس عثراتهم
[ 279 ]
كذا بالميم في يتخونهم وعثراتهم وقال بن التين الصواب بالنون فيهما قلت بل ورد في الصحيح بالميم فيهما على ما سأذكره وتوجيهه ظاهر وهذه الترجمة لفظ الحديث الذي أورده في الباب في بعض طرقه لكن اختلف في ادراجه فاقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه واستعمل بقيته في الترجمة فقد جاء من رواية وكيع عن سفيان الثوري عن محارب عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه وأخرجه النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان كذلك وأخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن سفيان كذلك وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به لكن قال في آخره قال سفيان لا أدري هذا في الحديث أم لا يعني يتخونهم أو يطلب عثراتهم ثم ساقه مسلم من رواية شعبة عن محارب مقتصرا على المرفوع كرواية البخاري وقوله عثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة وهي الزلة ووقع عند أحمد والترمذي في رواية من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر بلفظ لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من بن ادم مجرى الدم (4945) قوله يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية أخرجه مسلم قال أهل اللغة الطروق بالضم المجئ بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار الا مجازا كما تقدم تقريره في أواخر الحج في الكلام على الرواية الثانية حيث قال لا يطرق أهله ليلا ومنه حديث طرق عليا وفاطمة وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضر وبذلك سميت الطريق لان المارة تدقها بأرجلها وسمي الاتي بالليل طارقا لانه يحتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمي الاتي فيه طارقا وقوله في طريق عاصم عن الشعبي عن جابر إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا التقييد فيه بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهار ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة كان طول الغيبة مظنة الامن من الهجوم فيقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره أما أن يجد أهله على غير اهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث الباب الذي بعده بقوله كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سببا لنفرته منها وأما أن يجدها على حالة غير مرضية والشرع يحرض على الستر وقد أشار إلى ذلك بقوله أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله وأنه يقدم في وقت كذا مثلا لا يتناوله هذا النهي وقد صرح بذلك بن خزيمة في صحيحه ثم ساق من حديث بن عمر قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس إنهم قادمون قال بن أبي جمرة نفع الله به فيه النهى عن طروق المسافر أهله على غرة من غير تقدم أعلام منه لهم بقدومه والسبب في ذلك ما وقعت إليه الاشارة في الحديث قال وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلا فعوقب بذلك على مخالفته اه وأشار بذلك إلى حديث أخرجه بن خزيمة عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطرق النساء ليلا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره وأخرجه من حديث بن عباس نحوه وقال فيه فكلاهما وجد مع امرأة رجلا ووقع في حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليها بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي الحديث الحث على التواد والتحاب خصوصا
[ 280 ]
بين الزوجين لان الشارع راعي ذلك بين الزوجين مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره حتى ان كل واحد منهما لا يخفي عنه من عيوب الآخر شئ في الغالب ومع ذلك فنهى عن الطروق لئلا يطلع على ما تنفر نفسه عنه فيكون مراعاة ذلك في غير الزوجين بطريق الاولى ويؤخذ منه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين به المرأة ليس داخلا في النهي عن تغيير الخلقة وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم قوله باب طلب الولد أي بالاستكثار من جماع الزوجة أو المراد الحث على قصد الاستيلاد بالجماع لا الاقتصار على مجرد اللذة وليس ذلك في حديث الباب صريحا لكن البخاري أشار إلى تفسير الكيس كما سأذكره وقد أخرج أبو عمرو النوقاني في كتاب معاشرة الاهلين من وجه آخر عن محارب رفعه قال اطلبوا الولد والتمسوه فإنه ثمرة القلوب وقره الاعين وإياكم والعاقر وهو مرسل قوي الاسناد (4947) قوله عن سيار بفتح المهملة وتشديد التحتانية وقد تقدم في باب تزويج الثيبات عن أبي النعمان عن هشيم قال حدثنا سيار وكذا في الباب الذي بعده وحدثنا يعقوب الدورقي حدثنا هشيم أنبأنا سيار قوله عن الشعبي في رواية أبي عوانة من طريق شريح بن النعمان عن هشيم حدثنا سيار حدثنا الشعبي ولاحمد من وجه آخر سمعت الشعبي قوله قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القاف وتخفيف الفاء أي رجعنا وقد تقدم شرحه في باب تزويج الثيبات قوله حتى تدخلوا ليلا أي عشاء هذا التفسير في نفس الخبر وفيه إشارة إلى الجمع بين هذا الامر بالدخول ليلا والنهي عن الطروق ليلا بأن المراد بالامر الدخول في أول الليل وبالنهي الدخول في اثنائه وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة في طريق الجمع بينهما ان الامر بالدخول ليلا لمن أعلم أهله بقدومه فاستعدوا له والنهي عمن لم يفعل ذلك قوله وحدثني الثقة أنه قال في هذا الحديث الكيس الكيس يا جابر يعني الولد القائل وحدثني هو هشيم قال الاسماعيلي كأن البخاري أشار إلى أن هشيما حمل هذه الزيادة عن شعبة لانه أورد طريق شعبة على أثر حديث هشيم وأغرب الكرماني فقال القائل وحدثني هو هشيم أو البخاري اه وهو جار علي ظاهر اللفظ والمعتمد أن القائل هشيم كما أشار إليه الاسماعيلي (4948) قوله إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك معنى الدخول الاول القدوم أي إذا دخلت البلد فلا تدخل البيت قوله قال قال في رواية النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمد بن جعفر قال وقال بإثبات الواو وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر ولفظه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت فعليك بالكيس الكيس قوله تابعه عبيد الله عن وهب عن جابر عن النبي
[ 281 ]
صلى الله عليه وسلم في الكيس عبيد الله هو بن عمر العمري ووهب هو بن كيسان والمنابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسبها إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب نعم قد روى محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان هذا الحديث مطولا وفيه مقصود الباب لكن بلفظ آخر كما سأبينه ورواية عبيد الله بن عمر تقدمت موصولة في أوائل البيوع في اثناء حديث أوله كنت مع النبي صلى الله لعيه وسلم في غزاة فأبط أبي جملي فذكر الحديث في قصة الجمل بطولها وفيه قصة تزويج جابر وقوله أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك وفيه أما انك قادم فإذا قدمت فالكيس الكيس وقوله فالكيس بالفتح فيهما على الاغراء وقيل على التحذير من ترك الجماع قال الخطابي الكيس هنا بمعنى الحذر وقد يكون الكيس بمعنى الرفق وحسن التأني وقال بن الاعرابي الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا وقال غيره أراد الحذر من العجز عن الجماع فكأنه حث على الجماع قلت جزم بن حبان في صحيحه بعد تخريج هذا الحديث بأن الكيس الجماع وتوجيهه على ما ذكر ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا وفيه قال جابر فدخلنا حين امسينا فقلت للمرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن اعمل عملا كيسا قالت سمعا وطاعة فدونك قال فبت معها حتى أصبحت أخرجه بن خزيمة في صحيحه قال عياض فسر البخاري وغيره الكيس بطلب الولد والنسل وهو صحيح قال صاحب الافعال كاس الرجل في عمله حذق وكاس ولد ولدا كيسا وقال الكسائي كاس الرجل ولد له ولد كيس اه وأصل الكيس العقل كما ذكر الخطاب لكنه بمجردة ليس المراد هنا والشاهد لكون الكيس يراد به العقل قول الشاعر وإنما الشعر لب المرء يعرضه على الرجال فإن كيسا وأن حمقا فقابله بالحمق وهو ضد العقل ومنه حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والاحمق من أتبع نفسه هواها وأما حديث كل شئ بقدر حتى العجز والكيس فالمراد به الفطنة قوله باب تسحد المغيبة وتمتشط الشعثة ضبط ذلك في آخر أبواب العمرة وتقدم شرح الحديث في الباب الذي قبله قوله باب ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن في رواية أبي ذر إلى قوله عورات النساء وبهذه الزيادة تظهر المطابقة بين الحديث والترجمة (4950) قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن أبيه حازم هو سلمة بن دينار ووقع في رواية علي بن عبد الله عن سفيان حدثنا أبو حازم تقدم في أواخر الجهاد قوله اختلف الناس الخ فيه اشعار بأن الصحابة والتابعين كانوا يتبعون أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في كل شئ حتى في مثل هذا فإن الذي يداوي به الجرح لا يختلف الحكم فيه إذا كان طاهرا ومع ذلك فترددوا فيه حتى سألوا من شاهد ذلك
[ 282 ]
قوله وكان من آخر من بقي من الصحابة بالمدينة فيه احتراز عمن بقي من الصحابة بالمدينة وبغير المدينة فأما المدينة فكان بها في آخر حياة سهل بن سعد محمود بن الربيع ومحمد بن لبيد وكلاهما له رؤية وعد في الصحابة وأما من الصحابة الذين ثبت سماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم فما كان بقي بالمدينة حينئذ الا سهل بن سعد على بالبصرة وغيره بغيرها وقد استوعبت الكلام على ذلك في الكلام على علوم الحديث لابن صلاح قوله ما بقي للناس أحد أعلم به مني ظاهره أنه نفي أن يكون بقي أحد أعلم منه فلا ينفي أن يكون بقي مثله ولكن كثر استعمال هذا التركيب في نفي المثل أيضا وقد تقدم الكلام على شرح الحديث في باب غزوة أحد والغرض منه هنا كون فاطمة عليها السلام باشرت ذلك من أبيها صلى الله عليه وسلم فيطابق الآية وهي جواز ابداء المرأة زينتها لابيها وسائر من ذكر في الآية وقد استشكل مغلطاي الاحتجاج بقصة فاطمة هذه لانها صدرت قبل الحجاب وأجيب بأن التمسك منها بالاستصحاب ونزول الآية كان متراخيا عن ذلك وقد وقع مطابقا فإن قيل لم يذكر في الآية العم والخال فالجواب أنه استغنى عن ذكرهما بالاشارة إليهما لان العم منزل منزلة الاب والخال منزلة الام وقيل لانهما ينعتانها لولديهما قاله عكرمة والشعبي وكرها لذلك أن تضع المرأة خمارها عند عمها وخالها أخرجه بن أبي شيبة عنهما وخالفهما الجمهور قوله فأخذ حصير فخرق بضم المهملة وتشديد الراء وضبطه بعضهم بالتخفيف قوله باب والذين لم يبلغوا الحلم كذا للجميع والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن (4951) قوله حدثنا أحمد بن محمد هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري قوله ولولا مكاني منه أي منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم قوله يعني من صغره فيه التفات ووقع في رواية السرخسي من صغري وهو على الاصل قوله فرأيتهن يهوين بكسر الواو وبفتح أوله هوى بفتح الواو ويهوي بكسرها قوله إلى اذانهن وحلوقهن أي يخرجن الحلي قوله يدفعن أي ذلك إلى بلال قوله ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته أي رجع وقد تقدم شرح الحديث مستوفي في كتاب العيدين والحجة منه هنا مشاهدة بن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرا فلم يحتجبن منه وأما بلال فكان من ملك اليمن كذا أجاب بعض الشراح وفيه نظر لانه كان حينئذ حرا والجواب أنه يجوز أن لا يكون في تلك الحالة يشاهدهن مسفرات وقد أخذ بعض الظاهرية بظاهره فقال يجوز للاجنبي رؤية وجه الاجنبية وكفيها واحتج بأن جابرا روى الحديث وبلال بسط ثوبه للاخذ منهن وظاهر الحال أنه لا يتأتى ذلك الا بظهر وجوههن واكفهن رضي الله تعالى عنه قوله باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب زاد بن بطال في
[ 283 ]
شرحه هنا وقول الرجل لصاحبه هل اعرستم الليلة قال بن المنير ذكر فيه حديث عائشة في قصة أبي بكر معها وهو مطابق للركن الاول من الترجمة قال ويستفاد الركن الثاني منها من جهة أن الجامع بينهما أن كلا الامرين مستثنى في بعض الحالات فإمساك الرجل خاصرة ابنته ممنوع في غير حالة التأديب وسؤال الرجل عما جرى له مع أهله ممنوع في غير حالة المباسطة أو التسلية أو المباشرة قلت وجدت هذه الزيادة في نسخة الصغاني مقدمة ولفظه باب قول الرجل الخ وبعده وطعن الرجل الخ والذي يظهر لي أن المصنف اخلي بياضا ليكتب فيه الحديث الذي أشار إليه وهو هل اعرستم أو شيئا مما يدل عليه وقد وقع ذلك في قصة أبي طلحة وأم سليم عند موت ولديهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبر بذلك أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعرستم الليلة قال نعم وسيأتي بهذا اللفظ في أوائل كتاب العقيقة وقوله يطعن وهو بضم العين وسيأتي بقية شرحه في كتاب الحدود في باب من أدب أهله دون السلطان خاتمة اشتمل كتاب النكاح من الاحاديث المرفوعة على مائتين وثمانية وعشرين حديثا المعلق منها والمتابعات خمسة وأربعون والبقية موصولة والمكرر منه فيه وفيما مضى مائة واثنان وستون حديثا والخالص ستة وستون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى اثنين وعشرين حديثا وهي حديث بن عباس خير هذه الامة أكثرها نساء وحديث أبي هريرة أني شاب أخاف العنت وحديث عائشة لو نزلت واديا وحديث خطب عائشة فقال أبو بكر إنما أنا أخوك وحديث أبي هريرة تنكح المرأة لاربع وحديث سهل مر رجل فقالوا هذا حرى أن خطب أن ينكح وحديث بن عباس حرم من النسب سبع وحديث دفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبته إلى من يكفلها وهو معلق وحديث جابر في الجمع بين المرأة وعمتها وحديث بن عباس في المتعة وحيث سلمة أيما رجل وامرأة توافقا الحديث في المتعة معلق وحديث بن عباس في تفسير التعريض بالخطبة وحديث عائشة كان النكاح على أربعة انحاء وحديث خنساء بنت خدام في تزويجها وحديث الربيع بنت معوذ في ذكر الضرب بالدف صبيحة العرس وحديث عائشة فإن الانصار يعجبهم اللهو وحديث أنس كان إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها وهو معلق وبقيته متفق عليه وحديث صفية بنت شيبة في الوليمة وحديث لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يعني في الوليمة وهو معلق وحديث أبي هريرة في إكرام الجار وحديث معاوية بن حيدة لا هجر الا في البيت وهو معلق وحديث بن عباس في قصة هجر النساء وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة وثلاثون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الاطلاق وهو الارسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع
[ 284 ]
حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي قال إمام الحرمين هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضا وهو أفصح وطلقت أيضا بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهو خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا أو جائزا أما الاول ففيما إذا كان بدعيا وله صور وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الامام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره قوله وقول الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة أما قوله تعالى إذ طلقتم النساء فخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الجمع تعظيما أو على إرادة ضم أمته إليه والتقدير يا أيها النبي وأمته وقيل هو على إضمار قل أي قل لامتك والثاني أليق فخص النبي عليه الصلاة والسلام بالنداء لانه إمام أمته اعتبارا بتقدمه وعم بالخطاب كما يقال لامير القوم يا فلان افعلوا كذا وقوله إذا طلقتم أي إذا اردتم التطليق جزما ولا يمكن حمله على ظاهره وقوله لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كما يقال لقيته لليلة بقيت من الشهر قال مجاهد في قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال بن عباس في قبل عدتهن أخرجه الطبري بسند صحيح ومن وجه آخر أنه قرأها كذلك وكذا وقع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن بن عمر في آخر حديثه قال بن عمر وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن ونقلت هذه القراءة أيضا عن أبي وعثمان وجابر وعلي بن الحسين وغيرهم وسيأتي في حديث بن عمر في الباب مزيد بيان في ذلك قوله احصيناه حفظناه هو تفسير أبي عبيدة وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الامر بحفظ ابتداء وقت المدة لئلا يلتبس الامر بطول العدة فتتأذى بذلك المرأة قوله وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع بسند صحيح عن بن مسعود في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قال في الطهر من غير جماع وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك وهو عند الترمذي أيضا قوله ويشهد شاهدين مأخوذ من قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو واضح وكأنه لمح بما أخرجه بن مردويه عن بن عباس قال كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدة ويراجعون بغير شهود فنزلت وقد قسم الفقهاء الطلاق إلى سني ويدعي وإلى قسم ثالث لا وصف له فالاول ما تقدم والثاني أن يطلق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين أمرها احملت أم لا ومنهم من أضاف له أن يزيد على طلقة ومنهم من أضاف له الخلع والثالث تطليق الصغيرة والايسة والحامل التي قربت ولادتها وكذا إذا وقع السؤال منها في وجه بشرط أن تكون عالمة بالامر وكذا إذا وقع الخلع بسؤالها وقلنا أنه طلاق ويستثنى من تحريم طلاق الحائض صور منها ما لو كانت حاملا ورأت الدم وقلنا الحامل تحيض فلا يكون طلاقها بدعيا ولا سيما أن وقع بقرب الولادة ومنها إذا طلق الحاكم على المولى واتفق وقوع ذلك في الحيض وكذا في صورة الحكمين إذا تعين ذلك طريقا لرفع الشقاق وكذلك الخلع والله أعلم (4953) قوله أنه طلق امرأته في مسلم من رواية الليث عن نافع أن بن عمر طلق امرأة له وعنده من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر طلقت امرأتي وكذا في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن بن عمر قال النووي في تهذيبه اسمها آمنة بنت غفار قاله بن بأطيش ونقله عن النووي جماعة ممن بعده منهم الذهبي في تجريد الصحابة لكن
[ 285 ]
قال في مبهماته فكأنه أراد مبهمات التهذيب وأوردها الذهبي في آمنة بالمد وكسر الميم ثم نون وأبوها غفار ضبطه بن يقظة بكسر المعجمة وتخفيف الفاء ولكني رأيت مستند بن بأطيش في أحاديث قتيبة جمع سعيد العيار بسند فيه بن لهيعة أن بن عمر طلق امرأته أمنة بنت عمار كذا رأيتها في بعض الاصول بمهملة مفتوحة ثم ميم ثقيلة والاول أولي وأقوى من ذلك ما رأيته في مسند أحمد قال حدثنا يونس حدثنا الليث عن نافع أن عبد الله طلق امرأته وهي حائض فقال عمر يا رسول الله أن عبد الله طلق امرأته النوار فأمره أن يراجعها الحديث وهذا الاسناد على شرط الشيخين ويونس شيخ أحمد هو بن محمد المؤدب من رجالهما وقد أخرجه الشيخان عن قتيبة عن الليث ولكن لم تسم عندهما ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار قوله وهي حائض في رواية قاسم بن أصبغ من طريق عبد الحميد بن جعفر عن نافع عن بن عمر أنه طلق امرأته وهي في دمها حائض وعند البيهقي من طريق ميمون بن مهران عن بن عمر أنه طلق امرأته في حيضها قوله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في رواية مالك ومثله عند مسلم من رواية أبي الزبير عن بن عمر وأكثر الرواة لم يذكروا ذلك استغناء بما في الخبر أن عمر سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلزم أن ذلك وقع في عهده وزاد الليث عن نافع تطليقة واحدة أخرجه مسلم وقال في آخره جود الليث في قوله تطليقة واحدة اه وكذا وقع عند مسلم من طريق محمد بن سيرين قال مكثت عشرين سنة يحدثني من لا اتهم أن بن عمر طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فأمر أن يراجعها فكنت لا اتهمهم ولا أعرف وجه الحديث حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير وكان ذا ثبت فحدثني أنه سأل بن عمر فحدثه أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض وأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الشعبي قال طريق بن عمر امرأته وهي حائض واحدة ومن طريق عطاء الخراساني عن الحسن عن بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض قوله فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في رواية بن أبي ذئب عن نافع فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخرجه الدارقطني وكذا سيأتي للمصنف من رواية قتادة عن يونس بن جبير عن بن عمر وكذا عند مسلم من رواية يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن يونس بن جبير وكذا عنده في رواية طاوس عن بن عمر وكذا في رواية الشعبي المذكورة وزاد فيه الزهري في روايته كما تقدم في التفسير عن سالم أن بن عمر أخبره فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر هذه الزيادة في رواية غير سالم وهو أجل من روى الحديث عن بن عمر وفيه اشعار بأن الطلاق في الحيض كان تقدم النهي عنه وإلا لم يقع التغيظ على أمر لم يسبق النهي عنه ولا يعكر على ذلك مبادرة عمر بالسؤال عن ذلك لاحتمال أن يكون عرف حكم الطلاق في الحيض وأنه منهي عنه ولم يعرف ماذا يصنع من وقع له ذلك قال بن العربي سؤال عمر محتمل لان يكون إنهم لم يروا قبلها مثلها فسأل ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن قوله فطلقوهن لعدتهن وقوله يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أراد أن يعلم أن هذا قرء أم لا ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك وقال بن دقيق العيد وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم أما لان المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لانه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه قوله مره فليراجعها قال بن دقيق العيد يتعلق به مسألة اصولية وهي أن الامر بالامر بالشئ هل هو أمر بذلك أم لا فإنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر مرة فأمره بأن يأمره قلت هذه المسألة ذكرها بن الحاجب فقال الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ لنا لو كان لكان مر عبدك بكذا تعديا ولكان يناقض قولك للعبد لا تفعل قالوا فهم ذلك من أمر الله ورسوله ومن قول الملك لوزيره قل لفلان افعل قلنا للعلم بأنه مبلغ قلت والحاصل أن النفي إنما هو حيث تجرد الامر وأما إذا وجدت قرينة تدل على أن الامر الاول أمر المأمور الاول أن يبلغ المأمور الثاني فلا وينبغي أن ينزل كلام الفريقين على هذا التفصيل فيرتفع الخلاف ومنهم من فرق بين الامرين فقال أن كان الامر
[ 286 ]
الاول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني فهو آمر له وإلا فلا وهذا قوي وهو مستفاد من الدليل الذي استدل به بن الحاجب على النفي لانه لا يكون متعديا الا إذا أمر من لا حكم له عليه لئلا يصير متصرفا في ملك غيره بغير إذنه والشارع حاكم على الامر والمأمور فوجد فيه سلطان التكليف على الفريقين ومنه قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة فإن كل أحد يفهم منه أمر الله لاهل بيته بالصلاة ومثله حديث الباب فإن عمر إنما استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليمتثل ما يأمره به ويلزم ابنه به فمن مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها وفي رواية أنس بن سيرين يونس بن جبير وطاوس عن بن عمر وفي رواية الزهري عن سالم فليراجعها وفي رواية لمسلم فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي الزبير عن بن عمر ليراجعها وفي رواية الليث عن نافع عن بن عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا وقد اقتضى كلام سليم الرازي في التقريب أنه يجب على الثاني الفعل جزما وإنما الخلاف في تسميته آمرا فرجع الخلاف عنده لفظيا وقال الفخر الرازي في المحصول الحق أن الله تعالى إذا قال لزيد أوجبت على عمرو كذا وقال لعمر كل ما أوجب عليك زيد فهو واجب عليك كان الامر بالامر بالشئ أمر بالشئ قلت وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة بين الامر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن غيره فمهما أمر الرسول أحدا أن يأمر به غيره وجب لان الله أوجب طاعته وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في الصحيح من اطاعني فقد اطاع الله ومن اطاع أميري فقد اطاعني وأما غيره ممن بعده فلا وفيهم تظهر صورة التعدي التي أشار إليها بن الحاجب وقال بن دقيق العيد لا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الامر هل هي لوازم صيغة الامر بالامر أو لا بمعنى إنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا قلت وهو حسن فإن أصل المسألة التي انبني عليها هذا الخلاف حديث مروا أولادكم بالصلاة لسبع فإن الاولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب وإنما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك فهو مطلوب من الاولاد بهذه الطريق وليس مساويا للامر الاول وهذا إنما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجه الامر على غير المكلف وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شئ كان المكلف الاول مبلغا محضا والثاني مأمور من قبل الشارع وهذا كقوله لمالك بن الحويرث وأصحابه ومروهم بصلاة كذا في حين كذا وقوله لرسول ابنته صلى الله عليه وسلم مرها فلتصبر ولتحتسب ونظائره كثيرة فإذا أمر الاول الثاني بذلك فلم يمتثله كان عاصيا وأن توجه الخطاب من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف أو توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الامر أن يأمر من لا أمر للاول عليه لم يكن الامر بالامر بالشئ أمرا بالشئ فالصورة الاولى هي التي نشأ عنه الاختلاف وهو أمر أولياء الصبيان أن يأمروا الصبيان والصورة الثانية هي التي يتصور فيها أن يكون الامر متعديا بأمره للاول أن يأمر الثاني فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة والله المستعان واختلف في وجوب المراجعة فذهب إليه مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور أنها مستحبة واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحيح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الامر بها ولان الطلاق لما كان محرما في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبه فلو تمادى الذي طلق في الحيض حتى طهرت قال مالك وأكثر أصحابه يجبر على الرجعة أيضا وقال أشهب منهم إذا طهرت انتهى الامر بالرجعة واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها أن لا رجعة وأنه لو طلق في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها كذا نقله بن بطال وغيره لكن الخلاف فيه ثابت قد حكاه الحناطي من الشافعية وجها واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة الا ما نقل عن زفر فطرد الباب قوله ثم ليمسكها أي يستمر بها في عصمته
[ 287 ]
قوله حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها ونحوه في رواية الليث وأيوب عن نافع وكذا عند مسلم من رواية عبد الله بن دينار وكذا عندهما من رواية الزهري عن سالم وعند مسلم من رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم بلفظ مرة فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا قال الشافعي غير نافع إنما روى حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم أن شاء أمسك وأن شاء طلق رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم قلت وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا وقد اختلف في الحكمة في ذلك فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها أما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع إذ يرغب فيمسك للحمل أو ليكون أن كانت سألت الطلاق غير حامل أن تكف عنه وقيل الحكمة فيه أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لانه قد يطول مقامه معها فقد يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها وقيل أن الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه كقرء واحد فلو طلقها فيه لكان كمن طلق في الحيض وهو ممتنع من الطلاق في الحيض فلزم أن يتأخر إلى الطهر الثاني واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة وفيه للشافعية وجهان أصحهما المنع وبه قطع المتولي وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث وعبارة الغزالي في الوسيط وتبعه مجلي هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر وجهان وكلام المالكية يقتضي أن التأخير مستحب وقال بن تيمية في المحرر ولا يطلقها في الطهر المتعقب له فإنه بدعة وعنه أي عن أحمد جواز ذلك وفي كتب الحنفية عن أبي حنيفة الجواز وعن أبي يوسف ومحمد المنع ووجه الجواز أن التحريم إنما كان لاجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز طلاقها في هذا الطهر كما يجوز في الطهر الذي بعده وكما يجوز طلاقها في الطهر أن لم يتقدم طلاق في الحيض وقد ذكرنا حجج المانعين ومنها أنه لو طلقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها وهذا عكس مقصود الرجعة فإنها شرعت لايواء المرأة ولهذا سماها امساكا فأمره أن يمسكها في ذلك الطهر وأن لا يطلق فيه حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر لتكون الرجعة للامساك لا للطلاق ويؤيد ذلك أن الشارع أكد هذا المعنى حيث أمر بأن يمسكها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه لقوله في رواية عبد الحميد بن جعفر مره أن يراجعها فإذا طهرت أمسكها حتى إذا طهرت أخرى فان شاء طلقها وأن شاء أمسكها فإذا كان قد أمره بان يمسكها في ذلك الطهر فكيف يبيح له أن يطلقها فيه وقد ثبت النهي عن الطلاق في طهر جامعها فيه قوله ثم أن شاء أمسك بعد وأن شاء طلق قبل أن يمس في رواية أيوب ثم يطلقها قبل أن يمسها وفي رواية عبيد الله بن عمر فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها ونحوه في رواية الليث وفي رواية الزهري عن سالم فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها وفي رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا وتمسك بهذه الزيادة من استثنى من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه ما إذا ظهر الحمل فإنه لا يحرم والحكمة فيه أنه إذا ظهر الحمل فقد أقدم على ذلك على بصيرة فلا يندم على الطلاق وأيضا فإن زمن الحمل زمن الرغبة في الوطئ فاقدامه على الطلاق فيه يدل على رغبته عنها ومحل ذلك أن يكون الحمل من المطلق فلو كان من غيره بأن نكح حاملا من زنا ووطئها ثم طلقها أو طئت منكوحة بشبهة ثم حملت منه فطلقها زوجها فان الطلاق يكون بدعيا لان عدة الطلاق تقع بعد وضع الحمل والنقاء من النفاس فلا تشرع عقب الطلاق في العدة كما في الحامل منه قال الخطابي في قوله ثم أن شاء أمسك وأن شاء طلق دليل على أن من قال لزوجته وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق لا يكون مطلقا للسنة لان المطلق للسنة هو الذي يكون مخيرا عند وقوع طلاقه بين إيقاع الطلاق وتركه واستدل بقوله قبل أن يمس على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور فلو طلق هل يجبر على الرجعة كما يجبر عليها إذا
[ 288 ]
طلقها وهي حائض طرده بعض المالكية فيهما والمشهور عنهم إجباره في الحائض دون الطاهر وقالوا فيما إذا طلقها وهي حائض يجبر على الرجعة فإن امتنع أدبه الحاكم فإن أصر ارتجع الحاكم عليه وهل يجوز له وطؤها بذلك روايتان لهم أصحهما الجواز وعن داود يجبر على الرجعة إذا طلقها حائضا ولا يجبر إذا طلقها نفساء وهو جمود ووقع في رواية مسلم من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن بن عمر ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا وفي روايته من طريق بن أخي الزهري عن الزهري فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضها واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد به انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي من طريق معتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع في هذه القصة قال مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الاخرى فلا يمسها حتى يطلقها وأن شاء أن يمسكها فليمسكها وهذا مفسر لقوله فإذا طهرت فليحمل عليه ويتفرع من هذا أن العدة هل تنقضي بانقطاع الدم وترتفع الرجعة أو لا بد من الاغتسال فيه خلاف أيضا والحاصل أن الاحكام المرتبة على الحيض نوعان الاول يزول بانقطاع الدم كصحة الغسل والصوم وترتب الصلاة في الذمة والثاني لا يزول الا بالغسل كصحة الصلاة والطواف وجواز اللبث في المسجد فهل يكون الطلاق من النوع الاول أو من الثاني وتمسك بقوله ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا من ذهب إلى أن طلاق الحامل سني وهو قول الجمهور وعن أحمد رواية أنه ليس بسني ولا يدعي قوله فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء أي إذن وهذا بيان لمراد الآية وهي قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وصرح معمر في روايته عن أيوب عن نافع بأن هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الزبير عند مسلم قال بن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء الآية واستدل به من ذهب إلى أن الاقراء الاطهار للامر بطلاقها في الطهر وقوله فطلقوهن لعدتهن أي وقت ابتداء عدتهن وقد جعل للمطلقة تربص ثلاثة قروء فلما نهى عن الطلاق في الحيض وقال أن الطلاق في الطهر هو الطلاق المأذون فيه علم أن الاقراء الاطهار قاله بن عبد البر وسأذكر بقية فوائد حديث بن عمر في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى قوله باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق كذا بت الحكم بالمسألة وفيها خلاف قديم عن طاوس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع ومن ثم نشأ سؤال من سأل بن عمر عن ذلك (4954) قوله شعبة عن أنس بن سيرين قال سمعت بن عمر قال طلق بن عمر امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليراجعها قلت تحتسب قال فمه القائل قلت هو أنس بن سيرين والمقول له بن عمر بين ذلك أحمد في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة وكذا أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر وقد ساقه مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن بن سيرين مطولا كما سأذكره بعد ذلك قوله وعن قتادة عن يونس بن جبير هو معطوف على قوله عن أنس بن سيرين فهو موصول وهو من رواية شعبة عن قتادة ولقد أفرده مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة سمعت يونس بن جبير قوله عن بن عمر قال مرة فليراجعها هكذا اختصره ومراده أن يونس بن جبير حكى القصة نحو ما ذكرها أنس بن سيرين سوى ما بين من سياقه قوله قلت تحتسب هو بضم أوله والقائل هو يونس بن جبير قوله قال أرايته في رواية الكشميهني أرأيت أن عجز واستحمق وقد اختصره البخاري اكتفاء بسياق أنس بن سيرين وقد ساقه مسلم حيث أفرده ولفظه سمعت بن عمر يقول طلقت امرأتي وهي حائض فأتي عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال
[ 289 ]
ليراجعها فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها قال قلت لابن عمر افيحسب بها قال ما يمنعه أرأيت أن عجز واستحمق وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر وعبد الله بن بكير قالا حدثنا شعبة فذكره أتم منه وفي أوله أنه سأل بن عمر عن رجل طلق امرأة وهي حائض وفيه فقال مرة فليراجعها ثم أن بدا له طلاقها طلقها في قبل عدتها وفي قبل طهرها قال قلت لابن عمر أفتحتسب طلاقها ذلك طلاقا قال نعم أرأيت أن عجز واستحمق وقد ساقه البخاري في آخر الباب الذي بعد هذا نحو هذا السياق من رواية همام عن قتادة بطوله وفيه قلت فهل عد ذلك طلاقا قال أرأيت أن عجز واستحمق وسيأتي في أبواب العدد في باب مراجعة الحائض من طريق محمد بن سيرين عن يونس بن جبير مختصرا وفيه قلت فتعتد بتلك التطليقة قال أرأيت أن عجز واستحمق وأخرجه مسلم من وجه آخر عن محمد بن سيرين مطولا ولفظه فقلت له إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض ايعتد بتلك التطليقة قال فمه أو أن عجز واستحمق وفي رواية له فقلت افتحتسب عليه والباقي مثله وقوله فمه أصله فما وهو استفهام فيه اكتفاء أي فما يكون أن لم تحتسب ويحتمل أن تكون الهاء اصلية وهي كلمة تقال للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك قال بن عبد البر قول بن عمر فمه معناه فأي شئ يكون إذا لم يعتد بها إنكارا لقول السائل ايعتد بها فكأنه قال وهل من ذلك بد وقوله أرأيت أن عجز واستحمق أي أن عجز عن فرض فلم يقمه أو استحمق فلم يأت به أيكون ذلك عذرا له وقال الخطابي في الكلام حذف أي أرأيت أن عجز واستحمق ايسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه وقال الكرماني يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى ما أي لم يعجز بن عمر ولا استحمق لانه ليس بطفل ولا مجنون قال وأن كانت الرواية بفتح ألف أن فمعناه أظهر والتاء من استحمق مفتوحة قاله بن الخشاب وقال المعنى فعل فعلا يصيره أحمق عاجزا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض وقد وقع في بعض الاصول بضم التاء مبنيا للمجهول أي أن الناس استحمقوه بما فعل وهو موجه وقال المهلب معنى قوله أن عجز واستحمق يعني عجز في المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم تمكن منه الرجعة اتبقى المرأة معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة وقد نهى الله عن ذلك فلا بد أن تحتسب بتلك التطليقة التي اوقعها على غير وجهها كما أنه لو عجز عن فرض آخر لله فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط عنه قوله حدثنا أبو معمر كذا في رواية أبي ذر وهو ظاهر كلام أبي نعيم في المستخرج وللباقين وقال أبو معمر وبه جزم الاسماعيلي وسقط هذا الحديث من رواية النسفي أصلا قوله عن بن عمر قال حسبت على بتطليقة هو بضم أوله من الحساب وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال النووي شذ بعض أهل الظاهر فقال إذا طلق الحائض لم يقع الطلاق لانه غير مأذون فيه فأشبه طلاق الاجنبية وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض وقال بن عبد البر لا يخالف في ذلك الا أهل البدع والضلال يعني الآن قال وروى مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وحكاه بن العربي وغيره عن بن علية يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي قال الشافعي في حقه إبراهيم ضال جلس في باب الضوال يضل الناس وكان بمصر وله مسائل ينفرد بها وكان من فقهاء المعتزلة وقد غلط فيه من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه وحاشاه فإنه من كبار أهل السنة وكأن النووي أراد ببعض الظاهرية بن حزم فإنه ممن جرد القول بذلك وانتصر له وبالغ وأجاب عن أمر بن عمر بالمراجعة بان بن عمر كان اجتنبها فأمره أن يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة فحمل المراجعة على معناها اللغوي وتعقب بأن الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية اتفاقا وأجاب عن قول بن عمر حسبت على بتطليقه بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب بأنه مثل قول
[ 290 ]
الصحابي أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فإنه ينصرف إلى من له الامر حينئذ وهو النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال بعض الشراح وعندي أنه لا ينبغي أن يجئ فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذاك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحا وليس كذلك في قصة بن عمر هذه فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الامر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر بن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن بن عمر يفعل في القصة شيئا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة وقد أخرج بن وهب في مسنده عن بن أبي ذئب أن نافعا أخبره أن بن عمر طلق امرأة وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مرة فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر قال بن أبي ذئب في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي واحدة قال بن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبي بذلك سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب وابن إسحاق جميعا عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي واحدة وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على بن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لان الاصل لا يدفع بالاحتمال وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن بن عمر في القصة فقال عمر يا رسول الله افتحتسب تبلل التطليقة قال نعم ورجاله إلى شعبة ثقات وعنده من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رجلا قال إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بن عمر أن يراجع امرأة قال أنه أمر بن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة بن عمر على المعنى اللغوي وقد وافق بن حزم على ذلك من المتأخرين بن تيمية وله كلام طويل في تقرير ذلك والانتصار له واعظم ما احتجوا به ما وقع في رواية أبي الزبير عن بن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وقال إذا طهرت فليطلق أو يمسك لفظ مسلم والنسائي وأبي داود فردها على زاد أبو داود ولم يرها شيئا وإسناده على شرط الصحيح فإن مسلما أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن بن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبي عاصم عنه وقال نحو هذه القصة ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن بن جريج قال مثل حديث حجاج وفيه بعض الزيادة فأشار إلى هذه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا وقد أخرج أحمد الحديث عن روح بن عبادة عبادة عن بن جريج فذكرها فلا يتخيل انفراد عبد الرزاق بها قال أبو داود روى هذا الحديث عن بن عمر جماعة واحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير وقال بن عبد البر قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تقع على السنة وقال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار وأن كان لازما له مع الكراهة ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير فقال نافع أثبت من أبي الزبير والاثبت من الحديثين أولي أن يؤخذ به إذا تخالفا وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت قال وبسط الشافعي للقول في ذلك وحمل قوله لم يرها شيئا على أنه لم يعدها شيئا صوابا غير خطأ بل يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه لانه أمره بالمراجعة ولو كان طلقها طاهرا لم يؤمر بذلك فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئا أي لم يصنع شيئا صوابا قال بن عبد البر واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روى عن الشعبي قال إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول بن عمر قال بن عبد البر وليس معناه ما ذهب إليه وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روى ذلك عنه منصوصا أنه قال يقع عليها الطلاق ولا تعتد بتلك الحيضة اه وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر نحوا مما نقله بن عبد البر عن الشعبي أخرجه بن حزم بإسناد
[ 291 ]
صحيح والجواب عنه مثله وروى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك بشئ وهذه متابعات لابي الزبير الا أنها قابلة للتأويل وهو أولي من الغاء الصريح في قول بن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة وهذا الجمع الذي ذكره بن عبد البر وغيره يتعين وهو أولي من تغليط بعض الثقات وأما قول بن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة فإنه وأن لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه تسليم أن بن عمر قال أنها حسبت عليه فكيف يجتمع مع هذا قوله أنه لم يعتد بها أو لم يرها شيئا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لانه أن جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن بن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها لانه قال أنها حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئا وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمره به وأن جعل الضمير في لم يعتد بها أو لم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح ولا شك أن الاخذ بما رواه الاكثر والاحفظ أولي من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور والله أعلم واحتج بن القيم لترجيح ما ذهب إليه شيخه باقيسة ترجع إلى مسألة أن النهي يقتضي الفساد فقال الطلاق ينقسم إلى حلال وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد وأيضا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز ايقاعه فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلا لم يكن للمنع فائدة لان الزوج لو وكل رجلا أن يطلق امرأته على وجه فطلقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ فكذلك لم يأذن الشارع للمكلف في الطلاق الا إذا كان مباحا فإذا طلق طلاقا محرما لم يصح وأيضا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب الاعدام فالحكم ببطلان ما حرمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم أطال من هذا الجنس بمعارضات كثيرة لا تنهض مع التنصيص على صريح الامر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق على تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار والله أعلم وقد عورض بقياس أحسن من قياسه فقال بن عبد البر ليس الطلاق من أعمال البر التي يتقرب بها وإنما هو إزالة عصمة فيها حق ادمي فكيفما اوقعه وقع سواء أجرا في ذلك أم إثم ولو لزم المطيع ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالا من المطيع ثم قال بن القيم لم يرد التصريح بان بن عمر احتسب بتلك التطليقة الا في رواية سعيد بن جبير عنه عند البخاري وليس فيها تصريح بالرفع قال فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم يرها شيئا فأما أن يتساقطا وأما أن ترجح رواية أبي الزبير لتصريحها بالرفع وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتسب عليهم به ثلاثا إذا كان بلفظ واحد قلت وغفل رحمه الله عما ثبت في صحيح مسلم من رواية أنس بن سيرين على وفاق ما روى سعيد بن جبير وفي سياقه ما يشعر بأنه إنما راجعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه سألت بن عمر عن امرأته التي طلق فقال طلقتها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال مالي لا اعتد بها وأن كنت عجزت واستحمقت وعند مسلم أيضا من طريق بن أخي بن شهاب عن عمه عن سالم في حديث الباب وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من رواية الزبيدي عن بن شهاب قال بن عمر فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وعند الشافعي عن مسلم بن خالد عن بن جريج إنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة بن عمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم وفي حديث بن عمر من الفوائد غير ما تقدم أن الرجعة يستقل بها الزوج دون الولي ورضا المرأة لانه جعل ذلك إليه دون غيره وهو كقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وفيه أن الاب يقوم عن ابنه البالغ الرشيد في الامور التي تقع له مما يحتشم الابن من ذكره ويتلقى عنه ما لعله يلحقه من العتاب على فعله شفقة منه وبرا وفيه أن طلاق الطاهرة
[ 292 ]
لا يكره لانه أنكر ايقاعه في الحيض لا في غيره ولقوله في آخر الحديث فإن شاء أمسك وأن شاء طلق وفيه أن الحامل لا تحيض لقوله في طريق سالم المتقدمة ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا فحرم صلى الله عليه وسلم الطلاق في زمن الحيض واباحه في زمن الحمل فدل على إنهما لا يجتمعان وأجيب بأن حيض الحامل لما لم يكن له تأثير في تطويل العدة ولا تخفيفها لانها بوضع الحمل فأباح الشارع طلاقها حاملا مطلقا وأما غير الحامل ففرق بين الحائض والطاهر لان الحيض يؤثر في العدة فالفرق بين الحامل وغيرها إنما هو بسبب الحمل لا بسبب الحيض ولا الطهر وفيه أن الاقراء في العدة هي الاطهار وسيأتي تقرير ذلك في كتاب العدة وفيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه وبه قال الجمهور وقال المالكية لا يحرم وفي رواية كالجمهور ورجحها الفاكهاني لكونه شرط في الاذن في الطلاق عدم المسيس والمطلق يشترط معدوم عند عدمه قوله باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق كذا للجميع وحذف بن بطال من الترجمة قوله من طلق فكأنه لم يظهر له وجهه وأظن المصنف قصد اثبات مشروعة جواز الطلاق وحمل حديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق على ما إذا وقع من غير سبب وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره واعل بالارسال وأما المواجهة فأشار إلى أنها خلاف الاولى لان ترك المواجهة أرفق وألطف الا أن احتيج إلى ذكر ذلك ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عائشة (4955) قوله أن ابنة الجون زاد في نسخة الصغاني الكلبية وهو بعيد على ما سأبينه ووقع في كتاب الصحابة لابي نعيم من طريق عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أدخلت عليه قال لقد عذت بمعاذ الحديث وعبيد متروك والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل كما في حديث أبي أسيد وقال مرة أميمة بنت شراحيل فنسبت لجدها وقيل اسمها أسماء كما سأبينه في حديث أبي أسيد مع شرحه مستوفى وروى بن سعد عن الواقدي عن بن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت تزوج النبي صلى الله عليه وسلم الكلابية فذكر مثل حديث الباب وقوله الكلابية غلط وإنما هي الكندية فكأنما الكمة تصحفت نعم الكلابية قصة أخرى ذكرها بن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري وقال اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان فاستعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر وتقول أنا الشقية قال وتوفيت سنة ستين ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الكندية لما وقع التخيير اختارت قومها ففارقها فكانت تقول أنا الشقية ومن طريق سعيد بن أبي هند أنها استعاذت منه فأعاذها ومن طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى بن سعد أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار بن سعد إلى أنها واحدة اختلف في اسمها والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية وروى بن سعد من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال لم تستعذ منه امرأة غيرها قلت وهو الذي يغلب على الظن لان ذلك إنما وقع للمستعيذة بالخديعة المذكورة فيبعد أن تخدع أخرى بعدها بمثل ما خدعت به بعد شيوع الخبر بذلك قال بن عبد البر اجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج الجونية واختلفوا في سبب فراقه فقال قتادة لما دخل عليها دعاها فقال تعال أنت فطلقها وقيل كان بها وضح كالعامرية قال وزعم بعضه أنها قالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني فطلقها قال وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة
[ 293 ]
فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها أنه يعجبه أن يقال له نعوذ بالله منك ففعلت فطلقها كذا قال وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الذي بعده والقول الذي نسبه لقتادة ذكر مثله أبو سعيد النيسابوري عن شرقي بن قطامي قوله رواه حجاج بن أبي منيع عن جده هو حجاج بن يوسف بن أبي منيع وأبو منيع هو عبيد الله بن أبي زياد الوصافي بفتح الواو وتشديد المهملة وبالفاء وكان يكون بحلب ولم يخرج له البخاري الا معلقا وكذا لجده وهذه الطريق وصلها الذهلي في الزهريات ورواه بن أبي ذئب أيضا عن الزهري نحوه وزاد في آخره قال الزهري جعلها تطليقة أخرجه البيهقي وقوله الحقي بأهلك بكسر الالف من الحقى وفتح الحاء بخلاف قوله في الحديث الثاني الحقها فإنه بفتح الهمزة وكسر الحاء ثانيها (4956) الله عز وجلقوله حدثنا عبد الرحمن بن غسيل كذا في رواية الاكثر بغير ألف ولام وفي رواية النسفي بن الغسيل وهو أوجه ولعلها كانت بن غسيل الملائكة فسقط لفظ الملائكة والالف واللام بدل الاضافة وعبد الرحمن ينسب إلى جد أبيه وهو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الانصاري وحنظلة هو غسيل الملائكة استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة وقصته مشهورة ووقع في رواية الجرجاني عبد الرحيم والصواب عبد الرحمن كما نبه عليه الجياني قوله إلى حائط يقال له الشوط بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وقيل معجمة هو بستان في المدينة معروف قوله حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلسوا ههنا ودخل أي إلى الحائط في رواية لابن سعد عن أبي أسيد قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني الجون فأمرني أن اتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فخرج يمشي ونحن معه وذباب بضم المعجمة وموحدتين مخففا جبل معروف بالمدينة والاطم الحصون وهو الاجم أيضا والجمع آطام وآجام كعنق واعناق وفي رواية لابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما فقال الا ازوجك أجمل ايم في العرب فتزوجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها قوله فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل هو بالتنوين في الكل وأميمة بالرفع أما بدلا عن الجونية وأما عطف بيان وظن بعض الشراح أنه بالاضافة فقال في الكلام على الرواية التي بعدها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل ولعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها وهو مردود فإن مخرج الطريقين واحد وإنما جاء الوهم من إعادة لفظ في بيت وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في بيت في النخل أميمة الخ وجزم هشام بن الكلبي بأنها أسماء بنت النعمان بن شراحيل بن الاسود بن الجون الكندية وكذا جزم بتسميتها أسماء محمد بن إسحاق ومحمد بن حبيب وغيرهما فلعل اسمها أسماء ولقبها أميمة ووقع في المغازي رواية يونس بن بكير عن بن إسحاق أسماء بنت كعب الجونية فلعل في نسبها من اسمه كعب نسبها إليه وقيل
[ 294 ]
هي أسماء بنت الاسود بن الحارث بن النعمان قوله ومعها دايتها حاضنة لها الداية بالتحتانية الظئر المرضع وهي معربة ولم اقف على تسمية هذه الحاضنة قوله وهي نفسك لي الخ السوقة بضم السين المهملة يقال لواحد من الرعية والجمع قيل لهم ذلك لان الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي قال بن المنير هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها وقال غيره يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم فخاطبته بذلك وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال نعم سيأتي في أواخر الاشربة من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها فقدمت فنزلت في اجم بني ساعدة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها قالت أعوذ بالله منك قال لقد اعذتك مني فقالوا لها أتدرين من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك قالت كنت أنا أشقى من ذلك فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب الحقها بأهلها ولا قوله في حديث عائشة الحقي بأهلك تطليقا ويتعين أنها لم تعرفه وأن كانت القصة متعددة ولا مانع من ذلك فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب وقد ذكر بن سعد بسند فيه العزرمي الضعيف عن بن عمر قال كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمره بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر قال بن سعد اختلف علينا اسم الكلابية فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل سنا بنت سفيان بن عوف وقيل العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف فقال بعضهم هي واحدة اختلف في اسمها وقال بعضهم بل كن جمعا ولكن لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها ثم ترجم الجونية فقال أسماء بنت النعمان ثم أخرج من طريق عبد الواحد بن أبي عون قال قدم النعمان بن أبي الجون الكندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما فقال يا رسول الله ألا ازوجك أجمل ايم في العرب كانت تحت بن عم لها فتوفي وقد رغبت فيك قال نعم قال فابعث من يحملها إليك فبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي في محفة فأقبلت بها حتى قدمت المدينة فأنزلتها في بني ساعدة ووجهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته الحديث قال بن أبي عون وكان ذلك في ربيع الاول سنة تسع ثم أخرج من طريق أخرى عن عمر بن الحكم عن أبي أسيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجونية فحملتها حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي على رجليه حتى جاءها الحديث ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قال اسم الجونية أسماء بنت النعمان بن أبي الجون قيل لها استعيذي منه فإنه أحظى لك عنده وخدعت لما رؤى من جمالها وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حملها على ما قالت فقال انهن صواحب يوسف وكيدهن فهذه تتنزل قصتها على حديث أبي حازم عن سهل بن سعد وأما القصة التي في حديث الباب من رواية عائشة فيمكن أن تنزل على هذه أيضا فإنه ليس فيها الا الاستعاذة والقصة التي في حديث أبي أسيد فيها أشياء مغايرة لهذه القصة فيقوى التعدد ويقوى أن التي في حديث أبي أسيد اسمها أميمة والتي في حديث سهل اسمها أسماء والله اعلم وأميمة كان قد عقد عليها ثم فارقها وهذه لم يعقد عليها بل جاء ليخطبها فقط قوله فأهوى بيده أي أمالها إليها ووقع في رواية بن سعد فأهوى إليها ليقبلها وكان إذا اختلى
[ 295 ]
النساء اقعى وقبل وفي رواية لابن سعد فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت إنك من الملوك فإن كنت تريدين أن تحظى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذي منه ووقع عنده عن هشام بن محمد بن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب أن عائشة وحفصة دخلتنا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها وقالت لها إحداهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك قوله فقال قد عذت بمعاذ وهو بفتح الميم ما يستعاذ به أو اسم مكان العوذ والتنوين فيه للتعظيم وفي رواية بن سعد فقال بكمه على وجهه وقال عذت معاذا ثلاث مرات وفي أخرى له فقال أمن عائذ الله قوله ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيين براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به والرازقية ثياب من كتاب بيض طوال قاله أبو عبدة وقال غيره يكون في داخل بياضها زرقة والرازقي الصفيق قال بن التين متعها بذلك أما وجوبا وأما تفضلا قلت وسيأتي حكم المتعة في كتاب النفقات قوله والحقها بأهلها قال بن بطال ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق وتعقبه بن المنير بأن ذلك ثبت في حديث عائشة أول أحاديث الباب فيحمل على أنه قال لها الحقي بأهلك ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له الحقها بأهلها فلا منافاة فالاول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو أن يعيدها إلى أهلها لان أبا أسيد هو الذي كان أحضرها كما ذكرناه ووقع في رواية لابن سعد عن أبي أسيد قال فأمرني فرددتها إلى قومها وفي أخرى له فلما وصلت بها تصايحوا وقال انك لغير مباركة فما دهاك قالت خدعت قال فتوفيت في خلافة عثمان قال وحدثني هشام بن محمد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا ثم روى بسند فيه الكلبي أن المهاجر بن أبي أمية تزوجها فأراد عمر معاقبتها فقالت ما ضرب علي الحجاب ولا سميت أم المؤمنين فكف عنها وعن الواقدي سمعت من يقول أن عكرمة بن أبي جهل خلف عليها قال وليس ذلك بثبت ولعل بن بطال أراد أنه لم يواجهها بلفظ الطلاق وقد أخرج بن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله فكتب إليه ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كندية الا أخت بني الجون فملكها فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها فقوله فطلقها يحتمل أن يكون باللفظ المذكور قبل ويحتمل أن يكون واجهها بلفظ الطلاق ولعل هذا هو السر في إيراد الترجمة بلفظ الاستفهام دون بت الحكم واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة العقد وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها والجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يزوج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليها فكان مجرد إرساله إليها واحضارها ورغبته فيها كافيا في ذلك ويكون قوله هبي لي نفسك تطييبا لخاطرها واستماله لقلبها ويؤيده قوله في رواية لابن سعد أنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها وأن أباها قال له أنها رغبت فيك وخطبت إليك (4957) قوله وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن هو بن الغسيل عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد هذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق
[ 296 ]
أبي أحمد الفراء عن الحسين ومراد البخاري منه أن الحسين بن الوليد شارك أبا نعيم في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الغسيل لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو نعيم حمزة وقال الحسين عباس بن سهل ثم ساقه من طريق ثالثة عن عبد الرحمن فبين أنه عند عبد الرحمن بالاسنادين لكن طريق أبي أسيد عن حمزة ابنه عنه وطريق سهل بن سعد عن عباس ابنه عنه وكأن حمزة حذف في رواية الحسين بن الوليد فصار الحديث من رواية عباس بن سهل عن أبي أسيد وليس كذلك والتحرير ما وقع في الرواية الثالثة وهي رواية إبراهيم بن أبي الوزير واسم أبي الوزير عمر بن مطرف وهو حجازي نزل البصرة وقد أدركه البخاري ولم يلقه فحدث عنه بواسطة وذكره في تاريخه فقال مات بعد أبي عاصم سنة اثنتي عشرة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وافقه على إقامة إسناده أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه تنبيهان الاول قال القاضي عياض في أوائل كتاب الجهاد من شرح مسلم قال البخاري في تاريخه الحسين بن الوليد بن علي النيسابوري القرشي مات سنة ثلاث ومائتين ولم يذكر في باب الحسن مكبرا من اسمه الحسن بن الوليد وذكر في صحيحه في كتاب الطلاق الحسن بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل كذا ذكره مكبرا قلت لم أره في شئ من النسخ المعتمدة من البخاري الا مصغرا ويؤيده اقتصاره عليه في تاريخه والله أعلم الثاني وقع في رواية أبي أحمد الجرجاني في السند الاول عن حمزة بن أبي أسيد عن عباس بن سهل عن أبيه وهو خطأ سقطت الواو من قوله وعن عباس وقد ثبتت عند جميع الرواة وفي الحديث أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق على ما وقع في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليه أن يعتزل امرأته قال لها الحقي بأهلك فكوني فيهم حتى يقضي الله هذا الامر وقد مضى الكلام عليه مستوفى في شرحه الحديث الثالث حديث بن عمر في طلاق امرأته وقد مضى شرحه مستوفى قبل وقوله في هذه الرواية اتعرف بن عمر إنما قال له ذلك مع أنه يعرف أنه يعرفه وهو الذي يخاطبه ليقرره على أتباع السنة وعلى القبول من ناقلها وأنه يلزم العامة الاقتداء بمشاهير العلماء فقرره على ما يلزمه من ذلك لا أنه ظن أنه لا يعرفه قال بن المنير ليس فيه مواجهة بن عمر المرأة بالطلاق وإنما فيه طلق بن عمر امرأته لكن الظاهر من حالة المواجهة لانه إنما طلقها عن شقاق اه ولم يذكر مستنده في الشقاق المذكور فقد يحتمل أن لا تكون عن شقاق بل عن سبب آخر وقد روى أحمد والاربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال طلقها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطع أباك فيحتمل أن تكون هي هذه ولعل عمر لما أمره بطلاقها وشاور النبي صلى الله عليه وسلم فامتثل أمره اتفق أن الطلاق وقع وهي في الحيض فعلم عمر بلك فكان ذلك هو السر في توليه السؤال عن ذلك لكونه وقع من قبله ظ 7 قوله باب من جوز الطلاق الثلاث كذا لابي ذر وللاكثر ما أجاز وفي الترجمة إشارة إلى أن من السلف من لم يجز وقوع الطلاق الثلاث فيحتمل أن يكون مراده بالمنع من كره البينونة الكبرى وهي بايقاع الثلاث أعم من أن تكون مجموعة أو مفرقة ويمكن أن يتمسك له بحديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق وقد تقدم في أوائل الطلاق وأخرج سعيد بن منصور عن أنس أن عمر كان إذا أتى برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره وسنده صحيح ويحتمل أن يكون مراده بعدم الجواز من قال لا يقع الطلاق إذا اوقعها مجموعة للنهي عنه وهو قول للشيعة وبعض أهل الظاهر وطرد بعضهم ذلك في كل طلاق منهي كطلاق الحائض وهو شذوذ وذهب كثير منهم إلى وقوعه مع منع جوازه واحتج له بعضهم بحديث محمود بن لبيد قال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات
[ 297 ]
جميعا فقال ايلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم الحديث أخرجه النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ول يثبت له منه سماع وأن ذكره بعضهم في الصحابة فلاجل الرؤية وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شئ صرح فيه بالسماع وقد قال النسائي بعد تخريجه لا أعلم أحدا رواه غير مخرمة بن بكير يعني بن الاشج عن أبيه اه ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث وقد قيل أنه لم يسمع من أبيه وعلى تقدير صحة حديث محمود فليس فيه بيان أنه هل أمضي عليه الثلاث مع إنكاره عليه ايقاعها مجموعة أو لا فأقل أحواله أن يدل على تحريم ذلك وأن لزم وقد تقدم في الكلام على حديث بن عمر في طلاق الحائض أنه قال لمن طلق ثلاثا مجموعة عصيت ربك وبانت منك امرأتك وله ألفاظ أخرى نحو هذه عند عبد الرزاق وغيره وأخرج أبو داود بسند صحيح من طريق مجاهد قال كنت عند بن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه فقال ينطلق أحدكم فيركب الاحموقة ثم يقول يا بن عباس يا بن عباس أن الله قال ومن يتق الله يجعل له مخرجا وأنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك وأخرج أبو داود له متابعات عن بن عباس بنحوه ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال إذا طلق ثلاثا مجموعة وقعت واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديد فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال ثلاثا في مجلس واحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما تلك واحدة فارتجعها أن شئت فارتجعها وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق وهذا الحديث قص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الآتي ذكرها وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء أحدها أن محمد بن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وأجيب بأنهم احتجوا في عدة من الاحكام بمثل هذا الاسناد كحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم رد على أبي العاص بن الربيع زينب ابنته بالنكاح الاول وليس كل مختلف فيه مردودا والثاني معارضته بفتوى بن عباس بوقوع الثلاث كما تقدم من رواية مجاهد وغيره فلا يظن بابن عباس أنه كان عنده هذا الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يفتي بخلافة الا بمرجح ظهر له وراوي الخبر أخبر من غيره بما روى وأجيب بان الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان وغير ذلك وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع لاحتمال التمسك بتخصيص أو تقييد أو تأويل وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر الثالث أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث بن عباس الرابع أنه مذهب شاذ فلا يعمل به وأجيب بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير مثله فقل ذلك بن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهما ونقله بن المنذر عن أصحاب بن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار ويتعجب من بن التين حيث جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه وإنما الاختلاف في التحريم مع ثبوت الاختلاف كما ترى ويقوى حديث بن إسحاق المذكور ما أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو امضيناه عليهم فأمضاه عليهم ومن طريق عبد الرزاق عن بن جريج عن بن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر قال بن عباس نعم ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أن أبا الصهباء قال لابن عباس ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة قثال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم وهذه الطريق الاخيرة أخرجها أبو داود لكن لم يسم إبراهيم بن ميسرة
[ 298 ]
وقال بدله عن غير واحد ولفظ المتن أما علمت ان الرجل كا إذا طلق امرأة ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث فتمسك بهذا للسياق من اعل الحديث وقال إنما قال بن عباس ذلك في غير المدخول بها وهذا أحد الاجوبة عن هذا الحديث وهي متعددة وهو جواب إسحاق بن راهويه وجماعة وبه جزم زكريا الساجي من الشافعية ووجبوه بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثا لغا العدد لوقوعه بعد البينونة وتعقبه القرطبي بأن قوله أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطى كل كلمة حكما وقال النووي أنت طالق معناه أنت ذات الطلاق وهذا اللفظ يصح تفسيره بالواحدة وبالثلاث وغير ذلك الجواب الثاني دعوى شذوذ رواية طاوس وهي طريقة البيهقي فإنه ساق الروايات عن بن عباس بلزوم الثلاث ثم نقل عن بن المنذر أنه لا يظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويفتي بخلافه فيتعين المصير إلى الترجيح والاخذ بقول الاكثر أولي من الاخذ بقول الواحد إذا خالفهم وقال بن العربي هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الاجماع قال ويعارضه حديث محمود بن لبيد يعني الذي تقدم أن النسائي أخرجه فإن فيه التصريح بأن الرجل طلق ثلاثا مجموعة ولم يرده النبي صلى الله عليه وسلم بل امضاه كذا قال وليس في سياق الخبر تعرض لامضاء ذلك ولا لرده الجواب الثالث دعوى النسخ فنقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون بن عباس علم شيئا نسخ ذلك قال البيهقي ويقويه ما أخرجه أبو داود من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال كان الرجل إذا طلق امرأة فهو أحق برجعتها وأن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك وقد أنكر المازري ادعاء النسخ فقال زعم بعضهم أن هذا الحكم منسوخ وهو غلط فإن عمر لا ينسخ ولو نسخ وحاشاه لبادر الصحابة إلى إنكاره وأن أراد القائل أنه نسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمتنع لكن يخرج عن ظاهر الحديث لانه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم في خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر فإن قيل فقد يجمع الصحابة ويقبل منهم ذلك قلنا إنما يقبل ذلك لانه يستدل بإجماعهم على ناسخ وأما إنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله لانه إجماع على الخطأ وهم معصومون عن ذلك فإن قيل فلعل النسخ إنما ظهر في زمن عمر قلنا هذا أيضا غلط لانه يكون قد حصل الاجماع على الخطأ في زمن أبي بكر وليس انقراض العصر شركا في صحة الاجماع على الراجح قلت نقل النووي هذا الفصل في شرح مسلم وأقره وهو متعقب في مواضع أحدها أن الذي ادعى نسخ الحكم لم يقل أن عمر هو الذي نسخ حتى يلزم منه ما ذكر وإنما قال ما تقدم يشبه أن يكون علم شيئا من ذلك نسخ أي اطلع على ناسخ للحكم الذي رواه مرفوعا ولذلك أفتي بخلافه وقد سلم المازري في اثناء كلامه أن اجماعهم يدل على ناسخ وهذا هو مراد من ادعى النسخ الثاني إنكاره الخروج عن الظاهر عجيب فإن الذي يحاول الجمع بالتأويل يرتكب خلاف الظاهر حتما الثالث أن تغليطه من قال المراد ظهور النسخ عجيب أيضا لان المراد بظهوره انتشاره وكلام بن عباس أنه كان يفعل في زمن أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ فلا يلزم ما ذكر من اجماعهم على الخطأ وما أشار إليه من مسألة افتراض العصر لا يجئ هنا لان عصر الصحابة لم ينقرض في زمن أبي بكر بل ولا عمر فإن المراد بالعصر الطبقة من المجتهدين وهم في زمن أبي بكر وعمر بل وبعدهما طبقة واحدة الجواب الرابع دعوى الاضطراب قال القرطبي في المفهم وقع فيه مع الاختلاف على بن عباس الاضطراب في لفظه وظاهر سياقه يقتضي النقل عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم وينتشر فكيف ينفرد به واحد عن واحد قال فهذا الوجه يقتضي التوقف عن العمل بظاهره أن لم يقتض القطع ببطلانه الجواب الخامس دعوى أنه ورد في صورة خاصة فقال بن سريج وغيره يشبه أن يكون ورد في تكرير اللفظ كأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق وكانوا أولا على سلامة صدورهم يقبل منهم إنهم أرادوا التأكيد فلما كثر الناس في زمن نعمر وكثر فيهم الخداع ونحوه مما يمنع قبول من ادعى التأكيد حمل عمر اللفظ على ظاهر التكرار فامضاء عليهم وهذا الجواب ارتضاه القرطبي وقواه بقول عمر أن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه اناة وكذا قال النووي أن هذا أصح الاجوبة الجواب السادس تأويل قوله واحدة وهو أن معنى قوله كأن الثلاث واحدة أن الناس في زمن النبي
[ 299 ]
صلى الله عليه وسلم كانوا يطلقون واحدة فلما كان زمن عمر كانوا يطلقون ثلاثا ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في عهد عمر ثلاثا كان يوقع قبل ذلك واحدة لانهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلا أو كانوا يستعملونها نادرا وأما في عصر عمر فكثر استعمالهم لها ومعنى قوله فأمضاه عليهم وأجازه وغير ذلك أنه صنع فيه من الحكم بايقاع الطلاق ما كان يصنع قبله ورجح هذا التأويل بن العربي ونسبه إلى أبي زرعة الرازي وكذا أورده البيهقي بإسناده الصحيح إلى أبي زرعة أنه قال معنى هذا الحديث عندي أن ما تطلقون أنتم ثلاثا كانوا يطلقون واحدة قال النووي وعلى هذا فيكون الخبر وقع عن اختلاف عادة الناس خاصة لا عن تغير الحكم في الواحدة فالله أعلم الجواب السابع دعوى وقفة فقال بعضهم ليس في هذا السياق أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فيقره والحجة إنما هي في تقريره وتعقب بأن قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الرفع على الراجح حملا على أنه اطلع على ذلك فاقره لتوفر دواعيهم على السؤال عن جليل الاحكام وحقيرها الجواب الثامن حمل قوله ثلاثا على أن المراد بها لفظ البتة كما تقدم في حديث ركانة سواء وهو من رواية بن عباس أيضا وهو قوي ويؤيده إدخال البخاري في هذا الباب الآثار التي فيها البتة والاحاديث التي فيها التصريح بالثلاث كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما وأن البتة إذا أطلقت حمل على الثلاث الا أن أراد المطلق واحدة فيقبل فكأن بعض رواته حمل لفظ البتة على الثلاث لاشتهار التمويه بينهما فرواها بلفظ الثلاث وإنما المراد لفظ البتة وكانوا في العصر الاول يقبلون ممن قال أردت بالبتة الواحدة فلما كان عهد عمر أمضي الثلاث في ظاهر الحكم قال القرطبي وحجة الجمهور في اللزوم من حيث النظر ظاهرة جدا وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا وما يتخيل من الفرق صوري الغاه الشرع اتفاقا في النكاح والعتق والاقارير فلو قال الولي انحتك هؤلاء الثلاث في كلمة واحدة انعقد كما لو قال انكحتك هذه وهذه وهذه وكذا في العتق والاقرار وغير ذلك من الاحكام واحتج من قال أن الثلاث إذا وقعت مجموعة حملت على الواحدة بأن من قال أحلف بالله ثلاثا لا يعد حلفه الا يمينا واحدا فليكن المطلق مثله وتعقب باختلاف الصيغتين فإن المطلق ينشئ طلاق امرأته وقد جعل أمد طلاقها ثلاثا فإذا قال أنت طالق ثلاثا فكأنه قال أنت طالق جميع الطلاق وأما الحلف فلا أمد لعدد ايمانه فافترقا وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء أعني قول جابر أنها كانت تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر قال ثم نهانا عمر عنها فانتهينا فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وايقاع الثلاث للاجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما وقد دل اجماعهم على وجود ناسخ وأن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر فالمخالف بعد هذا الاجماع منابذ له والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق والله أعلم وقد اطلت في هذا الموضع لالتماس من التمس ذلك مني والله المستعان قوله لقول الله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قد استشكل وجه استدلال المصنف بهذه الآية على ما ترجم به من تجويز الطلاق الثلاث والذي يظهر لي أنه كان أراد بالترجمة مطلق وجود الثلاث مفرقة كانت أو مجموعة فالاية واردة على المانع لانها دلت على مشروعية ذلك من غير نكير وأن كان أراد تجويز الثلاث مجموعة وهو الاظهر فأشار بالآية إلى أنها مما احتج به المخالف للمنع من الوقوع لان ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعه بل على الترتيب المذكور فأشار إلى أن الاستدلال بذلك على منع جميع الثلاث غير متجه إذ ليس في السياق المنع من غير الكيفية المذكورة بل انعقد الاجماع على أن إيقاع المرتين ليس شرطا ولا راجحا بل اتفقوا على أن إيقاع الواحدة أرجح من إيقاع الثنتين كما تقدم تقريره في الكلام على حديث بن عمر فالحاصل أن مراده دفع دليل المخالف بالآية
[ 300 ]
لا الاحتجاج بها لتجويز الثلاث هذا الذي ترجح عندي وقال الكرماني وجه استدلاله بالآية أنه تعالى قال الطلاق مرتان فدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعه جاز جمع الثلاث دفعه كذا قال وهو قياس مع وضوح الفارق لان جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بل تبقى له الرجعة أن كانت رجعية وتجديد العقد بغير انتظار عدة أن كانت بائنا بخلاف جمع الثلاث ثم قال الكرماني أو التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة قلت وهذا لا بأس به لكن التسريح في سياق الآية إنما هو فيما بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الطلاقات الثلاث فإن معنى قوله تعالى الطلاق مرتان فيما ذكر أهل العلم بالتفسير أي أكثر الطلاق الذي يكون بعده الامساك أو التسريح مرتان ثم حينئذ أما أن يختار استمرار العصمة فيمسك الزوجة أو المفارقة فيسرحها بالطلقة الثالثة وهذا التأويل نقله الطبري وغيره عن الجمهور ونقلوا عن السدي والضحاك أن المراد بالتسريح في الآية ترك الرجعة حتى تنقضي العدة فتحصل البينونة ويرجح الاول ما أخرجه الطبري وغيره من طريق إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال قال رجل يا رسول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال امساك بمعروف أو تسريح بإحسان وسنده حسن لكنه مرسل لان أبا رزين لا صحبة له وقد وصله الدارقطني من وجه آخر عن إسماعيل فقال عن أنس لكنه شاذ والاول هو المحفوظ وقد رجح الكيا الهراسي من الشافعية في كتاب أحكام القرآن له قول السدي ودفع الخبر لكونه مرسلا وأطال في تقرير ذلك بما حاصله أن فيه زيادة فائدة وهي بيان حال المطلقة وإنها تبين إذا انقضت عدتها قال وتؤخذ الطلقة الثالثة من قوله تعالى فإن طلقها اه والاخذ بالحديث أولي فإنه مرسل حسن يعتضد بما أخرجه الطبري من حديث بن عباس بسند صحيح قال إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة فأما أن يمسكها فيحسن صحبتها أو يسرحها فلا يظلمها من حقها شيئا وقال القرطبي في تفسيره ترجم البخاري على هذه الآية من أجاز الطلاق الثلاث لقوله تعالى الطلاق مرتان وهذه إشارة منه إلى أن هذا العدد إنما هو بطريق الفسحة لهم فمن ضيق على نفسه لزمه كذا قال ولم يظهر لي وجه اللزوم المذكور والله المستعان قوله وقال بن الزبير لا أرى أن ترث مبتوتة كذا لابي ذر ولغيره مبتوتة بزيادة ضمير للرجل وكأنه حذف العلم به وهذا التعليق عن عبد الله بن الزبير وصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق بن أبي مليكة قال سألت عبد الله بن الزبير عن الرجل يطلق امرأته فيبتها ثم يموت وهي في عدتها قال أما عثمان فورثها وأما أنا فلا أرى أن اورثها لبينونته إياها قوله وقال الشعبي ترثه وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي في رجل طلق ثلاثا في مرضه قال تعتد عدة المتوفى عنها زوجها وترثه ما كانت في العدة قوله وقال بن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة قوله تزوج فتح أوله وضم آخره وهو استفهام محذوف الاداة قوله إذا انقضت العدة قال نعم هذا ظاهره أن الخطاب دار بين الشعبي وابن شبرمة لكن الذي رأيت في سنن سعيد بن منصور أنه كان مع غيره فقال سعيد حدثنا حماد بن زيد عن أبي هاشم في الرجل يطلق امرأة وهو مريض أن مات في مرضه ذلك ورثته فقال له بن شبرمة أرأيت أن انقضت العدة قوله قال أرأيت أن مات الزوج الاخر فرجع عن ذلك هكذا وقع عند البخاري مختصرا والذي في رواية سعيد بن منصور المذكورة
[ 301 ]
فقال بن شبرمة اتتزوج قال نعم قال فإن مات هذا ومات الاول اترث زوجين قال لا فرجع إلى العدة فقال ترثه ما كانت في العدة ولعله سقط ذكر الشعبي من الرواية وأبو هاشم المذكور هو الرماني بضم الراء وتشديد الميم اسمه يحيى وهو واسطي كان يتردد إلى الكوفة وهو ثقة ومحل المسألة المذكورة كتاب الفرائض وإنما ذكرت هنا استطرادا والمبتوتة بموحدة ومثناتين من قيل لها أنت طالق البتة وتطلق على من أبينت بالثلاث ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الاول حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللعان والغرض منه هنا (4959) قوله في آخر الحديث فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد تعقب بان المفارقة في الملاعنة وقعت بنفس اللعان فلم يصادف تطليقه إياها ثلاثا موقعا وأجيب بان الاحتجاج به من كون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه إيقاع الثلاث مجموعة فلو كان ممنوعا لا نكره ولو وقعت الفرقة بنفس اللعان الحديث الثاني حديث عائشة في قصة رفاعة القرظي وامرأته وسيأتي شرحه مستوفى في باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها وشاهد الترجمة منه (4960) قوله فبت طلاقي فإنه ظاهر في أنه قال لها أنت طالق البتة ويحتمل أن يكون المراد أنه طلقها طلاقا حصل به قطع عصمتها منه وهو أعم من أن يكون طلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة ويؤيد الثاني أنه سيأتي في كتاب الادب من وجه آخر انها قالت طلقني آخر ثلاث تطليقات وهذا يرجح أن المراد بالترجمة بيان من أجاز الطلاق الثلاث ولم يكرهه ويحتمل أن يكون مراد الترجمة أعم من ذلك وكل حديث يدل على حكم فرد من ذلك الحديث الثالث حديث عائشة أيضا أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فسئل النبي صلى الله عليه وسلم اتحل للاول قال لا الحديث وهو وأن كان مختصرا من قصة رفاعة فقد ذكرت توجيه المراد به وأن كان في قصة أخرى فالتمسك بظاهر (4961) قوله طلقها ثلاثا فإنه ظاهر في كونها
[ 302 ]
مجموعة وسيأتي في شرح قصة رفاعة أن غيره وقع له مع امرأة نظير ما وقع لرفاعة فليس التعدد في ذلك ببعيد قوله باب من خير أزواجه وقول الله تعالى قل لازواجك أن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها تقدم في تفسير الاحزاب بيان سبب التخيير المذكور وفي ماذا وقع التخيير ومتى كان التخيير واذكر هنا بيان حكم من خير امرأته مع بقية شرح حديث الباب ووقع هنا في نسخة الصغاني قبل حديث مسروق عن عائشة حديث أبي سلمة عنها في المعنى قال فيه حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري ح وقال الليث حدثنا يونس عن بن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه الحديث وساقه على لفظ يونس وقد تقدم الطريقان في تفسير سورة الاحزاب وساق رواية شعيب واولها أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لها حين أمره الله بتخيير أزواجه الحديث ثم ساق رواية الليث معلقة أيضا في ترجمة أخرى (4962) قوله حدثنا عمر بن حفص أي بن غياث الكوفي وقوله مسلم هو بن صبيح بالتصغير أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه وفي طبقته مسلم البطين وهو من رجال البخاري لكنه وأن روى عنه الاعمش لا يروي عن مسروق وفي طبقتهما مسلم بن كيسا بن الاعور وليس هو من رجال الصحيح ولا له رواية عن مسروق قوله خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الشعبي عن مسروق خير نساءه أخرجه مسلم قوله فاخترنا الله ورسوله فلم يعد بتشديد الدال وضم العين من العدد وفي رواية فلم يعدد بفك الادغام وفي أخرى فلم يعتد بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد وقوله فلم يعد ذلك علينا شيئا في رواية مسلم فلم يعده طلاقا (4963) قوله إسماعيل هو بن أبي خالد قوله سألت عائشة عن الخيرة بكسر المعجمة وفتح التحتانية بمعنى الخيار قوله أفكان طلاقا هو استفهام إنكار ولاحمد عن وكيع عن إسماعيل فهل كان طلاقا وكذا للنسائي من رواية يحيى القطان عن إسماعيل قوله قال مسروق لا أبالي اخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني هو موصول بالاسناد المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية علي بن مسهر عن إسماعيل فقدم كلام مسروق المذكور ولفظه عن مسروق قال ما أبالي فذكر مثله وزاد أو ألفا ولقد سألت عائشة فذكر حديثها وبقول عائشة المذكور يقول جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار وهو أن من خير زوجته فاختارته لا يقع عليه بذلك طلاق لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنا أو يقع ثلاثا وحكى الترمذي عن على أن اختارت نفسها فواحدة بائنة وأن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت أن اختارت نفسها فثلاث وأن اختارت زوجها فواحدة بائنة وعن عمر وابن مسعود أن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وأن اختارت زوجها فلا شئ ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد اخرج بن أبي شيبة من طريق زاذان قال كنا جلوسا عند علي فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت أن اختارت نفسها فواحدة بائن وأن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت أن اختارت زوجها فلا شئ قال فلم أجد بدا من متابعته فلما وليت رجعت
[ 303 ]
إلى ما كنت اعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت فقال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج بن أبي شيبة من طرق عن علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك يقول زيد بن ثابت واحتج بعض اتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بت أحد الامرين أما الاخذ وأما الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لانها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة ولا يرد عليه الايراد السابق وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وارادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزما نبه على ذلك ذلك شيخنا حافظ الوقت أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي ونبه صاحب الهداية من الحنفية على اشتراط ذكر النفس في التخيير فلو قال مثلا اختاري فقالت اخترت لم يكن تخييرا بين الطلاق وعدمه وهو ظاهر لكن محله الاطلاق فلو قصد ذلك بهذا اللفظ ساغ وقال صاحب الهداية أيضا أن قال اختاري ينوي به الطلاق فلها أن تطلق نفسها ويقع بائنا فلو لم ينوي فهو باطل وكذا لو قال اختاري فقالت اخترت فلو نوى فقالت اخترت نفسي وقعت طلقة رجعية وقال الخطابي يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث أن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطقي بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتب من مفهوم قول عائشة المذكور قلت لكن ظاهر الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من إن شاء الزوج الطلاق لان فيها فتعالين امتعكن وأسرحكن أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط مبادرتها له حتى لو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الايجاب في العقد ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما داما في المجلس وبه جزم بن القاص وهو الذي رجحه المالكية والحنفية وهو قول الثوري والليث والاوزاعي وقال بن المنذر الراجح انه لا يتقيد ولا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيد ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية وتمسكوا بحديث الباب حيث وقع فيه إني ذاكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك الحديث فإنه ظاهر في أنه فسح لها إذ اخبرها أن لا تختار شيئا حتى تستأذن أبويها ثم تفعل ما يشيران به عليها وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير قلت ويمكن أن يقال يشترط الفور أو ما داما في المجلس عند الاطلاق فأما لو صرح الزوج بالفسحة في تأخيره بسبب يقتضي ذلك فيتراخى وهذا الذي وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك والله أعلم قوله باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته هكذا بت المصنف الحكم في هذه المسألة فاقتضى أن لا صريح عنده الا لفظ الطلاق أو ما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم ونص في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق وحجة القديم أنه ورد في القرآن لفظ الفراق والسراح لغير الطلاق بخلاف الطلاق فإنه لم يرد إلا للطلاق وقد رجح جماعة القديم كالطبري في العدة والمحاملي وغيرهما وهو قول الحنفية واختاره القاضي عبد الوهاب من المالكية وحكى الدارمي عن بن خير أن من لم يعرف الا الطلاق فهو صريح في حقه فقط وهو تفصيل قوي ونحوه للروياني فإنه قال لو قال عربي فارقتك ولم يعرف أنها صريحة لا يكون صريحا في حقه واتفقوا على أن لفظ الطلاق وما تصرف منه صريح لكن أخرج أبو عبيد في غريب الحديث من طريق عبد الله بن شهاب الخولاني عن عمر أنه
[ 304 ]
رفع إليه رجل قالت له امرأته شبهني فقال كأنك ظبية قالت لا قال كأنك حمامه قالت لا أرضى حتى تقول أنت خلية طالق فقالها فقال له عمر خذ بيدها فهي امرأتك قال أبو عبيد قوله خلية طالق أي ناقة كانت معقولة ثم أطلقت من عقالها وخلى عنه فتسمى خلية لانها خليت عن العقال وطالق لانها طلقت منه فأراد الرجل أنها تشبه الناقة ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلا فأسقط عنه عمر الطلاق قال أبو عبيد وهذا أصل لكل من تكلم بشئ من ألفاظ الطلاق ولم يرد الفراق بل أراد غيره فالقول قوله فيه فيما بينه وبين الله تعالى اه وإلى هذا ذهب الجمهور لكن المشكل من قصة عمر كونه رفع إليه وهو حاكم فإن كان اجراه مجرى الفتيا ولم يكن هناك حكم فيوافق وإلا فهو من النوادر وقد نقل الخطابي الاجماع على خلافه لكن أثبت غيره الخلاف وعزاه لداود وفي البويطي ما يقتضيه وحكاه الروياني ولكن أوله الجمهور وشرطوا قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ليخرج العجمي مثلا إذا لقن كلمة الطلاق فقالها وهو لا يعرف معناها أو العربي بالعكس وشرطوا مع النطق بلفظ الطلاق تعمد ذلك احترازا عما يسبق به اللسان والاختيار ليخرج المكره لكن أن أكره فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الاصح قوله وقول الله تعالى وسرحوهن سراحا جميلا كأنه يشير إلى أن في هذه الآية لفظ التسريح بمعنى الارسال لا بمعنى الطلاق لانه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ثم يسرح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعا قوله وقال وأسرحكن يعني قوله تعالى يا أيها النبي قل لازواجك أن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح في هذه الآية محتمل للتطليق والارسال وإذا كانت صالحة للامرين انتفى أن تكون صريحة في الطلاق وذلك راجع إلى الاختلاف فيما خير به النبي صلى الله عليه وسلم نساءه هل كان في الطلاق والاقامة فإذا اختارت نفسها طلقت وأن اختارت الاقامة لم تطلق كما تقدم تقريره في الباب قبله أو كان في التخيير بين الدنيا والآخرة فمن اختارت الدنيا طلقها ثم متعها ثم سرحها ومن اختارت الآخرة اقرها في عصمته قوله وقال تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان تقدم في الباب قبله بيان الاختلاف في المراد بالتسريح هنا وان الراجح أن المراد به التطليق قوله وقال أو فارقوهن بمعروف يريد أن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها في البقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لانه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق فليس المراد به الطلاق بل الارسال وقد اختلف السلف قديما وحديثا في هذه المسألة فجاء عن علي بأسانيد يعضد بعضها بعضا وأخرجها بن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما قال البرية والخلية والبائن والحرام والبت ثلاث ثلاث وبه قال مالك وابن أبي ليلى والاوزاعي لكن قال في الخلية أنها واحدة رجعية ونقله عن الزهري وعن زيد بن ثابت في البرية والبتة والحرام ثلاث ثلاث وعن بن عمر في الخلية والبرية ثلاث وبه قال قتادة ومثله عن الزهري في البرية فقط واحتج بعض المالكية بان قول الرجل لامرأته أنت بائن وبته وبتلة وخلية وبرية يتضمن إيقاع الطلاق لان معناه أنت طالق مني طلاقا تبينين به مني أو تبت أي يقطع عصمتك مني والبتلة بمعناه أو تخلين به من زوجيتي أو تبرين منها قال وهذا لا يكون في المدخول بها الا ثلاثا إذا لم يكن هناك خلع وتعقب بأن الحمل على ذلك ليس صريحا والعصمة الثابتة لا ترفع بالاحتمال وبأن من يقول أن من قال لزوجته أنت طالق طلقة بائنة إذا لم يكن هناك خلع أنها تقع رجعية مع التصريح كيف لا يقول يلغو مع التقدير وبأن كل لفظة من المذكورات إذا قصد بها الطلاق ووقع وانقضت العدة أنه يتم المعنى المذكور فلم ينحصر الامر فيما ذكروا وإنما النظر عند الاطلاق فالذي يترجح أن الالفاظ المذكورات وما في معناها كنايات لا يقع الطلاق بها الا مع القصد إليه وضابط ذلك أن
[ 305 ]
كل كلام أفهم الفرقة ولو مع دقته يقع به الطلاق مع القصد فأما إذا لم يفهم الفرقة من اللفظ فلا يقع الطلاق ولو قصد إليه كما لو قال كلى أو اشربي أو نحو ذلك وهذا تحرير مذهب الشافعي في ذلك وقاله قبله الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم وبهذا قال الاوزاعي وأصحاب الرأي واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي هريرة الاتي قريبا تجاوز الله عن أمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم فإنه يدل على أن النية وحدها لا تؤثر إذا تجردت عن الكلام أو الفعل وقال مالك إذا خاطبها بأي لفظ كان وقصد الطلاق طلقت حتى لو قال يا فلانة يريد به الطلاق فهو طلاق وبه قال الحسن بن صالح بن حي قوله وقالت عائشة قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه هذا التعليق طرف من حديث التخيير وقد تقدم عن عائشة في آخر حديث عمر في باب موعظة الرجل ابنته من كتاب النكاح وبيان الاختلاف على الزهري في إسناده وأرادت عائشة بالفراق هنا الطلاق جزما ولا نزاع في الحمل عليه إذا قصد إليه وإنما النزاع فيا الاطلاق إذا تقدم لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قوله باب من قال لامرأته أنت على حرام وقال الحسن نيته أي يحمل على نيته وهذا التعليق وصله البيهقي ووقع لنا عاليا في جزء محمد بن عبد الله الانصاري شيخ البخاري قال حدثنا الاشعث عن الحسن في الحرام أن نوى يمينا فيمين وأن طلاقا فطلاق وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن وبهذا قال النخعي والشافعي وإسحاق وروى نحوه عن بن مسعود وابن عمر وطاوس وبه قال النووي لكن قال أن نوى واحدة فهي بائن وقال الحنفية مثله لكن قالوا أن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة وأن لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير موليا وهو عجيب والاول أعجب وقال الاوزاعي وأبو ثور يمين الحرام تكفر وروى نحوه عن أبي بكر وعمر وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس واحتج أبو ثور بظاهر قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك وسيأتي بيانه في الباب الذي بعده وقال أبو قلابة وسعيد بن جبير من قال لامرأته أنت علي حرام لزمته كفارة الظهار ومثله عن أحمد وقال الطحاوي يحتمل إنهم أرادوا أن من أراد به الظهار كان مظاهرا وأن لم ينوه كان عليه كفارة يمين مغلظة وهي كفارة الظهار لا أنه يصير مظاهرا ظهارا حقيقة وفيه بعد وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يكون مظاهرا ولو أراده وروى عن علي وزيد بن ثابت وابن عمر والحكم وابن أبي ليلى في الحرام ثلاث تطليقات ولا يسأل عن نيته وبه قال مالك وعن مسروق والشعبي وربيعة لا شئ فيه وبه قال أصبغ من المالكية وفي المسألة اختلاف كثير عن السلف بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا وزاد غيره عليها وفي مذهب مالك فيها تفاصيل أيضا يطول استيعابها قال القرطبي قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة الاصلية قال لا يلزمه شئ ومن قال أنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم بعد قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معنى اليمين التحريم فوقعت الكفارة على المعنى ومن قال تقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة تحرم الوطئ ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاث حمل اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الامر عنده في الظهار والله أعلم قوله وقال أهل العلم إذا طلق ثلاثا فقد حرمت عليه فسموه حراما بالطلاق والفراق أي فلا بد أن يصرح القائل بالطلاق أو يقصد إليه فلو أطلق أو نوى غير الطلاق فهو محل
[ 306 ]
النظر قوله وليس هذا كالذي يحرم الطعام لانه لا يقال الطعام الحل حرام ويقال للمطلقة حرام وقال في الطلاق ثلاثا لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال المهلب من نعم الله على هذه الامة فيما خفف عنهم أن من قبلهم كانوا إذا حرموا على أنفسهم شيئا حرم عليهم كما وقع ليعقوب عليه السلام فخفف الله ذلك عن هذه الامة ونهاهم أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحل لهم فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكنم اه وأظن البخاري أشار إلى ما تقدم عن أصبغ وغيره ممن سوى بين الزوجة وبين الطعام والشراب كما تقدم نقله عنهم فبين أن الشيئين وأن استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها الرجل على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت والطعام والشراب إذا حرمه على نفسه لم يحرم ولهذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج لقوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وورد عن بن عباس ما يؤيد ذلك فأخرج يزيد بن هارون في كتاب النكاح ومن طريقه البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك أن أعرابيا أتى بن عباس فقال إني جعلت امرأتي حراما قال ليست عليك بحرام قال أرأيت قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه الآية فقال بن عباس أن إسرائيل كان به عرق النسا فجعل على نفسه أن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شئ وليس بحرام يعني على هذه الامة وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فقال الشافعي أن حرم زوجته أو أمته ولم يقصد الطلاق ولا الظهار ولا العتق فعليه كفارة يمين وأن حرم طعاما أو شرابا فلغو وقال أحمد عليه في الجميع كفارة يمين وتقدم بيان بقية الاختلاف في الباب الذي قبله قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة بسند رجاله ثقات من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت ألى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة قال فإن في هذا الخبر تقوية لقول من قال أن لفظ الحرام لا يكون بإطلاقه طلاقا ولا ظهارا ولا يمينا قوله وقال الليث عن نافع قال كان بن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا قال لو طلقت مرة أو مرتين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا فإن طلقتها ثلاثا حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك كذا للاكثر وفي رواية الكشميهني فإن طلقها وحرمت عليه بضمير الغائب في الموضعين وهذا الحديث مختصر من قصة تطليق بن عمر امرأته وقد سبق شرحه في أول الطلاق وظن بن التين أن هذا جملة الخبر فاستشكل على مذهب مالك قوله أن الجمع بين تطليقتين بدعة قال والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالبدعة وجوابه أن الاشارة في قول بن عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني
[ 307 ]
بذلك إلى ما أمره من ارتجاع امرأته في آخر الحديث ولم يرد بن عمر أنه أمره أن يطلق امرأته مرة أو مرتين وإنما هو كلام بن عمر ففصل لسائله حال المطلق وقد روينا الحديث المذكور من طريق الليث التي علقها البخاري مطولا موصولا عاليا في جزء أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي رواية أبي القاسم البغوي عنه عن الليث وفي أوله قصة بن عمر في طلاق امرأته وبعده قال نافع وكان بن عمر الخ وأخرج مسلم الحديث من طريق الليث لكن ليس بتمامه وقال الكرماني قوله لو طلقت جزاءه محذوف تقديره لكان خيرا أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وليس كما قال بل الجواب لكان لك الرجعة لقوله فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا والتقدير فإن كان في طهر لم يجامعها فيه كان طلاق سنة وأن وقع في الحيض كان طلاق بدعة ومطلق البدعة ينبغي أن يبادر إلى الرجعة ولهذا قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا أي بالمراجعة لما طلقت الحائض وقسيم ذلك قوله وأن طلقت ثلاثا وكأن بن عمر الحق الجمع بين المرتين بالواحدة فسوى بينهما وإلا فالذي وقع منه إنما هو واحدة كما تقدم بيانه صريحا هناك وأراد البخاري بإيراد هذا هنا الاستشهاد بقول بن عمر حرمت عليك فسماها حراما بالتطليق ثلاثا كأنه يريد أنها لا تصير حراما بمجرد قوله أنت علي حرام حتى يريد به الطلاق أو يطلقها بائنا وخفي هذا على الشيخ مغلطاي ومن تبعه فنفوا مناسبة هذا الحديث للترجمة ولكن عرج شيخنا بن الملقن تلويحا على شئ مما أشرت إليه ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة لقوله فيه لا تحلين لزوجك الاول حتى يذوق الآخر عسيلتك وسيأتي شرحه قريبا وقوله في هذه الرواية فلم يقربني الا هنة واحدة هو بلفظ حرف الاستثناء والتي بعده بفتح الهاء وتخفيف النون وحكى الهروي تشديدها وقد أنكره الازهري قبله وقال الخليل هي كلمة يكنى بها عن الشئ يستحيا من ذكره باسمه قال بن التين معناه لم يطأني الا مرة واحدة يقال هن امرأته إذا غشيها ونقل الكرماني أنه في أكثر النسخ بموحدة ثقيلة أي مرة والذي ذكر صاحب المشارق أن الذي رواه بالموحدة هو بن السكن قال وعند الكافة بالنون وحكى في معنى هبة بالموحدة ما تقدم وهو أن المراد بها مرة واحدة قال وقيل المراد بالهبة الوقعة يقال حدر هبة السيف أي وقعته وقيل هي من هب إذا أحتاج إلى الجماع يقال هب التيس يهب هبيبا تنبيه زعم بن بطال أن البخاري يرى أن التحريم يتنزل منزلة الطلاق الثلاث وشرح كلامه على ذلك فقال بعد أن ساق الاختلاف في المسألة وفي قول مسروق ما أبالي حرمت امرأتي أو جفنه ثريد وقول الشعبي أنت علي حرام أهون من فعلى هذا القول شذوذ وعليه رد البخاري قال واحتج ذهب أن من حرم زوجته أنها ثلاث تطليقات بالاجماع على أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه قال فلما كانت الثلاث تحرمها كان التحريم ثلاثا قال وإلى هذه الحجة أشار البخاري بإيراد حديث رفاعة لانه طلق امرأته ثلاثا فلم تحل له مراجعتها الا بعد زوج فكذلك من حرم على نفسه امرأته فهو كمن طلقها اه وفيما قاله نظر والذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل ولذلك صدر الباب بقول الحسن البصري وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره وحاشا البخاري أن يستدل بكون الثلاث تحرم أن كل تحريم له حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر لان الطلقة الواحدة تحرم غير المدخول بها مطلقا والبائن تحرم المدخول بها الا بعد عقد جديد وكذلك الرجعية إذا انقضت عدتها فلم ينحصر التحريم في الثلاث وأيضا فالتحريم أعم من التطليق ثلاثا فكيف يستدل بالاعم على الاخص ومما يؤيد ما اخترناه أولا تعقيب البخاري الباب بترجمة لم تحرم ما أحل الله لك وساق فيه قول بن عباس إذا حرم امرأته فليس بشئ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله باب لم تحرم ما أحل الله لك كذا للاكثر وسقط من رواية النسفي لفظ باب ووقع بدله قوله تعالى (4965) قوله حدثني الحسن بن الصباح هو البزار آخره راء مهملة وهو
[ 308 ]
واسطي نزل بغداد وثقة الجمهور ولينه النسائي قليلا وأخرج عنه البخاري في الايمان والصلاة وغيرهما فلم يكثر وأخرج البخاري عن الحسن بن الصباح الزعفراني لكن إذا وقع هكذا يكون نسب لجده فهو الحسن بن محمد بن الصباح وهو المروي عنه في الحديث الثاني من هذا الباب وفي الرواة من شيوخ البخاري ومن في طبقتهم محمد بن الصباح الدولابي أخرج عنه البخاري في الصلاة والبيوع وغيرهما وليس هو أخا للحسن بن الصباح ومحمد بن الصباح الجرجرائي أخرج عه أبو داود وابن ماجة وهو غير الدولابي وعبد الله بن الصباح العطار أخرج عنه البخاري في البيوع وغيره وليس أحد من هؤلاء أخا للاخر قوله سمع الربيع بن نافع أي أنه سمع ولفظ أنه يحذف خطأ وينطق به وقل من نبه عليه كما وقع التنبيه على لفظ قال والربيع بن نافع هو أبو توبة بفتح المثناة وسكون الواو بعدها موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه حلبي نزل طرسوس أخرج عنه الستة الا الترمذي بواسطة الا أبا داود فأخرج عنه الكثير بغير واسطة وأخرج عنه بواسطة أيضا وأدركه البخاري ولكن لم أر له عنه في هذا الكتاب شيئا بغير واسطة وأخرج عنه بواسطة الا الموضع المتقدم في المزارعة فإنه قال فيه قال الربيع بن نافع ولم يقل حدثنا فما أدري لقيه أو لم يلقه وليس له عنده الا هذا الموضعان قوله حدثنا معاوية هو بن سلام بتشديد الام وشيخه يحيى ومن فوقه ثلاثة من التابعين في نسق قوله إذا حرم امرأته ليس بشئ كذا للكشميهني وللاكثر ليست أي الكلمة وهي قوله أنت علي حرام أو محرمة أو نحو ذلك قوله وقال أي بن عباس مستدلا على ما ذهب إليه بقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة يشير بذلك إلى قصة التحريم وقد وقع بسط ذلك في تفسير سورة التحريم وذكرت في باب موعظة الرجل ابنته في كتاب النكاح في شرح الحديث المطول في ذلك من رواية بن عباس عن عمر بيان الاختلاف هل المراد تحريم العسل أو تحريم مارية وأنه قيل في السبب غير ذلك واستوعبت ما يتعلق بوجه الجمع بين تلك الاقوال بحمد الله تعالى وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وهذا أصح طرق هذا السبب وله شاهد مرسل أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي الشهير قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراما فقالت يا رسول الله كيف تحرم عليك الحلال فحلف لها بالله لا يصاحبها فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قال زيد بن أسلم فقول الرجل لامرأته أنت على حرام لغو وإنما تلزمه كفارة يمين أن حلف وقوله ليس بشئ يحتمل أن يريد بالنفي التطليق ويحتمل أن يريد به ما هو أعم من ذلك والاول أقرب ويؤيده ما تقدم في التفسير من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الاسناد موضعها في الحرام يكفر وأخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن المبارك الصوري عن معاوية بن سلام بإسناد حديث الباب بلفظ إذا حرم الرجل امرأته فإنما هي يمين يكفرها فعرف أن المراد بقوله ليس بشئ أي ليس بطلاق وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق سالم الافطس عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن رجلا جاءه فقال أني جعلت امرأتي على حراما قال كذبت ما هي عليك بحرام ثم تلا يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك ثم قال له عليك رقبة أه وكأنه أشار عليه بالرقبة لانه عرف أنه موسر فأنه فأراد أن يكفر بالاغلظ من كفارة اليمين لا أنه تعين عليه عتق الرقبة ويدل عليه ما تقدم عنه من التصريح بكفارة اليمين ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة شرب النبي صلى الله عليه وسلم العسل عند
[ 309 ]
بعض نسائه فاورده من وجهين أحدهما من طريق عبيد بن عمير عن عائشة وفيه أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش والثاني من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر فهذا ما في الصحيحين وأخرج بن مردوية من طريق بن أبي مليكة عن بن عباس أن شرب العسل كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وأن اختلفا في صاحبة العسل وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد فلا يمتنع تعدد السبب للامر الواحد فإن جنح إلى الترجيح فرواية عبيد بن عمير أثبت لموافقة بن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدم في التفسير وفي الطلاق من جزم عمر بذلك فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها أن شرب العسل كان عند حفصة تعرض للاية ولا لذكر سبب النزول والراجح أيضا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق بن أبي مليكة بكثير ولا جائز أن تتحد بطريق هشام بن عروة لان فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها أجد ريح مغافير ويرجحه أيضا ما مضى في كتاب الهبة عن عائشة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن حزبين أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب فهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل ولهذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها والله أعلم وهذا أولي من جزم الداودي بأن تسمية التي شربت العسل حفصة غلط وإنما هي صفية بنت حيي أو زينب بنت جحش وممن جنح إلى الترجيح عياض ومنه تلقف القرطبي وكذا نقله النووي عن عياض وأقره فقال عياض رواية عبيد بن عمير أولي لموافقتها ظاهر كتاب الله لان فيه وأن تظاهرا عليه فهما ثنتان لا أكثر ولحديث بن عباس عن عمر قال فكأن الاسماء انقلبت على راوي الرواية الاخرى وتعقب الكرماني مقالة عياض فأجاد فقال متى جوزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات وقال القرطبي الرواية التي فيها أن المتظاهرات عائشة وسودة وصفية ليست بصحيحه لانها مخالفة للتلاوة لمجيئها بلفظ خطاب الاثنين ولو كانت كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث ثم نقل عن الاصيلي وغيره أن رواية عبيد بن عمير أصح وأولى وما المانع أن تكون قصة حفصة سابقة فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم ولم ينزل في ذلك شئ ثم لما شرب في بيت زينب تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول فحرم حينئذ العسل فنزلت الآية قال وأما ذكر سودة مع الجزم بالتثنية فيمن تظاهر منهن فباعتبار أنها كانت كالتابعة لعائشة ولهذا وهبت يومها لها فإن كان ذلك قبل الهبة فلا اعتراض بدخوله عليها وأن كان بعده فلا يمتنع هبتها يومها لعائشة أن يتردد إلى سودة قلت لا حاجة إلى الاعتذار عن ذلك فإن ذكر سودة إنما جاء في قصة شرب العسل عند حفصة ولا تثنية فيه ولا نزول على ما تقدم من الجمع الذي ذكره وأما قصة العسل عند زينب بنت جحش فقد صرح فيه بأن عائشة قالت تواطأت أنا وحفصة فهو مطابق لما جزم به عمر من أن المتظاهرتين عائشة وحفصة وموافق لظاهر الآية والله أعلم ووجدت لقصة شرب العسل عند حفصة شاهدا في تفسير بن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن بن عباس ورواته لا بأس بهم وقد أشرت إلى غالب ألفاظه ووقع في تفسير السدي أن شرب العسل كان عند أم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لارساله وشذوذه والله أعلم (4966) قوله حدثنا حجاج هو بن محمد المصيصي قوله زعم عطاء هو بن أبي رباح وأهل الحجاز يطلقون الزعم على مطلق القول ووقع في رواية هشام بن يوسف عن بن جريج عن عطاء وقد مضى في التفسير قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب
[ 310 ]
بنت جحش ويشرب عندها عسلا في رواية هشام يشرب عسلا عند زينب ثم يمكث عندها ولا مغايرة بينهما لان الواو لا ترتب قوله فتواصيت كذا هنا بالصاد من المواصاة وفي رواية هشام فتواطيت بالطاء من المواطأة وأصله تواطأت بالهمزة فسهلت الهمزة فصارت ياء وثبت كذلك في رواية أبي ذر قوله أن أيتنا دخل في رواية أحمد عن حجاج بن محمد أن أيتنا ما دخل بزيادة ما وهي زائدة قوله إني لاجد منك ريح مغافير أكلت مغافير في رواية هشام بتقديم أكلت مغافير وتأخير إني أجد واكلت استفهام محذوف الاداة والمغافير بالغين المعجمة والفاء وباثبات التحتانية بعد الفاء في جميع نسخ البخاري ووقع في بعض النسخ عن مسلم في بعض المواضع من الحديث بحذفها قال عياض والصواب إثباتها لانها عوض من الواو التي في المفرد وإنما حذفت في ضرورة الشعر اه ومراده بالمفرد أن المغافير جمع مغفور بضم أوله ويقال بثاء مثلثة بدل الفاء حكاه أبو حنيفة الدينوري في النبات قال بن قتيبة ليس في الكلام مفعول بضم أوله الا مغفور ومغزول بالغين المعجمة من أسماء الكمأة ومنخور بالخاء المعجمة من أسماء الانف ومغلوق بالغين المعجمة واحد المغاليق قال والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري أن المغفور شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة وهو من الشجر التي ترعاها الابل وهو من الحمض وفي الصمغ المذكور حلاوة يقال اغفر الرمث إذا ظهر ذلك فيه وذكر أبو زيد الانصاري أن المغفور يكون أيضا في العشر بضم المهملة وفتح المعجمة وفي الثمام والسلم والطلح واختلف في ميم مغفور فقيل زائدة وهو قول الفراء وعند الجمهور أنها من أصل الكلمة ويقال له أيضا مغفار بكسر أوله ومغفر بضم أوله وبفتحه وبكسره عن الكسائي والفاء مفتوحة في الجميع وقال عياض زعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة وهو خلاف ما يقتضيه الحديث وخلاف ما قاله أهل اللغة اه ولعل المهلب قال خبيثة بمعجمة ثم موحدة ثم تحتانية ثم مثلثة فتصحفت أو استند إلى ما نقل عن الخليل وقد نسبه بن بطال إلى العين أن العرفط شجر العضاه والعضاه كل شجر له شوك وإذا استيك به كانت له رائحة حسنة تشبه رائحة طيب النبيذ اه وعلى هذا فيكون ريح عيدان العرفط طيبا وريح الصمغ الذي يسيل منه غير طيبة ولا منافاة في ذلك ولا تصحيف وقد حكى القرطبي في المفهم أن رائحة ورق العرفط طيبة فإذا رعته الابل خبثت رائحته وهذا طريق آخر في الجمع حسن جدا قوله فدخل على إحداهما لم اقف على تعيينها واظنها حفصة قوله فقال لا بأس شربت عسلا كذا وقع هنا في رواية أبي ذر عن شيوخه ووقع للباقين لا بل شربت عسلا وكذا وقع في كتاب الايمان والنذور للجميع حيث ساقه المصنف من هذا الوجه إسنادا ومتنا وكذا أخرجه أحمد عن حجاج ومسلم وأصحاب السنن والمستخرجات من طريق حجاج فظهر أن لفظه بأس هنا مغيرة من لفظه بل وفي رواية هشام فقال لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش قوله ولن أعود له زاد في رواية هشام وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا وبهذه الزيادة تظهر مناسبة قوله في رواية حجاج بن محمد فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قال عياض حذفت هذه الزيادة من رواية حجاج بن محمد فصار النظم مشكلا فزال الاشكال برواية هشام بن يوسف واستدل القرطبي وغيره بقوله حلفت على أن الكفارة التي اشير إليها في قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم هي عن اليمين التي أشار إليها بقوله حلفت فتكون الكفارة لاجل اليمين لا لمجرد التحريم وهو استدلال قوي لمن يقول أن التحريم لغو لا كفارة فيه بمجرده وحمل بعضهم قوله حلفت على التحريم ولا يخفي بعده والله أعلم قوله أن تتوبا إلى
[ 311 ]
الله أي تلا من أول السورة إلى هذا الموضع فقال لعائشة وحفصة أي الخطاب لهما ووقع في رواية غير أبي ذر فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله أن تتوبا إلى الله وهذا أوضح من رواية أبي ذر قوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا هذا القدر بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري على ظاهر ما سأذكره عن رواية النسفي حتى وجدته مذكورا في آخر الحديث عند مسلم وكأن المعنى وأما المراد بقوله تعالى وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فهو لاجل قوله بل شربت عسلا والنكتة فيه أن هذه الآية داخلة في الآيات الماضية لانها قبل قوله أن تتوبا إلى الله واتفقت الروايات عن البخاري على هذا الا النسفي فوقع عنده بعد قوله فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ما صورته قوله تعالى أن تتوبا إلى الله لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا فجعل بقية الحديث ترجمة للحديث الذي يليه والصواب ما وقع عند الجماعة لموافقة مسلم وغيره على أن ذلك من بقية حديث بن عمير (4967) قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلوى قد أفرد هذا القدر من هذا الحديث كما سيأتي في الاطعمة وفي الاشربة وفي غيرهما من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة وهو عنده بتقديم الحلوى على العسل ولتقديم كل منهما على الآخر جهة من جهات التقديم فتقديم العسل لشرفه ولانه أصل من أصول الحلوى ولانه مفرد والحلوى مركبة وتقديم الحلوى لشمولها وتنوعها لانها تتخذ من العسل ومن غيره وليس ذلك من عطف العام على الخاص كما زعم بعضهم وإنما العام الذي يدخل الجميع فيه الحلو بضم أوله وليس بعد الواو شئ ووقعت الحلواء في اكثر الروايات عن أبي أسامة بالمد وفي بعضها بالقصر وهي رواية علي بن مسهر وذكرت عائشة هذا القدر في أول الحديث تمهيدا لما سيذكره من قصة العسل وسأذكر ما يتعلق بالحلوى والعسل مبسوطا في كتاب الاطعمة إن شاء الله تعالى قوله وكان إذا انصرف من العصر كذا للاكثر وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام بن عروة فقال الفجر أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن أبي النعمان عن حماد ويساعده رواية يزيد بن رومان عن بن عباس ففيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن فإذا كان يوم إحداهن كان عندها الحديث أخرجه بن مردويه ويمكن الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلاما ودعاء محضا والذي في آخره معه جلوس واستئناس ومحادثة لكن المحفوظ في حديث عائشة ذكر العصر ورواية حماد بن سلمة شاذة قوله دخل على نسائه في رواية أبي أسامة أجاز إلى نسائه أي مشى ويجئ بمعنى قطع المسافة ومنه فأكون أنا وأمتي أول من يجيز أي أول من يقطع مسافة الصراط قوله فيدنو منهن أي فيقبل ويباشر من غير جماع كما في الرواية الاخرى قوله فاحتبس أي أقام زاد أبو أسامة عندها قوله فسألت عن ذلك ووقع في حديث بن عباس بيان ذلك ولفظه فأنكرت عائشة احتباسه عند حفصة فقالت لجويرية حبشية عندها يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ما يصنع قوله أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل لم اقف على اسم هذه المرأة ووقع
[ 312 ]
في حديث بن عباس أنها أهديت لحفصة عكة فها عسل من الطائف قوله فقلت لسودة بنت زمعة أنه سيدنو منك في رواية أبي أسامة فذكرت ذلك لسودة وقلت لها أنه إذا دخل عليك سيدنو منك وفي رواية حماد بن سلمة إذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها فإذا قال ما شأنك فقولي ريح المغافير وقد تقدم شرح المغافير قبل قوله سقتني حفصة شربة عسل في رواية حماد بن سلمة أنما هي عسيلة سقتنيها حفصة قوله جرست بفتح الجيم والراء بعدها مهملة أي رعت نحل هذا العسل الذي شربته الشجر المعروف بالعرفط واصل الجرس الصوت الخفي ومنه في حديث صفة الجن يسمع جرس الطير ولا يقال جرس بمعنى رعى الا للنحل وقال الخليل جرست النحل العسل تجرسه جرسا إذا لحسته وفي رواية حماد بن سلمة جرست نحلها العرفط إذا والضمير للعسيلة على ما وقع في روايته قوله العرفط بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة وآخره طاء مهملة وهو الشجر الذي صمغة المغافير قال بن قتيبة هو نبات مر له ورقة عريضة تفرش بالارض وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن مثل زر القميص وهو خبيث الرائحة قلت وقد تقدم في حكاية عياض عن المهلب ما يتعلق برائحة العرفط والبحث معه فيه قبل قوله وقولي أنت يا صفية أي بنت حيي أم المؤمنين وفي رواية أبي أسامة وقوليه أنت يا صفية أي قولي الكلام الذي علمته لسودة زاد أبو أسامة في روايته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح أي الغير الطيب وفي رواية يزيد بن رومان عن بن عباس وكان أشد شئ عليه أن يوجد منه ريح سئ وفي رواية حماد بن سلمة وكان يكره أن يوجد منه ريح كريهه لانه يأتيه الملك وفي رواية بن أبي مليكة عن بن عباس وكان يعجبه أن يوجد منه الريح الطيب قوله قالت تقول سودة فوالله ما هو الا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بالذي أمرتني به فرقا منك أي خوفا وفي رواية أبي أسامة فما دخل على سودة قالت تقول سودة والله لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي وضبط أبادئه في أكثر الروايات بالموحدة من المبادأة وهي بالهمزة وفي بعضها بالنون بغير همزة من المناداة وأما ابادره في رواية أبي أسامة من المبادرة ووقع فيها عند الكشميهني والاصيلي وأبي الوقت كالاول بالهمزة بدل الراء وفي رواية بن عساكر بالنون قوله فلما دار إلي قلت نحو ذلك فما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك كذا في هذه الرواية بلفظ نحو عند إسناد القول لعائشة وبلفظ مثل عند إسناده لصفية ولعل السر فيه أن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبرت عنه بأي لفظ حسن ببالها حينئذ فلهذا قالت نحو ولم تقل مثل وأما صفية فإنها مأمورة بقول شئ فليس لها فيه تصرف إذ لو تصرفت فيه لخشيت من غضب الامرة لها فلهذا عبرت عنه بلفظ مثل هذا الذي ظهر لي في الفرق أولا ثم راجعت سياق أبي أسامة فوجدته عبر بالمثل في الموضعين فغلب على الظن أن تغيير ذلك من تصرف الرواة والله أعلم قوله فلما دار إلى حفصة أي في اليوم الثاني قوله لا حاجة لي فيه كأنه اجتنبه لما وقع عنده من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت من شربه له ريح منكرة فتركه حسما للمادة قوله تقول سودة
[ 313 ]
زاد بن أبي أسامة في روايته سبحان الله قوله والله لقد حرمناه بتخفيف الراء أي منعناه قوله قلت لها اسكتي كأنها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة وفي الحديث من الفوائد ما جبل عليه النساء من الغيرة وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان وترجم عليه المصنف في كتاب ترك الحيل ما يكره من احتيال المرأة من الزوج والضرائر وفيه الاخذ بالحزم في الامور وترك ما يشتبه الامر فيه من المباح خشية من الوقوع في المحذور وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شئ تأمرها به حتى في مثل هذا الامر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرا وفيه إشارة إلى ورع سودة لما ظهر منها من التندم على ما فعلت لانها وافقت أولا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الاقامة لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل مع ما تقدم من اعتراف عائشة الامرة لها بذلك في صدر الحديث فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك ولم تجسر على التصريح بالانكار ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها اسكتي بل اطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها وإذا اغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله علي وسلم ولا تحتمل ذلك فهذا معنى خوفها منها وفيه أن عماد القسم الليل وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع لكن بشرط أن لا تقع المجامعة الا مع التي هو في نوبتها كما تقدم تقريره وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره لقوله في الحديث فيدنو منهن والمراد فيقبل ونحو ذلك ويحقق ذلك قول عائشة لسودة إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له إني أجد كذا وهذا إنما يتحقق بقرب الفم من الانف ولا سيما إذا لم تكن الرائحة طافحة بل المقام يقتضي أن الرائحة لم تكن طافحة لانها لو كانت طافحة لكانت بحيث يدركها النبي صلى الله عليه وسلم ولانكر عليها عدم وجودها منه فلما أقر على ذلك دل على ما قررناه أنها لو قدر وجودها لكانت خفية وإذا كانت خفية لم تدرك بمجرد المجالسة والمحادثة من غير قرب الفم من الانف والله أعلم قوله باب لا طلاق قبل نكاح وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسكوهن فما لكم عليهم من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا سقط من رواية أبي ذر لا طلاق قبل نكاح وثبت عنده باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات فساق من الآية إلى قوله من عدة وحذف الباقي وقال الآية واقتصر النسق على قوله باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية قال بن التين احتجاج البخاري بهذه الآية على عدم الوقوع لا دلالة فيه وقال بن المنير ليس فيها دليل لانها أخبار عن صورة وقع فيه الطلاق بعد النكاح ولا حصر هناك وليس في السياق ما يقتضيه قلت المحتج بالآية لذلك قبل البخاري ترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما سأذكره قوله وقال بن عباس جعل الله الطلاق بعد النكاح هذا التعليق طرف من أثر أخرجه أحمد فيما رواه عنه حرب من مسائله من طريق قتادة عن عكرمة عنه وقال سنده جيد وأخرج الحاكم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال ما قالها بن مسعود وأن يكن قالها نزلة من عالم في الرجل يقول إذا تزوجت فلانة فهي طالق قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن وروى بن خزيمة والبيهقي من طريقه من وجه آخر عن سعيد بن جبير سئل بن عباس عن الرجل يقول إذا تزوجت فلانة فهي طالق قال ليس بشئ إنما الطلاق لما ملك قالوا فابن مسعود قال إذا وقت وقتا فهو كما قال قال يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله إذا طلقتم المؤمنات
[ 314 ]
ثم نكحتموهن وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الاعلى عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال سأله مروان عن نسيب له وقت امرأة أن اتزوجها فهي طالق فقال بن عباس لا طلاق حتى تنكح ولا عتق حتى تملك وأخرج بن أبي حاتم من طريق آدم مولى خالد عن سعيد بن جبير عن بن عباس فيمن قال كل امرأة اتزوجها فهي طالق ليس بشئ من أجل أن الله يقول يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية أخرجه بن أبي شيبة من هذا الوجه بنحوه ورويناه مرفوعا في فوائد أبي إسحاق بن أبي ثابت بسنده إلى أبي أمية أيوب بن سليمان قال حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فدخلت على عطاء فسئل عن رجل عرضت عليه امرأة ليتزوجها فقال هي يوم اتزوجها طالق البتة قال لا طلاق فيما لا يملك عقدته يأثر ذلك عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده من لا يعرف قوله وروى في ذلك عن علي وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبان بن عثمان وعلي بن حسين وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي أنها لا تطلق قلت اقتصر البخاري في هذا الباب على الآثار التي ساقها فيه ولم يذكر فيه خبرا مرفوعا صريحا رمزا منه إلى ما سأبينه في ضمنها من ذلك فأما الاثر عن على في ذلك فرواه عبد الرزاق من طريق الحسن البصري قال سأل رجل عليا قال قلت أن تزوجت فلانة فهي طالق فقال علي ليس بشئ ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من علي وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن الحسن عن علي ومن طريق النزال بن سبرة عن علي وقد روى مرفوعا أيضا أخرجه البيهقي وأبو داود من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن وقيش أنه سمع خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول قال علي بن أبي طالب حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق الا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام الحديث لفظ البيهقي ورواية أبي داود مختصرة وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن علي مطولا وأخرجه بن ماجة مختصرا وفي سنده ضعف وأما سعيد بن المسيب فرواه عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عبد الكريم الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل ما لم ينكح فكلهم قال لا طلاق قبل أن ينكح أن سماها وأن لم يسمها وإسناده صحيح وروى سعيد بن منصور من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال لا طلاق قبل نكاح وسنده صحيح أيضا ويأتي له طريق أخرى مع مجاهد وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا محمد بن خالد قال جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فقال ما تقول في رجل قال أن تزوجت فلانة فهي طالق فقال له سعيد كم اصدقها قال له الرجل لم يتزوجها بعد فكيف يصدقها فقال له سعيد فكيف يطلق من لم يتزوج وأما عروة بن الزبير فقال سعيد بن منصور حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل وهذا سند صحيح وأما أبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله فجاء في أثر واحد مجموعا عن سعيد بن المسيب والثلاثة المذكورين بعده وزيادة أبي سلمة بن عبد الرحمن فرواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه من رواية يزيد بن الهاد عن المنذر بن علي بن أبي الحكم أن بن أخيه خطب بنت عمه فتشاجروا في بعض الامر فقال الفتى هي طالق أن نكحتها حتى آكل الغضيض قال والغضيض طلع النخل الذكر ثم ندموا على
[ 315 ]
ما كان من الامر فقال المنذر أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر له فقال بن المسيب ليس عليه شئ طلق ما لم يملك قال ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال مثل ذلك ثم سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك ثم سألت عمر بن عبدا لعزيز فقال هل سألت أحدا قلت نعم فسماهم قال ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم وقد روى عن عروة مرفوعا فذكر الترمذي في العلل أنه سأل البخاري أي حديث في الباب أصح فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة قلت أن البشر بن الؤسرى وغيره قالوا عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة مرسلا قال فإن حماد بن خالد رواه عن هشام بن سعد فوصله قلت أخرجه بن أبي شيبة عن حماد بن خالد كذلك وخالفهم علي بن الحسين بن واقد فرواه عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة مرفوعا أخرجه بن ماجة وابن خزيمة في صحيحه لكن هشام بن سعد اخرجا له في المتابعات ففيه ضعف وقد ذكر بن عدي هذا الحديث في مناكيره وله طريق أخرى عن عروة عن عائشة أخرجه الدارقطني من طريق معمر بن بكار السعدي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فذكره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان على نجران فذكر قصة وفي آخره فكان فيما عهد إلى أبي سفيان أوصاه بتقوى الله وقال لا يطلقن رجل ما لم ينكح ولا يعتق ما لم يملك ولا نذر في معصية الله ومعمر ليس بالحافظ أخرجه الدارقطني أيضا من رواية الوليد بن سلمة الاردني عن يونس عن الزهري والوليد واه ولما اورد الترمذي في الجامع حديث عمرو بن شعيب قال ليس بصحيح وفي الباب عن على ومعاذ وجابر وابن عباس وعائشة وقد ذكرت في اثناء الكلام على تخريج أقوال من علق عنهم البخاري في هذا الباب روايات هؤلاء المرفوعة وفات الترمذي أنه ورد من حديث المسور بن مخرمة وعائشة كما تقدم ومن حديث عبد الله بن عمر ومن حديث أبي ثعلبة الخشني فحديث بن عمر يأتي ذكره في أثر سعيد بن جبير وحديث أبي ثعلبة أخرجه الدارقطني بسند شامي فيه بقية بن الوليد وقد عنعه وأظن فيه إرسالا أيضا وأما أبان بن عثمان فلم اقف إلى الآن على الاسناد إليه بذلك وأما علي بن الحسين فرويناه في الغيلانيات من طريق شعبة عن الحكم هو بن عتيبة سمعت علي بن الحسين يقول لا طلاق الا بعد نكاح وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة وروينا في فوائد عبد الله بن أيوب المخرمي من طريق أبي إسحاق السبيعي عن علي بن الحسين مثله وكلا السندين صحيح وله طريق أخرى عنه تأتي مع سعيد بن جبير ورواه سعيد بن منصور عن حماد بن شعيب عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طلاق فقرأ هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن قال علي بن الحسين لا أرى الطلاق الا بعد نكاح وأما شريح فرواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن جبير عنه قال لا طلاق قيل نكاح وسنده صحيح ولفظ بن أبي شيبة في رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا وأما سعيد بن جبير فرواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير في الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طلاق قال ليس بشئ إنما الطلاق بعد النكاح وسنده صحيح وله طريق أخرى تأتي مع مجاهد وقال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي المغيرة سألت سعيد بن جبير وعلى بن حسين عن الطلاق قبل النكاح فلم يرياه شيئا وقد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من طريق أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقال طلق ما لا يملك وفي سنده أبو خالد الواسطي وهو واه ولحديث بن عمر طريق أخرى أخرجها بن عدي من رواية عاصم بن هلال عن أيوب عن نافع عن بن عمر رفعه لا طلاق الا بعد نكاح قال بن عدي قال بن صاعد لما حدث به لا أعلم له علة قلت استنكروه على بن صاعد ولا ذنب له فيه وإنما علته ضعف حفظ عاصم وأما القاسم وهو بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم وهو بن عبد الله بن عمر فرواه أبو عبيد في كتاب النكاح
[ 316 ]
له عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق قبل النكاح وهذا إسناد صحيح أيضا وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن سالم والقاسم وقوعه في المعينة وقال بن أبي شيبة حدثنا حفص هو بن غياث عن حنظلة قال سئل القاسم وسالم عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق قالا هي كما قال وعن أبي أسامة عن عمر بن حمزة أنه سأل سالما والقاسم وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق البتة فقال كلهم لا يتزوجها وهو محمول على الكراهة دون التحريم لما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد أن القاسم سئل عن ذلك فكرهه فهذا طريق التوفيق بين ما نقل عنه من ذلك وأما طاوس فأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال كتب الوليد بن يزيد إلى امراء الامصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح وكان قد ابتلى بذلك فكتب إلى عامله باليمن فدعا بن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم بن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك بن الفضل عن وهب بن منبه إنهم قالوا لا طلاق قبل النكاح قال سماك من عنده إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلها فكيف يحل عقدة قبل أن تعقد وأخرجه سعيد بن منصور من طريق خصيف وابن أبي شيبة من طريق الليث بن أبي سليم كلاهما عن عطاء وطاوس جميعا وقد روى مرفوعا قال عبد الرزاق عن الثوري عن بن المنكدر عمن سمع طاوسا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا طلاق لمن لم ينكح وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري وهذا مرسل وفيه راو لم يسم وقيل فيه عن طاوس عن بن عباس أخرجه الدارقطني وابن عدي بسندين ضعيفين عن طاوس وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق بن جريج عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق الا بعد نكاح ولا عتق الا بعد ملك ورجاله ثقات الا أنه منقطع بين طاوس ومعاذ وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب فرواه عامر الاحول ومطر الوراق وعبد الرحمن بن الحارث وحسين المعلم كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والاربعة ثقات واحاديثهم في السنن ومن ثم صححه من يقوي حديث عمرو بن شعيب وهو قوي لكن فيه علة الاختلاف وقد اختلف عليه فيه اختلافا آخر فأخرج سعيد بن منصور من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أنه سئل عن ذلك فقال كان أبي عرض علي امرأة يزوجنيها فأبيت أن اتزوجها وقلت هي طالق البتة يوم أتزوجها ثم ندمت فقدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير فقالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق الا بعد نكاح وهذا يشعر بأن من قال فيه عن أبيه عن جده سلك الجادة ولا فلو كان عنده عن أبيه عن جده لما أحتاج أن يرحل فيه إلى المدينة ويكتفي فيه بحديث مرسل وقد تقدم أن الترمذي حكى عن البخاري أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أصح شئ في الباب وكذلك نقل ما هنا عن الامام أحمد فالله اعلم واما الحسن فقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة قالا لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك وعن هشام عن الحسن مثله وأخرج بن منصور عن هشيم عن منصور ويونس عن الحسن أنه كان يقول لا طلاق الا بعد الملك وقال بن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة سألت منصورا عمن قال يوم أتزوجها فهي طالق فقال كان الحسن لا يراه طلاقا وأما عكرمة فرواه أبو بكر الاثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح قال سألت عكرمة مولى بن عباس قلت رجل قالوا له تزوج فلانة قال هي يوم اتزوجها طالق كذا وكذا قال إنما الطلاق بعد النكاح وأما عطاء فتقدم مع طاوس ويأتي له طريق مع مجاهد وجاء بن طريقه مرفوعا أخرجه الطبراني في الاوسط عن موسى بن هارون حدثنا محمد بن المنهال حدثنا أبو بكر الحنفي بن بن أبي ذئب عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا طلاق الا بعد النكاح ولا عتق الا بعد ملك قال الطبراني لم يروه عن بن أبي ذئب الا أبو بكر الحنفي ووكيع ولا رواه عن أبي بكر الحنفي الا محمد بن المنهال اه وأخرجه أبو يعلى عن محمد بن المنهال أيضا وصرح فيه بتحديث عطاء من بن أبي ذئب ولذلك قال أيوب بن سويد عن بن أبي ذئب حدثنا عطاء لكن أيوب بن سويد ضعيف وكذا أخرجه الحاكم في المستدرك من
[ 317 ]
طريق محمد بن سنان القزاز عن أبي بكر الحنفي وصرح فيه بتحديث عطاء لابن أبي ذئب وتحديث جابر لعطاء وفي كل من ذلك نظر والمحفوظ فيه العنعنة فقد أخرجه الطيالسي في مسنده عن بن أبي ذئب عمن سمع عطاء وكذلك رويناه في الغيلانيات من طريق حسين بن محمد المروزي عن بن أبي ذئب وكذلك أخرجه أبو قرة في السنن عن بن أبي ذئب ورواية وكيع التي أشار إليها الطبراني أخرجها بن أبي شيبة عنه عن بن أبي ذئب عن عطاء وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال لا طلاق قبل نكاح ولرواية محمد بن المنكدر عن جابر طريق أخرى أخرجها البيهقي من طريق صدقة بن عبد الله قال جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة قال ما أنا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طلاق لمن لا ينكح ولا عتق لمن لا يملك وأما عامر بن سعد فهو البجلي الكوفي من كبار التابعين وجزم الكرماني في شرحه بأنه بن سعد بن أبي وقاص وفيه نظر وما جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء البصري فأخرجه سعيد بن منصور من طريقه وفي سنده رجل لم يسم وأما نافع بن جبير أي بن مطعم ومحمد بن كعب أي القرظي فأخرجه بن أبي شيبة عن جعفر بن عون عن أسامة بن زيد عنهما قالا لا طلاق الا بعد نكاح وأما سليمان بن يسار فأخرجه سعيد بن منصور عن عتاب بن بشير عن خصيف عن سليمان بن يسار أنه حلف في امرأة أن اتزوجها فهي طالق فتزوجها فأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة فأرسل إليه بلغني انك حلفت في كذا قال نعم قال أفلا تخلي سبيلها قال لا فتركه عمر ولم يفرق بينهما وأما مجاهد فرواه بن أبي شيبة من طريق الحسن بن الرماح سألت سعيد بن المسيب ومجاهدا وعطاء عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فكلهم قال ليس بشئ زاد سعيد أيكون سيل قبل مطر وقد روى عن مجاهد خلافه أخرجه أبو عبيد من طريق خصيف أن أمير مكة قال لامرأته كل امرأة اتزوجها فهي طالق قال خصيف فذكرت ذلك لمجاهد وقلت له أن سعيد بن جبير قال ليس بشئ طلق ما لم يملك قال فكره ذلك مجاهد وعابه وأما القاسم بن عبد الرحمن وهو بن عبد الله بن مسعود فرواه بن أبي شيبة عن وكيع عن معروف بن واصل قال سألت القاسم بن عبد الرحمن فقال لا طلاق الا بعد نكاح وأما عمرو بن هرم وهو الازدي من أتباع التابعين فلم اقف على مقالته موصولة الا أن في كلام بعض الشراح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه وأما الشعبي فرواه وكيع في مصنفه عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال أن قال كل امرأة اتزوجها فهي طالق فليس بشئ وإذا وقت لزمه وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال إذا عمم فليس بشئ وممن رأى وقوعه في المعينة دون التعميم غير من تقدم إبراهيم النخعي أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عنه قال إذا وقت وقع وبإسناده إذا قال كل فليس بشئ ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم وأخرجه من طريق الاسود بن يزيد عن بن مسعود وإلى ذلك أشار بن عباس كما تقدم فابن مسعود أقدم من أفتي بالوقوع وتبعه من أخذ بمذهبه كالنخعي ثم حماد وأما ما أخرجه بن أبي شيبة عن القاسم أنه قال هي طالق واحتج بأن عمر سئل عمن قال يوم اتزوج فهي على كظهر أمي قال لا يتزوجها حتى يكفر فلا يصح عنه فإنه من رواية عبد الله بن عمر العمري عن القاسم والعمري ضعيف والقاسم لم يدرك عمر وكأن البخاري تبع أحمد في تكثير النقل عن التابعين فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل أن سفيان بن وكيع حدثه قال أحفظ عن أحمد منذ أربعين سنة أنه سئل عن الطلاق قبل النكاح فقال يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس وعلي بن حسين وابن المسيب ونيف وعشرين من التابعين إنهم لم يروا به بأسا قال عبد الله فسألت أبي عن ذلك فقال انا قلته قلت وقد تجوز البخاري في نسبة جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقا مع أن بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه ولعل ذلك هو النكتة في تصديره النقل عنهم بصيغة التمريض وهذه المسألة من الخلافيات الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقا وعدم الوقوع مطلقا والتفصيل بين ما إذا عين أو عمم ومنهم من توقف فقال بعدم الوقوع الجمهور كما تقدم وهو قول الشافعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب
[ 318 ]
الحديث وقال بالوقوع مطلقا أبو حنيفة وأصحابه وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والاوزاعي وابن أبي ليلى ومن قبلهم ممن تقدم ذكره وهو بن مسعود واتباعه ومالك في المشهور عنه وعنه عدم الوقوع مطلقا ولو عين وعن بن القاسم مثله وعنه أنه توقف وكذا عن الثوري وأبي عبيد وقال جمهور المالكية بالتفصيل فإن سمي امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانا أو زمانا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أولا فإن شرطه لم يصح تزويج من عينها وإلا صح أخرجه بن أبي شيبة وتأول الزهري ومن تبعه قوله لا طلاق قبل نكاح أنه محمول على من لم يتزوج أصلا فإذا قيل له مثلا تزوج فلانة فقال هي طالق البتة لم يقع بذلك شئ وهو الذي ورد فيه الحديث وأما إذا قال أن تزوجت فلانة فهي طالق فإن الطلاق إنما يقع حين تزوجها وما ادعاء من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد بن المسيب وغيره من مشايخ الزهري في إنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال أن تزوجت فهي طالق سواء خصص أم عمم أنه لا يقع ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقا وقال أن تزوج لا آمره أن يفارق وكذا قال إسحاق في المعينة قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرا من الاخبار ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الاخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما وأن تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس بشئ لان كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الاخبار فائدة بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره فإن فيه فائدة وهو الاعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود العقد فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الاخبار على ظاهرها والله أعلم وأشار البيهقي بذلك إلى ما تقدم عن الزهري وإلى ما ذكره مالك في الموطأ أن قوما بالمدينة كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق امرأة قبل أن ينكحها ثم حنث لزم إذا نحكها حكاه بن بطال قال وتأولوا حديث لا طلاق قبل نكاح على من يقول امرأة فلان طالق وعورض من ألزم بذلك بالاتفاق على أن من قال لامرأة إذا قدم فلان فآذني لوليك أن يزوجنيك فقالت إذا قدم فلان فقد أذنت لولي في ذلك أن فلانا إذا قدم لم ينعقد التزويج حتى تنشئ عقدا جديدا وعلى أن من باع سلعة لا يملكها ثم دخلت في ملكه لم يلزم ذلك البيع ولو قال لامرأته أن طلقتك فقد راجعتك فطلقها لا تكون مرتجعة فكذلك الطلاق ومما احتج به من أوقع الطلاق قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود قال والتعليق عقد التزمه بقوله وربطه بنيته وعلقه بشرطه فإن وجد الشرط نفذ واحتج اخر بقوله تعالى يوفون بالنذر وآخر بمشروعية الوصية وكل ذلك لا حجة فيه لان الطلاق ليس من العقود والنذر يتقرب به إلى الله بخلاف الطلاق فإنه أبغض الحلال إلى الله ومن ثم فرق أحمد بين تعليق العتق وتعليق الطلاق فأوقعه في العتق دون الطلاق ويؤيده أن من قال لله على عتق لزمه ولو قال لله علي طلاق كان لغوا والوصية إنما تنفذ بعد الموت ولو علق الحي الطلاق بما بعد الموت لم ينفذ واحتج بعضهم بصحة تعليق الطلاق وأن من قال لامرأته أن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت والجواب أن الطلاق حق ملك الزوج فله أن ينجزه ويؤجله وأن يعلقه بشرط وأن يجعله بيد غيره كما يتصرف المالك في ملكه فإذا لم يكن زوجا فأي شئ ملك حتى يتصرف وقال بن العربي من المالكية الاصل في الطلاق أن يكون في المنكوحة المقيدة يقيد النكاح وهو الذي يقتضيه مطلق اللفظ لكن الورع يقتضي التوقف عن المرأة التي يقال فيها ذلك وأن كان الاصل تجويزه والغاء التعليق قال ونظر مالك ومن قال بقوله في مسألة الفرق بين المعينة وغيرها أنه إذا عم سد على نفسه باب النكاح الذي ندب الله إليه فعارض عنده المشروع فسقط قال وهذا على أصل مختلف فيه وهو تخصيص الادلة بالمصالح وإلا فلو كان هذا لازما في الخصوص للزم في العموم والله أعلم قوله باب إذا قال لامرأته وهو مكره هذه أختي فلا شئ عليه قال النبي
[ 319 ]
صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم لسارة هذه أختي وذلك في ذات الله قال بن بطال أراد بذلك رد من كره أن يقول لامرأته يا أختي وقد روى عبد الرزاق من طريق أبي تميمة الهجيمي مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول لامرأته يا آخية فزجره قال بن بطال ومن ثم قال جماعة من العلماء يصير بذلك مظاهر إذا قصد ذلك فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل قال وليس بين هذا الحديث وبين قصة إبراهيم معارضة لان إبراهيم إنما أراد بها أخته في الدين فمن قال ذلك ونوى إخوة الدين لم يضره قلت حديث أبي تميمة مرسل وقد اخرجه أبو داود من طرق مرسلة وفي بعضها عن أبي تميمة عن رجل من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا متصل وذكر أبو داود قبله حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وسارة فكأنه وافق البخاري وقد قيد البخاري بكون قائل ذلك إذا كان مكرها لم يضره وتعقبه بعض الشراح بأنه لم يقع في قصة إبراهيم اكراه وهو كذلك لكن لا تعقب على البخاري لانه أراد بذكر قصة إبراهيم الاستدلال على أن من قال ذلك في حالة الاكراه لا يضره قياسا على ما وقع في قصة إبراهيم لانه إنما قال ذلك خوفا من الملك أن يغلبه على سارة وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية الا بخطبة ورضا بخلاف المتزوجة فكانوا يغتصبونها من زوجها إذا أحيوا ذلك كما تقدم تقريره في الكلام على الحديث في المناقب فلخوف إبراهيم على سارة قال أنها أخته وتأول إخوة الدين والله أعلم تنبيه أورد النسفي في هذا الباب جميع ما في الترجمة التي بعده وعكس ذلك أبو نعيم في المستخرج والله أعلم قوله باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر وشمل ذلك الاستدلال بالحديث لان غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشئ وحديث الاعمال بهذا اللفظ وصله المؤلف في كتاب الايمان أول الكتاب ووصله بألفاظ أخرى في أماكن أخرى وتقدم شرحه مستوفي هناك وقوله الاغلاق هو بكسر الهمزة وسكون المعجمة الاكراه على المشهور قيل له ذلك لان المكره يتغلق عليه أمره ويتضيق عليه تصرفه وقيل هو العمل في الغضب وبالاول جزم أبو عبيد وجماعة وإلى الثاني أشار أبو داود فإنه أخرج حديث عائشة لا طلاق ولا اعتاق في إغلاق قال أبو داود والغلاق أظنه الغضب وترجم على الحديث الطلاق على غيظ ووقع عنده بغير ألف في أوله وحكى البيهقي أنه روى على الوجهين ووقع عند بن ماجة في هذا الحديث الاغلاق بالالف وترجم عليه طلاق المكره فإن كانت الرواية بغير ألف هي الراجحة فهو غير الاغلاق قال المطرزي قولهم إياك والغلق أي الضجر والغضب ورد الفارسي في مجمع الغرائب على من قال الاغلاق الغضب وغلطه في ذلك وقال أن طلاق الناس غالبا إنما هو في حال الغضب وقال بن المرابط الاغلاق حرج النفس وليس كل من وقع له فارق عقله ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه كنت غضبانا اه وأراد بذلك الرد على من ذهب إلى أن الطلاق في الغضب لا يقع وهو مروي عن بعض متأخري الحنابلة ولم يوجد عن أحد من متقدميهم الا ما أشار إليه أبو داود وأما قوله في المطالع الاغلاق الاكراه وهو من اغلقت الباب وقيل الغضب واليه ذهب أهل العراق فليس بمعروف عن الحنفية وعرف بعلة الاختلاف المطلق إطلاق أهل العراق على الحنفية وإذا أطلقه الفقيه الشافعي فمراده مقابل المراوزة منهم ثم قال وقيل معناه النهي عن إيقاع الطلاق البدعي مطلقا والمراد النفي عن فعله لا النفي لحكمه كأنه يقول بل يطلق للسنة كما أمره الله وقول البخاري والكره هو في النسخ بضم الكاف وسكون
[ 320 ]
الراء وفي عطفه على الاغلاق نظر الا أن كان يذهب إلى أن الاغلاق الغضب ويحتمل أن يكون قبل الكاف ميم لانه عطف عليه السكران فيكون التقدير باب حكم الطلاق في الاغلاق وحكم المكره والسكران والمجنون الخ وقد اختلف السلف في طلاق المكره فروى بن أبي شيبة وغيره عن إبراهيم النخعي أنه يقع قال لانه شئ افتدى به نفسه وبه قال أهل الرأي وعن إبراهيم النخعي تفصيل اخر ان روى المكرة لم يقع وإلا وقع وقال الشعبي أن أكرهه اللصوص وقع وأن اكرهه السلطان فلا أخرجه بن أبي شيبة ووجه بأن اللصوص من شأنهم أن يقتلوا من يخالفهم غالبا بخلاف السلطان وذهب الجمهور إلى عدم اعتبار ما يقع فيه واحتج عطاء بآية النحل الا من أكره وقلبه مظمئن بالايمان قال عطاء الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح وقرره الشافعي بأن الله لما وضع الكفر عمن تلفظ به حال الاكراه وأسقط عنه أحكام الكفر فكذلك يسقط عن المكره ما دون الكفر لان الاعظم إذا سقط سقط ما هو دونه بطريق الاولى وإلى هذه النكتة أشار البخاري بعطف الشرك على الطلاق في الترجمة وأما قوله والسكران فسيأتي ذكر حكمة في الكلام على أثر عثمان في هذا الباب وقد يأتي السكران في كلامه وفعله بما لا يأتي به وهو صاح لقوله تعالى حتى تعلموا ما تقولون فإن فيها دلالة على أن من علم ما يقول لا يكون سكرانا وأما المجنون فسيأتي في أثر على مع عمر وقوله وأمرهما فمعناه على حكمهما واحد أو يختلف وقوله والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره أي إذا وقع من المكلف ما يقتضي الشرك غلطا أو نسيانا هل يحكم عليه به وإذا كان لا يحكم عليه به فليكن الطلاق كذلك وقوله وغيره أي وغير الشرك مما هو دونه وذكر شيخنا بن الملقن أنه في بعض النسخ والشك بدل الشرك قال وهو الصواب وتبعه الزركشي لكن قال وهو أليق وكأن مناسبة لفظ الشرك خفيت عليهما ولم أره في شئ من النسخ التي وقفت عليها بلفظ الشك فإن ثبتت فتكون معطوفة على النسيان لا على الطلاق ثم رأيت سلف شيخنا وهو قول بن بطال وقع في كثير من النسخ والنسيان في الطلاق والشرك وهو خطأ والصواب والشك مكان الشرك اه ففهم شيخنا من قوله في كثير من النسخ أن في بعضها بلفظ الشك فجزم بذلك واختلف السلف في طلاق الناسي فكان الحسن يراه كالعمد الا أن اشترط فقال الا أن أنسى أخرجه بن أبي شيبة وأخرج بن أبي شيبة أيضا عن عطاء أنه كان لا يراه شيئا ويحتج بالحديث المرفوع الاتي كما سأقرره بعد وهو قول الجمهور وكذلك اختلف في طلاق المخطئ فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع وعن الحنفية ممن أراد أن يقول لامرأته شيئا فسبقه لسانه فقال أنت طالق يلزمه الطلاق وأشار البخاري بقوله الغلط والنسيان إلى الحديث الوارد عن بن عباس مرفوعا أن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإنه سوى بين الثلاثة في التجاوز فمن حمل التجاوز على رفع الاثم خاصة دون الوقوع في الاكراه لزم أن يقول مثل ذلك في النسيان والحديث قد أخرجه بن ماجة وصححه بن حبان واختلف أيضا في طلاق المشرك فجاء عن الحسن وقتادة وربيعة أنه لا يقع ونسب إلى مالك وداود وذهب الجمهور إلى أنه يقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من احكامه قوله وتلا الشعبي لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطأنا رويناه موصولا في فوائد هناد بن السرى الصغير من رواية سليم مولى الشعبي عنه بمعناه قوله وما لا يجوز من إقرار الموسوس بمهملتين والواو الاولى مفتوحة والثانية مكسورة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم الذي أقر على نفسه ابك جنوب هو طرف من حديث ذكره المصنف في هذا الباب بلفظ هل بك جنون وأورده في الحدود ويأتي شرحه هناك مستوفي إن شاء الله تعالى ووقع في بعض طرقه ذكر السكر قوله وقال علي بقر حمزة خواصر شارفي الحديث هو طرف من الحديث الطويل في قصة الشارفين
[ 321 ]
وقد تقدم شرحه مستوفي في غزوة بدر من كتاب المغازي وبقر بفتح الموحدة وتخفيف القاف أي شق والخواصر بمعجمة ثم مهملة جمع خاصرة وقوله في آخره أنه ثمل بفتح المثلثة وكسر الميم بعدها لام أي سكران وهو من أقوى أدلة من لم يؤاخذ السكران بما يقع منه في حال سكره من طلاق وغيره واعترض المهلب بأن الخمر حينئذ كانت مباحة قال فبذلك سقط عنه حكم ما نطق به في تلك الحال قال وبسبب هذه القصة كان تحريم الخمر اه وفيما قاله نظر أما أولا فإن الاحتجاج من هذه القصة إنما هو بعدم مؤاخذة السكران بما يصدر منه ولا يفترق الحال بين أن يكون الشرب مباحا أو لا وأما ثانيا فدعواه أن تحريم الخمر كان بسبب قصة الشارفين ليس بصحيح فإن قصة الشارفين كانت قبل أحد اتفاقا لان حمزة استشهد بأحد وكان ذلك بين بدر وأحد عند تزويج علي بفاطمة وقد ثبت في الصحيح أن جماعة اصطبحوا الخمر يوم أحد واستشهدوا ذلك اليوم فكان تحريم الخمر بعد أحد لهذا الحديث الصحيح قوله وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وصله بن أبي شيبة عن شبابة ورويناه في الجزء الرابع من تاريخ أبي زرعة الدمشقي عن آدم بن أبي إياس كلاهما عن بن أبي ذئب عن الزهري قال قال رجل لعمر بن عبد العزيز طلقت امرأتي وأنا سكران فكان رأي عمر بن عبد العزيز مع رأينا أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال ليس على المجنون ولا على السكران طلاق فقال عمر تأمرونني وهذا يحدثني عن عثمان فجلده ورد إليه امرأته وذكر البخاري أثر عثمان ثم بن عباس استظهارا لما دل عليه حديث على في قصة حمزة وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز ذكره بن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحة وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم اجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة لكن الترجيح بالعكس وقال بن المرابط إذا تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق وإلا لزمه وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة أن لا يعلم ما يقول وهذا التفصيل لا يأباه من يقول بعدم طلاقه وإنما استدل من قال بوقوعه مطلقا بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك ولا الاثم لانه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر أو فيه وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بان القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب بن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه فافترقا وقال بن بطال الاصل في السكران العقل والسكر شئ طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الاصل حتى يثبت ذهاب عقله قوله وقال بن عباس طلاق السكران والمستكره ليس بجائز وصله بن أبي شيبة وسعيد بن منصور جميعا عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المزني عن عكرمة عن بن عباس قال ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق المضطهد بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء ثم مهملة هو المغلوب المقهور وقوله ليس بجائز أي بواقع إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا اختيار للمستكره قوله وقال عقبة بن عامر لا يجوز طلاق الموسوس أي لا يقع لان الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في النفس كما سيأتي قوله وقال عطاء إذا بدا بالطلاق فله شرطه تقدم مشروحا في باب الشروط
[ 322 ]
في الطلاق وتقدم عن عطاء وسعيد بن المسيب والحسن وبينت من وصله عنهم ومن خالف في ذلك قوله وقال نافع طلق رجل امرأة البتة أن خرجت فقال بن عمر أن خرجت فقد بتت منه وأن لم تخرج فليس بشئ أما قوله البتة فإنه بالنصب على المصدر قال الكرماني هنا قال النجاة قطع همزة البتة بمعزل عن القياس اه وفي دعوى أنها تقال بالقطع نظر فإن ألف البتة ألف وصل قطعا والذي قاله هل اللغة البتة القطع وهو تفسيرها بمرادفها لا أن المراد أنها تقال بالقطع وأما قوله بتت فبضم الموحدة وتشديد المثناة المفتوحة على البناء للمجهول ومناسبة ذكر هذا هنا وأن كانت المسائل المتعلقة بالبتة تقدمت موافقة بن عمر للجمهور في أن لا فرق في الشرط بين أن يتقدم أو يتأخر وبهذا تظهر مناسبة أثر عطاء وكذا ما بعد هذا وقد أخرج سعيد بن منصور من وجه صحيح عن بن عمر أنه قال في الخلية والبتة ثلاث ثلاث قوله وقال الزهري فيمن قال أن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا يسأل عما قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمن فإن سمي آجلا أراده وعقد عليه قلبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته أي يدين فيما بينه وبين الله تعالى أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرا ولفظه في الرجلين يحلفان بالطلاق والعتاقة على أمر يختلفان فيه ولم يقم على واحد منهما بينة على قوله قال يدينان ويحملان من ذلك ما تحملا وعن معمر عمن سمع الحسن مثله قوله وقال إبراهيم أن قال لا حاجة لي فيك نيته أي أن قصد طلاقا طلقت وإلا فلا قال بن أبي شيبة حدثنا حفص هو بن غياث عن إسماعيل عن إبراهيم في رجل قال لامرأته لا حاجة في فيك قال نيته وعن وكيع عن شعبة سألت الحكم وحمادا قالا أن نوى طلاقا فواحدة وهو أحق بها قوله وطلاق كل قوم بلسانهم وصله بن أبي شيبة قال حدثنا إدريس قال حدثنا بن أبي إدريس وجرير فالاول عن مطرف والثاني عن المغيرة كلاهما عن إبراهيم قال طلاق العجمي بلسانه جائز ومن طريق سعيد بن جبير قال إذا طلق الرجل بالفارسية يلزمه قوله وقال قتادة إذا قال إذا حملت فأنت طالق ثلاثا يغشاها عند كل طهر مرة فإن استبان حملها فقد بانت منه وصله بن أبي شيبة عن عبد الاعلى عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة مثله لكن قال عند كل طهر مرة ثم يمسك حتى تطهر وذكر بقيته نحوه ومن طريق أشعث عن الحسن يغشاها إذا طهرت من الحيض ثم يمسك عنها إلى مثل ذلك وقال بن سيرين يغشاها حتى تحمل وبهذا قال الجمهور واختلفت الرواية عن مالك ففي رواية بن القاسم أن وطئها مرة بعد التعليق طلقت سواء استبان بها حملها أم لا وأن وطئها في الطهر الذي قال لها ذلك بعد الوطئ طلقت مكانها وتعقبه الطحاوي بالاتفاق على أن مثل ذلك إذا وقع في تعليق العتق لا يقع الا إذا وجد الشرط قال فكذلك الطلاق فليكن قوله وقال الحسن إذا قال الحقي بأهلك نيته وصله عبد الرزاق بلفظ وهو ما نوى وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن في رجل قال لامرأته اخرجي استبرئي اذهبي لا حاجة لي فيك هي تطليقة أن نوى الطلاق قوله وقال بن عباس الطلاق عن وطر والعتاق ما أريد به وجه الله أي أنه لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته الا عند الحاجة كالنشوز بخلاف العتق فإنه مطلوب دائما والوطر بفتحتين
[ 323 ]
الحاجة قال أهل اللغة ولا يبني منها فعل قوله وقال الزهري أن قال ما أنت بأمرأتي نيته وأن نوى طلاقا فهو ما نوى وصله بن أبي شيبة عن عبد الاعلى عن معمر عن الزهري في رجل قال لامرأته لست لي بأمرأة قال هو ما نوى ومن طريق قتادة إذا واجهها به وأراد الطلاق فهي واحدة وعن إبراهيم أن كرر ذلك مرارا ما أراه أراد الا الطلاق وعن قتادة أن أراد طلاقا طلقت وتوقف سعيد بن المسيب وقال الليث هي كذبة وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع بذلك طلاق قوله وقال علي ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الاعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس ان عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له على أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة فذكره وتابعه بن نمير ووكيع وغير واحد عن الاعمش ورواه جرير بن حازم عن الاعمش فصرح فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقة وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان مرفوعا وموقوفا لكن لم يذكر فيهما بن عباس جعله عن أبي ظبيان عن على ورجح الموقوف على المرفوع وأخذ بمتقضى هذا الحديث الجمهور لكن اختلفوا في إيقاع طلاق الصبي فعن بن المسيب والحسن يلزمه إذا عقل وميز وحده عند أحمد أن يطيق الصيام ويحصي الصلاة وعند عطاء إذا بلغ اثنتي عشرة سنة وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام قوله وقال علي وكل طلاق جائز الا طلاق المعتوه وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجهد عن شعبة عن الاعمش عن إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة أن عليا قال كل طلاق جائز الا طلاق المعتوه وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن جماعة من أصحاب الاعمش عنه صرح في بعضها سماع عابس بن ربيعة من علي وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة مثل قول علي وزاد في آخره المغلوب على عقله وهو من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدا والمراد بالمعتوه وهو بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو وبعدها هاء الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه وفيه خلاف قديم ذكر بن أبي شيبة من طريق نافع أن المحبر بن عبد الرحمن طلق امرأة وكان معتوها فأمرها بن عمر بالعدة فقيل له أنه معتوه فقال إني لم أسمع الله استثنى المعتوه طلاقا ولا غيره وذكر بن أبي شيبة عن الشعبي وإبراهيم وغير واحد مثل قول علي (4968) قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي قوله عن زرارة تقدم القول فيه في أوائل العتق وذكرت فيه بعض فوائده ويأتي بقيتها في كتاب الايمان والنذور وقوله ما حدثت به أنفسها بالفتح على المفعولية وذكر المطرزي عن أهل اللغة إنهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها وقد أسند الاسماعيلي عن عبد الرحمن بن مهدي قال ليس عند قتادة حديث أحسن من هذا وهذا الحديث حجة في أن الموسوس لا يقع طلاقه والمعتوه والمجنون أولي منه بذلك واحتج الطحاوي بهذا الحديث للجمهور فيمن قال لامرأته أنت طلاق ونوى في نفسه ثلاثا أنه لا يقع الا واحدة خلافا للشافعي ومن وافقه قال لان الخبر دل على أنه لا يجوز وقوع الطلاق بنية لا لفظ معها وتعقب بأنه لفظ بالطلاق ونوى الفرقة التامة فهي نية صحبها لفظ واحتج به أيضا لمن قال فيمن قال لامرأته يا فلانة ونوى بذلك طلاقها أنها لا تطلق خلافا لمالك وغيره لان الطلاق
[ 324 ]
لا يقع بالنية دون اللفظ ولم يأت بصيغة لا صريحة ولا كناية واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأة لانه عزم بقلبه وعمل بكتابته وهو قول الجمهور وشرط مالك فيه الاشهاد على ذلك واحتج من قال إذا طلق في نفسه طلقت وهو مروي عن بن سيرين والزهري وعن مالك رواية ذكرها أشهب عنه وقواها بن العربي بأن من اعتقد الكفر بقلبه كفر ومن اصر على المعصية إثم وكذلك من راءى بعمله وأعجب وكذا من قذف مسلما بقلبه وكل ذلك من أعمال القلب دون اللسان وأجيب بان العفو عن حديث النفس من فضائل هذه الامة والمصر على الكفر ليس منهم وبأن المصر على المعصية الاثم من تقدم له عمل المعصية لا من لم يعمل معصية قط وأما الرياء والعجب وغير ذلك فكله متعلق بالاعمال واحتج الخطابي بالاجماع على أن من عزم على الظهار لا يصير مظاهرا قال وكذلك الطلاق وكذا لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفا ولو كان حديث النفس يؤثر لابطل الصلاة وقد دل الحديث الصحيح على أن ترك الحديث مندوب فلو وقع لم تبطل وتقدم البحث في الصلاة في ذلك في قول عمر إني لاجهز جيشي وأنا في الصلاة الحديث الثاني حديث جابر في قصة الذي أقر بالزنا فرجم ذكرها من طريق يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الحدود والمراد منه ما أشار إليه في الترجمة من (4969) قوله هل بك جنون فإن مقتضاه أنه لو كان مجنونا لم يعمل بإقراره ومعنى الاستفهام هل كان بك جنون أو هل تجن تارة وتفيق تارة وذلك أنه كان حين المخاطبة مفيقا ويحتمل أن يكون وجه له الخطاب والمراد استفهام من حضر ممن يعرف حاله وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى الحديث الثالث حديث أبي هريرة في القصة المذكورة أوردها من طريق شعيب عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب جميعا عن أبي هريرة وسيأتي شرحها أيضا في الحدود وقوله في هذه الرواية أن الاخر قد زنى بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة أي المتأخر عن اسعادة وقيل معناه الارذل قوله وقال قتادة إذا طلق في نفسه فليس بشئ وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن قالا من طلق سرا في نفسه فليس طلاقه ذلك بشئ وهذا قول الجمهور وخالفهم بن سيرين وابن شهاب فقالا تطلق وهي رواية عن مالك تنبيه وقع هذا الاثر عن قتادة في رواية النسفي عقب حديث قتادة المرفوع المذكور هنا بعد فلما ساقه من طريق قتادة عن زرارة عن أبي هريرة فذكر الحديث المرفوع قال بعده قال قتادة فذكره ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الاول (4970) قوله وعن الزهري
[ 325 ]
قال فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله هو معطوف على قوله شعيب عن الزهري الخ وقد تقدم من رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة فيحتمل أن يكون ابهمه لما حدث به شعيبا ويحتمل أن يكون هذا القدر عنده عن غير أبي سلمة فأدرج في رواية يونس عنه وقوله في هذه الزيادة اذلفته بذال معجمة وقاف أي أصابته بحدها وقوله جمز بفتح الجيم والميم وبزاي أي أسرع هاربا قوله باب الخلع بضم المعجمة وسكون اللام وهو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لان المرأة لباس الرجل معنى وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أنه أول خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب بفتح المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوج ابنته من بن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها قال فزعم العلماء أن هذا كان أول خلع في العرب اه وأما أول خلع في الاسلام فسيأتي ذكره بعد قليل ويسمى أيضا فدية وافتداء واجمع العلماء على مشروعيته الا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور فإنه قال لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئا لقوله تعالى فلا تأخذوا منه شيئا فأوردوا عليه فلا جناح عليهما فيما اقفتدت به فادعى نسخها بآية النساء أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنه وتعقب مع شذوذه بقوله تعالى في النساء أيضا فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه وبقوله فيها فلا جناح عليهما أن يصالحا الآية وبالحديث وكأنه لم يثبت عنده أو لم يبلغه وانعقد الاجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الاخرتين وضابطه شرعا فراق الرجل زوجته ببذل قابل للعوض يحصل لجهة الزوج وهو مكروه الا في حال مخافة أن لا يقيما أو واحد منهما ما أمر به وقد ينشأ ذلك عن كراهة العشرة أما لسوء خلق أو خلق وكذا ترفع الكراهة إذا احتاجا إليه خشية حنث يئول إلى البينونة الكبرى قوله وكيف الطلاق فيه أي هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق أما باللفظ وأما بالنية وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردا عن الطلاق لفظا ونية ثلاثة آراء وهي أقوال للشافعي أحدها ما نص عليه في أكثر كتبه الجديدة أن الخلع طلاق وهو قول الجمهور فإذا وقع بلفظ الخلع وما تصرف منه نقص العدد وكذا أن وقع بغير لفظه مقرونا بنيته وقد نص الشافعي في الاملاء على أنه من صرائح الطلاق وحجة الجمهور أنه لفظ لا يملكه الا الزوج فكان طلاقا ولو كان فسخا لما جاز على غير الصداق كالاقالة لكن الجمهور على جوازه بما قل وكثر فدل على أنه طلاق والثاني وهو قول الشافعي في القديم ذكره في أحكام القرآن من الجديد أنه فسخ وليس بطلاق وصح ذلك عن بن عباس أخرجه عبد الرزاق وعن بن الزبير وروى عن عثمان وعلي وعكرمة وطاوس وهو مشهور مذهب أحمد وسأذكر في الكلام على شرح حديث الباب ما يقويه وقد استشكله إسماعيل القاضي بالاتفاق على أن من جعل أمر المرأة بيدها ونوى الطلاق فطلقت نفسها طلقت وتعقب بان محل الخلاف ما إذا لم يقع لفظ طلاق ولا نية وإنما وقع لفظ الخلع صريحا أو ما قام مقامه من الالفاظ مع النية فإنه لا يكون فسخا تقع به الفرقة ولا يقع به طلاق واختلف الشافعية فيما إذا نوى بالخلع الطلاق وفرعنا على أنه فسخ هل يقع الطلاق أو لا ورجح الامام عدم الوقوع واحتج بأن صريح في بابه وجد نفاذا في محله فلا يتصرف بالنية إلى غيره وصرح أبو حامد والاكثر بوقوع الطلاق ونقله الخوارزمي عن نص القديم قال هو فسخ لا ينقص عدد الطلاق الا أن ينويا به الطلاق ويخدش فيما اختاره الامام أن الطحاوي نقل الاجماع على أنه إذا نوى بالخلع الطلاق وقع الطلاق وأن محل الخلاف فيما إذا لم يصرح بالطلاق ولم ينوه والثالث إذا لم ينو الطلاق لا يقع به فرقة أصلا ونص عليه في الام وقواه السبكي من المتأخرين وذكر محمد بن نصر المروزي في كتاب اختلاف العلماء أنه آخر قولي الشافعي
[ 326 ]
قوله وقوله عزوجل ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله زاد غير أبي ذر إلى قوله الظالمون وعند النسفي بعد قوله يخافا الآية وبذكر ذلك يتبين تمام المراد وهو بقوله فلا جناح عليهما فيما افتدت به وتمسك بالشرط من قوله فإن خفتم من منع الخلع الا إذا حصل الشقاق من الزوجين معا وسأذكر في الكلام على أثر طاوس بيان ذلك قوله وأجاز عمر الخلع دون السلطان أي بغير إذنه وصله بن أبي شيبة من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال أتى بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني قد أتى عمر في خلع فأجازه وأشار المصنف إلى خلاف في ذلك أخرجه سعيد بن منصور حدثنا هشيم أنبأنا يونس عن الحسن البصري قال لا يجوز الخلع دون السلطان وقال حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين كانوا يقولون فذكر مثله واختاره أبو عبيد واستدل بقوله تعالى فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله وبقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال فجعل الخوف لغير الزوجين ولم يقل فإن خافا وقوى ذلك بقراءة حمزة في آية الباب الا أن يخافا بضم أوله على البناء للمجهول قال والمراد الولاة ورده النحاس بأنه قول لا يساعده الاعراب ولا اللفظ ولا المعنى والطحاوي بأنه شاذ مخالف لما عليه الجم الغفير ومن حيث النظر أن الطلاق جائز دون الحاكم فكذلك الخلع ثم الذي ذهب إليه مبني على أن وجود الشقاق شرط في الخلع والجمهور على خلافه وأجابوا عن الآية بأنها جرت على حكم الغالب وقد أنكر قتادة هذا على الحسن فأخرج سعيد بن أبي عروبة في كتاب النكاح عن قتادة عن الحسن فذكره قال قتادة ما أخذ الحسن هذا الا عن زياد يعني حيث كان أمير العراق لمعاوية قلت وزياد ليس أهلا أن يقتدى به قوله وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها العقاص بكسر المهملة وتخفيف القاف وآخره صاد مهملة جمع عقصة وهو ما يربط به شعر الرأس بعد جمعه وأثر عثمان هذا رويناه موصولا في امالي أبي القاسم بن بشران من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان أخرجه البيهقي من طريق روح بن القاسم عن بن عقيل مطولا وقال في آخره فدفعت إليه كل شئ حتى أجفت الباب بيني وبينه وهذا يدل على أن معنى دون سوى أي أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى عقاص رأسها وقال سعيد بن منصور حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم كان يقال الخلع ما دون عقاص رأسها وعن سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد يأخذ من المختلعة حتى عقاصها ومن طريق قبيصة بن ذويب إذا خلعها جاز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ثم تلا فلا جناح عليهما فيما افتدت به وسنده صحيح ووجدت أثر عثمان بلفظ آخر أخرجه بن سعد في ترجمة الربيع بنت معوذ من طبقات النساء قال أنبأنا يحيى بن عباد حدثنا فليح بن سليمان حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت كان بيني وبين بن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شئ وفارقني قال قد فعلت فأخذ والله كل شئ حتى فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال الشرط أملك خذ كل شئ حتى عقاص رأسها قال بن بطال ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما عطاه وقال مالك لم أر أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الاخلاق وسيأتي ذكر حجة القائلين بعدم الزيادة في الكلام على حديث الباب قوله وقال طاوس الا أن يخافا الا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد
[ 327 ]
منهما على صاحبه في العشرة والصحبة ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول لا اغتسل لك من جنابة هذا التعليق اختصره البخاري من أثر وصله عبد الرزاق قال أنبأنا بن جريج أخبرني بن طاوس وقلت له ما كان أبوك يقول في الفداء قال كان يقول ما قال الله تعالى الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ولم يكن يقول قول السفهاء لا يحل حتى تقول لا اغتسل لك من جنابة ولكنه يقول الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة قال بن التين ظاهر سياق البخاري أن قوله ولم يقل الخ من كلامه ولكن قد نقل الكلام المذكور عن بن جريج قال ولا يبعد أن يكون ظهر له ما ظهر لابن جريج قلت وكأنه لم يقف على الاثر موصولا فتكلف ما قال والذي قال ولم يقل هو بن طاوس والمحكى عنه النفي هو أبوه طاوس وأشار بن طاوس بذلك إلى ما جاء عن غير طاوس وأن الفداء لا يجوز حتى تعصي المرأة الرجل فيما يرومه منها حتى تقول لا اغتسل لك من جنابة وهو منقول عن الشعبي وغيره أخرج سعيد بن منصور عن هشيم أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن امرأة قالت لزوجها لا اطيع لك أمر ولا أبر لك قسما ولا اغتسل لك من جنابة قال إذا كرهته فليأخذ منها وليخل عنها وأخرج بن أبي شيبة عن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن في قوله الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله قال ذلك في الخلع إذا قالت لا اغتسل لك من جنابة ومن طريق حميد بن عبد الرحمن قال يطيب الخلع إذا قالت لا اغتسل لك من جنابة نحوه ومن طريق على نحوه ولكن بسند واه والظاهر أن المنقول في ذلك عن الحسن وغيره ما هو الا على سبيل المثال ولا يتعين شرطا في جواز الخلع والله أعلم وقد جاء عن غير طاوس نحو قوله فروى بن أبي شيبة من طريق القاسم أنه سئل عن قوله تعالى الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله قال فيما افترض عليهما في العشرة والصحبة ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لا يحل له الفداء حتى يكون الفساد من قبلها ولم يكن يقول لا يحل له حتى تقول لا أبر لك قسما ولا اغتسل لك من جنابة (4971) قوله حدثني أزهر بن جميل هو بصري يكنى أبا محمد مات سنة إحدى وخمسين ومائتين ولم يخرج عنه البخاري في الجامع غير هذا الموضع وقد أخرجه النسائي أيضا عنه وذكر البخاري أنه لم يتابع على ذكر بن عباس فيه كما سيأتي لكن جاء الحديث موصولا من طريق أخرى كما ذكره في الباب أيضا قوله حدثنا خالد هو بن مهران الحذاء قوله أن امرأة ثابت بن قيس أي بن شماس بمعجمعة ثم مهملة خطيب الانصار تقدم ذكره في المناقب وأبهم في هذه الطريق اسم المرأة وفي الطرق التي بعدها وسميت في آخر الباب في طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا جميلة ووقع في الرواية الثانية أن أخت عبد الله بن أبي يعني كبير الخزرج ورأس النفاق الذي تقدم خبره في تفسير سورة براءة وفي تفسير سورة المنافقين فظاهره أنها جميلة بنت أبي ويؤيده أن في رواية قتادة عن عكرمة عن بن عباس أن جميلة بنت سلول جاءت الحديث أخرجه بن ماجة والبيهقي وسلول امرأة اختلف فيها هل هي أم أبي أو امرأته ووقع في رواية النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وبذلك جزم بن سعد في الطبقات فقال جميلة بنت عبد الله بن أبي أسلمت وبايعت وكانت تحت حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة فقتل عنها بأحد وهي حامل فولدت له عبد الله بن حنظلة فخلف عليها ثابت بن قيس فولدت له ابنه محمدا ثم اختلعت منه فتزوجها مالك بن الدخشم ثم خبيب بن أساف ووقع في رواية حجاج بن محمد عن بن جريج أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وسنده قوي مع إرساله ولا تنافي بينه وبين الذي قبله لاحتمال أن يكون لها اسمان أو أحدهما لقب وأن لم يؤخذ بهذا الجمع فالموصول أصح وقد اعتضد بقول أهل النسب
[ 328 ]
أن اسمها جميلة وبه جزم الدمياطي وذكر أنها كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقة أمهما خولة بنت المنذر بن حرام قال الدمياطي والذي وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم قلت ولا يليق إطلاق كونه وهما فإن الذي وقع فيه أخت عبد الله بن أبي وهي أخت عبد الله بلا شك لكن نسب أخوها في هذه الرواية إلى جده أبي كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدتها سلول فبهذا يجمع بين المختلف من ذلك وأما بن الاثير وتبعه النووي فجزما بأن قول من قال انها بنت عبد الله بن أبي وهم وأن الصواب أنها أخت عبد الله بن أبي وليس كما قالا بل الجمع أولي وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتا خالع الثنتين واحدة بعد أخرى ولا يخفى بعده ولا سيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهورا والاصل عدم التعدد حتى ثبت صريحا وجاء في اسم امرأة ثابت بن قيس قولان اخران أحدهما أنها مريم المغالية أخرجه النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن إسحاق حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت اختلعت من زوجي فذكرت قصة فيها وإنما تبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه وإسناده جيد قال البيهقي اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى وتسميتها مريم يمكن رده للاول لان المغالية وهي بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة وهي امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديا فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة ومنهم عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت وجماعة من الخزرج فإذا كان آل عبد الله بن أبي من بن مغالة فيكون الوهم وقع في اسمها أو يكون مريم اسما ثالثا أو بعضها لقب لها والقول الثاني في اسمها أنها حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة عند بابه في الغلس قال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها الحديث وأخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه بن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت قال بن عبد البر اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قلت والذي يظهر إنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع من الاختلاف في تسمية جميلة ونسبها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق وسأبين اختلاف القصتين عند سياق ألفاظ قصة جميلة وقد أخرج البزار من حديث عمر قال أول مختلعة في الاسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس الحديث وهذا على تقدير التعدد يقتضي أن ثابتا تزوج حبيبة قبل جميلة ولو لم يكن في ثبوت ما ذكره البصريون الا كون محمد بن ثابت بن قيس من جميلة لكان دليلا على صحة تزوج ثابت بجميلة تنبيه وقع لاب الجوزي في تنقيحة أنها سهلة بنت حبيب فما أظنه الا مقلوبا والصواب حبيبة بنت سهل وقد ترجم لها بن سعد في الطبقات فقال بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث وساق نسبها إلى مالك بن النجار وأخرج حديثها عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس وكان في خلقه شدة فذكر نحو حديث مالك وزاد في آخره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن يتزوجها ثم كره ذلك لغيرة الانصار وكره أن يسوءهم في نسائهم قوله أنت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس في رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب وهي التي علقت هنا ووصلها الاسماعيلي جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس الانصاري وفي رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة في هذه القصة فقالت بأبي وأمي أخرجها البيهقي قوله ما عتب عليه بضم المثناة من فوق ويجوز كسرها من العتاب يقال عتبت على فلان اعتب عتبا والاسم
[ 329 ]
المعتبة والعتاب هو الخطاب بالادلال وفي رواية بكسر العين بعدها تحتانية ساكنة من العيب وهي أليق بالمراد قوله في خلق ولا دين بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز اسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه زاد في رواية أيوب المذكورة ولكني لا اطيقه كذا فيه لم يذكر مميز عدم الطاقة وبينه الاسماعيلي في روايته ثم البيهقي بلفظ لا اطيقه بغضا وهذا ظاهره أنه لم يصنع بها شيئا يقتضي الشكوى منه بسببه لكن تقدم من رواية النسائي أنه كسر يدها فيحمل على أنها أرادت أنه سئ الخلق لكنه ما تعيبه بذلك بل بشئ آخر وكذا وقع في قصة حبيبة بنت سهل عند أبي داود أنه ضربها فكسر بعضها لكن لم تشكه إحدى منهما بسبب ذلك بل وقع التصريح بسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند بن ماجة كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما فقالت والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال بلغني أنها قالت يا رسول الله بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم وفي رواية معتمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن بن عباس أول خلع كان في الاسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فقال اتردين عليه حديقته قالت نعم وأن شاء زدته ففرق بينهما قوله ولكني أكره الكفر في الاسلام أي أكره أن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر ويأمرها به نفاقا بقولها لا اعتب عليه في دين فتعين الحمل على ما قلناه ورواية جرير بن حازم في أواخر الباب تؤيد ذلك حيث جاء فيها الا إني أخاف الكفر وكأنها اشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه وهي كانت تعرف أن ذلك حرام لكن خشيت أن تحملها بشدة البغض على الوقوع فيه ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج وقال الطيبي المعنى أخاف على نفسي في الاسلام ما ينافي حكمة من نشوز وفرك وغيره مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها إذا كان بالضد منها فأطلقت على ما ينافي مقتضى الاسلام الكفر ويحتمل أن يكون في كلامها إضمار أي أكره لوازم الكفر من المعادة والشقاق والخصومة ووقع في رواية إبراهيم بن طهمان ولكني لا اطيقه وفي رواية المستملي ولكن وقد تقدم ما فيه قوله اتردين في رواية إبراهيم بن طهمان فتردين والفاء عاطفة على مقدر محذوف وفي رواية جرير بن حازم تردين وهي استفهام محذوف الاداة كما دلت عليه الرواية الاخرى قوله حديقته أي بستانه ووقع في حديث عمر أنه كان اصدقها الحديقة المذكورة ولفظه وكان تزوجها على حديقة نخل قوله قالت نعم زاد في حديث عمر فقال ثابت ايطيب ذلك يا رسول الله قال نعم قوله أقبل الحديقة وطلقها تطليقة هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب ووقع في رواية جرير بن حازم فردت عليه وأمره بفراقها واستدل بهذا السياق على أن الخلع ليس بطلاق وفيه نظر فليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فإن قوله طلقها الخ يحتمل أن يراد طلقها على ذلك فيكون طلاقا صريحا على عوض وليس البحث فيه إنما الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع أو ما كان في حكمة من غير تعرض لطلاق بصراحة ولا كتابة هل يكون الخلع طلاقا وفسخا وكذلك ليس فيه التصريح بأن الخلع وقع قبل الطلاق أو بالعكس نعم في رواية خالد المرسلة ثانية أحاديث الباب فردتها وأمره فطلقها وليس صريحا في تقديم العطية على الامر بالطلاق بل يحتمل أيضا أن يكون المراد أن اعطتك طلقها وليس فيه أيضا التصريح بوقوع صيغة الخلع ووقع في مرسل أبي الزبير عند الدارقطني فأخذها له وخلى سبيلها وفي حديث حبيبة بنت سهل فأخذها منها وجلست في أهلها لكن معظم الروايات في الباب
[ 330 ]
تسميته خلعا ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن بن عباس أنها اختلعت من زوجها أخرجه أبو داود والترمذي قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله لا يتابع فيه عن بن عباس أي لا يتابع أزهر بن جميل على ذكر بن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة ولهذا عقبة برواية خالد وهو بن عبد الله الطحان عن خالد وهو الحذاء عن عكرمة مرسلا ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلا وعن أيوب موصولا ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الاسماعيلي (4973) قوله حدثنا قراد بضم القاف وتخفيف الراء وآخره دال مهملة وهو لقب واسمه عبد الرحمن بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي وأبو نوح كنيته وهو من كبار الحافظ وثقوه ولكن خطئوه في حديث واحد حدث به عن الليث خولف فيه وليس له في البخاري سوى هذا الموضوع ووقع عنده في آخره فردت عليه وأمره ففارقها كذا فيه فردت عليه بحذف المفعول والمراد الحديقة التي وقع ذكرها ووقع عند الاسماعيلي من هذا الوجه فأمره أن يأخذ أعطاها ويخلي سبيلها قوله في هذه الرواية لا اطيقه تقدم بيانه وهو في جميع النسخ بالقاف وذكر الكرماني أن في بعضها اطيعه بالعين المهملة وهو تصحيف ثم أشار البخاري إلى أنه اختلف على أيوب أيضا في وصل الخبر وارساله فاتفق إبراهيم بن طهمان وجرير بن حازم على وصله وخالفهما حماد بن زيد فقال عن أيوب عن عكرمة مرسلا ويؤخذ من إخراج البخاري هذا الحديث في الصحيح فوائد منها أن الاكثر إذا وصلوا وأرسل الاقل قدم الواصل ولو كان الذي أرسل أحفظ ولا يلزم منه أنه تقدم رواية الواصل على المرسل دائما ومنها أن الراوي إذا لم يكن في الدرجة العليا من الضبط ووافقه من هو مثله اعتضد وقاومت الروايتان رواية الضابط المتقن ومنها أن أحاديث الصحيح متفاوتة المرتبة إلى صحيح وأصح وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا وأن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين لا يجوز له أخذ الفدية منها الا أن يرى على بطنها رجلا أخرجه بن أبي شيبة وكأنهما لم يبلغهما الحديث واستدل بن سيرين بظاهر قوله تعالى الا أن يأتين بفاحشة مبينة وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بذلك مع ما دل عليه الحديث ثم ظهر لي لما قاله بن سيرين توجيه وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها
[ 331 ]
وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدى منه فوقع النهي عن ذلك الا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدى منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويطلقها فليس في ذلك مخالفة للحديث لان الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها واختار بن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا وأن وقع من أحدهما لا يندفع الاثم وهو قوي موافق لظاهر الآيتين ولا يخالف ما ورد فيه وبه قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخافة إليهما لذلك وعن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتا هل أنت كارهها كما كرهتك أم لا وفيه أن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق على مال فطلقها وقع الطلاق فإن لم يقع الطلاق صريحا ولا نوياه ففيه الخلاف المتقدم من قبل واستدل لمن قال بأنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن بن عباس عند أبي داود والترمذي في قصة امرأة ثابت بن قيس فأمرها أن تعتد بحيضة وعند أبي داود والنسائي وابن ماجة من حديث الربيع بنت معوذ أن عثمان أمرها أن تعتد بحيضة قال وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس وفي رواية للنسائي والطبري من حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره خذ الذي لها وخل سبيلها قال نعم فأمرها أن تتربص حيضة وتلحق بأهلها قال الخطابي في هذا أقوى دليل لمن قال أن الخلع فسخ وليس بطلاق إذ لو كان طلاقا لم تكتف بحيضة للعدة اه وقد قال الامام أحمد أن الخلع فسخ وقال في رواية وإنها لا تحل لغير زوجها حتى يمضي ثلاثة أقراء فلم يكن عنده بين كونه فسخا وبين النقص من العدة تلازم واستدل به على أن الفدية لا تكون الا بما أعطى الرجل المرأة عينا أو قدرها لقوله صلى الله عليه وسلم اتردين عليه حديقته وقد وقع في رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس في آخر حديث الباب عند بن ماجة والبيهقي فأمره أن يأخذ منها ولا يزداد وفي رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد قال أيوب لا أحفظ ولا تزدد ورواه بن جريج عن عطاء مرسلا ففي رواية بن المبارك وعبد الوهاب عنه أما الزيادة فلا زاد بن المبارك عن مالك وفي رواية الثوري وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال ووصله الوليد بن مسلم عن بن جريج بذكر بن عباس فيه أخرجه أبو الشيخ قال وهو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وفي مرسل أبي الزبير عند الدارقطني والبيهقي اتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم وزيادة قال النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت نعم فأخذ ماله وخلى سبيلها ورجال إسناده ثقات وقد وقع في بعض طرقه سمعه أبو الزبير من غير واحد فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما سبق لكن ليس فيه دلالة على الشرط فقد يكون ذلك وقع على سبيل الاشارة رفقا بها وأخرج عبد الرزاق عن علي لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأخرج إسماعيل بن إسحاق عن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان ومقابل هذا ما أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا وقال مالك لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق وبأكثر منه لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولحديث حبيبة بنت سهل فإذا كان النشوز من قبلها حل للزوج ا أخذ منها برضاها وأن كان من قبله لم يحل له ويرد عليها أن أخذ وتمضى الفرقة وقال الشافعي إذا كانت غير مؤدية لحقه كارهة له حل له أن يأخذ فإنه يجوز أن يأخذ منها ما طابت به نفسا بغير سبب فبالسبب أولي وقال إسماعيل القاضي ادعى بعضهم أن المراد بقوله تعالى فيما افتدت به أي بالصداق وهو مردود لانه لم يقيد في الآية بذلك وفيه أن الخلع جائز في الحيض لانه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها احائض هي أم لا لكن يجوز أن يكون ترك ذلك لسبق العلم به أو كان قبل تقريره فلا دلالة فيه لمن يخصه من منع طلاق الحائض وهذا كله تفريع على أن الخلع طلاق وفيه أن الاخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن بسبب يقتضى ذلك لحديث ثوبان أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة
[ 332 ]
الجنة رواه أصحاب السنن وصححه بن خزيمة وابن حبان ويدل على تخصيصه قوله في بعض طرقه من غير ما بأس ولحديث أبي هريرة المنتزعات والمختلعات هن المنافقات أخرجه أحمد والنسائي وفي صحته نظر لان الحسن عند الاكثر لم يسمع من أبي هريرة لكن وقع في رواية النسائي قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا الا من حديث أبي هريرة وهو تكلف وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط وصار يرسل عنه غير ذلك فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث العقيقة كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى وقد أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن الحسن مرسلا لم يذكر فيه أبا هريرة وفيه أن الصحابي إذا أفتي بخلاف ما روى أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لان بن عباس روى قصة امرأة ثابت بن قيس الدالة على أن الخلع طلاق وكان يفتي بأن الخلع ليس بطلاق لكن ادعى بن عبد البر شذوذ ذلك عن بن عباس إذ لا يعرف له أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق الا طاوس وفيه نظر لان طاوسا ثقة حافظ فقيه فلا يضره تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة الا وجزم أن بن عباس كان يراه فسخا نعم أخرج إسماعيل القاضي بسند صحيح عن بن أبي نجيح أن طاوسا لما قال أن الخلع ليس بطلاق أنكره عليه أهل مكة فاعتذر وقال إنما قاله بن عباس قال إسماعيل لا نعلم أحدا قاله غيره أه ولكن الشأن في كون قصة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقا تكميل نقل بن عبد البر عن مالك أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها وأن المفتدية التي افتدت ببعض مالها وأن المبارئة التي بارأت زوجها قبل الدخول قال بن عبد البر وقد يستعمل بعض ذلك موضع بعض قوله باب الشقاق وهل يشير بالخلع عند الضرورة وقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما الآية كذا لابي ذر والنسفي ولكن وقع عنده الضرر وزاد غيرهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إلى قوله خبيرا قال بن بطال أجمع العلماء على أن المخاطب بقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما الحكام وأن المراد بقوله أن يريدا اصلاحا الحكمان وأن الحكمين يكون أحدهما من جهة الرجل والآخر من جهة المرأة الا أن لا يوجد من اهلهما من يصلح فيجوز أن يكون من الاجانب ممن يصلح لذلك وانهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما وأن اتفقا نفذ في الجمع بينهما من غير توكيل واختلفوا فيما إذا اتفقا على الفرقة فقال مالك والاوزاعي وإسحاق ينفذ بغير توكيل ولا إذن من الزوجين وقال الكوفيون والشافعي وأحمد يحتاجان إلى الاذن فأما مالك ومن تابعه فألحقوه بالعنين والمولى فإن الحاكم يطلق عليهما فكذلك هذا وأيضا فلما كان المخاطب بذلك الحكام وأن الارسال إليهم دل على أن بلوغ الغاية من الجمع أو التفريق إليهم وجرى الباقون على الاصل وهو أن الطلاق بيد الزوج فإن إذن في ذلك وإلا طلق عليه الحاكم ثم ذكر طرفا من حديث المسور في خطبة علي بنت أبي جهل وقد تقدمت الاشارة إليه في النكاح واعترضه بن التين بأنه ليس فيه دلالة على ما ترجم به ونقل بن بطال قبله عن المهلب قال إنما حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا آذن خلعا ولا يقوي ذلك لانه قال في الخبر الا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي فدل على الطلاق فإن أراد أن يستدل بالطلاق على الخلع فهو ضعيف وإنما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع وقال بن المنير في الحاشية يمكن أن يؤخذ من كونه صلى الله عليه وسلم أشار بقوله فلا آذن إلى أن عليا يترك الخطبة فإذا سغ جواز الاشارة بعدم النكاح التحق به جواز الاشارة بقطع النكاح وقال الكرماني تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعا فأراد صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الايماء والاشارة وهي مناسبة جيدة ويؤخذ من
[ 333 ]
الآية ومن الحديث العمل بسد الذرائع لان الله تعالى أمر ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق قبل وقوعه كذا قال المهلب ويحتمل أن يكون المراد بالخوف وجود علامات الشقاق المقتضى لاستمرار النكد وسوء المعاشرة قوله باب لا يكون بيع الامة طلاقا في رواية المستملي طلاقها ثم أورد فيه قصة بريرة قال بن التين لم يأت في الباب بشئ مما يدل عليه التبويب لكن لو كانت عصمتها عليه باقية ما خيرت بعد عتقها لان شراء عائشة كان العتق بإزائه وهذا الذي قاله عجيب أما أولا فإن الترجمة مطابقة فإن العتق إذا لم يستلزم الطلاق فالبيع بطريق الاولى وأيضا فإن التخيير الذي جر إلى الفراق لم يقع الا بسبب العتق لا بسبب البيع وأما ثانيا فإنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وأما ثالثا فإن آخر كلامه يرد أوله فإنه يثبت ما نفاه من المطابقة قال بن بطال اختلف السلف هل يكون بيع الامة طلاقا فقال الجمهور لا يكون بيعها طلاقا وروى عن بن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب ومن التابعين عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد قالوا يكون طلاقا وتمسكوا بظاهر قوله تعالى والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم وحجة الجمهور حديث الباب وهو أن بريرة عتقت فخيرت في زوجها فلو كان طلاقها يقع بمجرد البيع لم يكن للتخيير معنى ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين المؤجرة والاية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها اه ملخصا وما نقله عن الصحابة أخرجه بن أبي شيبة بأسانيد فيها انقطاع وفيه عن جابر وأنس أيضا وما نقله عن التابعين فيه بأسانيد صحيحة وفيه أيضا عن عكرمة والشعبي نحوه أخرجه سعيد بن منصور عن بن عباس بسند صحيح وروى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال إذا زوج عبدة بأمته فالطلاق بيد العبد وإذا اشترى أمة لها زوج فالطلاق بيد المشتري وأخرج سعيد بن منصور من طريق الحسن قال اباق العبد طلاقه وحديث عائشة في قصة بريرة أورده المصنف في أول الصلاة وفي عدة أبواب مطولا ومختصرا وطريق ربيعة التي أوردها هنا أوردها موصولة من طريق مالك عنه عن القاسم عن عائشة واوردها في الاطعمة من طريق إسماعيل بن جعفر عنه عن القاسم مرسلا ولا يضر إرساله لان مالكا أحفظ من إسماعيل وأتقن وقد وافقه أسامة بن زيد وغير واحد عن القاسم وكذلك رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لكن صدره بقصة اشتراط الذين باعوها على عائشة أن يكون لهم الولاء وقد تقدم مستوفي في كتاب العتق وكذا رواه عروة وعمرة والاسود وأيمن المكي عن عائشة وكذا رواه نافع عن بن عمر أن عائشة ومنهم من قال عن بن عمر عن عائشة وروى قصة البرمة واللحم أنس وتقدم حديثه في الهبة ويأتي وروى بن عباس قصة تخييرها لما عتقت كما يأتي بعد وطرقه كلها صحيحة (4975) قوله كان في بريرة تقدم ذكرها وضبط اسمها في أواخر العتق وقيل أنها نبطية بفتح النون والموحدة وقيل أنها قبطية بكسر القاف وسكون الموحدة وقيل أن اسم أبيها صفوان وأن له صحبة واختلف في مواليها ففي رواية أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة أن بريرة كانت لناس من الانصار وكذا عند النسائي من رواية سماك عن عبد الرحمن ووقع في بعض الشروح لآل أبي لهب وهو وهم من قائله انتقل وهمه من أيمن أحد رواة قصة بريرة عن عائشة إلى بريرة وقيل لآل بني هلال أخرجه الترمذي من رواية جرير عن هشام بن عروة قوله ثلاث سنن وفي رواية هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ثلاث قضيات وفي حديث بن عباس عند أحمد وأبي داود قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربع قضيات فذكر نحو حديث عائشة وزاد وأمرها
[ 334 ]
أن تعتد عدة الحرة أخرجه الدارقطني وهذه الزيادة لم تقع في حديث عائشة فلذلك اقتصرت على ثلاث لكن أخرج بن ماجة من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض وهذا مثل حديث بن عباس في قوله تعتد عدة الحرة ويخالف ما وقع في رواية أخرى عن بن عباس تعتد بحيضة وقد تقدم البحث في عدة المختلعة وأن من قال الخلع فسخ قال تعتد بحيضة وهنا ليس اختيار العتيقة نفسها طلاقا فكان القياس أن تعتد بحيضة لكن الحديث الذي أخرجه بن ماجة على شرط الشيخين بل هو في أعلى درجات الصحة وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي من طريق أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدة بريرة عدة المطلقة وهو شاهد قوي لان أبا معشر وأن كان فيه ضعف لكن يصلح في المتابعات وأخرج بن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عثمان وابن عمر وزيد بن ثابت واخرين أن الامة إذا أعتقت تحت العبد فطلاقها طلاق عبد وعدتها عدة حرة وقد قدمت في العتق أن العلماء صنفوا في قصة بريرة تصانيف وأن بعضهم اوصلها إلى أربعمائة فائدة ولا يخالف ذلك قول عائشة ثلاث سنن لان مراد عائشة ما وقع من الاحكام فيها مقصودا خاصة لكن لما كان كل حكم منها يشتمل على تقعيد قاعة يستنبط العالم الفطن منها فوائد جمة وقع التكثر من هذه الحيثية وانضم إلى ذلك ما وقع في سياق القصة غير مقصود فإن في ذلك أيضا فوائد تؤخذ بطريق التنصيص أو الاستنباط أو اقتصر على الثلاث أو الاربع لكونها أظهر ما فيه وما عداها إنما يؤخذ بطريق الاستنباط أو لانها أهم والحاجة إليها أمس قال القاضي عياض معنى ثلاث أو أربع أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك فكان قد علم من غير قصتها وهذا أولي من قول من قال ليس في كلام عائشة حصر ومفهوم العدد ليس بحجة وما أشبه ذلك من الاعتذارات التي لا تدفع سؤال ما الحكمة في الاقتصار على ذلك قوله أنها أعتقت فخيرت زاد في رواية إسماعيل بن جعفر في أن تقر تحت زوجها أو تفارقه وتقر بفتح وتشديد الراء أي تدوم وتقدم في العتق من طريق الاسود عن عائشة فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها من زوجها فاختارت نفسها وفي رواية للدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة اذهبي فقد عتق معك بضعك زاد بن سعد من طريق الشعبي مرسلا فاختاري ويأتي تمام ذلك في شرح الباب الذي بعد هذا ببابين قوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق هذه السنة الثانية وقد تقدم بيان سببها مستوفى في العتق والشروط وفي رواية نافع عن بن عمر الماضية وكذا في هذه طرق عن عائشة إنما الولاء لمن أعتق ويستفاد منه أن كلمة إنما تفيد الحصر وإلا لما لزم من اثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره وهو الذي أريد من الخبر ويؤخذ منه أنه لا ولاء للانسان على أحد بغير العتق فينتفي من أسلم على يده أحد وسيأتي البحث فيه في الفرائض وأنه لا ولاء للملتقط خلافا لاسحاق ولا لمن خالف إنسانا خلافا لطائفة من السلف وبه قال أبو حنيفة ويؤخذ من عمومه أن الحربي لو أعتق عبدا ثم اسلما أنه ستمر ولاؤه له وبه قال الشافعي وقال بن عبد البر أنه قياس قول مالك وافق على ذلك أبو يوسف وخالف أصحابه فإنهم قالوا العتيق في هذه الصورة أن يتولى من يشاء قوله ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية إسماعيل بن جعفر بيت عائشة قوله والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وآدم في رواية إسماعيل بن جعفر فدعا بالغداء فأتى بخبر قوله ألم أر البرمة فيها لحم قالوا بلى ولكن ذاك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة وقع في رواية الاسود عن عائشة في الزكاة وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بلحم فقالوا هذا ما تصدق به على بريرة وكذا في حديث أنس في الهبة ويجمع بينهما بأنه لما سأل عنه أتى به وقيل له ذلك ووقع في رواية عبد الرحمن بن القاسم عن
[ 335 ]
أبيه عن عائشة في كتاب الهبة فأهدى لها لحم فقيل هذا تصدق به على بريرة فإن كان الضمير لبريرة فكأنه أطلق على الصدقة عليها هدية لها وأن كان لعائشة فلان بريرة لما تصدقوا عليها باللحم أهدت منه لعائشة ويؤيده ما وقع في رواية أسامة بن زيد عن القاسم عند أحمد وابن ماجة ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرجل يفور بلحم فقال من أين لك هذا قلت أهدته لنا بريرة وتصدق به عليها وعند أحمد ومسلم من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وكان الناس يتصدقون عليها فتهدي لنا وقد تقدم في الزكاة ما يتعلق بهذا المعنى واللحم المذكور وقع في بعض الشروح أنه كان لحم بقر وفيه نظر بل جاء عن عائشة تصدق على مولاتي بشاة من الصدقة فهو أولي أن يؤخذ به ووقع بعد قوله هو عليها صدقة ولنا هدية من رواية أبي معاوية المذكورة فكلوه وسأذكر فوائده بعد بابين إن شاء الله تعالى قوله باب خيار الامة تحت العبد يعني إذا عتقت وهذا مصير من البخاري إلى ترجيح قول من قال أن زوج بريرة كان عبدا وقد ترجم في أوائل النكاح بحديث عائشة في قصة بريرة باب الحرة تحت العبد وهو جزم منه أيضا بأنه كان عبدا ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه واعترض عليه هناك بن المنير بأنه ليس في حديث الباب أن زوجها كان عبدا وإثبات الخيار لها لا يدل لان المخالف يدعي أن لا فرق في ذلك بين الحر والعبد والجواب أن البخاري جرى على عادته من الاشارة إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يورده ولا شك أن قصة بريرة لم تتعدد وقد رجح عنده أن زوجها كان عبدا فلذلك جزم به واقتضت الترجمة بطريق المفهوم أن الامة إذا كانت تحت حر فعتقت لم يكن لها خيار وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الجمهور إلى ذلك وذهب الكوفيون إلى اثبات الخيار لمن عتقت سواء كانت تحت حر أم عبد وتمسكوا بحديث الاسود بن يزيد عن عائشة أن زوج برير كان حرا وقد اختلف فيه على راوية هل هو من قول الاسود أو رواه عن عائشة أو هو قول غيره كما سأبينه قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفاظ الحديث وهو من أقران مسلم فيما أخرجه البيهقي عنه خالف الاسود الناس في زوج بريرة وقال الامام أحمد إنما يصح أنه كان حرا عن الاسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن بن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح شئ وإذا عتقت الامة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه اه وسيأتي مزيد لهذا بعد بابين وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال كان حرا على رواية من قال كان عبدا فقال الرق تعقبه الحرية بلا عكس وهو كما قال لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم أنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع والذي يتحصل من كلام محققيهم وقد أكثر منه الشافعي ومن تبعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين ومنهم من شرط التساوي في القوة قال بن بطال أجمع العلماء أن الامة إذا عتقت تحت عبد فإن لها الخيار والمعنى فيه ظاهر لان العبد غير مكافئ للحرة في أكثر الاحكام فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة لانها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار واحتج من قال أن لها الخيار ولو كانت تحت حر بأنها عند التزويج لم يكن لها رأى لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوجها بغير رضاها فإذا عتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك وعارضه الآخرون بأن ذلك لو كان مؤثرا لثبت الخيار للبكر إذا زوجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس كذلك فكذلك الامة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحر فكانت كالكتابية تسلم تحت المسلم واختلف في التي تختار الفراق هل يكون ذلك طلاقا أو فسخا فقال مالك والاوزاعي والليث تكون طلقة بائنة وثبت مثله عن الحسن وابن سيرين أخرجه بن أبي شيبة وقال الباقون يكون فسخا لا طلاقا (4976) قوله عن بن عباس قال رأيته عبدا يعني زوج بريرة هكذا أورده مختصرا من هذا الوجه وهو لفظ شعبة وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق مربع
[ 336 ]
عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه عن شعبة وحده وزاد الاسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة رأيته يبكي وفي رواية له لقد رأيته يتبعها وأما لفظ همام فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه بلفظ أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد وساقه أحمد عن عفان عن همام مطولا وفيه أنها تعتد عدة الحرة ثم أورد البخاري الحديث من وجهين عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس قال في أحدهما ذاك مغيث عبد بني فلان يعني زوج بريرة وفي الاخرى كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث وهكذا جاء من غير وجه أن اسمه مغيث وضبط في البخاري بضم أوله وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره موحدة والاول أثبت وبه جزم بن ماكولا وغيره ووقع عند المستغفري في الصحابة من طريق محمد بن عجلان عن يحيى بن عروة عن عروة عن عائشة في قصة بريرة أن اسم زوج بريرة مقسم وما أظنه الا تصحيفا (4978) قوله عبدا لبني فلان عند الترمذي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أيوب كان عبدا أسود لبني المغيرة وفي رواية هشيم عن سعيد بن منصور وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم ووقع في المعرفة لابن مندة مغيث مولى أحمد بن جحش ثم ساق الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة مثل ما وقع في الترمذي لكن عند أبي داود بسند فيه بن إسحاق وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد وقال بن عبد البر مولى بني مطيع والاول أثبت لصحة إسناده ويبعد الجمع لان بني المغيرة من آل مخزوم كما في رواية هشيم وبني جحش من أسد بن خزيمة وبني مطيع من آل عدي بن كعب ويمكن أن يدعي أنه كان مشتركا بينهم على بعده أو انتقل قوله باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة أي عند بريرة لترجع إلى عصمته قال بن المنير موقع هذه الترجمة من الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يسقط ونحو ذلك وتعقب بأن قصة بريرة لم تقع الشفاعة فيها عند الترافع وفيه نظر لان ظاهر حديث الباب أنه بعد الحكم لكن لم يصرح بالترافع إذ رؤية بن عباس لزوجها يبكي وقول العباس وبعده لو راجعته فيحتمل أن يكون القول عند الترافع لان الواو لا تقتضي الترتيب (4979) قوله حدثني محمد هو بن سلام على ما بينت في المقدمة وقد أخرجه النسائي عن محمد بن بشار وابن ماجة عن محمد بن المثنى ومحمد بن خلاد الباهلي قالوا حدثنا عبد الوهاب الثقفي وابن بشار وابن المثنى من شيوخ البخاري فيحتمل أن يكون المراد أحدهما قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وخالد شيخه هو الحذاء وقد سبق في الباب الذي قبله عن قتيبة عن عبد الوهاب وهو الثقفي هذا عن أيوب فكأن له فيه شيخين لكن رواية خالد الحذاء أتم سياقا كما ترى وطريق أيوب أخرجها الاسماعيلي من طريق محمد بن الوليد البصري عن عبد الوهاب الثقفي وطريق خالد أخرجها من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي عن الثقفي أيضا وساقه عنهما نحو ما وقع عند البخاري قوله يطوف خلفها يبكي في رواية وهيب عن أيوب في الباب الذي قبله يتبعها
[ 337 ]
في سكك المدينة يبكي عليها والسكك بكسر المهملة وفتح الكاف جمع سكة وهي الطرق ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة في طرق المدينة ونواحيها وأن دموعه تسيل على لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل وهذا ظاهره أن سؤاله لها كان قبل الفرقة وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الباب لو راجعته أن ذلك كان بعد الفرقة وبه جزم بن بطال فقال لو كان قبل الفرقة لقال لو اخترته قلت ويحتمل أن يكون وقع له ذلك قبل وبعد وقد تمسك برواية سعيد من لم يشترط الفور في الخيار هنا وسيأتي البحث فيه بعد قوله يا عباس هو بن عبد المطلب والد راوي الحديث وتقدم ما فيه وفي رواية بن ماجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس يا عباس وعند سعيد بن منصور عن هشيم قال أنبأنا خالد هو الحذاء بسنده أن العباس كان كلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها في ذلك وفيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لان العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في أواخر سنة ثمان ويؤيده أيضا قول بن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه ويؤيد تأخر قصتها أيضا بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الافك أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة فيبعد وقوع تلك الامور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ وأيضا فقول عائشة أن شاء مواليك أن أعدها لهم عدة واحدة فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الامر لانهم كانوا في أول الامر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح وفي كل ذلك رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة الافك وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث الافك وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها واخرت عتقها إلى بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو كان حصل الفسخ وطلب أن ترده بعقد جديد أو كانت لعائشة ثم باعتها ثم استعادتها بعد الكتابة اه وأقوى الاحتمالات الاول كما ترى قوله لو راجعته كذا في الاصول بمثناة واحدة ووقع في رواية بن ماجة لو راجعتيه بإثبات تحتانية ساكنة بعد المثناة وهي لغة ضعيفة وزاد بن ماجة فإنه أبو ولدك وظاهره أنه كان له منها ولد قوله تأمرني زاد الاسماعيلي قال لا وفيه اشعار بان الامر لا ينحصر في صيغة أفعل لانه خاطبها بقوله لو راجعته فقالت أتأمرني أي تريد بهذا القول الامر فيجب علي وعند بن مسعود من مرسل بن سيرين بسند صحيح فقالت يا رسول الله أشئ واجب على قال لا قوله قال إنما أنا أشفع في رواية بن ماجة إنما أشفع أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له لا على سبيل الحتم عليك قوله فلا حاجة لي فيه أي فإذا لم تلزمني بذلك لا أختار العود إليه وقد وقع في الباب الذي بعده لو أعطاني كذا وكذا ما كنت عنده قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو من متعلقات ما قبله وأورد فيه قصة بريرة عن عبد الله بن رجاء عن شعبة عن الحكم وهو بن عتبة بمثناة وموحدة مصغر عن إبراهيم وهو النخعي عن الاسود وهو بن يزيد أن عائشة أرادت أن تشتري بريرة فساق القصة مختصرة وصورة سياقه الارسال لكن أورده في كفارات الايمان مختصرا عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال فيه عن الاسود عن عائشة وكذا أورده في الفرائض عن حفص بن عمر عن شعبة وزاد في آخره قال الحكم وكان
[ 338 ]
زوجها حرا ثم أورده بعده من طريق منصور عن إبراهيم عن الاسود أن عائشة فساق نحو سياق الباب وزاد فيه وخيرت فاختارت نفسها وقالت لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه قال الاسود وكان زوجها حرا قال البخاري قول الاسود منقطع وقول بن عباس رأيته عبدا أصح وقال في الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك وقد أورد البخاري عقب رواية عبد الله بن رجاء هذه عن آدم عن شعبة ولم يسق لفظه لكن قال وزاد فخيرت من زوجها وقد أورده في الزكاة عن آدم بهذا الاسناد فلم يذكر هذه الزيادة وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه فجعل الزيادة من قول إبراهيم ولفظه في آخره قال الحكم قال إبراهيم وكان زوجها حرا فخيرت من زوجها فظهر أن هذه الزيادة مدرجة وحذفها في الزكاة لذلك وإنما أوردها هنا مشيرا إلى أن أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق أخرى وقد قال الدارقطني في العلل لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدا وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة وأبو الاسود وأسامة بن زيد عن القاسم قلت وقع لبعض الرواة فيه غلط فأخرج قاسم بن أصبغ في مصنفه وابن حزم من طريقه قال أنبأنا أحمد بن يزيد المعلم حدثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان زوج بريرة حرا وهذا وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ومن أصحاب جرير قالوا كان عبدا منهم إسحاق بن راهويه وحديثه عند النسائي وعثمان بن أبي شيبة وحديثه عند أبي داود وعلي بن حجر وحديثه عند الترمذي وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبي أسامة عن هشام وفيه أنه كان عبدا قال الدارقطني وكذا قال أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قلت ورواه شعبة عن عبد الرحمن فقال كان حرا ثم رجع عبد الرحمن فقال ما أدري وقد تقدم في العتق قال الدارقطني وقال عمران بن حدير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم قلت في شيئين في قوله حر وفي قوله عائشة وإنما هو من رواية عكرمة عن بن عباس ولم يختلف علي بن عباس في أنه كان عبدا وكذا جزم به الترمذي عن بن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما وكذا أخرجه النسائي من حديث صفية بنت أبي عبيد قالت كان زوج بريرة عبدا وسنده صحيح وقال النووي يؤيد قول من قال أنه كان عبدا قول عائشة كان عبدا ولو كان حرا لم يخبرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدا ثم عللت بقولها ولو كان حرا لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله الا توقيفا وتعقب بأن هذه الزيادة في رواية جرير عن هشام بن عروة في آخر الحديث وهي مدرجة من قول عروة بين ذلك في رواية مالك وأبي داود والنسائي نعم وقع في رواية أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كانت بريرة مكاتب لاناس من الانصار وكانت تحت عبد الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة والبيهقي وأسامة فيه مقال وأما دعوى أن ذلك لا يقال الا بتوقيف فمردودة فإن للاجتهاد فيه مجالا وقد تقدم قريبا توجيهه من حيث النظر أيضا قال الدارقطني وقال إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت كان حرا قلت وأصرح ما رأيته في ذلك رواية أبي معاوية حدثنا الاعمش عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت كان زوج بريرة حرا فلما عتقت خيرت الحديث أخرجه أحمد عنه وأخرج بن أبي شيبة عن إدريس عن الاعمش بهذا السند عن عائشة قالت كان زوج بريرة حرا ومن وجه آخر عن النخعي عن الاسود أن عائشة حدثته أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت فدلت الروايات المفصلة التي قدمتها أنفا على أنه مدرج من قول الاسود أو من دونه فيكون من أمثلة ما ادرج في أول الخبر وهو نادر فإن الاكثر أن يكون في آخره ودونه أن يقع في وسطه وعلى تقدير أن يكون موصولا فترجح رواية من قال كان عبدا بالكثرة وأيضا فآل المرء أعرف بحديثه فإن القاسم بن أخي عائشة وعروة بن أختها وتابعهما غيرهما فروايتهما أولي من رواية الاسود فإنهما أقعد بعائشة وأعلم بحديثها والله أعلم ويترجح أيضا بأن عائشة كانت تذهب إلى أن الامة إذا عتقت تحت الحر لا خيار لها وهذا بخلاف ما روى العراقيون عنها فكان يلزم على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعوا ما روى عنها لا سيما وقد اختلف عنها فيه وادعى بعضهم أنه يمكن الجمع بين الروايتين بحمل قول من قال كان عبدا على اعتبار ما كان عليه ثم أعتق فلذلك قال من قال كان
[ 339 ]
حرا ويرد هذا الجمع ما تقدم من قول عروة كان عبدا ولو كان حرا لم تخير وأخرجه الترمذي بلفظ أن زوج بريرة كان عبدا أسود يوم أعتقت فهذا يعارض الرواية المتقدمة عن الاسود ويعارض الاحتمال المذكور احتمال أن يكون من قال كان حرا أراد ما آل إليه أمره وإذا تعارضا إسنادا واحتمالا احتيج إلى الترجيح ورواية الاكثر يرجح بها وكذلك الاحفظ وكذلك الالزم وكل ذلك موجود في جانب من قال كان عبدا وفي قصة بريرة من الفوائد وقد تقدم بعضها في المساجد وفي الزكاة والكثير منها في العتق جواز المكاتبة بالسنة تقريرا لحكم الكتاب وقد روى بن أبي شيبة في الاوائل بسند صحيح أنها أول كتابة كانت في الاسلام ويرد عليه قصة سلمان فيجمع بأن اوليته في الرجال وأولية بريرة في النساء وقد قيل أن أول مكاتب في الاسلام أبو أمية عبد عمر وادعى الروياني أن الكتابة لم تكن تعرف في الجاهلية وخولف ويؤخذ من مشروعية نجوم الكتابة البيع إلى أجل والاستقراض ونحو ذلك وفيه الحاق الاماء بالعبيد لان الآية ظاهرة في الذكور وفيه جوز كتابة أحد الزوجين الرقيقين ويلحق به جواز بيع أحدهما دون الآخر وجواز كتابة من لا مال له ولا حرفة كذا قيل وفيه نظر لانه لا يلزم من طلبها من عائشة الاعانة على حالها أن يكون لا مال لها ولا حرفة وفيه جواز بيع المكاتب إذا رضي ولم يعجز نفسه إذا وقع التراضي بذلك وحمله من منع على أنه عجزت نفسها قبل البيع ويحتاج إلى دليل وقيل إنما وقع البيع على نجوم الكتابة وهو بعيد جدا ويؤخذ منه ان المكاتب عبد ما بقي عليه شئ فيتفرع مه أجراء أحكام الرقيق كلها في النكاح والجنايات الحدود وغيرها وقد أكثر بسردها من ذكرنا إنهم جمعوا الفوائد المستنبطة من حديث بريرة ومن ذلك أن من أدى أكثر نجومه لا يعتق تغليبا لحكم الاكثر وأن من أدى من النجوم بقدر قيمته يعتق وأن من أدى بعض نحومه لم يعتق منه بقدر ما أدى لان النبي صلى الله عليه وسلم إذن في شراء بريرة من غير استفصال وفيه جواز بيع المكاتب والرقيق بشرط العتق وأن بيع الامة المزوجة ليس طلاقا كما تقدم تقريره قريبا وأن عتقها ليس طلاقا ولا فسخا لثبوت التخيير فلو طلقت بذلك واحدة لكان لزوجها الرجعة ولم يتوقف على أذنها أو ثلاثا لم يقل لها لو راجعته لانها ما كانت تحل له الا بعد زوج آخر وأن بيعها لا يبيح لمشتريها وطأها لان تخييرها يدل على بقاء علقة العصمة وأن سيد المكاتب لا يمنعه من الاكتساب وأن اكتسابه من حين الكتابة يكون له جواز سؤال المكاتب من يعينه على بعض نجومه وأن لم تحل وأن ذلك لا يقتضي تعجيزه وجواز سؤال ما لا يضطر السائل إليه في الحال وجواز الاستعانة بالمرأة المزوجة وجواز تصرفها في مالها بغير إذن زوجها وبذل المال في طلب الاجر حتى في الشراء بالزيادة على ثمن المثل بقصد التقرب بالعتق ويؤخذ منه جواز شراء من يكون مطلق التصرف السلعة بأكثر من ثمنها لان عائشة بذلت نقدا ما جعلوه نسيئة في تسع سنين لحصول الرغبة في النقد أكثر من النسيئة وجواز السؤال في الجملة لمن يتوقع الاحتياج إليه فيتحمل الاخبار الواردة في الزجر عن السؤال على الاولوية وفيه جواز سعي المرقوق في فكاك رقبته ولو كان بسؤال من يشتري ليعتق وأن أضر ذلك بسيده لتشوف الشارع إلى العتق وفيه بطلان الشروط الفاسدة في المعاملات وصحة الشروط المشروعة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وقد تقدم بسطه في الشروط ويؤخذ منه أن من استثنى خدمة المرقوق عند بيعه لم يصح شرطه وأن من شرط شرطا فاسدا لم يستحق العقوبة الا أن علم بتحريمه واصر عليه وأن سيد المكاتب لا يمنعه من السعي في تحصيل مال الكتابة ولو كان حقه في الخدمة ثابتا وأن المكاتب إذا أدى نجومه من الصدقة لم يردها السيد وإذا أدى نجومه قبل حلولها كذلك ويؤخذ منه أنه يعتق أخذا من قول موالي بريرة أن شاءت أن تحتسب عليك فإن ظاهره في قبول تعجيل ما اتفقوا على تأجيله ومن لازمه حصول العتق ويؤخذ منه أيضا أن من تبرع عن المكاتب بما عليه عتق واستدل به على عدم وجوب الوضع عن المكاتب لقول عائشة أعدها لهم عدة واحدة ولم ينكر وأجيب بجواز قصد دفعهم لها بعد القبض وفيه جواز إبطال الكتابة وفسخ عقدها إذا تراضى السيد والعبد وأن كان فيه إبطال التحرير لتقرير بريرة على السعي بين عائشة ومواليها في فسخ كتابتها لتشتريها عائشة وفيه ثبوت الولاء للمعتق والرد على من خالفه ويؤخذ
[ 340 ]
من ذلك عدة مسائل كعتق السائبة واللقيط والحليف ونحو ذلك كثر بها العدد من تكلم على حديث بريرة وفيه مشروعية الخطبة في الامر المهم والقيام فيها وتقدمة الحمد والثناء وقول أما بعد عند ابتداء الكلام في الحاجة وأن من وقع منه ما ينكر استحب عدم تعيينه وأن استعمال السجع في الكلام لا يكره الا إذا قصد إليه ووقع متكلفا وفيه جواز اليمين فيما لا تجب فيه ولا سيما عند العزم على فعل الشئ وأن لغو اليمين لا كفارة فيه لان عائشة حلفت أن لا تشترط ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم اشترطي ولم ينقل كفارة وفيه مناجاة الاثنين بحضرة الثالث في الامر يستحي منه المناجي ويعلم أن من ناجاه يعلم الثالث به ويستثنى ذلك من النهي الوارد فيه وفيه جواز سؤال الثالث عن المناجاة المذكورة إذا ظن أن له تعلقا به وجواز إظهار السر في ذلك ولا سيما أن كان فيه مصلحة للمناجي وفيه جواز المساومة في المعاملة والتوكيل فيها ولو للرقيق واستخدام الرقيق في الامر الذي يتعلق بمواليه وأن لم يأذنوا في ذلك بخصوصه وفيه ثبوت الولاء للمرأة المعتقة فيستثني من عموم الولاء لحمة كلحمة النسب فإن الولاء لا ينتقل إلى المرأة بالارث بخلاف النسب وفيه أن الكافر يرث ولاء عتيقه المسلم وأن كان لا يرث قريبه المسلم وأن الولاء لا يباع ولا يوهب وقد تقدم في باب مفرد في العتق ويؤخذ منه أن معنى قوله في الرواية الاخرى الولاء لمن أعطى الورق أن المراد بالمعطى المالك لا من باشر الاعطاء مطلقا فلا يدخل الوكيل ويؤيده قوله في رواية الثوري عند أحمد لمن أعطى الورق وولي النعمة وفيه ثبوت الخيار للامة إذا عتقت على التفصيل المتقدم وأن خيارها يكون على الفور لقوله في بعض طرقه أنها عتقت فدعاها فخيرها فاختارت نفسها وللعلماء في ذلك أقوال أحدها وهو قول الشافعي أنه على الفور وعنه يمتد خيارها ثلاثا وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهما عن أهل الرأي وقيل يمتد أبدا وهو قول مالك والاوزاعي وأحمد واحد أقوال الشافعي واتفقوا على أنه أن مكنته من وطئها سقط خيارها وتمسك من قال به بما جاء في بعض طرقه وهو عند أبي داود من طريق بن إسحاق بأسانيد عن عائشة أن بريرة أعتقت فذكر الحديث في آخره أن قربك فلا خيار لك وروى مالك بسند صحيح عن حفصة انها افتت بذلك وأخرج سعيد بن منصور عن بن عمر مثله قال بن عبد البر لا أعلم لهما مخالفا من الصحابة وقال به جمع من التابعين منهم الفقهاء السبعة واختلف فيما لو وطئها قبل علمها بأن لها الخيار هل يسقط أو لا على قولين للعلماء أصحهما عند الحنابلة لا فرق وعند الشافعية تعذر بالجهل وفي رواية الدارقطني أن وطئك فلا خيار لك ويؤخذ من هذه الزيادة أن المرأة إذا وجدت بزوجها عيبا ثم مكنته من الوطئ بطل خيارها وفيه أن الخيار فسخ لا يملك الزوج فيه رجعة وتمسك من قال له الرجعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعته ولا حجة فيه وإلا لما كان لها اختيار فتعين حمل المراجعة في الحديث على معناها اللغوي والمراد رجوعها إلى عصمته ومنه قوله تعالى فلا جناح عليهما أن يتراجعا مع أنها في المطلق ثلاثا وفيه إبطال قول من زعم استحالة أن يحب أحد الشخصين الآخر والآخر يبغضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم الا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا نعم يؤخذ منه أن ذلك هو أكثر الاغلب ومن ثم وقع التعجب لانه على خلاف المعتاد وجوز الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به أن يكون ذلك مما ظهر من كثرة استمالة مغيث لها بأنواع من الاستمالات كاظهاره حبها وتردده خلفها وبكائه عليها مع ما ينضم إلى ذلك من استمالته لها بالقول الحسن والوعد الجميل والعادة في مثل ذلك أن يميل القلب ولو أن نافرا فلما خالفت العادة وقع التعجب ولا يلزم منه ما قال الاولون وفيه أن المرء إذا خير بين مباحين فآثر ما ينفعه لم يلم ولو أضر ذلك برفيقه وفيه اعتبار الكفاءة في الحرية وفيه سقوط الكفاءة برضا المرأة التي لا ولي لها وأن من خير امرأة فاختارت فراقه وقع وانفسخ النكاح بينهما وقد تقدم وإنها لو اختارت البقاء معه لم ينقص عدد الطلاق وكثر بعض من تكلم على حديث بريرة هنا في سرد تفاريع التخيير وفيه أن المرأة إذا ثبت لها الخيار فقالت لا حاجة لي به ترتب على ذلك حكم الفراق كذا قيل وهو مبني على أن ذلك وقع قبل اختيارها الفراق ولم يقع الا بهذا الكلام وفيه من النظر ما تقدم وفيه جواز دخول النساء الاجانب بيت الرجل سواء كان فيه أم لا وفيه أن المكاتبة لا يلحقها في العتق ولدها ولا زوجها وفيه تحريم الصدقة على النبي
[ 341 ]
صلى الله عليه وسلم مطلقا وجواز التطوع منها على ما يلحق به في تحريم صدقة الفرض كأزواجه ومواليه وأن موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة وأن حرمت على الازواج وجواز أكل الغني ما تصدق به على الفقير إذا اهداه له وبالبيع أولي وجواز قبول الغني هدية الفقير وفيه الفرق بين الصدقة والهدية في الحكم وفيه نصح أهل الرجل له في الامور كلها وجواز أكل الانسان من طعام من يسر بأكله منه ولو لم يأذن له فيه بخصوصه وبأن الامة إذا عتقت جاز لها التصرف بنفسها في أمورها ولا حجر لمعتقها عليها إذا كانت رشيدة وإنها تتصرف في كسبها دون إذن زوجها أن كان لها زوج وفيه جواز الصدقة على من يمونه غيره لان عائشة كانت تمون بريرة ولم ينكر عليها قبولها الصدقة وأن لمن أهدى لاهله شئ أن يشرك نفسه معهم في الاخبار عن ذلك لقوله وهو لنا هدية وأن من حرمت عليه الصدقة جاز له أكل عينها إذا تغير حكمها وأنه يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها ما لا يملكه بغير علمه وأن تتصرف في بيته بالطبخ وغيره بآلاته ووقوده وجواز أكل المرء ما يجده في بيته إذا غلب الحل في العادة وأنه ينبغي تعريفه بما يخشي توقفه عنه واستحباب السؤال عما يستفاد به علم أو أدب أو بيان حكم أو رفع شبهة وقد يجب وسؤال الرجل عما لم يعهده في بيته وأن هدية الادني للاعلى لا تستلزم الاثابة مطلقا وقبول الهدية وأن تزر قدرها جبر للمهدي وأن الهدية تملك بوضعها في بيت المهدي له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول وأن لمن تصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما شاء ولا ينقص أجر المتصدق وأنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إذا لم يكن فيه شبهة ولا عن الذبيحة إذا ذبحت بين المسلمين وأن من تصدق عليه قليل لا يتسخطه وفيه مشاورة المرأة زوجها في التصرفات وسؤال العالم عن الامور الدينية وأعلام العالم بالحكم لم رآه يتعاطى أسبابه ولو لم يسأل ومشاورة المرأة إذا ثبت لها حكم التخيير في فراق زوجها أو الاقامة عنده وأن على الذي يشاور بذل النصيحة وفيه جواز مخالفة المشير فيما يشير به في غير الواجب واستحباب شفاعة الحاكم في الرفق بالخصم حيث لا ضرر ولا الزام ولا لوم على من خالف ولا غضب ولو عظم قدر الشافع وترجم له النسائي شفاعة الحاكم في الخصوم قبل فصل الحكم ولا يجب على المشفوع عنده القبول ويؤخذ منه ان التصميم في الشفاعة لا يسوغ فيما تشق الاجابة فيه على المسئول بل يكون على وجه العرض والترغيب وفيه جواز الشفاعة قبل أن يسألها المشفوع له لانه لم ينقل أن مغيثا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له كذا قيل وقد قدمت أن في بعض الطرق أن العباس هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فيحتمل أن يكون مغيث سأل العباس في ذلك ويحتمل أن يكون العباس ابتدأ ذلك من قبل نفسه شفقة منه على مغيث ويؤخذ منه استحباب إدخال السرور على قلب المؤمن وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به فيه أن الشافع يؤجر ولو لم تحصل اجابته وأن المشفوع عنده إذا كان دون قدر الشافع لم تمتنع الشفاعة قال وفيه تنبيه الصاحب صاحبه على الاعتبار بآيات الله واحكامه لتعجيب النبي صلى الله عليه وسلم العباس من حب مغيث بريرة قال ويؤخذ منه أن نظره صلى الله عليه وسلم كان كله بحضور وفكر وأن كل ما خالف العادة يتعجب منه ويعتبر به وفيه حسن أدب بريرة لانها لم تفصح برد الشفاعة وإنما قالت لا حاجة لي فيه وفيه أن فرط الحب يذهب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد عليه حتى لم يستطع كتمان حبها وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع منه ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره ويستنبط من هذا معذرة أهل المحبة في الله إذا حصل لهم الوجد من سماع ما يفهمون منه الاشارة إلى أحوالهم حيث يظهر منهم ما لا يصدر عن اختيار من الرقص ونحوه وفيه استحباب الاصلاح بين المتنافرين سواء كانا زوجين أم لا وتأكيد الحرمة بين الزوجين إذا كان بينهما ولد لقوله صلى الله عليه وسلم أنه أبو ولدك ويؤخذ منه أن الشافع يذكر للمشفوع عنده ما يبعث على قبوله من مقتضى الشفاعة والحامل عليها وفيه جواز شراء الامة دون ولدها وأن الولد يثبت بالفراش والحكم بظاهر الامر في ذلك قلت ولم اقف على تسمية أحد من أولاد بريرة والكلام محتمل لان يريد به أنه أبو ولدها بالقوة لكنه خلاف الظاهر وفيه جواز نسبة الولد إلى أمة وفيه أن المرأة الثيب لا اجبار عليها ولو كانت معتوقة وجواز خطبة الكبير والشريف لمن هو دونه وفيه حسن الادب في المخاطبة حتى من الاعلى مع
[ 342 ]
الادنى وحسن التلطف في الشفاعة وفيه أن للعبد أن يخطب مطلقته بغير إذن سيده وأن خطبة المعتدة لا تحرم على الاجنبي إذا خطبها لمطلقها وأن فسخ النكاح لا رجعة فيه الا بنكاح جديد وأن الحب والبغض بين الزوجين لا لوم فيه على واحد منهما لانه بغير اختيار وجواز بكاء المحب على فراق حبيبه وعلى ما يفوته من الامور الدنيوية ومن الدينية بطريق الاولى وأنه لا عار على الرجل في إظهار حبه لزوجته وأن المرأة إذا ابغضت الزوج لم يكن لوليه اكراهها على عشرته إذا احبته لم يكن لوليها التفريق بينهما وجواز ميل الرجل إلى امرأة يطمع في تزويجها أو رجعتها وجواز كلام الرجل لمطلقته في الطرق واستعطافه لها واتباعها أين سلكت كذلك ولا يخفى أن محل الجواز عند أمن الفتنة وجواز الاخبار عما يظهر من حال المرء وأن لم تفصح به لقوله صلى الله عليه وسلم للعباس ما قال وفيه جواز رد الشافع المنة على المشفوع إليه بقبول شفاعته لان قول بريرة للنبي صلى الله عليه وسلم أتأمرني ظاهر في أنه لو قال نعم لقبلت شفاعته فلما قال لا علم أنه رد عليها ما فهم من المنة في امتثال الامر كذا قيل وهو متكلف بل يؤخذ منه أن بريرة علمت أن أمره واجب الامتثال فلما عرض عليها ما عرض استفصلت هل هو أمر فيجب عليها امتثاله أو مشورة فتتخير فيها وفيه أن كلام الحاكم بين الخصوم في مشورة وشفاعة ونحوهما ليس حكما وفيه أنه يجوز لمن سئل قضاء حاجة أن يشترط على الطالب ما يعود عليه نفعه لان عائشة شرطت أن يكون لها الولاء إذا ادت الثمن دفعة واحدة وفه جواز أداء الدين على المدين وأنه يبرأ بأداء غيره عنه وافتاء الرجل زوجته فيما لها فيه حظ وغرض إذا كان حقا وجواز حكم الحاكم لزوجته بالحق وجواز قول مشتري الرقيق اشتريته لاعتقه ترغيبا للبائع في تسهيل البيع وجواز المعاملة بالدراهم والدنانير عددا إذا كان قدرها بالكتابة معلوما لقولها أعدها ولقولها تسع أواق ويستنبط منه جواز بيع المعاطاة وفيه جواز عقد البيع بالكتابة لقوله خذيها ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لابي بكر في حديث الهجرة قد أخذتها بالثمن وفيه أن حق الله مقدم على حق الآدمي لقوله شرط الله أحق وأوثق ومثله الحديث الآخر دين الله أحق أن يقضي وفيه جواز الاشتراك في الرقيق لتكرر ذكر أهل بريرة في الحديث وفي رواية كانت لناس من الانصار ويحتمل مع ذلك الوحدة وإطلاق ما في الخبر على المجاز وفيه أن الايدي ظاهرة في الملك وأن مشتري السلعة لا يسأل عن أصلها إذا لم تكن ريبة وفيه استحباب إظهار أحكام العقد للعالم بها إذا كان العاقد يجهلها وفيه أن حكم الحاكم لا يغير الحكم الشرعي فلا يحل حراما ولا عكسه وفيه قبول خير الواحد الثقة وخير العبد والامة وروايتهما وفيه أن البيان بالفعل أقوى من القول وجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة والمبادرة إليه عند الحاجة وفيه أن الحاجة إذا اقتضت بان حكم عام وجب اعلانه أو ندب بحسب الحال وفيه جواز الرواية بالمعنى والاختصار من الحديث والاقتصار على بعضه بحسب الحاجة فإن الواقعة واحدة وقد رويت بألفاظ مختلفة وزاد بعض الرواة ما لم يذكر الآخر ولم يقدح ذلك في صحته عند أحد من العلماء وفيه أن العدة بالنساء لما تقدم من حديث بن عباس أنها أمرت أن تعتد عدة الحرة ولو كان بالرجال لامرت أن تعتد بعدة الاماء وفيه أن عدة الامة إذا عتقت تحت عبد فاختارت نفسها ثلاثة قروء وأما ما وقع في بعض طرقه تعتد بحيضة فهو مرجوح ويحتمل أن أصله تعتد بحيض فيكون المراء جنس ما تستبرئ به رحمها لا الوحدة وفيه تسمية الاحكام سننا وأن كان بعضها واجبا وأن تسمية ما دون الواجب سنة اصطلاح حاث د وفيه جواز جبر السيد أمته على تزويج من لا تختاره أما لسوء خلقه أو خلقه وهي بالضد من ذلك فقد قيل أن بريرة كانت جميلة غير سوداء بخلاف زوجها وقد زوجت منه وظهر عدم اختيارها لذلك بعد عتقها وفيه أن أحد الزوجين قد يبغض الآخر ولا يظهر له ذلك ويحتمل أن تكون بريرة مع بغضها مغيثا كانت تصبر على حكم الله عليها في ذلك ولا تعامله بما يقتضيه البغض إلى أن فرج الله عنها وفيه تنبيه صاحب الحق على ما وجب له إذا جهله واستقلال المكاتب بتعجيز نفسه وإطلاق الاهل على السادة وإطلاق العبيد على الارقاء وجواز تسمية العبد مغيثا وأن مال الكتابة لا حد لاكثره وأن للمعتق أن يقبل الهداية من معتقه ولا يقدح ذلك في ثواب العتق وجواز الهدية لاهل الرجل بغير استئذانه وقبول المرأة ذلك
[ 343 ]
حيث لا ريبة وفيه سؤال الرجل عما لم يعهده في بيته ولا يرد على هذا ما تقدم في قصة أم زرع حيث وقع في سياق المدح ولا يسأل عما عهد لان معناه كما تقدم ولا يسأل عن شئ عهده وفات فلا يقول لاهله أين ذهب وهنا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ رآه وعاينه ثم احضر له غيره فسأل عن سبب ذلك لانه يعلم إنهم لا يتركون احضاره له شحا عليه بل لتوهم تحريمه فأراد أن يبين لهم الجواز وقال بن دقيق العيد فيه دلالة على تبسط الانسان في السؤال عن أحوال منزله وما عهده فيه قبل والاول أظهر وعندي أنه مبني على خلاف ما انبنى عليه الاول لان الاول بني على أنه علم حقيقة الامر في اللحم وأنه مما تصدق به على بريرة والثاني بني على أنه لم يتحقق من أين هو فجائز أن يكون مما أهدى لاهل بيته من بعض الزامها كأقاربها مثلا ولم يتعين الاول وفيه أنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إليه إذا لم يظن تحريمه أو تظهر فيه شبهة إذا لم يسأل صلى الله عليه وسلم عمن تصدق على بريرة ولا عن حاله كذا قيل وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إلى بريرة بالصدقة فلم يتم هذا الرب عز وجلقوله باب قول الله سبحانه ولا تنكحوا المشركات كذا للاكثر وساق في رواية كريمة إلى قوله ولو اعجبتكم ولم يبت البخاري حكم المسألة لقيام الاحتمال عنده في تأويلها فالاكثر أنها على العموم وإنها خصت بآية المائدة وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات هنا عبدة الاوثان والمجوس حكاه بن المنذر وغيره ثم أورد المصنف فيه قول بن عمر في نكاح النصرانية وقوله (4981) لا أعلم من الاشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة وبه جزم إبراهيم الحربي ورده النحاس فحمله على التورع كما سيأتي وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فبقي سائر المشركات على أصل التحريم وعن الشافعي قول آخر أن عموم آية البقرة أريد به خصوص آية المائدة وأطلق بن عباس أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة وقد قيل أن بان عمر شذ بذلك فقال بن المنذر لا يحفظ عن أحد من الاوائل أنه حرم ذلك اه لكن أخرج بن أبي شيبة بسند حسن أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات وقال كان ذلك والمسلمات قليل وهذا ظاهر في أنه خص الاباحة بحال دون حال وقال أبو عبيد المسلمون اليوم على الرخصة وروى عن عمر انه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن وزعم بن المرابط تبعا للنحاس وغيره أن هذا مراد بن عمر أيضا لكنه خلاف ظاهر السياق لكن الذي احتج به بن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحد وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه منهم وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك وهو من جنس مذهب بن عمر بل يمكن أن يحمل عليه وتقدم بحث في ذلك في الكلام على حديث هرقل في كتاب الايمان فذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية أخرجه بن أبي شيبة وأورده أيضا عن سعيد بن المسيب وطائفة وبه قال أبو ثور وقال بن بطال هو محجوج بالجماعة والتنزيل وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب لقوله تعالى أن تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا لكن لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس دل على إنهم أهل كتاب فكان القياس أن تجري عليهم بقية أحكام الكتابيين لكن أجيب عن أخذ الجزية من المجوس إنهم اتبعوا فيهم الخير ولم يرد مثل ذلك في النكاح
[ 344 ]
والذبائح وسيأتي تعرض لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى قوله باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن أي قدرها والجمهور على أنها تعتد عدة الحرة وعن أبي حنيفة يكفي أن تستبرأ بحضة (4982) قوله أنبأنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله وقال عطاء هو معطوف على شئ محذوف كأنه كان في جملة أحاديث حدث بها بن جريج عن عطاء ثم قال وقال عطاء كما قال بعد فراغه من الحديث قال وقال عطاء فذكر الحديث الثاني بعد سياقه ما أشار إليه من أنه مثل حديث مجاهد وفي هذا الحديث بهذا الاسناد علة كالتي تقدمت في تفسير سورة نوح وقد قدمت الجواب عنها وحاصلها أن أبا مسعود الدمشقي ومن تبعه جزموا بأن عطاء المذكور هو الخراساني وأن بن جرير لم يسمع منه التفسير وإنما أخذه عن أبيه عثمان عنه وعثمان ضعيف وعطاء الخراساني لم يسمع من بن عباس وحاصل الجواب جواز أن يكون الحديث عنه بن جريج بالاسنادين لان مثل ذلك لا يخفى على البخاري مع تشدده في شرط الاتصال مع كون الذي نبه على العلة المذكورة هو علي بن المديني شيخ البخاري المشهور به وعليه يعول غالبا في هذا الفن خصوصا علل الحديث وقد ضاق مخرج هذا الحديث على الاسماعيلي ثم على أبي نعيم فلم يخرجاه الا من طريق البخاري نفسه قوله لم تخطب بضم أوله حتى تحيض وتطهر تمسك بظاهره الحنفية وأجاب الجمهور بأن المراد تحيض ثلاث حيض لانها صارت باسلامها وهجرتها من الحرائر بخلاف ما لو سبيت وقوله فإن هاجر زوجها معها يأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده قوله وأن هاجر عبد منهم أي من أهل الحرب قوله ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد يحتمل أن يعني بحديث مجاهد الذي وصفه بالمثلية الكلام المذكور بعد هذا وهو قوله وأن هاجر عبد أو أمة للمشركين الخ ويحتمل أن يريد به كلاما آخر يتعلق بنساء أهل العهد وهو أولي لانه قسم المشركين إلى قسمين أهل حرب وأهل عهد وذكر حكم نساء أهل الحرب ثم حكم ارقائهم فكأنه أحال بحكم نساء أهل العهد على حديث مجاهد ثم عقبة بذكر حكم ارقائهم وحديث مجاهد في ذلك وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه في قوله وأن فاقكم شئ من ازواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي أن أصبتم مغنما من قريش فأعطوا الذين ذهبت ازواجهم مثل ما أنفقوا عوضا وسيأتي بسط هذا ففي الباب الذي يليه قوله وقال عطاء عن بن عباس هو موصول بالاسناد المذكور أولا عن بن جريج كما بينته قيل قوله كانت قريبة بالقاف والموحدة مصغرة في أكثر النسخ وضبطها الدمياطي بفتح القاف وتبعه الذهبي وكذلك هو في نسخة معتمدة من طبقات بن سعد وكذا للكشميهني في حديث عائشة الماضي في الشروط وللاكثر بالتصغير كالذي هنا وحكى بن التين في هذا الاسم الوجهين وقال شيخنا في القاموس بالتصغير وقد تفتع قوله ابنة أبي أمية أي بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهي أخت أم سلمة زوج
[ 345 ]
النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر في أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة وفيه نظر لانه ثبت في النسائي بسند صحيح من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها ففيه وكانت أم سلمة ترضع زينب بنتها فجاء عمار فأخذها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب فقالت قريبة بنت أبي أمية صادفها عندها أخذها عمار الحديث فهذا يقتضي أنها هاجرت قديما لان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة كان بعد أحد وقبل الحديبية بثلاث سنين أو أكثر لكن يحتمل أن تكون جاءت إلى المدينة زائرة لاختها قبل أن تسلم أو كانت مقيمة عند زوجها عمر عل دينها قبل أن تنزل الآية وليس في مجرد كونها كانت حاضرة عند تزويج أختها أن تكون حينئذ مسلمة لكن يرده أن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت ولا تمسكوا بعصم الكوافر فذكر القصة وفيها فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة فهذا يرد أنها كانت مقيمة ولا يرد أنها جاءت زائرة ويحتمل أن يكون لام سلمة أختان كل منهما تسمى قريبة تقدم إسلام إحداهما وهي التي كانت حاضرة عند تزويج أم سلمة وتأخر إسلام الاخرى وهي المذكورة هنا يؤيد هذا الثاني أن بن سعد قال في الطبقات قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة تزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فولدت له عبد الله وحفصة وأم حكيم وساق بسند صحيح أن قريبة قالت لعبد الرحمن وكان في خلقه شدة لقد حذروني منك قال فأمرك بيدك قالت لا أختار علي بن الصديق أحدا فأقام عليها وتقدم في الشروط من وجه آخر في هذه القصة في آخر حديث الزهري عن عروة عن مروان والمسور فذكر الحديث ثم قال وبلغنا أن عمر طلق امرأتين كانتا له في الشرك قريبة وابنة أبي جرول فتزوج قريبة معاوية وتزوج الاخرى أبو جهم بن حذيفة وهو مطابق لما هنا وزائد عليه وتقدم من وجه آخر مثله لكن قال وتزوج الاخرى صفوان بن أمية فيمكن الجمع بأن يكون أحدهما تزوج قبل الآخر وأما بنت أبي جرول فوقع في المغازي الكبرى لابن إسحاق حدثني الزهري عن عروة أنها أم كلثوم بنت عمرو بن جرول فكأن أباها كنى باسم والده وجرول بفتح الجيم وقد بينت في آخر الحديث الطويل في الشروط أن القائل وبلغنا هو الزهري وبينت هناك من وصله عنه من الرواة وأخرج بن أبي حاتم بسند حسن من رواية بني طلحة مسلسلا بهم عن موسى بن طلحة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية ولا تمسكوا بعصم الكوافر طلقت امرأتي أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وطلق عمر قريبة وأم كلثوم بنت جرول وقد روى الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال قال الزهري لما نزلت هذه الآية طلق عمر قريبة وأم كلثوم وطلق طلحة أروى بنت ربيعة فرق بينهما الاسلام حتى نزلت ولا تمسكوا بعصم الكوافر ثم تزوجها بعد أن أسلمت خالد بن سعيد بن العاصي واختلف في ترك رد النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من المسلمين إليهم لم يردوه هل نسخ حكم النساء من ذلك فمنع المسلمون من ردهن أو لم يدخلن في أصل الصلح أو هو عام أريد به الخصوص وبين ذلك عند نزول الآية وقد تمسك من قال بالثاني بما وقع في بعض طرقه على أن لا يأتيك منا رجل الا رددته فمفهومه أن النساء لم يدخلن وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم رد علينا من هاجر من نسائنا فإن شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا فقال كان الشرط في الرجال ولم يكن في النساء وهذا لو ثبت كان قاطعا للنزاع لكن يؤيد الاول والثالث ما تقدم في أول الشروط أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لما هاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزل إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية والمراد قوله فيها فلا ترجعوهن إلى الكفار وذكر بن الطلاع في احكامه أن سبيعة الاسلمية هاجرت فأقبل زوجها في طلبها فنزلت الآية فرد على زوجها مهرها
[ 346 ]
والذي أنفق عليها ولم يردها واستشكل هذا بما في الصحيح أن سبيعة الاسلمية مات عنها سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرا في حجة الوداع فإنه دال على أنها تقدمت هجرتها وهجرة زوجها ويمكن الجمع بن يكون سعد بن خولة إنما تزوجها بعد أن هاجرت ويكون الزوج الذي جاء في طلبها ولم ترد عليه آخر لم يسلم يومئذ وقد ذكرت في أول الشروط أسماء عدة ممن هاجر من نساء الكفار في هذه القصة قوله باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي كذا اقتصر على ذكر النصرانية وهو مثال وإلا فاليهودية كذلك فلو عبر بالكتابية لكان اشمل وكأنه راعي لفظ الاثر المنقول في ذلك ولم يجزم بالحكم لاشكاله بل أورد الترجمة مورد السؤال فقط وقد جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان محتملا لا يجزم بالحكم والمراد بالترجمة بيان حكم إسلام المرأة قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد اسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدة فإن أسلم استمر النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما وفيه خلاف مشهور وتفاصيل يطول شرحها وميل البخاري إلى أن الفرقة تقع بمجرد الاسلام كما سأبينه قوله وقال عبد الوارث عن خالد هو الحذاء عن عكرمة عن بن عباس لم يقع لي موصولا عن عبد الوارث لكن أخرج بن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن خالد الحذاء نحوه قوله إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه وهو عام في المدخول بها وغيرها ولكن قوله حرمت عليه ليس بصريح في المراد ووقع في رواية بن أبي شيبة فهي أملك بنفسها وأخرج الطحاوي من طريق أيوب عن عكرمة عن بن عباس في اليهودية أو النصرانية تكون تحت اليهودي أو النصراني فتسلم فقال يفرق بينهما الاسلام يعلو ولا يعلى عليه وسنده صحيح قوله وقال داود هو بن أبي الفرات واسم أبي الفرات عمرو بن الفرات وإبراهيم الصائغ هو بن ميمون قوله سئل عطاء هو بن أبي رباح عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة اهي امرأته قال لا الا أن شاء هي بنكاح جديد وصداق وصله بن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه وهو ظاهر في أن الفرقة تقع بإسلام أحد الزوجين ولا تنتظر انقضاء العدة قوله وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه قوله وقال الله الخ هذا ظاهر في اختياره القول الماضي فإنه كلام البخاري وهو استدلال منه لتقوية قول عطاء المذكور في هذا الباب وهو معارض في الظاهر لروايته عن بن عباس في الباب الذي قبله وهي قوله لم تخطب حتى تحيض وتطهر ويمكن الجمع بينهما لانه كان يحتمل أن يريد بقوله لم تخطب حتى تحيض وتطهر انتظار إسلام زوجها ما دامت في عدتها يحتمل أيضا أن تأخير الخطبة إنما هو لكون المعتدة لا تخطب ما دامت في العدة فعلى هذا الثاني لا يبقى بين الخبرين تعارض وبظاهر قول بن عباس في هذا وعطاء قال طاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره بن المنذر واليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الاسلام في تلك المدة فيمتنع أن كانا معا في دار الاسلام وبقول مجاهد قال قتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد واحتج الشافعي بقصة أبي سفيان لما أسلم عام الفتح بمر الظهران في ليلة دخول المسلمين مكة في الفتح كما تقدم في المغازي فإنه لما دخل مكة أخذت امرأته هند بنت عقبة بلحيته وأنكرت عليه إسلامه فأشار عليها بالاسلام فأسلمت بعد ولم يفرق بينهما ولا ذكر تجديد عقد وكذا وقع لجماعة من
[ 347 ]
الصحابة أسلمت نساؤهم قبلهم كحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما ولم ينقل أنه جددت عقود انكحتهم وذلك مشهور عند أهل المغازي لا اختلاف بينهم في ذلك الا أنه محمول عند الاكثر على أن إسلام الرجل وقع قبل انقضاء عدة المرأة التي أسلمت قبله وأما ما أخرج مالك في الموطأ عن الزهري قال لم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الحرب الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها فهذا محتمل للقولين لان الفرقة يحتمل أن تكون قاطعة ويحتمل أن تكون موقوفة وأخرج حماد بن سلمة وعبد الرزاق في مصنفيهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر أن شاءت فارقته وأن شاءت أقامت عليه قوله وقال الحسن وقتادة في مجوسيين اسلما هما على نكاحهما فإذا سبق أحدهما صاحبه بالاسلام لا سبيل له عليها أما أثر الحسن فوصله بن أبي شيبة بسند صحيح عنه بلفظ فإن أسلم أحدهما قبل صاحبه فقد انقطع ما بينهما من النكاح ومن وجه آخر صحيح عنه بلفظ فقد بانت منه وأما أثر قتادة فوصله بن أبي شبية أيضا بسند صحيح عنه بلفظ فإذا سبق أحدهما صاحبه بالاسلام فلا سبيل له عليها الا بخطبة وأخرج أيضا عن عكرمة وكتاب عمر بن عبد العزيز نحو ذلك قوله وقال بن جريج قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين ايعاوض زوجها منها وقع في رواية بن عساكر ايعاض بغير واو وقوله لقوله تعالى واتوهم ما أنفقوا قال لا إنما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل العهد وصله عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أرأيت اليوم امرأة من أهل الشرك فذكره سواء وعن معمر عن الزهري نحو قول مجاهد الاتي وزاد وقد انقطع ذلك يوم الفتح فلا يعاوض زوجها منها بشئ قوله وقال مجاهد هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى واسألوا ما انفقتم وليسألوا ما أنفقوا قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك هذا كله في صلح كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش وقد تقدم في أواخر الشروط من وجه آخر عن الزهري قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على ازواجهم أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من المشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه وكذا بعكسه فامتثل المسلمون ذلك واعطوهم وأبي المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليها فلهذا نزلت وأن فاتكم شئ من ازواجكم إلى الكفار فعاقبتم قال والعقب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار إلى الكفار وأخرج هذا الاثر للطبري من طريق يونس عن الزهري وفيه فلو ذهبت امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على ازواجهم اللاتي أمن وهاجرن ثم ردوا إلى المشركين فضلا أن كان بقي لهم ووقع في الاصل فأمر أن يعطي من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن ومعناه أن العقب المذكور في قوله فعاقبتم أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات وهذا تفسير الزهري وقال مجاهد أي أصبتم
[ 348 ]
غنيمة فأعطوا منها وبه صرح جماعة من التابعين كما أخرجه الطبري لكن حمله على ما إذا لم يحصل من الجهة الاولى شئ وهو حمل حسن وقوله في آخر الخبر المذكور وما يعلم أن أحدا من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها وهذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة لان مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من وقع منها ذلك من غير المهاجرات كالاعرابيات مثلا أو الحصر على عمومه فتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار ويؤيده رواية يونس الماضية وأخرج بن أبي حاتم من طريق أشعث عن الحسن في قوله تعالى وأن فاتكم شئ من ازواجكم قال نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد امرأة من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت هذا استثنى من الحصر المذكور في حديث الزهري لان أم الحكم هي أخت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في حديث بن عباس أنها كانت تحت عياض بن غنم وظاهر سياقه أنها كانت عند نزول قوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر مشركة وأن عياض بن غنم فارقها لذلك فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي فهذا أصح من رواية الحسن تنبيه استطرد البخاري من أصل ترجمة الباب إلى شئ مما يتعلق بشرح آية الامتحان فذكر أثر عطاء فيما يتعلق بالمعارضة المشار إليها في الآية بقوله تعالى وأن فاتكم شئ من ازواجكم إلى الكفار فعاقبتم ثم ذكر أثر مجاهد المقوي لدعوى عطاء أن ذلك كان خاصا بذلك العهد الذي وقع بين المسلمين وبين قريش وأن ذلك انقطع يوم الفتح وكأنه أشار بذلك إلى ان الذي وقع في ذلك الوقت من تقرير المسلمة تحت المشرك لانتظار إسلامه ما دامت في العدة منسوخ لما دلت عليه هذه الآثار من اختصاص ذلك بأولئك وأن الحكم بعد ذلك فيمن أسلمت أن لا تقر تحت زوجها المشرك أصلا ولو أسلم وهي في العدة وقد ورد في أصل المسألة حديثان متعارضان أحدهما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص وكان اسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الاول ولم يحدث شيئا وأخرجه أصحاب السنن الا النسائي وقال الترمذي لا بأس بإسناده وصححه الحاكم ووقع في رواية بعضهم بعد سنتين وفي أخرى بعد ثلاث وهو اختلاف جمع بينه على أن المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه وهو بين في المغازي فإنه أسر ببدر فأرسلت زينب من مكة في فدائه فأطلق لها بغير فداء وشرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرسل له زينب فوفى له بذلك واليه الاشارة في الحديث الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم في حقه حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي والمراد بالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى لا هن حل لهم وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا الحديث الثاني أخرجه الترمذي وابن ماجة من رواية حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد قال الترمذي وفي إسناده مقال ثم أخرج عن يزيد بن هارون أنه حدث بالحديثين عن بن إسحاق وعن حجاج بن أرطاة ثم قال يزيد حديث بن عباس أقوى إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعب يريد عمل أهل العراق وقال الترمذي في حديث بن عباس لا يعرف وجهه وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسألة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الاجماع في ذلك بن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع المذكور وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما وهو منقول عن علي وعن إبراهيم النخعي أخرجه بن أبي شيبة عنهما بطرق قوية وبه أفتي حماد شيخ أبي حنيفة وأجاب الخطابي عن الاشكال بأن بقاء العدة في تلك كالمدة ممكن وان لم تجر العادة غالبا به ولا سيما إذا كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذوات الاقراء لعارض علة أحيانا وبحاصل هذا أجاب البيهقي وهو أولي ما يعتمد في ذلك وحكى الترمذي في العلل المفرد عن البخاري أن حديث بن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب وعلته تدليس حجاج بن أرطاة
[ 349 ]
وله علة أشد من ذلك وهي ما ذكره أبو عبيد في كتاب النكاح عن يحيى القطان أن حجاجا لم يسمعه من عمرو بن شعيب وإنما حمله عن العزرمي والعزرمي ضعيف جدا وكذا قال أحمد بعد تخريجه قال والعزرمي لا يساوي حديثه شيئا قال والصحيح إنهما أقرأ على النكاح الاول وجنح بن بن عبد البر إلى ترجيح حديث ما دل عليه حديث عمرو بن شعيب وأن حديث بن عباس لا يخالفه قال والجمع بين الحديثين أولي من الغاء أحدهما فحمل قوله في حديث بن عباس بالنكاح الاول أي بشروطه وأن معنى قوله لم يحدث شيئا أي لم يزد على ذلك شيئا قال وحديث عمرو بن شعيب تعضده الاصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ومهر جديد والاخذ بالصريح أولي من الاخذ بالمحتمل ويؤيده مذهب بن عباس المحكي عنه في أول الباب فإنه موافق لما دل عليه حديث عمرو بن شعيب فإن كانت الرواية المخرجة عنه في السنن ثابتة فلعله كان يرى تخصيص ما وقع في قصة أبي العاص بذلك العهد كا جاء ذلك عن أتباعه كعطاء ومجاهد ولهذا أفتي بخلاف ظاهر ما جاء عنه في ذلك الحديث على أن الخطابي قال في إسناد حديث بن عباس هذه نسخة ضعفها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث يشير إلى أنه من رواية داود بن الحصين عن عكرمة قال وفي حديث عمرو بن شعيب زيادة ليست في حديث بن عباس والمثبت مقدم على النافي غير أن الائمة رجحوا إسناد حديث بن عباس أه والمعتمد ترجيح إسناد حديث بن عباس على حديث عمرو بن شعيب لما تقدم ولا مكان حمل حديث بن عباس على وجه ممكن وادعى الطحاوي أن حديث بن عباس منسوخ وأن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بعد رجوعه من بدر لما أسر فيها ثم افتدى وأطلق وأسند ذلك عن الزهري وفيه نظر فإن ثبت عنه فهو مؤول لانها كانت مستقرة عنده بمكة وهي التي أرسلت في افتدائه كما هو مشهور في المغازي فيكون معنى قوله ردها اقرها وكان ذلك قبل التحريم والثابت أنه لما أطلق اشترط عليه أن يرسلها ففعل كما تقدم وإنما ردها عليه حقيقة بعد إسلامه ثم حكى الطحاوي عن بعض أصحابهم أنه جمع بين الحديثين بطريق أخرى وهي أن عبد الله بن عمرو كان قد اطلع على تحريم نكاح الكفار بعد أن كان جائزا فلذلك قال ردها عليه بنكاح جديد ولم يطلع بن عباس على ذلك فلذلك قال ردها بالنكاح الاول وتعقب بأنه لا يظن بالصحابة أن يجزموا بحكم بناء على أن البناء بشئ قد يكون الامر بخلافه وكيف يظن بابن عباس أن يشتبه عليه نزول آية الممتحنة والمنقول من طرق كثيرة عنه يقتضي اطلاعه على الحكم المذكور وهو تحريم استقرار المسلمة تحت الكافر فلو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز استمرار الاشتباه عليه بعده حتى يحدث به بعد دهر طويل وهو يوم حدث به يكاد أن يكون أعلم أهل عصره وأحسن المسالك في هذين الحديثين ترجيح حديث بن عباس كما رجحه الائمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزل آية التحريم واسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك من حيث العادة فضلا عن مطلق الجواز وأغرب بن حزم فقال ما ملخصه أن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم وهو مخالف لما اطبق عليه أهل المغازي أن إسلامه كان في الهدنة بعد نزول آية التحريم وقد سلك بعض المتأخرين فيه مسلكا آخر فقرأت في السيرة النبوية للعماد بن كثير بعد ذكر بعض ما تقدم قال وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها وضعف رواية من قال جدد عقدها وإنما يستفاد منه أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها أن نكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل تتخير بين أن تتزوج غيره أو تتربص إلى أن يسلم فيستمر عقده عليها وحاصله أنها زوجته ما لم تتزوج ودليل ذلك ما وقع في حديث الباب في عموم قوله فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه والله أعلم ثم ذكر البخاري حديث عائشة في شأن الامتحان وبيانه لشدة تعلقه بأصل المسألة (4983) قوله وقال إبراهيم بن المنذر حدثني بن وهب ذكر أبو مسعود أنه وصله عن إبراهيم بن المنذر وقد وصله أيضا الذهلي في الزهريات عن إبراهيم
[ 350 ]
بن المنذر وسيأتي اللفظ في البخاري كرواية يونس فإن مسلما أخرجه عن أبي الطاهر بن السرح عن بن وهب كذلك وأما لفظ رواية عقيل فتقدمت في أول الشروط وأشار الاسماعيلي إلى أن رواية عقيل المذكورة في الباب لا تخالفها قوله كانت المؤمنات إذا هاجرن أي من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح قوله يمتحنهن بقول الله تعالى أي يختبرهن فيما يتعلق بالايمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون الاطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك الاشارة بقوله تعالى الله أعلم بأيمانهن قوله مهاجرات جمع مهاجرة والمهاجرة بفتح الجيم المغاضبة قال الازهري أصل الهجرة خروج البدوي من البادية إلى القرية واقامته بها والمراد بها ههنا خروج النسوة من مكة إلى المدينة مسلمات قوله إلى اخر الآية يحتمل الآية بعينها واخرها والله عليم حكيم ويحتمل أن يريد بالآية القصة واخرها غفور رحيم وهذا هو المعتمد فقد تقدم في أوائل الشروط من طريق عقيل وحده عن بن شهاب عقب حديثه عن عروة عن المسور ومروان قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى غفور رحيم وكذا وقع في رواية بن أخي الزهري عن الزهري في تفسير الممتحنة قوله قالت عائشة هو موصول بالاسناد المذكور قوله فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة يشير إلى شرط الايمان وأوضح من هذا ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأما ما أخرجه الطبري أيضا والبزار من طريق أبي نصر عن بن عباس كان يمتحنهن والله ما خرجت من بغض زوج والله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض والله ما خرجت التماس دنيا والله ما خرجت الا حبا لله ولرسوله ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد نحو هذا ولفظه فاسألوهن عما جاء بهن فإن كان من غضب على أزواجهن أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن ومن طريق قتادة كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما اخرجكن نشوز وما اخرجكن الا حب الاسلام وأهله فإذا قلن ذلك قبل منهن فكل ذلك لا ينافي رواية العوفي لاشتمالها على زيادة لم يذكرها قوله انطلقن فقد بايعتكن بينته بعد ذلك بقولها في آخر الحديث فقد بايعتكن كلاما أي كلاما بقوله ووقع في رواية عقيل المذكورة كلاما يكلمها به ولا يبايع بضرب اليد على اليد كما كان يبايع الرجال وقد أوضحت ذلك بقولها ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط زاد في رواية عقيل في المبايعة غير أنه بايعهن بالكلام وقد تقدم في تفسير الممتحنة وفي غير موضع حديث بن عباس وفيه حتى أتى النساء فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية كلها ثم قال حين فرغ أنتن على ذلك فقالت امرأة منهن نعم قد ورد ما قد يخالف ذلك ولعلها اشارت إلى رده وقد تقدم بيان ذلك مستوفى في تفسير سورة الممتحنة واختلف في استمرار حكم امتحان من هاجر من المؤمنات فقيل منسوخ بل ادعى بعضهم الاجماع على نسخه والله أعلم قوله باب قول الله تعالى للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر كذا للاكثر وساق في رواية كريمة إلى سميع عليم ووقع في شرح بن بطال باب
[ 351 ]
الايلاء وقوله تعالى الخ ووقع لابي ذر والنسفي بعد قوله فإن فاءوا رجعوا وهذا تفسير أبي عبيدة قاله في هذه الآية قال فإن فاءوا أي رجعوا عن اليمين فاء يفئ فيئا وفيوءا اه وأخرج الطبري عن إبراهيم النخعي قال الفئ الرجوع باللسان ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفئ الرجوع بالقلب واللسان لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع ومن طريق أصحاب بن مسعود منهم علقمة مثله ومن طريق سعيد بن المسيب أيضا أن حلف أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا فهو إيلاء الا أن كان يجامعها وهو لا يكلمها فليس بمول ومن طريق الحكم عن مقسم عن بن عباس الفئ الجماع وعن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي مثله والاسانيد بكل ذلك عنهم قوية قال الطبري اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الايلاء فمن خصه بترك الجماع قال لا يفئ الا بفعل الجماع ومن قال الايلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفئ الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أن لا يفعله ونقل عن بن شهاب لا يكون الايلاء الا أن يحلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الاضرار لم يكن إيلاء ومن طريق علي وابن عباس والحسن وطائفة لا إيلاء الا في غضب فإذا حلف أن لا يطأها بسبب كالخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا إيلاء ومن طريق الشعبي كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء ومن طريق القاسم وسالم فيمن قال لامرأته أن كلمتك سنة فأنت طالق أن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وأن كلمها قبل سنة فهي طالق ومن طريق يزيد بن الاصم أن بن عباس قال له ما فعلت امرأتك لعهدي بها سيئة الخلق قال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن يمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة ومن طريق أبي بن كعب أنه قرأ الذين يولون من نسائهم يقسمون قال الفراء التقدير على نسائهم ومن بمعنى علي وقال غيره بل فيه حذف تقديره يقسمون على الامتناع من نسائهم والايلاء مشتق من الالية بالتشديد وهي اليمين والجمع الايا بالتخفيف وزن عطايا قال الشاعر قليل الالايا حافظ ليمينه فإن سبقت منه الالية برت فجمع بين المفرد والجمع ثم ذكر البخاري حديث أنس آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه الحديث وادخاله في هذا الباب على طريقة من لا يشترط في الايلاء ذكر الجماع ولهذا قال بن العربي ليس في هذا الباب يعني من المرفوع سوى هذه الآية وهذا الحديث اه وأنكر شيخنا في التدريب إدخال هذا الحديث في هذا الباب فقال الايلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم بحاله فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه وهو مبني على اشتراط ترك الجماع فيه وقد كنت أطلقت في أوائل الصلاة والمظالم أن المراد بقول أنس آلى أي حلف وليس المراد به الايلاء العرفي في كتب الفقه اتفاقا ثم ظهر لي أن فيه الخلاف قديما فليقيد ذلك بأنه على رأي معظم الفقهاء فإنه لم ينقل عن أحد من فقهاء الامصار أن الايلاء ينعقد حكمة بغير ذكر ترك الجماع الا عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وأن كان ذلك قد ورد عن بعض من تقدمه كما تقدم وفي كونه حراما أيضا خلاف وقد جزم بن بطال وجماعة بأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من جماع نسائه في ذلك الشهر ولم اقف على نقل صريح في ذلك فإنه لا يلزم من ترك دخوله عليهن أن لا تدخل إحداهن عليه في المكان الذي اعتزل فيه الا أن كان المذكور من المسجد فيتم استلزام عدم الدخول عليهن مع استمرار الاقامة في المسجد العزم على ترك الوطئ لامتناع الوطئ في المسجد وقد تقدم في النكاح في آخر حديث عمر مثل حديث أنس في أنه إلى من نسائه شهرا ومن حديث أم سلمة أيضا إلى من نسائه شهرا ومن حديث بن عباس أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا ومن حديث جابر عند مسلم اعتزل نساءه شهرا وأخرج الترمذي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا ورجاله موثقون لكن رجح الترمذي إرساله على وصله وقد يتمسك بقوله حرم من ادعى أنه أمتنع من جماعهن لكن تقدم البيان الواضح أن المراد بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم وطئ مارية سريته فلا يتم الاستدلال لذلك بحديث عائشة وأقوى ما يستدل به لفظ اعتزل مع ما فيه (4984) قوله حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه هو أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الاصبحي بن عم مالك وسليمان هو بن
[ 352 ]
بلال وقد نزل البخاري في هذا الاسناد بالنسبة لحميد درجتين لانه أخرج في كتابه عن بعض أصحابه بلا واسطة كمحمد بن عبد الله الانصاري ودرجة بالنسبة لسليمان بن بلال فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فقط وقد تقدم في هذا الحديث بعينه في الصيام وفي النكاح كذلك والنكتة في اختيار هذا الاسناد النازل التصريح فيه عن حميد بسماعه له من أنس وقد تقدم بيان قوله إلى من نسائه شهرا وشرحه في أواخر الكلام على شرح حديث عمر في المتظاهرتين في النكاح ووقع في حديث أنس هذا في أوائل الصلاة زيادة قصة مشهورة سقوطه صلى الله عليه وسلم عن الفرس وصلاته بأصحابه جالسا وتقدم شرح الزيادة هناك ومن أحكام الايلاء أيضا عند الجمهور أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا فإن حلف على انقص منها لم يكن موليا وقال إسحاق أن حلف أن لا يطأ على يوم فصاعدا ثم لم يطأ حتى مضت أربعة أشهر كان إيلاء وجاء عن بعض التابعين مثله وأنكره الاكثر وصنيع البخاري ثم الترمذي في إدخال حديث أنس في باب الايلاء يقتضي موافقة إسحاق في ذلك وحمل هؤلاء قوله تعالى تربص أربعة أشهر على المدة التي تضرب للمولى فإن فاء بعدها وإلا ألزم بالطلاق وقد أخرج عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمي آجلا أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر يعني ألزم حكم الايلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري إنه قال لامرأته والله لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء وأخرج الطبري من حديث بن عباس كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان ايلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بايلاء (4985) قوله أن بن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الايلاء الذي سمي الله تعالى لا يحل لاحد بعد الاجل الذي يحلف عليه بالامتناع من زوجته الا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عزوجل هو قول الجمهور في أن المدة إذا انقضت يخير الحالف فأما أن يفئ وأما أن يطلق وذهب الكوفيون إلى أنه أن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته وأن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة قياسا على العدة لانه لا تربص على المرأة بعد انقضائها وتعقب بأن ظاهر القرآن التفصيل في الايلاء بعد مضي المدة بخلاف العدة فإنها شرعت في الاصل للبائنة والمتوفى عنه بعد انقطاع عصمتها لبراءة الرحم فلم يبق بعد مضي المدة تفصيل وأخرج الطبري بسند صحيح عن بن مسعود وبسند آخر لا بأس به عن علي أن مضت أربعة اشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة وبسند حسن عن علي وزيد بن ثابت مثله وعن جماعة من التابعين من الكوفيين ومن غيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله ومن طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والاوزاعي تطلق لكن طلقة رجعية وأخرج سعيد بن منصور من طريق جابر بن زيد إذا إلى فمضت أربعة أشهر طلقت بائنا ولا عدة عليها وأخرج إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن بن عباس مثله وأخرج سعيد بن منصور من طريق مسروق إذا مضت الاربعة بانت بطلقة وتعتد بثلاث حيض وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن مسروق عن بن مسعود مثله وأخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي قلابة أن النعمان بن بشير إلى من امرأته فقال بن مسعود إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة تنبيه سقط أثر بن عمر هذا وأثره المذكور بعد ذلك وكذا ما بعده إلى آخر الباب
[ 353 ]
من رواية النسفي وثبت للباقين قوله وقال لي إسماعيل هو بن أبي أويس المذكور قبل وفي بعض الروايات قال إسماعيل مجردا وبه جزم بعض الحفاظ فعلم عليه علامة التعليق والاول المعتمد وهو ثابت في رواية أبي ذر وغيره قوله إذا مضت أربعة أشهر يوقف في رواية الكشميهني يوقفه حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق كذا وقع من هذا الوجه مختصرا وهو في الموطأ عن مالك اخصر منه وأخرجه الاسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك بلفظ أنه كان يقول أيما رجل إلى من امرته فإذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق أو يفئ ولا يقع عليه طلاق إذا مضت حتى يوقف وكذا أخرجه الشافعي عن مالك وزاد فأما أن يطلق وأما أن يفئ وهذا تفسير للاية من بن عمر وتفسر الصحابة في مثل هذا له حكم الرفع عند الشيخين البخاري ومسلم كما نقله الحاكم فيكون فيه ترجيح لمن قال يوقف قوله ويذكر ذلك أي الايقاف عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما قول عثمان فوصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق طاوس ان عثمان بن عفان كان يوقف المولى فأما أن يفئ وأما أن يطلق وفي سماع طاوس من عثمان نظر لكن قد أخرجه إسماعيل القاضي في الاحكام من وجه آخر منقطع عن عثمان أنه كان لا يرى الايلاء شيئا وأن مضت أربعة أشهر حتى يوقف ومن طريق سعيد بن جبير عن عمر نحوه وهذا منقطع أيضا والطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر وجاء عن عثمان خلافه فأخرج عبد الرزاق والدارقطني من طريق عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان وزيد بن ثابت إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد سئل أحمد عن ذلك فرجح رواية طاوس وأما قول على فوصله الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمرو بن سلمة ان عليا وقف المولى وسنده صحيح وأخرج مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو قول بن عمر إذا مضت الاربعة أشهر لم يقع عليه الطلاق حتى يوقف فأما أن يطلق وأما أن يفئ وهذا منقطع يعتضد بالذي قبله وأخرج سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا أوقف رجلا عند الاربعة بالرحبة أما أن يفئ وأما أن يطلق وسنده صحيح أيضا وأخرج إسماعيل القاضي من وجه آخر عن علي نحوه وزاد في آخره ويجبر على ذلك وأما قول أبي الدرداء فوصله بن أبي شيبة وإسماعيل القاضي من طريق سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال يوقف في الايلاء عند انقضاء الاربعة فأما أن يطلق وأما أن يفئ وسنده صحيح أن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء وأما قول عائشة فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا فذكر مثله وهذا منقطع أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن عائشة بلفظ أنها كانت لا ترى الايلاء شيئا حتى يوقف وللشافعي عنها نحوه وسنده صحيح أيضا وأما الرواية بذلك عن اثني عشر رجلا من الصحابة فأخرجها البخاري في التاريخ من طريق عبد ربه بن سعيد عن ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الايلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف وأخرجه الشافعي من هذا الوجه فقال بضعة عشر وأخرج إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد الانصاري عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الايلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف وأخرج الدارقطني من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولى فقالوا ليس عليه شئ حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الايلاء إذا مضت الاربعة وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث الا أن
[ 354 ]
للمالكية والشافعية بعد ذلك تفاريع يطول شرحها منها ان الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون فيه رجعيا لكن قال مالك لا تصح رجعته الا أن جامع في العدة وقال الشافعي ظاهر كتاب الله تعالى على أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر آجلا فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي فإذا انقضت فعليه أحد أمرين أما أن يفئ وأما أن يطلق فلهذا قلنا لا يلزمه الطلاق بمجرد مضى المدة حتى يحدث رجوعا أو طلاقا ثم رجح قول الوقف بأن أكثر الصحابة قال به والترجيح قد يقع بالاكثر مع موافقة ظاهر القرآن ونقل بن المنذر عن بعض الائمة قال لم يجد في شئ من الادلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقا ولو جاز لكان العزم على الفئ يكون فيئا ولا قائل به وكذلك ليس في شئ من اللغة أن اليمين التي لا ينوي بها الطلاق تقتضي طلاقا وقال غيره العطف على الاربعة أشهر بالفاء يدل على أن التخيير بعد مضي المدة والذي يتبادر من لفظ التربص أن المراد به المدة المضروبة ليقع التخيير بعدها وقال غيره جعل الله الفئ والطلاق معلقين بفعل المولى بعد المدة وهو من قوله تعالى فإن فاءوا وأن عزموا فلا يتجه قول من قال أن الطلاق يقع بمجرد مضي المدة والله أعلم قوله باب حكم المفقود في أهله وماله كذا أطلق ولم يفصح بالحكم ودخول حكم الاهل يتعلق بأبواب الطلاق بخلاف المال لكن ذكره معه استطرادا قوله وقال بن المسيب إذا فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة وصله عبد الرزاق أتم منه عن الثوري عن داود بن أبي هند عنه قال إذا فقد في الصف تربصت امرأته سنة وإذا فقد في غير الصف فأربع سنين وقوله في الاصل تربص بفتح أوله على حذف إحدى الناءين واتفقت النسخ والشروح والمستخرجات على قوله سنة الا بن التين فوقع عنده ستة أشهر ولفظ ستة تصحيف ولفظ أشهر زيادة وإلى قول سعيد بن المسيب في هذا ذهب مالك لكن فرق بين ما إذا وقع القتال في دار الحرب أو في دار الاسلام قوله واشترى بن مسعود جارية فالتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين وقال اللهم عن فلان فإن أتى فلان فلي وعلي وقع في رواية الاكثر أتى بالمثناة بمعنى جاء وللكشميهني بالموحدة من الامتناع وسقط هذا التعليق من رواية أبي ذر عن السرخسي وقد وصله سفيان بن عيينة في جامعة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عنه بسند له جيد أن بن مسعود اشترى جارية بسبعمائة درهم فإما غاب صاحبها وأما تركها فناشده حولا فلم يجده فخرج بها إلى مساكين عند سدة بابه فجعل يقبض ويعطي ويقول اللهم عن صاحبها فإن أتى فمني وعلي الغرم أخرجه الطبراني من هذا الوجه أيضا وفيه أبي بالموحدة قوله وقال هكذا فافعلوا باللقطة يشير إلى أنه انتزع فعله في ذلك من حكم اللقطة للامر بتعريفها سنة والتصرف فيما بعد ذلك فإن جاء صاحبها غرمها له فرأى بن مسعود أن يجعل التصرف صدقة فإن أجازها صاحبها إذا جاء حصل له أجرها وأن لم يجزها كان الاجر للمتصدق وعليه الغرم لصاحبها وإلى ذلك أشار بقوله فلي وعلي أي فلي الثواب وعلي الغرامة وغفل بعض الشراح فقال معنى قوله فلي وعلي لي الثواب وعلى العقاب أي إنهما مكتسبان له بفعله والذي قلته أولى لانه ثبت مفسرا في رواية بن عيينة كما ترى وأما قوله في رواية الباب فلي فمعناه فلي ثواب الصدقة وإنما حذفه للعلم به قوله وقال بن عباس نحوه ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر فقط عن المستملي والكشميهني خاصة وقد وصله سعيد بن منصور من طريق عبد العزيز بن رفيع عن أبيه أنه ابتاع ثوبا من رجل بمكة فضل منه في الزحام قال فأتيت بن عباس فقال إذا كان العام المقبل فانشد الرجل في المكان الذي اشتريت منه فإن قدرت عليه وإلا تصدق بها فإن جاء فخيره بين الصدقة واعطاء الدراهم وأخرج دعلج في مسند بن عباس له بسند صحيح عن بن عباس قال انظر هذه الضوال فشد يدك بها عاما فإن جاء ربها فادفعها إليه
[ 355 ]
وإلا فجاهد بها وتصدق فإن جاء فخيره بين الاجر والمال قوله وقال الزهري في الاسير يعلم مكانه لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله فإذا انقطع خبره فسنته سنة المفقود وصله بن أبي شيبة من طريق الاوزاعي قال سألت الزهري عن الاسير في أرض العدو متى تزوج امرأته فقال لا تزوج ما علمت أنه حي ومن وجه آخر عن الزهري قال يوقف مال الاسير وامرأته حتى يسلما أو يموتا وأما قوله فسنته سنة المفقود فإن مذهب الزهري في امرأة المفقود أنها تربص أربع سنين وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر منها لعبد الرزاق من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا بذلك وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن بن عمر وابن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين وثبت أيضا عن عثمان وابن مسعود في رواية وعن جمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها للحاكم وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي الاربع سنين واتفقوا أيضا على انها ان تزوجت فجاء الزوج الاول خير بين زوجته وبين الصداق وقال أكثرهم إذا أختار أول الصداق غرمه له الثاني ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد الا ما تقدم عن سعيد بن المسيب وفرق مالك بين من فقد في الحرب فتؤجل الاجل المذكور وبين من فقد في غير الحرب فلا تؤجل بل تنتظر مضي العمر الذي يغلب على الظن أنه لا يعيش أكثر منه وقال أحمد وإسحاق من غاب عن أهله فلم يعلم خبره لا تأجيل فيه وإنما يؤجل من فقد في الحرب أو في البحر أو في نحو ذلك وجاء عن علي إذا فقدت المرأة زوجها لم تزوج حتى يقدم أو يموت أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح وقال عبد الرزاق بلغني عن بن مسعود انه وافق عليا في امرأة المفقود أنها تنتظره أبدا وأخرج أبو عبيد أيضا بسند حسن عن علي لو تزوجت فهي امرأة الاول دخل بها الثاني أو لم يدخل وأخرج سعيد بن منصور عن الشعبي إذا تزوجت فبلغها أن الاول حي فرق بينها وبين الثاني واعتدت منه فإن مات الاول اعتدت منه أيضا وورثته ومن طريق النخعي لا تزوج حتى يستبين أمره وهو قول فقهاء الكوفة والشافعي وبعض أصحاب الحديث واختار بن المنذر التأجيل لاتفاق خمسة من الصحابة عليه والله أعلم قوله حدثنا على بن عبد الله هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة (4986) قوله عن يحيى بن سعيد هو الانصاري وفي رواية الحميدي عن سفيان حدثنا يحيى بن سعيد قوله عن يزيد مولى المنبعث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في رواية الحميدي سمعت يزيد مولى المنبعث قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث اللقطة وهذا صورته الارسال ولهذا قال بعد فراغ المتن قال سفيان فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سفيان ولم أحفظ عنه شيئا غير هذا فقلت أرأيت حديث يزيد مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد بن خالد قال نعم قال سفيان قال يحيى يعني بن سعيد الذي حدثه مرسلا ويقول
[ 356 ]
ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد قال ذلك أن يحيى بن سعيد حدث به عن يزيد مولى المنبعث مرسلا ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدث به عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد فيوصله فحمل ذلك سفيان على أن لقي ربيعة فسأله عن ذلك فاعترف له به وقد أخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن يزيد مرسلا وعن ربيعة موصولا وساقه بسياقه واحدة وما وقع في رواية بن المديني من التفصيل أتقن واضبط فإنه دل على أن السياق ليحيى بن سعيد وأن ربيعة لم يحدث سفيان الا بإسناده فقط وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إسماعيل عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن ربيعة قال سفيان فلقيت ربيعة فقال حدثني به يزيد عن زيد وهذا أيضا فيه إيهام ورواية بن المديني أوضح وقد وافقه الحميدي ولفظه قال سفيان فأتيت ربيعة فقلت له الحديث الذي يحدثه يزيد مولى المنبعث في اللقطة هو عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قال سفيان وكنت أكرهه للرأي أي لاجل كثرة فتواه بالرأي قال فلذلك لم أسأله الا عن إسناده وهذا السبب في قلة رواية سفيان عن ربيعة أولي من السبب الذي ابداه بن التين فقال كان قصد سفيان لطلب الحديث أكثر من قصده لطلب الفقه وكان الفقه عند ربيعة أكثر منه عند الزهري فلذلك أكثر عنه سفيان دون ربيعة مع أن الزهري تقدمت وفاته على وفاة ربيعة بنحو عشر سنين بل أكثر اه واقتضى قول سفيان بن عيينة هذا أن يحيى بن سعيد ما سمعه من شيخه يزيد مولى المنبعث موصولا وإنما وصله له ربيعة ولكن تقدم الحديث في اللقطة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن يزيد عن زيد موصولا فلعل يحيى بن سعيد لما حدث به بن عيينة ما كان يتذكر وصله أو دله لسليمان بن بلال حين حدثه به موصولا وإنما سمع وصله من ربيعة فأسقط ربيعة وقد أخرجه مسلم من رواية سليمان بن بلال موصولا أيضا ومن رواية حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا عن يزيد عن زيد موصولا وهذا يقتضي أنه حمل إحدى الروايتين على الاخرى وقد تقدم شرح حديث اللقطة مستوفي في بابها وأراد المصنف بذكره ههنا الاشارة إلى أن التصرف في مال الغير إذا غاب جائز ما لم يكن المال مما لا يخشى ضياعة كما دل عليه التفصيل بين الابل والغنم وقال بن المنير لما تعارضت الآثار في هذه المسألة وجب الرجوع إلى الحديث المرفوع فكان فيه أن ضالة الغنم يجوز التصرف فيها قبل تحقق وفاة صاحبها فكان الحاق المال المفقود بها متجها وفيه أن ضالة الابل لا يتعرض لها لاستقلالها بأمر نفسها فاقتضى أن الزوجة كذلك لا يتعرض لها حتى يتحقق خبر وفاته فالضابط ان كل شئ يخشى ضياعه يجوز التصرف فيه صونا له عن الضياع ومالا وأكثر أهل العلم على أن حكم ضالة الغنم حكم المال في وجوب تعويضه لصاحبه إذا حضر والله أعلم قوله باب الظهار بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الاعضاء لانه محل الركوب غالبا ولذلك سمي المركوب ظهرا فشبهت الزوجة بذلك لانها مركوب الرجل فلو أضاف لغير الظهر كالبطن مثلا كان ظهارا على الاظهر عند الشافعية واختلف فيما إذا لم يعين الام كأن قال كظهر أختي مثلا فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل بختص بالام كما ورد في القرآن وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور لكن اختلفوا فيمن لم تحرم على التأبيد فقال الشافعي لا يكون ظهارا وعن مالك هو ظهار وعن أحمد روايتا كالمذهبين فلو قال كظهر أبي مثلا فليس بظهار عند الجمهور وعند أحمد رواية أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة ويقع الظهار بكل لفظ يدل على تحريم الزوجة لكن بشرط اقترانه بالنية وتجب الكفارة على قائله كما قال الله تعالى لكن بشرط العود عند الجمهور وعند الثوري وروى عن مجاهد تجب الكفارة بمجرد الظهار قوله وقول
[ 357 ]
الله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى قوله فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا كذا لابي ذر والاكثر وساق في رواية كريمة الآيات إلى الموضع المذكور وهو قوله فاطعام ستين مسكينا واستدل بقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا على أن الظهار حرام وقد ذكر المصنف في الباب آثار اقتصر على الآية وعليها وكأنه أشار بذكر الآية إلى الحديث المرفوع الوارد في سبب ذلك وقد ذكر بعض طرقه تعليقا في أوائل كتاب التوحيد من حديث عائشة وسيأتي ذكره وفيه تسمية المظاهر وتسمية المجادلة وهي التي ظاهر منها وأن الراجح أنها خولة بنت ثعلبة وأنه أول ظهار كان في الاسلام كما أخرجه الطبراني وابن مردوية من حديث بن عباس قال كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء فكان أو من ظاهر في الاسلام أوس بن الصامت وكات امرأته خوله الحديث وقال الشافعي سمعت من ارضي من أهل العلم بالقرآن يقول كان أهل الجاهلية يطلقون بثلاث الظهار والايلاء والطلاق فأقر الله الطلاق طلاقا وحكم في الايلاء والظهار بما بين في القرآن انتهى وجاء من حديث خولة بنت ثعلبة نفسها عند أبي داود قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم اشكو إليه الحديث وأخرج أصحاب السنن من حديث سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته وقد تقدمت الاشارة إلى حديثه في كتاب الصيام في قصة المجامع في رمضان وأن الاصح أن قصته كانت نهارا ولابي داود والترمذي من حديث بن عباس أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فاعتزلها حتى تكفر عنك وفي رواية أبي داود فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله واسانيد هذه الاحاديث حسان وحكم كفارة الظهار منصوص بالقرآن واختلف السلف في احكامه في مواضع ألم البخاري ببعضها في الآثار التي أوردها في الباب واستدل بآية الظهار وبآية اللعان على القول بالعموم ولو ورد في سبب خاص واتفقوا على دخول السبب وأن أوس بن الصامت شملة حكم الظهار لكن استشكله السبكي من جهة تقدم السبب وتأخر النزول فكيف يتعطف على ما مضى مع أن الآية لا تشمل الا من وجد منه الظهار بعد نزولها لان الفاء في قوله تعالى فتحرير رقبة يدل على أن المبتدأ تضمن معنى الشرط والخبر تضمن معنى الجزاء ومعنى الشرط مستقبل وأجاب عنه بان دخول الفاء في الخبر يستدعى العموم في كل مظاهر وذلك يشمل الحاضر والمستقبل قال وأما دلالة الفاء على الاختصاص بالمستقبل ففيه نظر كذا قال ويمكن أن يحتج للالحاق بالاجماع قوله وقال لي إسماعيل هو بن أبي أويس كذا للاكثر ووقع في رواية النسفي وقال إسماعيل بدون حرف الجر والاول أولي وهو موصول فعند جماعة أنه يستحسن هذه الصيغة فيما تحمله عن شيوخه مذاكرة والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما يستعمل ذلك فيما يورده موصولا من الموقوفات أو بما لا يكو بن من المرفوعات على شرطه وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق القعنبي عن مالك أنه سأل بن شهاب فذكر مثله وزاد وهو عليه واجب قوله قال مالك هو موصول بالاسناد المذكور قوله وصيام العبد شهران يحتمل أن يكون بن شهاب الذي نقل مالك عنه أن ظهار العبد نحو ظهار الحر كان يعطي العبد في ذلك جميع أحكام الحر ويحتمل أن يكون أراد بالتشبيه مطلق صحة الظهار من العبد كما يصح من الحر ولا يلزم أن يعطي جميع احكامه لكن نقل بن بطال الاجماع على ان العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر نعم اختلفوا في الاطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي لا يجزئه الا الصيام فقط وقال بن القاسم عن مالك أن أطعم بإذن مولاه أجزأه وما ادعاه من الاجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لان الله تعالى قال فتحرير رقبة والعبد لا يملك الرقاب وتعقبه بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها فكان كالمعسر ففرضه الصيام وأما ما ذكره من قدر صيامه فقد اخرج
[ 358 ]
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم لو صام شهرا أجزأ عنه وعن الحسن يصوم شهرين وعن بن جريج عن عطاء في رجل ظاهر من زوجة أمة قال شطر الصوم قوله وقال الحسن بن الحر كذا للاكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي الحسن بن حي وفي رواية وقال الحسن فقط فأما الحسن بن الحر فهو بضم المهملة وتشديد الراء بن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق ثقة عندهم وليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع أن ثبت ذلك وما الحسن بن حي فبفتح المهملة وتشديد التحتانية نسب لجد أبيه وهو الحسن بن صالح بن صالح بن حي واسم حي حبان كوفي ثقة فقيه عابد من طبقة سفيان الثوري وقد تقدم ذكر أبيه في أوائل هذا الكتاب وقد أخرج الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء هذا الاثر عن الحسن بن حي وخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال الظهار من الامة كالظهار من الحرة وقد وقع لنا الكلام المذكور من قول الحسن البصري وذلك فيما أخرجه بن الاعرابي في معجمه من طريق همام سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال قال الحسن وابن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار مثل ظهار الحرة وهو قول الفقهاء السبعة وبه قال مالك وربيعة والثوري والليث واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن الحسن أن وطئها فهو ظهار وأن لم يكن ووطئها فلا ظهار عليه وهو قول الاوزاعي قوله وقال عكرمة أن ظاهر من أمته فليس بشئ إنما الظهار من النساء وصله إسماعيل القاضي بسند لا بأس به وجاء أيضا عن مجاهد مثله أخرجه سعيد بن منصور من رواية داود بن أبي هند سألت مجاهدا عن الظهار من الامة فكأنه لم يره شيئا فقلت أليس الله يقول من نسائهم افليست من النساء فقال قال الله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم أو ليس العبيد من الرجال افتجوز شهادة العبيد وقد جاء عن عكرمة خلافه قال عبد الرزاق أنبأنا بن جريج أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة مولى بن عباس قال يكفر عن ظهار الامة مثل كفارة الحرة ويقول عكرمة الاول قال الكوفيون والشافعي والجمهور واحتجوا بقوله تعالى من نسائهم وليست الامة من النساء واحتجوا أيضا بقول بن عباس أن الظهار كان طلاقا ثم أحل بالكفارة فكما لا حظ للامة في الطلاق لا حظ لها في الظهار ويحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة في الامة المزوجة فلا يكون بين قوليه اختلاف قوله وفي العربية لما قالوا أي فيما قالوا أي يستعمل في كلام العرب عاد لكذا بمعنى أعاد فيه وأبطله قوله وفي نقض ما قالوا كذا للاكثر بنون وقاف وفي رواية الاصيلي والكشميهني بعض بموحدة ثم مهملة والاول أصح والمعنى أنه يأتي بفعل ينقض قوله الاول وقد اختلف العلماء هل يشترط الفعل فلا يجوز له وطؤها الا بعد أن يكفر أو يكفي العزم على وطئها أو العزم على امساكها وترك فراقها والاول قول الليث والثاني قول الحنفية ومالك وحكى عنه أنه الوطئ بعينه بشرط أن يقدم عليه الكفارة وحكى عنه العزم على الامساك والوطئ معا وعليه أكثر أصحابه والثالث قول الشافعي ومن تبعه وثم قول رابع سنذكره هنا قوله وهذا أولي لان الله تعالى لم يدل على المنكر وقول الزور هذا كلام البخاري ومراده الرد على من زعم أن شرط العود هنا أن يقع بالقول وهو إعادة لفظ الظهار فأشار إلى هذا القول وجزم بأنه مرجوح وأن كان هو ظاهر الآية وهو قول أهل الظهر وقد روى ذلك عن أبي العالية وبكير بن الاشج من التابعين وبه قال الفراء النحوي ومعنى قوله ثم يعودون لما قالوا أي إلى قول ما قالوا وقد بالغ بن العربي في إنكاره ونسب قائله إلى الجهل لان الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور فكيف يقال إذا أعاد القول المحرم المنكر يجب عليه أن يكفر ثم تحل له المرأة انتهى وإلى هذا أشار البخاري بقوله لان الله لم يدل على المنكر والزور وقال إسماعيل
[ 359 ]
القاضي لما وقع بعد قوله ثم يعودون فتحرير رقبة دل على أن المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة فإن رجلا لو قال إذا أردت أن تمس فاعتق رقبة قبل أن تمس لكان كلاما صحيحا بخلاف ما لو قال إذا لم ترد ان تمس فاعتق رقبة قبل أن تمس وقد جرى بحث بين أبي العباس بن سريج ومحمد بن داود الظاهري فاحتج عليه بن سريج بالاجماع فأنكره بن داود وقال الذين خالفوا القرآن لا أعد خلافهم خلافا وأنكر بن العربي أن يصح عن بكير بن الاشج واختلف المعربون في معنى اللام في قوله لما قالوا فقيل معناها ثم يعودون إلى الجماع فتحرير رقبة لما قالوا أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا فادعوا أن اللام في قوله لما قالوا متعلق بالمحذوف وهو قوله عليه قاله الاخفش وقيل المعنى الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا أي إلى المظاهرة في الاسلام وقيل اللام بمعنى عن أي يرجعون عن قولهم وهذا موافق قول من يوجب الكفارة بمجرد وقوع كلمة الظهار وقال بن بطال يشبه أن تكون ما بمعنى من أي اللواتي قالوا لهن أنتن علينا كظهور امهاتنا قال ويجوز أن يكون قالوا بتقدير المصدر أي يعودون للقول فسمى المقول فيهن باسم المصدر وهو القول كما قالوا درهم ضرب الامير وهو مضروب الامير والله أعلم بالصواب رضي الله تعالى عنهما قوله باب الاشارة في الطلاق والامور أي الحكمية وغيرها وذكر فيه عدة أحاديث معلقة وموصولة أولها قوله وقال بن عمر هو طرف من حديث تقدم موصولا في الجنائز وفيه قصة لسعد بن عبادة وفيها ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه ثانيها وقال كعب بن مالك هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في الملازمة وفيها وأشار إلى أن خذ النصف ثالثها وقالت أسماء هي بنت أبي بكر قوله صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف الحديث تقدم موصولا في كتاب الايمان بلفظ فأشارت إلى السماء وفيه فأشارت برأسها أي نعم وفي صلاة الكسوف بمعناه وفي صلاة السهو باختصار رابعها وقال أنس أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يتقدم هو طرف من حديث بن عباس خامسها وقال بن عباس هو طرف من حديث تقدم موصلا في العلم في باب من أجاب بإشارة اليد والرأس وفيه وأومأ بيده ولا حرج سادسها وقال أبو قتادة هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في باب لا يشير المحرم إلى الصيد من كتاب الحج وفيه أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها الحديث السابع (4987) قوله أبو عامر هو العقدي وإبراهيم شيخه جزم المزي بأنه بن طهمان وزعم بعض الشراح أنه أبو إسحاق الفزاري والاول أرجح وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان عن خالد وهو الحذاء وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الحج وفيه كلما أتى علي الركن أشار إليه الثامن قوله وقالت زينب هي بنت جحش أم المؤمنين
[ 360 ]
قوله مثل هذه وهذه وعقد تسعين تقدم في أحاديث الانبياء وعلامات النبوة موصولا ويأتي في الفتن لكن بلفظ وحلق بأصبعه الابهام والتي تليها وهي صورة عقد التسعين وسيأتي في الفتن من حديث أبي هريرة بلفظ وعقد تسعين ووجه إدخاله في الترجمة أن العقد على صفة مخصوصة لارادة عدد معلوم يتنزل منزلة الاشارة المفهمة فإذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه دل على اعتبار الاشارة ممن لا يقدر على النطق بطريق الاولى التاسع (4988) قوله سلمة بن علقمة بفتح المهملة واللام شيخ ثقة وهو بصري وكذا سائر رواة هذا الاسناد وقد يلتبس بمسلمة بن علقمة شيخ بصري أيضا لكن في أول اسمه زيادة ميم والمهملة ساكنة وهو دون سلمة بن علقمة في الطبقة والثقة قوله وقال بيده أي أشار بها وهو من إطلاق القول على الفعل قوله ووضع انملته على بطن الوسطى والخنصر قلنا يزهدها أي يقللها بين أبو مسلم الكجي في روايته عن مسدد شيخ البخاري أن الذي فعل ذلك هو بشر بن المفضل راوية عن سلمة بن علقمة فعلى هذا ففي سياق البخاري ادراج وقد قيل أن المراد بوضع الانملة في وسط الكف الاشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يوم الجمعة وبوضعها على الخنصر الاشارة إلى أنها في آخر النهار لان الخنصر آخر أصابع الكف وقد تقدم بسط الاقاويل في تعيين وقتها في كتاب الجمعة الحديث العاشر قوله وقال الاويسي هو عبد العزيز بن عبد الله شيخ البخاري أخرج عنه الكثير في العلم وفي غيره وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق يعقوب بن سفيان عنه ويأتي في الديات من وجه آخر عن شعبة مع شرحه وقوله فيه اوضاحا جمع وضح بفتح أوله والمعجمة ثم مهملة هو البياض والمراد هنا حلى من فضة وقوله وضح براء مهملة ثم ضاد وخاء معجمتين أي كسر رأسها وهي في آخر رمق أي نفس وزنا ومعنى وقوله اصمت بضم أوله أي وقع بها الصمت أي خرس في لسانها مع حضور ذهنها وفيه فأشارت أن لا وفيه فأشارت أن نعم الحديث الحادي عشر حديث بن عمر في ذكر الفتن يأتي شرحه في الفتن وفيه وأشار إلى المشرق الحديث الثاني عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى (4991) قوله فأجدح لي بجيم ثم
[ 361 ]
مهملة أي حرك السويق بعود ليذوب في الماء وقد تقدم شرحه في باب متى يحل فطر الصائم من حديث عبد الله بن أبي أوفى من كتاب الصيام والمراد منه هنا قوله ثم أومأ بيده قبل المشرق الثالث عشر حديث أبي عثمان وهو النهدي عن بن مسعود قوله ليرجع بفتح أوله وكسر الجيم وقائمكم بالنصب على المفعولية وقوله (4992) بسم الله الرحمن الرحيم وليس أن يقول هو من إطلاق القول على الفعل وقوله كأنه يعني الصبح أو الفجر شك من الراوي وتقدم في باب الاذان قبل الفجر من كتاب الصلاة بلفظ يقول الفجر بغير شك قوله واظهر يزيد هو بن زريع راوية قوله ثم مد إحداهما من الاخرى تقدم في الاذان على كيفية أخرى ووقع عند مسلم بلفظ ليس الفجر المعترض ولكن المستطيل وبه يظهر المراد من الاشارة المذكورة الحديث الرابع عشر قوله وقال الليث تقدم التنبيه على إسناده في أوائل الزكاة مع شرحه وقوله هنا جبتان بجيم ثم موحدة وقوله الا مادت بتشديد الدال من المد وأصله ماددت فأدغمت وذكره بن بطال بلفظ مارت براء خفيفة بدل الدال ونقل عن الخليل مار الشئ تمور مورا إذا تردد وقوله (4993) من لدن ثدييهما كذا لابي ذر بالتثنية ولغيره ثديهما بصيغة الجمع قال بن التين وهو الصواب فإن لكل رجل ثديين فيكون لهما أربعة كذا قال وليست الرواية بالتثنية خطأ بل هي موجهة والتقدير ثديي كل منهما وقوله تجنى بفتح أوله وضم الجيم قيده بن التين قال ويجوز بضم أوله وكسر الجيم من الرباعي قلت وهو الثابت في معظم الروايات وموضع الترجمة منه قوله فيه ويشير بإصبعه إلى حلقة قال بن بطال ذهب الجمهور إلى أن الاشارة إذا كانت مفهمة تتنزل منزلة النطق وخالفه الحنفية في بعض ذلك ولعل البخاري رد عليهم بهذه الاحاديث التي جعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الاشارة قائمة مقام النطق وإذا جازت الاشارة في أحكام مختلفة في الديانة فهي لمن لا يمكنه النطق اجوز وقال بن المنير أراد البخاري أن الاشارة بالطلاق وغيره من الاخرس وغيره التي يفهم منها الاصل والعدد نافذ كاللفظ اه ويظهر لي أن البخاري أورد هذه الترجمة وأحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه مع من فرق بين لعان الاخرس وطلاقه والله أعلم وقد اختلف العلماء في الاشارة المفهمة فأما في حقوق الله فقالوا يكفي ولو من القادر على النطق وأما في حقوق الادميين كالعقود الاقرار والوصية ونحو ذلك فاختلف العلماء فيمن اعتقل لسانه ثالثها عن أبي حنيفة أن كان مأيوسا من نطقه وعن بعض الحنابلة أن اتصل بالموت ورجحه الطحاوي وعن الاوزاعي أن سبقه كلام ونقل عن مكحول أن قال فلان حر ثم اصمت فقيل له وفلان فأومأ صح وأما القادر على النطق فلا تقوم اشارته مقام نطقه عند الاكثرين واختلف هل يقوم مقام النية كما لو طلق امرأته فقيل له كم طلقة فأشار
[ 362 ]
بأصبعه قوله باب اللعان هو مأخوذ من اللعن لان الملاعن يقول لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لانه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية وهو أيضا يبدأ به وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس وقيل سمي لعانا لان اللعن الطرد والابعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لان الرجل إذا كان كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف وأن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش والتعرض لالحاق من ليس من الزوج به فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية أو الميراث لمن لا يستحقهما واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى ويقال تلاعنا والتعنا ولاعن الحاكم بينهما والرجل ملاعن والمرأة ملاعنة لوقوعه غالبا من الجانبين واجمعوا على مشروعية اللعان وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج لكن لو تحقق أن الولد ليس منه قوي الوجوب قوله وقول الله تعالى والذين يرمون ازواجهم إلى قوله أن كان من الصادقين كذا للاكثر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وكأن البخاري تمسك بعموم قوله تعالى يرمون لانه أعم من أن يكون باللفظ أو بالاشارة المفهمة وقد تمسك غيره للجمهور بها في أنه لا يشترط في الالتعان أن يقول الرجل رأيتها تزني ولا أن ينفي حملها أن كانت حاملا أو ولدها أن كانت وضعت خلافا لمالك بل يكتفى أن يقول أنها زانية أو زنت ويؤيده أن الله شرع حد القذف على الاجنبي برمي المحصنة ثم شرع اللعان برمي الزوجة فلو أن أجنبيا قال يا زانية وجب عليه حد القذف فكذلك حكم اللعان واوردوا على المالكية الاتفاق على مشروعية اللعان للاعمى فانفصل عنه بن القصار بأن شرطه أن يقول لمست فرجه في فرجها والله أعلم قوله فإذا قذف الاخرس امرأته بكتابة بمثناة ثم موحدة وعند الكشميهني بكتاب بلا هاء قوله أو إشارة أو إيماء معروف فهو كالمتكلم لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الاشارة في الفرائض أي في الامور المفروضة قوله وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم أي من غيرهم وخالف الحنفية والاوزاعي وإسحاق وهي رواية عن أحمد اختارها بعض المتأخرين قوله وقال الله تعالى فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا أخرج بن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران قال لما قالوا لمريم لقد جئت شيئا فريا الخ اشارت إلى عيسى أن كلموه فقالوا تأمرنا أن نكلم من هو في المهد زيادة على ما جاءت به من الداهية ووجه الاستدلال به أن مريم كانت نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الاخرس فأشارت إشارة مفهمة اكتفوا بها عن معاودة سؤالها وأن كانوا أنكروا عليها ما أشارت به وقد ثبت من حديث أبي بن كعب وأنس بن مالك أن معنى قوله تعالى أن نذرت للرحمن صوما أي صمتا أخرجه الطبراني وغيره قوله وقال الضحاك أي بن مزاحم الا رمزا إشارة وصله عبد بن حميد وأبو حذيفة في تفسير سفيان الثوري ولفظهما عنه في قوله تعالى ايتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا فاستثنى الرمز من الكلام فدل على أن له حكمة وأغرب الكرماني فقال الضحاك هو بن شراحيل الهمداني فلم يصب فإن المشهور بالتفسير هو بن مزاحم وقد وجد الاثر المذكور عنه مصرحا أنه بن مزاحم وأما بن شراحيل ويقال بن شرحبيل فهو من التابعين لكن لمن ينقلوا عنه شيئا من التفسير بل له عند البخاري حديثان فقط أحدهما في فضائل القرآن والآخر في استتابة المرتدين وكلاهما من روايته عن أبي سعيد الخدري قال الرمز
[ 363 ]
الاشارة قوله وقال بعض الناس لا حد ولا لعان أي بالاشارة من الاخرس وغيره ثم زعم أن طلق بكتابة أو إشارة أو إيماء جاز كذا لابي ذر ولغيره أن الطلاق بكتابة الخ قوله وليس بين الطلاق والقذف فرق فإن قال القذف لا يكون الا بكلام قيل له كذلك الطلاق لا يكون بكلام أي وأنت وافقت على وقوعه بغير الكلام فيلزمك مثله في اللعان والحد قوله وإلا بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق يعني أما أن يقال باعتبار الاشارة فيها كلها أو بترك اعتبارها فتبطل كلها بالاشارة وإلا فالتفرقة بينهما بغير دليل تحكم وقد وافقه بعض الحنفية على هذا البحث وقال القياس بطلان الجميع لكن عملنا به في غير اللعان والحد استحسانا ومنهم من قال منعناه في اللعان والحد للشبهة لانه يتعلق بالصريح كالقذف فلا يكتفي فيه بالاشارة لانها غير صريحة وهذه عمدة من وافق الحنفية من الحنابلة وغيرهم ورده بن التين بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الاشارة مفهمة افهاما واضحا لا يبقى معه ريبة ومن حجتهم أيضا أن القذف يتعلق بصريح الزنا دون معناه بدليل أن من قال لاخر وطئت وطء حراما لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطئ وطئ شبهة فاعتقد القائل أنه حرام والاشارة لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين ولذلك لا يجب الحد في التعريض وأجاب بن القصار بالنقض عليهم بنفوذ لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين ولذلك لا يجب الحد في التعويض وأجاب بن القصار بالنقض عليه بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ ويتميز بالاشارة وهو قوي واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة وشهادة الاخرس مردودة بالاجماع وتعقب بأن مالكا ذكر قبولها فلا إجماع وبأن اللعان عند الاكثر يمين كما سيأتي البحث فيه قوله وكذلك الاصم يلاعن أي إذا اشير إليه حتى فهم قال المهلب في أمره اشكال لكن قد يرتفع بترداد الاشارة إلى أن تفهم معرفة ذلك عنه قلت والاطلاع على معرفته بذلك سهل لانه يعرف من نطقه قوله وقال الشعبي وقتادة إذا قال أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته وصله بن أبي شيبة بلفظ سئل الشعبي فقال سئل رجل مرة أطلقت امرأتك قال فأومأ بيده بأربع أصابع ولم يتكلم ففارق امرأته قال بن التين معناه أنه عبر عما نواه من العدد بالاشارة فاعتدوا عليه بذلك قوله وقال إبراهيم الاخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه وصله بن أبي شيبة بلفظ أخرجه الاثرم عن بن أبي شيبة كذلك وأخرجه عبد الرزاق بلفظ الرجل يكتب الطلاق ولا يلفظ به أنه كان يراه لازما ونقل بن التين عن مالك أن الاخرس إذا كتب الطلاق أو نواه لزمه وقال الشافعي لا يكون طلاقا يعني أن كلا منهما على انفراده لا يكون طلاقا أما لو جمعهما فإن الشافعي يقول بالوقوع سواء كان ناطقا أم أخرس قوله وقال حماد الاخرس والاصم أن قال برأسه جاز هو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة فكأن البخاري أراد الزام الكوفيين بقول شيخهم ولا يخفى أن محل الجواز حيث يسبق ما ينطبق عليه من الايماء بالرأس الجواب ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث
[ 364 ]
تتعلق بالاشارة أيضا الحديث الاول منها حديث أنس في فضل دور الانصار وقد تقدم شرحه في المناقب فإنه أورده هناك من وجه آخر عن أنس عن أبي أسيد الساعدي وأورده هنا عن أنس بغير واسطة والطريقان صحيحان وفي زيادة أنس هذه الاشارة وليست في روايته عن أبي أسيد وفي رواية عن أبي أسيد من الزيادة قصة لسعد بن عبادة كما تقدم والمقصود من الحديث هنا (4994) قوله ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده ففيه استعمال الاشارة المفهمة مقرونة بالنطق وقوله كالرامي بيده أي كالذي يكون بيده الشئ قد ضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشرت الثاني حديث سهل (4995) قوله قال أبو حازم كذا وقع عنده أخرجه الاسماعيلي من وجهين عن سفيان بلفظ عن أبي حازم وصرح الحميدي عن سفيان بالتحديث فقال في روايته حدثنا أبو حازم أنه سمع سهلا أخرجه أبو نعيم قوله كهذه من هذه أو كهاتين شك من الراوي واقتصر الحميدي على قوله كهذه من هذه قوله وفرق وأشار سفيان بالسبابة سيأتي شرحه مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قال الكرماني قد انقضى من يوم بعثته إلى يومنا هذا يعني سنة سبع وستين وسبعمائة سبعمائة وثمانون سنة فكيف تكون المقاربة وأجاب الخطابي أن المراد أن الذي بقي بالنسبة إلى ما مضى قدر فضل الوسطى إلى السبابة قلت وسيأتي البحث في ذلك حيث أشرت إليه الثالث حديث بن عمر الشهر هكذا وهكذا وهكذا تقدم شرحه مستفي في كتاب الصيام والرابع حديث أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو ووقع في رواية القابسي والكشميهني بن مسعود قال عياض وهو وهم وهو كما قال فقد تقدم كذلك في بدء الخلق والمناقب والمغازي من طرق عن إسماعيل وهو بن أبي خالد عن قيس وهو بن أبي حازم وصرح في بدء الخلق باسمه ولفظه حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود وقد تقدم شرحه في ذكر الجن في بدء الخلق وبقية شرحه في أول المناقب الخامس حديث سهل في فضل كافل اليتيم وسيأتي شرحه في كتاب الادب إن شاء الله تعالى وقوله فيه بالسبابة في رواية الكشميهني بالسباحة وهما بمعنى قوله باب إذا عرض بنفي الولد بتشديد الراء من التعريض وهو ذكر شئ يفهم منه شئ آخر لم يذكر ويفارق الكناية بأنها ذكر شئ بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه وترجم البخاري لهذا الحديث في الحدود ما جاء في التعريض وكأنه أخذه من قوله في بعض طرقه يعرض بنفيه وقد اعترضه بن المنير فقال ذكر ترجمة التعويض عقب ترجمة الاشارة لاشتراكهما في افهام المقصود لكن كلامه يشعر بالغاء حكم التعريض فيتناقض مذهبه في الاشارة والجواب أن الاشارة المعتبرة هي التي لا يفهم منها الا المعنى المقصود بخلاف التعريض فإن الاحتمال فيه أما راجح وأما مساو
[ 365 ]
فافترقا قال الشافعي في الام ظاهر قول الاعرابي أنه اتهم امرأته لكن لما كان لقوله وجه غير القذق لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه بحكم القذف فدل ذلك على أنه لا حد في التعريض ومما يدل على ان التعريض لا يعطي حكم التصريح الاذن بخطبة المعتدة بالتعريض لا بالتصريح فلا يجوز والله أعلم (4999) قوله عن بن شهاب قال الدارقطني أخرجه أبو مصعب في الموطأ عن مالك وتابعه جماعة من الرواة خارج الموطأ ثم ساقه من رواية محمد بن الحسن عن مالك أنا الزهري ومن طريق عبد الله بن محمد بن أسماء عن مالك ومن طريق بن وهب أخبرني بن أبي ذئب ومالك كلاهما عن بن شهاب وطريق بن وهب هذه أخرجها أبو داود قوله أن سعيد بن المسيب أخبره كذا لاكثر أصحاب الزهري وخالفهم يونس فقال عنه وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وسيأتي في كتاب الاعتصام من طريق بن وهب عنه وهو مصير من البخاري إلى أنه عند الزهري عن سعيد وأبي سلمة معا وقد وافقه مسلم على ذلك ويؤيده رواية يحيى بن الضحاك عن الاوزاعي عن الزهري عنهما جميعا وقد أطلق الدارقطني ان المحفوظ رواية مالك ومن تابعه وهو محمول على العمل بالترجيح وأما طريق الجمع فهو ما صنعه البخاري وبتأيد أيضا بان عقيلا رواه عن الزهري قال بلغنا عن أبي هريرة فإن ذلك يشعر بأنه عنده عن غير واحد وإلا لو كان عن واحد فقط كسميد مثلا لاقتصر عليه قوله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي مصعب جاء أعرابي وكذا سيأتي في الحدود عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وللنسائي جاء رجل من أهل البادية وكذا في رواية أشهب عن مالك عند الدارقطني وفي رواية بن وهب التي عند أبي داود أن أعرابيا من بني فزارة وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان بن عيينة عن بن شهاب واسم هذا الاعرابي ضمضم بن قتادة أخرج حديثه عبد الغني بن سعيد في المبهمات له من طريق قطبة بنت عمرو بن هرم أن مدلوكا حدثها أن ضمضم بن قتادة ولد له مولود اسود من امرأة من بني عجل فشكا النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل لك من ابل قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية بن أبي ذئب صرخ بالنبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال يا رسول الله أن امرأتي ولدت غلاما أسود لم اقف على اسم المرأة ولا على اسم الغلام وزاد في رواية يونس وإني انكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه وإلا لكان تصريحا بالنفي لا تعريضا ووجه التعريض أنه قال غلاما أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليس قذفا وبه قال الجمهور واستدل الشافعي بهذا الحديث لذلك وعن المالكية يجب به الحد إذا كان مفهوما وأجابوا عن الحديث بما سيأتي بيانه في آخر شرحه وقال بن دقيق العيد في الاستدلال بالحديث نظر لان المستفتي لا يجب عليه حد ولا تعزير قلت وفي هذا الاطلاق نظر لانه قد يستفتى بلفظ لا يقتضي القذف وبلفظ يقتضيه فمن الاول أن يقول مثلا إذا كان زوج المرأة أبيض فأتت بولد أسود ما الحكم ومن الثاني ان يقول مثلا أن امرأتي أتت بولد أسود وأنا أبيض فيكون تعريضا أو يزيد فيه مثلا زنت فيكون تصريحا والذي ورد في حديث الباب هو الثاني فيتم الاستدلال وقد نبه الخطابي على عكس هذا فقال لا يلزم الزوج إذا صرح بأن الولد الذي وضعته امرأته ليس منه حد قذف
[ 366 ]
لجواز أن يريد أنها وطئت بشبهة أو وضعته من الزوج الذي قبله إذا كان ذلك ممكنا قوله قال فما ألوانها قال حمر في رواية محمد بن مصعب عن مالك عند الدارقطني قال رمك والارمك الابيض إلى حمرة وقد تقدم تفسيره في شرح حديث جمل جابر في الشروط قوله فهل فيها من اورق بوزن أحمر قوله أن فيها لورقا بضم الواو بوزن حمر والاورق الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء قوله فإني ذلك بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لامر آخر قوله لعل نزعه عرق في رواية كريمة لعله ولا اشكال فيها بخلاف الاولى فجزم جمع بأن الصواب النصب أي لعل عرقا نزعه وقال الصغاني ويحتمل أن يكون في الاصل لعله فسقطت الهاء ووجهه بن مالك باحتمال أنه حذف منه ضمير الشأن ويؤيد توجيهه ما وقع في رواية كريمة والمعنى يحتمل ان يكون في اصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه وادعى الداودي أن لعل هنا للتحقق قوله ولعل ابنك هذا نزعه كذا في رواية أبي ذر بحذف الفاعل ولغيره نزعة عرق وكذا في سائر الروايات والمراد بالعرق الاصل من النسب شبهة بعرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الاصالة أي أن أصله متناسب وكذا معرق في الكرم أو اللؤم واصل النزع الجذب وقد يطلق على الميل ومنه ما وقع في قصة عبد الله بن سلام حين سئل عن شبة الولد بأبيه أو بأمه نزع إلى أبيه أو إلى أمة وفي الحديث ضرب المثل وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبا لفهم السائل واستدل به لصحة العمل بالقياس قال الخطابي هو أصل في قياس الشبه وقال بن العربي فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه بن دقيق العيد فقال هو تشبيه في أمر وجودي والنزاع إنما هو في التشبيه في الاحكام الشرعية من طريق واحدة قوية وفيه أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمة وقال القرطبي تبعا لابن رشد لا خلاف في أنه لا يحل نفي الولد باختلاف الالوان المتقاربة كالادمة والسمرة ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقر بالوطئ ولم تمض مدة الا ستبراء وكأنه أراد في مذهبه وإلا فالخلاف ثابت عند الشافعية بتفصيل فقالوا أن لم ينضم إليه قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح وفي حديث بن عباس الاتي في اللعان ما يقويه وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا والخلاف إنما هو عند عدمها وهو عكس تريب الخلاف عند الشافعية وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به مخالفة الشبه وفيه الاحتياط للانساب وابقائها مع الامكان والزجر عن تحقيق ظن السوء وقال القرطبي يؤخذ منه منع التسلسل وأن الحوادث لا بد لها أن تستند إلى أول ليس بحادث وفيه أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح خلافا للمالكية وأجاب بعض المالكية ان التعريض الذي يجب به القذف عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من التصريح وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك فان الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم لما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل اذعن وقال المهلب التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبل المواجهة والمشاتمة وقال بن المنير الفرق بين الزوج والاجنبي في التعريض أن الاجنبي يقصد الاذية المحضة والزوج قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب والله أعلم قوله باب احلاف الملاعن ذكر فيه حديث بن عمر من رواية جويرية بن أسماء عن نافع مختصرا بلفظ فاحلفهما وكذا سيأتي بعد ستة أبواب من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع وتقدم في تفسير النور من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ لاعن بين رجل وامرأة والمراد بالاحلاف هنا النطق بكلمات اللعان وقد تمسك به من قال أن اللعان يمين وهو قول مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة اللعان
[ 367 ]
شهادة وهو وجه الشافعية وقيل شهادة فيها شائبة اليمن وقيل بالعكس ومن ثم قال بعض العلماء ليس بيمين ولا شهادة وانبني على الخلاف أن اللعان يشرع بين كل زوجين مسلمين أو كافرين حرين أو عبدين عدلين أو فاسقي بناء على أنه يمين فمن صح يمينه صح لعانه وقيل لا يصح اللعان الا من زوجين حرين مسلمين لان اللعان شهادة ولا يصح من محدود في قذف وهذا الحديث حجة للاولين لتسوية الراوي بين لاعن وحلف ويؤيده أن اليمين ما دل على حث أو منع أو تحقيق خبر وهو هنا كذلك ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث بن عباس فقال له احلف بالله الذي لا إله إلا هو إني لصادق يقول ذلك أربع مرات أخرجه الحاكم والبيهقي من رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عنه وسيأتي قريبا لولا الايمان لكان لي ولها شأن واعتل بعض الحنفية بأنها لو كانت يمينا لما تكررت وأجيب بأنها خرجت عن القياس تغليظا لحرمة الفروج كما خرجت القسامة لحرمة الانفس وبأنها لو كانت شهادة لم تكرر أيضا والذي تحرر لي أنها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالامرين علما يصح معه أن يشهد به ويؤيد كونها يمينا أن الشخص لو قال أشهد بالله لقد كان كذا لعد حالفا وقد قال القفال في محاسن الشريعة كررت إيمان اللعان لانها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحد ومن ثم سميت شهادات قوله باب يبدأ الرجل بالتلاعن ذكر فيه حديث بن عباس في قصة هلال بن أمية مختصرا وكأنه أخذ الترجمة من قوله ثم قامت فشهدت فإنه ظاهر في أن الرجل يقدم قبل المرأة في الملاعنة وقد ورد ذلك صريحا من حديث بن عمر كما سأذكره في باب صداق الملاعنة وبه قال الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه بن العربي وقال بن القاسم لو ابتدأت به المرأة صح واعتد به وهو قول أبي حنيفة واحتجوا بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب واحتج للاولين بأن اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال البينة وإلا حد في ظهرك فلو بدئ بالمرأة لكان دفعا لامر لم يثبت وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن كما تقدم فيندفع عن المرأة بخلاف ما لو بدأت به المرأة (5001) قوله عن عكرمة عن بن عباس كذا وصله هشام بن حسان عن عكرمة وتابعه عباد بن منصور عن عكرمة أخرجه أبو داود في السنن وساقه أبو داود الطيالسي في مسنده مطولا واختلف على أيوب فرواه جرير بن حازم عنه موصولا أخرجه الحاكم والبيهقي في الخلافيات وغيرها وكذا أخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه من رواية حماد بن زيد عن أيوب موصولا وأخرجه الطبري من طريق حماد مرسلا قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الاختلاف فقال حديث عكرمة عن بن عباس في هذا محفوظ قوله أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد كذا أورده هنا مختصرا وتقدم في تفسير النور مطولا وفيه شرح قوله البينة أو حد في ظهرك وفيه قول هلال لينزلن الله ما يبرئ ظهري من الجلد فنزلت ووقع فيه أنه اتهمهما بشريك بن سحماء ووقع في رواية مسلم من حديث أنس أن شريك بن سحماء كان أخا للبراء بن مالك لامه وهو مشكل فإن أم البراء هي أم أنس بن مالك وهي أم سليم ولم تكن سحماء ولا تسمى سحماء فلعل شريكا كان أخاه من الرضاعة وقد وقع عند البيهقي في الخلافيات من مرسل محمد بن سيرين أن شريكا كان يأوي إلى منزل هلال وفي تفسير مقاتل أن والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية وقيل كانت يمانية وعند الحاكم من مرسل بن سيرين كانت أمة سوداء واسم والد شريك عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان وحكى عبد الغني بن سعيد وأبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة لا اسم وأنه كان شريكا لرجل يهودي يقال له بن
[ 368 ]
سحماء وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أن شريك بن سحماء كان يهوديا وأشار عياض إلى بطلان هذا القول وجزم بذلك النووي تبعا له وقال كان صحابا وكذا عده جمع في الصحابة فيجوز أن يكون أسلم بعد ذلك ويعكر على هذا قول بن الكلبي أنه شهد أحدا وكذا قول غيره أن أباه شهد بدرا وأحدا فالله أعلم قوله في هذه الرواية فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول آله يعلم أن أحدكما كاذب ظاهره أن هذا الكلام صدر منه صلى الله عليه وسلم في حال ملاعنتهما بخلاف من زعم أنه قاله بعد فراغهما وزاد في تفسير النور من هذا الوجه بعد قوله فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها وقالوا أنها موجبة ووقع عند النسائي في هذه القصة فأمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ثم على فيها وقال أنها موجبة قال بن عباس فتلكأت ونكصت حتى قلنا أنها ترجع ثم قالت لا افضح قومي سائر اليوم فمضت وفيه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ابصروها فإن جاءت الخ وسأذكر شرحه في باب التلاعن في المسجد قوله باب اللعان تقدم معنى اللعان قبل وهو ينقسم إلى واجب ومكروه وحرام فالاول أن يراها تزني أو أقرت بالزنا فصدقها وذلك في طهر لم يجامعها فيه ثم اعتزلها مدة العدة فأتت بولد لزمه قذفها لنفي الولد لئلا يلحقه فيترتب عليه المفاسد الثاني أن يرى أجنبيا يدخل عليها بحيث يغلب على ظنه أنه زنى بها فيجوز له أن يلاعن لكن لو ترك لكان إلى للستر لانه يمكنه فراقها بالاطلاق الثالث ما عدا ذلك لكن لو استفاض فوجهان لاصحاب الشافعي وأحمد فمن أجاز تمسك بحديث انظروا فإن جاءت به فجعل الشبه دالا على نفيه منه ولا حجة فيه لانه سبق اللعان في الصورة المذكورة كما سيأتي ومن منع تمسك بحديث الذي أنكر شبة ولده به قوله ومن طلق أي بعد أن لاعن في هذه الترجمة إشارة إلى الخلاف هل تقع الفرقة في اللعان بنفس اللعان أو بايقاع الحاكم بعد الفراغ أو بايقاع الزوج فذهب مالك والشافعي ومن تبعهما إلى ان الفرقة تقع بنفس اللعان قال مالك وغالب أصحابه بعد فراغ المرأة وقال الشافعي وأتباعه وسحنون من المالكية بعد فراغ الزوج واعتل بأن النعمان المرأة إنما شرع لدفع الحد عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك فيه حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الاخرى وقال الثوري وأبو حنيفة واتباعهما لا تقع الفرقة حتى يوقعها عليهما الحاكم واحتجوا بظاهر ما ورقع في أحاديث اللعان كما سيأتي بيانه وعن أحمد روايتان وسيأتي مزيد بحث في ذلك بعد خمسة أبواب وذهب عثمان البتي أنه لا تقع الفرقة حتى يوقعها الزوج واعتل بأن الفرقة لم تذكر في القرآن ولان ظاهر الاحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء ويقال أن عثمان تفرد بذلك لكن نقل الطبري عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري أحد أصحاب بن عباس من فقهاء التابعين نحوه ومقابله قول أبي عبيد أن الفرقة بين الزوجين تقع بنفس القذف ولو لم يقع اللعان وكأنه مفرع على وجوب اللعان على من تحقق ذلك من المرأة فإذا أخل به عوقب بالفرقة تغليظا عليه (5002) 8 غقوله عن بن شهاب في رواية الشافعي عن مالك حدثني بن شهاب قوله أن عويمرا العجلاني في رواية القعنبي عن مالك عويمر بن أشقر وكذا أخرجه أبو داود وأبو عوانة من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن الزهري ووقع في الاستيعاب عويمر بن أبيض وعند الخطيب في المبهمات عويمر بن الحارث وهذا هو المعتمد فإن الطبري نسبه في تهذيب الآثار فقال هو عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان فلعل أباه كان يلقب أشقر أو أبيض وفي الصحابة بن أشقر آخر وهو مازني أخرج له بن ماجة واتفقت الروايات عن بن شهاب على أنه في مسند سهل الا ما أخرجه النسائي من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة وإبراهيم بن سعد كلاهما عن الزهري فقال فيه عن سهل عن عاصم بن عدي قال كان عويمر رجلا من بني
[ 369 ]
العجلان فقال أي عاصم فذكر الحديث والمحفوظ الاول وسيأتي عن سهل أنه حضر القصة فستأتي في الحدود من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري قال قال سهل بن سعد شهدت المتلاعنين وأنا بن خمس عشرة سنة ووقع في نسخة أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سهل بن سعد قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن خمس عشرة سنة فهذا يدل على أن قصة اللعان كانت في السنة الاخيرة من زمان النبي صلى الله عليه وسلم لكن جزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع وجزم به غير واحد من المتأخرين ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني أن قصة اللعان كانت بمنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وهو قريب من قول الطبري ومن وافقه لكن في إسناده الواقدي فلا بد من تأويل أحد القولين فإن أمكن وإلا فطريق شعيب أصح ومما يوهن رواية الواقدي ما اتفق عليه أهل السير أن التوجه إلى تبوك كان في رجب وما ثبت في الصحيحين أن هلال بن أمية أحد الثلاثة الذي ثيب عليهم وفي قصته أن امرأته استأذنت له النبي صلى الله عليه وسلم أن تخدمه فأذن لها بشرط أن لا يقربها فقالت أنه لا حراك به وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يوما فكيف تقع قصة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من الشغل بنفسه وهجران الناس له وغير ذلك وقد ثبت في حديث بن عباس أن آية اللعان نزلت في حقه وكذا عند مسلم من حديث أنس أنه أول من لاعن في الاسلام ووقع في رواية عباد بن منصور في حديث بن عباس عند أبي داود وأحمد حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فوجد عند أهله رجلا الحديث فهذا يدل على أن قصة اللعان تأخرت عن قصة تبوك والذي يظهر أن القصة كانت متأخرة ولعله كانت في شعبان سنة عشر لا تسع وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الاول سنة إحدى عشرة باتفاق فيلتثم حينئذ مع حديث سهل بن سعد ووقع عند مسلم من حديث بن مسعود كنا ليلة جمعة في المسجد إذا جاء رجل من الانصار فذكر القصة في اللعان باختصار فعين اليوم لكن لم يعين الشهر ولا السنة قوله جاء إلى عاصم بن عدي أي بن الجد بن العجلان العجلاني وهو بن عم والد عويمر وفي رواية الاوزاعي عن الزهري التي مضت في التفيسر وكان عاصم سيد بني عجلان والجد بفتح الجيم وتشديد الدال والعجلان بفتح المهملة وسكون الجيم هو بن حارثة بن ضبيعة من بني بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكان العجلان حالف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس من الانصار في الجاهلية وسكن المدينة فدخلوا في الانصار وقد ذكر بن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور وأن اسمها خولة وقال بن منده في كتاب الصحابة خولة بنت عاصم التي قذفها زوجها فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما لها ذكر ولا تعرف لها رواية وتبعه أبو نعيم ولم يذكرا سلفهما في ذلك وكأنه بن الكلبي وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبي أنها خوله بنت قيس وذكر بن مردويه أنها بنت أخي عاصم فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عاصم بن عدي لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال يا رسول الله أين لاحدنا أربعة شهداء فابتلى به في بنت أخيه وفي سنده مع إرساله ضعف واخرج بن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال لما سأل عاصم عن ذلك ابتلى به في أهل بيته فأتاه بن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمة المرأة والزوج والحليل ثلاثتهم بنو عم عاصم وعن بن مردوية في مرسل بن أبي ليلى المذكور أن الرجل الذي رمى عويمر امرأة به هو شريك بن سحماء وهو يشهد لصحة هذه الرواية لانه بن عم عويمر كما بينت نسبه في الباب الماضي وكذا في مرسل مقاتل بن حيان عند أبي حاتم فقال الزوج لعاصم يا بن عمر أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها وإنها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني لاعن بين عويمر العجلاني وامرته فأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن سحماء ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا وأما قول بن الصباغ في الشامل أن المزني ذكر في المختصر أن العجلاني قذف زوجته بشريك بن سحماء وهو سهو في النقل وإنما القاذف بشريك هلال بن أمية فكأنه لم يعرف مستند المزني في ذلك
[ 370 ]
وإذا جاء الخبر من طرق متعددة فإن بعضها يعضد بعضا والجمع ممكن فيتعين المصير إليه فهو أولى من التغليط قوله أرأيت رجلا أي أخبرني عن حكم رجل قوله وجد مع امرأته رجلا كذا اقتصر على قوله مع فاستعمل الكناية فإن مراده معية خاصة ومراده أن يكون وجده عند الرؤية قوله أيقتله فتقتلونه أي قصاصا لتقدم علمه بحكم القصاص لعموم قوله تعالى النفس بالنفس لكن في طرقه احتمال أن يخص من ذلك ما يقع بالسبب الذي لا يقدر على الصبر عليه غالبا من الغيرة التي في طبع البشر ولاجل هذا قال أم كيف يفعل وقد تقدم في أول باب الغيرة استشكال سعد بن عبادة مثل ذلك وقوله لو رأيته لضربته بالسيف غير مصفح وتقدم في تفسير النور قول النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية لما سأله عن مثل ذلك البينة وإلا حد في ظهرك وذلك كله قبل أن ينزل اللعان وقد اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا فتحقق الامر فقتله هل يقتل به فمنع الجمهور الاقدام وقالوا يقتص منه الا أن يأتي ببينة الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو يعترف به ورثته فلا يقتل القاتل به بشرط أن يكون المقتول محصنا وقيل بل يقتل به لانه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الامام وقال بعض السلف بل لا يقتل أصلا ويعزر فيما فعله إذا ظهرت امارات صدقه وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين إنه قتله بسبب ذلك ووافقهم بن القاسم وابن حبيب من الملاكية لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن قال القرطبي ظاهر تقرير عويمر على ما قال يؤيد قولهم كذا قال والله أعلم وقوله أم كيف يفعل يحتمل أن تكون أم متصلة والتقدير أم يصبر على ما به من المضض ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الاضراب أي بل هناك حكم آخر لا يعرفه ويريد أن يطلع عليه فلذلك قال سل لي يا عاصم وإنما خص عاصما بذلك لما تقدم من أنه كان كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه ولعله كان اطلع على مخايل ما سأل عنه لكن لم يتحققه فلذلك لم يفصح به أو اطلع حقيقة لكن خشي إذا صرح به من العقوبة التي تضمنها من رمى المحصنة بغير بينة أشار إلى ذلك بن العربي قال ويحتمل أن يكون لم يقع له شئ من ذلك لكن اتفق أنه وقع في نفسه إرادة الاطلاع على الحكم فابتلى به كما يقال البلاء موكل بالمنطق ومن ثم قال أن الذي سألتك عنه قد ابتليت به وقد وقع في حديث بن عمر عند مسلم في قصة العجلاني فقال أرأيت أن وجد رجل مع امرأته رجلا فإن تكلم به تكلم بأمر عظيم وأن سكت سكت على مثل ذلك وفي حديث بن مسعود عنده أيضا أن تكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه وأن سكت سكت على غيظ وهذه أتم الروايات في هذا المعنى قوله فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر بفتح الكاف وضم الموحدة أي عظم وزنا ومعنى وسببه أن الحامل لعاصم على السؤال غيره فاختص هو بالانكار عليه ولهذا قال لعويمر لما رجع فاستفهمه عن الجواب لم تأتني بخير تنبيهان الاول تقدم في تفسر النور أن النووي نقل عن الواحدي أن عاصما أحد من لاعن وتقدم إنكار ذلك ثم وقفت على مستنده وهو مذكور في معاني القرآن للفراء لكنه غلط الثاني وقع في السيرة لابن حبان في حوادث سنة تسع ثم لاعن بين عويمر بن الحارث العجلاني وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد وقد انكر بعض شيوخنا قوله وهو الذي يقال له عاصم والذي يظهر لي أنه تحريف وكأنه كان في الاصل الذي سأل له عاصم والله أعلم وسبب كراهة ذلك ما قال الشافعي كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم زمن نزول الوحي ممنوعة لئلا ينزل الوحي بالتحريم فيما لم يكن قبل ذلك محرما فيحرم ويشهد له الحديث المخرج في الصحيح أعظم الناس جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته وقال النووي المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو اشاعة فاحشة أو شناعة عليه وليس المراد المسائل
[ 371 ]
المحتاج إليها إذا وقعت فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بغير كراهة فلما كان في سؤال عاصم شناعة ويترتب عليه تسليط اليهود والمنافقين على أعراض المسلمين كره مسألته وربما كان في المسألة تضييق وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيسير على أمته وشواهد ذلك في الاحاديث كثيرة وفي حديث جابر ما نزلت آية اللعان الا لكثرة السؤال أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق مجالد بن عامر عنه قوله فقال عويمر والله لا انتهى في رواية الكشميهني ما انتهى أي ما أرجع عن السؤال ولو نهيت عنه زاد بن أبي ذئب في روايته عن بن شهاب في هذا الحديث كما سيأتي في الاعتصام فانزل الله القرآن خلف عاصم أي بعد ان رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن جريج في الباب الذي بعد هذا فانزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر الملاعنة وفي رواية إبراهيم بن سعد فأتاه فوجده قد انزل الله عليه قوله فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصب وسط الناس بفتح السين وبسكونها قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انزل الله فيك وفي صاحبتك ظاهر هذا السياق أنه كان تقدم منه إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته فيترجح أحد الاحتمالات التي أشار إليها بن العربي لكن ظهر لي من بقية الطرق أن في السياق اختصارا ويوضح ذلك ما وقع في حديث بن عمر في قصة العجلاني بعد قوله أن تكلم تكلم بأمر عظيم وأن سكت سكت على مثل ذلك فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان بعد ذلك أتاه فقال أن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فدل على أنه لم يذكر امرأته الا بعد ان انصرف ثم عاد ووقع في حديث بن مسعود أن الرجل لما قال وأن سكت سكت على غيظ قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان وهذا ظاهره أن الآية نزلت عقب السؤال لكن يحتمل أن يتخلل بين الدعاء والنزول زمن بحيث يذهب عاصم ويعود عويمر وهذا كله ظاهر جدا في أن القصة نزلت بسبب عويمر ويعارضه ما تقدم في تفسير النور من حديث بن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأة بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق انني لصادق ولينزلن الله في ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل فأنزل عليه والذين يرمون ازواجهم الحديث وفي رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن بن عباس في هذا الحديث عند أبي داود فقال هلال وإني لارجو أن يجعل الله لي فرجا قال فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك إذا نزل عليه الوحي وفي حديث أنس عند مسلم أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لامه وكان أول رجل لاعن في الاسلام فهذا يدل على أن الآية نزلت بسبب هلال وقد قدمت اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك وبينت كيفية الجمع بينهما في تفسير سورة النور بأن يكون هلال سأل أولا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها أن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فوجد الآية نزلت في شأن هلال فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك لان ذلك لا يختص بهلال وكذا يجاب على سياق حديث بن مسعود يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني جاء هلال فذكر قصته فنزلت فجاء عويمر فقال قد نزل فيك وفي صاحبتك قوله فاذهب فأت بها يعني فذهب فأتى بها واستدل به على أن اللعان يكون عند الحاكم وبأمره فلو تراضيا بم يلاعن بينهما فلاعن لم يصح لان في اللعان من التغليظ ما يقتضي أن يختص به الحكام وفي حديث بن عمر فتلاهن عيه أي الآيات التي في سورة النور ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وذكرها واخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قالت والذي بعثك بالحق أنه لكاذب قوله قال سهل هو موصول بالاسناد المبدأ به قوله فتلاعنا فيه حذف
[ 372 ]
تقديره فذهب فأتى بها فسألها فأنكرت فأمر باللعان فتلاعنا قوله وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد بن جريج كما في الباب الذي بعده في المسجد وزاد بن إسحاق في روايته عن بن شهاب في هذا الحديث بعد العصر أخرجه أحمد وفي حديث عبد الله بن جعفر بعد العصر عند المنبر وسنده ضعيف واستدل بمجموع ذلك على أن اللعان يكون بحضرة الحكام وبمجمع من الناس وهو أحد أنواع التغليظ ثانيها الزمان ثالثها المكان وهذا التغليظ مستحب وقيل واجب تنبيه لم أر في شئ من طرق حديث سهل صفة تلاعنهما إلا ما في رواية الاوزاعي الماضية في التفسير فإنه قال فأمرهما بالملاعنة بما سمي في كتابه وظاهره إنهما لم يزيدا على ما في الآية وحديث بن عمر عند مسلم صريح في ذلك فإن فيه فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة الحديث وحديث بن مسعود نحوه لكن زاد فيه فذهبت لتلتعن فقال النبي صلى الله عليه وسلم مه فأبت فالتعنت وفي حديث أنس عند أبي يعلى وأصله في مسلم فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتشهد بالله انك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فشهد بذلك أربعا ثم قال له في الخامسة ولعنة الله عليك أن كنت من الكاذبين ففعل ثم دعاها فذكر نحوه فلمنا كان في الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف ثم قالت لا افضح قومي سائر اليوم فمضت على القول وفي حديث بن عباس من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه عند أبي داود والنسائي وابن أبي حاتم فدعا الرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فأمر به فأمسك على فيه فوعظه فقال كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسله فقال لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين وقال في المرأة نحو ذلك وهذه الطريق لم يسم فيها الزوج ولا الزوجة بخلاف حديث أنس فصرح فيه بأنها في قصة هلال بن أمية فإن كانت القصة واحدة وقع الوهم في تسمية الملاعن كما جزم به غير واحد ممن ذكرته في التفسير فهذه زيادة من ثقة فتعتمد وأن كانت متعددة فقد ثبت بعضها في قصة امرأة هلال كما ذكرته في آخر باب يبدأ الرجل بالتلاعن قوله فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله أن امسكتها في رواية الاوزاعي أن حبستها فقد ظلمتها قوله فطلقها ثلاثا في رواية بن إسحاق ظلمتها أن امسكتها فهي الطلاق فهي الطلاق وقد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابع عليها وكأنه رواه بالمعنى لاعتقاده منع جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة وقد تقدم البحث فيه من قبل في أوائل الطلاق واستدل بقوله طلقها ثلاثا أن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي وأجيب بقوله في حديث بن عمر فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فإن حديث سهل وحديث بن عمر في قصة واحدة وظاهر حديث بن عمر أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في شرح مسلم للنووي قوله كذبت عليها يا رسول الله أن امسكتها هو كلام مستقل وقوله فطلقها أي ثم عقب قوله ذلك بطلاقها وذلك لانه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك انتهى وهو يوهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه صلى الله عليه وسلم عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثا وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد الذي شرحه وليس كذلك فإن قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل وإنما وقع في حديث بن عمر عقب قوله الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها وفيه قال يا رسول الله مالي الحديث كذا في الصحيحين وظهر من ذلك أن قوله لا سبيل لك عليها إنما استدل من استدل به من أصحابنا لوقوع الفرقة بنفس الطلاق من عموم لفظه لا من خصوص السياق والله أعلم قوله قال بن شهاب فكانت سنة المتلاعنين زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك فكانت تلك وهي إشارة إلى الفرقة وفي رواية بن جريج في الباب بعده فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك تفريق بين كل متلاعنين كذا للمستملي وللباقين فكان ذلك
[ 373 ]
تفريقا وللكشميهني فصار بدل فكان وأخرجه مسلم من طريق بن جريج بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التفريق بين كل متلاعنين وهو يؤيد رواية المستلمي ومن طريق يونس عن بن شهاب قال بمثل حديث مالك قال مسلم لكن ادرج قوله وكان فراقه إياها يعد سنة بين المتلاعنين وكذا ذكر الدارقطني في غرائب مالك اختلاف الرواة على بن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال فكان فراقها سنة هل هو من قول سهل أو من قول بن شهاب وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى أن نسبته إلى بن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن بن شهاب عن سهل قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قال سهل حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا فقوله فمضت السنة ظاهر في أنه من تمام قول سهل ويحتمل أنه من قول بن شهاب ويؤيده أن بن جريج كما في الباب بن الذي بعده أورد قول بن شهاب في ذلك بعد ذكر حديث سهل فقال بعد قوله ذلك تفريق بين كل متلاعنين قال بن جريج قال بن شهاب كانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين ثم وجدت في نسخة الصغاني في آخر الحديث قال أبو عبد الله قوله ذلك تفريق بين المتلاعنين من قول الزهري وليس من الحديث انتهى وهو خلاف ظاهر سياق بن جريج فكأن المصنف رأى أنه مدرج فنبه عليه قوله باب التلاعن في المسجد أشار بهذه الترجمة إلى خلاف الحنفية أن اللعان لا يتعين في المسجد وإنما يكون حيث كان الامام أو حيث شاء (5003) قوله حدثنا يحيى هو بن جعفر قوله أخبرني بن شهاب عن الملاعنة وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة وقع عند الطبري في أول الاسناد زيادة فإنه أخرج من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج عن عكرمة في هذه الآية والذي يرمون ازواجهم نزلت في هلال بن أمية فذكره مختصرا قال بن جريج وأخبرني بن شهاب فذكره فكأن بن جريج أشار إلى بيان الاختلاف في الذي نزل ذلك فيه وقد ذكرت ما في رواية بن جريج من الفائدة في الباب الذي قبله قوله قال وكانت حاملا وكان ابنها يدعي لامه قال ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لها هذه الاقوال كلها أقوال بن شهاب وهو موصول إليه بالسند المبدأ به وقد وصله سويد بن سعيد عن مالك عن بن شهاب عن سهل بن سعد قال الدارقطني في غرائب مالك لا أعلم أحدا رواه عن مالك غيره قلت وقد
[ 374 ]
تقدم في التفسير من طريق فليح بن سليمان عن الزهري عن سهل فذكر قصة المتلاعنين مختصرة وفيه ففارقها فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا إلى قوله ما فرض الله لها وظاهره أنه من قول سهل مع احتمال أن يكون من قول بن شهاب كما تقدم وهذا صريح في أن اللعان بينهما وقع وهي حامل ويتأيد بما في رواية العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي أمسك المرأة عندك حتى تلد وتقدم في اثناء الباب الذي قبله من مرسل مقاتل بن حيان ومن حديث عبد الله بن جعفر أيضا التصريح بذلك قوله قال بن جريج عن بن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث هو موصول بالسند المبدأ به قوله أن جاءت به أحمر في رواية أبي داود من طريق إبراهيم بن سعد عن بن شهاب أحيمر بالتصغير وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الشافعي أشقر قال ثعلب المراد بالاحمر الابيض لان الحمرة إنما تبدو في البياض قال والعرب لا تطلق الابيض في اللون وإنما تقوله في نعت الطاهر والنقي والكريم ونحو ذلك قوله قصيرا كأنه وحرة بفتح الواو والمهملة دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهي من نوع الوزع قوله فلا أراها الا صدقت في رواية عباس بن سهل عن أبيه عند أبي داود فهو لابيه الذي انتفى منه قوله وأن جاءت به أسود أعين ذا اليتين أي عظيمتين ويوضحه ما في رواية أبي داود المذكورة من طريق إبراهيم بن سعد أدعج العينين عظيم الاليتين ومثله في رواية الاوزاعي الماضية في التفسير وزاد خدلج الساقين والدعج شدة سواد الحدقة والاعين الكبير العين وفي رواية عباس بن سهل المذكورة وأن ولدته قطط الشعر أسود اللسان فهو لابن سحماء والقطط تفلفل الشعر قوله فجاءت به على المكروه من ذلك في رواية الاوزاعي فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر وفي رواية عباس المذكورة قال عاصم فلما وقع أخذته إلي فإذا رأسه مثل فروة الحمل الصغير ثم أخذت بفقميه فإذا هو مثل النبعة واستقبلني لسانه أسود مثل التمرة فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والحمل بفتح المهملة والميم ولد الضأن والنبعة واحدة النبع بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهلمة وهو شجر يتخذ منه القسي والسهام ولون قشرة أحمر إلى الصفة قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما بغير بينة أي من أنكر وإلا فالمعترف أيضا يرجم (5004) قوله عن يحيى بن سعيد هو الانصاري قوله عن عبد الرحمن بن القاسم في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد أخبرني عبد الرحمن بن القاسم وسيأتي بعد ستة أبواب قوله عن القاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وهو والد عبد الرحمن راوية عنه ووقع في رواية النسائي عن أبيه قوله عن بن عباس أنه ذكر التلاعن يعني أنه قال ذكر فحذف لفظ قال وصرح بذلك في رواية سليمان الآتية وقوله ذكر بضم أوله على البناء للمجهول وقوله التلاعن وقع في رواية سليمان المتلاعنان والمراد ذكر حكم الرجل يرمي امرأته بالزنا فعبر عنه بالتلاعن باعتبار ما آل إليه الامر بعد نزول الآية قوله فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف قال الكرماني معنى قوله قولا أي كلاما لا يليق به كعجب النفس والنخوة والمبالغة في الغيرة وعدم المرد إلى إرادة الله وقدرته قلت وكل ذلك بمعزل عن الواقع وإنما المراد بقول عاصم ما تقدم في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن
[ 375 ]
الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل له عنه وإنما جزمت بذلك لانه تبين لي أن حديثي سهيل بن سعد وابن عباس من رواية القاسم بن محمد عنه في قصة واحدة بخلاف رواية عكرمة عن بن عباس فإنها في قصة أخرى كما تقدم في تفسير النور عن بن عبد البر أن القاسم روى قصة اللعان عن بن عباس كما رواه سهل بن سعد وغيره في أن الملاعن عويمر وبينت هناك توجيهه وعلى هذا فالقول المبهم عن عاصم في رواية القاسم هذه هو قوله أرأيت رجلا وجد مع امرأة رجلا أيقتله فتقتلونه الحديث ولا مانع أن يروي بن عباس القصتين معا ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو أحدهما عما وقع في الآخر وما وقع بين القصتين من المغايرة كما أبينه قوله فأتاه رجل من قومه هو عويمر كما تقدم ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لانه لا قرابة بينه وبين عاصم لانه هلال بن أمية بن عامر بن عبد قيس من بني واقف وهو مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الاوس فلا يجتمع مع بني عمرو بن عوف الذي ينتهي عاصم إلى حلفهم الا في مالك بن الاوس لان عمرو بن عوف هو بن مالك قوله فقال عاصم ما ابتليت بهذا الا لقولي تقدم بيان المراد من ذلك لان عويمر بن عمر وكانت تحته بنت عاصم أو بنت أخيه فلذلك أضاف ذلك إلى نفسه بقوله ما ابتليت وقوله الا بقولي أي بسؤالي عما لم يقع كأنه قال فعوقبت بوقوع ذلك في آل بيتي وزعم الداودي أن معناه أنه قال مثلا لو وجدت أحدا يفعل ذلك لقتلته أو عبر أحدا بذلك فابتلى به وكلامه أيضا بمعزل عن الواقع فقد وقع في مرسل مقاتل بن حيان عند بن أبي حاتم فقال عاصم أنا لله وأنا إليه راجعون هذا والله بسؤالي عن هذا الامر بين الناس فابتليت به والذي كان قال لو رأيته لضربته بالسيف هو سعد بن عبادة كما تقدم في باب الغيرة وقد أورد الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلا ووصله بن مردويه بذكر بن عباس قال لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال سعد بن عبادة أن أنا رأيت لكاع يفجر بها رجل فذكر القصة وفيه فوالله ما لبثوا الا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية فذكر قصته وهو عند أبي داود في رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن بن عباس فوضح أن قول عاصم كان في قصة عويمر وقول سعد بن عبادة كان في قصة هلال فالكلامان مختلفان وهو مما يؤيد تعدد القصة ويؤيد التعدد أيضا أنه وقع في آخر حديث بن عباس عند الحاكم قال بن عباس فما كان بالمدينة أكثر غاشية منه وعند أبي داود وغيره قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعي لاب فهذا يدل على أن ولد الملاعنة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانا وقوله على مصر أي من الامصار وظن بعض شيوخنا أنه أراد مصر البلد المشهور فقال فيه نظر لان أمراء مصر معروفون معدودون ليس فيهم هذا ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند بن سعد في الطبقات أن ولد الملاعنة عاش بعد ذلك سنتين ومات فهذا أيضا مما يقوي التعدد والله أعلم قوله وكان ذلك الرجل أي الذي رمى امرأته قوله مصفرا بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء أي قوي الصفرة وهذا لا يخالف قوله في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لان ذاك لونه الاصلي والصفرة عارضة وقوله قليل اللحم أي نحيف الجسم وقوله سبط الشعر بفتح المهملة وكسر الموحدة هو ضد الجعودة قوله وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله آدم بالمد أي لونه قريب من السواد قوله خدلا بفتح المعجمة ثم المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين وقال أبو الحسين بن فارس ممتلئ الاعضاء وقال الطبري لا يكون الا مع غلظ العظم مع اللحم قوله كثير اللحم أي في جميع جسده يحتمل أن تكون صفة شارحة لقوله خدلا بناء على أن الخدل الممتلئ البدن وما على قول من قال أنه الممتلئ الساق فيكون فيه تعميم بعد تخصيص وزاد في رواية سليمان بن بلال الآتية جعدا قططا وقد تقدم تفسيره في شرح حديث
[ 376 ]
سهل قريبا وهذه الصفة موافقة للتي في حديث سهل بن سعد حيث فيه عظيم الاليتين خدلج الساقين الخ قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين يأتي الكلام عليه بعد أربعة أبواب قوله فجاءت في رواية سليمان بن بلال فوضعت قوله فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما هذا ظاهره أن الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت فيحمل على أن قوله فلاعن معقب بقوله فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته واعترض قوله وكان ذلك الرجل الخ والحامل على ذلك ما قدمناه من الادلة على أن رواية القاسم هذه موافقة الحديث سهل بن سعد قوله لو كنت راجما بغير بينة تمسك به من قال أن نكول المرأة عن اللعان لا يوجب عليها الحد وهو قول الاوزاعي وأصحاب الرأي واحتجوا بأن الحدود لا تثبت بالنكول وبأن قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما لم يقع بسبب اللعان فقط وقال أحمد إذا امتنعت تحبس وأهاب أن أقول ترجم لانها لو أقرت صريحا ثم رجعت لم ترجم فكيف ترجم إذا أبت الالتعان قوله فقال رجل لابن عباس في المجلس يأتي بيانه في باب قول الامام اللهم بين قريبا قوله قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف آدم خدلا يعني بسكون الدال ويقال بفتحها مخففا في الوجهين وبالسكون ذكره هل اللغة وأبو صالح هذا هو عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد وقع في بعض النسخ عن أبي ذر وقال لنا أبو صالح ورواية عبد الله بن يوسف وصلها المؤلف في الحدود قوله باب صداق الملاعنة أي بيان الحكم فيه وقد انعقد الاجماع على أن المدخول بها تستحق جميعه واختلف في غير المدخول بها فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقيل بل لها جميعه قاله أبو الزناد والحكم وحماد وقيل لا شئ لها أصلا قاله الزهري وروى عن مالك (5005) قوله أخبرنا إسماعيل هو المعروف بابن علية قوله قلت لابن عمر رجل قذف امرأة أي ما الحكم فيه وقد أورده مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير فزاد في أوله قال لم يفرق المصعب يعني بن الزبير بين المتلاعنين أي حيث كان أميرا على العراق قال سعد فذكرت ذلك لابن عمر ومن وجه اخر عن سعيد سألت عن المتلاعنين في امرأة مصعب بن الزبير فما دريت ما أقول فمضيت إلى منزل بن عمر بمكة الحديث وفيه فقلت يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال سبحان الله نعم أن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان وعرف من قوله بمكة أن في الرواية التي قبلها حذفا تقديره فسافرت إلى مكة فذكرت ذلك لابن عمر ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال كنا بالكوفة نختلف في الملاعنة يقول بعضنا يفرق بينهما ويقول بعضنا لا يفرق ويؤخذ منه أن الخلاف في ذلك كان قديما وقد استمر عثمان البتي من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضي الفرقة كما تقدم نقله عنه وكأنه لم يبلغه حديث بن عمر قوله فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بني العجلان سيأتي البحث فيه بعد باب وتقدمت تسميتهما في حديث سهل بن سعد ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني بين أحد بني العجلان بحاء ودال مهملتين وهو تصحيف قوله وقال الله يعلم أن أحدكما لكاذب كذا للمستلمي
[ 377 ]
وسقطت اللام لغيره قوله فهل منكما تائب فأبيا ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان بينهما وسيأتي أيضا قوله قال أيوب هو موصول بالسند المبدأ به قوله فقال لي عمرو بن دينار أن في الحديث شيئا لا أراك تحدثه قال قال الرجل مالي قال قيل لا مال لك إلى أخره حاصله أن عمرو بن دينار وأيوب سمعا الحديث جميعا من سعيد بن جبير فحفظ فيه عمرو ما لم يحفظه أيوب وقد بين ذلك سفيان بن عيينة حيث رواه عنهما جميعا في الباب الذي بعد هذا فوقع في روايته عن عمرو بسنده قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله احدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال مالي قال لا مال لك أما معنى قوله لا سبيل لك أي لا تسليط وأما قوله مالي فإنه فاعل فعل محذوف كأنه لما سمع لا سبيل لك عليها قال أيذهب مالي والمراد به الصداق قال بن العربي قوله مالي أي الصداق الذي دفعته إليها فأجيب بأنك إستوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب فقال أن كنت صادقا فيما ادعيته عليها فقد استوفيت حقك منها قبل ذلك وأن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك من مطالبتها لئلا تجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضا صحيحا تستحقه وعرف من هذه الرواية اسم القائل لا مال لك حيث أبهم في حديث الباب بلفظ قيل لا مال لك مع أن النسائي رواه عن زياد بن أيوب عن بن علية بلفظ قال لا مال لك وقوله فقد دخلت بها فسره في رواية سفيان بلفظ فهو بما استحللت من فرجها وقوله فهو أبعد منك كذا عند النسائي أيضا ووقع عند الاسماعيلي من رواية عثمان بن أبي شيبة عن بن علية فهو ابعد لك وسيأتي قبل كتاب النفقات سواء من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ فذلك أبعد وأبعد لك منها وكرر لفظ أبعد تأكيدا قوله ذلك الاشارة إلى الكذب لانه مع الصدق يبعد عليه استحقاق إعادة المال ففي الكذب أبعد ويستفاد من قوله فهو بما استحللت من فرجها أن الملاعنة لو اكذبت نفسها بعد اللعان وأقرت بالزنا وجب عليها الحد لكن لا يسقط مهرها قوله باب قول الامام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب فيه تغليب المذكر على المؤنث وقال عياض وتبعه النووي في قوله أحدكما رد على من قال من النحاة أن لفظ أحد لا يستعمل الا في النفي وعلى من قال منهم لا يستعمل الا في الوصف وإنها لا توضع موضع واحد ولا توقع موقعه وقد إجازة المبرد وجاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي وبمعنى واحد اه قال الفاكهي هذا من أعجب ما وقع للقاضي مع براعته وحذقه فان الذي قاله النحاة إنما هو في أحد التي للعموم نحو ما في الدار من أحد وما جاءني من أحد وأما أحد بمعنى واحد فلا خلاف في استعمالها في الاثبات نحو قل هو الله أحد ونحو فشهادة أحدهم ونحو أحدكما كاذب قوله فهل منكما من تائب يحتمل أن يكون ارشادا لا أنه لم يحصل منهما ولا من أحدهما اعتراف ولان الزوج لو أكذب نفسه كانت توبة منه (5006) قوله سفيان قال عمرو وهو بن دينار وفي رواية الحميدي عن سفيان أنبأنا عمرو فذكره وقد بينت ما فيه في الذي قبله قوله قال
[ 378 ]
سفيان حفظته من عمرو هذا كلام على بن عبد الله يريد بيان سماع سفيان له من عمرو قوله قال أيوب هو موصول بالسند المبدأ به وليس بتعليق وحاصله أن الحديث كان عند سفيان عن عمرو بن دينار وعن أيوب جميعا عن بن عمر وقد وقع في رواية الحميدي عن سفيان قال وحدثنا أيوب في مجلس عمرو بن دينار فحدثه عمرو بحديثه هذا فقال له أيوب أنت أحسن حديثا مني وقد بينت في الذي قبله سبب ذلك وهو أن فيه عند عمرو ما ليس عند أيوب قوله فقال بأصبعيه هو من إطلاق القول على الفعل وقوله وفرق سفيان بين السبابة والوسطى جملة معترضة أراد بها بيان الكيفية والذي يظهر أنه لا يجزم بذلك الا عن توقيف وقوله فرق النبي صلى الله عليه وسلم الخ هو جواب السؤال قوله وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب قال عياض ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الاجمال وأنه يلزم من كذبه التوبة من ذلك وقال الداودي قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه والاول أظهر وأولى بسياق الكلام قلت والذي قاله الداودي أولي من جهة أخرى وهي مشروعية الموعظة قبل الوقوع في المعصية بل هو أحرى مما بعد الوقوع وأما سياق الكلام فمحتمل في رواية بن عمر للامرين وأما حديث بن عباس فسياقه ظاهر فيما قال الداودي ففي رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس عند الطبري والحاكم والبيهقي في قصة هلال بن أمية قال فدعاهما حين نزلت آية الملاعنة فقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فقال هلال والله إني لصادق الحديث وقد قدمت أن حديث بن عباس من رواية عكرمة في قصة غير القصة التي في حديث سهل بن سعد وابن عمر فيصح الامران معا باعتبار التعدد قوله باب التفريق بين المتلاعنين ثبتت هذه الترجمة للمستملي وذكرها الاسماعيلي وثبت عند النسفي باب بلا ترجمة وسقط ذلك للباقين والاول انسب وفيه حديث بن عمر من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع من وجهين ولفظ الاول فرق بين رجل وامرأة قذفها فأحلفهما ولفظ الثاني لاعن بين رجل وامرأة فأحلفهما ويؤخذ منه أن إطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة الرواية بلفظ فرق بين المتلاعنين إنما المراد به في حديث سهل بن سعد بخصوصه فقد أخرجه أبو داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ وقال بعده لم يتابع بن عيينة على ذلك أحد ثم أخرج من طريق بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اخوي بني العجلان قال بن عبد البر لعل بن عيينة دخل عليه حديث في حديث وذكر بن أبي خيثمة أن يحيى بن معين سئل عن الحديث فقال أنه غلط قال بن عبد البر أن أراد من حديث سهل فسهل وإلا فهو مردود قلت تقدم أيضا في حديث سهل من طريق بن جريج فكانت سنة في المتلاعنين لا يجتمعان أبدا ولكن ظاهر سياقه أنه من كلام الزهري فيكون مرسلا وقد بينت من وصله وأرسله في باب اللعان ومن طلق وعلى
[ 379 ]
تقدير ذلك فقد ثبت هذا اللفظ من هذا الوجه فتمسك به من قال أن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم ورواية بن جريج المذكورة تؤيد أن الفرقة تقع بنفس اللعان وعلى تقدير إرسالها فقد جاء عن بن عمر بلفظه عند الدارقطني ويتأيد بذلك قول من حمل التفريق في حديث الباب على أنه بيان حكم لا إيقاع فرقه واحتجوا أيضا بقوله في الرواية الاخرى لا سبيل لك عليها وتعقب بأن ذلك وقع جوابا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ويقتضي نفى تسليطه عليها بوجه من الوجوه ووقع في آخر حديث بن عباس عند أبي داود وقضى أن ليس عليه نفقه ولا سكنى من أجل إنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان ويستفاد منه أن قوله في حديث سهل فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها أن الرجل إنما طلقها قبل أن يعلم أن الفرقة تقع بنفس اللعان فبادر إلى تطليقها لشدة نفرته منها واستدل بقوله لا يجتمعان أبدا على أن فرقة اللعان على التأبيد وأن الملاعن لو أكذب نفسه لم يحل له أن يتزوجها بعد وقال بعضهم يجوز له أن يتزوجها وإنما يقع باللعان طلقة واحدة بائنة هذا قول حماد وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وصح عن سعيد بن المسيب قالوا ويكون الملاعن إذا أكذب نفسه خاطبا من الخطاب وعن الشعبي والضحاك إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته قال بن عبد البر هذا عندي قول ثالث قلت ويحتمل أن يكون معنى قوله ردت إليه أي بعد العقد الجديد فيوافق الذي قبله قال بن السمعاني لم اقف على دليل لتأييد الفرقة من حيث النظر وإنما المتبع في ذلك النص وقال بن عبد البر ابدى بعض أصحابنا له فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون لان أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوجت المرأة غير الملاعن فإنه لا يتحقق وتعقب بأنه لو كان كذلك لامتنع عليهما معا التزويج لانه يتحقق أن أحدهما ملعون ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة قال السمعاني وقد أورد بعض الحنفية أن قوله المتلاعنان يقتضي أن فرقة التأبيد يشترط لها أن يقع التلاعن من الزوجين والشافعية يكتفون في التأبيد بلعان الزوج فقط كما تقدم وأجاب بأنه لما كان لعانه بسبب لعانها وصريح لفظ اللعن يوجد في جانبه دونها سمي الموجود منه ملاعنة ولان لعانه سبب في اثبات الزنا عليها فيستلزم انتفاء نسب الولدية فينتفى الفراش فإذا انتفى الفراش انقطع النكاح فإن قيل إذا أكذب الملاعن نفسه يلزم ارتفاع الملاعنة حكما وإذا ارتفعت صارت المرأة محل استمتاع قلنا اللعان عندكم شهادة والشاهد إذا رجع بعد الحكم لم يرتفع الحكم وأما عندنا فهو يمين واليمين إذا صارت حجة وتعلق بها الحكم لا ترتفع فإذا أكذب نفسه فقد زعم أنه لم يوجد منه ما يسقط الحد عنه فيجب عليه الحد ولا يرتفع موجب اللعان قوله باب يلحق الولد بالملاعنة أي إذا انتفى الزوج منه قبل الوضع أو بعده (5009) عز وجلقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها قال الطيبي الفاء سببية أي الملاعنة سبب الانتفاء فإن أراد أن الملاعنة سبب ثبوت الانتفاء فجيد وأن أراد أن الملاعنة سبب وجود الانتفاء فليس كذلك فإنه أن لم يتعرض لنفي الولد في الملاعنة لم ينتف والحديث في الموطأ بلفظ وانتفى بالواو لا بالفاء وذكر بن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك ذكره بلفظ وانتقل يعني بقاف بدل الفاء ولام آخره وكأنه تصحيف وأن كان محفوظا فمعناه قريب من الاول وقد تقدم الحديث في تفسير النور من وجه آخر عن نافع بلفظ أن رجلا رمى امرأته وانتفى من ولدها فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فوضح أن الانتفاء سبب الملاعنة لا العكس واستدل بهذا الحديث على مشروعية اللعان لنفي الولد وعن أحمد ينتفى الولد بمجرد اللعان ولو لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان وفيه نظر لانه لو استحلقه لحقه وإنما يؤثر لعان الرجل دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة ثم يرتفع عنها الحد بالتعانها وقال الشافعي أن نفي الولد في الملاعنة انتفى وأن لم
[ 380 ]
يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وأن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة واستدل به على أنه لا يشترط في نفي الحمل تصريح الرجل بأنها ولدت من زنا ولا أنه استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك واحتج بعض من خالفهم بأنه نفى الحمل عنه من غير أن يتعرض لذلك بخلاف اللعان الناشئ عن قذفها واحتج الشافعي بأن الحامل قد تحيض فلا معنى لاشتراط الاستبراء قال بن العربي ليس عن هذا جواب مقنع قوله ففرق بينهما والحق الولد بالمرأة قال الدارقطني تفرد مالك بهذه الزيادة قال بن عبد البر ذكروا أن مالكا تفرد بهذه اللفظة في حديث بن عمر وقد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد كما تقدم من رواية يونس عن الزهري عند أبي داود بلفظ ثم خرجت حاملا فكان الولد إلى أمة ومن رواية الاوزاعي عن الزهري وكان الولد يدعي إلى أمة ومعنى قوله الحق الولد بأمه أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما أمة فترث منه ما فرض الله لها كما وقع صريحا في حديث سهل بن سعد كما تقدم في شرح حديثه في آخره وكان ابنها يدعي لامه ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لها وقيل معنى الحاقه بأمه أنه صيرها له أبا وأما فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولده ونحوه وهو قول بن مسعود ووائلة وطائفة ورواية عن أحمد وروى أيضا عن بن القاسم وعنه معناه أن عصبة أمة تصير عصبة له وهو قول علي وابن عمر والمشهور عن أحمد وقيل ترثه أمة وإخوته منها بالفرض والرد وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد قال فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمة واستدل به على أن الولد المنفي باللعان لو كان بنتا حل للملاعن نكاحها وهو وجه شاذ لبعض الشافعية والاصح كقول الجمهور أنها تحرم لانها ربيبته في الجملة قوله باب قول الامام اللهم بين قال بن العربي ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع دلالتها بموت الولد مثلا فلا يظهر البيان والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو ان درا الحد (5010) قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس ويحيى بن سعيد هو الانصاري قوله أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ثبتت هذه الرواية وكذا رواية الليث السابقة قبل أربعة أبواب أن رواية بن جريج عن يحيى بن سعيد عن القاسم التي أخرجها الشافعي وغيره وقعت فيها تسوية ويحيى وأن كان سمع من القاسم لكنه ما سمع هذا الحديث الا من ولده عبد الرحمن عنه قوله فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة لكن قد أوضحت أن رواية بن عباس هذه هي في القصة التي في حديث سهل بن سعد وتقدم قبل من حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن معقبة بقوله
[ 381 ]
فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وأما قوله وكان ذلك الرجل مصفرا الخ فهو كلام اعترض بين الجملتين ويحتمل على بعد أن تكون الملاعنة وقعت مرة بسبب القذف وأخرى بسبب الانتفاء والله أعلم قوله فقال رجل لابن عباس هذا السائل هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو بن خالة بن عباس سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث كما سيأتي في كتاب الحدود قوله كانت تظهر في الاسلام السوء أي كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف قال الداودي فيه جواز عيب من يسلك مسالك السوء وتعقب بان بن عباس لم يسمها فإن أراد إظهار العيب على الابهام فمحتمل وقد مضى في التفسير في رواية عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن أي لولا ما سبق من حكم الله أي أن اللعان يدفع الحد عن المرأة لاقمت عليها الحد من أجل الشبه الظاهر بالذي رميت به ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص فإذا انزل الوحي بالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الامر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر وفي أحاديث اللعان من الفوائد غير ما تقدم أن المفتي إذا سئل عن واقعه ولم يعلم حكمها ورجا أن يجد فيها نصا لا يبادر إلى الاجتهاد فيها وفيه الرحلة في المسألة النازلة لان سعيد بن جبير رحل من العراق إلى مكة من أجل مسألة الملاعنة وفيه إتيان العالم في منزله ولو كان في قائلته إذا عرف الاتي أنه لا يشق عليه وفيه تعظيم العالم ومخاطبته بكنيته وفيه التسبيح عند التعجب وأشعار سعة علم سعيد بن جبير لان بن عمر عجب من خفاء مثل هذا الحكم عليه ويحتمل أن يكون تعجبه لعلمه بأن الحكم المذكور كان مشهورا من قبل فتعجب كيف خفي على بعض الناس وفيه بيان اوليات الاشياء والعناية بمعرفتها لقول بن عمر أول من سأل عن ذلك فلان وقول أنس أول لعان كان وفيه أن البلاء موكل بالمنطق وأنه أن لم يقع بالناطق وقع بمن له به وصله وأن الحاكم يردع الخصم عن التمادي على الباطل بالموعظة والتذكير والتحذير ويكرر ذلك ليكون أبلغ وفيه ارتكاب أخف المفسدتين بترك اثقلهما لان مفسدة الصبر على خلاف ما توجبه الغيرة مع قبحه وشدته أسهل من الاقدام على القتل الذي يؤدي إلى الاقتصاص من القاتل وقد نهج له الشارع سبيلا إلى الراحة منها ما بالطلاق وأما باللعان وفيه أن الاستفهام بأرأيت كان قديما وأن خبر الواحد يعمل به إذا كان ثقة وأنه يسن للحاكم وعظ المتلاعنين عند إرادة التلاعن ويتأكد عند الخامسة ونقل بن دقيق العيد عن الفقهاء إنهم خصوه بالمرأة عند إرادة تلفظها بالغضب واستشكله بما في حديث بن عمر لكن قد صرح جماعة من الشافعية وغيرهم باستحباب وعظهما معا وفيه ذكر الدليل مع بيان الحكم وفيه كراهة المسائل التي يترتب عليها هتك المسلم أو التوصل إلى اذيته بأي سبب كان وفي كلام الشافعي إشارة إلى أن كراهة ذلك كانت خاصة بزمنه صلى الله عليه وسلم من أجل نزول الوحي لئلا تقع المسألة عن شئ مباح فيقع التحرم بسبب المسألة وقد ثبت في الصحيح أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته وقد استمر جماعة من السلف على كراهة السؤال عما لم يقع لكن عمل الاكثر على خلافة فلا يحصى ما فرعه الفقهاء من المسائل قبل وقوعها وفيه أن الصحابة كانوا يسألون عن الحكم الذي لم ينزل فيه وحي وفيه أن للعالم إذا كره السؤال أن يعيبه ويهجنه وأن من لقي شيئا من المكروه بسبب غيره يعاتبه عليه وأن المحتاج إلى معرفة الحكم لا يرده كراهة العالم لما سأل عنه ولا غضبه عليه ولا جفاؤه له بل يعاود ملاطفته إلى ان يقضي حاجته وأن السؤال عما يلزم من أمور الدين مشروع سرا وجهرا وأن لا عيب في ذلك على السائل ولو كان مما يستقبح وفيه التحريض
[ 382 ]
على التوبة والعمل بالستر وانحصار الحق في أحد الجانبين عند تعذر الواسطة لقوله أن أحدكما كاذب وأن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وأن أحاط العلم بكذب أحدهما لا بعينه وفيه أن اللعان إذا وقع سقط حد القذف عن الملاعن للمرأة وللذي رميت به لانه صرح في بعض طرقه بتسمية المقذوف ومع ذلك لم ينقل أن القاذف حد قال الداودي لم يقل به مالك لانه لم يبلغه الحديث ولو بلغه لقال به وأجاب بعض من قال يحد من المالكية والحنفية بأن المقذوف لم يطلب وهو حقه فلذلك لم ينقل أن القاذف حد لان الحد سقط من أصله باللعان وذكر عياض أن بعض أصحابهم اعتذر عن ذلك بأن شريكا كان يهوديا وقد بينت ما فيه في باب يبدأ الرجل بالتلاعن وفيه أنه ليس على الامام أن يعلم المقذوف بما وقع من قاذفه وفيه أن الحامل تلاعن قبل الوضع لقوله في الحديث انظروا فإن جاءت به الخ كما تقدم في حديث سهل وفي حديث بن عباس وعند مسلم من حديث بن مسعود فجاء يعني الرجل هو وامرأته فتلاعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلها أن تجئ به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا وبه قال الجمهور خلافا لمن أبي ذلك من أهل الرأي معتلا بأن الحمل لا يعلم لانه قد يكون نفخة وحجة الجمهور أن اللعان شرع لدفع حد القذف عن الرجل ودفع حد الرجم عن المرأة فلا فرق بين أن تكون حاملا أو حائلا ولذلك يشرع اللعان مع الايسة وقد اختلف في الصغيرة فالجمهور على أن الرجل إذا قذفها فله أن يلتعن لدفع حد القذف عنه دونها واستدل به على أن لا كفارة في اليمين الغموس لانها لو وجبت لبينت في هذه القصة وتعقب بأنه لم يتعين الحانث وأجيب بأنه لو كان واجبا لبينه مجملا بأن يقول مثلا فليكفر الحانث منكما عن يمينه كما ارشد أحدهما إلى التوبة وفي قوله عليه السلام البينة وإلا حد في ظهرك دلالة على أن القاذف لو عجز عن البينة فطلب تحليف المقذوف لا يجاب لان لان الحصر المذكور لم يتغير منه الا زيادة مشروعية اللعان وفيه جواز ذكر الاوصاف المذمومة عند الضرورة الداعية إلى ذلك ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة واستدل به على أن اللعان لا يشرع الا لمن ليست له بينة وفيه نظر لانه لو استطاع إقامة البينة علي زناها ساغ له ان يلاعنها لنفي الولد لانه لا ينحصر في الزنا وبه قال مالك والشافعي ومن تبعهما وفيه أن الحكم يتعلق بالظاهر وأمر السرائر موكول إلى الله تعالى قال بن التين وبه احتج الشافعي على قبول توبة الزنديق وفيه نظر لان الحكم يتعلق بالظاهر فيما لا يتعلق فيه حكم للباطن والزنديق قد علم باطنه بما تقدم فلا يقبل منه ظاهر ما يبديه بعد ذلك كذا قال وحجة الشافعي ظاهرة لانه صلى الله عليه وسلم قد تحقق أن أحدهما كاذب وكان قادرا على الاطلاع على عين الكاذب لكن أخبر أن الحكم بظاهر الشرع يقتضي أنه لا ينقب عن البواطن وقد لاحت القرائن بتعيين الكاذب في المتلاعنين ومع ذلك فأجراهما على حكم الظاهر ولم يعاقب المرأة ويستفاد منه أن الحاكم لا يكتفى بالمظنة والاشارة في الحدود إذا خالفت الحكم الظاهر كيمين المدعى عليه إذا أنكر ولا بينة واستدل به الشافعي على إبطال الاستحسان لقوله لولا الايمان لكان لي ولها شأن وفيه أن الحاكم إذا بذل وسعه واستوفى الشرائط لا ينقض حكمة الا أن ظهر عليه اخلال شرط أو تفريط في سبب وفيه أن اللعان يشرع في كل امرأة دخل بها أو لم يدخل ونقل فيه بن المنذر الاجماع وفي صداق غير المدخول بها خلاف للحنابلة تقدمت الاشارة إليه في بابه فلو نكح فاسدا أو طلق بائنا فولدت فأراد نفي الولد فله الملاعنة وقال أبو حنيفة يلحقه الولد ولا نفي ولا لعان لانها أجنبية وكذا لو قذفها ثم ابانها بثلاث فله اللعان وقال أبو حنيفة لا وقد أخرج بن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة قال الشعبي إذا طلقها ثلاثا فوضعت فانتفى منه فله أن يلاعن فقال له الحارث أن الله يقول والذين يرمون ازواجهم افتراها له زوجة فقال الشعبي إني لاستحي من الله إذا رأيت الحق أن لا ارجع إليه فلو التعن ثلاث مرات فقط فالتعنت المرأة مثله ففرق الحاكم بينهما لم تقع الفرقة عند الجمهور لان ظاهر القرآن أن الحد وجب عليهما وأنه لا يندفع الا بما ذكر فيتعين الاتيان بجميعه وقال أبو حنيفة أخطأ السنة وتحصل الفرقة لانه أتى بالاكثر فتلعق به الحكم واستدل به على أن الالتعان ينتفى به الحمل خلافا لابي حنيفة ورواية عن أحمد لقوله انظروا فإن جاءت به الخ فإن الحديث ظاهر في أنها كانت حاملا وقد الحق الولد مع ذلك بأمه وفيه جواز الحلف على ما يغلب على الظن ويكون المستند التمسك بالاصل أو قوة
[ 383 ]
الرجاء من الله عند تحقق الصدق لقول من سأله هلال والله ليجلدنك ولقول هلال والله لا يضربني وقد علم إني رأيت حتى استفتيت وفيه أن اليمين التي يعتد بها في الحكم ما يقع بعد إذن الحاكم لان هلالا قال والله إني لصادق ثم لم يحتسب بها من كلمات اللعان الخمس وتمسك به من قال بالغاء حكم القافة وتعقب بان الغاء حكم الشبه هنا إنما وقع حيث عارضه حكم الظاهر بالشرع وإنما يعتبر حكم القافة حيث لا يوجد ظاهر يتمسك به ويقع الاشتباه فيرجع حينئذ إلى القافة والله أعلم قوله باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها أي هل تحل للاول أن طلقها الثاني بغير مسيس تنبيه لم يفرد كتاب العدة عن كتاب اللعان فيما وقفت عليه من النسخ ووقع في شرح بن بطال قبل الباب الذي يلي هذا وهو باب واللائي يئسن من المحيض كتاب العدة ولبعضهم أبواب العدة والاولى اثبات ذلك هنا فإن هذا الباب لا تعلق له باللعان لان الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوجت غيره سواء جامعها أم لم يجامع (5011) قوله يحيى هو بن سعيد القطان وهشام هو بن عروة وقوله حدثني عثمان بن أبي شيبة الخ ساقه على لفظ عبدة وإنما أحتاج إلى رواية يحيى لتصريح هشام في روايته بقوله حدثني أبي قوله أن رفاعة القرظي هو رفاعة القرظي بن سموأل بفتح المهملة والميم وسكون الواو بعدها همزة ثم لام والقرظي بالقاف والظاء المعجمة وقد تقدم ضبط قريظة والنضير في أوائل المغازي قوله تزوج امرأة في رواية عمرو بن علي عند الاسماعيلي امرأة من بني قريظة وسماها مالك من حديث عبد الرحمن بن الزبير نفسه كما أخرجه بن وهب والطبراني والدارقطني في الغرائب موصولا وهو في الموطأ مرسل تميمة بنت وهب وهي بمثناة واختلف هل هي بفتحها أو بالتصغير والثاني أرجح ووقع مجزوما به في النكاح لسعيد بن أبي عروبة من روايته عن قتادة وقيل اسمها سهيمة بسين مهملة مصغر أخرجه أبو نعيم وكأنه تصحيف وعند بن منده اميمة بألف أخرجها من طريق أبي صالح عن بن عباس وسمي أباها الحارث وهي واحدة اختلف في التلفظ باسمها والراجح الاول قوله ثم طلقها فتزوجت آخر سماه مالك في روايته عبد الرحمن بن الزبير وأبوه بفتح الزاي واتفقت الروايات كلها عن هشام بن عروة أن الزوج الاول رفاعة والثاني عبد الرحمن وكذا قال عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة في كتاب النكاح له عن قتادة أن تميمة بنت أبي عبيد القرظية كانت تحت رفاعة فطلقها فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير وتسميته لابيها لا تنافي رواية مالك فلعل اسمه وهب وكنيته أبو عبيد الا ما وقع عند بن إسحاق في المغازي من رواية سلمة بن الفضل عنه وتفرد به عنه عن هشام عن أبيه قال كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها فتزوجها رفاعة ثم فارقها فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير وهو مع إرساله مقلوب والمحفوظ ما اتفق عليه الجماعة عن هشام وقد وقع لامرأة أخرى قريب من قصتها فأخرج النسائي من طريق سليمان بن يسار عن عبد الله بن العباس أي بن عبد المطلب أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو من زوجها أنه لا يصل إليها فلم يلبث أن جاء فقال انها كاذبة ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الاول فقال ليس ذلك لها حتى تذوق عسيلته ورجاله ثقات لكن اختلف فيه على سليمان بن يسار ووقع عند شيخنا في شرح الترمذي عبد الله بن عباس مكبر وتعقب على بن عساكر والمزي إنهما لم يذكرا هذا الحديث في الاطراف ولا تعقب عليهما فإنهما ذكراه في مسند عبيد الله بالتصغير وهو الصواب وقد اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الا أنه ولد في عصره فذكر كذلك في الصحابة واسم زوج الغميصاء هذه عمرو بن حزم أخرجه الطبراني وأبو مسلم الكجي وأبو نعيم في الصحابة
[ 384 ]
من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء فتزوجها رجل قبل أن يمسها فأرادت أن ترجع إلى زوجها الاول الحديث ولم أعرف اسم زوجها الثاني ووقعت لثالثة قصة أخرى مع رفاعة رجل آخر غير الاول والزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير أيضا أخرجه مقاتل بن حيان في تفسيره ومن طريقه بن شاهين في الصحابة ثم أبو موسى في قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عقيل النضرية كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو بن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ثم طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أنه طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى بن عمي زوجي الاول قال لا الحديث وهذا الحديث أن كان محفوظا فالواضح من سياقه أنها قصة أخرى وأن كلا من رفاعة القرظي ورفاعه النضري وقع له مع زوجة له طلاق فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها فالحكم في قصتهما متحد مع تغاير الاشخاص وبهذا يتبين خطأ من وجد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموأل هو رفاعة بن وهب فقال اختلف في امرأة رفاعة على خمسة أقوال فذكر الاختلاف في النطق بتميمه وضم إليها عائشة والتحقيق ما تقدم ووقعت لابي ركانة قصة أخرى سأذكرها آخر هذا الباب قوله فأتت النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام حذف تقديره يظهر من الروايات الاخرى فعند المصنف من طريق بن معاوية عن هشام فتزوجت زوجا غيره فلم يصل منها إلى شئ يريده وعند أبي عوانة من طريق الدراوردي عن هشام فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها وكذا في رواية مالك بن عبد الرحمن بن الزبير نفسه وزاد فلم يستطع أن يمسها وقوله فاعترض بضم المثناة وآخره ضاد معجمة أي حصل له عارض حال بينه وبين إتيانها أما من الجن وأما من المرض قوله فذكرت له أنه لا يأتيها وقع في رواية أبي معاوية عن هشام فلم يقربني الا هنة واحدة ولم يصل مني إلى شئ والهنة بفتح الهاء وتخفيف النون المرة الواحدة الحقيرة قوله وأنه ليس معه الا مثل هدبة بضم الهاء وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة هو طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن وارادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطئ الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الاول للمرأة الا أن كان حال وطئه منتشرا فلو كان ذكره اشل أو كان هو عنينا أو طفلا لم يكف على أصح قولي العلماء وهو الاصح عند الشافعية أيضا قوله فقال لا هكذا وقع من هذا الوجه مختصرا ووقع في رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة كما تقدم قريبا في باب من قال لامرأته أنت علي حرام ولم يكن معه الا مثل الهدبة فلم يقربني الا هنة واحدة ولم يصل مني إلى شئ أفأحل لزوجي الاول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الاول الحديث وفي رواية الزهري عن عروة كما تقدم أيضا في أوائل الطلاق وإنما معه مثل الهدبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا الحديث وسيأتي في اللباس من طريق أيوب عن عكرمة أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير قالت عائشة فجاءت وعليها خمار أخضر فشكت إليها أي إلى عائشة من زوجها وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء يبصرن بعضهن بعضا قالت عائشة ما رأيت ما يلقى المؤمنات لجلدها أشد خضرة من ثوبها وسمع زوجها فجاء ومعه ابنان له من غيرها قالت والله مالي إليه من ذنب الا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت والله يا رسول الله إني لانفضها نفض الاديم ولكنها ناشزة تريد رفاعة قال فإن كان ذلك لم تحل له الحديث وكأن هذه المراجعة بينهما هي التي حملت خالد بن سعيد بن العاص على قوله الذي وقع في رواية الزهري عن عروة فإن في آخر الحديث كما سيأتي في كتاب اللباس من طريق شعيب عنه قال فسمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب فقال يا أبا بكر الا تنهي هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم وفيه ما كان الصحابة عليه من سلوك الادب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وانكارهم على من خالف ذلك بفعله أو قوله لقول خالد بن سعيد لابي بكر الصديق وهو
[ 385 ]
جالس الا تنتهي هذه وإنما قال خالد ذلك لانه كان خارج الحجرة فاحتمل عنده أن يكون هناك ما يمنعه من مباشرة نهيها بنفسه بأمر به أبا بكر لكونه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم مشاهدا لصورة الحال ولذلك لما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم عند مقالتها لم يزجرها وتبسمه صلى الله عليه وسلم كان تعجبا منها أما لتصريحها بما يستحى النساء من التصريح به غالبا وأما لضعف عقل النساء لكون الحامل لها على ذلك شدة بغضها في الزوج الثاني ومحبتها في الرجوع إلى الزوج الاول ويستفاد منه جواز وقوع ذلك تنبيه وقع في جميع الطرق من قول خالد بن سعيد لابي بكر الا تنهي هذه عما تجهر به أي ترفع به صوتها وذكره الداودي بلفظ تهجر بتقديم التاء على الجيم والهجر بضم الهاء الفحش من القول والمعنى هنا عليه لكن الثابت في الروايات ما ذكرته وذكر عياض أنه وقع كذلك في غير الصحيح وتقدم البحث في الشهادات مع من استدل بكلام خالد هذا لجواز الشهادة على الصوت قوله حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك كذا في الموضعين بالتصغير واختلف في توجيهه فقيل هي تصغير العسل لان العسل مؤنث جزم به الفزاز ثم قال وأحسب التذكير لغة وقال الازهري يذكر ويؤنث وقيل لان العرب إذا حقرت الشئ أدخلت فيه هاء التأنيث ومن ذلك قولهم دريهمات فجمعوا الدرهم جمع المؤنث عند إرادة التحقير وقالوا أيضا في تصغير هند هنيدة وقيل التأنيث باعتبار الوطأة إشارة إلى أنها تكفي في المقصود من تحليلها للزوج الاول وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير التقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل الحل قال الازهري الصواب أن معنى العسيلة حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وانث تشبيها بقطعة من عسل وقال الداودي صغرت لشدة شبهها بالعسل وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة وزاد الحسن البصري حصول الانزال وهذا الشرط انفرد به عن الجماعة قاله بن المنذر وآخرون وقال بن بطال شذ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء وقالوا يكفي من ذلك ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم قال أبو عبد العسيلة لذة الجماع والعرب تسمى كل شئ تستلذه عسلا وهو في التشديد يقابل قول سعيد بن المسيب في الرخصة ويرد قول الحسن أن الانزال لو كان شرطا لكان كافيا وليس كذلك لان كلا منهما إذا كان بعيد العهد بالجماع مثلا انزل قبل تمام الايلاج وإذا انزل كل منهما قبل تمام الايلاج لم يذق عسيلة صاحبه لا أن فسرت العسيلة بالامناء ولا بلذة الجماع قال بن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للاول الا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه قال يقول الناس لا تحل للاول حتى يجامعها الثاني وأنا أقول إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك احلالها للاول فلا بأس أن يتزوجها الاول وهكذا أخرجه بن أبي شيبة وسعيد بن منصور وفيه تعقب على من استبعد صحته عن سعيد قال بن المنذر وهذا القول لا نعلم أحدا وافقه عليه الا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن قلت سياق كلامه يشرع بذلك وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك وهو ما أخرجه النسائي من رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر رفعه في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ثم يتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها فترجع إلى الاول فقال لا حتى تذوق العسيلة وقد أخرجه النسائي أيضا من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد فقال عن رزين بن سليمان الاحمري عن بن عمر نحوه قال النسائي هذا أولي بالصواب وإنما قال ذلك لان الثوري أتقن واحفظ من شعبة وروايته أولي بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة شيخهما هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن بن عمر مرفوعا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم ويؤخذ من كلام بن المنذر أن نقل أبي جعفر النحاس في معاني القران وتبعه عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة القول بذلك عن سعيد بن جبير وهم وأعجب منه أن أبا حبان جزم به عن السعيدين
[ 386 ]
سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ولا يعرف له سند عن سعيد بن جبير في شئ من المصنفات وكفى قول بن المنذر حجة في ذلك وحكى بن الجوزي عن داود أنه وافق سعيد بن المسيب على ذلك قال القرطبي ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه وفي قوله حي تذوقي عسيلته الخ اشعار بامكان ذلك لكن قولها ليس معه الا مثل هذه الهدبة ظاهر في تعذر الجماع المشترط فأجاب الكرماني بأن مرادها بالهدبة التشبيه بها في الدقة والرقة لا في الرخاوة وعدم الحركة واستبعد ما قال وسياق الخبر يعطي بأنها شكت منه عدم الانتشار ولا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حتى تذوقي لانه علقه على الامكان وهو جائز الوقوع فكأنه قال اصبري حتى يتأتى منه ذلك وأن تفارقا فلا بد لها من إرادة الرجوع إلى رفاعة من زوج آخر يحصل لها عنه ذلك واستدل بإطلاق وجود الذوق منهما لاشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ولو انزل هو وبالغ بن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء وتعقب وقال القرطبي فيه حجة لاحد القولين في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل وجزم بن القاسم بأن وطئ المجنون يحلل وخالفه أشهب واستدل به على جواز رجوعها لزوجها الاول إذا حصل الجماع من الثاني لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للاول وقال الاكثر أن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا واتفقوا على أنه إذا كان في نكاح فاسد لم يحلل وشذ الحكم فقال يكفي وأن من تزوج أمة ثم بت طلاقها ثم ملكها لم يحل له أن يطأها حتى تتزوج غيره وقال بن عباس وبعض اصحابه والحسن البصري تحل له بملك اليمين واختلفوا فيما إذا وطئها حائضا أو بعد أن طهرت قبل أن تطهر أو أحدهما صائم أو محرم وقال بن حزم أخذ الحنفية بالشرط الذي في هذا الحديث عن عائشة وهو زائد على ظاهر القرآن ولم يأخذوا بحديثها في اشتراط خمس رضعات لانه زائد على ما في القرآن فيلزمهم الاخذ به أو ترك حديث الباب وأجابوا بأن النكاح عندهم حقيقة في الوطئ فالحديث موافق لظاهر القرآن واستدل بقولها بن طلاقي على ان البتة ثلاث تطليقات وهو عجب ممن استدل به فإن البت بمعنى القطع والمراد به قطع العصمة وهو أعم من أن يكون بالثلاث مجموعة أو بوقوع الثالثة التي هي آخر ثلاث تطليقات وسيأتي في اللباس صريحا أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات فبطل الاحتجاج به ونقل بن العربي عن بعضهم أنه أورد على حديث الباب ما ملخصه أنه يلزم من القول به أما الزيادة يخبر الواحد على ما في القرآن فيستلزم نسخ القرآن بالسنة التي لم تتواتر أو حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين مع ما فيه من الالباس والجواب عن الاول أن الشرط إذا كان من مقتضيات اللفظ لم تكن اضافته نسخا ولا زيادة وعن الثاني أن النكاح في الآية اضيف إليها وهي لا تتولى العقد بمجردها فتعين ان المراد به في حقها الوطئ ومن شرطه اتفاقا أن يكون وطأ مباحا فيحتاج إلى سبق العقد ويمكن أن يقال لما كان اللفظ محتملا للمعنيين بينت السنة أنه لا بد من حصولهما فاستدل به على ان المرأة لاحق لها في الجماع لان هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها بذلك ومن ثم قال إبراهيم بن إسماعيل بن علية وداود بن علي لا يفسخ بالعنة ولا يضرب للعنين أجل وقال بن المنذر اختلفوا في المرأة تطالب الرجل بالجماع فقال الاكثر أن وطئها بعد أن دخل بها مرة واحدة لم يؤجل أجل العنين وهو قول الاوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق وقال أبو ثور أن ترك جماعها لعلة أجل له سنة وأن كان لغير علة فلا تأجيل وقال عياض اتفق كافة العلماء على أن للمرأة حقا في الجماع فيثبت الخيار لها إذا تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما ويضرب للعنين أجل سنة لاحتمال زوال ما به وما استدلال داود ومن يقول بقوله بقصة امرأة رفاعة فلا حجة فيها لان في بعض طرقه أن الزوج الثاني كان أيضا طلقها كما وقع عند مسلم صريحا من طريق القاسم عن عائشة قالت طلق رجل امرأته ثلاثا فتزوجها رجل آخر فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الاول أن يتزوجها فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا الحديث وأصله عند البخاري
[ 387 ]
وقد تقدم في أوائل الطلاق ووقع في حديث الزهري عن عروة كما سيأتي في اللباس في آخر الحديث بعد قوله لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قال ففارقته بعد زاد بن جريج عن الزهري في هذا الحديث أنها جاءت بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أنه يعني زوجها الثاني مسها فمنعها أن ترجع إلى زوجها الاول وصرح مقاتل بن حيان في تفسيره مرسلا أنها قالت يا رسول الله أنه كان مسني فقال كذبت بقولك الاول فلن اصدقك في الآخر وإنها أتت أبا بكر ثم عمر فمنعاها وكذا وقعت هذه الزيادة الاخيرة في رواية بن جريج المذكورة أخرجها عبد الرزاق عنه ووقع عند مالك في الموطأ عن المسور بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير زاد خارج الموطأ فيما رواه بن وهب عنه وتابعه إبراهيم بن طهمان عن مالك عند الدارقطني في الغرائب عن أبيه أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا فنكحها عبد الرحمن فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن يتزوجها الحديث ووقع عند أبي داود من طريق الاسود عن عائشة سئل رسول الله صلى الله عيه وسلم عن رجل طلق امرأة فتزوجت غيره فدخل بها وطلقها قبل أن يواقعها اتحل للاول قال لا الحديث وأخرج الطبري وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة نحوه والطبري أيضا والبيهقي من حديث أنس كذلك وكذا وقع في رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته وأخرجه الطبراني ورواته ثقات فإن كان حماد بن سلمة حفظه فهو حديث آخر لعائشة في قصة أخرى غير قصة امرأة رفاعة وله شاهد من حديث عبيد الله بالتصغير بن عباس عند السنائي في ذكره الغميصاء لكن سياقه يشبه سياق قصة رفاعة كما تقدم في أول شرح هذا الحديث وقد قدمت أنه وقع لكل من رفاعة بن سموأل ورفاعة بن وهب أنه طلق امرأته وأن كلا منهما تزوجها عبد الرحمن بن الزبير وأن كلا منهما شكت أنه ليس معه الا مثل الهدبة فلعل إحدى المرأتين شكته قبل أن يفارقها والاخرى بعد أن فارقها ويحتمل أن تكون القصة واحدة ووقع الوهم من بعض الرواة في التسمية أو في النسبة وتكون المرأة شكت مرتين من قبل المفارقة ومن بعدها والله أعلم وأما ما أخرجه أبو داود من حديث بن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما يغني عني الا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد طلقها وراجع أم ركانة ففعل فليس فيه حجة لمسألة العنين والله أعلم بالصواب قوله باب واللائي يئسن من المحيض من نسائكم أن ارتبتم سقط لفظ باب لابي ذر وكريمة وثبت للباقين ووقع عند بن بطال كتاب العدة باب قول الله الخ والعدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها أما بالولادة أو بالاقراء أو الاشهر قوله قال مجاهد أن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن أي فسر قوله تعالى أن ارتبتم أي لم تعلموا وقوله واللائي قعدن عن الحيض أي حكمهن حكم اللائي يئسن وقوله واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر أي أن حكم اللائي لم يحضن أصلا ورأسا حكمهن في العدة حكم اللائي يئسن فكان تقدير الآية واللائي لم يحضن كذلك لانها وقعت بعد قوله فعدتهن ثلاثة أشهر وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي وتقدم بيانه في تفسير سورة الطلاق وأخرج بن أبي حاتم من طريق يونس عن الزهري قال الارتياب والله اعلم في المرأة التي تشك في قعودها عن الولد وفي حيضها اتحيض أو لا وتشك في انقطاع حيضها بعد أن كانت تحيض وتشك في صغرها هل بلغت المحيض أم لا وتشك في حملها أبلغت أن تحمل أو لا فما ارتبتم
[ 388 ]
فيه من ذلك فالعدة فيه ثلاثة أشهر وهذا الذي جزم به الزهري مختلف فيه فيمن انقطع حيضها بعد أن كانت تحيض فذهب أكثر فقهاء الامصار إلى أنها تنتظر الحيض إلى أن تدخل في السن الذي لا يحيض فيه مثلها فتعتد حينئذ تسعة أشهر وعن مالك والاوزاعي تربص تسعة أشهر فإن حاضت وإلا اعتدت ثلاثة وعن الاوزاعي أن كانت شابة فسنة وحجة الشافعي والجمهور ظاهر القرآن فإنه صريح في الحكم للايسة والصغيرة وأما التي تحيض ويتأخر حيضها فليست آيسة لكن لمالك في قوله سلف وهو عمر فقد صح عنه ذلك وذهب الجمهور إلى أن المعنى في قوله أن ارتبتم أي في الحكم لا في اليأس (5012) قوله أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أي بن عبد الاسد المخزومي وقد تقدم الحديث في تفسير الطلاق من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن كريب عن أم سلمة وذلك لما وقعت المراجعة بينه وبين بن عباس في ذلك وتقدم بيان ذلك مشروحا هناك وقد رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة وفيه فدخل أبو سلمة على أم سلمة أورده المصنف هنا مختصرا وأورد القصة من وجهين آخرين باختصار أيضا الطريق الاولى طريق الاعرج أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة كذا رواه الاعرج عن أبي سلمة ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن كريب عن أم سلمة كما تقدم في تفسير سورة الطلاق وفيه قصة لابي سلمة مع بن عباس وأبي هريرة وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن يسار أن بن عباس وأبا سلمة اجتمعا عند أبي هريرة فبعثوا كريبا إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فذكرت القصة وهو شاهد لرواية الاعرج وأخرجه مالك في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة قال دخلت على أم سلمة وأخرجه النسائي من طريق داود بن أبي عاصم أن أبا سلمة أخبره فذكر قصته مع بن عباس وأبي هريرة قال فأخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أحمد من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة قال دخلت على سبيعة وهذا الاختلاف على أبي سلمة لا يقدح في صحة الخبر فإن لابي سلمة اعتناء بالقصة من حين تنازع هو وابن عباس فيها فكأنه لما بلغه الخبر من كريب عن أم سلمة لم يقتنع بذلك حتى دخل عليها ثم دخل علي سبيعة صاحبة القصة نفسها ثم تحملها عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو المسور بن مخرمة كما يأتي في الطريق الثالثة ويحتمل أن يكون أبا هريرة فإن في آخر الحديث عند النسائي فقال أبو هريرة أشهد على ذلك فيحتمل أن يكون أبو سلمة ابهمه أولا لما قال أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما أخرجه عبد بن حميد من رواية صالح بن أبي حسان عن أبي سلمة فذكر قصته مع بن عباس وأبي هريرة قال فأرسلوا ألى عائشة فذكرت حديث سبيعة فهو شاذ وصالح بن أبي حسان مختلف فيه ولعل هذا هو سبب الوهم الذي حكاه الحميدي عن بن مسعود وذكرته في تفسير الطلاق ووقع في رواية أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث أن بن عباس احتج بقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وأن أبا سلمة قال له يا بن عباس أقال الله آخر الاجلين أرأيت لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع اتتزوج فقال لغلامه أذهب إلى أم سلمة الطريق الثانية (5013) قوله الليث عن يزيد قال الدمياطي في حواشيه هو بن عبد الله بن الهاد ووهم في ذلك وإنما هو بن أبي حبيب كذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث قوله أن بن شهاب كتب إليه هو حجة في
[ 389 ]
جواز الرواية بالمكاتبة وقد سبق في غزوة بدر من المغازي معلقا عن الليث عن يونس عن بن شهاب أتم سياقا مما هنا ووصله مسلم من طريق بن وهب عن يونس كذلك ووافقه الزبيدي عن بن شهاب أخرجه بن حبان وأخرجه الطبراني من طريق عقيل عن بن شهاب فخالف في بعض رواته قوله عن أبيه هو عبد الله بن عتبة بن مسعود وقد سلف في تفسير الطلاق أن بن سيرين حدث به عن عبد الله بن عتبة عن سبيعة فيحتمل أن يكون عبد الله بن عتبة لقي سبيعة بعد أن كان بلغه عنها ممن سيذكر من الوسائط ويحتمل أن يكون أرسله عنها لابن سيرين أخرجه أحمد من طريق قتادة عن خلاس عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أن سبيعة بنت الحارث الحديث قوله أنه كتب إلى بن الارقم جزم جمع من الشراح أنه عبد الله بن الارقم الزهري الصحابي المشهور ووهموا في ذلك وإنما هو ولده عمر بن عبد الله كذلك وقع واضحا مفسرا في رواية يونس وليس لعمر المذكور في الصحيحين سوى هذا الحديث الواحد ووقع في رواية عقيل عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إليه أن الق سبيعة فسلها كيف قضى لها قال فأخبرني زفر بن أوس بن الحدثان أن سبيعة أخبرته والقائل أخبرني زفر هو عبيد الله بن عبد الله بين ذلك النسائي في روايته من طريق أبي زيد بن أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن بن شهاب ووضح بذلك أن لابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فيه طريقين الطريق الثالثة رواية هشام بن عروة عن ابية عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الاسلمية نفست وهذا يحتمل أن يكون المسور حمله أو أرسله عن سبيعة أو حضر القصة فإنه حفظ خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن فاطمة الزهراء وكانت قبل قصة سبيعة فلعله حضر قصة سبيعة أيضا قوله في الطريق الاولى أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة هي بمهملة وموحدة ثم مهملة تصغير سبع ووقع في المغازي سبيعة بنت الحارث وذكرها بن سعد في المهاجرات ووقع في رواية لابن إسحاق عند أحمد سبيعة بنت أبي برزة الاسلمي فإن كان محفوظا فهو أبوبرزة آخر غير الصحابي المشهور وهو أما كنية للحارث والد سبيعة أو نسبت في الرواية المذكورة إلى جد لها قوله كانت تحت زوجها تقدم في غزوة بدر أيضا تسميته سعد بن خولة وفيه أنه من بني عامر بن لؤي وثبت فيه أنه كان من حلفائهم قوله توفي عنها تقدم هناك أنه توفي في حجة الوداع ونقل بن عبد البر الاتفاق على ذلك وفي ذلك نظر فقد ذكر محمد بن سعد أنه مات قبل الفتح وذكر الطبري أنه مات سنة سبع وقد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب الوصايا وتقدم في تفسير الطلاق أنه قتل ومعظم الروايات على أنه مات وهو المعتمد ووقع للكرماني لعل سبيعة قالت قتل بناء على ظن منها في ذلك فتبين أنه لم يقتل وهذا الجمع بمجه السمع وإذا ظنت سبيعة أنه قتل ثم تبين لها أنه لم يقتل فكيف تجزم بعد دهر طويل بأنه قتل فالمعتمد أن الرواية التي فيها قتل أن كانت محفوظة ترجحت لانها لا تنافي مات أو توفي وأن لم يكن في نفس الامر قتل فهي رواية شاذة قوله فخطبها أبو السنابل بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة اختلف في اسمه فقيل عمرو قاله بن البرقي عن بن هشام عمن يثق به عن الزهري وقيل عامر روى عن بن إسحاق وقيل حبة بموحدة بعد المهملة وقيل بنون وقيل لبيدريه وقيل أصرم وقيل عبد الله ووقع في بعض الشروح وقيل بغيض قلت وهو غلط والسبب فيه أن بعض الائمة سئل عن اسمه فقال بغيض يسأل عن بغيض فظن الشارح أنه اسمه وليس كذلك لان في بقية الخبر اسمه لبيدريه وجزم العسكري بأن اسمه كنيته وبعكك بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن جعفر بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار وكذا نسبه بن إسحاق وقيل هو بن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق نقل ذلك عن بن الكلبي بن عبد البر قال وكان من المؤلفة وسكن الكوفة وكان شاعرا ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال لا يعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال لكن جزم بن سعد أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا
[ 390 ]
وقال بن منده في الصحابة عداده في أهل الكوفة وكذا قال أبو نعيم أنه سكن الكوفة وفيه نظر لان خليفة قال أقام بمكة حتى مات وتبعه بن عبد البر ويؤيد كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول بن البرقي أن أبا السنابل تزوج سبيعة بعد ذلك واولدها سنابل بن أبي السنابل ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لانه وقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجب الشاب وكذا في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت فتى من قومها وتقدم أن قصتها كانت بعد حجة الوداع فيحتاج أن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها إلى زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل وقد أفاد محمد بن وضاح فيما حكاه بن بشكوال وغيره عنه أن اسم الشاب الذي خطب سبيعة هو وأبو السنابل فأثرته على أبي السنابل ابو البشر بن الحارث وضبطه بكسر الموحة وسكون المعجمة وقد أخرج الترمذي والنسائي قصة سبيعة من رواية الاسود عند أبي السنابل بسند على شرط الشيخين إلى الاسود وهو من كبار التابعين من أصحاب بن مسعود ولم يوصف بالتدليس فالحديث صحيح على شرط مسلم لكن البخاري على قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي قوله فأبت أن تنكحه وقع في رواية الموطأ فخطبها رجلان أحدهما شاب وكهل فحطت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلي وكان أهلها غيبا فرجا أن يؤثروه بها قوله فقالت والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الاجلين فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي قال عياض هكذا وقع عند جميعهم فقالت والله ما يصلح الا لابن السكن فعنده فقال مكان فقالت وهو الصواب قلت وكذا في الاصل الذي عندنا من رواية أبي ذر عن مشايخه بل قال بن التين أنه عند جميعهم فقال الا عند القابسي فقالت بزيادة التاء وهذا أقرب مما قال عياض ثم قال عياض والحديث مبتور نقص منه قولها فنفست بعد ليال فخطبت الخ قلت قد ثبت المحذوف في رواية بن ملحان التي أشرت إليها عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه ولفظه فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست وقد وقع البخاري اختصار المتن في الطريق الثانية بأبلغ من هذا فإنه اقتصر منه على قوله أنه كتب إلى بن أرقم أن يسأل سبيعة الاسلمية كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفتاني إذا حللت أن انكح فابهم اسم بن أرقم ونسبه إلى جده كما نبهت عليه وطوى ذكر أكثر القصة وتقديره فأتاها فسألها فأخبرته فكتب إليه الجواب أتى سألتها فذكرت القصة وفي آخرها فقالت الخ وقد وقع بيانه واضحا في تفسير الطلاق من رواية يونس عن الزهري وفيه فكتب عمر بن عبد الله بن الارقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خوله فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج أن بدا لي وقوله في هذه الطريق الثانية فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم قد يخالف في الظاهر قوله في رواية الزهري المذكورة فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت فإنه ظاهر في أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مساء اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال ويمكن الجمع بينهما أن يحمل قولها حين أمسيت على إرادة وقت توجهها ولا يلزم منه أن يكون ذلك في اليوم الذي قال لها فيه ما قال قوله في الرواية الثالثة (5014) أن سبيعة نفست بضم النون وكسر الفاء أي ولدت قوله بعد وفاة زوجها بليال كذا أبهم المدة وكذا في رواية سليمان بن يسار عند مسلم مثله وفي رواية الزهري فلم تنشب أن وضعت ووقع في رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن سبيعة عند أحمد فلم أمكث الا شهرين حتى وضعت وفي رواية داود بن أبي عاصم فولدت لادنى من من أربعة أشهر وهذا
[ 391 ]
أيضا مبهم وفي رواية يحيى بن أبي كثير الماضية في تفسير الطلاق فوضعت بعد موته بأربعين ليلة كذا في رواية شيبان عنه وفي رواية حجاج الصواف عند النسائي بعشرين ليلة ووقع عند بن أبي حاتم من رواية أيوب عن يحيى بعشرين ليلة أو خمس عشرة ووقعت في رواية الاسود فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما كذا عند الترمذي والنسائي وعند بن ماجة ببضع وعشرين ليلة وكأن الراوي الغي الشك وأتى بلفظ يشمل الامرين ووقع في رواية عبد ربه بن سعيد بنصف شهر وكذا في رواية شعبة بلفظ خمسة عشر نصف شهر وكذا في حديث بن مسعود عند أحمد والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في إبهام من أبهم المدة إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر وهو هنا كذلك فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري رواية عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة اقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وسلم لا في مدة بقية الحمل وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهرين وبغيره دون أربعة أشهر وقد قال جمهور العلماء من السلف وائمة الفتوى في الامصار أن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة وخالف في ذلك على فقال تعتد آخر الاجلين ومعناه أنها أن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع وأن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن علي بسند صحيح وبه قال بن عباس كما في هذه القصة ويقال أنه رجع عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك وتقدم في تفسير الطلاق أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على بن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع وأنكر أن يكون بن مسعود قال بذلك وقد ثبت عن بن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى كان يقول من شاء لاعنته على ذلك ويظهر من مجموع الطرق في قصة سبيعة أن أبا السنابل رجع عن فتواه أو لا أنها لا تحل حتى تمضي مدة عدة الوفاة لانه قد روى قصة سبعة ورد النبي صلى الله عليه وسلم ما أفتاها أبو السنابل به من أنها لا تحل حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ولم يرد عن أبي السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدة قبل الوضع هل كان يقول بظاهر إطلاقه من انقضاء العدة أو لا لكن نقل غير واحد الاجماع على أنها لا تنقضي في هذه الحالة الثانية حتى تضع وقد وافق سحنون من المالكية عليا نقله المازري وغيره وهو شذوذ مردود لانه أحداث خلاف بعد استقرار الاجماع والسبب الحامل له الحرص على العمل بالايتين اللتين تعارض عمومهما فقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا عام في كل من مات عنها زوجها يشمل الحامل وغيرها وقوله تعالى واولات الاحمال اجلهن أن يضعن حملهن عام أيضا يشمل المطلقة والمتوفى عنها مجمع أولئك بين العمومين بقصر الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالايسة والصغيرة قبلهما ثم لم يهملوا ما تناولته الآية الثانية من العموم لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع فكان تخصيص بعض العموم أولي وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من الغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم قال القرطبي هذا نظر حسن فإن الجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الاصول لكن حديث سبيعة نص بأنها تحل بوضع الحمل فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا أنه في حق من لم تضع وإلى ذلك أشار بن مسعود بقوله أن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة وفهم بعضهم منه أنه يرى نخخ الاولى بالاخيرة وليس ذلك مراده وإنما يعني أنها مخصصة لها فانها أخرجت منها بعض متناولاتها وقال بن عبد البر لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس لانهما عدتان مجتمعان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها الا بيقين واليقين آخر الاجلين وقد اتفق الفقهاء من أهل الحجاز والعراق أن أم الولد لو كانت متزوجة فمات زوجها ومات سيدها معا أن عليها أن تأتي بالعدة والاستبراء بأن تتربص أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة أو بعدها ويترجح قول الجمهور أيضا بأن الايتين وأن كانتا عامتين من وجه خاصتين من وجه فكان الاحتياط أن لا تنقضي العدة الا بآخر
[ 392 ]
الاجلين لكن لما كان المعنى المقصور الاصلي من العدة براءة الرحم ولا سيما فيمن تحيض يحصل المطلوب بالوضع ووافق ما دل عليه حديث سبيعة ويقويه قول بن مسعود في تأخر نزول آية الطلاق عن آية البقرة واستدل بقوله فأفتاني بأني حللت حين وضعت حملي بأنه يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس وبه قال الجمهور وإلى ذلك أشار بن شهاب في آخر حديثه عند مسلم بقوله ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وأن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر وقال الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة لا تنكح حتى تطهر قال القرطبي وحديث سبيعة حجة عليهم ولا حجة لهم في قوله في بعض طرقه فلما تعلت من نفاسها لان لفظ تعلت كما يجوز أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من ألم النفاس وعلى تقدير تسليم الاول فلا حجة فيه أيضا لانها حكاية واقعة سبيعة والحجة إنما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلم أنها حلت حين وضعت كما في حديث الزهري المتقدم ذكره وفي رواية معمر عن الزهري حللت حين وضعت حملك وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي بن كعب أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة أن تنكح إذا وضعت وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى أن يضعن حملهن فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه ولم يقل إذا طهرت ولا إذا انقطع دمك فصح ما قال الجمهور وفي قصة سبيعة من الفوائد أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأن المفتي إذا كان له ميل إلى الشئ لا ينبغي له أن يفتي في لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لابي السنابل حيث أفتي سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مضى المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره وفيه ما كان في سبيعة من الشهامة والفطنة حيث ترددت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتى أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسألة ولعل ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السر في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذب في الفتوى المذكورة كما أخرجه أحمد من حديث بن مسعود على أن الخطأ قد يطلق عليه الكذب وهو في كلام أهل الحجاز كثير وحمله بعض العلماء على ظاهره فقال إنما كذبه لانه كان عالما بالقصة وأفتى بخلافه حكاه بن داود عن الشافعي في شرح المختصر وهو بعيد وفيه الرجوع في الوقائع إلى الاعلم ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله لكن خروجها من منزلها ليلا يكون أستر لها كما فعلت سبيعة وفيه أن الحامل تنقضي عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة سواء استبان خلق الآدمي أم لا لانه صلى الله عليه وسلم رتب الحل على الوضع من غير تفصيل وتوقف بن دقيق العيد فيه من جهة أن الغالب في إطلاق وضع الحامل هو الحمل التام المتخلق وأما خروج المضعة أو العلقة فهو نادر والحمل على الغالب أقوى ولهذا نقل عن الشافعي قول بأن العدة لا تنقضي بوضع قطعة لحم ليس فيها صورة بينة ولا خفية وأجيب عن الجمهور بأن المقصود في انقضاء العدة براءة الرحم وهو حاصل بخروج المضغة أو العلقة بخلاف أم الولد فإن المقصود منها الولادة وما لا يصدق عليه أنه أصلا دمي لا يقال فيه ولدت وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها لان في رواية الزهري التي في المغازي فقال مالي أراك تجملت للخطاب وفي رواية بن إسحاق فتهيأت للنكاح واختضبت وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت وفي رواية الاسود فتطيبت وتصنعت وذكر الكرماني أنه وقع في بعض طرق حيث سبيعة أن زوجها مات وهي حالة وفي معظمها حامل وهو الاشهر لان الحمل من صفات النساء فلا يحتاج إلى علامة التأنيث ووجه الاول أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل كما قيل في قوله تعالى تذهل كل مرضعة فلو أريد أن الارضاع من شأنها لقيل كل مرضع اه والذي وقفنا عليه في جميع الروايات وهي حامل وفي كلام أبي السنابل لست بناكح واستدل به على أن المرأة لا يجب عليها التزويج لقولها في الخبر من طريق الزهري وامرني بالتزويج أن بدا لي وهو مبين للمراد من قوله في رواية سليمان بن يسار وأمرها بالتزويج فيكون معناه وأذن لها وكذا ما وقع في الطريق الاولى من الباب فقال انكحي وفي رواية بن إسحاق عند أحمد فقد حللت فتزوجي ووقع في رواية الاسود عن أبي السنابل عند بن ماجة في آخره فقال أن وجدت زوجا صالحا فتزوجي وفي حديث بن مسعود عند أحمد إذا أتاك
[ 393 ]
أحد ترضينه وفيه أن الثيب لا تزوج الا برضاها من ترضاه ولا اجبار لاحد عليها وقد تقدم بيانه في غير هذا الحديث قوله باب قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء سقط لفظ باب لابي ذر والمراد بالمطلقات هنا ذوات الحيض كما دلت عليه آية سورة الطلاق المذكورة قبل والمراد بالتربص الانتظار وهو خبر بمعنى الامر وقرأ الجمهور قروء بالهمز وعن نافع بتشديد الواو بغير همز قوله وقال إبراهيم هو النخعي فيمن تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الاول ولا تحتسب به لمن بعده وقال الزهري تحتسب وهذا أحب إلى سفيان زاد في نسخة الصغاني يعني قول الزهري وصله بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان وهو الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في رجل طلق فحاضت فتزوجها رجل فحاضت قال بانت من الاول ولا تحتسب الذي بعده وعن سفيان عن معمر عن الزهري تحتسب قال بن عبد البر لا أعلم أحدا ممن قال الاقراء الاطهار يقول هذا غير الزهري قال ويلزم على قوله أن المعتدة لا تحل حتى تدخل في الحيضة الرابعة وقد اتفق علماء المدينة من الصحابة فمن بعدهم وكذا الشافعي ومالك وأحمد واتباعهم على أنها إذا طعنت في الحيضة الثالثة طهرت بشرط أن يقع طلاقها في الطهر وأما لو وقع في الحيض لم تعتد بتلك الحيض وذهب الجمهور إلى ان من اجتمعت عليها عدتان أنها تعتد عدتين وعن الحنفية ورواية عن مالك يكفي لها عدة واحدة كقول الزهري والله أعلم قوله وقال معمر يقال أقرأت المرأة الخ معمر هو أبو عبيدة بن المثنى وقد تقدم بيان ذلك عنه في أوائل تفسير سورة النور وقوله بسلى بكسر الموحدة وفتح المهملة والتنوين بغير همز السلى هو غشاء الولد وقال الاخفش اقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض والقرء انقضاء الحيض ويقال هو الحيض نفسه ويقال هو من الاضداد ومراد أبي عبيدة أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الحيض وبمعنى الضم والجمع وهو كذلك وجزم به بن بطال وقال لما احتملت الآية واختلف العلماء في المراد بالاقراء فيها ترجح قول من قال أن الاقراء الاطهار بحديث بن عمر حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق في الطهر وقال في حديثه فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فدل على أن المراد بالاقراء الاطهار والله أعلم قوله قصة فاطمة بنت قيس كذا للاكثر ولبعضهم باب وبه جزم بن بطال والاسماعيلي وفاطمة هي بنت قيس بن خالد من بني محارب بن فهر بن مالك وهي أخت الضحاك بن قيس الذي ولي العراق ليزيد بن معاوية وقتل بمرج راهط وهو من صغار الصحابة وهي أسن منه وكانت من المهاجرات الاول وكان لها عقل وجمال وتزوجها أبو عمرو بن حفص ويقال أبو حفص بن عمرو بن المغيرة المخزومي وهو بن عم خالد بن الوليد بن المغيرة فخرج مع علي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها وأمر ابني عميه الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرا وشعيرا فاستقلت ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عيه وسلم فقال لها ليس لك سكنى ولا نفقة هكذا أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها ولم أرها في البخاري وإنما ترجم لها كما ترى وأورد أشياء من قصتها بطريق الاشارة إليها ووهم صاحب العمدة وأورد حديثها بطوله في المتفق واتفقت
[ 394 ]
الروايات عن فاطمة على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق ووقع في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة عن فاطمة بنت قيس نكحت بن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني أبو جهم الحديث وهذه الرواية وهم ولكن أولها بعضهم على أن المراد أصيب بجراحه أو أصيب في ماله أو نحو ذلك حكاه النووي وغيره والذي يظهر أن المراد بقولها أصيب أي مات على ظاهره وكان في بعث علي إلى اليمن فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت فقد ذهب جمع جم إلى أنه مات مع علي باليمن وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها فإذا جمع بين الروايتين استقام هذه التأويل وارتفع الوهم ولكن يبعد بذلك قول من قال أنه بقي إلى خلافة عمر قوله وقول الله عزوجل واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن الآية كذا للاكثر وللنسفي بعد قوله بيوتهن إلى قوله بعد عسر يسرا وساق الآيات كلها إلى يسرا في رواية كريمة (5015) قوله إسماعيل هو بن أبي أويس قوله يحيى بن سعيد بن العاص أي بن سعيد بن العاص بن أمية وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية ويحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف بالاشدق قوله طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم هي بنت أخي مروان الذي كان أمير المدينة أيضا لمعاوية حينئذ وولي الخلافة بعد ذلك واسمها عمرة فيما قيل وسيأتي في الخبر الثالث أنه طلقها البتة قوله قال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني وهو موصول بالاسناد المذكور إلى يحيى بن سعيد وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقنا عليه ثم بين لفظ سليمان وهو بن يسار وحده ولفظ الاقسم بن محمد وحده وقول مروان أن عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني في ردها إلى بيتها وقيل مراده غلبني بالحجة لانه احتج بالشر الذي كان بينهما قوله قالت لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة أي لانه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب قوله فقال مروان بن الحكم أن كان بك شر أي أن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين اقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ولذلك قال فحسبك ما بين هذين من الشر وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس كما أخرجه النسائي من طريق شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان طلق بنت سعيد بن زيد البتة وأمها حزمة بنت قيس فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال فسمع بذلك مروان فأنكر فذكرت أن خالتها أخبرتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة يسألها عن ذلك فذكرت الحديث وأخرجه مسلم من طريق معمر عن الزهري دون ما في أوله وزاد فقال مروان لم يسمع هذا الحديث الا من امرأة فستأخذ بالعمصة التي وجدنا عليها الناس وسيأتي له طريق أخرى في الباب الذي بعده فكأن مروان أنكر الخروج مطلقا ثم رجع إلى الجواز بشرط
[ 395 ]
وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق كما سيأتي (5016) قوله حدثنا محمد بن بشار كذا في الروايات التي اتصلت لنا من طريق الفربري وكذا أخرجه الاسماعيلي من بن عبد الكريم عن بندار وهو محمد بن بشار وقال المزي في الاطراف أخرجه البخاري عن محمد غير منسوب وهو محمد بن بشار كذا نسبه أبو مسعود قلت ولم أره غير منسوب الا في رواية النسفي عن البخاري وكأنه وقع كذلك في أطراف خلف ومنها نقل المزي ولم انبه على هذا الموضع في المقدمة اعتمادا على ما اتصل لنا من الروايات إلى الفربري قوله عن عائشة أنها قالت ما لفاطمة الا تتقي الله يعني في قولها لا سكنى ولا نفقة وقع في رواية مسلم من هذا الوجه ما لفاطمة خير أن تذكر هذا كأنها تشير إلى أن سبب الاذن في انتقال فاطمة ما تقدم في الخبر الذي قبله ويؤيده ما أخرج النسائي من طريق ميمون بن مهران قال قدمت المدينة فقلت لسعيد بن المسيب أن فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها فقال انها كانت لسنة ولابي داود من طريق سليمان بنيسار انما كان ذلك من سوء الخلق (5017) قوله سفيان هو الثوري قوله قال عروة أي بن الزبير لعائشة ألم تري إلى فلانة بنت الحكم نسبها إلى جدها وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم كما في الطريق الاولى قوله فقالت بئس ما صنعت في رواية الكشميهني ما صنع أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها ولهذا أرسلت عائشة إلى مروان عمها وهو الامير أن يردها إلى منزل الطلاق قوله ألم تسمعي قول فاطمة يحتمل أن يكون فاعل قال هو عروة قوله قالت أما أنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث في رواية مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه تزوج يحيى بن سعيد بن العاص بنت عبد الرحمن بن الحكم فطلقها وأخرجها فأتيت عائشة فأخبرتها فقالت ما لفاطمة خير في أن تذكر هذا الحديث كأنها تشير إلى ما تقدم وأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة قوله وزاد بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عابت عائشة أشد العيب وقالت أن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك ارخص لها النبي صلى الله عليه وسلم وصله أبو داود من طريق بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بلفظ لقد عابت وزاد يعني فاطمة بنت قيس وقوله وحش فتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي خال لا أنيس به ولرواية بن أي الزناد هذه شاهد من رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة لكن قال عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت قلت يا رسول الله أن زوجي طلقني ثلاثا فأخاف أن يقتحم علي فأمرها فتحولت وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الامرين أما خشية الاقتحام عليها وما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش من القول ولم ير بين الامرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معا في شأنها وقال بن المنير ذكر البخاري في الترجمة علتين وذكر في الباب واحدة فقط وكأنه أومأ إلى الاخرى أما لورودها على غير شرط وأما لان الخوف عليها إذا اقتضى خروجها فمثله الخوف منها بل لعله أولي في جواز اخراجها فما صح عنده معنى العلى الاخرى ضمنها الترجمة وتعقب بأن الاقتصار في بعض طرق الحديث على بعضه لا يمنع قبول بعض آخر إذا صح طريقة فلا مانع أن يكون أصل شكواها ما تقدم من استقلال النفقة وأنه اتفق أنه بدا منها بسبب ذلك شر
[ 396 ]
لاصهارها واطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من قبلهم وخشي عليها أن استمرت هناك أن يتركوها بغير أنيس فأمرت بالانتقال قلت ولعل البخاري أشار بالثاني إلى ما ذكره في الباب قبله من قول مروان لعائشة أن كان بك شر فإنه يومئ إلى أن السبب في ترك أمرها بملازمة السكن ما وقع بينها وبين اقارب زوجها من الشر وقال بن دقيق العيد سياق الحديث يقتضي أن سبب الحكم أنها اختلفت مع الوكيل بسبب استقلالها ما أعطاها وإنها لما قال لها الوكيل لا نفقة لك سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأجابها بأنها لا نفقة لها ولا سكنى فاقتضى أن التعليل إنما هو بسبب ما جرى من الاختلاف لا بسبب الاقتحام والبذاءة فإن قام دليل أقوى من هذا الظاهر عمل به قلت المتفق عليه في جميع طرقه أن الاختلاف كان في النفقة ثم اختلفت الروايات ففي بعضها فقال لا نفقة لك ولا سكنى وفي بعضها أنه لما قال لها لا نفقة لك استأذنته في الانتقال فأذن لها وكلها في صحيح مسلم فإذا جمعت ألفاظ الحديث من جميع طرقه خرج منها أن سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها ومنها واستقام الاستدلال حينئذ على أن السكنى لم تسقط لذاتها وإنما سقطت للسبب المذكور نعم كانت فاطمة بنت قيس تجزم بإسقاط سكنى البائن ونفقتها وتستدل لذلك كما سيأتي ذكره ولهذا كانت عائشة تنكر عليها تنبيه طعن أبو محمد بن حزم في رواية بن أبي الزناد المعلقة فقال عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف جدا وحكم على روايته هذه بالبطلان وتعقب بأنه مختلف فيه ومن طعن فيه لم يذكر ما يدل على تركه فضلا عن بطلان روايته وقد جزم يحيى بن معين بأنه أثبت الناس في هشام بن عروة وهذا من روايته عن هشام قاله در البخاري ما أكثر استحضاره وأحسن تصرفه في الحديث والفقه وقد اختلف السلف في نفقة المطلقة البائن وسكناها فقال الجمهور لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لاثبات السكنى بقوله تعالى اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولاسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى وأن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن مفهومة أن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى والسياق يفهم أنها في غير الرجعية لان نفقة الرجعية واجبة لو لم تكن حاملا وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة بنت قيس ونازعوا في تناول الآية الاولى المطلقة البائن وقد احتجت فاطمة بنت قيس صاحبة القصة على مروان حين بلغها إنكاره بقولها بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن إلى قوله يحدث بعد ذلك أمر قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث وإذا لم يكن لها نفقة وليست حاملا فعلام يحبسونها وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى يحدث بعد ذلك أمر المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافة وحكى غيره أن المراد بالامر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة وأما ما أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعا إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة فهو في أكثر الروايات موقوف عليها وقد بين الخطيب في المدرج أن مجالد بن سعيد تفرد برفعه وهو ضعيف ومن أدخله في رواية غير رواية مجالد عن الشعبي فقد ادرجه وهو كما قال وقد تابع بعض الرواة عن الشعبي في رفعه مجالدا لكنه أضعف منه وأما قولها إذا لم يكن لها نفقة فعلام يحبسونها فأجاب بعض العلماء عنه بأن السكنى التي تتبعها النفقة هو حال الزوجية الذي يمكن معه الاستمتاع ولو كانت رجعية وأما السكنى بعد البينونة فهو حق لله تعالى بدليل أن الزوجين لو اتفقا على إسقاط العدة لم تسقط بخلاف الرجعية فدل على أن لا ملازمة بين السكنى والنفقة وقد قال بمثل قول فاطمة أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وذهب أهل الكوفة من الحنفية وغيرهم الي أن لها النفقة والكسوة وأجابوا عن الآية بأنه تعالى إنما قيد النفقة بحالة الحمل ليدل على ايجابها في غير حالة الحمل بطريق الاولى لان مدة الحمل تطول غالبا ورده بن السمعاني بمنع العلة في طول مدة الحمل بل تكون مدة الحمل اقصر من غيرها تارة واطول أخرى فلا اولوية وبأن قياس الحائل على الحامل فاسد لانه يتضمن إسقاط تقييد ورد به النص في القرآن والسنة وأما قوله بعضهم أن حديث فاطمة أنكره السلف عليها كما
[ 397 ]
تقدم من كلام عائشة وكما أخرج مسلم من طريق أبي إسحاق كنت مع الاسود بن يزيد في المسجد فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فأخذ الاسود كفا من حصى فحصبه به وقال ويلك تحدث بهذا قال عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن فالجواب عنه أن الدارقطني قال قوله في حديث عمر وسنة نبينا غير محفوظ والمحفوظ لا ندع كتاب ربنا وكان الحامل له على ذلك أن أكثر الروايات ليست فيها هذه الزيادة لكن ذلك لا يرد رواية النفقة ولعل عمر أراد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما دلت عليه احكامه من أتباع كتاب الله لا أنه أراد سنة مخصوصة في هذا ولقد كان الحق ينطق على لسان عمر فإن قوله لا ندري حفظت أو نسيت قد ظهر مصداقه في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عممت في موضع التخصيص كما تقدم بيانه وأيضا فليس في كلام عمر ما يقتضي إيجاب النفقه وإنما أنكر إسقاط السكنى وادعى بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة ورده بن السمعاني بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر لكونه لم يلقه وقد بالغ الطحاوي في تقرير مذهبه فقال خالفت فاطمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان عمر روى خلاف ما روت فخرج المعنى الذي أنكر عليها عمر خروجا صحيحا وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا وعمدته على ما ذكر من المخالفة ما روى عمر بن الخطاب فإنه أورده من طريق إبراهيم النخعي عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفقة وهذا منقطع لا تقوم به حجة قوله باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها أو تبذو على أهلها بفاحشة في رواية الكشميهني على أهله والاقتحام الهجوم على الشخص بغير إذن والبذاء بالموحدة والمعجمة القول الفاحش (5018) قوله حبان بكسر أوله والموحدة هو بن موسى وعبد الله هو بن المبارك قوله ان عائشة أنكرت ذلك على فاطمة كذا أورده من طريق بن جريج عن بن شهاب مختصرا وأورده مسلم من طريق صالح بن كيسان عن بن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها فأمرها أن تنتقل إلى بن أم مكتوم الاعمى فأبى مروان أن يصدق في خروج المطلقة من بيتها وقال عروة أن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس قوله باب قول الله ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحمل كذا للاكثر وهو تفسير مجاهد وفصل أبو ذر بين أرحامهن وبين من بدائرة إشارة إلى انه أريد به التفسير لا أنها قراءة وسقط حرف من للنسفي وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن اخرين الحمل وعن مجاهد كلاهما والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والاطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالبا جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك وقال إسماعيل القاضي دلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض الا أن تأتي من ذلك بما يعرف كذبها فيه وقد أخرج الحاكم في المستدرك من حديث أبي بن كعب أن من
[ 398 ]
الامانة أن ائتمنت المرأة على فرجها هكذا أخرجه موقوفا في تفسير سورة الاحزاب ورجاله رجال الصحيح وقد تقدم بيان مدة أكثر الحيض واقله في كتاب الحيض والاختلاف في ذلك ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية لما حاضت في أيام مني انك لحابستنا وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال المهلب فيه شاهد لتصديق النساء فيما يدعينه من الحيض لكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤخر السفر ويحبس من معه لاجل حيض صفية ولم يمتحنها في ذلك ولا اكذبها وقال بن المنير لما رتب النبي صلى الله عليه وسلم على مجرد قول صفية أنها حائض تأخيره السفر أخذ منه تعدي الحكم إلى الزوج فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها والحاق الحمل به (0) قوله باب وبعولتهن أحق بردهن في العدة وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين وقوله فلا تعضلوهن كذا للاكثر وفصل أبو ذر أيضا بين قوله بردهن وبين قوله في العدة بدائرة إشارة إلى أن المراد بأحقية الرجعة من كانت في العدة وهو قول مجاهد وطائفة من أهل التفسير وسقط قوله فلا تعضلوهن من رواية النسفي ثم ذكر المصنف الباب حديثين أحدهما حديث معقل بن يسار في تزويج أخته أورده من طريقين الاولى (5020) قوله حدثني محمد كذا للجميع غير منسوب وهو بن سلام وعبد الوهاب شيخه هو بن عبد المجيد الثقفي ويونس هو بن عبيد البصري الطريق الثانية من طريق سعيد وهو بن أبي عروبة عن قتادة قال في روايته حدثنا الحسن أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل وقال في رواية يونس عن الحسن زوج معقل أخته وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في باب لا نكاح الا بولي من كتاب النكاح وبينت هناك من وصله وأرسله وتقدم في تفسير البقرة أيضا موصولا ومرسلا وقوله فحمى بوزن علم بكسر ثانية وقوله أنفا فتح الهمزة والنون منون أي ترك الفعل غيظا وترفعا وقوله فترك الحمية لتشديد وقوله واستقاد لامر الله كذا للاكثر بقاف أي أعطى مقادته والمعنى اطاع وامتثل وفي رواية الكشميهني واستراد براء بدل القاف من
[ 399 ]
الرود وهو الطلب أو المعنى أراد رجوعها ورضي به ونقل بن التين عن رواية القابسي واستفاد بتشديد الدال ورده بأن المفاعلة لا تجتمع مع سين الاستفعال الحديث الثاني حديث بن عمر في طلاق الحائض وتقدم شرحه مستوفي في أول كتاب الطلاق وقوله وزاد فيه غيره عن الليث تقدم بيانه في أول الطلاق أيضا حيث قال فيه وقال الليث الخ وفيه تسمية الغير المذكور وقال بن بطال ما ملخصه المراجعة على ضربين أما في العدة فهي على ما في حديث بن عمر لان النبي صلى الله عليه وسلم أمره بمراجعتها ولم يذكر انه أحتاج إلى عقد جديد وأما بعد العدة فعلى ما في حديث معقل وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له الا بنكاح مستأنف واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعا فقال الاوزاعي إذا جامعها فقد راجعها وجاء ذلك عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالاوزاعي وزادوا ولو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة وقال الشافعي لا تكون الرجعة الا بالكلام وانبنى على هذا الخلاف جواز الوطئ وتحريمه وحجة الشافعي أن الطلاق مزيل للنكاح وأقرب ما يظهر ذلك في حل الوطئ وعدمه لان الحل معنى يجوز أن يرجع في النكاح ويعود كما في إسلام أحد المشركين ثم إسلام الآخر في العدة وكما يرتفع بالصوم والاحرام والحيض ثم يعود بزوال هذه المعاني وحجة من أجاز أن النكاح لو زال لم تعد المرأة الا بعقد جديد وبصحة الخلع في الرجعية ولوقوع الطلقة الثانية والجواب عن كل ذلك أن النكاح ما زال أصله وإنما زال وصفه وقال بن السمعاني الحق أن القياس يقتضي أن الطلاق إذا وقع زال النكاح كالعتق لكن الشرع أثبت الرجعة في النكاح دون العتق فافترقا قوله باب مراجعة الحائض ذكر فيه حديث بن عمر في ذلك وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم شرحه مستوفي في أوائل الطلاق قوله باب تحد بضم أوله وكسر ثانية من الرباعي ويجوز بفتحه ثم ضمة من الثلاثي وقد تقدم بيان ذلك في باب احداد المرأة على غير زوجها من كتاب الجنائز قال أهل اللغة أصل الاحداد المنع ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الداخل وسميت العقوبة حدا لانها تردع عن المعصية وقال بن درستويه معنى الاحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها والطمع فيها كما منع الحد المعصية وقال الفراء سمي الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على محاولة ومنه تحديد النظر بمعنى امتناع تقلبه في الجهات ويروي بالجيم حكاه الخطابي قال يروى بالحاء والجيم وبالحاء أشهر والجيم مأخوذ من جددت الشئ إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة وقال أبو حاتم أنكر الاصمعي حدت ولم يعرف الا احدت وقال الفراء كان القدماء يؤثرون احدت والاخرى أكثر ما في كلام العرب قوله وقال الزهري لا أرى أن تقرب الصبية الطيب أي إذا كانت ذات زوج فمات عنها وقوله لان عليها العدة
[ 400 ]
أظنه من تصرف المصنف فإن أثر الزهري وصله بن وهب في موطئه عن يونس عنه بدونها وأصله عند عبد الرزاق عن معمر عنه باختصار وفي التعليل إشارة إلى أن سبب الحاق الصبية بالبالغ في الاحداد وجوب العدة على كل منهما اتفاقا وبذلك احتج الشافعي أيضا واحتج أيضا بأنه يحرم العقد عليها بل خطبتها في العدة واحتج غيره بقوله في حديث أم سلمة في الباب أفنكحلها فإنه يشعر بأنها كانت صغيرة إذ لو كانت كبير لقالت أفتكتحل هي وفي الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون معنى قولها أفنكحلها أي فأمكنها من الاكتحال (5024) = 7 قوله عن زينب بنت أبي سلمة أي بن عبد الاسد وهي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بن التين أنها لا رواية لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال وقد أخرج لها مسلم حديثها كان أسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب الحديث وأخرج لها البخاري حديثا تقدم في أوائل السيرة النبوية قوله أنها أخبرته هذه الاحاديث الثلاثة تقدم منها الحديثان الاولان في كتاب الجنائز مع كثير من شرحهما والكلام على قوله في الاول حين توفي أبوها وفي الثاني حين توفي أخوها وأنه سمي في بعض الموطآت عبد الله وكذا هو في صحيح بن حبان من طريق أبي مصعب وأن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدا وزينب بنت أبي سلمة يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة وأنه يجوز أن يكون عيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهي مميزة وأن يكون أبا أحمد بن جحش فإن اسمه عبد بغير إضافة لانه مات في خلافة عمر فيجوز أن يكون مات قبل زينب لكن ورد ما يدل على أنه حضر دفنها ويلزم على الامرين أن يكون وقع في الاسم تغيير أو الميت كان أخا زينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة قوله لا يحل استدل به على تحريم الاحداد على غير الزوج وهو واضح وعلى وجوب الاحداد المدة المذكورة على الزوج واستشكل بان الاستثناء وقع بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب وأجيب بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالاجماع ورد بأن المنقول عن الحسن البصري أن الاحداد لا يجب أخرجه بن أبي شيبة ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الاحداد قال أحمد ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين يعني الحسن والشعبي قال وخفي ذلك عليهما اه ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج وأن كان فيها رد على من ادعى الاجماع وفي أثر الشعبي تعقب على بن المنذر حيث نفي الخلاف في المسألة الا عن الحسن وأيضا فحديث التي شكت عينها وهو ثالث أحاديث الباب دال على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح وأجيب أيضا بأن السياق يدل على الوجوب فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالا بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك قوله لامرأة تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الاحداد على الصغيرة وذهب الجمهور إلى وجوب الاحداد عليها كما تجب العدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب وعن كونها غير مكلفة بأن الولي هو المخاطب بمنعها مما تمنع منه المعتدة ودخل في عموم قوله امرأة المدخول بها وغير المدخول بها حرة كانت أو امة ولو كانت مبعضة أو مكاتبة أو أم ولد إذا مات عنها زوجها لا سيدها لتقييده بالزوج في الخبر خلافا للحنفية قوله تؤمن بالله واليوم الآخر استدل به الحنفية بأن لا احداد على الذمية للتقييد بالايمان وبه قال بعض المالكية وأبو ثور وترجم عليه النسائي بذلك وأجاب الجمهور بأنه ذكر
[ 401 ]
تأكيدا للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم وأيضا فالاحداد من حق الزوج وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه ولانه حق للزوجية فأشبه النفقة والسكنى ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في قوله تؤمن بالله واليوم الآخر ورد على قائله وبين فساد شبهته فأجاد وقال النووي قيد يوصف الايمان لان المتصف به هو الذي ينقاد للشرع قال بن دقيق العيد والاول أولي وفي رواية عند المالكية أن الذمية المتوفى عنها تعتد بالاقراء قال بن العربي هو قول من قال لا احداد عليها قوله على ميت استدل به لمن قال لا احداد على امرأة المفقود لانه لم تتحقق وفاته خلافا للمالكية قوله الا على زوج أخذ من هذا الحصر أن لا يزاد على الثلاث في غير الزوج أبا كان أو غيره وأما ما أخرجه أبو داود في المراسيل من رواية عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صلح لكان خصوص الاب يخرج من هذا العموم لكنه مرسل أو معضل لان جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين ولم يرو عن أحد من الصحابة الا الشئ اليسير عن بعض صغار الصحابة ووهم بعض الشراح فتعقب على أبي داود تخريجه في المراسيل فقال عمرو بن شعيب ليس تابعيا فلا يخرج حديثه في المراسيل وهذا التعقب مردود لما قلناه ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخص المراسيل برواية التابعي كما هو منقول عن غيره أيضا واستدل به للاصح عند الشافعية في أن لا احداد على المطلقة فأما الرجعية فلا احداد عليها إجماعا وإنما الاختلاف في البائن فقال الجمهور لا احداد وقالت الحنفية وأبو عبيد وأبو ثور عليها الاحداد قياسا على المتوفى عنها وبه قال بعض الشافعية والمالكية واحتج الاولون بأن الاحداد شرع لان تركه من التطيب واللبس والتزين يدعو إلى الجماع فمنعت المرأة منه زجرا لها عن ذلك فكان ذلك ظاهرا في حق الميت لانه يمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه بخلاف المطلق الحي في كل ذلك ومن ثم وجبت العدة على كل متوفى عنها وان لم تكن مدخولا بها بخلاف المطلقة قبل الدخول فلا احداد عليها اتفاقا وبأن المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد وتعقب بأن الملاعنة لا احداد عليها وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية واستدل به على جواز الاحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لاجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية ولهذا تناولت أم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما الطيب لتخرجا عن عهدة الاحداد وصرحت كل منهما بابنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها الا امتثال الامر قوله أربعة أشهر وعشرا قبل الحكمة فيه أن الولد يتكامل تخليقه وتنفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الاهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثا لارادة الليالي والمراد مع ايامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة وعن الاوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد مضي الاشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها قبل في الكلام على حديث سبيعة بنت الحارث وقد ورد في حديث قوي الاسناد أخرجه أحمد وصححه بن حبان عن أسماء بنت عميس قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال لا تحدي بعد يومك هذا لفظ أحمد وفي رواية له ولابن حبان والطحاوي لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم
[ 402 ]
فقال تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت قال شيخنا في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الاحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لان أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم قال بل ظاهر النهي أن الاحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للاحاديث الصحيحة وقد اجمعوا على خلافة قال ويحتمل أن يقال أن جعفرا قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم قال وهذا ضعيف لانه لم يرد في حق غير جعفر من الشهداء ممن قطع بأنهمه شهداء كما قطع لجعفر كحمزة بن عبد المطلب عمه وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر اه كلام شيخنا ملخصا وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الاحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم أمرت بالاحداد أربعة أشهر وعشرا ثم ساق أحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ما ادعاه من النسخ لكنه يكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال فجرى على عادته ويحتمل وراء ذلك أجوبة أخرى أحدها أن يكون المراد بالاحداد المقيد بالثلاث قدرا زائدا على الاحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ثانيها أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت العدة فنهاها بعدها عن الاحداد ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الاخرى ثلاثا لانه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضي عند الثلاث ثالثها لعله كان أبانه بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها احداد رابعها أن البيهقي اعل الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء وهذا تعليل مدفوع فقد صححه أحمد لكنه قال أنه مخالف للاحاديث الصحيحة في الاحداد قلت وهو مصير منه إلى أنه يعله بالشذوذ وذكر الاثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن بن عمر رفعه لا احداد فوق ثلاث فقال هذا منكر والمعروف عن بن عمر من رأيه اه وهذا يحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء والله أعلم وأغرب بن حبان فساق الحديث بلفظ تسلمي بالميم بدل الموحدة وفسره بأنه أمرها بالتسليم لامر الله ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الامر أشد فلذلك قيدها بالثلاث هذا معنى كلامه فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها وقد وقع في رواية البيهقي وغيره فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتسلب ثلاثا فتبين خطؤه قوله قالت زينب وسمعت أم سلمة هو موصول الاسناد المذكور وهو الحديث الثالث ووقع في الموطأ سمعت أمي أم سلمة زاد عبد الرزاق عن مالك بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله جاءت امرأة زاد النسائي من طريق الليث عن حميد بن نافع من قريش وسماها بن وهب في موطئه أخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه من طريق عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أخرجه بن وهب عن أبي الاسود النوفلي عن القاسم بن محمد عن زينب عن أمها أم سلمة أن عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أتت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أن ابنتي توفي عنها زوجها وكانت تحت المغيرة المخزومي وهي تحد وتشتكي عينها الحديث وهكذا أخرجه الطبراني من رواية عمران بن هارون الرملي عن بن لهيعة لكنه قال بنت نعيم ولم يسمها وأخرجه بن منده في المعرفة من طريق عثمان بن صالح عن عبد الله بن عقبة عن محمد بن عبد الرحمن عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها عن عاتكة بنت نعيم أخت عبد الله بن نعيم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أن ابنتها توفي زوجها الحديث و عبد الله بن عقبة هو بن لهيعة نسبه لجده ومحمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود فإن كان محفوظا فلابن لهيعة طريقان ولم تسم البنت التي توفي زوجها ولم تنسب فيما وقفت عليه وأما المغيرة المخزومي فلم اقف على اسم أبيه وقد أغفله بن منده في الصحابة وكذا أبو موسى في الذيل عليه وكذا بن عبد البر لكن استدركه بن فتحون عليه قوله وقد اشتكت عينها قال بن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة ورجح
[ 403 ]
هذا ووقع في بعض الروايات عيناها يعني وهو يرجح الضم وهذه الرواية في مسلم وعلى الضم اقتصر النووي وهو الارجح والذي رجح الاول هو المنذري قوله فانكحلها بضم الحاء قوله لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا في رواية شعبة عن حميد بن نافع فقال لا تكتحل قال النووي فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار ووجه الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الاولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار قال وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث شعبة المذكور فخشوا على عينيها وفي رواية بن منده المقدم ذكرها رمدت رمدا شديدا وقد خشيت على بصرها وفي رواية الطبراني أنها قالت في المرة الثانية أنها تشتكي عينها فوق ما يظن فقال لا وفي رواية القاسم بن أصبغ أخرجها بن حزم أني أخشى أن تفقئ عينها قال لا وأن انفقأت وسنده صحيح وبمثل ذلك افتت أسماء بنت عميس أخرجه بن أبي شيبة وبهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قال الشافعية مقيدا بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه وقد أخرج بن أبي شيبة عن صفية بنت أبي عبيد أنه احدت على بن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها تزيغان فكانت تقطر فيهما الصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لان محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الادلة قوله إنما هي أربعة أشهر وعشرا كذا في الاصل بالنصب على حكاية لفظ القرآن ولبعضهم بالرفع وهو واضح قال بن دقيق العيد فيه إشارة إلى تقليل المدة بالنسبة لما كان قبل ذلك وتهوين الصبر عليها ولهذا قال بعده وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبصرة على رأس الحول وفي التقييد بالجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الاسلام صار بخلافة وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع لكن التقدير بالحول استمر في الاسلام بنص قوله تعالى وصية لازواجهم متاعا إلى الحول ثم نسخت بالآية التي قبل وهي يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قوله قال حميد هو بن نافع راوي الحديث وهو موصول بالاسناد المبدوء به قوله فقلت لزينب هي بنت أبي سلمة وما ترمي بالبعرة أي بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة قوله كانت المرأة إذا توفي عنها زوجهاد خلت حفشا الخ هكذا في هذه الرواية لم تسنده زينب ووقع في رواية شعبة في الباب الذي يليه مرفوعا كله لكنه باختصار ولفظه فقال لا تكتحل قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشرا وهذا لا يقتضي ادراج رواية الباب لان شعبة من أحفظ الناس فلا يقضي على روايته برواية غيره بالاحتمال ولعل الموقوف ما في رواية الباب من الزيادة التي ليست في رواية شعبة والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك البيت الصغير وعند النسائي من طريق بن القاسم عن مالك الحفش الخص بضم المعجمة بعدها مهلمة وهو أخص من الذي قبله وقال الشافعي الحفش البيت الذليل الشعث البناء وقيل هو شئ من خوص يشبه القفة تجمع فيه المعتدة متاعها من غزل أو نحوه وظاهر سياق القصة يأبى هذا خصوصا رواية شعبة وكذا وقع في رواية للنسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ولعل أصل
[ 404 ]
الحفش ما ذكر ثم استعمل في البيت الصغير الحقير على طريق الاستعارة والاحلاس في رواية شعبة بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو أثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة المراد أن الراوي شك في أي اللفظين وقع وصف ثيابها أو وصف مكانها وقد ذكرا معا في رواية الباب قوله حتى يمر بها في رواية الكشميهني لها قوله ثم تؤتى بدابة بالتنوين حمار بالجر والتنوين على البدل وقوله أو شاة أو طائر للتنويع لا للشك وإطلاق الدابة على ما ذكر هو بطريق الحقيقة اللغوية لا العرفية قوله فتفتض بفاء ثم مثناة ثم ضاد معجمة ثقيلة فسره مالك في آخر الحديث فقال تمسح به جلدها واصل الفض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما تفعله بالدابة ووقع في رواية للنسائي تقبص بقاف ثم موحدة ثم مهملة خفيفة وهي رواية الشافعي والقبص الاخذ بأطراف الانامل قال الاصبهاني وابن الاثير هو كناية عن الاسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها لقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به والباء في قولها به سببية والضبط الاول أشهر قال بن قتيبة سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا ان المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به قلت وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لانه أطلق الجلد وتبين أن المراد به جلد القبل وقال بن وهب معناه أنها تمسح يدها على الدابة وعلى ظهره وقيل المراد تمسح به ثم تفتض أي تغتسل والافتضاض الاغتسال بالماء العذب لازالة الوسخ وإرادة النقاء حتى تصير بيضاء نقية كالفضة ومن ثم قال الاخفش معناه تنتظف فتنتقي من الوسخ فتشبه الفضة في نقائها وبياضها والغرض بذلك الاشارة إلى اهلاك ما هي فيه ومن الرمي الانفصال منه بالكلية تنبيه جوز الكرماني أن تكون الباء في قوله فتفتض به للتعدية أو تكون زائدة أي تفتض الطائر بأن تكسر بعض أعضائه انتهى ويرده ما تقدم من تفسير الافتضاض صريحا قوله ثم تخرج فتعطي بعرة بفتح الموحدة وسكون المهملة ويجوز فتحها قوله فترمى بها في رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الابل فترمى بها امامها فيكون ذلك احلالا لها وفي رواية بن وهب فترمى ببعرة من بعر الغنم من وراء ظهرها ووقع في رواية شعبة الآتية فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة وظاهره أن رميها البعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح وقيل ترمي بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا أو غيره وقال عياض يمكن الجمع بأن الكلب إذا مر افتضت به ثم رمت البعرة قلت ولا يخفى بعده والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا فإنه لا منافاة بين الروايتين حتى يحتاج إلى الجمع واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو إشارة إلى أنها رمت العدة رمى البعرة وقيل إشارة إلى أن العفل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل بعدم عودها إلى مثل ذلك قوله باب الكحل للحادة كذا وقع من الثلاثي ولو كان من الرباعي لقال المحدة قال بن التين
[ 405 ]
الصواب الحاد بلا هاء لانه نعت للمؤنث كطالق وحائض قلت لكنه جائز فليس بخطأ وأن كان الآخر أرجح ذكر فيه حديث أم سلمة الماضي في الباب قبله وكذا حديث أم حبيبة اوردهما من طريق شعبة باختصار وقد تقدم ما فيه قبل وقوله (5025) لا تكتحل في رواية المستملي بلا تاء بين الكاف والحاء ثم اورد حديث أم عطية مختصرا وفي الباب الذي يليه مطولا وقوله الا بزوج في رواية الكشميهني الا على زوج قوله باب القسط للحادة عند الطهر أي عند طهرها من المحيض إذا كانت ممن تحيض وله (5027) كنا ننهي بضم أوله وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده قوله ولا نلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالاضافة وهي برود اليمن بعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشى لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ وإنما يعصب السدي دون اللحمة وقال صاحب المنتهى العصب هو المفتول من برود اليمن وذكر أبو موسى المدني في ذيل الغريب عن بعض أهل اليمن أنه من دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز وغيره ويكون أبيض وهذا غريب وأغرب منه قول السهيلي أنه نبات لا ينبت الا باليمن وعزاه لابي حنيفة الدينوري وأغرب منه قول الداودي المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة وليس له سلف في أن العصب الاخضر قال بن المنذر أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة الا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن وكره عروة العصب أيضا وكره مالك غليظه قال النووي الاصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا وهذا الحديث حجة لمن إجازة وقال بن دقيق العيد يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهي الثياب البيض ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به وكذلك الاسود إذا كان مما يتزين به قال النووي ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا واختلف في الحرير فالاصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ لانه ابيح للنساء للتزين به والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها كالرجال وفي التحلي بالذهب والفضة وباللؤلؤ ونحوه وجهان الاصح جوازه وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه وفي المقصود بالاحداد فإنه عند تأملها يترجح المنع والله أعلم قوله وقد رخص لنا بضم أوله أيضا وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده قوله عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في رواية الكشميهني حيضها وفي الذي بعده ولا تمس طيبا الا أدنى طهرها إذا طهرت قوله في نبذه بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة أي قطعة وتطلق على الشئ اليسير قوله من كست اظفار كذا فيه بالكاف وبالاضافة وفي الذي بعده من قسط وأظفار بقاف واو عاطفة وهو أوجه وخطأ عياض الاول وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض وقال بعده قال أبو عبد الله وهو البخاري القسط والكست مثل الكافور والقافور أي يجوز في كل منهما الكاف والقاف وزاد القسط أنه يقال بالتاء المثناة بدل الطاء فأراد المثلية في الحرف الاول فقط قال النووي القسط والاظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لازالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب قلت المقصود من التطيب بهما أن يخلطا في أجزاء آخر من غيرهما ثم تسحق فتصير طيبا والمقصود بهما هنا كما قال الشيخ أن تتبع بهما أثر الدم لازالة الرائحة لا للتطيب وزعم الداودي
[ 406 ]
أن المراد أنها تسحق القسط وتلقيه في الماء آخر غسلها لتذهب رئاحة الحيض ورده عياض بأن ظاهر الحديث يأباه وأنه لا يحصل منه رائحة طيبة الا من التبخر به كذا قال وفيه نظر واستدل به على جواز استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه إذا لم يكن للتزين أو التطيب كالتدهن بالزيت في شعر الرأس أو غيره قوله باب تلبس الحادة ثياب العصب ذكر فيه حديث أم عطية مصرحا برفعه وزاد في أوله لا يحل لامرأة الحديث مثل حديث أم حبيبة الماضي قبله وزاد بعد (5028) قوله الا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب وقد تقدم شرحه في الذي قبله ووقع فيه فوق ثلاث وتقدم في حديث أم حبيبة في الطريق الاولى ثلاث ليال وفي الطريق الثانية ثلاثة أيام وجمع بإرادة الليالي بأيامها ويحمل المطلق هنا على المقيد الاول ولذلك انث وهو محمول أيضا على أن المراد ثلاث ليال بأيامها وذهب الاوزاعي إلى أنها تحد ثلاث ليال فقط فإن مات في أول الليل اقلعت في أول اليوم الثالث وأن مات في اثناء الليل أو في أول النهار أو في اثنائه لم تقلع الا في صبيحة اليوم الرابع ولا تلفيق قوله وقال الانصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ البخاري وقد أخرج عنه الكثير بواسطة وبلا واسطة وهشام هو الدستوائي المذكور في الذي قبله قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تمس طيبا كذا أورده مختصرا وهو في الاصل مثل الحديث الذي قبله وقد وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن الانصاري بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام الا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا قوله الا أدنى طهرها أي عند قرب طهرها أو أقل طهرها وقد تقدم شرحه قبل ثم ذكر المصنف حديث أم حبيبة من طريق سفيان وهو الثوري عن عبد الله بن أبي بكر وهو بن محمد بن عمرو بن حزم شيخ مالك فيه وقد مضى شرحه أيضا (0) قوله باب والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا إلى قوله خبير كذا لابي ذر والاكثر وساق في رواية كريمة الآية بكاملها (5029) قوله حدثني إسحاق بن منصور تقدم في تفسير البقرة هذا الحديث بهذا السند وبينت هناك ما قيل فيه من تعليق
[ 407 ]
وغيره ووقع هناك إسحاق غير منسوب وفسر بابن راهويه وقد ظهر من هذه الطريق أنه بن منصور ولعله كان عنده عنهما جميعا وقوله كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا كذا لابي ذر عن الكشميهني وذكر واجبا أما لانه صفة محذوف أي أمر واجبا أو ضمن العدة معنى الاعتداد وفي رواية كريمة واجب على أنه خبر مبتدأ محذوف قال بن بطال ذهب مجاهد إلى أن الآية وهي قوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا نزلت قبل الآية التي فيها وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج كما هي قبلها في التلاوة وكأن الحامل له على ذلك استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ فرأى أن استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشر ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول أن أقامت عندهم اه ملخصا قال وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليها من الفقهاء أحد واطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول في العدة بالاربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا وقال بن عبد البر لم يختلف العلماء أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر وإنما اختلفوا في قوله غير إخراج فالجمهور على أنه نسخ أيضا وروى بن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال ولم يتابع على ذلك ولا قال أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة بل روى بن جريج عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه الناس فارتفع الخلاف واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى على أنه أيضا شاذ لا يعول عليه والله أعلم قوله باب مهر البغي والنكاح الفاسد البغي بكسر المعجمة وتشديد التحتانية بوزن فعيل من البغاء وهو الزنا يستوي في لفظه المذكر والمؤنث قال الكرماني وقيل وزنه فعول لان أصله بغوى ابدلت الواو ياء ثم كسرت الغين لاجل الياء التي بعدها والتقدير ومهر من نكحت في النكاح الفاسد أي بشبهة من اخلال شرط أو نحو ذلك قوله وقال الحسن هو البصري إذا تزوج محرمة بتشديد الراء وللمستملي بفتح الميم والراء وسكون الحاء بينهما وبالضمير وبهذا الثاني جزم بن التين وقال أي ذا محرمة قوله وهو لا يشعر احتراز عما إذا تعمد وبهذا القيد ومفهومه يطابق الترجمة وقال بن بطال اختلف العلماء فيها على قولين فمنهم من قال لها المسمى ومنهم من قال لها مهر المثل وهم الاكثر قوله فرق بينهما بضم أوله قوله وليس لها غيره ثم قال بعد لها صداقها هذا الاثر وصله بن أبي شيبة عن هشيم عن يونس عن الحسن مثله
[ 408 ]
إلى قوله وليس لها غيره ومن طريق مطر الوراق عن الحسن نحوه وقال لها صداقها أي صداق مثلها ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الاول حديث أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو الانصاري في النهي عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي وقوله (5031) عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن هو بن الحارث بن هشام في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن الثاني حديث أبي جحيفة في لعن الواشمة الحديث وفيه ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين الثالث حديث أبي هريرة في النهي عن كسب الاماء وقد تقدم شرح الاحاديث الثلاثة في آخر البيوع قال بن بطال قال الجمهور من عقد على محرم وهو عالم بالتحريم وجب عليه الحد للاجماع على تحريم العقد فلم يكن هناك شبهة يدرأ بها الحد وعن أبي حنيفة العقد شبهة واحتج له بما لو وطئ جارية له فيها شركة فإنها محرمة عليه بالاتفاق ولا حد عليه للشبهة وأجيب بأن حصته من الملك اقتضت حصول الشبهة بخلاف المحرم له فلا ملك له فيها أصلا فافترقا ومن ثم قال بن القاسم من المالكية يجب الحد في وطئ الحرة ولا يجب في المملوكة والله أعلم (0) قوله باب المهر للمدخول عليها أي وجوبه أو استحقاقه وقوله وكيف الدخول يشير إلى الخلاف فيه وقد تمسك بقوله في حديث الباب فقد دخلت بها على أن من أغلق بابا وارخى سترا على المرأة فقد وجب لها الصداق وعليها العدة وبذلك قال الليث والاوزاعي وأهل الكوفة وأحمد وجاء ذلك عن عمر وعلى وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر قال الكوفيون الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كاملا سواء وطئ أم لم يطأ الا أن كان أحدهما مريضا أو صائما أو محرما أو كانت حائضا فلها النصف وعليها العدة كاملة واحتجوا أيضا بأن الغالب عند إغلاق الباب وارخاء الستر على المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنة مقام لمئنة لما جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع غالبا لغلبة الشهوة وتوفر الداعية وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملا الا بالجماع واحتج بقوله تعالى وأن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وقال ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وجاء ذلك عن بن مسعود وابن عباس وشريح والشعبي وابن سيرين والجواب عن حديث الباب أنه ثبت في الرواية الاخرى في حديث الباب فهو بما استحللت من فرجها فلم يكن في قوله دخلت عليها حجة لمن قال أن مجرد الدخول يكفي وقال مالك إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه وأن دخل بها في بيتها صدق عليها ونقله عن بن المسيب وعن مالك رواية أخرى كقول الكوفيين قوله أو طلقها قبل الدخول قال بن بطال التقدير أو كيف طلاقها فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه قلت ويحتمل أن يكون التقدير أو كيف الحكم إذا طلقها قبل الدخول قوله والمسيس ثبت هذا في رواية النسفي
[ 409 ]
والتقدير وكيف المسيس وهو معطوف على الدخول أي إذا طلقها قبل الدخول وقبل المسيس ثم ذكر فيه حديث بن عمر من رواية سعيد بن جبير عنه في قصة الملاعنة وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب اللعان قوله باب المتعة للتي لم يفرض لها لقوله تعالى لا جناح عليكم أن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة إلى قوله بصير كذا للاكثر وساق ذلك في رواية كريمة وساق بن بطال في شرحه إلى قوله وعلى الموسع قدره ثم قال إلى قوله تعقلون ولم أر ذلك لغيره وهو بعيد أيضا لان المصنف قال بعد ذلك وقوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف وتقييده في الترجمة بالتي لم يفرض لها قد استدل له بقوله في الآية أو تفرضوا لهن فريضة وهو مصير منه إلى أن أر للتنويع فنفى الجناح عمن طلقت قبل المسيس فلا متعة لها لانها نقصت عن المسمى فكيف يثبت لها قدر زائد عمن فرض لها قدر معلوم مع وجود المسيس وهذا أحد قولي العلماء واحد قولي الشافعي أيضا وعن أبي حنيفة تختص المتعة بمن طلقها قبل الدخول لم يسم لها صداقا وقال الليث لا تجب المتعة أصلا وبه قال مالك واحتج له بعض أتباعه بأنها لم تقدر وتعقب بأن عدم التقدير لا يمنع الوجوب كنفقة القريب واحتج بعضهم بأن شريحا يقول متع أن كنت محسنا متع أن كنت متقيا ولا دلالة فيه على ترك الوجوب وذهبت طائفة من السلف إلى أن لكل مطلقة متعة من غير استثناء وعن الشافعي مثله وهو الراجح وكذا تجب في كل فرقة الا في فرقة وقعت بسبب منها قوله وقوله تعالى للمطلقات متاع بالمعروف تمسك به من قال بالعموم وخصه من فصل بما تقدم في الآية الاولى قوله ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها قد تقدمت أحاديث اللعان مستوفاة الطرق وليس في شئ منها للمتعة ذكر فكأنه تمسك في ترك المتعة للملاعنة بالعدم وهو مبني على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان فأما من قال أنها تقع بنفس اللعان فأجاب عن قوله في الحديث فطلقها بأن ذلك كان قبل علمه بالحكم كما تقدم تقريره وحينئذ فلم تدخل الملاعنة في عمرم المطلقات ثم ذكر حديثا بن عمر في قصة الملاعن وقوله فيه وأن كنت كاذبا وقع في رواية الكشميهني وأن كنت كذبت عليها خاتمة اشتمل كتاب الطلاق وتوابعه من اللعان والظهار وغير ذلك من الاحاديث المرفوعة على مائة وثمانية عشر حديثا المعلق منها ستة وعشرون حديثا والباقي موصول المكرر منه فيه وفيما مضى اثنان وتسعون حديثا والخالص ستة وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة وحديث أبي أسيد وحديث سهل بن سعد ثلاثتها في قصة الجونية وحديث على ألم تعلم أن القلم رفع عن النائم الحديث وهو معلق وحديث بن عباس في قصة ثابت بن قيس في الخلع وحديثه في زوج بريرة وحديثه كان المشركون على منزلتين وحديث بن عمر في نكاح الذمية وحديثه في تفسير الايلاء وحديث المسور في شأن سبيعة وحديث عائشة كانت فاطمة بنت قيس في مكان وحش وهو معلق وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعون أثرا والله أعلم
[ 410 ]
قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النفقات وفضل النفقة على الاهل كذا لكريمة وقد تقدم في رواية أبي ذر والنسفي كتاب النفقات ثم البسملة ثم قال باب فضل النفقة على الاهل وسقط لفظ باب لابي ذر قوله وقول الله عزوجل ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة كذا للجميع ووقع النسفي عند قوله قل العفو وقد قرأ الاكثر قل العفو بالنصب أي تنفقون العفو أو أنفقوا العفو وقرأ أبو عمرو وقبله الحسن وقتادة قل العفو بالرفع أي هو العفو ومثله قولهم ماذا ركبت افرس أم بعير يجوز الرفع والنصب قوله وقال الحسن العفو الفضل وصله عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد بسند صحيح عن الحسن البصري وزاد ولا لوم على الكفاف وأخرج عبد بن حميد أيضا من وجه آخر عن الحسن قال أن لا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس فرعف بهذا المراد بقوله الفضل أي ما لا يؤثر في المال فيمحقه وقد أخرج بن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح إليه أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا أن لنا ارقاء وأهلين فما تنفق من أموالنا فنزلت وبهذا يتبين مراد البخاري من ايرادها في هذا الباب وقد جاء عن بن عباس وجماعة أن المراد بالعفو ما فضل عن الاهل أخرجه بن أبي حاتم أيضا ومن طريق مجاهد قال العفو الصدقة المفروضة ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس العفو ما لا يتبين في المال وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة فلما اختلفت هذه الاقوال كان ما جاء من السبب في نزولها أولي أن يؤخذ به ولو كان مرسلا ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث الاول حديث أبي مسعود الانصاري وهو عقبة بن عمرو (5036) قوله عن عدي بن ثابت تقدم في الايمان من وجه آخر عن شعبة أخبرني عدي بن ثابت قوله عن أبي مسعود الانصاري فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم القائل فقلت هو شعبة بينه الاسماعيلي في رواية له من طريق علي بن الجعد عن شعبة فذكره إلى أن قال عن أبي مسعود فقال قال شعبة قلت قال عن النبي صلى الله عليه قال نعم وتقدم في كتاب الايمان عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير مراجعة وذكر المتن مثله وفي المغازي عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر المتن مختصرا ليس فيه وهو يحتسبها وهذا مقيد لمطلق ما جاء في أن الانفاق على الاهل صدقة كحديث سعد رابع أحاديث الباب حيث قال فيه ومهما أنفقت فهو لك صدقة والمراد بالاحتساب القصد إلى طلب الاجر والمراد بالصدقة الثواب واطلاقها عليه مجاز وقرينته الاجماع على جواز الانفاق على الزوجة الهاشمية مثلا وهو من مجاز التشبيه والمراد به أصل الثواب لا في كميته ولا كيفيته ويستفاد منه أن الاجر لا يحصل بالعمل الا مقرونا بالنية ولهذا
[ 411 ]
ادخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب ما جاء أن الاعمال بالنية والحسبة وحذف المقدار من قوله إذا أنفق لارادة التعميم ليشمل الكثير والقليل وقوله على أهله يحتمل أن يشمل الزوجة والاقارب ويحتمل أن يختص الزوجة ويلحق به من عداها بطريق الاولى لان الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولي وقال الطبري ما ملخصه الانفاق لي الاهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع وقال المهلب النفقة على الاهل واجبة بالاجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجرا لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الاجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الاهل الا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع وقال بن المنير تسمية النفقة صدقة من جنس تسمية الصادق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصين وطلب الولد كان الاصل أن لا يجب لها عليه شئ الا أن الله خص الرجل بالفضل على المرأة بالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة الحديث الثاني (5037) قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وهذا الحديث ليس في الموطأ وهو على شرط شيخنا في تقريب الاسانيد لكنه لما لم يكن في الموطأ لم يخرجه كأنظاره لكنه أخرجه من رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن القاسم وأبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك قوله قال الله أنفق يا بن آدم أنفق عليك أنفق الاولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الامر بالانفاق والثانية بضم أوله وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع وهو وعد بالخلف وممنه قوله تعالى وما انفقتم من شئ فهو يخلفه وقد تقدم القدر المذكور من هذا الحديث في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد في اثناء حديث ولفظه قال الله أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملاى الحديث وهذا الحديث الثاني أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق سعيد بن داود عن مالك وقال صحيح تفرد به سعيد عن مالك وأخرج مسلم الاول من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ أن الله تعالى قال لي أنفق أنفق عليك الحديث وفرقه البخاري كما سيأتي في كتاب التوحيد وليس في روايته قال لي فدل على أن المراد بقوله في رواية الباب يا بن آدم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلى الله عليه وسلم بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته وفي ترك تقييد النفق بشئ معين ما يرشد إلى أن الحث على الانفاق يشمل جميع أنواع الخير وسيأتي شرح حديث شعيب مبسوطا في التوحيد إن شاء الله تعالى الحديث الثالث (5038) قوله عن ثور بن زيد في رواية محمد بن الحسن في الموطأ عن مالك أخبرني ثور قوله الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله كذا قال جميع أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره وأكثرهم ساقه على لفظ رواية مالك عن صفوان بن سليم به مرسلا ثم قال وعن ثور بسنده مثله وسيأتي في كتاب الادب عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك واقتصر أبو قرة موسى بن طارق على رواية مالك عن ثور فقال الساعي على الارملة والمسكين له صدقة بين ذلك الدارقطني في الموطآت قوله أو القائم الليل الصائم النهار هكذا للجميع عن مالك بالشك لكن
[ 412 ]
لاكثرهم مثل معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير في آخرين بلفظ أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل وقد أخرجه بن ماجة من رواية الدراوردي عن ثور بمثل هذا اللفظ لكن قاله بالواو لا بلفظ أو وسيأتي في الادب من رواية القعنبي عن مالك بلفظ وأحسبه قال كالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر شك القعنبي وقد ذكره الاكثر بالشك عن مالك لكن بمعناه فيحمل اختصاص القعنبي باللفظ الذي أورده ومعنى الساعي الذي يذهب ويجئ في تحصيل ما ينفع الارملة والمسكين والارملة بالراء المهملة التي لا زوج لها والمسكين تقدم بيانه في كتاب الزكاة وقوله القائم الليل يجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه ومطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الاهل أي الاقارب بالصفتين المذكورتين فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف أولي الحديث الرابع حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد تقدم شرحه في الوصايا والمراد منه هنا (5039) قوله ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك وقد أخرج مسلم من حديث مجاهد بن أبي هريرة رفعه دينار أعطيته مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار انفقته على أهلك قال الدينار الذي انفقته على أهلك أعظم أجرا ومن حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقة على دابته في سبيل الله دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال يعفهم وينفعهم الله به قال الطبري البداءة في الانفاق بالعيال يتناول النفس لان نفس المرء من جملة عياله بل هي أعظم حقا عليه من بقية عياله إذ ليس لاحد أحياء غيره باتلاف نفسه ثم الانفاق على عياله كذلك قوله باب وجوب النفقة على الاهل والعيال الظاهر أن المراد بالاهل في الترجمة الزوجة وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص أو المزاد بالاهل الزوجة والاقارب والمراد بالعيال الزوجة والخدم فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدا لحقها ووجوب نفقة الزوجة تقدم دليلة أول النفقات ومن السنة حديث جابر عند مسلم ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج وانعقد الاجماع على الوجوب لكن اختلفوا في تقديرها فذهب الجمهور إلى أناه بالكفاية والشافعي وطائفة كما قال بن المنذر إلى أنها بالامداد ووافق الجمهور من الشافعية أصحاب الحديث كابن خزيمة وابن المنذر ومن غيرهم أبو الفضل بن عبدان وقال الروياتي في الحلية هو القياس وقال النووي في شرح مسلم ما سيأتي في باب إذا لم ينفق الرجل فالمرأة أن تأخذ بعد سبعة أبواب وتمسك بعض الشافعية بأنها لو قدرت بالحاجة لسقطت نفقة المريضة والغنية في بعض الايام فوجب الحاقها بما يشبه الدوام وهو الكفارة لاشتراكهما في الاستقرار في الذمة ويقويه قوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم فاعتبروا الكفارة بها والامداد معتبرة في الكفارة ويخدش في هذا الدليل إنهم صححوا الاعتياض عنه وبأنها لو أكلت معه على العادة سقطت بخلاف الكفارة فيهما والراجح من حيث الدليل أن الواجب الكفاية ولا سيما وقد نقل بعض الائمة الاجماع الفعلي في زمن الصحابة والتابعين على ذلك ولا يحفظ عن أحد منهم خلافة (5040) قوله أفضل الصدقة ما ترك غني تقدم شرحه في أول الزكاة وبيان اختلاف ألفاظه
[ 413 ]
وكذا قوله واليد العليا وقوله وابدأ بمن تعول أي بمن يجب عليك نفقته يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال بن المنذر اختلف في نفقة من بلغ من الاولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الاولاد اطفالا كانوا أو بالغين إناثا وذكرانا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الانثى ثم لا نفقة على الاب الا أن كانوا زمني فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الاب والحق الشافعي ولد الولد وأن سفل بالولد في ذلك وقوله تقول المرأة وقع في رواية النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به فقيل من اعول يا رسول الله قال امرأتك الحديث وهو وهم والصواب ما أخرجه هو من وجه آخر عن بن عجلان به وفيه فسئل أبو هريرة من تعول يا أبا هريرة وقد تمسك بهذا بعض الشراح وغفل عن الرواية الاخرى ورجح ما فهمه بما أخرجه الدارقطني من طريق عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تقول لزوجها اطعمني ولا حجة فيه لان في حفظ عاصم شيئا والصواب التفصيل وكذا وقع للاسماعيلي من طريق أبي معاوية عن الاعمش بسند حديث الباب قال أبو هريرة تقول امرأتك الخ وهو معنى قوله في آخر حديث الباب لا هذا من كيس أبي هريرة ووقع في رواية الاسماعيلي المذكورة قالوا يا أبا هريرة شئ تقول من رأيك أو من قول رسول الله صلى الله عيه وسلم قال هذا من كيسي وقوله من كيسي هو بكسر الكاف للاكثر أي من حاصله إشارة إلى أنه من استنباطه مما فهمه من الحديث المرفوع مع الواقع ووقع في رواية الاصيلي بفتح الكاف أي من فطنته قوله تقول المرأة أما أن تطعمني في رواية النسائي عن محمد بن عبد العزيز عن حفص بن غياث بسند حديث الباب أما أن تنفق علي قوله وبقول العبد اطعمني واستعملني في رواية الاسماعيلي وبقول خادمك اطعمني وإلا فبعني قوله ويقول الابن اطعمني إلى من تدعني في رواية النسائي والاسماعيلي تكلني وهو بمعناه واستدل به على أن من كان من الاولاد له مال أو حرفة لا تجب نفقته على الاب لان الذي يقول إلى من تدعني إنما هو من لا يرجع إلى شئ سوى نفقة الاب ومن له حرفة أو مال لا يحتاج إلى قول ذلك واستدل بقوله أما أن تطعمني وأما أن تطلقني من قال يفرق بين الرجل وامرأته إذا اعسر بالنفقة واختارت فراقه وهو قول جمهور العلماء وقال الكوفيون يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته واستدل الجمهور بقوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وأجاب المخالف بأنه لو كان الفراق واجبا لما جاز الابقاء إذا رضيت ورد عليه نبأ الاجماع دل على جواز الابقاء إذا رضيت فبقي ما عداه على عموم النهي وطعن بعضهم في الاستدلال بالآية المذكورة بأن بن عباس وجماعة من التابعين قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تقضي راجع والجواب أن من قاعدتهم أن العبرة بعموم اللفظ حتى تمسكوا بحديث جابر بن سمره اسكنوا في الصلاة أترك رفع اليدين عند الركوع مع أنه إنما ورد في الاشارة بالايدي في التشهد بالسلام على فلان وفلان وهنا تمسكوا بالسبب واستدل للجمهور أيضا بالقياس على الرقيق والحيوان فإن من اعسر بالانفاق عليه اجبر على بيعه اتفاقا والله أعلم قوله باب حبس الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال ذكر فيه حديث
[ 414 ]
عمر وهو مطابق لركن الترجمة الاول وأما الركن الثاني وهو كيفية النفقة على العيال فلم يظهر لي أولا وجه أخذه من الحديث ولا رأيت من تعرض له ثم رأيت أنه يمكن أن يؤخذ منه دليل التقدير لان مقدار نفقة السنة إذا عرف عرف منه توزيعها على أيام السنة فيعرف حصة كل يوم من ذلك فكأنه قال لكل واحدة في كل يوم قدر معين من المقل المذكور والاصل في الاطلاق التسوية (5042) قوله حدثني محمد بن سلام كذا في رواية كريمة وللاكثر حدثني محمد حسب قوله قال لي معمر قال لي الثوري هذا الحديث مما فات بن عيينة سماعه من الزهري فرواه عنه بواسطة معمر وقد رواه أيضا عن عمرو بن دينار عن الزهري بأتم من سياق معمر وتقدم في تفسير سورة الحشر أخرجه الحميدي وأحمد في مسنديهما عن سفيان عن معمر وعمرو بن دينار جميعا عن الزهري وقد أخرج مسلم رواية معمر وحدها عن يحيى بن يحيى عن سفيان عن معمر عن الزهري ولكنه لم يسق لفظه وقد أخرج إسحاق بن راهويه رواية معمر منفردة عن سفيان عنه عن الزهري بلفظ كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بني النضير ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح وقد اخرج مسلم الحديث مطولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وفي كل من الاسنادين رواية الاقران فإن بن عيينة عن معمر قرينان وعمرو بن دينار عن الزهري كذلك ويؤخذ منه المذاكرة بالعلم وإلقاء العالم بالمسألة على نظيره ليستخرج ما عنده من الحفظ وتثبت معمر وانصافه لكونه اعترف أنه لا يستحضر إذ ذاك في المسألة شيئا ثم لما تذكرها أخبر بالواقعة كما هي ولم يأنف مما تقدم قوله كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لاهله قوت سنتهم كذا أورده مختصرا ثم ساق
[ 415 ]
المصنف الحديث بطوله من طريق عقيل عن بن شهاب الزهري وقد تقدم شرحه مستوفي في أوائل فرض الخمس قال بن دقيق العيد في الحديث جواز الادخار للاهل قوت سنة وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث كان لا يدخر شيئا لغد فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك مشاركة لكن المعنى إنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر قال والمتكلمون على لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل انتهى وفيه إشارة إلى الرد على الطبري حيث استدل بالحديث على جواز الادخار مطلقا خلافا لمن منع ذلك وفي الذي نقله الشيخ تقييد بالسنة أتباعا للخبر الوارد لكن استدلال الطبري قوي بل التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع لان الذي كان يدخر لم يكن يحصل الا من السنة إلى السنة لانه كان اما تمرا وأما شعيرا فلو قدر أن شيئا مما يدخر كان لا يحصل الا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لاجل ذلك والله أعلم ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في طول السنة ربما استجره منهم لمن يرد عليه ويعوضهم عنه ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتا لاهله واختلف في جواز ادخار القوت لمن يشتريه من السوق قال عياض إجازة قوم واحتجوا بهذا الحديث ولا حجة فيه لانه إنما كان من مغل الارض ومنعه قوم الا أن كان لا يضر بالسعر وهو متجه ارفاقا بالناس ثم محل هذا الاختلاف إذا لم يكن في حال الضيق وإلا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلا قوله باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد ذكر فيه حديث عائشة في قصة هند امرأة أبي
[ 416 ]
سفيان وسيأتي شرحه بعد أربعة أبواب وحديث أبي هريرة إذا أنفقت المراة من كسب زوجها وقد مر شرحه في أواخر النكاح تنبيه وقعت هذه الترجمة وحديثها متأخرة عن الذي بعده عند النسفي قوله باب والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى قوله بصير كذا لابي ذر والاكثر وفي رواية كريمة إلى قوله بما تعملون بصير وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وأن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته قيل دلت الآية الاولى على إيجاب الانفاق على المرضعة من أجل ارضاعها الولد كانت في العصمة أم لا وفي الثانية الاشارة إلى قدر المدة التي يجب ذلك فيها وفي الثالثة الاشارة إلى مقدار الانفاق وأنه بالنظر لحال المنفق وفيها أيضا الاشارة إلى أن الارضاع لا يتحتم على الام وقد تقدم في أوائل النكاح في باب لا رضاع بعد حولين البحث في معنى قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأخرج الطبري عن بن عباس أن ارضاع الحولين مختص بمن وضعت لستة أشهر فمهما وضعت لاكثر من ستة أشهر نقص من مدة الحولين تمسكا بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وتعقب بمن زاد حملها على ثلاثين شهرا فإنه يلزم إسقاط مدة الرضاعة ولا قائل به والصحيح أنها محمولة على الغالب وأخذ من الآية الاولى والثانية أن من ولد لستة أشهر فما فوقها التحق بالزوج قوله وقال يونس هو بن يزيد وهذا الاثر وصله بن وهب في جامعه عن يونس قال قال بن شهاب فذكره إلى قوله وتشاور وأخرجه بن جرير من طريق عقيل عن بن شهاب نحوه وقوله ضرارا لها إلى غيرها يتعلق بمنعها أي منعها ينتهي إلى رضاع غيرها فإذا رضيت فليس له ذلك ووقع في رواية عقيل الوالدات أحق برضاع أولادهن وليس لوالدة أن تضار ولدها فتأبى رضاعة وهي تعطي عليه ما يعطي غيرها ولي للمولود له أن ينزع ولده منها ضرارا لها وهي تقبل من الاجر ما يعطي غيرها فإن أرادا فصال الولد عن تراض منهما وتشاور دون الحولين فلا بأس قوله في آخر الكلام فصاله فطامه هو تفسير بن عباس أخرجه الطبري عنه وعن السدي وغيرهما والفصال مصدر يقال فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالا إذا فارقته من خلطة كانت بينهما وفصال الولد منعه من شرب اللبن قال بن بطال قوله تعالى والوالدات يرضعن لفظه لفظ الخبر ومعناه الامر لما فيه من الالزام كقولك حسبك درهم أي اكتف بدرهم قال ولا يجب على الوالدة ارضاع ولدها إذا كان أبوه حيا موسرا بدليل قوله تعالى فإن ارضعن لكم فآتوهن اجورهن قال وأن تعاسرتم فسترضع له أخرى فدل على أنه لا يجب عليها ارضاع ولدها ودل على أن قوله والوالدات يرضعن أولادهن سيق لمبلغ غاية الرضاعة التي مع اختلاف الوالدين في رضاع المولود جعلت حدا فاصلا قلت وهذا أحد القولين عن بن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه وعن بن عباس أنه مختص بمن ولدت لستة أشهر كما تقدم قريبا أخرجه
[ 417 ]
الطبري أيضا بسند صحيح الا أنه اختلف في وصله أو وقفه على عكرمة وعن بن عباس قول ثالث أن الحولين لغاية الارضاع وأن لا رضاع بعدهما أخرجه الطبري أيضا ورجاله ثقات الا أنه منقطع بين الزهري وابن عباس ثم أخرج بإسناد صحيح عن بن مسعود قال ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع وعن بن عباس أيضا بسند صحيح مثله ثم أسند عن قتادة قال كان ارضاعها الحولين فرضا ثم خفف بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة والقول الثاني هو الذي عول عليه البخاري ولهذا عقب الآية الاولى بالآية الثانية وهي قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وما جزم به بن بطال من أن الخبر بمعنى الامر هو قول الاكثر لكن ذهب جماعة إلى أنها خبر عن المشروعية فإن بعض الوالدات يجب عليهن ذلك وبعضهن لا يجب كما سيأتي بيانه فليس الامر على عمومه وهذا هو السر في العدول عن التصريح بالالزام كأن يقال وعلى الوالدات ارضاع أولادهن كما جاء بعده وعلى الوارث مثل ذلك قال بن بطال وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات المطلقات واجمع العلماء على أن اجرة الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة والام بعد البينونة أولي بالرضاعة الا أن وجد الاب من يرضع له بدون ما سألت الا أن لا يقبل الولد غيرها فتجير بأجرة مثلها وهو موافق للمنقول هنا عن الزهري واختلفوا في المتزوجة فقال الشافعي وأكثر الكوفيين لا يلزمها ارضاع ولدها وقال مالك وابن أبي ليلى من الكوفيين تجبر على ارضاع ولدها ما دامت متزوجة بوالده واحتج القائلون بأنها لا تجبر بأن ذلك أن كان لحرمة الولد فلا يتجه لانها لا تجبر عليه إذا كانت مطلقة ثلاثا بإجماع مع أن حرمة الولدية موجودة وأن كان لحرمة الزوج لم يتجه أيضا لانه لو أراد أن يستخدمها في حق نفسه لم يكن له ذلك ففي حق غيره أولي اه ويمكن أن يقال أن ذلك لحرمتهما جميعا وقد تقدم كثير من مباحث الرضاع في أوائل النكاح والله أعلم قوله باب عمل المرأة في بيت زوجها أورد فيه حديث علي في طلب فاطمة الخادم والحجة منه (5046) قوله فيه تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وقد تقدم الحديث في أوائل فرض الخمس وأن شرحه يأتي في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وسأذكر شيئا مما يتعلق بهذا الباب في الباب الذي يليه ويستفاد من قوله الا ادلكما على خير مما سألتما أن الذي يلازم ذكر الله يعطي قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم أو تسهل الامور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها هكذا استنبطه بعضهم من الحديث والذي ظهرا أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى قوله باب خادم المرأة أي هل يشرع ويلزم
[ 418 ]
الزوج اخدامها ذكر فيه حديث علي المذكور في الذي قبله وسياقه اخصر منه قال الطبري يؤخذ منه أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه ووجه الاخذ أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك أما باخدامها خادما أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطى ذلك بنفسه ولو كانت كفاية ذلك إلى على لآمره به كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول مع أن سوق الصداق ليس بواجب إذا رضيت المرأة أن تؤخره فكيف يأمره بما ليس بواجب عليه ويترك أن يأمره بالواجب وحكى بن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن خدمة البيت تلزم المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف إذا كان الزوج معسرا قال ولذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة الخدمة الباطنة وعليا بالخدمة الظاهرة وحكى بن بطال أن بعض الشيوخ قال لا نعلم في شئ من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة وإنما جرى الامر بينهم على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الاخلاق وأما أن تجبر المرأة على شئ من الخدمة فلا أصل له بل الاجماع منعقد على أن على الزوج مؤنة الزوجة كلها ونقل الطحاوي الاجماع على أن الزوج ليس له إخراج خادم المرأة من بيته فدل على أنه يلزمه نفقة الخادم على حسب الحاجة إليه وقال الشافعي والكوفيون يفرض لها ولخادمها النفقة إذا كانت ممن تخدم وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن يفرض لها ولخادمها إذا كانت خطيرة وشذ أهل الظاهر فقالوا ليس على الزوج أن يخدمها ولو كانت بنت الخليفة وحجة الجماعة قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف وإذا احتاجت إلى من يخدمها فامتنع لم يعاشرها بالمعروف وقد تقدم كثير من مباحث هذا الباب في باب الغيرة من أواخر النكاح في شرح حديث أسماء بنت أبي بكر في ذلك قوله باب خدمة الرجل في أهله أي بنفسه (5048) قوله كان يكون سقط لفظ يكون من رواية المستملي والسرخسي وقد تقدم ضبط المهنة وأنه بفتح اليم ويجوز كسرها في كتاب الصلاة وقال بن التين ضبط في الامهات بكسر الميم وضبطه الهروي بالفتح وحكى الازهري عن شمر عن مشايخه أن كسرها خطأ قوله فإذا سمع الاذان خرج تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أبواب فضل الجماعة من كتاب الصلاة تنبيه وقع هنا للنسفي وحده ترجمة نصها باب هل لي من أجر في بني أبي سلمة وبعده الحديث الاتي في باب وعلى الوارث مثل ذلك بسنده ومتنه والراجح ما عند الجماعة قوله باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف اخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الاولى لانه دل على جواز الاخذ لتكملة النفقة فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع (5049) قوله يحيى هو بن سعيد القطان وهشام هو بن عروة قوله ان هندا بنت عتبة كذا في هذه الرواية هندا بالصرف ووقع في رواية الزهري عن عروة الماضية في المظالم بغير صرف هند بنت عتبة بن ربيعة أي بن عبد شمس بن عبد مناف وفي رواية الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام أن هندا أم معاوية وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها فلما كان يوم
[ 419 ]
أحد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مك مسلما بعد ان اسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس غضبت هند لاجل إسلامه وأخذت بلحيته ثم أنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت وقد تقدم في أواخر المناقب أنها قالت له يا رسول الله ما كان على ظهر الارض من أهل خباء أحب إلي ان يذلوا من أهل خبائك وما على ظهر الارض اليوم أهل خباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك فقال أيضا والذي نفسي بيده ثم قالت يا رسول الله أن أبا سفيان الخ وذكر بن عبد البر أنها ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد أبي بكر الصديق وأخرج بن سعد في الطبقات ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك فروى عن الواقدي عن بن أبي سبرة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن عمر استعمل معاوية على عمل أخيه فلم يزل واليا لعمر حتى قتل واستخلف عثمان فاقره على عمله وافرده بولاية الشام جميعا وشخص أبو سفيان إلى معاوية ومعه أبناه عتبة وعنبسه فكتبت هند إلى معاوية قد قدم عليك أبوك واخواك فاحمل أباك على فرس واعطه أربعة آلاف درهم واحمل عتبة على بغل واعطه الفي درهم واحمل عنبسة على حمار واعطه ألف درهم ففعل ذلك فقال أبو سفيان أشهد بالله أن هذا عن رأي هند قلت كان عتبة منها وعنبسة من غيرها أمة عاتكة بنت أبي ازيهر الازدي وفي الامثال للميداني أنها عاشت بعد وفاة أبي سفيان فإنه ذكر قصة فيها أن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه فقال انها قعدت عن الولد وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين قوله ان أبا سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوجها وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر وسار بهم في أحد وساق الاحزاب يوم الخندق ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي قوله رجل شحيح تقدم قبل بثلاثة أبواب رجل مسيك واختلف في ضبطه فالاكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة وقيل بوزن شحيح قال النووي هذا هو الاصح من حيث اللغة وأن كان الاول أشهر في الرواية ولم يظهر لي كون الثاني أصح فإن الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وأن كان المخفف أيضا فيه نوع مبالغة لكن المشدد أبلغ وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الاشخاص حيث قال المشهور في كتب اللغة الفتح والتخفيف وفي كتب المحدثين الكسر والتشديد والشح البخل مع حرص والشح أعم من البخل لان البخل يختص بمنع المال والشح بكل شئ وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم قال القرطبي لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الاجانب استئلافا لهم قلت وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا قوله الا ما أخذت منه وهو لا يعلم زاد الشافعي في روايته سرا فهل على في ذلك من شئ ووقع في رواية الزهري فهل على حرج أن أطعم من الذي له عيالنا قوله فقال خذي ما يكفي لك وولدك بالمعروف في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف قال القرطبي قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال وهذه الاباحة وأن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى كأنه قال أن صح ما ذكرت وقال غيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الانسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة وفيه من الفوائد جواز ذكر الانسان بالتعظيم كاللقب والكنية كذا قيل وفيه نظر لان أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها أن أبا سفيان على إرادة التعظيم وفيه جواز استماع كلام احد الخصمين في غيبة الآخر وفيه أن من نسب إلى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما يقيم عذره في ذلك وفيه
[ 420 ]
جواز سماع كلام الاجنبية عند الحكم والافتاء عند من يقول أن صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة لانه لو كان القول قول الزوج أنه منفق لكلفت هذه البينة على اثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء وفيه وجوب نفقة الزوجة وإنها مقدرة بالكفاية وهو قول أكثر العلماء وهو قول للشافعي حكاه الجويني والمشهور عن الشافعي أنه قدرها بالامداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد وتقريرها بالامداد رواية عن مالك أيضا قال النووي في شرح مسلم وهذا الحديث حجة على أصحابنا قلت وليس صريحا في الرد عليهم لكن التقدير بالامداد محتاج إلى دليل فإن ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر المقدر بالامداد فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطي المتوسط فأذن لها في أخذ الكمية وقد تقدم الاختلاف في ذلك في باب وجوب النفقة على الاهل وفيه اعتبار النفقة بحال الزوجة وهو قول الحنفية واختار الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا قال صاحب الهداية وعليه الفتوى والحجة فيه ضم قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية وهو قول بعض الحنفية وفيه وجوب نفقة الاولاد بشرط الحاجة والاصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة وفيه وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج قال الخطابي لان أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لان خادمها داخل في جملتها قلت ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه أن أطعم من الذي له عيالنا واستدل به على وجوب نفقة الابن على الاب ولو كان الابن كبيرا وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في الافعال فيحتمل أن يكون المراد بقولها بني بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا لا جميعهم واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهو قول الشافعي وجماعة وتسمى مسألة الظفر والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه الا إذا تعذر جنس حقه وعن أبي حنيفة المنع وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه الا أحد النقدين بدل الآخر وعن مالك ثلاث روايات كهذه الاراء وعن أحمد المنع مطلقا وقد تقدمت الاشارة إلى شئ من ذلك في كتاب الاشخاص والملازمة قال الخطابي يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس لان منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الاذن في أخذ الكفاية من ماله قال ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى وأنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي قلت ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوي على كل ما يحتاج إليه لانها نفت الكفاية مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما يحتاج إليه الا أنه كان لا يمكنها الا من القدر الذي اشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه وقد وجه بن المنير قوله أن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم لانه عليه الصلاة والسلام إذن لهند أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب وهذا هو التقويم بعينه بل هو ادق منه واعسر واستدل به على أن للمرأة مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والانفاق عليهم وفيه اعتماد العرف في الامور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع وقال القرطبي فيه اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية كذا قال والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف واستدل به الخطابي على جواز القضاء على الغائب وسيأتي في كتاب الاحكام أن البخاري ترجم القضاء على الغائب وأورد هذا الحديث من طريق سفيان الثوري عن هشام بلفظ أن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن أخذ من ماله قال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب الشافعي ومن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك حتى قال الرافعي
[ 421 ]
في القضاء على الغائب احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب قال النووي ولا يصح الاستدلال لان هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو افتاء وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان افتاء اه واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند لا يعطيني إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق علي لان الزوج هو الذي يباشر الانفاق وهذا ضعيف لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الانفاق مفرقا نعم قول النووي أن أبا سفيان كان حاضرا بمكة حق وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالسا معها في المجلس لكن لم يسق إسناده وقد ظفرت به في طبقات بن سعد أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح الا أنه مرسل عن الشعبي أن هندا لما بايعت وجاء قوله ولا يسرقن قالت قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان فما أصبت من مالي فهو حلال لك قلت ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم وتكون فهمت من الاول احلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل لكن يشكل على ذلك ما أخرجه بن منده في المعرفة من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت هند لابي سفيان إني أريد أن أبايع قال فإن فعلت فاذهبي معك برجل من قومك فذهبت إلى عثمان فذهب معها فدخلت منتقبة فقال بايعي أن لا تشركي الحديث وفيه فلما فرغت قالت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل بخيل الحديث قال ما تقول يا أبا سفيان قال أما يابسا فلا وأما رطبا فأحله وذكر أبو نعيم في المعرفة أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف وأول حديثه يقتضي أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره يدل على أنه كان حاضرا لكن يحتمل أن يكون كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه الحاكم في تفسير الممتحنة من المستدرك عن فاطمة بنت عتبة أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها هند يبايعان فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند لا أبايعك على السرقة إني اسرق من زوجي فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا والذي يظهر لي أن البخاري لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدل بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غي حاضرا معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا وقد انبني على هذا خلاف يتفرع منه وهو أن الاب إذا غاب أو أمتنع من الانفاق على ولده الصغير إذن القاضي للام إذا كانت فيها اهلية ذلك في الاخذ من مال الاب أن أمكن أو في الاستقراض عليه والانفاق على الصغير وهل لها الاستقلال بذلك بغير إذن القاضي وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند فإن كانت الفتاء جاز لها الاخذ بغير إذن وأن كانت قضاء فلا يجوز الا بإذن القاضي ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصفة الامر حيث قال لها خذي ولو كان فتيا لقال مثلا لا حرج عليك إذا أخذت ولان الاغلب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو الحكم ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في القصة في قولها هل على جناح ولانه فوض تقدير الاستحقاق إليها ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعى ولانه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها البينة حجة لمن أجاز للقاضي ان يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد الموكول إلى العرف كما تقدم وسيأتي بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الاحكام إن شاء الله تعالى تنبيه أشكل على بعضهم استدلال البخاري بهذا الحديث على مسألة الظفر في كتاب الاشخاص حيث ترجم له قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه واستدلاله به على جواز القضاء على الغائب لان الاستدلال به على مسألة الظفر لا تكون الا على القول بأن مسألة هند كانت على طريق الفتوى والاستدلال به على مسألة القضاء على الغائب لا يكون
[ 422 ]
الا على القول بأنها كانت حكما والجواب أن يقال كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الافتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين والله أعلم وقد وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في المستخرج قوله باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة المراد بذات اليد المال وعطف النفقة عليها من عطف الخاص على العام ووقع في شرح بن بطال والنفقة عليه وزيادة لفظة عليه غير محتاج إليها في هذا الموضع وليست من حديث الباب في شئ (5050) قوله حدثنا بن طاوس اسمه عبد الله قوله عن أبيه وأبو الزناد هو عطف على بن طاوس لا على طاوس وحاصله أن لسفيان بن عيينة فيه اسنادين إلى أبي هريرة ووقع في مسند الحميدي عن سفيان وحدثنا أبو الزناد وأخرجه أبو نعيم من طريقه قوله خير نساء ركبن الابل نساء قريش وقال الآخر صالح نساء قريش في رواية الكشميهني صلح بضم الصاد وتشديد اللام بعدها مهملة وهي صيغة جمع وحاصله أن أحد شيخي سفيان اقتصر على نساء قريش وزاد الاخر صالح ووقع عند مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان قال أحدهما صالح نساء قريش وقال الآخر نساء قريش ولم أره عن سفيان الا مبهما لكن ظهر من رواية شعيب عن أبي الزناد الماضية في أول النكاح ومن رواية معمر عن بن طاوس عند مسلم أن الذي زاد لفظه صالح هو بن طاوس ووقع في أوله عند مسلم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بيان سبب الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال فذكر الحديث وله أحناه على بمهلمة ثم نون من الحنو وهو العطف والشفقة وأرعاه من الرعاية وهي الابقاء قال بن التين الحانية عند أهل اللغة التي تقيم على ولدها فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية قوله في ذات يده قال قاسم بن ثابت في الدلائل ذات يده وذات بيننا ونحو ذلك صفة لمحذوف مؤنث كأنه يعني الحال التي هي بينهم والمراد بذات يده ماله ومكسبه وأما قولهم لقيته ذات يوم فالمراد لقاة أو مرة فلما حذف الموصوف وبقيت الصفة صارت كالحال قوله ويذكر عن معاوية وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث معاوية وهو بن أبي سفيان فأخرجه أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي غياث عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل رواية بن طاوس في جملة أحاديث ورجاله موثقون وفي بعضهم مقال لا يقدح وأما حديث بن عباس فأخرجه أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب حدثني بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها سودة وكان لها خمسة صبيان أو ستة من بعل لها مات فقالت له ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلى الا إني أكرمك أن تضفو هذه الصبية عند رأسك فقال لها يرحمك الله أن خير نساء ركبن أعجاز الابل صالح نساء قريش الحديث وسنده حسن وله طريق أخرى أخرجها قاسم بن ثابت في الدلائل من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس باختصار القصة وهذه المرأة يحتمل أن تكون أم هانئ المذكورة في حديث أبي هريرة فلعلها كانت تلقب سودة فإن المشهور أن اسمها فاخته وقيل غير ذلك ويحتمل أن تكون امرأة أخرى وليست سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قديما بمكة بعد موت خديجة ودخل بها قبل أن يدخل بعائشة ومات وهي في عصمته وقد تقدم ذلك واضحا وتقدم شرح المتن مستوفى في أوائل كتاب النكاح قوله باب كسوة المرأة بالمعروف هذه الترجمة
[ 423 ]
لفظ حديث أخرجه مسلم من حديث جابر المطول في صفة الحج ومن جملته في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة اتقوا الله في النساء ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه واستنبط الحكم من حديث آخر على شرطه فأورد حديث على في الحلة السيراء وقلة فشققتها بين نسائي قال بن المنير وجه المطابقة أن الذي حصل لزوجته فاطمة عليها السلام من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادا بحسب الحال لا اسرافا وأما حكم المسألة فقال بن بطال أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة على الزوج كسوتها وجوبا وذكر بعضهم أنه يلزمه أن يكسوها من الثياب كذا والصحيح في ذلك أن لا يحمل أهل البلدان على نمط واحد وأن على أهل كل بلد ما يجري في عادتهم بقدر ما يطيقه الزوج على قدر الكفاية لها وعلي قدر يسره وعسره اه وأشار بذلك إلى الرد على الشافعية وقد تقدم البحث في ذلك في النفقة قريبا والكسوة في معناها وحديث على سيأتي شرحه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وقوله (5051) آتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمد أي أعطى ثم ضمن أعطى معنى أهدى أو أرسل بذلك عداه بالى وهي بالتشديد وقد وقع في رواية النسفي يعث وفي رواية بن عبدوس أهدى ولا تضمين فيها ومن قرأ إلى بالتخفيف بلفظ حرف الجر وأتى بمعنى جاء لزمه أن يقول حلة سيراء بالرفع ويكون في الكلام حذف تقديره فأعطانيها فلبستها إلى آخره قال بن التين ضبط عند الشيخ أبي الحسن أتى بالقصر أي جاء فيحتمل أن يكون المعنى جاءني النبي صلى الله عليه وسلم بحلة فحذف ضمير المتكلم وحذف الباء فانتصبت والحلة إزار ورداء والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية وبالمد من أنواع الحرير وقوله بين نسائي يوهم زوجاته وليس كذلك فإنه لم يكن له حينئذ زوجة الا فاطمة فامراد بنسائه زوجته مع أقاربه وقد جاء في رواية بين الفواطم قوله باب عون المرأة زوجها في ولده سقط في ولده من رواية النسفي وذكر فيه حديث جابر في تزويجه الثيب لتقوم على أخواته وتصلحهن وكأنه استنبط قيام المرأة على ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته ووجه ذلك منه بطريق الاولى قال بن بطال وعون المرأة زوجها في ولده ليس بواجب عليها وإنما هو من جميل العشرة ومن شيمة صالحات النساء وقد تقدم الكلام على خدمة المرأة زوجها هل تجب عليها أم لا قريبا قوله باب نفقة المعسر على أهله ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الذي وقع على امرأته في رمضان وقد تقدم شرحه مستوفى
[ 424 ]
في كتاب الصيام قال بن بطال وجه أخذ الترجمة منه أنه صلى الله عليه وسلم أباح له إطعام أهله التمر ولم يقل له أن ذلك يجزيك عن الكفارة لانه قد تعين عليه فرض النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من الكفارة كذا قال وهو يشبه الدعوى فيحتاج إلى دليل والذي يظهر أن الاخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال لما قيل له تصدق به فقال أعلى أفقر منا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق قوله باب وعلى الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شئ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما ابكم الآية كذا لابي ذر ولغيره بعد قوله ابكم إلى قوله صراط مستقيم قال بن بطال ما ملخصه اختلف السلف في المراد بقوله وعلى الوارث مثل ذلك فقال بن عباس عليه أن لا يضار وبه قال الشعبي ومجاهد والجمهور قالوا ولا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث وقال آخرون على من يرث الاب مثل ما كان على الاب من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له ثم اختلفوا في المراد بالوارث فقال الحسن والنخعي هو كل من يرث الاب من الرجال والنساء وهو قول أحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وأصحابه هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره وقال قبيصة بن ذؤيب هو المولود نفسه وقال زيد بن ثابت إذا خلف أما وعما فعلى كل منهما ارضاع الولد بقدر ما يرث وبه قال الثوري قال بن بطال وإلى هذا القول أشار البخاري بقوله وعلى وهل على المرأة منه شئ ثم أشار إلى رده بقوله تعالى وضرب الله مثلا رجلين أحدهما ابكم فنزل المرأة من الوارث منزلة الا بكم من المتكلم اه وقد أخرج الطبري هذه الاقوال عن قائلها وسبب الاختلاف حمل المثلية في قوله مثل ذلك على جميع ما تقدم أو على بعضه والذي تقدم الارضاع والانفاق والكسوة وعدم الاضرار قال بن العربي قالت طائفة لا يرجع إلى الجميع بل إلى الاخير وهذا هو الاصل فمن ادعى أنه يرجع إلى الجميع فعليه الدليل لان الاشارة بالافراد وأقرب مذكور هو عدم الاضرار فرجح الحمل عليه ثم أورد حديث أم سلمة في سؤالها هل لها أجرا في الانفاق على أولادها من أبي سلمة ولم يكن لهم مال فأخبرها أن لها أجرا فدل عن أن نفقة بنيها لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وكذا قصة هند بنت عتبة فإنه إذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الاب فدل على أنها تجب عليه دونها فأراد البخاري أنه لما لم يلزم الامهات نفقة الاولاد في حياة الآباء فالحكم بذلك مستمر بعد الآباء ويقويه قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي رزق الامهات وكسوتهن من أجل الرضاع للابناء فكيف فيجب لهن في أول الآية وتجب عليهن نفقة الابناء في آخرها وأما قول قبيصة فيرده أن الوارث لفظ يشمل الولد وغيره فلا يخص به وارث دون آخر الا بحجة ولو كان الولد هو المراد لقيل وعلى المولود وأما قول الحنفية فيلزم منه أن النفقة تجب على الخال لابن أخته ولا تجب على العم لابن أخيه وهو تفصيل لا دلالة عليه من الكتاب ولا السنة ولا القياس قاله إسماعيل القاضي وأما قول الحسن ومن تابعه فتعقب بقوله تعالى وأن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن ارضعن لك فآتوهن اجورهن فلما وجب على الاب الانفاق على من يرضع ولده ليغذي ويربى فكذلك يجب عليه إذا فطم فيغذيه بالطعام كما كان يغذيه بالرضاع ما دام صغيرا ولو وجب مثل ذلك على الوارث لوجب إذا مات عن الحامل أنه يلزم العصبة بالانفاق عليها لاحل ما في بطنها وكذا يلزم الحنفية الزام
[ 425 ]
كل ذي رحم محرم وقال بن المنير إنما قصر البخاري الرد على من زعم أن الام يجب عليها نفقة ولدها وارضاعه بعد أبيه لدخولها في الوارث فبين أن الام كانت كلا على الاب واجبة النفقة عليه ومن هو كل بالاصالة لا يقدر على شئ غالبا كيف يتوجه عليه أن ينفق على غيره وحديث أم سلمة صريح في أن انفاقها على أولادها كان على سبيل الفضل والتطوع فدل على أن لا وجوب عليها وأما قصة هند فظاهرة في سقوط النفقة عنها في حياة الاب فيستصحب هذا الاصل بعد وفاة الاب وتعقب بأنه لا يلزم من السقوط عنها في حياة الاب السقوط عنها بعد فقده وإلا فقد القيام بمصالح الولد بفقده فيحتمل أن يكون مراد البخاري من الحديث الاول وهو حديث أم سلمة في انفاقها على أولادها الجزء الاول من الترجمة وهو أن وارث الاب كالام يلزمه نفقة المولود بعد موت الاب ومن الحديث الثاني الجزء الثاني وهو أنه ليس على المرأة شئ عند وجود الاب وليس فيه تعرض لما بعد الاب والله أعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك كلا بفتح الكاف والتشديد والتنوين أو ضياعا بفتح الضاد المعجمة فالي بالتشديد ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ من توفي من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وأما لفظ الترجمة فأورده في الاستقراض من طريق أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا ومن طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة ومن ترك دنيا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه والضياع تقدم ضبطه وتفسيره في الكفالة وفي الاستقراض وتقدم شرح الحديث في الكفالة وفي تفسير الاحزاب ويأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وأراد المصنف بإدخاله في أبواب النفقات الاشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئا فإن نفقت هم تجب في بيت مال المسلمين والله أعلم قوله باب المراضع من المواليات وغيرهن كذا للجميع قال بن التين ضبط في رواية بضم الميم وبفتحها في أخرى والاول أولي لانه اسم فاعل من والت توالي قلت وليس كما قال بل المضبوط في معظم الروايات بالفتح وهو من الموالي لا من الموالاة وقال بن بطال كان الاولى أن يقول الموليات جمع مولاة وأما المواليات فهو جمع الجمع جمع مولى جمع التكسير ثم جمع
[ 426 ]
موالي جمع السلامة بالالف والتاء فصار مواليات ثم ذكر حديث أم حبيبة في قولها انكح أختي وفي قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له درة بنت أبي سلمة فقال بنت أم سلمة وإنما استثبتها في ذلك ليرتب عليه الحكم لان بنت أبي سلمة من غير أم سلمة تحل له لو لم يكن أبو سلمة رضيعه لانها ليست ربيبة بخلاف بنت أبي سلمة من أم سلمة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب النكاح وقوله في آخره قال شعيب عن الزهري قال عروة ثويبة أعتقها أبو لهب تقدم هذا التعليق موصولا في جملة الحديث الذي أشرت إليه في أوائل النكاح وسياق مرسل عروة أتم مما هنا وتقدم شرحه وأراد بذكره هنا إيضاح أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة ووجه ايرادها في أبواب النفقات الاشارة إلى أن ارضاع الام ليس متحتما بل لها أن ترضع ولها أن تمتنع فإذا امتنعت فإن للاب أو الولي ارضاع الولد بالاجنبية حرة كانت أو أمة متبرعة كانت أو بأجرة والاجرة تدخل في النققة وقال بن بطال كانت العرب تكره رضاع الاماء وترغب في رضاع العربية لنجابة الولد فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد رضع من غير العرب وانجب وأن رضاع الاماء لا يهجن اه وهو معنى حسن الا أنه لا يفيد الجواب عن السؤال الذي اوردته وكذا قول بن المنير أشار المصنف إلى أن حرمة الرضاع تنتشر سواء كانت المرضعة حرة أم أمة والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب النفقات من الاحاديث المرفوعة على خمسة وعشرين حديثا المعلق منها ثلاثة وجميعها مكرر الا ثلاثة أحاديث وهي حديث أبي هريرة الساعي على الارملة وحديث بن عباس ومعاوية في نساء قريش وهما معلقان وافقه مسلم على تخريج حديث أبي هريرة دونهما وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ثلاثة آثار أثر الحسن في أوله وأثر الزهري في الوالدات يرضعن وأثر أبي هريرة المتصل بحديث أفضل الصدقة ما ترك عن غني الحديث وفيه تقول المرأة أما أن تعطيني وأما أن تطلقني الخ وبين في آخره أنه من كلام أبي هريرة فهو موقوف متصل الاسناد وهو من افراده عن مسلم بخلاف غالب الآثار التي يوردها فإنها معلقة والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الاطعمة وقول الله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية وقوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم وقوله كلوا من الطيبات واعملوا صالحا كذا في أكثر الروايات في الآية الثانية أنفقوا على وفق التلاوة ووقع في رواية النسفي كلوا بدل أنفقوا وهكذا في بعض الروايات عن أبي الوقت وفي قليل من غيرها وعليها شرح بن بطال وأنكرها وتبعه من بعده حتى زعم عياض أنها كذلك للجميع ولم أرها في رواية أبي ذر الا على وفق التلاوة كما ذكرت وكذا في نسخة معتمدة من رواية كريمة ويؤيد ذلك أن المصنف ترجم بهذه الآية وحدها في كتاب البيوع فقال باب قوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم كذا وقع
[ 427 ]
على وفق التلاوة للجميع الا النسفي وعليه شرح بن بطال أيضا وفي بعض النسخ من رواية أبي الوقت وزعم عياض أنه وقع للجميع كلوا الا أبا ذر عن المستملي فقال أنفقوا وتقدم هناك التنبيه على أنه وقع على الصواب في كتاب الزكاة حيث ترجم باب صدقة الكسب والتجارة لقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ولا اختلاف بين الرواة في ذلك ويحسن التمسك به في أن التغيير فيما عداه من النساخ والطيبات جمع طيبة وهي تطلق على المستلذ مما لا ضرر فيه وعلى النظيف وعلى ما لا أذى فيه وعلى الحلال فمن الاول قوله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وهذا هو الراجح في تفسيرها إذ لو كان المراد الحلال لم يزد الجواب على السؤال ومن الثاني فتيمموا صعيدا طيبا ومن الثالث هذا يوم طيب وهذه ليلة طيبة ومن الرابع الآية الثانية في الترجمة فقد تقدم في تفسيرها في الزكاة أن المراد بالتجارة الحلال وجاء أيضا ما يدل على أن المراد بها الجيد لاقترانها بالنهي عن الانفاق من الخبيث والمراد به الردئ كذلك فسره بن عباس وورد فيه حديث مرفوع ذكره في باب تعليق القنو في المسجد من أوائل الصلاة من حديث عوف بن مالك وأوضح منه فيما يتعلق بهذه الترجمة ما أخرجه الترمذي من حديث البراء قال كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي بالقنو فيعلقه في المسجد وكان بعض من لا يرغب في الخير يأتي بالقنو من الحشف والشيص فيعلقه فنزلت هذه الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون فكنا بعد ذلك يجئ الرجل بصالح ما عنده ولابي داود من حديث سهل بن حنيف فكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ثم يخرجونها في الصدقة فنزلت هذه الآية وليس بين تفسير الطيب في هذه الآية بالحلال وبما يستلذ منافاة ونظيرها قوله تعالى يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقد جعلها الشافعي أصلا في تحريم ما تستخبثه العرب مما لم يرد فيه نص بشرط سيأتي بيانه وكأن المصنف حيث أورد هذه الآيات لمح بالحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أن الله طيب لا يقبل الا طيبا وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الحديث وهو من رواية فضيل بن مرزوق وقد قال الترمذي أنه تفرد به وهو ممن انفرد مسلم بالاحتجاج به دون البخاري وقد وثقه بن معين وقال أبو حاتم يهم كثيرا ولا يحتج به وضعفه النسائي وقال بن حبان كان يخطئ على الثقات وقال الحاكم عيب على مسلم إخراجه فكأن الحديث لما لم يكن على شرط البخاري اقتصر على إيراده في الترجمة قال بن بطال لم يختلف أهل التأويل في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وإنها نزلت فيمن حرم على نفسه لذيذ الطعام واللذات المباحة ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث تتعلق بالجوع والشبع الاول حديث أبي موسى (5058) قوله أطعموا الجائع وعودوا المريض الحديث تقدم في الوليمة من كتاب النكاح بلفظ أجيبوا الداعي بدل أطعموا الجائع ومخرجهما واحد وكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر قال الكرماني الامر هنا للندب وقد يكون واجبا في بعض الاحوال اه ويؤخذ من الامر بإطعام الجائع جواز الشبع لانه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والامر باطعامه مستمر قوله وفكوا العاني أي خلصوا الاسير من فككت الشئ فانفك قوله قال سفيان والعاني الاسير تقدم بيان من ادرجه في النكاح وقيل للاسير عان من عنا يعنو إذا خضع الحديث الثاني حديث أبي هريرة (5059) قوله ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض في رواية مسلم من طريق يزيد بن كيسان عن أبي حازم بلفظ ما شبع محمد وأهله ثلاثة أيام تباعا أي متوالية وسيأتي بعد هذا من حديث عائشة التقييد أيضا بثلاث لكن فيه من خبز البر وعند مسلم ثلاث ليال ويؤخذ منها أن المراد بالايام هنا بلياليها كما أن المراد
[ 428 ]
بالليالي هناك بأيامها وأن الشبع المنفي بقيد التوالي لا مطلقا ولمسلم والترمذي من طريق الاسود عن عائشة ما شبع من خبر شعير يومين متتابعين ويؤخذ مقصوده من جواز الشبع في الجملة من المفهوم والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشئ عندهم على إنهم كانوا قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم وسيأتي بعد هذا وفي الرقاق أيضا من وجه آخر عن بن هريرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ويأتي بسط القول في شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى الحديث الثالث (5060) قوله وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال اصابني جهد شديد هو موصول بالاسناد الذي قبله وذكر محدث الديار الحلبية برهان الدين أن شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني استشكل هذا التركيب وقال قوله وعن أبي حازم لا يصح عطفه على قوله عن أبيه لانه يلزم منه إسقاط فضيل فيكون منقطعا إذ يصير التقدير عن أبيه وعن أبي حازم قال ولا يصح عطفه على قوله وعن أبي حازم لان المحدث الذي لم يعين هو محمد بن فضيل فيلزم الانقطاع أيضا قال وكان اللائق أن يقول وبه إلى أبي حازم انتهى وكأنه تلقفه من شيخنا في مجلس بسماعه للبخاري وإلا فلم يسمع بان الشيخ شرح هذا الموضع والاول مسلم والثاني مردود لانه لا مانع من عطف الراوي لحديث على الراوي بعينه لحديث آخر فكأن يوسف قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم بكذا وعن أبي حازم بكذا واللائق الذي ذكره صحيح لكنه لا يتعين بل لو قال وبه إلى أبيه عن أبي حازم لصح أو حذف قوله عن أبيه فقال وبه عن أبي حازم لصح وحدثنا تكون به مقدرة والمقدر في حكم الملفوظ وأوضح منه أن قوله وعن أبي حازم معطوف على قوله حدثنا محمد بن فضيل الخ فحذف ما بينهما للعلم به وزعم بعض الشراح أن هذا متعلق وليس كما قال فقد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عمر بن أبان عن محمد بن فضيل بسند البخاري فيه فظهر أنه معطوف على السند المذكور كما قلته أولا ولله الحمد قوله اصابني جهد شديد أي من الجوع والجهد تقدم أنه بالضم وبالفتح بمعنى والمراد به المشقة وهو في كل شئ بحسبه قوله فاستقرأته آية أي سألته أن يقرأ علي آية من القرآن معينة على طريق الاستفادة وفي غالب النسخ فاستقريته بغير همزة وهو جائز على التسهيل وأن كان أصله الهمزة قوله فدخل داره وفتحها على أي قرأها على وافهمني إياها ووقع في ترجمة أبي هريرة في الحلية لابي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة من سورة آل عمران وفيه فقلت له أقرئني وأنا لا أريد القراءة وإنما أريد الاطعام وكأنه سهل الهمزة فلم يفطن عمر لمراده قوله فخررت لوجهي من الجهد أي الذي أشار إليه أولا وهو شدة الجوع ووقع في الرواية التي في الحلية أنه كان يومئذ صائما وأنه لم يجد ما يفطر عليه قوله فأمر لي بعس بضم العين المهملة بعدها مهملة هو القدح الكبير قوله حتى استوى بطني أي استقام من امتلائه من اللبن قوله كالقدح بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة هو السهم الذي لا ريش له وسيأتي لابي هريرة قصة في شرب اللبن مطولة في كتاب الرقاق وفيها أنه قال أشرب فقال لا أجد له مساغا ويستفاد منه جواز الشبع ولو حمل المراد بنفي المساغ على ما جرت به عادته لا أنه أراد أنه زاد على الشبع والله أعلم تنبيه ذكر لي محدث الديار الحلبية برهان الدين أن شيخنا سراج الدين
[ 429 ]
البلقيني قال ليس في هذه الاحاديث الثلاثة ما يدل على الاطعمة المترجم عليها المتلو فيها الآيات المذكورة قلت وهو ظاهر إذا كان المراد مجرد ذكر أنواع الاطعمة أما إذا كان المراد بها ذلك وما يتعلق به من احوالها وصفاتها فالمناسبة ظاهرة لان من جملة احوالها الناشئة عنها الشبع والجوع ومن جملة صفاتها الحل والحرمة والمستلذ والمستخبث ومما ينشأ عنها الاطعام وتركه وكل ذلك ظاهر من الاحاديث الثلاثة وأما الآيات فإنها تضمنت الاذن في تناول الطيبات فكأنه أشار بالاحاديث إلى أن ذلك لا يختص بنوع من الحلال ولا المستلذ ولا بحالة الشبع ولا بسد الرمق بل بتناول ذلك بحسب الوجدان وبحسب الحاجة والله أعلم قوله تولى ذلك أي باشره من اشابعي ودفع الجوع عني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى الكرماني أن في رواية تولى الله ذلك قال ومن على هذا مفعول وعلى الاول فاعل انتهى ويكون تولى على الثاني بمعنى ولي قوله ولانا اقرأ لها منك فيه اشعار بأن عمر لما قرأها عليه توقف فيها أو في شئ منها حتى ساغ لابي هريرة ما قال ولذلك اقره عمر على قوله قوله أدخلتك أي الدار واطعمتك قوله حمر النعم أي الابل وللحمر منها فضل على غيرها من انواعها وقد تقدم في المناقب البحث في تخصيصها بالذكر والمراد به وتقدم من وجه آخر عن أبي هريرة كنت استقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب معي فيطعمني قال بن بطال فيه أنه كان من عادتهم إذا استقرأ أحدهم صاحبه القرآن أن يحمله إلى منزله ويطعمه ما تيسر ويحمل ما وقع من عمر على أنه كان له شغل عافه عن ذلك أو لم يكن عنده ما يطعمه حينئذ انتهى ويبعد الاخير تأسف عمر على فوت ذلك وذكر لي محدث الديار الحلبية أن شيخنا سراج الدين البلقيني استبعد قول أبي هريرة لعمر لانا اقرأ لها منك يا عمر من وجهين أحدهما مهابة عمر والثاني عدم اطلاع أبي هريرة على أن عمر لم يكن يقرؤها مثله قلت عجبت من هذا الاعتراض فإنه يتضمن الطعن على بعض رواة الحديث المذكور بالغلط مع وضوح توجيهه أما الاول فإن أبا هريرة خاطب عمر بذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حالة كان عمر فيها في صورة الخجلان منه فجسر عليه وأما الثاني فيعكس ويقال وما كان أبو هريرة ليقول ذلك لا بعد اطلاعه فلعله سمعها من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت وما سمعها عمر مثلا الا بواسطة قوله باب التسمية على الطعام والاكل باليمين المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الاكل وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله فإن نسي في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره وله شاهد من حديث أمية بن مخشي عند أبي داود والنسائي وأما قول النووي في أدب الاكل من الاذكار صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته والافضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة فلم أر لما ادعاه من الافضلية دليلا خاصا وما ما ذكره الغزالي في اداب الاكل من الاحياء أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا وأنه يستحب أن يقول مع الاولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم فلم أر لاستحباب ذلك دليلا والتكرار قد بين هو وجهة قوله حتى لا يشغله الاكل عن ذكر الله وأما قوله والاكل باليمين فيأتي البحث فيه وهو يتناول من يتعاطى ذلك بنفسه وكذا غيره بأن يحتاج إلى أن يلقمه غيره ولكنه بيمينه لا بشماله (5061) قوله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني كذا وقع هنا وهو من تأخير الصيغة عن الراوي وهو جائز وقد أخرجه الحميدي في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه عن سفيان قال حدثنا الوليد بن
[ 430 ]
كثير وأخرجه الاسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن سفيان عن الوليد بالعنعنة ثم قال في آخره فسألوه عن إسناده فقال حدثني الوليد بن كثير ولعل هذا هو السر في سياق على بن عبد الله له على هذه الكيفية ولسفيان بن عيينة في هذا الحديث سند آخر أخرجه النسائي عن محمد بن منصور وابن ماجة عن محمد بن الصباح كلاهما عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة وقد اختلف على هشام في سنده فكأن البخاري عرج عن هذه الطريق لذلك قوله عمر بن أبي سلمة أي بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم واسم أبي سلمة عبد الله وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر الباب الذي يليه وصفه بأنه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله كنت غلاما أي دون البلوغ يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام وقد ذكر بن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة بأرض الحبشة وتبعه غير واحد وفيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك فقد صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق وكان أكبر مني بسنتين انتهى ومولد بن الزبير في السنة الاولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين قوله في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم أي في تربيته وتحت نظره وأنه يربيه في حضنه تربية الولد قال عياض الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه الفتح والكسر وإذا أريد به معنى الحضانة فبالفتح لا غير فإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير قوله وكانت يدي تطيش في الصحفة أي عند الاكل ومعنى تطيش وهو بالطاء المهملة والشين المعجمة بوزن تطير تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة ولا تقتصر على موضع واحد قاله الطيبي قال والاصل اطيش بيدي فأسند الطيش إلى يده مبالغة وقال غيره معنى تطيش تخف وتسرع وسيأتي في الباب الذي يليه بلفظ أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما فجعلت أكل من نواحي الصحفة وهو يفسر المراد والصحفة ما تشبع خمسة ونحوها وهي أكبر من القصعة ووقع في رواية الترمذي من طريق عروة عن عمر بن أبي سلمة أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام فقال ادن يا بني ويأتي في الرواية التي في آخر الباب الذي يليه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وعنده ربيبة والجمع بينهما أن مجئ الطعام وافق دخوله قوله يا غلام سم الله قال النووي أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله وفي نقل الاجماع على الاستحباب نظر الا أن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك وهو قضية القول بايجاب الاكل باليمين لان صيغة الامر بالجميع واحدة قوله وكل بيمينك ومما يليك قال شيخنا في شرح الترمذي حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم النووي لكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الام على الوجوب قلت وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الاكل من رأس الثريد والتعريس على الطريق والقرآن في التمر وغير ذلك مما ورد الامر بضده حرام ومثل البيضاوي في منهاجه للندب بقوله صلى الله عليه وسلم كل مما يليك وتعقبه تاج الدين السبكي في شرحه بأن الشافعي نص في غير موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهي كان عاصيا إثما قال وقد جميع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب له سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الامر فيها للوجوب قلت ويدل على وجوب الاكل باليمين ورود الوعيد في الاكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الاكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج الطبراني من حديث سبيعة الاسلمية من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الاسلمية تأكل بشمالها فقال أخذها داء غزة فقال أن بها قرحة قال وأن فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت وأخرج محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن وثبت النهي عن الاكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث
[ 431 ]
بن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته من أكل بشماله أكل معه الشيطان الحديث ونقل الطيبي أن معنى قوله أن الشيطان يأكل بشماله أي يحمل اولياءه من الانس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين قال الطيبي وتحريره لا تأكلوا بالشمال فإن فعلتم كنتم من أولياء الشيطان فإن الشيطان يحمل اولياءه على ذلك انتهى وفيه عدول عن الظاهر والاولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لان العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله وحكى القرطبي في ذلك احتمالين ثم قال والقدرة صالحة ثم ذكر من عند مسلم أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه قال وهذا عبارة عن تناوله وقيل معناه استحسانه رفع البركة من ذلك الطعام إذا لم يذكر اسم الله قال القرطبي وقوله صلى الله عليه وسلم فإن الشيطان يأكل بشماله ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله على الاكل قال النووي في هذه الاحاديث استحباب الاكل والشرب باليمين وكراهة ذلك بالشمال وكذلك كل أخذ وعطاء كما وقع في بعض طرق حديث بن عمر وهذا إذا لم يكن عذر من مرض أو جراحة فإن كان فلا كراهة كذا قال وأجاب عن الاشكال في الدعاء على الرجل الذي فعل ذلك واعتذر فلم يقبل عذره بأن عياضا ادعى أنه كان منافقا وتعقبه النووي بأن جماعة ذكروه في الصحابة وسموه بسرا بضم الموحدة وسكون المهملة واحتج عياض بما ورد في خبره أن الذي حمله على ذلك الكبر ورده النووي بأن الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق لكنه معصية أن كان الامر أمر إيجاب قلت ولم ينفصل عن اختياره أن الامر أمر ندب وقد صرح بن العربي بإثم من أكل بشماله واحتج بأن كل فعل ينسب إلى الشيطان حرام وقال القرطبي هذا الامر على جهة الندب لانه من باب تشريف اليمين على الشمال لانها أقوى في الغالب واسبق للاعمال وامكن في الاشغال وهي مشتقة من اليمن وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين وعكسه في أصحاب الشمال قال وعلى الجملة فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا والشمال على نقيض ذلك وإذا تقرر ذلك فمن الآداب المناسبة لمكارم الاخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمن بالاعمال الشريفة والاحوال النظيفة وقال أيضا كل هذه الاوامر من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والاصل فيما كان من هذا الترغيب والندب قال وقوله كل مما يليك محله ما إذا كان الطعام نوعا واحدا لان كل أحد كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع ما فيه من تقذر النفس مما خاضت فيه الايدي ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة أما إذا اختلفت الانواع فقد أباح ذلك العلماء كذا قال قوله فما زالت تلك طعمتي بعد بكسر الطاء أي صفة أكلي أي لزمت ذلك وصار عادة لي قال الكرماني وفي بعض الروايات بالضم يقال طعم إذا أكل والطعمة الاكلة والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والاكل باليمين والاكل مما يليه وقوله بعد بالضم على البناء أي استمر ذلك من صنيعي في الاكل وفي الحديث أنه ينبغي اجتناب الاعمال التي تشبه أعمال الشياطين والكفار وأن للشيطان يدين وأنه يأكل ويشرب ويأخذ ويعطي وفيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي وفيه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الاكل وفيه استحباب تعليم أدب الاكل والشرب وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الامر ومواظبته على مقتضاه (0) قوله باب الاكل مما يليه وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه هذا التعليق طرف من حديث الجعد أبي عثمان عن أنس في قصة الوليمة على زينب بنت جحش وقد تقدم في باب الهدية للعروس في أوائل النكاح معلقا من طريق إبراهيم بن طهمان عن الجعد وفيه ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون ويقول لهم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه وقد ذكرت هناك من وصله وسيأتي أصله موصولا بعد بابين من وجه اخر عن أنس لكن
[ 432 ]
ليس فيه مقصود الترجمة وعزاه شيخنا بن الملقن تبعا لمغلطاي لتخريج بن أبي عاصم في الاطعمة من طريق بكر وثابت عن أنس وهو ذهول منهما فليس في الحديث المذكور مقصود الترجمة وهو عند أبي يعلى والبزار أيضا من الوجه الذي أخرجه بن أبي عاصم (5062) قوله حدثني محمد بن جعفر يعني بن أبي كثير المدني وحلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ثم لام مفتوحة قوله عن وهب بن كيسان أبي نعيم قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عنه وصورته الارسال وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة وخالف الجميع إسحاق بن إبراهيم الحنيني أحد الضعفاء فقال عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر وهو منكر وأنما استجاز البخاري إخراجه وأن كان المحفوظ فيه عن مالك الارسال لانه تبين بالطريق الذي قبله صحة سماع وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة واقتضى ذلك ان مالكا قصر بإسناده حيث لم يصرح بوصله وهو في الاصل موصول ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد ويحيى بن صالح وهما ثقتان أخرج ذلك الدارقطني في الغرائب عنهما واقتصر بن عبد البر في التمهيد على ذكر رواية خالد بن مخلد وحده قوله باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه حوالي بفتح اللام وسكون التحتانية أي جوانب يقال رأيت الناس حوله وحوليه وحواليه واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها قوله إذا لم يعرف منه كراهية ذكر فيه حديث أنس في تتبع النبي صلى الله عليه وسلم الدباء من الصحفة وهذا ظاهره يعارض الذي قبله في الامر بالاكل مما يليه فجمع البخاري بينهما يحمل الجواز على ما إذا علم رضا من يأكل معه ورمز بذلك إلى تضعيف حديث عكراش الذي أخرجه الترمذي حيث جاء فيه التفصيل بين ما إذا كان لونا واحدا فلا يتعدى ما يليه أو أكثر من لون فيجوز وقد حمل بعض الشراح فعله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على ذلك فقال كان الطعام مشتملا على مرق ودباء وقديد فكان يأكل مما يعجبه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد وحمله الكرماني كما تقدم له في باب الخياط من كتاب البيع على أن الطعام كان للنبي صلى الله عليه وسلم وحده قال فلو كان له ولغيره لكان المستحب أن يأكل مما يليه قلت ان أراد بالوحدة أن غيره لم يأكل معه فمردود لان أنسا أكل معه وأن أراد به المالك وأذن لانس أن يأكل معه فليطرده في كل مالك ومضيف وما أظن أحدا يوافقه عليه وقد نقل بن بطال عن مالك جوابا يجمع الجوابين المذكورين فقال أن المؤاكل لاهله وخدمه يباح له أن يتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه فإذا علم كراهتهم لذلك لم يأكل الا ما يليه وقال أيضا أما جالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام لانه علم أن أحدا لا يتكره ذلك منه ولا يتقذره بل كانوا يتبركون بريقة ومماسه يده بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها فكذلك من لم يتقذر من مؤاكلة يجوز له أن تجول يده في الصحفة وقال بن التين إذا أكل المرء مع خادمه وكان في الطعام نوع منفرد جاز له أن ينفرد به وقال في موضع آخر إنما فعل ذلك لانه كان يأكل
[ 433 ]
وحده فسيأتي في رواية أن الخياط أقبل على عمله قلت هي رواية ثمامة عن أنس كما سيأتي بعد أبواب لكن لا يثبت المدعى لان أنسا أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم (5064) قوله أن خياطا لم اقف على اسمه لكن في رواية ثمامة عن أنس أنه كان غلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أن مولى له خياطا دعاه قوله لطعام صنعه كان الطعام المذكور ثريدا كما سأبينه قوله قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء هكذا أورده مختصرا أخرجه مسلم عن قتيبة شيخ البخاري فيه بتمامه وقد تقدم في البيوع عن عبد الله بن يوسف عن مالك بالزيادة ولفظه فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا ومرقا فيه دباء وقديد وأفاد شيخنا بن الملقن عن مستخرج الاسماعيلي أن الخبز المذكور كان خبز شعير وغفل عما أورده البخاري في باب المرق كما سيأتي عن عبد الله بن مسلمة عن مالك بلفظ خبر شعير والثاني مثله وكذا أورده بعد باب آخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بتمامه وهو عند مسلم عن قتيبة أيضا وقد أفرد البخاري لكل واحدة ترجمة وهي المرق والدباء والثريد والقديد قوله الدباء بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدود ويجوز القصر حكاه القزاز وأنكره القرطبي هو القرع وقيل خاص بالمستدير منه ووقع في شرح المهذب للنووي أنه القرع اليابس وما أظنه الا سهوا وهو اليقطين أيضا واحدة دباة ودبة وكلام أبي عبيد الهروي يقتضي أن الهمزة زائدة فإنه أخرجه في دبب وأما الجوهري فأخرجه في المعتل على أن همزته منقلبة وهو أشبه بالصواب لكن قال الزمخشري لا ندري هي منقلبة عن واو أو ياء ويأتي في رواية ثمامة عن أنس فلما رأيت ذلك جعلت اجمعه بين يديه وفي رواية حميد عن أنس فجعلت اجمعه وأدنيه منه قوله فلم أزل أحب الدباء من يومئذ في رواية ثمامة قال أنس لا ازال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع ما صنع وفي رواية مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس فجعلت ألقيه إليه ولا أطعمه وله من طريق معمر عن ثابت وعاصم عن أنس فذكر الحديث قال ثابت فسمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء الا صنع ولابن ماجة بسند صحيح عن حميد عن أنس قال بعثت معي أم سليم بمكتل فيه رطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده وخرج قريبا إلى مولى له دعاه فصنع له طعاما فأتيته وهو يأكل فدعاني فأكلت معه قال وصنع له ثريدة بلحم وقرع فإذا هو يعجبه القرع فجعلت اجمعه فأدنيه منه الحديث وأخرج مسلم بعضه من هذا الوجه بلفظ كان يعجبه القرع وللنسائي كان يحب القرع ويقول أنها شجرة أخي يونس ويجمع بين قوله في هذه الرواية فلم أجده وبين حديث الباب ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أطلق المعية باعتبار ما آل إليه الحال ويحتمل تعدد القصة على بعد وفي الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم وبيان ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع واللطف بأصحابه وتعاهدهم بالمجئ إلى منازلهم وفيه الاجابة إلى الطعام ولو كان قليلا ومناولة الضيفان بعضهم بعضا مما وضع بين أيديهم وإنما يمتنع من يأخذ من قدام الآخر شيئا لنفسه أو لغيره وسيأتي البحث فيه في باب مفرد وفيه جواز ترك المضيف الاكل مع الضيف لان في رواية ثمامة عن أنس في حديث الباب أن الخياط قدم لهم الطعام ثم أقبل على عمله فيؤخذ جواز ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الطعام كان قليلا فأثرهم به ويحتمل أن يكون كان مكتفيا من الطعام أو كان صائما أو كان شغله قد تحتم عليه تكميله وفيه الحرص على التشبه بأهل الخير والاقتداء بهم في المطاعم وغيرها وفيه فضيلة ظاهرة لانس لاقتفائه أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الاشياء الجبلية وكان يأخذ نفسه باتباعه فيها رضي الله عنه قوله قال عمر بن أبي سلمة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم كل بيمينك كذا ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر عن الحموي
[ 434 ]
والكشميهني وسقط للباقين وهو الاشبه وقد مضى موصولا قبل باب والذي يظهر لي أن محله بعد الترجمة التي تليه قوله باب التيمن في الاكل وغيره ذكر فيه حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له وظن بعضهم أن في هذه الترجمة تكرارا لانه تقدم في قوله باب التسمية على الطعام والاكل باليمين وقد أجاب عنه بن بطال بأن هذه الترجمة أعم من الاولى لان الاولى لفعل الاكل فقط وهذه لجميع الافعال فيدخل فيه الاكل والشرب بطريق التعميم اه ومن جملة العموم عموم متعلقات الاكل كالاكل من جهة اليمين وتقديم من على اليمين في الاتحاف ونحوه على من على الشمال وغير ذلك (5065) قوله وكان قال بواسط قبل هذا في شأنه كله القائل هو شعبة والمقول عنه أنه قال بواسط هو أشعث وهو بن أبي الشعثاء وقد تقدم بيان ذلك مع مباحث الحديث في باب التيمن من كتاب الوضوء وقال الكرماني قال بعض المشايخ القائل بواسط هو أشعث كذا نقل وليس بصواب ممن قال قوله باب من أكل حتى شبع ذكر فيه ثلاثة أحاديث الاول حديث أنس في تكثير الطعام ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
[ 435 ]
وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفيه فأكلوا حتى شبعوا الثاني حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في إطعام القوم من سواد بطن الشاة وكانوا ثلاثين ومائة رجل وفيه فأكلنا أجمعون وشبعنا وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة الثالث حديث عائشة توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الاسودين التمر والماء وفيه إشارة إلى أن شبعهم لم يقع قبل زمان وفاته قاله الكرماني قلت لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر ومن حديث بن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم شبع حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ومراد عائشة بما اشارت إليه من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن قرنته به إشارة إلى أن تمام الشبع حصل بجمعهما فكأن الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد الشبع منه ولما عبرت عن التمر بوصف واحد وهو السواد عبرت عن الشبع والري بفعل واحد وهو الشبع وقوله (5066) في حديث أنس عن أبي طلحة سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع كأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها وفيه رد على دعوى بن حبان أنه لم يكن يجوع واحتج بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني وتعقب بالحمل على تعدد الحال فكان يجوع أحيانا ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع صبر فضوعف له وقد بسطت هذا في مكان آخر ويوخذ من قصة أبي طلحة أن من أدب من يضيف أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار تكرمة له قال بن بطال في هذه الاحاديث جواز الشبع وأن تركه أحيانا أفضل وقد ورد عن سلمان وأبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة قال الطبري غير أن الشبع وأن كان مباحا فإن له حدا ينتهي إليه وما زاد على ذلك فهو سرف والمطلق منه ما أعان الاكل على طاعة ربه ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه اه وحديث سلمان الذي أشار إليه أخرجه بن ماجة بسند لين وأخرج عن بن عمر نحوه وفي سنده مقال أيضا وأخرج البزار نحوه من حديث أبي جحيفة بسند ضعيف قال القرطبي في المفهم لما ذكر قصة أبي الهيثم إذ ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه الشاة فأكلوا حتى شبعوا وفيه دليل على جواز الشبع وما جاء من النهى عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة ويفضي إلى البطر والاشر والنوم والكسل وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة وذكر الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم وهو أن الثلث الطعام والثلث للشراب والثلث للنفس ويحتاج في دعوى أن تلك عادتهم إلى نقل خاص وإنما ورد في ذلك حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ملا ادمي وعاء شرا من بطن حسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس قال القرطبي في شرح الاسماء لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي قبله في باب كسر الشهوتين من الاحياء ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلاما في قلة الاكل أحكم من هذا ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح وإنما خص الثلاثة بالذكر لانها أسباب حياة الحيوان ولانه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث التساوي على ظاهر الخبر
[ 436 ]
أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة محل احتمال والاول أولي ويحتمل أن يكون لمح بذكر الثلث إلى قوله في الحديث الآخر الثلث كثير وقال بن المنير ذكر البخاري في الاشربة في باب شرب اللبن للبركة حديث أنس وفيه قوله فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فيحتمل أن يكون الشبع المشار إليه في أحاديث الباب من ذلك لانه طعام بركة قلت وهو محتمل الا في حديث عائشة ثالث أحاديث الباب فإن المراد به الشبع المعتاد لهم والله أعلم واختلف في حد الجوع على رأيين ذكرهما في الاحياء أحدهما أن يشتهي الخبز وحده فمتى طلب الادم فليس بجائع ثانيهما أنه إذا وقع ريقه على الارض لم يقع عليه الذباب وذكر أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة الاول ما تقوم به الحياة الثاني أن يزيد حتى يصوم ويصلي عن قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقوي على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مستحبان الخامس أن يملا الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد على ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهي البطنة المنهي عنها وهذا حرام اه ويمكن دخول الثالث في الرابع والاول في الثاني والله أعلم تنبيه وقع في سياق السند معتمر وهو بن سليمان التيمي عن أبيه قال وحدثني أبو عثمان أيضا فزعم الكرماني أن ظاهره أن أباه حدث عن غير أبي عثمان ثم قال وحدث أبو عثمان أيضا قلت وليس ذلك المراد وإنما أراد أن أبا عثمان حدثه بحديث سابق على هذا ثم حدثه بهذا فلذلك قال أيضا أي حدث بحديث بعد حديث قوله باب ليس على الاعمى حرج إلى هنا للاكثر وساق في رواية أبي ذر الصنفين الآخرين ثم قال الآية وأراد بقية الآية التي في سورة النور لا التي في الفتح لانها المناسبة لابواب الاطعمة ويؤيد ذلك أنه وقع عند الاسماعيلي إلى قوله لعلكم تعقلون وكذا لبعض رواة الصحيح قوله والنهد والاجتماع على الطعام ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وحده والنهد بكسر النون وسكون الهاء تقدم تفسيره في أول الشركة حيث قال باب الشركة في الطعام والنهد وتقدم هناك يان حكمة وذكر فيه عدة أحاديث في ذلك ثم ذكر حديث سويد بن النعمان وفيه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فلم يؤت الا بسويق الحديث وليس هو ظاهرا في المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جئ بالسويق الا من جهة واحدة لكن مناسبته لاصل الترجمة ظاهرة في اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وبصير وبين صحيح ومريض وحكى بن بطال عن المهلب قال مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير إنهم كانوا إذا اجتمعوا للاكل عزل الاعمى على حدة والاعرج على حدة والمريض على حدة لتقصيرهم عن أكل الاصحاء فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم وهذا عن بن الكلبي وقال عطاء بن يزيد كان الاعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها والاعرج كذلك لاتساعه في موضع الاكل والمريض لرائحته فنزلت هذه الآية فأباح لهم الاكل مع غيرهم وفي حديث سويد معنى الآية لانهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك وقد سوغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان فكان مباحا والله أعلم اه كلامه وقد جاء في سبب نزول الآية أثر آخر من وجه صحيح قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد كان الرجل يذهب الاعمى أو الاعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو قريبه فكان الزمني يتحرجون من ذلك ويقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فنزلت الآية رخصة لهم وقال بن المنير موضع
[ 437 ]
المطابقة من الترجمة وسط الآية وهي قوله تعالى ليس علكيم جناح أن تأكلوا جميعا أو اشتاتا وهي أصل في جواز أكل المخارجة ولهذا ذكر في الترجمة النهد والله أعلم قوله باب الخبز المرقق والاكل على الخوان والسفرة أما الخبز المرقق فقال عياض قوله مرققا أي ملينا محسنا كخبز الحواري وشبهه والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل وقد يكون المرقق الرقيق الموسع اه وهذا هو المتعارف وبه جزم بن الاثير قال الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل وهو الرغيف الواسع الرقيق وأغرب بن التين فقال هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره وقال بن الجوزي هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها واما الخوان فالمشهور فيه كسر المعجمة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء وسئل ثعلب هل يسمى الخوان لانه يتخون ما عليه أي ينتقص فقال ما يبعد قال الجواليقي والصحيح أنه اعجمي معرب ويجمع على إخوته في القلة وخون مضموم الاول في الكثرة وقال غيره الخوان المائدة ما لم يكن عليها طعام وأما السفرة فاشتهرت لما يوضع عليها الطعام واصلها الطعام نفسه (5070) قوله كنا عند أنس وعنده خباز له لم اقف على تسميته ووقع عند الاسماعيلي عن قتادة كنا نأتي أنسا وخبازه قائم زاد بن ماجة وخوانه موضوع فيقول كلوا وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال كان لانس غلام يعمل له النقانق ويطبخ له لونين طعاما ويخبز له الحواري ويعجنه بالسمن اه والحواري بضم المهملة وتشديد الواو وفتح الرأس الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة قوله ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة المسموط الذي ازيل شعره بالماء المسخن وشوى بجلده أو يطبخ وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري وهو من فعل المترفين من وجهين أحدهما المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه وثانيهما أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده وقد جرى بن بطال على أن المسموط المشوى فقال ما ملخصه يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه بأن يقال يحتمل أن يكون لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها لانه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب أخرى وذلك لحم مسموط أو يقال أن أنسا قال لا أعلم ولم يقطع به ومن علم حجة على من لم يعلم وتعقبه بن المنير بأنه ليس في حز الكتف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة بل إنما حزها لان العرب كانت عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز قال ولعل بن بطال لما رأى البخاري ترجم بعد هذا باب شاة مسموطة والكتف والجنب ظن أن مقصوده اثبات أنه أكل السميط قلت ولا يلزم أيضا من كونها مشوية واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة فإن شئ المسلوخ أكثر من شئ المسموط لكن قد ثبت أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل الا مسموطا وهذا لا يرد على أنس في نفي رواية الشاة المسموطة وقد وافقه أبو هريرة على نفي أكل الرقاق أخرجه بن ماجة من طريق بن عطاء عن آية عن أبيه هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه قال الطيبي قول أنس ما أعلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم الخ نفى العلم وأراد نفي المعلوم وهو من باب نفي الشئ بنفي لازمه وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات (5071) قوله عن يونس قال عن علي هو الاسكاف علي هو شيخ البخاري فيه وهو بن المديني ومراده أن يونس وقع في السند غير منسوب فنسبه على ليتميز فإن في طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات المكثرين وقد وقع في رواية بن ماجة عن محمد بن مثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن يونس بن أبي الفرات الاسكاف وليس ليونس هذا في البخاري الا هذا الحديث
[ 438 ]
الواحد وهو بصري وثقة أحمد وابن معين وغيرهما وقال بن عدي ليس بالمشهور وقال بن سعد كان معروفا وله أحاديث وقال بن حبان لا يجوز أن يحتج به كذا قال ومن وثقه أعرف بحاله من بن حبان والراوي عنه هشام هو الدستوائي وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا وفي الحديث رواية الاقران لان هشاما ويونس من طبقة واحدة وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وصرح بالتحديث كما سيأتي في الرقاق لكن ذكر بن عدي أن يزيد بن زريع رواه عن سعيد فقال عن يونس عن قتادة فيحتمل أن يكون سمعه أولا عن قتادة بواسطة ثم حمله عنه بغير واسطة فكان يحدث به على الوجهين قوله عن أنس هذا هو المحفوظ ورواه سعيد بن بشر عن قتادة فقال عن الحسن قال دخلنا على عاصم بن حدرة فقال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط الحديث أخرجه بن منده في المعرفة فإن كان سعيد بن بشر حفظه فهو حديث آخر لقتادة لاختلاف مساق الخبرين قوله على سكرجة بضم السين والكاف والراء الثقيلة بعدها جيم مفتوحة قال عياض كذا قيدناه ونقل عن بن مكي أنه صوب فتح الراء قلت وبهذا جزم التوربشتي وزاد لانه فارسي مغرب والراء في الاصل مفتوحة ولا حجة في ذلك لان الاسم الاعجمي إذا نطقت به العرب لم تبقه على أصله غالبا وقال بن الجوزي قاله لنا شيخنا أبو منصور اللغوي يعني الجواليقي بفتح الراء قال وكان بعض أهل اللغة يقول الصواب اسكرجه وهي فارسية معربة وترجمتها مقرب الخل وقد تكلمت بها العرب قال أبو علي فإن حقرت حذفت الجيم والراء وقلت أسكر ويجوز اشباع الكاف حتى تزيد ياء وقياس ما ذكره سيبويه في بريهم بريهيم أن يقال في سكيرجه سكيريجه والذي سبق أولي قال بن مكي وهي صحاف صغار يؤكل فيها ومنها الكبير والصغير فالكبيرة تحمل قدر ست أواق وقيل ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية قال ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعمله في الكواميخ والجوارش للتشهي والهضم وأغرب الداودي فقال السكرجة قصعة مدهونة ونقل بن قرقول عن غيره أنها قصعة ذات قوائم من عود كمائدة صغيرة والاول أولي قال شيخنا في شرح الترمذي تركه الاكل في السكرجة أما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك أو استصغارا لها لان عادتهم الاجتماع على الاكل أو لانها كما تقدم كانت تعد لوضع الاشياء التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالبا يشبعون فلم يكن لهم حاجة بالهضم قوله قيل لقتادة القائل هو الراوي قوله فعلام كذا للاكثر وقع في رواية المستملي بالاشباع قوله يأكلون كذا عدل عن الواحد إلى الجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده بل كان أصحابه يقتفون أثره ويقتدون بفعله قوله على السفر جمع سفرة وقد تقدم بيانها في الكلام على حديث عائشة الطويل في الهجرة إلى المدينة وأن أصلها الطعام الذي يتخذه المسافر وأكثر ما يننغ في جلد فنقل اسم الطعام إلى ما يوضع فيه كما سميت المزادة راوية ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة صفية فساقه مختصرا وقد ساقه في غزوة خيبر بالاسناد الذي أورده هنا بعينه أتم من سياقه هنا ولفظه أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية وزاد فيه أيضا بين (5072) قوله إلى وليمته وبين قوله أمر بالانطاع وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر فذكره وزاد بعد قوله والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين الحديث وقد تقدم شرحه
[ 439 ]
مستوفى هناك قوله وقال عمرو عن أنس بني بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع هو أيضا طرف من حديث وصله المؤلف في المغازي مطولا من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك بتمامه (5073) قوله هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان هشام هو بن عروة حمل هذا الحديث عن أبيه وعن وهب بن كيسان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه عن هشام عن وهب بن كيسان فقط وتقدم أصل هذا الحديث في باب الهجرة إلى المدينة من طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه وعن امرأته فاطمة بنت المنذر كلاهما عن أسماء وهو محمول على أن هشاما حمله عن أبيه وعن امرأته وعن وهب بن كيسان ولعل عنده عن بعضهم ما ليس عند الآخر فإن الرواية التي تقدمت ليس فيها قوله يعيرون وهو بالعين المهملة من العار وابن الزبير هو عبد الله والمراد بأهل الشام عسكر الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية قوله يعيرونك بالنطاقين قيل الافصح أن يعدى التعيير بنفسه تقول عيرته كذا وقد سمع هكذا مثل ما هنا قوله وهل تدري ما كان النطاقين كذا أورده بعض الشراح وتعقبه بأن الصواب النطاقان بالرفع وأنا لم اقف عليه في النسخ الا بالرفع فإن ثبت رواية بغير الالف أمك توجيهها ويحتمل أن يكون كان في الاصل وهل تدري ما كان شأن النطاقين فسقط لفظ شأن أو نحه قوله إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت تقدم في الهجرة إلى المدينة أن أبا بكر الصديق هو الذي أمرها بذلك لما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قوله يقول أيها كذا للاكثر ولبعضهم ابنها بموحدة ونون وهو تصحيف وقد وجه بأنه مقول الراوي والضمير لاسماء وابنها هو بن الزبير وأغرب بن التين فقال هو في سائر الروايات ابنها وذكره الخطابي بلفظ أنها اه وقوله الالة في رواية أحمد بن يونس أيها ورب الكعبة قال الخطاب أيها بكسر الهمزة وبالتنوين معناها الاعتراف بما كانوا يقولونه والتقرير له تقول العرب في استدعاء القول من الانسان أيها وايه بغير تنوين وتعقب بأن الذي ذكره ثعلب وغيره إذا استزدت من الكلام قلت آية وإذا أمرت بقطعة قلت أيها اه وليس هذا الاعتراض بجيد لان غير ثعلب قد جزم بأن أيها كلمة استزادة وارتضاه وحرره بعضهم فقال أيها بالتنوين للاستزادة وبغير التنوين لقطع الكلام وقد تأتي أيضا بمعنى كيف قوله تلك شكاه ظاهر عنك عارها شكاة بفتح الشين المعجمة معناه رفع الصوت بالقول القبيح ولبعضهم بكسر الشين والاول أولي وهو مصدر شكا يشكو شكاية وشكوى وشكاة وظاهر أي زائل قال الخطابي أي ارتفع عنك فلم يعلق بك والظهور يطلق على الصمود والارتفاع ومن هذا قول الله تعالى فما
[ 440 ]
اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوا عليه ومنه ومعارج عليها يظهرون قال وتمثل بن الزبير بمصراع بيت لابي ذؤيب الهذلي وأوله وعيرها الواشون إني أحبها يعني لا بأس بهذا القول ولا عار فيه قال مغلطاي وبعد بيت الهذلي فإن اعتذر منها فإني مكذب وأن تعتذر يردد عليك اعتذارها وأول هذه القصيدة هل الدهر الا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها أبي القلب الا ام عمرو فأصبحت تحرق ناري بالشكاة ونارها وبعده وعيرها الواشون إني أحبها البيت وهي قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا وتردد بن قتيبة هل أنشأ بن الزبير هذا المصراع أو أنشده متمثلا به والذي جزم به غيره الثاني وهو المعتمد لان هذا مثل مشهور وكان بن الزبير يكثر التمثل بالشعر وقلما أنشأه ثم ذكر حديث بن عباس في أكل خالد الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرحه بعد في كتاب الصيد والذبائح وقوله على مائدته أي الشئ الذي يوضع على الارض صيانة للطعام كالمنديل والطبق وغير ذلك ولا يعارض هذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل على الخوان لان الخوان أخص من المائدة ونفى الاخص لا يستلزم نفي الاعم وهذا أولي من جواب بعض الشراح بأن أنسا إنما نفى علمه قال ولا يعارضه قول من علم واختلف في المائدة فقال الزجاج هي عندي من ماد يميد إذا تحرك وقال غيره من ماد يميد إذا أعطى قال أبو عبيد وهي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء قال الشاعر وكنت للمنتجعين مائدا قوله باب السويق ذكر فيه حديث سويد بن النعمن وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو كذا في جميع النسخ التي وقفت عليها بالاضافة وشرحه الزركشي على أنه باب بالتنوين فقال قال بن التين إنما كان يسأل لان العرب كانت لا تعاف شيئا من المآكل لقلتها عندهم وكان هو صلى الله عليه وسلم قد يعاف بعض الشئ فلذلك كان يسأل قلت ويحتمل أن يكون سبب السؤال أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يكثر الكون في البادية فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات أو لان
[ 441 ]
الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات وإباحة بعضها وكانوا لا يحرمون منها شيئا وربما أتوا به مشويا أو مطبوخا فلا يتميز عن غيره الا بالسؤال عنه ثم أورد فيه حديث بن عباس في قصة الضب وسيأتي شرحه في كتاب الصيد والذبائح ووقع فيه فقالت امرأة من النسوة الحضور كذا وقع بلفظ جمع المذكر وكأنه باعتبار الاشخاص وفيه اخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له وهذه المرأة ورد التصريح بأنها ميمونة أم المؤمنين في رواية الطبراني ولفظه فقالت ميمونة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو فلما اخبروه تركه وعند مسلم من وجه اخر عن بن عباس فقالت ميمونة يا رسول الله أنه لحم ضب فكف يده قوله باب طعام الواحد يكفي الاثنين أورد فيه حديث أبي هريرة طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام لا ثلاثة يكفي الاربعة واستشكل الجمع بين الترجمة والحديث فإن قضية الترجمة مرجعها النصف وقضية الحديث مرجعها الثلث ثم الربع وأجيب بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ورد ليس على شرطه وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير لكن اقصاه الضعف وكونه يكفي مثله لا ينفي أن يكفي دونه نعم كون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الاولى بخلاف عكسه ونقل عن إسحاق بن راهويه عن جرير قال معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين ويشبع الاثنين قوت الاربعة وقال المهلب المراد بهذه الاحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية يعني وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر وقد وقع في حديث عمر عند بن ماجة بلفظ طعام الواحد يكفي الاثنين وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والاربعة وأن طعام الاربعة يكفي الخمسة والستة ووقع في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس وعند الطبراني من حديث بن عمر ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين الحديث فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة وقد أشار الترمذي إلى حديث بن عمر وعند البزار من حديث سمرة نحو حديث عمر وزاد في آخره ويد الله على الجماعة وقال بن المنذر يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده اه وفي الحديث أيضا الاشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت معها البركة فتعم الحاضرين وفيه أنه لا ينبغي للمرء إن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع وقال بن المنير ورد حديث بلفظ الترجمة لكنه لم يوافق شرط البخاري فاستقرأ معناه من حديث الباب لان من أمكنه ترك الثلث أمكنه ترك النصف لتقاربهما انتهى وتعقبه مغلطاي بأن الترمذي أخرج الحديث من طريق أبي سفيان عن جابر وهو على شرط البخاري انتهى وليس كما زعم فإن البخاري وأن كان أخرج لابي سفيان لكن أخرج له مقرونا بأبي صالح عن جابر ثلاثة أحاديث فقط فليس على شرطه ثم لا أدري لم خصه بتخريج الترمذي مع أن مسلما أخرجه من طريق الاعمش عن أبي سفيان أيضا ولعل بن المنير اعتمد على ما ذكره بن بطال أن بن وهب روى الحديث بلفظ الترجمة عن بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر وابن لهيعة ليس من شرط البخاري قطعا لكن يرد عليه أن بن بطال قصر بنسبه الحديث وإلا فقد أخرجه مسلم أيضا من طريق بن جريج ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزبير عن جابر وصرح بطريق بن جريج بسماع أبي الزبير عن جابر فالحديث صحيح لكن لا على شرط البخاري والله أعلم وفي الباب عن بن عمر وسمرة كما تقدم وفيه عن بن مسعود أيضا في الطبراني قوله باب المؤمن يأكل في معي واحد المعي بكسر الميم مقصور وفي لغة حكاها في المحكم بسكون العين بعدها تحتانية والجمع امعاء ممدود وهي المصارين وقد وقع في شعر القطامي بلفظ
[ 442 ]
الافراد في الجمع فقال في أبيات له حكاها أبو حاتم حوالب غزرا ومعي جياعا وهو كقوله تعالى ثم يخرجكم طفلا وإنما عدي يأكل بفي لانه بمعنى يوقع الاكل فيها ويجعلها ظرفا للمأكول ومنه قوله تعالى إنما يأكلون في بطونهم أي ملء بطونهم قال أبو حاتم السجستاني المعي مذكر ولم أسمع من أثق به يؤنثه فيقول معي واحدة لكن قد رواه من لا يوثق به (5078) قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج منسوبا قوله عن واقد بن محمد هو بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا لعله أبو نهيك المذكور بعد قليل ووقع في رواية مسلم فجعل بن عمر يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل أكلا كثيرا قوله لا تدخل هذا علي وذكر الحديث هكذا حمل بن عمر الحديث على ظاهره ولعله كره دخوله عليه لما رآه متصفا بصفة وصف بها الكافر قوله باب المؤمن يأكل في معي واحد فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ثبت هذا الكلام في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده وليس هو في رواية أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي قبله إلى ترجمة طعام الواحد يكفي الاثنين وايراد هذه الترجمة لحديث بن عمر بطرقه وحديث أبي هريرة بطريقيه ولم يذكر فيها التعليق وهذا أوجه فإنه ليس لاعادة الترجمة بلفظها معنى وكذا ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة ثم إيراده فيها موصولا من وجهين (5079) قوله عبدة هو بن سليمان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله وأن الكافر أو المنافق فلا أدري أيهما قال عبيد الله هذا الشك من عبدة وقد أخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر بلفظ الكافر بغير شك وكذا رواه عمرو بن دينار كما يأتي في الباب وكذا هو في رواية غي بن عمر ممن روى الحديث من الصحابة الا أنه ورد عند الطبراني في رواية له من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر قوله وقال بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه ووقع لنا في الموطأ من روايته عن مالك ولفظه المؤمن يأل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وأخرجه الاسماعيلي من طريق بن وهب أخبرني مالك وغير واحد أن نافعا حدثهم فذكره بلفظ المسلم فظهر أن مراد البخاري بقوله مثله أي مثل أصل الحديث لا خصوص الشك الواقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع (5080) قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن عمرو هو بن دينار ووقع التصريح بتحديثه لسفيان في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج قوله كان أبو نهيك بفتح النون وكسر الهاء رجلا اكولا في رواية الحميدي قيل لابن عمر ان أبا نهيك رجل من أهل مكة يأكل أكلا كثيرا قوله فقال فأنا أؤمن بالله ورسوله
[ 443 ]
في رواية الحميدي فقال الرجل أنا أؤمن بالله الخ ومن ثم اطبق العلماء على حمل الحديث على غير ظاهره كما سيأتي إيضاحه قوله في حديث أبي هريرة (5081) يأكل المسلم في معي واحد في رواية مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة المؤمن يشرب في معي واحد الحديث قوله في الطريق الاخرى (5082) عن أبي حازم هو سلمان بسكون اللام الاشجعي وليس هو سلمة بن دينار الزاهد فإنه أصغر من الاشجعي ولم يدرك أبا هريرة قوله أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم وقع في رواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم أنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها الحديث وهذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري فأخرج بن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريقه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الاسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل بيد جليسه فلم يبق غيري فكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم على أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليه ثم حلب لي آخر حتى حلب لي سبعة اعنز فاتيت عليها ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها فقالت أم أيمن اجاع الله من اجاع رسول الله فقال مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله فلما كانت الليلة الثانية وصلينا المغرب صنع ما صنع في التي قبلها فحلب لي عنزا ورويت وشبعت فقالت أم أيمن أليس هذا ضيفنا قال أنه أكل في معي واحد الليلة وهو مؤمن وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد وفي إسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر وقال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال فأخذ كل رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له ما اسمك قال أبو غزوان قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك يا أبا غزوان أن تسلم قال نعم فأسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها فقال مالك يا أبا غزوان قال والذي بعثك نبيا لقد رويت قال انك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم الا معي واحد وهذه الطريق أقوى من طريق جهجاه ويحتمل أن تكون تلك كنيته لكن يقوي التعدد أن أحمد أخرج من حديث أبي بصرة الغفاري قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت قبل أن أسلم فحلب لي شويهة كان يحلبها لاهله فشربتها فلما أصبحت أسلمت حلب لي فشربت منها فرويت فقال ارويت قلت قد رويت ما لا رويت قبل اليوم الحديث وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب وأن كان المعنى واحدا لكن ليس في قصته خصوص العدد ولاحمد أيضا ولابي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في الدلائل والبغوي في الصحابة من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري حدثني جدي نضلة بن عمرو قال أقبلت في لقاح لي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم أخذت علبة فحلبت فيها فشربتها فقلت يا رسول الله أن كنت لاشربها مرارا لا امتلئ وفي لفظ أن كنت لاشرب السبعة فما امتلئ فذكر الحديث وهذا أيضا لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق ووقع في كلام النووي تبعا لعياض أنه نضرة بن نضرة الغفاري وذكر بن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة تشبه قصة جهجاه
[ 444 ]
فيجوز أن يفسر به وبه صدر المازري كلامه واختلف في معنى الحديث فقيل ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الامعاء ولا خصوص الاكل وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالاكل وعن أسباب ذلك بالامعاء ووجه العلاقة ظاهر وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام والحلال أقل من الحرام في الوجود نقله بن التين ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران فقال حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها الا قليلا والكافر في سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها وقيل المراد حض المؤمن على قلة الاكل إذا علم أن كثرة الاكل صفة الكافر فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ويدل على أن كثرة الاكل من صفة الكفار قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام وقيل بل هو على ظاهره ثم اختلفوا في ذلك على أقوال أحدها أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية جزم بذلك بن عبد البر فقال لا سبيل إلى حمله على العموم لان المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله قال وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق وكذا البخاري فكأنه قال هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر اه وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار فقال قيل أن هذا الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب سبع شياه قال وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة وقد تعقب هذا الحمل بأن بن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من الدخول عليه واحتج بالحديث ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح تعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب وليس حقيقة العدد مراده قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة ابرح والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الاكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الاكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه يقدر السبع منه ولا يلزم من هذا اطراءه في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا أما بحسب العادة وأما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ويكون في الكفار من يأكل قليلا أما لمراعاة الصحة على رأي الاطباء وأما للرياضة على رأي الرهبان وأما لعارض كضعف المعدة قال الطيبي ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث ومن هذا قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة الآية وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الايمان لان من حسن إسلامه وكمل ايمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والاشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث لابي إمامة رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح أن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على ان المراد بالمؤمن من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الاكل الكثير فلم يكن ذلك
[ 445 ]
نقصا في إيمانهم الرابع أن المراد أن المؤمن يسمى الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل وفي صحيح مسلم في حديث مرفوع أن الشيطان يستحل الطعام أن لم يذكر اسم الله تعالى عليه الخامس أن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله فيشبع من القليل والكافر طامح البصر إلى المأكل كالانعام فلا يشبعه القليل وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا واحدا مركبا السادس قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معي واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن اه ويدل على تفاوت الامعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الانسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الاعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشراهة لا يشبعه الا ملء امعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي أحد ونقل الكرماني عن الاطباء في تسمية الامعاء السبعة أنها المعدة ثم ثلاثة متصلة بها رقاق وهي الاثنا عشرى والصائم والقولون ثم ثلاثة غلاظ وهي الفانفي بنون وفاءين أو قافين والمستقيم والاعور السابع قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الامل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن وبالواحد في المؤمن سد خلته الثامن قال القرطبي شهوات الطعام سبع شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة العين وشهوة الفم وشهوة الاذن وشهوة الانف وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام القاضي أبي بكر بن العربي ملخصا وهو أن الامعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة قال العلماء يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها وقد كان العقلاء في الجاهلية والاسلام يتمدحون بقلة الاكل ويذمون كثرة الاكل كما تقدم في حديث أم زرع أنها قالت في معرض المدح لابن أبي زرع ويشبعه ذراع الجفرة وقال حاتم الطائي فإنك أن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم اجمعا وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه وقال بن التين قيل أن الناس في الاكل على ثلاث طبقات طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق اه ملخصا وهو صحيح لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه وهو لائق بالقول الثاني قوله باب الاكل متكئا أي ما حكمة وإنما لم يجزم به لانه لم يأت فيه نهي صريح (5083) قوله حدثنا مسعر كذا أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأخرجه أحمد عن أبي نعيم فقال حدثنا سفيان هو الثوري فكان لابي نعيم فيه شيخين قوله عن على بن الاقمر أي بن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي ثقة عند الجميع وما له في البخاري سوى هذه الحديث قوله سمعت أبا جحيفة في رواية سفيان عن علي بن الاقمر عن عون بن أبي جحيفة وهذا يوضح أن رواية رقية لهذا الحديث عن علي بن الاقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه من المزيد في متصل الاسانيد لتصريح علي بن الاقمر في رواية مسعر بسماعه له من أبي جحيفة بدون واسطة ويحتمل أن يكون سمعه من عون أولا عن أبيه ثم لقي أباه أو سمعه من أبي جحيفة وثبته فيه عون قوله إني لا آكل متكئا ذكر في الطريق التي بعدها له سببا مختصرا ولفظه فقال لرجل عنده لا أكل وأنا متكئ قال الكرماني اللفظ الثاني أبلغ من
[ 446 ]
الاول في الاثبات وأما في النفي فالاول أبلغ اه وكان سبب هذا الحديث قصة الاعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند بن ماجة والطبراني بإسناد حسن قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعرابي ما هذه الجلسة فقال أن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا قال بن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال أن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا اه وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان بن عباس يحدث فذكر نحوه وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط وأخرج بن أبي شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا الا مرة ثم نزع فقال اللهم إني عبدك ورسولك وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو فقد أخرج بن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الاكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الاتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للاكل على أي صفة كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الارض قال الخطابي تحسب العامة أن المتكئ هو الاكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته قال ومعنى الحديث إني لا أقعد متكئا على الوطاء عند الاكل فعل من يستكثر من الطعام فإني لا آكل الا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا وفي حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع وفي رواية وهو محتفز والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن وأخرج بن عدي بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل قال مالك هو نوع من الاتكاء قلت وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الاكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها وجزم بن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لانكار الخطابي ذلك وحكى بن الاثير في النهاية أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى به واختلف السلف في حكم الاكل متكئا فزعم بن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال قد يكره لغيره أيضا لانه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الاكل الا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف إنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر وقد اخرج بن أبي شيبة عن بن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الاولى فالمستحب في صفة الجلوس للاكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمني ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الاكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم وإلى ذلك يشير بقية ما ورد فيه من الاخبار فهو المعتمد ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه بن الاثير من جهة الطب والله أعلم قوله باب الشواء بكسر المعجمة وبالمد معروف قوله وقول الله تعالى فجاء بعجل حنيذ كذا في الاصل وهو سبق قلم والتلاوة أن جاء كما سيأتي قوله مشوي كذا ثبت قوله مشوي في
[ 447 ]
رواية السرخسي وأورده النسفي بلفظ أي مشوي وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى فما لبث أن جاء بعجل حنيذ أي محنوذ وهو المشوي مثل قتيل في مقتول وروى الطبري عن وهب بن منبه عن سفيان الثوري مثله وعن بن عباس أخص منه قال حنيذ أي نضيج ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد الحنيذ المشوي النضيج ومن طرق عن قتادة والضحاك وابن إسحاق مثله ومن طريق السدي قال الحنيذ المشوي في الرضف أي الحجارة المحماة وعن مجاهد والضحاك نحوه وهذا أخص من جهة أخرى وبه جزم الخليل صاحب اللغة ومن طريق شمر بن عطية قال الحنيذ قال الذي يقطر ماؤه بعد أن يشوى وهذا أخص من جهة أخرى والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن عباس في قصة خالد بن الوليد في الضب وسيأتي شرحها في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى وأشار بن بطال إلى أن أخذ الحكم للترجمة ظاهر من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكل ثم لم يمتنع الا لكونه ضبا فلو كان غير ضب لاكل قوله في آخره وقال مالك عن بن شهاب بضب محنوذ يأتي موصولا في الذبائح من طريق مالك قوله باب الخزيرة بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء هي ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها قاله الطبري وقال بن فارس دقيق يخلط بشحم وقال اقتبي وتبعه الجوهري الخزيرة أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وقيل مرق يصفى من بلالة النخالة ثم يطبخ وقيل حساء من دقيق ودسم قوله قال النضر هو بن شميل النحوي اللغوي المحدث المشهور قوله الخزيرة يعني بالاعجام من النخالة والحريرة يعني بالاهمال من اللبن وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدة تصفيتها والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقد تقدم شرحه مستوفى في باب المساجد في البيوت في أوائل كتاب الصلاة والغرض منه (5086) قوله وحبسناه على خزير صنعناه أي معناه من الرجوع عن منزلنا لاجل خزير صنعناه له ليأكل منه قوله أخبرني محمود بن الربيع الانصاري أن عتبان بن مالك وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الانصار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الاصول المعتمدة ونقل الكرماني أن في بعض النسخ عن عتبان وهو أوضح
[ 448 ]
قال وللاول وجه وهو أن تكون أن الثانية توكيدا كقوله تعالى ايعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون قلت فيصير التقدير أن عتبان أتى النبي صلى الله عليه وسلم وما بينهما أشياء اعترضت فيصح كما قال لكن يبقى ظاهره أنه من مسند محمود بن الربيع فيكون مرسلا لانه ذكر قصة ما أدركها وهذا بخلاف ما لو قال أن عتبان بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يساوي ما لوا قال عن عتبان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى بيان ذلك بأوضح من هذا في الباب المذكور قوله قال بن شهاب ثم سألت الحصين هو موصول بالاسناد المذكور والحصين بمهملتين مصغر وقد قدمت في الصلاة أن القابسي رواه بضاد معجمة ولم يوافق على ذلك ونقل بن التين عن الشيخ أبي عمران قال لم يدخل البخاري في جامعه الحضير يعني بالمهملة ثم الضاد وآخره راء وأخل الحصين بمهملتين ونون يشير بذلك إلى أن مسلما أخرج لاسيد بن حضير ولم يخرج له البخاري وهذا قصور ممن قاله فإن أسيد بن حضير وأن لم يخرج له البخاري من روايته موصولا لكنه علق عنه ووقع ذكره عنده في غير موضع فلا يليق نفي إدخاله في كتابه على أنه قلما يلتبس من أجل تفريق النون وإنما اللبس الحصين بمهملتين ونون وهم جماعة في الاسماء والكنى والاباء والحضين مثله لكن بضاد معجمة وهو واحد أخرج له مسلم وهو حضين بن منذر أبو ساسان له صحبة وقد نبه علي وهم القابسي في ذلك عياض وأضاف إليه الاصيلي فقال قال القابسي ليس في البخاري بالضاد المعجمة سوى الحضين بن محمد قال عياض وكذا وجدت الاصيلي قيده في أصله وهو وهم والصواب ما للجماعة بصاد مهملة اه وما نسبه إلى الاصيلي ليس بمحقق لان النقطة فوق الحرف لا يتعين أن تكون من كاتب الاصل بخلاف القابسي فإنه أفصح به حتى قال أبو لبيد الوقشي كذا قرئ عليه قالوا وهو خطأ والله أعلم قوله باب الاقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وهو جبن اللبن المستخرج زبده وقد تقدم تفسيره في باب زكاة الفطر وغيره قوله وقال حميد الخ تقدم موصولا في باب الخبز المرقق قوله وقال عمرو بن أبي عمرو عن أنس تقدم أيضا في الباب المذكور لكن معلقا وبينت الموضع الذي وصله فيه مع شرحه ثم ذكر طرفا من حديث بن عباس في الضب لقوله فيه أهدت خالتي ضبابا وأقطا ولبنا وسيأتي شرحه في الذبائح قوله باب السلق بكسر السين المهملة نوع من البقل معروف فيه تحليل لسدد الكبد ومنه
[ 449 ]
صنف أسود يعقل البطن ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة العجوز التي كانت تصنع لهم أصول السلق في قدر يوم الجمعة وقد تقدم شرحه في كتاب الجمعة واحيل بشئ منه على كتاب الاستئذان وقد فرقه البخاري حديثين من رواية أبي غسان عن أبي حازم ووقع هنا من الزيادة في آخر الحديث والله ما فيه شحم ولا ودك وتقدم في تلك الرواية أن السلق يكون عرقه أي عوضا عن عرقه فإن العرق بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف العظم عليه بقية اللحم فإن لم يكن عليه لحم فهو عراق وقد صرح في هذه الرواية بأنه لم يكن فيه شحم ولاوك وهو بفتح الواو والمهملة بعدها كاف وهو الدسم وزنا ومعنى وعطفه على الشحم من عطف الاعم على الاخص والله علم وفي الحديث ما كان السلف عليه من الاقتصاد والصبر على قلة الشئ إلى ان فتح الله تعالى لهم الفتوح العظيمة فمنهم من تبسط في المباحات منها ومنهم من اقتصر على الدون مع القدرة زهدا وورعا قوله باب النهش وانتشال اللحم النهش بفتح النون وسكون الهاء بعدها شين معجمة أو مهملة وهما بمعنى عند الاصمعي وبه جزم الجوهري وهو القبض على اللحم بالفم وإزالته عن العظم وغيره وقيل المعجمة هذا وبالمهملة تناوله بمقدم الفم وقيل النهش بالمهملة للقبض على اللحم ونتره عند الاكل قال شيخنا في شرح الترمذي الامر فيه محمول على الارشاد فإنه علله بكونه أهنأ وأمرأ أي أشد هناء ومراءة ويقال هنئ صار هنيئا ومرئ صار مريئا وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها قال ولم يثبت النهي عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما إذا عسر نهشه بالسن قطع بالسكين وكذا إذا لم تحضر السكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني والله أعلم والانتشال بالمعجمة التناول والقطع والاقتلاع يقال نشلت اللحم من المرق أخرجته منه ونشلت اللحم إذا أخذت بيدك عضوا فتركت ما عليه وأكثر ما يستعمل في أخذ اللحم قبل أن ينضج ويسمى اللحم نشيلا وقال الاسماعيلي ذكر الانتشال مع النهش والانتشال التناول والاستخراج ولا يسمى نهشا حتى يتناول من اللحم قلت فحاصله أن النهش بعد الانتشال ولم يقع في شئ من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش وإنما ذكره بالمعنى حيث قال تعرق كتفا أي تناول اللحم الذي عليه بفمه وهذا هو النهش كما تقدم ولعل البخاري أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الذي سأذكره في الباب الذي يلي الباب بن الذي بعد هذا في النهي عن قطع اللحم بالسكين (5089) قوله عن محمد هو بن سيرين ووقع منسوبا في رواية الاسماعيلي قال بن بطال لا يصح لابن سيرين سماع من بن عباس ولا من بن عمر قلت سبق إلى ذلك يحيى بن معين وكذا قال عبد الله بن أحمد عن أبيه لم يسمع محمد بن سيرين من بن عباس يقول بلغنا وقال بن المديني قال شعبة أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة لقيه أيام المختار قلت وكذا قال خالد الحذاء كل شئ يقول بن سيرين ثبت عن بن عباس سمعه من عكرمة اه واعتماد البخاري في هذا المتن إنما هو على السند الثاني وقد ذكرت أن بن الطباع ادخل في الاول عكرمة بين بن سيرين وابن عباس وكأن البخاري أشار بإيراد السند الثاني إلى ما ذكرت من أن بن سيرين لم يسمع من بن عباس قلت وما له في البخاري عن بن عباس غير هذا الحديث وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن عيسى بن الطباع عن حماد بن زيد فأدخل بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمة وإنما صح عنده لمجيئه بالطريق الاخرى الثانية فأورده على الوجه الذي سمعه قوله تعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا في رواية عطاء بن يسار عن بن عباس كما تقدم في الطهارة أكل كتفا وعند سلم من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن بن عباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية خبز ولحم فأكل ثلاث لقم الحديث فأفادت تعيين جهة اللحم ومقدار ما أكل منه قوله وعن
[ 450 ]
أيوب هو معطوف على السند الذي قبله وأخطأ من زعم انه معلق وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق الفضل بن الحباب عن الحجبي وهو بعد الله بن عبد الوهاب شيخ البخاري فيه بالسند المذكور حاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين أحدهما عن بن سيرين باللفظ الاول والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الاحول باللفظ الثاني ومفاد الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مست النار قال الاسماعيلي وصله إبراهيم بن زياد وأحمد بن إبراهيم الموصلي وعارم ويحيى بن غيلان والحوضي كلهم عن حماد بن زيد وأرسله محمد بن عبيد بن حساب فلم يذكر فيه بن عباس قلت ووصله صحيح اتفاقا لانهم أكثر وأحفظ وقد وصلوا وأرسل فالحكم لهم عليه وقد وصله آخرون غير من سمي عن حماد بن زيد والله أعلم قوله باب تعرق العضد مضى تفسير التعرق وأما العضد فهو العظم الذي بين الكتف والمرفق وذكر المصنف حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الحج وأبو حازم المدني في إسناده هو سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد ومراده منه (5091) قوله في آخره فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها أي حتى لم يبق على عظمها لحما وقوله في آخره قال محمد بن جعفر وحدثني زيد بن أسلم هو معطوف على السند الذي قبله والحاصل أن لمحمد بن جعفر أي بن أبي كثير شيخ شيخ البخاري فيه اسنادين ووقع النسفي والاكثر قال بن جعفر غير مسمى وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني قال أبو جعفر فإن كان محمد بن جعفر يكنى أبا جعفر صحت رواية الكشميهني وإلا فهو بن لا أب والله أعلم قوله باب قطع اللحم بالسكين ذكر فيه حديث عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الطهارة ومعنى يحتز يقطع وأخرج أصحاب السنن الثلاثة من حديث المغيرة بن شعبة بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحز لي من جنب حتى إذن بلال فطرح
[ 451 ]
السكين وقال ما له تربت يداه قال بن بطال هذا الحديث يرد حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعته لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الاعاجم وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ قال أبو داود هو حديث ليس بالقوي قلت له شاهد من حديث صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ انهشوا اللحم نهشا فإنه أهنأ وأمرأ وقال لا نعرفه الا من حديث عبد الكريم اه وعبد الكريم هو أبو أمية بن أبي المخارق ضعيف لكن أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو حسن لكن ليس فيه ما زاده أبو معشر من التصريح بالنهي عن قطع اللحم بالسكين وأكثر ما في حديث صفوان أن النهش أولي وقد وقع في أول حديث الشفاعة الطويل الماضي في التفسير من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة أتى النبي صلى الله عيه وسلم بلحم الذراع فنهش منها نهشة الحديث قوله باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما أي مباحا أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه وذهب بعضهم إلى أن العيب أن كان من جهة الخلقة كره وأن كان من جهة الصنعة لم يكره قال لان صنعة الله لا تعاب وصنعة الادميين تعاب قلت والذي يظهر التعميم فإن فيه كسر قلب الصانع قال النووي من اداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب كقوله مالح حامض قليل الملح غليظ رقيق غير ناضج ونحو ذلك (5093) قوله عن أبي حازم هو الاشجعي وللاعمش فيه شيخ آخر أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عنه عن أبي يحيى مولى جعدة عن أبي هريرة وأخرجه أيضا من طريق أبي معاوية وجماعة عن الاعمش عن أبي حازم واقتصر البخاري على أبي حازم لكونه على شرطه دون أبي يحيى وأبو يحيى مولى جعدة بن هبيرة المخزومي مدني ماله عند مسلم سوى هذا الحديث وقد أشار أبو بكر بن أبي شيبة فيما رواه بن ماجة عنه إلى أن أبا معاوية تفرد بقوله عن الاعمش عن أبي يحيى فقال لما أورده من طريقه يخالفه فيه بقوله عن أبي حازم وذكره الدارقطني فيما انتقد على مسلم وأجاب عياض بأنه من الاحاديث المعللة التي ذكر مسلم في خطبه كتابه أنه يوردها ويبين علتها كذا قال والتحقيق أن هذا لا علة فيه لرواية أبي معاوية الوجهين جميعا وإنما كان يأتي هذا لو اقتصر على أبي يحيى فيكون حينئذ شاذا أما بعد أن وافق الجماعة على أبي حازم فتكون زيادة محضة حفظها أبو معاوية دون بقية أصحاب الاعمش وهو من أحفظهم عنه فيقبل والله أعلم قوله وأن كرهه تركه يعني مثل ما وقع له في الضب ووقع في رواية أبي يحيى وأن لم يشتهه سكت أي عن عيبه قال بن بطال هذا من حسن الادب لان المرء قد لا يشتهي الشئ ويشتهيه غيره وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب قوله باب النفخ في الشعير أي بعد طحنه لتطير منه قشوره وكأنه نبه بهذه الترجمة على أن النهي عن النفخ في الطعام خاص بالطعام المطبوخ (5094) قوله أبو غسان هو محمد بن مطرف وأبو حازم هو سلمة بن دينار وهو غير الذي قبله وهو أصغر منه وأن اشتركا في كون كل منهما تابعيا قوله النقي بفتح النون أي خبر الدقيق الحواري وهو النظيف الابيض وفي حديث البعث يحشر الناس على أرض عفراء كقرصة النقي وذكره في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أبي حازم أتم منه قوله قال لا هو موافق لحديث أنس المتقدم ما رأى مرققا قط قوله فهل كنتم تنخلون الشعير أي بعد طحنه قوله ولكن كنا ننفخه ذكره في الباب الذي بعده بلفظ هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل قال ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله تعالى وأظنه احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه وسلم كان سافر في تلك المدة إلى الشام تاجرا وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم
[ 452 ]
كثير وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم فأما بعد البعثة فلم يكن الا بمكة والطائف والمدينة ووصل إلى تبوك وهي من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولا طالت إقامته بها وقول الكرماني نخلت الدقيق أي غربلته الاولى أن يقول أي أخرجت منه النخالة قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون أي في زمانه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه ستة أحاديث الاول حديث أبي هريرة في قسمة التمر وسيأتي شرحه في باب بعد باب القثاء والرطب وقوله (5095) في هذه الرواية شدت من مضاغي بفتح الميم وقد تكسر وتخفيف الضاد المعجمة وبعد الالف غين معجمة هو ما يمضع أو هو المضغ نفسه ومراده أنها كانت فيها قوة عند مضغها فطال مضغة لها كالعلك وسيأتي بعد أبواب بلفظ هي اشدهن لضرسي الثاني حديث إسماعيل وهو بن خالد عن قيس وهو بن أبي حازم عن سعد وهو بن أبي وقاص ووقع في شرح بن بطال وتبعه بن الملقن عن قيس بن سعد عن أبيه كأنه توهمه قيس بن سعد بن عبادة وهو غلط فاحش فقد مضى الحديث في مناقب سعد من طريق قيس وهو بن أبي حازم سمعت سعدا ووقع في رواية مسلم عن قيس سمعت سعد بن أبي وقاص (5096) قوله رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه إشارة إلى قدم إسلامه وقد تقدم بيان ذلك في مناقبه من كتاب المناقب ووقع عند بن أبي خيثمة أن السبعة المذكورين أبو بكر وعثمان وعلى وزيد بن حارثة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكان إسلام الاربعة بدعاء أبي بكر لهم إلى الاسلام في أوائل البعثة وما على وزيد بن حارثة فأسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بعث قوله الا ورق الحبلة أو الحبلة الاول بفتح المهملة وسكون الموحدة والثاني بضمهما وقيل غير ذلك والمراد به ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه اللوبيا وقيل المراد عروق الشجر وسيأتي بسطه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى الثالث حديث سهل في النقي والمناخل تقدم في الباب الذي قبله وقوله (5097) في آخره وما بقي ثريناه بمثلثة وراء ثقيلة أي بللناه بالماء قوله فأكلناه يحتمل أن يريد اكلوه بغير عجن ولا خبز ويحتمل أنه أشار بذلك إلى عجنه بعد البل وخبزه ثم أكله والمنخل من الادوات التي جاءت بضم أولها الرابع حديث أبي هريرة أنه مر
[ 453 ]
بقوم بين أيديهم شاة مصلية أي مشوية والصلاة بالكسر والمد الشئ (5098) قوله فدعوه فأبى أن يأكل ليس هذا من ترك إجابة الدعوة لانه في الوليمة لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة استحضر حينئذ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من شدة العيش فزهد في أكل الشاة ولذلك قال خرج ولم يشبع من خبر الشعير وقد مضت الاشارة إلى ذلك في أول الاطعمة ويأتي مزيد له في كتاب الرقاق الخامس حديث أنس في الخوان والسكرجة تقدم شرحه قريبا السادس حديث عائشة في طعام البر تقدمت الاشارة إليه في أول الاطعمة ويأتي في الرقاق أيضا إن شاء الله تعالى قوله باب التلبينة بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم نون طعام يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل سميت بذلك لشببها باللبن في البياض والرقة والنافع منه ما كان رقيقا نضيجا لا غليظا نيئا وقوله (5101) مجمة بفتح الجيم والميم الثقيلة أي مكان الاستراحة ورويت بضم الميم أي مريحة والجمام بكسر الجيم الراحة وجم الفرس إذا ذهب اعياؤه وسيأتي شرح حديث عائشة في كتاب الطب أن شاء االله تعالى قوله باب الثريد بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم ومن أمثالهم الثريد أحمد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث الاول والثاني عن أبي موسى وأنس في فضل عائشة وقد تقدما في المناقب وفي أحاديث الانبياء في ترجمة موسى عليه السلام عند ذكر امرأة فرعون وفي ترجمة مريم والجمل في إسناد حديث أبي موسى بفتح الجيم وتخفيف الميم نسبة إلى بني جمل حي من مراد وقد تقدم شرح الحديث هناك وتقرير فضل الثريد وورد فيه أخص من هذا فعند أحمد من حديث أبي هريرة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في السحور والثريد وفي سنده ضعف وللطبراني من حديث سلمان رفعه البركة في ثلاثة الجماعة والسحور والثريد وأبو طوالة في
[ 454 ]
حديث أنس هو عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم ووزعم عياض أنه وقع في رواية أبي ذر هنا عن بن أبي طوالة وهو خطأ ولم أره في النسخة التي عندنا من طريق أبي ذر الا على الصواب وذكر القابسي حدثنا خالد بن عبد الله بن أبي طوالة وهو تصحيف وإنما هو عن أبي طوالة ثالثها حديث أنس في الخياط (5104) قوله سمع أبا حاتم هو أشهل بن حاتم البصري ووقع في نسخة الصغاني تسميته وتسمية أبيه في الاصل وفي نسخة حدثنا أشهل بن حاتم وابن عون هو عبد الله قوله على غلام له خياط تقدم أنه لم يسم وتقدم شرح الحديث في باب من تتبع حوالي القصعة قوله باب شاة مسموطة والكتف والجنب ذكر فيه حديث أنس وفيه ولا رأى شاة سميطة وفي رواية الكشميهني مسموطة وحديث عمرو بن أمية يحتز من كتف شاة وقد تقدما قريبا وأما الجنب فأشار به إلى حديث أم سلمة أنها قربت إلى النبي إلي الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة أخرجه الترمذي وصححه وتقدم في باب قطع اللحم بالسكين الاشارة إلى حديث المغيرة بن شعبة وفيه عند أبي داود والنسائي ضفت النبي صلى الله عليه سلم فأمر بجنب فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها منه قال بن بطال يجمع بين هذا الحديث وكذا حديث عمرو بن أمية وبين قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى شاة مسموطة فذكر ما تقدم في باب الخبز المرقق وقد مضى البحث فيه مستوفى (0) قوله باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم ليس في شئ من أحاديث الباب للطعام ذكر وإنما يؤخذ منها بطريق الالحاق أو من مقتضى قول عائشة ما شبع من خبز البر المأدوم ثلاثا فإنه لا يلزم من نفى كونه مأدوما نفى كونه مطلقا وفي وجود ذلك ثلاثا مطلقا دلالة على جواز تناوله وابقائه في البيوت ويحتمل أن يكون المراد بالطعام ما يطعم فيدخل فيه كل إدام قوله وقالت عائشة وأسماء صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سفره تقدم حديث عائشة موصولا في باب الهجرة إلى المدينة مطولا وحديث أسماء تقدم في الجهاد وسبق الكلام فيه قريبا ثم ذكر فيه حديثين أحدهما عن عائشة (5107) قوله عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه هو عابس بمهملة ثم موحدة ثم مهلمة بن ربيعة النخعي الكوفي تابعي كبير ويلتبس به عابس بن ربيعة القطيفي صحابي ذكره بن يونس وقال له صحبة
[ 455 ]
وشهد فتح مصر ولم أجد لهم عنه رواية قوله قالت ما فعله الا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير بينت عائشة في هذا الحديث أن النهي عن ادخار لحوم الاضاحي بعد ثلاث نسخ وأن سبب النهي كان خاصا بذلك العام للعلة التي ذكرتها وسيأتي بسط هذا في أواخر كتاب الاضاحي إن شاء الله تعالى وعرض البخاري منه قولها وأن كنا لنرفع الكراع الخ فإن فيه بيان جواز ادخار اللحم وأكل القديد وتعبت أن سبب ذلك قلة اللحم عندهم بحيث إنهم لم يكونوا يشبعون من خبز البر ثلاثة أيام متوالية قوله وقال بن كثير هو محمد وهو من مشايخ البخاري وغرضه تصريح سفيان وهو الثوري بأخبار عبد الرحمن بن عابس له به وقد وصله الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير به قوله في حديث جابر حدثنا سفيان هو بن عيينة وسفيان الذي قبله في حديث عائشة هو الثوري كما بينته قوله تابعه محمد عن بن عيينة قيل أن محمدا هذا هو بن سلام وقد وقع لي الحديث في مسند محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان ولفظه كنا نعزل عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وكنا نتزود لحوم الهدى إلى المدينة قوله وقال بن جريج الخ وصل المصنف أصل الحديث في باب ما يؤكل من البدن من كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا ولم يذكر هذه الزيادة وقد ذكرها مسلم في روايته عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال بعد قوله كلوا وتزودوا قلت لعطاء أقال جابر حتى جئن المدينة قال نعم كذا وقع عنده بخلاف ما وقع عند البخاري قال لا والذي وقع عند البخاري هو المعتمد فإن أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك وكذلك أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد وقد نبه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة الحميدي في جمعه وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحا واغفل ذلك شراح البخاري أصلا فيما وقفت عليه ثم ليس المراد بقوله لا نفي الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزود لحوم الهدى إلى المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة والله أعلم لكن قد أخرج مسلم من حديث ثوبان قال ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال لي يا ثوبان أصلح لحم هذه فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة قال بن بطال في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار طعام لغد وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئا ولو قل وأن من ادخر أساء الظن بالله وفي هذه الاحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك قوله باب الحيس بفتح المهملة وسكون
[ 456 ]
التحتانية بعدها مهملة تقدم تفسيره مع شرح حديث الباب في قصة صفية في غزوة خيبر من كتاب المغازي واصل الحيس ما يتخذ من التمر والاقط والسمن وقد يجعل عوض الاقط الفتيت أو الدقيق وقوله (5109) فيه وضلع الدين بفتح الضاد المعجمة واللام أي ثقله وحكى بن التين سكون اللام وفسره بالميل ويأتي مزيد لشرح هذا الداء في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقوله يحوى بحاء مهلمة واو ثقيلة أي يجعل لها حوية وهو كساء محشو يدار حول سنام الراحلة يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه قوله ثم أقبل حتى بدا له أحد تقدم الكلام عليه في أواخر الحج وقوله مثل ما حرم به إبراهيم مكة قال الكرماني مثل منصوب بنزع الخافض أي بمثل ما حرم به وليست لفظة به زائدة (0) قوله باب الاكل في إناء مفضض أي الذي جعلت فيه الفضة كذا اقتصر من الانية على هذا والاكل في جميع الانية مباح الا إناء الذهب وإناء الفضة واختلف في الاناء الذي فيه شئ من ذلك أما بالتضبيب وأما بالخلط وأما بالطلاء وحديث حذيفة الذي ساقه في الباب فيه النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ويؤخذ منع الاكل بطريق الالحاق وهذا بالنسبة لحديث حذيفة وقد ورد في حديث أم سلمة عند مسلم كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الاشربة ذكر الاكل فيكون المنع منه بالنص أيضا وهذا في الذي جميعه من ذهب أو فضة أما المخلوط أو المضبب أو المموه وهو المطلي فرود فيه حديث أخرجه الدارقطني والبيهقي عن بن عمر رفعه من شرب في آنية الذهب والفضة أو إناء فيه شئ من ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم قال البيهقي المشهور عن بن عمر موقوف عليه ثم أخرجه كذلك وهو عند بن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة ومن طريق أخرى عنه أنه كان يكره ذلك وفي الاوسط للطبراني من حيث أم عطية نهى رسول الله صلى الله عيه وسلم عن تفضيض الاقداح ثم رخص فيه للنساء قال مغلطاي لا يطابق الحديث الترجمة الا أن كان الاناء الذي سقي فيه حذيفة كان مضببا فإن الضبة موضع الشفة عند الشرب وأجاب الكرماني بأن لفظ مفضض وأن كان ظاهرا فيما فيه فضة لكنه يشمل ما إذا كان متخذا كله من فضة والنهي عن الشرب في آنية الفضة يلحق به الاكل للعلة الجامعة فيطابق الحديث الترجمة والله أعلم قوله باب ذكر الطعام ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي موسى مثل المؤمن
[ 457 ]
الذي يقرأ القرآن وقد سبق شرحه في فضائل القرآن والغرض منه تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى الطعم ثانيها حديث أنس في فضل عائشة وقد مضى التنبيه عليه قريبا وذكر فيه الطعام ثالثها حديث أبي هريرة السفر قطعة من العذاب ذكره لقوله فيه يمنع أحدكم نومه وطعامه وقد مضى شرحه في أواخر أبواب العمرة بعد كتاب الحج قال بن بطال معنى هذه الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وأن الزهد ليس في خلاف ذلك فإن في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب وتشبيه الكافر بما طعمه مر ترغيبا في أكل الطعام الطيب والحلو قال وإنما كره للسلف الادمان على أكل الطيبات خشية أن يصير ذلك عادة فلا تصبر النفس على فقدها قال وأما حديث أبي هريرة ففيه إشارة إلى أن الآدمي لا بد له في الدنيا من طعام نعيم به جسده ويقوى به على طاعة ربه وأن الله جل وعلا جميل النفوس على ذلك لقوام الحياة لكن المؤمن يأخذ من ذلك بقدر ايثاره أمر الآخرة على الدنيا وزعم مغلطاي أن بن بطال قال قبل حديث أبي هريرة ما معناه ليس فيه ذكر الطعام قال مغلطاي قوله ليس فيه ذكر الطعام ذهول شديد فإن لفظ المتن يمنع أحدكم نومه وطعامه اه وتعقبه صاحبه الشيخ سراح الدين بن الملقن بأنه لا ذهول فإن عبارة بن بطال ليس فيها ذكر أفضل الطعام ولا أدناه وهو كما قال فلم يذهل قوله باب الادم بضم الهمزة والدال المهملة ويجوز اسكانها جمع إدام وقيل هو بالاسكان المفرد وبالضم الجمع ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وفيه فأتى بأدم من آدم البيت وفيه ذكر اللحم الذي تصدق به على بريرة وقد مضى شرحه مستوفي في الكلام على قصة بريرة في الطلاق وحكى بن بطال عن الطبري قال دلت القصة على ايثاره عليه الصلاة والسلام اللحم إذا وجد إليه السبيل ثم ذكر حديث بريرة رفعه سيد الادام في الدنيا والآخرة اللحم وأما ما ورد عن عمر وغيره من السلف من إيثار أكل غير اللحم على اللحم فأما لقمع النفس عن تعاطي الشهوات والادمان عليها وأما لكراهة الاسراف والاسراع في تبذير المال لقلة الشئ عندهم إذ ذاك ثم ذكر حديث جابر لما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم وذبح له الشاة فلما قدمها إليه قال له كأنك قد علمت حبنا للحم وكان ذلك لقلة الشئ عندهم فكان حبهم له لذلك اه ملخصا وحديث بريرة أخرجه بن ماجة وحديث جابر أخرجه أحمد مطولا من طريق نبيح العنزي
[ 458 ]
عنه وأصله في الصحيح بدون الزيادة وقد اختلف الناس في الادم فالجمهور أنه ما يؤكل به الخبز بما يطيبه سواء كان مرقا أم لا واشترط أبو حنيفة وأبو يوسف الاصطناع وسيأتي بسط ذلك في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى ووقع في حديث عائشة فقال أهلها ولنا الولاء هو معطوف على محذوف تقديره نبيعها ولنا الولاء وفيه فقال لو شئت شرطتيه بإثبات التحتانية وهي ناشئة عن اشباع حركة المثناة وفيه واعتقت فخيرت بن أن تقر تحت زوجها أو تفارقة قال بن التين يصح أن يكون أصله من وقر فتكون الراء مخففه يعني والقاف مكسورة يقال وقرت أقر إذا جلست مستقرا والمحذوف فاء الفعل قال ويصح أن تكون القاف مفتوحة يعني مع تشديد الراء من قولهم قررت بالمكان أقر يقال بفتح القاف ويجوز بكسرها من قر يقر اه ملخصا والثالث هو المحفوظ في الرواية تنبيه اورد البخاري هذا الحديث هنا من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة عن القاسم بن محمد قال كان في بريرة ثلاث سنن وساق الحديث وليس فيه أنه اسنده عن عائشة وتعقبه الاسماعيلي فقال هذا الحديث الذي صححه مرسل وهو كما قال من ظاهر سياقه لكن البخاري اعتمد على إيراده موصولا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة كما تقدم في النكاح والطلاق ولكنه جرى على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر وقد بينت وصل هذا الحديث في باب لا يكون بيع الامة طلاقا من كتاب الطلاق والله أعلم الله عز وجلقوله باب الحلوى والعسل كذا لابي ذر مقصور ولغيره ممدود وهما لغتان قال بن ولاد هي عند الاصمعي بالقصر تكتب بالياء وعند الفراء بالمد تكتب بالالف وقيل تمد وتقصر وقال الليث الاكثر على المد وهو كل حلو يؤكل وقال الخطابي اسم الحلوى لا يقع الا على ما دخلته الصنعة وفي المخصص لابن سيده هي ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (5115) قوله يحب الحلوى والعسل كذا في الرواية للجميع بالقصر وقد تقدم في أبواب الطلاق بالوجهين وهو طرف من حديث تقدم في قصة التخيير قال بن بطال الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى كلوا من الطيبات وفيه تقوية لقول من قال المراد به المستلذ من المباحات ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة كما تقدم تقريره في أول كتاب الاطعمة وقال الخطابي وتبعه بن التين لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا احضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه ويؤخذ منه جواز اتخاذ الاطعمة من أنواع شتى وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة الا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل وهذا الحديث يرد عليه وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة مع القدرة على ذلك في الدنيا تواضعا لا شحا ووقع في كتاب فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي صلى لله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم وزن عظيم وهو ثمر يعجن بلبن وسيأتي في باب الجمع بين لونين ذكر من روى حديث أنه كان يحب الزبد والتمر وفيه رد على من زعم أن المراد بالحلوى أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب كل يوم قدح عسل يمزج بالماء وأما الحلوى المصنوعة فما كان يعرفها وقيل المراد بالحلوى الفالوذج لا المعقودة على النار والله أعلم (5116) قوله حدثنا عبد الرحمن بن شيبة هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة الحزامي بالمهلمة والزاي المدني نسبة إلى جد أبيه وغلط بعضهم فقال عبد الرحمن بن أبي شيبة ولفظ أبي زيادة على سبيل الغلط المحض وما لعبد الرحمن في البخاري سوى موضعين هذا أحدهما قوله بن أبي الفديك هو محمد بن إسماعيل وأكثر ما يرد بغير ألف ولام قوله كنت ألزم تقدم هذا الحديث في المناقب من وجه آخر عن بن أبي ذئب وأوله يقول الناس أكثر أبو هريرة الحديث قوله أشبع طني في رواية
[ 459 ]
الكشميهني بشبع بالموحدة والمعنى مختلف فإن الذي بالباء يشعر بالمعاوضة لكن رواية اللام لا تنفيها قوله ولا ألبس الحرير كذا هنا للجميع تقدم في المناقب بلفظ الحبير بالموحدة بدل الراء الاولى وتقدم أنه للكشميهني براءين وقال عياض هو بالموحدة في رواية القابسي والاصيلي وعبدوس وكذا لابي ذر عن الحموي وكذا هو للنسفي وللباقين براءين كالذي هنا ورجح عياض الرواية بالموحدة وقال هو الثوب المحبر وهو المزين الملون مأخوذ من التحبير وهو التحسين وقيل الحبير ثوب وشي مخطط وقيل هو الجديد وإنما كانت رواية الحرير مرجوحة لان السياق يشعر بأن أبا هريرة كان يفعل ذلك بعد أن كان لا يفعله وهو كان لا يلبس الحرير لا أولا ولا اخرا بخلاف أكله الخمير ولبسه الحبير فإنه صار يفعله بعد أن كان لا يجده قوله ولا يخدمني فلان وفلانة يحتمل أن يكون أبو هريرة هو الذي كنى وقصد الابهام لارادة التعظيم والتهويل ويحتمل أن يكون سمي معينا وكنى عنه الراوي وقد أخرج بن سعد من طريق أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة قال ولقد رأيتني وإني لاجير لابن عفان وبنت غزوان بطعام بعل وعقبة رجلي اسوق بهم إذا ارتحلوا واخدمهم إذا نزلوا فقالت لي يوما لتردن حافيا ولتركبن قائما فزوجنيها الله تعالى فقلت لها اتردن حافية ولتركبن قائمة وسنده صحيح وهو في آخر حديث أخرجه البخاري والترمذي بدون هذه الزيادة وأخرج بن سعد أيضا وابن ماجة من طريق سليم بن حيان سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول نشأت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان الحديث قوله واستقرئ الرجل الآية وهي معي تقدم شرح قصته في ذلك مع عمر في أوائل الاطعمة وقصته في ذلك مع جعفر في كتاب المناقب قوله وخير الناس للمساكين جعفر تقدم شرحه في المناقب ووقع في رواية الاسماعيلي من الزيادة في هذا الحديث من طريق إبراهيم المخزومي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين قلت وإبراهيم المخزومي هو بن الفضل ويقال بن إسحاق المخزومي مدني ضعيف ليس من شرط هذا الكتاب وقد اوردت هذه الزيادة في المناقب عن الترمذي وهي من رواية إبراهيم أيضا وأشار إلى ضعف إبراهيم قال بن المنير مناسبة حديث أبي هريرة للترجمة أن الحلوى تطلق على الشئ الحلو ولما كانت العكة يكون فيها غالبا العسل وربما جاء مصرحا به في بعض طرقه ناسب التبويب قلت إذا كان ورد في بعض طرقه العسل طابق الترجمة لانها مشتملة على ذكر الحلوى والعسل معا فيؤخذ من الحديث أحد ركني الترجمة ولا يشترط أن يشتمل كل حديث في الباب على جميع ما تضمنته الترجمة بل يكفي التوزيع وإطلاق الحلوى على كل شئ حلو خلاف العرف وقد جزم الخطابي بخلافة كما تقدم فهو المعتمد قوله فنشتفها قيده عياض بالشين المعجمة والفاء ورجح بن التين أنه بالقاف لان معنى الذي بالفاء أن يشرب ما في الاناء كما تقدم والمراد هنا إنهم لعقوا ما في العكة بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك قوله باب الدباء ذكر فيه حديث أنس في قصة الخياط من طريق ثمامة عن أنس وقد تقدم شرحه وضبطه وتقدمت الاشارة إلى موضع شرحه قريبا وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق حكيم بن جابر عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وعنده هذا الدباء
[ 460 ]
فقلت ما هذا قال القرع وهو الدباء نكثر به طعامنا قوله باب الرجل يتكلف الطعام لاخوانه قال الكرماني وجه التكلف من حديث الباب أنه حصر العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر وسبق إلى نحو ذلك بن التين وزاد أن التحديد ينافي البركة ولذلك لما لم يحدد أبو طلحة حصلت في طعامه البركة حتى وسع العدد الكثير (5118) قوله عن أبي وائل عن أبي مسعود في رواية أبي أسامة عن الاعمش حدثنا شقيق وهو أبو وائل حدثنا أبو مسعود وسيأتي بعد اثنين وعشرين بابا وللاعمش فيه شيخ آخر نبهت عليه في أوائل البيوع أخرجه مسلم من طريق زهير وغيره عن أبي سفيان عن جابر مقرونا برواية أبي وائل عن أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو ووقع في بعض النسخ المتأخرة عن بن مسعود وهو تصحيف قوله كان من الانصار رجل يقال له أبو شعيب لم اقف على اسمه وقد تقدم في أوائل البيوع أن بن نمير عند أحمد والمحاملي رواه عن الاعمش فقال فيه عن أبي مسعود عن أبي شعيب جعله من مسند أبي شعيب قوله وكان له غلام لحام لم اقف على اسمه وقد تقدم في البيوع من طريق حفص بن غياث عن الاعمش بلفظ قصاب ومضى تفسيره قوله فقال أصنع لي طعاما أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة زاد في رواية حفص واجعل لي طعاما يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفت في وجهه الجوع وفي رواية أبي أسامة اجعل لي طعيما وفي رواية جرير عن الاعمش عند مسلم أصنع لنا طعاما لخمسة نفر قوله فدعا النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة في الكلام حذف تقديره فصنع فدعاه وصرح بذلك في رواية أبي أسامة ووقع في رواية أبي معاوية عن الاعمش عند مسلم والترمذي وساق لفظها فدعاه وجلساءه الذين معه وكأنهم كانوا أربعة وهو خامسهم يقال خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى قال الله تعالى ثاني اثنين وقال ثالث ثلاثة وفي حديث بن مسعود رابع أربعة ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والاجود نصب خامس على الحال ويجوز الرفع على تقدير حذف أي وهو خامس أو وأنا خامس والجملة حينئذ حالته قوله فتبعهم رجل في رواية أبي عوانة عن الاعمش في المظالم فاتبعهم وهي بالتشديد بمعنى تبعهم وكذا في رواية جرير وأبي معاوية وذكرها الداودي بهمزة قطع وتكلف بن التين في توجيهها ووقع في رواية حفص بن غياث فجاء معهم رجل قوله وهذا رجل تبعنا في رواية أبي عوانة وجرير اتبعنا بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا قوله فإن شئت أذنت له وأن شئت تركته في رواية أبي عوانة وأن شئت أن يرجع رجع وفي رواية جرير وأن شئت رجع وفي رواية أبي معاوية فإنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا فإن أذنت له دخل قوله بل أذنت له في رواية أبي أسامة لا بل أذنت له وفي رواية جرير لا بل أذنت له يا رسول الله وفي رواية أبي معاوية فقد أذنا له فليدخل ولم اقف على اسم هذا الرجل في شئ من طرق هذا الحديث ولا على اسم واحد من الاربعة وفي الحديث من الفوائد جواز الاكتساب بصنعة الجزارة واستعمال العبد فيما يطيق من الصنائع
[ 461 ]
وانتفاعه بكسبه منها وفيه مشروعية الضيافة وتأكد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك وفيه أن من صنع طعاما لغيره فهو بالخيار بين أن يرسله إليه أو يدعوه إلى منزله وأن من دعا أحدا استحب أن يدعو معه من يرى من اخصائه وأهل مجالسته وفيه الحكم بالدليل لقوله إني عرفت في وجهه الجوع وأن الصحابة كانوا يديمون النظر إلى وجهه تبركا به وكان منهم من لا يطيل النظر في وجهه حياء منه كما صرح به عمرو بن العاص فيما أخرجه مسلم وفيه أنه كان صلى الله عليه وسلم يجوع أحيانا وفيه إجابة الامام والشريف والكبير دعوة من دونهم واكلهم طعام ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار وأن تعاطى مثل تلك الحرفة لا يضع قدر من يتوفى فيها ما يكره ولا تسقط بمجرد تعاطيها شهادته وأن من صنع طعاما لجماعة فليكن على قدرهم أن لم يقدر على أكثر ولا ينقص من قدرهم مستندا إلى أن طعام الواحد يكفي الاثنين وفيه أن من دعا قوما متصفين بصفة ثم طرأ عليهم من لم يكن معهم حينئذ أنه لا يدخل في عموم الدعوة وأن قال قوم أنه يدخل في الهدية كما تقدم أن جلساء المرء شركاؤه فيما يهدي إليه وأن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه وأن من قصد التطفيل لم يمنع ابتداء لان الرجل تبع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرده لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالاذن له وينبغي أن يكون هذا الحديث أصلا في جواز التطفيل لكن يقيد بمن أحتاج إليه وقد جمع الخطيب في أخبار الطفيليين جزءا فيه عدة فوائد منها أن الطفيلي منسوب إلى رجل كان يقال له طفيل من بني عبد الله بن غطفان كثر منه الاتيان إلى الولائم بغير دعوة فسمى طفيل العرائس فسمى من اتصف بعد بصفته طفيليا وكانت العرب تسمية الوارش بشين معجمة وتقول لمن يتبع المدعو بغير دعوة ضيفن بنون زائدة قال الكرماني في هذه التسمية مناسبة اللفظ للمعنى في التبعية من حيث أنه تابع للضيف والنون تابعة للكلمة واستدل به على منع استتباع المدعو غيره الا إذا علم من الداعي الرضا بذلك وأن الطفيلي يأكل حراما ولنصر بن علي الجهضمي في ذلك قصة جرت له مع طفيلي واحتج نصر بحديث بن عمر رفعه من دخل بغير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا وهو حديث ضعيف أخرجه أبو داود واحتج عليه الطفيلي بأشياء يؤخذ منها تقييد المنع بمن لا يحتاج إلى ذلك ممن يتطفل وبمن يتكره صاحب الطعام الدخول إليه أما لقلة الشئ أو استثقال الداخل وهو يوافق قول الشافعية لا يجوز التطفيل الا لمن كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وفيه أن المدعو لا يمتنع من الاجابة إذا أمتنع الداعي من الاذن لبعض من صحبه وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس أن فارسيا كان طيب المرق صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ثم دعاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لعائشة قال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فيجاب عنه بأن الدعوة لم تكن لوليمة وإنما صنع الفارسي طعاما بقدر ما يكفي الواحد فخشي أن إذن لعائشة أن لا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الفرق أن عائشة كنت حاضرة عند الدعوة بخلاف الرجل وأيضا فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل اللحام بخلاف الفارسي فلذلك أمتنع من الاجابة الا أن يدعوها أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه لانه كان موصوفا بالجودة ولم يعلم مثله في قصة اللحام وأما قصة أبي طلحة حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العصيدة كما تقدم في علامات النبوة فقال لمن معه قوموا فأجاب عنه المازري أنه يحتمل أن يكون علم رضا أبي طلحة فلم يستأذنه ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه ولان الذي أكله القوم عند أبي طلحة كان مما خرق الله فيه العادة لنبيه صلى الله عليه وسلم فكان جل ما اكلوه من البركة التي لا صنيع لابي طلحة فيها فلم يفتقر إلى استئذانه أو لانه لم يكن بينه وبين القصاب من المودة ما بينه وبين أبي طلحة أو لان أبا طلحة صنع الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كيف أراد وأبو شعيب صنعه له ولنفسه ولذلك حدد بعدد معين ليكون ما يفضل عنهم له ولعياله مثلا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فاستأذنه لذلك لانه أخبر بما يصلح نفسه وعياله وفيه أنه ينبغي لمن استؤذن في مثل ذلك أن يأذن للطارئ كما فعل أبو شعيب وذلك من مكارم الاخلاق ولعله سمع الحديث الماضي طعام الواحد يكفي الاثنين أو رجا أن يعم الزائد بركة النبي صلى الله عليه وسلم